البحث العلمى أساسياته النظرية وممارسته العملية

رجاء وحيد دويدري

المقدمات

المقدمات المحتوى ... المحتوى الصفحة الموضوع 5 المحتوى 11 مقدمة الكتاب 15 محتوى تنظيم الكتاب 19 الباب الأول: العلم والتفكير العلمي 21 الفصل الأول: العلم والبحث العلمي 21 المبحث الأول: العلم ... ما هو؟ 24 المبحث الثاني: بين العلم والمعرفة 28 المبحث الثالث: أهداف العلم 30 المبحث الرابع: التفكير العلمي وخصائصه 36 المحبث الخامس: تصنيف العلوم عند العرب 39 المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي 52 المبحث السابع: العلم الحديث إحياء واجتهاد 57 الفصل الثاني: الباحث والبحث العلمي 57 المبحث الأول: قراءة تاريخية 62 المبحث الثاني: الباحث العلمي وخصائصه 66 المبحث الثالث: خصائص البحث العلمي 74 المبحث الرابع: أنشطة البحوث 83 المبحث الخامس: دور التراث العربي في إحياء البحث العلمي 94 المبحث السادس: المنظور المعاصر للبحث العلمي 103 الفصل الثالث: المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي 103 المبحث الأول: المفهوم 107 المبحث الثاني: مفاهيم في البحث العلمي: المشكلة والفرضية 114 المبحث الثالث: الملاحظة والحقيقة والنظرية 119 المبحث الرابع: البناءات والمتحولات 125 الباب الثاني: مناهج البحث العلمي 127 الفصل الرابع: المناهج 127 المبحث الأول: تعريف بالمصطلحات

الصفحة الموضوع 131 المبحث الثاني: الخلفية التاريخية لمناهج البحث العلمي 137 المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث العربي الإسلامي 146 المبحث الرابع: تصنيفات مناهج البحث العلمي 151 الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي 151 تمهيد 153 المبحث الأول: منهج البحث التاريخي عند العرب 157 المبحث الثاني: مراحل البحث التاريخي 162 المبحث الثالث: نقد الوقائع والحقائق 166 المبحث الرابع: التركيب التاريخي 174 المبحث الخامس: إنشاء البحث التاريخي 177 المبحث السادس: تقويم منهج البحث التاريخي 183 الفصل السادس: منهج البحث الوصفي 183 تمهيد 184 المبحث الأول: منهج البحث الوصفي عند العرب 191 المبحث الثاني: مراحل المنهج الوصفي 193 المبحث الثالث: أنماط البحوث الوصفية: الدراسة المسحية 200 المبحث الرابع: دراسة العلاقات المتبادلة 211 المبحث الخامس: الدراسات النمائية 215 المبحث السادس: تحليل المضمون 218 المبحث السابع: تقويم منهج البحث الوصفي 221 الفصل السابع: منهج البحث التجريبي 211 تمهيد 222 المبحث الأول: المنهج التجريبي عند العرب المبحث الثاني: تعريف بالمصطلحات 227 المبحث الثالث: المناهج التجريبية: المنهج التجريبي، المنهج التجربي التجريبي، المنهج التجريبي 230 المبحث الرابع: البحث التجريبي وسماته العلمية 233 المبحث الخامس: أسلوب البحث التجريبي 236 المبحث السادس: التصميم التجريبي وقواعده

الصفحة الموضوع 240 المبحث السابع: مراحل التصميم التجريبي 242 المبحث الثامن: صياغة الفرضية من أجل التجريب 244 المبحث التاسع: مشكلة التصميم والتفصيلات الإجرائية للتجربة 249 المبحث العاشر: مرحلة النظرية 252 المبحث الحادي عشر: تقويم منهج البحث التجريبي 255 الباب الثالث: الطرائق الرياضية في البحوث العلمية 257 الفصل الثامن: التحليل الإحصائي 257 تمهيد 259 المبحث الأول: جانب من علم الإحصاء: نظرية الاحتمالات 262 المبحث الثاني: الأساليب الإحصائية: الأساليب الإحصائية الوصفية 266 المبحث الثالث: الأساليب الإحصائية الارتباطية 269 الفصل التاسع: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي: "الأنظمة" 269 تمهيد 270 المبحث الأول: تعريف النظام 272 المبحث الثاني: عناصر النظام والروابط بينها 275 المبحث الثالث: المدخلات والمخرجات 278 المبحث الرابع: منهاج تحليل النظم 280 المبحث الخامس: أنواع الأنظمة 282 المبحث السادس: استخدام الأنظمة 287 الفصل العاشر: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي: "النماذج" 287 تمهيد 288 المبحث الأول: تعريف النموذج 290 المبحث الثاني: بناء النموذج 292 المبحث الثالث: أنواع النماذج واستخدامها 295 المبحث الرابع: النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية 299 المبحث الخامس: أهمية النماذج 303 الباب الرابع: أدوات البحث العلمي 305 الفصل الحادي عشر: العينة

الصفحة الموضوع 305 تمهيد 306 المبحث الأول: اختيار العينة 310 المبحث الثاني: أنواع العينات 315 المبحث الثالث: مزايا العينة وعيوبها 317 الفصل الثاني عشر: الملاحظة 317 تمهيد 318 المبحث الأول: الملاحظة الدقيقة 320 المبحث الثاني: أنواع الملاحظ وإجراءتها 322 المبحث الثالث: مزايا الملاحظة وعيوبها 323 الفصل الثالث عشر: المقابلة 333 تمهيد 324 المبحث الأول: أسس المقابلة العلمية وطرقها 330 المبحث الثاني: محتويات الاستبيان وخطواته 332 المبحث الثاني: محتويات الاستبيان وأشكاله 335 المبحث الثالث: مزايا وعيوب الاستبيان 339 الفصل الخامس عشر: وسائل القياس 339 تمهيد 340 المبحث الأول: كيفية اختيار المقياس 341 المبحث الثاني: طرق القياس 344 المبحث الثالث: الاختبارات 348 المبحث الرابع: الأساليب الإسقاطية 350 المبحث الخامس: أساليب أخرى 355 الباب الخامس: مصادر البحث العلمي 357 الفصل السادس عشر: إعداد المصادر والمراجع وتقويمها

الصفحة الموضوع 357 تمهيد 358 المبحث الأول: المصدر والمراجع 360 المبحث الثاني: إعداد المراجع وتقويمها 362 المبحث الثالث: مصادر ومراجعها المعرفة العلمية 364 المبحث الرابع: الإنترنيت 367 الفصل السابع عشر: الباحث والمكتبة 367 تمهيد 368 المبحث الأول: التصنيف العشري 372 المبحث الثاني: تصنيف مكتبة الكونغرس 375 الفصل الثامن عشر: أساليب التوثيق الحديثة 375 المبحث الأول: التوثيق والتكشيف 377 المبحث الثاني: التقنيات الحديثة لتخزين المعلومات وتكشيفها 381 الفصل التاسع عشر: نسل المعلومات "الاقتباس" وتهميشها 381 المبحث الأول: نسل المعلومات 384 المبحث الثاني: التهميش "تدوين المصادر والمراجع" 397 الباب السادس: خطوات البحث العلمي 399 الفصل العشرون: مرحلة الإعداد للبحث العلمي 399 تمهيد 400 المبحث الأول: اختيار موضوع البحث 406 المبحث الثاني: وضع عنوان البحث 407 المبحث الثالث: وضع خطة البحث 408 المبحث الرابع: إعداد أولي للمصادر والمراجع 411 الفصل الحادي والعشرون: مرحلة إعداد البحث العلمي 411 تمهيد 411 المبحث الأول: تحديد مشكلة البحث وبيان أبعادها 412 المبحث الثاني: وضع الفروض 417 المبحث الثالث: تحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها 419 المبحث الرابع: إعداد المادة العلمية وخزنها

الصفحة الموضوع 422 المبحث الخامس: تحليل المادة العلمية 425 الفصل الثاني والعشرون: كتابة تقرير البحث العلمي تمهيد 426 المبحث الأول: التمييز بين المقالة وتقرير البحث العلمي 429 المبحث الثاني: كتابة تقرير البحث العلمي 438 المبحث الثالث: نتائج البحث، عرضها ومناقشتها 439 المبحث الرابع: التوصيات 441 المبحث الخامس: مستخلص البحث 443 الفصل الثالث والعشرون: الشكل، المنهاج، المحتوى 443 تمهيد 443 المبحث الأول: أسلوب الكتابة 445 المبحث الثاني: الجانب الشكلي 451 المبحث الثالث: الهوامش 454 المبحث الرابع: الجداول والأشكال والصور الفوتوغرافية 457 المبحث الخامس: المنهاج 461 المبحث السادس: المحتوى الفكري 463 الفصل الرابع والعشرون: مراجعة تقرير البحث العلمي وإخراجه وتقويمه 463 المبحث الأول: مراجعة تقرير البحث 465 المبحث الثاني: إخراج البحث 467 المبحث الثالث: تقويم تقرير البحث العلمي 471 الفصل الخامس والعشرون: ملحقات 471 المبحث الأول: ثبت محتويات تقرير البحث العلمي 473 المبحث الثاني: ثبت المصادر والمراجع "البيبلوغرافيا" 474 المبحث الثالث: الملاحق 475 المبحث الرابع: جدول الخطأ والصواب 477 ثبت مصادر ومراجع الحواشي "باللغة العربية والأجنبية" 485 ثبت المصدر والمراجع للاطلاع "باللغة العربية والأجنبية" 491 المصطلحات والمفاهيم العلمية

مقدمة الكتاب

مقدمة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم جرى الزمن وأشرق العلم الحديث منذ قرون ثلاث، وبدأت بذوره تؤتي أكلها في النصف الثاني من القرن العشرين، وحظي البحث العلمي بالعناية، وتزايد اهتمام المؤسسات العلمية بوسائله بهدف الاستطلاع الفكري وتحقيق المنفعة العالمية من العلم والبحث العلمي. لقد استثمر الباحثون العلميون المعارف الأولية، وتعاملوا معها بعقلية العلماء الذين يريدون الارتقاء من العلم النظري إلى التطبيق العملي، ومع تزايد الإقبال على العلم توضحت حاجة كل مشتغل بالبحث العلمي إلى الأصول والقواعد المتعارف عليها في إجرائه، والتي أضحت موضوع البحث العلمي اليوم، إذ إن كل فرع ناتج عن أصل مقبول، وكل فرع لا ينتمي إلى أصل فهو مردود، هذا هو مبدأ العلم وأصل العمل.

لكن بعض الباحثين ما يزالون يعانون من فراغ في الأصول السليمة للبحث العلمي، بسبب ندرة نسبية في المادة المكتوبة حوله وعدم شمولها الفكر والممارسة والمنهجية العلمية والتي هي اليوم أهم ما يلزم للبحث العلمي، حيث يختزل كثير من الجوانب، وتنقل تعليقات عابرة غير شاملة في كتاب يقدم للقراء. لذا جاء هذا الكتاب ليلقي الضوء ويوضح كل غموض، فهو رسول إيضاح ودليل علمي شامل لكل مشتغل بالبحث العلمي، فقد أحاط بالدقائق بحيث يجد فيه الباحث الإجابات عن الأسئلة التي يَسأل أو يُسأل عنها، يسير وفقها بخطة ثابتة وركائز تمثل الوضوح في البحث، وتؤدي بدقة وصحة كاملتين في نتائجها وفقا للمبادئ الأساسية والقواعد التطبيقية التي تتطلبها البحوث العلمية. ومما هو جدير بالذكر أن عماد هذا الكتاب هو الفكر والمنهج، وهو عون على إجراء البحوث العلمية وركيزة أساسية لكل مشتغل بها، مهما كان المجال العلمي الذي يعمل فيه الباحث؛ إذ إنه لا يخص علما دون آخر، لأن العلوم رغم اختلاف صنوفها تلتقي جميعا في المناهج، ويقتصر الاختلاف على التطبيق العملي للأصول والقواعد المشتركة، كما إن فائدته لا تخص مستوى علميا واحدا، بل تعم جميع المشتغلين بالبحث العلمي، مهما كان المستوى العلمي الذي ينتمي إليه الباحث، جامعيا كان أو متخصصا. ولقد حرصنا في كل بحوث الكتاب على الأخذ بالموضوعية والدقة والتوثيق والوضوح، ووضعنا فيه ما يفيد بانسجام كامل، مع مراعاة التوازن بين الإيجاز في الشرح لمن له باع في البحث العلمي، والإسهاب لمن هو مبتدئ، كما حرصنا على تزويده بالمراجع التي عدنا إليها، والتي فيها ما يلبي حاجات الباحث وتطلعاته في مجال البحث العلمي. يقع كتابنا هذا في ستة أبواب: تناول الباب الأول العلم والتفكير العلمي، وبحث

الباث الثاني مناهج البحث العلمي، وتحدث الباب الثالث عن الطرائق الرياضية في البحوث العلمية، وعرض الباب الرابع أدوات البحث العلمي، وقدم الباب الخامس دراسة عن مصادر البحث العلمي بما يفيد الباحث والبحث، واهتم الباب السادس بخطوات البحث العلمي وكتابته. إن ما قدمناه في هذا الكتاب مفعم بالفائدة، لأنه شامل لروح البحث العلمي وبنيانه معا، مما جعل الجهد المبذول في تأليفه كبيرا، وهو ما سيلمسه القارئ لدى مطالعته للكتاب. هذا وأدين بالفضل العظيم في كل ما قدمته في هذا الكتاب إلى الله عز وجل، الذي قدرني على إنجازه، ثم إلى طبيعة المادة العلمية التي تناولها الكتاب بدقة وأمانة علمية، وإلى الأساتذة الفضلاء الذين جمعوا الحقائق فاستفدت منها وأفدت، فكل الشكر والتقدير للجهود المبذولة من كل الباحثين العلميين في شتى صنوف العلم ومناهجه، وإن كل ما أرجوه أن يسد هذا الكتاب فراغا في مجال البحث العلمي، كما أتمنى أن يكون حافزا لكافة المهتمين، كيما يزيدوا من بذلهم وإسهامهم في هذا الحقل الهام من الدراسة والبحث، والله ولي التوفيق. دمشق 3/ 12/ 1420هـ الموافق لـ 9/ 3/ 2000م أ. د. رجاء وحيد دويدري

محتوى تنظيم الكتاب

محتوى تنظيم الكتاب: تناول الكتاب الأساسيات النظرية والممارسة العلمية للبحث العلمي في أبواب ستة، بحيث تناول الباب الأول في فصوله الثلاثة العلم والبحث العلمي، فقد أوضح الفصل الأول ماهية العلم وميز بين العلم والمعرفة، وبين أهداف العلم، وأشار إلى التفكير العلمي وخصائصه، وذكر تصنيف العلوم عند العرب وأشار إلى قبسات علمية من التراث العربي، وأوضح أن العلم الحديث إحياء واجتهاد. وقدم الفصل الثاني الباحث والبحث العلمي، وأشار إلى الخلفية التاريخية، والباحث العلمي وخصائصه، وخصائص البحث العلمي وأنشطة البحوث ودور التراث في إحياء البحث العلمي، وذكر المنظور المعاصر للبحث العلمي، وفي الفصل الثالث تناول توضيح بعض المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي، بحيث أوضح معنى المفهوم وشرح مفاهيم في البحث العلمي: المشكلة والفرضية والملاحظة والحقيقة والنظرية والبناءات والمتحولات. انتقل الكتاب في الباب الثاني، وقد وقع في أربعة فصول، درست مناهج البحث العلمي، عرف في الفصل الرابع والمصطلحات، وبين الخلفية التاريخية لمناهج البحث العلمي، وذكر قبسات منهجية من التراث العربي الإسلامي، وانتهى الفصل بذكر

تصنيفات مناهج البحث العلمي، ثم شرح الفصل الخامس منهج البحث التاريخي، مراحله، خطواته، والفصل السادس منهج البحث الوصفي، واحتوى هذا الفصل أنماط البحوث الوصفية: الدراسات المسحية، ودراسة العلاقات المتبادلة، والدراسات النمائية وتحليل المضمون، وانتهى الباب الثاني بالفصل السابع بحيث درس منهج البحث التجريبي، عرف مصطلحاته، وبين سماته العلمية، وأسلوب البحث التجريبي، والتصميم التجريبي، وبعض قواعد تصميم التجارب، ومراحل التصمم التجريبي، وقد تناول هذا الباب تقويم كل منهج من مناهج البحوث العلمية المذكورة أعلاه. أما الباب الثالث فقد جاء في ثلاثة فصول: أوضح الطرائق الرياضية في البحوث العلمية بحيث تناول في الفصل الثامن التحليل الإحصائي، ذكر نظرية الاحتمالات، ودرس الأساليب الإحصائية الوصفية والارتباطية، وتناول في الفصل التاسع الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي، حيث درس: الأنظمة، عرف بها وبين عناصر النظام وأشار إلى المدخلات والمخرجات، وشرح منهاج تحليل النظم وعدد أنواع الأنظمة، وأوضح طريقة استخدامها، وتناول في الفصل العاشر النماذج، عرف بالنموذج وبين بناءه وأنواعه، وشرح النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية، وأوضح أهمية النماذج. احتوى الباب الرابع أربعة فصول تناولت أدوات البحث العلمي، بحيث شرح الفصل الحادي عشر العينة وبين كيفية اختيارها، أنواعها، مزاياها وعيوبها، وأوضح في الفصل الثاني عشر الملاحظة وأشار إلى الدقيقة منها، وبين أنواع الملاحظة ومزايا الملاحظة وعيوبها، وبحث في الفصل الثالث عشر المقابلة، أسس العلمية منها وطرائقها، طريقة إجراء المقابلة وأنواعها، مزايا المقابلة وعيوبها، أما الفصل الرابع عشر فقد قدم الاستبيان أداة للبحث، بين قواعد تصميمه وخطوات ذلك، ومحتويات الاستبيان وأشكاله، ومزايا وعيوب الاستبيان، أخيرا درس الفصل الخامس عشر وسائل القياس:

كيفية اختيارها، وذكر طرق القياس ووسائله: الاختبارات والأساليب الإسقاطية وأساليب أخرى. تناول الباب الخامس بفصوله الأربعة مصادر البحث العلمي، بحيث بين في الفصل السادس عشر المصادر والمراجع وتقويمها، ميز بين المصدر والمرجع، وأشار إلى إعداد المراجع وتقويمها، وذكر مصادر ومراجع المعرفة العلمية، وخص بالذكر الإنترنيت. تناول الفصل السابع عشر الباحث والمكتبة، وذكر أشهر التصنيفات، وخص بالذكر التصنيف العشري وتصنيف مكتبة الكونغرس، ثم انتقل في الفصل الثامن عشر إلى دراسة أساليب التوثيق الحديثة، شرح التوثيق والتكشيف والتقنيات الحديثة لتخزين المعلومات وتكشيفها، واهتم الفصل التاسع عشر بنسل المعلومات وتكشيفها، واهتم الفصل التاسع عشر بنسل المعلومات وتهميشها، وبشكل مفصل ذكر تهميش مصادر المعرفة: الكتب والمعاجم والموسوعات ودوائر المعارف والدوريات والمخطوطات والمسلسلات الثقافية والوثائق الرسمية والأشرطة المصورة والمصادر القانونية والمقابلات الشخصية والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية والبرامج التلفزيونية. أخيرا تناولت الفصول الثلاثة للباب السادس باهتمام جاد خطوات البحث العلمي، فقد حددها بخطوات ثلاث، بحيث تناول الفصل العشرون، مرحلة الإعداد للبحث: اختيار موضوع البحث، وضع عنوان البحث، ووضع خطة البحث، والإعداد الأولي للمصادر والمراجع، والفصل الحادي والعشرون مرحلة إعداد البحث: من حيث تحديد مشكلة البحث وبيان أبعادها ووضع الفروض بهدف اختبارها، وتحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها وإعداد المادة العلمية وخزنها وتحليلها، وفي الفصل الثاني والعشرين تناول الكتاب كتابة تقرير البحث العلمي، وبدأ الفصل بالتمييز بين المقابلة وتقرير البحث العلمي، ثم كتابة محتوى تقرير البحث، وفي الفصل الثالث والعشرين بين الالتزامات التي يجب أن يأخذ بها الباحث لدى كتابته لهذا التقرير من حيث الأسلوب

والشكل والمضمون والمنهاج، وأخيرا ذكر نتائج البحث والتوصيات ومستخلص البحث، مبينا مضمونها وأهدافها، ثم أوضح الفصل الرابع والعشرون ضرورة مراجعة تقرير البحث وإخراجه وكيفية تقويمه، وأتى الكتاب بالفصل الخامس والعشرين على ذكر ملحقات البحث العلمي، وتشمل ثبت محتويات تقرير البحث العلمي ومصادره ومراجعه وملاحقه، وجداول الخطأ والصواب. وانتهى محتوى الكتاب بوضع قائمة شاملة لمصطلحات ومفاهيم خاصة بالبحث العلمي، وثبت المصادر والمراجع المعتمدة في إعداد هذا الكتاب وأخرى للاطلاع لمن يريد المزيد.

الباب الأول: العلم والتفكير العلمي

الباب الأول: العلم والتفكير العلمي الفصل الأول: العلم والبحث العلمي المبحث الأول: العلم ... ما هو ... الفصل الأول: العلم والبحث العلمي: المبحث الأول: العلم ... ما هو؟ مفهوم العلم: العلم لغة مصدر لكلمة علم، وعلم الشيء عرفه، علم الشيء علما عرفه، ورجل علامة أي عالم جدا، وقد تعددت مفاهيمه واختلفت، ويعود هذا إلى اختلاف وجهات النظر الموضوع العلم وطبيعته، فمن المفكرين من يرى أن كلمة علم بمعنى "Science"، يقصد بها مجال كليات العلوم، فيما يميل البعض الآخر إلى توسيع مدلوله، بحث يضم مجال كليات العلوم والبحوث الجادة الموضوعية في التاريخ والآداب والفنون، وآخرون يحددون العلم من خلال منهاجه الذي يرتكز على دعائم أساسية كفرض الفروض "Hypotheses" والملاحظة "Observation"وإجراء التجارب "Experiments" ما أمكن، ثم مرحلة قبول الفرض وصياغته في نظرية، أو ربما رفضه، والمنطق في كل ذلك استقراء "Induction"، واستنتاج "Deduction". ومما يزيد الأمر تعقيدا، الفهم غير الدقيق لكلمة عالم، بحيث يعتقد أن العالم هو شخص من نوع خاص، يعالج الحقائق في المختبرات، ومفهوم آخر يتلخص بأن العالم إنسان يحسن التفكير ويضع النظريات المعقدة، وثالثها بأن أهداف العالم زيادة

المخترعات والمكتشفات، هذه المفاهيم تعيق فهم العلم وتفهم فاعليات العالم وتفكيره، بل وتفهم البحث العلمي بصورة عامة، وتجعل مهمة القيام به مهمة صعبة. لقد عرف العلم بأنه مجموعة من الحقائق، يأتي بها بحث موضوعي مجرد، وتعريف أكاديمي يقول: إن العلم مجموعة الخبرات الإنسانية التي تجعل الإنسان قادرا على التقدير، أو إن العلم هو فهم ظاهرات الكون، أسبابها وآثارها، والمفهومان لهما مضمون مشترك هو المقدرة على ربط الأسباب بالمسببات. ومن التعريفات أن العلم مجموعة من المعارف الإنسانية، التي من شأنها أن تساعد على زيادة رفاهية الإنسان، أو أن تساعد على صراعه في معركة تنازع البقاء، وبقاء الأصلح، ويرى هاركوت براون "Harcourt Brown" أن كلمة العلم "Scince" تركيبة فكرية وليست مجموعة من العبارات التي ينطق بها الإنسان ليثبت ما يراه من خلال تطورات، يظن أنها تؤيد وجهة نظر ما، أي أنه يقصد بالعلم معنى محددا يتمثل في ثورة فكرية1 "Intellectual Revolution". أما كارل بيرسون "Karlpearson" فيرى أن ميدان العلم غير محدد ... كل مجموعة من الظاهرات الطبيعية، كل طور من أطوار الحياة الاجتماعية، كل مرحلة من مراحل التطور القديم أو الحديث ... كل ذلك يعتبر مادة للعلم2. ويرى المؤرخ هربرت بترفيلد "Harbert Butterfield" أن العلم طور جديد من المعرفة واتجاه فكري جديد، استوجب البحث في أسسه، فضلا عن أنه استوجب دراسات جديدة، ومناهج مبتكرة لمعالجة ظاهرات المجتمع ومشكلاته، ولعل أكثر ما يشدده بترفيلد في تصوره العلم هو حدوث ثورة علمية أكيدة، وتغيرات جذرية في ميدان العلم نفسه، وفي تشكيل وإعادة تشكيل الحياة الاجتماعية ذاتها.

_ 1 Brown, H. "The renaissance and historians of Science Studies in the Renaissance". Vol Vll. 1960. 2 Pearson, K, "Grammar of Science" 2ed. 1900.

أما قاموس "ويستر"1 الجديد فقد عرف العلم: بأنه المعرفة المنسقة "Systematized Knowledge" التي تنشأ عن الملاحظة والدراسة والتجريب، والتي تتم بغرض تجديد طبيعة أو أسس أو أصول ما تتم دراسته، إنه فرع من فروع المعرفة أو الدراسة، خصوصا ذلك الفرع المتعلق بتنسيق وترسيخ الحقائق والمبادئ والمناهج بوساطة التجارب والفروض. ويعرف قاموس "أكسفورد" المختصر العلم بأنه: هو ذلك الفرع من الدراسة الذي يتعلق بجسد مترابط من الحقائق الثابتة المصنفة، والتي تحكمها قوانين عامة، وتحتوي على طرق ومناهج موثوق بها، لاكتشاف الحقائق الجديدة في نطاق هذه الدراسة. ولعل أكثر التعاريف شمولا أن نقول: "إن العلم يضم كل بحث عن الحقيقة، يجري منزها عن الأهواء والأغراض، يعرض الحقيقة صادقة، بمنهج يرتكز على دعائم أساسية" ويجدد هذا التعريف المعنى الذي نقصده. وبهدف الدقة والتوضيح لا بد من التمييز بين نظرتين واسعتين للعلم في العالم العلمي: النظرة السكونية "Static"، والنظرة الديناميكية "Dynamic" ترى الأولى أن العلم فاعلية تسهم في المعرفة النظامية للعالم، وأن عمل العالم هو اكتشاف حقائق جديدة وإضافتها إلى الحقائق المعروفة سابقا، بل إن العلم هو مجموعة من الحقائق وهو طريقة لتفسير الحوادث الملحوظة، ففي هذه الحالة يكون التشديد على الحالة الحاضرة للمعرفة وإضافتها إليها. أما الثانية: فهي تنظر إلى ما يفعله العالم، وأن الحالة الحاضرة هي منطلق إلى المزيد من النظريات والبحوث، أي أنها تتشدد في أهمية النظريات والمخططات التي تساعد على الاكتشاف والمزيد من البحوث بهدف الاكتشاف، ويكون الاهتمام الأشد بالعمل الإبداعي وليس الروتيني أي أن العالم ينطلق من المعارف الراهنة إلى مزيد من النظريات والاكتشافات والبحوث.

_ 1 Webster, s, Twentieth Century "dictionary of English Language". 1960. p. 1622.

وكما ميزنا بين نظرتين للعلم، فإننا نميز بين نظرتين لوظائف العلم: ترى الأولى أن الإنسان العملي وغير العالم ينظر إلى العلم بأنه فاعلية تهدف إلى تحسين الأمور وتقدم الإنسان، فوظيفة العلم وفق هذه النظرية هي الاكتشاف والتوصل إلى الحقائق ودفع المعرفة إلى الأمام من أجل تحقيق التقدم، والفروع العلمية التي تحقق ذلك، تلقى تشجيعا وتأييدا واسعين. أما النظرية الثانية فترى أن وظيفة العلم هي التوصل إلى القوانين العامة التي تتحكم في سلوك الكائنات التي يهتم العلم بها، ثم الربط بين هذه القوانين، وتنظيم المعرفة بحيث تتمكن من التنبؤ بالوقائع وبالتالي من ضبطها، ولا بد من الإشارة إلى أن هذه النظرة تعير القوانين العامة والنظريات الشاملة، وإمكانية التنبؤ والقدرة على الضبط والتوجيه أهمية ملموسة، ولا شك أن العلوم الإنسانية بحاجة ماسة لتبني مثل هذه النظرية. هذا وإن كثيرا من باحثي القرن التاسع عشر، الذين درسوا ظاهرة العلم، يرون أن مسيرة العلم وإن تذبذبت وأصابها ركود بين فترة وأخرى، إلا أنها ظاهرة طبيعية وحتمية، نظرا لما يعترض سبيلها من عوائق وتيارات معارضة، وكان أندرو ديكسن وايت Andrew Dickson Wite" "1832-1918" من أشهر الذين أخذوا بهذا الرأي1.

_ 1 Wite, Andrew Dickson, "Hisotry of the Warfare of Science with the Theology". New york, Afree press paper Boock 1963.

المبحث الثاني: بين العلم والمعرفة

المبحث الثاني: بين العلم والمعرفة العلم هو الاستدلال الفكري، أما المعرفة فهي العلم التلقائي "Intuitive"، وهي أوسع وأشمل من العلم، تتضمن معارف علمية وأخرى غير علمية، والتمييز بينهما يبنى على أساس قواعد المنهج وأساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف، فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي وخطواته في التعرف على الظاهرات والكشف عن الحقائق الموضوعية، فإنه يصل إلى المعرفة العلمية، ولن يستطاع بلوغ الكفاية في العلم حتى تقدر المعرفة حق قدرها. يقول غسوتاف جرونيباوم "Gustave E. Von Grunebaum": "ثمة مجموعة أخرى من الاتجاهات الأساسية دخلت في طور الإنسان المثالي، وإن يك ذلك على مستوى أقل أهمية شيئا ما، أعظمها نفوذا ذلك التقدير العظيم والتوفير العميق للمعرفة من حيث هي، وبغض النظر عن واقع محتوياتها، فإنها آية لا غنى عنها في الدلالة على الإنسانية الحقة، كما أن الجهالة أشد العيوب المشوهة لها"1. كما أوضح زيمان "Ziman" عندما صاغ اصطلاحه المعروف وهو "المعرفة العامة" بأنه لكي تصبح المعرفة حقيقية أو اكتشافا، ينبغي أن تدخل في نطاق الملكية العامة للبشر، وأن تصبح جزءا من تراثها العام، وقد أكد زيمان أيضا خاصية المعرفة العلمية بوصفها المعرفة التي ينعقد بشأنها اتفاق عام في الرأي من حيث صيغتها ومنفعتها2. وفي القرن "السادس عشر"، ظهر فرنسيس بيكون "Francis Bacon" في مقولته المشهورة، التي كثيرا ما يستشهد بها وهي "المعرفة هي القوة ووعي بالطاقة الكامنة في المفاهيم الجديدة للعلم"3. لقد تم الحصول على المعرفة على مراحل وهي:

_ 1غوستاف جرونيباوم. حضارة الإسلام، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، دار مصر للطباعة 1956، ص298. 2 Dickinson, J. P. "Science and Scientific Research in Modern Society". Secod Edition, J. P. 53. 1986. 3 المرجع السابق ص204 وما ورد في كتابي فرنسيس بيكون "مقالات" الذي صدر في عام "1957م". و "نوفيوم أورقانوم" الذي صدر في عام "1620م" خير شاهد على تطلعاته لابتداع نظام فلسفي جديد مكان الفلسفة الأرسطوطالية، يكون مبنيا على الملاحظة الموضوعية للظاهرات الطبيعية وتصنيفها وتعليلها، ولم تترجم هذه التطلعات التي وضعها باللاتينية إلى اللغة الإنكليزية إلا بعد ثلاثة قرون من ظهوره "ديكنسون ص204".

المرحلة الأولى: مرحلة المعرفة الحسية والخبرة الذاتية، وما تزال قائمة بيننا حينما يعجز الإنسان عن تفسير مواقف أو مواجهتها، وتنطبق هذه المرحلة على مرحلة طفولة العلم، حينما كان الإنسان يحاول أن يجد حلا دون أن يستطيع التحرك بطريقة منظمة، وبهذا نقول: إن المحاولة والخطأ تعتبر أول مراحل تطوير العلم. والمرحلة الثانية: هي مرحلة الاعتماد على مصادر الثقة والتقاليد السائدة، كالاعتماد على الحكماء القدامى في تعليل بعض الظاهرات، كاعتماد الحضارة الغربية في القرون الوسطى على تعاليم أفلاطون وأرسطو وغيرهم، لقد كان الاعتماد أهم من التقصي والتحقيق، وما تزال هذه الطريقة متبعة حتى عصرنا الحالي. أما المرحلة الثالثة: هي مرحلة التأمل والحوار، وهي مرحلة التدليل العقلي والمنطقي، فقد توصل أرسطو بوساطة التفسير العقلي من المعروف إلى غير المعروف باتباعه لعملية استدلالية أو استنتاجية "Deductive Process" تعتمد في أساسها على القياس المنطقي "Syllogism" لكن طريقة الاستنتاج أو الاستدلال "Deductive" تخدع الباحث أحيانا، لأنها لا تركز اهتمام الباحث على البحث عن الحقيقة ذاتها بل تشغل عقله بالعمليات العقلية والحوار الماهر. والمرحلة الرابعة: هي مرحلة المعرفة العلمية والتحقيق العلمي "Scientific inquiries" أي مرحلة وضع الفروض وإجراء التجارب ثم استخلاص النتائج وتعتبر هذه الطريقة أكثر دقة إذا أمكن تحويل المعلومات المتعلقة إلى تعبير كمي "Quantitative Expression". وكما يقول "أوغست كونت": إن المعرفة العلمية جاءت في مرحلة متأخرة من تطور العقل الإنساني، حينما استطاع أن يفسر الظاهرات تفسيرا علميا، يربط تلك الظاهرات ربطا موضوعيا، هذا النوع من المعرفة هو المعرفة العلمية التجريبية، تقوم على أساس الملاحظة المنظمة للظاهرات أو وضع الفروض والتحقق منها بالتجربة.

وتجميع البيانات وتحليلها، ولا تقف المعرفة العلمية عند المفردات الجزئية التي يقوم الإنسان ببحثها، بل تتجاوز ذلك حتى يصل إلى قوانين ونظريات عامة، تربط هذه المفردات بعضها ببعض، وتمكنه من التنبؤ بما يحدث للظاهرات المختلفة تحت ظروف معينة. إن ما أشرنا إليه من مراحل يتفق مع ما يشير إليه الفيلسوف الأمريكي بيرس حول طرائق الحصول على المعرفة. يشير بيرس "Pierse" إلى أن طرائق المعرفة أربع: أولاها طريقة التشبث: "Method of Tenacity"، وفيها يتشبث الإنسان بالحقيقة بقوة، والإعادة المتكررة للحقائق تزيد من الاعتقاد بصحتها، أما الطريقة الثانية للمعرفة فهي طريقة السلطة، والسلطة العلمية هي إحدى السلطات الهامة، ونقصد بها دعم أقوال عالم مشهور وقبولها على أنها حقيقة واقعية، أما الطريقة الثالثة للمعرفة فهي طريقة المعرفة البسيطة المسبقة "Apriori Method" أو الحدس، وتقوم هذه الطريقة على أساس أن الحقائق المقبولة حقائق تثبت نفسها بنفسها "Self-Evident"، تتفق هذه الحقائق مع العقل، وليس من الضروري أن تتفق مع التجريب، والطريقة الرابعة هي الطريقة العلمية، فللمعرفة العلمية ضوابط ومعايير تضبط عمل العالم وتوجه نشاطاته وتراقب استنتاجاته بقصد التوصل إلى حقائق يمكن الاعتماد عليها1 هذا وقد يتم الحصول على المعرفة بالمصادفة مثل اكتشاف أرخميس لقانون الكثافة، واكتشاف جالفاني "للكهرباء" في جسد الحيوان، واكتشاف باستير تحويل الجراثيم إلى عوامل للمناعة وغيرها.

_ 1 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، ط2 دار العلم للملايين، بيروت 1982، ص26.

المبحث الثالث: أهداف العلم

المبحث الثالث: أهداف العلم إن الهدف الأساسي للعلم هو التوصل إلى النظرية، والنظرية: هي بنيان من المفاهيم المترابطة والتعريفات والمقولات، التي تقدم نظرة نظامية إلى الحوادث بوساطة تحديد العلاقات بين المتحولات بهدف تفسير الحوادث والتنبؤ عنها، مثال ذلك: قد يكون الباحث نظرية عن أسباب الفشل في مهنة ما، وقد تكون متحولاته هي مقدار الذكاء، العمر، الخبرة، القلق و ... إن الحادث المطلوب تفسيره هو الفشل في مهنة ما، والفشل في هذه الحالة يفسر بعلاقات محدودة بين كل من المتحولات المذكورة والفشل في هذه المهنة وبين مجموعة المتحولات والإخفاق في العمل، والعالم الذي يستخدم هذه المفاهيم بنجاح، يدرك سبب الإخفاق، ويصبح قادرا على تفسير هذا الإخفاق أو إلى حد ما قادرا على التنبؤ به1. يتضح من ذلك أن التفسير والتنبؤ من جملة مضامين النظرية، وبالفعل فإن النظرية تفترض القدرة على تفسير الحوادث الملحوظة، وإذا قبلنا بأن النظرية هي الهدف الأساسي للعلم لأصبح: التفسير والفهم فرعان من هذا الهدف الأصلي، ويعني الفهم والتفسير الربط بين ما لم يكن معلوما لنا ثم كشفناه، وبين ما هو معلوم لنا ومختزن في ذهننا من قبل، أي كشف العلاقات التي تقوم بين الظاهرات المختلفة وإدراك الارتباط بين الظاهرات المراد تفسيرها، وبين الأحداث التي تلازمها أو تسبقها، ففهم الهجرة من الريف إلى المدن وتفسيرها، لا يتحقق ما لم تربط بينها وبين متغيرات وظروف أخرى خارجة عنها، ويعد وجودها سببا في حدوثها، كعوامل الطرد الموجودة في بعض القرى التي تصدر عمالها الزراعيين، وعوامل الجذب في المدن الصناعية التي تستقطبهم. أما التنبؤ القائم على أساس الفهم، فهو من أهداف العلم الرئيسة، لأنه بعد فهم ظاهرة الهجرة من القرية إلى المدينة، وتصور وجود علاقة وظيفية بين فاعليات كل

_ 1 المرجع السابق، ص 33.

منهما وبين الهجرة الحادثة بينهما، لا يكتفي بهذ القدر من الفهم، إذ المتوقع الإفادة من النتائج التي أمكن الوصول إليها، وذلك بمحاولة الاسنتاج من العلاقة الوظيفية التي كشف نتائج أخرى يمكن أن تنسق معها، وبعبارة أوضح، إن المبادئ المتعلقة بالهجرة الريفية، التي أمكن استقراؤها بالبحث العلمي، يمكن تعميمها على جوانب جزئية أخرى غير تلك التي بحثناها، لكي نفيد من ذلك في أوسع مجال ممكن، فالتنبؤ إذن معناه تيقن انطباق المبادئ أو القواعد العامة التي يوصل إليها البحث العلمي، على حالات أخرى في أوضاع مختلفة عن تلك التي سبق استقراؤها منها، والتنبؤ على هذه الصورة يساعد على تحقيق المزيد من الفهم والقدر الأكبر من التفسير وتحصيل الجديد من العلم، لأنه خطوة هامة في إكمال عملية البحث العلمي، وهي محاولة التحقيق من صحة المعلومات التي أمكن الحصول عليها، فإذا ثبت صحة التنبؤات، فعندئذ يجب إعادة النظر بالبيانات أو إعادة البحث في ضوء المزيد منها، أو باستخدام غيرها أو تغيير طرائق البحث. ومن الأهداف الرئيسة للعلم، التحكم الذي يعني معالجة الأوضاع والظروف التي ظهر يقينا أنها تحدث الظاهرة، بشكل يتيح تحقيق هدف معين، والقدرة على التحكم تزداد كلما زاد الفهم وازدادت بالتالي القدرة على التنبؤ، يضاف إلى ذلك أن نجاح التحكم في الظاهرة وتكرره، هو في الوقت ذاته اختبار لمدى سلامة الفهم والتفسير، ومقدار صحة التنبؤات بخصوص الظاهرة المبحوثة، ففهم ظاهرة الهجرة الريفية وآثارها في المدينة الصناعية وتفسيرها وما يترتب على هذا الفهم والتفسير من قدرة على التنبؤ بما يحدث في أوضاع وظروف أخرى مماثلة، يساعد في تعديل هذه الأوضاع وتلك الظروف بالشكل الذي يمنع حدوث الظاهرة، أو يخفف من حدتها أو يغير مسارها1.

_ 1 حسن ساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. دار النهضة العربية، بيروت، 1982، ص32-33.

المبحث الرابع: التفكير العلمي وخصائصه

المبحث الرابع: التفكير العلمي وخصائصه التفكير العلمي هو كل دراسة تعتمد منهج الملاحظة الحسية والتجربة العملية إن كانت ممكنة، وتتناول الظاهرات الجزئية في عالم الحس، وتستهدف وضع قوانين لتفسيرها بالكشف عن العلاقات التي تربط بينها وبين غيرها من الظاهرات، وصياغة هذه القوانين في رموز رياضية، وذلك للسيطرة على الطبيعة والإفادة من مواردها وتسخير ظاهراتها لخدمة الإنسان في حياته الدنيا، وأهم خصائص التفكير العلمي: 1- التخلي عن المعلومات السابقة: أي أن يقف الباحث من موضوع بحثه موقف الجاهل، أو أن يتجاهل كل ما يعرفه عنه، حتى لا يتأثر أثناء بحثه بمعلومات سابقة، يحتمل أن تكون خاطئة، فتقوده إلى الضلال، وقد حرص على التنبيه إلى هذا واضعو مناهج البحث العلمي من الغربيين منذ مطلع العصور الحديثة، ومن هؤلاء فرنسيس بيكون "ت 1036هـ/ 1626م"، واضع أصول المنهج العلمي1، وقد مهد لمنهجه التجريبي في كتابه "الأدلة الجديدة" "Novum organum" بجانب سلبي أوصى فيه الباحث بتظهير عقله قبل أن يبدأ بحثه من كل ما يقود إلى الخطأ، ويعوق قدرته على التوصل إلى الحقائق، وإلى مثل ذلك ذهب ديكارت "1060-1061هـ/ 1650م" في كتابه "التأملات في الفلسفة" الأولى "moditations Metaphiseques" ومبادئ الفلسفة "Les principes de la Philosophie" فكان يوجب على الباحث أن يطهر عقله من المعلومات السابقة عن طريق الشك المنهجي إمعانا في النزاهة وزاد في كتابه "مقال عن المنهج" "Discoures de la Methode" فأوجب على الباحث في القاعدة الأولى من منهجه أن يتحرر من كل سلطة إلا سلطة عقله.

_ 1 بين روجر بيكون داعية الطريقة العلمية التجريبية وفرنسيس بيكون فيلسوف هذه الطريقة قرابة ثلاثة قرون ونصف قرون، فيها انتقل العالم الأوروبي من العصور الوسطى المظلمة إلى عصر ما يسمى الثورة العلمية، وهي باكورة العصور الحديثة التي تخلق فيها الفكر المعاصر "سعيدان. ص101".

ولا يعني هذا كله أن الباحث لا يستطيع أن يبدأ بحثه دون أن تكون لديه خطة للبحث، وقد قال كلود برنار "ت 1295هـ/ 1878م" في كتابه "مدخل لدراسة الطب التجريبي": إن التجربة يسبقها تدبير لظروفها ولإيجادها، لأن تصميم التجربة ليس إلا توجيه سؤال، يراد الإجابة عليه، ولا يكون السؤال إلا بعد وجود فكرة تتطلب الجواب. هذا وسبق العرب إلى ما فطن إليه الغربيون بعد مئات السنين، ونذكر في هذا الشأن إبراهيم النظام "ت 221هـ/ 835م"، والجاحظ "ت 255هـ/ 868م" والحسن بن الهيثم "ت قرابة 431هـ/ 1039م". 2- الملاحظة الحسية كمصدر وحيد للحقائق: يراد بالملاحظة توجيه الذهن والحواس إلى ظاهرة حسية ابتغاء الكشف عن خصائصها، توصلا إلى كسب المعرفة الجديدة، أما التجربة فهي ملاحظة مستثارة، يتدخل الباحث في سيرها حتى يلاحظها في ظروف هيأها وأعدها بإرادته تحقيقا لأغراضه، وقد لا تتيسر التجربة في بعض العلوم الطبيعية كالفلك وعلم طبقات الأرض، كما أن الحواس قد تقصر على إدراك بعض الظاهرات إدراكا مباشرا، فعوضوا ذلك باختراع آلات وأجهزة، ساعدت على أن تحول نتائج البحث إلى كميات عددية دقيقة، اعتقادا منهم بأن من أهم خصائص البحث العلمي تحويل الكيفيات إلى كميات عددية والتعبير عن نتائج الدراسات العلمية "القوانين برموز رياضية. لقد اتجه العرب في عصورهم الوسطى إلى المنهج التجريبي، الذي يستند إلى الملاحظة الحسية في دراسة الظاهرات الجزئية، ابتغاء الكشف عن قوانينها، وشاعت الدعوة إلى الملاحظة في كتبهم طريقا إلى كسب الحقائق، ونذكر منهم البغدادي والرازي وجابر بن حيان والبيروني. 3- نزوح التفكير العلمي الحديث إلى التكميم "Quantipication" "القياس الكمي": فقد نقل التقدم العلمي الحديث مركز الاهتمام من الملاحظة الحسية إلى تحويل

الكيفيات إلى كميات، والتعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، وأصبحت الظاهرات المشاهدة تترجم إلى رسوم بيانية وجداول إحصائية، وتمشيا مع هذه النزعة اخترعت آلات وأجهزة، وأمكن تحويل الكيفيات إلى كميات عددية تتميز بالدقة والضبط. ولما كانت العلوم الإنسانية الحديثة، قد نزعت بدورها إلى اصطناع المنهج التجريبي ما أمكن ذلك، فقد اتجهت بدورها إلى تكميم دراستها، وتحولت قوانين العلم إلى دلالات رياضية، وبهذا احتلت مكان الصدارة في البحث العلمي الذي لا يزال يعتمد على الملاحظة الحسية والتجربة العلمية، ومن العرب نذكر في هذا الشأن، ابن الهيثم والإدريسي والزهراوي، إضافة إلى ذلك أن علماء العرب نزعوا إلى اختراع آلات تستخدم في تحويل الكيفيات إلى كميات عددية توفيرا للدقة في نتائج البحوث العلمية. 4- نزاهة الباحث: "Disinterestedness" يراد بها إقصاء الذات "Self-elemination"، أي تجرد الباحث عن الأهواء والميول والرغبات، وإبعاد المصالح الذاتية والاختبارات الشخصية، وبالتالي فهي تقضي إنكار الذات وتنمية كل ما يعوق تقصي الحقائق من طلب شهرة أو مجد أو استغلال للثراء، مع اعتصام بالصبر والأناة، وحرص على توخي الدقة، حتى يتسنى للباحث أن يفحص موضوعه في أمانة ومن غير تحيز، ويستلزم ذلك طاقة أخلاقية وروحا نقدية. وتحررا من أية سلطة يمكن أن تملي عليه رأيا، بهذا يتوخى الحق ويخلص في طلبه، ويستبعد التعصب، ويتفانى في تحري الحقائق وتمحيصها وفاء بحق الأمانة العلمية. 5- الموضوعية: أوجب الباحثون المحدثون من الغربيين أن يتوخى العالم الموضوعية "Objectivity" في كل بحث يتصدى له بمعنى أن يحرص على معرفة الوقائع كما هي في الواقع، وليس كما تبدو في تمنياته، ويقتضي هذا إقصاء الخبرة الذاتية "Subjectivity" لأن العلم قوامه وصف الأشياء، وتقرير حالتها، ومحك الصواب في البحث العلمي هو التجربة التي تحسم أي خلاف يمكن أن ينشأ بين الباحثين، ومن هنا

كان الخلاف بين العلم حيث ينتهي العلماء في دراساتهم لأية ظاهرة إلى نتائج واحدة، وإلا كان الالتجاء إلى التجربة لمعرفة الصواب في أمرها، وبين الفن والأدب الذي يقوم على الخبرة الذاتية. لقد فطن علماء العرب إلى أن مفهومي النزاهة والموضوعية من خصائص التفكير العلمي ومن مقوماته الأساسية، ودليل ذلك ما يرد في مقدمات كتبهم عندما يحددون منهج بحثهم وخطته وهدفه، فمن ذلك ما أورده "الحسن بن الهيثم" في مقدمته "الشكوك على بطليموس"1 وكذلك الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال"2 وابن رشد في كتابه "فضل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال" وكلها تشهد على تجرد علماء العرب من الأهواء والنزوات واستبعاد الميول الشخصية والاعتبارات الذاتية والعصبية القومية والدينية، وتوخي الحق والإخلاص في طلبه. 6- الاعتقاد بمبدأ الحتمية: "Determinism" أو السببية العامة "Universal Causality" أي القول بأن لكل ظاهرة علة توجب وقوها، ولكل علة معلول ينشأ عنها، فالظاهرات يتحتم وقوعها متى توافرت أسبابها، ويستحيل أن تقع مع غياب هذه الأسباب، هذه الاستحالة هي ما سمي بالضرورة ومشكلة العلية قديمة قال بها أرسطو، وقد اهتم المحدثون بالعلل الفاعلة، وجعلوا العلة حادثة سابقة على الظاهرات سبقا مطردا، وكان هذا تفسيرا جديدا للعلية، وأول من قال به بين الغربيين ديفيد هيوم "D. Hume". عام "1190هـ/ 1776م". وضع جون ستيوارت ميل "John stewart Mill" "ت. 1290هـ/ 1873م" في القرن التاسع عشر قواعد التثبت من صحة القروض أو خطئها، وكان مؤدى قواعده الثلاث الأولى أن وجود العلة يستتبع وجود معلولها، وفطن في القاعدة الرابعة إلى أن

_ 1 الحسن بن الهيثم في مقدمة الشكوك على بطليموس، تحقيق: عبد الحميد صبرة وزميله، القاهرة 1971. 2 الغزالي المنقذ من الضلال. مكتب النشر العربي، دمشق 1956.

البحث العلمي يقتضي تحديد العلاقة بين ظاهرتين تحديدا كميا، وفي هذا النطاق الضيق فطن إلى التكميم، وقد تطورت هذه الطريقة بعد "مل" بفضل الطرق الإحصائية التي ساعدت على التعبير عن الارتباط بين ظاهرتين برموز رياضية. وقد اعتقد علماء القرن التاسع عشر من أمثال لابلاس "ت 1243هـ/ 1727م" وكلود برنار "ت 1295هـ/ 1878م" بأن العلية قضية مسلمة، إلا أن التقدم العلمي في القرن "العشرين" زعزع ثقة العلماء في هذه الحتمية فتعرضت للنقد على يد أمثال آرثر ادنجتون "Arthur Eddington" وبرنارد رسل "Bertrand Russell" لحملة من النقد انتهت بأن تخلت العلية عن مكانها ليحتله "القانون الطبيعي"، الذي يتميز في أيامنا الحاضرة بأنه يصاغ في كم عددي. ونذكر في هذا المجال الغزالي "ت 505هـ/ 1111م" في كتابه "تهافت الفلاسفة" وقد سبق رأس التجريبيين "ديفيد هيوم" بستة قرون ومن قبله جابر بن حيان "ت 198هـ/ 813م" في رفض تفسير العقليين للعلاقة العلية "السببية" وفي تفسيرها الجديد الذي قدمه لها1، وهكذا قدر لمفكري العرب أن يفطنوا إلى تفسير العلة قبل أن يتوصل إليه الغربيون بمئات السنين. 7- توافر الثقافة الواسعة للعلماء: ولع الغربيون في العصور الحديثة بالتخصص الضيق، حتى استخف أهله بسائر فروع المعرفة البشرية، وقد شهد القرن العشرين تحولا فجائيا أفضى إلى نوع من التقارب بين العلم التجريبي وغيره من فروع المعرفة البشرية، وكان هذا بعد أن غلبت النزعة المادية على ذلك العلم، وأيد هذا التحول واضعوا المناهج العلمية، حيث طالبوا الباحثين بالوقوف على كل ما من شأنه أن يساعدهم على دراسة موضوعاتهم وفهمها على أحسن الوجوه ومن ذلك أنهم أوصوا الطبيب بأن يلم بعلوم الأحياء والكيمياء والصيدلة والنفس وغيرها، بل إن "كلود برنارد" كان يوصي العالم الطبيعي بأن يتزود بثقافة واسعة في الفلسفة والفن معا.

_ 1 علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، القاهرة 1965، "فصل في بيان ذلك".

أما عن التراث العربي، فقد اقتضت روح العصر الذي نتناول علماءه في هذا البحث، أن تتهيأ للمفكر ثقافة واسعة، لأن فروع المعرفة ومنها العلم الطبيعي، كانت مذابة في الفلسفة، بل إن العلوم الطبيعية حتى في أوروبا، لم تعرف طريقها إلى الاستقلال إلا بعد أن وضعت مناهج البحث العلمي المختلفة، فكان تراث أرسطو وابن سينا1 في العصور الوسطى دائرة معارف، وإن كان هذا لم يمنع من أن يغلب على تفكير المفكر العربي وبحوثه اتجاه يجعله أقرب إلى الفلكيين أو الكيميائيين أو الفلاسفة. واقتضى هذا الوضع أن يكون العالم العربي على إلمام واسع بثقافة العصر على أحسن الوجوه، وهكذا تحققت في المفكر العربي خاصية الثقافة الواسعة التي أوجبت المحدثون من الغربيين توافرها في المحدثين من العلماء2.

_ 1 أحصى الأب جورج شحادة القنواتي آثار ومؤلفات ابن سينا فبلغت "276" كتابا ورسالة وقصيدة، كما ورد في كتابه "مؤلفات ابن سينا". وللوقوف على نظرية العلم عند ابن سينا ارجع إلى: ابن سينا، البرهان والشفاء 109-111. 2 ارجع في هذا الشأن إلى: توفيق الطويل. في تراثنا العربي الإسلامي. مجلة المعرفة 1405هـ/ 1985م، 9، 58، 87.

المبحث الخامس: تصنيف العلوم عند العرب

المبحث الخامس: تصنيف العلوم عند العرب 1

_ 1 كما جاء في "نفائس الفنون في عرائس العيون" لشمس الدين محمد العاملي، تحقيق، الحاج ميرزا أبو الحسن الشعراني. طهران 1377هـ.

تصنيف العلوم حسب "إحصاء العلوم" للفارابي 1:

_ 1 ترجمة الإسبانية إنجيل جنزاليس بلانسيا ط2، مطبوعات كلية الفلسفة والآداب، جامعة مدريد 1953.

المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي

المبحث السادس: قبسات علمية من التراث العربي لقد وجه العرب نشاطهم الفكري إلى ميادين العلوم منذ ظهور الإسلام، فقد فرض العلم على كل مسلم ومسلمة، وظهر علماء أفذاذ ولكن {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 1 [يوسف: 12/ 76] وواجه المسلمون ثقافات استطاعوا أن يفيدوا منها على نطاق واسع، وأن يستوعبوها ضمن إطار ثقافتهم الجديدة، وقد أثمر كل ذلك مركبا ثقافيا جديدا، هو الثقافة العربية الإسلامية. لقد أكدت البحوث الحديثة المدى الكبير الذي يدين به العالم للعلماء العرب والمسلمين، الذين حثوا على نمو المعارف، في حين كانت أوروبا تعيش في ظلام دامس، كما كان للحضارة العربية دور بارز في إمداد أوروبا بالعلوم والمعارف التي قامت عليها الحضارة الغربية. لقد أضاف العرب إلى ما أخذوه، وجددوا وابتكروا، لقد أخذ الفكر العربي الإسلامي، لكنه أعطى، وترجم ودرس، ناقش ونقد، وقد قال رام لاندو في كتابه "مآثر العرب في الحضارة": إن المسلمين قدموا الكثير من الفتوحات في العلوم، فاجتذب ذلك العلماء والحكماء وأهل البحث والنظر ورجال الفن والأدب من جميع الأصقاع، وأنشئوا مؤسسات لنقل علوم الشعوب "بيت الحكمة، دار الحكمة، دار العلم، والجامع الكبير" كما أنشئوا المكتبات. نخص بالذكر فترة الحكم العباسي الذي بدأ عام "133هـ/ 750م" لأنها من فترات التاريخ اللامعة الزاهرة، "إننا نجد أن الأسلوب العلمي لم يكن مطبقا في بلدان العالم

_ 1 ونشير هنا إلى أن الغزالي يلوح أن المسعودي ينفرد في كتابه "التنبيه: ص76" في اعتقاده في التقدم العلم غير المحدود، وهو يؤول الآية القرآنية المقصود منها في سياقها أن تؤكد إحاطة الله بكل شيء علما، بأنها إشارة إلى زيادة علم كل مؤلف عن علم سابقه بحكم استفادته من خبرة من تقدموه "غوستاف غرونيباوم. حضارة الإسلام. ص441".

القديم مثل مصر والصين والهند، ونجد القليل منه في اليونان، ولا نجده في روما، ولكن العرب امتازوا بالروح العلمية الاستطلاعية، مما يجعلهم يدعون بجدارة آباء العلم الحديث، لقد بنى العرب على الأساس العلمي الذي استقوه من غيرهم أبحاثا عظيمة، وتوصلوا إلى اكتشافات عظيمة، لقد صنعوا أول مكبر، وصنعوا أول بوصلة، وطبقت شهرة أطبائهم وجراحيهم آفاق أوروبا، وكانت بغداد مركز إشعاع فكري وقرطبة عاصمة إسبانيا العربية مثيلة بغداد في دنيا الغرب، وكانت في العالم العربي ومراكز علمية أخرى ازدهرت فيها العلوم"1. رغم ذلك لم يحظ إسهام العرب والمسلمين في العلوم باهتمام لائق وعناية مرجوة من الباحثين في البلاد العربية، ويدعي علماء الغرب أن إنجازات العرب، اقتصرت على العلوم الدينية والأدبية، ومن هنا بدأت انطلاقة هدفها إحياء التراث العربي علوم وأعلام، لأن إحياء القديم وربطه بالحاضر من أقوى الدعائم التي بنت الأمم عليها كيانها، ونورد فيما يلي ترجمة مختصرة لتراثنا المخطوط، نأمل أن تكون انطلاقة خير للمستقبل. تظهر معالم الأصالة للحضارة العربية في العلوم أسلوبهم الدقيق الذي نهجوه، لا شك أن لليونان أثر علمي، لكنهم اعتمدوا على العقل والاستدلال المنطقي وأهملوا المنهج العلمي الذي يعتبر في العصر الحديث محور الارتكاز، ونعرف فيما يلي عرضا محايدا لبعض ما يتضمنه تراثنا المخطوط: في مجال الرياضيات عصب الحضارة الإنسانية، جاء علماء العرب وأفادوا في فروعه المختلفة، ينسب علماء الغرب فكرة "الكسر العشري" إلى العالم الغربي سيمون ستيفن

_ 1 البندبت جواهر لال نهرو. لمحات عن تاريخ العالم ط1، نقله إلى العربية لجنة من الأساتذة، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1957، ص32-35.

"993هـ/ 1585م" في حين أن غياث الدين بن مسعود المعروف بالكاشي "ت 829هـ/ 1436م" قد سبقه إلى ذلك بـ "164سنة"، وفي علم الجبر1 يقول مؤرخ العلوم المشهور "فلورين كيوجوري": "إن العقل ليندهش عندما يرى ما عمله العرب المسلمون في علم الجبر، ويحق القول إن الخوارزمي "ت 235هـ/ 850م" هو واضع علم الجبر على أسسه الصحيحة وينسب علماء الغرب بحث الحالة المستحيلة التي بحثها الخوارزمي إلى العالم السويسري ليونارد أويلر "ت 1198هـ/ 1783م"، الذي جاء متأخرا عن الخورازمي "963" سنة، وفي حين أن الكرخي2 "ت 421هـ/ 1030م" هو الذي طور نظرية ذات الحدين والغرب يعتقد أن العالم الإنكليزي إسحاق نيوتن "ت 1140هـ/ 1727م" هو الذي ابتكرها، كما إن عمر الخيام "ت 517هـ/ 1123م" عممها والكاشي "ت 829هـ/ 1425م" دعمها وقد توصل الكاشي إلى مدقق التقريب للنسبة في الدائرة، وهي الطريقة التي أدت إلى اختراع الآلة الحاسبة. ونذكر في مجال علم الهندسة السيجزي3، عاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري "القرن العاشر الميلادي" وعمر الخيام اللذين دفعا عجلة تطور علم الهندسة المستوية وسبقهم أيضا في المجال الخوارزمي والحجاج بن يوسف بن مطر "220هـ/ 835م" وثابت بن قرة "ت 288هـ/ 900م" وقد خطيا خطوة عظيمة نحو الهندسة التحليلة التي بلورها عمر الخيام وأرسي قواعدها رينيه ديكارت. ونذكر أيضا الحسن بن الهثيم، ونصير الدين الطوسي.

_ 1 تعني كلمة الجبر: التعويض. 2 يرجح مؤرخو الرياضيات "الكرجي" نسبة إلى كرج" ونقع بين همذان وأصفهان "ياقوت الحموي" معجم البلدان. ح4، دار صادر بيروت، د. ت. ص446. 3 من العلماء الذين قالوا بدوران الأرض، ولم ينتشر تعليم حركة الأرض الدورية عند الغرب إلا في القرن "السادس عشر م".

أما علم المثلثات المستوية والمجسمة فهو من اختراع المسلمين نذكر منهم البتاني "ت 318هـ/ 929م" ونشير إلى أن الدول العربية تستعمل مصطلحات التوابع المثلثية باللغتين الفرنسية والإنكليزية، رغم أنها من أصل عربي وقد ذكر مؤرخ العلوم جورج سارتون وديفيد بوجين أن جميع مؤلفات "ريجيو مونتانوس" ألماني الأصل "ت 881هـ/ 1476م" اعتمدت على كتب علماء العرب والمسلمين، ونقل عنهم الكثير من البحوث. لقد بلور فكرة اللوغارتيمات ابن حمزة المغربي من علماء "القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي" ويدعى جوهان نابيير الأسكتلندي "ت 1023هـ/ 1614م" ومن بعده هنري برجز "ت 1040هـ/ 1630م" اكتشاف علم اللوغرتيمات في حين أن دورهما يقتصر على تطوير فكرة المغربي. وفي مجال العلوم الطبيعية فقد ثبت أن كبلر أخذ معلوماته في الضوء ولا سيما ما يتعلق بانكساره في الجو من كتب ابن الهيثم، وقد اعترف بذلك العالم الفرنسي الشهير "فياردو " وقد نهل من كتبه كبلر وروجر بيكون وغيرهما، لقد سبق بيكون في طريقته الاستقرائية، وسما عليه، وكان أوسع أفقا وأعمق فكرا. درس العرب علم الفيزياء، ويذكر رونالد هيل المهندس الإنكليزي أن من يدرس نتاج الرزاز الجزري في علم الميكانيكا يتأكد من تذوق العرب لأفكار هذا العلم، وقد جرت العادة في نسبة قوانين الحركة إلى إسحاق نيوتن "ت 140هـ / 1727م" في حين أن الشيخ الرئيس ابن سينا "ت 428هـ / 1036م" هو مكتشف القانون الأول وهبة الله بن ملكا البغدادي "ت 560هـ / 1164م" اكتشف القانون الثاني والثالث، أما إسحاق نيوتن فقد طور قوانين الحركة خلال استعمالها حتى صارت عصب علم الميكانيكا الحديث. إن أول من اهتم بعلم الجاذبية أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المشهور

بابن الحايك "ت 334هـ/ 945م" ونذكر في هذا الشأن أبا الريحان البيروني "433هـ/ 1041م" ومحمد بن أحمد الإدريسي "ت 560هـ/ 1164م" وهبة الله بن ملكا البغدادي، وقد أشار كل من نيكولا كوبرنيكوس "ت 950هـ/ 1543م" ويوهان كبلر "1040هـ/ 1630م" إلى أنهما تلقيا علمهما في هذا المجال من علماء العرب والمسلمين، كما استخدم كل من جاليليو "ت 1052هـ/ 1642م" وإسحاق نيوتن نظريات كل من الهمداني والبيروني والخازني والإدريسي وهبة الله بن ملكا البغدادي في التجارب العلمية في حقل الجاذبية الأرضية1. أما في فرع البصريات فقد لقب ابن الهيثم بأبي البصريات، بعد أن وضع كتاب "المناظر" وفي هذا الشأن يقول غوستاف جرونيباوم: " ... بز العرب بالبصريات أساتذتهم الإغريق بأوضح صورة" ويذكر جهود ليوناردو فيوباكي "النصف الأول من القرن الثالث عشر" بأنه رجل أسعفه الحظ بأن أخذ من المعلمين المسلمين في شمالي إفريقيا2. كان علم الفلك "علم الهيئة" أو "علم النجوم" أو "علم الفلك" لدى العرب والمسلمين علما استقرائيا، حولوه من الحيز النظري إلى مجال التجريب العلمي العملي، قدموا أدلة ناطقة على كرية الأرض3، واكتشفوا حركتها حول الشمس قبل كوبرنيكوس "ت 955هـ/ 1548م" بعدة قرون، ووصلوا إلى قياس محيط الأرض بما يقرب من الرقم الحقيقي، الذي حسب بوساطة الحاسب الآلي والأقمار الصناعية، وما تزال معادلة البيروني في حساب محيط الأرض مستعملة حتى الآن، في الشرق والغرب، كما أن كثيرا من النجوم ما تزال تحمل أسماء عربية: سهيل، الجوزاء، النسر، مما يشير إلى تأثير الحضارة العربية في الحضارة الغربية المعاصرة في مجال الفلك.

_ 1 على عبيد الله الدفاع. روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم ط1. مؤسسة الرسالة، بيروت 1998 ص51-75. 2 جرونيباوم. مرجع سبق ذكره ص429. 3 انظر كتاب المسعودي "مروج الذهب" والشريف الإدريسي "نزهة المشتاق".

نذكر ممن جالوا في علم الفلك محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ترجم كتاب "سندهانتا" "كتاب السندهند" وتعني باللغة الهندية "الدهر الداهر" وصنف على غراره واستخلص منه الخوارزمي زيجا، وقد ذكر ذلك ديفيد بنقري وديفيد بوجين سميث وجورج سارتون وغيرهم. كان الفرغاني "ت 235هـ/ 849م" أول من حاول قياس محيط الأرض، وكانت مؤلفاته تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن التاسع الهجري "الخامس عشر الميلادي" وقد ترجم المستشرقون كتاب "صور الأقاليم" لجعفر البلخي1 "ت 323هـ/ 934م" إلى اللاتينية والفرنسية ثم الإنكليزية، وابن الآدمي "عاش قبل سنة 308هـ/ 920م" وقد درس كتابه "نظم العقد" في الجامعات الأوروبية، والبتاني وقد اكتشف أخطاء بطليموس وخالفه في كثير من آرائه، والمروزي "ت 350هـ/ 844م" وهو أول من عمل إصطرلابا في الإسلام، وهو موجود في "الزيج الممتحن" وقد أشار إلى هذا الزيج العالم "نللينو"1 والكومي "ت 357هـ/ 967م" كما ذكره بروكلمان، والأعلم الشريف "ت 375هـ /985م" وأبو الحسن الصوفي "ت 376هـ/ 986م" وقد حسب دائرة البروج3 ومبادرة الاعتدالين، فوجدها درجة لكل "66" سنة، بينما وجدها بطليموس

_ 1 يقول المستشرق لوث "Lauth" إن البلخي انتحل مؤلفات غيره من العلماء، ويبدو أن الاقتباس في نظره انتحال. 2 معنى الإصطرلاب ميزان الشمس، وقد فسر حاجي خليفة كلمة إصطرلاب في كتابه "كشف الظنون" فقال: هي "كلمة يونانية تتكون من إسطر بمعنى "النجم" ولابون بمعنى "المرأة" ومن ذلك قيل لعلم التنجيم: "إسترنوميا" "Astronomy" والإصطرلاب اختراع إغريقي استعمله بطليموس "150م" وأول من ألف عنه كتابا إبراهيم الفزاري، كما صنع الزرقالي "ت 480هـ/ 1087م" إصطرلابا استفاد منه علماء أوروبا وعلى رأسهم كوبرنيكوس "ت 955هـ/ 1543م" "حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس، ط2، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم القاهرة 1986 ص5. ويقول حسين نصر: العلوم في الإسلام "إن أصل الإصطرلاب يعود إلى عهد الجاهلية ثم تطور في القرن الرابع للهجرة، العاشر للميلاد، إلى ما يسمى بالصفيحة، ولقد تفنن ابن الصفار "ت 426هـ/ 1043م" في طريقة استخدامه في كتابه "كتاب العمل بإصطرلاب" دفاع ص199". 3 أول من استعمل كلمة برج في مكانها الصحيح العالم اليوناني الشهير في علم الفلك كليوستراتوس التنيدي "القرن السادس ق. م" كما طور الدورة الفلكية التي تتكون من ثمانية أعوام التي ورثها عن علماء بابل.

درجة واحدة لكل مائة سنة، ووجدها علماء العصر الحديث درجة واحدة لكل "71" سنة، وقد اهتدى البوزجاني "ت 388هـ/ 998م" إلى معادلة توضح مواقع القمر سماها "معادلة السرعة" ادعى العالم الفلكي الدانماركي تخوراهي "ت 399هـ/ 1008م" أنه أول من عرف هذا الخلل في حركة القمر، وقد أطلق علماء الفلك الأمريكيين اسم البوزجاني على فوهة بركان على سطح القمر تخليدا له. ألف ابن يونس الصدفي "ت 399هـ/ 1009م" الزيج الحاكمي، وصار متداولا في جميع أنحاء العالم، فقد ترجم العالم الفرنسي "كوسان" بعض فصوله إلى اللغة الفرنسية عام "1219هـ/ 1804م" وطبع قسم منه، أما الكوهي "ت 405هـ/ 1014م" فقد صارت مصنفاته من المراجع المعتمدة في جامعات العالم، وقد استنسخ وانتحل علماء الغرب معظم مؤلفاته، ويعتبر زيج ابن الصفار "ت 426هـ/ 1043م" أهم مصادر المعلومات في علم الفلك للباحثين، وقد تميز زيجه بحسن العبارة وقرب المأخذ. وضع البيروني "القانون المسعودي" في الهيئة والنجوم، وهو مبني على البحث والترجمة الشخصية1، وكانت طريقته تقوم على التأمل والمشاهدة والملاحظة والاستنباط، أما جابر بن أفلج "ت في القرن السادس الهجري" إشبيلي المولد فقد كان لكتبه الأثر الملموس في تقدم علم المثلثات في أوروبا، وبقي كتابه "الهيئة في إصلاح المجسطي" متداولا في جميع أنحاء المعمورة، ومعتمدا في التدريس في مدارس وجامعات أوروبا والطوسي "ت 673هـ/ 1274م" انتقد كتاب المجسطي، وبقي كتابه "شكل القطاعات" مرجعا هاما وضروريا لعلماء الغرب، اعتمد عليه العالم الألماني ريجيو مونتانس "ت 881هـ/ 1476م" في تأليف كتاب "علم حساب المثلثات" والمغربي "ت 672هـ/ 1273م" وهو أندلسي نال شهرة في كتابه "تاج الأزياج وغنية المحتاج" وابن الشاطر2 "ت 777هـ/ 1375م" من مواليد دمشق، قدم نماذج فلكية في "الزيج

_ 1 أجاد اللغات: الفارسية، اليونانية، السريانية، السنسكريتية إلى جانب اللغة العربية. 2 كان رئيس المؤذنين في المسجد الأموي بمدينة دمشق.

الجديد" وقد ادعى العالم البولندي كوبرنيكوس "955هـ/ 1548م" هذه النماذج لنفسه، وسايره من جاء بعده من علماء الغرب هذا الادعاء حتى القرن "الرابع عشر الهجري" "القرن العشرين الميلادي" وقد عثر في عام "1393هـ/ 1973م" على مخطوطات عربية في بولندة مسقط رأس كوبرنيكوس اتضح منها انتحال كوبرنيكس لهذه المخطوطات وإثباتها لنفسه، وقد نشر المستشرق الإنكليزي "ديفيد كنج" في مقالة له في "قاموس الشخصيات العلمية، أنه قد ثبت له في سنة "1390هـ/ 1970م" أن كثيرا من النظريات الفلكية المنسوبة لكوبرنيكوس قد أخذها من العالم المؤقت ابن الشاطر. صنع ابن الشاطر آلة ضبط وقت الصلاة سماها "البسيط" وضعها في المسجد الأموي في دمشق ووجه اهتمامه الشديد إلى قياس زاوية انحراف دائرة البروج، وانتهى إلى نتيجة مفرطة في الدقة هي: "23 درجة و31 دقيقة" وقد توصل علماء العصر الحديث إلى أن القيمة المضبوطة هي: "23 درجة و31 دقيقة و19.8 ثانية"، وقد برهن ابن الشاطر على خطأ بطليموس في تفسير النظام الحقيقي لجهاز الشمس، ولم يعرف ذلك إلا في أواسط القرن الرابع عشر الهجري "وسط القرن العشرين"1. لقد أشار المستشرق ديفيد بوجين بالمكانة العلمية لابن المجدي "ت 850هـ/ 1446م" كنابغة من نوابغ علماء الرياضيات والفلك، وكذلك سبط المارديني وهو دمشقي الأصل "ت 907هـ/ 1501م" وكان يرى أن البحث والتنقيب متاع العقل، والروداني "ت1094هـ/ 1682م" وهو مغربي الأصل توفي في دمشق، عالم فلكي وصاحب صنعة يدوية2. نشير أيضا إلى أن المسلمين عنوا أيضا بعلم الميقات، وأنشئوا علما كاملا بمنازل

_ 1 كارل ألفونسو نللينو "C. A. Nallino": علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى. روما 1911. 2 علي عبد الله الدفاع: روائع الحضارة الإسلامية، مرجع سبق ذكره ص135- 248.

القمر ساعدهم على التكهن بالظاهرات الجوية والأحداث الأرضية، وأطلق على هذا العلم اسم "علم الأنواء" والنوء هو طلوع ضوء القمر في بداية كل منزلة، واتخذ المسلمون التقويم القمري حتى يومنا هذا، وبعض أشكال التقويم الشمسي على مر التاريخ الإسلامي1. تمتد جذور علم الطب عند العرب إلى ماض سحيق ولسنا هنا بصدد ذكر هذا الماضي وإنما نذكر المجالات التي نبغ فيها أطباء العرب، وكان تطور الطب ونضجه في عصر بني العباس، فقد نقل علماء العرب2 مؤلفات جالينوس وكانت موسوعة معارف، وكان شيخ المترجمين حنين بن إسحاق العبادي يجيد اللغات السريانية والفارسية واليونانية وكتابه "العشر مقالات في العين"، أقدم مؤلف اصطنع المنهج العلمي في طب العيون، نشره وترجمه إلى الإنكليزية طبيب العيون المستشرق "ماكس مايرهوف" وبانتهاء مدرسة حنين3 في الترجمة بدأ عصر الإنتاج الخصب في المشرق العربي، منذ أواخر القرن "التاسع" حتى بلغ عصر الإنتاج الخصب في المشرق العربي، منذ أواخر القرن "التاسع" حتى بلغ عصره الذهبي في القرن "الحادي عشر"، وأخذ بالتناقص منذ بدء القرن الثالث عشر حتى أواخر القرن الثالث عشر، حيث افتقد الإنتاج والأصالة والابتكار إلا ما جاء على أيدي أفراد. كانت المناهج الاستقرائية أوسع ما تكون في علم الطب، مكنت علماء العرب من العلو فوق الوقائع الجزئية إلى القانون العام، وأول من ألف الرسائل المعروفة بالمجربات

_ 1 سيد حسين نصر. العلوم في الإسلام. مجلة المعرفة. العدد "15" الكويت. 2 نقصد بعلماء العرب كل من أسهم في تقديم العلم من أهل العصور الوسطى، وعاشوا في بلاد عربية، ودانوا لسلطان العرب بجمعهم تراث واحد. 3 يقال: إنه ترجم خمسا وتسعين كتابا إلى السريانية وثلاثين إلى العربية، إلى جانب ما صححه وراجعه من ترجمات وما ألفه في طب العيون، وكان مثار اهتمام من قبل المستشرقين المحدثين من أمثال برجشتر أسر "Bergestrasser" وماكس مايرهوف ولوسيان لوكير وهبرسبرج، وكتابه "العشر مقالات في العين" أقدم مؤلف اصطنع المنهج العلمي في طب العيون، وقال عنه لوسيان لوكير المستشرق الفرنسي: إنه كان أعظم شخصية أنجبها القرن الثالث للهجرة "التاسع للميلاد" وأنه من أساطين الفكر، وقد ذكر ابن أبي أصيبعة أن لحنين في العربية أكثر من مائة كتاب في شتى فروع الطب وأكد لوكيز ذلك.

"Experiment" أبو العلاء زهر القرطبي "ت 470هـ/ 1077م"، والد الطبيب ذائع الصيت ابن زهر "Avan zoor" "ت 558هـ/ 1162م" أعقبه آخرون كالبغدادي وابن المدور وابن الناقد في القرن السادس الهجري وأبو المعالي في القرن "السابع الهجري". كان الطب عند العرب وقائيا وعلاجيا، لأن المحافظة على الوجود أجل من طلب المفقود كما يقول علي بن عباس المجوسي "ت 384هـ/ 994م" في كتابه "الكامل في الصناعة الطبية، أو الكناشة1 الملكية" وقد عبر عن هذه النظرية أيضا ابن سينا شعرا في أرجوزة من أراجيزه الطبية"2. لقد توصل العرب في العصور الوسطى إلى الكثير من أسس الطب الوقائي ومقوماته، في حين لم تبدأ فتوحات هذا الطب في أوروبا إلا بعد أن وضحت العلاقة بين الفقر والمرض، وكان للعرب لفتة طبية عن أهمية الهواء والغذاء ومكانتهما في حياة البدو وسكان الحضر3 ونجد في تراث الطب وصايا هدت إليها خبرة الطبيب العربي، مما لا يزال يتبناه الطب الحديث. أما في مجال الطب العلاجي، فقد كان للعرب الفضل في الكشف عما سموه بالأسباب والعلامات، وقد رتبها الرازي طبقا لأهميتها، وهذا ما يسميه أطباء اليوم "بهيراركية العلامات" وضعوا قواعد للتشخيص والتفريق بين الأمراض المتشابهة،

_ 1 الكناش أو الكناشة هي أوراق تجعل كالدفتر لتدوين المذكرات الطبية، فيها فوائد وشوارد، وتجمع على كنانيش، انظر كناش يعقوب الكشكري في الطب، كتب قبل عام "310هـ/ 922م" حققه الدكتور نشأت حمارنة، مجلة التراث العدد 67 ص113. 2 يتضمن التراث العربي كثيرا من الأراجيز، وقد أتت تسميتها من بحر "الرجز" والنظم شعرا كان متبعا لتسهيل حفظ المعلومات وقد قال ابن سينا في الأرجوزة الكبرى "الألفية في الطب": هذه أرجوزة اكتمل ... فيها جميع الطب علم وعمل الطب حفظ صحة برء مرض ... من سبب في بدن منذ عرض 3 مقدمة ابن خلدون. المكتبة التجارية القاهرة، د. ت. ص292-293.

وبحثوا العلاج الطبيعي، وتشعب الطب العربي الإسلامي في العصور الوسطى فروعا، يقول ابن قيم الجوزية "ت 751هـ/ 1350م": "الطبيب هو الذي يختص باسم الطبائعي، وبمردوده "وهو الكحال أي طبيب العيون" وبمبضعه "وهو الجرائي أي الجراح" وبموسه وهو "الخاتن" وبمحاجمه ومشرطه وهو "الحجام وبخلعه ووصله ورباطه وهو "لمجبر" وبمكواته وهو "الكواء" وبقربته وهو "الحاقن". لقد عرف التخصص في طب الأسنان، كما عرف جبر الأجزاء في الجسم، وقد أصبح علما قائما بذاته حتى يومنا هذا، ويرجع وقوفنا على براعة العرب في طب العيون إلى "يوليوس هيرشبرج" "Hirchbirg" أستاذ طب العيون بجامعة برلين سابقا، إذ أفرد سبعة مجلدات عن طب العيون عند العرب، نذكر هذا في حين أن أوروبا حرمت آنذاك صناعة الطب لأن المرض عقاب من الله. ترجمت الموسوعات الطبية التي وضعها العرب اللاتينية، وألم بها أطباء أوروبا، نهلوا من معينها حتى مطلع العصور الحديثة، وفي مقدمتها كتاب "القانون" لابن سينا وهو جمع لخلاصة الطب عند العرب واليونان والسريان والأقباط وملاحظات جديدة وضعها عن الالتهاب الرئوي وعدوى السل مع وصف لسبعمائة وستين دواء. وقد اعتمد القسم الأول من القانون في المنهاج الرسمي لمن يرشح نفسه لنيل درجة علمية عليا في الطب في جامعة "مونبلييه" في فرنسا في سنة "741هـ/ 1430م" وترجم إلى اللغات اللاتينية والرومانية والتركية والألمانية وطبع ونشر عشرات المرات. وقد ذكر مؤلفات ابن سينا وطباعتها "القانون وغيره" ألبرت فون هيللر "A. V. Haller" في كتابين صدرا في سنتي "1185هـ/ 1771م" و"190هـ/ 1776م" وبحسب تصنيف الأب قنوات بلغت آثار ابن سينا الطبية "42" كتابا ورسالة وأرجوزة ومقالة كان آخرها أرجوزة طبية في المجريات، نظمها قبل وفاته بأربعين يوما، وتتألف من "35" بيتا ومن ورقة واحدة1.

_ 1 مطلعها: بدأت باسم الله في النظم الحسن ... اذكر ما جربته طول الزمن وختامها: هذا الذي جربته في عمري ... نظمته للمقتفي أثري

تميز ابن سينا باعتماده على الملاحظة والتجربة، كان أول من قال بالعدوي، ووصف التهاب السحايا، وعرف الدودة المستديرة "الأنكلوستوما" وميز بين أنواع اليرقان، ووصف السكتة الدماغية "الموت الفجائي" وأبدع "المرقد" أي المخدر، وأبدع "الزرقة" التي تعطي تحت الجلد ... ومن تراث العرب الطبي موسوعة طبية "الحاوي" للرازي1 "ت 314هـ/ 926م" وتدل مؤلفاته على الدقة والأمانة العلمية والمنهج العلمي السليم2، وهو أول من طبق معلومات الكيمياء الحديثة على الطب، وقد طبعت مقالته عن الجدري أربعين طبعة باللغة الإنكليزية ما بين عامي 1087-1866م واستنار بهذه المقالة جميع الأطباء في مختلف أنحاء العالم. عالم آخر هو ابن النفيس "ت 687هـ/ 1288م" كان من عباقرة أطباء التشريح، يقول المؤلف "رام لاندو" أن ابن النفيس يظهر في مؤلفاته الأصالة والتجديد، وقد سبق ميخائيل سرفيتوس الذي عاش في القرن السادس عشر، والذي ادعى أنه مكتشف الدورة الدموية الصغرى "الدورة الرئوية" وبقي علماء الطب يتداولون هذا الادعاء حتى القرن الحالي. وقد كان هذا الاكتشاف منسوبا إلى العالم الإنكليزي المشهور في حقل الطب وليام هارفي الذي ولد في عام "1578م"، وذكر الأستاذ حيدر مات في كتابه "إسهام علماء المسلمين في الحضارة" أن اكتشافات ابن النفيس قد سبقت علماء أوروبا بثلاثة قرون، وأن كلا من سرفيتوس وكولومبوس وهارفي الذين وضعوا الدورة الدموية الصغرى قد اطلعوا على نظريات ابن النفيس في كتبه المترجمة، وتتجلى مآثره الطبية في كتابه "شرح القانون" ومن المؤسف أنه لم يطبع3.

_ 1 ولد أبو بكر الرازي في مدينة الري جنوب شرق طهران، وهي المدينة التي ولد فيها هارون الرشيد وابنه المنصور، كان في بداية حياته يتعامل بالصرافة ويضرب العود، وسنة وفاته على غير اتفاق بين مؤرخيه "324هـ/ 935م". 2 م. مايرهوف "Log. Ofislam" ص" 323-324" نقلا عن الرازي في الجدري والحصبة، براون. 3 بول غليونجي. ابن النفيس: سلسلة كتب أعلام العرب، العدد 57، القاهرة د. ت.

كانت كتب أبي القاسم الزهراوي "ت384هـ/ 994م" المصدر الهام الذي استقى منه من ظهر من الجراحين، بعد القرن "الرابع عشر"، كما يقول العالم الفيزيولوجي "هالر" وصف سحق الحصاة في المثانة التي أعدت اختراعا عصريا، وهو أول من ربط الشرايين لمنع النزف، على ما ورد في "دائرة المعارف البريطانية" وبهذا سبق "أمبروزا باري" بأجيال، وأول من وضع أصول علم الجراحة، وطبع كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف" وهو دائرة معارف طبية وجراحية باللغة اللاتينية عام "903هـ/ 1497م" وقد قام "لوسيان لوكير" بنشره وهو أحد الكتب السبعة التي قام عليها العلاج والصيدلة في أوروبا. ومن الجدير بالذكر أحمد بن الأشعث "ت 360هـ/ 971م" وكتابه "الغازي والمغتذي" أقدم مخطوطة عربية طبية، وأحمد الطبري "ت 366هـ/ 976م" وكناشة أقدم ما كتب في الطب وقد وصف الشقيقة العينية، نشره، د. فؤاد سيزكين بالتصوير، والحسن القمري "ت 390هـ/ 999م" وقد وضع أقدم معجم طبي كما ذكر الدكتور سيزكين وكناش "غنى ومنى" وقد ترجم إلى اللاتينية كما يقول: "وستنفيلد" وذكره "لوسيان لوكير" "Leacher. L." وأمية أبو الصلت الأندلسي "ت 529هـ/ 1134م" ويعتبره مؤرخو العلوم من عمالقة الطب في العالم، وهبة الله بن ملكا البغدادي "ت 560هـ/ 1164م" معروف بأوحد الزمان، اهتم بالأمراض النفسية وعالجها بطريقة نال إعجاب علماء القرن العشرين حتى صارت نظرياته متواترة في هذا المجال بين أطباء العالم. أما الفتوحات العلمية فإن الشرح يطول بنا إن توخينا استقصاءها، نذكر منها: استخدام أمعاء الحيوان في التقطيب، وعلاج داء السكتة، واستخراج الماء الأبيض "الكتاركتا" وإدخال الملينات في الصيدلة، والاهتمام بالأمراض النفسية في تشخيص الأمراض الباطنية وعلاجها، والكتابة في أمراض الأطفال، واستخدم الماء البارد في الحميات، وكشف البول السكري1 "الرازي" أما بالنسبة "لابن سينا" فمن فتوحاته العلمية، أنه كان صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية، وتحديد أنواع اليرقان وبين شلل الوجه من مصدر في الدماغ، وبينه عن سبب محلي، وكان أول من شخص داء "الأنكلوستوما"، والمرض الناشئ منها المسمى بالرهقان "أو الأنكلوسفونا" وكشف بدقة أعراض حصاة المثانة السريرية و ...

_ 1 يعود الفضل في اكتشاف الأنسولين لمرض السكر إلى فريدريك باتينج عام "1912" وكان الطب العلمي الحديث "الكشوف والمخترعات" عند الغربيين خلال مائة سنة الأخيرة بوجه خاص. انظر في هذا الشأن: Elizabeth Rider. "The Story of great medical Discoveries" 1945.

المبحث السابع: العلم الحديث.. إحياء واجتهاد

المبحث السابع: العلم الحديث.. إحياء واجتهاد أشرنا في موضع آخر إلى أن الفترة ما بين أول القرن الرابع عشر وأوائل القرن السابع عشر كانت فترة انتقال خرجت فيها أوروبا من العصور المظلمة لتدخل عصر العلم والتقانة والسيادة، بنتيجة جهود المفكرين وثمرة لأبحاثهم، ومن المؤكد أن الأمثولة الحضارية في العالم الإسلامي خلقت الحافز الأول عند الغربيين لتغيير نمط الحياة، ومن المؤكد أيضا أن هذا الأمر والأحداث التي رافقته تضافرا معا على الخروج بأوروبا من بحر الظلمات. ظهرت خلال القرنين "الثامن عشر والتاسع عشر" حاجة جماهيرية إلى طلب المعرفة عن كل ما هو تقني وعلمي، وأطلق على طلائع العلم الحديث مصطلح "الثورة العلمية" "The Scientific Revolution" وكان أول من وضعه هو ألكسندر كواريه "Alexsandera Koyre" في عام "1943"، إلا أن هذا المصطلح كان ولم يزل منذ وضعه مثار جدل ونقطة اختلاف لوجهات نظر عديدة. كانت الفترة ما بين "854هـ-1112هـ/ 1450-1700م" فترة انقلابات فكرية

وتحديات للنظريات والأفكار التي كانت سائدة من قبل، ويرى هربرت بترفيلد "Herbert Butterfield" أن العلم طور جديد من المعرفة، أوجد اتجاها جديدا استوجب دراسات جديدة ومناهج مبتكرة لمعالجة ظواهر المجتمع ومشكلاته وأن أكثر ما يشدد بترفيلد في تصوره للعلم هو حدوث ثورة علمية أكيدة، كان لها أثرها في تغيرات جذرية في ميدان العلم نفسه، وفي تشكيل الحياة الاجتماعية ذاتها. ولقد طرحت مذاهب شتى فيما يتعلق بأسباب حدوث الثورة العلمية أو أسس الثورات العلمية1، هل تتعلق بالتطورات التي حصلت على الصعيد السياسي وعلى ظهور دويلات، أم الصعيد الاقتصادي الذي أدى إلى انتشار المدن الكبرى والمناطق الحضرية "Urban" وبالتالي توسيع العلاقات التجارية الذي ظهر أثره واضحا على حركة الكشوف الجغرافية آنذاك، أو على الصعيد التقني وغير ذلك من مظاهر الحياة التي نقلت أوروبا من عصر إلى عصر، فهل تتعلق الثورة العلمية بهذه التطورات والاختراعات أساسا أم أنها تشكل ظاهرة منفصلة عن هذه الابتكارات؟ وما هي الخيرات التي تميز بها المفكرون والعلماء آنذاك وجعلتهم ينحون منحى جديدا، أدى إلى ظهور الثورة العلمية؟ لما كانت البدايات الأولى للثورة العلمية قد ظهرت في القرن "الخامس عشر"، فإن بعض المؤرخين راحوا يوازنون بين الثورة العلمية وبين ما يعرف "بعصر النهضة" "Renaissance"، ذهب البعض جاكوب بوركهارت "Jacob Burkhart" إلى أن "القرن الخامس عشر" كان بداية عهد لمخترعات جديدة، لكنه لم يشر إلى تطور أصاب العلم، وظهرت بعد ذلك كتابات تؤكد أن الثورة العلمية هي حصيلة اتجاهات جديدة في التفكير طرأت في عصر النهضة، لقد عمل المفكرون في ذلك العصر على نشر مخطوطات الأقدمين وتراثهم.

_ 1 عبد الله العمر. ظاهرة العلم الحديث. عالم المعرفة 69 الكويت 1983. أيضا أحمد سليم سعيدان. مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام. عالم المعرفة 131 الكويت 1988 ص117-141.

أما هانز بارون "Hans Baron" فقد أخذ بالأسباب السياسية، وأنها أدت إلى إذكاء روح البحث العلمي ودفع مسيرته، وأن الاتجاهات الاجتماعية والخلقية الجديدة أدت إلى إذكاء روح البحث العلمي وظهور العلم الحديث، ولدى بول أوسكار كريستلر "Paul. O. Kristeller" نجد أن التغيرات الحضارية المختلفة التي حدثت إبان عصر النهضة، كان لها أثرها على تطور العلم، حيث نظر الناس والمفكرون آنذاك إلى الفروض والنظريات العلمية السابقة، على عصرهم نظرة جديدة، أما أرنست كاسيرز "Ernest Cassires" فيرى أن إمكانيات الإنسان واتجاهاته الفكرية المتمثلة بقيامه بمناهج جديدة للملاحظة والاستقصاء إبان ذلك العصر كانت مظهرا من مظاهر النزعة الإنسانية "Humanis" التي امتد أثرها في عصر الثورة العلمية. أما المنحى الاجتماعي فقد أكد على أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك فكان من أبرزهم كارل ماركس "Karl Marx" وفريدريك إنجلز "F. Engels" وعمل على تطوير أفكارهما ماكس فير "M. weber" وجورج زيمل "G. Simmel" في النصف الأخير من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين، وكذلك إدجار زلزل "Edgar Zilsel" الذي أكد على العلاقة الوطيدة القائمة بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية من ناحية والنواحي الفكرية التي تشيع في المجتمع من ناحية أخرى. أما وولتر أونج "W. G. ONG" فقد ذهب إلى أن اختراع الطباعة وما أدى ذلك إلى انتشار واسع للكتب والمؤلفات أجبر الناس والمفكرين على انتهاج منهج جديد في تفكيرهم الأمر الذي أدى إلى الثورة العلمية، بينما يرى كروثر "J. G. Grouther"1" أن الثورة العلمية ترجع بالأساس إلى العلاقة الوطيدة بين الفكر البرجوازي والعلم، نرى أن لين وايت الصغير L. White, JR"2" كتب حول العلاقة الوطيدة بين التكنولوجيا

_ 1 Grouether, J. G. "the Social Relation of Science". London, The Gresset press, 1967. 2 White, Lynjr. "Pumps and Pendula. Galileo and Technology". In Galileo Reapraised. C. L. Golino, "ed. Barkeley and los Angelos: University of Galifornia Press 1966".

والعلم، ومن المحدثين الذين أسهموا في هذه الدراسات كرومبي "G. Grombie A" أما أرنست مودي Ernest Moody"1" فإنه يظهر متحفظا حول فكرة الإسهام المباشر لمفكري العصور الوسطى في الثورة العلمية وتطور العلم الحديث. وهكذا ذهب مؤرخو العلم مذاهب شتى في تفسير ظاهرة الثورة العلمية، وجملة الظروف التي أحاطت بها وأظهرتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن أن يكون الاختلاف حول الأفكار التي طرحها المفكرون لتلك الظاهرة اختلافا ظاهريا فقط، أم أن التباين بين آرائهم تباين حقيقي وعميق إلى حد كبير؟ وهل من وسيلة يمكن من خلالها استقطاب الأفكار المختلفة وصهرها في بوتقة توالف فيما بينها؟ نذكر في هذا الشأن نظرية توماس كون "Thomas Kuhn" حول أسس الثورات العلمية ومفهومها، وقد أثارت منذ أوائل الستينات وما تزال ضجة كبرى في أوساط الفكر العلمي وفلسفته، فهو يرى أن النقلة من العلم العادي "Normal Science" وهو العلم الذي كان شائعا بين العلماء في عصر من العصور، إلى منحنى جديد وتصورات جديدة واعتماد أسس مختلفة للعلم يحدث ما يطلق عليه "كون" اصطلاح "الثورة العلمية" وأن هذه الثورة ما تزال في مراحلها الأولى فهي عملية ليست سهلة، إنها ديناميكية وتتسم بعلاقات متشابكة. ونشير إلى أن أكثر الاكتشافات التي شهدها عصر الثورة العلمية لم تقم على ملاحظات جديدة أو استخلاص معلومات كان السابقون يجهلونها، بل كانت تعتمد على اتجاه خاص في النظر إلى الأمور، أي اتجاه محدد للتفكير، وزوايا جديدة يرصد بها الظاهرات القديمة، أي أن الثورة العلمية هذه نشأت واتصلت حلقات مسيرتها بفضل نظرة خاصة واتجاه محدد في التفكير تجاه الأشياء، دأب الفلاسفة والعلماء على التمسك به والإخلاص له، وليس من المستبعد قيام نظريات علمية جديدة في المستقبل القريب أو البعيد لتحل محل نظريات عصرنا، فيكون هناك فكر جديد يقوم على أكتاف فكر مضى، وهو نفسه فكر هذا العصر الذي نعيش فيه.

_ 1 Moody Ernest A. "Galileo and his Precursors". in G. I. Galinoed California Press, 1966.

لقد ذكر وليام هيويل "william wh" أحد المؤرخين الأولين، في كتابه الذي صدر في عام "1253هـ/ 1873م" أنه لما كانت مسيرة العلم تجسد حلقات أو أزمنة يحيا فيها العلم وينتعش بعد جمود، فإن العلم يزدهر بطبيعة الحال خلال فترات أطلق عليها اسم الفترات الاستقرائية "inductive Periods"، أما فترات الجمود "Stagnation Periods" فإنها هي التي تفصل بين فترتين استقرائيتين على امتداد الزمن، ويرى هيوبل أن أول فترة استقرائية هامة حدثت في عهد اليونان القدامى، أعقبتها فترة جمود تعرف بالعصور الوسطى، ونحا منحى هيويل الباحث الأمريكي والمؤرخ الشهير الذي عاش في القرن "التاسع عشر"، أندريه ديكنسن وايت "Andrew D. White" وكان التفسير الذي جاء به وايت أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب، وأن مجرى الأحداث في مسيرة العلم واضطرادها يشهد أن عكس ما زعم به وايت كان صحيحا، وهنا نؤكد على أن الكتاب الغربيين يتجاهلون دور العرب في تطور وتطوير العلوم منهجا ومضمونا، فإذا كان هيويل يرى أن فترة الجمود هي العصور الوسيطة، فأين هيويل من النتاج العلمي للعرب الذي يعتبر جذرا أصيلا للثورة العلمية التي حدثت فيما بعد كما ذكرنا آنفا. لقد ذهب المؤرخون إلى البحث عن العوامل الداخلية والخارجية التي أظهرت أو ساعدت على إظهار النظريات في الماضي، فقد عالجوا في دراساتهم للعوامل الخارجية الأوضاع الاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي سادت آنذاك، مما يكون له أثر كبير على اتجاه العلماء في تلك الفترة اتجاها محددا، وظهورهم على الناس بنظريات معينة، فيما أشار المؤرخون الذين نظروا بإمعان في الظروف أو "العوامل الداخلية" التي عملت على إبراز نظريات عصر الثورة العلمية أشاروا إلى العوامل التي تتصل اتصالا وثيقا بطبيعة العلم نفسه وتطوره على مر الزمن، ويبدو أن بدايات القرن "العشرين" شهدت مناصرة وتعاطفا مع أصحاب النظرة الخارجية، وكذلك شهدت النظرة الداخلية مؤيدها، وأصبحت تقف جنبا إلى جنب مع أصحاب النظرة الخارجية.

الفصل الثاني: الباحث والبحث العلمي

الفصل الثاني: الباحث والبحث العلمي المبحث الأول: قراءة تاريخية يصعب تتبع تاريخ البحث العلمي بالتفصيل، ومن الصعوبة بمكان أن نحدد بوضوح النقطة التي كانت بداية البحث العلمي في التاريخ الإنساني، وما نستطيع ذكره هو بعض معالم التطور والنشاط في هذا المجال، وجدير بالإشارة أن أسس التفكير والبحث العلمي استغرقا عدة قرون، ولا بد للباحث أن يكون على معرفة بالميدان بالنسبة للوضع الراهن وبشيء من الوعي التاريخي بالمسارات التي أدت إلى هذا الوضع. ونورد هنا ثلاث لمحات خاطفة تتناول أولاها البحث العلمي في العصور القديمة، ونعرض في ثانيتهما البحث العلمي في العصور الوسطى، ونبين في ثالثتهم البحث العلمي في العصور الحديثة. العصور القديمة: هي الفترات التي عاش فيها المصريون القدماء والبابليون واليونان والرومان، كان اتجاه تفكير المصريين اتجاها عمليا تطبيقيا لتحقيق غايات نفعية، إلا أنه كان متصلا بالآلهة والخلود ويوم الحساب، وقد قادتهم خبرتهم العلمية المتكررة إلى أمور كثيرة، ولا مجال هنا لذكر جميع معارفهم1.

_ 1 يتفق معظم الباحثين على أن المصريين القدماء لم يصلوا إلى فكرة العلم المنظم القائم على الملاحظة والتجربة أحمد بدر: أصول البحث العلمي ومناهجه ط6، وكالة المطبوعات الكويت، 1982 ص740.

استفاد علماء بابل من التراث المصري القديم، وباعهم طويل في علمي الرياضيات والفلك، انتحل منهم علماء اليونان النظريات الهندسية منها نظرية "فيثاغورث"، ولا مجال لاتساع أكبر في ذكر معارفهم ونكتفي بالقول: إن الحضارتين المصرية والبابلية دامتا حوالي "خمسة وثلاثين قرنا". أخذ الفكر الإغريقي عن الحضارات القديمة، وكانت حضارتهم امتدادا للحضارتين المصرية والبابلية، وأحرزوا تفوقا عظيما في مبادئ البحث، واعتمدوا اعتمادا كبيرا على التأمل والنظر العقلي المجرد، ولعل هذا ما دعا براتراندرسل إلى القول: إن فلسفة اليونان كانت تعبر عن روح العصر وطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه1. اهتم اليونان بالمدارس العلمية، نذكر منهم "طاليس" "624-546 ق. م" "وفيثاغورث" حوالي 572-497 ق. م" وتلميذه "هبوقراط"، و"أفلاطون "429-349 ق. م" الذي أسس الأكاديمية الأفلاطونية التي كانت تهتم بجميع فروع المعرفة، "وأرسطوطاليس" "384-322 ق. م" الذي وضع المنهج القياسي أو الاستدلالي، وفطن إلى الاستقراء، ودعا إلى الاستعانة بالملاحظة، ولكن الطابع التأملي كان غالبا على تفكيره و"إقليدس" "330-275 ق. م" و"أخميدس" "287-212ق. م" الذي ابتكر نظرية الوزن النوعي2 و"أبو لونيس" "260-200 ق. م" و"استرابون" وعاش حوالي "20ق. م" وقد طور الجغرافية كعلم، و"بطليموس" "87-165م" وجاء كتابه "دائرة معارف فلكية"3، وقد وضع أول نظرية ملائمة عن الكواكب، وكانت خطوته هذه خطوة هامة في طريق البحث العلمي، وفي سنة "250 بعد الميلاد" ولد ديوفانتس وكان من كبار علماء الرياضيات وقد ورث عن علماء بابل المعادلات الجبرية.

_ 1 براتراندرسل: النظرة العلمية، ترجمة: عثمان نويه، القاهرة، 1956 ص6. 2 يبدأ بالمسلمات التي تفترض أنها لا تحتاج إلى برهان، وأنها ليست نتيجة للتجربة، وقد سار في كتابه عن الأجسام الطافية كميادين جديدة للدراسة. 3 كتابه النظام الرياضي للنجوم "Mathematic Symtaxis" وسماه العرب فيما بعد "بالمجسطي" "Almagistic" أي الأعظم.

أما بالنسبة للفكر العلمي عند الرومان، فقد كانوا ورثة المعرفة اليونانية، وكان إسهامهم يتركز في الممارسة العملية أكثر من متابعتهم للمعرفة ذاتها، وكان الرومان صناع قوانين ومهندسين أكثر منهم مفكرين متأملين، ويعود إليهم تحديد الأبراج1. تشمل العصور الوسطى وما يلها حتى العصور الحديثة "ويطلق عليها العصور الوسيطة" الفترة التي ازدهرت فيها الحضارة العربية الإسلامية، بين القرنين "الثامن والحادي عشر الميلاديين"، وفترة عصر النهضة في أوروبا2، يسمي الأوروبيون العصور الوسطى بالعصور المظلمة، لكنها كانت في الشرق هي العصور الذهبية، عصور الإنتاج الغزير، والقيادة الحكيمة لدفة الحياة، لا في العالم الإسلامي وحده، ولكن في الصين أيضا والهند، وسوف نعود للعصور الوسطى في موضع آخر. في هذه القرون الأربعة ظهر في العالم الإسلامي عدد كبير من الأئمة والعلماء والفلاسفة والمؤرخين ومن الكتاب والأدباء واللغويين، وتركوا من الآثار ما كان الأساس الذي نقل إلى الغرب فبنى عليه الغرب الفكر الذي أفضى إلى الحضارة المعاصرة والفكر المعاصر. بلغ الإنتاج الفكري العربي أوج عظمته في القرنين "العاشر والحادي عشر"، بينما كان الغرب سادرا في جهالته، وفي القرنين "الثاني عشر والثالث عشر" انتشرت في أوروبا الرشدية، وكان من جراء ذلك أن وضع توما الأكويني مدرسته، التي فتحت نافذة على العقل، وقام روجر بيكون يدعو إلى بناء العلم على التجربة والخبرة المتزايدة.

_ 1 أول من استعمل كلمة برج "Dodiac" في مكانها الصحيح العالم اليوناني في علم الفلك "كليوستراتوس التنيدي" "القرن السادس ق. م" كما طور في الدورة الفلكية التي تتكون من ثمانية أعوام، التي ورثوها عن علماء بابل. 2 إن ما عرف باسم النهضة كان استرجاعا بل إحياء للمفقود، نبتت في إيطاليا "وتختلف الآراء في ذلك" واستمدت غذاءها من المصادر الإغريقية، وكانت فلورنسة خير نبت لها "جواهر لال نهرو. مرجع سبق ذكره ص55".

كانت الفترة ما بين أول القرن "الرابع عشر وأوائل القرن السابع عشر" بالنسبة لإيطاليا وأوروبا الغربية فترة انتقال خرجت فيها أوروبا من عالم العصور المظلمة، وجمعت قواها علما ووعيا، ومواصفات اجتماعية واقتصادية وسياسية لتدخل بقوة العصر الحديث، "عصر التكنولوجيا". لقد وقع في هذا العصر أحداث منها ابتكار المطبعة المتحركة، ودعوة صارخة للتجديد في أساليب التعليم، وترجمة الكتاب المقدس ونشره بين الناس لكن اللاتينية بقيت لغة العلم إلى منتصف القرن "السابع عشر"، وكانت النهضة ذات متناقضات كثيرة: فمن الأحداث التي جرت حركة الإصلاح الديني، ووضع كوبرنيكوس نظرية فلكية استوحاها من ابن الشاطر الدمشقي، ورحلات الاستكشاف التي بدأها برتلوميودياز "سنة 894هـ/ 1488م" وتبعه كريستوف كولومبوس "سنة 898هـ/ 1492م" وفاسكودي غاما "904هـ/ 1498م" ثم ماجلان "ت 925هـ-929هـ/ 1519-1522م". تبدأ العصور الحديثة: منذ القرن "السابع عشر" حتى وقتنا المعاصر1، وفي هذه الفترة اكتملت دعائم التفكير العلمي في أوروبا، أو كادت، وبدأت هذه الخطوات على يد الكثيرين منهم "فرنسيس بيكون" و"جون ستيورات ميل"، و"كلودبرنارد" وتعود مسيرة البحث العلمي إلى التجارب التي أجراها جاليليو "Galileo" في الفيزياء في أوائل القرن "السابع عشر"، ويرى الغربيون أن هذا العصر قد توج باكتشاف اللوغاريتم والدورة الدموية، وفصل قواعد المنهج التجريبي وخطواته من خلال نظريات فرنسيس بيكون، وظهور بويل كأب للكيمياء الحديثة، وأفكار نيوتن الرياضية في القرن "الثامن عشر"، وأخذ الغرب بالموضوعية في الحقول العلمية على الأقل، وقد بدأ

_ 1 يقسم بعض الباحثين الغربيين العصور العلمية إلى عصرين رئيسيين: الأول العصر الإغريقي "600 ق. م-200 بعد الميلاد" والثاني عصر النهضة المعاصرة من "854هـ/ 1450م" وبهذا يغفلون ما قبل الحضارة الإغريقية ودور الحضارة العربية الإسلامية.

بحثه العلمي بالرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك، ووضع في القرن "الثامن عشر" ما يسمى "بالموسوعة العلمية" في فرنسا. لقد بدأت طلائع التكنولوجيا ممثلة بما سموه "الثورة الصناعية"، وازدهرت علوم الجيولوجية والبيولوجية كميادين جديدة للدراسة والبحث والعمل، وبدأت دراسة علم الآثار وعلم النفس وعلم دراسة الجمجمة، خلال القرن "التاسع عشر"، كما شهد هذا القرن تداولا واسعا للكتب القيمة، ترافقها حرية في النقد وإبداء الرأي، كما صنع الغرب الآلة البخارية، ونما علم الاقتصاد، وكان رائدة آدم سميث "1136-1205هـ/ 1723-1790م" ونمت علوم أخرى كثيرة، وفيه صارت أوروبا دولة صناعية، اتسع رخاؤها ونمت ثروتها. وما يهمنا في مجال هذا البحث أن رسخت المنهجية العلمية، لا في البحث العلمي فقط، بل في جميع دروب الحياة، حتى وجدنا أن النمو الملحوظ في التكنولوجيا وفي جميع عناصر الحضارة المعاصرة يمكن أن يعزى إلى حد كبير إلى استخدام البحث العلمي. وفي هذا المجال نشير إلى قول غوستاف جرونيباوم: إن ابن المعتز أول مسلم فكر في العلم بوصفه واجبا، لا بد من مواصلة التمكن منه باطراد وبوساطة تعاون أجيال متعاقبة من العلماء1، وفي شأن احترام العلماء ننظر إلى السكاكي "ت 627هـ/ 1229م" وقد جنح أصلا إلى العلم، لما شهده من التشريف الذي كان يحظى به العلماء الكبار2، ونشير إلى قول الأحنف بن قيس "ت 72هـ/ 691م": "كل عز لم يوطد بعلم فإلى ذل مصيره". أما التطورات الخاصة باستخدام الكيمياء الحيوية والبكتريولوجيا في دراسة المشكلات الطبية واستخدام أفكار جديدة في الفيزياء والوصول إلى تحطيم الذرة ...

_ 1 غوستاف جرونيباوم: حضارة الإسلام، مرجع سبق ذكره، ص311. 2 كرينكوف: دائرة المعارف الإسلامية، Ei, 4y، ص80، وكان نفس الاتجاه إلى احترام العلماء معمولا به في العالم اليوناني المعاصر.

هذه كلها قد تمت إلى حد ما خلال القرن "العشرين"، وأصبح شيء واحد يقلق الغرب هو هذا السلاح المدمر الذي تفنن التكنولوجي في صنعه وتجديده وتطويره. يهمنا العودة إلى العصور الوسطى، حيث نجمع في مجال تراثنا المخطوط بين التاريخ والإنجازات والمنهج بهدف توضيح جوانبه، والكشف عن دوره في الحضارة المعاصرة، كان الاهتمام العلمي لدى العرب يشمل كل شيء. وكان هدفه الإحاطة بخلاصة كل ما يستطاع بلوغه من المعرفة، وكان العرب يبدون إرشادا أعظم وتعقلا أمتن في اختيارهم لما يدرسون من أمور1. مما أوضحناه في موضع آخر.

_ 1 انظر أقوال ماكدونالد في دائرة المعارف الإسلامية "Ency. of Islam" ليدن 1913-1943. ص1046 ومقدمة المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" ص1-8، ترجمة كارادي فو "Garredevow"، باريس، 1896، التي تمثل نصاعة ذهن العصر، حيث يعدد فيها الموضوعات التي كتب فيها.

المبحث الثاني: الباحث العلمي وخصائصه

المبحث الثاني: الباحث العلمي وخصائصه يعرف الباحث العلمي بأنه هو المخطط والمنظم والمنفذ والموجه لمختلف مراحل البحث العلمي، وصولا إلى النتائج العلمية والمنطقية، وبهدف الوقوف على دوره في البحث العلمي نتناول جانبين هامين: 1- الإعداد. 2 الصفات الشخصية. 1- الإعداد "Formation"1: ويشمل التدريب الفكري والفني واكتساب خبرة العمل، فعلى الباحث المتدرب أن يدرس عددا من العلوم المحددة كي يتمكن من العمل

_ 1 إن كلمة "Formation" فرنسية الأصل، إلا أن دخولها الإنجليزية أو استيلاء الناطقين بالإنجليزية عليها أمر تشهد عليه بوضوح وثيقة أصدرتها الحكومة البريطانية "عام 1980" وهي تقرير فينستون "Finiston" فقد استخدمت الكلمة لا لتشمل التدريب الفكري والفني ولكن لتشمل أيضا اكتساب خبرة العمل "ديكنسون. ص102".

على النحو المناسب كباحث علمي، ولا يمكن أن يعتبر تدريبه مكتملا حتى يكتسب قدرا من المهارة في عدد من التقنيات، ومن أمثلة ذلك التعبير عن الأشياء بلغة الرموز، والقدرة على معالجة العلاقات القائمة فيما بينها، وصياغة ومعالجة الأفكار بلغة صورية، وتقويم مدى صحة هذه العمليات، ومعالجة البيانات وفهم مدلولها، وتعميم التجارب في صورة تفضي إلى نتائج هامة متميزة، ثم عرض الأعمال التي اضطلع بها الآخرون في الماضي والعمل الذي يضطلع به الباحث نفسه في الحاضر، كجزء من عملية تتحقق على مراحل، وترمي إلى إثراء وتنمية مستقبل المعرفة وتطبيقاتها، وأن يكون الباحث العلمي قادرا على التعبير عن نفسه بطلاقة وبشكل جذاب، بوساطة الكتابة في المقام الأول، ويضاف إلى ذلك أن المعرفة الجديدة، لا يمكن أن توجد على نحو مقالي ما لم تصبح بوساطة النشر جزءا من الذخيرة المعرفية المشتركة والمتاحة للجميع. 2- الصفات الشخصية: - الخيال والأصالة: عنصران لا غنى عنهما للإبداع وإن كان هناك عدد مثير للدهشة من العلماء الذين لا يعتقدون أن للأصالة أهمية في البحث، وقد حدد "مداوار" بإيجاز وظيفة الأصالة والخيال والإبداع في العملية العلمية كما يلي: كل اكتشاف وكل توسع في الفهم يبدأ كتصور خيالي قلبي، لما قد تكون عليه الحقيقة، ينشأ كتخمين مهم يصدر من داخل النفس، وهناك صفة أخرى من نوع مختلف تماما، لا يمكن بدونها أن تتحول صفتا الأصالة والخيال إلى الإبداع والإنجاز وهي: - المثابرة: ومثال مشهور للمثابرة نجده عند كل من ماري وبيير كوري "mary and Piere Curie" في اكتشاف عنصرين هما الراديوم والبولونيوم، ومن تراثنا العربي تتعدد الأمثلة. - سمة أخرى يجب أن تتوافر هي حب العلم: فهو الزاد الأساسي الذي يعين الباحث على التقدم في بحثه والوصول إلى نتائج سليمة.

- سعة الأفق: وتشمل قدرة الباحث على الاعتراف بأنه من الممكن أن يكون على خطأ، وقد يؤدي الافتقار إلى هذه القدرة إلى الغرور أو الرضا المفرط عن النفس، وترتبط بسعة الأفق ارتباطا وثيقا قدرة الباحث على: - نقد الفكرة أو العمل، سواء كان له أم لغيره، فقد يتوافر فيه الوعي والعقلانية والتجرد عن الهوى ويتطلب مثل هذا النقد: - من التواضع ما يحول دون المبالغة في التقدير ما يسلم به مقدما من فروض ذات طابع شخصي كما يتطلب القدرة على طرحها جانبا حتى يمكن اتباع الفروض التي يسلم بها باحثون آخرون، في نفس المجال وحينئذ يعتمد البحث العلمي على: - الحصافة: والتحلي بصفات متضادة، فعلى الباحث العلمي أن يعبر عن فرديته، ولكن عليه أيضا أن يفعل ذلك في إطار الأوضاع الاجتماعية السائدة، وقد كتب جارفيلد "Garfield" قائلا: إن الاتصال وهو هنا يشمل عملية التدريس والتفاعل هما جوهر التقدم العلمي وعليه فوق ذلك أن يكون: - ذا جاذبية علمية مؤثرة، تشعر القارئ معه أنه يقوده إلى الحقيقة بالمنطق والعلم والتأثير، وأنه إن جادل بالحق، ونشير إلى خصيصة هامة وهي: - الأخلاقية: وأهمها الحياد الفكري والأمانة في الاقتباس وعدم القذف والمهاجمة لعلماء آخرين، والاعتراف بفضل السابقين والمعاصرين والمسارعة إلى تصحيح الأخطاء بروح رياضية لا بدافع الشهرة والمجد حتى لا يفقد البحث مغزاه الأساسي من هدف واتجاه. - الحذر، ونوعية التجرد والنزاهة تعتبر جزءا من هذا الحذر، ومن مصادر الحذر الإغراء أثناء فترة إجراء التجربة لرفض أو عدم تسجيل للقياسات التي لا تتفق مع فكرة مكونة سلفا عما يجب أن تكون عليه تلك المقاييس، ونشير إلى مصدر آخر رئيس للحذر في جميع البيانات يطلق عليها "خطأ اختيار العينة" كاختيار الحصاة مضللة عن المجموعة الكبيرة من أنواع صخور الشاطئ.

- عدم التحيز: فالبحث يتضمن عنصرا لجميع البيانات لتحليلها من أجل صنع القرارات، أو للتنبؤ بأحداث المستقبل، لكن من واقع أمثلة من البحوث أساسا، ظهر مدى أهمية مجموعة واسعة التنوع يمكن أن تؤثر أو تسبب التحيز في كل من البيانات النوعية أو الكمية، كما هو الحال في بحوث السوق، حيث أن السن والجنس والطبقة الاجتماعية أو الوظيفة قد تؤثر على مواقف الفرد السياسية والاجتماعية وأفضليات الشخصية. ونضيف أن الحقيقة المطلقة بعيدة، مما يدعو الباحث إلى الحوار والنقاش وأن تكون الفكرة التي يطرحها مما يقبله العقل. ما ذكرناه من صفات ليست نادرة، ولا تقتصر على المشتغلين بالبحث العلمي، لكن استخدامها على نحو فعال، يطلب أكثر ما يطلب في مجال البحوث العلمية، وهو أمر ثابت تاريخيا، كما لاحظ "جارفيلد" أيضا أنه إن ما حدث من تقدم في الطب والعلوم إنما جاء نتيجة لجهود الباحثين الذين جمعوا العقلية العلمية والتي تجمع بين التدريب وحب الاستطلاع، بين الخبرة والحدس بين الموضوعية المجردة من الهوى والاهتمام، بين المنطق الاستنتاجي والتجريب الإحصائي، بين النظرة الديناميكية، المتطورة التي تهدف إلى ما هو أمثل وأصلح وأكمل. إن سمات العقلية العلمية يفرقها المنهج العلمي، وقد مر الفكر الإنساني بمراحل حتى بلغ هذا المنهج، وقد مر الفكر الإنساني بمراحل حتى بلغ هذا المنهج ومستلزماته، فهو نتاج قرون طويلة من التجربة، ونذكر في هذا الشأن قول نيوتن: "إذا كنت قد رأيت أكثر مما رأى معظم الرجال فذلك لأنني وقفت على أكتاف عمالقة"1، اعترافا منه بفضل من سبقه في مجال البحوث العلمية والآراء والنظريات التي طرحوها والتي أدت إلى النهوض بالفكر الإنساني وبلوغه مستوى لا يزال آخذا بالتطور.

_ 1- ديكنسون، جون. ب: العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث ترجمة: شعبة الترجمة باليونسكو الكويت 1407هـ/ 1987م ص70.

ومن منطلق الاهتمام المتزايد بالبحوث العلمية من قبل الدول وبخاصة المتقدمة وإدراك الدول النامية لأهمية البحث العلمي في دراسة مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وفي التخطيط للتنمية القومية في شتى المجالات، ومن مظاهر هذا الاهتمام زيادة الاهتمام بالإنسان الذي يقوم بتنظيم وتوجيه مراحل البحث العلمي، والعمل على تكامل الصفات التي وردت أعلاه، وتهيئة المناخ المناسب لأسلوب العمل، مما يتطلب الزيادة المطردة فيما يخصص للبحث العلمي من أموال في الميزانيات القومية وميزانيات المؤسسات العلمية والإنتاجية، ومنها أيضا إنشاء وزارات ومعاهد ومراكز ومجالس قومية متخصصة للبحث العلمي1، وتشجيع العلماء والباحثين وتوفير أدوات وأجهزة البحث الحديثة، رغم ذلك فإن البحث العلمي يحتاج إلى أكثر من ذلك كله، يحتاج إلى الكوادر العلمية والفنية الممتازة من الباحثين في المجالات التخصصية المختلفة2، وتقع على الجامعات وبخاصة في فروع وأقسام الدراسات العليا مسئولية تربية هذه الكوادر، ومن هنا أصبحت دراسة مناهج البحث جزءا لا يتجزأ من تربيتهم وبرامج دراستهم.

_ 1 بلغت نسبة الإنفاق على التعليم من إجمال الموازنة العامة لعام "1995-1996" المملكة العربية السعودية "20%" دولة الإمارات العربية المتحدة "15.6%" الجمهورية اليمنية "13.8%" دولة قطر "8.8%" سلطنة عمان "7.9%" سورية "7.8%" "اسكوا، المجموعة الإحصائية، نيويورك، 1997، ص195". 2 ما زال الوطن العربي يشكو من نقص في هذا المجال، بلغت نسبة العلماء وفنيو البحث "6" من كل عشرة آلاف في مصر. رجاء وحيد دويدري: جغرافية الوطن العربي في إفريقية. دمشق 1997، ص413.

المبحث الثالث: خصائص البحث العلمي

المبحث الثالث: خصائص البحث العلمي "Characteristics of Scientefic Research": تعريف: لعل تعريف البحث أسهل من تعريف العلم، رغم ذلك لم يتفق العلماء والباحثون العلميون على تعريف واحد موحد، فكلمة "بحث"1 غير محددة، متعددة الوجوه، تتسم بالمرونة مثل العقل تستخدم في هذه الأيام لوصف كثير من الأنشطة، التي يبدو للوهلة الأولى أن لها روابط ظاهرية قليلة فيما بينها، أو بينها وبين العلم، ولها أيضا عدد من الروابط الأخرى، مما يثير غضب العلماء من ذوي الخبرة. والاختلاف واسع الانتشار في استخدام كلمة "بحث" يوحي بتعدد التفسيرات الممكنة، ينحصر إحداها في أولئك الذين يعتقدون أنهم يستخدمون الكلمة بمعنى صحيح وحصري وهم أقلية محدودة، وعلى كل حال فإن تحليل جميع التعاريف والاستخدامات السارية فيما يتعلق بكلمة "بحث"، أمر يتجاوزه الحيز المتاح، ومن خلال استعراضنا لتعاريف متعددة لكلمة "بحث" نستطيع أن نميز بعض الخيوط أو العناصر العامة. إن الفعل "RESEARCH" "يفيد البحث" يعني ينشد ثانية، أو يفحص الشيء ثانية بعناية، أما الاسم "بحث" فيعرف عادة بأنه التقصي بعناية، وبخاصة الاستقصاء المنهجي في سبيل زيادة مجموع المعرفة، الذي يزداد بإضافة معرفة جديدة. والبحث في اللغة كما يقول ابن منظور: "البحث طلبك الشيء في التراب والبحث أن تسأل عن شيء وتستخبر"2 وعند الجرجاني "البحث لغة: هو التفحص والتفتيش، واصطلاحا: هو إثبات النسبة إيجابية أو سلبية بين الشيئين بطريق الاستدلال"3 ومعنى اصطلاحي آخر يقول: "طلب الحقيقة وتقصيها وإشاعتها بين الناس" وقد ذكر المؤرخ التركي المعروف "حاجي خليفة" في كتابه "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" أن التأليف والبحث لا يخرج عن أن يكون في سبعة أنواع، ونصت عباراته الشهيرة: "التأليف في سبعة أنواع" لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي: 1- إما إلى شيء لم يسبق إليه فيخترعه.

_ 1 نميز كلمة بحث عن كلمة الدراسة: فالبحث: كل عمل علمي يظهر فيه جهد الاستقصاء والتفتيش في جمع المادة التي يتطلبها ثم تحليلها وتفسيرها هو بحث، أما الدراسة فتعني قراءة الكتب وحفظها ودرسها، يدرس الموضوع ثم يكتب فيه المتخصص كتابا أو مقالا، يشرح فيه العناصر ويوضحها فإن كتابه أو مقالته هذه تعد دراسة وليس بحثا، وبينما تعود ثمرة الدراسة بالفائدة على الدارس من داخل ذاته، تثري ذهن الدارس، فإن البحث لا يفيد منه الباحث فقط بل العلم والمجتمع، انظر المعجم الوسيط 1/ 39، مادة بحث. أيضا المصدر نفسه، 1/ 279، مادة درس. 2 ابن منظور: اللسان "بحث"، المعجم الوسيط. 1/ 39 مادة "بحث". 3 التعريفات: 24.

2- أو شيء ناقص يتمه. 3- أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه. 4- أو شيء متفرق فيجمعه. 5- أو شيء مختلط يربطه. 6- أو شيء مغلق يشرحه. 7- أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه1. أما في المصطلح العلمي، فقد تعددت معاني البحث فهو: "تقرير واف يقدمه باحث عن عمل أتمه وأنجزه، بحيث يشمل هذا التقرير كل مراحل الدراسة منذ كانت فكرة حتى صارت نتائج معروفة، مدعمة بالحجج والأسانيد" وتعريف آخر "البحث هو التنقيب عن حقيقة ابتغاء إعلانها دون التقيد بدوافع الباحث الشخصية أو الذاتية إلا بمقدار ما يفيد في تلوين البحث بطابع الباحث وتفكيره ويعطيه روحه التي تميزه عن غيره"2 وآخر "محاولة صادقة لاكتشاف الحقيقة بطريقة منهجية وعرضها بعد نقص دقيق ونقد عميق، عرضا ينم عن ذكاء وفهم، حتى يستطيع الباحث أن يقدم لمعرفة لبنة جديدة ويسهم في تقدم الإنسانية3 وأيضا "البحث العلمي هو البحث النظامي والمضبوط والخبري "Empirical" في المقولات الافتراضية عن العلاقات المتصورة بين الحوادث الطبيعية4 و"البحث استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن

_ 1 مؤرخ تركي مشهور بكاتب جلبي، عاش في القرن الحادي عشر الهجري، "السابع عشر الميلادي"، ومن مؤلفاته كتابه "في فن الكتب" الذي يشمل جمع الفنون والآداب، وله كتاب في الجغرافيا "جهانتما" وهي محاولة جمعت معلومات الأوربيين والمسلمين والعرب في الجغرافية، ولم تكن أوروبا قد قامت بمثل هذه الترجمة إلى ذلك الوقت، ونذكر في شأن النوع "3" قول ابن خلدون الذي ينتقد المختصرات انتقادا شديدا ويصفها بأنها مضرة بالعلوم. 2 يقول بوفون "Buffon": الأسلوب هو الرجل. 3 جودة الركابي. منهج البحث الأدبي في إعداد الرسائل الجامعية، دار ممتاز، دمشق 1413هـ/ 1992م ص12. 4 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص35.

توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي، ونستطيع أن نجمع مضمون ما ذكرناه من التعاريف السابقة بما يلي: "البحث العلمي هو نتاج إجراءات منظمة ومصممة بدقة من أجل الحصول على أنواع المعرفة والتعامل معها بموضوعية وشمولية، وتطويرها بما يتناسب مع مضمون واتجاه المستجدات البيئية الحالية والمستقبلية"1، ولا بد لنا من التأكيد على نقطتين هامتين: إن البحث العلمي نظامي ومضبوط، وإن البحث العلمي خبري، أي أن ما يحصل عليه الباحث العلمي يكون موضع اختبار، مما لا يسمح للباحث التساهل بالدقة والصحة والموضوعية في كل ما يصل إليه من نتائج. عن ما يميز البحث العلمي عن الأنشطة الأخرى خصائصه، ورغم أن جميعها تشترك في خاصتي جميع الحقائق والبيانات وتبليغها، إلا أن الاستقصاء العلمي يهتم ويتسم بمجموعة من الخصائص والسمات2 هي: 1- الموضوعية "Objectivity": الموضوعية في البحث والموضوعية في عرض النتائج، ورغم أنها حديثة على الفكر العالمي، إلا أنها أهم خصائص البحث العلمي، فالبحث العلمي يجب أن يكون منزها عن الهوى الذاتي، وأن تكون غايته الأولى الدخول إلى الحقيقة واكتشافها، سواء اتفقت مع ميول الباحث أم لم تتفق، ونشير بتحفظ إلى أن

_ 1 ارجع إلى: Whitney. "Elements of Research". New York, 1946. p. 18. Polansky, N. Social work Research". p. 2. 2 قارن ذلك بما ورد عند علماء المسلمين والعرب فيما يختص البحث العلمي والتأليف وتحديد الأهداف وارجع في هذا الشأن إلى: - حاجي خليفة. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ط3، المطبعة الإسلامة، طهران 1387هـ، ج1 ص35. - فرانز روزنتال: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، دار الثقافة بيروت 1961، ص26.

البحث رغم أنه لا يستطيع أن يتخلى عن الذاتية التي تتجلى في أثر الباحث، والتي تجدد نوع الإبداع والابتكار، وتعطيه طابع أسلوب الشخصي فإن الصفة الموضوعة تلك التي تتجلى في تطبيق الوسائل العلمية على البحث، واستخدام المادة واستقرائها ومعالجتها بالتنقيب والتحليل والموازنة بذكاء وفهم، لتقود الباحث إلى الحقيقة المنزهة عن الهوى المؤيدة بالحجج والأسانيد، وجميع البحوث على الرغم من تنوع حقولها علمية كانت أم اجتماعية أم فنية أم أدبية، لا بد أن تسير في تحقيق أهدافها على الأسلوب الموضوعي المنهجي، فهي واحدة في جوهرها. 2- التكرار والتعميم: "Repetition" يهتم الاستقصاء العلمي في المقام الأول بالتعميم وتعريف الخصائص العامة، وأنماط السلوك المشتركة بين الأشياء والأحداث التي تتم ملاحظتها على انفراد بشكل موضوعي، وأن تكون تجربة الملاحظة قابلة للنقل للآخرين، أي أن تكون معرفة متبادلة بين الأشخاص ويعني التكرار إمكانية الحصول على نفس النتائج تقريبا، إذا تم اتباع نفس المنهج العلمي، وخطوات البحث مرة أخرى وفي ظروف وشروط موضوعية وشكلية مشابهة، والتعميم نوعان، أما بالنسبة للخصائص التي تتيح تصنيف الأشياء أو العلاقات القائمة بين الخصائص أو قد يكون التعميم والتكرار مستقلين تماما عن الزمن والمكان والفرد الملاحظ. 3- الخصائص والتصنيف: نقصد بالخصائص الشيء المركب من الملاحظات السابقة والأسباب تتصل دائما بالخصائص النوعية للأشياء أكثر من صفاتها الكمية، أما التصنيف: فهو إضفاء المنهجية الواعية على نزعة الجدولة والتعميم، والذي توضح فيه الأسباب جمع الأشياء المتشابهة، ويتراوح التصنيف بين العناصر المكونة للأشياء "البللورات" إلى التصنيف العملي "المنهجي" وتصنيف الأمراض، إلى التصنيف المستحيل تقريبا، مثل تصنيف السلوك الإنساني، ويمكن أن يسبب التصنيف النظري عددا من المشكلات وعلى سبيل المثال: نجد أن تصنيف الصخور يقع في ثلاثة أنواع رئيسة:

الصخور النارية والصخور الرسوبية والصخور المتحولة، ولكن ماذا عن تدفقات الحمم النارية، وهي بركانية الأصل، لكنها تتواجد بين طبقات رسوبية أخرى. 4- بيان الاختلافات والضوابط: القياس الكمي والمعابرة، على الباحث العلمي أن يحاول بيان الاختلافات القائمة بين الأشياء، وقد تكون هذه الاختلافات نوعية أو كمية، ويتطلب قياس الاختلافات أولا وجود آلة القياس والتقدير الكمي الفعلي لهذه الاختلافات، وثانيا توافر معايير مشهود بدقتها، وتوضح المعايرة التفاعل بين التقانة والنظرية والحاجة الاجتماعية، وهو الذي يؤدي إلى مختلف صور التقدم للجمعيات العلمية ولهذه وللأنشطة الحكومية دور هام في هذا المجال، ولقد أصبح من الضروري وجود معايير مقبولة على الصعيد الدولي، وتشترك الهيئات العلمية الموجهة إلى الفروع العلمية المتخصصة بالإضافة إلى منظمات عامة "الإكسو" في مثل هذه الأعمال الأساسية للتوحيد القياسي الخاص بفروع علمية معينة، وربما الباحث العلمي العادي أقل دراية بالكثير من هذا النشاط، ومثال جيد لأحد المجهودات الدولية في مجال التوحيد القياسي هي منظمة "الصحة العالمية" و"الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان"، عن معايير تشخيص الأمراض الخبيثة وتصنيفها وتحديد مراحلها. 5- اليقين: ونقصد به استناد الحقيقة العلمية على مجموعة من الأدلة الموضوعية المقنعة، وهي صفة ترتبط بالتعميم، واليقين العلمي هو اليقين المستند إلى أدلة محسوسة، وهو ليس مطلقا لا يتغير، لأن العلم لا يتسم بالثبات ولا يعترف بالحقائق الثابتة فالحقيقة العلمية هي حقيقة نسبية لا مطلقة تتبدل وتتغير أثناء تطورها، لكنها حقيقة موثوقة. 6- تراكم المعرفة: ونقصد بذلك أن يستفيد الباحث ممن سبقه من الباحثين، فيكمل الخطوات الصحيحة ويوسع النطاق، من نهاية ما توصل إليه غيره، وبهذا فإن المعرفة العلمية ترتفع عموديا، وكل معرفة علمية جديدة يؤخذ بها وتصبح سابقتها في صف النسيان، لهذا فإن الحقيقة العلمية حقيقة نسبية ترتبط بفترة زمنية معينة، تتطور ولا

تقف عند حد معين، كما لا يرتبط بباحث معين، فهي ليست ذاتية بل موضوعية تفرض نفسها على كل العقول. 7- البحث عن الأسباب: وهو عامل هام في فهم الظاهرات المدروسة، ولمعرفة الأسباب أهدافه نظرية وأخرى عملية، وهذه هي بذاتها أهداف العلم، ويتم فهم الظاهرات بمعرفة الأسباب وعوامل النشوء والتطور، بهدف الضبط والتأثير والزيادة أو النقصان، وبالتالي التحكم بالظاهرة وإخضاعها للتجربة والتعديل والتطوير. يبحث العلم عن الأسباب المباشرة، والبحث عن الأسباب يعمل على إرضاء حب الإنسان للاستطلاع والمعرفة والفهم، وزيادة قدرته على السيطرة على الظاهرات بوساطة معرفة أسبابها والتحكم فيها. وهي أسئلة محدودة، وقد يصعب على الباحث رد بعض الظاهرات إلى سبب معين، فالمطر لا ينتج عن التبخر نفسه ولا عن زيادة الرطوبة وحدها، ولا عن انخفاض درجة الحرارة وحدها، بل ينتج عن جملة أسباب تتكامل وتؤدي إلى ظاهرة المطر، لهذا لا بد من توسيع فكرة "السببية"، وهذا ما جعل التفكير العلمي ينظر إلى الظاهرة ويفسرها من خلال تفاعل مجموعة من العوامل والعلاقات المتشابكة في مدخلات هذه الظاهرة1. 8- التجريد والقياس الكمي أو التكميم 2 "Quantification": وهي سمة تميز التفكير العلمي عن أنماط التفكير الأخرى، يحدد الباحث مشكلاته وإجراءاته وفروضه، وبهدف الدقة فإنه يستخدم اللغة الرياضية، وهي لغة تقوم على أساس القياس المنظم الدقيق، ويؤدي هذا بالتالي إلى فهم دقيق للظاهرات، لأن الأحكام الكيفية تعطي فهما خاطئا لها، نقول: الجو حار، ولكن نحدد بدقة صفة الحرارة هذه حينما نقول: درجة الحرارة "45 ْم" والجود بارد ونحدد حد البرودة حينما نقول: درجة الحرارة "10 ْم"

_ 1 ذوقان عبيدات وآخرون. البحث العلمي في "خصائص التفكير العلمي 48-55"، دار الفكر، عمان، 1989. 2 لغة الأرقام أو الكم.

والفرق بين الحار والبارد كما هو "30 ْم" وبهذا يجرد الباحث الأشياء من صفتها ومادتها حينما يستخدم الأرقام والقياس الكمي. 9- التنظيم: يستند التفكير العلمي إلى منهج معين في طرح المشكلة، ووضع الفروض والبرهان، ويتم وضع ذلك بشكل دقيق ومنظم، وهو فحوي المنهج العلمي، وهذا بدوره وسيلة العلم، فالعلم معرفة منهجية تبدأ بالملاحظة ووضع الفروض واختيارها، بوساطة التجريب ثم الوصول إلى نتائج. ونقصد بالتنظيم طريقة التفكير، وتنظيم العالم الخارجي، لأن الباحث العلمي يدرس الظاهرة في علاقاتها مع الظاهرات الأخرى، فيكشف العلاقة بين الأسباب والنتائج ويكشف الصلات بين الظاهرات، والتنظيم ليس سمة للتفكير العلمي فقط، لكن ما يميزه عن أنماط التفكير الأخرى هو أنه يأتي من جهد الإنسان وإرادته، لأن العقل العلمي هو الذي يضع النظام ويقيم العلاقات المنظمة بين الظاهرات، والوصول إلى الظاهرات هو غاية العلم والعالم، بينما يعتبر النظام هو الأساس الذي ينطلق منه الآخرون. 10- الدقة: وهي سمة يجب أن تلازم البحث العلمي، وتشمل في جوهرها جميع السمات السابقة ابتداء مع الباحث منذ بدء التفكير بالبحث، وما يميز البحث العلمي عن غيره من أنماط التفكير هي الدقة، إن التحديد مشكلة البحث، والقيام بالإجراءات، وبيان النتائج، واحتمالية الوصول إليها، والتعميم كل ذلك يجب أن يتم بدقة، لهذا نعطي هذه السمة صفة الشمول لكل ما يقوله الباحث أو يدونه أو يتوصل إليه من خلال بحثه.

المبحث الرابع: أنشطة البحوث

المبحث الرابع: أنشطة البحوث أشرنا إلى أن الاسم "بحث" يعرف عادة بأنه يعني التقصي بعناية، وبخاصة استقصاء منهجي في سبيل زيادة مجموع المعرفة، وأن هذه المجموع يزداد نتيجة إضافة معرفة جديدة، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الحال عندما تستعاد معرفة كانت منسية أو مهملة، أو يرد لها اعتبارها؟ وما العلاقات بين المعرفة والمعلومات من ناحية، والمعرفة والفهم من ناحية أخرى؟ ووصف البحث بأنه علمي، هل يضيف شيئا إلى معنى كلمة "بحث" أم ينقص منه؟ يتعلق الجواب على هذه الأسئلة بإدراك الفرد الحسي للعالم من حوله، وقدرته على التأثير، فهي أسئلة فلسفية علمية وفعلية في آن معا، ومناقشتنا التالية من خلال فحص عدد من أنواع نشاطات البحوث المختلفة، توضح لنا ذلك، لأنها جميعا ترد أحيانا ضمن مفهوم البحث. 1- في المجتمعات الحضرية هناك نوعان مألوفان من أنشطة البحوث، التي تقوم على استطلاع الرأي العام، وهما "بحوث السوق" أو "استطلاع الرأي العام" و"البحوث التاريخية" تتمثل الأولى بشكل في الانتخابات السياسية الديموقراطية، وفي ممارسة التجارة، التي تمثل في أخذ رأي عينة من السكان حول صنف جديد من المنتجات في السوق، وكلا الشكلان من النشاط يحتوي على عنصر من عناصر البحث، وهو الجمع والتحليل المنهجي للبيانات، رغم ذلك فإن التحذيرات المعيارية للبحث العلمي تعد وثيقة الصلة بالموضوع في هذه أيضا، ويتعلق أغلبها بمشكلة الانحياز. أما الحوادث التاريخية "أحداث وسجلات فريدة" فالهدف منها هو إعادة بناء كل شيء بالضبط بقدر الإمكان بالنسبة للحدث الذي يصفه، تقريبا كما لو كان هناك بنفسه، يكتب كل شيء في حينه، وعلى أي حال فإن البحوث التاريخية تشترك

في جانبين هامين وشائعين مع أنشطة البحوث الأخرى، وهما تسجيل المعلومات وإبلاغها، وكثير من المعنيين في شئون البحث العلمي يعتبرون هذين النوعين من البحوث تعطي صورا ساكنة أو على الأقل مجموعة من الأطر الزمنية المتعاقبة، هي مجرد أنشطة تشترك مع البحث العلمي في خاصتين جمع الحقائق والبيانات وتبليغها، وإن ما يميز البحث العلمي عن مثل هذه الأنشطة خصائص منها التكرار والتعميم، الخصائص والتصنيف، القياس الكمي. 2- إن جميع البحوث، وعلى مختلف مستواها لا بد من أن تسير في تحقيق أهدافها، على الأسلوب المنهجي الموضوعي، فهي على الرغم من تنوع حقولها، تبقى في جوهرها واحدة، إذا كان القصد منها الدراسة العلمية لكل ما تحتويه هذه العبارة من مضمون. وبناء على الهدف الرئيسي للبحث ومستوى المعلومات المتوافرة نجمل نشاطات البحوث بـ: 1- البحث بمعنى التنقيب عن الحقائق "Fact Finding": وهو التنقيب عن الحقائق معنية، دون محاولة التعميم، أو استخدام هذه الحقائق في حل مشكلة معينة، مثال ذلك القيام ببحث عن تاريخ نشوء الجامعات. 2- البحث بمعنى التفسير النقدي "Critical Interpretation": وتطبق هذه الطريقة عادة عندما تتعلق المشكلة بالأفكار "ideas"، أكثر من تعلقها بالحقائق، ويستخدم هذا النوع من البحوث، وسائل أساسية مثل حدة النظر والفطنة "Perspicacity" والخبرة، والمنطق من مثال قيام الباحث بدراسة عن الوظائف والمهام التي يجب أن تقوم بها الجامعة على مستوى البحث العلمي، حيث يقوم الباحث بتحليل "Analysis" وتصنيف "Classification" الآراء التي حصل عليها، ثم يقوم بالتفسير النقدي لها مبينا بطريقة منطقية أوجه القوة والضعف، وأوجه الاعتدال والانحراف في هذه الآراء،

وبذلك يكون الباحث قد كون في ذهنه إجابة منطقية ومعقولة ومقبولة عن المشكلة، وهذا النشاط لا يعتبر تقرير بحث "Researchreport" وإنما مقالة قصيرة "Essay" ولكن ما دامت النتائج التي توصل إليها الباحث تعتمد على المنطق وعلى الرأي الراجح، فهو في هذه الحالة يقوم ببحث يتضمن التفسير النقدي، وهو خطوة متقدمة عن مجرد الصول على الحقائق "Factfinding"، ويتبع هذا النوع من البحوث بالنسبة للمشكلات التي لا تحتوي إلا على قدر ضئيل من الحقائق المحددة، وكثير من البحوث التي يقوم بها الدارسون في مجال العلوم الإنسانية "Humanities" ينطبق عليها ما يسمى بالتفسير النقدي على أن: 1- تعتمد المناقشة على الحقائق والمبادئ المعروفة في المجال الذي يقوم الباحث بدراسته. 2 أن تكون الحجج والمناقشات التي يقدمها الباحث في التفسير النقدي واضحة ومعقولة. 3 أن يؤدي التفسير النقدي إلى بعض التعميمات والنتائج معتمدة على الحجج والمناقشات المعقولة. 3 البحث الكامل "Complete Research"، وهو أبعد خطوة من سابقيه، ويستخدم الدليل الحقيقي أكثر ما يتم في التفسير النقدي، يهدف إلى حل المشكلات، ووضع التعميمات بعد التنقيب الدقيق عن جميع الحقائق المتعلقة "Pertimentfact"، بالإضافة إلى تحليل جميع الأدلة التي يتم التوصل إليها، مثال ذلك كيفية التساؤل عن الكواكب وتوابعها "Satellites" هل القمر جزء من الأرض؟ طبيعة الندبة في وسط الأرض عند المحيط "الباسيفيكي"، حلقة الجبال البركانية "حلقة النار" المحيطة بالمحيط "الباسيفيكي"1.

_ 1 أحمد بدر: أصول البحث العملي ومناهجه، ط6 وكالة المطبوعات، الكويت، 1982 ص21-29.

3- إذا أخذنا بالاعتبار طبيعة البحث والدوافع لإجرائه فإننا نميز بين النشاط البحثي الأساسي أو التحتي "Basic Research" والنشاط البحثي التطبيقي "Applied Research"، وهي من أكثر التقسيمات شيوعا واستخداما، تشير إلى أنواع النشاط العملي الذي يكون الغرض الأساسي منه المباشرة منه هو التوصل إلى حقائق وتعميمات وقوانين علمية محققة، أما الغرض البعيد أو النهائي فهو تكوين نظام معين من الحقائق والقوانين والمفاهيم والعلاقات والنظريات العلمية، ومن الواضح أن هذا النوع من البحوث يهتم باكتشاف حقائق ونظريات علمية جديدة، وهو بذلك يسهم في نمو المعرفة العلمية، وفي تحقيق فهم أشمل وأعمق لها، بصرف النظر عن الاهتمام بالتطبيقات العملية لهذه المعرفة العلمية. يرتبط البحث النظري بمشكلات آنية، وهدفه المباشر تطوير مضمون المعارف الأساسية المتاحة في مختلف حقول العلم والمعرفة الإنسانية، بصرف النظر عن الاهتمام بالتطبيقات العملية لهذه المعرفة العلمية. أما البحث التطبيقي فيشير إلى نوع النشاط العلمي الذي يكون الغرض الأساسي والمباشر منه تطبيق المعرفة العلمية المتوافرة، أو التوصل إلى معرفة لها قيمتها وفائدتها العلمية في حل بعض المشكلات الملحة، ولا يقصد من الحلول والمعرفة العلمية من البحث التطبيقي، أن تكون مطلقة، وإنما هي معرفة وحلول تسهم في معالجة مشكلات ملحة خاصة، وهي قابلة للتعديل والتطوير، وهكذا فإن البحث التطبيقي له قيمة في معالجة المشكلات الميدانية وتطوير أساليب العمل وإنتاجيته في المجالات التطبيقية كالتربية والتعليم والصناعة والزراعة والتجارة وإدارة الأعمال من خلال اتباع منهج علمي ذي خطوات متدرجة بهدف الوصول إلى الأسباب الفعلية التي أدت إلى حدوث هذه المشكلات أو الظاهرات، مع تقديم توصيات علمية تعمل على الحد من هذه المشكلات أو الحيلولة دون حدوثها.

نشير أخيرا إلى صعوبة الفصل بين هذين النوعين من البحوث، سواء بأهدافهما ونتائجهما أو بالاستخدامات التالية التي تستعمل فيها هذه النتائج، كل منهما يغذي الآخر ويتغذى عليه، ويقدم أيضا المواد الخام والأدوات التي يمكن للتطور التقني أن يدخل عليها التحسينات باستمرار ويضعها موضع الاستخدام العام، وأن أية محاولة للتمييز بينهما، تصبح غير ذات معنى لدى الباحث نفسه، بخاصة أن كل واحد من أنواع البحوث يعتمد على استخدام نفس المنهج العلمي. معلوم أن البحث العلمي يحدد الاحتياجات، وبين الحلول ويوفر الوسائل اللازمة لتحقيقها، ومن هذا المنطق فإن أية محاولة للتمييز بين البحوث الأساسية والبحوث التطبيقية تصبح غير ذات معنى لدى الباحث نفسهن بخاصة وأن كل واحد من أنواع البحوث يعتمد على استخدام نفس المنهج العلمي، وعلى الاختبار من نفس مجموعات قواعد الإجراءات، رغم ذلك فإن التمييز بين البحوث الأساسية والتطبيقية شيء ملازم للجوانب الإدارية، من منطلق المقياس الزمني وليس من حيث أي اختلافات هامة في صفة البحث ذاته. 4- وحسب مناهج البحث والأساليب المستخدمة فيها تقسم البحوث العلمية إلى ثلاثة رئيسة وهي: 1- البحوث الوصفية "Descriptive Research" وتهدف إلى وصف ظواهر أو أحداث أشياء معينة وجمع المعلومات والحقائق والملاحظات عنها، ووصف الظروف الخاصة بها، وتقرير حالتها كما توجد عليه في الواقع، دون تعليل أو تحليل وتفسير، وتشمل البحوث الوصفية أنواعا فرعية متعددة: الدراسات المسحية ودراسة الحالة ودراسات النمو أو الدراسات التطورية، وفي كثير من الحالات لا تقف البحوث الوصفية أنواعا فرعية متعددة: الدراسات المسحية ودراسة الحالة ودراسات النمو أو الدراسات التطورية، وفي كثير من الحالات لا تقف البحوث الوصفية عند حد الوصف أو التشخيص الوصفي بل تهتم أيضا بتقرير ما ينبغي أن تكون عليه الأشياء والظاهرات التي يتناولها البحث، وذلك في ضوء قيم ومعايير معينة، واقتراح الخطوات

والأساليب التي يمكن أن تتبع للوصول إلى الصورة التي ينبغي أن تكون عليه في ضوء هذه المعايير أو القيم، وتسمى هذه البحوث بالبحوث الوصفية المعيارية أو التقويمية "Normative or Evaluative Researfch"، ويستخدم لجمع البيانات والمعلومات في أنواع البحوث الوصفية أساليب ووسائل متعددة مثل الملاحظة والمقابلة، الاختبارات، الاستفتاءات، المقاييس المتدرجة، وقد تطور هذا المنهج إلى المنهج الوصفي الكمي لاستخدام الإحصاء والرياضيات، وهو المنهج المتبع الآن في الولايات المتحدة الأمريكية في إعداد الرسائل العلمية1. 2- أما البحوث التاريخية "Historical Research" فهي أقدم البحوث وتستخدم في جميع المجالات العلمية بخاصة العلوم الاجتماعية، لها طبيعتها الوصفية، فهي تصف وتسجل الأحداث والوقائع التي جرت وتمت في الماضي، ولكنها لا تقف عند مجرد الوصف والتاريخ لمعرفة الماضي فحسب، وإنما تتضمن تحليلا وتفسيرا للماضي بغية اكتشاف تعميمات تساعدنا على فهم الحاضر، بل والتنبؤ بأشياء وأحداث في المستقبل، ويركز البحث التاريخي عادة على التغير والنمو والتطور في الأفكار والاتجاهات والممارسات سواء لدى الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات الاجتماعية المختلفة ويستخدم الباحث التاريخي نوعين من المصادر للحصول على المادة العلمية وهي المصادر الأولية والمصادر الثانوية، ويبذل أقصى جهده للحصول على هذه المادة من مصادرها الأولية كلما أمكن ذلك2. 3- أما البحوث التجريبية "Experimental Research" فتحتاج إلى خلفية علمية واسعة3، ويشتمل البحث التجريبي عناصر ثلاثة:

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره ص114-131. 2 Van Dalen, D. B. "Understanding Educational Research". Mc. Craw, New york, 1973, chap 7. 3 ارجع إلى أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره ص30-31. ولمزيد من الاطلاع في شأن البحوث التي تتصل بالعلاقات الاجتماعية انظر: Sellits, c, and others. "Research Methods in Social Relation". Henry Halt 1960.

1- الظاهرة موضوع الدراسة. 2- العامل المراد معرفة تأثيره في الظاهرة. 3- العوامل المتداخلة "أي العوامل الأخرى غير العامل الرئيس" المراد معرفة تأثيره في الظاهرة. مثال: الوضع التعليمي في منطقة ما هي الظاهرة موضوع الدراسة، العامل المراد معرفة تأثيره: التطور الحضاري وتلاؤم ذلك مع المستوى التعليمي، العوامل المتداخلة بقية العوامل المتعلقة بالفرد أو المجتمع: الصحي، انتشار الأوبئة ... والبحوث التجريبية هي التي تبحث المشكلات والظاهرات على أساس من المنهج التجريبي، أو منهج البحث العلمي القائم على الملاحظة وفرض الفروض والتجربة الدقيقة المضبوطة، ولعل أهم ما تتميز به البحوث التجريبية على غيرها من أنواع البحوث الوصفية والتاريخية هو كفاية الضبط للمتغيرات والتحكم فيها عن قصد من جانب الباحث، وتعتبر التجربة العلمية مصدرا رئيسا للوصول إلى النتائج أو الحلول المناسبة للمشكلات التي يدرسها البحث التجريبي، ولكنه في الوقت نفسه يستخدم المصادر الأخرى في الحصول على البيانات والمعلومات التي يحتاج إليها البحث العلمي بعد أن يخضعها للفحص الدقيق والتحقق من دقتها وصحتها وموضوعيتها. نشير إلى أن هذا المنهج يتبع في كثير من الدراسات الإنسانية وبخاصة التربوية وبعض الدارسات الاجتماعية، حيث نحدد أهداف البحث الاجتماعي بأهداف وظيفية، وصفية أو تشخيصية أو كشفية وبرهانية، وفي مجال تحديد الأهداف من البحوث الاجتماعية نذكر ما قاله المنشئ الأول لعلم المعاشرة بين أبناء الجنس، عبد الرحمن بن خلدون في بداية مقدمته المشهورة التي تحتوي أول بحث اجتماعي علمي من نوعه في العالم، وكان هدفه من بحثه وضع قانون منهجي، يجعل منه معيارا للتاريخ ومنطقا للمؤرخين، يستطيعون بوساطته الحصول على الوقائع التي حدثت فعلا، أو كان لها وجود أصلا، فكان هذا القانون هو العمران البشري والاجتماعي الإنساني، الذي يكون

موضوعه علمه الاجتماعي الجديد، علم لم يسبقه إليه أحد، لقد تخلى عن شواغل الحياة السياسية والاجتماعية، ووضع فروضا كثيرة ونظريات متنوعة، تتعلق بالنظم الاجتماعية، واجتهد في تحري صحتها والبرهنة عليها1. 5- البحوث الأكاديمية: نميز بين بحوث الطلبة وبحوث أساتذة الجامعات، تشتمل الأولى: أ- 1- البحث الصفي "حلقة البحث" ويسميها البعض المقالة أو "الإنشاء المنهجي" سواء كان أدبيا أو علميا، وهي أول ما يبدأ فيه الطالب البحث من المرحلة الثانوية حتى نهاية المرحلة الجامعية الأولى، فهي إذن البادرة الأولى للبحث، وتتكون المقالة2 في صورتها التقليدية من مقدمة وموضوع وخاتمة، يقول عنها العقاد: المقالة مشروع كتاب3. إن الهدف من البحث الصفي "حلقة البحث تعريف الطالب بالمصادر المتعلقة بتخصصه والتعود على الانتفاع بالمكتبة، وبلورة أسلوب خاص به في عرض الأفكار، أسلوب موضوعي منهجي، وترتيبها وتقديمها بلغة سهلة مقبولة وواضحة، فالهدف يتلخص بالتدريب على إعداد بحوث متخصصة موضوعية، تتجلى في تطبيق الوسائل العلمية على البحث، واستخدام المادة واستقرائها ومعالجتها بالتنقيب والتحليل والموازنة بذكاء وفهم تقود الطالب إلى الحقيقة المنزهة عن الهوى، المؤيدة بالحجج والأسانيد،

_ 1 مقدمة ابن خلدون، مرجع سبق ذكره ص6، 36-37. 2 المقالة كما عرفها الدكتور جودة الركابي: قطعة نثرية محدودة الطول تعالج مسألة علمية أو أدبية أو اجتماعية أو سياسية يشرحها الكاتب ويؤيدها بالبراهين والحجج والأسانيد حينا وبالانفعال الوجداني والتأثير العاطفي والتصوير الفني حينا آخر "جودت الركابي: منهج البحث الأدبي في إعداد الرسائل الجامعية، مرجع سبق ذكره ص14". 3 لم يخل أدبنا العربي من أصول المقالة، نجدها عند ابن المقفع والجاحظ وغيرهما، وكانوا يطلقون عليها اسم الرسالة، وإن كانت الرسالة القديمة أطول من المقالة الحديثة، والمقالة مأخوذة عن الغربيين حين أخذنا عنهم فن الصحافة.

والطالب الذي ينجح في إعداد بحثه خلال مرحلة الدراسة الجامعية الأولى، هو نفسه الطالب الذي يوفق في إنجاز رسالة الماجستير وأطروحة الدكتوراة في مرحلة الدراسات العليا. 2- مرحلة الدراسات العليا: ويعد الطالب فيها ما نسميه بالرسالة1 وهي تسمية أكاديمية لنيل الدبلوم ودرجة الماجستير، وبالأطروحة لنيل درجة "دكتوراه" والرسالة أقصر من الأطروحة، تكون مبتكرة في موضوع من الموضوعات، لذلك فهي البحث المتصل، يتعهده الباحث ليكشف عن حقيقة من الحقائق المدعومة بالبراهين، والأسانيد، تمد الطالب بتجارب وافية في البحث وتضيف جديدا للثقافة، أما الأطروحة فتطلب دراسة أصيلة أعمق، كما يجب أن يكون الجديد فيها الذي يضاف للمعرفة الإنسانية أقوى وأكثر نضوجا ووضوحا، لذلك فهي تعتمد على مراجع أوسع، وتحتاج إلى براعة في التحليل والاستنتاج ليغدو ذلك الأثر عملا إبداعيا ممتازا، يستطيع الباحث فيما بعد أن يستقل في إنتاجه. ب- أما بحوث الأساتذة، فلكل أستاذ منهجه في البحث، رغم وجود خطوط رئيسية يتبعها جميع الباحثين، ويتم نشرها في ثلاثة أشكال: أ- كتاب يشتمل على البحث الذي أعده الأستاذ. ب- مقال علمي ينشر في إحدى المجلات العلمية التي تصدر في داخل الجامعة أو خارجها. جـ- مؤتمر علمي يشترك فيه الأستاذ ببحثه، فيلقي فيه هذا البحث، ويكون عرضة لمناقشة البحث من جانب المشتركين في المؤتمر، وتعقد هذه المؤتمرات الدول أو الجامعات أو الجمعيات.

_ 1 عودة إلى التراث العربي، ولا أقصد بذلك دراسة الرسالة ونموها وإنما بنية هذه المقولة فكثيرا ما أطلق الدارسون أو الناشرون أو النقاد اسم الكتاب، بينما يسميه كل من طه حسين والحاجري رسالة "انظر كتاب رسالة التربيع والتدوير للجاحظ بتحقيق شارل بيللا، منشورات المعهد الفرنسي، دمشق"، وأيضا طه حسين: "من حديث الشعر والنثر ص88"، وطه الحاجري "الجاحظ: حياته وآثاره، دار المعارف بمصر، ص275" بيد أن الجاحظ نفسه يسمي هذا الأثر "رسالة" وذلك في كتاب "الحيوان" حيث يقول: " ... فإن أعجبتك هذه المسائل واستطرفت هذه المذاهب، فاقرأ رسالتي إلى أحمد بن عبد الوهاب الكاتب، فهي مجموعة هنا ... " "الجاحظ: الحيوان، 1/ 73-311، وابن خلدون: المقدمة ص408، وابن قتيبة: عيون الأخبار ج1 المقدمة ص: ط-ي، والأصفهاني: الأغاني 1/ 1، 2 طبعة الدار، وابن منظور: لسان العرب مادة "ر س ل" وأحمد زكي صفوت: جمهرة رسائل العرب 1/ 23، ومحمد كرد علي: رسائل البلغاء، والتوحيدي: الذخائر والبصائر ص258، تحقيق الدكتور إبراهيم كيلاني. ويدل هذا الكلام بصراحة على أن الجاحظ وسائر الكتاب في عصره، وفيما تلا عصره كانوا يميزون بين الكتاب والرسالة.

المبحث الخامس: دور التراث العربي في إحياء البحث العلمي

المبحث الخامس: دور التراث العربي في إحياء البحث العلمي تمهيد: كي نقدر هذا الدور يجب أن نضع في اعتبارنا مجموعة من الحقائق: - إن الحضارة العربية الإسلامية حضارة إنسانية النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، سمتها التسامح، تؤمن بالعلم في أصدق صورة وأعمق أصوله، مما كان له أثره البارز في تكوين الفكر العلمي لدى الغربيين منهجا وأساليب بحث ومعارف نظرية وتجارب تطبيقية في شتى العلوم إضافة إلى إسهام الفكر العربي في نقل التراث اليوناني والهندي والفارسي والحضارات القديمة في موطن العرب، حضارة بلاد ما بين النهرين وحضارة وادي نهر النيل، وهكذا كان دور حضارة العرب منطلق النور الذي عم أوروبا بعد الظلام وهو دور لا يمكن أن يجحد أو ينكر1. كان تفوق الحضارة العربية العلمي والمادي في الشطر الأعظم من العصر الوسيط، أمرا لا ينكره أحد، فالعصر الذهبي في الشرق والمغرب العربيين كان بدءا من منتصف "القرن الثامن للميلاد" وحتى "القرن الثالث عشر الميلادي"، وفيه تفوق العرب والمسلمون علميا وماديا، فحينما سقطت طليطلة في سنة "475هـ/ 1085م" سرعان ما بدأ ريموند النظر في إنشاء معهد لترجمة الكنوز العربية إلى اللغة اللاتينية، وفي سنة

_ 1 جرونيباوم. حضارة الإسلام. مرجع سبق ذكره، ص428.

"612هـ/ 1224م" أسس فريدريك الثاني جامعة نابولي لترجمة العلوم العربية إلى اللغة اللاتينية، وانتشرت في جميع أجزاء أوروبا، وإلى ما بعد النهضة الأوروبية الكبرى بقيت جامعات فرنسا وإنكلترا وإيطاليا تعتمد على المراجع العربية1. وقرب نهاية العصر الوسيط دخل الشرق العربي في دور ركود ذهني واضمحلال اقتصادي، وشهد "القرن السادس عشر" خاتمة تأثير العرب في الدراسات الأوروبية، وإن بقيت منه شوارد متخلفة إلى أوليات "القرن التاسع عشر"2 ومنذ "القرن السابع عشر" أخذت الحضارتان تتباعدان، وأخذت أوروبا تستعيد ماضيها الكلاسيكي القديم فأصبح الاتصال الذهني بالمشرق ترفا بعد أن ظل أمدا طويلا بحاجة ماسة، وبعد أن كانت الحضارة الإسلامية هي المعلم، أخذت تتحول بالتدريج إلى موضوع يدرس وبهذه الصفة صار إسهامها في عملية التأويل الذاتي الغربية ثمينة لا تقدر بثمن، ورغم ذلك نجد أنه في القرن الرابع عشر "لم تقبل جامعة باريس إدخال دراسة أرسطو إلا مفسرة في شرح ابن رشد "ت 595هـ/ 1198م" كما نذكر أن دراسات ابن خلدون الاجتماعية، قد تسلفت العلوم الاجتماعية بما يربو على "أربعة قرون" لقد سبقه السكاكي "627هـ/ 1229م"، في بيان أثر البيئة في الفكر، لكن ابن خلدون تجاوز سلفه شوطا بعيدا3. - كانت العلوم تنقل إلى الغرب إما باكتشاف "إحياء" الفكر الإغريقي ثانية عن طريق بيزنطة أو بوساطة الترجمة العربية، وليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يزد ثروة الغرب فيها غنى، وإن نفس وجود العالم الإسلامي كان له أثره في صوغ التاريخ الأوروبي والحضارة الأوروبية إلى حد بعيد، مما نلمس أثره في إنتاج توماس أكويناس، الذي استخدم مذهب "ابن ميمون" "ت601هـ/ 1204م" "وابن رشد"

_ 1 عبد الله الدفاع روائع الحضارة العربية الإسلامية مرجع سبق ذكره، ص20. 2 مايرهوف. Leracy of Islam، ص353. 3 جرونيباوم: حضارة الإسلام مرجع سبق ذكره، ص431.

"ت 595هـ/ 1198م" و"دانتي" ... أيضا في ميدان الكيمياء القديمة "Alchemy"والتنجيم، كان فيها الإسلام المعلم وعالم الغرب هو التلميذ، فزاد في عدد الأفكار والخواطر التي اشترك فيها الجانبان. - إنه لمن دواعي الأسف أن ما بأيدينا من معرفة بالعلوم القديمة العربية والإسلامية، لا يسمح لنا بإصدار حكم نهائي على مدى إسهام تراثنا في كل فرع بعينة من فروع العلم بشكل دقيق، لكن ما يعترف به الغربيون أن تراثنا زاخر علميا في مجالي الطب والفلك، أما البصريات فقد بز العرب فيها بأوضح صورة أساتذتهم الإغريق، بينما كان المؤتمر الهندي واضحا في الرياضات، ونورد هنا قول ابن طملس "ت 620هـ/ 1223م" الأندلسي، أبرز علماء الإسلام في علوم الهندسة والحساب والفلك والموسيقي على أسلافه القدامي " ... فمن العدل أن نتذكر أنه من المحتمل أن عددا جما من مؤلفات الأقدمين قد باد ... " وإنه لجدير بالتقدير لروحه العلمية البعيدة عن التحيز، وقد كتب هذا بعد أن ولى عصر الإنتاج وانصرم لدى أهل المغرب العربي، ثم انقطع التعلم منه إلا قليلا، كان في دولة الموحدين بمراكش ... "أما المشرق العربي فلم ينقطع سند التعليم فيه، بل إن أسواقه نافقة وبحوره زاخرة ... وإن كانت مدن العلم قد خربت مثل بغداد والبصرة والكوفة ... "1. يقودنا هذا إلى القول بدورة العلم، وهي دائمة الحركة كما رأينا، يختلف دور الأمم فيه، فالعلم "الهيلني" ابتداعا وانتشارا أكثر منه إحياء وتجديدا، لقد اعتمد الفكر "الهيلني" على الحضارات القديمة، ويعترف هيرودوت بفضل الحضارتين المصرية والبابلية "موطن العرب القديم" على الفكر الإغريقي، ويقول سارتون "1950" الذي درس الحضارات الإنسانية على اختلافها: إن العلم الروماني ليس إلا نسلا ضعيفا للعلم "الهيلني"، وما بعد الحضارة الإغريقية تشتت العلماء، وأحرق الكثير من الكتب، إلى أن جاءت

_ 1 جرونيباوم. المرجع السابق ص429.

الحضارة العربية الإسلامية، واستنادا إلى ما ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" وما ذكره المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" فإن مدرسة الفكر انتقلت من مدرسة الإسكندرية في سنة "99هـ/ 717م" إلى أنطاكية، حيث مكث فيها حوالي سنة "230هـ/ 844م" ومنها إلى حران حتى حوالي سنة "270هـ/ 884م" وفي المرحلة الثالثة بين عامي "892هـ/ 902هـ" أي "1486م-1496م" انتقلت إلى بغداد حيث أصبحت متماسكة الحلقات، تسير بين أرجاء العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه، إلى أمهات المدن الإسلامية الأخرى في دمشق والقاهرة والقيروان وقرطبة1 وعن طريق الأندلس فيما بعد وإيطاليا وصقلية، وجد العلم طريقه إلى أوروبا محدثا بذلك دورة أخرى في التاريخ، انتقل العلم فيها بوساطة الاقتباس من الحضارة الأندلسية في القرن "الثاني عشر" تقريبا، ويرى "لوبون" أن الحضارة العربية لم تدخل أوروبا نتيجة الحروب الصليبية كما هو الرأي الشائع، بل دخلت بوساطة الأندلس وصقلية وإيطالية، وزهاء مدة "خمسة قرون أو ستة" ظلت ترجمة كتب العرب العلمية هي المصدر الوحيد للتدريس بجامعات أوروبا، ولم يظهر في أوروبا قبل "القرن الخامس عشر" عالم لم يقتصر على استنساخ كتب العرب، وكان الموسوعيون الأوروبيون حينما يتحدثون عن الأرض يرددون ببساطة آراء ابن سينا، وقبل نهاية القرن "الثالث عشر الميلادي" كانت معظم العلوم بما فيها علوم الأرض والفلسفات العربية قد تمت ترجمتها ونقلها إلى أوروبا. وهكذا نرى أن الدعائم الأولى للحضارة الأوروبية الحديثة، ارتكزت على أسس متينة من الحضارة الإسلامية، التي تركت بصماتها واضحة في شتى مجالات الفكر الأوروبي وعلومه، من ذلك شيوع مصطلحات عربية أو ذات أصل عربي في اللغات الأوروبية على اختلافها، وقد تأثر بذلك بخاصة اللغات الإسبانية والبرتغالية والإنكليزية

_ 1 الوقت الذي كانت فيه قرطبة مركز حضارة الأندلس تزهو بمكتباتها السبع عشرة، كان أساتذة جامعة "اكسفورد" يعتبرون غسل الجسم أكبر الأخطار التي تهدد حياة الإنسان "فيليب حتي: موجز لتاريخ العرب".

والفرنسية والإيطالية والألمانية، ونقل عن العرب العلوم والفلسفات العربية كما هي بأسمائها الأصلية، وفي أغلب الأحيان لم يشيروا إلى مصادرها، كما أخذوا عن العرب منهجهم العلمي في البحث1. ونورد رأي المستشرق "إدواربروي" أستاذ تاريخ الحضارات في جامعة "السوريون في باريس" في دور الحضارة الإسلامية2، جميل بالإنسان أن يرتفع إلى مستوى الإنصاف انجلى غبار الفتح الإسلامي عن إمبراطورية جديدة، ولا أوسع، وعن حضارة ولا أسطع، وعن مدينة ولا أروع، عول عليه الغرب في تطوره الصاعد ورقيه البناء بعد أن نفخ الإسلام في سَم موات "من التراث الإنساني القديم" روحا جديدة عادت معه الحياة فنبض "أي التراث الإنساني" وأشع وأثرى، ولهذه الأسباب مجتمعة، كان لا بد أن يحتل تاريخ العالم الإسلامي محلا مرموقا في ثقافة رجل العصر، كما كان لا بد لرجل العصر هذا من أن يفهم جيدا أن المدينة لا يقتصر مدلولها على شعب أو بلد متحيز في الزمان، فالتراث الحضاري الإنساني للجميع، وعلى رجل العصر أن يعرف جيدا، أنه قبل "توما الأكويني" الذي رأى النور في إيطاليا، طلع "ابن سينا" وأن مساجد دمشق وبغداد وقرطبة ارتفعت قبابها، قبل "كاتدرائية نوتردام" في باريس بزمان، وألا ينتقص من شأن العالم العربي الإسلامي "من خلال واقعه الراهن"، بل علينا اعتبار الأزمنة والأمكنة، والذي لا يزال على الرغم من جزئياته وخصائصه، تاريخ هذه البشرية الجامعة الجمعاء. يقول غوستاف لوبون: "إن العرب استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة ... وكان تأثير العرب في الغرب عظيما، يرجع إليهم الفضل في حضارة أوروبا"، ويقول المستشرق الألماني شخت: "لقد تتلمذت أوروبا على العرب مدة "خمسة قرون" نهلت

_ 1 حسين محمد كامل. أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية اليونسكو، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر القاهرة 1970. 2 إدواربروي. تاريخ الحضارات العام، 3/ 109، فجر الإسلام، باريس. المجلد الثالث.

في أثنائها من حياض العلوم العربية، وبهذا أعدت نفسها لما تنتج الآن من البحوث العلمية الحديثة"1. "فأي برهان أنصع من هذا على اتصال شجرة المعرفة الإنسانية واستمرارها من عصر لعصر وتعاون الأجيال على رعايتها والعناية بها، رغم اختلاف الأديان واللغات والعصور؟ وأي برهان هو آكد من هذا على ما قام به العرب من دور جليل في تطوير المعرفة الإنسانية والسير بمشعل الحضارة الإنسانية خلال العصور التي تسمى مظلمة وما هي مظلمة بحال؟ هنا نرى دور العرب من الوضوح بحيث يكاد يلمس باليد، لمن درس وبحث وطلب الحقيقة في بطون المؤلفات"2. والاجتماع منعقد بين دارسي النهضات على أن بذور المستقبل تفصل عن تراب الماضي، وأن النظرة إلى الوراء إنما هي شرط لتصويب النظرة إلى الأمام، وأن في الحياة العربية الماضية من الحوافز والتجارب والمبادرات والإبداعات ما لا يمكن أن تستغني عنه في تطلعها نحو الآتي، فهل نأمل أن نعود كما كنا خير أمة أخرجت للناس. إن أعظم كشف طبي قدر أن يكون على يد عالمين عربيين هو كشف الدورة الدموية وذلك قبل أن يعرفه الأوروبيون ببضعة قرون، هذان العالمان هما الطبيبان علي بن عباس المجوسي، وابن النفيس، وكان حديث ابن النفيس في مجال التشريح كاد يتوصل به إلى علم لم يكن قد عرف بعد هو علم التشريح المرضي "الباتولوجيا"، ومهد لكشف الأوعية الدموية، الذي تحقق بعده بعدة قرون. وفي "عام 1547م" ترجم كتابه إلى اللاتينية ثلاثة من علماء أوروبا يصفون الدورة الدموية في الرئة بنفس الألفاظ التي استخدمها ابن النفيس. طبع البحوث العربية بطابع الأسلوب العلمي، حنين بن إسحاق العبادي في كتابه

_ 1 غوستاف لوبون. حضارة العرب. ترجمة عادل زعيتر: مطبعة عيسى بابي الحلبي "د. ت"، ص179. 2 حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة 1986، ص55.

كتابه "العشر مقالات في العين" ويقول مؤرخ الطب الغربي إدوار براون: إن يوحنا ماسويه قد وضع كتاب "دغل العين"، وهو أقدم كتاب وضع في طب العيون من مختلف اللغات القديمة، ويقول الدوميلي وماكس مايرهوف: إن كتاب "تذكرة الكحالين" الذي صنفه "علي بن عيسى" في "القرن العاشر" يعلو على جميع الكتب الأوروبية حتى "القرن التاسع عشر"، وعلى هذا المستوى كتاب "المنتخب في علاج أمراض العين" لعمار بن علي الموصلي بالقاهرة، ترجمه إلى الألمانية هير شبرج مع آخرين، وهو الذي اخترع الإبرة المجوفة التي تمتص ماء العين "Cataracta". كان العرب أول من استخدم المخدر1، وسموه بالمرقد، ونبهوا إلى شكل الأظافر عند المصدورين، ووصفوا صب الماء البارد لإيقاف النزف، وعالجوا الجنون علاج الأمراض الطبيعية. وبشكل عام ظلت دراسة الطب في أوروبا عالة على العرب أكثر من "أربعة قرون". أما العلوم المساعدة في الطب فقد اهتم العرب بعلمي "النبات والكيمياء"، اشتهر بعلم النبات رشيد الدين الصوري "ت 629هـ/ 1241م"، وكان منهجه في دراسة النبات على نحو ما هو عليه في أيامنا الحاضرة، وقد استفاد العرب من النبات في الصيدلة "علم الأدوية" عند العرب. وكانت كلية الطب في سالرنو تدرس الطب والصيدلة بالعربية واللاتينية، وبقيت على ذلك نحو "تسعمائة عام" وقد فرق العرب بين علم النبات وهو بالعلم أشبه وبين علم الصيدلة وهو بالعمل أشبه، وكل منهما مشترك بالآخر. يقول الأستاذ "ميير هوف" إن علم الصيدلة العربي استمر في أوروبا حتى منتصف "القرن التاسع عشر"، هذا وإن أول صيدلية افتتحت في العالم كانت في إيطاليا، ولم

_ 1 في العصور الحديثة يعود اكتشاف تسكين الآلام بالمورفين مع ضبط جرعته إلى فريدريك ويلهيام شتونر "عام 1803"، والتخدير الذي يعطل الإحساس بالألم إلى وليم مورتن "عام 1846"، والكمامة المعقمة إلى ويليام هانتز "عام 1891".

يتحول الأمر من الأعشاب إلى المساحيق والأقراص والأشربة إلا بعد أن ازدهرت الكيمياء في "القرن التاسع عشر"1، ونذكر من الأطباء الذين كانوا يعالجون بالأعشاب: الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن خورشيد الطبري الناتلي "كان حيا سنة 380هـ/ 990م ظنا" وإسحاق بن عمران، وكتابهما في إستانبول وفي الأسكوريال2. وقد خلف لنا علماء العرب كتبا كثيرة في الصيدلة منها "تذكرة ابن داود"، وكانت من مراجع الصيادلة في القرون الماضية، وبدأ علماء أوروبا في "عام 1964" وأيضا في أمريكا يعيدون قراءة كتابه للاستفادة مما ذكره حول النباتات التي ستخدم طبيا. إن من أهم وأندر المؤلفات التي وضعت في هذا المجال كتاب جابر بن حيان "ت 198هـ/ 813م" "السموم ودفع مضارها"، سار فيه وفق النهج العلمي، الذي لا يختلف في جوهره عما هو جار الآن، وكتاب "القانون" لا بن سينا، تضمن خمسة أبواب اثنان منها "2/ 5" في الأدوية المركبة والأدوية المفردة "الأقرباذين"، وله مختصر أقرباذين ابن سينا" مصور بمعهد التراث بحلب برقم "391/ 13/ مجموع". ونذكر أبا جعفر الغافقي "ت 550هـ/ 1155م" ويعده ماكس ما يرهوف أعظم الصيادلة أصالة وأرفع النباتيين مكانة عند المسلمين طوال العصور الوسطى، كما وضع ابن البيطار "646هـ/ 1249م" رئيس العشابين "أي نقيب الصيادلة" في مصر أكبر موسوعة في هذا المجال بكتابه "الجامع في الأدوية المفردة،" وقد تضمن أكثر من ألف وأربعمائة صنف من الأدوية المختلفة على حروف المعجم. هذا وقد اختار مجمع الصيادلة في إنجلترا أعظم اثنين تدين لهما علوم الصيدلة بالفضل هما "جالت" اليوناني و"ابن سينا" العربي.

_ 1 أمين رويحة. التداوي بالأعشاب، ط7، بيروت 1983م، ص15-17. 2 زهير حميدان. أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية، 1/ 169-324، وزارة الثقافة، دمشق 1995م.

أما علم الكيمياء "علم الصنعة" فإن المستشرقين ومنهم: سارتون، هولميارد، كارل بوير، ول ديورانت، وبول كراوس، ومايرهوف، وزيغريد، وغيرهم أشاروا إلى دور العرب في مجال علم الكيمياء واستفادة الغرب منهم، ويتفق مؤرخو هذا العلم على أن نشأته علما تجريبيا كان مقدرا على أن يكون على يد علماء وفي مقدمتهم: جعفر الصادق أبو عبد الله "ت 149هـ/ 766م"، وهو من الرواد الأوائل في هذا العلم، وأستاذ جابر بن حيان في هذا المجال، وكان جابر أول من أثبت دعائم هذا العلم، وكانت تسمى قبله "الصنعة" وبقيت الكيمياء طوال العصور الوسطى تسمى "علم جابر" أو "صنعة جابر" وله كشوف كثيرة في هذا المجال، منها طريقة فصل الذهب عن الفضة وما تزال هذه الطريقة متبعة حتى الآن في تقدير عيارات الذهب في السبائك، وبلور نظرية "الاتحاد الكيميائي" التي تقول: إنه يكون باتصال العناصر المتفاعلة بعضها مع بعض، وهذا يوحي بالنظرية المشهورة التي نسبها علماء الغرب خطأ إلى العالم الإنكليزي جون دالتون "ت 1260هـ/ 1844م" أي بعد جابر بن حيان بما ينوف عن "عشرة قرون". يعد الغربيون والشرقيون أبا بكر الرازي، تلميذ جابر بن حيان مؤسس الكيمياء الحديثة. وفي رأي الدوميلي أنه أسس الكيمياء علما تجريبيا قبل أن ينشأ عند الأوروبيين بمئات السنين، ويقول عنه هولميار "Holmyard" إنه أول مبدع في علم الكيمياء على أسس علمية صحيحة، وقد بلغت مؤلفاته "220" مؤلفا مفتديا إياها ببصره، تتسم بالمنهج العلمي والأمانة في الاقتباس والدقة بالمصطلحات، وسهولة الفهم، وهو أول من استخدم الزئبق في تركيب المراهم والفحم الحيواني في إزالة الألوان والروائح من المواد العضوية، وفرق بين كربونات الصوديوم والبوتاسيوم و ... وهناك سالم الحراني1 كان حيا سنة "198هـ/ 813م" كيميائي صنعوي. أما الحسن الهمذاني "ت 334هـ/ 945م" فله كتاب "الجوهرتان العقيقتان المائعتان من الصفراء والبيضاء"،

_ 1 فؤاد سيزكين: تاريخ التراث العربي 4/ 402-403، ترجمة: عبد الله حجازي.

ترجمة إلى الألمانية ونشره "كريستوفر تول"، ونشره مع النص العربي سنة "1986"، في جامعة أوبسالا في السويد، ونسخه الخطية موجودة1، وأبو قاسم المجريطي "ت 398هـ/ 1007م"، وهو واضع أسس الاتحاد الكيمياوي المعروف باسم قاعدة بقاء المادة، وينسب علماء الغرب ذلك لكل من بريستلي ولافوزييه، وأبو المنصور الموفق "القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي"، وهو مؤسس علم الكيمياء الصناعية، التي لها مكانتها في المناهج الجديدة في جامعات العالم، والحسين بن عبد الله بن سينا، درس هذا العلم وكعادته يحكم العقل والمنطق، وقد خالف كثيرا من الآراء الخرافية التي كانت سائدة آنذاك2 والتي تناولها علماء الكيمياء، وهو أول من ابتكر طريقة علمية لإعداد زيت وحمض الكبريت والكحول وغيرها. أما القاسم العراقي "ت 580هـ/ 1184م" فقد احتضنت أوروبا مؤلفاته لشمولها، وعز الدين الجلدكي "ت 743هـ/ 1342م" فقد وضع اللبنة الأولى والأساسية لابتكار قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيمياوي، وهو القانون الذي ينسب علماء الغرب اكتشافه إلى جوزيف برادست "1214هـ/ 1799م" الذي أتى بعد الجلدكي "بخمسة قرون"، وهو أول من فكر بابتكار وباستخدام الكمامات في معامل الكيمياء. نشير إلى ما سمي بـ "العلوم الخفية" أو السحر وكان محرما أو مكروها، وقد حوله بعضهم إلى علم قائم بذاته، يعتمد في كثير من الأحيان على الكيمياء، وقد استعملت الرموز للفلزات والكواكب في الكيمياء والتنجيم، ويقسم جابر بن حيان هذه الرموز إلى "28" جزءا، يقابل كل منها حرفا من حروفا الأبجدية العربية، ثم جاءت دراسات الرازي لتدخل تطويرا كبيرا على علم الكيمياء، أبرزه تقسيم المواد إلى معادن ونبات وحيوان، نقلا عن تصنيف الجواهر، وقد صنف الكاشي العلوم الخفية ولخصها في خمسة علوم هي:

_ 1 يرى الشيخ حمد الجاسر في مقال له في مجلة المجمع العربي بدمشق م44/ 555، أن جميع هذه النسخ رديئة، وفيها كثير من التحريف. 2 نذكر في هذا الشأن حسن الطغرائي "ت 515هـ/ 1121م"، وقد فشل في تحويل المعادن الرخيصة إلى ثمينة فصاغ لاميته المشهورة، ومن آثاره: "الرد على ابن سينا في الكيمياء" و"الأسرار في صحة صناعة الكيمياء".

الكيمياء والليمياء "السحر" والهيمياء "إخضاع الروح" والسيمياء "خداع البصر" والريمياء "الشعوذة والحيل". يقول الأستاذ "هوكينغ" في مقالة عن حضارة العرب ومستقبلها عن أسباب جمود الفكر العربي بعد هذه النهضة "إن أسباب الانطلاقة هي الجوع1، الحضارة، الإنشاء العالمي، التعاون المثمر الصادق بين مختلف الذهنيات، والعقل العربي الواسع الفعال". ثم يتساءل "هل لتلك العوامل أن تعود يوما؟ " ويجيب بأن "الأمة العربية ذات فعالية وطاقة حيوية وذاتية، يدل عليهما عدم مقدرة الحضارة الرومانية أن تطغى على هاتين المزيتين، بل هو طغى على جميع البلاد التي انتشرت فيها ثقافته وشريعته ولسانه وتعليمه، فامتزج بالإسلامية امتزاجا لم تستطع المدنية الرومانية العظيمة أن تفعل مثله" ثم يقول مؤكدا: "وسوف نرى عندما تزول اللفحة المحرقة التي أصابت العرب وخدرت نفوسهم أن العناصر المقومة لذاتيتهم وعلومهم ومدنيتهم كالثروة والاستعداد النفسي والشجاعة الفكرية والشروع بالعمل والاختبار الاجتماعي، سوف تعود إليهم ومن الممكن أن نعجل بعودتهم إليهم، فالعرب شعب لا يرقد طويلا بل يستيقظ ويعمل ويقدم نجاحا حيث وجد أفراده في "نياغارا" أو "شيكاغو" أو "نيويورك" أو "جاوة" أو "مانشستر" أو "اليابان" أو "أستراليا" إنهم يتعلمون العلم ويحبون الأدب والفن والفلسفة ويشتغلون في الصناعة والتجارة والزراعة ولهم والزراعة ولهم في كلها كل مقام وأثر مرموق"2. ونقول: إن الغرب لم يتحرر من ماضيه في القرون الوسطى إلا عن طريق العلم وعن طريق التضحية لأجل العلم، يجب أن نتعلم ونفكر بذهنية علمية، ونتبع أساليب الغرب في البحث والكشف، واستقصاء الحقائق "التي ورثوها عن أجدادنا العلماء" وأن نطبق دساتير العلم ومبادئه في كل عمل ومشروع من مشاريع حياتنا، إن ما يلزمنا هو العلم ونشر العلم.

_ 1 الفقر الطبيعي. 2 عبد الرحمن كيالي: "ثقافة الأطباء العلماء" مجلة المعرفة، 7/ 6-14، دمشق "أيلول 1962".

المبحث السادس: المنظور المعاصر للبحث العلمي

المبحث السادس: المنظور المعاصر للبحث العلمي 1: كثيرة هي أسباب قيام البحث العلمي، وتتضمن جميعها حب الاستطلاع الفكري، وبهدف مواجهة احتياجات المجتمع الأساسية طموحاته، المادية والتعليمية والثقافية، أصبح يحظى بالرعاية، وبسبب إخفاق العلماء والباحثين لفترة طويلة من الزمن في الاتصال بالمجتمع، كنا نجد ظاهرة مناهضة للعلم، مما أدى إلى وجود ثقافتين2 وبالتالي تباعد مستمر بين العلماء وغير العلماء، فيما يختص بطبيعة المعرفة واليقين والمنهجيات المختلفة لكسب معرفة جديدة وفهم لأسرار الكون. خلال القرنين "الثامن عشر والتاسع عشر" ظهرت في أوروبا، جنبا إلى جنب: الثورة الصناعية وحاجة جماهيرية إلى طلب المعرفة عن كل ما هو تقني وعلمي، وأصبح ينظر إلى العلم على أنه عمل ذي شأن هام ومفيد، وهكذا بدأ تأسيس الكثير من الجمعيات في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية، وكانت الاستجابة لذلك مختلفة، فمن الصعب أن يدرك المجتمع بسهولة التغيرات التي حصلت في تعديل الطريقة التي يعيش بها حياته، وتأمين حاجاته وإعادة توجيه فهمه للكون. إن السمة البارزة للعصر الحديث هو أن البحث العلمي والتقانة التجريبية، أديا إلى تنوع في المنتجات، وإلى تغيرات هامة في كل من أساليب الإنتاج وعادات الاستهلاك، كما تزايد إدراك الإنسان للكون وللعلاقات البشرية، وللتغيرات التي حدثت في الحراك الجغرافي والاجتماعي في القرن "التاسع عشر" في البلدان المتقدمة صناعيا، لقد تزايد الوعي بأن العلم والتقنية يقدمان إضافات واضحة، وعندما تريد المجتمعات التميز في مجال أو آخر فعليها دعم البحث العلمي، وعندما تكون إمكانات التغير واضحة ويتم تقويم الآثار والعواقب، ويصبح من الضروري تحديد الاختيارات، حينئذ تعتمد

_ 1 Dickinson J.p Science and Scientific. Resarches Modern Society op. cit. Second Edite Paris 1986. pp 15- 42. 2 أيضا انظر الذي صدر بدار طباعة جامعة كمبردج عام 1964: The Two Cultures: A Second Book

المجتمعات على الحس الجمالي السليم لاختيار وقبول أو رفض مثل هذا التغير وآثاره البعيدة، ويعد مثل ذلك موازيا بأوسع المعاني الممكنة للمنهج العلمي. من المعتقد أن التغير التقني يمضي على صورة ثورات، ومثل هذه الأمور لا تحدث بين عشية وضحاها، حيث تحل التقانة الجديدة محل القديمة منها، وقد تؤدي التقانات الجديدة إلى رفع كفاءة الفرد العامل، ويقابل ذلك تناقض في عدد العمال، لهذا كان التخطيط والتقويم أمرا ضروريا قبل إدخال التقانة الجديدة على نطاق واسع. إن المطلب الرئيس للبحث العلمي في هذا الصدد، تغيير طريقة صنع الأشياء، بل تغير الأشياء التي يمكن أيضا، وبالتالي فإن البحث العلمي يلعب دورا هاما في تكوين الثروة القومية بزيادته مجالات العمل وإنتاجيته، ورأس المال أيضا، مما يؤدي في الوقت نفسه إلى تنوع في السلع وإتاحة للخدمات، ولا يقتصر الأمر على ما ذكر، بل إن إتاحة جدية للحصول على خدمات الرعاية الصحية والتعليم والنقل في دولة ما يجعلها أكثر ثراء من دولة أخرى، يقتصر ثراؤها على ثروات باطنية فقط. ورغم ما يقال عن البحث العلمي بأنه مهنة ممتعة، وأنه ترف مغالى فيه، لأنه يمتص الثروة القومية، فإن قول جيسون "Gibson": "إذا كنت ترى أن البحث الطبي شيء مكلف فجرب المرض" يبين مدى أهمية البحث العلمي، وهذا ما قال به العديد من الكتاب أمثال إيفنسون "Evanson " وفودنبرج "Fodenberg" وتوكسبري "Tewchesbury" حيث قدموا الأمثلة وشواهد موثقة توضح أن البحث العلمي نشاط ذو فعالية عالمية بالنسبة لتكاليفه، وإن الدول تسعى للقيام باستثمار كثيف وفعال في أنشطة البحث والتطوير التجريبي، بهدف الحفاظ على وضعها التنافسي في عالم اليوم. وبالرغم من أن حضارات آسيا وأمريكا اللاتينية وشمال إفريقية قد أسهمت فيما مضى بالعناصر الأولى في التقدم العلمي، فإننا نجد أن تطورات علمية خلال القرون

الماضية نشأت في المجتمعات الأوروبية، مع الإشارة إلى أن التقدم لا يقتصر على مجموعات معينة من الأفراد، بدليل أن أعدادا كبيرة من مواطني الدول النامية يعملون وبمستوى علمي رفيع في أرقى مؤسسات البحث العلمي في جميع أنحاء العالم. وليس المجال هنا لتحديد الفترات التاريخية والظروف والعوامل التي شجعت على النهضة العلمية التي اختصت بها مناطق جغرافية في العصور الحديثة نسبيا، إنما الجدير بالذكر أنه ساد في أوروبا إلى جانب نهضة العلم الحديثة، اعتقاد شمل المجتمع هو إمكانية وصف الطبيعة وصفا منهجيا، وفهمهما فهما عقلانيا، وفي مثل هذا المناخ الثقافي لا يدخل الأفراد عادة مجال البحث العلمي، بهدف المجد أو الشهرة أو أملا في مغانم شخصية كبيرة، بل بهدف كسب المكانة اللائقة بهم بين أفراد المجتمع وتأمين الرخاء المادي، وهذا لا يمكن أن يواصل مسيرته إذا تقوضت أو أهملت الرفاهية الفكرية، فالعلاقة بينهما علاقة مترابطة متكاملة. يتم ذلك بالاستثمار، والاستثمار في البحث العلمي يتضمن خليطا من العاملين والمال والمعدات والمعلومات الملائمة، تعمل جميعها في ضوء أهداف محددة بوضوح، والتفاعل بين هذه المكونات هو فعالية البحث، إلا أن أهم وأدق أنواع الاستثمار في النشاط العلمي والتقني، هو ما يخصص لإعداد الباحث الفرد، فالباحث أكثر العناصر قيمة، فهو حجر الأساس ويتم ذلك بالتمويل، ونسبة الاعتمادات المخصصة للبحث العلمي والتطوير مختلفة، تتراوح بين "5%" من الناتج القومي الإجمالي في أغلب الدول النامية إلى ما يقرب من "40%" في بعض دول أوروبا وأمريكا الشمالية، وكلما كبرت الدولة، وكانت على درجة عالية من التصنيع كبر ناتجها القومي الإجمالي، وغطت نسبة ما تخصصه للبحث والتطوير "وقد تجاوز الإنفاق العالمي على البحث والتطوير "10" بلايين دولار منذ عام "1974"، وجمع وأنفق أقل من "3%"1 من جملة هذا المبلغ في

_ 1 Dikinson. J. P. op. cit. p 30.

الدول النامية، وفي الوقت الحاضر هناك اهتمام دولي كبير موجه لزيادة هذا النوع من الاعتمادات المالية". يتم فهم أو إدراك المعرفة الجديدة، وهو جوهر النشاط البحثي في عقل الإنسان، لكن ذلك يتطلب مناخا ملائما يتمثل بأجهزة العمل على تأمين الوسط المناسب لرصد الظاهرة، واختبار الفرضية بوساطة التجربة، ومن ثم نشرها، كما أن الإنجازات التقنية تتمثل في الأجهزة والأدوات العلمية، مما يتطلب تمويلا يدعم مسار متطلبات البحث العلمي، وفي معظم الدول تخصص موارد إضافية للبحوث من أجل دعم أفكار العاملين في مجال التعليم العالي، من مصادر حكومية في معظمها، ويعد مثل هذا التمويل إشارة في مجال التعليم العالي، من مصادر حكومية في معظمها، ويعد مثل هذا التمويل إشارة إلى قيمة التعليم الجامعي وسط مناخ البحوث، حيث تقدم للجامعات ومؤسسات التعليم العالي إعانة مالية تتجاوز متطلبات التدريس الأساسية لاستخدامها فيما يسمى بالبحوث الأساسية والموجه إلى فروع العلم في معظمها. نتساءل هل يتناسب جدوى العلم مع ما يستثمره البحث العلمي؟ والجواب إيجابي، أي أن الاستثمار بالبحث يتجه إلى الزيادة غالبا، كما نتساءل ما هي ثمرات البحث العلمي؟ وهنا نقف أمام أمرين، أولهما لا تتم معرفته إلا في حدود ضيقة، لأن البحث العلمي يتعامل مع المجهول، مع أكثر منتجات البشرية تجريدا وهي الأفكار، ورغم صعوبة ذلك فقد حاول كارل بوبر "Karl Popper" أن يعطي مقياسا أو افتراضا لقيم هذه الأفكار، كما أن هناك أمورا غير قابلة للتقويم الكمي كنتيجة متوقعة من البحث، والثاني على العكس يبدو آثار بعضها واضحا، مثال ذلك الرعاية الصحية وفي كليهما تتمثل فاعلية البحث بالدرجة التي توصل إليها الباحث والبحث في تحقيق الأهداف المجددة منذ بداية العمل، كما يتم قياس الفعالية لدى إتمام كل من مراحل البحث مما يجعل نظام البحث العلمي يشجع المشروعات المأمونة. وقد تكون الأهداف الموضوعة للبحث غير علمية، يعبر عنها من زاوية اجتماعية لتحسين الرعاية الصحية أو تنمية مصادر بديلة للطاقة ... إلخ.

إن نظام ضبط الجودة أخذ بالتطور لأسباب متنوعة منها منهجي تماما ومنها ما يرتبط بفلسفة العلوم التي ترى أن المعرفة العلمية رصيد من الخبرة الفكرية المشتركة، وحتى يصبح عمل ما جزءا من هذا الرصيد المعرفي لا بد من أن يسهل الاطلاع عليه بوساطة النشر، بعد أن يتم ضبط الجودة، ولقد أوضح رافيتز "Ravets" أن أقل من ربع المشتغلين بالعلوم كافة لم ينشروا بحثا واحدا، ومن حسن الطالع أن الاتجاه نحو النشر آخذ بالتزايد، وقد أدى ذلك إلى تأسيس عدد من المجالات تخصصت في نشر البحوث، وهذه تختلف في قيمتها وفي قدر الفكر الوارد بها ونوعيته، والجهد والخبرة اللذين تنطوي عليهما، وبالتالي تتباين مستوى المجلات العلمية ومحتواها، ونستشهد بالتعليق اللاذع لجورج أوريل "Geoge Orewell" الذي يقول: "إن جميع المطبوعات وإن كانت متساوية في حد أدنى من القبول، فإن بعضها أكثر تساويا عن غيره". وعلى عاتق الأكاديميين والمحررين والمحكمين تقع مسئولية منع تدهور المعايير، عليهم أن يستبعدوا نتائج البحوث والمخطوطات التي تتسم بالتكرار، وتخلو من أية قيمة مهما كانت درجة كفاءة الباحث وحسن نواياه، فإنه غير معصوم عن الخطأ، والمنظور التاريخي أفضل وسيلة لضبط الجودة، نقصد بذلك أن القيمة النهائية للبحث العلمي تقاس بالقدر الذي يعتبره الباحث اللاحق جزءا من المعرفة لا غنى عنه في الدراسة والترتيب المنهجي ومواصلة الجدل ودعم النظرية والمعرفة ووضع الأسس النظرية الجديدة. إن من السمات المميزة للعلم نزعته العالمية، وقد ظهرت هذه النزعة منذ العصور الوسطى، كما أنه عامل من عوامل التكمل في العلاقات الإنسانية والدولية نجم عن ذلك تطوران متباينان، على صعيد عالمي بينهما علاقة، أحدهما تطور جوهري، أو ذاتي العلم، والثاني خارجي. وفي نهاية القرن "التاسع عشر" تقريبا بدأت الجمعيات الكونية لتكوين اتحادات إقليمية ودولية منظمة على أساس الفروع العلمية. وحوالي

"عام 1900م" بذلت محاولة باءت بالفشل، لتنسيق النشاط العلمي الدولي والوطني بوساطة منظمة أطلق عليها اسم الرابطة الدولية للأكاديميات. وثمة محاولة أخرى كانت أكثر نجاحا هي المجلس الدولي للاتحادات العلمية "الإكسو Icsu". وقد تأسس عام "1919"1، وانضم إليها حتى عام "1986" ما ينوف عن عشرين اتحادا علميا دوليا، لكل اتحاد تخصصه: فيزياء، علم العقاقير، الجغرافيا ... اعتمد "الإكسو" لدى مختلف وكالات الأمم المتحدة المتخصصة كهيئة تمثل تمثيلا عالميا وجهات نظر العلم والعلماء في الشئون الدولية، و"للإكسو" لجان تقنية متخصصة كثيرة تتولى تنسيق البحوث والمعلومات المتعلقة بالمسائل ذات الأهمية العالمية كالموارد المائية، كما أنه له عددا من اللجان الدائمة التي تهتم بالمسائل الأوسع نظاما، منها اللجنة الدائمة بشأن الحفاظ على الاستمرار في طلب العلم "أنشئت في عام 1972" واللجنة الدائمة لحرية انتقال العلماء "أنشئت في عام 1963" تتوليان الدفاع عن مفهوم "رابطة الشعوب بغير حدود" في مجال العلم وتعزيزه، وهو المفهوم الذي يعتبر واحدا من أنبل أهداف البحث العلمي وأقواها. فيما بعد الحرب العالمية الثانية، كان من أهم منجزات "الإكسو" تنسيق نشاط البحث العلمي على المستوى الدولي خلال "عام 1957-1958"، وتتمثل الجوانب العلمية ذات الأغراض الخارجية "للإكسو" بـ: 1- تعزيز إجراء البحث العلمي بتجميع الموارد عندما تعجز دولة شريكة في أي مشروع علمي عن جمع الموارد اللازمة. 2 تعزيز التفاهم بين الأمم عن طريق إجراء مشروعات البحوث العلمية المشتركة. 3 توجيه الموارد الوطنية نحو إيجاد حلول للمشكلات العالمية أو الإقليمية المعترف بها، مثال ذلك المشكلات التي تؤثر على الموارد البحرية والمائية وموارد الطاقة

_ 1 Dickinson. J. p, op. cit. p 38.

والتصحر وقد وصف هذه الأغراض كل من هنج "Hing" و "بوزاتي" "Buzzatie" و "تراخيرسو" "Traperso" و"اليونسكو" كما ورد في كتاب صدر عن "اليونسكو" عام "1979" Science Technology and Goverment قائمة بالمنظمات الحكومية وغير الحكومية بأوروبا وأمريكا الشمالية، كما صدر عن اليونسكو منشورات وكتب أخرى عن إنتاجية الباحث العلمي، وفرق البحث ونتائج البحوث العلمية والتضامن مع حركة "البجواش"1، وقد بين اجتماع الرابطة الأميريكية لتقدم العلم الذي تم عام "1981" وفق ما أورده بروملي "Bromly" جوانب الأغراض الخارجية الدولية للوسط العلمي، وفي حال يكون الناتج النهائي للتعاون الدولي في البحث العلمي ممثلا باكتساب المعارف العلمية الجديدة، أو إتاحة التسهيلات للقيام ببحث وطني للأمم الصغيرة، أو نقل الخبرة التقنية والتعليمية لشعوب الأمم الصغيرة، فإن هذه المشروعات يكون مجراها سهلا، والعكس حينما تبرز السمة التجارية إلى حيز الوجود، تنشأ الصعوبات والمشكلات، تتمثل بالصراعات بين المصالح الوطنية والدولية، وهجرة الكفاءات إلى المنظمات الدولية. إن أهم جانب لمختلف أشكال التبادل الدولي بين العلماء ومخططي العلوم "المؤتمرات، التعاون بين فرق البحث في مختلف البلدان ... " هو التفاهم الدولي 2، وقد ذكر كيروين "keruin" أمثلة عن هذا التفاهم والتضامن بين العلماء فيما رفض نيلز بور Niels Bohr قبول شرف رئاسة الاتحاد الدولي للفيزياء اللجنة التطبيقية بسبب عدم إشراك مواطنين من دول كانت فيما سبق أعداء لبلاده، في الاجتماعات العلمية.

_ 1 حركة تهتم بالعلم والشئون العالمية ونزع السلاح. 2 تنقل المجلات العلمية نتائج البحوث العلمية من بلد إلى بلد، بالإضافة إلى أن كثيرا ما يقوم العلماء اليوم بالبحث العلمي فرقا "Teams" كما في "USA" وغربي أوروبا بخاصة روسيا الاتحادية لإجراء بحوث لا ينهض بها عالم واحد، وقد عرف أرسطو مثل هذا التعاون العلمي منذ القرن "الرابع قبل الميلاد"، كما أن الخليفة المأمون نحا هذا المنحى، وقد أصبحت هذه الظاهرة مألوفة في أيامنا هذه كالتعاون بين "USA", وروسيا الاتحادية مع ما كان بينهما من عداء في أبحاث الفضاء.

الدولية التي تنظم تحت رعاية ذلك الاتحاد، وعلى العكس وليس من صالح العلم، إلغاء الاتفاقيات الثنائية لخاصة بتبادل المعلومات والباحثين بسبب التصرفات السياسية لحكومة إحدى الطرفين في الاتفاق، ويدفع هذا الثمن لقاء انغماس العلماء في شئون العلم. لقد أكد الاتحاد العالمي للمشتغلين بالعلم "وافسو Wfsw" على التوازن بين حقوق العلماء وواجباتهم، لا سيما الواجبات التي تتعلق بالاستخدامات التي يطبق فيها عملهم، وفي طليعة هذه المجموعة حركة "البجواش" "Pugwash" سابقة الذكر، وجهت اهتمامها إلى أكثر المشكلات أهمية وهي سباق التسلح النووي، ومما يستحق ذكره أيضا في هذا المجال معهد "استوكهولم لبحوث السلم الدولي" "سيبري Sipri" الذي تأسس عام "1966". وهنا أرى كغيري أن من أهم القضايا الحيوية في وجودنا المعاصر، إدراكنا لقضية لها دلالاتها وأبعادها وهي ما تركه لنا السلف، وما نسعى إليه مما له صلة وثقة بما نحن بصدده لتلبية حاجات الحاضر وتحدياته في المجال العلمي منهجا ومضمونا.

الفصل الثالث: المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي

الفصل الثالث: المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي المبجث الأول: المفهوم ... الفصل الثالث: المفاهيم والمصطلحات في البحث العلمي المبحث الأول: المفهوم: ماذا نعني بكلمة المفهوم "Concept" وبكلمة المصطلحات "Technical Terms" المفهوم هو الوسيلة الرمزية "Simbolic" التي يستعين بها الباحث للتعبير عن الأفكار والمعاني المختلفة بهدف توصيلها للناس، والمفهوم أحد الرموز الأساسية في اللغة، يمثل ظاهرة معينة "رمزها" أو شيئا معينا أو إحدى خصائص هذا الشيء وليس له معنى إلا بقدر ما يشير إلى الظاهرة التي يمثلها، ولكل موضوع علمي مفاهيمه المميزة، ويسهل تحديد المفهوم إذا كان الأمر ملموسا، وقد يكون للمفهوم أكثر من معنى واحد. فكلمة بيئة "Environment" يستعملها البعض للدلالة على الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الناس، بينما يعني بها البعض الآخر مجموعة الظاهرات الطبيعية والبشرية، ومفهوم كلمة عامل "Laboure" وهو المزود ببعض الخبرة في مجال عمله،

وفاعل "Worker" على من ليس لديه خبرة، وعامل فني "Skilled Labourer" وتقابل كلمة فني "Technician"، مما يجعل الباحث في حيرة من أمره لدى استعمالها، ويسبب له إحراجا في التأليف. كذلك مفهوم الصناعة "industry"، يراه البعض بمعناه الواسع يشمل جميع أنواع النشاط البشري: فالرعي والزراعة والصيد، تدخل في نطاق الصناعة الأولية "Primary industry" والصناعة التحويلية وتدخل في نطاق الصناعة الثانوية "Secondary industry" والصناعة الثلاثية "Tertiary Industry" وتشمل قطاع المصارف والبنوك والمقاهي والخدمات، والبعض يقتصر في استعمال كلمة الصناعة فيجعلها محصورة فقط بالصناعة التحويلية "Manufacturing"، وكثيرا ما يطلق على أنواع النشاط البشري لفظة الفعاليات الاقتصادية: الأولى والثانية والثالثة وتشمل أنواع النشاط البشري المذكورة أعلاه، وهناك مفهوم الخدمات، قد يقتصر على خدمات المطاعم والمقاهي والخدمات التعليمية والصحية، وقد يتجاوزها ليشمل المصارف وشركات الاستثمار والادخار والسياحة والمخابز. يجد الباحث أيضا صعوبة في تحديد مفهوم القرية والمدنية، ومدني أو حضري "Urban"، ويرى البعض أن وسيلة التحديد هي الوظيفة التي يقوم بها المركز السكاني، ومفهوم الصحراء هل يحدد على أساس الظاهرات المناخية أم صعوبة العيش؟ وللحد من هذه المشكلات يلجأ عادة في تحديد المفاهيم إلى الاطلاع الواسع وبخاصة ما يتعلق بميدان تخصصه والعلوم الأخرى المساعدة، وأن يحدد الخصائص البنائية والوظيفية لمفهومه مما يتطلبه البحث. يتم اختيار المفاهيم المقيدة بوساطة العلماء والباحثين، والمفاهيم ليست وسائل للاتصال فحسب، بل تستخدم للتعميم أيضا، وبهدف توضيحها يلجأ عادة إلى التعاريف "Definitions"، ويعتمد الباحث على نوعين منها: أولا: التعريف المفهومي "Conceptual" والثاني التعريف الإجرائي "Operational".

يتضمن الأول استخدام مفاهيم لشرح مفاهيم أخرى، فالذكاء مثلا هو القدرة على حل المشكلات، بينما التعريف الإجرائي للذكاء يتضمن بيان العمليات التي يقوم بها الباحث ليكشف عن وجود الصفة التي تمثل المفهوم، مثال ذلك اختبار الذكاء عند عدد من الطلبة، بإعطائهم كتابا يتضمن معلومات خاصة كموضوع ما، ويختبر مقدار الذكاء لديهم بمقدار الاستيعاب والوصول إلى فهم المضمون، ويستخدم هذا التعريف في البحوث الاجتماعية عادة. أما المتغيرات "Variables" فهو مفهوم تطبيقي له قيمتان أو أكثر، مثال ذلك مفهوم "الطبقة الاجتماعية" لها خمس قيم، والدخل الاجتماعي له ثلاث قيم والجنس له قيمتان، وهناك ثلاثة أنواع شائعة من المتغيرات في البحوث العلمية: المتغيرات المستقلة وهي التي تفسر لنا الظاهرة والمتغيرات التابعة التي يرغب الباحث في شرحها، أي أن المتغيرات المستقلة هي السبب الافتراضي للمتغيرات التابعة، والمتغيرات التابعة هي الناتج المتوقع من المتغيرات المستقلة، وقد تكون المتغيرات المستقلة في دراسة معينة هي نفسها متغيرات تابعة في دراسة أخرى، فالانتماء الحزبي مثلا هو المتغير المستقل والمشاركة السياسية هي المتغير التابع. أما المتغيرات الضابطة فهي المتغيرات التي يمكن بوساطتها اختبار العلاقة بين المتغيرات المستقلة والتابعة، والتأكد من أنها علاقة عرضة أم لا، أي أن المتغيرات الضابطة تخدم في اختبار العلاقة التي نلاحظها بين المتغيرات المستقلة والتابعة، فالعلاقة بين الإنتاج الزراعي والمزارعين لا يمكن شرحه إلا بعامل ثالث هو "المتغير الضابط" المساحة المزروعة كما وكيفا. - أما المصطلحات العلمية فهي على وجه التحديد:

منهج البحث "Method" ونوع البحث1 "Type" وأداة البحث "Tool" وأسلوب البحث "Technique" ومسلك أو مدخل البحث "Approach" وطريقة البحث "Way" ووسيلة البحث ... وتستعمل بعض كتب البحث العلمي كلمة أسلوب للدلالة على كل من النوع أو الأداة أو المنهج، مثلا أسلوب الملاحظة "Observation Technique" وأسلوب الاستيان "Questionaire Technique" وأسلوب البحث والتقصي " ... Investication Technique"، واستخدام مصطلح المدخل أو المسلك للدلالة على الطريقة التي يسلكها الباحث حين يعالج موضوع البحث، أي الزاوية التي يبدأ منها تناول موضوع البحث، وكيفية تناول الموضوع بالدراسة، ففي علم الجغرافية مثلا نميز ثلاثة مداخل، الأصولي "Systematical" والإقليمي "Chororaphical" والتاريخي "Chronological" كما نميز بين طريقة البحث "Way" وهي أسلوب الوصول إلى غاية معينة دون استخدام وسيلة واحدة محددة مثالها طريق القياس وطرق التحليل ... ومنهج البحث "Method" وهو مجموعة من القواعد العامة تحدد عمليات الباحث حتى يصل إلى نتيجة معينة هي الكشف عن حقيقة مجهولة أو البرهنة على صحة حقيقة معلومة. وفي مناهج البحث من المصطلحات التي يجب التعرف عليها مصطلح الإحصاء "Statistics"، وهو في صيغة الفرد يقصد به علم الإحصاء، وفي صيغة الجمع الإحصاء "Statistics" المقصود منها معلومات رقمية مبوبة، تساعد على التوضيح توضيحا رقميا في جداول، أما المجتمع الإحصائي "Statistical Population" فهو جمع المفردات أو الوحدات "Statistical Unities" التي نريد دراستها لمعرفة حقائقها.

_ 1 الأداة: الوسيلة اليدوية للعامل أو الحرفي في أداء مهمته "الموسوعة الاقتصادية. إعداد وتعريب عادل عبد الهادي، حسن الهموندي ط1، دار ابن خلدون، بيروت 1980 ص207".

المبحث الثاني: مفاهيم في البحث العلمي

المبحث الثاني: مفاهيم في البحث العلمي ... المبحث الثاني: مفاهيم البحث العلمي المفهوم "Concept" إنتاج نظري "واقع فكر" يعبر عن جوهر الواقع متضمنا مختلف تحديات الواقع الملموس، الوزن مفهوم والطاقة مفهوم والقوة مفهوم، وهي مفاهيم يستعملها علماء الطبيعة، وهي أكثر تجريدا من مفاهيم: الطول، والوزن، والارتفاع ... أما السلوكيون فإنهم يعتنون بمفهوم "الإنجاز" أكثر من عنايتهم بالمفاهيم السابقة التي يعني بها الفيزيائيون. فمفهوم الإنجاز تجريد كون بعد ملاحظة عدد من أنواع السلوك كذلك الذكاء والشر ... أي أن المفهوم تجريد عقلاني، شمولي، إنه تجريد مبني على التعميم. هناك نوعان كبيران من المفاهيم: المفاهيم المتعلقة بأشياء مادية، قابلة للاستيعاب اليدوي أو التصوير محتوى، وتلك المتعلقة بالأفكار، كالحرية مثلا فهي كلمة "تجريد" إلا أنها كلمة مليئة بالمعاني ومحسوسة ومفهومة ومقبولة، تعطي حالات ووقائع وظاهرات ملموسة ملاحظة1، ونورد فيما يلي مفاهيم: المشكلة الفرضية: - المشكلة: نعرف المشكلة في البحث العلمي بأنها: جملة سؤالية تسأل عن العلاقة القائمة بين متحولين أو أكثر، وجواب هذا السؤال هو الغرض من البحث العلمي، وليس من الممكن دوما للباحث أن يصوغ مشكلة بصورة بسيطة وواضحة وكاملة، وكثيرا لا يكون لديه إلا فكرة غامضة ومشوشة وعامة عن المشكلة، وهذا من طبيعة تعقد المشكلات العلمية، وتعقد طرائق البحث فيها، وقد يفضي الباحث فترة طويلة من الزمن في البحث والتمحيص والتفكير قبل أن يحدد المشكلة ويصوغ الأسئلة التي يجب أن

_ 1 مجموعة من الاقتصاديين، الموسوعة الاقتصادية، ط1 إعداد وتعريب: عادل عبد المهدي حسن الهموندي، مرجع سبق ذكره، ص467.

يطرحها، ويبحث عن أجوبة ومع ذلك فإن صياغة المشكلة صياغة صحيحة ودقيقة جزء من أهم أجزاء البحث العلمي، وخطوة أساسية من خطواته، ورغم صعوبته إلا أنه أمر ضروري ولازم. أمر آخر هو أن الباحث العلمي إذا أراد حل مشكلة ما، فإن عليه أن يعرف بالضبط وبالتحديد ماهية هذه المشكلة، وحين تحقق تحديد المشكلة وفهمها، فإن جزءا كبيرا من الحل يتحقق، ورغم اختلاف المشكلات وعدم وجود طريقة مثلى لصياغتها، فإنه من الممكن ذكر عدد من صفات المشكلات وصفات الصياغة واستعمالها في البحث العلمي الجيد. هناك ثمة معايير لصياغة المشكلات الجيدة: أولها: إن المشكلة يجب أن تعبر عن علاقة بين متحولين أو أكثر بشكل واضح في الصياغة. ثانيها: إن المشكلة يجب أن تكون مصاغة بوضوح وصراحة على شكل سؤال أو أكثر، إذ إن الأسئلة تتميز بأن تطرح المشكلة بصورة مباشرة وهذا ما يفضله معظم العاملين في البحث العلمي، وقد تصاغ بعبارة لفظية. ثالثها: وهو أصعبها هو أن المشكلة وصياغتها يجب أن يكونا من النوع الذي يمكن من القيام ببحث خبري تجريبي، إذ إن المشكلة التي لا يمكن أن تبحث تجريبيا، ليست مشكلة علمية بحال من الأحوال، وهذا لا يعني فقط الإتيان على ذكر علاقات، بل يعني أيضا أن تكون المتحولات من النوع الذي يمكن قياسه، وهناك مشكلة هامة ليست علمية لأن التجريب عليها صعب أو مستحيل1. رابعها: أن تعالج موضوعا حديثا. خامسها: أن تسهم بإضافة علمية.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي، مرجع سبق ذكره، ص44-47.

سادسها: أن تؤدي إلى الاهتمام ببحوث ودراسات أخرى. سابعها: أن يستفاد من النتائج بحيث يمكن تعميمها. ثامنها: أن تقدم فائدة علمية للمجتمع. هذا وإن الاطلاع على الدراسات والبحوث السابقة تمكن الباحث من بلورة مشكلة البحث وإغنائها بحيث يطلع على الأطر النظرية والفروض التي اعتمدتها تلك الدراسات والمسلمات والنتائج. كما أنها تزود الباحث بالكثير من الإجراءات والاختبارات التي يمكن أن يفيد منها، وبالمصادر والمراجع الهامة. الفرضية1: الفرضية صياغة حدسية للعلاقة بين متحولية أو أكثر، أو إنها عبارة عن تخمين أو استنتاج يتوصل إليه الباحث ويأخذ به بشكل مؤقت، أي أنها أشبه برأي مبدئي للباحث في حل المشكلة، أو أن نقول: الفرض حل مؤقت أو تفسير مؤقت يضعه الباحث لحل مشكلة البحث، فهو إجابة محتملة لأسئلة البحث. تمثل الفروض علاقة بين متغيرين، متغير مستقل ومتغير تابع، مثال: توجد علاقة بين عدد المحاضرات وبين الجدوى التعليمي للطلبة، أو هناك علاقة بين عدد ساعات دراسة الطلبة وبين تحصيلهم العلمي، فالعلاقة هنا هي بين متغيرين هما عدد الساعات والتحصيل المعرفي، وقد تكون إيجابية "تحصيل المعرفة" أو سلبية "عدمها" أو ألا يكون هناك ارتباط بين المتغير المستقل والمتغير التابع. هذا وللفروض نوعان: فرض مباشر "Directional" "صياغة الإثبات" أو فرض صفري "Nunhypothis" "صياغة النفي" مثال على الأول: توجد فروق إحصائية بين اتجاهات الطلبة نحو التعليم المهني، وفي هذه الحالة يضع الباحث فرضا يؤيد وجود

_ 1 كلمة فرض "Hypothesis" في اللغة الإنكليزية مؤلفة من مقطعين: هيبو "Hypo" ومعناها "شيء أقل من" أو "أقل ثقة من" و"Thesis" أي الأطروحة.

الفروق أما في حالة موافقة جميع الطلبة على التعليم المهني، هنا نقول: إن الفرض صفري لعدم وجود فروق، فهي منفية منذ البداية، وهذا النوع من الفروق أكثر سهولة لأنه أكثر تحديدا وبالتالي يمكن قياسه والتحقق منه1. ثمة معايير للفرضيات الجيدة وصياغتها: 1- أن تكون بسيطة تفسر الظاهرات دون تعقيد. 2- أن تكون الفرضية تعبيرا عن العلاقة بين المتحولات. 3- أن يكون الفرضية معقولة وليست خيالية، منسجمة مع الحقائق العلمية المعروفة. 4 - أن تكون قابلة للاختبار والتجريب. 5- لها قدرة على تفسير شامل أو تعميم شامل للظاهرة المدروسة. 6- انسجام الفرض كليا أو جزئيا مع النظريات القائمة. والفروض خطوة نحو الحقيقة، تتحول إلى حقائق لمجرد أدلة كافية على صحتها وتصبح الفروض قانونا حينما تثبت صحتها، وتتشابه الفروض مع النظريات في كونها تصورات أو تخيلات ذهنية لتفسير علاقة ما، لكن مجال النظرية أكثر سعة من الفروض، فالنظرية تشمل عدة فروض، وبالتالي تتطلب جهودا أكبر لإثباتها، وتكون بعد إثباتها أكثر قدرة من الفروض على تفسير أكبر قدر من الظاهرات. أما القانون: فهو أكثر ثقة من النظرية والفرضية هو "صلة أو ترابط عميق أساسي ثابت منتظم فيما بين الظاهرات، أو فيما بين مختلف أوجه الظاهرة الواحدة، فهو انعكاس لعملية موضوعية تحصل في الطبيعة، وفي جوهر معطيات مجتمع ما، يتمتع بخاصية كونه موضوعيا، الطبيعي منه محدد يعبر عنه بمعادلات رياضية، ويمكننا التحقق منه في كل لحظة، بينما لا يمكن ذلك في قوانين المجتمع لديمومية التغير"2 لأنها تنتج عن

_ 1 ذوقان عبيدات وآخرون. البحث العلمي. مرجع سبق ذكره ص92-95. 2 مجموعة من الاقتصاديين. الموسوعة الاقتصادية. مرجع سبق ذكره، ص380-381.

نشاط الأفراد في وضعية تاريخية دائمة التغير، هذا والقوانين ليست مطلقة، بل محدودة بالظروف الزمنية والمكانية أو غير ذلك، كما أنها تقريبية محددة بزمان معين، قد تستبدل بقوانين أخرى أكثر دقة وإحكاما1. - أهمية المشكلات والفرضيات: تعتمد هذه الأهمية على هدف البحث، وتبدو من خلال: 1- أنها وسائل العمل في النظرية، ويمكن استخلاصها من النظرية ومن الفرضيات الأخرى. 2- أن الفرضيات يمكن اختبارها والتأكد من صحتها أو خطئها، وذلك بخلاف الحقائق المعزولة التي لا يمكن اختبارها، إن ما يختبر هو الصلات، وبما أن الفرضية تعبر عن صلاتها فإنها ممكنة الاختبار وبالتالي فهي تستعمل في البحث العلمي، بهدف تفسير الحقائق والكشف عن الأسباب وتحليل الظاهرة المدروسة، أما إذا كان الهدف من البحث العلمي الوصول إلى حقائق ومعارف أو القيام بدراسة مسحية فلا قيمة للفروض، إن الفروض بجوهرها معينة على التنبؤ وتعبر عن صلة، ومن ثم إمكان الاختبار الذي يدلل على صحة القول أو خطئه. 3- الفرضيات وسائل قوية في تقديم المعرفة، ذلك لأنها تمكن الإنسان من الخروج من خارج ذاته، فالبرغم من أن الإنسان هو الذي يصوغ الفرضية فالفرضية، موجودة ويمكن اختبارها والبرهنة على صحتها، أو عدم صحتها، من وجهة نظر الباحث، وهذه أمور كلها هامة لدرجة نستطيع القول بأنه: لولا الفرضيات لما وجد العلم وأنه لا علم بلا فرضيات. ولا تقل المشكلات التي تقف وراء الفرضيات أهمية عن هذه الفرضيات، البحث

_ 1Good Carter. V. "Definition of The Research Problem and Formation of the The Working. Hypothesis". Harfored Educational Revision 13, January, 1943, pp. 77-78.

العلمي يوجد لوجود مشكلة أو لوجود وضع مشكلة، وأنه يوجد في البداية وضع غير محدد، تكون فيه الأفكار غامضة والأمور مشكوك فيها، المفكر حائرا، والمشكلة لا يمكن حلها إلا بعد أن يستشعر المفكر هذه الحيرة ويطرح هذه التساؤلات ويضع تلك الفرضيات. يمكن حل المشكلة في القضاء على عدم المحاولة المحدودية والتخلص من الغموض وبالرغم من أن المفكر قد لا يملك في البداية أية فكرة غامضة عن المشكلة التي تواجهه، فإن عليه فيما بعد أن يحدد المشكلة التي يحلها، وبالرغم من أن هذا الأمر يبدو بدهيا لكن واحدا من أصعب الأمور في البحث العلمي هو تحديد المشكلة تحديدا واضحا وكاملا وبتعبير آخر إن ما يجب هو أن نحدد الذي نبحث فيه، ومتى تمت معرفة ذلك يكون الباحث قد قطع شوطا بعيدا. - مزايا المشكلات والفرضيات: أول ميزة هي أنها توجه الباحث بما يجب عمله، والثانية أنها تمكن الباحث من استخلاص ظاهرات خيرية محددة، تشتمل عليها المشكلات والفرضية، والميزة الثالثة أن المشكلات والفرضيات تسبب تقدم البحث العلمي بوساطة مساعدتها الباحث على الموافقة على النظرية أو عدم الموافقة عليها. هناك فروق هامة بين المشكلات والفرضيات، فالفرضيات المصاغة صياغة صحيحة يمكن اختبارها رغم أن بعض الفرضيات واسعة جدا، بحيث يتعذر اختبارها، إلا أنها إن كانت جيدة فإنه يمكن استخلاص فرضيات للاختبار منها، والذي يختبر هنا هي الصلة أو الصلات التي تعبر عنها الفرضية، وليس الحقائق فالمشكلة لا يمكن حلها إلا إذا حولت إلى صيغة فرضية، والمشكلة سؤال قد يكون واسعا لا يمكن اختباره بصورة مباشرة. وإذا كانت المشكلات والفرضيات تساعد على التقدم العلمي، فإن الباحث الذي

لا يجري بحثا على أساس من فرضية مسبقة عن صلة بين متحولين أو أكثر، فإن الحقائق التي يكتشفها لا تبرهن على شيء أو تنفي شيئا، ولا يجوز للباحث أن يجمع الحقائق ويصوغ النظريات، ثم ينتقي من هذه الحقائق ما يناسب نظريته ويهمل ما لا يناسبها، بل أن يجمع الحقائق ومن ثم يفترض الفرضية، ثم يضعها موضع الاختبار العلمي الموضوعي، محددا سلفا ما يتوقعه من صلة أو صلات، فإذا أثبت الاختبار صحة الفرضية صارت نظرية أو قانونا، وهكذا فإن الفرضة توجه الباحث دون تحيز، والبحث يكون إما عن صحة الفرضية أو عدم صحتها. وأخيرا نشير إلى أن الفرضية تصوغ النظرية في قالب يجعلها ممكنة الاختبار، ولكي نبحث نظرية ما، ونختبرها لا بد أن نستخلص الصلات المقترحة في النظرية، وصياغة الصلة أمر سهل، ولكن اختبارها أمر صعب، لأن من الصعوبة بمكان تحديد معنى بعض المصطلحات تحديدا يمكن قياسها به، والعمل كما هو معلوم يستهدف في جملة ما يستهدف القياس، ومن هنا يتضح لنا أن الفرضيات جسور هامة تصل بين النظرية والبحث الخبري. عمومية الفرضيات وخصوصيتها: وهي إحدى الصعوبات التي يواجهها طلبة الدراسات العليا في تحضير بحوثهم، ذلك بأنه إذا كانت المشكلة مفرطة في العمومية فإنها على الأغلب تكون غامضة لا يمكن اختبارها، رغم أنها تبدو وكأنها فرضيات علمية قابلة للبحث والتجريب. أما الإفراط في التحديد ورغم أن تحديد المشكلات أمر ضروري للبحث العلمي لتصبح المشكلة قابلة للبحث والقياس ولكن المبالغة فيه تعني التجزئة، والمبالغة في التحديد شر من التعميم وهي كفيلة بالقضاء على وجود المشكلة وفي بحوث الدراسات العليا "الدكتوراة بخاصة" لا يسمح بأن تكون المشكلة محدودة أكثر مما يجب، وأفضل الأمور الوسط والوصول إليه رهن بالمعرفة والخبرة والممارسة وإشراف الأستاذ الموجه1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره ص54.

نشير أخيرا إلى ما يقال أحيانا من أن الفرضيات ليست ضرورية للبحث وأنها تحد من خيال الباحث، وأن عمل الباحث العلمي أن يجد المجهول وليس أن يوضح المعلوم، وغير ذلك من الأقوال، إن هذه الأقوال تشير إلى جهل الباحث بمهمة الفرضية وتسبب ضياعه، لأن الفرضية أقوى أداة توصل إلى العلم، فمن عمل الباحث أن يشك في جميع التفسيرات التي تقدم إليه، وهو يصر على إخضاع التفسيرات للتجريب، ومن أجل ذلك لا بد له من صياغة تفسيرات قابلة للاختبار والتجريب، والواقع أن هذه التفسيرات هي الفرضيات، والحق أن العالم لا يفعل أكثر من صياغة فرضيات من الحوادث وأسبابها ونتائجها ويخضعها فيما بعد لمزيد من الملاحظة والتجريب والاختبار، وإذا لم يتمكن الباحث من أن يضع التفسير في صيغة قابلة للاختبار الفعلي التجريبي، فإن تفسيره يكون ميقافيزيقيا وليس علميا، وسوء ثبتت صحة الفرضية أو لم تثبت فإنه من الصعب تصور حدوث أي تقدم على الإطلاق بدون فرضيات فهي أقوى أداة أوجدها الإنسان للتوصل إلى العلم الذي يمكن الاعتماد عليه1.

_ 1 فاخر عاقل. المرجع السابق ص30-58. وأيضا: Harlow, H. "the formation of learngin sets". Psychological pevision, LVI, 1949. pp51-60.

المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقية، والنظرية

المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقية، والنظرية ... المبحث الثالث: الملاحظة، والحقيقة، والنظرية - الملاحظة: هي "انتباه مقصود ومنظم ومضبوط للظاهرات أو الحوادث أو الأمور بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها" وهي الخطوة الأولى في البحث العلمي ومن أهم خطواته، يقوم الباحث فيها في جميع مراحل البحث تسبق الافتراض وترافقه وتلحق به وتقود الباحث إلى صياغة الفرضيات والنظريات. تبدأ الطريقة العلمية وفق خطتها المألوف بالملاحظات وقد تكفي الملاحظة الدقيقة. أحيانا بحيث يستغني الباحث عن التجريب، بل إن التجريب وهو جوهر البحث قد يعتبر ملاحظة في ظروف محددة مخططة، والملاحظة قد تكون عفوية لكن الملاحظة العلمية قلما تكون كذلك، فهي ليست عملا بسيطا، تتطلب تخطيطا ذكيا واعيا، وأحيانا استخداما لوسائل وأدوات، ويتم بعضها بوساطة الحواس فقط. يعتمد الأسلوب الكيفي في البحث على الملاحظة بنوعيها الحسية والعقلية، تعتمد الأولى في التعرف على ما يجري في الحياة اليومية، وتكون نتائجها مسجلة، أما الملاحظة العقلية فإنها تعتمد على قواعد التفكير العلمي وتمكن من استنباط الفروض واستقراء النظريات واستخراج القوانين، وكذلك التحقق من مدى استنباط الفروض واستقراء النظريات واستخراج القوانين، وكذلك التحقق من مدى صحتها أو خطئها، وهذا النوع من الملاحظة يفيد في مسح العلاقات بين الوقائع في مجملها وتفاصيلها، والربط بين الطرد أو المتشابه منها، والتعرف الحدسي على الأسباب والكشف الاستبصاري عن كنه الأمور مما يتبدى من مجرياتها. جدير بالذكر أنه كلما كانت الملاحظة منظمة ومخططا لها كانت أكثر فائدة في تمكن الباحث من التعمق والغوص على المعاني، ومعرفة المختلف والانتباه للمستجدات والاعتبار للاستنباط والاستقراء والمعنى الدقيق للملاحظة المشاركة، ففي البحوث الاجتماعية مثلا تجري المشاركة مع المبحوثين في حياتهم اليومية والتجارب الجارية، السابقة للملاحظة والممهدة لها والمؤثرة فيها، وبذلك يستطيع الباحث أن يحلل ما يجري حوله ويفسره ويقف على الأسباب السابقة والحالية وتلك القريبة، أي أن مسلك الباحث مسلكا تحليليا كيفيا وتفسيره تفسيرا منطقيا، بحيث تبرز قيمة مرحلة الاطلاع الواسع والمتشعب واستقصاء مختلف ألوان المعرفة والبيانات والمعلومات من مصادرها، وكلما كان عمله منظما كان تحليله وتفسيره مثمرا، هذا وللملاحظة العلمية شروط: 1- أن تكون منظمة. 2- أن تكون موضوعية.

3- أن تكون دقيقة كما وكيفا. 4- أن يكون الملاحظ مؤهلا للملاحظة ومدربا وفي وضع مادي "جسدي" ومعنوي "نفسي" يمكنه من الملاحظة. 5- أن تسجل الأمور الملاحظة بسرعة، حتى لا يحورها النسيان. 6- أن يوضع للملاحظة خطة علمية مرنة. أما أنواع الملاحظة فهي: 1- الملاحظة العفوية البسيطة. 2- الملاحظة المقصودة والمضبوطة والمنظمة. 3- الملاحظة الفردية والملاحظة الجماعية. 4- الملاحظة في الطبيعة وتستعمل في العلوم الطبيعية وفي العلوم السلوكية. 5- الملاحظة في المخبر. 6 الملاحظة في العيادة. هذا وقد يخطئ الباحث في ملاحظاته، إما لأسباب نفسية أو شخصية، ويؤثر ذلك على تفسير الملاحظة، واستقرائها والربط بينها، وتبين علاقاتها المتبادلة، لهذا تفرق بعض البحوث العلمية بين الملاحظ والمفسر، وبشكل عام تكون الملاحظة الدقيقة نتيجة للممارسة والتدريب، ونتيجة لتوافر صفات في الملاحظ: الانتباه والاهتمام والموضوعية، والإحساس والاستعانة ببعض الأدوات حين اللزوم. - الحقيقة: الحقيقة حدث أو واقعة أو خبرة أو تغيير تتصف بقدر كبير من الثبات، ويؤيد وجودها أدلة صادقة يمكن حصرها في بحث معين، إن غاية البحث من الملاحظة هي الوصول إلى

الوقائع أو الحقائق، والعالم أقل قطعا بالنسبة إلى الحقائق، وأكثر شكا في الوقائع، يخضعها جميعها للبحث والتمحيص، ويقف منها موقف الناقد لتحقيقها. تختلف إمكانية الوصول إلى الحقيقة من حال إلى حال، ومن بحث لآخر، فثمة حقائق شخصية "خاصة" تكمن في أعماق الفرد ولا يستطيع الإنسان الآخر الوصول إليها بسهولة، أو بصورة تامة، وإن كانت حقائق واقعة وبالنسبة لصاحبها "الآمال" وبدهي أن سلوك الفرد كثيرا ما يوحي بآماله، وأمانيه ويعبر عن مخاوفه وأسباب قلقه، وبهدف التوصل إلى مثل هذه الحقائق لا بد من فحص وتمحيص قد يكونا ممزوجين بالظن والتخمين. نذكر هنا الملاحظة الشخصية وهي الاستبطان "Introspection"، وهي ملاحظة الإنسان لذاته ونظره في خبراته ووصفه لها وتعبيره عنها، وبما أن العلم موضوعي لهذا لا يمكن الاعتماد على الاستبطان من قبل المراقب الخارجي لاختلاف الملاحظة الشخصية بين الأشخاص "الخوف" وفي العلوم السلوكية يغلب العنصر الشخصي على العنصر الموضوعي عكس العلوم الطبيعية، لهذا يسعى علماء العلوم السلوكية لجعل علومهم تجريبية إحصائية كمية، ولقد فرق دالين بين مستويات ثلاثة للحقائق هي: 1- مستوى الحقائق التي يكون الإنسان فيها واعيا لها عن طريق الخبرة الحسية المباشرة، وهي ليست إلا إحساسات، هي خبرات خام، تدرك مباشرة والإحساس بداية الإدراك، وهذا بدوره تفسير الإحساس. 2- مستوى الحقائق التي يتعرف عليها الباحث، بوساطة وصفه خبراته المباشرة وتفسيرها، حيث يفسر المحس إحساساته في ضوء خبراته الماضية ومعارفه ليحصل على حقائق. 3- مستوى الحقائق التي يتعرف عليها الباحث بوساطة قيامه بالاستقراء والاستنتاج، وعمليتي التجريب والتعميم، وهنا يعمل الباحث عقله، ويستخدم عمليتي التجريد

والتعميم، ويقوم بفاعلتي الاستقراء والاستنتاج، وحيثما أمكن يلجأ إلى التجريب فيصل إلى الحقائق الموضوعية، وهكذا تأكد الإنسان أن الأرض كرية. هذا وإن المستويات الثلاثة متكاملة متواصلة، فبدون إحساس لا نصل إلى الحقائق، وبدون إدراك وتفسير لا نصل إلى الحقائق وبدون استدلال لا نصل إلى الحقائق1. - النظرية: تعرف النظرية بأنها: "كل مجرد من المفاهيم يتحد في سياق منطقي تقوم عليه معرفة علمية للظاهرات"2 والمقصود من النظرية في البحث العلمي: توضيح العلاقة بين السبب والأثر "Cause effectrelationship" بين المتغيرات، بهدف الشرح أو التنبؤ بظاهرات معينة، وبتعبير أوضح: النظرة أفكار مرتبطة ومنظمة تساعدنا على تفسير مجموعة من الظاهرات المعروفة أو المرصودة وتصلح أن تكون أساسا للتوقع أو التنبؤ3. إن الباحث الذي يلاحظ والذي يجمع الحقائق ينتهي إلى "نظرية" تنظيم الحقائق، وتربط بين الوقائع، وتعطي تعليلا أوليا يسميه العلماء "فرضية" يجربونها" فإن ثبتت صحتها قبلت وأصبحت "قانونا" أو "حقيقة عامة" على الأقل، وإلا رفضت وعمد إلى "نظرية" أو "فرضية" أخرى حيث يعيد الباحث الكرة من التجريب والتمحيص والبحث، ومن العسير أن نرسم خطا فاصلا بين كل من الفرض والنظرية، والفرق بينهما هو في الدرجة لا في النوع، فالنظرية في مراحلها الأولى تسمى "الفرض" وعند اختبار الفرض بمزيد من الحقائق بحيث يتلاءم الفرض معها، فإن هذا الفرض يصبح نظرية. ينتهي الباحث الذي يجمع ويلاحظ الحقائق إلى فرضية أو نظرية مؤقتة "Provisional Theory" قد تشمل شرحا وتفسيرا فإن كان خطأ تعاد الكرة من جديد من التجريب والتمحيص، وإن صحت فإنها تستمر، وقد تستمر النظرية لفترة طويلة من الزمن، حتى تكتشف طرق أخرى للبحث تؤدي إلى اكتشاف حقائق جديدة تطور الفرضية أو النظرية المؤقتة التي وضعت من قبل الباحث. ويمكننا تشبيه ذلك بنظرية "بطليموس" ومن بعده نظرية "كوبرنيكوس".

_ 1 Van Dalen, D. B. "Understanding Educational Research". OP. cit ch3. 2 مجموعة من الاقتصاديين. الموسوعة الاقتصادية. مرجع سبق ذكره. ص499. 3 Thomas, R.S. Conkling, E. C, and Geates, M. H, "The Geography of Econ Omic Activity". M.C. Grew-Hill, New York 1968. p. 886.

المبحث الرابع: البناءات والمتحولات

المبحث الرابع: البناءات والمتحولات يعمل العلماء على مستويين: مستوى النظرية والفرضية ومستوى الملاحظة، ويتراوح العلماء بين هذين المستويين، فالعالم حينما يصوغ مقولات ربطية ويستعمل المفاهيم والبناءات فإنه يعمل في مستوى النظرية والفرضية والبناء، وحينما يجمع المعلومات التي تمكنه من اختبار فرضية ينتقل من مستوى البناء إلى مستوى الملاحظة، كقوله: "عدم هطول الأمطار بسبب تدهورا في الثروة المائية" فالهطول والتدهور مفهومان تربط بينهما كلمة يسبب، وعلى الباحث أن يعرف هذين البناءين بشكل يجعل الملاحظة ممكنة. يتشابه المصطلحان "مفهوم" و"بناء" بمعناهما، رغم ذلك نميز بينهما، فالمفهوم يعبر عن تجريد حصل نتيجة تعميم من الحالات الخاصة: الوزن مفهوم يعبر عن ملاحظات عديدة تناولت أشياء خفيفة أو ثقيلة، كذلك الكتلة والقوة والطاقة يستعملها علماء الطبيعة، وهي أقل تجريدا من مفاهيم الطول والوزن والارتفاع وأمثالها، وفي العلوم التربوية يعني طالبها بمفهوم "الإنجاز" وهو تجريد كون بعد ملاحظة عدد من أنواع السلوك كذلك الذكاء والشرف و ... - البناء "Constrict": مفهوم، لكن له معنى إضافيا حينما يتبنى غرضا علميا معينا، فالذكاء مفهوم، أما حينما يكون بناء، فإنه يعني شيئا يزيد أو ينقص عن مفهوم

الذكاء، فالإنجاز المدرسي هو وظيفة من وظائف الذكاء، وهو "الذكاء" محدد ومعرف بطريقة يمكن ملاحظته وقياسه. - المتحولات: وهي البناءات والخصائص التي يدرسها العلماء أمثال الدخل، الطبقات الاجتماعية الذكاء، الإنجاز. فالمتحول هو خاصية تكون لها قيم مختلفة، أو المتحول أمر يتحول والتعريف الدقيق لمصطلح متحول هو: رمز يمكن أن تنسب له قيم، وقد يكون للمتحول قيمة أو أكثر فالجنس متحول له قيمتان، والدين متعدد المتحولات "Polytomies"، ومن الشائع في العلوم السلوكية وبحوثها تحويل المتحولات المستمرة إلى متحولات ثنائية أو متعددة، وهكذا فالذكاء وهو متحول يقسم إلى ذكاء عال وآخر متوسط وثالث منخفض، والحرارة قد تكون عالية أو متوسطة أو منخفضة، ولكن بعض المتحولات يستحيل تحويلها إلى متحولات مستمرة مثل الجنس. ميزنا بين المفهوم والبناء، ونميز الآن بين البناء والمتحول: نعرف الكلمات أو البناءات بطريقتين عامتين: أولهما تعريف بكلمات أخرى وهذا ما تفعله المعاجم وثانيهما أن نعرف كلمة بالدلالة على الأعمال أو أنواع السلوك التي تعبر عنها أو تشتمل عليها، وهكذا بدلا من قولنا: إن الذكاء هو القدرة على التفكير المجرد، نقول: من يستطيع فهم هذا الموضوع هو من مستوى ذكي، ولكن في كلامنا هذا عدم دقة رغم أننا نلجأ إلى الطريقتين لهذا نورد تفريقا بين التعريفات التكوينية "Constitutive" والتعريفات الإجرائية "Operational". التعريف التكويني: يعرف البناء ببناءات أخرى مثلا نعرف الوزن بأنه ثقل الأشياء أي عرفنا مفهوما بمفهوم آخر أما التعريف الإجرائي: فيحدد معنى البناء أو المتحول بوساطة تعيين الفعاليات أو الإجراءات الضرورية لقياسه، وهو بمعنى آخر نوع من دفتر التعليمات الذي يعطي للباحث يحدد فيه الفعل والطريقة، أي أنه يحدد المتحول أو يعرفه عن طريق الإشارة إلى ما يجب على الباحث عمله من أجل قياسه. وهناك نوعان من

التعريفات الإجرائية: 1- المقيس. 2- التجريبي. فالأول يصف كمية قياس متحول ما، مثلا نعرف الإنجاز بوساطة قياس المنجزات كما، أما التعريف الإجرائي التجريبي فيذكر تفاصيل العمليات "الإجراءات" التي يقوم بها الباحث في تقليبه وتعامله مع المتحول، والباحثون العلميون يواجهون ضرورة قياس المتحولات في العلاقات التي يدرسونها ففي بعض الأحيان يكون القياس سهلا وفي بعضها الآخر يكون عسيرا فقياس الطبقة الاجتماعية أمر سهل ولكن قياس الإبداع أمر صعب. التعريفات الإجرائية أمور لا يستغنى عنها في البحث العلمي، لأنها تمكن الباحثين من قياس المتحولات، وهي جسور تصل بين مستوى "النظرية والفرضية والبناء" ومستوى "الملاحظة" فمن غير الممكن وجود بحث علمي دون ملاحظة، والملاحظة بدورها مستحيلة بدون تعليمات واضحة محددة عما يجب ملاحظته وكيفية ملاحظته، وما التعريفات الإجرائية إلا هذه التعليمات ورغم أهمية هذه التعريفات إلا أنها لا تقدم إلا معاني محدودة للبناءات وبالتالي فإن المتحولات التي يقوم العلماء بقياسها هي دوما محدودة المعنى ومخصصة، فالإبداع الذي يدرسه علماء النفس ليس هو الإبداع الذي يشير إليه القانون، بالرغم من وجود عناصر مشتركة بينهما. هذا وإن الإصرار على أن كل مصطلح نستعمله في حوارنا العلمي يجب أن يعرف إجرائيا فيه تضييق شديد وتحديد أشد وهو بالتالي غير مفيد علميا. يمكن تصنيف المتحولات تصنيفات عديدة: 1- المتحولات الحرة والمتحولات التابعة: وهي أهم طرائق تصنيف المتحولات وأكثرها فائدة لسهولة تطبيقها وبساطتها وأهميتها في تجديد البحث وعرضه فالمتحول الحر هو السبب المفترض للمتحول التابع الذي يعتبر النتيجة المفترضة له، والمصطلحان مستعاران من الرياضيات، وفي التجارب العلمية يكون المتحول الحر هو المتحول الذي يحوله المجرب، والمتحول التابع هو المتحول الذي ينشأ به في حين أن المتحول الحر هو

المتحول الذي يتنبأ منه، والعلاقة بين المتحول الحر والمتحول التابع تتضح أكثر إذا رسمنا محورين بزاوية قائمة بينهما يمثل الواحد منهما محور السينات وآخر محور العينات وللرياضيات في هذا الصدد طرائق معروفة لا مجال لذكرها. 2- المتحولات الفعالة والمتحولات المنسوبة: من التصنيفات المفيدة في البحث العلمي تصنيف يقوم على التمييز بين المتحولات التجريبية والمتحولات المقيسة، والمهم في تخطيط البحوث وتنفيذها أن نميز بين هذين النوعين من المتحولات، إن المتحولات التي نجرب فيها ونغير ونبدل تسمى متحولات "فعالة" أما المتحولات المقيسة فتسمى "منسوبة"، وهكذا كل متحول منسوب، وجدير بالذكر أن بعض "المتحولات" صعب تحويلها، ولذلك فهي منسوبة مثل الذكاء والجنس وصفات الطبع، والتفريق بين المتحولات الفعالة والمتحولات المنسوبة مفيد وعام ومرن، وبعض المتحولات لا تكون إلا منسوبة، في حين أن بعضها الآخر يكون حينا منسوبا وحينا آخر فعالا مثال ذلك القلق. 3- المتحولات المستمرة والمتحولات الرمزية: من المفيد في تخطيط البحث وتحليل المعلومات التمييز بين المتحولات المستمرة والمتحولات الرمزية، فالمتحول المستمر قادر على أن يتخذ مجموعة مستمرة من القيم وفق معيار معين. أما المتحولات الرمزية فهي تنتمي إلى نوع من القياس يسمى قياسا اسميا مثلا الفرد ذكر أو أنثى، وقد يكون هناك قياسا أكثر من صفتين تنتسب إلى واحدة منهما، وقد اصطلح البعض مصطلح "المتحولات الكيفية" بدلا من "المتحولات الرمزية" لا سيما بالنسبة للمتحولات الثنائية، وذلك تمييزا لها عن "المتحولات الكمية" أو "المتحولات المستمرة" والتي هي ذات صفة كمية عددية. إن الفرق بين البناءات والمتحولات أن البناءات ليست ملحوظة، بينما المتحولات حين

تعرف إجرائيا تكون ملحوظة، ولقد سميت البناءات بالمتحولات المتدخلة "Intervening varibles" وهي لا ترى ولا تسمع ولا يحس بها، وإنما تستخلص من السلوك، مثال ذلك التعلم يستخلص من روائز الإنجاز، والقلق يستخلص من ضربات القلب ... العالم حينما يستعمل مثل هذه المصطلحات ينتبه إلى أنه يتكلم عن بناءات اخترعها واستخلص واقعيتها من السلوك1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره ص60-72. وأيضا: Northrop, "The Logic of the Scinces and the humanities". New Yark Macmillan 1947.

الباب الثاني: مناهج البحث العلمي

الباب الثاني: مناهج البحث العلمي الفصل الرابع: المناهج المبحث الأول: تعريف بالمصطلحات: هناك ثلاثة مصطلحات منهجية ترد في بحوث الباحثين وهي: النهج، والمنهاج، والمنهج، لكل منها استخداما خاصا يعين في توضيح جانب أساسي هام من تصميم البحوث، فالنهج لغة الطريق المستقيم الواضح، والمنهاج هو الخطة المرسومة، والمنهج هو الطريق البين إلى الحق في أيسر سبله1 وقد وردت في القرآن الكريم {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 5/ 48] والمنهاج هنا يعني الطريق المحدد الواضح لمعرفة دين الله. وبهدف التوضيح نميز بين هذه المصطلحات بالمثال الآتي: في البحث العلمي هناك نهج فكري يتمكن الباحثون بوساطته من الكشف عن الحقائق باتباع منهاج مرسوم، يستخدم فيه أكثر من منهج علمي، وتعتمد المناهج على طرائق خاصة للتقصي لتمكن من تحقيق الهدف من البحث وفق التصميم العلمي الذي وضع له، يعين في توضيح جانب أساسي هام من تصميم البحوث. والذي أوقع المؤلفين العرب في عدم الوضوح والخلط، نقلهم مما كتب في هذا

_ 1 المعجم الوسيط 2/ 966، مادة نهج.

الموضوع باللغات الأوروبية، التي ليس فيها إلا مادة لغوية واحدة وهي "Method" التي تكتب بأشكال متقاربة في هذه اللغات على اختلافها، وذلك لأن أصل الكلمة مأخوذ من الكلمة اللاتينية "Methodus"، المأخوذة بدورها عن اليونانية، وقد استعملها أفلاطون بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة، بينما استعملها أرسطو بمعنى بحث، أما الكلمة في معناها الأصلي فتعني الطريق أو المنهج الذي يؤدي إلى الهدف المقصود، بعد التغلب على عقبات ومصاعب1، ولعدم وجود كلمة أخرى غير كلمة "Method" فقد استعملها علماء المناهج الأوروبيين، لتدل على المنهج وعلى اصطلاحي نهج ومنهاج، كما استعملوها كذلك بمعنى طريقة للبحث، وبمعنى وسيلة لجمع البيانات أيضا كأداة للوسيلة. هذا ونشير إلى أن لكلمة method"2" معاني اصطلاحية مختلفة، فهي تعني إجراء أو عملية لإحراز شيء أو لتحقيق هدف، كما تعني إجراء نظاميا تفنينيا3، وبخاصة في البحث العلمي أو أسلوبا للاستقصاء يصلح للتخصص أو فن بعينه، وتعنى أيضا خطة نظامية لعرض مادة للتعليم أو التوجيه، كما تعني أيضا فرعا من المعرفة أو الدراسة، يتناول مبادئ وتفنينيات التحقيق العلمي، وعلى من يترجم هذه الكلمة إلى اللغة العربية أن ينتقي الكلمات التي تؤدي إلى هذه المعاني المختلفة4. لقد تكونت فكرة المنهج "Method" بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه اليوم ابتداء من القرن "السابع عشر" على يد فرنسيس بيكون "Francis Bacon" "969هـ-1036هـ"، "1561م-1626م" وبورويال وجون ستيوارت ميل، وديكارت،

_ 1 عبد الرحمن البدوي. مناهج البحث العلمي. دار النهضة العربية، القاهرة، 1963 ص1، 5. 2 ارجع إلى: Webster's New Colligate Dictionary. Method. op. Cit. 3 اصطلاح وضع ترجمة لكلمة "التكنولوجيا" لأنه يؤدي المعاني المتضمنة فيها، والتي لا يدل عليها كلها الاصطلاح الشائع "التقنية" فالتقنية توحي بالإبداع والحذق ودقة الصنعة وجودتها. "حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية، ص27". 4 حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص28.

وكلود برنارد، وغيرهم من المحدثين: دور كايم، وبرتران رسل، وجون ديوي، ومن العلماء الأمريكيين المعاصرين وليم توماس وستيوارت تشابن، مورينو، وغيرهم من علماء معاصرين أيضا مرموقين بريطانيين وفرنسيين وألمانيين، وأصبح معنى اصطلاح المنهج "الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بوساطة طائفة من القوعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"1. هذا والعلم الذي يبحث في الطرق التي يستخدمها الباحثون لدراسة المشكلة والوصول إلى الحقيقة هو "علم المناهج Methodology" وأصبح هذا العلم مصطلحا يستخدم في استعمالات شتى متباينة من بينها الإشارة إلى الأساليب التي يستخدمها علم من العلوم في جميع البيانات وفي اكتساب المعرفة، على أن المعنى الأساسي الذي ظل يشير إليه المصطلح هو الدراسة التجريدية للأساس المنطقي الذي يقوم عليه العلم بالذات، وهذا الاستعمال يجعل من علم المناهج مساويا لفلسفة العلم، وفي ضوء هذا المعنى فإن المثال الكلاسيكي لعلم المناهج هو كتاب ستيوارت ميل "John Stuart Mill" المنطق "System of Logic" في "1316هـ/ 1898م" وقد نشر ميل في هذا الكتاب أساليب استقصاء الحقائق وتقدير أو تقويم البيانات أو الأدلة، كما يشتمل الكتاب أساليب استقصاء الحقائق وتقدير أو تقويم البيانات أو الأدلة، كما يشتمل الكتاب على مناقشة عدد من الموضوعات كالاستدلال والاستقراء وفكرة قانون الطبيعة وطبيعة العلية "أو السببية" والتجربة وصياغة المفاهيم والتصنيف وما شابه ذلك، وثمة مؤلف أكثر حداثة عن فلسفة العلم هو كتاب ناجل "Nagel. E" المسمى بناء العلم "The structure of Science" صدر في عام "1381هـ/ 1961م". لقد ثارت مشكلة تتعلق بتكوين "علم المناهج" ذاته، وذلك بالنسبة لنصيب العالم المتخصص ونصيب الفيلسوف من هذا التكوين، هل الفيلسوف أم العالم هو الذي يضع القواعد للمناهج العلمية؟ وفي الواقع فإن كلا من الأسلوب الاستقرائي

_ 1 عبد الرحمن البدوي. مناهج البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص5.

"Induction" الذي يتبعه العلماء التجريبيون عادة يكمل الأسلوب القياسي، أو المنطقي الذي يميل إليه الفلاسفة، فطريقهما واحد متكامل1. أشرنا سابقا إلى وجوب اهتمام الجامعات بتربية الكوادر العلمية، ومن هنا أصبحت دراسة مناهج البحث جزءا لا يتجزأ من تربيتهم وبرامج دراستهم، إن أول ما يستهدف إليه الإلمام بمناهج البحث هو مساعدة الدارس على تنمية قدراته على فهم أنواع البحوث والإلمام بالمفاهيم والأسس والأساليب التي يقوم عليها البحث العلمي، ومثل هذه الدراسة لا غنى عنها لطالب الدراسات العليا، بخاصة أنها تساعده على الاختيار السليم لمشكلة معينة لبحثه وتحديدها، وصياغة فروضها واختيار وتحديد النسب والأساليب لدراستها، والتوصل إلى نتائج يوثق بصحتها، وبعبارة أخرى فإن مثل هذه الدراسة تزوده بالمعرفة، والمهارات التي تجعله أكثر قدرة على تصميم خطة بحثه، وحسن تنفيذها وفق منهج البحث العلمي. كذلك فإن دراسة مناهج البحث تزود الدارس بالخبرات التي تمكنه من القراءة التحليلية النافذة للبحوث وملخصاتها وتقويم نتائجها، أو الحكم على ما إذا كانت الأساليب المستخدمة في هذه البحوث تدفع إلى الثقة بنتائجها ومعدل الاستفادة منها في مجالات التطبيق والعمل، ويزيد من أهمية هذه الوظيفة أن التقدم العلمي في وقتنا الحاضر جعلنا مستهلكين لنتائج البحوث العلمية في عديد من مجالات حياتنا، إن لم يكن في جميع هذه المجالات، ويؤكد هذا أن دراسة مناهج البحث ضرورة لا غنى عنها للباحثين المشتغلين في مجالات البحث العلمي. ومن ناحية أخرى، فإن الخبرة التي توفرها هذه الدراسة، يحتاج إليها المشتغلون في مهن وأعمال أخرى غير البحث العلمي، فهي ضرورية للعالم والمهندس والطبيب والإداري وغيرهم، تساعدهم على تحقيق فهمٍ أفضل، وتقويم لنتائج بحوثهم العلمية، كما أنها تزيد من قدراتهم على اتخاذ القرارات الحكيمة، إزاء المشكلات والصعوبات التي تواجههم في مجالات عملهم، وسوف نأتي في موضع آخر على المناهج الرئيسية المستخدمة.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره ص32. ارجع أيضا إلى: Bernard. Claude, Introduction al, etude dela Medcie, Ex perimentale de la methode dans les sciences" 2 series, 1920

المبحث الثاني: الخلفية التاريخية لمناهج البحث العلمي

المبحث الثاني: الخلفية التاريخية لمناهج البحث العلمي إن تتبع مناهج البحث العلمي من القديم إلى الحديث يجعلنا نقول: إن أول من وضع البحث العلمي وطرق الاستدلال فيه والاستنباط هو أرسطو، وقد سمى منهجه باسم المنطق، إلا أن الطابع التأملي كان غالبا على تفكيره1، وقد تحدث فيه عن الكليات الخمس المعروفة: الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض، ومنها تتألف الحدود والتعاريف، وقد لعبت دورا كبيرا في جميع العلوم عند العرب، وإن أصبح العصر الحديث لا يعنى بها، لأنها كثيرا ما تكون مضللة، وخير منها التقسيم الذي يقوم على تحليل ما يراد تعريفه إلى عناصره وجزئياته وأفراده وأصنافه، وأهم من الكليات في منطق أرسطو اهتداؤه في الاستدلال إلى أنه يتألف من قضايا، فهي الوحدات التي يتخلل إليها، وينبغي أن ندرس أشكال وضروب تركيبها، من موجبة كلية وموجبة جزئية، وسالبة كلية وسالبة جزئية، ومن هذه القضايا تتكون مقدمة القياس، بحيث إذا كانت صادقة كان صادقا، وإذا كانت فاسدة فسد بفسادها2، فإذا قلنا: فلان إنسان وكل إنسان ناطق، تولد من القضية أو ترتب عليهما أن فلانا ناطقا. اهتم العرب بمنطق أرسطو، أخذوا يترجمونه أولا ثم مضوا يشرحونه ويلخصونه في مصنفات كثيرة، واستلهموا هذا المنطق في وضع علومهم، واهتدى علماؤهم إلى أن القياس الأرسطي قياس رياضي، فهو يبدأ من العام الكلي ويطلبه في المفردات الجزئية.

_ 1 le blono, j. "logique et methode chezaristoth". paris, 1939. pp. 120-146. 2 شوقي ضيف: البحث الأدبي، دار المعارف القاهرة 1972. ص79-80.

وقد تطرد صحته تلك في الرياضيات، أما في العلوم الطبيعية والإنسانية فلا بد من الانتقال العكسي، أي من الأفراد والمفردات إلى الكلي العام، حتى يكون القياس سديدا، وكان لذلك أثره البعيد في العلوم العربية، إذ عد الاستقراء والملاحظة أصلين أساسيين فيها، وضمت إليها العلوم الطبيعية والتجريبية، وبذلك أمكن للعلوم العربية أن تنهض نهضتها العظيمة في كل مجال، وهي نهضة أعدت لازدهار علوم الطب والصيدلة بفضل التجارب الكثيرة التي كان يجريها الصيادلة والأطباء، وقل ذلك نفسه في الكيمياء والفلك، ومراصده الضخمة، وحتى في البحوث الأدبية كان أهم بحث أدبي عند العرب يتضح فيه تأثير المنطق الأرسطي والتأثر بمنهجه في كتاب "البرهان في وجوه البيان" لابن وهب الذي نشر خطأ باسم "نقد النثر" ونسب إلى قدامة1. وعلى هذا النحو كان العرب يستضيئون بمنطق أرسطو حتى في بحوثهم الأدبية، مع محاولات خصبة للعناية بالجزئيات والمفردات واكتمال الاستقراء وصحة الاستنباط، واتسعوا في الملاحظات سعة شديدة، وهي تقابل في البحوث الأدبية والتجارب في البحوث العلمية عندهم، وظلوا مع ذلك يحتكمون إلى المنطق الأرسطي، مكثرين من القواعد والضوابط والأقيسة، وهم في كل ذلك يختلفون عن علماء العصور الوسطى الغربيين، ولا ريب في أنهم أخذوا يتعرفون بوضوح على العلم العربي في نهاية تلك العصور، فعرضوا بدقة ما تنادى به علماء العرب ومفكروهم من العناية بالاستقراء الكامل والملاحظة والتجربة، وعلى قبس أو أقباس من هذه المعرفة أخذ روجر بيكون "الفيلسوف الإنكليزي" "611-694هـ/ 1214-1294م" وليونارد دي فينشي "856-921هـ/ 1452-1515م" وغيرهما، ممن طالبوا باستخدام الملاحظة والتجريب وأدوات القياس للوصول إلى الحقائق، وعارضوا منهج أرسطو في القياس المنطقي.

_ 1 نرى مؤلفه يعقد فصلا للقياس، وفي البيان الثاني يعرض للسفسطة، متأثرا بحديث أرسطو، وفي البيان الثالث الخاص بالعبارة فيتسع بالحديث عن الجدل، ويفرد للتناقض حديثا خاصا متأثرا بالمنطق الأرسطي مع ما أضاف إليه من بحوث المتكلمين والفقهاء ومواصفاتهم ومقالات الفلاسفة الإسلاميين وأفكارهم "المرجع السابق: 80-81".

ولا بد من الإشارة إلى أنه بالرغم من مطالبة هؤلاء المفكرين تبني الطريقة العلمية، إلا أنهم لم يستخدموا فعلا هذه الطريقة إلا في حدود ضيقة، كما ينبغي أيضا أن نشير إلى أنه رغم التحرر التدريجي من سلطان الكنيسة ورجال الدين، إلا أن هذه السلطة كانت ما تزال لها فعاليتها، ومثال على ذلك موقف السلطات الدينية من العالم كوبرنيكوس1 "Copernicus" عام "878-950هـ/ 1473-1543م" لقوله بدوران الأرض حول الشمس، كما أحرقت الكنيسة في روما عام "1600م" عالما إيطاليا "جيودا نوبرونو" لإصراره على أن الأرض تدور حول الشمس2. أتى فرنسيس بيكون لبعث الحياة في فكرة روجر بيكون3، وقال بالاستقراء الكامل وبالتجارب وجمع الأمثلة الكلية التي تنقض القانون العام، والتجارب وحدها لا تكفي، فلا بد من الاستنباط والنشاط العقلي، وكان المنهج الصحيح عنده هو الذي يجمع بين التجربة والطريقة القياسية، أو بعبارة أدق هو الذي جمع بين الاستقراء الدائم على التجارب وبين القياس العقلي المحكم، أو قل هو الاستقراء المصبوب في قالب عقلي وطيد، وبذلك كله يعتبرون فرنسيس بيكون مؤسس المنطق الحديث، وفاتحة عصر جديد في البحث العلمي4، ومؤلفه الأداة الجديدة للعلوم "Novum organ om Scientiarum" يفصل بين قواعد المنهج التجريبي وخطواته. إن جوهر العمل الذي قام به بيكون لم يكن علما بقدر ما كان في مجال العلاقات الاجتماعية للعلم، وقد أشار إلى ضرورة إخضاع العلم بكلياته وجزئياته للملاحظة العلمية، كما قام بتصنيف الأخطاء الشائعة التي تعوق البحث العلمي: 1- أخطاء تعود إلى ضعف العقل الإنساني.

_ 1 أحمد بدر: أصول البحث العلمي. مرجع سابق ذكره ص80. 2 البنديت جواهر لال نهرو. لمحات من تاريخ العالم. مرجع سبق ذكره، ص57-59. 3 أول كتاب وضعه كتاب تقدم العلم "The Advanement of learning" وهو الكتاب الوحيد الذي وضعه بالإنكليزية وسائر كتبه باللغة اللاتينية. 4 شوقي ضيف: البحث الأدبي ط7، مرجع سبق ذكره ص83.

2- أخطاء تعود إلى اللغة التي يتعامل بها الفرد مع أقرانه. 3 - أخطاء تعود إلى اعتماد الفرد على أهل الثقة. أما بالنسبة إلى خطوات المنهج التجريبي، فقد أوضح بيكون أن على الباحث أن يجمع الحقائق التي تعتبر أساس المنهج الاستقرائي ومادته، كما بين مراحل البحث: الأولى مرحلة التجريب، والثانية مرحلة اللوحات "3 لوحات" أو تسجيل التجربة، والخطوة التالية هي مقارنة ما تم تسجيله في اللوحات الثلاث "الحضور، الغياب، تفاوت الدرجات" لاستخلاص الخصائص الظاهرة موضع الدراسة، ثم يقوم بالتحقيق من النتائج لإثبات مدى صحتها أو خطئها، والنتائج الأولى هي فروض عملية، لا بد من اختبارها حتى يتأكد الباحث من صحتها، لتصبح قاعدة أو قانونا. وباختصار فقد وضع بيكون مجرد مبادئ وملاحظات، اهتدى بها من جاء بعده من الباحثين مثل جون ستيوارت ميلن وكلود برنارد اللذين نضج على أيديهما المنهج التجريبي وثبتت دعائمه. جاء بعد بيكون الفيلسوف الفرنسي ديكارت "1005-1060هـ/ 1596-1650م" ورأى أن يضع للعلوم كلها رياضية وطبيعية منهجا واحدا صوره في مبحثه "مقال في المنهج" وقد هاجم المنطق الأرسطي لعدم أخذه بالشك، وهاجم فرنسيس بيكون لأنه اعتمد التجربة والمشاهدة الحسية في استنباط القوانين الطبيعية، ونفذ من ذلك إلى منهجه الجديد، وهو منهج يعتمد على البراهين الرياضية، ووضع مكان قواعد المنطق الأرسطي القديم شديد التعقيد أربع قواعد هي: قاعدة اليقين: قاعدة التحليل، قاعدة التركيب، قاعدة الاستقراء. وقد اتفق جميع من أتى بعد بيكون وديكارت على أن المنطق الأرسطي انتهى زمنه، وأنه ينبغي أن يحل محله المنهج العلمي، الذي ينبغي أن يعتمد على دراسة الظاهرات ورصدها مع الجمع بين التفكير النظري وبين الملاحظة والتجربة كلما سنحت الفرصة،

أو سمحت الظاهرات الطبيعية باستخدامها، وهو بذلك منهج يجمع بين قوانين العلوم الرياضية وقوانين العلوم الطبيعية التجريبية، ويقدرهما جميعا، وأيضا فإنه يقدر العلوم الإنسانية كعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد السياسي1، وحسبه أن يسجل الأسس التي تقوم عليها الأصول المختلفة التي تسود فيها، فلكل علم طبيعته ومن الصعب أن يوضع لكل العلوم قوانين عامة مطلقة على نحو ما حاول أرسطو قديما في منطقه. ولعل مسيرة البحث العلمي الكبرى بخاصة في العلوم الطبيعية، يمكن أن تعود إلى التجارب التي أجراها جاليلو في الفيزياء "Calileo, S. Experimental work" وذلك في أوائل القرن "السابع عشر" ويدعي الغربيون أن هذا العصر تتوج باكتشاف اللوغاريتم على يد نابيير2 عام "1023هـ/ 1614م" وهناك بحوث هارفي "Harvey" على الدورة الدموية3، واستخدام الرموز العشرية على يد بريجز4 "Briggs" عام "1026هـ/ 1617م".

_ 1 درج الباحثون العلميون على تقسيم العلوم إلى علوم طبيعية وعلوم اجتماعية، فالعلوم الطبيعية أو العلوم الدقيقة على سبيل المثال: علم الكيمياء، وعلم طبقات الأرض، وعلم الطبيعة، وعلم الفلك، وعلم النبات، وعلم الحيوان، أما العلوم الاجتماعية فقد شاع حصرها في أربعة علوم رئيسة وهي: علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الإنسان الاجتماعي والثقافي، وعلم السياسة، وهناك علوم سموها بالعلوم الإنسانية، وعلى رأسها علم التاريخ، الجغرافية، الاقتصاد، واللغة، ولبعض هذه العلوم فروع يرى المختصون فيها عدها مع العلوم الطبيعية: كعلم الإنسان الجسدي "وضعت هذه التسمية بدلا من "الأنتربولوجية الفيزيقية" وهي تسمية معربة وقد شاعت ترجمتها بعلم الإنسان أو الإنسانية" والجغرافية الطبيعية، كذلك هناك فروع يرى المتخصصون فيها أنها تنتمي إلى العلوم الاجتماعية كالجغرافية البشرية والسياسية والاقتصادية وجغرافية الشعوب التي تتشابه مع علم وصف الشعوب كالتاريخ الاجتماعي وفلسفة التاريخ اللذين كثيرا ما اختلطا بعلم الاجتماع النظري. حسن الساعاتي: مرجع سبق ذكره ص12. 2 إن من بلور فكرة اللوغاريتمات هو ابن حمزة المغربي من علماء القرن "العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي"، وأتى نابيير فطور فكرة المغربي، ثم ادعى اكتشاف علم اللوغاريتمات، وأدخل عليها هنري برجز الإنكليزي الأصل "1561-1631م" بعض التعديلات على جداول نابيير، فكانت أول الجداول التي ظهرت للنور عام 1033هـ/ 1624م". علي عبد الله الدفاع: روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم، ط1، مرجع سبق ذكره ص74. 3 سبقه ابن النفيس "607-686هـ/ 1210-1288م" إلى ذلك فقد قال بالدورة الدموية قبل سرفيتوس بـ "250" عاما، ونذكر في هذا الشأن علي بن العباس، وأبا القاسم المشهور بالزهراوي. 4 سبقه إلى ذلك الأزدي "731هـ/ 1321م" والكاشي "ت 829هـ/ 1425م" المرجع السابق ص58.

تطور الأسلوب العلمي تدريجيا، ومن أبرز الأسماء في تاريخ العلم في إنجلترا: إسحاق نيوتن الذي عاش بين "1502-1140هـ/ 1642-1727م" ونال شهرة عظيمة، وبدأت الروح العلمية تتغلب على عقيدة الكنيسة، بخاصة في إنكلترا وفرنسة، وبعد ذلك في ألمانية وأمريكا. ساد في القرن "الثامن عشر" في أوروبا النظرية العقلية بين الطبقات المتعلمة، وظهر فيه فولتير وروسو وكثير من العظماء والكتاب الفرنسيين الذين كتبوا في كل المواضيع، وأحدثوا ثورة في العقل البشري، وقد سايرت هذه النظرة العقلية النظرة العلمية. وكان القرن "التاسع عشر" عصر العلم، فقد كان الفضل في قيام الثورة الصناعية والتطور الصناعي والتطور الصناعي والتطور السريع على وسائل النقل راجعا إلى العلم ... وفي عام "1276هـ/ 1859م" نشر كتاب في إنكلترا، قام على أثر نزاع بين عقيدة الكنيسة والنظرة العلمية، ذلك الكتاب هو "أصل الأنواع لمؤلفه شارلس داروين" لم يكن من أعاظم العلماء كما لم يكن قوله جديدا كليا ... وقد سجل طفرة علمية وأوجد اهتماما كبيرا ... وبعد بضع سنوات نشر كتابا آخر بعنوان "أصل الإنسان" طبق فيه نظرياته السابقة على الإنسان ... وأرى بهذه المناسبة أن أسوق بعض ما كتبه في الموضوع أحد الفلاسفة الصينيين قبل حوالي "2500" عام، وهو "تسوني تي" الذي كتب في القرن "السادس عشر قبل الميلاد" أي "عصر بوذا" ... وهو استنتاج قريب من نظرية داروين، مما يجعلنا ندهش من وصول عالم بيولوجي صيني إلى ما احتاج العالم لألفين وخمسمائة عام للحاق به. وكلما تقدم القرن "التاسع عشر" زاد التطور الحاصل في المجتمع ... وما زال العلم في زحفه يزداد تسارعه ولا يعرف الكلل ... واليوم ينغمس عدد كبير من العلماء والخبراء في خضم العلم الواسع، وعلى رأس هؤلاء ألبرت أينشتاين الذي نجح إلى درجة ما في تعديل نظرية نيوتن، ... وقد أذهلت الإضافات والتعديلات في النظرية العلمية، أذهلت العلماء أنفسهم، ولكن التطور الأخير كان من حظ "القرن العشرين"1.

_ 1 البنديت جواهر لال نهرو. لمحات من تاريخ العالم. مرجع سبق ذكره، ص144-151.

المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث العربي الإسلامي

المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث العربي الإسلامي ... المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث 1 العربي الإسلامي اعتاد الكتاب الغربيون أن يرموا الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر غيبي، ينقصه الالتزام بالمنهج العلمي1، وقد طال الجدل حول هذا الموضوع، فنسب الغربيون غير المنصفين المنهج العلمي الحقيقي إلى فرنسيس بيكون وديكارت في القرن "السابع عشر الميلادي" وجون ستيوارت ميل في القرن "التاسع عشر الملادي"، في حين أن الدراسات المنصفة انتهت إلى نتيجة مفادها أن تفكير العرب العلمي يعتبر أساسا لهذا المنهج، ولا يختلف كثيرا عن المنهج العلمي الحديث. تميز الإسلام منذ انطلاقته بمبادئ الأولى منها التوحيد، وتبين للمستشرقين2 بخاصة الأهمية البالغة لإبعاد هذه الرؤية الإسلامية للإله الواحد، ويتداخل مع موضوع التوحيد موضوع آخر هو الخطاب العقلاني، حيث يستخدم البرهان الذي أفاد منه الفلاسفة الإسلاميون، لقد جعل القرآن العقل أداة أولية في حياة الإنسان، ودعا إلى استخدامه في البحث عن الكون كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 2/ 164] . ونرى من خلال آياته أن العلم هو الحق اليقيني الثابت بالحجة القاطعة: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 10/ 36] وهو الطريق العلمي السليم في بحث أسرار الطبيعة

_ 1 التراث لغة هو ما ورث أو ما يخلفه الإنسان لورثته، والتراث اصطلاحا هو ما خلفه لنا الأجيال السابقة من آثار فكرية مسجلة على الألواح أو أوراق البردي، أو مدونة في بطون الكتب التي خطتها أيديهم قبل أن تعرف الطباعة. 2 انظر فرانز روزنتال: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، مرجع سبق ذكره. 3 ارجع إلى كتاب المستشرق جب "Gibb": H. A. R. Gibb. Mohmmad Anism, Anhistorical second Oxfard Univ, Press new york, 1962. p 54.

بأسلوب قائم على البرهان التجريبي، وليس على التخمين والظن ويبني القرآن الكريم العلم على المنطق الأساسي في قانونين أساسيين: 1- ثبوت الفطرة واستقلالها: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 35/ 43] . 2- لا تناقض مطلقا بين الحقائق: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 67/ 3] كما يؤكد المشاهدة الصحيحة كإحدى وسائل البحث في العلوم الطبيعية {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 10/ 101] وتتجمع أصول النظر العلمي السليم والمنهج الاستقرائي التجريبي في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 17/ 36] . لقد أكد الإسلام على استخدام المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية والبحث عن كيفية تركيب الأشياء في هذا الكون، كما في قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 88/ 17-20] فكلمة كيف تعبر عن روح العلم ومنهجه كله، كما أشار القرآن الكريم إلى عدم التوقف في البحث عند محصولات الخيال، إلا أنه لا بد من أن يأتي يوم يظهر فيه اليقين كما في قوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 38/ 88] . لقد حض الإسلام على التقدم المستمر: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 20/ 114] وأن يكون العلم نافعا وقد ورد في الحديث الشريف: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع ومن نفس لا تشبع ومن علم لا ينفع" 1 وهذه إشارة إلى تكريس العلم واستخدامه في خدمة الإنسان ولصالحه وليس للقضاء عليه. كتب ابن المعتز "ت 296هـ/ 908م" في سنة "274-275هـ/ 887-888م" "كتاب

_ 1 رواه أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه "كنز".

البديع" وهو فيه على وعي تام بأنه أول من قام بدراسة نظامية لفنون الشعر، وعبر عن أمله في أن يكشف غيره أنواعا أخرى، وبذلك يزيدون عمله تحسينا، وبذا يكون ابن المعتز أول مسلم يفكر في العلم بوصفه واجبا، لا بد من مواصلته للتمكن منه باطراد بوساطة تعاون أجيال متعاقبة من العلماء، أما السكاكي "ت 627هـ/ 1229م" فقد جنح أصلا إلى العلم لما شهده من التشريف الذي كان يحظى به العلماء الكبار، كيف دعم أركان تقليد شريف عندما عاد بعد عرض وجهة نظره في مسألة بيانية ملخص وجهة نظر خصومه وترك للقارئ الحكم1. كانت الاتجاهات السائدة في المجتمع الإسلامي تحبذ أن يكون العالم نموذجا معياريا للأخلاق والأنشطة البشرية، ولقد يلوح أن رجل العلم كان يظن فيه في البداية الإحاطة بكل شيء تقريبا، ونظرا لعدم وجود معايير معترف بها مسلمة فيما يجوز تصديقه عقلا، كان من العسير الفصل بين الإدراك المتولد من العلم ومثيله الذي يجيء عن طريق الإلهام "Inspiration" ونستخلص من التراث العربي ما يلفت النظر في النزعة الكريمة لدى العلماء الأوائل الذين واجهوا بشجاعة أهل الجمهور فيهم باعترافهم بقلة ما لديهم من معلومات مما ذكره السيوطي "ت 911هـ/ 1505م" في فصل ثم يتبع فصلا عقده في ذكر "من سُئل من علماء العربية عن شيء فقال: لا أدري، بفصل آخر سجل فيه أسماء من سُئل عن شيء فلم يعرفه فسأل من هو أعلم منه، ثم يذكر كذلك عددا من الأعلام الثقات الذين جرءوا على الرجوع عن رأيهم بعد طول البحث"2، وقد صاغ المبرد "ت 306هـ/ 898م" مبدءا يبرر فيه اعتراف الإنسان بخطئه فيقول: "إنه يمحو الذنب الذي قد يترتب على الوقوع في الأخطاء ونشرها بين الناس". لقد سما العصر العظيم الزاهر للحضارة العربية الإسلامية بالعلماء، واستطاع أن يقيم للعالم مثلا أعلى ساميا حقا3، "ويأبي العلم أن يضع كنفه أو يختفي جناحه أو يسفر

_ 1 مفتاح العلوم. القاهرة غير مؤرخ "قرابة 1898" ص212-213. 2 المزهر 2/ 163-166. 3 غوستاف جرونيباوم. حضارة الإسلام، مرجع سابق ذكره، ص309.

عن وجه إلا لمتجرد له بكليته، ومتوفر عليه بأينيته، مكان بالقريحة الثابتة والرؤية الصافية، معترفا به التأييد والتسديد، قد شمر ذيله وأسهر ليله، حليف النصب، ضجيع التعب، يأخذ مأخذه متدرجا يتلقاه متطرفا، لا يظلم العلم بالتعسف والاقتحام، ولا يخبط منه خبط عشواء في الظلام، ومع هجران عادة الشر، والنزوح عن نزاع الطبع ومجانبة الألف، ونبذ المحاكلة واللجاجة وإحالة الرأي عن غموض الحق والتأتي بلطف المآتي، وتوفيته النظر حقه من التمييز بين المشتبه والمتضح والتفريق بين التمويه والتحقيق، والوقوف عند مبلغ العقول"1. ويأمل المقدسي "ت 390هـ/ 999م" أن يقدم موضوعه منحطا عن درجة الغلو، خارجا عن حد التقصير، مهذبا من شوائب التزيد، معفى عن إسقاط الغسالات، وخرافات العجائز وتزاوير القصاص فموضوعات المهتمين المحدثين2. وبهذه الروح يستهدي المقدسي3 في مقدمة كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" وقد كتبه في سنة "377هـ/ 987م" في حين يرى أن يسترشد أولا بالملاحظة الشخصية ثم بالكتب والمراجع وأخيرا فالبحث لا التأمل، والنظر هو الذي يحصل به المرء على العلم الدقيق بالعالم، وما أكثر الرسائل التي يستخدمها في الأسفار وجمع المعلومات4. ومن قبله اليعقوبي "ت 284هـ/ 897م" بنفس ذلك الدافع الذي لا مرد إلى جمع المعلومات البكر التي لم يسبقه إليها إنسان، كان يسأل ويستكمل ذلك بالأسفار5.

_ 1 المطهر بن طاهر المقدسي. كتاب البدء والتاريخ. ترجمة ونشره س. هورات، باريس "1899-1919" جـ1 ص4-5. 2 المرجع السابق 1/ 5-6. 3 معظم المؤرخين يذكرون أنه توفي سنة "381هـ/ 991م". 4 انظر أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص43-45. 5 كتاب "البلدان" نشره م. ج ديغويه "ليدن 1892" ص232 -233 ويناقش كارادي فو منهج اليعقوبي ومواهبه: Penseurs. "Del' Islam" Paris 1921. pp. 4-7.

وهذا هو الحسن بن الهيثم يعترف بأن الدراسة والبحث هما عمله في الحياة، وأنه ليتفق مع جالينوس في اعتبار الصدق أمرا لا ينال إلا بالجهد العلمي، وقد نبه في مقدمة كتابه "الشكوك على بطليموس" إلى أن حسن الظن بالعلماء السابقين مغروس في طبائع البشر، وأنه كثيرا ما يقود الباحث إلى الضلال، وطالب الحق عنده ليس من يستقي حقائقه من المتقدمين، بل عليه أن يشك في إعجابه بهم، ويتوصل إلى حقائق الأمور، ورغم أنه يقر في كتابه أن بطليموس رجل يشار إليه في العلوم الحقيقية ولكن وجد فيه مواضع شبهة وألفاظا بشعة ومعاني متناقضة، وهذا أوضح من التعليق. ورغم حماسة العرب في نقل تراث الأوائل إلى لغتهم، فإن ذلك لا يمنع العقل العربي من أن يكون حرا في نقد الآثار التي تستهويه وتمحيص حقائقها والكشف عما يحتمل أن تتضمنه من زيف وبطلان مستعينا بالملاحظة والمعاينة1. قال ابن الهيثم في كتابه "المناظر": بأن مراحل المنهج التجريبي تبدأ بملاحظة الظاهرات الجزئية الحسية وتحديد صفاتها وخصائصها، ثم يندرج في بحثه مع التمحيص والحذر من الوقوع في الخطأ حتى يبلغ اليقين، يقول ابن الهيثم: "يبدأ البحث باستقراء الموجودات وتصفح أحوال المبصرات، وتميز خواص الجزئيات ويلتقط باستقرائها ما يخص المبصر في حالة الإبصار وما هو مطرد لا يتغير، وظاهر لا يشتبه في كيفية الإحساس، ثم أرقى في البحث والمقاييس على التدرج والتدريب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في الغلط في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نجيزه وننقده طلب الحق الذي به تثلج الصدور ونصل بالتدرج واللطف إلى الغاية التي عندها يقع اليقين، وتظهر مع النقد والتحفظ التي يزول معها الخلاف وتنسجم به مواد الشبهات" فهو بهذا لا يختلف عن ديكارت رغم وجود فارق زمن بينهما يصل إلى حوالي "ستة قرون".

_ 1 انظر: أنيس فريجة: مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي "ترجمة" بيروت 1961.

وهكذا فإن مبدأ الشك لم يكن بدعة نادى بها ديكارت، فقد سبقه إلى ذلك كثير من المفكرين العرب، وأوجبوا على الباحث منذ البداية بحثه أن يطهر عقله من كل ما يحويه من أفكار حول موضوعه، خشية أن يتلف بحثه وتوجهه إلى غير ما يقتضيه منهجه وتوصلوا إلى ذلك بالشك. يقول إبراهيم النظام: "لم يكن يقين قط حتى صار فيه شك، ولم ينتقل أحد من اعتقاد حتى يكون بينهما حال شك، لأن كل يقين في المعرفة مسبوق بشك يستهدف التمحيص ويمهد لليقين". قام علم الفلك عند العرب على التجربة، معتمدا على الملاحظة الحسية وآلات الرصد لتعليل حركات الأجرام السماوية وتفسير الظاهرات الفلكية، لقد ترجم العرب كتاب بطليموس1 "النظام الرياضي للنجوم Mathematic Syntaxis" وسموه المجسطي "Al-magistic" "أي الأعظم" ورغم أن كتابه بالغ الأثر في العرب، إلا أن علماء العرب كشفوا في ضوء دراساتهم التجريبية عن الكثير من أخطائه، لهذا قيل: إنه كان عندهم نقطة انطلاق في تفكيرهم العلمي فيما لاحظ ول ديورانت "W. Durant". نذكر في هذا المجال أبناء أحمد بن موسى بن شاكر "ت 259هـ/ 872م" الذين تحققوا من مقياس الكرة الأرضية، وقد علق المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نلليو "Nallino" عام "1938م" ويعد حجة في عالم الفلك بقوله: "وهو كما لا يخفى قريب من الحقيقة" "مقياس محيط الأرض" دال على ما كان للعرب من باع طويل في الأرصاد وعلم المساحة ... وقياس العرب أول قياس حقيقي أجري ولا بد لنا من إعداد ذلك القياس من أعمال العرب الفلكية المجيدة المأثورة.

_ 1 جاء في كتاب دائرة المعارف الفلكية، وقد رفض نظرية معاصره أوسطارخوس "Aristarqus" في دوران الأرض حول الشمس، وهي النظرية التي قال بها العرب كما اعتمدها العلم الحديث.

إن التجربة في التصور العلمي الحديث هي ملاحظة مستثارة، يتدخل أثناءها الباحث في تغيير الظروف التي يدرس فيها ظاهرته، وقد فطن العرب إلى التجربة قبل المحدثين من الغربيين بمئات السنين، وقد سماها "جابر بن حيان ت 198هـ/ 813م التدريب"، وكان ابن الهيثم يزاول التجربة العلمية مكملة للملاحظة الحسية وسماها "الاعتبار"، وقد نقل عنه روجر بيكون "Roger Bacon" في دراسته للبصريات، ورغم أن الكشف العلمي "الخزانة المظلمة ذات الثقب" في أوروبا يعود إلى القرن "السادس عشر" فإن ابن الهيثم قد ذكر في بحوثه كثيرا عبارة البيوت المظلمة ذات الثقب1. كان مسلمة بن أحمد المجريطي "ت 397هـ/ 1006م" يوجب على المشتغل بالكيمياء أن يدرب يديه على التجارب وبصره على ملاحظة المواد الكيماوية وعقله على مزاولة التفكير فيها، وقد مهدت تجاربه ووصوله إلى قانون حفظ المادة، مهدت لبحوث كيميائية قام بها لافوازييه "Lavoisier" وبريستلي "Priestly" في هذا المجال. لقد بدأ تمحيص التجربة العلمية والحرص على بيان العامل المؤثر، وتحديد القواعد التي تلزم مراعاتها في نص أورده ابن سينا "ت 428هـ/ 1036م" في الفصل الثاني من كتاب "القانون"، ومنه نستنتج أن ابن سينا لا يقنع باستخدام التجربة وإنما يحرص على تحديد قواعدها، وبين ما قاله ابن سينا في القانون وما قاله جون ستيوارت ميل "1290هـ/ 1873م" في كتابه "System of Logic" عن قواعد التثبت من صحة الفروض وخطئها صلة وثيقة. إن ما ساعد العرب على الدقة في البحث استعمالهم الأدوات والأجهزة، كان بعضها اختراعا عربيا، وبعضها مقتبسا عن أسلافهم، والمعروف أن ابن الهيثم منشئ علم الضوء قد استعان بالكثير من الآلات في دراساته، وكاد يخترع العدسة المكبرة، فاستعان

_ 1 ارجع في هذا الشأن إلى: مصطفى نظيف. الحسن بن الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية، جامعة القاهرة 1943، 1/ 180.

به بعد نحو ثلاثة قرون روجر بيكون وغيره ممن اخترعوا المجهار "الميكرسكوب" والمقراب "التلسكوب" فيما لاحظ مؤرخ الحضارات ول ديورانت. لقد أشار الرازي في كتابه "سر الأسرار" إلى الآلات التي تستخدم لتحضير العقاقير، وقد نشر يوليوس روسكا "Ruska" في عام "1937م" ترجمة لهذا الكتاب يتضمن القول: إن الكيمياء بدأت علما تجريبيا في هذا الكتاب، ومن أجل هذا كان خليقا بأن يكون منشئ علم الكيمياء قبل لافوازييه "Lavoisier" بنحو تسعة قرون من الزمان، وقد سبق جابر بن حيان إلى جعل الميزان أساسا للتجريب، ففطن إلى التفرقة بين الكيفيات والكميات، وبهذا حقق للدراسات الكيميائية خاصة من أهم خصائص العلم تحقيقا للدقة والضبط. وفي الطب استخدم جراحو العرب مئات الآلات في التشريح وإجراء الجراحات، ومن ذلك أكبر جراحي العصور الوسطى أبو القاسم الزهراوي "ت414هـ/ 1013م" صاحب "التصريف لمن عجز عن التأليف" وقد عولت الجامعات الأوروبية على كتابه حتى مطلع العصر الحديث، منذ أن ترجم الجزء الجراحي"جيرار كريموني" إلى اللاتينية، فكان مرجعا في جامعتي سالرنو ومونبلييه وغيرهما، ومنذ عصره كان أقرانه ممن يزاولون الجراحة في إسبانيا يمنحون لقب طبيب جراح "Medeican-Surgeon" بينما كان قرينهم في جامعة باريس أو لندن أو أدنبره يمنح لقب حلاق جراح "Barber-Surgeon". أما استخدام العرب لآلات وأجهزة علم الفلك فقد كان أوضح من هذا كله، إن أهم ما في الفلك أرصاده التي تستخدم لمعرفة حركة الأجرام السماوية، وقد بدأت الأرصاد المنظمة في مطلع القرن "التاسع" وكان أول مرصد عرف في تاريخ الفلك قد أنشئ في الإسكندرية في عصر بطليموس، وظل وحيدا حتى أنشأ العرب مراصدهم في بغداد ودمشق والقاهرة ومراغة وسمرقند وغيرها، والآلات التي استخدموها في هذه

المراصد كثيرة منها "الأسطرلاب Astrolabe" وكان أنواعا، وكان أول مسلم صنع الأسطرلاب هو إبراهيم بن حبيب الفزاري "ت 189هـ/ 804م" تقريبا، وأقدم رسالة في الأسطرلاب هي رسالة "علي بن يحيى" الذي سمي بأسطرلابي، وكان أول من استخدم هذه الآلات وأفاض في وصفها إبراهيم بن يحيى النقاش القرطبي، المعروف باسم الزرقالي "ت 414هـ/ 1013م". يذكر أنور عبد العليم في كتاب "أضواء على قاع البحر" "1961م" أن العرب قد حسنوا آلتين هامتين من أدوات الملاحة كان لهما الفضل الأكبر في كشوفات فاسكو دي غاما وكولومبوس وماجلان من بعد آلة رصد النجوم "الأسطرلاب"، والأخرى هي "البوصلة البحرية" المعروفة "ببيت الإبرة"، توصل إليها العرب في القرن "الحادي عشر"، والمعتقد أن الإدريسي قد استخدم البوصلة، وقد ساعدت على نشأة علم الجغرافية علما عمليا يستند إلى حقائق تستقي من المشاهدة والخبرة. وممن نذكر فضلهم في تطوير علوم البحار عامة والملاحة بخاصة، وابتكارهم لعدد من آلات البحر الضرورية للملاحة في ذلك الوقت سليمان التاجر، ابن ماجد، سليمان المهري، ورسالة سليمان التاجر الخطية سنة "237هـ/ 851م" موجودة في المكتبة الأهلية بباريس تحت اسم "رحلة التاجر سليمان" أضاف إليها الكاتب العربي أبو زيد حسن السيرافي1 بعض المعلومات عن الهند والصين، وعن علاقة العرب بهذين البلدين خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، كما ترك ابن ماجد النجدي، مؤلفات قيمة محفوظة في المكتبة الأهلية بباريس تحت رقم "2292، 2559" ومخطوط آخر يتضمن عددا من الأبحاث لرائد بحري آخر هو سليمان المهري، وقد قام الوزير الفرنسي جبريل فران بإعادة نشر هذين المخطوطين في باريس، مع ترجمة وتعليق عليهما، وأخرج كل ذلك في صورة ثلاثة مجلدات خلال العقد "الثالث من القرن الحالي"، ويقول الرحالة

_ 1 لعله أبو سعيد السيرافي "ت 369هـ/ 979م" كان يثبت وجوده في حلبة المناظرة والجدل.

الإنكليزي بيرتون في عام "1854م": "إن اسم ابن ماجد قد رفع إلى مراتب الأولياء المسلمين باسم الشيخ ماجد" نتيجة لخدماته المقدمة للبحارة المسلمين. نضيف إلى ما ذكرناه أن العرب فطنوا منذ مئات السنين إلى التعاون مع بعض البحوث العلمية فرقا "Teams" فمما قام به المأمون وحذا حذوه شرف الدولة البويهي في بغداد ونصير الدين الطوسي "ت 673هـ/ 1274م"1 في مراغة، وذلك بجمع المعنيين بالبحث ليتعاونوا ببحوثهم العلمية بهدف أن تكون نتائجها أكمل وأدق. ما أوردناه آنفا من نماذج عن العلوم عند العرب، يشهد بحرصهم على أن الدعوة إلى الملاحظة الحسية والتجربة العلمية والدقة، أداة لكشف الحقائق، وممارسة هذه الدعوة فعلا في بحوثهم العلمية، والاستعانة بالآلات والأجهزة التي تمد في قدرة الحواس على الإدراك وتحقق الدقة والضبط في نتائج البحوث، مما أدى إلى الكشف عن كنوز من الحقائق الأصلية، التي سبقوا بها عصرهم. مما يؤكد مقولتنا أن العرب رغم حماسهم في نقل تراث الأوائل إلى لغتهم، فإن ذلك لا يمنع العقل العربي من أن يكون حرا في نقد الآثار العلمية التي تستهويه وتمحيص حقائقها والكشف عما يحتمل أن تتضمنه من زيف وبطلان، مستعينا بالملاحظة والمعاينة، حريصا على الاستعانة بالآلات والأجهزة التي تمد في قدرة الحواس على الإدارك وتحقق الدقة والضبط في نتائج البحوث مما ذكرناه سابقا.

_ 1- كان العلامة نصير الدين الطوسي وزيرا لهولاكو المغولي فاتح بغداد.

المبحث الرابع: تصنيفات مناهج البحث العلمي

المبحث الرابع: تصنيفات مناهج البحث العلمي يختلف الناس بفطرتهم فيما يتناولون من الأمور، وما يسلكون من طرق البحث والاستنباط، ولكل منهم موازين معينة يهتدي بها في تفكيره، ويعتمد عليها في استنباطه، وتكون له منهجا خاصا يتميز عن المنهج الفكري لغيره، ويسيطر على فقهه. ولقد دار حول لفظ "منهج"1 جدل طويل بين رجال الفلسفة والمنطق وعلم المناهج ولبست هذه اللفظة لباسات متعددة بمرور الزمن، منذ القرن "السادس عشر" حتى الآن. يعرف المنهج بأنه الطريقة المتبعة، ولا بد لتصور الجهود العقلية من وجود طريقة متبعة في التفكير، ويختلف المفكرون فيما بينهم في هذه الطرق، وبالتالي تختلف النتائج التي يصلون إليها، أما المنهاج العلمي فهو " تلك المجموعة من القواعد والأنظمة العامة التي يتم وضعها من أجل الوصول إلى حقائق مقبولة حول ظاهرات موضوع الاهتمام من قبل الباحثين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية"، وتعريف آخر "المنهاج العلمي هو عبارة عن أسلوب من أساليب التنظيم الفعالة المجموعة من الأفكار المتنوعة والهادفة للكشف عن حقيقة تشكل هذه الظاهرة أو تلك، ونوجز تعريفه فنقول: "إنه يجب ألا تقبل أي فكرة إلا إذا أيدها دليل مناسب". ففي الرياضيات يكون الدليل المناسب عادة برهانا منطقيا، يستند إلى قوانين معترف بها، ويجري في خطوات استنتاجية، تعتمد كل منها على ما قبلها وتفضي إلى ما بعدها، ودروس الرياضيات الأساسية تستهدف معرفة هذه الأدلة وتسمى البراهين، وموازنتها ثم تعديلها وتقويتها حتى تصمد للمنطق الرياضي الصارم، وهو أروع نتاج الفكر الإغريقي الذي استنه أرسطو ونفذه إقليدس. وفي العلوم التجريبية، يكون الدليل عادة تجربة علمية تختبر الفكرة أو تثبت صحتها أو بطلانها، والفكر الإغريقي لم يعده دليلا علميا، بينما رفعه الفكر العربي إلى المرتبة العلمية، وذلك من هدي القرآن الكريم، الذي يعد كل حقائق الكون آيات من آيات الله، ودلائل على وجوده وقدرته، وكان مما تعلمه الأوروبيون من الفكر الإسلامي هذا الدليل التجريبي، دعا إليه روجر بيكون ثم أعقبه فرنسيس بيكون. نذكر أن ثمة حقائق لا نملك إقامة دليل على صحتها، سواء كان رياضيا أو تجريبيا،

_ 1 ورد في معجم الرازي: "المنهج" بوزن المذهب، و"المنهاج" الطريق الواضح، ومنهج الطريق أبانه وأوضحه و"نهجه" أيضا "سلكه"، وفي الحديث أنه رأى رجلا "ينهج" أي يربو من السمن.

لكن المتخصصين قانعين بصحتها، فهل نرفضها؟ إن كل فكرة علمية لا تحمل في ثناياها ما يناقض المشاهدة والخبرة المؤيدة بالبرهان المنطقي أو التجريبي هو دليل مناسب على صحتها، مثال ذلك قانون الجاذبية العام، وضعه نيوتن ولم يقم دليلا على صحته ولا على ما ينقضه، ومما تجب الإشارة إليه أن القبول أو الرفض يجب أن يقوم على نظرية موضوعية، فهو أول شروط المنهاج العلمي، أن يبدأ ويظل موضوعيا. تتعدد مناهج البحث العلمي وتتحدد مفاهيمها بالوحدة والثبات والحتمية، بوحدة طبيعة الظاهرات وعدم تغير صفاتها الأساسية تغيرا ملموسا خلال فترة محدودة من الزمن، ووجود سبب أو أكثر لحدوث ظاهرة ما، ولقد تعددت تصنيفات مناهج البحث ونورد فيما يلي بعضها: 1- تصنيف هويتني1 "whitney": 1- المنهج الوصفي. 2- المنهج التاريخي. 3- المنهج التجريبي. 4- البحث الفلسفي. 5- البحث التنبؤي "Prognostic Research". 6- البحث الاجتماعي. 7- البحث الإبداعي. 2- تصنيف ماركيز2 "Marquis": 1- المنهج الأنتربولوجي. 2- المنهج الفلسفي. 3- منهج دراسة الحالة. 4- المنهج التاريخي. 5- المسح الاجتماعي. 6- المنهج التجريبي. 3- تصنيف جودو سكيتس3 "Good an Scates": 1- المنهج الوصفي. 2- المسح الوصفي. 3- المنهج التجريبي. 4- منهج دراسة الحالة. 5- دراسات النمو والتطور والوراثة.

_ 1 Whitney F. L. "The Elements of Reseach". 3rd ed. op. cit 2 Marquis, D. "Scientific Methodology in human Realation" in Miller, jans Experiments in Social Process, N. y., Mc Greaw-Hill co, 1950. 3 Good, Carter V. and Scates, Dauglas. E. "Method of Research, Educational psycholagical, Sociological" op. cit.

- أما الباحثون العرب المحدثون فإن تصنيفاتهم للمناهج هي على النحو التالي: 1- محمد طلعت عيسى1: 1- منهج دراسة الحالة. 2- المسح الاجتماعي. 3- المنهج الإحصائي. 4- المنهج التجريبي. 5- المنهج التاريخي. 6- المنهج المقارن. 2- عبد الرحمن بدوي2: 1- المنهج الاستدلالي. 2- المنهج التجريبي. 3- المنهج الاستردادي "التاريخي". 3- محمود قاسم3: 1- منهج البحث في الرياضيات. 2- منهج البحث في العلوم الطبيعية. 3- المنهج التاريخي. 4- المنهج التجريبي. 5- أحمد بدر5: 1- منهج البحث الوثائقي أو التاريخي. 2- منهج البحث التجريبي. 3- منهج المسح. 4- منهج دراسة الحالة. 5- المنهج الإحصائي. تشكل بعض المناهج قاسما مشتركا بين واضعي المناهج، وسوف نأتي على دراسة بعضها وهي الأكثر اتباعا.

_ 1 محمد طلعت عيسى. البحث الاجتماعي مبادئه ومناهجه، ط3. مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة 1963. 2 عبد الرحمن بدوي. مناهج البحث العلمي. مرجع سبق ذكره. 3 محمود قاسم. المنطق الحديث ومناهج البحث، ط3. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1971. 4 عبد الباسط محمد حسن. أصول البحث الاجتماعي، ط3. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1971. 5 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص233-238.

الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي

الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي مدخل ... الفصل الخامس: منهج البحث التاريخي "Historical Method" تمهيد: يعرف التاريخ بأنه "هو كل ما حدث" أو "هو رواية وتدوين كل ما حدث" وهو "فعالية علمية من فعاليات المعرفة البشرية، تتسع ساحتها لكل شئون الإنسان" وقد عرفه بعض الباحثين بأنه "التدوين الموثق للأحداث الماضية" وعرفه البعض الآخر "بأنه وصف الحقائق التي حدثت في الماضي بطريقة تحليلية ناقدة" ومن هذين التعريفين نستخلص أن علم التاريخ لا يمكن فصله بل ربطه مع المنهج التاريخي، وذلك باعتبار أن البحث أو التقصي العلمي وسيلة موضوعية هدفها الوصول إلى نتائج أو قوانين أو قواعد يمكن تعميمها واستخدامها للتنبؤ بما يحدث في المستقبل ضمن السياق التاريخي. أما منهج البحث التاريخي فتعرفه بأنه "مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية، وإعادة بناء الماضي بكل وقائعة وزواياه، وكما كان عليه في زمانه ومكانه، وبجميع تفاعلات الحياة فيه" وهذه الطرائق قابلة دوما للتطور والتكامل، مع تطور جموع المعرفة الإنسانية وتكاملها ومنهج اكتسابها. لقد دار جدل ونقاش حول طبيعة المادة التاريخية وطرائق الوصول إلى الحقائق العلمية المجردة الثابتة، وكان على المؤرخين أن يثبتوا أن التاريخ معرفة علمية دقيقة، غنية بتجربة قرون طويلة لها منهج أو طرائق في البحث والاستقصاء عن الحقيقة لا تقل

في علميتها وصحة وسائلها عن مناهج العلوم الوضعية الأخرى. وهكذا بحث عدد من المؤرخين في طرائق علم التاريخ، وأثبتوا في كتبهم ومقالاتهم أن علم التاريخ علم يعود إلى الحقيقة الثابتة والمؤكدة، وفي عام "1894م" صدر كتاب حول منهج البحث التاريخي، قام بوضعه أرنست برنهام "E. Berhiem"، جمع فيه ما كتب عن المنهج التاريخي، وكان كتابا لنخبة المثقفين، لا يتضمن طريقة صحيحة في البحث لمن يريد أما المؤرخ فوستيل دوكولانج "Fustal de Coulanges" فقد قام بتحويل قواعد المنهج التاريخي، هو الكتاب الذي ألفه المؤرخان الفرنسيان لانغلوا "Langglois" وسينوبوس "Seiglbaus"، في أواخر القرن "التاسع عشر" وأطلق عليه اسم "مدخل للدراسات التاريخية Introduction aux etudes Historiques" صدر في باريس عام "1898" وقد ترجم جزء منه إلى اللغة العربية. تتالت الأحداث المشابهة بعد ذلك، لكن في البلاد العربية لم ينبرِ أحد لدراسة هذا الموضوع حتى الربع الثاني من "القرن العشرين" رغم أن المؤرخين العرب أدركوا كثيرا من الأساسيات العلمية لمنهج البحث التاريخي بمضمونها الحديث، وكتبوا فيها ونموذجهم الأكبر ابن خلدون1 "ت 808هـ/ 1406م" والكافحي2 "ت 879هـ/ 1474م" والسخاوي3 "ت 902هـ/ 1496م" وجلال الدين السيوطي4 "ت 911هـ/ 1505م" وعبد الرحمن الفاسي5 "ت 1096هـ/ 1684م". بل إن المحدثين والفقهاء الذين دققوا في الأحاديث والسيرة، كانوا كذلك روادا في هذا الميدان ومنهم الغزالي6 "ت 505هـ/ 1111م" وابن الصلاح عثمان الشهزوري7 "ت 641هـ/ 1243هـ" وابن تيمية8 " "ت 729هـ/ 1328م" ومحمد بن أحمد الذهبي9 "ت 749هـ/ 1348م" عن رجال الحديث10.

_ 1 المقدمة. الجزء الأول. بيروت، د. ت. 2 المختصر في علم التاريخ. ورد في كتاب "علم التاريخ عند المسلمين" لروزنتال، تعريب: صالح أحمد علي، بغداد ص317-370. 3 التوبيخ لمن ذم التاريخ. القاهرة 1349هـ. 4 الشماريخ في علم التاريخ. 5 زهر الشماريخ في علم التاريخ. 6 المستصفى من علم الأصول. القاهرة 1322هـ. 7 مقدمة في علوم الحديث. القاهرة 1326هـ. 8 مقدمة في أصول التفسير: جميل أفندي الشطبي "تحقيق". دمشق 1936. 9 ميزان الاعتدال في نقد الرجال القاهرة 1352. 10 ليلى الصباغ: دراسة في منهجية البحث التاريخي، منشورات جامعة دمشق، 1998-1999، ص3-13.

المبحث الأول: منهج البحث التاريخي عند العرب

المبحث الأول: منهج البحث التاريخي عند العرب نشأ علم التاريخ عند العرب المسلمين فرعا من علم الحديث، وقد سعوا إلى المصادر الموثوقة وإلى الرواية الشفوية، واهتم مؤرخوهم بالمكان فمزجوا بين الجغرافيا والتاريخ، من مثل المسعودي وابن النديم، ومن ثم اعتمدوا على الوثائق الرسمية في مدوناتهم من مثل اليعقوبي والبلاذري والطبري وابن الجوزي والعماد الأصفهاني، كما اعتمد بعض المؤرخين النقوش الكتابية على الأبنية كالخطيب البغدادي، وابن الشحنة والأزرقي وكذلك النقوش على الأختام، وقد أشار ابن خلدون إلى هذا المضمون الشامل لمصادر التاريخ حين قال في مقدمته: "إن المؤرخ محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة"1. لقد عمل المؤرخون على بيان مظانهم في مقدمات كتبهم، أو في طليعة روايتهم للخبر، وفي القرون الأولى للتدوين التاريخي استخدموا "الإسناد" كما في "الحديث" وبذلك كانوا أمناء في نقل الأخبار، ويلاحظ هذا بخاصة لدى الطبري، وقد يستطيل الإسناد لديهم. أما النقد التاريخي عند العرب فقد بينه القرآن الكريم في آيات كثيرة، ضرورة إعمال العقل في ما يرى الإنسان ويسمع، وأكد على مفهوم البينة، والحجة، والبرهان،

_ 1 المقدمة: مرجع سبق ذكره. ص9.

ووجوب "التثبت من الخبر" وكلها أمور توجه الفكر إلى النقد العقلاني للأمور، وقد نبه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لضرورة تبين الصدق من الكذب أي نقد ما يرى ويسمع، ومن ثم أوجد علماء الحديث تدريجيا أصولا نقدية للتمييز بين الصحيح والموضوع من الأحاديث ولتصنيفها بحسب قربها من الحقيقة، واتبع المؤرخون العرب تلك الأصول للتحقيق من "صحة الخبر" أيضا، والأسلوب النقدي الذي ساروا عليه، واقتدوا فيه بعلماء الحديث كان "التجريح والتعديل" هذا النهج هو في المنهجية العلمية المعاصرة للبحث التاريخي، النقد الباطني السلبي أو ما يسمى بنقد المؤلف. لقد اتخذوا "الموازنة الزمنية" بين خبرين أو "الموازنة بعامة، من مثال ما أورده السخاوي في كتابه، بل إنهم استطاعوا بذلك النمط من الموازنة والمحاكمة الزمنية التاريخية أن ينقدوا ما يدّعي بأنه "وثائق" ويظهر زيفها، وإن المتتبع لحديث ابن خلدون عن "التاريخ" في مقدمته ونقده للمؤرخين العرب، يرى بوضوح أنه كان مدركا لمختلف عملياته وخطواته، وقد شجب ابن خلدون نقل المؤرخين عن بعضهم أو عن الرواة دون تدقيق أو تمحيص، كما حلل الأسباب التي تلزم المؤرخ على النقد والتمحيص. وميز في عملية النقد التاريخي وقواعدها بين نوعين من الأخبار: الأخبار الشرعية، والأخبار عن الواقعات، وبذلك رسم طريقا واضحة في عملية نقد الخبر أو الواقعة، وإذا كان بعض المؤرخين العرب قد التزم خطة دقيقة في النقد عددا منهم كانوا يتجاوزونه، وينقلون الخبر دون تمحيص عقلاني وقد نقدهم ابن خلدون في مقدمته من مثال نقده للمسعودي عن كيفية بناء الإسكندر للإسكندرية، وما نقله المسعودي في تمثال الزرزور الذي بروما، وحديثه عن مدينة النحاس بصحراء سجلماسه. حاول المؤرخون العرب ضبط الأحداث زمنا، بوساطة التوقيت لها بالسنة والشهر

والليلة وبهذا فاقوا مؤرخي اليونان والرومان، وأوروبا في العصور الوسطى وقد قال المؤرخ الإنكليزي بكل: "H. TH. Buchle" إن التوقيت على هذا النحو، لم يعرف في أوربا قبل "1957م" وبالواقع أبدى المؤرخون العرب اهتماما فائقا بتحديد الزمن في الأخبار ويتضح هذا من تعريفهم للتاريخ بأنه "الإنسان والزمان" وأنه "الزمان وأحواله" ولكن جميع الأحداث في سلسلة زمنية، هو خطوة أولى في عملية التركيب التاريخي إلا أنها ليست لبّها، فالتركيب الحقيقي يقوم على ربط الأحداث ببعضها ربطا سببيا، وهذا ما عناه ابن خلدون عندما عرف التاريخ بقوله: "هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول ... وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق"1. لقد اتهم المؤرخون العرب بأنهم لم يسعوا إلى التعليل أبدا بل اكتفوا بالسرد، ويتفاوت المؤرخون العرب في تقصيهم للأسباب في تفسيرهم للحوادث، إلا أنهم أدركوا بالمجموع أهمية العوامل الاقتصادية والجغرافية في دفع الأحداث، وفي التأثير على حياة البشر، وكذلك العوامل النفسية والاجتماعية والفكرية، وندر جدا من المؤرخين من كان كتابه مجرد سرد ساذج لا يحمل ضمن السطور تأويله الخاص وتفسيره الذاتي. إن المستقصي لمجموع ما دونه العرب في التاريخ وهو وفير جدا، يتعرف تماما بأن التاريخ العربي قد اهتم بالقضايا السياسية العامة لا الفردية فحسب، كما أنه توغل في بنية المجتمع، ولم يكتفِ بعض المؤرخين المسلمين بتتبع أسباب الحوادث فقط، بل سعى لتكوين تركيب فلسفي لمعنى التاريخ ككل ومن هؤلاء المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه "البدء والتاريخ" وقد يشبهه في هذا "أبو طالب عبد الجبار" الذي عاش في أواخر القرن "الخامس الهجري" وأوائل "السادس" في أرجوزته التاريخية التي صاغ فيها التاريخ الإسلامي شعرا منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى نهاية دولة المرابطين.

_ 1 المقدمة: مرجع سيق ذكره ص3-4.

هذا وليس علميا البتة إطلاق أحكام عامة على مجموع التاريخ العربي والمعالجة السببية لدى كلية المؤرخين العرب المسلمين لكثرتهم، واختلاف الموضوعات التي بحثوا فيها، وتنوع مناهجهم في العمل وأساليب عرضهم، وقد ثبت في أذهان الباحثين نقد ابن خلدون لسابقيه لا سيما حول ابتعادهم عن تقصي السبب، ولعل مفهومات ابن خلدون العميقة والمثلى للكتابة التاريخية وأهدافها وصفات المؤرخ ومنهجيته، هي التي أوقعته بتلك الأحكام "العامة" القاسية، لأنه في مقدمته التاريخية كان قمة في التأريخ العالمي" لا "التأريخ العربي" فحسب، فهو أول من بحث جمعا وتفصيلا في عوامل العمران المختلفة، ودخل في فلسفة التاريخ بمضمونها الواقعي الدنيوي. كان أسلوب الصياغة والأداء عند العرب في معظم الأحوال بلغة عربية بينة وبليغة، ومصورة بوضوح ما يريدون تباينه، دون إدخال التأنق الأدبي فيه، إلا أنهم استعملوا السجع وضمنوا كتاباتهم الشعر والرواية القصصية وفي الواقع كان أسلوب كل مؤرخ عربي يتباين عن الآخر، إلا أن أسلوب الأغلبية كان واضحا وبينا يحيط بالحقيقة التاريخية ويبرزها. وهكذا نخلص إلى القول: إن منهج البحث التاريخي عند المؤرخين العرب المسلمين كان منهجا علميا في خطوطه العامة، وإن العلم الحديث يسجل لهم أنهم أول من ضبط الحوادث بالإسناد والتوقيت الكامل، وأنهم مدوا حدود البحث التاريخي، ونوعوا التأليف فيه، وأكثروه، إلى درجة لم يلحق بهم فيها من تقدمهم أو عاصرهم من مؤرخي الأمم الأخرى، وأنهم أول من كتب فلسفة التاريخ والاجتماع وتأريخ التاريخ، وأنهم حرصوا على العمل جهد طاقتهم بأول واجب المؤرخ وآخره "وهو الصدق في القول والنزاهة في الحكم" وبذلك يكون المؤرخون العرب هم الذين وضعوا الأصول الأولى "لمنهج البحث التاريخي العلمي الحديث" الذي بدأ ناضجا في أوروبا في القرن "التاسع عشرا"، وهم الذين تركوا بتلك الأصول أثرهم في مؤرخي أوروبا في مطلع العصور الحديثة، الذين شرعوا بدورهم ينهجون في الكتابة التاريخية طريق النقد والتمحيص والتدقيق1.

_ 1 ليلى الصباغ. دراسة في منهجية البحث التاريخي، ط8، مرجع سبق ذكره ص39-78.

المبحث الثاني: مراحل البحث التاريخي

المبحث الثاني: مراحل البحث التاريخي إن الهدف من البحث التاريخي هو صنع معرفة علمية من الماضي الإنساني، ونعني بالعلمية أنها تستند إلى طائق عقلانية توصل إلى الحقيقة بقدر ما تسمح به الظروف التي تخضع لها، وهي ظروف تقنية "طبيعة الوثائق المستخدمة ووجودها" وظروف منطقية "تلك التي تحللها نظرية المعرفة"، هذا وإن مراحل أو خطوات صنع المعرفة العلمية هي: 1- اختيار الموضوع. 2- تقميش المصادر. 3- النقد. 4- التركيب. 5- إنشاء الموضوع1. أي: 1- اختيار المشكلة. 2- جمع الحقائق والوثائق وتدوينها. 3- نقد الوقائع والحقائق. 4- صياغة الفرضيات التي تفسر الأحداث واختبارها. 5- تفسير نتائج البحث وكتابة تقرير عنه2. - اختيار موضوع البحث: إن الأصول العامة لاختيار موضع المشكلة المراد بحثها واحدة في كل المناهج:

_ 1 المرجع السابق ص164. 2 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره، ص101-102.

التاريخي منها والوصفي والتجريبي، ويعني اختيار المشكلة اختيار موضوع البحث، أي طرح مشكلة تتعلق بالماضي كون لها أهمية واقعية وقيمة وجودية، والباحث الأصيل هو الذي يعرف كيف يختار المشكلة الحقيقية، ولقد كان المؤرخ التربوي الإنكليزي "اللورد أكتون" يوصي طلابه بجامعة كمبردج بقوله: "ادرسوا مشكلات لا فترات زمنية". إن المشكلة المطروحة يجب أن تنطلق من المبادرة الذاتية للباحث التاريخي، وتنبثق من فضوله العلمي الخاص وأن تكون جديدة في عنوانها ومضمونها، تضيف جديدا إلى المعرفة التاريخية، أكان في ميدان التوثيق أو في مجال التركيب، وقد يعيد بعض الباحثين موضوعات طرحت سابقا، إذا وجدت أصول تاريخية جديدة تسوغ إعادة بحث الموضوع من جديد، وإسقاط أضواء جديدة على بعض مناحيه، وأن تكون المشكلة بقدر طاقة الباحث على العمل ومدى قدرته على الحصول على الأصول الضرورية، وأن تكون هذه الأصول قادرة على تقديم ما يوضح المشكلة ويحلها، وأن تكون المشكلة بعيدة ما لا يقل خمسين عاما عن زمن الباحث1، وقد يدفع الباحث للمشكلة دفعا نتيجة الصدفة وهذا كثير في التاريخ القديم، حيث الوثائق نادرة. عند تعيين الباحث لمشكلة بحثه يكون في أحد وضعين إما أن المشكلة انبثقت في ذهنه واتضحت إحداها وعندئذ تم تحديدها بيسر أو أن يكون خالي الذهن عنها، أو أن الغموض يكتنفها في فكره، حينئذ يلجأ إلى القراءة والمطالعة، ليكون خلفية ثقافية يحدد عليها موقع المشكلة، ويقوم ببحث عام أولى عن مصادر المشكلة، ويلجأ بالاستفسار ممن لهم خلفية عن هذه المشكلة، ومن ثم يضع مخططا أوليا للنقاط التي سوف يعالجها بالبحث والدراسة وبهذا يتكون هيكل الموضوع وعنوانه. - جمع الحقائق والوثائق وتدوينها: إن وسيلة الإجابة على المشكلة هي جمع المصادر، وهي أهم أعمال المؤرخ، ويطلق

_ 1 يقوم عدد من المؤرخين ببحث القضايا المحيطة بهم، وقد يقدمون خلالها وثائق حتمية وأبحاثا مجدية وموضوعية.

على هذا العمل باللغة الأجنبية اسم "هوريستيك" "Heurestique" فالتاريخ يُصنع بالوثائق1 وحيث لا وثائق لا تاريخ، وهذا ما يقوله المؤرخ المعاصر "لوسيان فيفر": "إن التاريخ دون شك يصنع بالوثائق المكتوبة إذا وجدت" وقد حاول بعض المؤرخين تصنيف الوثائق ضمن زمرتين: 1- الروايات المأثورة والمخلفات المحسوسة. 2- وقال آخرون بتقسيم مصادر البحث إلى "أولي" أو "أصول" أو مصادر فقط، وإلى مشتقة "ثانوية" وسوف نأتي في موضع آخر على تفصيل ذلك، وقد تجمع المصادر معلومات أولية وثانوية، وبشكل عام يمكن تصنيف المصادر أو الوثائق إلى: أ- الوثائق المكتوبة أو المطبوعة. ب- الوثائق الأخرى. جـ- الرواية الشفوية المباشرة. أ- تشكل الوثائق المكتوبة المخطوطة والمطبوعة ميدانا واسعا وتشمل: 1- وثائق الأرشيفات "أو المحفوظات الحكومية". 2- أرشيف المنظمات المختلفة في المجتمع كسجلات الجمعيات والنقابات بأنواعها والأحزاب والسياسية و ... 3- المدونات الإعلامية: النشرات والصحف والدوريات المتنوعة والإذاعة ...

_ 1 مفردها وثيقة، والكلمة في مصدرها اللغوي بالعربية أتى من وثق به وثاقة وثقة أي ائتمنه، والوثاقة مصدر الشيء المحكم الوثيق، والوثيقة في الأمر إحكامه والأخذ بالثقة "ابن منظور: لسان العرب 1/ 371 بند وثق" دار صادر، بيروت. أما باللغة الأجنبية فهي أداة وبينة مكتوبة صحيحة، يثبت بها أي فرد حقه، وقد طغت فكرة الصحة والإحكام في القرن "التاسع عشر" على فكرة النص المكتوب حتى انتهى الأمر بالمؤرخين إلى تعريف الوثائق بأنها "جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء وأعمالهم".

4- التقارير السرية "حكومية أو خاصة". 5- المؤلفات الأدبية والجغرافية والعلمية والفلسفية والفنية والتاريخية، وكل ما دون في مجالات المعرفة الأخرى، مما له أهميته. نشير بخاصة إلى المكتبات حيث يبحث المؤرخ فيها عن أمور ثلاثة: 1- البيبلوغرافيا "Bibliographie": وهي في معناها العام مجموع ما نشر عن موضوع معين وبمعناها الخاص "علم المؤلفات الخاصة بحقل معين من المعرفة وما نشر منها" وهي إما وضعية أو نقدية أو تحليلية، ولقد أدرك العرب قيمتها، وكتاب "الفهرست" لابن النديم "ت 438هـ/ 1047م" دليل على ذلك، ولم يبدأ الاهتمام بها في أوروبا إلا في القرن "الخامس عشر والسادس عشر" وتوسعت العودة إليها في القرنين "السابع عشر والثامن عشر" في أوروبا والعالم الإسلامي والوطن العربي، ونذكر في هذا الشأن "كشف الظنون عن أسامي الفنون" لحاجي خليفة "ت 1067هـ/ 1657م". البيبلوغرافيا: هي أداة البحث الأولى، وهي عالمية وعامة ووطنية، وقد نمت الأخيرة نموا كبيرا في القرن "العشرين"، وقد يلجأ الباحث التاريخي إلى "البيبلوغرافيا التاريخية" فحسب وحدودها سائبة كحدود التاريخ نفسه، ولقد تطورت، ونشير بخاصة إلى "بيبلوغرافيات الدوريات، ومن أشهر الدوريات التاريخية "المجلة التاريخية في فرنسا" و"المجلة التاريخية الإنكليزية" و"المجلة التاريخية الأميريكية" و"الألمانية" وقد نشرت المجلات التاريخية في "بيبلوغرافيا عالمية" خاصة هي: "World list historical Periodical and Bibiographes. Oxford 1939". 2- تضم المكتبة أيضا بعض وثائق الأرشيف وبعض الوثائق الأركيولوجية "النقود" وأدوات العمل الأخرى، فالموسوعات العامة "Encyclopidia" وهي كتب المعارف العامة، من مثال كتاب "تاريخ الرسل والملوك" للطبري، و"الكامل" لابن الأثير، و"العبر" لابن خلدون، مادتها مرتبة حسب الحروف الأبجدية، أو بحسب الموضوعات،

فهي لازمة للباحث التاريخي، تعطيه عناصر الإعلام الأولى التي توجه بحثه، وهناك الموسوعة الكبيرة "بالفرنسية" "1885-1902م" والفرنسية "1935م" والألمانية "1952-1960م" والبريطانية "1947م" والأميركية "1940" والإسلامية، وقد صدرت باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وعمل على ترجمتها في مصر. هذا وجدير بالذكر دور المحفوظات "الأرشيف" "Archives" في التاريخ العربي، حيث كان يوجد في العهد الأموي "دار للقراطيس" تشبه ما نسميه اليوم "الأرشيف" كذلك في العصر العباسي، وبشكل عام كان للدول العربية الإسلامية أرشيفاتها الإدارية الضخمة، وصل إلينا منها ما ندر من مثال "أوراق البردي" وقد عملت كل دولة عربية على تأسيس دار خاصة للأرشيف "مديرية الوثائق" في سورية، مصر، المملكة الأردنية الهاشمية، و ... هناك بعض الوثائق في بعض دور الأرشيف الأجنبية منها في إسبانيا، إيطاليا، فرنسا، النمسا، إنكلترا، تركيا. 3- ومن أدوات العمل معاجم الأعلام، ومعاجم اللغات المختلفة والأطالس التاريخية والجغرافية والخرائط، هذا بالإضافة إلى الأدوات المادية الضرورية للبحث التاريخي من مثال: قارئات "الميكروفيلم" ومصورات "فوتوغرافية" وبعض المواد الكيماوية المساعدة، وسوف نوضح في موضع آخر طريقة تصنيف ونسل المعلومات من هذه المصادر. ب- الوثائق الأخرى "Miscellaneaus": أي المخلفات المحسوسة وتشمل الآثار التي تختلف عن الأحداث من مثل المباني المتنوعة والطرق والجسور والبقايا الإنسانية والصور، والوسائل الناطقة كالأشرطة المسجلة والسجاد والأقمشة والفنون الأخرى، يليها المخلفات الأثرية وتحفظ في المتحف وهناك ثلاث مجموعات من المتاحف، متاحف الفن ومتاحف التاريخ ومتاحف العلم، وجميعها تهتم بالبحث التاريخي، وقد انتشرت العناية بها في الحقبة المعاصرة في أرجاء الوطن العربي لدورها العلمي والفني والتربوي، ويعتبر المتحف الوطني في دمشق من أفضل متاحف العالم

تنظيما وغنى بالمؤلفات الأثرية، ومنهج عمل الباحث في المتاحف مثل عمل الباحث في المكتبات والأرشيفيات. جـ- الرواية الشفوية المباشرة. وهي أقوال الأشخاص الموثوقين الذين شهدوا الحوادث الماضية بأنفسهم، وسمعوا عنها مباشرة، وكتاباتهم، وقد يستعين الباحث بشهادات أشخاص لم يروا الحادث بأنفسهم ولكنهم سمعوا عنه من أشخاص آخرين، أو قرءوا عنه في مصادر مفقودة أو غير ذلك. هذا وتشكل الرواية الشفوية مصدرا هاما من مصادر البحث التاريخي، حيث يقوم الباحث بالاتصال بالناس الذين عايشوا المشكلة وشاهدوها، أو اشتركوا فيها فعليا بعد أن يكون قد أعد مجموعة من الأسئلة الشاملة الذكية يطرحها عليهم، وقد تكون أجوبتهم مكتوبة أو شفوية، وقد يكون الاتصال بهم مباشرة، وهو الأفضل أو بوساطة الكتابة إليهم، ونشير هنا إلى وجوب خضوع هذه المصادر لنقد الباحث التاريخي من حيث سلامتها الجسمية والنفسية والعقلية والأهواء والميول والعواطف.

المبحث الثالث: نقد الوقائع والحقائق

المبحث الثالث: نقد الوقائع والحقائق يطلق على عملية "التحليل" المفصل للاستدلالات التي تقود من ملاحظة الوثائق إلى معرفة الوقائع والحقائق اسم "النقد" وهي عملية ضرورية لجميع الوثائق مهما كان نوعها، يقوم فيها الباحث التاريخي بعملية فكرية تراجعية، نقط الانطلاق فيها الوثيقة، ونقطة الهدف الواقعة التاريخية، وبينهما سلسلة من الاستدلالات تكون فيها فرص الخطأ عديدة. إن مصادر المعلومات في معظمها مصادر غير مباشرة، تتراوح بين شهادات الأشخاص الذين حضروا الحوادث أو الذين سمعوا عنه أو كتبوا عنه، وبين الآثار والسجلات والوثائق التي تركوها، وحيث أن هذه الوثائق معرضة للتلف والتزوير

بسبب قدمها، كما أن كاتبها معرضا للنسيان أو التزوير، لهذا تطرح تساؤلات حول مدى موضوعية الوثيقة ومدى تطابق معلوماتها مع معلومات وثائق أخرى، وهل كتبت مباشرة بعد الحادثة أم بعد مرور فترة زمنية، هل كان صاحبها في صحة جسمية ونفسية سليمتين، هل كانت هناك حرية الكتابة حينما كتبت، أم أنها كتبت بتأثير من سلطة أو وجهة نظر ما، كما أن كثيرا من المسلمات التي كانت شائعة اكتشف الباحثون أنها ليست صحيحة. إن ما ذكرناه من حيث نقد الوثائق، يعود بنا إلى نقد مصادر الخبر من حيث معرفة سلامتها أو زيفها والأسباب التي تدعو إلى التحريف والتشويه والخطأ المتعمد فيها وغير المتعمد كان أمرا معروفا منذ القدم، وقد برع المسلمون في ميدانه عندما نقدوا "الحديث" و"الخبر" ووضعوا له قواعد صارمة، وقد اقتبس الأوربيون في العصور الحديثة كثيرا من أصوله، وارتقوا به من القرن "الخامس عشر" حتى الوقت الحاضر ومع توافر الكثير من الأدوات الميسرة له اليوم، فإنه يمكن القول: إنه احتفظ بإطاره الأساسي التقليدي الذي حدده "لانغلوا" و"سينوبوس"1 في عمليتين رئيسيتين: 1- النقد الخارجي. 2- النقد الداخلي. وفي كليهما على الباحث أن تكون قراءته فاحصة متأنية، تتناول شخصية المؤلف أو الكاتب كما تتناول الوثيقة شكلا ومضمونا، بحيث تخرج على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي2. يتناول الباحث في النقد الخارجي للوثيقة هوية الوثيقة وأصالة الوثيقة "Authenticity" أي صدق الوثيقة أو عدمه "إثبات صحة الأصل"، تحديد مصدر

_ 1 مؤرخان فرنسيان، شارل فيكتور لانغلوا "1863-1929م" وشارل سينوبوس " 1854-1942م". 2 جاءت لفظة تحقيق مصدرا لفعل "حقق يحقق تحقيقا" وأصل مادته الفعل المضعف العين "حق" ويرى ابن فارس أنها تدور حول إحكام الشيء وصحته، ويقال: حققت الأمر أو حققته أي كننت على يقين فيه "معجم مقاييس اللغة. 2/ 15، 16، 219" وتهذيب اللغة 3/ 377".

الوثيقة زمانها ومكانها، هل هي الأصل أم منسوخة عنه، هل كتبت بخط صاحبها أم بخط شخصي آخر، هل كتبت بلغة العصر الذي كتبت فيه أم تتحدث بمفاهيم ولغة مختلفتين، وهل المواد التي كتبت عليها كانت مستعملة في زمن كتابتها، هل تتحدث عن أشياء كانت غير معروفة في ذلك العصر، وهل يطابق مظهرها مخبرها، هل في نصها إضافة أو حك أو تغيير، وهل تقبل على حقيقة معينة أم لا تقبل؟ ما هي هوية المؤلف، والبحث عن موارد الأصل1، هل تحمل اسم صاحبها أو تحمل اسما مستعارا؟ ويتحقق الباحث من ذلك بمقارنة الوثيقة من حيث الأسلوب والخط بأعمال أخرى للمؤلف والفترة الزمنية التي كتبت فيها الوثيقة، وهل هناك أحداث وردت في الوثيقة، وأماكن لم يكن يعرفها شخص عاش في عصر كاتب الوثيقة، وإذا كان المؤلف مجهولا وكانت الوثيقة غير مؤرخة فهل في مضمون الوثيقة ما يكشف عنهما؟ بعد أن يتم التأكيد من زمان ومكان الوثيقة وتحقيق شخصية الباحث فإن النقد الداخلي أو الباطني يسير نحو تحقيق عمله لتقويم الوثيقة، معنى المادة الموجودة في الوثيقة وصدقها، هل كتبت بناء على ملاحظة شخصية مباشرة أم نقلا عن رواة، ويسير ذلك وفق خطوتين: الأولى هي النقد الداخلي الإيجابي والهدف منه تفسير الأصل التاريخي، وإدراك معناه الحقيقي، ويمر ذلك بدورين: الأول تفسير ظاهرة النص وتحديد المعنى الحرفي له، والثاني إدراك المعنى الحقيقي للنص أي هدف المؤلف مما كتبه. أما النقد الداخلي السلبي فيتناول مدى دقة الحقائق التي أوردها صاحب الأصل وإخلاصه، الموضوعية فيها، ويعنى هذا تحليل شخصية المؤلف وظروفه، ومدة صحة ما أورد من حوادث، أي إثبات الحقائق التاريخية، ويرتبط ذلك ارتباطا كبيرا بتقويمها أي بمدى فهمها وشرحها، ويتعلق ذلك بشخصية الباحث التاريخي وخياله المبدع

_ 1 أي إذا كان المؤلف شاهدا مباشرا للحادث.

وثقافته الواسعة وقوة ملاحظته ومقدماته، وكل هذا يوضح لنا التعقيد الشديد للتحليل أو للنقد التاريخي، إلا أنه يبين لنا في الوقت نفسه الضرورة المطلقة له. هذا ولا بد أن تتوافر لدى الباحث معارف تاريخية عامة وخاصة كافية، وحس تاريخي وذكاء لماح وإدراك عميق ومعرفة بالسلوك البشري، ومعرفة أيضا بالعلوم المساعدة من مثل فقه اللغة والكيمياء وعلم الأقوام وعلم الخرائط وعلم النقود وعلم النفس، والإلمام بالفنون والأدب، ومعرفة الخطوط واللغات القديمة منها والحديثة، مما يتطلب تدريبا للباحث، رغم إمكانية الاستعانة بالمتخصصين في كثير من هذه الأمور. لقد مارس العرب المسلمون عند نقدهم للأحاديث المروية عن الرسول الكريم هذا النوع من النقد "الداخلي" بشكل واسع، واستخدموا لهذا الغرض التجريح والتعديل، وبحسب الثقة التي منحوها لشخصية المحدث فإنهم أخذوا روايته أو رفضوها، ويمكن الرجوع إلى ما كتبه الغزالي "ت 505هـ/ 1111م" في كتابه "المستصفى من علم الأصول"وما دونه ابن الصلاح1 "ت 641هـ/ 1243" في كتابه "مقدمة في علم الحديث" للاطلاع على عدالة الراوي، وقد طرح المؤرخ "سينوبوس" جملة من الأمثلة توضح واقعها أسباب الخطأ، فيما يقدمه مؤلف النص من وقائع، وربما أخذ جزءا كبيرا مما طرحه ابن خلدون في مقدمته عن "أسباب الكذب في الخبر"1. وقد أورد "فان دالين" مبادئ عامة للنقد نورد فيما يلي أهمها: 1- لا تقرأ في الوثائق القديمة مفاهيم أزمنة متأخرة. 2- لا تحكم على المؤلف بأنه يجهل أحداثا معينة لأنه غفل عن ذكرها. 3- لا تقلل من قيمة المصدر ولا تبالغ في قيمته. 4- لا تكتفي بمصدر واحد حول حقيقة واحدة.

_ 1 ابن الصلاح: "عثمان بن عبد الرحمن" القاهرة 1326هـ. 2 مقدمة ابن خلدون: مرجع سبق ذكره. ص35.

5- الأخطاء المتماثلة في مصدرين أو أكثر تثبت نقلها بعضها عن بعض. 6- إذا ناقض الشهود بعضهم بعضا في واقعة فقد يكون أحدهم صادقا، وقد يكونون مخطئين جميعا. 7- النقاط التي يتفق عليها شهود كثر أكفياء مباشرون تعتبر مقبولة. 8- قد تعطي وثيقة ما دليلا كافيا في نقطة معينة ولا تعطي مثل هذا الدليل في نقطة أخرى. 9- الشهادات الرسمية شفوية أو كتابية، يجب تأييدها ما أمكن بأخرى غير رسمية1.

_ 1 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره، ص109. أيضا: Van dalien, D. B, Understanding Educatianal Rescarch, op. cit, eh 7.

المبحث الرابع: التركيب التاريخي

المبحث الرابع: التركيب التاريخي أعطائنا النقد التاريخي ما نسميه بـ "حقائق التاريخ" بشكل مبعثر متفرق ومجرد، ولا بد لهذه الحقائق أن تنظم ويتم الربط بينها، بفرضية تعلل الحادث وتبين مجرياته وتعلل أسبابه وتحدد نتائجه. إن الباحث حين بدأ يجمع الحقائق ونظر في المصادر لم يكن يفعل ذلك من لا شيء وإنما كانت له فرضية مبدئية جمع الحقائق وفقها ونظر في المصادر بوحي منها، لهذا فإنه يعود لفرضيته هذه بعد أن جمع هذه الحقائق ونقدها فيعيد صياغة الفرضية في ضوء ملاحظاته ومكتشفاته ويعدل فيها في ضوء مما توصل إليه مع الإشارة إلى أن طبيعة البحث التاريخي تقتضي حتما اختلافا في نوعية القروض وكيفيتها وتتطلب مهارة خاصة، كما أن سمات الحادثة التاريخية وماهيتها وغيابها، وكونها وقعت في الماضي، لا تتكرر، متعددة العوامل متشابكة الأسباب كل ذلك يجعل الفرضية في البحث التاريخي صعبة، كما تتطلب من الباحث أن يتميز بصفات من حيث قراءة المعرفة

والخيال الخصب الواسع، ومهما كان الأمر فإن درجة اليقين التي تنتهي إليها الفروض التاريخية، أقل بكثير من درجة اليقين التي يتوصل إليها علماء الطبيعة. تتضمن عملية التركيب التاريخي عمليات مترابطة متداخلة مع بعضها، تكون صورة فكرية واضحة لكل حقيقة من الحقائق المجمعة لدى الباحث: 1- قيام الباحث بتكوين صور فكرية واضحة لكل حقيقة من الحقائق المتجمعة لديه، وللهيكل العام لمجموع بحثه، أي يكون صورة عن واقع الماضي تنشئها مخيلة الباحث، من منطلق مشابهة الماضي الإنساني للحاضر، إلا أن المعطيات الوثائقية المتنوعة تجعلها أكثر وضوحا، وتقود الباحث نحو أساس واضح، يجمع الحقائق المتوفرة لديه وفقه، أي أنه يضيف الحقائق وفق كل جزئية من جزئيات "الصورة المتخلية". 2- تصنيف الحقائق بحسب طبيعتها الداخلية وقد ظهر مؤخرا وببطء، ونشأ أولا خارج حدود التاريخ، بخاصة الموضوعات التي تعالج حوادث إنسانية خاصة، تجمع الحقائق الاقتصادية مع بعضها، كذلك الفكرية والاجتماعية والسياسية، وكان المؤرخون السابقون يصنفون الحقائق استنادا إلى الظروف الخارجية: المكان والزمان، تاريخ مرحلة زمنية ما، أو بلد معين، أو سيرة رجل. وقد وضع "لانغلوا" و"سينوبوس" نموذجا أو هيكلا من هذا النوع لتصنيف الحقائق، جمعا فيه طبيعة الظروف الخارجية، وخصائص الحقائق، ومظاهر النشاط والفعالية الإنسانية وقد تضمن هذا النموذج ما يلي: 1- الظروف المادية. 2- العادات الفكرية. 3- العادات المادية. 4- العادات الاقتصادية. 5- المؤسسات الاجتماعية. 6- المؤسسات العامة. ولا بد من التأكيد أن أنواع التصنيف "الزمني، الجغرافي، المنطقي أي بحسب الخصائص ونوعها" لا يستخدم أحدها مستقلا عن الآخر تماما، إنما هي متداخلة فيما بينها، وعندما يضيف المؤرخ حقائقه تبدو أمامه مسألة جديدة بالعناية، وهي أن كل

عمل إنساني ظاهرة فردية محددة بالزمان والمكان، ولكنه يشبه أعمالا أخرى للشخص ذاته، أو أعمال رجال آخرين ينتمون للبيئة نفسها، أو البيئة الأخرى، ويمكن أن يطلق على هذه الأفعال المتشابهة لفظ "عادات" أو "نظم" وهما "حقائق جماعية" تمتد في الزمان والمكان. ولا يكتفي المؤرخ بالمقارنة بين حوادث زمن وآخر في بيئة واحدة، وإنما عليه أن يدرس أوجه الشبه والاختلاف بين الظاهرات المختلفة، في بيئات متنوعة، وأزمنة واحدة أو مختلفة، يقف المؤرخ من خلال ذلك على تشابه في بعض الظاهرات، على مستوى المجتمعات كلها، مما يدفع المؤرخ إلى وضع "تعميمات" تجعل الصياغة التاريخية أقرب إلى الصياغة العلمية المحددة "بالقانون". 3- يملك المؤرخ المحاكمة أو ما يسمى ملء الفجوات والثغرات التي يجدها الباحث في هيكل التصنيف لأنه لا يستطيع ملء هذه الثغرات بالملاحظة المباشرة أسوة بالباحثين في العلوم الطبيعية، وهناك طريقتان في هذا الشأن. أ- الطريقة السلبية، وهي الاعتقاد بأن الحادث الناقص لم يقع، ولكي تصبح المحاكمة سليمة من الضروري تأكيد ما يلي: ألا يكون هناك وثائق أبدا تشير إلى الحادث الناقص، وأن تكون الواقعة التاريخية الناقصة من نوع لا يمكن إلا ملاحظتها وتدوينها لأهميتها في عصرها، هذا ولا يمكن استخدام الاجتهاد "السلبي" إلا في حالتين: 1- إذا كان هم مؤلف الوثيقة التي لم تذكر فيها الحقيقة، أن يذكر بدقة وانتظام جميع الوقائع، التي هي من نوعها، والتي كان على صلة وثيقة معها، كعدم إشارة الشهر ستاني1 في كتابه "الملل والنحل" إلى فرقة دينية ما ظهرت في فترة سابقة لوجوده، قد تكون حجة على عدم وجودها، لأنه عرف بتقصي جميع الملل والنحل في كتابه. 2- أن تكون الحقيقة أو نوعيتها قد أثرت تأثيرا كبيرا في فكر مؤلف الوثيقة حتى

_ 1 محمد بن عبد الكريم أبو الفتح الشهرستاني: من فلاسفة الإسلام "ت 548هـ/ 1153م".

أنها غدت جزءا من مفهوماته الفكرية الرئيسة، كأن تفتقد ظاهرة فكرية بارزة لدى مؤرخ عرف بدقته في تقصي الحقائق الفكرية. ب- الطريقة الإيجابية: وتعتمد على استنتاج حقيقة لم تشر إليها الوثائق من حقيقة أثبتتها الوثائق، ويعتمد الاجتهاد الإيجابي على فرضيتين الأولى عامة ومنبثقة من كليات عامة مستمدة من تجارب الإنسان، والثانية، خاصة ومنبثقة من الوثائق، ويبدأ المؤرخ عادة بالفرضية الخاصة، بالحقيقة المستفادة من الوثائق، من مثال: مدينة ما تحمل اسما عربيا، ولكن الوثائق لا تذكر من بناها، فعلى المؤرخ أن يعرف مؤسسها، فإذا وقع الباحث على الفرضية العامة القائلة بأن اسم مدينة ما هي غالبا لغة الشعب الذي أنشأها فإنه يستنتج أن هذه المدينة أسسها العرب، لأنها تحمل اسما عربيا. ولكي تكون النتيجة صحيحة وثابتة يجب أن يتوافر شرطان: 1- أن تكون الفرضية العامة صحيحة كل الصحة: أي يكون الارتباط بين الواقعتين التاريخية وثيقا جدا، وإذا استوفى هذا الشرط، يكون لدينا في الواقع "قانون" بالمعنى العلمي للكلمة، ولكن من الواضح أننا بمعالجتنا لوقائع الإنسانية، لا يمكننا أن نعمل إلا "بقوانين فرضية" منبثقة من تعميمات ناقصة، فهذه "القوانين الفرضية" قريبة من الحقيقة بالنسبة إلى مجموعة محددة من الوقائع، إلا أنها ليست صحيحة دائما، ففرضية ارتباط اسم المدينة بالشعب المنشئ لها، المذكورة آنفا، ليست صحيحة دائما، من مثال سيراكوز في أمريكا "شمال غرب نيويورك" تحمل اسما إغريقيا، ومن ثم لا بد من توافر شروط أخرى قبل إصدار حكم بأن اسم مدينة متعلق بجنسية مؤسسيها. 2- يجب أن يكون لدى الباحث معرفة تفصيلية عن الحقيقة الخاصة، أي قبل إصدار الحكم حول الشعب الذي أسس مدينة ما، لا بد للباحث من دراسة الظروف المختلفة المحيطة بالمدينة، كموقعها وعادات الشعب، وتطورات تاريخها، أي لا بد من الاعتماد على مجموعة من الظاهرات والتفصيلات، لا على ظاهرة واحدة، ولا سيما أن الكليات

العامة مستمدة في أغلب الأحيان من معلومات عن الحياة الاجتماعية وتحتوي معظم هذه المعلومات على عنصر من الشك، ولذا لا بد من الحذر. هذا ولا بد من التأكيد على أن يكون الباحث متزويا في عملية الاجتهاد التاريخي، وحذرا في اجتهاداته واستنتاجاته، وألا يذهب فيها بعيدا، ولا يعتمد على تعميمات ضعيفة لا أدلة أو براهين كافية عليها، علما بأن الاجتهاد لا يؤدي إلى نتائج قاطعة وثابتة، وإنما إلى نتائج تقريبية، كما أن بعض القضايا التي لم تنشر إليها الوثائق، قد تبقي حائرة لا أرى حاسم فيها، حتى يكتشف من المصادر ما ينير غموضها، وعلى الباحث أيضا ألا يسرف في تحليل الأصول، بحيث يحملها من الاجتهادات أكثر من محتواها الحقيقي، كما لا يجوز أن يخلط بين الحقائق المؤكدة التي توصل إليها من وثائقه، وبين الوقائع التي حصل عليها بالاجتهاد، وفي الحالة الأخيرة عليه أن يبين بصراحة أنها استنتاج، وأن يظهر مدى ثقته أو شكه بها. 4- ربط الحقائق التاريخية ببعضها أو البحث عن علاقات قائمة بينها؛ التعليل: وهي ذروة العملية التركيبية في التاريخ، والنتائج النهائية لها، ويقودنا بحث العلاقة بين الحقائق إلى موضوع هام في منهج البحث التاريخي، وهو موضوع التعليل، أو البحث عن الأسباب، ولقد أكد التيار الحديث في الكتابة التاريخية أن دراسة التاريخ هي دراسة أسباب، وإذا كان جمع المادة التاريخية يشكل الخطوة الأولى، فإن التعليل يشكل الخطوة الأخيرة الحاسمة، وهو الذي يقود إلى الصيغ العامة التي تشبه إلى حد ما القوانين، والتي تحاول أن تكشف النسيج الذي يكون ماضيه الإنسان في دوافعه وروابطه1، فسرد الأحداث متسلسلة زمنيا أو مصنفة نوعا، مهما بلغ من الدقة والموضوعية، لم يعد يمثل في نظر المؤرخين المعاصرين سوى تقويم "كرونولوجي"، لا يفسر واقع الإنسان وفعاليته المختلفة، ولا بد من إدخال الروابط المنطقية والمعقولة،

_ 1 شاكر مصطفى، "التاريخ هل هو علم" مجلة عالم الفكر. المجلد الخامس. العدد الأول، "1974" 201.

ضمن تلك الأحداث، والتساؤل عن أسباب ازدهار الحضارات وانحطاطها، وتفوق الأمم وتدهورها، وتفجر الثورات وخمودها إلى غير ذلك من الأمور، فالسببية هي الركن الأساسي الذي يقيم التاريخ عليها علميتهن ويحاول أن يتساوى بها مع العلوم الأخرى. لقد أكد ابن خلدون على مبدأ "العلية" أو "السببية" عندما ألح على أن التاريخ "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق"1. إن اهتمام المؤرخين بسببية الأحداث يعني إيمانهم بأن "التاريخ ليس مجرد أحداث لكنه يستند كالعلوم الأخرى إلى فرضية مسبقة، هي أن ثمة قوانين تسير هذا النظام من الأحداث على الشكل الذي يجري فيه، وقد أكد هذه الفرضة "هيغل"2 بنظريته القائلة: "إن الزمان والمكان والفردية، ليست وحدات مستقلة مشتقة بعضها عن بعض، كما أن الواقعة التاريخية ليست فردية، كل شيء في الوجود يتم وفق مخطط منطقي عام تجري الحوادث بموجبه، فلا صدفة في التاريخ، بل لا علل مبدئية لحوداثه، فهذه الأخيرة ليست إلا أسبابا ظاهرية". وقد تبنى هذه المفهوم بأطره العامة عديد من المؤرخين في القرن "التاسع عشر" من مثال المؤرخ الفرنسي ميشله "1798- 1874م" الذي رأى في مجرى الحوادث دورها الخاص في تقديم المجتمع الإنساني، وكانت مدار دراسات وتأملات فلاسفة التاريخ، وما زالت مشكلة السبب التاريخي في جوهرها دون حل رغم محاولات المؤرخين تلمس أسباب الحوادث. يضاف أخيرا مشكلة كبرى هي مشكلة "الاحتمال والصدق" فهناك أمور تبدو خارجة عن حدود إرادة الإنسان، ومن هنا كانت السببية في التاريخ هي محاولة للكشف عن السبب ولكن عن تلك المجموعة المركبة من الأسباب والعوامل الكامنة

_ 1 مقدمة ابن خلدون، مرجع سبق ذكره، ص3-4. 2 فيلسوف ألماني "1730-1831م" طرح آراءه حول سير التاريخ والمفهوم الجدلي فيه.

في كل حدث، وهكذا فإن المشكلات الكثيرة التى لا تزال تحيط بمفهوم السببية في التاريخ، دعت عددا من الفلاسفة إلى إخراج لفظ "سبب" من قاموس المؤرخين، ورغم ذلك فإنه لا بد للباحث من المضي في مضمار التعليل، لأن المقصود من السببية في التاريخ تفسير أحداثه، أي جعلها أكثر فهما وإيجاد معناها، وبيان أمور فيها تبدو غير ذات معنى. يقسم والش "Walsh"1 مفهوم تفسير التاريخ أو البحث عن التعليل فيه إلى ناحيتين: الأولى هي "البحث عن المعنى في التاريخ" والثانية هي البحث في معنى التاريخ، تكون الأولى عندما يبحث المؤرخ في معنى "حادث" أو "مجموعة من الحوادث" في بيئة محدودة، مثلا تساؤله عن أسباب الموجة الأولى من الفتوحات العربية الإسلامية، فالبحث يجري في مجموعة من الأحداث المحددة في الزمن وإلى حد ما في المكان، وهذا العمل بحسب "والش" هو عمل المؤرخ، وفي هذا المضمار يمكن للباحث التاريخي أن يصل بغيته بطرق شتى أهمها: 1- أخذ ما ذكر في الأصول التاريخية نفسها عن مثل تلك الأسباب. 2- قيام المؤرخ بدراسة العناصر الداخلة في كل حادث تاريخي على حدة وتحليلها. 3- وضع بعض الفروض التي يتخيلها الباحث من ظواهر الحقائق التي تعرض له، ومحاولة إثبات أو نفي هذه الفروض حسبما يملك من حقائق بنزاهة وموضوعية. وعند تحليل الباحث لعناصر العلاقات في الحادث المدروس لاستخلاص أسبابه، يجب أن يلجأ إلى طريقة "المقارنة" متبعا بذلك طريقة العلماء الطبيعيين ونحوهم آخذا بالاعتبار ما يلي: 1- إن دراسة التاريخ تدور حول "تاريخ الإنسان" والإنسان كائن معقد.

_ 1 Walsh, Meaning in history in "Theories of History" Free Press New york 1965. p 298.

2- إن الحوادث التاريخية لا تخضع لسبب واحد، بل لمجموعة من الأسباب. 3- إن أحداث التاريخ محدودة بالزمان والمكان. أما الناحية الثانية في دراسة التعليل التاريخي، وهي دراسة معنى التاريخ ككل، فإن والش يؤكد ويلح على أن هذا لا علاقة خاصة له بعمل المؤرخين، لأن التساؤل عن معنى التاريخ ككل هو سؤال فوق التاريخ، فالتاريخ بمعناه الحقيقي هو انصباب جداول عديدة من الأجناس والأمم والعادات والحكومات والصناعات والأفكار والإرادات في تيار واحد من الأمل التقدمي وقد طرحت عدة نظريات للتعليل الواحد في التاريخ، أو معنى التاريخ ككل. تقتسم اليوم ميدان فلسفة التاريخ مدارس عدة، تياراتها يكمل الواحد الآخر، وتحاول جميعها أن تنظر إلى تاريخ الإنسانية وحدة متكاملة، والمذاهب الفلسفية المعاصرة هي: 1- المدرسة البيوغرافية "مدرسة سيرة الأشخاص" أو مدرسة التراجم. 2- المدرسة العلمية، أي أن التاريخ هو دراسة التطور العلمي التقني للإنسان. 3- المدرسة الاقتصادية، وتنظر إلى كل التاريخ على أنه صراع الكتل البشرية أو الجماهير ضد استغلال الطبقات. 4- المدرسة الجغرافية وترتبط بالمدرسة الاقتصادية في التفسير التاريخي، فأعمال البشر مسيرة بالجوع المادي والموقع الجغرافي. 5- المدرسة الاجتماعية: تحاول أن تبحث في أصل المجتمع وبنيته ونشاطاته، معتمدة على الأسباب الطبيعية والحيوية العاملة كلها معا في موكب تطوري. 6- المدرسة الفكرية المثالية: ويرى مؤرخو هذه المدرسة أن قصة تقدم الأفكار الإنسانية هي تاريخ الجنس البشري.

7- المدرسة التركيبية الشاملة: ويعترف فلاسفتها بأهمية الإسهامات التي قدمتها المدرسة الفلسفية الأخرى، وأن قيمة هذه الإسهامات لا تبين إلا عندما نركبها في نظرة عالمية للتاريخ. وهكذا فإن تقدم الجنس البشري بكليته يصبح مفهوما عندما ننظر إليه على أنه تتابع عوامل وجود فردية وعلمية واقتصادية وجغرافية واجتماعية وفكرية، فالتاريخ هو القصة الكاملة للعالم بكل سعته. إننا ننهي بحث التعليل في التاريخ بالقول: إن على الباحث التاريخي أن يستفيد من مدارس فلسفة التاريخ كلها، وأن يسعى إلى البحث عن جميع الأسباب والعوامل والدوافع المشار إليها آنفا في إطار بحثه دون فكرة مسبقة، وألا يأخذ بنظرية واحدة، وأن يختار من الحقائق ما يؤيدها. وهكذا يتضح أن مرحلة التركيب التاريخي، هي أشق المراحل في البحث التاريخي، وأكثرها صعوبة، تظهر فيها إمكانية المؤرخ، لأن ما ذكر من مراحل في إعداد البحث التاريخي تتطلب محاكمة قوية وسليمة، وخيال مبدع، وثقافة واسعة عميقة، وموضوعية تامة.

المبحث الخامس: إنشاء البحث التاريخي

المبحث الخامس: إنشاء البحث التاريخي من خلال ما قام به الباحث التاريخي من إجراءات توصل إلى مجموعة كبيرة من الحقائق في هيكل تصنيفي معين، وفي سياق تعليلي محدد، وعمله لا يكتمل إلا بالتدوين ويميز النقاد التاريخيون في هذه الخطوة بين عمليتين: عملية الصياغة وعملية العرض. أ- الصياغة التاريخية: وهي آخر العمليات التركيبية، يسعى فيه المؤرخ للتعبير عن نتائج بحثه. وهي تقابل في العلوم الأخرى الدساتير أو القوانين التي تأخذ في بعض العلوم "صياغة رياضية" أما في التاريخ فالصياغة وصفية، دقيقة موجزة وهنا يصطدم

المؤرخ بمشكلة هي أول ما يجابهه وهي مشكلة "ما هو المهم" من الحقائق التاريخية، وفي أغلب الأحيان تستمد الحقيقة أهميتها من علاقتها ببيئة المؤلف وعصره وبهدفه أو أهدافه في كتابه التاريخ، ومن المؤكد أن هناك حقائق في كل موضوع بمثابة العمود الفقري منه، ولا معدى لجميع المؤرخين الذين يطرقونه عن الاستناد إليها، مهما كانت الظروف والعصر اللذان يعيشون فيهما، ومع ذلك فإنه يمكن القول: إن هذا لا يضمن اتفاقهم في القواعد العامة التي يصلون إليها، إذ قد يجد كل واحد منهم في الحقائق ذاتها معاني مختلفة. وقضية ما هو مهم لها تفسيران: المهم في نظر الماضي والمهم الآن، والتاريخ العلمي الدقيق بحسب المؤرخ الألماني "فون رانكة1: 1795-1886م" هو القائم على المعنى الأول وهذا يتطلب توفر ما يسمى "الحاسة التاريخية" لدى الباحث، وهذا الاتجاه في الدراسة التاريخية، هو ما يعبر عنه بلفظ "الموضوعية" وهو الذي ساد في القرن "التاسع عشر"، وسعى المؤرخون خلاله أن يحققوا بهذا المثل الأعلى. شاع التيار الثاني منذ مطلع القرن "العشرين" الذي تحدى فكرة "الموضوعية" على أساس أنها غير ممكنة التحقيق، ومع أنه من المتفق عليه مبدئيا أن الباحث الموضوعي ينتقي عادة من الحقائق ما كان لها أكبر النتائج على تطورات أتت بعدها، أو ما يمكن أن يستشف منها ما سيأتي، أو تلك التي انبثقت بشكل طبيعي مما سبقها، فإن النقادة التاريخية قد وضعوا بعض نقاط هادية في هذا الطريق، وميزوا بين ثلاثة أنواع من الحقائق: الحقائق العامة وهي المشتركة بين مجموع كبير من الناس أو الحقائق التي لها صفة أكثر ديمومة من غيرها "العادات، النظم" والحقائق الفردية أو الشخصية وهي التي تخص شخصية تارخية معينة، وحقائق الحوادث وتعتبر من الحقائق الخاصة لأنها تحدث مرة واحدة ومحددة بزمانها ومكانها.

_ 1 كان على رأس المدرسة الوصفية في الكتابة التاريخية ومن أتباعها المؤرخان الفرنسيان شارل لانغلوا وشارل سينوبوس.

تدعم الصياغة الكمية الصياغة الوصفية للحقائق، وهي الآن عنصر حيوي في الكتابة التاريخية المعاصرة، ويمكن حصر الصيغة الكمية في التاريخ بـ: المقياس والتعداد وهو أمر إحصائي والتقدير وهو تعداد ناقص يقوم به الباحث في مجال محدود وأخذ العينات أو النماذج وهو تعداد نسبي مقصور على بعض وحدات مأخوذة من ميدان البحث. قد تترجم الصيغة الكمية في التاريخ إلى صيغة خطية بيانيا معتمدا فيها الباحث على الوسائل الإحصائية المختلفة، كما أن الصيغة الوصفية تعتمد على صيغة مكانية بيانية توضحها طريقة ما فالصياغة التاريخية إذن هي تركيز وتكثيف مدون للحقائق التاريخية العديدة، ومحاولة لوضعها في صيغة عامة واحدة. وفي الحقيقة إن عملية الصياغة التاريخية هي جزء من عملية التركيب التاريخي، إذ قد تقود إلى التعليل أو التعليل إلى الصياغة الصحيحة، وهي تركيز وتكثيف مدون للحقائق التاريخية العديدة، ومحاولة لوضعها في صيغة عامة واحدة، تسقط منها الحقائق المتغيرة وتبقى الثابتة والمشتركة منها. ب- العرض التاريخي: وهو إخراج الموضوع وحدة كاملة متماسكة الأطراف، بحيث يكون إحياء للماضي يتحسسه الباحث القارئ، وهذه الخطوة هامة وعسيرة، ويتبين في العرض أمران رئيسيان: أولهما اتباع الباحث مخططا واضحا وثانيهما استخدام الباحث أسلوبا كتابيا ملائما والعمليتان متكاملتان. سوف نتحدث في موضع آخر عن كيفية كتابة تقرير البحث في مختلف مناهج البحث العلمي، مما يعفينا هنا من التفصيل في ذلك، وتكفي الإشارة إلى أن البحث العلمي يشمل في صورته التقليدية: المقدمة، المتن، النتائج، الهوامش، بحيث يشمل مشكلة البحث والفرضية الأساسية

التي قام عليها البحث والفرضيات الثانوية التي تفرعت عنها، ثم طرائق الباحث في النقد والبحث والنتائج التي توصل إليها، وأخيرا قائمة بمراجع البحث والفهرسة الأبجدية والفهرسة العامة. يعرف الباحث حقائقه بموجب الصيغة التي توصل إليها مترابطة ومتماسكة وشارحة وموضحة الواقع التاريخي الماضي، مع تأكيد على التعليل ومناقشة رصينة للآراء، ودعم بالأدلة والشواهد، وقد لا يستدل الباحث بمعنى مضمون الوثيقة فحسب، وإنما يقتبس من النص فقرة أو فقرات، وقد يتضح للباحث أثناء عرضه التاريخي أن هناك نواقص وثغرات في بحثه لا بد أن تستوفي، فيلجأ إلى بحث تلك النواقص، وقد يضطر إلى تعديل نتائجه بل وتغيير توضيع الفصول نفسها. نشير بخاصة إلى أسلوب عرض البحث التاريخي، إذ أن الأسلوب الأدبي الصرف غير مستساغ أبدا في الكتابة التاريخية، لأنه قد يحرف الحقائق عن مسارها الدقيق، بما يطرحه من ألفاظ عامة، أو حاملة لصفة المبالغة، أو منجرفة وراء الخيال، فالكتابة التاريخية فن لا يمتلك ناصيته جميع المؤرخين، إنها كتابة بعيدة عن الإطناب الممل والاختصار المخل، بعيدة عن المبالغات أو التعصبات أو الإخلال بالموضوعية تظهر من خلالها شخصية الباحث الذي يجب أن يجلو قصة الإنسانية بوضوح وأمانة1.

_ 1 Van Dalen, D. B "Unde4rstanding educational research, ch.7.

المبحث السادس: تقويم منهج البحث التاريخي

المبحث السادس: تقويم منهج البحث التاريخي دار نقاش حاد وجدل بين المؤرخين والعلماء حول موضوع "المنهج العلمي للبحث التاريخي" وأيضا بين بعض المناطقة والفلاسفة في القرن "التاسع عشر"، وما زال مستمرا حتى الآن، لقد دار الجدل حول طبيعة المادة التاريخية وطرائق الوصول إلى الحقيقة العلمية المجردة والثابتة ونعرض فيما يلي وجهتي النظر: 1- لقد أنكر كثير من العلماء الطبيعيين والمناطقة على المعرفة التاريخية علميتها "الوضعية" وصحة حقائقها وثبوتها، بحجة عدم إمكان إخضاعها لطرائق العلم الوصفي الحديث، المعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة واستنباط القوانين وحتميتها. 2- لا يمكن ملاحظة جميع أحداث التاريخ المعاصر، بنزاهة واستيعاب وتجرد، فهي تحدث مرة واحدة في زمانها ومكانها، وقد تجري بشكل مفاجئ وفي ساحات متعددة، مما يصعب معه الإحاطة بها بالملاحظة المباشرة ولهذا فمن الأحرى أن يصعب الإحاطة بالأحداث التي مضت. 3- التاريخ لا يعيد نفسه تماما، وعنصر الصدفة قد يبتر أي محاولة لاستشفاف المستقبل والتنبؤ بالحدث قبل وقوعه، لهذا يقول البعض: إن التاريخ مجموعة أقاصيص كاذبة أو صادقة1، وآخرون: إن التاريخ نوع ممتع من الأدب، وقد أكد رجال الأدب أن التاريخ فن من الفنون وليس علما من العلوم، ويرى آخرون أن التاريخ أخطر إنتاج صنعته كيمياء الفكر2. 4- إن مصدر الباحث التاريخي في المعرفة لا يعتمد على الملاحظة المباشرة، ومصادره غير مباشرة من مثل: الآثار والسجلات أو الأشخاص، وقد يشك في قدرتهم على الاحتفاظ بالحقيقة بعد مرور فترة زمنية عليها، كما أن الباحث التاريخي لا يستطيع أن يصل إلى كل الحقائق المتصلة بمشكلة بحثه، قد لا يستطيع الكشف عن كل الأدلة واختبارها، لهذا فإن المعرفة التي يتوصل إليها جزئية وليست كاملة. 5- على الرغم من أن غرض العلم هو التنبؤ فإن الباحث التاريخي لا يستطيع دائما أن يعمم Generalize" على أساس الأحداث السابقة، لأن هذه الأحداث كانت غالبا غير مخططة، أو أنها لم تتطور كما هو مخطط لها، فهناك عوامل أخرى لا يمكن التحكم

_ 1- هرنشو. علم التاريخ، ترجمة: عبد الحميد العبادي. القاهرة 1944. ص2. 2 Regard Sur Le mondactual, Paris, Gallimare. 24 Eailien. p 43.

فيها، كما أن تأثيرا واحدا أو لعدد من الأشخاص كان حاسما، وعلى ذلك فإن النموذج نفسه بما يشمل من عوامل سوف لا يتكرر. 6- يعاني المنهج التاريخي كأسلوب علمي من تعرض بعض الأحداث للتلف أو التزوير، مما يحد من عطاء المعرفة الكاملة حول مختلف جوانب الحياة، وظاهرتها في الماضي، ويجعلها معرفة جزئية. 7- يصعب تطبيق المنهجية العلمية لتغير الأحداث التاريخية، بالإضافة إلى صعوبة إخضاع الحدث التاريخي للتجربة، وما يلاحظ صعوبة وضع فرضيات مبنية على أسس نظرية قوية للأحداث التاريخية، لأن علاقة السبب بالنتيجة في تحديد مسار الأحداث التاريخية، لا يمكن تطورها بشكل دقيق لتعدد الأسباب عن الإلمام الكافي بالمادة التاريخية، ومن مصادرها الأولية الثانوية، مما يوجد صعوبات لدى التحقق من الفرضيات، وعليه من الصعوبة بمكان الوصول إلى نتائج يمكن تعميمها حسب المنهج. 8- ويشار إلى ملاحظة وهي أن البحث التاريخي لا يخضع للتجريب، كما أنه يصعب الوصول إلى نتائج تصلح للتعميم، لصعوبة تكرار الظروف التي وجدت فيها الظاهرة المدروسة، لهذا كانت الحقائق التي يتم التوصل إليها من خلال المنهج التاريخي غير دقيقة بمعايير البحث العلمي. يرى آخرون أن كل ما ذكر لا يحول دون الاعتماد على المنهج التاريخي منهجا علميا لتوافر معظم مقوماته كمنهج لإجراء بحث علمي وذلك من خلال ما يلي: 1- إن البحث التاريخي يعتمد المنهج العلمي في البحث، فالباحث يبدأ بالشعور بالمشكلة وتحديدها، ووضع الفروض المناسبة، وجمع المعلومات والبيانات لاختبار الفروض والوصول إلى النتائج والتعميمات، كما أن رجوع الباحث إلى الأدلة غير المباشرة من خلال رجوعه إلى السجلات والآثار والأشخاص الذين عاشوا الأحداث أو كتبوا عنها، لا يعتبر نقطة ضعف في البحث التاريخي، إذا أخضع الباحث معلوماته وبياناته للنقد والتحليل والتمحيص.

2- إن التجريب هو جوهر الطريقة العلمية، والفاحص الناقد للمصادر هو التجريب في الطريقة التاريخية، كذلك مسألة الفروض والنظرية والتعميم، "ونؤكد بأن أكبر نتائج البحث فائدة ودلالة تكون في التعميمات والمبادئ المستمدة من البيانات والمعلومات الحقيقية، والبحث التاريخي "الوثائقي" من هذه الناحية قد أدى إلى تعميمات وفروض كثيرة. والباحثون في العلوم الإنسانية بصورة عامة يدركون ويلاحظون الفروض أو التفسيرات للأحداث التاريخية خلال فترة معينة، بخاصة فما يتعلق بالتعرف على كيفية وسبب وقوع هذه الأحداث ... ومن الواضح أن كل واحدة من التفسيرات تمثل تعميمات موضوعة بحرص وعناية معتمدة البيانات الحقيقية المستمدة من تحليل الوثائق. أي أن استخدام الأسلوب الوثائقي "التاريخي" يتضمن أكثر من مجرد تجميع الحقائق"1. إن الباحث التاريخي يخضع دليله بشدة للتحليل النقدي للتعرف على أصالته وصدقه، وعندما يقرأ نتائجه فإنه يستخدم قواعد الاحتمالات المتشابهة لتلك التي يستخدمها علماء الطبيعة. 3- إذا كان العالم الطبيعي لا يستطيع التحكم في المتغيرات بصورة مباشرة، فإن هذا العيب ليس قاصرا على المنهج التاريخي، بل يميز البحوث السلوكية كلها بخاصة تلك التي لا تستخدم فيها البحوث المعملية، من مثل علم الاجتماع السياسي والعلوم الاجتماعية الأخرى والاقتصادي وغيرها. ولعل العوامل التي تحد من فاعلية المنهج التاريخي هو أنه غير مباشر "Indirect". وبالتالي فإن مصادر المعرفة للنقد الخارجي والداخلي، يتصل الأول بأصالة الوثيقة ويتعلق الثاني بمعناها ودرجة اتصالها بالحقيقة مما أشرنا إليه في موضع آخر. 5- إن المعرفة التاريخية معرفة جزئية أكثر منها كلية، ولكن هذا لا يمنع من أننا نتبع

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص270.

فيها كل الطرائق العلمية، ونتخذ فيها كل الاحتياطات الموضوعية، وما دامت طبيعة الحادثة التاريخية مختلفة عن طبيعة الحادثة الطبيعية فلا نستطيع أن نطالب الباحث المؤرخ بقوانين تشبه قونين الطبيعة، إن الأسباب في الحادثة التاريخية أكثر عددا وأشد تعقيدا، ولذلك ففروضه أكثر وأشد غموضا وتعميماته أقل دقة وموضوعية. ويبقى المنهج التاريخي علميا وضروريا لدراسة نوع من الحوادث، وما دام الباحث يبحث عن الحقيقة، فلا بد من أن يتبع المنهج التاريخي في سبيل الوصول إلى الحقائق التاريخية1.

_ 1 Van Dalen, D. B. op. cit. ch 7.

الفصل السادس: منهج البحث الوصفي

الفصل السادس: منهج البحث الوصفي مدخل ... الفصل السادس: منهج البحث الوصفي "Descriptive Method" تمهيد: نعرف المنهج الوصفي بأنه: "أسلوب من أساليب التحليل المركزي على معلومات كافية ودقيقة عن ظاهرة أو موضوع محدد، أو فترة أو فترات زمنية معلومة، وذلك من أجل الحصول على نتائج علمية، ثم تفسيرها بطريقة موضوعية، بما ينسجم مع المعطيات الفعلية للظاهرة". ويرى آخرون أن "المنهج الوصفي عبارة عن طريقة لوصف الموضوع المراد دراسته من خلال منهجية علمية صحيحة، وتصوير النتائج التي يتم التوصل إليها على أشكال رقمية معبرة يمكن تفسيرها" وتعريف آخر "إنه وصف دقيق وتفصيلي لظاهرة أو موضوع محدد على صورة نوعية أو كمية رقمية، فالتعبير الكيفي يصف الظاهرة أو حجمها ودرجة ارتباطها مع الظاهرات المختلفة الأخرى، وقد يقتصر هذا المنهج على وضع قائم في فترة زمنية محددة أو تطويرا يشمل عدة فترات زمنية. يعتبر الوصف ركنا أساسيا من أركان البحث العلمي، ومنهجه من أهم المناهج المتبعة فيه، إذ إن الباحث الذي يرغب في الوصول إلى نتائج علمية يعتمد عليها لا بد من أن يحرص على وصف الوضع الراهن للظاهرة، وذلك برصدها وفهم مضمونها والحصول على أوصاف دقيقة وتفصيلية لها بغية الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها والمشكلات التي يدرسها.

لقد بدأ منهج البحث الوصفي عند الغرب في نهاية القرن "الثامن عشر"، ونشط في القرن "التاسع عشر"، حيث ركزت الدراسات الاجتماعية التي قام بها فريدريك لوبلاي "F. Play"؛ "1806-1882م" بإجراء دراسات تصف الحالة الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة في فرنسة ولكن التطور الهام الذي أسهم في تطوير الأسلوب الوصفي في البحث كان في القرن العشرين. كان الأسلوب الوصفي مرتبطا منذ نشأته بدراسة المشكلات المتعلقة بالمجالات الإنسانية، وما زال الكثير من بحوث هذه المجالات وصفيا أيضا، إذ إنه المنهج الوحيد الممكن لدراسة بعض الموضوعات الإنسانية، كالبحوث السلوكية لعدم تمكن الباحث من إجراء تجارب في مثل هذه الموضوعات. وكما هو الحال في بحوث المجالات الإنسانية، فإن الأسلوب الوصفي يمكن استخدامه في مجال دراسة الظاهرات الطبيعية المختلفة، وسواء في المجالات الإنسانية أو الطبيعية فإنه لا بد من السير فيها وفق مخطط علمي متعارف عليه في جميع البحوث العلمية، مما سنوضحه في موضع آخر.

المبحث الأول: منهج البحث الوصفي عند العرب

المبحث الأول: منهج البحث الوصفي عند العرب كما كان فضل علماء العرب ملموسا في منهجي البحث التجريبي والتاريخي، فإن فضلهم يذكر في مجال البحث الوصفي القائم على أسس علمية، كانوا فيه روادا، سواء في العلوم الأساسية أو في العلوم التطبيقية أو العلوم الإنسانية، لقد جمعوا في مجال البحث الوصفي بين الوصف والتعليل والتحليل، نذكر في شأن العلوم التطبيقية حنين بن إسحاق العبادي "ت 264هـ/ 877م" والطبري "ت 366هـ/ 976م" وابن سينا "ت 428هـ/ 1036م" وطاهر السيجزي "كان حيا قبل عام 500هـ/ 1106م" وأبا بكر الرازي "ت 606هـ/ 1209م" وابن النفيس "ت686هـ/ 1288م" وعلي بن

عباس المجوسي وقد اشتهر بين "970/ 980هـ" والزهراوي وغيرهم وقد أوردنا ذكرهم في موضع آخر. أما في مجال العلوم الإنسانية، فإننا بحكم التخصص، نخص بالذكر المنهج الوصفي لدى الجغرافيين العرب، لقد كان التأليف الجغرافي يعرض لنا روحه ومضمونه في محاولات جدية للتفسير والتعليل العلميين، يدعمهما ذخيرة واضحة من المعرفة بهذا العلم، ونستمد المادة التي نحتاج إليها فيما يخص الجغرافية الوصفية من المؤلفات الغزيرة عن الرحلات البرية والبحرية، والكتب المتنوعة التي تقدم دليلا وافيا عن الطرق والمسافات والمراحل والدراسات المفصلة في الجغرافية الإقليمية والمحلية. ثم لم نجد أي مؤلف انصرف بصورة منهاجية لوصف مشهد الأرض الطبيعي حتى مطلع القرن "الثالث الهجري" "التاسع الميلادي"، وقبل أن يكون كتاب المجسطي نقطة انطلاق لدى العرب في ميدان الجغرافية الفلكية والرياضية، كانت أمور جغرافية استرعت انتباه العربي وملاحظاته حول النجوم الثابتة وسير الكواكب المتحركة وتغيرات الطقس، ومن ثم استرعت انتباه الكتاب العرب جغرافية شبه جزيرة العرب، ومن هؤلاء النضر بن شميل "ت 204هـ/ 819م" وهشام الكلبي "ت 206هـ/ 821م" والواقدي "ت 208هـ/ 823م" وكانت عنده أولى المحاولات الأدبية المطبقة على وصف العالم وأبو سعيد الأصمعي "ت 283هـ/ 896م". أوجد العرب إمبراطورية واسعة، وأدت رغبة المعرفة بها إلى ظهور الجغرافية الأدبية أو الوصفية، والتي تمثلت بعلمي المسالك والممالك وعجائب البلدان، ونذكر من بين المؤلفات في هذا الشأن، ابن خرداذبة "ت حوالي 272هـ/ 885م" وكتابه "المسالك والممالك" وهو من طلائع من ألف في هذا المجال، والمروزي "ت 274هـ/ 887م" وكتابه "المسالك والممالك" واليعقوبي "ت284هـ / 897م" وكتابه "كتاب البلدان" وقد تناول بحوثه بأسلوبه وصفي بخاصة النواحي الإحصائية والطبوغرافية وقد قال عنه

متز "Metz": إنه أول جغرافي بين العرب، وصف الممالك معتمدا على ملاحظاته الخاصة، وهناك السرخسي "ت 286هـ/ 899م" والبلخي "ت 322هـ/ 934م" وكتاباهما أيضا "المسالك والممالك" وقد تخلل كتاب البلخي الشرح والبيان والرسوم والإصطخري "ت بعد عام 340هـ/ 951م" وابن حايك الهمداني صاحب كتاب "شبه جزيرة العرب". ومما زاد في أهمية الجغرافية الوصفية، أن اتخذ الكثير السياحة وسيلة للدراسة وأكثر جغرافيو العرب هم السائحون، ونذكر من رحالة البر المسعودي "ت 346هـ/ 957م" وابن جبير الكناني "ت 614هـ/ 1217م" وابن بطوطة "ت 779هـ/ 1377م" والموصلي والعبدري و ... وهناك لون آخر من الكتابة الجغرافية يطالعنا بوصف تفصيلي لأقاليم خاصة، ومن طلائع المؤلفات في هذا الباب مؤلف موفق الدين البغدادي "ت 629هـ/ 1231م" وهو نوع من الدراسة الطبوغرافية لمدينة بغداد، ووصف البلخي لفارس، وهي من أهم الكتب الطبوغرافية في العصور الوسطى1، وكتاب "رسالة ابن فضلان" لأحمد بن فضلان، وهي أقدم وصف معروف لشاهد عيان عن حياة "الفايكنغ" ومجتمعهم، ووثيقة بارزة في وصفه لحوادث وقعت منذ ما ينوف عن ألف سنة، وذلك في القرن "الرابع الهجري" "العاشر الميلادي، وملاحظة البيروني "ت 440هـ/ 1048م" للأقطار الإسكندنافية ووصفه لأهل "ورنج" الإسكندنافين2، وما كتبه الحبيهاني والجرديزي وصاحب كتاب حدود العالم والبلخي وطليعة هؤلاء المهلبي، وهناك كتاب سليمان التاجر "ت 237هـ/ 851م" وكتاب "برزك بن شهريار الناخدا" الذي يعد مقدمة قيمة

_ 1 ارجع في شأن هذه الرحلات إلى: زكي حسن، الرحالة المسلمون في العصور الوسطى، أيضا: نقولا زيادة الرحالة العرب، وشوقي ضيف. الرحلات. 2 Walidi, A.Z "Islam and the Science of Geography". "Islam Culture, Hydar-Abad, vol viii, 1834. p 513.

لقصص السندباد1، وتعد قمة هذه المعرفة والكتب القيمة كتب أحمد بن ماجد، وأعظمها أهمية كتاب "الفوائد" الذي يصف فيه أصول الملاحة، ويقول فران "Ferrand. G": إن وصفه البحر الأحمر بغض النظر عن أخطاء خطوط العرض لا تدانيه أية إرشادات أوروبية2، كما وصف سليمان المهري رحلات هامة في أبحاث نثرية ثلاثة في تعليمات البحار3. تناول البعض من خلال أداء فريضة الحج، بالوصف والتحليل ما رأوه أو كتبوه، وقد أشار ياقوت الحموي في مقدمته إلى ذلك، وكانت روايات الحجاج المسلمين ذات قيمة علمية، نذكر منهم رحلة ابن جبير "579-581هـ/ 1183-1185م" والدليل الذي قدمه الكاتب الفارسي الهروي "ت 611هـ/ 1214م" والرحلة المغربية للعبدري "ت 688هـ/ 1289م" والفهري "ت 712هـ/ 1321م". كذلك كانت الرغبة في طلب العلم حافزا لمن يرغب بالسفر إلى المرامي البعيدة والنواحي القاصية كشمس الدين المقدسي "ت 390هـ/ 999م" وكتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" ويعتبره "اشبرنجر" "أكبر جغرافي عرفته البشرية قاطبة" وأبي الريحان البيروني، واليعقوبي "ت 278هـ/ 891م" وهو أول جغرافي درس النبات وصنف فيه والدينوري والبغدادي" ت 282هـ/ 895م" محب الأسفار وراء الاستزادة من العلم، ويعد أول من رسم نحو "200" نبتة ووضع لها وصفا وتعريفا علميا دقيقا، اعتمد على الملاحظة المباشرة والتجربة في دراسته، ووضع منهجا جديدا في دراسة العلاقة بين النبات والتربة لا يقل في علميته عما وصفه "كارل لينيس" السويدي "1707-1778م" في تصنيف النبات والتي لا تزال تستعمل الآن، وأهم آثاره "كتاب النبات" وهو موسوعة معجمية علمية تاريخية مؤلفة من ستة مجلدات أصولها مفقودة.

_ 1 Kimble. J. H. "Geagraphy in the Middle Ages". 1938. p 59. 2 Ency clopedia of Islam, Volxv, p. 365 et seq. Aartich. ly G.F Ferrant. 3 Encyclopedia of Islam, Vol. Iv. p. 529.

ولد نمط جديد، أي حكايات الأسفار بالمعنى الذي نفهمه اليوم في الربع الأخير من القرن "السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، وهي أقاصيص الرحالة الجغرافيين التي أودعوا فيها خلاصة تجاربهم. أمدنا الإدريسي "ت 560هـ/ 1166م" بمعلومات أصيلة في دقة لا ينازعه فيها أحد، وذلك في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" وجدة المعلومات وقيمتها الحقيقية تثيران إعجاب الجغرافيين المحدثين1، وابن جبير الكناني "ت 614هـ/ 1217م"2 له ميزة الأسبقية في كتابه "رحلة الكناني وكان طلعه إلى المعرفة، وقد وصل إلى القمة التي وصل إليها فن تدوين الرحلات في تاريخنا الفكري، وابن بطوطة "ت 779هـ/ 1377م" أشهر الرحالة المسلمين وكتابه "تحفة النظار في عجائب الأمصار" دبجه ابن جزي، ويقول عنه المستشرق بلاشير: "إنه رحالة يتفوق عنده حب الاستطلاع على حدة الذكاء" ويقول كراتشكوفسكي: "إنه لم يكن نقالة بل كان رحالة" وإنه منافس خطير لمعاصره الأكبر منه شأنا ماركو بولو البندقي الإيطالي "1254-1323م" وكتابه "كتاب ماركو بولو" ويقول بروكلمان: إن معلومات ابن بطوطة أوثق وأجدر بالاعتماد من رحلة ماركو بولو، أما البحاثة الياباني "ياموتو" فيقول: "إن وصفه لبلاد الصين فيه فقرات تعتمد على ملاحظات مباشرة عن الصين" ومنذ "الرحلة العياشية" التي وضعها العياشي "ت 1090هـ/ 1679م" لم يعد للوصف قيمة بقدر ما للنقاد الأساتذة العلماء. لقد قدم أسلافنا القدماء وصفا عن الكون والأرض والمحيطات والمجتمعات البشرية وعجائب الطبيعة والعادات المستغربة لدى الشعوب البعيدة بأسلوب وصفي يتم عن معرفة مباشرة، وكان حديثهم سردا تاريخيا حينا وملاحظات حينا آخر، ولكن

_ 1 Kimble, GH. "Geograply in the Midde Ages". op. cit p 59. 2 ورد هذا التاريخ في كتاب: عبد الرحمن حميدة. أعلام الجغرافيين العرب ص322، وفي حسين مؤنس. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس. ص429، 437.

ما سجلوه قام بدور فعال في الكشف عن الأرض والإنسان بأسلوب وصفي، تميزت جغرافيته بأصالة فريدة. لم يكن هناك مصطلحات جغرافية قائمة بكل معنى الكلمة قبل القرن "التاسع"، ومع ازدهار الترجمة تمكن العرب من الاطلاع على أفكار بطليموس ومارينوس الصوري، ومع ظهور هذه الترجمات بدأت السلسلة الجغرافية العلمية التي تبعها أنماط متعددة للجغرافية الوصفية، ثم تنوعت أوصاف الرحلات فساد في بعضها الطابع الواقعي في حين احتفظت الأخرى بالعنصر القصصي. لقد أخذت الجغرافية صورا متباينة حسب الأزمنة وأمزجة الرجال الذين انصرفوا إليها مما جعلها تصطبغ بصفات مختلفة خلال تطورها في الزمان، هذا ولا شك فإن منهج الجغرافية الوصفية عند العرب يسترعي الانتباه، بغزارة مادته، ذات الطابع المميز، والسيماء الخاصة، مما لا نجد له مثيلا في آداب الأمم الأخرى. لم يكن في وسع العقول المستنيرة في أوروبا أن تتجاهل حقيقة المسلمين في مجال الجغرافية الوصفية التحليلية، نقرأ للراهب الدومينيكي "فنسنت أف بوفيه" "Dominical Friar Vincent of Beaunvais" الذي يوجز المعرفة السائدة في كتابه "Speculum"، نراه ينقل في معرض كلامه عن وادي النيل عن ابن سينا بين مصادره، ونجد في كتابات الراهب "ألبرت الكبير" وهو كثيرا ما يبدي تحولا عن الرأي السائد في شأن العالم، استنادا إلى مصادر عربية كثيرة، ثم تعقب ذلك الرحلات الخيالية لرجل إنكليزي وهو "سيرجون مندفيل 1356م"، ويعتبر وصف هذه الرحلات من باب الخيال المحض تملؤه الأسانيد والخرافات، ولقي هذا الكتاب قبولا عظيما خلال القرنين "الرابع عشر والخامس عشر" إذ يعطي العامة من الأوروبيين فكرة عن العالم نقارن ذلك بهمم التبصر في حقائق الأرض على أساس من الملاحظة لدى العرب. ونذكر في هذا المجال "روجر بيكون" "611-694هـ/ 1214-1294م" صاحب

كتاب1 "Opus Majus" إننا نجد بين المصادر العربية التي ذكرها كمراجع له في شئون الفلك والرياضيات والجغرافية أسماء مثل أبي معشر، وقد أورد ذكره في معرض إشارات متعددة تتعلق بالرياضيات والفلك والفلسفة الأخلاقية، وقال عن كتاب أبي معشر "الاتصالات": إن معرفة علم الفلك قد وصلت إلى أيدي اللاتين عن طريق هذا الكتاب، وهناك الفرغاني وابن سينا والبتاني وثابت بن قرة والزرقالي2. ونورد فيما يلي نموذجا عن المنهج الوصفي لدى الجغرافيين العرب نستقيه من كتاب "أحسن التقاسيم لمعرفة الأقاليم" بدأ كتابه بمدخل طويل نوعا ما ومكثف عن الجغرافية الطبيعية، وعن أبحاث الذين سبقوه والتقسيمات التي تبنوها والاصطلاحات والتسميات الدارجة، ثم عالج في القسم الأول الأقاليم العربية، ووصف في القسم الثاني الأقاليم الفارسية والأقطار الإسلامية الشرقية، وخص كل أقليم بفصل خاص وذلك ضمن إطار مخطط متماثل يبدأ بعموميات عن المنطقة ثم بوصف المدن والنواحي التي تتبعها وينتهي بمعلومات جزيلة الفائدة عن المناخ والديانة والغرائب والتجارة والمظاهر الجغرافية في المنطقة المذكورة، ولعل من الأفضل أن نترك المقدسي يقدم منهجه بنفسه: "فرأيت أن أقصد علما قد أغفلوه، وانفرد بفن لم يذكروه إلا على الإخلال، وهو ذكر الأقاليم الإسلامية، وما فيها من المفاوز والبحار والبحيرات والأنهار، ووصف أمصارها المشهورة ومدنها المذكورة، ومنازلها المسلوكة وطرقها المستعملة، وعناصر العقاقير والآلات، ومعادن الحمل والتجارات، واختلاف أهل البلدان في كلامهم وأصواتهم وألسنتهم وألوانهم، ومذاهبهم ومكاييلهم وأوزانهم، ونقودهم وصروفهم، وصفة طعامهم وشرابهم وثمارهم ومياههم ومعرفة مفاخرهم وعيوبها وما يحمل من عندهم وإليهم، وذكر واضح الأخطار في المفازات وعدد المنازل في المسافات". ومن الغريب أنه وصل إلى فكرة الجغرافي الحديث في تدبره فائدة الموضوع بالنسبة للتعليم العام والثقافة فيقول: "وعلمت أنه باب لا بد منه للمسافرين والتجار، ولا غنى عنه للصالحين والأخيار، إذ هو علم ترغب فيه الملوك والكبراء وتطلبه القضاة والفقهاء، وتحبه العامة والرؤساء" ويرجع إلى مؤلفات الجغرافييين أمثال ابن خردذابة والجيهاني والبلخي والهمداني والجاحظ، فيعالج ميزاتهم وأخطائهم بصراحة.

_ 1 Roger Bacon. R. Opus Majus Vol. 1, p. 152. 2 نفيس أحمد. الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي، ط3 ترجمة: فتحي عثمان، دار العلم، بيروت، 1404هـ/ 1984م، ص268.

المبحث الثاني: مراحل المنهج الوصفي

المبحث الثاني: مراحل المنهج الوصفي يقوم الباحث الذي يتبع المنهج الوصفي بإنجاز مرحلتين: الأولى هي مرحلة الاستطلاع والثانية هي مرحلة الوصف الموضوعي، بحيث يكون الباحث أخيرا نظرية يمكن اختبارها أي أنه يقوم به: 1- تفحص الموقف المشكل ودراسته دراسة وافية. 2- تحديد المشكلة التي يريد دراستها. 3- صياغة فرضية معينة لهذه المشكلة بناء على ملاحظاته ويدون هذه المشكلة ويقرر الحقائق والمسلمات التي يستند إليها في دراسته. 4- اختيار عينة مناسبة ويعين مواضيع فحصهم. 5- تحديد طرائق جمع البيانات التي ينبغي الحصول عليها. 6- تصنيف البيانات التي يريد الوصول إليها وذلك بغرض المقارنة والتوصل إلى وجوه الشبه والاختلاف وتبين العلاقات. 7- اختيار أدوات البحث التي يستخدمها في جمع البيانات، كالاستبيان أو المقابلة أو الملاحظة وفقا لطبيعة المشكلة موضوع الدراسة، ويتحقق من صلاحية هذه الأدوات في جمع البيانات.

8- القيام بملاحظات وجمع البيانات بطريقة موضوعية ودقيقة. 9- تحديد النتائج التي توصل إليها الباحث وتصنيفها ثم تحليلها وتفسيرها بدقة وبساطة، ومن ثم وضع توصيات لتحسين الواقع الذي يدرسه1. نستنتج مما ذكرناه أن الباحث الكفء ليس مجرد جامع للمعلومات أو مصنف لها، وإنما يقوم بعمله على أساس من فرضية معينة ولغاية محددة يتم الوصول إليها وفق خطوات معينة. إن مصادر معلومات الباحث في المنهج الوصفي إما من المجتمع الأصلي كله أو من عينة ممثلة لهذا المجتمع، ويتوقف اختياره لهذه الطريقة أو تلك على طبيعة الدراسة التي يقوم بها وعلى مداها، وفي حالة قيامه بدراسة المجتمع الأصلي بكامله لا بد أن يكون المجتمع المدروس صغيرا نسبيا، ويمكن الدراسة بهذه الطريقة، وحينئذ تنطبق النتائج التي توصل إليها على هذا المجتمع الصغير وحده، وإن كانت ذات فائدة نسبية بالنسبة للمجتمعات المماثلة، أما إذا كان المجتمع كبيرا، فلا بد من اختيار عينة منتقاة بطريقة علمية كي يستطيع القيام بالدراسة وحينئذ يعمم النتائج التي توصل إليها على المجتمع الأصلي الكبير بكامله، واختيار العينة أمر صعب وله طرائق تقنية سنعود إليها في موضع آخر. يعبر الباحث عن البيانات التي جمعها إما بطريقة وصفية أو كمية أو بكليهما، والألفاظ الكيفية كثيرا، ما تعوزها الدقة، إذ إنها لا تحمل المعنى نفسه بالنسبة لكل الأفراد وفي كل الأحوال، كقولنا: "قليل، كثير" لهذا فإن الباحثين يحرصون على استعمال الرموز الكمية التي تعبر عن حقائق موحدة بالنسبة لجميع الأفراد وفي جميع الأحوال. هذا وتفرض بعض الدراسات الأسلوب الكمي كالتعبير بالأرقام وبرسوم بيانية على "تطور الدخل القومي" مما يتطلب عدة مفاهيم إحصائية، فهي تعطي وصفا. دقيقا للظاهرة، بخاصة أنها تستند إلى قاعدة محدودة من القياس والإحصاء، على أن تتوافر أدوات القياس المناسبة، أما نتائج البحث فإن طبيعة المشكلة هي التي تحدد الأسلوب المناسب لعرضها، وحيث تخضع المشكلات المتعلقة بالظاهرات الطبيعية للأسلوب الكمي، في حين تخضع المشكلات الاجتماعية للأسلوب الكيفي أكثر من الكمي.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره، ص115.

المبحث الثالث: أنماط البحوث الوصفية

المبحث الثالث: أنماط البحوث الوصفية تتنوع الدراسة الوصفية من حيث مستوى تعمقها من جميع المعلومات والإحصاء البسيط أو الوصف البسيط للظاهرة، إلى تنظيم العلاقات بين هذه المعلومات، إلى دراسة أثر عامل آخر، كما تتخذ الدراسات الوصفية أنماطا وأشكالا متعددة لم يتفق العلماء على أنواعها، يجعلها البعض خمسة، في حين يجعلها البعض الآخر أكثر أو أقل، وقد أشار فإن دالين1 "Van Dalen" إلى ثلاثة أنماط رئيسية هي: أ- الدراسات المسحية "Survey Studies". ب- دراسة العلاقات "Correlation Studies". جـ- الدارسات النمائية "Development Studies". ولا ننسى أن نشير إلى أن ثمة دراسات للترابط وأخرى للتنبؤ وثالثة مقارنة وسواها، كما أننا لا ننسي الإشارة إلى أن هذه التصنيفات ليست جامعة. ليست جامعة ولا مانعة، فما يعتبره كاتب دراسة تقع في مجال معين، قد يعتبره كاتب آخر واقعا في مجال مخالف. الدراسات المسحية "Survey Studies"، وهي جمع معلومات وبيانات عن ظاهرة للتعرف عليها وتحديد وضعها ومعرفة جوانب الضعف والقوة فيها، لمعرفة مدى الحاجة

_ 1 Van Dalen, D.B."Understanding Educatian Research" op. cit. ch. 3.

لإجراء تغيرات فيه، ويعتبر المسح أكثر طرق البحث التربوي والاجتماعي استعمالا، ذلك لأننا بوساطته نجمع وقائع ومعلومات موضوعية عن ظاهرة معينة أو حادثة مخصصة، أو جماعة من الجماعات، أو ناحية من النواحي "صحية، تربوية، اجتماعية" إلخ. يختلف المسح عن البحث التاريخي بعامل الزمن، بينما يهتم التاريخي بالماضي يهتم المسح بالحاضر، ويتميز المسح عن التجريب بالهدف من كل منهما فمسح الظاهرة يقرر وضعها ولا يبين أسبابها مباشرة، ويختلف المسح عن دراسة الحالة بالعمق والسعة فدراسة الحالة أعمق والمسح أوسع، يزود المسح الباحث بمعلومات تمكن من التعليل والتفسير واتخاذ القرارات ويكشف عن العلاقات ثم إن المسح يجري على الطبيعة وليس في ظروف مخبرية، وعلى نطاق واسع أو نطاق ضيق. وفي سبيل القيام بالدراسات المسحية لا بد من تحليل الوثائق، وقد أشرنا في موضع آخر إلى أن تحليل الوثائق في المنهج التاريخي يتناول الماضي في حين أن تحليل الوثائق في المنهج الوصفي يتناول الحاضر، والوثائق التي تحلل كثيرة الأنواع متعددة الوجوه، يستخدم في الدراسات المسحية أدوات البحث العلمي المختلفة للحصول على المعلومات والبيانات اللازمة مثل الاستبيان والمقابلة وهي أكثرها شيوعا، والملاحظة والاختبارات والسجلات اليومية والدورية التي يعدها العاملون عن نشاطاتهم ودراسة آراء عدد من الرؤساء الذين يشرفون على هذه الوظيفة. تشمل الدراسة المسحية على1: 1- المسح التربوي المدرسي: بدأ ببداية هذا القرن وأدى خدمات جلى، وإن كان قد كمل بالمقابلات والاختبارات والاستخبارات وغيرها، ويميز الكتاب عادة بين أنواع من المسح المدرسي هي:

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية مرجع سبق ذكره ص114-130.

1- مسح الخبير الخارجي. 2- المسح الذاتي. 3- المسح التعاوني. تقوم بالمسح الأول هيئات البحوث في وزارات التربية أو الجامعات أو مجالس البحوث العلمية أو ما شابهها، وأما المسح الذاتي فتجريه هيئة التدريس في المؤسسة التعليمية ذاتها، وأما المسح التعاوني فتجريه هيئة التدريس بالتعاون مع خبير خارجي أو تحت إشرافه. يتم المسح المدرسي في مدرسة واحدة أو في عدة مدارس، وعلى مستوى المحافظة أو على مستوى القطر، أو المستوى القومي ذاته، ويتناول مثل هذا المسح موضوعات عديدة ومن البداهة أن نقول: إنه كلما اتسع مجاله ضاق فحواه. لقد أشرنا إلى تحليل الوثائق في الدراسة المسحية وفي المسح المدرسي الوثائق التي تحلل كثيرة الأنواع متعددة الوجوه، تتناول سجلات الطلاب وقوانين الإدارة ومنهج التدريس وغير ذلك كثير، ويخدم تحليل الوثائق أغراضا عديدة تتراوح بين تحسين المناهج والمقررات وبين دراسة الحالات وإسداء النصح والإرشاد. ويفيد تحليل الوثائق في عدد من الأمور منها: وصف ظروف وممارسات معينة توجد في المدرسة والمجتمع، إبراز الاتجاهات وتحديد الموقف، الكشف عن نواحي الضعف، تتبع نمو الطالب أو التطور الإداري، إظهار الفروق بين المحافظات والمناطق والأقطار، تقييم العلم التعليمي ومدى تحقيق الأهداف والغايات، إماطة اللثام عن التعصبات والتحيزات والكشف عن الميول والقيم. وهكذا نستطيع أن نقول: إن لهذا النوع من الدراسات منافعه وفوائده وإن كانت له حدوده ومزالقه. 2- طريقة تحليل العمل: "Job Analysis": أصبحت دراسات تحليل العمل اليوم دراسات على جانب كبير من الخطورة وتقوم على أسس علمية مدروسة تستخدم لدراسة الأوضاع الإدارية التعليمية وغير التعليمية، وفيها تجمع المعلومات عن واجبات

العاملين ومسئولياتهم ونشاطاتهم وكيفية قيامهم بأعمالهم وأوضاعهم العملية وعلاقتهم بالتنظيمات الإدارية وظروف عملهم والتسهيلات المتاحة لهم وغير ذلك، وقد أصبحت دراسات تحليل العمل على جانب كبير من الخطورة، وتقوم على أسس علمية مدروسة، وتفيد في الكشف عن نواحي الضعف والقوة في الإدارة، الازدواج في الأعمال، عدم الكفاية في إجراءات العمل المعمول بها، تصنيف الأعمال المتشابهة، الكشف عن جداول الأجور والمرتبات واختلافها ومناسبتها لطبيعة العمل، ودرجة مسئوليته، والمؤهلات للتعيين للأعمال المختلفة، تدريب الإداريين في أثناء العمل وقبله، شروط الدقة وواقعها، نقل العاملين ومعاقبتهم إلخ ... هذا وتحقق دراسات تحليل العمل الفوائد التالية: 1- تحديد أسس اختيار العاملين للوظيفة التي يتم تحليلها. 2- تنمية الموظفين العاملين في هذه الوظيفة لرفع مستوى كفايتهم الإدارية. 3- وضع أسس لترقية الموظفين ونقلهم. 4- تحديد الخصائص الشخصية لمن سيشغلون هذه الوظيفة. 5- تحديد أفضل الطرق لأداء العمل. 6- تحديد سليم للأجور والمرتبات في ضوء مسئولياتهم الوظيفية ومهامها. 7- تحديد معايير الإنجاز المطلوب ممن يشغل هذه الوظيفة1. 3- الدراسات المسحية للرأي العام "Public Opinion" الرأي العام هو تعبير الجماعة وحكمها وقرارها في عمل ما أو موضوع ما، ويكون التعبير عن الرأي العام بطريقة تلقائية أو بطريقة منظمة، وهي على جانب كبير من الخطورة والأهمية، حيث تساعد في الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية اللازمة لأية عملية تخطيط وتعرفنا بمواقف الناس واتجاهاتهم نحو الموضوعات التي ستتناولها عملية التخطيط. ويلجأ إليها الباحثون في ميادين الصناعة والتجارة والسياسة والتربية وسواها، يلجئون لها قبل اتخاذهم العديد من قراراتهم الهامة ورسم سياساتهم طويلة الأمد.

_ 1 ذوقان عبيدات وزملاؤه. البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص206-210.

تتفق خطوات دراسة الرأي العام تماما مع خطوات ومراحل البحث الوصفي من حيث التزامها بخطوات المنهج العلمي، وهي تحديد المشكلة، وتحديد المجتمع الذي سيدس رأيه أو العينة التي ستكون موضوع الدراسة، وأيضا تحديد أداة التعرف على الرأي العام، ومن ثم استخلاص النتائج وتنظيمها، ورغم بساطة منهج البحث إلا أن الباحث قد يقع في مزالق تؤثر في دقة الدراسة، كأن تكون العينة غير ممثلة تماما للمجتمع الأصلي، أو أن تكون العينة بعيدة الصلة عن الموضوع الذي يدرسه الباحث، أو أن الأسئلة الموجهة غير محددة، وتنقصها الدقة والوضوح. تستخدم في هذه الدراسات الاستبيانات والمقابلات الشخصية والاتصال الهاتفي، ويختار الباحث لذلك عينة بدقة وعناية، وذلك بغية الوصول إلى معلومات يوثق بها، ونشير إلى الأهمية البالغة لهذه الدراسة بالنسبة للسياسة في المجتمعات الغربية ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية ومعهد "غالوب المشهور". 4- مسح السوق "Market Survey": ويعتبر هذا النوع من المسح تطبيقا تخصيصا لمسح الرأي العام ... حيث يتضمن محاولة قياس رد فعل الناس بالنسبة للمنتجات الاستهلاكية، أو تقويم تأثير الإعلان على العادات الشرائية وزيادة ترويج البضاعة. لهذا النوع من التحليل آثاره الهامة لمصممي الإعلانات ورجال الصناعة والموزعين وغيرهم، وباستخدام المقابلات والاستبيانات يمكن تجميع آراء عينة ممثلة في المجتمع وتحليل هذه الآراء ... وبناء على هذه الآراء يقوم الموزع والمعلن بتقديم السلعة بطريقة أكثر جاذبية للمستهلك، كما يفيد هذا المسح في التنبؤ بدرجة عالية من الدقة بإمكانية التسويق الناجح، ومن المعروف أن رجال الصناعة والتجارة في السوق التنافسي الحديث يترددون في المخاطرة بمبالغ كبيرة لازمة لإنتاج سلعة جديدة أو طراز جديد دون وجود بعض الدليل على تقبل الجمهور له1.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص303.

5- المسح الاجتماعي "Social Survey": بدأت هذه الدراسة في إنكلترا سنة "1773م" على يد جون هوارد، وفي فرنسا سنة 1885م" على يد فريدريك لابلاي، وشارلز لزبوث "1839-1903م" تناولت موضوعات اجتماعية مختلفة، استهدفت دراستها توجيه الاهتمام إلى بعض المشكلات والقضايا الاجتماعية كجزء من حركات الإصلاح الاجتماعية في البلدان الأوروبية، كما اهتم الاشتراكيون الأوربيون بهذه الدراسات لإثبات الحاجة الملحة إلى التصوير والتغيير الاجتماعيين. تتسع مجالات المسح الاجتماعي لتغطي جوانب الحياة الاجتماعية كلها، فالدراسات السكانية وتوزع السكان ودراسات الأسرة وحركة السكان والهجرة الداخلية والخارجية، وعادات السكان وتقاليدهم واتجاهاتهم نحو مختلف القضايا الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية وفئات المجتمع وطبقاته، والفروق بين فئاته، كل هذه المجالات تعتبر ميدانا للدراسات المسحية الاجتماعية، هذا وما تزال المجالات الاجتماعية بكرا وخالية من الدراسات المسحية الاجتماعية في عدد كبير من الدول، ونظرا لأهمية هذا النوع من المسح نشير إلى أهم خطواته: 1- الإعداد والتخطيط. 2- جمع الوقائع والمعلومات. 3- تحليل المعلومات وترتيبها وتنظيمها. 4- تفسير المعلومات. 5- تقرير النتائج وعرضها. ومن الخطوط الرئيسة التي اتبعها بوث "Booth": 1- تجميع البيانات الكمية عن موضوع الدراسة. 2- التركيز على الأحوال الجارية دون الرجوع إلى الماضي.

3- الاهتمام بالوصف والمسح الشامل دون إهمال دراسة الحالة للفرد والجماعات. 4- الاعتماد على الملاحظة المباشرة والمقابلة الشخصية1. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أهمية اختيار العينة وضرورة كون أسئلة الاختيار محدودة وقليلة وواضحة، وإلى الأهمية القصوى لأن يكون القائمون به مدربين تدريبا حسنا، وإلى كون التقرير النهائي واضحا ودقيقا وموضوعيا، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، كان المسح الاجتماعي ضارا بدلا من أن يكون نافعا. إن لهذه الدراسات ميزة أساسية كدراسات المسح التربوي، كونها تمثل أسلوبا ناجحا في دراسة الظاهرات والأحداث الاجتماعية التي يمكن جمع معلومات وبيانات رقمية وكمية عنها، وفي كونها وسيلة لقياس أو إحصاء الواقع لوضع الخطط وتطويرها. وكما أن لهذه الدراسة حسنات فعليها أيضا مآخذ فهي دراسات مسحية تهتم بالشمول أكثر مما تهتم بالعمق، فالباحث الذي يقوم بعملية المسح الاجتماعي يهتم بدراسة آراء الناس ومواقفهم المعلنة دون أن يهتم بالتحليل أو بالتعمق في دراسة العوامل التي تؤدي إلى هذه الآراء والمواقف، كما يرى بعض الباحثين أن هذه الدراسات المسحية لا تعطي الباحث مرونة كافية لاستيعاب الظاهرة، كما قد يجدها في الواقع، وذلك لأن الباحث يعد مسبقا أدوات بحثه كالاستبيان مثلا قبل أن يبدأ لعملية المسح، وبذلك يقيد نفسه في أسئلة الاستبيان فقط، مما يؤدي إلى إغفال بعض المعلومات التي يستوعبها الاستبيان، ويمكن أن تقل أهمية هذا النقد إذا كان الباحث قد أعد استبيانه بعد فترة كافية من الدراسة ويستطيع أن يعزز المعلومات التي حصل عليها من الاستبيان باستخدام أدوات أخرى كالمقابلة أو الملاحظة.

_ 1 Youngy, y. "Scientefic Social Surveys and Research". "New york, Prentice Hall, 1949.

المبحث الرابع: دراسة العلاقات المتبادلة

المبحث الرابع: دراسة العلاقات المتبادلة إذا كانت الدراسات المسحية تكتفي بجمع البيانات والمعلومات عن الظاهرات التي تدرسها، من أجل وصف وتفسير هذا المعلومات لفهم هذه الظاهرات، فإن دراسة العلاقات لا تكتفي بعملية الوصف والتفسير، بل تهتم بدراسة العلاقات بين الظاهرات، وتحليلها والتعمق بها لمعرفة الارتباطات الداخلية في هذه الظاهرات، والخارجية بينها وبين الظاهرات الأخرى، ونذكر في هذا الصدد ثلاثة أنماط من هذا الدراسات هي: 1- دراسة الحالة. 2- الدراسة السببية "العلية" المقارنة. 3- دراسات الترابط. 1- دراسة الحالة 1 "Case Study": وهي بحث متعمق في حالة من الحالات، وبحث في العوامل المعقدة التي أثرت فيها، والظروف الخاصة التي أحاطت بها، والنتائج العامة والخاصة التي نتجت عن ذلك كله، ويرجع استخدام منهج دراسة الحالة خلال نصف القرن الماضي في نظر البعض إلى ظهور نظرية "الجشطلت Gestalt" التي لفتت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بالموقف الكلي، الذي يتفاعل فيه الكائن الحي، واعتباره جزءا من الموقف لا ينفصل عنه إلا بقصد التحليل فقط، وقد سبق إلى ذلك قدماء المصريين ومؤرخو رحالة العرب، حيث استخدموا دراسة الحالة في وصف حياة الناس والأمم، والأمثلة على ذلك كثيرة في تراثنا، وفي العصر الحديث اعتمد الباحثون هذا الأسلوب في صياغة بعض النظريات مثل "سيغموند فرويد" كما اكتشف فريدريك لابلاري تاريخ الحالة جزئيا ويعتبر عام "1951"، نقطة تحول كبيرة بالنسبة لهذا المنهج عندما نشر وليام هيلي "W. Healy" كتابه "الأحداث الجانحين".

_ 1 Goode carter V. and Scates. D. E. "Methods of Research Education, Psychological and Sociological". op. cit. pp 7632-730.

وقد تكون الحالة المدروسة فردا أو أسرة أو جماعة أو مؤسسة اجتماعية أو مجتمعا محليا، وباستخدام أدوات للبحث معينة، تجمع بيانات تدل على الوضع القائم للحالة المدروسة، حاضرها وماضيها، علاقتها مع غيرها من الحالات، وبعد النظر العميق في العوامل والأسباب، يستطيع الباحث أن يرسم صورة متكاملة للحالة وأن يفترض الفروض عن أسبابها، وأن يشخص علاقتها، وإذا كان القصد هو في الأعم الأغلب العلاج، يستطيع أن يصف الدواء الناجع، هذا وإن معظم دراسة الحالات دراسة تشخيصية علاجية إرشادية توجيهية، وإن كانت في الوقت نفسه تلقي الضوء على الأحداث النفسية: أسبابها وتطوراتها وعواملها ودوافعها وبالتالي علاجها بعد تشخيصها. تتميز دراسة الحالة بالعمق، لأن الحالة المدروسة تكون ضيقة المدى فردا أو جماعة محدودة، بل إن دراسة الحالة قد تنصب على جانب من جوانب حالة معينة محدودة، وتتم دراسة الحالة في إطار اجتماعي، الأسرة أو الجماعة أو المجتمع، ولما كان الإطار الاجتماعي ديناميكيا دوما، فإن دراسة الحالة لا بد أن تتضمن معلومات ذات علاقة بالدراسة عن الناس المحيطين بصاحب الحالة المدروسة والجماعة أو الجماعات الذين له بهم علاقة، والمواقف التي يتم فيها التفاعل، وطبيعة العلاقات بين الحالة والحالات المماثلة والمجاورة، ومن البديهي أن الباحث يعمد إلى كل مصدر ممكن فيستقي منه ما يعتبره مفيدا من المعلومات1. هذا وإن منهج دراسة الحالة لا يعتبر علميا بصفة كلية لأن عنصر الذاتية "Subjectivity" والحكم الشخصي موجود في اختيار الحالات وفي تجميع البيانات، إضافة إلى عدم صحة البيانات المجمعة أحيانا وصعوبة تعميم النتائج، رغم ذلك فقد أثبتت دراسة الحالة في الوقت الحاضر فعاليتها وقيمتها في مجالات متعددة كالتعليم

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره، ص121-122.

والاجتماع، وما يبدو مؤكدا أننا نتمكن من رؤية العلاقة بين العوامل المعزولة بصورة أكثر وضوحا من مجرد التحليل الكمي1. تشبه دراسة الحالة المسح ولكنها أضيق وأعمق وهي دراسة كيفية بينما المسح دراسة كمية، وكثيرا ما تتكامل الطريقتان، ويعتمد الباحث كليهما من أجل الوصول إلى الحقيقة، إذ إنه يمسح أفقا واسعا، يتعمق في حالات قليلة نموذجية، فيكون قد جمع بين السعة والعمق، إلا أن دراسة الحالة وإن كانت على جانب كبير من الفائدة، وبخاصة بالنسبة للأفراد والجماعات المحدودة، فإن إمكانية الاعتماد عليها في التعميم محدودة، ومن هنا كان حرص الباحثين على انتقاء حالات مماثلة ما أمكن، رغم ذلك فإن التعميم فيها خطير، ونشير إلى أن متابعة تاريخ حياة أحد الأفراد أو عمليات تطوير إحدى الهيئات والمجتمعات تتطلب مصادر وقواعد ومناهج بحث أخرى كمنهج البحث التاريخي، كما تتطلب من القائم بدراسة الحالة أن يتمتع بإمكانات عقلية يتمكن بوساطتها الوصول إلى ما يؤيد فرضه، ويلحظ ما يعاكسها ويحرص دائما على الموضوعية والدقة والضبط، لئلا تأتي تشخيصاته خاطئة ومعالجته مغلوطة وتعميماته خارجة عن الصدد، رغم ذلك فإن عنصر الذاتية في هذا المنهج لا يعتبر علميا. 1- خطوات دراسة الحالة: 1- تحديد الظاهرة أو المشكلة أو نوع السلوك المطلوب دراسته. 2- تحديد المفاهيم والفروض العلمية والتأكد من توافر البيانات المتعلقة. 3- اختبار العينة المماثلة للحالة التي يقوم بدراستها. 4- تحديد وسائل جمع البيانات كالملاحظة والمقابلة والوثائق الشخصية كتواريخ الحياة والسير والمفكرات إلخ.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص329.

5- تدريب جامعي البيانات. 6- جمع البيانات وتسجيلها ووضع التعميمات1. وتبدو خطوات دراسة الحالة وهي: التعريف والتحديد والتفسير شبيهة إلى حد ما بالبحث الوثائقي، وبالفعل فإن طريقة دراسة الحالة شبيهة فعلا بالبحث الوثائقي "التاريخي" مع فارق هو أننا في دراسة الحالة نتناول الأشخاص الأحياء والجماعات الاجتماعية. 2- المنهاج والوسائل: يتكامل منهج دراسة الحالة مع المناهج والأدوات والأساليب البحثية الأخرى. حيث تستخدم وسائل جمع البيانات كالاستبيان وبطاقة العلامات "Score Cards" ومقاييس التدرج "Rating Scales"، كم أن الملاحظة المباشرة ضرورية في معظم الأحوال، وربما تخدم المقابلة كوسيلة لملاحظة الأغراض أو العلاقات وتجميع البيانات والتشخيص والمعالجة والمتابعة، ولا يكفي الإحصاء لشرح وتفسير العوامل الديناميكية الإنسانية المؤثرة في الموقف الكلي، ولكن قد تستخدم الأساليب الإحصائية عندما تكون الحالات مصنفة وملخصة، لتكشف عن عدد مرات تكرار حدوث الظاهرة، فضلا عن التطورات والاتجاهات ونماذج السلوك، ومن هنا كانت أهمية دراسة الحالة والبعيد بها عن التجريد وفهمها فهما متعمقا وشاملا. إن جميع مصادر دراسة الحالة كالشهادة الشخصية "Testimony Personal" وهي أهمها وأولها، والترجمة، أو سيرة الشخص الذاتية "Autobiography"، والوثائق المجمعة، والتاريخ الطبي، والمحادثات والمقابلات "الأكلينيكية" وغير ذلك، جميع هذه المصادر والوثائق تفحص وتحلل بطريقة مماثلة لما يتم في تحليل وثائق المنهج التاريخي بهدف تحديد درجة أصالتها "Authenticity" ومعناها الصحيح، لأن هدف الباحث

_ 1 عبد الباسط محمد حسن. أصول البحث الاجتماعي، ط3، مرجع سبق ذكره، ص380.

من دراسة الحالة ليس الوصف الدقيق للشخص أو الجماعة المفحوصة، بل التعرف أيضا على الأسباب الرئيسية التي أدت بالفرد أو الجماعة إلى وضعها الحاضر "Present Study". ونتناول المقابلة الشخصية "Personal interview" لأنها أكثر الأساليب الشائعة المستخدمة في دراسة الحالة، وهي أقرب إلى الحالة الطبيعية للشخص، على أن يتم ذلك وفق ترتيب وتنسيق، وأن يحتفظ المجرب بموقعه الموضوعي قدر الإمكان، ولو أن الموضوعية العلمية التامة أمر عسير، لأن فهم الباحث للحالة، كما هو الحال بجميع وطرق مناهج البحث، هي التعرف على الطبيعة الحقيقية للناس والأشياء. ومهمة الباحث في منهج "دراسة الحالة" هي دور التشخيص أكثر منه دور الإصلاح. تشكل كتابة الملاحظات في دراسة الحالة جزءا أساسيا، ويفضل أن تسجل وتكتب المقابلة بكلمات الشخص ذاته ومباشرة والتحقق من المعلومات التي تم الحصول عليها. أما استخدام الاستبيان أو التخطيط المعد مسبقا في دراسة الحالة، فإنه لا يؤدي دائما إلى أفضل النتائج، لأسباب تتعلق بالشخص ذاته وهي حرية الحديث، وبطبيعة الأسئلة "طريقة نعم أولا"، هذا وإن المواد المميزة لدراسة الحالة ليست بالضرورة مواد كمية، قد تتصل بصفة أكبر بالطريقة الوثائقية للبحث أكثر من اتصالها بالأساليب الكمية السائدة في استبيانات المسح. إن ما يؤخذ بالاعتبار دائما البيانات الأكثر دلالة واتصالا بأغراض الدراسة والبحث، وأن تشمل البيانات المعلومات التالية: تاريخ المقابلة، أسماء الأشخاص الذين أدلوا بياناتهم، الكلمات الفعلية المستخدمة في هذه البيانات، وصف مختصر للظروف المحيطة بعملية المقابلة، ملخص للأساليب الخاصة التي استخدمت في أي جزء من الدراسة "الملاحظة، المقابلة، الاستبيان" تحديد الشخص أو الوثيقة التي تمدنا بالمعلومات، أي أن تكون المعلومات شاملة لكل ما يرتبط بالحالة.

بشكل انتقائي لا عشوائي، على أن تحلل وتفسر هذه المعلومات قبل الوصول إلى النتائج. هذا وإن دراسة الحالة التي تتم بصورة صحيحة، تتطلب عادة أن تكون كل خطوة من خطواتها كاملة لعدم تكرارها ثانية، وأن تكون صحيحة، ويتطلب ذلك فترة طويلة من الزمن نتيجة القيام بأكثر من مقابلة واحدة، لمتابعة تطور تشكيل الحالة والحصول على المعلومات، قد لا توفرها الوثائق بشكل خاص وبصفة مباشرة، كما وأن هذا العمل يتميز بالعمق والشمول، وهكذا فإن الباحث في دراسة الحالة يركز اهتمامه في تعلم كل شيء عن عدد محدود من الحالات. 2- الدراسة السببية "العلية" المقارنة: يدل اسم هذه الدراسة على ماهيتها، إنها تبحث عن الأسباب وتقارن بين الأحداث بغية الوصول إلى جوهر الحقيقة، تقارن وجوه الشبه والخلاف بين الظاهرات بغية اكتشاف العوامل والظروف التي تصاحب حدثا معينا أو واقعة بعينها. حين يدرس العلماء الظاهرات ويبحثون عن الأسباب والمسببات يطبقون الطريقة التجريبية حيث يرتبون العوامل ويضبطونها ويحصرونها ويثبتونها إلا واحدا يغيرون فيه، ويرون أثر هذا التغيير في النتيجة وتحولاتها، إلا أن هذه الطريقة غير ممكنة أحيانا ولا سيما في العلوم السلوكية، بسبب تعقد الظاهرات الاجتماعية، واستحالة بضبط جميع عواملها من جهة، والتغير الذي يدخله هذا الضبط على طبيعة الحادثة الاجتماعية أو السلوكية، لذلك يعمد العالم إلى الدراسة السببية المقارنة، نضيف إلى ذلك أن استخدام الطريقة التجريبية يكون في بعض الأحيان غير عملي، ويتطلب الكثير من الجهد والوقت والمال، هذا ونشير إلى أنه حينما يستخدم الباحث الطريقة السببية المقارنة لا يرتب التجربة كما يرتبها في المخبر، وإنما يدرس المفحوصين في حياتهم العادية وخبراتهم اليومية.

يقول "فان دالين"1: إن الدراسة السببية المقارنة، تتبع من طريقة "جون ستورات ميل" في اكتشاف الارتباطات السببية، والتي تقرر أنه: "إذا كان لحالتين أو أكثر للظاهرة المدروسة ظرف مشترك واحد فقط، فإن الظرف الذي تتفق فيه وحده كل الحالات يكون هو السبب لهذه الظاهرة وقد يكون نتيجتها"، مثلا زيادة الإنتاج القومي في عدد من الدول وذلك نتيجة تطبيق خطة التنمية، إذن تطبيق خطة التنمية هو سبب زيادة الإنتاج القومي لهذه الدول. ومن المهم للباحث وهو يبحث عن العلاقة السببية أن يتأكد من ظهور السبب الذي يدرسه دائما مع النتيجة، أو أن السبب يظهر قبل النتيجة، وهل السبب حقيقي أم مجرد علاقة ما مع السبب الحقيقي، وهل هذا السبب هو السبب الوحيد أم هناك أسباب أخرى، وما هي الظروف التي تكون فيها العلاقة قوية بين السبب والنتيجة "زيادة الإنتاج وخطط التنمية"، مما يسهل بالتالي على الباحث ربط السبب بالنتيجة، وتفسير الظاهرة بأسبابها، ونشير فيما يلي إلى: - طرق جون ستيورات ميل في الكشف عن الروابط العلية: 1- طريقة التلازم في الوقوع: أي إن العلة والمعلول متلازمان، ففي المثال السابق زيادة الدخل القومي نتيجة تطبيق خطط التنمية يبين أن الزيادة ترتبط بالتخطيط، ومن هنا يمكن فهم أساس هذه الطريقة وهو ارتباط النتيجة بالسبب. 2- طريقة التلازم في التخلف: إن زيادة الدخل نتيجة خطة لا يمنع من أن يكون هناك أسباب أخرى يحتمل أن تكون هي التي أدت إلى زيادة الدخل كرفع كفاءة العاملين مثلا ومن هنا كانت طريقة التلازم في الوقوع ليست كافية لإثبات علاقة العلة بالمعلول فوضع "ميل" الطريقة الثانية وهي التلازم في التخلف.

_ 1 Van Dalen, D. B. "understanding Education Research". op. cit. 2 Mill, J. S. "System of Logic". New york, Harper and Brothers, 1864. p 224.

3- طريقة التلازم في الوقوع والتخلف: من الطريقة السابقة يتضح أن زيادة الدخل القومي يمكن أن يكون ناتجا عن وجود التنمية، كما يمكن أن يكون ناتجا عن أسباب أخرى لم يدرسها البحث، ومن هنا لا يجوز الاكتفاء بهذه الطريقة للحكم على ارتباط العلة بالمعلول، ولا بد من البحث عن طريقة أخرى وهي طريقة الجمع بين التلازم في الوقوع والتخلف وتستند هذه الطريقة إلى الأسس التالية: إذا كان العامل "أ" هو المسئول عن أحداث نتيجة "ب" فإن هذا يعني أنه كلما وجدت "أ" وجدت "ب" وكلما غابت "ب" أي أنه إذا وجدت العلة وجد المعلول، وإذا غابت العلة غاب المعلول، أي أننا نجمع بين طريقتي التلازم في الوقوع والتلازم في التخلق، ومن هنا يكون الباحث أكثر ثقة في الحكم على أن "أ" هي علة "ب". فلو أن باحثا حاول أن يدرس الصلة بين وجود الكلس في طعام الطفل وزيادة قوة أسنانه فإن عليه أن يختبر هذه الصلة من خلال تطبيق طريقة الجمع بين التلازم في الوقوع والتخلف على النحو التالي: يلاحظ الباحث أن وجود الكلس في طعام الطفل وزيادة قوة أسنانه، ثم يلاحظ أن غياس الكلس في طعام الطفل يؤدي إلى ضعف في الأسنان، وبعد أن يتأكد من هاتين الملاحظتين يستطيع أن يقول: بأن وجود الكلس يؤدي إلى زيادة في قوة أسنان الطفل1. 4- طريقة التغيير النسبي: وفحوها أن المعلول يتغير مع العلة زيادة أو نقصا، فكلما زادت العلة زاد المعلول، والعكس. فإذا لاحظ الباحث أن تطبيق خطط التنمية يؤدي إلى زيادة في الإنتاج القومي، وإن عدم تطبيقها بشكل كامل يؤدي إلى نقص الإنتاج القومي فإن الباحث حينئذ يصبح قادرا على إثبات العلاقة بين الإنتاج القومي وخطط التنمية كعلاقة علة بمعلول.

_ 1 ذوقان عبيدان وزملاؤه. البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص220-224.

5- طريقة العوامل المتبقية: وتستند إلى ما يلي: هناك علتان "أ، ب" لمعلولين مختلفين "ج، د" وتمكنا من إيجاد علاقة علية بين "أ، د" فإننا نستطيع القول: إن هناك علاقة عليه بين "ب، ج" مثال ذلك أن الموارد المائية تساعد على زيادة الإنتاج، إذن الموارد المائية هي المسئولة عن زيادة الإنتاج. إن طريقة الدراسات المقارنة واسعة الاستعمال في العلوم السلوكية، وتعطي نتائج مفيدة في التربية وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، إلا أن لهذا النوع من الدراسات حدودا وصعوبات نذكر منها ما يلي: 1- صعوبة تحديد العوامل المتصلة بعضها ببعض وذات العلاقة المتبادلة. 2- تتطلب هذه الطريقة في الاتفاق أو الاختلاف أن يكون ثمة عامل واحد مسئول عن الظاهرة أو غيابها، ولكن نادرا ما يكون الأمر كذلك، ذلك بأنه من المعتاد أن يكون للأحداث أسباب متعددة وليس سببا واحدا، ويكون لهذه الأسباب علاقات عديدة متشابكة. 3- قد تنتج الظاهرة عن سبب ما في حالة، وعن سبب آخر في حالة آخرى. 4- كشف العلاقات لا يحل المشكلة دوما وبالضرورة ولا يبين الأسباب في كل الأحوال، ومن الصعب في بعض الأحيان أن نعين أي العاملين هو السبب وأيهما هو النتيجة، وفي بعض الأحيان قد يخيل أن ظرفا عرضيا هو السبب الحقيقي مع أنه ليس كذلك. 5- تصنيف المدروسين إلى مجموعات يقارن بينها، له مشكلاته الكبرى وذلك على اعتبار أن الظاهرات الاجتماعية لا تتشابه إلا بمعنى واسع. 6- الضبط الدقيق في هذه الدراسات عامة، واختيار المدروسين خاصة أمر صعب وهو بالتأكيد أصعب منه في التجريب العادي1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره، ص124-125.

رغم ما ذكرناه من صعوبات فإن ذلك لا يقلل من قيمة الدراسات السببية المقارنة، ولا تحدد من استعمالها في كثير من البحوث العلمية، كما يبرز دورها في بعض الدراسات الأخرى كالدراسة التجريبية، بل يعتبرها البعض أنها جزء من الأسلوب التجريبي ومن الأسلوب المسحي أيضا، هذا وتبدو أهمية هذه الدراسات أيضا بأنها تعطي دقة أكثر في البحث، وأن كثرا من الظاهرات الإنسانية لا يمكن دراستها بخاصة لا تخضع للتجربة إلا من خلال أسلوب الدراسة العلية المقارنة، مثال أثر نقص الكلس في طعام الأطفال، وأخيرا فإن الدراسات العلية لا تتطلب الجهد والتنظيم والنفقات التي تتطلبها الدراسات التجريبية. 3- دراسات الترابط "Correlation": وهي بدورها توصل إلى أوصاف بعض الظاهرات، إذ تؤكد مدى ترابط متغيرين وإلى أي حد تتطابق تغيرات عامل ما مع تغيرات عامل آخر، فإذا أردنا أن نعرف ما إذا كان يوجد ارتباط بين العلامات التي حصل عليها الطلبة في مادة ما وبين حاصل ذكائهم، ومقدار هذا الارتباط في نهاية السنة الدراسية، فإننا نستطيع أن نفترض أن الطالب الذكي يحصل على علامة أعلى، ولكن ثمة طرقا رياضية محددة تعيننا على معرفة ذلك بالدقة وبالضبط، حيث توجد طرق إحصائية لقياس معامل الارتباط بين متغيرين، إذ إن الباحث لا يستطيع من خلال الملاحظة أن يكون درجة الترابط، ويحدد مداه فالباحث يلاحظ وجود علاقة ما أو ترابط ما بين متغيرين، ويضع الفروض التي يفسر بواسطتها هذه العلاقة أو الترابط، ثم يحاول جمع المعلومات والبيانات اللازمة لإثبات صحة هذه الفروض، والوصول إلى النتائج. يتراوح الترابط بين "-1" و"10" مارا بالصفر، وهكذا فإن العلاقة بين ارتفاع عمود الزئبق في ميزان الحرارة وارتفاع درجة الحرارة نفسها علاقة إيجابية مقدارها "+1" أي أن كل ارتفاع من الحرارة يقابله ارتفاع مماثل تماما في ميزان الزئبق، أما

العلاقة بين درجة الحرارة وحجم ميزان الزئبق فهي معدودة، وإذا كانت كل زيادة في متغير ما يحتمل أن تكون مصحوبة بزيادة أو نقص في متغير آخر، فإن درجة الارتباط بين المتغيرين معدومة، أو لا ارتباط بينهما، كما قد لا تكون درجات الارتباط كلية تماما أي +1 أو -1، وقد تكون صفرا، ففي كثير من المتغيرات نجد أن درجات الارتباط تتراوح بين "-1، +1، 0.2 +0.3 +0.4 ... ". إذا كانت نسبة الارتباط بين العاملين كبيرة نسبيا، فإن الباحث يستطيع أن يتنبأ بدرجة مناسبة من الدلالة "Significance" أو بمستوى معين من الثقة بالتعميم بالنسبة لهذه العلاقة. ويعبر عن كمية ودرجة العلاقة بمعامل الارتباط "Cofficient of Correlation" ومعامل الارتباط يكون كما أشرنا أعلاه صفرا، أو أن يكون الارتباط إيجابيا أو سلبيا "+ أو -". وفي حال كون النسبة منخفضة تصل إلى "-1" فإن ذلك يعني أن العلاقة بين العاملين علاقة عكسية، أي إن الزيادة في عامل معين تعني نقصانا ما في العامل الثاني بنسبة ثابتة، والارتباط الإيجابي "3+" أو الأعلى من ذلك، يمكن أن يعتبر دليلا كافيا للدرجة الإيجابية للعلاقة وإن كان ذلك يخضع أحيانا لحكم الباحث وتقديره، الذي عليه أن يحسب كمية الخطأ في الأرقام المستخدمة قبل أن يقرر أن هناك علاقة قوية أو ضعيفة بين عاملين. يمكن أن تستمر العلاقة الإيجابية بين عاملين حتى نقطة معينة من مثال. إن الدراسة تؤمن نجاح الطالب، ولكن المتابعة لدرجة تفوق درجة الإشباع توجد عند الطالب فعلا معاكسا يتمثل في عدم تمكنه من الاستيعاب، أي تؤدي الزيادة إلى نتيجة معاكسة، لهذا على الباحث أن يضع نصب عينيه دائما الظروف المتغيرة، وأن يتجنب التعميم والارتباطات والوصول إلى النتائج عن العلاقات السببية إلا بعد تمحيص واختبار لجميع الجوانب التي يتطلبها البحث، كما يجب أن يأخذ بالاعتبار أن البيانات الإحصائية تعتبر مجرد أرقام رغم ما يبدو من دقتها، وأن الإحصاءات هي وسيلة لغاية وليست غاية في حد ذاتها، لهذا على الباحث أن لا يقبل البراهين الإحصائية التي ينفيها الإدراك السليم. هذا ويؤخذ على هذه الدراسات أن الترابط بين المتغيرات يمكن أن يكون عرضيا دون أن يكون سببيا ولكن يقلل من قيمة هذا النقد، إذا كان الباحث واعيا للعلاقات السببية فالزيادة في محصول زراعي ليست نتيجة تهطال المطر، بل نتيجة أيضا لخصوبة التربة.

المبحث الخامس: الدراسات النمائية

المبحث الخامس: الدراسات النمائية "Development Studies" تتناول الدراسات الوصفية النمائية الوضع القائم للظاهرات والعلاقات المتداخل بعضها ببعض كما تتناول أيضا المتغيرات التي تحدث بمرور الزمن، فهي أسلوب لمعالجة مشكلات التطور والتغير التي تمر بها الظاهرة، ذلك بأنها تصف التغيرات في تطورها خلال مدة قد تطول وقد تقصر، وسنعرض بالمناقشة لنوعين من الدراسات الوصفية النمائية هما دراسات النمو ودراسات الاتجاه، هذا ولا يقتصر إجراؤها على ميدان معين، فمن الممكن إجراؤها في مختلف الميادين مارة بالمراحل التالية: 1- ملاحظة ظاهرة أو موقف أو حادثة في فترة ما من الزمن ووصفها كما هي في ذلك الوقت. 2- تتابع هذه الظاهرة بعد فترة من الزمن، وتوضع في واقعها الجديد والتغيرات التي تمر بها، والعوامل التي أدت إلى إحداث هذه التغيرات. 3- بعد فترة زمنية أخرى تتابع هذه الظاهرة، وتوضع وتحدد العوامل التي أدت إلى تشكيلها في آخر صورة لها. 4- يستمر الباحث بالمتابعة حتى يصل إلى مرحلة يتمكن خلالها من فهم تطور هذه الظاهرة والعوامل التي أدت إلى تطورها.

إن هذه الدراسات ترتبط بالأسلوبين التاريخي والتجريبي، لكنها تختلف عن الأسلوب التاريخي بكونها تمر من الحاضر إلى المستقبل، بينما يهتم الأسلوب التاريخي بدراسة سابقة ثم يتابع دراستها حتى فترة من الزمن قد لا تصل إلى الزمن الحاضر، كما أن الباحث في المنهج النمائي لا يستخدم أسلوب الضبط أو تثبيت العوامل كما يستخدم في المنهج التجريبي. 1- دراسات النمو: يعترف الباحث من خلالها على طبيعة التغيرات التي تحدث للكائنات التي يدرسها ومعدل تغيراتها والعوامل التي تؤثر عليها، فهو إذا كان يدرس النمو البشري، لا بد له من أن يعرف العوامل المؤثرة في النمو في مراحله المختلفة ومواعيد ملاحظة هذا النمو لأول مرة ثم تدرج النمو وطفراته وتوقفه واضمحلاله كنمو العقل والجسم والحركة. يمكن دراسة النمو بطريقتين، وفي كل منهما يقوم الباحث بسلسلة من الملاحظات المنظمة والمخططة: أ- الطريقة الطولية "Longitudinal" تقاس فيها حالات النمو لدى الأطفال في أعمار مختلفة على فترات زمنية معينة، حيث يقوم الباحث باختيار عينة في سن معين، ويلاحظ الظاهرة التي يرغب دراستها، ثم يتابع هذه الظاهرة بعد فترة زمنية، ثم بعد فترة أخرى، حتى تبلغ العينة سنا معينا، ويسجل الباحث نتائج كل ملاحظة في جدول خاص، يبين فيه العمر وتطور الظاهرة التي يتابعها الباحث "كلغة الكلام" ومن خلال الجدول الذي أنشأه يصل الباحث إلى النتائج. ب- الدراسات العرضية: يتم خلال اختيار أكثر من مجموعة واحدة من الأطفال، يصنفون وفق أعمار زمنية مختلفة، ثم تطبق مجموعة واحدة من المقاييس على أطفال مختلفين من كل فئة "مستوى عمري" ثم تحسب النسب للمتغيرات لكل مجموعة وتحدد هذه النسب، لكي تصور أنماط النمو العامة لكل متغير لدى الأطفال من سنة معينة إلى

أخرى، ولكي نحصل على معايير النمو علينا أن نحسب النزعة المركزية بالنسبة للأمور المقيسة. وهكذا بالدراسات الطولية تلاحظ مفحوصين أقل، وتقيس متغيرات أكثر، أما في الدراسات العرضية فالمفحوصون أكثر والمتغيرات أقل إلا أن الدراسات الطولية تتميز بأنها أكثر دقة لأنها تجري على مجموعة واحدة أي لها حدود، وتتم متابعة هذه المجموعة على فترات زمنية، كما أن الباحث يمكنه أن يلاحظ أكثر من متغير في دراسته، أيضا للدراسات الطولية حدود حيث تتناول عينة صغيرة من الأفراد، وقد ينتقل أفراد العينة من مكان الدراسة حيث لا يستطيع الباحث متابعتهم في الأماكن الجديدة التي انتقلوا إليها. لكن ما يؤخذ على الدراسة الطولية هو إمكانية تغير أساليب الدراسة وتطورها، فقد يكتشف الباحث أساليب دراسة أكثر إتقانا من الأسلوب الذي بدأ، وقد يتعرض أفراد العينة إلى أحداث هامة، في هذه الفترة الزمنية الطويلة، مما يؤثر على نموهم سلبا أو إيجابا. أما الدراسات العرضية ففي المعتاد تصف عوامل نمو أقل من الدراسات الطولية لكنها تشمل عددا من المفحوصين أكبر كما ذكرنا، وهكذا فإننا نستطيع أن نقيس المجموعة نفسها من الأطفال في عدد عديد من المتغيرات، وفي أعمال مختلفة ونحدد أنماط نموهم الفردية لتلك العوامل خلال هذه السنين. كما أن هذه الدراسة يمكن أن تتم في فترة قصيرة نسبيا، ولها حدود حيث لا يستطيع الباحث ملاحظة ودراسة متغيرات متعددة كما هو الحال في الدراسات الطولية، ويؤخذ على الدراسات العرضية أنها لا تجري على مجموعة واحدة كما هو الحال في الدراسة الطولية، وبذلك قد تتأثر النتائج بالفروق بين أفراد المجموعات المختلفة، وبذا يحصل الباحث على نتائج أقل دقة، رغم ذلك فهي أكثر استعمالا لكونها أقل كلفة ومدتها، ولا شك في أن تحديد العينة

في كل من الطريقين أمر عسير ويتطلب دقة وصبرا، وفي كل الأحوال فإن لكل طريقة فائدتها الخاصة مما يحمل الباحث، وفقا لظروف بحثه على اختيار هذه الطريقة أو تلك. 2- دراسة الاتجاهات: ترمي إلى الحصول على بيانات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو سواها وتحليلها لتحديد الاتجاهات الغالبة والتنبؤ بما يحتمل حدوثه في المستقبل القريب أو البعيد. يقوم الباحثون المهتمون بالتعرف على الاتجاهات بدراسة معينة تتكرر معينة تكرر سنوات عدة ويحددون الاتجاهات على أثرها، أو يجمعون معلومات من المصادر الوثائقية التي تصف الأحداث الماضية والحاضرة، وبعد مقارنة بين البيانات واستقراء لها ودراسة معدل التغيرات واتجاهاتها يتنبئون بأحداث المستقبل، وواضح أن هذا النوع من الدراسة يجمع بين المنهج التاريخي ودراسة الوثائق وغيرها. يلجأ المسئولون عن وضع الخطط الاجتماعية والاقتصادية إلى هذه الطريقة، ويكثرون من استخدامها، وفي عملهم هذا فوائد وضرورة، لكن فيه أيضا الكثير من المغامرة، على اعتبار أن الاتجاهات دائمة التغير، وقد تطرأ ظروف ليست في الحسبان تغير الاتجاهات تغيرات جذرية، لذلك نستطيع القول: إذا كان التنبؤ بالاتجاهات قصير المدى فإنه يكون أكثر أمانا وضمانا من التنبؤات التي تتناول المدى الطويل البعيد، ولهذا ينظر إلى التنبؤات على أنها مؤشرات تساعد على فهم التطور المستقبلي للظاهرات المختلفة وليس على أنها مسلمات وحقائق. وهكذا رأينا أن البحوث الوصفية توصلنا إلى حقائق دقيقة عن الظروف القائمة وتستنبط العلاقات الهامة القائمة بين الظاهرات المختلفة، وتفسر معنى البيانات وتمد الباحثين بمعلومات مفيدة وقيمة، وبذلك تساعد التخطيط والإصلاح، ووضع الأسس الصحيحة للتوجيه والتغير، وتعيننا على فهم الحاضر وأسبابه ورسم خطط المستقبل واتجاهاته.

المبحث السادس: تحليل المضمون

المبحث السادس: تحليل المضمون "Content Analysis" يعتبر تحليل1 المضمون وسيلة من وسائل جمع البيانات، يتم بمنهج وصفي حيث يستخدم كأداة في تحليل محتوى المادة التي تقدمها وسائل الاتصال الجمعي، ففي حين ترتبط أشكال الدراسات المسحية السابقة بالاتصال المباشر مع المصادر البشرية، التي تمتلك المعلومات التي يريدها الباحث، فإن دراسات تحليل المضمون "أو تحليل المحتوى" تتم من غير اتصال، حيث يكتفي الباحث باختيار عدد من الوثائق المرتبطة بموضوع بحثه مثل السجلات والقوانين والأنظمة والصحف والمجلات وبرامج التلفاز والكتب وغيرها من المواد التي تحوي المعلومات التي يبحث عنها الباحث. يتم ذلك بالوصف الموضوعي المنظم الكمي للمحتوى الظاهر لوسيلة الاتصال، ويرتبط ارتباطا وثيقا بالبحوث التاريخية والمنهج التاريخي، بل لعل تحليل المحتوى هو الأداة الحديثة التي يمكن بوساطتها التعبير الكمي والدقيق عن الظاهرات والأحداث والكتابات التاريخية، بخاصة مع استخدام الحاسبات الإلكترونية في عمليات معالجة وتجهيز وتحليل الوثائق. بعد أن يختار الباحث الوثائق التي يريد دراستها، يبدأ بعملية الدراسة والتحليل مركزا على المعلومات المتضمنة الوثيقة بوضوح، ويكتفي بالبيانات الصريحة الواضحة المذكورة فيها، دون أن يحاول الاستنتاج من الوثيقة، هذا ويستند أسلوب تحليل المضمون إلى أن اتجاهات الجماعات والأفراد تظهر بوضوح في كتاباتها وصحفها وآدابها وفنونها وأقوالها وملابسها وعاداتها، فإذا تم تحليل هذه الأدوات، فإن ذلك يكشف عن اتجاهات هذه الجماعات.

_ 1 إجراءات منهجية تقوم بمعالجة المعطيات ابتغاء تقديم أجوبة مناسبة عن الأسئلة التي يطرحها الباحث، أو للتحقيق من صحة فرضية، أو لامتحان نظرية، أو للوصول إلى وضع يسمح بإطلاق الأحكام، أو الاستنتاجات أو التعميمات حول ظاهرة ما.

أما خطوات بحث تحليل المضمون فهي مماثلة لخطوات المنهج الوصفي، يحدد الباحث المشكلة، ثم يضع فروضه التي ستوجبه في استكمال البحث والوصول إلى النتائج، ثم يختار العينة التي سيحللها ليصل إلى النتائج، إلا أن صعوبات هذا المنهج تتمثل باختيار العينة، حيث لا يستطيع الباحث أحيانا الاطلاع على بعض الوثائق الهامة، أو أن الوثائق التي يدرسها لا تمثل صورة كاملة عن المشكلة المحدودة. ولما كانت معظم بحوث تحليل المحتوى بحوثا كمية بشكل أو بآخر فإن هذا التعبير الكمي يمكن أن يتم بوساطة نظام حسابي للوقت أو المساحة "مساحة أعمدة مقالات الصحف بالبوصة أو وقت الأخبار الإذاعية بالدقائق" أو حساب عدد مرات تكرار وحدات أو مصطلحات معينة "البرجوازية، الشعب" أو التعرف على شدة الاتجاهات والقيم وذلك ببناء مقاييس الاتجاه "Attitude Scale" كما طورها "ثورستون" بأسلوب المقارنات الزوجية "Paired Comparison"، وتشير التطورات الحديثة في مجال تحليل المحتوى إلى استخدام الحاسبات الإلكترونية للتجهيز ومعالجة العديد من العمليات اللازمة للتحليل الكمي للنصوص والوثائق والأرشيفات بطريقة أكثر دقة وسرعة ونظاما. هذا وقد اتجه الكثير من رجال التربية إلى بحوث المحتوى أو تحليل الوثائق، بهدف التعرف على أهم المهارات والمعارف التي يجب أن يساعد المربون الأطفال على اكتسابها، كما قام الباحثون بتحليل أنماط الأخطاء التي وقع فيها التلاميذ في التعبير الشفوي والكتابي، وفي الحساب والهجاء وغيرها من المواد الدراسية، وقد لقي مؤلفو الكتب المدرسية عونا من الدراسات التي تعرفت على الحصيلة اللغوية الأساسية التي يمتلكها الأطفال في مراحل عمرية مختلفة، ولتحديد أكثر الحقائق والموضوعات والقضايا والتعميمات استخداما في حياة الراشدية. ومن الدراسات الشهيرة التي استخدمت طريقة تحليل المضمون للتعريف بخصائص

الرسالة والنصوص، دراسات مسح الرموز السياسية في العالم، وذلك لاختبار فروض عن "الثورة العالمية" والتعرف بالتالي على استخدامات الشعارات والرموز في دول مختلفة، وذلك بين عامي "1890و1949". واستخدام آخر لتحليل المضمون هو الذي يتم فيه تحليل النص لاستخلاص استنتاجات عن المرسل، وعن الأسباب أو الظروف التي سبقت الرسالة، فقد أمكن في إحدى الدراسات التمييز بين كتابات مؤلفين مختلفين بوساطة تحليل النصوص الموجودة وذلك باختبار كلمات تميز كتابات أحدهما عن الآخر. وهناك دراسات أخرى استخدمت تحليل المضمون للتعرف على الصفات "السكولوجية" لمرسل الرسالة أو للتعرف على جوانب في الثقافة، والتغير الثقافي لتحليل الإنتاج الأدبي والفكري في ثقافات مختلفة، وأخيرا فإن استخدام تحليل المضمون يتم بوساطة الوصول إلى استنتاجات عن أثر الرسالة الاتصالية، ويتم ذلك بأن يقوم بتقرير وتحديد تأثيرات رسالات المرسل "أ" على المستقبل "ب"، هذا ويمكن أن يقوم بتقرير وتحديد تأثيرات رسالات المرسل "أ" على المستقبل "ب" بتحليل مضمون رسالات المستقبل "ب"، هذا ويمكن أن يقوم الباحث بدراسة تأثيرات الاتصال بوساطة فحص جوانب أخرى، من سلوك مستقبل الرسالة، وفي هذه الحالة فإن تحليل المضمون يؤدي إلى إبراز وتوضيح المتغيرات المستقلة المتعلقة والتي بها ارتباط بسلوك مستقبل الرسالة1. تتمثل مزايا تحليل المحتوى بالآتي: 1- إن عدم الاتصال المباشر بالمصادر البشرية يمكن أن يقلل من احتمال تدخل ذاتي للمصدر البشري الذي يقدم المعلومات، أو يقلل من إمكان وقوع هذال مصدر في أخطاء مقصودة أو غير مقصودة. 2- الرضى النفسي للباحث، كونه لا يلاحق المصادر البشرية للحصول على المعلومات المطلوبة، كذلك إمكان الرجوع للمعلومات كلما دعت الحاجة إليها.

_ 1- أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص358-361.

3- يمكن أن تتم دراسات تحليل المضمون في الوقت الذي يرغب فيه الباحث كونها في حوزته. أما صعوبات تحليل المحتوى فهي. 1- كون بعض الوثائق التي يحللها الباحث ليست واقعية، بل تمثل صورة مثالية. 2- قد لا يستطيع الباحث الاطلاع على بعض الوثائق الهامة والتي تتسم بطابع السرية. 3- قد تكون بعض الوثائق محرفة أو مزورة، مما يؤدي إلى نتائج بعد تحليلها. رغم ذلك يستطيع الباحث أن يقلل من هذه الصعوبات، إذا نجح في اختيار عينة ممثلة عن الوثائق وإذا استخدم المنهج العلمي في نقدها قبل دراستها، وتحليلها1.

_ 1 ذوقان عبيدات وزملاؤه. البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص204، 205، 211، وما يليها.

المبحث السابع: تقويم منهج البحث الوصفي

المبحث السابع: تقويم منهج البحث الوصفي يميل البعض إلى اعتبار البحوث الوصفية أقل قيمة من البحوث التجريبية، ولعلها في بعض الأحيان هي كذلك، ولقد ارتبط هذا المنهج منذ نشأته بدراسة المشكلات المتعلقة بالمجالات الإنسانية، وذلك لصعوبة استخدم المنهج التجريبي في هذه المجالات، وقد تكون خطوة أولية وضرورية تسبق البحث التجريبي وتعينه، وقد تكون أحيانا الطريقة الوحيدة في المواقف الاجتماعية ودراسة السلوك البشري، لهذا تبرز أهمية المنهج الوصفي في كونه: 1- المنهج الوحيد الممكن لدراسة بعض الموضوعات الإنسانية، كما يستخدم في دراسة الظاهرات الطبيعة المختلفة من مثل الظاهرات الفلكية والبيولوجية. 2- يقدم المنهج الوصفي فوائد كثيرة في فهم مختلف الظاهرات الاجتماعية والإنسانية، وذلك بسبب تقديم حقائق ومعلومات وبيانات دقيقة عن واقع الظاهرة.

3- يقدم توضيحا للعلاقات بين الظاهرات المختلفة، كالعلاقة بين الأسباب والنتائج، والعلاقة بين الكل والجزء مما يساعد الإنسان على فهم هذه الظاهرات. 4- يقدم تفسيرا وتحليلا للظاهرات المختلفة، مما يساعد الإنسان على فهم العوامل التي تؤثر في هذه الظاهرات. 5- يساعد إلى حد ما في التنبؤ بمستقبل الظاهرات المختلفة من خلال تقديم صورة عن معدل التغير السابق في ظاهرة مما يسمح للإنسان بالتخطيط العام لبعض جوانب المستقبل. 6- إنه المنهج الأكثر استخداما وملاءمة في دراسة الظاهرات الإنسانية والاجتماعية لصعوبة إخضاع هذه الظاهرات للتجريب. رغم ما ذكرناه حول مميزات هذا المنهج، يرى بعض الباحثين: 1- أن الدراسات الوصفية هي أعمال علمية وليست أبحاثا بمعنى الكلمة، لأنها تقدم وصفا وتفسيرا لواقع معين ولا تتعمق في بيان الطريقة التي تؤثر بها العوامل المختلفة على ظاهرة ما، أو الكشف عن مقدار تأثير كل عامل على هذه الظاهرة، كما يحدث عادة في البحوث التجريبية. 2- يخشى من اعتماد الباحث على معلومات خاطئة في مصادر المعلومات، ويتوقف هذا على دقة عمل البحث. 3- وجود فرصة لتمييز الباحث في جمع البيانات وميله إلى مصادر معينة، تزوده بما يريد لا بما هو حقيقي، ويعود هذا إلى وعي الباحث وموضعيته. 4- يتم جمع المعلومات في الدراسات الوصفية غالبا بوساطة عدد من الأفراد الذين يساعدون الباحث في هذه العملية، وتتأثر عملية الجمع بتعدد الأشخاص الذين يجمعونها بأساليبهم المختلفة، مما يجعلها عرضة للنقد.

5- إن إثبات الفروض في الدراسات الوصفية عملية صعبة، لأنها لا تتم تجربة لإثبات الفروض، بل تثبت بوساطة الملاحظة، مما يقلل من قدرة الباحث على اتخاذ القرار. 6- تناقش البحوث الوصفية ظاهرات محدودة ومكان محدد، ومن الصعوبة تعميمها لتغيرهما من زمان لآخر ومن مكان لآخر. 7- إن قدرة البحوث الوصفية على التنبؤ تبقي محدودة بسبب طبيعة الظاهرة الاجتماعية التي تتمثل بالتعقيد والتعرض لعوامل متعددة تؤثر في تطورها أو تغيرها. رغم كل ما ذكرناه فإن البحوث الوصفية هي الخطوة الأولى للوصول إلى العلم.

الفصل السابع: منهج البحث التجريبي

الفصل السابع: منهج البحث التجريبي مدخل ... الفصل السابع: منهج البحث التجريبي "Experimental Method" تمهيد: يعتبر هذا المنهج أقرب مناهج البحث العلمي لحل المشكلات بالطريقة العلمية، وهو الأسلوب الذي استخدمته العلوم الطبيعية، وحققت بوساطته تقدما علميا ملموسا، مما دفع الكثير من الباحثين في حقول المعرفة الإنسانية إلى استخدامه في البحث. يعتبرون جاليلو "1564-1642م" هو رائد هذا المنهج1، وهو أب الطريقة التجريبية، وإذا كان روجر بيكون "1214-1294م" داعية الطريقة العلمية التجريبية، فإن فرنسيس بيكون "1561-1626م" فيلسوف هذه الطريقة قرابة "ثلاثة قرون ونصف القرن"، التي تحلق فيها الفكر المعاصر في الفترة ما بين روجر وفرنسيس. لقد وضع فرنسيس بيكون أول كتاب هو تقدم المعرفة "The development of Learning" وأسلوب البحث عند بيكون هو الأسلوب التجريبي، لكنه أسلوب استقرائي وليس استنتاجا، ولقد اندحر الفكر التجريبي في أوروبا في العصور الوسطى، وظلت في حالة ركود إلى عصر النهضة الأوروبية، حيث تكون فيها الفكر المعاصر، وكانت الفلسفة التجريبية نقطة البدء في هذا السبيل، بدأ بها بيكون وتلاه ديكارت 1596-1650م" بطريقته الاستنتاجية وكبلر "1630م" ونيوتن "1642-1727م" وسبينوزا وغيرهم، وبقي للطريقة الاستقرائية أعوانها، لقد طوروا الفلسفة التجريبية الاستقرائية من مثال توماس هوبز "T. Hobis"؛ "1855-1679م" ولوك "Lock"؛ "1632-1704م" وبيركلي "Berkles"؛ "1685-1753م" وهيوم "1711-1776م" وكتاباتهم نماذج للتفكير التجريبي السليم2.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص279-282. 2 أحمد سليم سعيدان. مقدمة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي. مرجع سبق ذكره ص92-116.

المبحث الأول: المنهج التجريبي عند العرب

المبحث الأول: المنهج التجريبي عند العرب: إن عودة إلى التاريخ تجعلنا نقول: إن علماء العرب قد فطنوا إلى أن الوقائع والأحداث التي تقع في التجمعات البشرية المختلفة ما هي إلا تجارب حدثت بين البشر، وقد اختلف اهتمام العلماء بهذه الأحداث، منهم من جمع وأرخ، ومنهم من وصف واجتهد، ومنهم من تقصى وعلل ووقف على نتائج ذلك وكان التاريخ تجارب واعظة لمن يعيها ويتدبرها ويستخلص منها أحكاما عامة، يمكن تطبيقها على ظروف متشابهة وملابسات متماثلة. لقد استخدم بعض المؤرخين كلمة "عبر" و"اعتبار" في عناوين كتبهم التي حوت مواد تاريخية، من مثال ابن خلدون "ت 808هـ/ 1405م" والمقريزي وأحمد مسكويه1. في كتابه "تجارب الأمم وتعاقب الهمم"، "ليعتبر بها المعتبرون، ويجري مجرى تجارب الأمم التي يتكرر مثلها فيتحرز منها"، ونحا نحوه ابن الأثير الجزري2 في كتابه "الكامل في التاريخ" عندما حدد فوائد التاريخ "أذكر أن منها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث، وما تصير إليه عواقبها، فإنها لا تحدث أمرا إلا قد تقدم هو ونظيره فيزداد بذلك عقلا ويصح لأن يقتدى به أهلا".

_ 1 أبو علي أحمد محمد المعروف بمسكويه 6/ 303. 2 عز الدين أبو الحسين علي بن محمد الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير "ت630هـ/ 1223م"، 1/ 7.

كان ابن خلدون أول من استخدم المنهج التجريبي1 وعبر عن الجانب الأساسي من التاريخ، الذي أراد أن ينشئ منه علما بقوله: "وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق"، وكان عماده في ذلك في المنهج التجريبي، وهو عملية فكرية، للبحث العلمي، قائمة على اعتبار التاريخ سجلا مليئا بشتى الوقائع المطردة والأحداث المتكررة، التي كان لها وجود حقيقي في شتى المجتمعات على العصور، فجعل منها معطيات بحثية، ونظر إليها على أنها تجارب اجتماعية جرت تلقائيا، وأنها على هذا الأساس تستحق الملاحظة العقلية. وهكذا فإن ابن خلدون أول من استخدم المنهج في العلوم الاجتماعية لدراسة الحياة الاجتماعية النامية1، فعل ذلك لأنه كان على بينة تامة بالمنهج التجريبي، الذي يقوم على التجريب المحدود زمانا ومكانا وموضوعا، والمقصود المخطط له، ذلك التجريب الذي كان يسميه العلماء المسلمون "التدبير"، وكانوا يعتمدون عليه أساسا في علم الكيمياء، وعرفت التجربة لديهم بأنها واقعة عرضية، وحدث تلقائي اتفاقي، ولذلك يمكن أن نطلق عليها اصطلاحا باسم الوقائع والأحداث التجريبية. لقد أخذ علماء العرب بالدليل التجريبي إلى جانب الدليل الاستنتاجي، ولم يقف فيه اعتراف على مبدأ التجربة والاختبار، ونضج ما أخذه الغرب عن العالم الإسلامي، وبدأ الغرب يشق طريقه، مبتدئا بالرياضيات والفلك والبصريات. وفي القرن "السابع عشر" كانت أوروبا الغربية قد توافر لديها كل التراث الفكري الذي أنتجته الحضارات السابقة، نهضت نهضة هي فجر العصر العلمي الحديث، في هذا العصر عاش جلبرت وجاليلو وهارفي وكبلر، يؤمنون بالتجربة لكنها تجربة افتراضية، وكان إنتاجهم الأصيل رياضيا لا عمليا. هذا ونشير إلى أن فرنسيس بيكون استشهد في كتاباته بابن الهيثم وابن سينا والكندي وحنين بن إسحاق والبطروجي الفلكي وغيرهم، ومن المؤسف أن باحثينا الآن ما يزالون يرددون ما يقوله الغرب، عن ابتكاراتهم لفروع المعرفة التي يعود الفضل الأول فيها إلى علماء العرب في العصور الوسطى.

_ 1 هو ما تثبت صحته التجارب والإحصاءات والقياس، ليس قياس المناطقة، أي قياس الحاضر على الماضي، إنما هو تقدير بالوحدات تدقير الطول بالأمتار والكتلة بالكيلو غرام هو المنهج التجريبي، أما المنهج التجريبي فهو تناول الظاهرات في إطارها السالف. 2 ابن خلدون: المقدمة، مرجع سبق ذكره، الفصل الثالث والعشرون، ص504-514.

المبحث الثاني: تعريف بالمصطلحات

المبحث الثاني: تعريف بالمصطلحات - الملاحظة: المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما، تهدف إلى غرض عقلي واضح هو الكشف عن بعض الحقائق التي يمكن استخدامها لاستنباط معرفة جديدة. - الملاحظة التلقائية: هي الملاحظة التي يقوم بها الباحث بمحض الصدفة وبدون أن تقوده إليها أية فكرة سابقة. -الملاحظة المستشارة الفعالة: هي الملاحظة التي يقوم بها الباحث عمدا، وبتدبير مبني على فكرة سابقة عن طبيعة الظاهرة. - التجربة كما يقول بيفردج "Beveridge"1: ملاحظة مقصودة تحت ظروف محكومة، يقوم بها الباحث لاختبار الفرض والحصول على العلاقات السببية والتجربة في رأي كلودبرنارد: هي الواقعة التي لا دخل للباحث في وقوعها "بمعنى الخبرة" يقول كلود برنارد وهو عالم طبيعي: إذا جاءت لفظة التجربة" في اللغة الفرنسية مفردة كان معناها بوجه عام مجرد المعرفة المكتسبة من تجارب الحياة "أي الخبرة" فإذا طبقت اللفظة مفردة، كان معناه المعرفة التي اكتسبها الشخص، وهذا هو الذي نعنيه أن فلانا قد اكتسب "تجربة"

_ 1 انظر حول مفهوم التجربة: Beveridge, w, I. B. "The Art of scientefic Investigation" New York Harper and Bros. 1947, pi.

وأنه "ذو تجربة" ثم أطلق اسم التجارب من بعد ذلك على الوقائع التي تكسبنا معرفة الأشياء معرفة تجريبية، وكان هذا الإطلاق على سبيل التوسع وتشخيص المعنى. نعرف التجربة بأنها: سؤال يوجه إلى الواقع، أو هي حوار بين الباحث والواقع الميداني، يجيب فيها هذا الواقع عن أسئلة الباحث، ورغم ما ينطوي هذا الواقع من تعقيد وتنوع، إلا أن المنهج العلمي يعمل على تنظيم الملاحظات والمشاهدات عبر ظروف موضوعية دقيقة محدودة، فالتجربة أداة لصنع ملاحظات مضبوطة للكشف عن ظاهرة ما أو تفسيرها، تتوخى الكشف عن العلاقة بين نوعين من العوامل، العامل السببي، والنتيجة، أو المتغير التابع، أو أنها تثبت وجود هذه العلاقة وتبرهن عليها، فهي وسيلة للإثبات. - التجارب العارضة المنفعلة: هي التجاب التي تقوم فيها الطبيعة بعمل المجرب نفسه. - التجارب العمدية الفعالة: هي التجارب التي تتدخل فيها يد المجرب تدخلا فعالا للعمل على ظهور ظواهر معينة، أو حدوث حالات محدودة، أي أن: - التجربة المضبوطة "Control Experiment" وتميز عن التجربة، فهي التجريب بعينه، إذ إن شرط التجريب التحكم وممارسة الإرادة في عملية البحث1، وهو مصطلح يستخدمه المنهجيون، ويذهب شابن2 "Chapin" إلى أن: - التجريب "Ex perimentation" هو "ملاحظة تحت ظروف محكمة" ويتحقق التحكم في نظره بوساطة اختيار بعض الحالات "Cases"، أو بوساطة تطوبع بعض العوامل، وإذا تحدثنا عن: - إجراء التجارب أو "إجراء الملاحظات" حديثا عمليا مشخصا، كان المراد التفرغ للبحث، وبذل الجهود وممارسة التجارب والاختبار، بغية الوصول إلى الوقائع التي

_ 1 حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص222، 223. 2 Chapin F. S. "Ex perimental Design in Sociological Research" New york, w. Norton and co, 1950. p 13.

يتمكن "الذهن" بمساعدة الاستدلال من أن يستخلص منه معرفة أو علما، هذا ونشير إلى أن التجربة لا تمثل جميع خطوات وجوانب البحث العلمي المتعددة، على الرغم من أنها تعتبر شكلا هاما من أشكال النشاط العلمي1. - العامل المستقل "Idependent variable" وهو العامل الذي نريد أن نقيس مدى تأثيره على الموقف، ويسمى العامل التجريبي، أو المتغير التجريبي، أي العامل الذي يريد البحث أن يقيس أثره على المتغير التابع. - العامل التابع: "Dependent variable" ويسمى أيضا العامل الناتج أو المتغير الناتج، وهو العامل الناتج عن تأثير العامل المستقل. - ضبط العوامل: وفيها يستبعد أثر جميع العوامل الأخرى، عدا العامل التجريبي، بحيث يتمكن الباحث من الربط بين هذا العامل وبين العامل التابع أو الناتج، وتهدف عملية الضبط إلى عزل المتغيرات وتثبت المتغيرات والتحكم في مقدار المتغير التجريبي. - المجموعة التجريبية "Experimental Group" وهي المجموعة التي تتعرض للتغير التدريجي، أو المتغير المستقل لمعرفة تأثير هذا المتغير فيها. -المجموعة الضابطة "Controlled Group" وهي المجموعة التي تتعرض للمتغير التجريبي، وتبقى تحت ظروف عادية، وتقدم فائدة كبيرة للباحث، حيث تكون الفروق بين المجموعتين التجريبية والضابطة ناتجة عن المتغير التجريبي الذي تعرضت له المجموعة التجريبية، فهي أساس الحكم ومعرفة النتيجة.

_ 1 Good Carter V. and scates D. E. "Methods of Research educatianal psychological, Sociological" N. op. cit 697.

المبحث الثالث: المناهج التجريبية

المبحث الثالث: المناهج التجريبية 1- المنهج التجربي: إن كل البحوث التي تتناول أي نوع من الظاهرات الاجتماعية في إطارها السالف، أي فيما مضى من الزمان تعتمد على المنهج التجربي، وبتعبير ابن خلدون نفسه، أمر يحدث "في المرات المتعددة بالتكرار ليحصل عنه العلم أو الظن" وبهذا يصبح المنهج التجربي المنهج الوحيد الذي يستخدم في دراسة وقائع وأحداث ماضية، باعتبار أنها تجارب عرضية يمكن الاستدلال منها للتوصل إلى وضع قوانين وصياغة نظريات خاصة بالبشرية في معاشرتهم بعضهم بعضا، وهذا النوع من الاستدلال المبني على ملاحظات حسية، أي مشاهدات اجتماعية سجلها المعنيون بها في الماضي ثم تركوها لنا تاريخيا، هو المنهج التجربي الاجتماعي بمعناه الصحيح، ومن قبيل الوقائع والأحداث الاجتماعية التجريبية الماضية حالات الزواج والطلاق، والهجر والترمل والمواليد والوفيات والتعليم والأمية والعمالة والبطالة بخاصة إذا كانت مسجلة تسجيلا كميا، أي في شكل إحصاءات منشورة بوساطة هيئات رسمية متخصصة. وكما يمكن استخدام المنهج التجربي في بحث الوقائع والأحداث الاجتماعية الماضية، كذلك يمكن الاعتماد عليه في بحث الوقائع والأحداث الاجتماعية الآتية، أي التي تحدث تحت سمع وبصر الباحثين كتجارب مفاجئة دون تدبير مسبق منهم، ثم تصبح في عداد الماضي، ويظل منهج البحث التجربي ما دامت الحقائق أو المعطيات أو الوقائع أو الحوادث تجارب اجتماعية ماضية، جرت في بقاع مختلفة، متزامنة أو متعاقبة، وتم تسجيلها وحفظها بمختلف أشكال التسجيل، أو يجري تسجيلها آنيا بوساطة وسائل جمع البيانات: الملاحظة، الاستبيان. 2- المنهج التجربي التجريبي: ميز أوغست كونت مؤسس الفلسفة الوصفية مما أسماه بالتجارب الاجتماعية غير

المباشرة، ويقصد بها الحالات الاجتماعية المرضية "الباثولوجية" وهي وقائع عرضية تلقائية، تحدث عادة في الظاهرات الاجتماعية تغيرات تصبح لافتة للأنظار، مثالها: الفن، والثورات، والأزمات الاقتصادية، وكان يرى أن استخدام مسلك المقارنة بين الأحوال السوية الطبيعية للظاهرات الاجتماعية وأحوالها المرضية، بعوض الباحث عن التجريب المقصود والمدبر له، والذي يجري وفق منهاج معين. وفي الوقت الذي أنهى فيه كونت مبحثه في الفلسفة الوضعية "Course de la Philosoph Positive" ميز الفيلسوف التجريبي "جون ستوارت ميل"1 بين ظرفين مختلفين وصفهما بأنهما تجريبيان، إذ يرى أن هناك تجربة تلقائية هي تجربة الطبيعة أو تجربة مصطنعة يوجدها الباحث بطريقة متعمدة، وهذا يعني أن يكون الباحثون دائما في حالة ترب لحدوث أية واقعة أو أية تجربة، تحل في أي من مجتمعاتهم، ثم يبدئون على الفور في بحثها ماهية وكيفيا وسببا، على أساس أن الظروف الطبيعية الاجتماعية كفتهم مئونة التجريب المصطنع، والمدبر وفق منهاج معين، وهذا يوضح معنى التجربة التجريبية، والمنهج التجربي التجريبي2. هذا ويجمع العلماء الاجتماعيون بين التجربة الواقعة التي لا دخل لهم في وقوعها ولا إرادة لهم عليها، وبين التجريب الذي يلاحظون نتائجه ويقيسون ما يمكن قياسه منها ويستقرئون من ذلك ما يستطيعون استقراءه من نظريات وقوانين وهذا هو المنهج التجربي التجريبي، الذي يستخدم في بحث الظاهرات الاجتماعية التي تقع تلقائيا، ولا يمكن إحداثها بحال من الأحوال. 3- المنهج التجريبي: أفاد التجريب العلمي العلوم الطبيعية أعظم فائدة، إذ مكنها من صياغة الكثير من النظريات ووضع العديد من القوانين التي استند إليها التطبيق العملي، في ميادين هذه

_ 1 Mill, J, S. "System of Logic"-op. cit. 2- حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص220-222.

العلوم، ولا يشذ عن ذلك إلا علمان واسعان هما: علم الفلك، وعلم طبقات الأرض، أما العلوم الاجتماعية فقد اعتمدت ولا تزال تعتمد على التجارب التي تقع عرضا، وبدون تدخل الإنسان، شأنها في ذلك شأن علمي الفلك وطبقات الأرض، وإن كان علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية تمتاز بأن بعض الظاهرات طيعة للتجريب في حدود ضيقة. وفيما عدا علم النفس الاجتماعي، نجد أن التجريب الاجتماعي محدود في علم الاجتماعي، والعلوم الاجتماعية الأخرى، وذلك لأن التجريب الاجتماعي لا يكون هدفه إلا التنمية الاجتماعية في محيط المجموعات والجماعات والمجتمعات الحضرية وجميع العالم. وليس من اليسير وضع مشروعات التنمية على اختلاف أنواعها محك التجريب، بخاصة في الدول العربية لعدد من الأسباب، نذكر منها الرغبة في سرعة الإنجاز وعدم تنفيذ المشروعات بوساطة علماء اجتماع متخصصين مثالها مشروعات توطين البدو في الأردن وفي شمال المملكة العربية السعودية، ومشروع توطين أهالي النوبة في منطقة كوم أمبو شمال مدينة أسوان في جمهورية مصر العربية، ولو كانت هذه المشروعات الاجتماعية وغيرها قد بحثت بمنهج تجريبي على أساس أنها تجارب ذات أهداف حددها من فكروا فيها، لكان لدينا الآن تنظيرات علم اجتماعية من واقع أسلوب الحياة في الوطن العربي. هذا وإن البحوث الاجتماعية التي تجري فور تنفيذ القوانين الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية، لا يمكننا أن نعدها تجارب بالمعنى الصحيح، لأنه يمكن إدخال تغييرات على هذه القوانين وإجراء تجارب أخرى بعد ذلك، والمقارنة بين نتائج التجاريب السابقة والتجاريب اللاحقة، وما دام الباحث لا يستطيع التحكم في عملية البحث من أولها إلى آخرها وإجراء ما يراه من تعديلات فيها، فإنها لا تكون تجاريب، ولا يصح أن يقال: إنه يستخدم المنهج التجريبي والأصوب أن يقال عن هذا الإجراء المبحثي أنه شبه تجريبي، وأن المنهج شبه تجريبي1.

_ 1 حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية، مرجع سبق ذكره، ص233-234.

المبحث الرابع: البحث التجريبي وسماته العلمية

المبحث الرابع: البحث التجريبي وسماته العلمية أشرنا إلى أن استخدام التجارب في العلوم الطبيعية لقي نجاحا، لكنه في العلوم الإنسانية والاجتماعية لم يلق إلا أهمية جزئية نظرا لاختلاف طبيعة المادة في كليهما لذلك طورت أساليب أخرى بديلة أطلق عليها اسم التجربة غير المباشرة أو التحليل الاستقصائي1 "Survey analysis" وقد دعاها أميل دوركهايم طريقة المقارنة، وكان قد رفض ادعاءات ستيوارت ميل حول تعذر استخدام التجربة بصورتها المباشرة أو غير المباشرة في البيولوجيا والكيمياء وعلم الاجتماع. نعرف البحث التجريبي بأنه: استخدام التجربة في إثبات الفروض، أو إثبات الفروض بوساطة التجريب وهناك تعريفات أخرى: - محاولة التحكم في جميع المتغيرات والعوامل الأساسية، باستثناء متغير واحد، حيث يقوم الباحث بتغييره بهدف تحديد وقياس تأثيره في العملية. - تغيير متعمد مضبوط للشروط المحدودة للواقع أو الظاهرة التي تكون موضوعا للدراسة وملاحظة ما ينتج عن هذا التغير من آثار في هذا الواقع والظاهرة. - ملاحظة تتم تحت ظروف مضبوطة لإثبات الفروض، ومعرفة العلاقات السببية ويقصد بالظروف المضبوطة إدخال المتغير التجريبي إلى الواقع وضبط تأثير المتغيرات الأخرى. - محاولة لضبط جميع المتغيرات التي تؤثر على ظاهرة ما أو واقع ما عدا المتغير التجريبي، وذلك لقياس أثره على الظاهرة والواقع. أما السمات العلمية لمنهج البحث التجريبي فهي:

_ 1- الاستقصاء هو جمع البيانات كما هي في بيئتها الطبعية دون تدخل من الباحث ويعتبرها هانزل زيزل "Hans Zeizel" أداة رئيسة لمنهج البحث في العلوم الاجتماعية.

للمنهج العلمي في البحث التجريبي سمات رئيسة أهمها: 1- التشخيص المادي أو الوضعية "Positivism". 2- الاختبارية "Empericism" 3- الموضوعية "Objectivity". إن أول من وضع هذه السمات عبد الرحمن بن خلدون، فقد كانت مادة بحثه دائما الكائنات الاجتماعية وفي ذلك يؤكد "أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من الباطل، إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشخصية"1، والتشخيص المادي عند ابن خلدون هو الوضعية عند أوغست كونت "ت 1274هـ/ 1857م" الذي أنشأ علم المعاشرة في العالم الغربي بعد ابن خلدون "ت 808هـ/ 1405م" بقرابة "خمسة قرون" وفي رأيه أن الظاهرات الحياتية تخضع للقوانين عامة، ولا تسير وفق الأهواء والمصادفات، شأنها في ذلك شأن الظاهرات الطبيعية تماما، في المنهج العلمي الذي يطرقه العلماء لبحثها. أما الاختبارية، أي الملاحظة والخبرة الشخصية بالأمور: فمثالنا في ذلك ابن خلدون وسواه من علماء العرب الذين كانوا يلاحظون الظاهرات ملاحظة حسية وخبرها خبرة شخصية، وكذلك ملاحظتها ملاحظة عقلية مما سجله المؤرخون في كتبهم، وكان ابن خلدون يعقد مقارنات تساعده على الدراسة بدقة بوساطة تحري سير الأحداث في الحالتين الماضية والآنية، وكذلك تقصي نتائج الأحداث وبذلك أمكنة تطبيق ما أستقرأه من قوانين ونظريات من سير الأحداث في الماضي، على ما يعانيه في أوانه. الاختبارية: هي الملاحظة والخبرة الشخصية بالأمور أي الخبرة التجربية، بما هو حادث في حاضر الباحث، أو بما كان حدث في ماضيه، والمعرفة الاختبارية أو الحسية

_ 1 مقدمة ابن خلدون: ص4، 38، 54.

تقوم على معايشة الواقع المتشخصة بمادتها، أي ذات الوجود الكياني العياني، والوقائع الاختبارية وقائع مشاهدة أي ملاحظة حسية، تكون المادة الأصلية للعلوم الخاضعة للتجارب أو التجاريب، التي يفرق العالم فيها بين الواقع وتأويله والمشاهد والمستنتج منه، فالأساس الواقعي محتوم، أما التأويلات فصياغات اجتهادية لتنظيم مكونات الموقف الواقعي، بحث يصبح مفهوما، وأولى خطوات الفهم تتم بالتعميم الاستقرائي من التجارب والتجاريب والخبرة بها، ويقتضي هذا التحليل والتجريد، والشائع تسمية هذه العمليات بـ "الامبيريقية" وهي كلمة معربة للاصطلاح الأجنبي الذي تترجمه الكثرة "تجريبية" بينما ظهر اجتهاد منفرد يترجمه: تجربة، ومصطلح الاختبارية يتضمن كلا من التجربة والتجريب، ولا يخصص أيا منهما، كما هي الحال في المصطلحين السالفين. والسمة الثالثة الموضوعية: ترتبط ارتباطا وثيقا بالموضوعية والاختبارية، وهي سمة الباحث لأية ظاهرة، بوصفها شيئا خارجا عن شعور الفرد وسابقا لوجوده، أي أن لا يتأثر الباحث بأية أفكار سابقة، تجعله ينظر إلى الظاهرة من وجهة نظره هو، أو نظر شخص آخر، بحيث يكون البحث علميا بالمعنى الدقيق، أي مجموعة من المعارف العلمية التي تتصل بوقائع ذات وجود خارجي عن الفرد، غير متأثر بمن بحث أو بأية نظرة تقييمية معينة1، وهذا ما فعله ابن خلدون حيث استخدم المنهج التجربي، وركيزته الطريقة التاريخية، كما استعان بالملاحظة الحسية، أي المشاهدة لما عاصره في زمانه من أحداث، ذوات كانت أو أفعالا، وكان يتشكك في الأخبار والروايات يقول: "فلا تثقن بما يلقي إليك من ذلك وتأمل الأخبار وأعراضها على القوانين الصحيحة، يقع لك تمحيصها بأحسن وجه"2 حيث تبدو الموضوعية عنده بأجلى مظاهرها، وقبيل نهاة القرن "التاسع عشر" نبه العالم الفرنسي "أميل دوركايم" إلى ضرورة الدراسة الموضوعية وبذلك أتى متأخرا عن ابن خلدون.

_ 1 حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص33-39. 2 مقدمة ابن خلدون. مرجع سبق ذكره، ص13-14.

المبحث الخامس: أسلوب البحث التجريبي

المبحث الخامس: أسلوب البحث التجريبي هناك أسلوبان متمايزان هما: الأسلوب الكيفي والأسلوب الكمي، ويمكن في بعض البحوث ونظرا لاعتبارات تتعلق بها وبظروفها الجمع بين الأسلوبين، كي تتم الفائدة بالحصول على ميزة كل منهما، وكما أنه من الخطأ اعتبار الاتجاه منهجا، كما يخلط بعض الباحثين الغربيين، فكذلك من الخطأ عد الأسلوب "Stule" منهجا كما هو شائع بينهم ولئن كان عذرهم أن لديهم اصطلاحا واحدا "Methodus" أي منهج باللغة اللاتينية، الذي أخذوا منه اصطلاحتهم بلغاتهم وكان من الممكن استعمال كلمة "Style" أي أسلوب الكم والكيف. يعني الأسلوب الكيفي في البحث العلمي في إطار المنهج التجريبي، التركيز في معالجة التجارب الواقعة عن الأحداث الجارية، سواء في الماضي أو الحاضر، على ما يدركه الباحث منها ويفهمه، ويستطيع تصنيفه، ولمسح العلاقات التي يمكن ملاحظتها ملاحظة عقلية، وهذا الأسلوب هو الذي اعتمد عليه كبار النظريين في العلوم الاجتماعية، وهدوا به إلى صياغة نظريات ووضع قوانين اجتماعية، استقرءوها من العديد من الوقائع والأحداث التي وقعت في الماضي أو الحاضر، في شكل تجارب طبيعية، وقد يكون وقوعها في مجتمع واحد، أو في عدة مجتمعات، وهنا يصبح مجال البحث واسعا مكانا وزمانا، حيث يأخذ الباحث ما يتعلق ببحثه من بيانات بالقدر الذي يكفيه إدراكا وفهما واستدلالا واستنتاجا، وهذه العملة الفكرية تبين مدى صعوبة الأسلوب الكيفي. لابن خلدون في مقدمته ثلاثة فصول في الإدراك البشري من الناحيتين النظرية والعملية ثالثها "في العقل التجريبي وكيفية حدوثه" وأفكاره عظيمة لمن يرغب في التعمق في المنهج التجربي، ويرى بالإضافة إلى ذلك أن أفعال البشر هي نتيجة تجربة في التعامل.

نشير إلى أن الأسلوب الكيفي يستخدم لمعالجة معطيات تم جمعها سابقا، ويهتم بها المعنيون بالبحث العلمي، أما الأسلوب الكمي فيستخدم لمعالجة بيانات أعطيت في الماضي أو تعطي في الحاضر، إما بوساطة صحائف استخبار أو استبار شخصي، وفي هذه الحالة يعتمد المستبرون على صحائف الاستبيان، وبعد ذلك يجري تكميم هذه البيانات في عملية متتابعة الخطوات تنتهي بجداول، ثم يقوم بعمليتي التحليل والتفسير. هكذا يتضح أن الباحث الذي يستخدم الأسلوب الكيفي يتعامل مع أفكار وآراء، بينما ذلك الذي يستخدم الأسلوب الكمي، يتعامل مع أرقام تعبر عن أفكار وآراء تكون في صورة مكممة، أي بلغة الأرقام أو الكم، ومن هنا كانت تسمية هذا الأسلوب من المعالجة في البحوث بالأسلوب الكمي ومن حسن الحظ أن وجد المعداد "الحاسب الآلي" "Calculator"، ليمد يد العون في ميادين البحث العلمي، بخاصة العلوم الطبيعية، التي استفادت منه أعظم فائدة، في اجتلاء سر الفضاء الخارجي وما يجري في المجموعة الشمسية. لقد أصبح الأسلوب الكمي يطغى على الأسلوب الكيفي، وأول هذه الإحصاءات وأعظمها أهمية الإحصاءات السكانية، التي تشمل التعداد العام للسكان وإحصاءات الأحوال المدنية والصحية والتعليمية والزراعية والأمنية وتعد هذه الإحصاءات ثروة من البيانات المكممة، يستعملها الباحثون، فهي تكون طريقة هامة من طرق البحث، تعتمد بالدرجة الأولى على الأسلوب الكمي، وذلك في إطار المنهج التجريبي، لأنها تتعلق بتجارب، أي وقائع وقعت، ومن المؤكد أن تكون هذه الإحصاءات صحيحة، لأنها المادة التي يتكون منها بناء أي بحث علمي، أو هيكل أية خطة واقعية للتنمية الاجتماعية الشاملة المتكاملة، كما أن طريقة البيانات الإحصائية تسهل عمل الباحث وتغنيه عن الانتقال إلى المجال المكاني أو الجغرافي، حيث المجال البشري الذي يتعامل معه، هذا وهناك عمليات إحصائية أخرى لا بد للباحث الاجتماعي من الإلمام الكافي

بها، كاستخراج النسب المئوية، وحساب معامل الارتباط واستخدام مقاييس الصدق والثبات والدلالة الإحصائية. ولقد كسب هذا الرأي في أهمية الإحصاء تقديرا وانتشارا نتيجة التفنينات الإحصائية التي ابتدعها كبار المتخصصين، وخدموا بها البحوث العلمية في مختلف الميادين بخاصة بعد انتشار الحاسب الآلي وقد ابتدع الإحصائيون وعلى رأسهم كارل بيرسن "Karl Pearson" ما يعرف إحصائيا باختبار الدلالة، الذي يكشف بدقة كافية أن متغيرين أحدهما مستقل والآخر معتمد عليه بينهما علاقة سببي، ومن فوائد الإحصاء التطبيقية، تلك الفوائد العظمى في ميدان بحوث السكان، بخاصة ما يتعلق بما يعرف بالإسقاطات السكانية، في فترات منتظمة آتية، حتى يمكن رسم أية خطة تنمية في أية دولة. ومهما يكن من أمر الأسلوب الكمي، فلا بد من التحذير العلمي بخصوص الإحصاءات بوجه عام، وعلى سبيل المثال حساب نسبة الأمية وفق مختلف الأعمار، كذلك التقديرات السكانية المستقبلية وفق الإسقاطات السكانية، ومهما كان الأمر، فما زال الأسلوب الكمي ولا يزال يستخدم في الأغلبية الساحقة من البحوث، لدرجة أصبح هناك اعتقاد بين فريق من العلماء بأن الذين يستخدمون الأسلوب الكمي في بحوثهم وهم وحدهم العلميون الذين يستطيعون إثراء العلم، ويرى العالم "جورج لاميرج" وهو كمي أن الكيفيين يشبهون قراء الفنجان. ولما كان الأسلوب الكمي ببياناته الإحصائية غير كاف وحده، لفهم الظاهرات، فقد تنبه بعض الباحثين إلى ضرورة الاستعانة بالأسلوب الكمي والكيفي، الأمر الذي يساعد على دقة التحليل وضبط التفسير، وقد فعل ذلك ابن خلدون أكثر من مرة في مقدمته، وأبرزها حينما كان يبرهن على صحة قانونه الاجتماعي "في أن البدو أقدم من الحضر، وسابق عليه، وأن البادية أصل العمران ورد لها" فهو يستخدم أولا الأسلوب الكيفي معتمدا على المسلك العقلي في إثبات العلة، أي البرهنة، ويجمع إليه البرهان الكمي بالأرقام مستخدما طريقة "الاستبار" وقد يستعمل الأسلوبين الكيفي والكمي في موضعهما المناسب، وفقا لمتطلبات البحث، مما يمكن أن نسميه المسلك التكاملي الذي أخذ به في العصور الحديثة العالم الأمريكي "بترام سوروكن"1.

_ 1 حسن الساعاتي. تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص148-202.

المبحث السادس: التصميم التجريبي وقواعده

المبحث السادس: التصميم التجريبي وقواعده تتنوع التجارب من حيث: مكان إجرائها بين تجارب معملية وتجارب غير معملية، ومن حيث مجموعات التجربة بين تجارب على مجموعة واحدة وتجارب تجري على أكثر من مجموعة، ومن حيث مدة التجربة بين تجارب قصيرة المدى وتجارب طويلة المدى. ولقد أوضحنا في موضع آخر أن التجربة هي: محاولة مضبوطة لإثبات فروض معينة وأن البحث التجريبي هو إثبات الفروض بوساطة التجريب، وإثبات الفروض هذا يتطلب تعميم تجربة أو تخطيطا دقيقا للعملية وذلك باتخاذ إجراءات متكاملة لعملية التجريب، وهذا ما نسميه بالتصميم التجريبي. يتخذ التصميم التجريبي أشكالا متعددة هي: 1- التجارب المعملية والتجارب مع الناس، أو التجارب المعملية والتجارب غير المعملية: تتم الأولى داخل المختبر أو المعمل في ظروف صناعية خاصة، تصمم لأغراض التجارب، تضبط فيه وتثبت وتعزل العوامل الخارجية، مما يمكن من إدخال المتغير التجريبي وقياس آثاره ونتائجه على المتغير التابع، وتتميز هذه التجارب بالضبط والتحكم وإمكانية التكرار، أما الثانية فالباحث يضع فرضه بوساطة تجميع المعلومات من الظاهرات الطبيعية "مجموعات من الأفراد خارج المختبر" بدلا من اصطناعها، مما يجعلها أقل دقة وأكثر صعوبة، لصعوبة ضبط العوامل المؤثرة.

2- التجارب التي تستخدم فيها مجموعة واحدة من الأفراد "The one Group Method" أو أكثر: وذلك ببيان أثر عامل مستقل معين عليها، ففي الحالة الأولى يتعرف الباحث على اتجاهات أفراد المجموعة ثم يدخل العامل التجريبي عليها، بعد ذلك يتعرف من جديد على اتجاه أفراد المجموعة، والفرق بين الحالتين يكون ناتجا عن تأثير العامل التجريبي، ويمكن أيضا أن تجري التجربة مع مجموعة واحدة لمعرفة أثر حذف عامل معين عليها، بحيث يقاس سلوك الجماعة قبل وبعد حذف هذا العامل، والفرق ينتج عن تأثرها بهذا العامل. 3- التجارب التي يستخدمها الباحث على مجموعتين: "إحداهما "تجريبية" والثانية "ضابطة" تخضع الأولى للعامل التجريبي، وتترك الثانية في ظروفها الطبيعية، على أن تكونا متكافئتين "Equivalent" ما عدا المتغير التجريبي وذلك باستخدام أحد الأساليب الآتية: 1- الأسلوب الإحصائي: ويتم باستخدام المعايير الإحصائية مثل المتوسط الحسابي والانحراف المعياري لكل عامل مؤثر في المجموعتين بشكل متكافئ، وبعد ذلك يعرض المجموعة التجريبية للمتغير التجريبي، ويبقى المجموعة الضابطة دون متغير تجريبي. 2- الأسلوب العشوائي: يختار الباحث مجموعة الدراسة ثم يقسمها إلى مجموعتين متكافئتين بالطريقة العشوائية دون تحيز. 3- أسلوب الأزواج المتماثلة: يختار مجموعة من الأفرد ويحلل العوامل المؤثرة في المتغير الناتج ثم يضيف كل اثنتين متماثلتين في زوج واحد. 4- أسلوب التوائم: وهو دقيق لكنه لا يستخدم إلا نادرا، ويستخدم لإيجاد المجموعات المتكافئة على أساس أن التوائم متماثلة. 5- أسلوب تدوير المجموعات: وفيها يقارن الباحث بين أسلوبين في العمل أو بين تأثير متغيرين مستقلين حيث يعمل الباحث على إعداد مجموعتين متكافئتين، يعرض الأولى

للمتغير التجريبي الأول والثانية للمتغير الثاني، وبعد فترة من الزمن، يخضع المجموعة الأولى للمتغير التجريبي الثاني والثانية للمتغير التجريبي الأولى، ثم يقارن بين أثر الأول على المجموعتين وكذلك الثاني، ثم بحسب الفرق بين أثر المتغيرين. 6- الشكل الملائم للتصميم التجريبي: إن كل تصميم يجري يصلح لنوع من الدراسات، ولكن يمكن للباحث أن يقلل من قصور كل تصميم وذلك: بضبط العوامل والمؤثرات الأخرى عدا العامل التجريبي، وأن يكون دقيقا في تسجيل التغيرات والآثار التي تحدث نتيجة استخدام المتغير التجريبي، وقادرا على تسجيل التغيرات وتقديرها كميا، والتمييز بين المتغيرات السلوكية الناتجة عن المتغير التجريبي أو عن علوم أخرى، ونخص بالذكر الحذر من التحيز لمتغير دون الآخر1. هذا ويراعى في إجراء التجارب ما يلي: 1- أن يحاول الباحث استخدام قيم متباينة للمتغير التجريبي لمعرفة أثر هذا التباين في المتغير التابع. 2- يمثل المفحوصون الذين سيجري عليهم الدراسات التي تتناول الظاهرات الإنسانية عاملا هاما في النتائج لذلك يجب أن يتدرب هؤلاء على بعض مواقف التجربة وذلك بأن: أ- يثير دوافع المشاركة عند المفحوصين الذين سيخضعون للتجربة. ب- أن يتدرب هؤلاء على أداء أدوارهم من خلال تعليمات معينة. جـ- أن يحافظ على استمرارية دافعية المفحوصين. د- أن يحرص الباحث من إجراء تدريبات يمكن أن تؤثر إيجابيا أو سلبيا على النتائج.

_ 1- لمزيد من الاطلاع في شأن هذه الأساليب ارجع إلى: ذوقان عبيدات وآخرون. البحث العلمي، مرجع سبق ذكره، ص252-257.

هـ- أن يعزل الباحث أية عوامل قد تؤثر على النتائج أثناء تنفيذ التجربة. و أن يقلل الباحث أثر اختلاط أفراد المجموعة الضابطة وأفراد المجموعة التجريبية، كي لا يؤثر اختلاطهم على دقة النتائج1. أما قواعد تصميم التجارب. فقد قام جون ستيوارت ميل، واضع كتاب "نسق المنطق System of logic" بدراسة مشكلة "الأسباب" التي يتناولها البحث التجريبي، وتوصل إلى خمس قواعد يمكن أن تفيد في تصميم التجارب والبحث عن تلك الأسباب وهي: 1- طريقة الاتفاق "Methoe of Agreement" وتشير إلى أنه إذا كانت الظروف المؤدية إلى حدث معين، تتحد جميعا في عامل مشترك واحد، فإن هذا العامل يحتمل أن يكون السبب، وقد استخدمت هذه الطريقة في دراسات عديدة، وقد تكون العوامل المسببة غير واضحة، لهذا على الباحث أن يميز بين العوامل ذات الدلالة وذات العلاقة بالمشكلة "الموت بمرض لمجموعة أفراد ينجم عن تلوث المياه" وقد يكون ناجما عن عوامل أخرى. 2- طريقة الاختلاف "Method of Difference" إذا كان هناك مجموعتان أو أكثر من الظروف المتشابهة في كل شيء ما عدا عامل واحد فقط، وإذا حدثت نتيجة معينة عند وجود هذا العامل فقط، فإن هذا العامل موضع البحث، يحتمل أن يكون سبب هذه النتيجة، ولكن هذه النتيجة لا يمكن أن تكون قاطعة وحاسمة، إلا إذا تأكدت في حالات كثيرة جدا، ولعل معظم البحوث الموثوق فيها تتحقق في الدراسات التي تستخدم الطريقتين السابقتين. 3- الطريقة المشتركة "Joint method" وتعني أنه يجب أن نطبق أولا طريقة الاتفاق لاختبار الفرض، ثم نطبق طريقة الاختلاف، وإذا أدت كلتاهما إلى النتيجة نفسها، فإن الباحث يكون واثقا إلى حد كبير أنه قد وجد السبب، وقد استخدم العالم باستور هذه الطريقة في تجاربه.

_ 1 المرجع السابق ص257-259.

4- طريقة العوامل المتبقية "Method of Residues" وتعتمد على أنه عندما تكون العوامل التي تسبب بعض أجزاء الظاهرة معروفة، فإن الأجزاء المتبقية من الظاهرة لا بد أن تكون ناتجة عن العامل أو العوامل المتبقية. 5- طريقة التلازم في المتغيرات "Method of Concomitat variation" تدعو إلى أنه إذا كان هناك شيئان متغيران أو يتبدلان معا بصفة منظمة، فإن هذه التغيرات التي تحدث في واحد منهما تنتج عن التغيرات التي تحدث في الآخر، أو أن الشيئين يتأثران في ذات الوقت بسبب واحد مشترك مثال تأثير جاذبية القمر على حركة المد والجزر1، وقد حذر سيتوارت ميل من أن هذه القواعد ليست جامدة، كما أنها لا تصلح للتطبيق في جميع الحالات.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي، ومناهجه، مرجع سبق ذكره، ص282-288.

المبحث السابع: مراحل التصميم التجريبي

المبحث السابع: مراحل التصميم التجريبي يشتمل البحث التجريبي ثلاث عناصر هي: 1- الظاهرة موضوع الدراسة. 2- العامل المراد معرفة تأثيره في الظاهرة. 3- العوامل المتداخلة. ويتم البحث التجريبي خلاث ثلاث مراحل: 1- تحديد المشكلة. 2- وضع الفرضية. 3- اختبار الفرضية "البرهان" يتم بعدها ربط الفرضيات الصحيحة بعد اختبارها وإثبات صحتها بالمبادئ العامة في صورة:

4- النظرية: - تبدأ هذه المراحل بملاحظة المشكلة، أو الظاهرة موضوع الاهتمام، التعرف على أبعادها وأسبابها على شكل فرضيات قابلة للاختبار، مبنية على أسس نظرية قوية، ومن ثم وضع تصميم التجربة، أي كيفية اختبار الفرضية أو البرهان عليها، ونوعها، ومكان إجرائها، يليه اختبار عينة ممثلة لمجتمع البحث، ويتم من ثم تصنيف مفردات العينة وتقسيمها إلى مجموعتين مجموعة المراقبة أو المجموعة الضابطة، والمجموعة الثانية يتم تعريضها للتجربة، مع تحديد وسائل التجريب المناسبة، بعد القيام بتجربة أولية للتأكد من صحة ودقة أسلوب القياس، وما يجب أن يقاس أثناء التجربة، وصولا إلى القيام بتنفيذ التجربة، كما يتم التخطيط لها والحصول على البيانات المطلوبة، والمعبرة عن فرضيات التجربة فعلا وتحليلها وصولا للنتائج التي تم استخلاصها1. وبهدف المقارنة نذكر أننا أشرنا إلى أن أسلوب بيكون كان أسلوبا استقرائيا وليس استنتاجيا، وقد أوضحه في مؤلفه "الأداة الجديدة للعلوم" حيث بين المنهج التجريبي وخطواته، وبين أن على الباحث أن يجمع الحقائق التي تعتبر أساس المنهج الاستقرائي ومادته، كما بين أن هناك مرحلتين للبحث أولادهما مرحلة التجريب والثانية مرحلة اللوحات أو تسجيل التجربة، وهي مجرد مبادئ وملاحظات، اقتدى بها من جاء بعده من الباحثين مثل جون ستيوارت ميل وكلود برنارد اللذين نضج على أيديهم المنهج التجريبي وثبتت دعائمه. تشمل مرحلة التجريب لدى بيكون بعض الجوانب وأهمها: أ- تنويع التجربة: أي تنويع الظروف التي تمر بها التجربة، أو المواد التي تنتج عنها ظاهرة معينة. ب- إطالة التجربة: وذلك أن يستمر الباحث في جعل المؤثر ينتج أثره في الشيء المتأثر حتى يعلم هل يغير ذلك في طبيعة المتأثر، أو أن ذلك ينتج ظواهر جديدة.

_ 1 محمد عبيدات وآخرون. منهجية البحث العلمي، ط1، الجامعة الأردنية، 1993، ص41.

ج- نقلة التجربة: أي أن يحاول الباحث نقل ما طبقه من إرشادات في تجربة معينة، على تجربة أخرى أو فرع آخر من العلوم1. أما مرحلة تسجيل اللوحات أو تسجيل التجربة: فقد قصد بها بيكون الحضور والغياب وتفاوت الدرجات، ففي اللوحة الأولى "لوحات الحضور" يسجل الباحث كل الظروف التي تبدو فيها الظاهرة، وفي اللوحة الثانية يسجل فيها الباحث كل الظروف التي تختلف فيها الظاهرة، لتخلف ظرف أو لسبب من الأسباب، وفي اللوحة الثالثة يسجل تنوع الظاهرة والأحوال التي تحدث فيها على درجات مختلفة. أما الخطوة التالية للبحث، فيرى فيها بيكون مقارنة ما تم تسجيله في اللوحات الثلاث لاستخلاص الخصائص للظاهرة موضوع الدراسة، ثم يقوم بالتحقق من النتائج لإثبات مدى صحتها وخطئها، فالنتائج الأولى هي مجرد فروض علمية، لا بد من اختبارها حتى يتأكد الباحث من صحتها لتصبح قاعدة أو قانونا2.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه مرجع سبق ذكره، ص82-84. 2 عبد الرحمن بدوي. مناهج البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص157-161.

المبحث الثامن: صياغة الفرضية من أجل التجريب

المبحث الثامن: صياغة الفرضية من أجل التجريب إن غاية كل مجرب هي اختيار الفرضية، لهذا فإن طريقة قيادة البحث تتوقف على كيفية صياغة الفرضية، وبعض البحوث تكون صياغة الفرضية فيها ظاهرة، وبعضها يذكر الوجوه الكبرى للفرضية، وتظهر الوجوه الأخرى في تصميم التجربة أو خطتها. وبهدف أن تكون الفرضية ممكنة الاختبار، يجب صياغتها بشكل محدد، وأن تكون المصطلحات الأساسية محددة أيضا، قبل التجريب الفعلي، ومن الممكن أن تكون الصياغة محددة بشكل لا يمكن من الاختبار وذلك لأسباب عملية حينئذ تعاد صياغة الفرضية ليسهل التجريب الفعلي دون أن نمس جوهرها. ومما يجب ذكره بيان هوية الظاهرة المقصودة بالبحث إذا أردنا للفرضية أن تكون

كاملة، وهذا ليس شرطا خاصا نفرضه على الفرضية من الخارج، إن تحديد الظاهرة المقصودة بالبحث جزء هام، وقد يكون التحديد ضمنيا، الجملة الشرطية الموجودة في الفرضية لدى صياغتها صياغة كاملة، وأي توضيح يرد في الصياغة يجعل الفرضية أدق، فبعض الفرضيات عن السلوك مثلا، يقصد بها أن تنطبق على جميع المخلوقات الحية، ولكن الأكثر شيوعا هو الفرضيات التي تنطبق على جماعة خاصة "الأطفال" أو "طلبة الجامعة" وقد يكون التحديد ضمنيا لا صريحا. هناك أخطاء ترتكب عادة في البحوث العلمية من مثال أن الفرضيات التي تتصف بالعمومية لا يمكن اختبارها على فئة معينة فقط، ولكن العديد من ميادين البحث يمكن فيها استعمال هذه الفئة المعينة للدلالة على العموم، وفي كثير من البحوث لا تذكر التقارير عن بحوث الجماعة المقصودة بالبحث بصورة رسمية وصريحة، ولكنها تكون مذكورة بصورة ضمنية، وذلك حينما تذكر المجرب عليهم وتصفهم، هذا ونشير إلى أن كثيرا من البحوث يكون مصاغا بصورة عامة، ودون تحقيق دقيق للمصطلحات، حينئذ يعتمد المجرب على الوصف للعملية المستعملة في إعلام القارئ بتعريفاته الإجرائية التي يعطيها للمصطلحات التي استعملها في صياغة المشكلة، وعلى هذا فإن التقرير المقدم عن البحث كثيرا ما يحوي فرضيتين: الأول: مذكورة بشكل واسع فضفاض والأخرى مختبرة بطرائق محدودة، فإذا صحت الثانية أكد صحة الأولى ويجب أن تعكس النتائج التي تعطي، العلاقة الخاصة التي اختبرت وجربت، وليس العلاقة العامة التي صيغت في الفرضية الأصلية، وبهدف تجنب خطر المبالغة في التعميم استنادا إلى الاختبارات الخاصة، فإن القاعدة الصحيحة هي صياغة الفرضية بشكل محدد بالدرجة الأولى، وتعريف كل مصطلح تعريفا إجرائيا بعد ذلك. ذكرنا في موضع آخر وجود محددات عديدة لتفسير ظاهرة ما، وقياس هذه الظاهرة هو وظيفة ناتجة عن كثير من المتحولات الحرة، وحينما نقوم باختيار فرضية بوساطة تقليب متحول فرد من هذه المتحولات، فإن عددا من الافتراضات يفترض، وذلك بخصوص أثر المتحولات الأخرى، التي يمكن أن تؤثر في الإنجاز الحاصل، ونلاحظ أن هذه الافتراضات تجرب بصورة متزامنة بالنسبة للفرضية الأساسية التي طرحت للتأكد من صحتها1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس المنهج العلمي في العلوم السلوكية. مرجع سبق ذكره، ص178-186. وأيضا: Good Carter V. and Scates, Dauglas. op cit, 1954.

المبحث التاسع: مشكلة التصميم والتفصيلات الإجرائية للتجربة

المبحث التاسع: مشكلة التصميم والتفصيلات الإجرائية للتجربة أ- مشكلة تصميم التجربة: تتجسد مشكلة تصميم التجربة في أمرين رئيسين: ما تمليه التجربة وما يقرره المجرب. 1- العوامل التي تمليها التجربة وتشمل: المجرب عليهم والمتحولات الحرة، والمتحولات التابعة أو التوابع: حين تحدد الفرضية من أجل وضعها موضع الاختبار، لا بد من تحديد الجماعة التي تنطبق عليها الفرضية، في حين أن الفرضيات السلوكية حينما تصاغ صياغة واسعة، توهم بأنها تنطبق على أنواع عديدة من المجرب عليهم، وفي تقارير التجارب التي قد يقرؤها القارئ، قد لا نجد ذكرا لجماعة خاصة من المجرب عليهم، لكننا لا نكاد نمضي في قراءة التقرير حتى نجد مثل هذا التحديد أو نستخلصه. إضافة إلى تحديد الجماعة التي تنطبق عليها الفرضية، تشمل الفرضية بدورها على تحديد للمتحول أو لعدد من المتحولات الحرة، التي لا بد من تقليبها من أجل السير في التجربة وتنفيذها، وقد لا يكون للمتحول الحر أكثر من بعد واحد، أما في المتحولات التابعة، فإن التعريف الإجرائي يضيف مزيدا من التحديد للفرضية التي تختبر، لكننا قد

نحصل على نتائج سلبية للفرضية التي نختبرها علما أن الفرضية العامة ما تزال صحيحة، وذلك بسبب ترجمتنا لمصطلحاتها إلى تعريفات إجرائية. 2- العوامل التي يقررها المجرب: وتشمل تصنيف المجرب عليهم وتصنيف الشروط، ففي الحالة تصنيف المجرب عليهم وتصنيف الشروط هناك ثلاثة إمكانات: أن يقارن المجرب بين شرطين مختلفين، أو قيمتين مختلفتين للمتحول الحر نفسه، والمشكلة هي إذا كان من الواجب تطبيق الشرطين على نفس الفريق من المجرب عليهم أو على فريقين مختلفين، فإذا أخذنا بالحالة الأولى "نفس الفريق" يكون الإنجاز الذي يحققه الشخص تحت شرط ما ممكن المقارنة مع إنجازه تحت الشرط الآخر، كما أن مقارنة متوسط الفريق تحت كل شرط من الشرطين أمر ممكن أيضا، لكن مقارنة الشخص مع نفسه أمر مستحيل، ومقارنة متوسطي الفريق هو الاختبار الطبيعي للفرضية وهي الإمكانية الثانية. أما الإمكانية الثالثة فهي تصنيف المجرب عليهم، وهي إخضاع المجرب عليهم لاختبار مبدئي ثم تصنيف الأشخاص في أزواج متعادلة على أساس من إنجازهم، ثم يعين المجرب أفرادا من كل زوج لكل مهمة بصورة عشوائية، وبدلا من مقارنة متوسطي الفريقين يمكن مقارنة الإنجازات الفردية ضمن الأزواج المتعادلة حيث يبين أثر المتحول الحر، هذا وهناك متحولات أخرى في الوضع التجريبي، يمكن أن تتخذ قيما خاصة في رأي المجرب، إضافة إلى المتحول التجريبي الذي تفرضه الفرضية التي يختبرها. أما عدد المحاولات ومدة التجريب فهناك أمور يجب الالتزام بها، أولها مدة الجلسة التجريبية بحيث تسمح للمتحول الحر بالتأثير على المتحول التابع، وثانيها أن يقاس التقدير عددا من المرات أو خلال مدة من الزمن، تكفي لإعطاء تقدير يعتمد عليه، وثالثها ألا تكون مدة الجلسة طويلة لدرجة تسبب التعب أو الملل، بحيث يؤثران على

الإنجاز ومن الأفضل تقسيم المدة بين عدد من المحاولات بدلا من قصرها على محاولة واحدة طويلة، وفترة الاستراحة التي تفصل بين المحاولات المختلفة تساعد في منع ظهور التعب أو الملل، كما أن المقارنة بين إنجاز وآخر يساعد على اكتشاف التغير في الإنجاز يحدث فيما بين الجلسات. ومن العوامل التي يقررها المجرب طريقة تقدير المثير للأمور المثيرة، مثل الكلمات أو الأشكال الهندسية، ويبدو أن طرائق تقديم الإثارة إلى المجرب عليهم يجب أن يتم اختيارها على أساس من الاعتبارات العملية فقط، كما أن صياغة الفرضية قد تملي اختيار المواد المثيرة في وجه من وجوه التجربة، ولكن بإمكان المجرب اختيار مواده وانتقاء المثيرات وبعدد كاف. ومن هذه العوامل أيضا قياس الاستجابة، حيث يحدد المتحول التابع الذي تحدده الفرضية يحدد قياس السلوك المطلوب في تجربة سيكولوجية، والمبدأ الهام في القياس طريقة القياس، يجب ألا تتدخل تدخلا لا لزوم له في الاستجابة المقيسة. هذا ولا بد من الإشارة إلى إرشادات المجرب نفسه، وهي الاطلاع على البحوث السابقة عن المشكلة نفسها، والتي استهدفت اختبار فرضيات مشابهة، وكذلك الإرشادات التي يستمدها المجرب من الدراسات القائمة، عن بعض محددات السلوكية ذات العلاقة بالدراسة، والتي تقدم إرشادات ثمينة في تصميم التجربة، ومن البديهي أننا في معظم الأحيان لا نجد الأجوبة الدقيقة في الدراسات السابقة، ولكننا نجد نتائج تجريبية ذات أهمية نستعين بها في بحثنا. نشير أيضا إلى إلمام المجرب بمعلومات عن العمليات السلوكية والتحليل الإحصائي للمعلومات وهناك اعتبارات عملية ذات أهمية كبيرة، وهي المهارة في مداورة الصعوبات العملية دون أن يعرض المجرب اختبار الفرضية للخطر، وهو هدفه المنشود1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. المرجع السابق ص189-211.

ب- التفصيلات الإجرائية: بحثنا الخطوط العريضة لتصميم التجارب، ونمعن النظر هنا في الأوضاع المخبرية: 1- قيم المتحول الحر: تتنوع العوامل التي تبدو كمتحولات حرة في البحوث، وينوع المجربون أمورا من مثل شدة المثير، الوقت المسموح به للعمل، تعقد المشكلات المطلوب حلها، لهذا هناك اعتبارات توجهنا في انتقاء بعض القيم الكمية الخاصة للمتحولات الحرة، وذلك لاستعمالها في تجربة ما. لننتخب متحولا حرا من أجل دراسته، ونختبر قيما مختلفة له، لأنها ستؤثر في الإنجاز بصورة متباينة، وإذا كنا نتوقع أن مثل هذا الفرق سيظهر في القياسات التي تكون للمتحول التابع، فمن الضروري أن نختار قيما للمتحول الحر تكون هي نفسها متباينة بمقدار ينتج فروقا بينة في السلوك، أي ينتج أثرا ذي معنى. وبالرغم من ضرورة تنويع قيم المتحول الحر، تنويعا يكفي لإظهار أثرها في الإنجاز، فإنه من واجبنا عدم المبالغة، حتى لا نفقد العلاقة التي ندرسها، وخير ما يرشدنا إلى تعيين القيم التي نعينها للمتحول الحر في دراسة ما، قد ينجم عن تعرفنا على البحوث السابقة للظاهرة السلوكية نفسها، وهو أمر يلجأ إليه في كثير من تخطيطات البحث وذلك أنه من الممكن أن يكون عدد من هذه القيم كان قد استعمل في تجارب سابقة، وإذا كنا نغير بعض الشروط نعيد التجربة نفسها، فقد نختار القيم ذاتها التي كان قد استعملها المجرب السابق بحيث أن تجربتنا ونتائجها تصبح ممكنة المقارنة مع تجربته ونتائجها، أما إذا كنا نعمل على إقامة علاقة وظيفية بين المتحولات الحرة والمتحولات التابعة فقد نختار قيما وسيطة بالنسبة للقيم التي استعملت سابقا، وذلك من أجل أن نحدد الوظيفة الحسابية لهذا التتابع من القيم. 2- المجرب عليهم: تبدأ البحوث السيكولوجية بأن يطلب الباحث من المجرب عليهم التعاون معه وتقبل تعليماته، ويعود هذا إلى إمكانية الباحث من صياغة

التعليمات، وفي مقدمتها التشويق للإسهام في التجربة، وإثارة روح المنافسة بين المجرب عليهم، أمر آخر هو ضرورة وضوح التعليمات ودقتها كي تكون النتائج صحيحة، والتأكد من استيعاب المجرب عليهم التعليمات لا أن يتظاهروا بذلك آملين أن يفهموا التعليمات من خلال ممارستهم للعمل المطلوب، وقد يستدعي الأمر تكرار بعض النقاط الهامة، بخاصة التعليمات التي تتطلب أعمالا مغايرة للعادات المألوفة، ومن المناسب تكرار لك قبل بداية التجربة. إضافة إلى التعليمات التي تعطي عادة قبل بداية التجربة، قد يكون من المفيد أحيانا إعطاء التعليمات أثناء القيام بها، وبعد مرحلة معينة منها، مما يعمل على إعادة تشويق المجرب عليهم، وكثيرا ما يفيد في تنفيذ التجربة تغيير أوقات التجريب، وإعطاء تعليمات إضافية من أجل زيادة تبصر المجرب عليهم فيما يقومون به، هذا وهناك طرائق أخرى في إعطاء التعليمات سوى التعليمات الشفوية وذلك كالطرائق الكتابية مما يكون له الأثر الملموس في تشويق وتعزيز وإطلاع المجرب عليه على مدى حسن قيامه بالعمل. 3- تسيير التجربة: وهو أمر على جانب كبير من الأهمية، وأهم وجوهها: التدريب المبدئي للمجرب عليهم وإعطائهم بعض الاقتراحات التي تساعدهم على القيام بمهمتهم، على أن لا يؤثر هذا التدريب في النتائج، وكثيرا ما يلجأ إلى تسجيل نتائج التدريب المبدئي وحسبانها في التحليل الأخير إذا لزم الأمر، هذا وللتدريب المبدئي أهمية في صياغة الفرضية، إذ إنها تتطلب جمع معلومات من المجرب عليهم. أما الأمر الثاني فهو عزل المثيرات غير المرغوب فيها، وهو أمر شائع معروف في كثير من البحوث، وذلك على اعتبار أن هدف هذه البحوث هو في الأعم الأغلب تبيان أثر مثير ما في الإنجاز، لذلك فإن من واجب المجرب أن يحرص على أن لا يؤثر في النتائج إلا المثيرات المدروسة، وهذا أمر تحرص عليه الدراسات التي تتناول العمليات الحسية الإدراكية بخاصة وكل الدراسات السلوكية بعامة1.

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية. المرجع السابق ص182-218.

المبحث العاشر: مرحلة النظرية

المبحث العاشر: مرحلة النظرية عرّفنا في موضع آخر النظرية بأنها "أفكار مرتبطة ومنظمة تساعدنا على تفسير مجموعة من الظاهرات المعروفة أو المرصودة وتصلح لأن تكون أساسا للتوقع أو التنبؤ". هناك منهجان يمكن بهما التوصل إلى صياغة النظرية، أولهما أن نبدأ بالحقيقة، التي نرصد الواقع كما هو من مشاهداتنا وتجربتنا، وكل ما نتوصل إليه بحواسنا، ثم نحذف التفاصيل لنصل إلى الحقائق المصفاة. ونحصل على الإجابات المطلوبة، وهذا ما نطلق عليه "التجريد" وقد أطلق على هذا المنهج المسلك الاستقرائي. والمنهج الثاني ويطلق عليه الاستنتاجي، ويبدأ بأن نفترض تنظيما مثاليا نقوم ببنائه بأنفسنا، وهو عبارة عن تصورنا لما ينبغي أن يكون عليه سلوك الظاهرة، وبعد هذا البناء الفكري والنظري للمسألة، نبدأ بالمقارنة مع واقع الحال، ويلزم في هذه الحالة إجراء التعديلات المناسبة، حتى يتم التلاؤم والتطابق بين تنظيمنا الفكري التصوري والحقيقة، ولتوضيح الأمر نقول: إن هناك فرقا بين الطريقة التي نفرض بها النظرية بمجرد صياغتها، وبين الطريقة التي نشرع فيها بعمل النظرية وإيجادها. وبهذا التوضيح نشبه النظرية بالخريطة: ترسم الخريطة طبقا لمبادئ كوتوغرافية معينة، منها المحافظة على استعمال الرموز نفسها على الخريطة بصرف النظر عن اختلاف الأمكنة، والخريطة في حد ذاتها نظام يقوم على التجربة "مجموعة خطوط وعلامات وألوان وإشارات ورموز" إذن فالخريطة على هذا النحو عبارة عن نظرية بدون نص. من الطبيعي أن يكون تفسير الخريطة عن طريق عمل مفتاح لها يكون بمثابة الدليل أو التفسير لرموز الخريطة واصطلاحاتها، ويجب أن يبين هذا المفتاح ماهية الإشارة والألوان والرموز، وهكذا ... كما يبين دلالة هذه الخريطة والشيء الذي تمثله، وأما المقياس والموقع والمسقط والاتجاه فكلها أمور هامة تخبرنا عن ميدان الخريطة بنفس

الطريقة التي يخبرنا بها النص الصحيح المضبوط ميدان النظرية، فالنظرية بدون نص كامل كالخريطة بدون مفتاح كامل، وعدم الكمال هذا يحد ويقلل من الاستفادة من الخريطة والنظرية، فمن الخطورة مثلا أن نقوم بحساب المسافات الحقيقية بين الأماكن من الخريطة، إذا لم نكن نعرف المسقط الذي استخدم في رسم الخريطة، كذلك من الخطورة عمل قياسات للواقع من النظرية، إذا لم نعرف الأساس الذي قامت عليه النظرية، ومما يؤسف له حقا أن كثيرا من النظريات في مختلف العلوم الاجتماعية تعاني من نقص واضح في مثل هذه الأمور، مما يجعلها عاجزة عن أن تقوم بالتوقع والتنبؤ اللازمين1. تتشابه أغراض الخرائط والنظريات، فالخريطة نستخدمها لتخزين المعلومات ومدنا بها، كما تستخدم لعمل التوقعات ولتحليل الروابط بين الأشياء والظاهرات، وهذا القول ينطبق أيضا على النظريات، وكما نستطيع أن نشتق من الخريطة بعد رسمها عددا من النماذج، ونقتطف منها معادلات رياضية تلائم اتجاهات السطوح والكونتور، ونترجم المعلومات إلى وسيلة أخرى لغرض التحوير كي نحصل على النموذج النظير، أي نحاول استعمال الخريطة بكاملها، والنظرية كلها لأنها أشمل تعبيرا للواقع كله2. هذا وقد لا تكتمل النظرية حينما تشرح جزءا من الأدلة وتفشل في شرح أجزاء أخرى، لهذا لا تعتبر النظرية كاملة إلا إذا كانت قادرة على شرح جميع البيانات والحقائق التي تمت ملاحظتها، والنظرية المفضلة هي النظرية التي تحتوي أقل قدر ممكن من التعقيدات والفروض، أي أن النظرية الأفضل هي تلك التي تفسر أكبر قدر من الحقائق التي يمكن ملاحظتها دون تعديلات "Revision" للنظرية، وعرفت هذه الفكرة فيما بعد في مجال البحوث العلمية بقانون الاقتصاد والتركيز في المعرفة "The

_ 1 Thoman, R. S. Conkling, E. C. and Yeates, M. H. "The Geography of Ecanomic Activity". op cit, 1968. p. 86. 2 محمد علي عمر الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية، ط4. وكالة المطبوعات، الكويت 1983، ص309-314.

Low of Parsimony" وأخيرا فإن النظرية السليمة هي التي تفتح أبوابا جديدة كانت مغلقة من قبل. هذا ويركز القائمون بالبحوث البحتة "Pureresearch" جهدهم في صياغة النظريات دون الاهتمام بالتطبيق العملي، وقد تصبح ذات قيمة عملية في حالة التطبيق، فالنظريات التي تتعلق بعلاقة الأرض بين الكواكب المختلفة، كانت أساسية في نجاح إطلاق وعودة الصواريخ التي أطلقت للفضاء إلى الأرض1. إن فرض الفروض وصياغة النظرية يدلان على تفكير سليم وبعد نظر، ويأتي هذا عن مقدرة عقلية وخبرة ومعرفة، والإبداع والجرأة صفتان للعالم الحق، ويكون الإبداع بفرض الفروض ووضع النظريات ثم دقة التجريب وموضوعيته، وبدهي بعد ذلك أن الفرضية هي بداية القانون، وأنها صياغة للعلاقات، ويترك للتجريب أن يثبت صحتها أو بطلانها، لأن النظرية تربط بين الوقائع وتصل بين الحقائق، لهذا يجب أن تكون قاعدتها واسعة من المعرفة والخبرة. ثم إن الفرضية "أو النظرية" تنبؤ وتعميم، وهي بداية لعمل جدي، ولا بد من الإشارة إلى العلاقة بين الملاحظة الصحيحة وبين جمع الحقائق المستنيرة، وبين صياغة الفرضيات، والنظريات، وبين الوصول إلى الحقائق العامة والقوانين، إن الملاحظة الذكية توصل إلى الحقائق الهامة، والحقائق الهامة تترابط في نظرية أو فرضية فعالة، والنظرية الذكية بدورها إذا بحثت بحثا دقيقا، وجربت تجريبا علميا صحيحا أوصلت الباحث إلى العلم سلبا أو إيجابا، ونشير أخيرا إلى التواصل الوثيق بين كل خطوة من هذه الخطى، وأثر كل واحدة في الأخرى، وقيمة كل منها في الوصول إلى الحقيقة إلى القانون2.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره ص107. 2 فاخر عاقل: أسس البحث العلمي. مرجع سبق ذكره ص84-99.

المبحث الحادي عشر: تقويم منهج البحث التجريبي

المبحث الحادي عشر: تقويم منهج البحث التجريبي استخدمت العلوم الطبيعية المنهج التجريبي، وحققت بوساطته تقدما سريعا، مما دفع العاملين في مختلف حقول المعرفة الإنسانية إلى استخدام المنهج التجريبي في البحث، وقد دخل التجريب إلى علم النفس عام "1879"، ثم عممت الدراسات التجريبية لتشمل حقول المعرفة الإنسانية، ويتميز هذا المنهج بما يلي: 1- يستطيع الباحث أن يكرر التجربة أو الدراسة أكثر من مرة، وبذلك يتأكد من صحة نتائجه ومن ثباتها. 2- يستطيع الباحث أن يتحكم في العوامل المؤثرة ويضبطها، مما يعطي الفرصة للعامل التجريبي في التأثير على المتغيرات التابعة. 3- يقوم هذا المنهج على الدقة في اختيار شرعية الفرضية التي تم وضعها، وعلى الباحث إبداء ملاحظاته العلمية الدقيقة عند مقارنة مضمون الفرضيات التي وضعها والوقائع أو النتائج التي توصل إليها بأسلوب تحليلي منطقي واقعي. 4- يمتاز هذا المنهج عن غيره من مناهج البحث العلمي، بأنه يسعى أصلا للكشف عن العلاقات السببية بن العوامل المؤثرة والظاهرة محل الاهتمام. أما ما يؤخذ عليه: 1- تتم معظم التجارب في ظروف صناعية بعيدة عن الظروف الطبيعية: 2- يحتاج إلى مهارات وخبرات عالية المستوى من الناحية العلمية المرتبطة بمعدل إنصاف من يقومون بالموضوعية والخبرة اللازمتين لإنجاح التجارب، كأهم المفاهيم العلمية المتبعة. 3- يتطلب استخدامه إجراءات إدارية معقدة. 4- يصعب عزل عامل معين على انفراد، لأن ذلك يجعل تحديد العلاقة بين متغير تابع ومتغير مستقل أمرا صعبا.

5- يصعب التعاون مع أفراد عينة الدراسة، فيما يتعلق بضبط الأنماط السلوكية للأفراد تحت التجربة. 6- يصعب إيجاد مجموعتين متكافئتين تماما في كل العوامل، وبذلك تتأثر النتائج بالفرضيات بين المجموعات. 7- يصعب تعميم النتائج ومقابلتها مع الفرضيات التي قامت عليها التجربة نفسها. 8- تتأثر دقة النتائج بمقدار دقة ضبط الباحث للعوامل المؤثرة والأدوات التي يستخدمها كالاختبارات والمقاييس، بخاصة في مجال دراسة الظاهرات الإنسانية والاجتماعية.

الباب الثالث: الطرائق الرياضية في البحوث العلمية

الباب الثالث: الطرائق الرياضية في البحوث العلمية الفصل الثامن: التحليل الإحصائي مدخل ... الفصل الثامن: التحليل الإحصائي Statistical Analysis تمهيد: إن الحقائق من الظاهرات التي نريد أن نبحثها، هي مادة أولية يعالجها الباحث وفق ما تقتضيه طبيعة البحث، بالتحليل والتركيب لينتهي منها إلى بيانات ثانوية يستعملها في بحثه، وأي بيانات يمكن أن تساعد الباحث في توضيح العلاقة وحل المشكلات إذا كانت تمت إلى طبيعة البحث بصلة، فهي أداة إحصائية لقياس ظاهرة ما، وقد أصبح لها في الوقت الحاضر أهمية بخاصة في مجال التخطيط لأنها تبين الإمكانات بشكل واضح، مما تحتاج إليه الدراسات العلمية الحديثة. تتعدد وتتنوع مصادر الإحصاءات، منها المحلي ومنها الإقليمي ومنها العالمي التي بها نهضت عدة هيئات دولية، وهناك مصادر إحصائية ميدانية وهي التي تتصل بموضوع البحث مباشرة، وينتهي إليها الباحث من خلال الأعمال الحقلية أو الميدانية "Field Work" تضع الباحث وجها لوجه أمام الظاهرات التي يقوم بدراستها، ويتمكن بوساطتها من صحة المعلومات التي يجمعها. ينظر إلى الإحصاء على أنه فرع من فروع الرياضيات لأنه يستعين بلغتها الرمزية وينحو نحوها المجرد، ويستخدم أساليبها وتقنياتها المتعددة في الموجودات الواقعية، وقد وجد أصلا للتعامل مع المعطيات التجريبية، بل هو تطوير خاص للنظرية الاستقرائية،

لهذا كان التداخل في معنى كلمة الإحصاء، وقد أصبح أداة لا يستغنى عنها في البحوث العلمية لمرونته ودقته ووضوحه وموضوعيته في النتائج. كان في مراحله الأولى وصفي الطابع أي جمع وتصنيف وتلخيص وعرض وتمثيل، ثم أصبح استدلاليا، أي استخراج النتائج عن المجتمع الإحصائي، وتلا ذلك ظهور النماذج الرياضية، ونشير إلى المنهج الإحصائي والمنهج العلمي هما تسميتان لمسمى واحد، بحيث تتلخص الطريقة الإحصائية بالآتي: 1- تحديد المشكلة. 2- جمع البيانات اللازمة. 3- تصنيف البيانات وترتيب أو تجميع المعلومات. 4- عرض وتمثيل المعطيات في جداول أو رسوم بيانية. 5- تحليل المعطيات أو تفسير النتائج. وعلى كل باحث أن يلم بشيء من لغة الإحصاء، حيث تمده بوسيلة فعالة لوصف البيانات الرقمية والمعلومات التي تجمعت أثناء الدراسة فهي أداة أساسية للقياس والبحث والتعرف على درجة دقة البيانات والمعلومات والنتائج التي توصل إليها البحث وتستخدم الطرق الإحصائية بفعالية بالنسبة للمواد ذات الطبيعة الكمية، ويحتل مكانة هامة في البحوث الاستقصائية "المسح أو العينة" حيث يمثل مكانا بديلا من التجربة المضبوطة، وهو مهم أيضا بالنسبة لمناهج البحث الأخرى، ويلجأ معظم الباحثين في الوقت الحاضر إلى استخدام الحاسوب للمساعدة في عملية التحليل، ومن أهم البرامج الإحصائية التي تستخدم في هذا المجال برنامج "SPSS" وبرنامج "SASS".

المبحث الأول: جانب من علم الإحصاء

المبحث الأول: جانب من علم الإحصاء: نظرية الاحتمال "probability Theory": تعتمد المعادلات والطرق الإحصائية بعامة على نظرية أساسية، وتعتمد هذه النظرية بدورها على ملاحظة ما يمكن أن نسميه بقانون المصادفة "Law of chance" أو الاحتمال، والاحتمال هو حدوث شيء، أو حدث معين تحت ظروف معينة، وهذا هو محور نظرية الاحتمال، ورغم أن نظرية الاحتمالات لها استخدامات عديدة وهامة في البحث، ولكن هناك تجارب عديدة لا يمكن شرحها وتفسيرها كمجرد نتائج مصادفة، ولقد كان بليس باسكال "Blais Bascal" من أوائل رواد نظرية الاحتمالات ودراستها بشيء من التفصيل، كان عالم رياضيات شهيرا، وقد لاحظ وجود دراسات بل ملاحظات قليلة سبقته في هذا المجال على يد أرسطو وكيبلر وجاليليو، وتبادل الرأي مع عالم الرياضيات الفرنسي المعروف بييردي فرمات "Pierre d fermat" في هذا المجال وسجل باسكال أفكاره بوساطة حساب الاحتمالات في مؤلفه "Treatise on The Arithmetical Triangle" الذي نشره عام "1665" ومضى العلماء بعده لمزيد من الدراسات والبحوث. لقد أصبحت "قوانين الصدفة" أو الاحتمالات، ذات أهمية بالغة في مراحل عديدة من الحياة المعاصرة، من مثال عمل شركات التأمين، حيث تعتمد على تحليل سجلات وإحصائيات الوفيات، بهدف اكتشاف الأعمار المختلفة التي يموت عندها الناس، ثم تحسب الشركة الفرص النسبية للوفيات في مختلف مستويات الأعمار، وبالتالي تستطيع أن تحدد أقساط التأمين التي يجب تحصيلها من العميل، ومثال آخر: يستعين المدرس بالإحصاء لتصنيف علامات الطلاب المختلفة وتصحيح أوراق امتحاناتهم، وطبقا لنظرية الاحتمالات يستطيع المدرس أن يعرف أن الطالب المتوسط "Average" سيحصل على علامة متوسطة "Middle"، وأنه سيكون في الصف الدراسي العادي كثير من الطلاب الذين يحصلون على علامات متوسطة "Average"،

بينما سيحصل عدد أقل من الطلاب على علامات عالية، وعدد أقل من الطلاب سيحصلون على علامات منخفضة عن المتوسط، ونتيجة ذلك يضع المدرس في ذهنه ما يسمى في الإحصاء بالمنحنى المعتدل "Normal Curve" حيث يتجمع عدد حول متوسط معين، ثم يتوزع الباقي عن يمين ويسار النقطة المركزية، هذا والحسابات الإحصائية شائعة في حياتنا اليومية حيث نستعمل مصطلحات مستمدة من حياتنا اليومية إذ كثيرا ما يقال: "في جميع الاحتمالات" أو في "المتوسط" أو "ثابت نسبيا" أو "شاذ عن القاعدة تماما". ذكرنا أن الاحتمال حدوث شيء، أو حدث معين تحت ظروف معينة وهذا هو محور نظرية الاحتمال، وللاحتمال عادة نسبة مئوية، والاحتمال فيه شيء من التنبؤ، مما يجعل للبحث قيمة تطبيقية كبيرة، ورغم أن أساسيات نظرية الاحتمال واسعة ومعقدة في تفصيلاتها، إلا أن ميدانها واسع، فلو فرضنا أنه لدينا مجموعة من البيانات فإن احتمال حدوثها في الفترة الزمنية التي تشملها يكون 100%، وفي العادة نعبر عن 100% بالوحدة أي رقم "1". ولو كانت أرقام "قيم" هذه المجموعة تشكل منحنى تكراريا عاديا، فإن نسبة احتمال القيم الواقعة دون المتوسط وفوقه هي 50% أو "0.5"، ويكون مجموع احتمال كون القيم أعلى أو أقل من المتوسط = 100% أو 1.0. إن مشكلة تقويم احتمالات القيم "ضمن مجموعة من البيانات التي يحتمل حدوثها، هي في الأساس مشكلة تنطوي على كيفية تخصيص مجموع الاحتمالات من بين مختلف الاحتمالات قيد النظر، وكما أننا نتمكن من دراسة إمكانية احتمالين فقط، أي فوق المتوسط ودونه، فإنه يمكننا دراسة الاحتمالات لحالات معقدة، تحدث على مدى زمن غير محدد، فالدورة المناخية مثلا تكون أدق إذا كانت لمدة "40" يوما، إذ إنه كلما كانت المجموعة أطول كانت الاحتمالات أقرب إلى الحقيقة.

أما مسألة تخصيص جميع الاحتمالات "100% أو 1.0" لجميع الإمكانات فينبغي تقريرها بحسب مفهوم نوعية منحنى التوزيع التكراري الذي يطابق منحنى البيانات نفسها، أو يقترب منه كثيرا، وفي حالات لمجموعات من البيانات نجد أن المنحنى العادي هو المطابق، ولكن نجد أحيانا أن مجموعات أخرى تنطبق عليها توزيعات مختلفة غير عادية، وأكثرها شيوعا وأهمية هو التوزيع التكراري ذي الحدين، وتوزيع بواسن "Poisson". فالأول نفترض فيه أن لدينا مجموعة من البيانات عادية التوزيع ونريد معرفة احتمال قيمتين تكونان فوق المتوسط أو دونه، أو احتمال قيمة كل منهما فوق المتوسط والأخرى دونه، نرى في مثل هذه الحالة أن عدد القيم التي تكون قيد النظر اثنتان، والاحتمال العام للقيمة التي هي فوق المتوسط "50%" أو "0.5" كما يفترض التوزيع العادي، وكذلك فإن احتمال القيمة التي هي دون المتوسط "50%" أو "0.5" إن القيمتين يمكن أن تكونا فوق المتوسط أو دونه، وهناك حالتان تكون إحدى القيمتين فوق المتوسط والأخرى دونه، وبمعنى آخر أن حالة واحدة فقط من أربع حالات يمكن فيها أن تكون كلا القيمتين فوق المتوسط، أي أن احتمالها يكون "0.25" وهذه النسبة تنطبق أيضا على كل من القيمتين دون الوسط، بينما احتمال كل قيمة من القيمتين هو "0.5" هذا ويستعان عادة بمثلث بسكال إذا تزايدت عدد القيم المطلوب دراستها "أ+ب" أي أن "أ" تشكل عنصرا من عناصر مجموعة من البيانات و"ب" قيمة مقابلة لها، وكان المطوب معرفة الاحتمالات المختلفة لارتباط كل من "أ" و"ب" مع العلم بأن عدد القيم المطلوب دراستها خمسة وبذلك فإن المعادلة الأساسية "أ+ب"2 ترفع قوتها إلى "أ+ب"5 أما الاحتمال بالنسبة لتوزيع تكرار، بواسن فتعتمد في جوهرها على القانون الرياضي المسمى "قانون الأسس "The Exponential law" ويرمز إليه بحرف "هـ" والتي هي بموجب هذا القانون قيمة ثابتة، هذا ويمكن الحصول على نسب الاحتمال من رسوم بيانية خاصة يطلق عليها "Poisson Probability Paper"، إذا كنا نعرف مقدما قيمة ص "أي المتوسط"1.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه مرجع سبق ذكره ص 386-385.

المبحث الثاني: الأساليب الإحصائية

المبحث الثاني: الأساليب الإحصائية إن أهداف الدراسة وطبيعتها والفرضات التي تم وضعها من قبل الباحث تحدد الأساليب الإحصائية الواجب استخدامها وهي إما أساليب وصفية ارتباطية. الأساليب الإحصائية الوصفية: يلجأ في حالة الدراسات الوصفية إلى الأساليب الإحصائية الوصفية التي تكتفي بوصف الظاهرة دون التعمق بدراستها أو تحليلها، ومدى أثرها أو تأثيرها على غيرها من الظاهرات الأخرى، والعلاقة بين متغيرات الدراسة، ونذكر فيما يلي أهم هذه الأساليب: أولا: التكرار "Frequencies": يعرف التكرار بأنه عدد المرات التي تتكرر فيها ظاهرة أو مشاهدة معينة، ويستخدم بخاصة في حالة المقاييس الإسمية المتعلقة بالحالة الاجتماعية والمستوى التعليمي، وأيضا في المقاييس التفاضلية "مهم، مهم جدا، ... " وتستخدم مع التكرار النسبة المئوية لكل فئة، والتي تبين نسبة كل فئة إلى المجموع الكلي، كما يستخدم في النسبة المئوية التراكمية التي تبين نسبة مجموع الفئات السابقة إلى المجموع الكلي. هذا وتمثل التوزيعات التكرارية بصورة بيانية بهدف معرفة الاتجاه العام للظاهرة المدروسة وتوضح طبيعة تكرارها، من حيث موقع النزعة المركزية ومدى تنشئتها وشكل توزعها التكراري بهدف إيجاد النموذج الرياضي الذي يخضع له توزيعها التكراري، وقد تطور تمثيل التوزيعات التكرارية من المدرج التكراري "Histogrom" أو المضلع التكراري "Frequency polygon" إلى المنحنى التكراري "Frequency Curve" وهو أفضل الطرق المستعملة.

الجداول المتقاطعة "Cross tabulation": إن نقطة الانطلاق في أي تحليل إحصائي كما يقول زيزل: "Zeisel. H" هي عملية الجدولة المستقيمة أو الجدولة ذات البعد الواحد، كما تدعي أحيانا، التي تبين توزع عدة فئات بحسب متغير ما أو خاصة معينة من مثال: نقول: إن نسبة من هم في التعليم المهني "40%" ومن هم في التعليم غير المهني "60%" نلاحظ من خلال هذين الرقمين أن نسبة من هم في التعليم غير المهني أكبر ممن هم في التعليم المهني، وهذا كاف لأغراض البحث العلمي، أما عندما نسأل لماذا كان التوزيع النسبي على هذا النحو أو ما هي المحددات المسئولة عن هاتين النسبتين أو قيمتهما؟ فإننا نحتاج إلى مزيد من الخطوات التحليلية لتقارن بوساطتها خصائص كل فئة، ويتم هذا بوساطة الجداول المتقاطعة، وهي تعتمد على مبدأ التكرار، لكنها تعطي معلومات أكثر عمقا ودلالة، وأبسط أنواعها ما كانت ذات بعدين فحسب "أي تدمج متغيرين فقط وتبين مدى التقاطع في المعلومات الواردة في هذه المتغيرات". أما الجداول ذات الثلاثة أبعاد فهي من النوع المعقد من مثال: إذا كان لدينا سؤال يتعلق بالمستوى التعليمي، فإن نتائج كل سؤال لا تظهر لنا عدد الإناث اللائي يحملن شهادة الماجستير، كما لا تظهر إذا كان هناك الاختلاف واضحا في المستوى التعليمي بين الذكور والإناث، أما الجداول المتقاطعة فإنها توضح لنا ذلك1. ثانيا قياسات النزعة المركزية "Central Tendecny": وهي قياسات شائعة الاستخدام، والتراكم عند نقطة متوسطة هي ما نسميه بالنزعة المركزية أي نزعة المفردات المختلفة إلى اتخاذ قيمة معينة هي القيمة المتوسطة وتشمل:

_ 1- بهدف التفصيل يمكن الرجوع إلى الكتب الإحصائية: - عبد اللطيف عبد الفتاح وزميله. المدخل في الإحصاء ورياضياته. وكالة المطبوعات الكويت، 1972م. - حسن محمد حسين. البحث الإحصائي، أسلوبه وتحليل نتائجه. دار النهضة العربية، القاهرة، 1956م.

1- الوسط الحسابي "المعدل" Man Average": يستخدم في مجالات متعددة لوصف الظاهرة، ويتم بجميع قيم المشاهدات ومن ثم قسمة المجموع على عدد المشاهدات، فإذا كان مجموع كمية الأمطار الهاطلة خلال تسعة أشهر "900" ملم فإن وسطها الحسابي هو "100"ملم. 2- الوسيط "Medium": يعني الرقم الأوسط "Middle Number"، لو فرضنا أنه لدينا مجموعة رقمية على النحور الآتي: "1، 2، 2، 3، 3، 3، 3، 4، 4، 5" فالوسيط هنا رقم "3" لأنه يقع في وسط المجموعة، ولاستخراج الوسيط يجب أن يتم ترتيب المشاهدات إما تصاعديا أو تنازليا، وفي حالة كون المشاهدات مزدوجة، يتم استخراج الوسيط من خلال مشاهدتين، وذلك بإيجاد الوسط الحسابي لهما، من مثال إذا كان عدد المشاهدات "10" ومرتبة تنازليا أو تصاعديا، يكون الوسيط هو متوسط المشاهدة "5" أو "6". 3- المنوال "Mode": وهو عبارة عن القيمة أو الرقم الذي يتكرر حدوثه في المجموعة أكثر من غيره، ففي المثال السابق الرقم 3 هو المنوال لتكراره أكثر من غيره، وإذا كانت المشاهدات معروضة على شكل فئات تكرارية فإن المنوال في هذه الحالة يكون الوسط الحسابي للفئة الأكثر تكرارا. ثالثا: مقاييس التشتت "Measures of Varibaility": لا يكتفي الإحصائي عادة بالنزعات المركزية وحدها: ولكنه يهتم أيضا بكيفية تشتت أو توزيع مختلف القياسات في علاقاتها ببعضها البعض، وبذلك يستفيد من بين مدى الاختلاف بين عناصر أفراد الدراسة أو الظاهرات الخاصة بالدراسة أي أن مقاييس التشتت تعطي صورة عن مدى الانسجام بين مشاهدات الدراسة، وربما تعطي صورة أفضل مما تعطيه مقاييس النزعة المركزية وأهم مقاييس التشتت:

1- المدى "Range": يدل الباحث على قياس أولي، ويعبر عن حدود القياسات "أعلاها وأقلها" والمدى هو الفرق بين أقل قيمة وأكبر قيمة من المشاهدات موضوع البحث، ويؤخذ عليه أنه يتأثر كثيرا بالقيم الشاذة وبأنه يأخذ بقيمتين فقط من قيم المشاهدات. 2- التباين "variance": وهو مجموع مربع انحرافات القيم عن الوسط الحسابي لها، مقسوما على عدد القيم، ويمتاز التباين على المدى بأنه أقل تأثرا بالقيم الشاذة، ويؤخذ عند احتسابه جميع قيم المشاهدات بالاعتبار ورمزه "ع2" ومعادلته هي:

_ 1 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية، مرجع سبق ذكره ص224.

المبحث الثالث: الأساليب الإحصائية الارتباطية

المبحث الثالث: الأساليب الإحصائية الارتباطية أساليب اختبار الفرضيات: إذا كانت الدراسة تهدف إلى التعمق في دراسة ظاهرة، ووضع فرضيات وفحصها بشكل إحصائي، أي أن تكون الدراسة ارتباطية، فإن الباحث يلجأ إلى استخدام مقاييس الارتباط أو مقاييس اختبار الفرضيات وتقسم هذه الاختبارات إلى مجموعتين رئيستين: 1- أساليب اختبار وجود علاقة أو ارتباط بين متغيرين أو أكثر. 2 - أساليب وجود اختلاف بين متغيرين أو مجموعتين من الأفراد أو المشاهدات أو أكثر. وأهم مقاييس اختبار الفرضيات هي: 1- اختبار بيرسن "person Rank" "معامل ارتباط بيرسن". يعبر معامل الارتباط عن كمية ودرجة العلاقة، وقد تكون هذه الدرجة في اتجاه إيجابي أو سلبي، وهو من أحدث الطرق المستخدمة في البحوث العلمية، ويعتبر معامل ارتباط بيرسن من أفضل الطرق التي تستعمل حاليا بكثرة في الأبحاث العلمية لقياس الترابط بين متغيرين، وقد يكون الارتباط موجبا إذا كان تغير العنصرين مختلفا اختلافا عكسيا، وكلما كان التناقص كبيرا، كان معامل الارتباط يقترب من الرقم "-1" الذي يعتبر تناقصا كليا، ولمعادلة بيرسن أهمية في العلوم الطبيعية والبشرية على السواء، ولكنها تحتوي الكثير من الرموز، وتحتاج إلى عمليات حسابية مطولة ودقيقة، إلا إذا استخدمت الأجهزة الحديثة في الحساب.

2- معامل سبيرمان "Spearman Rank": يستخدم لاختبار العلاقة بين متغيرين أو أكثر، ويتم حسابه على النحو الآتي: من مثال حساب الارتباط بين عدد السكان والمساحة في دولة ما، يتم حساب عدد السكان لكل وحدة إدارية، وحساب مساحة كل وحدة إدارية، تدرج في جدول بحيث ترد الوحدات الإدارية بشكل عشوائي بالنسبة لكل من المساحة ولعدد السكان، ثم تحسب الفروق بين رتب عدد السكان لكل وحدة، ورتب المساحة لكل وحدة أيضا، ثم تربع هذه الفروق وتجمع، ويكون المجموع هو معامل الارتباط "معامل سبيرمان". 3- وهناك تحليل الرتب "Analysis Rank": ويستخدم للكشف عن الارتباط بين ظاهرتين أو أكثر تتغيران مكانيا، والطريقة المتبعة هي ترتيب القيم بحسب مقدارها الكمي، وكلما كان التشابه قويا بين الأعمدة من حيث الترتيب كانت الرابطة أقوى، ومن عيوب هذه الطريقة منها ما يختص بالفرق بين قيمة كل مرتبة، وما يتعلق بنوعية وشكل وقوة الترابط بين الظاهرات أو العناصر المتغيرة، وللتغلب على صعوبات هذه الطريقة ابتدع رجال الإحصاء معادلة حسابية يمكن بوساطتها تحديد درجة الترابط "تحديدا دقيقا" وعليه يمكن التوصل إلى رتبة كل منطقة، ولكن هذه الطريقة معقدة وتتطلب إلماما قويا بعلمي الإحصاء والرياضيات. نذكر من أساليب اختبار الفرضيات اختبار مان وتنى Man-whitines" لقياس الاختلاف بين مجموعة من الأفراد أو المشاهدات، واختبار كرسكل ولاس "Kriskal-Wallis" وأيضا واختبار "T Test" واختبار "Multiple dis Criminant Analysis".

الفصل التاسع: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي الأنظمة

الفصل التاسع: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي الأنظمة مدخل ... الأنظمة الاقتصادية1، كما كتب علماء الأحياء، ودرسوا أنظمة الأحياء النباتية والحيوانية، كذلك فعل أصحاب الدراسات البشرية، رغم ذلك يمكننا اعتبار فكرة الأنظمة فكرة جديدة، من حيث نوعية الاهتمام بها حاليا، بخاصة من الناحية التطبيقية، ولأنها عنصر هام من عناصر التحليل ويبدو لنا هذا واضحا فيما نشاهد التحول العام في الاهتمام من دراسة الأنظمة التي هي غاية البساطة، حيث تكون تفاعلات عناصر النظام محدودة للغاية، يمكن رصدها وضبطها إلى الأنظمة ذات التعقيد الشديد، التي تزايد الاهتمام بها منذ أن حل القرن "العشرون" وساعد على ذلك لودفيج بيرتنفلي "ludving Von pertolonfly" بغرض البحث عن نظام علمي أساسي جديد عرضها في مقالات التي نشرها فيما بين عامي "1947-1952".

_ 1- كان ورنر سومبار أول من استخدم الأنظمة الاقتصادية بشكل معمق، لقد عرفه "تشكيلة لجهاز تقني جهاز العلاقات القانونية والاجتماعية ودافع اقتصادي سياسي" أي أن النظام يتضمن ثلاثة عناصر هي: المادة: والشكل، والروح "الموسوعة الاقتصادية ص498".

المبحث الأول: تعريف النظام

المبحث الأول: تعريف النظام النظام: اختلف الباحثون في تحديد مفهوم النظام، ركز بعضهم على أن النظام هو كيان موحد، أو كل مركب من عناصر وأجزاء متفاعلة، وأكد آخرون على أهمية العناصر، أو الأجزاء المكونة له، مشيرين إلى أن مفاهيم النظم والمجموعة الرياضية من طبيعة واحدة، تتألف كلها من عناصر مختلفة، تربط بينها علاقات متبادلة، نشأت كلها لغايات متشابهة، هي الجمع بين وحدات غير متجانسة داخل مجموعة واحدة ونورد فيما يلي بعضا من التعريفات لمفهوم النظام: - النظام مجموعة من العناصر المتفاعلة التي تكون كلا واحدا، له وظائفه المعينة. - النظام مجموعة من عناصر أو أشياء تربط بينها علاقات بالتبادل كما تربط بين خصائصها. - النظام مجموعة حوادث بينها تبادل داخلي كبير وصلات وثيقة.

- النظام علاقة تبين مدخلات ومخرجات تتم بينهما عمليات في داخل المنظومة. - النظام تجميع لعناصر أو وحدات في شكل واحد أو كل واحد. - النظام تجميع مجموع من الأشياء المتشابهة أو المترابطة، تربط بينها علاقات كما تربط بين خصائصها. - النظام تجميع من القواعد والإجراءات، أي مجموعة من الأشياء المترابطة من جهة ومجموعة من القواعد والإجراءات أو السلوك من جهة أخرى، ومجموعة الأشياء هي "كيان النظام" أما مجموعة القواعد فهي "نسق عمل النظام". - ويلاحظ من جميع هذه التعريفات أنها تركز على الأجزاء والعناصر والعلاقات بينها. لقد أشار بعض الباحثين في تعريفهم للنظام إلى "البيئة" بحيث عرفوا النظام بأنه: - مجموعة من العلاقات بين صفات وخصائص الأشياء وبين البيئة التي هي فيها، فقد أظهر بري "Berry" النظام البيئي، وعبر عنه في تعريفه للنظام بأنه: "شخصية لها طابع مميز، ويتألف من أشياء متخصصة" والنظام البيئة كما في رأيه: "كائنات حية وعوامل بيئية معقدة، تتفاعل فيها الكائنات مع بعضها بعدة طرق، ومنها تظهر نتائج أو تأثيرات متبادلة بين البيئة والسكان"1. ويرى تشورلي "Chorley" أن "النظام عبارة عن مجموعة أشياء مترابطة ولها اتصال بخواصها ويشبه هاجيت "Hagget" النظام في الطبيعة بنظام الماء الساخن "سخان موقد، أنابيب" وكل من تشورلي وهاجيت اتخذ أمثلة تطبيقية من الواقع الطبيعي، والتطبيق هي السمة الجديدة للأنظمة.

_ 1 -Harvey, D. x. "Explanation in Geography H. "Arnold, London 1969 p452.

نستنتج من مجمل ما ذكرناه من تعريفات: 1- إن لكل نظام كيانا خاصا له حدود معينة تقع داخلها عناصر وأجزاء النظام، وما هو خارج هذه الحدود هي بيئة النظام، تؤثر على النظام بمدخلاتها "الطاقة، المواد والمعلومات" وهي أساس عمل النظام واستمراريته، وتتأثر به بمخرجاته. 2- إن عناصر النظام مترابطة ومتكاملة، تقوم بوظائفها بشكل متكامل بين هذه العناصر. 3- للنظام أهداف ووظائف، يزود بمخرجاته أنظمة أخرى في البيئة، بحيث تكون مدخلات تلك النظم كما تكون مخرجات نظام ما مدخلات لنفس النظام. 4- إن عمل النظام عمل تحويلي، يحول المدخلات إلى مخرجات منظمة حسب معايير معينة. وهذا يعني أن كل نظام هو نظام فرعي لنظام آخر أكبر منه، أو أن كل عنصر من النظام يمكن أن يشكل نظاما فرعيا، وإن العلاقات بين النظم علاقات هرمية "الكون، الإنسان، الدورة العربية ... ".

المبحث الثاني: عناصر النظام والروابط بينها

المبحث الثاني: عناصر النظام والروابط بينها يتألف النظام من عدة عناصر لها وظائفها وبينها علاقات منظمة، وهذه العناصر هي الوحدات الأساسية في النظام، يعتمد تحديدها على مستوى التحليل "Resolution level" أو المقياس المستخدم في تحليل النظام، يؤدي هذا الكل نشاطا هادفا، له سمات تميزه عن غيره، ويقيم هذا النظام علاقات مع البيئة التي تحيط به، في زمان معين ومكان معين، ويعني هذا أن لكل نظام كيان خاص، تميزه عن البيئة المحيطة به، وكل ما يقع ضمن كيانه فهو عناصره وأجزاؤه وكل ما يقع خارج حدوده، فهو بيئة النظام التي تتأثر به ويتأثر بها، يأخذ منها المدخلات ويزودها بالمخرجات.

أ- عناصر النظام: هي الوحدة الأساسية، وتعريف العنصر يعتمد على المقياس الذي ندركه في النظام ويرى بلالوك "Blaloc"؛ "1959" بأن هناك طريقين نستطع بهما إدراك العنصر تبعا لمرتبة أو طبقة النظام من مثال: المصنع وحدة لا تتجزأ، يقوم ضمن نشاط اقتصادي، لهذا قراراته ترتبط بعوامل داخلية أو خارجية، ولكن الاتصال الخارجي يتم باسم المصنع وحده، لأنه وحدة قائمة بذاتها، كذلك يشمل المصنع عناصر دنيا، وهم العمال، يتعاملون مع أفراد آخرين في مصنع آخر، ويضعنا هذا أمام مشكلة وهي مشكلة القياس. هناك مشكلة أخرى تعترضنا لتفسير الفكرة الرياضية للعنصر، تكمن في تعريف المشكلة نفسها، قد تكون الظاهرة موزعة بشكل متصل مترابط صعبة الفصل، وأحيانا تكون ظاهرات منفصلة ذات حدود واضحة، ولكن من وجهة نظر الأنظمة الرياضية فإن العنصر متغير، ولذلك حين نبحث عن ترجمة العنصر الرياضي يجب أن يفسر العنصر على أنه بعض صفات أو خصائص فرد محدد، وليس الفرد نفسه، لهذا فإنه في تحديد وتعريف العناصر، لا يقتصر التعريف على الأفراد فقط، ولكن يجب اتباع إجراء عميق لقياس صفاتها وخصائصها. ب- العلاقات والروابط بين عناصر النظام: هي الروابط التي تصل بين الأشياء والخصائص في المنظومة، وتتمثل هذه الروابط المتبادلة بين العناصر وخصائصها، الخصائص المميزة للنظام، وتوجد هذه العلاقات بين مختلف عناصر النظام الواحد، وكذلك بين النظام الرئيس والنظم الفرعية نفسها، هذا وأشكال العلاقات متعددة: - العلاقات المتتالية "Series Relation": وهي أبسط الأنواع، أي أن عناصرها متتالية، ويمكن رصدها على أنها خصائص ارتباط سببي، وهي التي شاع استخدامها في العلوم التقليدية، وهناك:

- العلاقات المتوازية "Paralleled Relation": وهي شبيهة بالسابقة، حيث يتأثر عنصران مثلا بعنصر آخر، أي هي شبيهة بالارتباط السببي، وهناك: علاقة التغذية الاسترجاعية، في علم الإلكترونيات، وهنا كل عنصر يؤثر في نفسه، مثل نافورة الماء التي تسحب الماء وترجعه ليعاد سحبه من جديد. إن العلاقة الوظيفية التفاعلية هي القوة المحركة للعلاقات المتبادلة أو المسببة لتفاعلاتها، وبعض العلاقات المتبادلة ليست وظيفية في طبيعتها، بل تساعد على تحديد البيئة المورفولوجية، في حين أنها تكون في بعضها الآخر وظيفة لهذا نستطيع أن نميز بين نوعين من المنظومات: المنظومة المورفولوجية "Morphological System" والمنظومة الوظيفية "Functional System" نضرب مثالا توضيحيا عن المنظومة والعلاقة بين عناصرها بالجهاز الهضمي، فهو جهاز يؤدي فعاليات معينة غايتها الأساسية هضم الطعام، يحتوي منظومات فرعية كالفم والمريء والمعدة والأمعاء والكبد والبنكرياس ... ، لكل منها وظيفة أساسية في الوظيفة الرئيسية وهي هضم الطعام. إن سير هذه العناصر بشكل طبيعي يؤدي إلى سير الهضم بشكل طبيعي، وأي خلل في أحد العناصر يؤدي إلى خلل في عمل الجهاز الهضمي، كذلك حال الدورة الدموية والجهاز التنفسي، كل منهما منظومة مؤلفة من عناصر لكل منها وظيفته. هذا وإن تحليل المنظومة من حيث كونها أداة تقنية أو منهجية نافعة تصلح لدراسة مختلف الظاهرات بما فيها الظاهرات الإنسانية، مع الإشارة إلى أن منهج التحليل هذا يركز بخاصة على طبيعة العلاقات والارتباطات بين الأجزاء أكثر من تركيزه على الأجزاء ذاتها، وقد أخذ هذا التركيز يتنامى، لأن التفسير الأحادي كما يقدمه التحليل الجزئي لم يعد مقبولا في العلوم الاجتماعية1. هذا ولتحليل المنظومات صلة وثيقة بالأساليب الرياضية أو التقنيات المكممة، ويمكن في بعض الحالات تعيين ووصف وتحليل وتفسير المنظومات بلغة رياضية، دون تعميم ذلك على جميع حالات المنظومة ومستوياتها، حيث نلجأ في بعض المنظومات إلى لغة الكيف لا الكم.

_ 1 Chadwick, G.A. "System view of Planning". Pergamon Press, oxford, 1974. p 63.

المبحث الثالث: المدخلات والمخرجات

المبحث الثالث: المدخلات والمخرجات "Inputs, Outputs" 1- المدخلات: تعتبر دراسة المدخلات والمخرجات إحدى الأساليب الهامة، لما تقدمه من توضيح وبيان طبيعة العلاقات، وقد أشرنا حينما بحثنا بنية النظام إلى المدخلات والمخرجات، فمدخلات النظام هي جميع عناصر البيئة التي تدخل في النظام، وتشمل جميع المتغيرات التي تؤثر في النظام، هي الموارد الأساسية للنظام حيث تقوم بيئة كل نظام بتزويده بهذه الموارد، هذه المدخلات تدفع النظام للحركة والعمل ليكون قادرا على تحقيق أهدافه، لهذا فإن الوظيفة الأساسية للمدخلات هي إثارة النظام إلى السلوك والعمل وتوفير الموارد الأساسية له: يستمد النظام مدخلات في ضوء أهدافه ووظائفه مثال: إذا كان هدف النظام هو إعداد معلمي المرحلة الإلزامية فمن الطبيعي أن يستمد النظام مدخلاته من خريجي المدارس الثانوية، وكل نظام يسعى إلى الحصول على مدخلات من البيئة الطبيعية، لأنه يحتاج إليها. يمكن تصنيف مدخلات أي نظام في ثلاثة أنواع: 1- المدخلات الأساسية: وهي الموارد والعناصر والمواد اللازمة لقيام النظام بالعمل وأداء وظائفه، تدخل هذه المواد إلى النظام بشكل مواد خام وتتحول إلى مادة جديدة لها خصائص جديدة، كما هو حال مثال إعداد المعلمين، فالطلاب من خريجي المدارس الثانوية هم مدخلات أساسية، يتحولون بعد قضاء فترة من الدراسة والتدريب إلى

معلمين أو محاسبين أو فنيين في الهندسة، فالطلاب إذن هم مدخل أساسي والبيئة هي التي توفر هذا المدخل. 2- المدخلات الإحلالية: وهي هامة جدا في تسيير عمل النظام، وتسهيل مهمته في تحويل مدخلاته الأساسية إلى مخرجات، لكنها لا تدخل في عمليات ولا تتحول إلى مواد جديدة، كالمدخلات الأساسية، إنما هي موارد عناصر تعمل فترة من الوقت قبل أن تتلف وتستبدل بغيرها كالأجهزة والأدوات. 3- المدخلات البيئية: وتشمل المؤثرات الخارجية التي لا تدخل في العمليات ولا تتحول إلى مخرجات بل تؤثر تأثيرا خارجيا في عمل النظام، مثل درجات الحرارة أو الإنارة، أو التهوية، وهكذا فإن لكل نظام مدخلات متنوعة، بعضها يتحول إلى مخرجات هي المدخلات الأساسية، وبعضها يتلف ويستبدل بغيره وهي المدخلات الإحلالية وبعضها لا يدخل أساسا في النظام بل يكون تأثيرها من الخارج هي مدخلات بيئية، إن التفاعل بين أنواع المدخلات، أو التفاعل بين عناصر النظام هي ما يسمى بـ: - عمليات النظام "Process": لكل نظام عمليات لا بد منها، وتعتبر أساسية لتحقيق أهدافه: 1- عمليات التحويل: وهي التي تحول المدخلات إلى مخرجات، مثل التدريس في الكليات حيث تحول الطلبة إلى مختصين يمارسون عملا معينا. 2- عمليات الصيانة: وهي العمليات التي تحافظ على بقاء النظام نشيطا، كما تحافظ على صيانته ومثال صيانة المؤسسات التعليمية من حيث المواد والكتب والمرافق. 3- عمليات الضبط: وهدفها مراقبة النظام وضبطه، لأن انحراف النظام عن الهدف يعني فشله، ويكون لعمليات الضبط مؤشرات يستقيها من الانحراف عن الهدف، فتأتي

هذه العمليات كأفعال وقائية: كعلاقة المدرس بتلاميذه، نوعها، ومستواها، لهذا تسمى هذه العملية بعملية ضبط وقائية، وربما يكون مجالها أوسع فتكون عملية تصحيحية، وهكذا يخضع نظام الكليات إلى وزارة التعليم العالي، وهذه بدورها حريصة على أن تبقى الكليات قادرة على الاستمرار وتأدية وظائفها. 2- المخرجات: تتحدد مخرجات النظام وفق أهدافه ووظائفه، فإذا كان هدف النظام إعداد معلمين، فإن المخرجات المتوقعة منه هي معلمون مؤهلون، وتتوقف جودة هذه المخرجات على عاملين هما: نوعية المدخلات ومستوى العمليات، والمخرجات نوعان. 1- المخرجات الارتدادية: وهي ما يخرجها النظام لحاجته إليها، حيث تصبح هذه بدورها مدخلات جديدة للنظام، مثال ذلك أساتذة الجامعة، هم من مخرجات الجامعة، وحينما يعودون للعمل بها يصبحون مدخلات جديدة للجامعة. 2- المخرجات النهائية: وهي مخرجات ينتجها النظام ليزود بها أنظمة أخرى تحتاج إليها، فهي لا تعود مدخلات في نفس النظام، إنما تصبح مدخلات لنظام آخر، مثلا حينما يمارس خريجو الجامعات عملهم بعد نيلهم الشهادة، يمارس بعضهم مهنة التدريس، وهم بذلك مدخلات جديدة في نظام جديد، هو التعليم، ولكن حينما يمارسون عملهم في مجال آخر "الشركات" فإنهم يصبحون مدخلات جديدة في نظام آخر هو الشركات، وهكذا فإن الأنظمة تتفاعل مع بعضها، تتكون مدخلات النظام من مخرجات نظام آخر، ومخرجات النظام مدخلات لنظام ثالث ... تختلف المخرجات من نظام لآخر، فليس من الضروري أن تتشابه مخرجات نظامين يشتركان في هدف واحد، مثال ذلك: قد لا يتشابه خريجو كليتين رغم أن مدخلاتهما من مرحلة واحدة هي الثانوية، يختلف الأمر تبعا لنوعية المدخلات ومستوى العمليات، ووقتها، فمنتجات الألبان ليست في نفس الجودة مثلا.

هذا ويمكن التحقق من الوصول إلى الهدف في عملية المدخلات والمخرجات من خلال مقارنة الهدف بالمخرجات وإذا لم يتحقق الوصول إلى الهدف المطلوب يجري ما يسمى بـ: 3- التغذية الراجعة "Feed back": يمكن الحكم على مدى تحقق هدف النظام من خلال مقارنة الهدف بالمخرجات، فإذا كانت المخرجات مقبولة ومتناسبة مع هدف النظام، كان النظام فعالا، وإذا كانت الجهود التي يبذلها النظام أكبر من مخرجاته فإن النظام يعاني من خلل ما، لهذا لا بد من أن تتلقى عمليات النظام أو مدخلاته عملية تغذية راجعة، تمكنها من تنظيم الجهود وتوجيهها ليحقق مخرجات مناسبة، فالتغذية الراجعة تهدف إلى تطوير المخرجات، لتكون مناسبة للأهداف وتعني عملية التغذية الراجعة بما يلي: 1- جمع المعلومات والشواهد عن المخرجات وإعطاء وصف حقيقي وواقعي لها. 2- معرفة مدى مناسبة هذه المخرجات في ضوء الهدف الأساسي للنظام، والذي يمثل نموذجا راقيا للمخرجات. 3- وضع بدائل جديدة ومقترحات لتعديل جوانب النظام، والتوجه نحو اختيار أحد هذه البدائل. وتجد الإشارة إلى أن عملية البدائل تبدأ مع بداية عمل النظام، لأن التغذية الراجعة تهتم بالعمليات الحاضرة للنظام، من أجل تطويرها، أما التغذية المستقبلية فتعمل على حماية النظام من الأخطاء المقبلة أو توجه النظام نحو جهة معينة.

المبحث الرابع: منهاج تحليل النظم

المبحث الرابع: منهاج تحليل النظم النظرة الشمولية، الخطوات: لم يكن مفهوم النظم وليد التقدم العلمي الحديث بمقدار ما كان ردة فعل على عصر التخصص وتجزئة المعلومات والمعارف المتباعدة والمنعزلة عن بعضها، إن المغالات في التحليل والتخصص دون الاهتمام بعلاقات الأجزاء مع الكل ومحاولة حصر دور وقيمة كل جزء بشكل منفصل عن علاقاته بالأجزاء الأخرى، أدت إلى ردة فعل انتشرت معها الرؤية الشاملة للموقف أو الظاهرة. لقد اعتاد الإنسان أن يبحث عن سبب واحد يفسر علاقته مع غيره، ويهمل العوامل الأخرى التي قد تكون مؤثرة، فحينما نعتقد أن تدني الإنتاج يعود إلى إهمال العامل، وتهمل العوامل الأخرى، فإننا نرجع الحادث إلى سبب واحد محدد وبذلك نكون قد ابتعدنا عن الرؤية الشاملة "النظامية" والتي تعني الإلمام بجميع أبعاد المشكلة وعناصرها، والإلمام بجميع العوامل المؤثرة فيها، من خلال ما يلي: 1- النظر إلى كافة العوامل المؤثرة وليس إلى عامل واحد فقط. 2- بعض هذه العوامل تكون داخلية تنبع من الموقف نفسه وبعضها خارجي تكون خارجية تتعلق بالبيئة. 3- إن العوامل المؤثرة على الموقف ليست مستقلة بل متفاعلة تؤدي إلى الظاهرة أو الموقف. أي أن النظرة الشاملة تعني النظرة إلى الموقف ككل واحد، بجميع أبعاده وعناصره وعدم البحث عن أسباب منفصلة أو عوامل مستقلة بل دراسة شبكة العوامل المؤثرة في علاقاتها وتفاعلاتها مع بعضها، ويتم معالجة الموقف بعد الأخذ بالاعتبار ما ذكرناه أعلاه وفق الخطوات الآتية: 1- التعريف بالمشكة ووضع حدودها: إن لكل بحث علمي مشكلة محددة، والمشكلة في أسلوب النظم تتعلق بنظام معين، يعرف بوساطة ومعرفة عناصره ومكوناته وبيئته، ولعلاقة بينه وبين الأنظمة الأخرى، التي تقيم معها علاقات ومعرفة الأنظمة الفرعية التي يشتمل عليها.

2- تحليل النظام: أي دراسة الأنظمة الفرعية التي يشتمل عليها النظام، وعلاقته بالأنظمة التي تحيط به، ففي مشكلة كمشكلة إعداد المدرسين، فنحن بصدد تحديد المشكلة، والقيام من ثم بتحليل نظام المدرسين القائم حاليا، ومعرفة مدخلاته ومخرجاته الحالية، والتعرف على بيئة هذا النظام، ثم معرفة خصائص المدرسين وحاجاتهم واهتماماتهم، وتوفر الإمكانات المادية كالوسائل والمختبرات والكتب ... 3- تحديد أهداف النظام: وهي في المشكلة سابقة الذكر تحديد المعارف والمعلومات والمهارات والاتجاهات التي نريد أن ننميها عند المدرسين الذين نريد تدريبهم. 4- وضع الإجراءات البديلة: وهنا نضع تصورا لعدد من الإجراءات لتحقيق هدف النظام الجديد، هل يدرب المدرسون وهم يقومون بمهمتهم التدريسية، أم أن يتفرغوا للتدريب؟ هل ندربهم تدريبا تقليديا أم على أساس المحاضرات ... أي أننا أمام عدد من البدائل، وعلينا الاختيار وفق المتاح من الإمكانات المادية والفنية، أي أن عناصر البيئة تتدخل في الموضوع. 5- وضع النظام الجديد: إن اختيار أحد البدائل يقودنا إلى وضع نظام جديد، يشمل على المدخلات وهي الفئة المدربة، والتسهيلات المادية والفنية وطرق التدريب، وأساليب اتخاذ القرارات وطرق إثارة المدرسين والإشراف عليهم. 6- تنفيذ النظام: ويقصد به تقديم فاعلية النظام بعد أن يبدأ العمل، ومعرفة مدى كفاءات عمليات النظام، والمشكلات التي ظهرت أثناء تشكيل النظام المقترح، ويتم ذلك بوضوح كي يصار إلى تعديل مسار النظام إن تطلب ذلك.

المبحث الخامس: أنواع الأنظمة

المبحث الخامس: أنواع الأنظمة يعتمد تفسير النظام على تحديده، وإجراءات التفسير تعتمد على فهم مفهوم النظام، وأي تفسير يتضمن فصل حوادث معينة، وتطبيق ما يشبه القانون، لكي يتبين أن الحوادث التي نحن بصدد تفسيرها يجب أن تحدث وفق شروط معينة هذا الإجراء "عزل الحوادث" يطلق عليه اسم النظام المقفل "Closed System"، ويتميز بحدود واضحة محددة، لا تسمح بتبادل العلاقة مع النظم الأخرى، ويرى هاجيت "Hagget" أن العالم بأسره منظومة مغلقة أو مقفلة1. إن هدف النظام تبسيط وتسهيل عملية التحليل، وعملية التحليل لا يمكن أن تتم دون تجريدها وإقفالها، والعلاقة بين إقفال النظام وعملية تفسيره هامة، حيث يتأثر النظام بالظروف المعطاة وحدها، وبهذا لا يكون هناك ارتباط مع البيئة "نظام جسم الإنسان وعزله عن البيئة المحطية به" أي أن تحليل الأنظمة لا يمكن أن يتم بدون تجريدها وإقفالها، وهما أمران ضروريان لدى الإجراءات الخاصة بالتصميم التجريبي. لقد ميز بيرتلنفلي بين المنظومات المفتوحة "Open systems" وهي منظومات لا حدود لها وهي ذات صلات قوية مع المنظومات الأخرى، تسمح بتدفق المدخلات "inputs" والمخرجات "outputs" من طاقة ومعلومات تتأثر المتغيرات بعوامل تقع خارج حدود "المنظومة" أما المنظومات المغلقة "Closes system" فإنها تتميز بحدود واضحة محددة، لا تسمح بتبادل العلاقة مع المنظومات الأخرى، وغالبا ما تسير هذه الأنظمة نحو الضمور والخلفاء، هذا وللنظام المفتوح خصائص هي: 1- تبادل النظام المفتوح التأثر والتأثير مع البيئة "المدخلات والمخرجات". 2- يحافظ على حالته من التوازن والاستقرار، بحيث يحافظ على مكوناته ونسب هذه المكونات، مما يجعل علاقته مع البيئة إيجابية ومتوازنة دائما. 3- إن مدخلات ومخرجات النظام المفتوح معقدة ويزداد انفتاحه على البيئة كلما تعقدت مدخلاته ومخرجاته بينما مدخلات الأنظمة المغلقة قليلة جدا ومحددة ومخرجاتها بسيطة.

_ 1 Hagget, p. "Location analysis in human Geography". Arnold, London 1969. pp. 16-19.

4- نشاط النظام المفتوح مستمر، فهو يستورد مواده الأساسية من البيئة ويحولها إلى مخرجات تلبي حاجة البيئة، وهذه المخرجات تؤثر بدورها مرة أخرى على مدخلات النظام من حث النوع والكم. 5- النظام المفتوح أكثر قدرة على البقاء والاستمرار، لأنه قادر على استيراد الطاقة والموارد الأساسية بشكل مستمر. 6- يتلقى النظام المفتوح تغذية راجعة منظمة، ويستجيب لهذه التغذية، ويعدل من مدخلاته وعملياته في ضوء ما يتلقاه من تغذية راجعة. 7- أجزاء النظام المفتوح مترابطة ومتكاملة، يقوم كل منها بعمله، بحيث يستمر نشاط النظام وهو حصيلة نشاط أجزائه. 8- تتشابه النظم المفتوحة عند نشأتها، وبعد فترة من تفاعلها مع البيئة تتميز عن بعضها، وذلك حسب نشاط كل نظام. 9- إن الحالات التي تبدأ مختلفة تؤدي في النهاية إلى نتائج متشابهة.

المبحث السادس: استخدام الأنظمة

المبحث السادس: استخدام الأنظمة ما ذكرناه يقودنا إلى القول: إن تحليل المنظومات أداة تقنية مناسبة للبحث العلمي نظرا لكونها تسهم في تحديد المشكلة، وترشد الباحث إلى إبقاء ما ينبغي واستبعاد ما هو ليس بمؤثر، أي تبقي ما يشكل وحدة وظيفة وتبعد ما هو ليس بذي صلة بالمشكلة موضوع البحث، وكل ذلك يخضع لمعايير علمية يوفرها للباحث تحليل البيانات، كما أن المنظومات ترشد إلى الفرضيات الأهم التي ينبغي وضعها، والمتغيرات ذات الصلة بالمشكلة أو الظاهرة المدروسة، كما يسهم في إحداث الوضع الملاحظ وانتقاء التقنيات المنهجية الملائمة، ويزود بمنهج علمي لتحليل وتفسير الظاهرات، من منطلق اكتشاف الوحدة الوظيفية والبرهنة على وجودها بوساطة هذه الطريقة العلمية.

ونورد فيما يلي أمثلة على استخدام الأنظمة: استخدامها في علم الجغرافية: ظل تطبيق الأنظمة في الماضي على هامش الفكر الجغرافي والعلوم المختلفة بسبب صعوبة الكشف عن عناصر النظام المعقد وارتباطاتها المتبادلة داخل النظام وخارجه، وقد تغلب الباحثون على هذه الصعوبات بعد تطور النماذج والأنظمة المتحركة، وأصبح الجغرافيون اليوم يصيغون المواضيع الجغرافية بمفهوم الأنظمة، ونورد فيما يلي تطبقات على الأنظمة على كل من الدراسات الجغرافية: الطبيعية والبشرية والاقتصادية والعمران. 1- الدراسات الطبيعية: حاول تشارد تشورلي في عام "1962" إعادة صياغة التفكير في "الجيومورفولوجيا" بمفهوم "نظرية "الحرارة الحركية" "Thermodynamics"، على اعتبار أنها نظام مفتوح تصلح للتطبيق على "الجيوموروفولوجيا" ونشر بحثه "الجيوموروفولوجيا ونظرية الأنظمة العامة" وقد رأى تشورلي أن هناك شبها مباشرا بين الأنظمة المفتوحة والأحواض المصرفية "Drainage Basins" وعناصر الانحدار والجداول النهرية وجميع أشكال الأرض، وتتضمن فكرة النظام المفتوح أيضا فكرة الأنظمة المقفلة، لأنها حالة من حالات النظام المفتوح، وذلك حينما يصبح نقل المادة والطاقة من وإلى النظام صفرا، وعلى كل حال يمتاز النظام المفتوح بالثبات والتوازن، بحيث يتعادل الوارد من المادة والطاقة مع الصادر. ولتوضيح الفكرة نضرب مثالا عن ذلك بحوض ماء يملأ بأنبوب، وفي أسفل الحوض فتحة يتم بوساطتها تصريف ماء الحوض، وكل تغير في إحدى هذه العناصر يؤدي إلى تغير في الوضع العام إذا توقف الأنبوب عن الصب في الحوض أو إذا أغلقت الفتحة

وحال ذلك دون تصريف مياه الحوص، والنتيجة بأن النظام سيتخذ ملامح كثيرة من خصائص النظام المقفل، وفي هذه الحالة فإن التغيرات في مورد الكتلة والطاقة الآتية من الخارج تؤدي إلى تعديل ذاتي للنظام كي يتمشى وهذه التغيرات، كذلك إذا زادت كمية المياة الواردة إلى الحوض ستؤدي إلى ارتفاع مستواه، ولا بد حينئذ من زيادة صرفها بوساطة الفتحة كي يحدث توازن بين ما يرد وما ينصرف، حتى يعود مستوى الماء في الحوض إلى حالة الثبات، هذا التعديل يطلق عليه اسم التعديل الذاتي أو المنظم الذاتي "Selfregulatory"، وقد حاول جلبرت "Gilbert" تطبيق هذا المبدأ على تطور أشكال الأرض، كما رأي تشورلي أن تطبيق النماذج المفتوحة على "الجيومورفولوجيا" مفيد1 ذلك لأن النماذج توازن عملية البحث بين الشكل "Form" والأجزاء "Process"، كما أن النظام المفتوح يساعد على كشف سلوك الظاهرة متعددة التغير. 2- الدراسات البشرية: يعتبر الإقليم ذو العقد أقرب شبيه للنظام المفتوح، ويتألف هذا الإقليم من عناصر هي: مدن، قرى، مزارع ... هذه العناصر تتصل ببعضها من خلال تبادل وتفاعل نشاطات حركية "مادة" هي: النقود، الهجرة، النقل والشحن ... أما الطاقة "المخرجات" فتتمثل في هذه النظام في المتطلبات الحيوية "البيولوجية" والاجتماعية للمجتمع، فإذا أردنا أن نستعرض في الإقليم ذات العقد على أساس أنها أنظمة مفتوحة، ينبغي أن ننظر إلى خصائصها النموذجية، ونتفحص تواجدها في النظام الإقليمي. وللأنظمة المفتوحة كما يقول "هاجيت" "Hagget" ست خصائص نذكرها في مثال إقليمي: يحتاج التنظيم الإقليمي إلى حركة دائمة من السكان والبضائع والنقود، كما يحتاج الإقليم إلى معلومات تستمر على ضوئها هذه الحركة وهذا الاتصال، ثم إن زيادة الحركة التي تدخل الإقليم تؤدي إلى اتساع المدينة وامتداد

_ 1 Chorley, R. j. "Geomorphology, and General Systems Theory in the conceptual revolution in Geography". London. 1970. pp 282-300.

العمران الحضري، والانكماش يؤدي إلى تقلص المدن وموتها، ومن الممكن أن تمتد المنطقة الظهيرة التي تتبع الإقليم أو تتقلص لتواجه ازدياد أو انكماش التدفق الحركي للسكان والنقود والبضائع، هذا وتظهر خصائص الإقليم على شكل علاقة بين درجة وحجم المركز الحضري، والذي ميل إلى كونه ثابتا نسبيا على مستوى الزمان والمكان، وأن نمو المدن والتقاء المدن الرئيسة في القارات المختلفة من حيث الشكل، ويثبت هذا لنا بأن النظام الحضري المفتوح قادر على التصرف باتزان، كما أن استعراضنا للإقليم كنظام مفتوح ويوجه انتباهنا إلى الصلة بين الأجزاء والشكل الذي سبق ذكره، لدى بحث النماذج في "الجيومورفولوجيا"، مما يضع الجغرافية البشرية على مستوى العلوم البيولوجية والاجتماعية التي تنظم أفكارها بهذه الكيفية1. 3- يمكننا تطبيق الأنظمة على مختلف المستويات في الجغرافية الاقتصادية: حيث يمكننا اعتبار أي مصنع من المصانع نظاما قائما بذاته، ولو أخذنا مصنعا للنسيج في سورية مثالا على هذا النظام، لاعتبرنا مجموعة المصانع من هذا النوع ترتبط بوساطة شركة، أو مجمع للصناعات الوطنية، أو تتصل بمصنع على النطاق العالمي مثلا، ويمكن اعتبار كل مستوى من هذه المستويات المختلفة "مصنع محلي أو وطني قطري، أو يرتبط بمصنع عالمي" نظاما له كيانه واتصالاته وتفاعلاته الداخلية والخارجية، ففي حالة المصنع "إذا اعتبرناه نظاما" نرى أن غرضه الربح، كما أن المصنع "نظام" يتألف من عناصر "وحدات الإنتاج" وهذه الوحدات ترتبط ببعضها لاعتمادها المتبادل في الإنتاج، كما ترتبط هذه العناصر بالبيئة التي هي فيها بوساطة عدد من الأعضاء "الأجهزة" تراقب سير هذه الوحدات، وتنميها وتضبطها، مثل الدائرة الذاتية "الموظفون" والدائرة المالية وغيرهما من الدوائر التي تخدم هذا النوع من الصناعة. إن عدد هذه الدوائر والأجهزة ودرجة كفايتها ستحدد قابلية النظام ومدى استجابته للتغيرات الناجمة عن البيئة، كما أنها تسمح للنظام بالمبادرة بنفسه كي يؤثر

_ 1 Haggett, p "Locational Analysis in Human Geograpy". op. cit. pp. 16-19.

على البيئة المحيطة به، ولهذه الأجهزة ميزة وهي قابليتها على المبادرة أكثر من كونها أشياء تستجيب لمؤثرات خارجية، أي أن النظام والبيئة أمران لا يمكن فصلهما، هكذا يمكننا دراسة نظام الصناعة النسيجية من خلال تحليله إلى عناصره وتفاعل هذه العناصر مع بعضها، وارتباطها بالبيئة والتأثير المشترك الناتج عن هذا الارتباط، وكذلك ارتباط هذا النظام كوحدة مع باقي الأنظمة الأخرى. 4- جغرافية العمران: لقد نشر بري "Barry" في عام "1964" بحثا عن "المدن كأنظمة داخل أنظمة في المدن" وفيه بين كيفية الاستفادة من تطبيق منهج الأنظمة على دراسة المناطق الحضرية، وكذلك نوه إلى استخدام الطريقة العلمية التي تعتمد على الكمبيوتر وغيره من الوسائل التقنية المتقدمة، وكانت أهم نقاط بحثه ما يدور حول دراسة المناطق الحضرية على شكل مجموعتين، تعطي إحداهما تعميمات استقرائية وتمدنا الثانية باستنتاجات منطقية، ويقول بري: "إن هاتين المجموعتين يجب أن تتكاملا إذا كنا بصدد تطوير الدراسة الحضرية، وبنتيجة هذا التكامل يمكننا تحويل التعميمات الاستقرائية إلى نظرية، والاستنتاجية إلى نظرية، وأن ينتج لدينا أعمال اختبارية تجريبية هي اشتقاق من الإجراء الأول"1. أما بقية بحث بري فقد خصص لبيان إمكانية وتحقيق هذا التكامل في أربعة ميادين هامة، أحدهما يتناول الخصائص الحضرية والثانية تتناول الخصائص الحضرية الداخلية، وهاتان المجموعتان يمكن تقسيمهما إلى توزيعات فردية متعددة، تعتمد على عدد المتغيرات التي تشملها الدراسة، تتمثل الحالة الأولى بدراسة كثافات السكان الحضر، وأحجام سكان المدن، وتتمثل الثانية بالمناطق الاجتماعية وخصائص المكان الأوسط وفي كل حالة بين "بري" أثر المناهج الكمية الحديثة بوساطة ابتكار معادلات رياضية بنائية لكل ميدان من ميادين البحث الهامة، بل توزيعات كل ميدان وينتهي إلى القول: إن تطبيق نظرية الأنظمة العامة في ميدان الدراسات الحضرية ممكن ومناسب2.

_ 1 Barry' BjL. "Cities as systems within systems of cities in "the ocnceptual Revolution in Geography" london 1941. pp 312-330. 2 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافيا بالوسائل الكمية، مرجع سبق ذكره ص 298-307.

الفصل العاشر: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي-النماذج

الفصل العاشر: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي-النماذج مدخل ... الفصل العاشر: الأساليب الرياضية الحديثة في البحث العلمي؛ النماذج "Models" تمهيد: منذ القرن "الثامن عشر وحتى القرن العشرين" كانت فكرة النماذج أو النظائر موجودة في تاريخ العلوم، فقد تحدث علماء الذرة في القرن "التاسع عشر" عن الذرة، كما لو كانوا شهود عيان على حقيقتها وفحواها، ثم تبين لمن بعدهم أن ما قالوه عنها ليس صحيحا، وما صح منه لم يكن دقيقا، وفي سنة "1923" أعطى نيلزبور "Nels Bore" وصفا لذرة الإيدروجين، وهو يدرك حدود معرفته وتصورها، فسمى الوصف الذي قدمه نموذجا1 "Model" للذرة وعندها تنبهت الأذهان إلى أن ما ذكره "بور" إنما هو الوصف الملائم للعلم الإنساني، وأن معارفنا هي نماذج، وأن النموذج ليس هو الأصل، لكنه يشبه الأصل، يتيح للباحث فرضا يقابله بالواقع، قد ينهض على أساس من النظريات أو القوانين أو المعادلات التي تمثل خطوة تتيح للإنسان اختبار مدى صحته واستنباط النظرات أو التعميمات أو مبادئ عامة.

_ 1 تستعمل كلمة موديل "Model" عندما تكون حاجة للتبسيط، لذلك قلما تستخدم في علم الفيزياء أو الكيمياء، بينما هي واسعة الانتشار في العلوم الرياضية والبيولوجية والاجتماعية، وفي البحوث ذات الصفة الإجرائية، أي أنها تستخدم حينما يكون هناك منظومة معقدة من الوقائع تمت ملاحظتها، أو الوقوف عليها، وبالإمكان التعبير عن بنية تفسيرية بصورة رياضية دقيقة مع الحفاظ على الواقع المشاهد.

تعطي العلوم نماذج عن العالم الخارجي، وكلما ازدادت المعلومات يتغير النموذج، فيصبح أفضل تمثيلا للأصل، وحينما يستعمله العلم إنما يرمي إلى تجسيد بعض المعاني التي تعبر عن طبيعة شيء من الأشياء، وقد استطاعت العلوم المختلفة بالاستعانة بالنماذج في تنسيق وترتيب المعلومات وتحليل البيانات وكشف مظاهر الارتباط الهامة بالواقع، وقد صنف العلماء النماذج كل بطريقته الخاصة، وبحسب الميدان العلمي الذي تخصص فيه، ومن أشهرهم1 تشورلي "R. J. Chorley" في سنة "1964"، وكرمبن "W.G. Krembin" وجريبل " F. A. Graybill" سنة "1965".

_ 1انظر: Chorley. R. J. "Geography and Monolgue theory". in spatial Analyses edited by berry, B. J. L and marble D. F. prention Hall new Jersy. 1968. pp. 42-52.

المبحث الأول: تعريف النموذج

المبحث الأول: تعريف النموذج لم يتفق العلماء على تعريف واحد يحدد به مفهوم النموذج، بل وضعوا تعريفات مختلفة يتفق واحدها مع وظائف النموذج واستخداماته وتطبيقاته، وقد قام تشاور "Y. R. choa" في سنة "1962" بتجميع عدة تعاريف أهمها أن النموذج عبارة عن: - إطار مرجعي، وصف لشيء ما، نظير أو شبيه، منهج مقترح للبحث، تمثيل دقيق للشيء المطلوب دراسته، عرض موجز للحالة قيد الدراسة، الإطار العام الذي به نصف الموضوع، صورة تبين كيف يعمل النظام، نظرية تفسر تركيب أو بنية شيء ما1. وتعاريف أخرى تقول: النموذج تمثيل للواقع يحاول تفسير ظاهرة من ظواهر هذا الواقع، وهو أبسط منه لكنه قريب من كماله لدرجة يحقق معها الهدف الذي بني من أجله. - ضرورة منطقية ووسيلة تفسيرية تساعد على استخلاص النتائج الصحيحة، تصغير للحقيقة، في صورة بسيطة متلاحمة تستمد أصولها من الحقيقة، تمثيل مبسط للظاهرة، وشامل لها في آن واحد.

_ 1 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية، مرجع سبق ذكره ص251.

ينطوي النموذج العلمي على: 1- الملامح العامة كما انطبعت في ذاكرة الباحث. 2- الصورة التي يستحضرها الباحث في ذهنه، التفكير في النموذج أو الأصل. 3- الكلمات التي تعبر عن المفهوم الذي يمثله النموذج. 4- ما ينطوي عليه المفهوم من مسلمات ومبرهنات. 5- ما يرافق البحث المفهوم أو عرضه من رسوم هندسية وأشكال. 6- العلاقات الرياضية التي ينطوي عليها مفهوم النموذج. 7- مجموع العناصر المادية والمركبات التي يتكون منها النموذج. ولما كانت الغاية من النموذج هي فهم العالم الخارجي من أجل ربط الأسباب بالمسببات فإن ما يكفينا من النموذج هو إمكانية التنبؤ الدقيق، وعندها قد لا يبقى حاجة إلى الخوض فيما ينطوي عليه النموذج إلا من أجل تحسينه أو إنشاء نموذج أفضل. تتيح النماذج للباحث فرضا يقابله بالواقع، وقد تنهض النماذج على أساس من النظريات أو القوانين أو المعادلات، والتي تمثل خطوة تتيح للإنسان اختبار مدى صحتها، واستنباط نظريات أو تعميمات أو مبادئ عامة. ويتضح من هذا أن النموذج سابق للنظرية، يستخدم مقدمة للوصول إليها، للفرضية، ويساعد الباحث على الاستنتاج، على أن تفترض علاقة تمثيل أو ارتباط بين بعض المظاهر في الواقع، وبين النموذج الذي نطلق عليه في هذه الحال بالشبيه أو النظير. هذا وتعمل الدراسات العلمية الحديثة في دراسة الظاهرات المختلفة على الاستعاضة عن الظاهرة المدروسة بما يسمى بـ "نموذج الظاهرة"، إذ أن استخدام النماذج يمثل صياغة سهلة للظاهرات، يسهل استعمالها ورصدها وضبطها والسيطرة عليها وعمل استنتاجات فيها، وهذه بدورها يمكن إعادة تطبيقها على الظاهرة الحقيقية لمعرفة مدى صدقها وانطباقها على الواقع والخروج بعد ذلك بقوانين وأحكام عامة.

المبحث الثاني: بناء النموذج

المبحث الثاني: بناء النموذج يتم بناء النموذج بطريقتين: 1- إن استقراء الحقائق لا يبني نموذجا، بل يساعد على إدراك أمور قائمة لم نكن ندركها أو نلتفت إليها، لهذا يتم بناء المنوذج بتحديد المشكلة وبافتراضه وتجري التجارب للتأكد من صحته، ومن مقدرته على التنبؤ فإذا نجحت التجارب كان للنموذج ما يؤيده، وإذا أخفقت فسرعان ما يطرح النموذج جانبا، أو نعدله ليصبح أقدر على التنبؤ، إذ أن النموذج العلمي عرضة للمراجعة والتعديل أو التبديل والتغيير. وهذه هي طبيعة العلم، وإذا كان وضع النموذج ليس له طريقة واضحة، فإن اختباره وقياس مقدرته على التنبؤ وتغيير المعرفة العلمية التي تتبع بخاصة، كلها أمور تسير على منهاج معين هو طريقة لاختبار نماذج تم إعدادها على أيدي عالم موهوب، هذا المنهاج هو نفسه ما نسميه بالمنهج العلمي، الذي بوساطته يتم التحقق من صحة النموذج، أي مقدرته على التنبؤ وذلك بالاستقراء والاستنتاج1. 2- أما الطريقة الثانية: فإن النموذج فيها يبني من واقع الحياة نفسها، وذلك عبر مراحل تبدأ بالتصميم والتبسيط وتنتهي بالنموذج نفسه. هذا ومن الطبيعي أن ليس كل النماذج التي يقوم الباحث ببنائها، ويستخدمها في معرفة معينة هي نتاج الملاحظة والمشاهدة، بل قد يقوم الباحث بالاستفادة من علوم أخرى لها صلة بتخصصه، قد تؤدي في بعضها إلى تطوير البحوث من بحوث أسلوبها وصفي إلى بحوث أسلوبها علمي منظم من مثال: استعانة الباحث الجغرافي خلال بحثه

_ 1 أحمد سليم سعيدان. مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام، مرجع سبق ذكره، ص41.

عن الهجرة بقانون نيوتن للجاذبية الأرضية، وإنشاء مجموعة من نماذج الجاذبية "Gravity Models"، وكذلك من علم الاقتصاد نماذجه1. نشير إلى نموذج النماذج الذي قام ريتشارد تشورلي في سنة "1964" بعمله، وفيه يشرح الطرق التي يمكن بها استخدام النماذج في العلوم المختلفة بعامة والجغرافية بخاصة، وهذا النموذج على شكل رسم انسيابي "Flaw Diagram"، يتألف من عدة خطوات متتابعة، تتصل ببعضها بوساطة حلقات أو محولات ستة "Transformation" وكل خطوة من هذه الخطوات تحتوي على بعض مظاهر من الواقع "أو العالم الحقيقي" بدرجات متفاوتة من التجريد "Abstraction" "واقع، ونموذج، ورصد، وخاتمة" ويتم عدة أنواع متتابعة من المعالجة التحليلية في الحلقات أو المحولات الموصلة بين الخطوات السابقة "معالجة مثالية ومعالجة رياضية، تفسير إحصائي ... وهكذا" وبهذه المعالجة يمكن السيطرة على النموذج ورفع المستوى الاستنتاجي تدريجيا، فمثلا تكون المعالجة المثالية نظرية صرفة وافتراضية بحتة، تليها درجة من المعالجة وهي رياضية ويأتي بعدها التفسير الإحصائي وهكذا. أما مراحل عمل النموذج: فإن أول مرحلة هي التجريد أي تحويل جزء من العالم الحقيقي "الواقع" للظاهرة التي يراد دراستها، إلى أولى مراحل النموذج، ويحتاج هذا إلى مجهود كبير، فهي أصعب خطوة في بناء النموذج وتكمن الصعوبة في عملية التبسيط بحيث يجب في هذه العملية المحافظة على جزء من الواقع، حتى يظل النموذج معبرا عنه، ويعني التبسيط التخلص من كثير من البيانات وفيض المعلومات المتشابكة، حتى تتلاءم البيانات مع بعضها وتشكل نمطا قائما بذاته، يسهل إخضاعها لمزيد من التحليل والتعليل، ويتم ذلك بوساطة أمور كثيرة تتوفر في الشخص: الحدس، الحظ، المعرفة، الخبرة، المهارة، القدرة الخلاقة.

_ 1 محمد علي الفرا. مناهج البحث بالوسائل الكمية، مرجع سبق ذكره. ص26. أيضا: Isard, w. "Methods of regional Analysis: An introductionto Regional Science". The M. I.T. Press, Cambridge Masachusettes, 1969.

يطلق على هذا النموذج اسم "النموذج المفهومي" أو "النظري"، ومن ميزات هذا النموذج احتواؤه على بعض الأسس والنظم التي أمكن رصدها ومشاهدتها، كما يحتوي على تصور عقلي للواقع، يأتي نتيجة معرفتنا التجريبية، وبوساطة الحدس أو التصور أحيانا، وأحيانا يسلك باني النموذج طريقا مختصرا دون أن يمر في المراحل الأخرى، فيصل بوساطة الاستنتاج المباشر إلى فروض أو نتائج عن الواقع، وإذا قومت هذه تقويما ناجحا على ضوء الحقيقة، فمن الممكن أن تكون أساسا لنظرية هامة. إن النموذج السابق المفهومي أو النظري معقد ولا يصلح للعملن لذلك يبسط باستبعاد الكثير من البيانات التي يمكن الاستغناء عنها، حتى نصل إلى تجريد دقيق، ولا يبقى إلا من هو ضروري، يمثل المظاهر الجوهرية للموضوع أو المادة، وينتج عن ذلك نموذج مبسط، ونموذج إسحاق نيوتن في الجاذبية مثلا ناجحا، في هذا الصدد "إن الجذب بين جسمين يتناسب تناسبا طرديا مع كتلتيهما، وتناسبا عكسيا مع مربع المسافة بينهما" ولا بد من الإشارة إلى أنه كلما زدنا في تبسيط وتجريد النموذج بعدنا عن الواقع والصدق وبالتالي يصبح قليل الفائدة. تظهر في النموذج المبسط خصائص هامة بوضوح، أهمها تركيب أو بنية الظاهرة أو المكان، والعلاقات بين عناصره المختلفة، وهذا يمكننا من استخدام النموذج في معرفة التوقعات والتنبؤات، ومتابعة هذا الاستخدام.

المبحث الثالث: أنواع النماذج واستخدامها

المبحث الثالث: أنواع النماذج واستخدامها لعل "أكوف" "R. L. Ackoff" و"جوبتا" "S. K.Gupta" و"ميناس" "J. S. Minas"، خير من شرح للباحثين طرق استخدام النماذج1 وقد قسموا النماذج إلى ثلاثة أنواع: تتميز عن بعضها باستعمال المواد: 1- الأيقوني "Iconic", ويستخدم نفس المواد ولكن بمقياس متغير. 2- النظير أو الشبيه "Analogue" ويتضمن تغييرا في المواد المستخدمة في بناء النموذج، ويمثل إحدى خصائصه البنائية. 3- الرمزي "Symbolic" تمثيل للحقيقة بالرموز على نحو ما نفعل بالمعادلات الرياضية، وهو أعلى مراحل التجريد لأنه يمثل التركيب النموذجي بالرموز فقط2. ويلاحظ على أنواع النماذج السابقة، أن المعلومات تختفي تدريجيا في كل مرحلة ليصبح النموذج فيما بعد أكثر تجريدا وعمومية، هذا ويمكننا تصنيف النماذج بطرق شتى منها ما هو حسب البنية، أو من حيث الوظيفة، أو الاثنين معا، فالأولى "البنائية" هي نماذج ساكنة "Static" بينما الثانية "الوظيفية" متحركة "Dynamic" ويلاحظ أن النماذج التي استخدمها الجغرافيون بخاصة في دراسة الظاهرات البشرية كانت ساكنة من مثل كريستالر في سنة "1933" وأوغست لوش في سنة "1954". إن التركيز على النماذج الساكنة يدل على قصر نظر الجغرافية في هذه المرحلة، وقد بدأ الجغرافيون مؤخرا يستخدمون النماذج المتحركة بمختلف أنواعها ويقودنا هذا إلى دراسة. - استخدام النماذج: حينما يستخدم العالم النموذج، فإنه يرمي إلى تجسيد بعض المعاني التي تعبر عن طبيعة شيء من الأشياء، وحينما يقام بعمل نموذج، فإنه يخلق أو ينشأ التمثيل الواقعي للحقيقة، من أجل عرض بعض خصائص النموذج البنائية، والنموذج في الواقع مزج من الحقيقة، لأنها دعامة هامة من دعائم المفاهيم، التي تمكننا من فهم ما تقوم به من بحوث، رغم أن النموذج لا يعبر عن الصدق الكامل ولكن يمثل التعبير العام له.

_ 1 كتابهم المشهور: Ackoff, R.Gupta, S. K and Minas, J. S. " Scientific Method optimizing Research Decisions" New yourk 1962. p 464. 2 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية. مرجع سبق ذكره، ص258-262.

يستخدم النموذج من أجل مساعدة الباحث في الاستنتاج، بشرط افتراض علاقة تمثيل أو ارتباط بين بعض المظاهر او الظواهر موضوع اهتمام الباحث، وبين النموذج الذي يطلق عليه في مثل هذه الحالة بالشبيه أو النظير فلو افترضنا أن لدينا شيئين يشتركان في بعض خصائصهما البنائية "التركيب والشكل" فإن أحدهما يساعدنا على فهم الآخر، وكشف مكوناته وتوقعاته، وبناء عليه فإن النموذج الذي يقوم الباحث بعملية اختياره، يجب أن يكون مألوفا ومعروفا من قبله، بصرف النظر عن نظام تطبيقه، وبتعبير آخر: أن تترجم المشكلة أو الموضوع الذي يكون الباحث بصدد بحثه، أو أن يحول إلى مفاهيم واصطلاحات تعتبر مكونات النموذج وأساسه. وهكذا فإن الاستخدام النافع لنماذج يتضمن تطويرا سريعا وصياغة سهلة لها، كي يسهل استعمالها ورصدها، وضبطها والسيطرة عليها، وعمل الاستنتاجات فيها، وفي نهاية المطاف يمكن إعادة تطبيقها على الواقع، لاختبار مدى صدقها وانطباقها على الحقيقة، والخروج بعد ذلك بقوانين، وأحكام عامة لها ارتباط بسير الظاهرة وشكلها وعملها. إن أي شيئين يمكن أن يكونا نظيرين، إذا كان متشابهين في خصائصهما البنائية "properties" ومسلكهما العام، أو نمط وظيفتهما، لهذا فإن استخدام اصطلاح "نظير أو شبيه" لا يعبر عن الدقة العملية من الوجهة العلمية، لأن المدى الواسع من درجات التشابه، يمكن أن يجعل باني النموذج يستخدم النظائر "نماذج" متنوعة تنطبق إما على الوضع الماضي أو الحاضر بشكل نظري أو منطقي رياضي. وهكذا فإن استخدام النماذج أو النظائر لغرض الاستنتاج هاما ومفيدا للغاية بشرط مطابقة التشابه بينها في الموضوع أو البحث المطلوب معالجته أو دراسته، ولقد استخدم علماء الفيزياء نماذج في الماضي لسهولة الحصول على النتائج واختبارها وإجراء التجارب عليها، وقد لعبت النماذج دورا هاما في ميدان الفضاء قبل إطلاق المركبات الفضائية، وكان من الصعب النماذج في ميدان العلوم الاجتماعية، لكن ظهور وتطور الفيزياء الاجتماعية ساعد على تطبيق القوانين الفيزيائية، فقد استخدمت النماذج لسلوك الإنسان ومسلكه في مجتمعه، بحيث استفادت المدن مثلا من حيث حجمها من تطبيق قانون "نيوتن" في الجاذبية.

المبحث الرابع: النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية

المبحث الرابع: النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية تظهر في النموذج المبسط الذي يمكن الاستفادة منه خصائص هامة من الواقع أهمها تركيب أو بنية الظاهرة أو المكان، والعلاقات بين عناصره المختلفة، وهذا يمكننا من استخدام النموذج في معرفة التوقعات والتنبؤات، ويمكن متابعة هذا الاستخدام بوساطة نماذج رياضية وتجريبية أو طبيعية. 1- النماذج الرياضية: هي نماذج نظرية تحتوي على بعض التفاصيل باختلاف الظروف، أي أن الملامح الأساسية والضرورية للظاهرة تبقى، ولكن على شكل رموز مجردة مكونة من معادلات رياضية أو جبرية، يطلق عليها النموذج العامل "Working Model"، وبوساطته نستطيع استنتاج ملامح الشيء الحقيقي الذي هو قيد الدراسة والبحث، ولم يسبق كشفه أو تحليله أو رصده. إن أول عمل يقوم به الباحث في بناء النماذج الرياضية هو لغة التحويل، من كلمات نموذج مبسط إلى رموز رياضية، حيث تستبعد العلاقات الوصفية واللفظية، أي أن عملية بناء النموذج الرياضي تقوم على ترميز المتغيرات، لكي يتيح لنا نظاما أو نموذجا رياضيا ثم عرض هذه الرموز في علاقة تتخذ صورة معينة تمثل النموذج، وقد يضم النموذج متغيرين أحدهما مستقل والآخر بينهما علاقة خطية، وقد يحتوي على متغيرين مستقلين أو أكثر، وفي هذه الحالة يطلق على العلاقة اسم الانحدار المستقيم المتعدد.

تقسيم النماذج الرياضية إلى نوعين هما: 1- حتمية "Deterministic": يقوم على النظرية الرياضية التقليدية القائمة على السبب والنتيجة "Cause and effect". 2- احتمالية "Probabilistic"، ويطلق عليها نماذج الألعاب، فهي تستند على الاحتمال لذلك هي عكس الأولى، وتعتمد على الصدفة بدلا من التأكيد الرياضي، وقد اقترح جارسون "Garrison" مؤخرا استخدام "الكومبيوتر" من أجل تطوير نموذج رياضي احتمالي لمعرفة وقياس نمو المدن. إن كلا من النموذجين يجب أن يكونا قابلين للجدل الرياضي المنطقي يمدنا بالنتائج الرياضية المنطقية، وعلى الرغم من أن هذه النتائج تكون قابلة للتفسير النظري على شكل ملخصات تمثل الواقع والحقيقة، إلا أن هذه النماذج الرياضية لا تعطي تفسيرات كاملة عن الواقع، وهي قاصرة على عمل اقتراحات رياضية تكون أساسا لمناقشات نظرية. 2- النماذج التجريبية: هناك أسلوب آخر يمكن به معالجة النموذج المبسط معالجة أخرى، وذلك من أجل فحص مراحل معينة من مراحل عمل النموذج، وكشف صدق توقعاته، ويتحقق هذا الأسلوب عن طريق التجسيد "Substantation" والإجراء المتبع هنا هو أن فكرة النموذج المبسط تظهر على شكل تركيب محسوس "أي إظهار الفكرة الأصلية للنموذج" وذلك بوساطة ترجمة هذه الأفكار. ونميز في هذا الصدد نوعين من النماذج التجريبية: 1- النموذج المقياسي "Scale Model". 2- نموذج النظير أو الشبه "Analogue Model".

1- فالأول عبارة عن تقليد قريب جدا لجزء من الواقع: ويشبهه كثيرا في بعض النواحي، ويتألف غالبا من نفس نوعية المواد، وإذا كان الشبه كبيرا جدا بين النموذج المقياسي والواقع، ففي هذه الحالة يعتبر النموذج جزءا مضبوطا من الواقع وتستخدم النماذج المقياسية في الجغرافية بكثرة وبخاصة في الميدان الطبيعي، والنماذج المستخدمة في هذا المجال على نوعين: الأول عبارة عن نسخة ثابتة ومطابقة للظاهرة الطبيعية ويطلق عليها "Static Replica"، وهو هام لأغراض التوضيح والشرح، لكن من عيوبه أن عنصر المشكلة فيه مفقود تقريبا، أما النوع الثاني فهو النموذج المقياسي العامل "Working Scale Model"، والذي يمكننا عمله بدرجات متفاوتة، بحيث تكون مطابقة للشبه الأصلي مختلفا. أما النوع الثاني من النماذج المقياسية فهو الأهم، ونتائجه أوضح وبخاصة في الميدان الطبيعي كما أن السيطرة عليه سهل والتحكم فيه في الدراسة والتحليل، وعزل كل متغير على انفراد، هذا ويمكننا اعتبار الخريطة في حالات كثيرة نموذجا مقياسيا بسيطا جدا، لأنها تمثل مظاهر محدودة جدا لمظاهر السطح ويكون فيها التجريد على عدة مراحل بحسب ما هو مطلوب في الخريطة، وكلما صغرت الخريطة ازداد التجريد، وعلى كل حال فإن الخريطة نموذج هام جدا لأنه بوساطتها يمكن أخذ فكرة عامة عن المنطقة بكاملها وتحليلها وكل نوع من الخرائط يبرز مظهرا واحدا مع تجريد وإهمال المظاهر الأخرى. 2- أما نموذج النظير أو الشبه هدفها محدود للغاية بالنسبة للنماذج القياسية، لأنها تهدف إلى إظهار بعض الظواهر، وعلى الرغم من أن نماذج "الشبه" هذه تخدم فقط الأساس الذي تستند عليه الفروض المقبولة، إلا أن استخدامها هام للغاية، فالكمبيوتر يمكن اعتباره نموذجا من هذا النوع لأنه اعتمد في صنعه على محاكاة للعقل البشري فهو بهذا نظير تجريبي. وقد استخدمت هذه النماذج في الجغرافية الطبيعية والجغرافية البشرية.

وسواء استخدمنا النموذج المقياسي أو النظير فإن المرحلة التالية لبنائهما تكون التجربة، والتي تؤدي بدورها إلى مجموعة من الملاحظات والاختبارات، وهذه تظل كما هي لتساعد على تفسير الحقيقة بأسلوب مشابه للتفسير النظري للنتائج التي حصلنا عليها من النموذج الرياضي، وهذه النتائج المأخوذة من النموذج الرياضي، تحول إلى مفاهيم تجريبية كخطوة أخرى من خطوات المطابقة على الواقع. 3- النماذج الطبيعية: هي الأسلوب الثالث الذي يمكن به الاستفادة من النماذج المبسطة، واستخدامها كأساس للتحليلات ومزيد من التوقعات، هو التحويل والنقل إلى ظروف طبيعية شبيهة، يعتقد أنها أبسط علاوة على كونها مألوفة وسهلة الملاحظة، ويكون النقل والتحويل على نوعين هما: تاريخي ونظيري أي أن النماذج تكون: 1- نماذج تاريخية. 2- نماذج نظيرية. يشمل استخدام النماذج التاريخية ترجمة النموذج المبسط إلى زمان أو مكان مخالف، على افتراض أن ما حدث في الماضي سيحدث مرة أخرى، أو أن ما سيحدث في مكان ما سيحدث في مكان أخر، وقد شاع استخدام هذه النماذج لدى كثير من المؤرخين مثل "أرنولدتويني" وعند المختصين في الجغرافية التاريخية، كما يعتمد المختصون في المناخ والأرصاد الجوية على سجلات سنوات قد تطول لأكثر من "ثلاثين عاما" لعمل نموذج عنه يمكن بوساطته التنبؤ بالأحوال الجوية والمناخية لمنطقة من المناطق، وفي الاقتصاد استطاع روستر "Rostow" أن يبني نموذجا في التنمية الاقتصادية معتمدا على مراحل التنمية التي مرت عليها أوروبا أثناء الانقلاب الصناعي. وحاول تطبيقه على كل بلد يريد الأخذ بالتنمية وبخاصة الدول النامية.

أما النماذج الطبيعية فهي عبارة عن ترجمة أو تحويل نموذج مبسط إلى وسط طبيعي مخالف، وهذا أمر ليس بالسهل، وقد طور جاريسون "Garrison" وعدل نموذج الغطاء الثلجي واستخدامه في تفسير النمو الحضري، وبذلك شبه بنمو المدن الغطاء الجليدي، من هذا نرى كيف يمكننا الاستفادة من مشاهداتنا للطبيعة واستخدام ظواهرها كنماذج سهلة التحليل، ولكن هذا لا يخلو من مشكلات تتعلق بكيفية تطويع الظروف الطبيعية والتحكم فيها، بحيث نجعل منها أمورا تصلح للتشبيه وتخضع للقياس والتجربة، ثم إعادة نصه لتطبيق دراستها على النظام الأصلي. وأخيرا فإن التفسير النهائي للنتائج المشتقة من النماذج الرياضية والتجريبية والطبيعية شيء لا بد من عمله، حتى نصل إلى الخاتمة والتي ينبغي أن تتلاءم والواقع، وتخدم موضوع البحث والمشكلة. هذا ويمكن التوصل لهذه المرحلة الأخيرة مباشرة أي عن طريق محول مباشر دون حاجة للمرور في المراحل السابقة ويطلق على هذه الطريقة المباشرة النظرة السريعة "eyeball metohd". وطبيعي أن التقويم الناجح يتضمن فحص النتائج النهائية، التي نحصل عليها من النموذج بعد مطابقته للواقع، ومن هذا التقويم يمكننا تطوير الفروض، وفي حالة إذا ما توفرت الفحوصات الكافية، مع تشابه النتائج فمن الممكن بناء نظرية عليها، إن هذا التقويم ضروري ولا غنى عنه إذ عليه يتوقف نجاح أو فشل جميع استنتاجاتنا التي نبني عليها أعمالنا وحلولنا للمشكلة.

المبحث الخامس: أهمية النماذج

المبحث الخامس: أهمية النماذج يقول الفيلسوف "فرنسيس بيكون" "F. Bacon" بأن النظرية العلمية تعتمد على الحدس أو التوقع "Anticipation" وسلسلة متلاحقة من الأحداث في فترة قصيرة، ويبدو أن مثل هذا القول ينطبق إلى حد ما على النماذج، وجميعها أشبه بالمادة الخام تحتاج إلى التنقية والتكرار من الشوائب وتحتوى على بعض الاستثناءات، وكلها قابلة للرفض، ولكن هناك فروقا جوهرية بين النظريات العلمية والنماذج: - إن للنظريات قدرة كبيرة من حيث الصياغة، وهي مبنية على أساس تجريبي، وتستخدم مفاهيم ذات تعاريف علمية، بينما النموذج يستخدم عبارات منطقية، وبذلك فهي في حد ذاتها غير مؤكدة. - تسلك النظرية المنهج العلمي الذي يستفيد من الخبرة السابقة، وعلى ضوئها يمكن توقع المستقبل وشكله، والتوقع هام، والعلم في جوهره هو القدرة على عمل التوقعات الكلية السليمة عن أصالة أي نظام، إذا توافرت الخبرة السابقة عن هذا النظام أو أي نظام مشابه له، لكن التوقع ليس هو كل شيء إنما المهم هو أن نفهم النظام والقدرة التي تساعدنا على الضبط والسيطرة على الظاهرة التي نحن بصددها وهذه تعتمد على إمكاناتنا وقدراتنا على عمل توقعات من أي نوع، والمنهج العلمي يستند في أساسه على أسلوبين: 1- الأسلوب الاستقرائي "inductive": والذي يعتمد على معلوماتنا السابقة وقياساتنا للظروف والملابسات وتتبع خط سير الظاهرة واتجاهاتها. 2- الأسلوب الاستنتاجي "deductive": وهو حدسي وعقلي ويستند على تصوراتنا للشيء ورؤيتا له ولكن ما دامت النماذج ليست مؤكدة في نتائجها فلماذا إذن نهتم بها ونشغل أنفسنا ببنائها؟ ولماذا لا نحاول دراسة الحقائق والظاهرات مباشرة دون وساطتها أو الاعتماد عليها؟ يعود ذلك للأسباب التالية: 1- إن بناء النموذج أمر محتوم: لأنه ليس هناك أي حد فاصل بين الحقائق والمعتقدات، والنماذج هي بمثابة النظريات وقوانين ومعادلات أو أشياء حدسية "Hunches" تبين وتوضح هذه المعتقدات عن العالم الذي يفكر فيه ونراه ونلمسه ونحسه وندركه. 2- إن بناء النموذج أمر اقتصادي لأنه يساعدنا، بل يمكننا من تعميم ما لدينا من معلومات بشكل مكثف ومركز، ورغم ما فيها من شذوذ عن المألوف وعدم انطباق.

مضبوط على واقع الحال "في بعض الحالات" إلا أنها تظل نماذج صالحة للتطبيق، وبها يستنير الباحث في بحثه والعالم في ميدان علمه. 3- إن بناء النماذج شيء مثير: وهذه الإثارة تنبعث من التصميمات التي بني عليها النموذج والتي توضح الأجزاء التي يلزمها التعديل والتحسين، هذا وإن بناء النموذج وفحصه شيء هام ومثير، ولكنه في نفس الوقت لا يخلو من خطورة فالباحث عليه أن يفحص نموذجه ويتفهمه ويتأكد من سلامة بنائه وإلا فشل بحثه، طبيعي أن التجربة تعطي للعالم أو الباحث الفرصة لمعرفة أوجه النقص أو الخلل في نموذجه، وهذا يقود إلى مزيد من الأبحاث وكثير من التعديلات، فالنماذج إذن هي كسائر المخترعات يصيبها التعديل والتطوير نتيجة الأبحاث المستمرة، وبهذا فإن دور النماذج يشمل جمع وتصنيف ما ظهر من نظريات، وفي نفس الوقت إثارة وطرح استفسارات وتحقيقات جديدة تعطي للعلم زادا جديدا وتدفعه لمواصلة مسيرته إلى الأمام. أما ما يعاب على النماذج فهو: أن استحكامها يفرض مشكلتين من مشاكل طرق البحث هما: 1- كيفية بيان الوظيفة التي يؤديها النموذج من بين الوظائف الكثيرة والممكنة بجلاء ووضوح؟ 2- بيان ملاءمة نموذج ما لوظيفة معينة في أذهاننا؟ ورغم أن هاتين المشكلتين لم تحلا بعد، ولكن ينبغي ألا تكونا عقبة أو عذار يحول دون استخدامنا للنماذج فقد تستخدم النماذج كوسيلة لربط النظرية بالتجربة والتجربة بالتصوير والنظريات مع بعضها، والتصور بالنظرية التقليدية وهكذا، فلو أردنا أن نبين مثلا كيف نستخدم النماذج كوسيلة لعمل إضافات على النظريات، في هذه الحالة "الإضافة أو إكمال النظرية" ينبغي على النموذج أن يلبي متطلبات النظرية وأن يمتلك الخصائص البنائية للنظرية، أما في حالة إعادة بناء النظرية فإن النموذج ينبئ إذا لم يكن قادرا على تحقيق أي مطلب من مطالبها.

وهكذا ليست جميع النماذج ناجحة في التطبيق وإن نجاحها يتوقف على مقدار مطابقتها، للواقع، ومرحلة التجريد هي من أهم المراحل وأدقها، لأن التجريد يفقد النموذج أحيانا قيمته العلمية إذا أبعده كثيرا عن الواقع، ومهما كانت عيوب النماذج وأخطار الاعتماد عليها، إلا أنها على حد قول تشورلي كالنظريات أشبه بمشاعل ذات أنوار تشع في كافة الاتجاهات، وكل من النظرية والنموذج ينير بعض نواحي جديدة، أو تظهر علامات موجودة أصلا في دنيا الواقع، وعلى مساوئها تعتبر الوسيلة الناجحة والمريحة التي تستخدم في التحليل والتعليل، والتعبير عن آرائنا وأفكارنا عن الواقع، إن النماذج تساعدنا على إجراء تقويم أسس البحث وأصوله، وتطلعنا على خصائصه الضرورية ومدى حدوده واتصاله بالميادين الأخرى1.

_ 1 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية. مرجع سبق ذكره، ص284.

الباب الرابع: أدوات البحث العلمي

الباب الرابع: أدوات البحث العلمي الفصل الحادي عشر: العينة مدخل ... الباب الرابع: أدوات البحث العلمي الفصل الحادي عشر: العينة "Sample" تمهيد: أداة البحث هي الوسيلة التي يجمع بها الباحث بياناته، وليس هناك تصنيف موحد لهذه الأدوات حيث تتحكم طبيعة فرضية البحث في اختيار الأدوات التي سوف يستعملها الباحث، لهذا كان عليه أن يلم بطرق عديدة، وأساليب مختلفة، وأدوات متباينة كي يستطيع أن يحل مشكلة البحث والتحقق من فرضه، وقد يستفيد الباحث من أكثر من أداة واحدة في بحثه، ولعل أول ما يجب على الباحث هو اختيار عينة يدرسها، ومن ثم يقرر إن كان يلجأ إلى الملاحظة أو المقابلة أو الاستبيان للتحقق من فرضه، أو الأساليب الإسقاطية، أو تحليل المضمون، أو أساليب قياس الاتجاهات أو ... فقد يلجأ إلى أكثر من أداة واحدة. والعينة هي فئة تمثل مجتمع البحث1 "Population Research" أو جمهور البحث، أي جميع مفردات الظاهرة التي يدرسها الباحث، أو جميع الأفراد أو الأشخاص أو الأشياء الذين يكونون موضوع مشكلة البحث.

_ 1 يقصد بالمجتمع في بحث العينات كامل أفراد أو مشاهدات أو أحداث أو أشياء موضوع البحث، ويقصد بالعنصر أحد مفردات أو مشاهدات أو أحداث المجتمع موضوع أما العينة فهي المجموعة الجزئية من المجتمع موضوع البحث، والمفردة هي إحدى المفردات أو المشاهدات التي تم اختيارها ضمن العينة.

ولقد تطورت نظريات العينات، وممن كان لهم الفضل في ذلك "بيرنولي" و"بواسون" و"لابراس" وفي بداية القرن "العشرين في عام 1908" صدرت أعمال "ستيودنت" التي لعبت دورا كبيرا في تطوير نظرية العينات، بخاصة ما أصبح يسمى بالعينات الصغيرة، وخلال الحرب العالمية الثانية، وبهدف ضبط اقتصاد الدول المتحاربة والإحاطة باتجاهات تطوره، تطورت نظرية العينات تطورا سريعا نظريا وعمليا، واستمر ذلك حتى الآن، حيث أصبحت هذه النظرية تستخدم على نطاق واسع لدراسة مختلف الجوانب السكانية والاقتصادية، هذا ويلجأ عادة إلى طريق العينات لعدة أسباب منها: 1- إنها أقل كلفة من طريقة الحصر الشامل. 2- إن بعض الأجزاء تسهل الوصول إلى معلومات أكثر تفصيلا ودقة. 3- في حال عدم توافر الوقت للقيام بدراسة شاملة. 4- في حال عدم إمكانية إجراء حصر كامل لعناصر مجتمع الدراسة الأصلي، فهي جزء من كل، على أن تمثل الكل تمثيلا صحيحا وتحت شروط مضبوطة.

المبحث الأول: اختيار العينة

المبحث الأول: اختيار العينة يتعرف الباحث على المجتمع الأصلي بدقة ويدرس مفرداته، ولكي يحصل على عينة ممثلة عليه أن يختار، وفق طريقة معينة، ومفردات معينة، وشروط منظمة ومضبوطة، وتتكون عملية الاختيار هذه من عدة خطوات نحددها فيما يلي، مع الإشارة إلى أن الطرق التقنية لاختيار العينة مهمة جدا1. 1- يحدد الباحث المجتمع الأصلي بدقة.

_ Dikenson, J. P. "Science and Scientifec Researches in modern Society". Second edition, op. cit. p. 49.

2- يعد قائمة كاملة ودقيقة بمفردات هذا المجتمع وتسمى "إطارا" من خلال سجلات، ويجب أن تكون كاملة وحديثة. 3- يأخذ مفردات ممثلة من القائمة التي أعدها. 4- يحصل على عينة كافية ليتمثل المجتمع الأصلي بخصائصه التي يريد دراستها. العينة الجيدة تمثل المجتمع الأصلي كله بقدر الإمكان، والمعروف أن العينة الصغيرة جدا لا تمثل خصائص المجتمع المدروس، إلا إذا كانت الظاهرات موضع الدراسة متجانسة، أما إذا كانت المفردات متباينة فلا بد من عينة كبيرة كافية، ولا يوجد عدد محدد، أو نسبة مئوية معينة من حجم المجتمع الأصلي يمكن تطبيقه على جميع الدراسات، ويفضل بشكل عام حجم العينة الكبير نسبيا على العينة الصغيرة. أما العوامل المؤثرة في تحديد حجم العينة فهي: 1- مستوى درجة الدقة والثقة بالنتائج التي يسعى الباحث إلى تحقيقها، وكلما كان الباحث راغبا في الحصول على نتائج أكثر دقة وثقة، كما توجب عليه زيادة العينة المختارة، ويقصد بدرجة الدقة مدى دقة وقرب نتائج العينة من النتائج الفعلية، أما المقصود من درجة الثقة فهي مدى احتمالية عدم تطابق نتائج الدراسة مع النتائج الفعلية. 2- درجة التعميم التى ينشدها الباحث من نتائج بحثه، إذ أنه كلما ازدادت حاجة الباحث ورغبته بأن تكون نتائج بحثه قابلة للتعميم بشكل كبير على مجتمع الدراسة الأصلي، كلما توجب عليه زيادة حجم العينة المختارة. 3- مدى التجانس أو التباين في خصائص مجتمع الدراسة الأصلي: كلما كانت خصائص المجتمع الأصلي متجانسة كلما كان حجم العينة المطلوبة صغيرا نسبيا، وهناك ضرورة لزيادة حجم العينة حينما يوجد اختلافات جوهرية هامة وعديدة بين

أفراد أو مشاهدات مجتمع الدراسة الأصلي، وبذلك يضمن تمثيل البيئة لمختلف الأفراد والحوادث التي يتكون منها المجتمع الأصلي. 4- حجم مجتمع الدراسة الأصلي: كلما زاد عدد عناصر أو مشاهدات مجتمع الدراسة الأصلي، زاد حجم العينة المطلوبة والعكس صحيح، مع ملاحظة أن نسبة العينة إلى مجتمع الدراسة الأصلي تقل كلما زاد حجم المجتمع الأصلي، هذا والنقاط التالية يمكن الاسترشاد بها من أجل تحديد حجم العينة المطلوب: أ- إن حجم العينة الذي يتراوح بين "30-500" مفردة يعتبر ملائما لمعظم أنواع البحوث. ب- عند استخدام العينة الطبقية، أي تقسيم المجتمع الأصلي إلى طبقات من مثل الذكور والإناث فإن حجم العينة لكل فئة يجب أن لا يقل عن "30" مفردة. جـ- في حالة استخدام الانحدار المتعدد أو الاختبارات المماثلة له، فإن حجم العينة يجب أن يكون أضعاف متغيرات الدراسة، ويفضل أن يكون حجم العينة هنا "10" أضعاف متغيرات الدراسة، فإذا احتوت الدراسة على "6" متغيرات لإجراء التحليل عليها، فإنه يفضل أن لا يقل حجم العينة عن "60" مفردة. د- في بعض أنواع البحوث التجريبية، التي يكون فيها حجم الضبط والرقابة عاليا، فإن حجم عينة مقداره "10" إلى "20" مفردة يكون مقبولا1. 5- عامل آخر يؤثر في تحديد حجم العينة هو نوع التصميم التجريبي، هذا ويتم التأكد من تمثيل العينة للمجتمع الأصلي بطريقتين هما: 1- طريقة التوزيع الطبيعي: عديد من الخصائص والسمات تتخذ شكل التوزيع الطبيعي، مثل الطول والذكاء والعمر، بمعنى أن أغلبية الأفراد أو المشاهدات تتركز في

_ 1 محمد عبيدات وزملاؤه: منهجية البحث العلمي. مرجع سبق ذكره ص104-106.

منطقة الوسط، ويتوزع أقلية من الأفراد على الطرفين من مثال: متوسط الأعمار يتراوح بين "60-75" سنة تقريبا لكننا نجد أقلية من الأفراد تعمر مدة تزيد عن الـ"75 سنة" وأقلية أخرى لا تصل أعمارها إلى "65سنة" كذلك مستوى الذكاء والأوزان تنطبق عليهما مثل هذه الحالات. يتخذ التوزيع الطبيعي شكل الجرس، ويكون ما نسبته تقريبا "68%" من المشاهدات تقع ضمن انحراف معياري واحد عن الوسط الحسابي للمشاهدات، وحوالي "95%" من المشاهدات تقع ضمن انحرافين معيارين عن الوسط الحسابي، وحوالي "99%" من المشاهدات تقع ضمن "3" انحرافات معيارية عن الوسط الحسابي. وللتأكد من تمثيل العينة للمجتمع الأصلي، باتباع طريقة التوزيع الطبيعي، يتم تحديد توزيع العينة المختارة، فإذا كان توزيع العينة طبيعيا، فإن ذلك يدل على أن العينة ممثلة لمجتمع الدراسة الأصلي، أما إذا كان التوزيع غير طبيعي، فإن هذا يعني وجود تحيز باختيار العينة، أي أن العينة غير ممثلة للمجتمع الأصلي. 2- طريقة النزعة المركزية: وهي بديل لطريقة التوزيع الطبيعي، في حين يكون توزيع خصائص مجتمع الدراسة الأصلي موزعا توزيعا غير طبيعي، حيث تستخدم بعض مقاييس النزعة المركزية مثل الوسط الحسابي والانحراف المعياري، إذ يتم إيجاد قيم الوسط الحسابي والانحراف المعياري للعينة المختارة، ويقارن الناتج مع الوسط الحسابي، والانحراف المعياري لكل مجتمع الدراسة الأصلي، فإذا تقاربت النتائج كانت العينة ممثلة للمجتمع الأصلي، وفي حالة وجود اختلافات جوهرية، فإن ذلك يدل على تحيز بالعينة المختارة، وتكون النتائج بالتالي غير قابلة للتعميم، ويشترط لاستخدام هذه الطريقة توافر بيانات عن مقاييس النزعة المركزية للمجتمع الأصلي، حيث تكون تلك البيانات منشورة في العادة في بيانات إحصائية أو مجلات متخصصة1.

_ 1 Dickinson. op. Ci T. p51.

المبحث الثاني: أنواع العينات

المبحث الثاني: أنواع العينات تقسم العينات بشكل رئيسي إلى مجموعتين: أ- العينات الاحتمالية "Probability Sample" ويتم فيها اختيار الأفراد بشكل عشوائي بحيث يعطي لكل عنصر من عناصر مجتمع الدراسة فرصة للظهور في العينة، وتكون هذه الفرصة معروفة ومحددة سابقا، ولا ضرورة لأن تكون هذه الفرصة متساوية لكل عنصر. هذا ويعزى النقص في قدرة التنبؤ إلى الخطأ في اختيار العينة العشوائية1. ب- العينات غير الاحتمالية "No Probabilty Sample"، ويتم فيها اختيار العينة بشكل غير عشوائي، حيث تستثنى بعض عناصر الدراسة من الظهور في العينة لأسباب معينة: عدم توافر المعلومات المطلوبة، أو استحالة وصول هذه العناصر، أو كبر حجم مفردات مجتمع الدراسة ... أ- أنواع العينات الاحتمالية "العشوائية" "Random Sample" 1- العينة العشوائية البسيطة "Sample Random Sample" يتم في هذه الطريقة حصر ومعرفة كامل العناصر التي يتكون منها مجتمع الدراسة الأصلي، ومن ثم يتم الاختيار من هذه العناصر، ويعطي لكل عنصر من عناصر المجتمع الأصلي للدراسة نفس فرصة الظهور في العينة المختارة، وتكون فرصة الظهور لكل عنصر معروفة ومحددة سابقا كما أشرنا. ولتحديد مفردات العينة المختارة هناك عدة وسائل، ومن أجل منع التحيز في النتائج تستعمل طرائق ميكانيكية في سحب العينة حيث تكتب أسماء الوحدات على بطاقات ويسحب من هذه البطاقات العدد المطلوب، أو أن يستخدم جدول الأعداد

_ 1 محمد عبيدات وزملاؤه. منهجية البحث العلمي مرجع سبق ذكره، ص108-109.

العشوائية مثل جدول "فنشر" وهو جدول به أرقام عشوائية كثيرة يختار الباحث منها سلسلة من الأرقام العمودية أو الأفقية أو القطرية، ثم يختار من المجتمع الأصلي الأفراد الذين لهم نفس الأرقام التي أخذت من جدول الأرقام العشوائية، وهؤلاء الأفراد هم العينة المختارة، ورغم بساطة تطبيقها واستعمالها وإمكان نتائجها "تعميمها" على مجتمع الدراسة الأصلي، نشير إلى صعوبة تطبيقها في بعض أنواع البحوث التي لا يمكن حصر جميع عناصر مجتمع الدراسة الأصلي فيها، وأيضا ارتفاع تكلفة استخدامها لانتشار أفرادها في مناطق. 2- العينة الطبقية البسيطة "Stratified sample": وهي نوع من العينات يستعمل في الحالات التي يكون معروفا فيها أن في المجتمع اختلافات منتظمة، وفي هذا النوع من العينات، يضع الباحث شروطا معينة لاختيار أفراد العينة بحيث تمثل العينة جميع فئات المجتمع المدروس، وبنفس نسبة وجودها، وبعد تقسيم المجتمع إلى فئاته المختلفة، يعتمد الباحث الطريقة المتبعة في اختيار العينة العشوائية ضمن فئات طبقات المجتمع المدروس، ولكي يتم الاختيار، يحدد الباحث الفئات المختلفة في المجتمع الأصلي بناء على خاصية معينة وبطريقة تناسبه، أي أن الباحث يختار لكل طبقة وبطريقة عشوائية عددا من المفردات، يتناسب مع حجمها الحقيقي في المجتمع الأصلي. 3- العينة المزدوجة "Double Sample" يتم إجراؤها حينما لا يرد للباحث جوابا على الاستبيان الذي أرسله إلى المفحوصين، لأن نتائج الاستبيان تصبح متحيزة، لذلك يعمد الباحث إلى اشتقاق عينة ثانية بطريقة عشوائية من الذين لم يستجيبوا ويجري مع أفرادها مقابلات شخصية للحصول على البيانات المطلوبة. 4- العينة المنتظمة "Systematic Sample": وهي شكل من أشكال العينة العشوائية، يتم اختيارها في حالة تجانس المجتمع الأصلي وتوافر إطاره، وسميت منتظمة لأننا نختار فيها مسافة ثابتة منتظمة بين كل

رقم والرقم الذي يليه، وهكذا لو أراد الباحث أن يختار عينة مكونة من "50" فردا من قائمة فيها "500" اسم فإنه يقسم "500" على "50" لكي يحصل على المسافة "10" في هذا الحالة، ثم يحدد بطريقة عشوائية رقما فيما بين "1" و"10" "الرقم 6 مثلا"، ويختار بعد ذلك الأفراد ذوي الرقم "6، 16، 26، 36، إلخ ... " حتى يجمع أفراده الخمسين ويجب أن يكون الباحث على حذر لئلا تكون القائمة مرتبة وفق ترتيب معين يجعل الاختيار غير عشوائي تماما1. 5- العينة العنقودية "Cluster Sample": وهي من أنواع العينات الاحتمالية، يلجأ فيها الباحث إلى تحديد أو اختيار العينة ضمن عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى، يتم تقسيم مجتمع الدراسة الأصلي إلى فئات حسب معيار معين، ومن ثم يتم اختيار شريحة أو أكثر بطريقة عشوائية، ويتم استبعاد الشرائح نهائيا، التي لم تقع ضمن الإطار نهائيا، وفي المرحلة الثانية يتم تقسيم الشرائح التي وقع عليها الاختيار في المرحلة السابقة إلى شرائح أو فئات جزئية أخرى، ثم يتم اختيار شريحة أو أكثر منها وبطريقة عشوائية أيضا، وهكذا يستمر الباحث حتى يتم الوصول إلى الشريحة النهائية، والتي يقوم بالاختيار منها بشكل عشوائي مفردات العينة المطلوبة، وتوفر هذه العينة على الباحث الكثير من الوقت والجهد والتكلفة، لكن يؤخذ عليها احتمالية عدم تمثيلها لمجتمع الدراسة الأصلي، بخاصة في حالة عدم تجانس مجتمع الدراسة الأصلي. 6- العينة المساحية "Area Sample": هي عينة متعددة المراحل "Multistage Sample" وذات أهمية كبيرة لإمكانية الحصول على عينات تمثل المناطق الجغرافية المختلفة كما لا يطلب في هذه الحالة إعداد قوائم كاملة بجميع الأفراد أو العناصر داخل منطقة جغرافية معينة، هذا وتختار المناطق

_ 1 فاخر عاقل. أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، مرجع سبق ذكره، ص224.

الجغرافية نفسها بطريقة عشوائية، لكن يجب أن تمثل في كل منطقة إقليمية مختارة كل الفئات الاجتماعية المتمايزة، إذا تطلب البحث ذلك. والمنهج المتبع في إجرائها وأن يبدأ الباحث بتقسيم المجتمع إلى وحدات أولية "Primary units" يختار من بينها عينة بطريقة عشوائية، أو منتظمة، ثم تقسم الوحدات المختارة إلى وحدات ثانوية "Secondrry Units"، ثم يختار من بينها عينة جديدة وهكذا، إلى أن يقف الباحث عند مرحلة معينة هي وحدة المعاينة الأخيرة المختارة وتسمى الوحدة النهائية أي: "محافظات، نواحي، قرى" أو محافظات، مدن، أحياء، مساكن" واختيار الأشخاص الذين يمكن أن تتم معهم المقابلة. ويجب أن يكون ذلك كله بطريقة عشوائية من بين وحدات المعاينة التي تمت1، يفضل استعمال هذه العينة في كثير من المسوح الاجتماعية والاقتصادية، مثل مسوح الدخل ونفقات الأسرة والمسوح الزراعية، حيث يمكن أن يقسم المجتمع إلى عدد من الأقاليم التي تزرع غلة أحد المحاصيل الزراعية لتشكل وحدات المرحلة الأولى، ومن ثم يمكن تقسيم كل إقليم إلى عدد من المناطق لتشكل وحدات المرحلة الثانية، وتقسم وحدات المرحلة الثانية إلى عدد من القرى لتشكل وحدات المرحلة الثالثة، وأخيرا تقسيم القرى إلى مزارع مزروعة بهذا المحصول لتشكل الوحدات النهائية في المرحلة الرابعة، وفي هذه المرحلة الأخيرة تتوفر قوائم لهذه المزارع ويفضل في أغلب الأحيان إعداد قوائم حديثة لوحدات المرحلة النهائية. وهكذا فإن العينة متعددة المراحل يكتفي لاختيار الوحدة النهائية الاعتماد على تقسيم الوحدة ما قبل النهائية، وليس على وحدات جميع المراحل، مما يوفر وقتا وجهدا، وحتى من وجهة نظر اقتصادية، وبالمقارنة مع طريقة العينة العشوائية

_ 1 أحمد بدر. أسس البحث العلمي ومناهجه، مرجع سبق ذكره ص340.

البسيطة، حيث تتطلب هذه قوائما تضم جميع المزارع التي زرعت بهذا المحصول وفي جميع الأقاليم، لهذا فإن اختيار العينة متعددة المراحل يؤدي إلى توفير كبير في نفقات المسح، ومن هذا المنطلق فإن العينة متعددة المراحل أسهل وأكثر مرونة وتوفيرا لنفقات المسح من طرق العينات الأخرى، مع الإشارة إلى أن الأخطاء في العينات متعددة المراحل أكبر بشكل عام منها في العينات الأخرى حيث من المتوقع أن تحصل هذه الأخطاء في كل مرحلة من مراحل هذه العينة، رغم ذلك فقد استخدم أسلوبها في العديد من دول العالم. ب- أنواع العينات غير الاحتمالية "غير العشوائية" "Non-Rondom Sample": إذا كان أفراد المجتمع الأصلي الذي يقوم الباحث بتطبيق أسلوب العينات عليه معروفين تماما تستخدم العينة العشوائية، أما إذا صعب تحديد أفراد المجتمع الأصلي، بحث لا يتمكن الباحث من أخذ عينة عشوائية منهم تمثلهم بدقة، يعمد الباحث إلى أسلوب العينة غير العشوائية، أو غير الاحتمالية، ويختار عينة حسب معايير معينة يضعها الباحث، بحيث يتدخل الباحث في اختيار العينة، وأشكال العينة بهذا الأسلوب هي: 1- عينة الصدفة "Assidental Sample" أو العينة الملائمة "Conveniece sample" يعطي في هذا النوع من العينات لعناصر مجتمع الدراسة الأصلي حرية الاختيار في المشاركة في الدراسة، بحيث لا يكون هناك تحديد مسبق لمن تشملهم العينة، بل يتم اختيار أفراد العينة من بين أول مجموعة يقابلهم الباحث، بحيث يوافق هؤلاء على المشاركة في الدراسة، وذلك ضمن شروط تمثيلا معقولا لمجتمع الدراسة. يتميز هذا النوع من العينات بالسهولة في اختيار عينة الدراسة وانخفاض التكلفة والوقت والجهد المبذول من الباحث، وبسرعة الوصول إلى أفراد الدراسة والحصول

على نتائج، ومما يؤخذ على هذا النوع من العينات، أنها لا يمكن أن تمثل المجتمع الأصلي بدقة ومن هنا يصعب تعميم نتائج البحث الذي يتناولها على المجتمع كله. 2- العينة الحصصية "Quota Sample" أو عينة الفئات. تشبه العينات الحصصية العينات الطبقية من حيث المراحل الأولى في التحديد، بحيث يتم تقسيم مجتمع الدراسة الأصلي إلى فئات أو شرائح ضمن معيار معين، ثم يتم بعد ذلك اختيار العدد المطلوب من كل شريحة، بشكل يتلائم وظروف الباحث، لكنها تختلف عنها في أن الباحث في العينة العشوائية لا يختار الأفراد كما يريد، بينما في العينة الحصصية يقوم الباحث بهذا الاختيار بنفسه، دون أن يلتزم بأية شروط. 3- العينة الفرضية أو العقدية "Purposive sample" أو الهدفية يختار الباحث هذا النوع من العينات لتحقيق غرضه، بحيث يقدر حاجته من المعلومات، ويقوم باختيار عينة الدراسة اختيارا حرا، على أساس أنها تحقق أغراض الدراسة من خلال توافر البيانات اللازمة للباحث في أفراد هذه العينة، أي أن هذا النوع من العينات لا يكون ممثلا لأحد بل توفر للباحث البيانات اللازمة لدراسته.

المبحث الثالث: مزايا العينة وعيوبها

المبحث الثالث: مزايا العينة وعيوبها تتميز دراسة العينة بأنها: 1- تمثل المجتمع الأصلي، أي أفراد مجتمع البحث، أو جميع مفردات الظاهرة. 2- إن دراسة جميع مفردات الظاهرة أمر يتطلب وقتا وجهدا وتكاليف مادية، قد لا تمكن الباحث من إجراء بحثه، والعينة تغنيه عن ذلك. 3- تحقق العينة أهداف الباحث، إذا تمت وفق شروط مضبوطة. 4- تضعف إمكانية ضبط الرقابة والدقة، مع زيادة حجم البيانات والجهد المطلوب لجمعها، واستخدام العينة يجد من ذلك.

5- إذا كان المجتمع المدروس متجانسا، فإنه يمكن تعميم النتائج على جميع أفراد هذا المجتمع. أما عيوب العينة فهي: 1- عدم إمكانية العينة حصر كامل عناصر مجتمع الدراسة الأصلي إذا كان متباينا. 2- يتطلب اختيار العينة في المجتمع الأصلي المتباين زيادة في حجم العينة لتشمل أفراد جميع الفئات. 3- بعض التصميمات التجريبية تتطلب وجود مجموعات تجريبية، ويعني هذا أن نختار حجما كبيرا للعينة تمثل أفراد المجتمع الأصلي. 4- النتائج الدقيقة تتطلب عينة كبيرة الحجم، بهدف تعميم النتائج على المجتمع الأصلي الكبير. 5- قد لا يكون أسلوب البحث مناسبا للاختيار. 6- قد لا تتوافر الدقة اللازمة في الاختيار، وفي هذه الحالة لا تمثل العينة المجتمع الأصلي كما يجب.

الفصل الثاني عشر: الملاحظة

الفصل الثاني عشر: الملاحظة مدخل ... الفصل الثاني عشر: الملاحظة "Observation" تمهيد: تعد من أقدم طرق جمع البيانات والمعلومات الخاصة بظاهرة ما، كما أنها الخطوة الأولى في البحث العلمي وأهم خطواته، تعني الملاحظة بمعناها البسيط: الانتباه العفوي إلى حادثة أو ظاهرة أو أمر ما، أما الملاحظة العلمية فهي: انتباه مقصود ومنظم ومضبوط للظاهرات أو الحوادث أو الأمور بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها. أو هي كل ملاحظة منهجية تؤدي إلى الكشف عن دقائق الظاهرات المدروسة وعن العلاقات بين عناصرها وبينها وبين الظاهرات الأخرى. وتعريف آخر: عملية مراقبة أو مشاهدة لسلوك الظاهرات والمشكلات والأحداث ومكوناتها المادية والبيئة ومتابعة سيرها واتجاهاتها وعلاقاتها، بأسلوب علمي منظم ومخطط وهادف، بقصد التفسير وتحديد العلاقة بين المتغيرات، والتنبؤ بسلوك الظاهرة أو توجيهها لخدمة أغراض الإنسان وتلبية احتياجاته1. ويعرفها البعض: بأنها وسيلة يستخدمها الإنسان العادي في اكتسابه لخبراته ومعلوماته على أن يتبع الباحث في ذلك منهجا معينا يجعل الباحث من ملاحظاته أساسا لمعرفة أو فهم دقيق لظاهرة معينة2. تتدرج الملاحظة من الملاحظة العفوية إلى الملاحظة المضبوطة الدقيقة الموجهة العلمية، وتتطلب هذه تخطيطا واعيا، واختبارا لجانب أو جوانب معينة، في موقف معين ووقت محدد وظروف دقيقة ومضبوطة، وفي معظم الأحيان تتطلب استخداما لوسائل وأدوات، وهذا ما دعا العلماء إلى تسميتها بالملاحظة المسلحة وتميزها، عن الملاحظة العزلاء التي تتم بوساطة الحواس.

_ 1 نائل حافظ العواملة. أساليب البحث العلمي، الأسس النظرية وتطبيقها في الإدارة، ط1، 1995، ص130. 2 ذوقان عبيدان: البحث العلمي، مرجع سبق ذكره، ص149.

المبحث الأول: الملاحظة الدقيقة

المبحث الأول: الملاحظة الدقيقة إن ما يميز الملاحظة الدقيقة هي: 1- الانتباه وهو شرط أساسي من شروط الملاحظة الصحيحة الناجحة والموضوعية وعدم التحيز. 2- الإحساس ونقصد به الحواس السليمة أو الاستعانة بالأدوات إن احتاج، ولا بد من تفسير الإحساسات للوصول إلى الحقائق. 3- الإدراك وهو تفسير الإحساس في ضوء أمور من بينها الخبرة السابقة والمقولات العقلية والمنطقية وما الملاحظة إلا خدمة للإدراك. ومن معوقات الملاحظة الدقيقة احتمال حدوث أخطاء في الإدراك أكبر بكثير منه في الإحساس، فقد تعمل اهتمامات الباحث الشخصية على رؤية ما يريد رؤيته، ويقف هذا عقبة في سبيل الملاحظة الموضوعية، كما يتضح، أن الإدراك عرضة للتحريف والتشويه، لذلك كان لا بد من الحذر، وهذا هو السبب في أن يرى شخصان حادثا واحدا، فيفسرانه تفسيرا متباينا، لهذا يجب أن يتجنب الملاحظ كل الأسباب التي يمنع دقة ملاحظته، وأن يلجأ إلى كل الوسائل التي تعين على الانتباه ودقة الإحساس وضبط الإدراك وسلامته وأهم أسس الملاحظة الدقيقة: 1- أن يقوم الباحث بجميع معلومات أساسية مسبقة عن الشيء الذي سيقوم بملاحظته.

2- أن يحدد أهداف الملاحظة والأمور الأساسية التي سيقوم بملاحظتها، ويساعده هذا على التركيز في جميع البيانات عن الأمور المراد دراستها، بخاصة، في الدراسات الوصفية واختبار الفرضية. 3- أن يختار الوسيلة الملائمة لتسجيل الأحداث أو المشاهدات التي سيلاحظها مع التدريب على الوسيلة المختارة. 4- القيام بالملاحظة بشكل ناقد وبعناية، لأن الكثير من الأمور تبدو بسيطة وغير هامة في تصرفات الأفراد، لكن يكون لها أهمية كبيرة وأثر في مجريات الحادثة أو الظاهرة. أما شروط الملاحظة العلمية فهي: 1- أن تكون منظمة ومضبوطة، تقوم على أساس سؤال أو مشكلة وفرضية مبدئية توجه هذه الملاحظة وترتب خطوطها، وتحيط بنواحيها المختلفة وتضبط مجرياتها. 2- أن تكون موضوعية بعيدة عن التحيز، يعف الباحث عن الأخذ بما يؤيد فرضيته وترك ما لا يؤيدها. 3- أن تكون دقيقة كما وكيفا، بحيث يلجأ الباحث إلى القياس كلما أمكن ذلك، وهو غاية أساسية من أسس العلم. 4- أن يكون الملاحظ مؤهلا للملاحظة: سليم الحواس، قادرا على الانتباه، في وضع جسمي ونفسي ومادي يمكنه من الملاحظة. 5- أن يتم تسجيلها بسرعة، لأن الاعتماد على الذاكرة أمر غير مضمون. 6- التخطيط للملاحظة واجب، فهو يشير إلى وضع خطة علمية يسير الملاحظ وفقها ويتبع خطواتها. 7- يجب أن يستعين الملاحظ بكل وسيلة أو أداة تساعده على دقة الملاحظة وضبطها.

المبحث الثاني: أنواع الملاحظة وإجراءاتها

المبحث الثاني: أنواع الملاحظة وإجراءاتها 1- الملاحظة العفوية البسيطة "Direct"، أي غير المقصودة أو مضبوطة، وهي بداية للملاحظة العلمية، تنجم عنها فرضية، تحتاج إلى بحث وتدقيق، وتستخدم في الدراسات الاكتشافية، كملاحظة سلوك شخص بشكل مباشر، دون تخطيط مسبق. 2- الملاحظة المقصودة والمضبوطة والمنظمة: أي غير المباشرة "Indirect"، وهي الملاحظة العلمية بالمعنى الصحيح، توجهها فرضية معينة أو نظرية محددة، وتتم في ظروف مخطط لها، وتتم حينما يحدد فيها الباحث المشاهدات التي يريد أن يجمع عنها بيانات. 3- الملاحظة الفردية والملاحظة الجماعية: ولكل منهما موجبات واستعمال تفرضها طبيعة البحث. 4- الملاحظة في الطبيعة: وتستعمل في العلوم الطبيعية والسلوكية. 5- الملاحظة في المخبر هي التجريب، وفيه تضبط المتحولات الحرة جميعها وتثبت إلا واحدا يحول، ويلاحظ التغير مما يؤكد صحة الفرضية أو بطلانها. 6- الملاحظة في العيادة: وهي جزء من دراسة الحالة، يلجأ إليها الأطباء النفسيون والموجهون التربويون. وحسب أهداف الملاحظة تقسم الملاحظة إلى: 1- ملاحظة محددة "Structured"، إذا كان لدى الباحث تصور مسبق عن نوع المعلومات التي يلاحظها أو السلوك الذي يراقبه، وقد تكون الملاحظة:

2- غير محددة "Un structured"، حين يقوم الباحث بدراسة مسحية للتعرف على واقع معين أو بجمع البيانات والمعلومات. ووفق دور الباحث في الظاهرة موضوع البحث تقسم الملاحظة إلى: 1- ملاحظة بدون مشاركة "Non-participant"، حيث يقوم الملاحظ بدور المتفرج، وقد تكون. 2- بالمشاركة "Participant"، حيث يعيش الباحث الحدث نفسه، ويكون عضوا في الجماعة التي يلاحظها، ومن مزايا الملاحظة بالمشاركة، أنها تعطي معلومات غزيرة للباحث وإلماما بالظاهرة ومصداقية أكبر في المعلومات، ولكن يعاب عليها، أن تميز الباحث فيها ممكن في استخلاصه وجمعه للبيانات. هذا وتتم إجراءات الملاحظة على النحو الآتي: 1- تحديد مجال الملاحظة وبيان مكانها وزمانها وفقا لأهداف الدراسة. 2- إعداد بطاقة الملاحظة لتسجيل المعلومات التي يلاحظها الباحث. 3- أن يتأكد الملاحظ من صدق ملاحظاته، بوساطة إعادة الملاحظة أكثر من مرة وعلى فترات متباعدة أو مقارنة ما يلاحظه بملاحظة باحث آخر، وبهدف الدقة والصدق والتأكد من عدم تحيز الباحث أو اهتمامه بجانب دون آخر، فلا بد للباحث من أن يعيد الملاحظة ويكررها لضمان صحة ما يلاحظ. 4- أن يتم تسجيل ما يلاحظه في أثناء الملاحظة، ويقوم بعض الباحثين بتسجيل ملاحظاتهم خلال إجرائها، بأدوات التسجيل، مما يجعل الباحث يحصل على صورة واقعية، ويقلل من إمكانية الوقوع في أخطاء الملاحظة أو النسيان، هذا ونشير إلى أنه يمكن للملاحظ أن يستعين بأفراد آخرين لمساعدته، بشرط تدريبهم بوساطة تحديد أهداف الدراسة والأمور التي يسعى الباحث لملاحظتها.

المبحث الثالث: مزايا الملاحظة وعيوبها

المبحث الثالث: مزايا الملاحظة وعيوبها نشير إلى ضرورة استعمال الملاحظة كأداة في جمع البيانات والمعلومات بخاصة في دراسة الظاهرات الاجتماعية ودراسة تحليل المضمون والوثائق وأهم مزاياها: 1- دقة المعلومات بسبب ملاحظة الظاهرات في ظروفها الطبيعية. 2- الملاحظة من أكثر وسائل جمع المعلومات فائدة للتعرف على الظاهرة أو الحادثة. 3- دقة التسجيل بسبب إجرائه أثناء فترة الملاحظة. 4- أسلوب الملاحظة، الأسلوب الأكثر أهمية في حال عدم التمكن من استخدام أسلوب المقابلة والاستبيان لجمع المعلومات، كدراسة الظاهرات الطبيعية. 5- تسمح بالتعرف على بعض الظاهرات أو الحوادث التي قد لا يفكر الباحث أو المبحوث بأهميتها، إذا ما تم استخدام الاستبيان أو المقابلة. 6- يمكن إجراء الملاحظة على عدد قليل من المفحوصين. أما عيوب الملاحظة فهي: 1- يغير الملاحظون سلوكهم إذا شعروا بإجراء الملاحظة. 2- قد تستغرق الملاحظة وقتا طويلا وجهدا وتكلفة مرتفعة من الباحث. 3- قد يحدث تحيز من الباحث، إما بسبب تأثره بالأفراد أو عدم نجاحه في تفسير ظاهرة ما. 4- هناك عوامل دقيقة تؤثر على السلوك في أثناء الملاحظة، مما يؤثر في دقة الملاحظة.

الفصل الثالث عشر: المقابلة

الفصل الثالث عشر: المقابلة مدخل ... الفصل الثالث عشر: المقابلة 1 "Interview" تمهيد: تعتبر المقابلة استبيانا شفويا، فهي "محادثة موجهة بين الباحث والشخص أو أشخاص آخرين بهدف الوصول إلى حقيقة أو موقف معين، يسعى الباحث للتعرف عليه من أجل تحقيق أهداف الدراسة" وإذا كانت المقابلة الشخصية واحدة من أكثر الوسائل الفعالة في الحصول على البيانات والمعلومات الضرورية، فقد تبدو هذه الوسيلة سهلة بالنسبة للشخص الذي لا خبرة له بهذا الأسلوب، في حين أن أسلوب المقابلة ليس مجرد الالتقاء بعدد الناس، وسؤالهم لبعض الأسئلة العرضية Casual Questions" إنما تقوم على أسس، ولها أنواع ومزايا وعيوب. وهي والاستبيان صنوان ولكن بعض الناس يفضلون تقديم المعلومات الشفوية على تقديم المعلومات كتابيا، وتجري لأغراض عدة منها البحث ومنها التوجيه والعلاج وأحيانا تتكرر على عدة فترات منظمة أو غير منظمة. فردية أو جماعية مقيدة أو حرة.

_ 1 يرى بعض الباحثين أن كلمة "المقابلة" التي يستخدمونها ترجمة للغة الإنكليزية "Interview" لا تؤدي المعنى المقصود، لأن المقابلة لقاء بالوجه، وليست كل مقابلة يقصد منها أن يخبر الباحث المبحوث ليعرف ما عنده. حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص183.

المبحث الأول: أسس المقابلة العلمية وطرقها

المبحث الأول: أسس المقابلة العلمية وطرقها 1- أن يعد الباحث للمقابلة مخططا مفصلا" "Detailed outline" يعين فيه الهدف والتركيز على النقاط التي يجب الكشف عنها والسؤال عن أسبابها ومجرياتها، وأن يكون موضوعيا في جميع ذلك. 2- تحديد زمان ومكان المقابلة، كتحديد وقت إجراء المقابلة وإعطاء المبحوث فكرة عن البحث، وتحديد مكان إجراء المقابلة، ويفضل أن تجري في مكان بعيد عن العمل بهدف الهدوء. 3- تكوين علاقة بين الباحث والمقابل، بحيث يكون الأول لطيفا مع الثاني صريحا متزنا، دون أي إسفاف أو تعال. 4- أن يسعى الباحث إلى الحصول على ثقة وتعاون المقابل. 5- تدريب الأشخاص المكلفين بإجراء المقابلة، والتأكد من كفاءتهم، ويلجأ إلى ذلك عادة إذا كانت المقابلة تستغرق زمنا طويلا، أو إجراء المقابلة مع عدد من الأشخاص. 6- يجب أن تتم المقابلة في جو مريح للمقابل وأن يمهد له بحديث ودي قصير. 7- يجب أن يحسن المقابل طرح الأسئلة الواضحة البسيطة، كما يحسن الاستماع إلى محدثه، وأن يسمح للمقابل بالكلام بحرية، ولكن بعدم التمويه وأن يجعل انفعالاته وردود أفعاله كلما أمكن. 8- أن يقوم الباحث بتسجيل البيانات في بطاقة أو استمارة مقننة، وقد يستخدم وسيلة من وسائل التسجيل الآلي ويفضل تسجيل الملاحظات أثناء المقابلة. 9- أن يكون الباحث موجها ومديرا لمجريات المقابلة. 10- أن يكون مظهره مناسبا مع المستجوبين، لهذا يجب أن يكون لديه فكرة عن الأفراد والجماعات التي ستجري المقابلة معهم.

المبحث الثاني: طرق إجراء المقابلة وأنواعها

المبحث الثاني: طرق إجراء المقابلة وأنواعها تقسم هذه الطرق إلى: 1- المقابلة الشخصية: وتتم المقابلة فيها بين الباحث والشخص المبحوث، وهي الطريقة الأغلب شيوعا. 2- المقابلة الهاتفية: وتتم فيها المقابلة بوساطة الاتصال الهاتفي. 3- المقابلة بوساطة الحاسوب: ويستخدم فيها جهاز الحاسوب. 4- المقابلة بوساطة استخدام التلفاز "الأقمار الصناعية" وأجهزة الاستقبال والإرسال. يتوقف نجاح المقابلة على إمكانات الباحث والمبحوث، ومدى توفر الوسيلة المستخدمة لدى الطرفين، ومدى توفر الوقت لدى الباحث وإمكاناته المادية. ولكل نوع من الأنواع المذكورة أعلاه مزاياه وعيوبه، فالمقابلة الشخصية تتميز بارتفاع نسبة الردود وغزارة المعلومات التي يحصل عليها الباحث، والتعرف على ردود وانفاعلات المبحوث، ولكن من عيوبها احتمالية التميز من قبل المبحوث للظهور. بمظهر لائق أمام الباحث، وارتفاع تكاليفها المادية، وحاجتها إلى وقت من البحث، بخاصة في حال تباعد أفراد الدراسة. أما ميزات المقابلة الهاتفية فهي: سرعة الإنجاز وانخفاض التكاليف، وتجنب الباحث بعض المواقف من قبل المبحوثين، من الفئات الخطرة مثلا كأفراد العصابات، وأهم عيوبها عدم التمكن من إجرائها في حالة حاجتها إلى فترة زمنية طويلة، وأحيانا عدم توافر جهاز الهاتف لدى المبحوث. وإمكانية عدم استمرار المبحوث على الهاتف إلى

نهاية المقابلة، وأخيرا عدم التعرف على ملامح المبحوث أثناء إجابته على أسئلة المقابلة1. أما أنواع المقابلة فهي: 1- قد تكون المقابلة فردية وقد تكون جماعية، وإن كان معظم المقابلات تتم في موقف خاص مع فرد واحد كما ذكرنا سابقا على أن ثمة مقابلات جماعية تثبت فائدتها. 2- قد تكون المقابلة مفيدة وقد تكون حرة، ففي الأولى توجه أسئلة بطريقة مقننة، وترتيب معين لكل مسئول، وتقتصر الإجابة على اختيار من استجابات محددة سلفا، وواضح أن هذا النوع من المقابلة علمي دقيق، ولكنه جامد لا يفصح عن نفس المسئول واتجاهاته وميوله بوضوح. أما المقابلة الحرة فمرنة لا قيود عليها، ويمكن تعديل الأسئلة وتبديلها وزيادتها أو نقصانها بحسب الظروف وأوضاع المسئولين، وتشجيعهم على التعبير عن ذواتهم بحرية، وبطبيعة الحال فإن لكل نوع فائدته ومواضع استعماله، وقد يلجأ الباحث إلى المزج بين النوعين، وغالبا ما تستعمل المقابلة الحرة في حالة عدم وجود بيانات أو معلومات واضحة عن طبيعة المشكلة لدى الباحث، وبالتالي فإن عملية المقابلة تكون استطلاعية، ويمتاز هذا النوع من المقابلات بغزارة المعلومات التي يوفرها، ولكن يؤخذ عليها صعوبة تصنيف إجابات المبحوثين. 3- المقابلات المبرمجة: وفيها تكون الأسئلة محددة مسبقا من قبل الباحث، وكذلك تسلسل الأسئلة، وغالبا ما يتقيد الباحث بهذه الأسئلة، ولا يمنع ذلك من طرح أسئلة غير محددة مسبقا، وقد يستدعي ذلك إشارة إجابة المبحوث لبعض التساؤلات الهامة. قد تكون الأسئلة المطروحة في هذا النوع من المقابلات ذات إجابات أو متغيرات محددة، حيث يعطي الباحث للمبحوث الخيارات التي يود اختيار أحدها للإجابة عن السؤال، أو قد تصاغ الأسئلة بشكل مفتوح، بمعنى أنه يترك للمبحوث حرية استخدام العبارات والألفاظ والطريقة التي يقترحها للإجابة عن الأسئلة المطروحة، ويتميز هذا النوع من المقابلات بسرعة الإجراء وسهولة تصنيف الإجابات لغايات التحليل.

_ 1 فوزي العكش: البحث العلمي، المناهج والإجراءات. دولة الإمارات العربية المتحدة، 1986.

المبحث الثالث: مزايا المقابلة وعيوبها

المبحث الثالث: مزايا المقابلة وعيوبها تتميز المقابلة بما يلي: 1- تزودنا بمعلومات تكمل طرفا آخر لجميع المعلومات. 2- ارتفاع الردود مقارنة بالاستبيان. 3- إنها أفضل الطرق الملائمة لتقويم الصفات الشخصية. 4- المرونة وقابلية توضيح الأسئلة للمستجيب أو المسئول. 5- وسيلة لجمع البيانات عن ظاهرات أو انفعالات لا يمكن الحصول عليها بأسلوب آخر. 6- إمكانية تطبيقها في فئات معينة كالأطفال مما لا يتمكن منه الاستبيان. 7- يمكن استخدامها مع طريقة الملاحظة للتحقق من المعلومات التي يتم الحصول عليها بأساليب المراسلة. أما عيوبها فهي: 1- تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين من الباحث.

2- صعوبة الوصول إلى بعض الأشخاص ذوي المركز أو بسبب التعرض للخطر. 3- تأثر المقابلة أحيانا بالحالة النفسية للباحث والمبحوث. 4- عدم مصداقية المبحوث أحيانا بهدف الظهور بشكل لائق أمام الباحث. 5- نجاحها يعتمد على رغبة المستجوب بالحديث.

الفصل الرابع عشر: الاستبيان

الفصل الرابع عشر: الاستبيان مدخل ... الفصل الرابع عشر: الاستبيان 1 "Questionnaire": تمهيد: إن اللجوء إلى الاستجواب في الدراسات الميدانية هو في حد ذاته محاولة لسد النقص في البيانات والتأكد من صحتها، ويتم الاستجواب بأسلوبين: 1- أسلوب الاستبيان أو الاستخبار "Questionnaire" 2- أسلوب المحادثة الحرة غير المقيدة "Informal Discussion" وهو أقل أهمية من الاستبيان وإن كان مكملا له. الاستبيان أداة مفيدة من أدوات البحث للحصول على الحقائق، والتوصل إلى الوقائع والتعرف على الظروف والأحوال ودراسة المواقف والاتجاهات والآراء، يساعد الملاحظة ويكملها، وهو في بعض الأحيان الوسيلة العملية الوحيدة للقيام بالدراسة العلمية. هناك من يفرق بين الاستبيان وهو الذي يتم عند الرغبة في تجميع المعلومات الحقيقية، وبين التعرف على الآراء "Opinionnaire" أو قياس الاتجاه المدرج

_ 1 يطلق البعض على كلمة "Questionnaire" استخبار أو استفتاء وكلمة "Schedule" على صحيفة الاستبيان والاستخبارات أو الاستبيانات هي صحائف الأسئلة، في الدراسة الميدانية، وهي وسيلة في شكل الاستخبار وأداة عملية في الاستبار.

"Attitude Scale" الذي يتم لمعرفة الآراء المختلفة بالنسبة لمشكلة يعالجها الباحث، والواقع ليس هناك من فرق علمي كبير بين كل من النوعين نظرا لصعوبة التمييز في كثير من الأحيان بين الحقيقة والآراء. أما الاستبار "interview" فهو مقابلة شخصية مع أفراد قد يجيدون القراءة أو لا يجيدونها، وكذلك الكتابة، فينظر الباحث إلى صحيفة الاستبيان، التي يوجه أسئلتها الخاصة بكل منهم، وهناك تعبير ديواني هو "الاستمارة" ومعناه صحيفة مطبوعة، تتطلب بيانات خاصة لإجازة أمر من الأمور1. يعتبر الاستبيان من أكثر الأدوات المستخدمة في جمع البيانات بخاصة في العلوم الاجتماعية، والتي تتطلب الحصول على ملعومات أو تصورات أو آراء الأفراد.

_ 1 المعجم الوسيط. 1/ 26.

المبحث الأول: قواعد تصميم الاستبيان وخطواته

المبحث الأول: قواعد تصميم الاستبيان وخطواته ليس من السهل تصميم الاستبيان، حيث يتطلب دربة وذكاء، وعلى الباحث أن يراعي في تصميم الاستبيان عددا من القواعد والمعايير أثناء صياغته تتعلق بمحتوى الاستبيان وبشكله وأهدافه. 1- القواعد العامة للصياغة: وتشمل محتوى الاستبيان "حجمه" بحيث يفترض أن لا يكون كبيرا حتى لا يتطلب جهدا من المفحوصين، "ومضمونه" كأن يتجنب الباحث وضع أسئلة لا مبرر لها وغير هامة، مما يؤدي إلى الحد من دافعية المفحوصين، كذلك الأسئلة المثيرة للتفكير الدقيق أو المعقد، وإذا كان بالإمكان الحصول على المعلومات من مصادر أخرى كالسجلات والوثائق فلا داعي لطلبها بوساطة الاستبيان، حتى لا يعطي المفحوص فرصة للشك في جدية البحث.

ومما يدفع المفحوص للإجابة بدقة وجدية، وجود عناصر حافزة تجذب انتباهه أو تسمح له بالتعبير عن آرائه، هذا ومن الضروري التأكد من ارتباط كل سؤال في الاستبيان بمشكلة البحث وبتحقيق هدف جزئي، يسهم في تحقيق أهداف البحث. 2- قواعد تتعلق بصياغة الأسئلة: بحيث تصاغ بعبارات واضحة وكلمات سهلة محدودة المعاني، يسهل إدراك المطلوب من السؤال، ويفضل استعمال الكلمات العامة التي يتفق الناس على معانيها، وأن تكون الجمل المستخدمة في صياغة الأسئلة قصيرة مرتبطة بالمعنى، وأن يحوي السؤال فكرة واحدة فقط، لا تشعر المفحوص بالحرج، وأن توضح جميع الخيارات الممكنة للإجابة والتركيز على الخيارات الرئيسة، وترك بند مفتوح لاحتمالية وجود خيار آخر، وأن تصاغ الأسئلة ذات الطبع الكمي بشكل دقيق ومباشر. 3- يراعي في صدق الإجابة على الأسئلة: وضع أسئلة خاصة توضح صدق المفحوص، ووضع أسئلة خاصة ترتبط إجابتها بإجابات أسئلة أخرى موجودة في الاستبيان لأن وجود أي خلل في إجابات الأسئلة يكشف عن عدم دقة المفحوص في الإجابة، وهناك وسيلة أخرى للتحقق من صدق الإجابة، هي المقارنة بين الإجابة، الواردة في الاستبيان، مع ما هو موجود في السجلات والوثائق، إلا أن ذلك يتطلب وقتا وجهدا إضافيين. 4- ترتيب الأسئلة: يراعى فيها البدء بالأسئلة السهلة التي تتناول الحقائق الأولية الواضحة المتعلقة بالسن والعمل والحالة الاجتماعية والدخل الشهري وغير ذلك، وأن ترتب الأسئلة بشكل منطقي متسلسل، كأن يضع الباحث الأسئلة الخاصة بموضوع معين في وحدة واحدة متسلسلة في الاستبيان، وينتقل بعدها إلى أسئلة مرتبطة بموضوع آخر. على أن يبدأ الباحث بالأسئلة السهلة والعامة وأن يعالج كل سؤال مشكلة واحدة1.

_ 1 عمر مصطفى التير. استمارات، استبيان، ومقابلة لدراسات في مجال علم الاجتماع. معهد الإنماء العربي، بيروت، 1986.

أما خطوات تصميم الاستبيان فهي: يتبع الباحث في تصميم الاستبيان خطوات نجملها في أربع رئيسة هي: 1- بيان هدف الاستبيان في ضوء تحديد موضوع الدراسة بشكل عام "صياغة المشكلة" وبيان أهداف الدراسة. 2- إعداد الأسئلة الفرعية المتعلقة بالسؤال الرئيس "المشكلة" بحيث تتضمن هدف الاستبيان في ضوء مضمون مشكلة البحث، وذلك أن يصاغ سؤال أو أكثر حول كل موضوع فرعي، وأن يرتبط كل سؤال بجانب من جوانب المشكلة، مع التقليل من عدد الأسئلة، والاقتصار على الضروري منها وبذلك يتم وضع الضرورة الأولية للاستبيان. 3- إجراء اختبار تجريبي مع الاستبيان، بوساطة عرضه على عدد من أفراد الدراسة قبل اعتماده بشكله النهائي، والطلب منهم التعليق عليه، وبيان الرأي فيما إذا كانت الأسئلة واضحة أو غامضة، ومدى تغطية الاستبيان لموضوع البحث، واقتراح أسئلة إضافية حول مشكلة البحث لم ترد في الاستبيان. 4- تعديل الاستبيان بناء على الاقتراحات إن وجدت، وبذلك يأخذ الاستبيان الصورة النهائية وفي صورته هذه نميز محتواه. هذا وإن حسن بناء الاستبيان ودقة صياغته وجودة تبويبه ووضوح المعلومات ومدى تشويقها، تمكن الباحث من أن يحصل على إجابات، لا يستطيع الحصول عليها بالملاحظة المباشرة، وهذا يتطلب تعاون المستخبر وحسن تفهمه وحماسه، وهي أمور ليس من السهل الحصول عليها دائما.

المبحث الثاني: محتويات الاستبيان وأشكاله

المبحث الثاني: محتويات الاستبيان وأشكاله يحتوي الاستبيان في شكله النهائي على جزأين هامين: 1- مقدمة الاستبيان: وتتضمن التعريف بالباحث والدراسة، إذ يوضح الباحث فيها الغرض العلمي للاستبيان، ونوع المعلومات التي يحتاج إليها الباحث، من الذين يجيبون على الاستبيان، ويشجعهم على الإجابة الموضوعية والصريحة على فقراته، ويطمئنهم على سرية المعلومات، مما ينعكس إيجابيا على المفحوصين، كما يوضح مدى ما سيقدمه المفحوص من فائدة لاستكمال بحث الباحث: وتشمل المقدمة أيضا توضيحا لطريقة إجابة المفحوصين على فقرات الاستبيان، حيث أن بعض الأسئلة قد تتطلب طريقة إجابة المفحوصين على فقرات الاستبيان، حيث أن بعض الأسئلة قد تتطلب طريقة معينة في الإجابة، كما يتضمن هذا الجزء عنوان الباحث، ويأتي بعد ذلك ضمن صفحة مستقلة بعد الجزء السابق مباشرة. 2- فقرات الاستبيان: وتشمل أسئلة الاستبيان كافة، مع الإجابة التي توضع أمام كل فقرة، ليقوم الباحث باختيار الإجابة التي يراها مناسبة1. أما أشكال الاستبيان: فهي أربعة: 1- الاستبيان المغلق: أو المقيد أو محدود الخيارات، حيث يطلب من المفحوص اختيار الإجابة الصحيحة من مجموعة من الإجابات مثل نعم، لا، قليل، نادر، ويساعد هذا الاستبيان في الحصول على معلومات وبيانات أكثر، مما يساعده على معرفة العوامل والدوافع والأسباب، ولهذا الشكل ميزة واضحة وهي سهولة الإجابة عن أسئلته، حيث لا يتطلب ذلك وقتا طويلا من المفحوصين، كما لا يتطلب من المفحوص أن يأتي بشيء من عنده، وميزة أخرى هي سهولة تصنيف البيانات المجمعة وارتفاع نسبة الردود، ويعاب عليه تقيد المبحوث في إجابات محدودة، وأن الباحث قد يفضل بعض الأمور ولذا من المستحسن أن يضع خيارا أخيرا هو "أمور أخرى".

_ 1 ذوقان عبيدان وزملاؤه: مرجع سبق ذكره، ص123. أيضا ارجع إلى: Good carter. V and scates D. E. "Methods of ressearch Education, Psychloogical Sociological" op. cit.

2- الاستبيان المفتوح: وفيه يترك للمفحوص حرية التعبير عن آرائه بالتفصيل، وهذا يساعد الباحث على التعرف على الأسباب والعوامل والدوافع التي تؤثر على الآراء والحقائق، ولكن من مآخذ هذا الشكل من الاستبيان أن المبحوث قد يجيب بطريقة تختلف عن قصد الباحث، كما يصعب تصنيف الإجابات وتحليلها من قبل الباحث، وتدني نسبة الردود على هذا النوع من الأسئلة، وإن المفحوصين لا يتحمسون عادة للكتابة عن آرائهم بشكل مفصل، ولا يمتلكون الوقت الكافي للإجابة عن أسئلة تتطلب منهم جهدا، كما أن الباحث يجد صعوبة في دراسة وتصنيف وتحليل إجابات المفحوصين، بشكل يساعده للإفادة منها، وأن تفريغ المعلومات من هذا النوع من الاستبيان أمر عسير إحصائيا إن لم يكن مستحيلا في بعض الأحيان. 3- الاستبيان المغلق المفتوح: يتكون من أسئلة مغلقة، يطلب من المفحوصين اختيار الإجابة المناسبة لها، وأسئلة مفتوحة تعطيه الحرية في الإجابة، عن أمور لم يسأل الباحث عنها1. 4- وثمة نوع من الاستبيان هو الاستبيان المصور، تقدم فيه الأسئلة على شكل رسوم وصور بدلا من عبارات مكتوبة، وهذا النوع مفيد مع الأطفال والأميين، وأيضا في حالة التحليل النفسي، وإن كان له عيبان أساسيان: 1- قصر استخدامه على المواقف التي تتضمن خصائص بصرية يمكن تمييزها وفهمها. 2- من العسير تفنينه. هذا ويتم توزيع الاستبيان إما بشكل مباشر بوساطة الاتصال بالمفحوصين، أو بوساطة البريد، ومن مميزات الاتصال المباشر: إتاحة الفرصة للباحث دراسة انفعالات المفحوصين وتعبيراتهم الحسية واللفظية، مما يجعله في وضع أفضل لفهم استجاباتهم

_ 1 ذوقان عبيدان وزملاؤه: البحث العلمي. مرجع سبق ذكره، ص124-127.

وتحليلها، كما أن الباحث يتمكن من الإجابة على بعض تساؤلات المفحوصين التي قد تثار على بعض الأسئلة، وبذا تتاح له الفرصة لتوضيح بعض جوانب الاستبيان، هذا وإن اتصال الباحث المباشر مع المفحوصين، عامل مشجع على الاستجابة، كذلك حال وجود الباحث المباشر مع المفحوصين، عامل مشجع على الاستجابة، كذلك حال وجود الباحث شخصيا مع المفحوصين، يقنع المفحوصين بجدية الموضوع ويتضمن استجابتهم للاستبيان. أما توزيع الاستبيان بوساطة البريد، فإنه يمكن الاتصال بعدد كبير من المفحوصين، بخاصة من يعمل منهم في مناطق بعيدة عن مكان إجراء البحث، ورغم أن هذا الأسلوب يتطلب وقتا طويلا في وصول الاستبيانات ومن ثم إعادتها، وإن بعضا من الأفراد لا يجيبون على الاستبيان مما يؤدي إلى الحد من حجم العينة عن الحجم المطلوب، إلا أن كثيرا من الجهد والنفقات توفر على الباحث، حيث يسهل البريد الاتصال، ويقلل من الجهد والنفقات، وأحدث الطرق هي تعبئة الاستبيان بالكمبيوتر، بخاصة لدى وجود أجهزته لدى الأفراد المشمولين بالدراسة، وتكون هذه الأجهزة متصلة بما يسمى "Network"، حيث يقوم الباحث بإرسال نسخة من الاستبيان بوساطة الكومبيوتر، ويأتي الرد أيضا بوساطته.

المبحث الثالث: مزايا وعيوب الاستبيان

المبحث الثالث: مزايا وعيوب الاستبيان لا شك أن الاستبيان أداة رئيسة وهامة للعديد من الدراسات، ويمكن تلخيص أهم المزايا بالآتي: 1- توفير الكثير من الجهد والوقت في جميع البيانات، بخاصة إذا تم إرسال الاستبيان بالبريد، وبهذا يمكن تغطية أماكن متباعدة في أقصر وقت ممكن. 2- تعطي للمبحوث الحرية في اختيار الوقت المناسب لتعبئة الاستبانة، وحرية التفكير، والرجوع إلى بعض المصادر التي يحتاجها.

3- قد يقلل من التحيز سواء من قبل المبحوث، أو من قبل الباحث. أما عيوب الاستبيان فهي: 1- انخفاض نسبة الردود، ويعني هذا احتمالية كون آراء أصحاب الاستبانة المردودة مختلفة عن بقية أفراد المجتمع الأصلي للدراسة، مما يؤدي بالتالي إلى الحد من إمكانية التعميم، ويستطيع الباحث لكي يتلافى نقص الردود، أن يجعل أسئلة الاستبيان سهلة واضحة، لأنها تعطي حافزا كبيرا للإجابة، كما أن طريقة طباعة الاستبيان تؤثر في زيادة نسبة المردود، ومما يؤثر أيضا وضع مقدمة تبين أهداف الدراسة من جهة وبيان أن الردود ستبقى سرية، وبيان أهمية هذه الردود في البحث، وأمر هام هو أن يكون الاستبيان مختصرا لا يستغرق وقتا طويلا من المبحوث، هذا ويجب إرسال مغلف مدفوع رسم بريده مع الاستبانة، وإرسال رسالة تذكيرية بعد فترة من تاريخ إرسال النسخة الأولى من الاستبيان. 2- وجود أسئلة غير مجاب عليها من قبل المستجيبين لأسباب تتعلق بنوع الأسئلة، أو أسباب شخصية تتعلق بالمبحوث، ويمكن تلافي ذلك بصياغة الأسئلة بشكل جيد، وتجنب طرح أسئلة شخصية قدر لإمكان، ووضع ملاحظة في نهاية الاستبيان تطلب من المبحوث التأكد من الإجابة عن جميع الأسئلة. 3- عدم فهم المستجيب لبعض الأسئلة، وبالتالي تكون إجاباته مختلفة أو مغايرة لقصد الباحث، ويمكن تلافي ذلك بوساطة العناية بصياغة الأسئلة بلغة مفهومة وسهلة تناسب مستوى المبحوثين. 4- عدم قدرة الباحث على معرفة بعض الأمور الانفعالية أو العاطفية من قبل المبحوث أثناء الإجابة في1 وصول الاستبيانات ومن ثم إعادتها، وإن بعضا من الأفراد لا يجيبون على الاستبيان مما يؤدي إلى الحد من حجم العينة عن الحجم

_ 1 محمد عبيدات وزملاؤه. منهجية البحث العلمي، مرجع سبق ذكره، ص73-76.

المطلوب، إلا أن كثيرا من الجهد والنفقات توفر على الباحث، حيث يسهل البريد الاتصال ويقلل من الجهد والنفقات. ورغم أن طريقة الاستبيان شائعة في البحث، إلا أنها كثيرا ما يساء استخدامها، ونذكر فيما يلي بعض الأخطاء الشائعة، التي ينبغي على الباحث تلافيها. يأتي في مقدمة هذه الأخطاء معرفة معلومات الاستبيان من مصادر أخرى، وعدم تشجيع المفحوص على الرد، بحيث يشعر المفحوص بأن الأسئلة "أو بعضها" تافهة لا تستحق الرد، أو أن يشمل الاستبيان أسئلة تافهة أو غير مفهومة أو مبهمة، تحتمل إجابات متعارضة، وفي حال كون الإجابة "بنعم" أو "لا" تكون الإجابة دون شرح مناسب للمطلوب. وفيما يتعلق بمضمون الاستبيان فإن استخدام الاستبيانات الطويلة تجلب الملل إلى المفحوص، كما أن تحيز القائم بالاستبيان لإجابة تثبت صحة فرض، أمر غير مقبول بالنسبة للبحث الموضوعين العلمي، وأن عدم تصميم الاستبيان بدقة، يؤدي إلى عدم الإجابة بدقة بخاصة إذا وجدت الثغرات في إيراد المعلومات. نشير أخيرا إلى أن كثيرا من المستجيبين يكون لهم تفسيرات مختلفة للتعبير عن نفس الحقائق والأحداث وإن بعض المفحوصين تتأثر إجابتهم بطريقة وضع الأسئلة، إذا كانت هذه الأسئلة توحي بالإجابة، وإن اختلاف مؤهلات وخبرات وتفاعل المفحوصين يؤدي إلى وجود فروق واسعة، كما أن بعضهم يميل إلى تقديم معلومات غير دقيقة أو جزئية، أو إخفاء بعض الآراء والمواقف، وقد لا يتوفر مستوى الجدية المرتفع عند بعض المفحوصين فيجيبون على أسئلة الاستبيان بتسرع وعدم اهتمام، وقد تكون نسبة العائد من ردود الاستبيان قليلة ولا تمثل فئات المجتمع المطلوب استبيانها.

إنما ذكرناه آنفا لا يحول دون تلافيه إذا توافر في الاستبيان الصياغة الجيدة، والقواعد الأساسية لإعداده ويبقى الاستبيان أداة للحصول على الحقائق وتجميع البيانات1.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص347-350.

الفصل الخامس عشر: وسائل القياس

الفصل الخامس عشر: وسائل القياس مدخل ... الفصل الخامس عشر: وسائل القياس تمهيد: معنى القياس: هو تحويل الوقائع الكيفية "الصفات" إلى أخرى كمية "متغيرات" أو هو عملية تعيين أعداد ورموز للملاحظات أو للمعطيات المتوفرة حول موضوع من موضوعات الفكر، أي أن هذه العملية تعني تحديد معالم الشيء برموز وأعداد والقياس هو القيام بهذه العملية وفي هذا المعنى نلاحظ جانبين أو عنصرين: الأول وجود منظومة مجردة، تعتمد بخاصة على الثوابت والمتغيرات1 التي يمكن التعبير عنها بقيم عددية، ويعني هذا أن المنظومة رياضية السمة، وأما العنصر الثاني في مفهوم القياس هو المنظومة الواقعية أو الظاهرات والموضوعات المختلفة التي تؤلف بعلاقاتها وخصائصها الواقع الأمبريقي "التجريبي"، وحسب هذا المعنى يعتمد القياس على استبدال المنظومة الثانية بالمنظومة الأولى. وعملية الاستبدال هذه هي مسألة إبداع علمي من جانب الباحث تتطلب منه معرفة بشروط هذه العملية، وقابلية الموضوع المقاس للملاحظة الموضوعية وإمكانية التعبير عنه بخصائص عددية ورياضية، هذا ونميز بين نوعين: القياس "Measurement" والمقايسة "Scaling" حيث يشير الأول إلى

_ 1 ينظر إلى المتغيرات في البحث العلمي على أنها البديل عن لغة "السبب والنتيجة" ويقابله لفظ الثابت في الرياضيات والمنطق، فالثابت هو قيمة معينة محددة أما المتغير فيمكن أن يعطي قيما متعددة كثيرة، وتعتبر المتغيرات لغة البحث العلمي، تستخدم فيه بدلا من الصفات لأنها أكثر مرونة وقابلية للمعالجة الرياضية.

المعنى الخاص للقياس الذي يستخدم في العلوم الطبيعية ويعبر فيها عن خصائص الموضوع المقاس بقيم عددية، بينما يشير الثاني إلى قياس يعتمد الخصائص العددية استنادا إلى تحديد أنظمة الرتب، واستخدام درجة أقل من استعمال "الكم" ومن الإجراءات الرياضية التي يمكن ممارستها بعد ذلك، ومن المستحسن أن ينظر إلى الاستخدامين السابقين على أنهما مستويان للقياس أكثر منهما معنيين متميزين، لأنهما يتضمنان الخاصة الأساسية للقياس، هذا والقياس ليس بخاصة واقعية في الأشياء بل هو نتيجة فاعلية تصدر عن الذهن الإنساني، وهو ضرب من ضروب التحليل يرمي إلى وصف منظم أو مكمم للواقع. ويتطلب القياس الناجح توافر عدة شروط يتصل أهمها بتعيين المتصل وتحديد قيمته وهذا يستنسخ من طبعة المفهوم الذي يفترض أن يقيسه، مما يتطلب خبرة ودراية بالرياضيات والمنطق وتحليل المفاهيم كما يتطلب دليلا تجريبيا، أما الشروط الأخرى فترتبط بالموضوعية "Objectivity" مستقلة عن أهواء الباحثين والمستجيبين، والثبات "Reliability" أي الحصول على قياسات متساوية في حال قياس نفس الموضوع مرات متعددة والصدق "Validity" أي المدى الذي تقيس فيه أداة معينة ما قصد أن تقيسه، هذا وللمقياس مستويات: المقياس الأسمى، المنظم جزئيا، والترتيبي، المتري المنظم والمسافة، والنسبة. وعلى الباحث أن يختار المناسب منها.

المبحث الأول: كيفية اختيار المقياس

المبحث الأول: كيفية اختيار المقياس حينما ندرس ظاهرة من الظاهرات علينا أن نختار مقياسا أو معيارا لقياس هذه الظاهرة، ومدى ارتباطها بغيرها من الظاهرات في المكان الوحد أو الأمكنة المتعددة، وكذلك بالنسبة للزمان، ويقودها هذا إلى البحث عن الكيفية التي نختار بها عناصر ومدة القياس. وهو أمر هام يستدعي التفكير والتأمل والتدريب على كيفية الاختيار والمقياس الملائم وطريقة تطبيقه والحصول بوساطته على النتائج المرضية. إن التغلب على مشكلة اختيار المقياس يتطلب تحديد الهدف وتوضيح الغاية، مما يجعل الباحث أمام عدة مقاييس وما يسهل الاختيار هو توضيح الهدف، رغم ذلك قد يصطدم بصعوبة تتمثل بعدم توافر البيانات ليبني عليها المقياس الذي اختاره، هذا وليس هناك مقياس واحد يخلو من نقد أو نقص أو عيب، كما أن المقياس الواحد قد لا يعطي صورة صادقة وصحيحة عن خصائص الظاهرة ومقدار ارتباطها بغيرها، وشكل هذا الارتباط، إلا إذا كانت جميع المقاييس ترتبط ارتباطا وثيقا بمكان الظاهرة وشكل ونمط توزيعها، وفي هذه الحالة يحقق المقياس غرضه. أما إذا كان الارتباط بين العناصر المتغيرة غير قوى فإن المقياس في هذه الحالة يكشف عن مظهر من مظاهر التباين أو التنوع المكاني "Areal Defferentiation" لتلك الظاهرة وعلى كل فإن اختيار المقاييس المناسبة والمستعملة في التحليلات العلمية مشكلة يعاني منها كل الباحثين حين يريدون انتقاء وحدة القياس التي تلزم قبل الشروع في اختيار الوسيلة، لهذا كان يفضل أن يحرص الباحث العلمي كل الحرص على اختيار الوحدة القياسية المناسبة التي تخدم غرضه وهدفه، وقد يختار الباحث أكثر من مقياس بهدف الكشف عن المزيد من حقيقة الظاهرة وجوانبها المتعددة، وإعطاء أبعاد أكثر للتحليلات وبالتالي يكون التعمق والموضوعية في الدراسة والبحث أكثر. هذا وإن الأساس الذي يقوم عليه تصنيف المقاييس يعتمد على عاملين: 1- عدد المقاييس المستخدمة. 2- عدد الظاهرات التي تدرس في آن واحد.

المبحث الثاني: طرق القياس

المبحث الثاني: طرق القياس لدينا خمس طرق للقياس هي: 1- الطرق التي تستخدم وحدة قياس واحدة. 2- الطرق التي تستخدم النسبة بين وحدتين قياسيتين لمنطقة واحدة. 3- الطرق التي تستخدم النسبة بين وحدة قياس واحدة لظاهرتين مختلفتين. 4- الطرق التي تستخدم النسبة بين وحدتين قياسيتين لظاهرتين. 5- الطرق التي تستخدم الفرق بين القيمة المطلقة والقيمة النسبية. وفيما يلي نوضح ما ذكرنا من واقع أمثلة في علم الجغرافية: 1- الطريقة الأولى أبسط الطرق، يختار فيها الباحث الوحدة القياسية قبل استعمالها، ففي ميدان الجغرافية الطبيعية، نستخدم كمية المطر الساقطة "بوصة، سنتم، مليم" عدد ساعات سطوح الشمس، درجة الحرارة، سرعة الرياح ... 2- الطريقة الثانية: وفيها يلجأ الباحث إلى مقارنة قياس واحد بآخر حين دراسة منطقة معينة، على اعتبار أن هذا يعطيه نتيجة أوضح وصورة أشمل ورؤيا أبعد من الصورة التي يستخدمها فيها مقياسا واحدا، ففي مجال الجغرافية الطبيعية، الرطوبة النسبية، نسبة إشعاع الشمس، نسبة التصريف النهري. 3- الطريقة الثالثة: لمعرفة مقدار تركز ظاهرة من الظاهرات في منطقة أو مكان ما ينبغي توضيح نسبة هذا التركيز، بوساطة المقارنة مع منطقة أخرى ضمن القطر الواحد أو خارجه فإذا أردنا معرفة النسبة بين التصريف النهري وسرعته يمكننا ذلك بوساطة مقارنته بنهر آخر مشابه وتكون الصورة أوضح إذا أخذنا بالاعتبار التتابع الزمني. 4- الطريقة الرابعة: فهي متقدمة على سابقتها، وتختص بمقارنة النسبة بين مقياسين في وحدة مساحية "محافظة، مدينة، حي" إلى وحدة مساحية أكبر "قطر، إقليم، بحيث تكون الوحدة المساحية الصغرى جزءا من الوحدة الكبرى، والفرق في القيم بين المقياسين في هاتين الوحدتين يكون إما قيمة مطلقة أو قيمة نسبية.

5- الطريقة الخامسة: نوضحها بالآتي: إذا كانت كمية المطر الهاطلة في دولة ما "س" وفي منطقة إدارية من هذه الدولة "ع" فتكون نسبة الهطول في "ع" هي ع/ س × 100. يبدو مما سبق أن كل المقاييس التي ذكرناها أعلاه تعتمد على الإحصائيات، وهذا يتطلب منا أن نشير إلى أن لهذه الإحصائيات عيوب في مقدمتها صعوبة التحليل من الناحية الموضوعية لبعض الإحصائيات، وعدم دقة بعضها الآخر، وعدم توافرها، وعدم انتظام صدورها، وقد يقتصر الإحصاء على جانب واحد أو فئة واحدة، وأبعد من هذا وذاك أن الإحصاء لا زال غير مطبق في بعض جهات العالم. ونقول أيضا: إن عملية الموازنة والمقارنة بين الإحصائيات للدولة الواحدة في سنوات متعاقبة أمر غير هين، كما أن المقارنة مع دول أخرى قد لا يتيسر أحيانا نظرا للمقاييس المختلفة التي تتبع في عمليات الإحصاء1، هذا ونشير إلى أنه على كل باحث أن يتعلم شيئا عن لغة الإحصاء لأنها تمده بوسيلة فعالة لوصف البيانات والمعلومات التي قام بتجميعها، فهي تصف سلوك الجماعة، وذلك بناء على دراسة عدد من الحالات الفردية، ويمكن الوصول إلى التعميمات عن طريق تجميع الملاحظات والقياسات بعدد من تلك الحالات2. ومن أغراض استخدام الإحصاء التعرف على درجة دقة البيانات والمعلومات والنتائج التي توصلت إليها الدراسة. أشرنا في موضع آخر إلى أنه لا بد لكل باحث أن يحدد هدفه، وتحديد الهدف يفرض عليه أن يختار مقياسا يساعده على تحقيق هذا الهدف، لهذا يستخدم بالإضافة إلى أدوات البحث وسائل القياس متعددة، لكل منها طرائقها وتقنياتها الخاصة، وليس هناك مقياس يخلو من نقص أو عيب، واختيار أحدها مشكلة يعاني منها الباحثون، وقد يختار الباحث أكثر من مقياس واحد بهدف إعطاء البحث أبعادا أكثر للتحليل والكشف عن حقيقة الظاهرة وجوانبها المتعددة وبالتالي يكون البحث أكثر عمقا ودقة وموضوعية.

_ 1 محمد علي الفرا. مناهج البحث في الجغرافية بالوسائل الكمية، ط4 مرجع سبق ذكره ص145-161. 2 ديو بولد فان دالين. مناهج البحث في التربية وعلم النفس، ترجمة: محمد نبيل نوفل وآخرون، مكتبة الأنجلو بالقاهرة 1969 ص491-508.

المبحث الثالث: الاختبارات

المبحث الثالث: الاختبارات إن وسائل القياس1 متعددة تسعى إلى تحويل الصفات إلى متغيرات2 نذكر منها: الاختبارات: نعنى بها مجموعة المثيرات "أسئلة شفوية أو كتابية أو رسوم" تعد لتقيس سلوكا ما بطريقة كمية، فهي من وسائل القياس التي يستخدمها الباحث للكشف عن الفروق بين الأفراد والجماعات، ومجالها واسع يشمل مختلف ميادين الحياة وأغراضها وهي: 1- المسح: أي جمع المعلومات والبيانات عن واقع معين. 2- التنبؤ: أي معرفة مدى ما يمكن أن يحدث من تغير على ظاهرة ما أو سلوك ما. 3- التشخيص: وهو تحديد نواحي القوة والضعف في مجال ما. 4- العلاج: ونقصد به حل مشكلة ما. ويراعى في إعداد الاختبارات ما يلي: 1- تحديد المجتمع الذي يضع الباحث الاختبار من أجله. 2- تحديد مدى القدرة التي سيروزها الاختبار وعمقها. 3- تحليل جميع العوامل التي تسهم في تلك القدرة تحليلا دقيقا.

_ 1 القياس ضرب من ضروب التحليل يرمي إلى تحليل وصف منظم أو مكمم للواقع. 2 ينظر في البحث العلمي إلى المتغيرات على أنها البديل عن لغة السبب والنتيجة.

4- انتقاء بنود الاختبار بحيث تغطي العوامل كلها. 5- المحافظة على نسبة ملائمة لإسهام كل عامل في هذه القدرة. 6- الاعتناء بصياغة الأسئلة، والتأكد من مستوى صعوبتها بالنسبة للمفحوصين. 7- وضع حدود زمنية للإجابة. 8- إجراء تجربة محدودة، يطبق فيها الاختبار بعد إنجازه على عينة محدودة. 9- في ضوء التطبيق يضع الباحث صيغة نهائية للاختبار. وقد يعد الباحث معايير تساعد مستخدم الاختبار على تحديد مستوى القدرة المناسبة لدى المفحوصين "متوسط، فوق المتوسط، تحت الوسط ... ". صفات الاختبار الجيد. لا بد للباحث من أن يعنى بأمور أربعة: 1- الموضوعية "Objectivity". 2- الصدق "Validity". 3- ثبات الاختبار "Reliability". 4- إمكانية استخدامه. 1- الموضوعية: وهي أولى صفات الاختبار الجيد، ويعتبر الاختبار موضوعيا، إذا كان يعطي الدرجات نفسها بغض النظر عن الشخص الذي يصممه، ودون تدخل أحكامه الذاتية، كما يكون الاختبار موضوعيا إذا كانت الأسئلة محددة وكذلك الإجابات، بحيث يكون للسؤال الواحد جواب واحد. 2- الصدق: يكون الاختبار صادقا إذا كان يقيس ما وضع الاختبار له، ولتحقيق هذا الصدق أساليب تقنية عديدة، ونميز: صدق المضمون أو المحتوى "Content

Validity" والصدق التنبوئي "predivive validity" وفيه يطبق الباحث الاختبار ثم يتابع سلوك المفحوصين فيما بعد، فإذا اتفق مستوى أدائهم على الاختبار مع سلوك المفحوصين في مجال آخر، يتصل بما قاسه الاختبار فإن لهذا الاختبار قدرة تنبوئية، والصدق التنبؤي مفيد في كثير من المجالات العملية: التربية، الصناعة، الإدارة. وهناك الصدق التلازمي "Concurent Vallidity"، يطبق فيها الاختبار على مجموعتين من المفحوصين مستواهما متفاوت، نعرفه جيدا قبل الاختبار، فإذا كانت النتيجة متفاوتة في الدرجات فإن الاختبار يكون صادقا، والصدق التلازمي يشبه التنبؤي، إلا أن التنبؤي يتطلب وقتا طويلا وكلاهما يعتمد على التجريب، لذلك يطلق عليهما الصدق التجريبي "Empirical Validity" هناك أيضا صدق المحكمين "Trustees validity" وهو عرض الاختبار على متخصصين وخبراء، وبه يثبت أن هذا الاختبار يقيس السلوك الذي رضع لقياسه أو العكس، أما الصدق الظاهري "Face Validity" فهو الاختبار الصادق ظاهريا، وليس حقيقيا، وأخيرا الصدق العاملي "Factov Validity" ويعتمد على استخدام منهج التحليل العاملي "Factor Analysis" وهو منهج إحصائي لقياس العلاقة بين مجموعة من الاختبارات على عدد من المفحوصين، ثم يحسب معامل الارتباط بين كل اختبار وسائر الاختبارات الأخرى، فإذا كان معامل الارتباط عاليا بين الاختبارين، فإن ذلك يعني وجود سمات مشتركة بين الاختبارين، ويمكن وصفهما تحت عامل مشترك واحد يشتملهما، ويمكن أيضا حساب الصدق العاملي بوساطة حساب معامل الارتباط بين فقرات الاختبار الواحد أو بين واحدة من فقراته وبين الاختبار ككل، وكلما كان معامل الارتباط عاليا، فإن ذلك دليل على صدق الفقرة. 3- ثبات الاختبار: "Reliability" الاختبار الثابت هو الذي يعطي نفس النتائج أو نتائج متقاربة، إذا طبق أكثر من مرة في ظروف متماثلة، ويمكن حساب ثبات الاختبار:

1- بإعادة الاختبار "Test-retest Method" وبهدف الثبات يجب أن لا تطول الفترة بين إجراء الاختبارات بحيث يزداد المفحوصون نضجا، أو أن لا تكون قصيرة، حيث يتذكر المفحوصون بعض أجزاء الاختبار. 2- كما يمكن حساب ثبات الاختبار بطريقة التجزئة النصفية "Split Halfmethod" أي أن يتم قسم الاختبار عشوائيا إلى نصفين ويحسب الارتباط بين درجات النصفين، ويكون الاختبار ثابتا إذا كان معامل الارتباط عاليا. 3- إثبات الاختبار بوساطة الصور المتكافئة أي بعد أن يعد الباحث اختبارا مكافئا للاختبار الذي يريد أن يستخدمه على أن توافر فيه المواصفات نفسها والعدد من الأسئلة والصياغة والمحتوى ومستوى الصعوبة والأهداف، كما يضع تعليمات مشابهة للاختبارين تتضمن زمنا موحدا وأمثلة توضيحية، ثم يطبق الباحث الاختبار الأول ومن ثم الاختبار الثاني المكافئ للأول من بعد مرور فترة زمنية ثم يحسب معامل الارتباط بين درجات المفحوصين على الاختبارين وعلى الباحث، أن يتأكد من تكافؤ صورتي الاختبار، ويؤخذ على هذه الطريقة أنها تتطلب جهدا كبيرا من الباحث حين بعد اختبارين متكافئين. يؤثر في ثبات الاختبار عدة عوامل: 1- طول الاختبار، ويتضمن ذلك طول مدة الاختبار وعدد الأسئلة، وطول الاختبار يعني أن قدرته على تمثيل السلوك المقاس كبيرة، لقياسه عينة واسعة. 2- زمن الاختبار: إذا أنه كلما زاد الوقت الذي يستغرقه المفحوص في أداء الأخبار يزداد ثبات هذا الاختبار، والعكس بانخفاض مدة الاختبار. 3- تجانس المفحوصين: بحيث يزداد ثبات الاختبار إذا كان المفحوصون أقل تجانسا ومن مستويات مختلفة. 4- مستوى صعوبة الاختبار: لأن الاختبار الصعب يدفع المفحوصين إلى التخمين. أما إمكانية استخدام الاختبار وملاءمته العملية فأمر هام وضروري، ذلك بأنه إذا وجد اختباران متساويان في الصدق والثبات يفضل عادة الاختبار الذي يكون أقل كلفة وأسهل في التصحيح وأسرع، وله معايير سهلة التطبيق. هذا وقد بحثنا في موضع آخر أقسام الاختبارات لدى بحثنا تمييز الفروض الجيدة.

المبحث الرابع: الأساليب الإسقاطية

المبحث الرابع: الأساليب الإسقاطية هناك كثير من الأحاسيس والمشاعر الكامنة لدى الأفراد يصعب جمع البيانات عنها بطرق المقابلة والاستبيان والملاحظة. وذلك لعدم رغبة الأفراد بالتصريح عن مشاعرهم وعواطفهم واتجاهاتهم، أو أن المبحوث لا يعي هذه المشاعر والعواطف، لهذا كان لا بد من وسيلة يؤثر فيها الباحث على المبحوث بجعله يظهر تلك العواطف بطريقة ما، ويتم ذلك باستخدام الأساليب الإسقاطية، ويجري أغلبها في الدراسات النفسية. يطلب من المفحوص في هذه الطريقة تفسير مثيرات غامضة، أو الاستجابة لها بحرية بدلا من أن يطلب منه معلومات محددة، وذلك بتعريضه إلى مواقف معينة، وعن طريق الاستجابات التلقائية، يكشف المفحوص دون وعي منه عن شخصيته وخصائصها، وتعتبر هذه الطريقة أو الوسيلة، أصعب الوسائل لجمع البيانات، لما تحتاج إلى مهارة كبيرة من قبل الباحث لتحليل ودراسة ردود الفعل الناتجة. هذا وللأساليب الإسقاطية ثلاث وسائل رئيسة هي: 1- الأساليب الإسقاطية المصورة، وتستخدم فيها صورة، أو مجموعة من الصور الغامضة إما لتفهم موضوع "التعليق على الصورة" أو لتوضيح بعض الأشكال وما يعني كل شكل للمفحوص.

2- مجموعة تعتمد على الكلمات والألفاظ: ويتم هناك استخدام تعبيرات أو جمل أو قصة "إعطاء مرادف لكلمات أصلية" أو إكمال العبارات، أو اختبار تكملة القصص. 3- الأساليب السيكودرامية: يطلب من المبحوث القيام بدور معين أو تمثل شخصية معينة، ومن خلال ذلك تدرس بعض الجوانب الخفية في شخصية المبحوث، أو أخذ مجموعة من الأفراد وتقسيمهم إلى قسمين أو ثلاثة والطب من مجموعة الدفاع عن فكرة أو رأي معين. هذه الأساليب تكشف عن وعي المفحوص وخصائصه وشخصيته وصفاته دون وعي منه، على أن تفسير هذه الاستجابات أمر لا يستطيعه إلا المتخصصون وتغيير هذا الاختبارات أمر عسير، رغم ذلك فإن للأساليب الإسقاطية مزايا أهمها: أنها تفيد في دراسة بعض جوانب الشخصية أو الانفعالات أو الاتجاهات بطريقة يصعب دراستها بالطرق الأخرى مثل الاستبانة والملاحظة والمقابلة. أما عيوب هذه الأساليب فهي: 1- صعوبة تفسير المعلومات أحيانا. 2- احتمال التحيز من قبل الباحث أو المبحوث فقد يتحيز الباحث في طريقة تفسير البيانات، كما قد يكون هناك تحيز من المبحوث أيضا، إذا أدرك دوافع أو غايات الأسلوب المستخدم وبالتالي يعطي انفعالات غير صحيحة. 3- صعوبة تصنيف أو تبويب البيانات المجمعة. 4- احتمالية عدم تعاون المبحوثين. 5- اقتصار هذا النوع من الدراسات النفسية وصعوبة تطبيقها على الدراسات الأخرى.

المبحث الخامس: أساليب أخرى

المبحث الخامس: أساليب أخرى - البيانات المفصلة: وهي وسائل تحاول أن تستقصي جانبا أو أكثر من سلوك الفرد، أكثر من محاولتها قياس هذه الجوانب أو روزها بالمعنى المألوف للقياس والروز، والبيان المفصل هو بيان يقدم معلومات مفصلة عن الصفات الشخصية لفرد ما واهتماماته ومواقفه، إن ما تطلبه هذه البيانات من المفحوصين معلومات عن سلوكهم دون تقيدهم بوقت سريع، بحيث يقدم للمفحوص قائمة من البنود تصف العامل المقيس ويطلب إليه أن يبين أفضلياته، أو يؤشر على الصفة التي تصف سلوكه العادي، وبعد ذلك يقوم الباحث بتقييم تلك الاستجابات بهدف الحصول على صورة مفصلة لاستعدادات المفحوص الرئيسة واتجاهات وميوله ونشير هنا إلى أن هذه البيانات مقننة بطرائق علمية معروفة. - روائز التقدير: ليس لهذه الروائز دقة قصوى في الروز والقياس، ولهذه الروائز أربعة مستويات هي: 1- الروائز الاسمية. 2- الروائز الترتيبية. 3- رائز المسافات. 4- رائز النسب. وأبسطها الروائز الاسمية. حيث تصنف فيها الأمور في فئتين مختلفتين أو أكثر، ولا تقوم بين الفئات علاقات منتظمة. أما في الروائز الترتيبية، فإن الأشياء تصنف وفق ترتيب محدود بوضوح، ولكن المسافات بين الأشياء المتتابعة غير معروفة، وقد تكون غير متساوية أما في رائز المسافات فإنه لا يكتفي بترتيب الأمور ترتيبا محددا، أو تحديدا واضحا، ولكنه يستخدم وسائل أخرى لتحديد مسافات متساوية البعد تستخدم في عملية الروز أو

القياس، وأخيرا رائز النسب فهو أرقاها وتتوفر فيه جميع خصائص رائز المسافات بالإضافة إلى أن له صفرا مطلقا يوفر نقطة بداية ثابتة للروز والقياس. - بطاقة تقدير: تسمى أحيانا برائز التقدير الرقمي، وهي تيسر تقدير عدد كبير من العناصر التي تسهم في تحديد مكانة أمر ما معقد، وتتم عملية التقدير بإعطاء العامل المقدر علامة، وتجمع العلامات فنحصل على درجة كلية تدل على التقدير العام للأمر المدروس. - المقياس المتدرج: يحدد هذا المقياس درجة متغير ما أو شدته أو تكراره، وبهدف إعداد مقياس متدرج يحدد الباحث العامل المقيس ويحدد وحدات أو فئات متدرجة وذلك بغية التمييز أو المفاضلة بين درجات العامل المقيس، ومن ثم يصنف هذه الوحدات أو الفئات بطريقة ما، هذا ولا يوجد قاعدة تعين عدد الوحدات أو الفئات، التي توضع على المقياس، وإن كان وضع فئات قليلة جدا يؤدي إلى نتائج غير دقيقة، كما أن وضع فئات كثيرة جدا يجعل من الصعوبة أن يميز الباحث بين الفئة والفئة التي تليها على المقياس، وقد تكون واحدات المقياس من أرقام أو عبارات وصفية توضع على امتداد بخط مستقيم من مثل: 1، 2، 3، 4؛ أو دائما، كثيرا، أحيانا، نادرا، أبدا. - مقياس الرتب: وهو مقارنة صفات أو تقديرات المدروسين بعضهم ببعض، بحيث يعطي الذي تتوفر فيه أعلى مستوى من الصفات المحددة الرقم "1" والذي يليه "2" وهكذا حتى يعطي أقلهم الرقم "12".

- مقياس المسافات المتساوية "قياس الاتجاهات": تستخدم في المقارنة الزوجية لموضوعين من الموضوعات، للتعرف على تفضيل المفحوصين لأحدهما "أو مجموعة منهما" على البعض الآخر، ويمكن بهذه الطريقة مقارنة أي قدر من الموضوعات، إن أول من ابتكر هذا المقياس العالم الأمريكي "ثورستون" حيث يعطي لعدد كبير من الحكام عددا من العبارات المستقلة تعبر عن درجات مختلفة من الشعور نحو جماعة، أو مؤسسة أو فكرة أو موضوع، ويطلب من كل منهم أن يرتب هذه العبارات ترتيبا موضوعيا، وفي مجموعة تتراوح عادة بين "7 و11" وتبدو المسافات بينها متساوية سيكولوجيا، ويطلب إلى الحكم أن يرتب هذه العبارات بحيث تمثل عبارات المجموعة الأولى الاتجاه الأكثر تفضيلا، وتمثل تلك التي تقع في العبارات الأخيرة الاتجاه الأقل تفضيلا، وبعد ذلك يحسب الباحث عدد مرات دخول كل عبارة في كل مجموعة، ويعين لكل عبارة وزنا يبني على أساس وسيط المواضع التي أعطاها لها الحكام. ومتى تم وضع القياس، يطبق على المفحوصين وحينئذ يعلم المفحوص على العبارات التي يوافق عليها فقط، وتكون درجته هي وسيط أوزان العبارات، وهناك طرق أخرى لقياس الاتجاهات كطريقة ليكرت وجتمان وغيرهما. -الطريقة السيسومترية "قياس العلاقات الاجتماعية": ابتداع هذه الطريقة العالم "مورينو" حيث يقوم برسم السوسيوغرام الذي يوضح العلاقات في صورة رياضية كمية تجعلها قابلة للتحليل والتفسير العلمي، وتتضمن هذه الطريقة في أبسط صورها أن يطلب من كل عضو في الجماعة تحديد أي الأعضاء الآخرين يفضل أن يرتبط به بعلاقة ما أو يشاركه في نشاط معين، وأحيانا يطلب من المفحوصين كتابة اختيارين أو ثلاثة أو كتابة أسماء الأشخاص الذين يرفضونهم، ثم تمثل الاختيارات بمخطط بياني للعلاقات الاجتماعية "سوسيو غرام" حيث يوضع اسم

كل شخص في دائرة مثلا، وترسم خطوط توصل بينهم "خطوط متصلة للقبول ومتقطعة للرفض" كما ترسم أسهم تمثل اتجاه العلاقات بين الأشخاص، فتكون لدينا شبكة تصور علاقات القبول أو الرفض أو كليهما معا. - طريقة بوجاردوس "لقياس البعد الاجتماعي": وضع هذا العالم عدة عبارات لقياس البعد الاجتماعي، يعبر كل منهما عن موقف من مواقف الحياة الحقيقية، ثم يتعرف على مدى البعد الاجتماعي "التنافر، التعاون، المحبة، الكراهية ... " بين شخص أو جماعة وشخص أو جماعة أخرى ... وعيب هذا المقياس أنه لا توجد فيه قيمة صفر معروفة، وهو يفترض وجود مقادير متساوية من البعد الاجتماعي بين كل نقطة في المقياس والنقطة التالية لها، ولكن هذا التساوي أمر غير مثبت. كما يخلط بين الاستخدامين الأصلي والترتيبي للأعداد، ويصلح بصورة خاصة لقياس القيم المعطاة للأطفال ولدراسة الحجم المرغوب أو المثالي للعائلة.

الباب الخامس: مصادر البحث العلمي

الباب الخامس: مصادر البحث العلمي الفصل السادس عشر: إعداد المصادر والمراجع وتقويمها مدخل ... الباب الخامس: مصادر البحث العلمي الفصل السادس عشر: إعداد المصادر والمراجع وتقويمها تمهيد: جمع مصادر البحث هو الخطوة الثانية بعد طرح المشكلة، يعود إليها الباحث في دراسته، ويستقي منها مادة بحثه، ويقوم بإجرائه من خلال ما توفره من معطيات لذلك فهي أهم أسس تقويمه وتحديد قيمته وجودته، تبعا لمدى حداثتها وتوثيقها واعتمادها، وكلما تقدمنا مع الزمن وجدنا اهتمام الباحثين بالمصادر يزداد، توثيقا لما يؤلفون ويصنفون، ولا ريب أن القدماء من أسلافنا عنوا عناية واسعة بالتوثيق، ونعرض لمثل هو ياقوت الحموي في كتابيه "معجم الأدباء" "معجم البلدان". عودة إلى كتابه الأول، نجده يسجل في مقدمته كثيرا من المصادر التي اعتمد عليها في تأليفه، كما ذكر في ثناياه بعض مصادره، وبالمثل صنع في كتابه "معجم البلدان" بل أسهب إسهابا طويلا في بيان مصادره فيه، وهو يفصل القول على هذا النمط "قد صنف المتقدمون في أسماء الأماكن كتبا، وبهم اقتدينا وبهم اهتدينا". يبدأ مصادره بالمصادر اليونانية المترجمة، ورجوع ياقوت إليها يشبه رجوعنا إلى المصادر الأجنبية في الموضوعات المتصلة بها، كذلك ذكر الجغرافيين الإسلاميين، بحيث لم يترك مصدرا لهم إلا اطلع عليه وأفاد منه إلا ذكره، ولم يقتصر على ذكر المصادر المخطوطة بل ذكر أيضا مصدرين آخرين هما سماعه من العلماء ثقات وقد سماهم الرواة، ثم ما وقف من خلال رحلاته في البلاد العربية وتطوافه فيها، ومشاهداته، وهي مصدر جغرافي حيث يحمل طابع الدراسات الميدانية، وهكذا جمع ياقوت بين ما يسمى اليوم بالمصدر الأولي أو المصدر الأصلي وبين ما نسميه بالمرجع، وهذا ما يرى لدى الباحثين اليوم، وهو الجمع بين الاقتباس والدراسات الميدانية.

المبحث الأول: المصدر والمرجع

المبحث الأول: المصدر والمرجع وبهدف التوضيح وليس التكرار، إن علماء البحث العلمي والدراسات المنهجية اليوم يقسمون المصادر وفروعها إلى مصادر "أولى" وإلى مصادر "مشتقة" ويطلقون على الأولى اسم "مصادر أصلية" أو أصول أو مصادر فقط، وهي أول مادة مباشرة متصلة بالحقيقة المدروسة، أما المصادر المشتقة فهي تلك المقتبسة من المصادر الأولى، وقد تكون "مصادر ثانية" إذا كان الاقتباس مباشرا، وقد تكون من الدرجة الثالثة، إذا ما بنيت على مصادر ثانية، فتاريخ الطبري1 مثلا الممتد حتى سنة "302هـ" هو مصدر ثان للعصر الراشدي والأموي والعباسي حتى بدء فترة حياته، وتاريخ ابن الأثير "الكامل" هو مصدر من الدرجة الثالثة بالنسبة لهذه العصور لاعتماده على الطبري2 فيها. وفي الحقيقة إن مثل هذا التقسيم لا يمكن أن يكون له صفة الإطلاق، إذ أن كثيرا من المصادر لا سيما المكتوبة ذات طبيعة مزدوجة، أي هي أصل ومشتق في آن واحد، فقليلون هم الذين يكتفون بتدوين ما شاهدوه مباشرة، ويقدمون مادة لمشاهداتهم المباشرة بدراسات معتمدة على الأصول السابقة، فتاريخ الطبري أصل بالنسبة للنصف الثاني من القرن "الثالث الهجري" الذي كان معاصرا له، لكنه مشتق

_ 1 محمد بن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. القاهرة "1357هـ/ 1939م. 2 في اللسان عن ابن الأعرابي "مادة طبر" والمعنى: قفز أو اختبأ، ومعنى "طبار" الداهية، و"الطبار" ضرب من التين وهو أكبر تين رآه الإنسان.

بالنسبة للعصر الراشدي والأموي، وكذلك ابن الأثير أصل بالنسبة للنصف الثاني من القرن "السادس الهجري وأوائل السابع". وهكذا فإن ما يرجع الباحث إليه بقصد الحصول على معلومات أو حقائق أولية إما أن تكون: 1- مصادر أصلية: وهي أقدم ما يحوي مادة موضوع ما، وهي الوثائق والدراسات الأولى عنه، وتشمل المخطوطات القيمة التي لم يسبق نشرها والوثائق ومذكرات القادة والساسة وحيثيات الحكم المسببة للأحكام القضائية والخطابات الخاصة واليوميات والدراسات الشخصية للأمكنة واللوحات التاريخية والكتب التي يكون مؤلفوها شاهدوا الفترة التي هي موضوع البحث والإحصائيات ... 2- مصادر ثانوية: وتسمى "المراجع" وتعتمد في مادتها العلمية على مصادر الأصلية الأولى وعلى كل فالمصدر مرجع دون العكس. وهناك من يرى أن كلمة "المراجع" تعني كل شيء رجع إليه الباحث أثناء بحثه، فأفاد منه فائدة ثانوية، ولا يمانع البعض بإطلاق كلمة مصدر على كلا النوعين، وعدم الميل إلى تلك التفرقة، والمهم أن البحث الأصيل هو الذي يعتمد على المصادر الأصلية، ومن أجل إبراز الأهمية العلمية للمصدر الأصيل، فإنه لدى توافر مصادر متعددة عن نقطة واحدة في البحث، يثبت في الهامش المصدر الأقدم، لأنه هو الأصيل، وقد يثبت المصدر المتأخر إذا كان الأول المنقول عنه مفقودا، أو مخطوطا يصعب قراءته "ويفضل العودة إلى المطبوع أكثر منه إلى المخطوط" أو احتوى المصدر المتأخر جوانب في البحث لم يستوفها المصدر المتقدم، ويفصل بين المصدر والمصدر بفاصلة منقوطة. إن ما يسمى بالمرجع هو ما يرجع للاطلاع المؤقت، والمعرفة معلومة أو أكثر من وقت لآخر، يقتبس منه نقطة محدودة، أو معلومات معينة بذاتها، والمراجع التي تتسم بالشمول في التغطية، والتركيز في العرض، والتنظيم المعين "هجائي، زمني، موضوعي، مكاني" تقدم المعرفة البشرية في صور وأشكال مختلفة بسهولة وسرعة، كما أنها تقود الباحث إلى معرفة مصادر البحث الأصلية، التي تحتوي المزيد من الحقائق والدقائق والمعلومات المفصلة، لهذا كانت معرفة المراجع بأنواعها المختلفة وطريقة استخدامها أمرا حيويا بالنسبة للباحثين العلميين على اختلاف تخصصاتهم، بخاصة إذا كانت هذه المراجع تتعلق ببحوث علمية حديثة، تعتبر آخر ما توصل إليه العلم1.

_ 1 عبد الرحمن عميرة أضواء على البحث والمصادر، ط4. مطبعة الجيل، بيروت 1986.

المبحث الثاني: إعداد المراجع وتقويمها

المبحث الثاني: إعداد المراجع وتقويمها تعد المراجع على النحو التالي: 1- قراءة ما كتب عن موضوع البحث بدوائر المعارف العالمية، والموضوع الواحد يبحث في عدة مقالات غالبا، وتضع دوائر المعارف أيدي الباحثين على المصادر الأصلية، بما تذكره من مراجع لما تورده من معلومات. 2- يستعان في هذه المرحلة بالكتب الحديثة القيمة التي تثبت مراجع ما احتوته. 3- أن يتحدث الباحث مع من له خبرة بهذه الدراسة. 4- أن يراجع الباحث فهارس المكتبات في المادة التي يبحث فيها. 5- أن يقرأ الباحث الأبحاث الجديدة التي تنشر بمجلات تعنى بمثل دراسته. وملاحظة هامة نشير إليها هي أن يثبت الباحث أمام كل مرجع مكان وجوده، والرمز الموضوع له إن كان في مكتبة عامة، أو اسم صاحبه إن كان في مكتبة خاصة، لأنه قد يحتاج إليها من حين لآخر. طبيعي أن تختلف كثرة المصادر وقلتها باختلاف موضوعات البحث، ومسألة التعرف على المصادر وكيفيتها، هي مسألة لا تحل إلا عن طريق القراءة الواسعة.

المتصلة بالموضوع الذي يريد الباحث أن يدرسه، ولا تقفه هذه القراءة على كثير من المصادر فحسب، بل تقفه أيضا على من كتبوا في موضوعه، أو ما يمت إليه بصلة وقد ينفذ إلى معرفة حركات واتجاهات في حاجة إلى بحث جديد، وقد يجد في هذه الكتابات تنبيها إلى دراسة مشكلات لم يكن متنبها إليها، كما قد يتنبه إلى أكثر من المصادر الأساسية وغير الأساسية. ومما ينبغي أن يتحاشاه الباحث أن يعني بموضوع يفتقر إلى لغة لا يتقنها إتقانا تاما، ومن هذا القبيل المصادر التاريخية المتأخرة في عصر المماليك، فإنها تحمل مصطلحات تركية كثيرة، على نحو ما يتضح في الجزأين "الثاني عشر والثالث عشر" من النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي، ومما يتصل بذلك كثرة المصطلحات العلمية، فإذا لم يفهم الباحث المصطلحات فهما دقيقا اضطرب فهمه لما يبحثه، لهذا حري بالباحث أن يبتعد عن مثل هذه الموضوعات التي سيجد عثرات في مصادرها. تشير إلى خطأ يرد لدى الباحثين، وهو أنهم يجدون في بحث سابق لهم إشارة إلى مصدر فيأخذون هذا المصدر عنه، ورقم صفحته دون الاطلاع عليه، أو مراجعة له، أو الوقوف على ما قد يقع فيه من تحريف في رقم الصفحة، وقد يعمد الباحث إلى كتاب مزود بكثير من النصوص والمصادر، يتنقل منها بما في ذلك ما يوجد فيها من استنباطات، مما يجعل سمة بحثه أنه ترداد وليس إبداعا وأصالة، فالغرض من البحث أن يستنبط الباحث من مجموع ما يقرأ قضايا وأفكارا جديدة، وليس الهدف منه أن يدل الباحث على كثرة ما قرأ من المصادر المتصلة مباشرة بالبحث وغير المتصلة، إن الغرض الحقيقي من البحث هو استنباط نظرية لم يسبق إلى استنباطها أحد، وليس حشد المصادر مما يخرج الباحث أحيانا عن غايته ومهمته. لعل فيما قدمناه ما يوضح أهمية استخدام المصادر والانتفاع بها، فليس يكفي أن نجمعها بل لا بد من أن نحسن الإفادة منها أكبر فائدة، ولعل في تقويم الباحث للمرجع ما يعينه على الإفادة منه، ويشمل تقويم المرجع ما يلي:

1- مدى الثقة بالمؤلف أو "المؤلفين أو المحررين" وفي الناشر والهيئة المصدرة، وحداثة العمل فيما يتعلق بالبحوث الحديثة، هل هو جديد في عالم التأليف وما درجة ذلك؟ وأصالتها وقدمها فيما يتعلق ببحوث تعود في أصلها إلى عصور أخرى، عصر موضوع الدراسة. 2- الشمول والتغطية: أي مقدار تمثيل المرجع للغرض المقصود منه، ومدى تغطية موضوع البحث، ومدى ما تعكس البيلوغرافيات الموجودة فيه قيمته البحثية والعلمية وتقود القارئ لمزيد من المعلومات. 3- المنهاج: بخاصة الدقة والموضوعية والأسلوب. 4- الشكل: ويشمل الإخراج المادي للمرجع بخاصة الأشكال والرسوم الموجودة ونوعيتها ودرجة ارتباطها بالمادة العلمية. 5- التنظيم في العرض: ويشمل سلامة تتابع المحتويات، هل هي مرتبة هجائيا أم زمنيا، أم جدوليا، أم مكانيا أم موضوعيا، وهل يشمل التنظيم استكمال النص بالفهارس والإحالات؟

المبحث الثالث: مصادر ومراجع المعرفة العلمية

المبحث الثالث: مصادر ومراجع المعرفة العلمية وهي متعددة ومتنوعة، ومعروف أنها أهم ما ينير الطريق أمامنا لمعرفة المصادر: 1- المراجع عن الكتب: أي المراجع التي تتناول الكتب والحديث عنها، والتعريف بها وتشمل أنواع هي: 1- فهارس المكتبات. 2- مراجعات الكتب "Reviews": وهي عرض سريع وتقويم لمحتويات الكتاب يعدها المختصون في العلوم المختلفة. 3- الببليوغرافيات1: وتتخصص في تسجيل المواضيع والكتب التي تنشر عن بلد من البلدان إن كانت محلية

_ 1 البيبلوغرافيات. الكلمة مكونة من "Graphy Biblio"وهو الرسم أو التخطيط أو الكتابة.

أو تتابع ذكر ما كتب عن موضوع. 4- المطبوعات الحكومية. 5- الرسالات الأكاديمية. وتقوم بعض الدول بإصدار خاص بذلك، كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا وفي الوطن العربي كما هو الحال في مصر والكويت، ولا تنحصر فائدتها في طرق بحث المشكلات وجمع المعلومات ومعالجة النتائج للتوصل إليها، وإنما تفيد الباحث بمراجع ومصادر كتب ومجلات ودوريات. 2- الموسوعات ودوائر المعارف: وهي تغطي جميع الموضوعات بصفة عامة ومن ثم فهي، أصلح أنواع المراجع للتثقيف الذاتي، وتضم نوعين رئيسين من المراجع هما: الموسوعات ودوائر المعارف العامة، والحوليات والكتب السنوية. يكتب دوائر المعارف عادة مختصون مشاهير، وتعطي فكرة مختصرة عن كل موضوع، وفيها معلومات أيضا عن الأشخاص والأحداث والأماكن. وترتب محتوياتها غالبا ترتيبا هجائيا، وتبوب حسب المواضيع، وتصدر إضافات وملاحق خلال فترات تضم أحدث الأفكار وآخر تطورات المعرفة، وأشهر دوائر المعارف هي "دائرة المعارف البريطانية" و"دائرة المعارف الأمريكية" وأهم ما في اللغة العربية "دائرة معارف القرن العشرين" و"دائرة المعارف الحديثة" و"الموسوعة الذهبية" و"دائرة المعارف الإسلامية" وهي مترجمة عن الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وهي اللغات التي كتب بها المستشرقون و"موسوعة الفقه الإسلامي" وموسوعة "دائرة المعارف" و"الموسوعة العربية" التي تصدر حاليا في سورية وثمة موسوعات أجنبية وعربية أخرى. 3- مراجع تتناول الدوريات: وتشمل أدلة الدوريات، كشافات الدوريات والصحف والمجلات، وتصدر على شكل سلاسل "Serials" أو حوليات "Annals".

4- مراجع تتناول الكلمات: وتشمل القواميس والمعاجم اللغوية بمختلف أنواعها، تعطي معلومات كافية عن الكلمات وتراكيبها واشتقاقها ومعانيها وكيفية نطقها وكيفية استعمالها. 5- مراجع تتناول الأماكن: وهي المراجع الجغرافية ومن أهمها الأطالس، وهي إما متخصصة أو قومية أو محلية أو تاريخية أو اقتصادية، وهي هامة بالنسبة للتاريخي والجغرافي والمعاجم الجغرافية "معاجم البلدان". 6- معاجم تتناول التراجم والسير: وتضم مراجع تراجم وسير الأشخاص ومشاهير العلماء مما يجعلها ذات فائدة. 7- مراجع تتناول الموضوعات الخاصة "معاجم" وهي باللغات الأجنبية كثيرة، يكاد يستحيل حصرها، يستطيع الطالب أن يحصل على معاجم جيدة منها في المكتبات العامة ومكتبات البيت. 8- المراجع التاريخية العامة: وتشمل المراجع العامة التي تتناول الأحداث التاريخية في العالم بشكل عام، وتكون مرتبة ترتيبا زمنيا حسب تسلسل الأحداث، مثالها قصة الحضارة1.

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص181-192.

المبحث الرابع: الإنترنت

المبحث الرابع: الإنترنت "Internet" وهي اختصارا "International Network"، وتعرف بأنها مجموعة من الحاسبات مترابطة في شبكة أو شبكات، ويمكن لهذه الشبكات الاتصال بشبكات أكبر، ويحكم هذا الاتصال بروتوكول معين، وليس هناك هيئة مركزية مسئولة، وهي ليست وليدة أعوام قليلة، فقد مضى عليها اليوم ربع قرن أو يزيد. بدأت في عام "1969" تحت اسم أربانت "Arpant" في الولايات المتحدة الأميريكية ويرجع اسم أربانت إلى القسم المسئول عن بناء تلك الشبكة في ذلك

الحين وهو "Advanced Research Projects" والذي تحول اسمه فيما بعد إلى "DRPA" "Defense Research Projects Agency" ولقد كان النموذج الأول لتلك الشبكة. يتكون من أربعة أجهزة حاسب والتي صممت لعرض جدول بناء شبكات الحاسب العريضة من نوع "WAN" وربط تلك الحاسبات معا على البعد وقد تم تركيب الحاسبات الأربع في أربع جامعات هي جامعات يوتاه "UTAH"، كاليفورنيا "California" في "سانتا باربارا"، وجامعة كاليفورنيا في "لوس أنجلوس"، ومعهد ستانفورد الدولي للأبحاث "Stanford Research Institute International" "والمعهد الأخير من المعاهد الرائدة في مجال الحاسب الآلي بخاصة في مجال الذكاء الصناعي "Artificial Intelligence" وفي عام "1972" تم توصيل "72" جامعة ومركز أبحاث على تلك الشبكة، وكانت جميع تلك الجامعات والمراكز تعمل في مشاريع وأبحاث على تلك الشبكة، وكانت جميع تلك الجامعات والمراكز تعمل في مشاريع وأبحاث خاصة بوزارة الدفاع الأمريكية، ولمدة عقد من الزمان كانت الأربانت تنمو بمعدل حاسب جديد كل "20" يوما، أي وصل عدد الحاسبات المشتركة فيها إلى حوالي "254" حاسب في نهاية السنوات العشر. ولقد شهدت الأربانت منذ ذلك الحين العديد من التطورات، فقد انقسمت إلى شبكتين بشكل نظري أولا، ثم بشكل عضوي ملموس بعد ذلك، حيث احتفظت الشبكة الأولى باسم "Arpanet" واستخدمت في أعمال غير عسكرية، ثم بدأت شبكة عديدة بالظهور مثل شبكة "CSNET"؛ "Computer+Sciences Network" وشبكة "Bitnet" والتي تعني "Because it's time أو Because it's there" وقد توقفت الأولى عام "1989"، بينما استمرت شبكة "Bitnet" في البحث العلمي لتواصل دورها كشبكة اتصالات دولية ذات هدف علمي، أما شبكة الأربانت فقد شهدت مجموعة من التحولات لتصبح في النهاية شبكة اتصالات دولية تحت اسم "International Network" أو "Internet" ففي عام "1972" فكر العديد من الباحثين في مجال الشبكات حول العالم في الاتصال ببعضهم من خلال شبكة اتصالات قوية، ومن هنا بدأ العمل في تكوين شبكة الإنترنت، هذا وإن تسمية شبكة الإنترنت تشير إلى نوعين من التسمية: "International Net" ومصطلح

مستخدم في المجال الفني والهندسي، في مجال الشركات هو Internet working ويمكن استخلاص التسمية منه كذلك يستخدم مصطلح آخر لتلك الشبكة في المجال وهي Net Work of net work أو شبكة الشبكات. ويذكر جون كوارترمان الأرقام التالية عن الإنترنت: تتكون من حوالي "1776000" جهاز حاسب في تموز "1993" و"13" ألف شبكة وقد تضاعفت بنسبة "100%" خلال الخمس سنوات الأخيرة أي أنها دولة جديدة أو عالم جديد له مواطنيه. وينضم إليها يوميا أكثر من "1000" حاسب وقد تضاعفت الإنترنت بنسبة "100%" سنويا خلال الخمس سنوات الأخيرة1، ويتركز معظم مستخدميه في الدول المتقدمة صناعيا. إن من مميزات هذه الشبكة تنوع المعلومات وإمكانية التعامل معها والاستفادة منها من جهة، وقلة التجهيزات اللازمة لها من جهة أخرى. ويستخدم في مجالات متعددة: التجارة الإعلام، السياحة ويهمنا منها البحث العلمي، بحيث أصبحت استخدامات الإنترنيت في هذا المجال منطلقا ومرتكزا لكل باحث ولكل مركز للأبحاث، أو معهد للدراسات، وبواسطته يتمكن الباحث من الاطلاع على أحدث وأهم المكتشفات والمخترعات التي توصل إليها العلماء في مختلف أرجاء العالم، وفي كافة المجالات العلمية2، وقد أصبح استخدام الإنترنت في مجال شراء الكتب ينافس الوسائل التقليدية، مما يجعل أمر التوصل إلى ما يهدف إليه الباحث أو الطالب من مطالب علمية سهلا وسريعا وغير مكلف3. هذا ونشير إلى أن خدمة الإنترنت4. قد دخلت بعض الدول العربية.

_ 1 Quarterman, John s. Carl Miteball, smoot. "The Internet Connection. System Connectivity and Configuration" Ny. Addison-Wesleypub. co. 1994. 2 بيتركنت. الدليل الكامل إلى الإنترنيت، ط1. ترجمة: سامح خلف، الدار العربية للعلوم، بيروت "1997 ص16. 3 كريستال كرومليش. ألفباء الإنترنت، ط1. مركز التعريب والترجمة بيروت 1417هـ/ 1996. - فاروق حسين. الإنترنت الشبكة الدولية للمعلومات. دار الراتب الجامعية، بيروت 1997. 4 يختلف الإنترانت عن الإنترنت في الجغرافية والتنظيم، فالإنترنت كما نعلم ليس لها إدارة مركزية تحكمها، وبالتالي ليس لها تنظيم أو مؤسسة مسئولة عنها، أما في الأنترانت هناك تنظيم هرمي للمعلومات والاتصال فيها داخل محيط العمل، والأنترانت تعكس هذا التنظيم الهرمي.

الفصل السابع عشر: الباحث والمكتبة

الفصل السابع عشر: الباحث والمكتبة مدخل ... الفصل السابع عشر: الباحث والمكتبة تمهيد: إن اطلاع الباحث في المكتبة عن كل ما سبق وكتب أو نشر حول موضوع البحث، يساعد الباحث كثيرا على معرفة أبعاد بحثه، ويمكنه من الاطلاع على الطرق والأساليب المختلفة التي استخدمت في البحوث، والمكتبة لا يمكن الاستغناء عنها حتى في المراحل النهائية من مراحل البحث، أي عندما يقوم الباحث باستخلاص نتائجه، ونظرا لأهمية المكتبة لذلك من الضرورة بمكان الاطلاع على الكتب والنشرات التي توضح كيفية استخدامها والاستفادة منها، ومن قبل التعرف على إمكاناتها وخدماتها، وأول ما يجب عليه الإلمام بكيفية تنظيم محتويات المكتبة وترتيبها كي يستطيع الوصول إلى مراجعه ومصادره وفي العادة نجد أن لكل كتاب ثلاث بطاقات تتناول اسم المؤلف واسم الموضوع وعنوان الكتاب، هذا وكل مكتبة تصدر فهارس وبطاقات بما فيها من كتب ومراجع، وقد يحتاج الباحث إلى استكمال مراجعه من مكتبة أخرى1. هذا ونشير إلى أن التصنيف يعني وضع الأشياء المتشابهة مع بعضها، وقد شهد العصر الحديث نظما للتصنيف تصلح للكتب والمطبوعات الأخرى، ويتابع الأخصائيون نظم التصنيف هذه، حتى تتفق مع التطورات الحديثة في المعرفة، وتخليق موضوعات جديدة، وزيادة تخصصها وتعقدها أو اعتماد العلوم بعضها على بعض، وزوال الحواجز بين فروع العلوم البحتة والتطبيقية، وثمة نظامان رئيسان للترتيب أحدهما التصنيف الهجائي والآخر هو التصنيف العشري، وهناك تصنيف مكتبة الكونغرس.

_ 1 جيتس، جين كي، دليل القارئ والباحث لاستخدام الكتب والمكتبات. ترجمة عبد الرحمن الشيخ، دار البحوث العلمية، الكويت 1979.

المبحث الأول: التصنيف العشري

المبحث الأول: التصنيف العشري نسبة إلى مبتدعه العالم الأميركي "ملفل ديوي" وهو من أشهر نظم التصنيف في العالم، يتم فيه الترتيب وفق نظام رقمي معين يعرف باسم نظام "ديوي" العشري للتصنيف، "000-999" وهو السائد في العالم، وقد أدخلت تعديلات عليه ليلائم المكتبة العربية، ويقسم هذا التصنيف مراجع المعرفة العامة والمتخصصة إلى عشر مجموعات رئيسة، تتدرج من العام إلى الخاص، بحيث يقسم كل قسم إلى أقسام فرعية، كما يقسم كل قسم فرعي إلى أقسام تفصيلية، ويعطي كل رقم أرقاما معينة، ومن أراد الاطلاع على جميع الأقسام والفروع، عليه بالعودة إلى مكتبة أكاديمية، ونذكر مما يلي الأقسام الرئيسة منها: "000-099" المعارف العامة "Generalities". "100-199" الفلسفة "بما فيها علم النفس" "Philosophy". "200-299" الديانات "Religions". "300-399" العلوم الاجتماعية "The socialsciences" "وتضم التربية والتعليم". "400-499" اللغات "Languages".

"500-599" العلوم البحتة "Pure Sciences". "600-699" العلوم التطبيقية "Applied Sciences". "700-799" الفنون الجميلة والديكور "Fine arts". "800-899" الآداب "Literatures". "900-999" التاريخ والجغرافية والعلوم المساعدة1 "& General Geography Historyetc". هذا ويلاحظ بعض التعديلات في النص العربي، في مجالات الدين والأدب، ليتلاءم التصنيف مع الإنتاج الفكري العربي. مثال عن الأعمال العامة: "000 Geeralities". "010" البيبليوغرافيات "010 Bibliographies". "020" علم المكتبات "020 Library Science". "030" دوائر المعارف "030 Encyclopedic works". "040" المقالات العامة "040 General Essays". "050" الدوريات العامة "050 General Periodicals". "060" الجمعيات العامة "060 General organizatians". "070" الصحافة والصحف "070 Newspapers & Journalism". "080" المؤلفات المجموعة "080 General collecticn". "090" المخطوطات والكتب النادرة "090 Manuscripts & Book Rarities".

_ 1 تصنيف ديوي العشري والكشاف النسبي، المجلد الأول، الطبعة العشرون، الجداول الرئيسة والمساعدة. والكشاف النسبي، الخلاصة الأولى، الأقسام العشرة ص1.

يلي الأعمال العامة الفلسفة "100" الحديثة "190" ثم الدين "200-290"، ثم العلوم الاجتماعية "300-390" وهكذا حتى الجغرافيا والتاريخ "900" وتفرعاته على النحو التالي: "910" الجغرافية الرحلات "General Geo". "920" التراجم "General Biog". "930" التاريخ القديم "General His. of Ancient world". "940" أوروبا "General His of modern Urope". "950" آسيا "General His. of Asia". "960" إفريقيا "General His. of Africa". "670" أمريكا الشمالية "General His of North Am". "980" أمريكا الجنوبية "General His. of South Am". "990" الأقطار الأخرى "General His. of Rest of world". الجغرافية الطبيعة "4/ 551": ونورد فيما يلي الأقسام الرئيسة في تصنيف الكونغرس مع بعض الأقسام الفرعية: الأعمال العامة "A A General works-polygraphy". دوائر المعارف "العامة" ""AEEncyclosophy "General". الفلسفة، الديانات "B B philosophy-Religion". علم النفس "B f B Sychology". الديانات، أساطير، التفكير الحر "Bl Religions Mythology, Freethought".

التاريخ والعلوم المساعدة "CC History & Auxiliary Sicences". التاريخ والطبوغرافيا "ما عدا أمريكا" "DD. History and Topography". تاريخ عام "D General History". بريطانيا "D A Britain". أمريكا "عام" والولايات المتحدة "E America "General and United states". علم الاجتماع "العام ونظرياته" "H M Sociology "General and Theoritical". العلوم السياسية "J Political Science". القانون "K Law". التعليم "L Education". الموسيقي "M music". الفنون الجميلة "N Fine Arts". الأدب واللغة "Planguage and Literature". العلوم "عام" ""Q Sceince "General". الرياضيات "Q A Mathematics". علم وظائف الأعضاء "Q p Physiology". الطب "عام" ""R Medicine "General". التكنولوجيا "عامة" ""T, Technology "General". الهندسة "T A Enginering". العلوم العسكرية "عامة" "U Mulitary Science". علم الأسطول "عامة" ""Vanval Scince "General". الببليوغرافيا وعلوم المكتبات1 "Z Bibliography and library Science".

_ 1 أحمد بدر. أصول البحث العلمي ومناهجه. مرجع سبق ذكره، ص163-165.

المبحث الثاني: تصنيف مكتبة الكونغرس

المبحث الثاني: تصنيف مكتبة الكونغرس يتميز بسعته وتفريعاته الدقيقة التي تصل إلى أدق التفاصيل، وتتجه كثير من المكتبات الجامعية والأكاديمية الكبيرة إلى إعادة تصنيف مقتنياتها، وتحويل نظام التصنيف عن ديوي العشري إلى تصنيف الكونغرس، ومن الخصائص الأساسية للتصنيف: 1- تدرجه من العام إلى الخاص، حيث تظهر المواد الغذائية العامة والأدلة في أول كل قسم من تقسيماته الرئيسة "كالدوريات، القواميس، الأدلة وغيرها". 2- استعماله للأقسام الرئيسة والحروف الهجائية بدلا من الأرقام، ثم يضاف إلى الحرف الرئيس حرف آخر للتفريعات الرئيسة. 3- يتألف الرمز في تصنيف الكونغرس من حرفين كبيرين "PN-PS" ويضاف رقم متسلسل بجانب الرمز للأقسام الرئيسة، ويبدأ هذا الرقم من "1" إلى أن يصل إلى "9.999" في بعض الأقسام مثل الدوريات "PN-International periodicals". 4- من الممكن أن تستخدم الحروف أو الأرقام العشرية بجانب الرمز، وذلك لتقسم الموضوعات هجائيا بالموضوع أو الشكل أو البلد: الفكاهة "PN 6110. H8 Humor". 5- يضاف إلى الحرف الرئيس حرف آخر للتفريعات الرئيسة "PR English Literature".

يتكون رمز التصنيف عادة من حرفين وأربعة أرقام وهي الحد النهائي لرقم التصنيف، ولكن يمكن إضافة الحروف العشرية والأرقام كما ذكر من قبل، ومن خلال المزج بين الحروف والأرقام نجد أن تصنيف الكونغرس يمكن أن يشمل أدق التفاصيل والتفريعات للمجاميع الصغيرة، وحيث أن خطة هذا التصنيف تندرج من العام إلى الخاص، فإن الرقم الأطول يدل على مزيد من التخصص في الموضوع. يكتفي هذا التصنيف برقم مختصر للمؤلف، ومن الرقم الرئيس للموضوع، ورقم المؤلف يتكون رقم الكتاب، ويكون الحرف الأخير والرقم الذي يليه هو رقم المؤلف، ونظرا لازدياد التخصصات في مختلف العلوم والفنون والآداب، وتداخل وترابط العلوم فيما بينها واعتمادها على بعضها البعض، استخدمت رءوس الموضوعات في استكمال تحديد موضوعات الكتب في مكتبة الكونغرس، لكي تغطي كافة مجالات المعرفة، بحيث توضع عدة رءوس موضوعات مستخدمة، ومن أمثلها رءوس الموضوعات المتبعة في مكتبة الكونغرس، وفي الفهرس تجمع رءوس الموضوعات في ترتيب هجائي واحد كل وجهات النظر للموضوع الواحد من مثال: الجغرافيا "910". الجغرافيا الاقتصادية "91/ 330". الجغرافيا السياسية "12/ 320".

الفصل الثامن عشر: أساليب التوثيق الحديثة

الفصل الثامن عشر: أساليب التوثيق الحديثة المبحث الأول: التوثيق والتكشيف أوضحنا في موضع مفهوم الوثيقة، وهي في مفهومها التقليدي جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء وأعمالهم، وفي مفهومها الحديث: وعاء المعلومات الورقي، أو هي جميع أشكال المعرفة البشرية المسجلة في الكتب والدوريات والنشرات والحوليات والخرائط ... أما التوثيق "Documentation" فهو من المصطلحات العلمية الحديثة، وله عدة تعريفات، منها: أنه شكل من أشكال العمل البيلوغرافي الذي يستخدم وسائل وأدوات متعددة تقليدية مثل التصنيف والفهرسة، وحديثة مثل الكشافات والمستخلصات والمقالات البيلوغرافية، أو أن التوثيق: هو تحليل ونقل وتجميع وتصنيف الوثائق واستعمالاتها. أما التكشيف "Indexing" فهو مصطلح جديد للاستعمال في التوثيق، هو تحليل الوثيقة ومحتواها الموضوعي، أو: هو عملية تحليل موضوعي للكتاب أو الدورية من أجل توصيل المعلومة للقارئ بسرعة، وهو علم وفن، يتطلب ممن يقوم به من الناحية العلمية أن يكون على دراية بالمكنز "The saurus" المستخدم والموضوع المحلل ولغة

التوثيق، ومن الناحية الفنية يتطلب فهم الجوانب المطلوبة لحاجة القراء، وتعيين المصطلحات المناسبة في تسلسل منطقي. وهناك ثلاثة أنواع من الكشافات: 1- كشاف المؤلفين "Author index" "فهرس المؤلفين". 2- كشاف العناوين "Title index" "فهرس العناوين". 3- كشاف الموضوعات "Subject Index" "فهرس الموضوعات". يعتمد فهرس المؤلفين على الترتيب الهجائي لأسماء المؤلفين المعروفة أكثر من غيرها، وإذا كان للمؤلف اسم مستعار يرجع الباحث إلى الاسم الأصلي، إذا كان معروفا، وإذا كانت المطبوعة من المطبوعات الحكومية فإنه يرجع إلى اسم الدولة ثم الوزارة، أو المصلحة الناشرة، وإذا كان المرجع من مطبوعات المؤسسات "جامعة، كلية، متحف" يكون الرجوع إلى المدينة التي نشر فيها الكتاب. أما فهرس العناوين فيكون ترتيب البطاقات في هذا الفهرس هجائيا، وذلك بالنسبة لعناوين المرجع، وفائدة هذا الفهرس حين يكون الباحث عارفا باسم المرجع دون اسم المؤلف، ويراعى في كل ما سبق حذف حرف "ال" التعريف من الاسم أثناء عملية البحث عن المرجع. هذا ويوفر فهرس الموضوعات للباحث جميع المراجع الموجودة في المكتبة والتبي تبحث في موضوع معين. وفي مجال الكتب هناك نوعان: 1-كشاف مجرد "Specifying Index" وهو كشاف لأي كتاب يحوي أسماء ومفردات وموضوعات خاصة بالمحتوى، تدرج فيه الأفكار التي تضمنها النص وتكون من كلمة أو كلمتين. 2- كشاف تحليلي "Relation index" يتفرع فيه المداخل الرئيسة إلى مداخل فرعية تعطي تفصيلا أكثر وتحليلا أشمل. هذا ونشير إلى أن الفهرسة تفيد في التعريف على الكتب كمصادر للمعلومات، والتكشيف يعرف بالمعلومات التي تشتمل عليها هذه المصادر، أي أن الفرق بين الفهرسة والتكشيف فارق في الدرجة وليس فارقا في النوع.

المبحث الثاني: التقنيات الحديثة لتخزين المعلومات وتكشيفها

المبحث الثاني: التقنيات الحديثة لتخزين المعلومات وتكشيفها تبرز أهمية أساليب التوثيق الحديثة من خلال احتياج الباحثين المختصين للمعلومات الدقيقة بسرعة ويسر، كما تقدم أفضل الخدمات للقراء ولطلبة البحث العلمي، وأهم أنواع التقنية الحديثة لتخزين المعلومات بشكل منظم واسترجاعها بسرعة هي: 1- المصغرات "المايكرو فيلم". 2- الحاسب الإلكتروني "الكومبيوتر". فالأولى هي نوع من أنواع التصوير الدقيق، وفق مقاييس لا يمكن الاطلاع عليها بالعين المجردة، ظهرت في النصف الأول من القرن "التاسع عشر"، وتعد المصغرات النوع الأول في الفهارس الآلية المصغرة وقد انتشرت بعد أن أصبح إنتاجها ممكنا كمستخرجات الحاسوب. أما الحاسب الآلي "Computer" فهو جهاز إلكتروني أو منظومة يستطيع القيام بكافة الأعمال الحسابية والمعالجة، بحيث يستقبل البيانات "Data" ويستعان ببرنامج "Program" خاص يتضمن نتائج تعليمات توضح مراحل وخطوات إجراء عملية تشغيل البيانات وتحريكها، كي تخرج وتسترجع في النهاية على شكل نتائج وإجابات.

يتميز بوجود ذاكرة أو وحدة تخزين للمعلومات وبأنه سريع وحساس ودقيق ومنظم للمعلومات ومجالات الموضوعية متعددة، كذلك خدماته المكتبية، ولقد اعتمدته المكتبات الكبيرة حاليا في خدماتها للقراء وتنظيم ومعالجة عدة عمليات فنية للخدمة المكتبية، كالتزويد والفهرسة والتصنيف والتكشيف والأدلة والمكتشفات والحصول على قوائم معينة للمؤلفين1. ومن وسائل التكشيف الآلي المكنز "Thesaurus" وهو أداة التحليل الموضوعي يستخدم في تخزين المعلومات بترجمة ونقل مفاهيم الوثائق إلى المصطلحات المستخدمة في النظام من المكنز ويستخدم أيضا في استرجاع المعلومات بترجمة ونقل مصطلحات طلب المستفيد إلى لغة النظام بالاعتماد على المكنز. تعود كلمة مكنز في اللغة العربية إلى كلمة كنز، وعودة إلى التراث العربي الإسلامي نجد أن ابن السكيت أبو يوسف يعقوب بن إسحاق "ت 244هـ/ 858م" قد استعملها في معجمه "كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ" المرتب في أبواب موضوعية، ونجد معجم "المخصص" لابن سيدة الأندلسي ت" 459هـ/ 1066م" قد بوب بنسق موضوعي، بينما استعماله الحديث يعود إلى الستينات وأوائل السبعينات. أما الكلمة باللغة الأجنبية فمأخوذة من اللغة اللاتينية "Treasury" أي الخزانة أو من "strorehous" أي المستودع، أي خزانة المعرفة أو مستودعها، واستخدمت لأول مرة في عام "1294م" أي أنها وردت في التراث العربي قبل "436" سنة ثم ظهرت في القرن "السادس عشر" في عناوين المعاجم اللاتينية والإغريقية، وأوسعها انتشارا مكنز بترماك روجيه "P. M. Roget" بعنوان مكنز الكلمات والعبارات الإنكليزية في عام "1852" وأول استخدام للكلمة "Thesaurus" لأغراض استرجاع المعلومات في اللغات الأجنبية كان عام "1957".

_ 1 J. P. Dickinson, "Science and Scientific research in modern Society". op cit p 98.

يشمل المكنز المصطلحات التي تستخدم في تكشيف الإنتاج الفكري وتحليله في مجال من مجالات المعرفة المتعددة، ويصمم عادة لمشروعات التكشيف التي تعتمد على الحاسبات الآلية، وهو قائمة بالمواصفات وعلاقاتها التي تكشف وتسترجع المعلومات، وتكون مرتبة هجائيا أو هرميا، وهناك إجراءات تنظيمية فنية عند بنائه، وله جانبان للإنتاج: الأول فكري والثاني تنظيمي. هذا وللمكانز أنواع: 1- مكانز اللغات المقيدة: وتعتمد في مصطلحاتها على قوائم محدودة بالمواصفات يتم الالتزام بها في التكشيف والاسترجاع. ويتفرع منها العديد من الأنواع، فالمكانز متعددة اللغات وتشمل على مصطلحات في لغة ما، ومقابلاتها الاصطلاحية في اللغات الأخرى، وتستخدم للتكشيف واسترجاع المعلومات في عدة لغات، ولهذا النوع من المكانز ميزة وهي إنشاء شبكات المعلومات والأنظمة التعاونية في مجال المعلومات، حيث تتوسع مستويات التعاون وتصبح على مستوى عالمي أو إقليمي ومثال ذلك مكنز جامعة الدول العربية ثلاثي اللغات. ولهذا النوع أيضا من المكانز أنواع. 2- مكانز اللغة الحرة وتستخدم في مرحلة البحث والاسترجاع، وتعتمد في مصطلحاتها على اللغة الحرة المقتبسة من عنوان الوثيقة أو من النص الأصلي بها، على أن تتوافر المترادفات والهجاءات والأشكال الممكنة للكلمة البديلة. أما أجزاء المكنز فهي ثلاثة: المقدمة، الجزء الرئيسي، الأجزاء المكملة، ولكل منها مهمته ووظائفه ثلاث تتمثل بثلاث نقاط: أداة الكشف وأداة الباحث والوسائل التي تمكن الباحث من تعديل استراتيجية البحث. ومن أمثلة المكانز في الوطن العربي: مكنز جامعة الدول العربية ثلاثي اللغة وقد أسس كدليل لكل المكتشفين في أرجاء الوطن العربي ومكنز الاتصال الجماهيري

"الراديو والتلفزيون" والمكنز الإسلامي، ومكنز البنك الإسلامي للتنمية، ومكنز التربية والثقافة والعلوم، والمكنز متعدد اللغات، والمكنز العربي المعاصر، ومكنز العلوم الاجتماعية، والمكنز النفطي العربي، ومكنز الفيصل، والمكنز الموسع: عربي، إنكليزي، إفرنسي وهو أضخم مكنز في العالم من حيث الحجم، ومكنز مصطلحات علم المكتبات والمعلومات، ونشير إلى مشروع إعداد المكنز الوطني في سورية.

الفصل التاسع عشر: نسل المعلومات

الفصل التاسع عشر: نسل المعلومات المبحث الأول: نسل المعلومات ... الفصل التاسع عشر: نسل المعلومات: "الاقتباس "Quotation" وتهميشها" المبحث الأول: نسل المعلومات يتخذ الباحث بطاقات يدون عليها بإيجاز ما يراه نافعا في المصادر التي يستقي منها ما يفيد بحثه، أما تدوينها كاملة فإنما يكون في البحث نفسه، ومن المهم ألا يشغل بطاقات بحثه إلا بما يتصل به مباشرة، وهناك من ينهضون ببحوث دون استخدام بطاقات، وإنما يستخدمون كراسات، وفائدتها أقل من فائدة البطاقات المنفصلة التي يمكن تنسيقها على أساس معجمي أولي أو أي أساس آخر، ويجب ألا يتهاون الباحث في تسجيل الملاحظة، لأن ذاكرته قد تخونه، وينبغي ذكر المصادر التي تحتويها الملاحظة وصفحاتها. تنظم البطاقات في مجموعات، وقد ترتب موضوعيا أو زمنيا، والأولى أن ترتب حسب الأبواب أو الفصول، فيجعل عنوان البطاقة نفس عنوان الفصل، ونلمس تنظيم البطاقات عند أسلافنا الأوائل، كما في كتاب "الحيوان" للجاحظ، و"المغرب" لابن سعيد الذي يتردد فيه ذكر المصادر والأخذ عنها أخذا مطردا، حيث يذكر الكتاب ووراءه الاقتباس مباشرة، كانوا يبدءون الاقتباس بمثل "قال ونحوها" وينهونه بمثل "انتهى" أو "الحمد لله" أو "والله أعلم" وقد يرمزون إليها بحرفين "أ. هـ".

أما المصنفون اليوم فإنهم يبدءون الاقتباس وينهونه بعلامات التنصيص: " " وينبغي ألا يفرط الباحث في كثرة الاقتباس من المصادر، لأن ذلك يوحي بأنه يستخدم تفكير سواه، دون أن يتحمل بنفسه عبء البحث والدراسة، رغم أن الاقتباس دليل على القراءة الواسعة والمعرفة التامة بالأفكار، ويحتاج الاقتباس ضربا من الخبرة، يميز الباحث بين المهم والأهم ومما لا أهمية له، وعلى الباحث ألا يكرر نصا مقتبسا في بحثه، بل إذا ذكره في موضع امتنع عن ذكره ثانية، وفي حالة الضرورة يشير إليه باقتضاب، ومن أسوأ الأشياء أن يسوق الباحث اقتباسا لا يرتبط بكلامه ارتباطا دقيقا، ومما يزيد الاقتباس نفعا الدقة والنقل الصحيح والأمانة ونورد فيما يلي الأمور التي يجب مراعاتها في حالة الاقتباس: أن يذكر الباحث صاحب المصدر المقتبس عنه ووضع ما اقتبسه بين علامات التنصيص "ثم الإشارة إلى المصدر الذي اقتبس عنه في هامش الصفحة أو الفصل أو البحث وفق الخطة التي يضعها الباحث، ويستحسن أن يقرأ الباحث ويستوعب ما سوف يقتبسه، ثم يصيغه بأسلوبه الخاص، ويشير في هامش الصفحة إلى ذلك بذكر كلمة "بتصرف" دون أن يضع قوسين في متن الصفحة كما ذكرنا في الحالة الأولى، ونجمل فيما يلي أهم طرق الاقتباس: 1- إما أن ينقل الباحث النص كاملا، ويسمى ذلك بالاقتباس الحرفي أو المباشر "Direct Quotaition". 2- إذا كان الاقتباس لا يتجاوز ستة أسطر يوضع بين شولات، أما إذا تجاوزها فإن الاقتباس يوضع بشكل مميز، بحيث ترد الأسطر المقتبسة بعد آخر سطر قبله متتالية مع ترك فراغ أوسع بين الاقتباس وبين آخر هذا السطر، وبين الاقتباس وبين أول سطر بعده، كما يكون الهامشان عن يمين الاقتباس ويساره أوسع من الهامش الأبيض المتبع في البحث، وأن يكون الفراغ بين سطور الاقتباس أضيق من الفراغ بين السطور العادية، وكذلك الحرف أصغر من حرف الكلمة الذي يطبع به البحث.

3- إذا كان الاقتباس غير مباشر أو ليس بحرفي "Indirect Quotation" وهو الأكثر شيوعا، وذلك بتلخيص ما قرئ فكرة أو موضوعا، والأفضل أن يشير الباحث إلى المصدر الذي اقتبس منه بذكر عبارة "ارجع إلى" أو "انظر" ويذكر اسم المصدر والصفحات أيضا، والبعض لا يفضل عبارة ارجع إلى، بل يرى إيراد المصدر أو المرجع كالمعتاد. 4- قد يجمع الباحث بين التلخيص والاقتباس، بذكر فكرة ملخصة يتبعها بنص من المؤلف وفي الحالتين يشار في الهامش إلى ذلك. 5- يرغب الباحث أحيانا أن يورد تعليقا على نص اقتبسه، وهنا يشير إلى النص الأصلي ويوضح فيما بعد التعليق. أما طريقة إيراد النصوص المقتبسة في البحوث العلمية فهي كالآتي: 1- توضع الفقرات المقتبسة بين قوسين كبيرين () أو بين قوسين صغيرين "علامات التنصيص" " " كذلك يوضع بينهما ما يرد خلال الحديث عن موضوع معين مثلا: يقول الدكتور ... في كتابه ... تحت عنوان " " ما يلي: 2- إذا كان ما يراد اقتباسه هو أيضا مقتبسا من مصدر آخر، فلا بد من استعمال قوسين صغيرين داخل القوسين الكبيرين توضيحا لذلك ( ... " " ... ) . 3- قد يضطر الباحث إلى حذف عبارة أو جملة من الفقرة المقتبسة، حينئذ يجب الإشارة إلى ذلك بوضع ثلاث نقط " ... " دليلا على الحذف في ذلك الموضع. 4- يرغب الباحث أحيانا إضافة عبارة بهدف التوضيح أو التفسير أو التعليق داخل الفقرة المقتبسة، حيث يوضع ذلك ضمن قوسين مربعين [] للتوضيح والتفريق بين عبارة الكاتب والعبارة المقتبسة. 5- إذا وقف الباحث على خطأ في فقرة يقتبسها، يكتب بعد الخطأ كلمة هكذا بين قوسين (هكذا) إشارة إلى أن الخطأ ورد في الأصل.

المبحث الثاني: التهميش- تدوين المصادر والمراجع

المبحث الثاني: التهميش "تدوين المصادر والمراجع" أ- الكتب: 1- الكتب المقدسة: 1- القرآن الكريم: 1- اسم الكتاب. 2- اسم السورة ورقمها. 3- رقم الآية. أما بالنسبة للكتب السماوية الأخرى، فإنه يدون في البداية الاسم الذي ينسب إليه الكتاب المقدس ثم الفصل المقتبس منه. 2- الكتب المؤلفة: هناك وجهات نظر في تدوينها، لكنها تتفق جميعها في المضمون، بحيث يتم تدوينها سواء كانت مصادر أصلية أو ثانوية في وحدات ثلاث: 1- اسم المؤلف. 2- اسم الكتاب. 3- بيانات النشر. ونورد فيما يلي ثلاث وجهات نظر تتبع في تدوين الكتاب: 1- اسم المؤلف وكنيته. عنوان الكتاب. عدد الأجزاء إن وجدت، رقم الطبعة إن وجدت، ترجمة: الاسم. دار النشر، بلد النشر، تاريخ النشر هـ/ م. رقم الجزء إن وجد، رقم الصفحة المقتبسة. 2- اسم المؤلف وكنيته: عنوان الكتاب، عدد الأجزاء إن وجدت، عام النشر هجريا وميلاديا. رقم الطبعة إن وجدت، اسم دار النشر، بلد النشر، رقم الجزء إن وجد، رقم الصفحة المقتبسة. 3- اسم المؤلف وكنيته. عنوان الكتاب، عدد الأجزاء إن وجدت، رقم الطبعة إن وجدت "بلد النشر: دار النشر أو اسم المطبعة، عام النشر هجريا وميلاديا بينهما فاصلة أو/"، رقم الجزء إن وجد، رقم الصفحة المقتبسة. ويزيد بعضهم عدد صفحات الكتاب المقتبس منه. هذا ونشير إلى أن بعض الباحثين يدونون اسم المؤلف

واسم الكتاب ورقم الصفحة في الهامش، أما في ثبت المصادر والمراجع فتدون جميع هوية الكتاب. هذا وفي الحالات الثلاث تقدم الكنية على اسم المؤلف في فهرس المصادر والمراجع، أما في هامش الصفحات، وأحيانا في فهرس الهوامش، يقدم اسم المؤلف على الكنية، كذلك الحال في أسماء كتب التراجم والطبقات في اللغة العربية يبدأ بالاسم أولا ثم اللقب، وإذا كان الاسم مشهورا: اسم المؤلف أو كنيته وبينهما فاصلة أو بكنيته يليها نقطتان ثم عنوان الكتاب، أما أسماء الأعلام المحدثين فتكتب مبدوءة بالاسم الأول إذا اشتهر به المؤلف، وإذا كان هناك ألقاب يوضع اللقب بعد الاسم الكامل، هذا ويقتصر ذكره عدد الصفحات المقتبسة على هامش الصفحات أو فهرس الهوامش، أما في فهرس ثبت المصادر والمراجع فلا يذكر عدد الصفحات المقتبسة، ويفضل البعض كما ذكرنا ذكر عدد صفحات الكتاب المقتبس منه. نذكر فيما يلي حالات تتعلق بالتهميش يواجهها الباحث لدى إجرائه عملية التدوين: 1- إذا لم يكن الاقتباس من الأصل لتعذر الحصول عليه، وإنما كان من كتاب اقتبس منه هذا النص من الأصل، فإن التهميش يكون على الشكل الآتي: اسم واضع الأصل. عنوان الكتاب وتحتهما "الاسم والعنوان" خط. الجزء إن وجد. الصفحة. ونضيف اقتبسه "أو تصدير" "فلان". مكان حفظه. رقم الصفحة. 2- إذا كان الكتاب مترجما ودون اسم المترجم على غلاف الكتاب فإن اسمه يلي عنوان الكتاب في الترتيب، مسبوقا بكلمة "ترجمة" وإذا تعدد المترجمون وبما لا يزيد عن ثلاثة أشخاص تدون أسماؤهم جميعا حسب الترتيب المدون على غلاف الكتاب.

3- إذا استفاد الباحث من أحد فصول الكتاب أو من أكثر من فصل، يضيف عنوان الفصل كما ورد في الكتاب بعد إضافة حرف "في" ويضع تحتها خطا إذا كان البحث مقدما بخط يدوي أو بالآلة الكاتبة، وفي حال أن الكتاب مطبوعا، فيجب وضع حرف "في" بالحرف المحبر "الأسود". 4- في حالة تكرار الاقتباس من مصدر واحد: أ- إذا تكرر الاقتباس من مصدر واحد لا تدون جميع المعلومات ويكتفى باسم المؤلف وعنوان المصدر ورقم الجزء "إن وجد" ثم رقم الصفحة. ب- إذا تكرر الاقتباس من مصدر واحد مرة ثانية دون أن يفصل بين الاقتباسين مصدر آخر، تكتب عبارة المصدر السابق، ويذكر رقم الصفحة المقتبسة، أما إذا تكرر الاقتباس وفصل بين اقتباسين اقتباس من مصدر آخر، تذكر كنية المؤلف "أو اسمه وكنيته" وعنوان الكتاب وهذا أفضل وتكتب عبارة "مصدر سبق ذكره أو مصدر سابق" ثم رقم الصفحة أو الصفحات المقتبسة، وأحيانا تكتب العبارة المختصرة "ع. س" أي عنوان سابق. جـ- إذا تكرر الاقتباس من مصدر واحد لا يحتاج إلى رقم الصفحة يقول: "مواضع أخرى" أو "مواضع متفرقة". د- إذا تكرر الاقتباس من مصدر واحد يفضل وضع الرقم في نهاية الاقتباس الأخير، ثم يشار إلى الصفحات التي جرى الاقتباس منها على الترتيب. 5- في حالة تعدد المؤلفين. إذا كان للكتاب أكثر من مؤلف واحد، فإذا كان من عمل مؤلفين يذكر اسم الأول ثم كلمة زميله أو يذكر اسم الثاني أيضا، وإذا كان الكتاب يحمل اسم ثلاثة

مؤلفين يدون الاسم الأول حسبما ورد على غلاف الكتاب، ثم يلحق بكلمة "زميله" أو "آخر" أو تكتب أسماء المؤلفين الثلاثة بينهم حرف "و"، وإذا كان المؤلفون أكثر من ثلاثة يوضع الاسم الأول وبعده "وزملاؤه" أو "وآخرون" أو تذكر جميع الأسماء وبينها حرف "و" أما فهرس المصادر والمراجع فتذكر جميع الأسماء دون الاختصار. 6- في حالة تعدد كتب المؤلف: إذا كان للمؤلف أكثر من كتاب يكتفي بتدوين اسم المؤلف أولا، ثم تعرض تآليفه الأخرى التي تم الرجوع إليها دون تكرار اسمه وكنيته ويوضع مكانهما خطا "ــ" أما في حالة تعدد المصادر لفقرة واحدة فإنه يجري ترتيبها حسب أسبقية مؤلفيها "الأقدم فالأحدث" ويفصل بين المصدر والآخر بفاصلة منقوطة "؛". 7- في حالة عدم معرفة اسم مؤلف الكتاب: أ- إذا لم يعرف اسم مؤلف الكتاب، يبدأ الباحث بعنوان الكتاب ثم فِصْلة يليها البيانات الأخرى، وقد لا يحمل الكتاب اسم المؤلف، بل يرد اسمه ضمن عنوان الكتاب، حينئذ تحذف فقرة اسم المؤلف وترد مباشرة فقرة عنوان الكتاب، موضوعا تحته خط تتبعه بقية المعلومات كالمعتاد، كذلك يمكن أن يدون بطريقة أخرى، يذكر اسم المؤلف في الفقرة الأولى يليها بقية الفقرات كالمعتاد. ب- إذا كان مؤلف الكتاب مجهولا، يوضع مكان الاسم "بدون" أو "مجهول المؤلف" بعده رقم الصفحة. 8- تتمات: أ- لا يكتب في الحاشية كلمة "انظر" إذا كان المصدر قيما أو كان مؤلفه مشهورا.

ب- إذا تعددت الآراء أو الأسماء المقتبسة، يوضع رقم واحد بعد الاسم الأخير، أو الرأي المقتبس، ثم تدون في الهامش منسوبة إلى مصادرها بالترتيب. جـ- إذا أورد الباحث المصدر في متن البحث، يذكر الاسم فقط ورقة الصفحة في الهامش. د- الهوامش التي ترتبط بعلامة خاصة ".،*-" تتكرر في الهامش في حال تكرارها في متن البحث، ويفضل اختصارها. هـ- الإيضاحات والشروح لا ترقم في الهامش أو المتن بل يوضع لها إشارة وإذا تكررت في الصفحة الواحدة يوضع "**" أو أكثر وفقا لتكرارها. و الجداول والمخططات والاستبيانات والرسوم البيانية: مما ليس له أهمية رئيسية في البحث أو كثر عددها، توضع في ملحق خاص في نهاية البحث، ويشار إليها في متن البحث، وإذا كانت الرسوم البيانية بهدف التوضيح توضع بعد الجدول في صفحة مستقلة بعد أن يقدم للرسم البياني. ز- يفضل إتمام الحاشية في الورقة نفسها، وألا توضع إشارة "-" ثم يتابع نقل الحاشية في الصفحة التالية. ح- هناك حالة نشير إليها هي أن ما يستشهد بأفكارهم، أو أقوالهم في البحث، فالقاعدة العامة أن يذكر اسمهم دون لقبهم أو الوظيفة التي يشغلونها وليس من الصحيح أن يستعمل بخاصة في البحوث الأكاديمية الألقاب مثل استعمال "دكتور، أستاذ، عميد، مدير" إلا إذا كان للقب صلة بالفكرة التي يتحدث عنها الباحث، وليس الهدف هنا تكرم القائل أو القول بل الإيضاح ودعم الرأي مثال ذلك ذكر أعمال بعض الأشخاص التي لها صلة بمهمتهم مثلا: قام مدير مكتبة ... بتوسيع محتوياتها، ويستثنى من ذلك مواضع تذكر فيها الألقاب أو الوظائف في التقدير

والاعتراف، إذ يذكر اللقب مع الاسم، أو كان له مكانة علمية، وكأنها ملازمة له مثلا العلامة ... أو أن يكون الشخص الذي يقتبس عنه غير مشهور في محيط المادة التي يدرسها الباحث، ويكون ذكر اللقب حينئذ بمثابة تقديم لهذا الشخص كأن تقول: فلان أستاذ ... وفلان الباحث العلمي ... وبشكل عام كلما استطاع الباحث أن يذكر الاسم دون اللقب كان أكرم لصاحب الاسم وأرفع لمكانته. هذا ونشير إلى أنه في الفهرس العام للبحث لا تذكر الألقاب مطلقا بل يقتصر على اسم المؤلف، أو الكتاب فقط، وكذلك حال فهرس الأعلام. - المراجع الأجنبية: يتم ترتيبها بطريقة واحدة هي: ذكر الكنية أولا يليها فاصلة ثم اسم المؤلف "ويورد البعض الحرف الأول من الاسم" وفي حالتي الاسم والكنية يستعمل الحرف الكبير بعده نقطة، بعدها عنوان الكتاب بعده نقطة، بعدها رقم الطبعة بعدها فاصلة، بعدها دار النشر بعدها فاصلة، بعدها بلد النشر، بعدها فاصلة سنة النشر بعدها نقطة بعدها عدد صفحات الكتاب إذا رغب الباحث بذلك. حالات: 1- إذا كان الكتاب يحمل اسم مؤلفين، توضع نقطة بعد الاسم الأول يليها الحرف الأول لاسم المؤلف الثاني يليه نقطة ثم سنة النشر موضوعة بين قوسين. 2- في حالة وجود أكثر من مؤلفين اثنين، يوضع اسم العائلة فقط لكل منهم مع وضع الحرف الأول للاسم الأول والثاني لكل مؤلف. 3- إذا كان المرجع الأجنبي بحثا من كتاب يكتب. الكنية، الاسم، عنوان البحث، ثم تضاف in تحتها خط وبعدها نقطة ثم اسم الكتاب ثم أرقام الصفحات الخاصة بالبحث ثم بيانات النشر.

4- إذا تكرر المصدر في الصفحة نفسها دون فاصل فإنه يكتب "..IBID. P" وهي من "Ibidam" وتعني باللاتينية المكان نفسه، وإذا وجد فاصل واحد تكون الإشارة في الهامش بذكر اسم المؤلف مع الاصطلاح "Op. cit" ورقم الصفحة وتعني مختصرا لكلمتي "Oper citato" اللاتينيتين وتعنيان المصدر المذكور سابقا. 5- إذا تتالى اقتباسان من المرجع نفسه والصفحة ذاتها فيذكر "loc. cit" من "loca Citato" أي في المكان المذكور سابقا. 6- إذا كان الباحث يشير إلى مؤلف مشهور أو كتاب مشهور، وكان الاقتباس لا يحتاج إلى رقم الصفحة يقول: "Passim" ومعناها هنا وهناك. 2- المعاجم اللغوية: 1- اسم المؤلف كما ذكرنا سابقا في مؤلفي الكتب. 2- عنوان الكتاب موضوعا تحته خط بعده نقطة. 3- عدد الأجزاء بعدها فاصلة. 4- الطبعة. 5- بيانات النشر كما هو حال بيانات النشر في الكتب. وفي حالة كون المادة مرتبة ترتيبا أبجديا أو هجائيا، يستحسن تدوين الكلمة التي جرى بحثها ويستغنى عن بقية المعلومات. 3- الموسوعات ودوائر المعارف "Encyclopedia". 1- عنوان الموسوعة موضوعا تحته خط بعده فاصلة، وقد يكتفي به حيث لا يدون الجزء والصفحة. 2- عدد الطبعة، إذا لم يدون التاريخ بعده فاصلة.

3- عنوان المقالة بين قوسين صغيرين " ... " تعقبه نقطة الوقف إذا لم يذكر اسم الكاتب وإلا تدون فاصلة. 4- اسم كاتب المقال إذا كان مذكورا أو جرى التنويه عنه بالهامش الأسفل، وإذا لم يذكر أو ينوه عنه في الهامش توضع نقطة بعد العنوان. 5- بيانات النشر. 4- الدوريات "Periodicals": تشمل مقالات وبحوثا تصدر على فترات زمنية محددة وتكون أعدادها مرقمة حسب ترتيب الإصدار، ويتم تدوينها على النحو الآتي: 1- اسم الكتاب أو الكتاب في حالة تعدد المؤلفين بعده نقطة. 2- عنوان المقالة أو البحث بين قوسين صغيرين بعده نقطة. 3- عنوان المجلة أو الدورية تحت خط. 4- رقم العدد دون فاصلة بينه وبين ما قبله. 5- تاريخ الإصدار بين قوسين بعدهما نقطتان رأسيتان. 6- رقم الصفحة. 5- المخطوطات "Manuscripts". 1- اسم المؤلف الذي اشتهر به بعده نقطتان بعدها اسمه الكامل ثم بين قوسين تاريخ وفاته إن كان متوفيا. 2- عنوان المخطوطة بين قوسين صغيرين. 3- موضوع المخطوطة علميا أو شخصيا كالخطابات أو المذكرات. 4- وصف المخطوطة إن كانت أصلية أو مصورة.

5- تاريخ النسخ. 6- اسم المكان الذي توجد المخطوطة "البلد، المكتبة الموجودة فيها عامة أو خاصة" ورقمها حيث توجد. 7- اسم المجموعة التي تنسب إليها المخطوطة ورقمها إن أمكن. 8- رقم الجزء إن كانت مؤلفه من أجزاء بعده فاصلة، ثم رقم الصفحة، إذا كانت المخطوطة محققة، وكان الكتاب من جمع المحقق فإنه يدون كالآتي: 1- اسم المحقق يليه بين قوسين صغيرين كلمة "تحقيق" أو "جمع" أو إعداد" بعده نقطة. 2- عنوان الكتاب موضوعا تحته خط. 3- بيانات النشر كما ذكرناها. 4- رقم الجزء إن وجد ثم رقم الصفحة. وفي حال تعدد المحققين فإن أسماءهم تدون حسب الترتيب، وإذا كان للكتاب عدد من الطبعات فإن المحقق أو المحققين يتأخر عنها. 6- الرسائل الجامعية: 1- اسم المؤلف وكنيته. 2- عنوان الرسالة بين قوسين صغيرين. 3- الدرجة العلمية الممنوحة للطالب "ويورد البعض بعدها اسم المشرف". 4- اسم القسم والكلية والجامعة التي منحت الدرجة العلمية بعدها فاصلة، يليها السنة التي نال فيها الطالب الدرجة العلمية. 5- رقم الصفحة المقتبس منها.

7- المسلسلات الثقافية: وهي إما مختصرات أو كتب وتدون على النحو التالي: 1- رقم الكتاب بعد عنوان المسلسل. 2- وضع خط تحت العنوان الخاص بالمختصر أو الكتاب، دون أن يوضع خط تحت عنوان المسلسل. 3- تدون معلومات النشر كما ذكرنا سابقا. 8- الوثائق الرسمية: 1- اسم الدولة يوضع بعده نقطة. 2- اسم الجهاز الحكومي المختص الذي صدرت عنه الوثيقة يليه نقطة. 3- عنوان الوثيقة أو الكتاب إذا كانت ضمن مؤلف مدونا تحته خط يعقبه نقطة. 4- بيانات النشر وهي: البلد، اسم المؤسسة التي قامت بالنشر، تاريخ النشر ويفصل بين هذه المعلومات بفاصلة وتوضع نقطة في النهاية. 9- الأشرطة المصورة: "Mircofilm" يدون فيها جمع المعلومات التي تسجل عن الكتاب أو المخطوطة وبالترتيب نفسه، يضاف إليه كلمة "شريط مصور" وفي حال تسجيل المعلومات عن كتاب مصور تدون المعلومات على النحو الآتي: 1- تدوين بيانات النشر عن النسخة الأصلية كما ذكرنا آنفا وتتبع بكلمة "تصوير". 2- تدوين بيانات النشر وتحتوي: اسم البلد، دار النشر، أو الناشر، التاريخ، ويضاف إليها رقم الصورة إن وجد.

10- المصادر الثانوية: وهي متنوعة والطريقة المتبعة في تدوينها هي: 1- المؤلفات القانونية هي: 1- اسم المؤلف. 2- عنوان المصدر وتحته خط. 3- بيانات النشر "رقم الطبعة، التاريخ". 4- عنوان السلسلة إذا كان المصدر واحدا من سلسلة كتب قانونية ثم رقم السلسلة يليها بيانات النشر. 5- رقم الجزء فالصفحة. 2- القوانين الحكومية الصادرة عن المجالس التشريعية: 1- اسم البلد الصادر عنها القرار. 2- المجلس أو المصدر التشريعي. 3- رقم القرار. 4- رقم المادة. هذا ويشير إلى أن في الدراسة القانونية الفقهية لا بد من استعمال الاصطلاحات القانونية الخاصة المتعارف عليها، أما إذا كانت الدراسة في تخصص آخر فإن الإشارة إلى المصدر القانوني تأخذ أسلوب وطابع ذلك التخصص. كما أن طريقة تدوين المعلومات عن المصادر القانونية في قائمة المصادر "ثبت المصادر" متطابقة ومتفقة، عدا العلامات الإملائية، فلكل واحد منها قواعد خاصة، ويدون في الهامش "مصادر الهوامش" رقم الصفحة المقتبس منها، ويرى البعض أنه بين الفقرات المذكورة أعلاه حول المصادر القانونية فواصل سوى التاريخ فيوضع بين قوسين بعده فاصلة ثم رقم الصفحة. 11- المقابلات الشخصية: 1- اسم المتحدث مضافا إليه "مقابلة مع ... " بعده فاصلة. 2- اسم الهيئة الرسمية إن كانت المقابلة مع شخص يعمل فيها، والهيئة الإذاعية والتلفزيونية إن تمت المقابلة بوساطتهما ثم اسم البلد بعده فاصلة.

3- مكان المقابلة وتاريخها بعده نقطة. 12- الأحاديث الإذاعية والتلفزيونية: 1- لقب المتحدث ثم اسمه. 2- عنوان الحديث بين قوسين صغيرين. 3- اسم الإذاعة. 4- اسم البلد ثم التاريخ. 13- حالة البرامج التلفزيونية: 1- عنوان البرنامج. 2- عنوان الحلقة بين قوسين صغيرين. 3- اسم المحطة، ثم رقم القنال بين قوسين صغيرين، ثم اسم البلد، فتاريخ البحث. - ملاحظات: - الكتب التي لا يعرف اسم مؤلفها والوثائق والأحكام القضائية والخطابات ودوائر المعارف والمجلات العلمية والصحف ترتب بحسب ما ذكرناه الآن. - يحذر أن يكتب الباحث مصدرا أو مرجعا لم يطلع عليه. - أن يكون لدى الباحث فكرة عن كل كتاب دونه في مراجعة، وعن محتوياته وطريقة تأليفه وقيمة الكتاب بوجه عام. - ينصح بعض المشرفين طلبتهم أن يتبع كل مرجع أو مصدر بموجز عن مدى الاتصال بين المرجع والبحث، وبملخص قصير عن محتوياته.

- في طريقة إيراد المصادر والمراجع يتبع التتابع الرقمي، بحيث يبدأ بالرقم "1" وينتهي بانتهاء آخر رقم لآخر مصدر، وكذلك الحال في المراجع، ويفضل أن يفصل بينهما ويأتي كل منهما بقائمة مستقلة. - أن تصنف المراجع والمصادر وفق ما أوردناه من تصنيف: الكتب، الدوريات الموسوعات ... ويبدأ عادة بالمخطوطات. - تتبع عادة المسافة المزدوجة بين مصدرين أو مرجعين في فهرسهما. - نميل إلى إيراد جميع المصادر والمراجع في نهاية البحث بحيث تفصل حسب الأبواب والفصول مع الإشارة إلى رقم الباب أو الفصل، أو الفصول التي يحتويها الباب تحت عنوان مراجع الهوامش بينما يرى البعض إيراد قائمة المصادر والمراجع في نهايةكل فصل من البحث أو في نهاية كل باب. - وضع قائمة بعنوان المراجع والمصادر العامة تضم المصادر والمراجع التي اطلع عليها الباحث واقتبس منها، والمراجع والمصادر التي اطلع عليها وإن لم يقتبس منها.

الباب السادس: خطوات البحث العلمي

الباب السادس: خطوات البحث العلمي الفصل العشرون: مرحلة الإعداد للبحث العلمي مدخل ... الباب السادس: خطوات البحث العلمي الفصل العشرون: مرحلة الإعداد للبحث العلمي تمهيد: عرضنا في غير هذا الموضع أن البحث العلمي دراسة متخصصة في موضوع معين، وفق مناهج وأصول معينة، وهو وسيلة الاتصال الفكري بين الباحث والقراء، يستخدمها للإعلام عن بحثه من حيث المشكلة التي تناولها، والفرضيات التي اختبرها، والمنهاج الذي اتبعه، والنتائج التي توصل إليها، والتوصيات التي يريد أن يقدمها، وعليه أن يتم ذلك بوضوح ودقة وصياغة جيدة وموضوعية وأمانة علمية، وبهدف الوصول إلى كل ما ذكرناه لا بد من الالتزام بقواعد الكتابة الخاصة بالبحث العلمي، والتسلسل المنطقي لعمليته وإعطاء الاهتمام الكافي لأساسياته. ورغم اختلاف خطوات البحث العلمي من بحث لآخر، من حيث ترتيبها ووجودها فإنه لا بد من أن تتم عبر مراحل هي: أولا: مرحلة الإعداد للبحث وتشمل: 1- اختيار موضوع البحث. 2- وضع عنوان البحث. 3- وضع خطة أولية للبحث.

- إعداد أولي للمصادر والمراجع1. ثانيا: مرحلة إعداد البحث وتشمل - تحديد المشكلة وبيان أبعادها. - وضع الفروض بهدف اختبارها. - تحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها. - إعداد المادة العلمية وخزنها. - تحليل المادة العلمية. ثالثا: مرحلة كتابة تقرير البحث وتشمل كتابة - مقدمات البحث. - مقدمة البحث. - المادة العلمية. - نتائج البحث. - التوصيات. - المستخلصات. - الملحقات.

_ 1 Hulilbel, G. S. "writing term papers and Reports" New York, Bernes and Nalul, 1960. PVN.

المبحث الأول: اختيار موضوع البحث

المبحث الأول: اختيار موضوع البحث هي الخطوة الأولى في كل بحث، يختار الباحث فيها موضوعا يود استكشاف نواحيه ودراسته، وبتعبير آخر طرح مشكلة، هذه الخطوة الإيجابية هي التي تطلق إشارة البدء في العمل وتوجهه وتحدده، والباحث الأصيل هو الذي يعرف كيف يختار المشكلة، أو يعرف كيف يسأل ليأتي جواب له أهميته بالنسبة له، أهمية واقعية وقيمة وجودية، تتجاوب مع واقع قائم في المحيط المدروس. يجد ناشئة الباحثين صعوبة في اختيار موضوعاتهم، وكثيرا ما يلجئون إلى بعض الباحثين بخاصة أساتذة الجامعات لتحديد موضوع البحث، وهي طريقة غير مستحسنة، فقد يقترح عليهم هؤلاء موضوعات لا تتفق والميول الحقيقية لهم، فيعثرون فيها وقلما يحسنونها، لهذا فإن اهتداء الباحث إلى بحث يحدده من خلال قراءته، وعكوفه على ما كتبه الباحثون من قبله في مجال بحثه، يجعله يستبين موضوعا يتفق وميوله، ولا بد للباحث من ثقافة واسعة كي يهتدي إلى بحث طريف أصيل، وبتعبير آخر تكون المشكلة موضوع البحث مبادرة ذاتية من الباحث، منبثقة من فضوله العلمي الخاص1. ومن فوائد هذه الطريقة أن القراءة الواسعة والاطلاع تنشئ في عقل الباحث كثيرا من الأفكار والخواطر التي يمكن استغلالها فيما يبحث ويختار من موضوعات، وتنشئ في نفسه إحساسا عميقا بأنه سينفذ إلى أفكار وآراء لم يصل إليها من سبقه في البحث، وبهذا يخلص الباحث نفسه من الانقياد لأفكار الباحثين السابقين له، يدون الأفكار ليناقشها، ويضيف عليها أفكاره، لهذا كان التكون الأول للشخص الباحث أمرا ضروريا، وفي هذه الحالة يختار الباحث موضوعه الذي سيجعله المشكلة العلمية البحثية. فإذا انبثقت المشكلة في ذهنه واتضحت أطرها عبر مطالعاته السابقة، يتم في هذه الحالة تحديده الأولي لها بيسر، وإلا فلا بد من أن يقوم بمزيد من القراءات والمطالعات الأولية، لكشف الأطر العامة للمشكلة، ومقابلات مع أشخاص بحثوا في مشكلة قريبة

_ 1 Evan, K. M. "Planing Small Scale Research". Windser N. E. R. 1971, p30.

من المشكلة التي سيقوم ببحثها، ليضع من ثم هيكلا للمشكلة التي تجمعت بعض خيوطها لديه، ويقوم بتحليلها إلى عناصر ويضع مخططا مبدئيا للنقاط التي سيعالجها بالبحث والدراسة1. ولقد ثبت بالتجربة أن طلبة البحوث الأكاديمية الذين يتوفقون لاختيار الموضوعات يكونون أكثر تفوقا بالعمل من أولئك الذين يفرض عليهم بحث معين، ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته العلمية عالة على غيره من الباحثين ممن سبقوه، فإن ذلك يصبح خاصية من خواص بحوثه، وقد لا يستطيع أن يتحول فيما بعد باحثا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث. ومهما كان الأمر على الباحث عدم الإسراع في هذه المرحلة، عليه أن يتخير ويحدد ما له فائدة وقيمة علمية في مجال التخصص، وأن يكون منطلقا لدراسة علمية أوسع، إن طلبة الدراسات العليا يقومون باختيار موضوعاتهم، إما بناء على رغبة صادقة تتركز في ميادين معينة أو أنهم أثبتوا جدارة فيها، أو رغبة منهم بالتخصص في ميادين اختاروها لأنفسهم حينما حصلوا على درجة الماجستير لتصبح قاعدة للتخصص في مرحلة الدكتوراة، ولا شك أن الميل المرتبط بالتفوق يقوي الحدس، الأمر الذي يمهد لظهور أفكار سديدة. هناك أسس أخرى لاختيار موضوع البحث هي: بروز أهمية كبيرة لظاهرات معينة أو جدال حول مسألة معينة ويراد حسمه بالبحث العلمي، أو ورود الموضوع تلقائيا على خاطر الباحث وانبثاقه في ذهنه أثناء فترة انشغاله بالتفكير في موضوع يجعله مركز نشاطه البحثي، وقد يطرح أثناء مناقشة علمية، أو حديث عام، أو نتيجة الصدفة أثناء قراءات الباحث واطلاعاته. ومهما كانت أسباب اختيار البحث، على الباحث أن يلتزم بمعايير ذاتية وأخرى علمية وأخيرة تتعلق بظروف تنفيذ البحث من حيث المعايير المدانية والزمنية والمادية.

_ 1 Pick L. J. Ford E. W Smith. "A Student Handbook on note Taking, Essay Witing study and thesis Presentation" london. 1961, p39.

1- أن يتم اختيار البحث ذاتيا وبتأن للأسباب التي ذكرناها أعلاه. 2- أن يلاقي البحث المختار حبا من الباحث، ويعني ذلك الرغبة الصادقة المخلصة في كشف مختلف جوانب البحث الغامضة بموضوعية، والوصول إلى الحقيقة، وما دام حب البحث لذاته وابتغاء الحقيقة هو الهدف والمحدد لسير عمل الباحث، فلا يهم أن يكون الموضوع متناقضا أو منسجما مع ميول الباحث وعواطفه. 3- أن تكون المشكلة المطروحة بقدر طاقة الباحث على العمل من النواحي الفكرية وإمكانية حصوله على مصادر البحث ومراجعه، وإن وجود قاعدة واسعة من القراءة والاطلاع من الأمور الهامة في إجراء البحوث، بحيث يتخير الباحث مجموعة من المصادر في حقل التخصص، متنوعة من حيث الزمن والمدارس والمناهج، مما يقوده إلى اكتشاف بحوث وموضوعات تقوده إلى مزيد من الدراسة والبحث. 4- أن تكون المشكلة المختارة جديدة في عنوانها ومضمونها، أي أن تضيف معرفة جديدة، وهنا يتساءل الباحث فيما إذا كانت هذه المشكلة قد بحثت من قبل، وإذا رغب ببحثها إما أن يكون السبب تغيير المنهج أو الطريقة، أو وقوفه على أصول تسوغ إعادة البحث من جديد، أو إذا كان متشككا بنتائج البحث، مستندا في كل ذلك على أساس علم يبرر علمه. هذا وبإمكان الباحث الإلمام بالبحوث المنجزة، المنشورة وغير المنشورة، وكذلك البحوث غير المنجزة، والتي يقوم الباحثون بإنجازها ولم تنشر تقاريرها بعد، وذلك من خلال الحاسب الآلي "الكومبيوتر" حيث تعمد الدول المتقدمة إلى إنشاء مراكز تبادل المعلومات العلمية، وفي المجال الأكاديمي أخذت بعض الدول العربية بإصدار نشرات تتضمن إنتاجها العلمي من البحوث المنجزة خلال سنوات إنجازها. 5- معيار هام وهو ألا يكون البحث المختار واسعا جدا أو ضيقا جدا، وكلما كان ضيقا كان أكثر صلاحية للبحث والدراسة، بحيث يلم الباحث وبخاصة المبتدئ

بأطراف البحث وتفاصيله، ويتعمق بأغواره، ويحيط بمادته ومصادره، آخذا بالاعتبار أن حدود البحث الواسعة قد تعرض إلى نقص جوانب فيه، قد تكون جوانب رئيسة، مما يعرض البحث إلى الضعف والضحولة بالقياس إلى من سلفه من الباحثين في المجال نفسه، ومما يجعله مضطرا للاستعانة بغيره، بآراء من سبقه من الباحثين، وقد يتحول إلى مسجل دون آراءهم وأفكارهم ونتائج بحوثهم، دون أن يستطيع الإضافة إليها شيئا ذا بال، كما أن دراسة موضوع محدد في تفصيل وشمول أفضل بكثير من تقديم دراسات عامة حول موضوع واسع لا يخدم البحث العلمي في اتجاهاته الحديثة. إن الحجم والكم في البحث العلمي ليس ذا قيمة علمية، وكثيرا ما يتعرض الباحث لبحث متعدد الجوانب، تحف به سعة الموضوع، وفي هذه الحالة علية أن يختار جانبا يفتقر إلى دراسة مستقلة متعمقة ويستنبط منها ما هو حري بالإضافة إلى البحوث والعلمية، ولا يعني ما ذكرناه أن يكون البحث ضيقا جدا فهو بحد ذاته لا يتحمل في حدوده تأليف رسالة علمية، كما يعاني الباحث كثيرا في معالجتها. 6- ألا يكون موضوع البحث من الموضوعات التي يشتد الخلاف حولها، أو أنه موضوع علمي معقد أو غامض، وفي هذه الحالة يحتاج البحث إلى فحص وتمحيص، ومن الصعب أن يكون الباحث موضوعيا في الوقت الذي تكون فيه الحقائق والوقائع مختلفا فيها، كما أن الموضوعات العلمية المعقدة تحتاج إلى تقنية عالية، وهي بحد ذاتها صعبة على الباحث المبتدئ في هذه المرحلة، أما الموضوعات الغامضة فيتبعها غموض الفكرة، بحيث لا تمكن الباحث أن يضيف المعلومات والبيانات التي تكون ركيزة هامة في إعداد مثل هذه البحوث بسهولة، مما يجعل من الصعوبة بمكان الخروج برؤية وتصور واضح للموضوع. 7- أن يكون البحث ذا فائدة علمية، فالبحوث العلمية لها أهميتها في بناء الفكر والنظرية، وهذه بحد ذاتها تفيد جهات أخرى لغايات عملية تطبيقية.

8- أن يستفاد من تعميم نتائج البحث، بأن يختار الباحث بحثا له طابع الشمول، يسهل تعميم نتائج على الحالات المشابهة، مما يعطي البحث أهمية وقيمة علمية واجتماعية كبيرة. 9- يميز البحث الجيد بأنه يوجه الاهتمام إلى موضوع ما، وتقويم المشكلة يكون من خلال قدرتها على إثارة اهتمام الباحثين، بمعالجة جوانب أخرى من البحث، ولهذا فإن كشف بحث ما عن مجالات جديدة تحتاج إلى بحث هي في حد ذاتها نتيجة هامة للبحث، إن البحث الجيد يكشف عن مشكلات هامة تتطلب أبحاثا جديدة متعددة مكملة أو ضابطة أو مصممة. 10- إن مدى إمكانية الاستعانة بالخبراء أو المتخصصين في موضوع البحث أمر هام بهدف الوصول إلى التصميم الفعال والشمولي للبحث المراد تنفيذه، وفق الأهداف المتوخاة منه. 11- تتطلب بعض البحوث التأكد من توافر ظروف العمل الميداني، لتنفيذ الباحث منهاجه، وهو أمر ضروري ومن الأهمية بمكان، بمعنى أن المصادر البشرية لجمع البيانات بوساطة "الاستبيان" أو المقابلة الشخصية مستعدة للتعاون والإدلاء بالمطلوب، وقد يتطلب البحث نوعا من المشاركة بالملاحظة فإن لم تتوفر هذه الظروف فلا مناص للباحث من العدول عن بحثه إلى بحث آخر. 12- إن الزمن الذي يستغرقه البحث بالغ الأهمية بالنسبة للباحث، ويتراوح ذلك بين الوقت القصير والوقت الطويل، تبعا لموضوع البحث من جهة ونشاط الباحث من جهة معينة أو مفروضا ووضع الباحث إن كان متفرغا لتنفيذ البحث أو غير متفرغ، ومدى توافر مصادر المعلومات والبيانات ... 13- من المعايير الهامة في اختيار مشكلة البحث طاقة الباحث المادية، وتعير بعض الدول انتباهها للإمكانات المادية بشكل جيد، وبعضها لا تعيره الاهتمام المناسب كما هو الحال في الدول العربية، ولهذه الإمكانات أهمية بالنسبة لبعض البحوث، بخاصة حينما تكون لهذه البحوث آثارا على المجتمع، ولعل ما يشكو منه الباحثون ويسعون إليه هو رفع مستوى الإنفاق على البحث العلمي فيها.

المبحث الثاني: وضع عنوان البحث

المبحث الثاني: وضع عنوان البحث يقال: الكاتب من أجاد المطلع والمقطع، وعنوان البحث مطلعه، بحيث يكون جديدا مبتكرا، حاملا الطابع العلمي الهادئ الرصين، مطابقا للأفكار الواردة بعده ومعبرا عن المشكلة باختصار، مبينا طبيعتها ومادتها العلمية، يعطي انطباعا أوليا في عبارات موجزة توحي للقارئ بفحوى البحث. إن ما يجب الابتعاد عنه العناوين العامة، ومن أجل هذا يتخير الباحث الألفاظ المعبرة، ويفضل في اختيارها أن تكون ذات طابع شمولي، بحيث لو استدعت الدراسة التعرض لبعض الموضوعات ذات الصلة بالبحث، لما اعتبر هذا خروجا عن موضوعه، كما أنه لو اكتشف الباحث سعة يضيق معها الزمن المحدد له، لأمكن التصرف فيه، والعكس، إذا كان الزمن مضغوطا، ضيق الآفاق والحدود من البداية، فإن أي خروج عن مداره أثناء البحث يعتبر خطأ في المنهج وابتعادا عن الموضوعية. تقتضي الدراسة العلمية المنهجية الوصول إلى عنوان واضح دقيق، يوحي للقارئ بفحوى مضمون البحث، ومدى استفادته منه، لهذا من الضروري استشارة الأساتذة الأكفاء لإبداء رأيهم ومقترحاتهم حول عنوان البحث، ومناقشة مدلوله، والتعرف على أبعاده، ويزيد هذا من اطمئنان الباحث في الوقوف على اختلاف وجهات النظر. وكما يضطر الباحث أحيانا إلى تعديل موضوع بحثه، فقد يضطر إلى تعديل عنوان بحثه، وهو أمر طبيعي، قد يتم بعد توغل الباحث في مجالات بحثه، إذا اتضحت له أمور وذيول لم يكن قد تعرف عليها قبلا، وهو أمر يزعج الباحثين في المجال الأكاديمي، طلبة الماجستير والدكتوراة، لهذا كان من المستحسن أن يكون التذبذب في خط سيرهم ضئيلا، كي لا يضطرون إلى التعديل كثر أو قل.

المبحث الثالث: وضع خطة البحث

المبحث الثالث: وضع خطة البحث خطة البحث هي هيكلة وصورة متكاملة عنه، كل عنصر فيها يكمل جانبا من جوانب تلك الصورة، ولكل بحث خطة عامة "outline" تختلف من بحث لآخر، تبعا للموضوع أو نوع المادة أو المدة المحددة للبحث، وغير ذلك من المؤثرات التي تتصل بالظروف المختلفة التي تحيط بكل موضوع. تعتبر مرحلة وضع خطة البحث أنسب المراحل لترتيب موضوعات البحث، ومهما اختلفت الخطط فلا بد من أن تحتوي وفق صورتها التقليدية المتعارف عليها ما يلي: 1- عنوان البحث. 2- مقدمة البحث وتشمل: تقرير المشكلة، طبيعتها العلمية وحالتها العملية و ... 3- متن البحث وهو: الفهرس العلمي لمشكلة. 4- المصادر والمراجع الأساسية للبحث. تشكل هذه العناصر بحد ذاتها خطة أولية للبحث، ومنطلقا لخطة كاملة له، وقد لا تكون الخطة كافية وافية منذ البدء، وكثيرا ما تتعرض لتغيير وتبديل يزيد من قيمة البحث، ويضاعف أهميته، لهذا نميز بين الخطة الأولية والخطة النهائية: يعد الباحث الخطة الأولية بعد أن يكون قد كون فكرة واضحة بعض الوضوح عن موضوعه، أما الخطة النهائية فهي تفصيل وتفريع لكل المشكلات الرئيسية والفرعية، وقد يضطر الباحث في ضوء التغذية الراجعة التي يتلقاها بوساطة السمينار1

_ 1 موضوع تبحثه حلقة دراسية.

الذي أخذت الجامعات في الدول العربية بإجرائه، أو بعد استشارة ذوي خبرة في مجال بحثه أو أخذ معلومات من مؤسسة أو هيئة علمية تفيده في هذا الشأن، يضطر إلى أن يجري تعديلا أو تغييرا زيادة أو نقصانا. هاتان الخطتان لا يمكن إعدادها إلا بعد أن يكون الباحث قد قام بقراءة واسعة للمصادر والمراجع ومظان البحث حول موضوعه ومناقشتها، أو قام بملاحظات حول ظاهرة يدرسها، بحيث أن القراءة والملاحظة تنير طريقه وتمده بالمعلومات العلمية، إذا كانت لها صلة وثيقة ببحثه، وتساعده بالتالي على وضع خطة جيدة، تبرز عناصرها في خطوط منسقة، تيسر للباحث معالجة الموضوع ودراسة منظمة وإدراك ثغرات البحث وجوانب ضعفه وتلافيها. يحدد الباحث موضوع بحثه، ويقوم بقراءات أولية حوله، وهي أمر هام وأساسي بخاصة لطلبة الدراسات العليا، حيث تتطلب منهم جل الاهتمام، يقود ذلك إلى الاطلاع على ما كتب عن موضوع البحث، ويفيده هذا في تحري الدراسات المختلفة التي تمت في شأن موضوعه، أو حول ما يحيط بموضوعه، وهكذا يدون ويشكل أولى المصادر والمراجع التي يحصل عليها، ويجد الباحث أن بعضها تتصل بموضوع بحثه اتصالا عاما، وبعضها يخص بعض أبوابه، وبعضها يتصل بفصل من فصوله، وفق الخطة الأولية التي وضعها، وبشكل عام إن كل ما يحصل عليه في هذه المرحلة من مصادر ومراجع ينير له الطريق ويمهد له سبل الاطلاع، ويجعل إحاطته بموضوع بحثه أكثر تكاملا وشمولا، وسوف نأتي في موضع آخر على إعداد مصادر البحث ومراجعه بشكل مفصل.

المبحث الرابع: إعداد أولي للمصادر والمراجع

المبحث الرابع: إعداد أولي للمصادر والمراجع هو خطوة هامة، إذ كثيرا ما يعزف الباحث عن موضوع بحثه في حال عدم توفر ركائز مرجعية أولية لموضوع بحثه، تعينه على المضي في عمله، ويتم ذلك من خلال الاطلاع والقراءة الواسعة لما كتب حول موضوع البحث الذي هو بصدده، بحيث تجعل الباحث ملما إلماما كافيا بجوانب البحث من خلال الاطلاع على كل ما تم من دراسات، وكثيرا ما يرى الباحث من خلال قراءته هذه الفائدة في كشف بعض الثغرات فيما خططه لمحتويات البحث، وإغنائه لجوانب مفيدة، والقراءات الأولية هذه تكشف له عن قيمة موضوعة، ومداه من حيث الطول أو القصر، وتحديد الطرق والوسائل لمعالجة المشكلات البحثية، والاطلاع على مناهج البحث من خلال ما بحث سابقا والتوجه نحو أفضلها. وما يفيد الباحث في الحصول على ما ذكره هو رجوعه إلى الموسوعات العلمية ودوائر المعارف، والبحوث العلمية، وفهارس المكتبات، ومراكز البحث العلمي، والنشرات العلمية والقوائم البيلوغرافية التي تأتي عادة في نهاية المؤلفات بخاصة الحديثة منها، ذات الصلة بموضوع البحث، هذا ويعتبر ثبت المراجع الذي يدونه الباحث بشكل أولي قابل للزيادة وبشكل دائم أو للحذف منه ما لا ضرورة له، ويتبين ذلك للباحث خلال معالجة موضوعات بحثه، ومهما كان الأمر فإن توفر المصادر بشكل أولي يوجد لدى الباحث اطمئنانا وإحاطة بالدراسات والبحوث التي تمت حول موضوع بحثه سابقا. إن الإعداد الأولى للمصادر والمراجع قد لا يقتصر على المكتبة منها، بل إن ما يجريه الباحث من محادثات مع المتخصصين حول موضوع بحثه مصدر أولي لما يحوم حول بحثه، ولمقابلة هؤلاء فائدة أخرى هي توجيه الباحث نحو جوانب نافعة لبحثه، ومصادر أولية تغني هذه الجوانب، وقد بحثنا في موضع آخر مصادر البحث وكيفية الاستفادة منها بشكل مفصل.

الفصل الحادي والعشرون: مرحلة إعداد البحث العلمي

الفصل الحادي والعشرون: مرحلة إعداد البحث العلمي مدخل ... الفصل الحادي والعشرون: مرحلة إعداد البحث العلمي تمهيد: إن تصميم1 البحث عملية كبرى ومسيرة منهجية على جانب كبير من الأهمية، وتتكون من مراحل محددة تتبع كل منها الأخرى في تسلسل منطقي مضبوط، ينظمه التفكير السليم، بهدف معالجة الظاهرات التي تحتاج لبحث مستفيض أو معرفة أبعادها، وأسباب حدوثها، وبيان السبل الكفيلة بمعالجتها، هذا وعلى الباحث أن يراعي في تصميم البحث طبيعة المشكلة، والوقت الكافي لمعالجتها وفي منهجية علمية، بهدف الوصول إلى تصميم فعال وشمولي للبحث المراد إنجازه، ويتم ما ذكرناه عبر مراحل تتناول تحديد المشكلة ووضع الفروف بهدف اختبارها وتحديد المادة العلمية وإعدادها وتحليلها وهكذا تتمثل أهم مراحل إعداد البحث العلمي بالآتي:

_ 1 التصميم لغة هو المضي في الأمر على رأي بعد إرادته، والمضي يعني مسيرة تستغرق وقتا، والمسيرة عملية حركية ذات مراحل، يتقدم خلالها المصمم خطوة خطوة، من البداية إلى النهاية، أما الأمر فهو الفكرة السابقة على التصميم والداعية إليه "ابن منظور: لسان العرب. ج15، فصل الصادر، حرف الميم".

المبحث الأول: تحديد مشكلة البحث وبيان أبعادها

المبحث الأول: تحديد مشكلة البحث وبيان أبعادها بعد أن يتم اختيار المشكلة يبدأ الباحث بتحديدها وبيان حدودها ومن ثم عرضها، وهو أمر ليس سهلا بل هو أدق وأصعب مراحل البحث العلمي، ونعني بتحديد المشكلة صياغتها في عبارات واضحة ومفهومة ومحددة، تعبر عن مضمون المشكلة طبيعتها ومادتها الأساسية، مما يرشد الباحث إلى مصادر تساعده في معالجتها، وهذا يعطي نصف الحل في وضوح واكتمال بحيث لا يكون هناك أي لبس فيما يتعلق بموضوع الدراسة. وهناك طريقتان لصياغتها: إما أن تصاغ بعبارة لفظية تقديرية، أو تصاغ بسؤال أو أكثر وهو الأفضل من الناحية العلمية، ولكي يسهل ذلك على الباحث عليه أن يقف على الأسباب التي أدت إلى وجود المشكلة والأبعاد المكونة لها، وللوقوف عليها يجب أن يتم نوع من التعاون بين الباحث وبين من لهم خبرة وتخصص في مجال المشكلة، وعلى الباحث أن يحصل على إجابات علمية ومقنعة لعدد من الأسئلة النظرية التي ترتبط بموضوع المشكلة، تاريخ ظهورها ومدى تطورها والنقص الناجم عن القيام بدراستها، أو سبق أن درسها باحثون آخرون، والقراءة التحليلية لهذه الدراسات تبين للباحث مدى إمكانية القيام بدراستها بمنهج علمي والجوانب التي لم تدرس، والأبعاد التي تتطلب اهتمامات أكثر، بحيث تصبح نقطة البدء في البحث، وتمييز نقاط الضعف والقوة من حيث الإطار النظري أو المنهج المتبع، بخاصة إذا أدى بحثه إلى تعديل هذا الإطار وفق مستجدات البيئة. أما أبعاد المشكلة أو حدودها: فيأتي تعيينها بعد أن يقوم الباحث بكتابة مقدمة بحثه وتحديد دقيق المشكلة البحث، ويقصد من أبعاد المشكلة تعيين جوانب المشكلة ومجالاتها، بهدف المزيد من التحديد والتوجه نحو الفرض الرئيس للمشكلة، مما يعمل على جعل اهتمامات الباحث مركزة على محور المشكلة بعد وضع حدودها.

المبحث الثاني: وضع الفروض

المبحث الثاني: وضع الفروض نعرف الفرض بأنه: تخمين معقول للحل الممكن للمشكلة. أو أنه: جملة أو عدة جمل تعبر عن إمكانية وجود علاقة بين عامل مستقل وآخر تابع، فهو يعبر عن: المسببات والأبعاد التي أدت إلى المشكلة والتي تم تحديدها بوضوحز وقد ذكرنا في موضع آخر بأن مشكلة البحث تصاغ بشكل سؤال أو أكثر من سؤال وحل هذه المشكلة هي الإجابة عن أسئلة الدراسة، هذه الإجابة هي ما نسميه فروضا، وهي جهد أساسي لكل باحث علمي. يتم وضع الفروض بعد أن يكون الباحث قد استند إلى مصادرها وهي: 1- البحوث والدراسات والنظريات السابقة التي تعرضت إلى موضوع البحث. 2- الملاحظات العامة التي تجمع وتتعلق بموضوع البحث. 3- البيانات والإحصاءات التي تم جمعها حول موضوع البحث. وهناك ثلاثة أسس يعتمد عليها بناء الفروض هي: 1- المعرفة الواسعة: حول موضوع المشكلة وما يتصل بها من موضوعات. 2- التخيل: ويعني هذا أن تكون عقلية الباحث قادرة على تصور الأمور وبناء علاقات يخضعها للتجريب. 3- الجهد المبذول: سواء بالمناقشة مع الآخرين، أو استخدام الاختبارات والقياس في عملية بناء الفروض. إن الفروض غير الافتراضات وهذه هي: مسلمات البحث، وهي عبارات يصيغها الباحث، قد تكون حقائق واضحة، أو بدهيات لا تحتاج إلى إثبات، أو أن يقدم الباحث عليها دليلا، وقد تكون العكس بشرط أن لا يخالف الباحث حقائق علمية معروفة وأن يبني على هذه المسلمات استنتاجاته ونظريته، وبحدود هذه المسلمات تكون استنتاجاته أو نظريته صحيحة، والباحث يستطيع أن يفترض ما يشاء من مسلمات على أن لا يخالف حقائق علمية معروفة بحيث تكون الإجابة على مسلماته صحيحة. أما الفروض فهي إجابات مختلفة لهذا فهي فروض مبدئية "Tentative Hypothesis" قد تثبت الدراسة صحتها أو عدم صحتها، ومن هنا كانت الفروض.

نوعان سلبية "Non Hypothesis" "صيغة النفي" وإيجابية أو مباشرة "Directional Hypothesis" صياغة الإثبات ومهما كان الأمر فإن الإجابة المتحملة أو الفرض، هو استنتاج غير عشوائي من الباحث، مبني على معلومات نظرية أو خبرة علمية محدودة من التعميمات القائمة على الملاحظة، فما يتعلق باتجاه أو آلية السببية بطريقة تسمح بإجراء تجارب علمية1 لاختبار هذه الفروض، ولهذا العمل أهمية ليس في ممارسة البحث العلمي فحسب، فهي أداة رئيسة حاسمة في علوم الأحياء "البيولوجيا" والطب وعلم النفس، بل إنها ذات أهمية قصوى في البناء النفسي والفلسفي للمعرفة العملية. يقوم الباحث بفحص الفرض بوساطة اكتشاف حقائق جديدة وفق مبادئ متفق عليها في المعرفة والمنطق، ينتهي إلى صحة الفرضية أو العكس، وبالتالي يشكل الباحث النتيجة الرئيسة في بحثه، وبهذا يضيف إلى حصيلة المعرفة حقيقة جديدة، وتكمن قيمتها في أنها تفسر كل الحالات المشابهة، والتي لم تدخل في مجال البحث الذي قام به، هذه العملية هو ما نسميه بالتعميم "Generalization". يستطيع الباحث أن يميز فروضه إن كانت جيدة أو العكس وذلك بالرؤية المباشرة "الضوضاء في الشارع" أو باختبارها إحصائيا، أو بسلسلة من الخطوات: استنباط المترتبات "كتعريف الكاتب" أو من خلال معقولية الفرض وإمكان التحقق منه وقدرته على تفسير الظاهرة المدروسة وانسجامه مع النظريات القائمة، أو باستخدام الاختبارات وهي قسمان: 1- وجود علاقة أو ارتباط بين مجموعتين أو أكثر: ويتم استخدامها في حالة الفرضيات التي تقوم على فحص مدى وجود علاقة أو ارتباط بين متغيرين أو أكثر،

_ 1 نعرف التجربة العلمية بأنها تمثل إيجاد ظروف اصطناعية محددة، تسهل دراسة استجابة نظام، والقيود تفرض بطريقة علمية، وبشكل ما، كأن يمكن أن يحدث في الطبيعة دون تدخل القائم بالتجربة، لذلك فإن الفلكيين لا يقومون بإجراء التجارب، وإنما يقومون بإجراء ملاحظات، وعلى العكس يعمل المشتغلون بعلوم الفيزياء والكيمياء والعلوم البيولوجية في ظروف أن توجد دون تدخل الباحث.

والغاية من هذه الفرضيات إيجاد مدى تأثير المتغير المستقل على المتغير التابع، وقد تكون العلاقة موجبة أو سالبة، وكلما اقتربت العلاقة من "-" أو "+" تكون قوية بين المتغيرين، وكلما اقتربت من الصفر تكون ضعيفة و "-1" و"+1" هي نتائج معظم الاختبارات التي تستخدم في مثل هذه الحالات. يستخدم هذا النوع من الفرضيات نوعين من الاختبارات: الأول: في حالة كون مجتمع الدراسة الذي أخذت منه العينة موزعا توزيعا طبيعيا. والثاني: يستخدم في حالة كون مجمع الدراسة الأصلي الذي أخذت منه العينة موزعا توزيعا غير طبيعي. ومن الأمثلة عن هذه الاختبارات التي تستخدم لقياس العلاقة بين متغيرين أو أكثر في حالة "التوزيع غير الطبيعي"، اختبار سبيرمان "Spearmans Rank Correlation" ومن الأمثلة عن الاختبارات التي تستخدم في مجتمع الدراسة "التوزيع الطبيعي" اختبار تحليل الانحدار "Regression Analysis". 2- اختبار وجود اختلاف بين متغيرين أو مجموعتين من الأفراد أو المشاهدات أو أكثر: يقيس هذا النوع من الاختبارات مدى وجود اختلاف أو تباين، وبشكل مقبول إحصائيا ما بين مجموعتين من الأفراد أو المشاهدات أو أكثر: ومن أمثلة الفرضيات التي يمكن فحصها بهذا النوع من الاختبارات "الاختلاف بين استهلاك الفرد من المشروبات الساخنة في فصل الصيف وبينها في فصل الشتاء" وبين "رواتب الذكور ورواتب الإناث في معمل ما" و"نسبة ربح سهم الشركة بين كل من الشركات الصناعية وشركات الخدمات وشركات التأمين". نلاحظ من خلال هذه الفرضيات أن الاهتمام يتركز في محاولة إيجاد مدى التفاوت أو الاختلاف بين مجموعتين من الأفراد، أو المشاهدات، ففي حالة فرضية الرواتب نحاول التحقق من مدى وجود اختلاف في مستوى الرواتب بين الذكور والإناث.

ويتم هنا استخدام الاختبارات التي يكون فيها مجتمع الدراسة الأصلي "التوزيع الطبيعي" أو "غير الطبيعي" وبنفس الشروط استخدام الاختبارات في حالة الاختبارات التي تقيس مدى وجود علاقة بين متغيرين أو أكثر كما شرحنا أعلاه، ومن الأمثلة على الاختبارات "التوزيع غير الطبيعي" لقياس الاختلاف بين مجموعتين من الأفراد أو المشاهدات اختبار مان وتني "Man-whitiney" ومن الأمثلة على الاختبارات التي تقيس نفس الاختلاف بين مجموعتين أو أكثر اختبار كرسكل ولاس "Kriskal-wallis" ومن الأمثلة على اختبارات المعلمية التي تقيس الاختلاف بين مجموعتين من الأفراد أو المشاهدات اختبار "T. Test" واختبار "Multiple Discriminant Analysis"1. يعبر الفرض عن علاقة بين متغيرين لهذا يصاغ بشكل يوضح هذه العلاقة رغم أن العلاقة بين المتغيرات ليست بالضرورة بهذا القدر من الوضوح أيضا، ويتم اختبار الفروض بعد بنائها "البرهان" إذ أن بناء الفروض لا يعني وصول الباحث إلى الحقيقة في حل مشكلة البحث فالفرض تخمين يتم اختباره واختبار الفرض يؤدي إلى قبوله أو عدم قبوله، يقبل الفرض في حالة استطاعة الباحث أن يجد دليلا واقعيا ملموسا يتفق مع جميع المترتبات على هذه الفروض، والفروض لا تثبت على أنها حقائق، ولكن وجود الأدلة يشير إلى أن هذه الفروض على درجة عالية من الاحتمال، وتزداد درجة الاحتمال إذا تمكن الباحث من الأدلة التي تؤيد الفرض، أما في حالة عدم قدرة الباحث على إيجاد الأدلة التي تؤيد صحة الفرض، فإن الفرض يجب أن يبقى قائما، وفي حال وجد الباحث أدلة تعارض هذا الفرض وتثبت عدم صحته، حينئذ على الباحث التخلي عن فرضه، هذا ورغم تشابه الفرضية مع النظرية في كونهما تخيلات ذهنية، إلا أن النظرية أوسع من الفرضية فهي تشمل عدة فورض، وهي بعد إثباتها. أكثر قدرة من الفرض على تفسير أكثر قدر من الظاهرات. وهكذا تتمثل الفروض في توجيه الباحث نحو المعلومات والبيانات المتعلقة بالفروض، ونحو الطرق السليمة لما يجب جمعه لإنجاز أهداف الدراسة التي تم وضعها سلفا، لتحديد مسببات المشكلة أو الظاهرة موضوع البحث، وتقديم المساعدة لتحديد الأساليب المناسبة لاختبار العلاقات المحتملة بين عاملين أو أكثر من خلال تقديمها تصورات نظرية "بداية ونهاية" للعلاقات بين العوامل المستقلة والتابعة من جهة، وبذلك تمد الباحث بإطار نتائج البحث.

_ 1 محمد عبيدات وزملاؤه. منهجية البحث. مرجع سبق ذكره، ص136، 139.

المبحث الثالث: تحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها

المبحث الثالث: تحديد المادة العلمية اللازمة وجمعها إن تحديد وتدوين المعلومات اللازمة للكتابة في بحث معين من الأعمال التي تأخذ جهدا ووقتا كبيرين، ولعل أخطر ما يعرض البحث العلمي للانهيار، أن يجمع صاحبه كل ما يتصل بعنوانه من مادة علمية دون غاية، باختيار أو تصنيف. وكثير من البحوث يؤدي بها ذلك إلى أن تصبح طوائف من المعارف، منها ما يرتبط بها ارتباطا وثيقا دقيقا ومنها لا يرتبط بها تماما، وليس ذلك فحسب، فإن كثيرا منها يسوده التشويش وتشيع فيه الفوضى، وأكثر البحوث تجري على هذا النمط حيث تحتوي سيولا وأكواما من المعارف، كان ينبغي أن يحذف منها الكثير، ويحدث ذلك إذا لم يكن الباحث قد تمثل المادة تمثلا كافيا أو لم يتبع قاعدة التنظيم، بحيث يحدد كل ما تصل بنقطة واحدة من عناصر الموضوع. ويستبعد كل ما ليس له صلة بالموضوع والطريقة التقليدية المتبعة هي على النحو التالي: 1- أن يخصص كل فكرة يدونها ببطاقة مستقلة، قد يضيف إليها بعض المعلومات فيما بعد. 2- أن يضع عناوين خاصة بالمعلومات المقتبسة مما يسهل تصنيفها. 3- أن يستعمل الجانب الأيمن من البطاقة لعنوان المعلومات التي تحتويها البطاقة، ويسجل في نهايتها اسم المؤلف وعنوان الكتاب ورقم الجزء إن وجد رقم الصفحة

أو على الجانب الأيسر من البطاقة، ولا بد أن تكون هذه المعلومات دقيقة وافية، لأنها هي المرجع لا المصدر المقتبس منه في نهاية البحث، والطريقة النظامية لتنظيم البطاقات هي: 1- توزيع البطاقات في مجامع خاصة بحسب: الموضوعات أو الخطة أو المنهج المتبع بالبحث. 2- وضع كل مجموعة في ملف مكتوبا عليه عنوان موضوع كل مجموعة وعمل فهرسة مختصرة لمحتويات كل منها تحت العنوان العام. 3- وضع أرقام متسلسلة لكل مجموعة من الملفات، أو تسلسل الموضوعات كما وردت في خطة البحث. 4- تخصيص بطاقات معينة لوضع فهرس عام لما تحويه الملفات، لتيسير الحصول على البيانات المدونة في البطاقات بشكل مفصل. إن البيانات التي يقوم الباحث بجمعها نوعان: بيانات ثانوية "Socondary Data" وأخرى أولية "Primary data" فالأولي تم جمعها في فترات زمنية سابقة، ونشرت دون أن يكون لها اتفاق مع أهداف الدراسة التي يقوم بها الباحث في حينه، وذلك لاختلاف المضمون والنتائج مع البيانات أما الأولية فهي التي تم الحصول عليها من خلال دراسة الباحث. تتميز البيانات الثانوية بسرعة جمعها والاستفادة منها، وما على الباحث سوى التحليل والمناقشة، أما البيانات الأولية فيتم الحصول عليها من خلال مراحل البحث العلمي، بوساطة المسوحات الشاملة أو العينات، وهناك أربع طرق رئيسية هي: المقابلة "Interview" والملاحظة "Observation" والاستبيان "Questionnaire" والأساليب الإسقاطية وهي أصعب وسائل التحليل ودراسة ردود الفعل، وأساليب أخرى تعرضنا لها في موضع آخر، لدى دراسة أدوات البحث العلمي. هذا ونشير إلى أن أهم ما يميز البيانات الأولية هو إتقان وانسجام ما يتم جمعه مع أهداف البحث أو الدراسة موضوع الاهتمام، بالإضافة إلى ثقة الباحث بما حصل عليه من معلومات أو بيانات، ويلجأ إليها عادة في حال عدم توافر البيانات الثانوية، أو عدم كفايتها، أو رغبة من الباحث بمزيد من الدقة والتأكد.

المبحث الرابع: إعداد المادة العلمية وخزنها

المبحث الرابع: إعداد المادة العلمية وخزنها بعد أن يجمع الباحث المادة العلمية يقوم بتجهيزها وإعدادها للخزن، ومن ثم للتحليل ويتم ذلك بتدقيق ما حصل عليه من مادة علمية سواء من مصادر مكتبية، أو دراسات ميدانية، ففي حال حصول الباحث على بيانات بوساطة الاستبيان أو المقابلة أو الملاحظة، فإن التدقيق هنا أمر ضروري للخروج بنتائج موضوعية دقيقة بعيدة عن أهداف شخصية أو ذاتية من الباحث، بحيث تبين للباحث مدى دقة المبحوث في إجاباته، وفهمه أو عدمه لبعض ما ورد في الاستبيان مثلا، وملء الاستبيان من المبحوث ذاته، والجدية في الإجابة عن الأسئلة، وعدم الإجابة على بعض الأسئلة، أو السهو من قبل المبحوث، أو عدم فهم المبحوث الهدف من السؤال أو ترك بعض الأسئلة دون إجابة، بشكل مقصود من المبحوث، لسرية المعلومات المطلوبة، أو لكون الأسئلة شخصية أو ... هذا وتستبعد الاستبانات التي تكون فيها نسبة عدم الإجابة عن الأسئلة "25%" أو ما يزيد إلا في حالة كون الأسئلة غير المجاب عليها ليست ذات أهمية عالية، حيث يتم قبول الاستبيان وتدخل في عملية التحليل، وأفضل طريقة لمعالجة الأسئلة الفارغة هي الاعتماد على استبانات الأشخاص الذين أجابوا على أسئلة الاستبيان وأما الاستبانات التي ترد من أسئلة فارغة من الأجوبة، فيتم معالجة الأسئلة الفارغة بإيجاد الوسط الحسابي لإجابات المبحوثين الذين أجابوا عن السؤال المعنى، ومن ثم إعطاء ذلك الوسط للذين لم يجيبوا عن السؤال، أو إيجاد الوسط الحسابي للأسئلة التي تمت

الإجابة عنها في الاستبيان، وإعطاء ذلك الوسط للأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها، وفي هذه الحالة يجب توخي الحذر في معالجة المجموعات المتجانسة، واختيار الإجابات المحتملة للسؤال وبشكل عشوائي، وإعطاء تلك الإجابة للأفراد الذين لم يجيبوا عن ذلك السؤال. يأتي بعد تدقيق الإجابات ترمز البيانات، ولا تقتصر عملية الترميز على البيانات غير الرقمية حيث تعطى لها أرقام بل تستخدم أيضا مع البيانات الرقمية ذاتها، وتتمثل عملية الترميز بالتعبير عن الإجابات بطريقة مختصرة ومقبولة للقراء من قبل الحاسوب، في حال كون الإجابة محددة بخيارات معينة أو بأرقام، وتتم هذه العملية بإعطاء كل قسم من الاستبيان حرف معين، ثم ترقم أسئلة كل قسم، بشكل متسلسل مثال ذلك: القسم الأول حرف "A" وترقم الأسئلة: "A3, A2, A1 ... " وعلى نحوه القسم الثاني والثالث وهكذا ... وفي حال تعلق السؤال بالجنس فإنه يعطي للسؤال الرمز "A1" ثم تعطي الإجابات الرقم: 1- للذكور و2- للإناث. هذا ولتدقيق البيانات نختار عددا من الأسئلة بشكل عشوائي، وتتم المقارنة بين الإجابات الموجودة في الاستبيان، والإجابات المدخلة إلى الحاسوب، فإذا وجدت اخطاء يعاد تدقيق جميع الإجابات بشكل إفرادي، أو بتفريغ البيانات إلى الحاسوب في ملفين، ومن ثم إيجاد العلاقة لكل متغير في الحالتين، حيث يجب أن تكون نتيجة العلاقة = 1- أي علاقة تامة. بعد تدقيق البيانات تدخل من ثم للحاسوب تمهيدا لإجراء التحليل اللازم لها، ويتم ذلك إما بالإدخال المباشر، أو باستعمال نماذج معدة خصوصا لذلك، حيث تفرغ البيانات في هذه النماذج، ثم تدخل النماذج إلى الحاسوب، بعد تقسيمها إلى خانات وأعمدة، ويعطي لكل استبيان سطر أفقي ويخصص كل عامود لمتغير أو

سؤال، هذا ومن الضروري تدقيق البيانات المدخلة بالطريقتين السابقتين بمقارنة البيانات المدخلة إلى الحاسوب بيانات الإجابة الموجودة في الاستبانة، وإن استخدام نظم تخزين المعلومات واسترجاعها للحاسب الألكتروني يساعدان الباحث العلمي أيضا في بعض الفروع العلمية على اكتشاف معلومات ذات علاقة باهتمامه، وأن يجاري ما ينشر حديثا في مجالات تخصصه، ويحصل أيضا على مساعدة في التصميم الفعلي للتجارب. أما الطريقة التقليدية السائدة في خزن المادة العلمية فهي تخزين المعلومات على بطاقات، وقد أشرنا إليها في موضع آخر، وهناك أساليب أخرى، وعلى الباحث أن يلم بها إلماما جيدا، فهناك التخزين على الجداول "Tables" وهي طريقة شائعة في علوم مختلفة، وجداول التخزين تختلف عن جداول النتائج، حيث تجمع الأولى الأرقام والنسب المئوية التي يحصل عليها الباحث من عدة مصادر ومراجع، وبشكلها الأولي، أما جداول النتائج فهي نتيجة للتنسيق وتشذيب الجداول الأولية، لاستخراج المطلوب منها، بحيث تتمشى مع موضوع البحث. تخزين آخر نشير إليه هو التخزين على الخريطة "Punched Map" وتعتبر هذه الطريقة من أفضل الطرق لبعض الباحثين كالجغرافيين، يخزن الباحث المعلومات على الخريطة الخاصة بمنطقة البحث، بحيث يربط بين المعلومات التي يخزنها على الخريطة، وبين المواقع والظاهرات الأخرى، التي هي موضع الدراسة، والفراغ والحيز المكاني الذي تشغله مما يسهل على الباحث عملية التحليل والتفسير والربط. نذكر طرقا أخرى هي التخزين بوساطة البطاقات المثقوبة "punched cards" وفيها يتم خزن المعلومات بوساطة ثقوب على بطاقات خاصة بوساطة آلة خاصة تشبه الآلة الكاتبة اليوم، حيث يضرب الباحث على حروفها وينتج عن ذلك ثقوب بدلا من الكلمات، وكل ثقب يرمز إلى رقم معين أو كلمة معينة، وتتم الاستفادة من هذه البطاقات بوساطة جهاز الحاسوب "Computer". أما طريقة تخزين المعلومات على الأشرطة المثقوبة "Punched Tapes" فيتم بنفس طريقة البطاقات المثقوبة، والفرق بينهما أن البطاقات المثقوبة مقياسها موحد، منفصلة عن بعضها، يضعها الباحث في المكان الذي يراه مناسبا، يسهل تنسيقها وتبويبها، أما الأشرطة المثقوبة فيعيبها أنها لا تدوم طويلا، كما أن موضوعاتها مستقلة، مما يصعب معه التنسيق والتبويب.

المبحث الخامس: تحليل المادة العلمية

المبحث الخامس: تحليل المادة العلمية 1 هي أهم مراحل البحث العلمي وأدقها، وأهم صفة يجب أن تتوفر فيه، عليها تتوقف التفسيرات والنتائج، وفيها يكشف الباحث عن العناصر المقومة للوضوع، أي تفكيكه إلى مجموعات ثم تحليل كل مجموعة ثانوية إلى عناصرها الأولية، آخذين بالاعتبار ترابط هذه المجموعات، ومعرفة خصائص كل عنصر على حدة، وبيان نسبته في تركيب الظاهرة، والصلات التي تربطه بالعناصر الأخرى، أي أن يولي الباحث هذه المرحلة من مراحل البحث العلمي أكبر قسط من الاهتمام والعناة والحذر واليقظة آخذا بالاعتبار أمورا هاما يعتمد عليها نجاح بحثه هي: منهج البحث: "Method of Research" وهي الطريقة المؤدية إلى الكشف عن الحقيقة ووسيلة البحث "Technique" ما يستخدمه الباحث من استبيانات ومقابلات ومراجع ... والمدخل "Approach" أي كيفية تناول موضوع البحث بالدراسة، هذا وإن أسلوب التحليل يحدد أسلوب جمع المعطيات، كما يحدد نوعية المؤشرات أو أسلوب قياس المتغيرات التي هي مادة التحليل، أي قياس المتغيرات وتحديدها على نحو معين لخدمة غاية تحليلية معينة.

_ 1 تستعمل كلمة تحليل بمعانى شتى وأغراض متعددة ولكننا نستخدمها بمعنى تصنيف المعطيات وترتيبها وجدولتها وعرضها وتلخيصها وتفسيرها ومعالجتها بشكل تسمح بالوصول إلى تعميمات واستنتاجات معينة.

يتبع الباحث في تحلله للمادة العلمية ما يلي: 1- عزل العناصر المؤلفة للموضوع أي تفكيكه إلى مجموعات ثانوية، ومن ثم يقوم بتحلل كل مجموعة ثانوية إلى عناصرها الأولية. 2- يستخدم الباحث بهدف الكشف عن العلاقات الثابتة بين العناصر، إعادة التأليف بين العناصر التي فرق بينها التحليل، ليتأكد من صدق نتائج التحليل. 3- تنتهي عملية التحليل إلى ظاهرات متباينة، مختلفة فيما من حيث الخصائص والعلاقات ويقوم الباحث بتصنيف هذه الظاهرات، ثم يؤلف بينها داخل إطار مكاني وزماني بهدف الحفاظ على طابعها الخاص. إلا أن التحليل لا يعطي جدواه، إلا إذا رافقته عملية المقارنة، التي ترشد الباحث إلى أوجه الشبه أو الخلاف بين الظاهرة التي يحللها والظاهرات الأخرى التي سبقت له معرفتها، وتعتبر هذه المقارنة علمية ضرورية لربط المعلومات وتوضيحها وتصحيحها، وقد يؤدي ذلك إلى اهتداء الباحث لفكرة جديدة. وهكذا يحاول الباحث الكشف عن العلاقات بين الظاهرات، أي عن القوانين الخاصة، وذلك بوساطة التأليف بين العناصر، وبهذا فإن التركيب يصبح متمما للتحليل، أي أنه لا تحليل بدون تركيب ولا تركيب بدون تحليل.

الفصل الثاني والعشرون: كتابة تقرير البحث العلمي

الفصل الثاني والعشرون: كتابة تقرير البحث العلمي مدخل ... الفصل الثاني والعشرون: كتابة تقرير البحث العلمي تمهيد: هي المرحلة الأخيرة من مراحل تصميم البحث، والصياغة العلمية النهائية له، وهي عملية فكرية وتنظيمية بالغة الأهمية، تحتاج إلى جهد وجد حقيقيين، وتتكون ملكتها بعد الدربة والمران الطويل، ومعالجة الأساليب ذات الأغراض المختلفة إن تقرير البحث هو وسيلة الاتصال الفكري بين الباحث والقراء، فيه تظهر مدى ما اختزن الباحث من معارف بعامة، وفي ميدان تأهيله العلمي بخاصة، مدى قدرته على تنظيم هذه المعارف، ومدى أصالته في التفكير والتحليل والتفسير والتعبير والمناقشة والوصول إلى نتائج بدقة ووضوح، وبهدف الوصول إلى ذلك لا بد من اتباع طريقة أو طرائق، اصطلح عليها العلماء في كتابة تقرير البحث العلمي، فيها تبرز أصالته الفكرية والتعبيرية على حد سواء، وبهدف عرض البحث، أي إخراج موضوع البحث وحدة متكاملة ومتماسكة الأطراف هناك جوانب تتعلق بالباحث وجوانب أخرى تتعلق بالبحث لا بد من أخذها بالاعتبار قبل كتابة تقرير البحث، وقبل الإلمام بما ذكرناه نشير إلى أمر هام وهو:

المبحث الأول: التمييز بين المقالة وتقرير البحث العلمي

المبحث الأول: التمييز بين المقالة وتقرير البحث العلمي 1- تقرير البحث "Research Report" وصف واقعي لدراسة فعلية أتمها الباحث، أما المقالة "Essay" فهي مناقشة لموضوع معين أو مشكلة معينة، تشمل غالبا آراء الكاتب وتفسيره أو وجهة نظره. 2- يتضمن تقرير البحث مشكلة فعلية، قام الباحث بحلها وانتهى إلى حقائق جديدة اكتشفها، بينما كاتب المقالة لا يلتزم بذلك، قد يحلل ويصنف آراء الآخرين بالنسبة للمشكلة، بحيث يظهر بعد نظره وإدراكه العميق، لكنه لا يقدم حلولا لعدم قيامه بالدراسة العلمية التي يتطلبها البحث العلمي. 3- المقالة لا تضيف بالضرورة شيئا جديدا للمعرفة الكلية، بل تلخص المعرفة الموجودة فعلا، بينما تقرير البحث العلمي لا يحمل السمة العلمية إلا إذا أضاف للمعرفة شيئا جديدا. 4- لا تحمل المقالة طابع الموضوعية، بل تبدو الذاتية فيها واضحة، في حين أن تقرير البحث العلمي، العنصر الشخصي فيه بعيد قدر المستطاع، هذا وتحتوي معظم المقالات ملاحظات شخصية، فضلا عن أن نتائجها تقوم على الملاحظة غير المضبوطة، وإن كانت مؤيدة ببعض الحقائق التي تؤيد بعض الجوانب. 5- يلتزم كاتب تقرير البحث بقواعد لا يلتزم بها كاتب المقالة. 6- يصف الباحث العلمي مصادر معلوماته وصفا حقيقيا، ويشير إشارة واضحة إلى منهج البحث الذي استخدمه ويحدد الفرض والدليل الذي يؤيد هذا الفرض، ويشير إلى النتيجة التي توصل إليها، وتقديمها مبنية على دليل حقيقي سليم، بينما تكتب المقالة بغرض الإعلام عن معلومات. 7- لا يلتزم كاتب المقالة بقواعد توثيق المعلومات، بينما يشكل التوثيق ركنا رئيسا من أركان البحث العلمي.

8- لا ينظر إلى الحجم في المقال العلمي، بينما يؤخذ بالاعتبار في البحوث وبخاصة الأكاديمية منها. إننا لا نعني مما ذكرنا أن المقالة هي سلبيات البحث العلمي، بل إنها تخدم غرضا هاما هو نشر الأفكار والآراء رغم ذلك فإن غرضها يختلف بوضوح في نوعيته عن غرض تقرير البحث، وكذلك يختلف بدرجة أكبر من حيث الدقة والجهد والابتكار والوصول إلى حقائق جديدة مدعومة بالبراهين الصادقة والموضوعية. أما الاعتبارات التي يجب أن يؤخذ بها قبل كتابة البحث والجوانب التي يجب الإلمام بها منها ما يتعلق بالباحث وهي: 1- معرفة الباحث لأهداف تقرير البحث، وفي مقدمتها الإعلام عن كيفية تيسير البحث وعن النتائج الحاصلة. 2- اتجاهه المباشر نحو النقاط الرئيسة للبحث دون مقدمات وحواش وتعليقات بعيدة عن صلب الموضوع. 3- تمرس الباحث بكيفية الإلمام بالموضوع على وجه الدقة، واستيعابه المادة وتمثلها تمثلا دقيقا، بحيث يستحيل في نفسه إلى عمل له كيانه، تمكنه من الكتابة، لا أن يكون البحث حشدا من المعلومات وأكواما من المعارف. 4- إلمامه بكيفية تنظيم الأفكار، بحيث تمكن الباحث من معرفة الحيثيات "الأسباب" التي تؤيد "النتائج" أي الفرض الذي وضعه مع الدليل الذي يؤيده، والنفوذ من الحقائق الجزئية إلى الحقائق الكلية، وما ينتظم بها من الخصائص والصفات العامة. 5- إتقانه طرائق البحث العلمي ووسائله وأدواته ومنهجه ونوعه والمسلك والمدخل.

6- إلمامه بكيفية عرض البناء الفكري المتكامل المتناسق، الذي يسود أجزاءه وفقراته الروابط الذهنية المحكمة، وفق خطة تمثل هيكل دراسته كلها، والالتزام في كتابة البحث بما ضمن من محتوى حسب الترتيب الطبيعي لهيكله العام ووظيفة كل من محتوياته، بصورة واضحة وأسلوب سهل يتلاءم والمادة العلمية. أما ما يتعلق بالمحتوى العلمي للبحث فهي: 1- التأكد من صلة موضوعات البحث وارتباطها ببعضها، سواء العناوين الجانبية وصلتها بالعناوين الرئيسة، أو بالنسبة للعناوين الرئيسة وعلاقتها بالعنوان بشكل مباشر. 2- وجود توازن وتناسب شكلي ومنطقي بين الموضوعات بعضها مع البعض الآخر. 3- التأكد من ملاءمة المادة العلمية ومناسبتها للموضوع الذي ألحقت به. 4- تنقيح العناوين وتهذيبها، فالعنوان الجيد يعبر عن أفكار الموضوع وعناصره. 5- ناحية شكلية: وهي أن يقدر حجم تقرير البحث من حيث عدد الصفحات من منطلق "خير الكلام ما قل ودل" بحيث يكون حجم التقرير على قدر ما يشتمل عليه من أفكار دون زيادة معيبة ولا نقصان مخل، وأن تكون الكتابة بالقدر المناسب للحقائق العلمية، التي تتناولها بأصالة فكرية وتعبيرية على السواء، إذ أن قيمة البحث في العمق والابتكار لا في الجمع والحشد. ونورد فيما يلي محتوى تقرير البحث وفق خطته النهائية وما يراعى في كتابته من التزامات تتناول الشكل والمنهاج والمضمون، يتمثل بالشكل الجانب الفني في البحث، بحيث يعني الطريقة التنظيمية المحددة التي تواضع العرف العلمي العام على حذو حذوها والسير على منوالها، أما المنهج فيتمثل بأسلوب العرض والمناقشة والتزام الموضوعية التامة، واستعمال المعلومات استعمالا صحيحا في أسلوب علمي سليم، وقد أصبح الشكل والمنهج مقياس جودة البحث العلمي. وتعليمها والتعرف عليهما مسبقا، يجعل اتباعهما أمرا سهلا، أما المضمون فهو مضمون البحث، أو محتواه الفكري، وهو محور الدراسة، وكلما كان طريفا خدم جانبا علميا، وأسهم في معالجة موضوعات علمية هامة.

المبحث الثاني: كتابة تقرير البحث العلمي

المبحث الثاني: كتابة تقرير البحث العلمي يهمنا في هذا المجال محتوى البحوث الأكاديمية بخاصة، ونشير إلى فروق بسيطة في محتوى خطة البحث، بين البحوث العلمية التي يتقدم بها الباحثون العلميون، وبين البحوث الأكاديمية التي يتقدم بها طلبة الجامعات بحيث يشمل المحتوى النهائي لتقرير البحث العلمي ما يلي. 1- مقدمات البحث: وهي غير مقدمة البحث، هي جميع الموضوعات التي تسبق النص الأساسي للبحث وتتضمن: 1- صفحة عنوان البحث: يكتب عليها أولا عنوان البحث بحرف كبير، ثم الدرجة العلمية التي سينالها، أو تقدم إليها، ثم اسم الباحث، ثم المشرف ودرجته العلمية، وأخيرا تاريخ التقديم بالتاريخين "الهجري والميلادي"، وفي أعلى الصفحة في الزاوية اليمنى يكتب اسم الدولة التي يقدم بها البحث، فالجامعة، فالقسم، ونشير إلى أنه لا يسجل على صفحة العنوان رقم، بل يبدأ الترقيم بالصفحة التالية، ويكون الترقيم بالأحرف الأبجدية. 2- ملخص البحث "Summary": تأتي صفحته بعد صفحة العنوان مباشرة، وهو عون آخر من أعوان التواصل العلمي، هو موجز عام، يقدم فيه الباحث خطوطا عريضة عن موضوع البحث، بحيث يذكر فيه مبررات قيامه بالبحث، ويحدد الجانب.

الذي سيكون محور دراسته، ثم تصوره في تنظيمه وتبويبه، والمنهج الذي سلكه في تتبع الحقائق، وأهم النتائج الحاصلة والمناقشات الأساسية التي جرت حولها، أي أن الباحث يقدم في ملخص البحث تركيزا للأفكار وتذكيرا بالحقائق الأساسية الهامة. أما الباحثون العلميون، فإنهم يصدرون بحوثهم بملخص يتضمن توضيحا لعنوان البحث، وبيانا لأهدافه وتساؤلات حوله وإجابات عن هذه التساؤلات والمنهج المتبع، ومدى أصالة ما سوف يتوصلون إليه من خلال البحث. 3- تقديم البحث "الشكر والتقدير": التقديم غير المقدمة، التقديم عرض الشكر والتقدير لمن أسدى التعاون مع الباحث، وعلى الباحث أن يبدأ بشكر الهيئة التي رشحته للبحث وبشكر مناسب للمشرف على البحث في حالة البحوث الأكاديمية بخاصة، دون مجاملة أو إطناب بالمديح، ومن ثم من أسهم بمساعدته. 4- قائمة محتويات البحث "الفهرسة": وتأتي بعد التقديم مباشرة في صفحة جديدة، تدون فيها مواد البحث تحت عنوان "المحتويات" ويقع هذا في وسط أعلى الصفحة، وتدرج تحته تفاصيل البحث وفق تقسيم موضوعاته من أبواب أو فصول، ويدخل ضمن هذا التقسيم الفهارس والخرائط والجداول والأشكال في فهارس مستقلة. 5- في البحوث العلمية القيمة تدرج صفحات للمصطلحات والرموز، مع بيان المقصود منها في الجهة المقابلة لها، لتكون بمثابة دلل مرشد للقاريء أثناء قراءة البحث، حيث يتكرر في البحث أحيانا استعمال معان ذات مدلولات علمية، وإيرادها في هامش صفحة مستقلة، تغني الباحث عن تكرار توضيحها، وترد صفحتها عادة تالية لقائمة المحتويات، وسابقة لمقدمة البحث مباشرة، ونشير إلى أن بعض الباحثين يضعون لأنفسهم مصطلحات خاصة، إلا أنه يجب أن تكون مفهومة ومقبولة بشكل عام1.

_ 1 أحمد شلبي كيف تكتب بحثا أو رسالة، ط10. مكتبة النهضة العربية، القاهرة 1987.

2- مقدمة البحث: يبدأ البحث عادة بالمقدمة، وهي عملية تقديم واضحة للموضوع، وبند هام في خطته، وذات صلة وثيقة به، فهي البداية الحقيقية للبحث، تحرر في أسلوب علمي متين، توضح أفكار البحث، وتعطي صورة مصغرة عنه، بذكر التقسيمات الأساسية لبحثه، مرتبة ترتيبا منظما. لقد أصبح من الأمور التي تراعى في المقدمة محتواها، والذي أصبح واسعا في البحوث الحالية، ولهذا أصبح يطلق عليها اصطلاح مدخل منهجي، أو مقدمة منهجية، وفي هذه الحالة يبدأ تقرير البحث بتصدير أو استهلال، أو توطئة، أو فاتحة، تأخذ شكل المقدمة العادية. أما كلمة تقديم فقد تستخدم توطئة، ليقدم كل باب من أبواب التقرير، كما يستخدم اصطلاح توطئة ليقدم كل قسم من أقسامها، أما الفصول فيستحسن استخدام تمهيد في بدايتها، وكذلك في بداية أي بحث في شكل مقال دورية علمية أو ورقة بحث تلقى في المؤتمرات العلمية، ويحسن أن يكون كل من التوطئة للأقسام، والتقديم للأبواب، والتمهيد للفصول، مختصرا ومبينا لأهم ما فيها1. لقد تعود كثير من الباحثين، إذا كتبوا بحثا جعلوا له مقدمة وتمهيدا، وهو عمل يعقل حين يظل في صفحات محدودة، أما حين يمتد ذلك إلى عدد كبير من الصفحات، فإنه يخرج من وظيفته ويصبح بحثا داخل بحث، وغالبا ما يكون القسم المقحم تلخيصا لآراء الباحثين، معتمدا فيها على سواه، مستمدا إياها من غيره، وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى اختلاط الأشياء أمامه. لقد عني أسلافنا القدماء بمضمون المقدمة، من مثل أحمد بن علي المقريزي الذي أورد حولها في خططه ما يلي: "اعلم أن عادة القدماء من المعلمين قد جرت على أن

_ 1 حسن الساعاتي: تصميم البحوث الاجتماعية. مرجع سبق ذكره، ص287.

يأتوا بالرءوس الثمانية قبل افتتاح الكتاب هي: الغرض، والعنوان، والمنفعة، والمرتبة، وصحة الكتاب، ومن أي صناعة هو؟ وكم فيه من أجزاء؟ وأي أنحاء التعاليم فيه؟ "1. لقد أصبح محتوى المقدمة في البحوث المعاصرة واسعا يشمل عناصر هامة هي: 1- بيان أو توضيح موضوع البحث، أي بيان مفاهيمه، إذ أن لكل موضوع علمي مفاهيمه المتميزة والخاصة بعملية الاتصال والبحث. 2- بيان الحالة العلمية للبحث: بحيث تتناول تاريخ المشكلة ومدة تطورها، والنقص الناجم عن عدم القيام بدراستها، وسبق أن درسها باحثون آخرون، والجوانب والأبعاد التي تتطلب اهتماما أكثر، بحث تصبح نقطة البدء في البحث، وتمييز نقاط الضعف والقوة من حيث المنهج المتبع، أو الإطار النظري، بخاصة إذا أدى البحث إلى تعديل في هذا الإطار. 3- بيان أسباب اختيار البحث: وينبع ذلك من اهتمام الباحثين بالمشكلة المطروحة، اهتماما شخصيا، وعدم دراسة المشكلة سابقا من قبل باحثين آخرين، والفائدة العلمية التي يرجوها الباحث من إجراء بحثه، في تقدم المعرفة حول المشكلة والاستفادة من البحث، نظريا كان أم عمليا تطبيقا، وفتح المجال أمام بحوث أخرى يمكن الاستفادة منها. 4- الهدف والغرض من البحث: حل المشكلة بشكل موضوعي، والتوصل إلى حلول لم يتوصل إليها باحثون آخرون، والاستفادة من نتائج البحث من قبل باحثين آخرين أو في المجال الذي تمت إليه المشكلة بصلة. 5- تحديد المشكلة وبيان الحل الفعلي لها من قبل الباحث، أي وضعه الفرض النهائي للبحث "Final Hypothesis" قبل تقديم البيانات والمعلومات، ليتمكن القارئ من متابعة المناقشة بشكل سليم، وبحيث يفهم كلا من المشكلة والفرض منذ البداية، وبطريقة منطقية تتلاءم وموضوع البحث.

_ 1 جزء1. مؤسسة الحلبي، القاهرة، د. ت. ص3.

6- بيان حدود المشكلة: أي بيان جوانب المشكلة التي سيتناولها البحث وبيان أبعادها. 7- بيان المنهج أو الطريقة المتبعة في حل المشكلة، مما يلائم طبيعة المشكلة، موضع الدراسة، وإجراءات الدراسة، والخطوات التي اتخذت لحل المشكلة، وهي واحد من أهم العناصر في مقدمة البحث، ولا يعني ذلك أن يكتفي الباحث بذكر ما استخدمه من مناهج علمية، بل يجب أن يبين بتحديد ودقة: 8- الخطوات التي اتخذها لحل المشكلة، وكيف قام باختيار فروضه، ولماذا يعتبر أن المنهج والطريقة التي اتبعها هي الطريقة الفعالة؟ 9- التعريف ببعض المصطلحات التي استعملها الباحث في دراسته، بخاصة إذا وجدت معان مختلفة لنفس المصطلح، حتى يتبين للباحث، المعنى الدقيق الذي يقصده باستخدامه لها، ويفضل عدم استخدام المصطلحات التي تحمل أكثر من معنى. 10- ذكر الصعوبات التي لاقاها الباحث خلال قيامه بالمراحل السابقة، وسبل التغلب عليها بخاصة شمولية البحث إن كان شاملا، وعدم وجود دراسات موضوعية تساعد الباحث في البدء على بلورة مشكلة البحث، وتحديد أبعادها ومجالاتها، مما يحول دون وجود فرصة واسعة أمام الباحث، بالرجوع إلى الأطر النظرية والفروض التي تعتمدها مثل هذه الدراسات والمسلمات التي تتبناها، والنتائج التي توضحها، ويحول أيضا دون تزويد الباحث بمصادر ومراجع أولية، كذلك عدم الاستفادة من نتائج الأبحاث والدراسات السابقة، ببناء مسلمات البحث، اعتمادا على النتائج التي توصل إليها آخرون واستكمال الجوانب التي وقفت عندها هذه الدراسات. ومن الصعوبات عدم التمكن من استخدام وسائل البحث العلمي للحصول على بيانات كافية وكذلك ندرة البيانات الإحصائية أحيانا، أو تناثرها وإذا كان موضوع

البحث شاملا فإن مشكلة رئيسة يجدها الباحث هو التوفيق بين اتساع الموضوع والحيز المتاح لإنجازه زمانا وحجما. 11- ذكر محتويات البحث "المادة العلمية" الأبواب، الفصول، مما تقتضيه طبيعة البحث، وقد يكون ذلك مبدئيا، يطرأ عليه من ثم تغيرات وفق ما يقتضيه سير البحث. 12- ذكر المصادر الرئيسة للبحث: مكتبية أو ميدانية أو من كليهما، وكيفية اختيارها وطرق تصنيفها وتحليلها. 3- تنظيم المادة العلمية: تبدأ موضوعات البحث عادة ببداية المقدمة، ويتم توزيع المادة العلمية في متن البحث بتقسيمها وتبويبها وتفصيلها، وقد لا يكون هناك داع للتقسيم فيكتفي بالتبويب والتفصيل، وقد يقتصر الأمر على التفصيل فقط، والفيصل في ذلك كله منطق الباحث، بحيث إذا كانت هناك مجموعات كبيرة من الأفكار، تكاد تكون مستقلة بعضها عن بعض إلى درجة مقبولة لأنها مقنعة. يقسم البحث إلى أقسام، وإذا كان يمكن تكوين مجموعات من الفصول مترابطة الأفكار فإن كل مجموعة منها، في هذا الحال يصح أن يكون بابا، ولا ينصح بأن يقتصر الباب على فصل واحد، ولو أدى ذلك إلى قلة صفحات الفصل، وفي جميع الأمور يجب أن تكون الأقسام والأبواب والفصول متسلسلة من أول تقرير البحث حتى آخره، ومهما كان توزع المادة العلمية على الباحث ألا يحول أبواب بحثه أو فصوله إلى موضوعات تجمع لها المادة دون تحديد دقيق. إن أكثر البحوث تجري على هذا النمط، فأبوابها وفصولها موضوعات تفتح وتدخل فيها سيول من المعارف، لهذا فإن تقسيم الفصل إلى أجزاء يختص كل منها بمادته العلمية يجعل معالم الفصل واضحة وحدوده بينة، ويفيد في تنظيم مادة الفصل وتشذيبها.

يتضمن الفصل الواحد في البحث أجزاء، لا بد لكل منها من عنوان جانبي "فرعي" والأجزاء موضوعات يراد بحثها ودرسها، تفرعت من موضوع رئيس هو عنوان الفصل، يسوق الباحث من أجلها أدلة وبراهين وأقيسة منطقية، مدعومة بالأسانيد، وفي البحوث الطويلة، إن كان الجزء طويلا يفضل أن يبدأ الطالب صفحة جديدة عند بدء كل منها، وتبدأ الصفحة بعنوان الجزء في أعلاها موضوعات في منتصف عرض الصفحة، أما إذا كانت الأجزاء قصيرة كلها أو معظمها، فلا داعي لبدء صفحة جديدة في كل جزء، ويكتفى بترك فراغ قدره حوالي "2 سنتم" بين كل جزأين، ويوضع العنوان في سطر مستقل أيضا، في جانب الصفحة، ويتبع بنقطتين رأسيتين. وقد تجرى بعض البحوث على عادة حشد أكوام من المعارف المتراصة، وتتحول فصول البحث وأجزاؤها، إلى كلام يساق من هنا وهناك، وليس إلى مشاكل تصاغ فيها أدلة وأقيسة، وكثيرا ما ينقص الربط بين فقر الكلام وبين الفصل والفصل، فإذا بالبحث يفقد السياق والارتباط بل صفته العلمية الدقيقة. أشرنا في موضع سابق إلى أن البحث يتضمن عناوين رئيسة وأخرى جانبية، وفي الحالتين يجب أن تكونا قصيرة، وذات دلالة واضحة، فالعنوان يحدد محتوى التقرير، والباحث العلمي القدير هو الذي يكون عالما بكل خيوط بحثه ممسكا بها، والعناوين الجانبية، هي عناوين أجزاء الفصل، وهي خير طريقة لتقسيمه إلى عناصر، ولا بد من الاقتصاد في التفريعات الكثيرة المتعددة، والتي تقود غالبا إلى الغموض. إن مسألة التفريع ذات قيمة كبيرة في البحوث العلمية، ويأخذ كاتب التقرير بما يلي: بحيث يبدأ أسطر الفروع داخلة قليلا عن بدء السطر الأول، وتوضع الأسطر ذات الرتبة الواحدة "الفرع الواحد" بشكل مضبوط الواحد يلي الآخر، كما يجب ملاحظة الدقة في الأرقام، أو الحروف التي يضعها للتعريف.

لقد أشرنا سابقا إلى إيراد التقديم، ومن إيجابياته أنه يفصل عنوان الباب عن عنوان الفصل التالي لهذا العنوان، كذلك فيما يتعلق بإيراد التمهيد فإنه يفصل بين عنوان جانبي فيه، فضلا عما لكل من التقديم والتمهيد من فائدة واضحة. ومن الجديد بالذكر أن التقارير التي تأخذ شكل مقالات أو أوراق بحثية لمؤتمرات، إنما تعتمد في كتابتها على العناوين الفرعية، وتقتصر العناوين الرئيسة على عنوان المقال فقط، يكتب بخط مميز ويوضع خط تحت ما هو مهم، ويكتب بخط مميز ويوضع خط تحت ما هو مهم، ويكتب بخط مميز دون وضع خط تحته لما هو أقل أهمية، وبالخط المعتاد مع وضع خط تحته لما يأتي أقل درجة من أولئك. وفي حال تقسيم المقال إلى أقسام يكون لكل قسم عنوانا رئيسا وتمهيدا واحدا في أول المقال، أو الورقة بعد العنوان الرئيس، أما الأقسام فيبدأ كل منها بفقرة قصيرة بما سيأتي تناوله فيه، بدون كتابة تمهيد، وهذه الفقرة القصيرة تفصل ما بين عنوان القسم والعنوان الجانبي الأول، هذا ويجب أن ترد العناوين الرئيسة بخط واضح، والعناوين الثانوية بخط أدق، ولا يراد العناوين في البحوث الطويلة "الأكاديمية" طريقة معينة على النحو الآتي: يحسن أن يسبق كل فصل من الفصول ورقة كتب عليها بالوسط: الفصل الأول أو الثاني أو ... وتحت ذلك وبحوالي "سنتمترين" يكتب عنوان الفصل، أما ما يتعلق بالأجزاء التي يحتويها الفصل، إذا كان الجزء طويلا فمن الأفضل أن يبدأ الباحث بصفحة جديدة عند بدء كل جزء، وتبدأ الصفحة بعنوان الجزء في قمتها في منتصف عرض الصفحة، أما إذا كان الجزء قصيرا فلا داعي لبدء صفحة جديدة، ويكتفى بترك حوالي سنتمترين بين كل جزأين، ويوضع العنوان في سطر وحده أيضا، وفي هذه الحالة يوضع العنوان جانبيا، وليس في وسط الصفحة ويتبع العنوان بنقطتين.

أخيرا نقف عند فقرات البحث، وهي لبناته، يجب أن تكون كل واحدة منها كاملة الفكرة منسجمة مع سياق الأفكار في الفقرات، بل بين العبارات في الفقرة الوحدة، حتى لا يفقد البحث الارتباط ولا تتحول ساحته إلى ممرات وفواصل لا تكاد تحصى بين الفصول وأجزائها وفقرها وعباراتها، ولا شك أن اطلاع الباحث على البحوث العلمية الأخرى، مناهجها وأساليبها وطرقها ووسائلها هي مرشد في كتابة فقرات البحث، حجمها وتسلسلها وانسجام الأفكار الواردة فيها، لذا يجب أن يستقر في أذهان الناشئين من الباحثين، أنهم يتعاملون في بحوثهم مع علاقات منطبقة وكما أنه لا يوجد في التجربة العلمية جزء يستقل بنفسه، كذلك فإن فقر البحث متصلة اتصالا منطقيا محكما، لا يدخل على أداء العبارات والفقر في الفصول أي نقص ولا أي زيادة، وللفقر طول متوسط، يبدأ الكاتب بها سطرا جديدا بعد أن يترك فراغا عند بدء ذلك السطر، ويضع نقطة عند انتهاء الفقرة، كما يترك فراغا بين كل فقرتين أكثر منه بين كل سطرين. إن الارتباط بالترتيب الزمني أساس في تنسيق مادة البحث، ومن ثم كتابتها، وقد يتخذ المكان بدوره قاعدة للترتيب، وقد يجمع الباحث بينهما وذلك حسب طبيعة البحث، وقد يتضح للباحث أثناء عرضه لبحثه، أن هناك نواقص وثغرات في بحثه لا بد أن تستوفى، فيلجأ الباحث حينئذ إلى بحث تلك النواقص، وقد يضطر إلى تغيير تقسيمات بحثه من أقسام أو أبواب أو فصول، مما يضطره إلى إعادة صياغة متن البحث عدة مرات، حتى يأخذ التركيب الصحيح والتكامل الذي يرضى عنه، ويمثل فكرة المبدع وجهده المبذول وفق نسق منطقي، يطلب في الفصل وأجزائه وفقره وعباراته، ولا يؤتى بحث كما يؤتى من نسقه العام. إن ما ذكرناه ليس بالأمر السهل، وقد يخيل للباحث أن ذلك موهبة لا يؤتاها إلا القليلون، والواقع أن تحديد الباحث نفسه إزاء ما يبحثه ويكتبه يستحيل إلى تجارب متعاقبة تسودها العلاقات المنطقية، وسوف نذكر فيما بعد التزامات واجب الأخذ بها لدى كتابة تقارير البحث تتناول الشكل والمنهاج والمضمون.

المبحث الثالث: نتائج عرضها ومناقشتها

المبحث الثالث: نتائج عرضها ومناقشتها ... المبحث الثالث: نتائج البحث، عرضها ومناقشتها إن عرض وتفسير ومناقشة نتائج البحث خطوة بين خطوات البحث العلمي، بل أرقى خطوة تقوم فيها قدرات الباحث الذهنية تدعمها خبراته المعرفية وثرواته العلمية بعملية فكرية دقيقة ومعقدة. ولكي يستطيع الباحث وضع نتائج بحثه وتفسيرها ومناقشتها لا بد أن يكون البحث حاضرا في ذهنه حضورا كاملا، فهي عرض موجز لما تم استخلاصه من نتائج الدراسة، بحيث يعرض الباحث فيها الخطوات العملية لتطور البحث، وإثبات فروضه وفق تسلسل منطقي اتبعه في تسلسلها، والأدلة التي توصل إليها وفحص مقدرتها على إثبات أو نفي الفروض، وحتى في حالة نفي الفروض أي في حالة كون نتيجة الفرضية سلبية، فإن ذلك يعتبر كشفا علميا للباحث، وسواء كانت نتائج البحث وصفية أو رقمية يمكن عرضها في جداول أو رسوم بيانية، يقدم الباحث عنها تسجيلا دقيقا. إن عملية تفسير النتائج عملية تجميع وتأليف البيانات والأفكار التي قام الباحث بتحليلها، وهي عملية تنقل الباحث من التساؤل عن ماذا وكيف التي تمثلها عملية تحليل البيانات والأفكار إلى مستوى الإجابة عن ماذا التي هي محور عملية تفسير النتائج، والتي تتضمن المقارنة بين الحقائق ولمح العلاقات التي تربط بعضها ببعض، تبحث عن الأسباب والآثار والعلاقات بالمتغيرات المختلفة، والحكم على مدى دلالاتها، والاستنتاجات التي يمكن التوصل إليها من النتائج كما يمكن أن يحدد الباحث المجالات التي لم يتطرق إليها أو تطرق إليها بشكل سطحي، ويمكن لباحثين آخرين أن يتناولوها بالدراسة، ومن الأخطاء الشائعة هي المبالغة في تعميم النتائج التي انتهت إليها الدراسة، ولعل أشنع الأخطاء هي محاولة استبعاد النتائج غير المنتظرة. تتوقف مناقشة "Discussion" النتائج على طبيعة البحث نفسه، إذا كان بحاجة إلى مناقشة أو عدمها، فإذا كانت النتائج التي توصل إليها الباحث جديدة جدا، فإن

المناقشة غير لازمة، أما في حالة تكرار البحث وبنتائج مختلفة عن النتائج السابقة، أو اتباع منهج مختلف، فإن المناقشة تكون لازمة، كذلك الحال إذا كانت الدراسة تعني التحقق من صحة نظرية فإنه حينئذ لا بد من مناقشة النتائج وبيان مدى إثباتها ونفيها لصحة النظرية، وإذا حصل الباحث على نتائج غير متوقعة، فإنه من المسموح به في هذا القسم من تقرير البحث ذكر الطريقة التي أجريت التجربة وفقا لها، واقتراح أسباب النتائج الحاصلة، ولا بد هنا من الحذر، إذ لا تكفي التبريرات الكلامية لإيضاح أسباب النتائج غير المتوقعة، فقد يكون من الضروري إجراء بحوث جديدة، ولا شك أن الباحثين مختلفون في المقدمة الفكرية بين مستوى التفسير ومستوى استنباط الفروض واستقراء النظريات واستخراج القوانين وأرقاهم مرتبة علمية وأقدرهم على البحث من يجمع بين هذه المستويات. هذا ونشير إلى ملاحظة هامة وهي أنه لدى رجوع الباحث إلى نتائج بحث جيد قام به باحث آخر، فإن كاتب التقرير يستخدم كلمات كالآتية "لقد أثبت "فلان" أن ... " أما إذا كان باحث آخر، قد كتب مقالا، فإن كاتب التقرير يشير إليه هكذا: "ويعتقد "فلان" أن ... ". كذلك إن "الآراء" تحمل ثقلا أقل من "الحقائق فهناك حالات لا يوجد فيها دليل سوى "رأي الخبير" ويقدمه الباحث حينئذ "وفي رأي "فلان"" حيث يدرك القارئ أنه رأي وليس قرارا بحقيقة معينة أما آراء كاتب التقرير فيفضل ذكرها في تقرير البحث هوامشا" "Footnotes" لأن الآراء تبنى عادة على الانطباعات أكثر منها على الدليل الحقيقي، وهي بصفة عامة ليس لها وزن على نتائج البحث.

المبحث الرابع: التوصيات

المبحث الرابع: التوصيات الشيء الذي ينبغي أن نتذكره باهتمام هو أن التوصيات ليست جزءا من الدراسة نفسها، هي شيء إضافي، وإذا اقترح الباحث كيفية تطبيق نتائج الدراسة، فإنه يدخل في مجال الآراء، والاجتهادات، أي أنها فكر طارئ "After Thought"، وعلى هذا الأساس يجب عمل التوصيات في فصل مستقل أو جزء من ورقة البحث، ولا ينبغي أن نخلط التوصيات بالدراسة نفسها. لقد قام الباحث بالدراسة ليتعلم الحقائق ومبادئ معينة يضيفها إلى المعرفة، وتعتبر الدراسة مكتملة عندما يقوم الباحث بحل المشكلة، أما التوصيات الناتجة عن الدراسة فهي ليست إضافات للمعرفة إنها مقترحات عن كيفية وضع المعلومات والمعرفة التي تم الحصول عليها موضع استخدام، وهذه ليست في الواقع مهمة الباحث، رغم ذلك ليس هناك ما يحول بين الباحث وبين إبداء التوصيات، وتجري البحوث حاليا على وضع نتائج البحث، ووضع التوصيات أيضا بناء على نتائج دراسة الباحث، بل تقديم نتائج البحث ووضع التوصيات أمرا حيويا شأنه شأن نجاح الدراسة نفسها. وهكذا يتضح لنا من خط السير الطويل والمضني الذي يقطعه كل باحث علمي يصل إلى الحقيقة أنه طريق يتطلب من الباحث صفات كثيرة تجمع بين الفطنة والثقافة الواسعة الشاملة، وقوة المحاكمة ونفاذ البصيرة والقدرة على النقد وإرهاف الحس، والدأب والصبر على العمل، والشجاعة في القول إلى جانب الحق، في إجلاء غوامض الحقائق، متجنبا الإبهام والاستطراد والمبالغة، ورغم أنه يشرح الحقائق والفكر وهو يعلم أن ما يعرف هو من خلفيات للأمور قد لا يعرفه قارئه، سواء كان القارئ من الاختصاصيين أمثاله أو من جمهور المثقفين، إلا أن اهتمامه بما سوف نورده من التزامات سواء كان منها ما يتعلق بالشكل والمنهج والمحتوى الفكري أمر واجب على الباحث وسوف يلمس بنفسه أن هذه الالتزامات تجعله يشعر أنه وصل إلى شيء يرضى عنه علميا، ويرضي القارئ لإنتاجه الذي يشعر أنه حصل على ما يزيد من آفاق معرفته، ويهديه إلى ما يتوق إليه، بخاصة إذا كان اهتمامه ينصب على جانب أو جوانب من البحث التي تناولها الباحث، كما أن الباحث بعمله هكذا يكون قد أضاف إلى العلم والمعرفة العلمية وأسهم فيهما إسهاما مناسبا يجعله يتبوأ مكانا مرموقا بين أقرانه من المتخصصين في مجال تخصصه.

المبحث الخامس: مستخلص البحث

المبحث الخامس: مستخلص البحث عون آخر من أعوان التواصل العلمي، وهو موجز عام "Outline" يقدم فيه الباحث خطوطا عريضة عن موضوع البحث، بحيث يذكر فيه الباحث مبررات قيامه بالبحث، ويحدد الجانب الذي كان محور بحثه ودراسته، ثم تصوره في تنظيمه وتبويبه، والمنهج الذي سلكه في تتبع حقائقه، وأهم النتائج الحاصلة والمناقشات الأساسية التي أجريت حولها، أي أن الباحث يقدم مستخلصا مركزا للأفكار وتذكيرا بالحقائق الأساسية الهامة. نشير إلى الفرق بين ملخص البحث "Summary" وبين المستخلص "Abstrarct"، والتمييز بينهما يكون في أسلوب الكتابة وحجم محتوى كل منهما، وبينما يتضمن الملخص موجزا لأقسام البحث ووحداته في تتابع بحجم لا يزيد على ثلاثمائة كلمة، فإن المستخلص يتضمن خلاصة البحث بعد قراءته واستيعابه ككل. إن جملة أسباب دخلت الجامعات العالمية المتقدمة أن تلزم طالب البحث الأكاديمي بعمل مستخلص علميا للبحث، وبعدة لغات أحيانا، لهذا أصبح عرفا عالميا بين المؤسسات الأكاديمية في العصر الحديث أن تكون هذه المستخلصات هي طليعة البحث، وشرطا رئيسا في صلاحيتها لتقديمه، والحقيقة أن للمستخلص أهمية كبيرة ليس لكاتب البحث فقط، حيث يعبر عن بحثه بإيجاز ووضوح بل بالنسبة للقارئ، إذ بإمكانه أن يدرك اهتمامات البحث في وقت قصير جدا، ويستشف الجوانب التي يعالجها، مما يكون باعثا له للاطلاع عليها ودراستها، كما أن هذه المستخلصات عون لأمناء المكتبات في التعرف على موضوعها العلمي، ومن ثم تصنيفها، إضافة إلى أن دور النشر الجامعية، وهذه الحالة من الأهمية بمكان تهتم بنشر مستخلصات الرسائل الجامعية في دورياتها، وهي تساعد أيضا دور النشر الأخرى في التعرف على موضوعات الرسائل الجامعية وإلحاقها بمنشوراتها المتخصصة في هذا الجانب، مما

يساعد الباحث أيضا على الوقوف على البحوث التي تناولها باحثون آخرون، بخاصة من يكون هدفه نيل درجة علمية، وهذا ما يعمل على إلغاء البحث الأكاديمي حتى بعد مناقشته إذا ثبت أنه قد بحث سابقا، ونشير إلى أن التقانات الحديثة في مجال التوثيق سهلت إلى حد كبير الوقوف على مثل هذه البحوث.

الفصل الثالث والعشرون: الشكل، المنهاج، المحتوى

الفصل الثالث والعشرون: الشكل، المنهاج، المحتوى مدخل ... الفصل الثالث والعشرون: الشكل، المنهاج، المحتوى تمهيد: أوضحنا فيما سبق أن كتابة تقرير البحث هي المرحلة الأخيرة من مراحله، وهي عملية فكرية وتنظيمية كبرى بالغة الأهمية، تظهر فيها قدرة الباحث على تنظيم المادة العلمية وتحليلها وتفسيرها، ومهما بذل الباحث من جهد في كتابة تقرير البحث، وحاول استيفاء جميع جوانبه، فإن أمورا هامة يجب الانتباه إليها لدى إخراجه بشكل نهائي، تتناول جوانب متعددة، تتطلب دقة وضبطا، مما يعين على توضيح الأفكار وتيسير الفهم. يتناول ما نحن بصدده عدة أمور: أسلوب الكتابة الذي يخرج هيكل البحث سليما صحيحا، وعلاماته الإملائية التي تساعد كثيرا في توضيح أفكار النص المكتوب، وما يشمله التقرير من هوامش وجداول وأشكال وهي أمور شكلية تؤخذ بالاعتبار، ومنهاجه ومحتواه اللذان يثبتان وجود البحث وفاعليته، أي إننا نصنف هذه الأمور بأمور في وحدات ثلاث: الشكل والمضمون والمنهاج.

المبحث الأول: أسلوب الكتابة

المبحث الأول: أسلوب الكتابة لكتابة تقارير البحوث العلمية طريقة "أسلوبا" متفقا عليها، ولعل الباحثل "الطلبة بخاصة" يحسن صنعا إذا أمعن النظر في المقالات والتقارير، التي تنشرها المجلات العلمية يتعلم منها كيفيةكتابة التقرير، وقد يجد صعوبة في قراءتها في بادئ الأمر، لكنه يسهل عليه فهمها والإفادة منها كلما ازداد اطلاعه. يشمل أسلوب الكتابة في الواقع جانبين: التعبير وسلامة اللغة، وجانب أعلم وأشمل وهو عرض البحث وفق خطته، إن استخدام الباحث أسلوبا كتابيا ملائما، يبرز فيه حقائق بحثه بصورة علمية ودقة دون تشويه أو تحريف أو تحيز، متبعا في ذلك مخططا واضحا، يخرج هيكل البحث سليما غير منقوص، عمليتان متكاملتان تؤديان إلى إخراج البحث بشكل علمي سليم وسوف نتناول الآن الجانب الأول: يعرض الباحث حقائقه بموجب الصيغ التي توصل إليها، مترابطة متماسكة شارحة وموضحة بكلمات مختارة وجمل منظمة، موجزا في التعبير متحاشيا الفواصل الطويلة بين الفعل والفاعل مثلا، والمبتدأ والخبر مع التأكيد على التعليل والمناقشة الرصينة للآراء، ودعم بالأدلة والشواهد، وعلى الباحث المبتدئ تجنب التكلف بالأسلوب، ويتم ذلك بعد مران طويل، حتى يستقيم له أسلوب واضح. فصيح، يخلو من الألفاظ الغريبة، أسلوب علمي لا يعلو على إفهام المثقفين ولا يهبط إلى لغة العلوم أسلوب فيه استواء وتناسق، وربما كانت أفكاره ضحلة سطحية لكن أسلوبها تحدث في نفس القارئ لفتة نظر، بحيث يقبلون عليها لا فيها من دقة وضبط للجمل وتناسق في العبارات وجمال وبساطة في التعبير، بعيدة عن الغموض والأسلوب الأدبي المسهب، والتعقيدات اللفظية والكلمات الغريبة التي تسبب جفاف الأسلوب. وبجانب العرض الدقيق وأوضاعه ينبغي أن يكون الأداء سديدا بحيث تتوافر لدى الباحثين بخاصة الناشئة منهم، معرفة دقيقة بقواعد اللغة، وقواعد الإملاء واستعمال الكلمات المعاصرة الواضحة والتكرار أمر معيب، وإذا اقتضى ذكره أكثر من مرة يشار إلى رقم الصفحة التي ورد فيها للمرة الأولى، كما أنه لا يحبذ استعمال الكلمات أو العبارات باللغة الأجنبية إلا إذا كانت اصطلاحية "Technical terms".

على الباحث أن يتجنب ضمير المتكلم بكل أنواعه، وقد يقبل إذا ورد بصيغة مقبولة، وبشكل محدود بتواضع، أما استعمال الشكل، فكثير من الكلمات في اللغة العربية تحتاج إليه لإزالة اللبس وتيسير القراءة، والفعل المبني للمجهول من أهم هذه الكلمات في اللغة العربية، وفي جميع الأحوال يجب عدم المبالغة بالشكل، هذا ويكتب التقرير بنتائج التحليل بصيغة الماضي والتجارب بصيغة الغائب. مقولة يجب أن يسير عليها الباحث في كتابة تقرير البحث هي: ضع مخططا لكتابة البحث والتزم به ما أمكن، حيث يجب ذكر الشيء في موضعه، كأن لا يسارع إلى وصف الطريقة المتبعة في البحث وهو في صدد كتابة المقدمة، وألا يعمد إلى ذكر النتائج وهو في صدد ذكر الطريقة التي اتبعها في البحث، وإذا وصل إلى المناقشة يجب ألا يعمد إلى إعادة ذكر النتائج التي حصلت دون مبرر أكيد لذلك، وأن تكون خلاصة بحثه بالمعنى الصحيح تتمثل بالنتائج التي توصل إليها، والقارئ حين يرغب التوسع يعود إلى القسم الذي يعنيه من البحث.

المبحث الثاني: الجانب الشكلي

المبحث الثاني: الجانب الشكلي 1- اللغة والرموز الكتابية "العلامات الإملائية": إن الاهتمام بها أمر ضروري جدا وحتمي، وعلى الباحث وبخاصة طلبة الجامعات أن يعرض عمله على المتخصصين باللغة بهدف تحسين أسلوب الكتابة من جهة، وتصحيح الأخطاء اللغوية من جهة أخرى، وسلامة الألفاظ التي يستعملها، فالباحث المبتدئ قد لا يلم بمعرفة دقيقة للألفاظ التي يستخدمها، من مثال كلمة "سائغ" كانت تستخدم في الماء سهل الدخول إلى الحلق، واستعيرت فيما بعد لتدل على سهولة الأسلوب وعذوبته ورقته، وكلمة "جذل" كانت تستخدم أصلا للغليظ من الحطب، وتعني الآن الفصيح المتين وكلمة "رصين" كان يوصف بها أصلا البناء القوي المحكم، كما أن الاستعمال غير السليم لبعض الحروف الأخرى، أمر شائع كحرف الباء،

ومن، وعن، والجهل ببعض القواعد كقاعدة العدد والمعدود، وكثيرا ما يرد في البحوث جملا مفككة أو مبتورة، فالباحث لا يعرض معلومات، وإنما يعرض بناء متناسقا، يسود بين جمله وأجزائه، وفقراته المنطق والروابط الذهنية المحكمة. أما علامات الترقيم فتأتي أهميتها من أنها تساعد كثيرا على توضيح النص، وتحدد معالم العلاقة الصحيحة بين أجزاء الكلام وما فيه من مضمون ودلالات سياقية، تستوجب لفت انتباه القارئ إليها، ولا بد من استعمالها استعمالا صحيحا على ضوء الأسس والقواعد اللازمة لذلك، وقد تنبه علماؤنا الأوائل من المحدثين وغيرهم إلى ما يشبه هذه العلامات مثال ذلك ابن صلاح الذي تناول النقطة وابن جماعة الذي تناول الفاصلة، ويعد الأديب المحقق أحمد زكي باشا من أوائل من وضع أسس علامات الترقيم في اللغة العربية في كتابه "الترقيم وعلاماته في اللغة العربية" أصدرته المطبعة الأميرية عام "1330هـ" في طبعته الأولى، ثم نشر في طبعته الثانية عام "1407هـ"1. إن علامات الترقيم في اللغة العربية كثيرة نبدؤها بـ: - النقطة أو "الوقفة": وتستعمل في نهاية الجملة تامة المعنى وعند انتهاء الكلام، وبعد الكلمات المختصرة "هجرية. هـ، وميلادية. م" كما توضع أيضا في نهاية الحواشي وبين وحدات المصادر والمراجع بين اسم المؤلف وعنوان الكتاب وبيانات النشر، وفي ثبت المراجع العامة في نهاية المصدر أو المرجع. - الفاصلة أو "الفصلة": توضع عند سكتة خفيفة جدا لتمييز أجزاء الكلام عن بعض حيث توضع بين جملتين لهما ارتباط بالمعنى، وفصل الجمل الكبيرة إلى معانيها، وبين الجمل المتعاطفة وبين الكلمات المترادفة، وبين الشرط وجوابه، وبين الصفات المتكررة، وبين القسم والجواب إذا كانت جملهما طويلة، كما توضع بعد نعم أو لا

_ 1 انظر: حسن محفوظ: العلامات والرموز عند المؤلفين العرب. بغداد 1964.

جوابا لسؤال تتبعه الجملة، وبعد المنادى في الجملة، وبعد مخاطبة المرسل إليه في الرسائل، وبعد عبارة الختام التي تجيء قبل توقيع المرسل، وبعد أرقام السنة حين تبدأ بها الجملة، أو بعد الشهر أو اليوم، وبين اسم المؤلف وشهرته وبين معلومات النشر أثناء تدوين المصادر، وبعد جميع المختصرات في تدوين المصادر في الهوامش، ويستثنى من ذلك مختصر الصفحة منعا للالتباس في الأرقام. - الفاصلة المنقوطة: تعد شبه النقطة لكنها لا تنهي معنى الجملة، الغرض منها أن يقف القارئ عندها وقفة متوسطة، أطول بقليل من سكتة الفاصلة، وأكثر استعمالها في موضعين: بين الجمل الطويلة التي يتركب من مجموعها كلام مفيد، وبين جملتين تكون الثانية منهما سببا في الأولى أو مسببة عن الأولى، وتستعمل في تدوين المصادر في الهامش حين يعتمد المؤلف الفكرة الواحدة أكثر من مصدر، حيث توضع بين المصادر تحت رقم واحد، وكذلك عندما يعمد الباحث إلى تكرار عدة أمور. - النقطتان الرأسيتان: تستعملان لتوضيح ما بعدهما وتمييزا لما قبلهما، وأكثر استعمالها في المواضع الآتية: بعد كلمة قال وما شابهها أو اشتق منها، فهما تشيران إلى نص سيرد، بين الشيء وأقسامه وأنواعه، قبل الأمثلة التي توضح القاعدة، وقبل الكلام الذي يوضح ما بعد قبله، قبل الجمل المقتبسة، وقبل تفسير أو تعليل أو شرح ولدى البعض بعد البلدة في تدوين المصادر في الفهرسة وفي الهوامش. - النقطتان الرأسيتان بعدهما شرطة ":-" توضعان بعد عبارات الشرط مثل كما يأتي: -أو كلمات: الآتية:- - علامة الاستفهام؟ بعد الجمل الاستفهامية، وبين القوسين للدلالة على شك في رقم أو كلمة أو خبر وقبل قوسين إذا كان الكلام واردا نقلا.

- علامة التعجب: "التأثر" توضع في آخر الجملة للتعبير عن شعور استنكارا أو إعجابا أو استغاثة أو دعاء، وبعد الجملة المبتدئة بـ "ما" لتعجبه وبعد الجملة المبتدئة بـ "نعم" و"بئس". - الشرطة: "الوصلة" في أول السطر في حال المحاورة بين اثنين، أو في حال ابتداء السطر دون عنوان بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول لأجل تسهيل، فهمها، بين العدد والمعدود إذا وقعا عنوانا في أول السطر، في أواخر الجمل غير التامة، بعد الأرقام أو الحروف أو الكلمات دلالة على نقص فيها، بين الرقمين المتسلسلين بالنسبة لتدوين رقم الصفحات بالهامش. - الشرطتان: "- ... -" تفصلان بين جملة أو كلمة معترضة، فيتصل ما قبلها بما بعدها. - الشولتان المزدوجتان: " " أو علامتا التنصيص: يوضع بينهما كل نص ينقل حرفيا، أو حول عناوين القصائد والمقالات. - القوسان الكبيران: () ويسميان الهلالين الكبيرين المفردين، يوضع بينهما معاني العبارات والجمل التي يراد توضيحها، أو ما ليس من أركان الكلام، كالجمل المعترضة وألفاظ الاحتراس والتفسير، حول الأرقام في النص، حول إشارة الاستفهام بعد خبر أو كلمة، أو سنة دلالة على الشك فيه، حول الأسماء الأجنبية الواردة في سياق النص، على أن تكون بأحرفها الأجنبية، حول معلومات النشر المدونة بالهامش. - القوسان المركنان: [] حول كل زادة تقع في الاقتباس الحرفي، أو حول كل تقويم أو توضيح فيه، أو لسقط في الأصل، أو إضافة من مصدر آخر، وهناك من يفضل الإشارة إلى التقويم والتصحيح في الهامش، حول أي من بيانات للنشر، غير الموجودة في صفحة العنوان.

- النقطة الأفقية ... أو علامة الحذف: بعد الجملة التي تحمل معاني أخرى تحث القارئ على التفكير، للاختصار وعدم التكرار، بعد جملة أو جمل، للدلالة على أن هناك حذفا في الاقتباس الحرفي بدلا من عبارة إلى آخره "إلخ" في سياق الحديث عن شيء ما. - الخط المائل /: يرد بين الأرقام التاريخية، وهي علامة نهاية الورقة السابقة وبدء الورقة الجديدة بالنسبة لمحققي المخطوطات1. ويرى بعض المستشرقين "أن استعمال علامات الترقيم في الكتابة العربية لا فائدة له إلا في الأحوال النادرة، لأن الناس تعودوا على قراءة الكتب الشرقية بدون ترقيم، وفي زيادة الترقيم خطر الخطأ"2. 2- الاختصارات: لقد جرى العرف على قبول ما جرى العرف على اختصاره في بحوث طلبة الدراسات العليا، الرسائل والأطروحات وأهمها: باللغة العربية: ق. م=قبل الميلاد. م=التاريخ الميلادي "ويرى البعض اقتراح كلمة عام "بالنسبة للسنة الميلادية". هـ=التاريخ الهجري "ويرى البعض اقتراح كلمة سنة للسنة الهجرية". صلعم=صلى الله عليه وسلم، ويفضل عدم الاختصار. جـ=الجزء. ص=الصفحة واختصار الجزء والصفحة يستعملان في الحاشية فقط.

_ 1 أحمد شلبي: 173-175 ثريا ملحس: 141-146 مع شيء من الإضافة. 2 حول نقد النصوص ونشر الكتب محاضرات المستشرق الألماني بريجستراسر بكلية الآداب بالجامعة المصرية 1931-1932. مقتبس منه بتصرف.

ط=المطبعة. باللغة الأجنبية: "B. C "=قبل الميلاد. "A. D"=بعد الميلاد. "VOL"=الجزء. "P"=الصفحة. "P. P"=إذا تعددت الصفحت. "i. B. D"=مرجع سابق دون فاصل أو المرجع السابق. "oP. cit"=مرجع سابق إذا وجد فاصل واحد. "I, oc, cit"=إذا كان الاقتباس الثاني من نفس الجزء والصفحة. 3- الأرقام: - صفحات متتابعة "ص225-240". - إذا كان الرقم مكونا من رقمين لا اختصار. - إذا تعدى الرقم إلى المئات والألوف يكفي التغيير في رقمي الآحاد والعشرات فقط: "422-29" "1675-77". - إذا تجاوز الرقم إلى المئات نعيد الرقم الثاني إذا تجاوزت المائة الأولى "520-640". - ويجوز أن يقال: صفحة "520" وما بعدها، وإذا كان هناك صفر في المئات يعاد رقم الآلاف مثل "1000-1003". - إذا كان الرقم كبيرا توضع فواصل بين كل ثلاثة أرقام "639 و334 و111" ويكتب الكسر بالحروف إذا كان وحده، نجح نصف الطلاب، كذلك إذا كان مع عدد مفرد مثل أربعة سنتمترات وربع وعدا ذلك فتكتب بالأرقم مثل "2/ 161". أما استعمال الأرقام في صلب البحث، فقد وضع له الباحثون نظاما تضمن أن الرقم الذي لا يحتاج الطالب في التعبير عنه، أكثر من ثلاث كلمات، ينبغي أن يكتب بالكلمات مثل "ألفان ومائة، وثلاثة وستون" وأرقام بعض المصطلحات مثل رقم الشارع والمنزل وصفحات الكتب والنسبة المئوية والتاريخ، أما إذا احتاج التعبير عنه إلى أكثر من ثلاث كلمات فتستعمل الأرقام، رغم ذلك توضع بالحروف إذا وقع العدد في أول الجملة كأن تقول: "ألف وثلاثمائة" طالب نجحوا في الامتحان.

المبحث الثالث: الهوامش

المبحث الثالث: الهوامش الهوامش "foontnotes" مدونات خارجة عن المتن ولكنها جزء لا يتجزأ منه في نفس الوقت، يسميها بعض الباحثين "الحواشي" وتستعملها كتب اللغة استعمالا1 مترادفا، ويفضل استعمال الهامش لما وقع في أسفل النص، والحاشية ما أحاط بالنص من فراغات جانبية وعلوية، والهدف من إيرادها. 1- ذكر المصدر الذي استقى الباحث منه مادته، سواء كان مصدرا أصيلا أم ثانويا، مطبوعا أم مخطوطا، رواية شفوية أم صورة، أو أية وثيقة أخرى، وهدف الباحث من إيرادها كمصدر، هي أنها مستندات دراسته وبراهين وأدلة على ما يسوق من أفكار من جهة، وإرشاد القارئ إلى المصدر يعينه على توضيح فكرة ما من جهة أخرى. 2- إيضاحات وشروح لتفصيل أمور وردت في المتن ولا تدخل في صلب الموضوع، حيث إنها ذكرت في المتن تقطع اتساق البحث وتسلسله، ومن هذه الإيضاحات: التعريف بالأشخاص الواردة أسماؤهم في المتن، أو التعريف بالأمكنة، أو شرح كلمة لغوية عويصة، أو عبارات معقدة، أو إضافات توضيحية.

_ 1 ورد في القاموس المحط للفيروزبادي "والهامش حاشية"، 2/ 294 مادة "همش".

3- مناقشة رأي. أو نقد نص، أو دليل يرتبط بالحقيقة المهمشة، أو طرح آراء مختلفة حول أمر ما، مؤكدين مما ذكر أن الغرض الرئيسي من الهامش التوضيح لا إضافة معلومات جديدة أو استطرادات لا يحتاجها الباحث. 4- إحالة القارئ إلى مكان آخر من البحث، بحثت فيه الحقيقة "المرقمة" بحثا أكثر تفصيلا. 5- الإشارة إلى مصادر أخرى ينصح بقراءتها. 6- وضع شكر أو تقدير لبعض الأفراد أو الجهات التي ساعدت الباحث. هذا ويستنكر بعض الباحثين من الهوامش، ولذلك ضرران. أولهما أن الباحث يحاول أن يدل على سعة اطلاعه، فهو يحشد المصادر، وقد يؤدي ذلك إلى الجمع بين الغث والثمين دون تفريق بينهما، وثانيهما أنه لا يستطيع بذلك أن يميز المصدر الرئيس عن سواه، ومما يدخل في التكثر من ذكر الهومش والمصادر فيها، ما يحول بعض الباحثين المبتدئين إثباته من أنهم قرءوا كثيرا من المصادر الأجنبية أو المكتوبة بلغات أجنبية، وذكرها كذكر المصادر العربية ليس شيئا يقصد لذاته، إنما تساق للحاجة ولبيان مصدر فكرة مهمة ذكرها الباحث، ويريد أن يرشد القارئ إليها إذا رغب المزيد. يتبع في الإشارة إلى الهوامش أكثر من طريقة: أ- التهميش في أسفل الصفحة: 1- الترقيم المتسلسل لكل صفحة، وهنا تختص الأرقام بكل صفحة، وهي أسهل الطرق وأكثرها شيوعا تدون فيها المعلومات في الحاشية وفق الأرقام التي وضعت في متن الصفحة. 2- الترقيم الكلي المتسلسل لكل فصل، بحيث يبدأ الترقيم بـ "1" ثم تتابع الأرقام حتى نهاية الفصل.

3- الترقيم الكلي المتسلسل للبحث كله، بادئا بالرقم "1" ثم الذي يليه حتى نهاية البحث. ب- التهميش في نهاية الفصل: يعطي الباحث رقما متسلسلا متصلا لكل فصل على حدة، وتجمع كل الهوامش والتعليقات في نهاية الفصل مع الإشارة إلى أرقام الهامش في متن البحث. ج- التهميش في نهاية البحث: تجميع التهميشات كلها في نهاية البحث تعطي رقما متسلسلا منذ بداية البحث حتى نهايته مع الإشارة إلى الأرقام في متن البحث. ويراعى في جميع الحالات ما يلي. إن الرقم الذي يوضع في صلب المتن مرتفعا قليلا عن السطر ولا توضع نقطة بعده، ويتلو اسم المؤلف إذ ذكر الاسم، فإذا لم يذكر اسم المؤلف واقتبس كلامه فقط، فإن الرقم يوضع عند نهاية الجملة أو الجمل المقتبسة، وعادة توضع هذه الأرقام بين قوسين في حالة الطبع وفي بعض الحلات كبحوث الرياضيات فإن الأرقام تستبدل بعلامات أخرى مثل "أ، ب، جـ، ... ". هذا ويفصل في جميع الحالات صلب البحث عن الهوامش بخط أفقي يترك بينه وبين صلب البحث مسافة واحدة، ويوضع الرقم في الهامش محاذيا للسطر ولا يرفع عنه، وبعد كل رقم توضع شرطة "-" كما توضع الأرقام المتتالية متحاذية، وبعد فراغ قليل توضع المعلومات متتالية، أما في حالات التوضيح أو الاقتراحات، فإنها تميز في الهامش بعلامة خاصة كالنجمة مثلا "*" تمييزا عن الرقم العادي الذي يوضع للمصدر، فإذا أورد الباحث إيضاحا ثانيا على نفس الصفحة كانت الإشارة له نجمتان "**" وهكذا، كذلك تستعمل النجوم بدل الأرقام إذا كان مكانها فوق عنوان من العناوين.

المبحث الرابع: الجداول والأشكال والصور الفوتوغرافية

المبحث الرابع: الجداول والأشكال والصور الفوتوغرافية يورد الباحث في تقريره العلمي وسائل إيضاح تشمل الجداول والأشكال ذي الرسوم البيانية والأشرطة البيانية وأهرامات الأعمار إلخ ... تهدف إلى فهم آرائه وأفكاره وتحليلاته، وتفسيراته المبنية على الأسلوب الكمي، على أن تكون النتائج ملخصة وواضحة ومرتبطة بما جاء في التقرير، ويتبع الباحث في إيرادها ما يلي: 1- أن يكون للجدول تقديم في السطور السابقة له مباشرة وينتهي التقديم بعبارة. كما يبدو في الجدول الآتي، أو كما يبدو في الجدول رقم " "، وإذا لم يرد التقديم مباشرة وورد في صفحة مستقلة فإنه يأخذ مع رقمه عنوانان بحيث يوضع رقم الجدول، وأسفل الرقم يوضع عنوان الجدول. ولا بد من تحليل له يقع في السطور اللاحقة به. 2- أن يقسم الجدول إلى أعمدة منظمة لكل واحدة منها فكرة تخدم الحقيقة التي وضع الجدول من أجلها، ولا بد أن تكون أعمدة الجدول صفحة واحدة، وإذا لم يتسع مجال الصفحة لذلك يلصق بالورقة الأولى ورقات أخرى تستوعب الجدول، أو أن يوضع الجدول في صفحة تتسع له وتطوى، هذا بالنسبة للمعلومات الطولية، أما المعلومات العرضية فلا بد أن ترد كاملة في الصفحة نفسها الذي يبتدئ بها الجدول. 3- أن يضع الباحث رقما مسلسلا لكل جدول أو شك، كذلك يضع عنوانا موجزا لكل جدول أو شكل، يدل على ما يحتويه أو يبينه الجدول أو الشكل. 4- أن تحسب النسب المئوية للأعداد الواردة في الجدول حتى يسهم فهم دلالتها إذا تطلبت طبيعة البحث ذلك. 5- أن يذكر مصدر كل جدول تحته مباشرة وليس في الحاشية، وذلك في حالة الاقتباس الحرفي، كما يحدث في البحوث التي تستخدم فيها الطريقة الإحصائية.

6- في حالة كون الجدول من وضع الباحث استنادا إلى مصادر، على الباحث أن يشير إلى هذه بدقة في أسفل الجدول. "من وضع الباحث" أو "حساب الباحث""استنادا إلى ... " أو في هامش الصفحة إذا تعددت المصادر. 7- في حالة كون الجداول من وضع الباحث استنادا إلى عملية مسح بوساطة الاستبيان مثلا، يشير الباحث إلى ذلك بقوله: "من عمل الباحث" وفي هذه الحالة تكون الجداول أصيلة لم يسبقه إليها أحد. 8- توضع قائمة للجداول وأخرى للأشكال في نهاية تقرير البحث بعد ثبت المراجع أو المصادر ويضعها البعض بعد ثبت محتويات البحث، قبل بدء الأبواب أو الفصول. نشير فيما يلي إلى بعض الأشكال، وهي الوسائل أو الأساليب التي تستخدم في البحوث العلمية: 1- الخرائط كوسيلة بصرية للمقارنة "Visual Comparison map"، تفيد في عرض المادة ودراسة أنماط التوزيع بعناية، وتكمل نص البحث وتعمل على إثرائه. 2- الخرائط ذات النسب المئوية "The ratio Map" وتستخدم للكشف عن الصلة بين ظاهرتين تتغيران بتغير المكان. 3- هرم الأعمار ويبين فئات الأعمار "Age groups" أي التوزيع العمري للسكان كما يبين توزيعهم الجنسي "الذكور والإناث". 4- الرسوم البيانية، وهي بحد ذاتها خطوط بيانية للنتائج بأنواعها، متعددة متنوعة تسبق الجداول دائما ويطلق عليها قواعد إيراد الجداول. التقديم والعنوان والرقم والمصدر والدقة، وهناك: أ- السلسلة الزمنية، وتعتمد على اختيار سنة الأساس ورسمها البياني سهل الفهم لتطور الظاهرة التي تمثلها خلال الفترة الزمنية المقارنة.

ب- الأعمدة البيانية "الأعمدة النسبية" وهي أبسط الأشكال الهندسية التي تستعمل لعرض المعلومات. ج- الدوائر والمربعات وهي أحسنها بيانا في حال استعمال المساحة كطريقة إيضاحية، بخاصة إذا كانت الأرقام نسبا مئوية، وتستعمل للدلالة على التغيرات التي طرأت على قيمة ظاهرة معينة من حيث الزمان والمكان، وهناك الدوائر النسبية، والنسبية المقسمة، والنسبية المتداخلة، وأنصاف الدوائر، وأجزاء الدوائر النسبية. د- المثلثات البيانية "The tringular Graph" وتظهر ثلاثة متغيرات في وقت واحد. هـ- الأشكال الهندسية المجسمة. وهي الكرة والمكتب، ويكون التناسب هنا بين الحجم والعدد. و خطوط الحركة البيانية "Flaw Diagram" وتستخدم في حالة تمثيل الخطوط التي تمر بها عملية إنتاج أو استهلاك سلعة معينة. ز- الشبكة البيانية "Network Diagram" وتمثيلها سهل بحيث ترسم مستقيمات تصل بين المراكز. ح- الرسوم اللوغاريتمية. وتساعد على تحويل المنحنيات البيانية المعقدة إلى خطوط مستقيمة بسيطة، مما يسهل فهم العلاقة المدروسة، وترسم على أوراق خاصة، وفي جميع حالات هذه الأشكال، لا بد أن يقع واحدها في صفحة واحدة لتسهل المقارنة. هذا ويكثر استعمال الخرائط والرسوم والأشكال في البحوث العلمية الطبيعية والهندسية، بينما يكثر ورود الجداول والرسوم والخرائط في البحوث الاجتماعية، ومن الأفضل وضع ما ذكرناه في متن البحث، وفي مكانها المناسب، أو في مجلد خاص وفق ورودها العلمي وليس في نهاية البحث كملحق ومما تجب الإشارة إليه العناية بهذه الأشكال والحفاظ على النسب الصحيحة بين مفرداتها. أما الصور الفوتوغرافية. فكثيرا ما ترد في البحوث بخاصة البحوث الأكاديمية لإيضاح شيء يتحدث عنه الباحث، ويلزم في هذه الحالة وضع الصور في صفحات مستقلة، كما يلزم أن يوضع لها عنوان يعرف بها، ورقم يشار إليه في صلب البحث، كما يكون تحت الصورة فراغ يكتب فيه رقمها وتتمة التي تعرف بالصورة، ويلجأ البعض إلى وضع الصور في حافظ مستقل عن البحث "حافظ الصور".

المبحث الخامس: المنهاج

المبحث الخامس: المنهاج البحث استقصاء عن موضوعات أو مسائل معينة، يتبع فيها الفكر منهجا علميا في إطار منهاج منطقي عام، يطبق في كل منهما منهجا أو أكثر من مناهج أعمال الفكر للكشف عن الحقيقة في العلوم، بوساطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة، لهذا فإن منهاج البحث هو عصب البحث العلمي، ويظهر في عرضه حذق ومهارة الباحث لصنعة تصميم هذا البحث. يشمل منهاج البحث أهداف ومفهوماته ومجالاته، والمنهج الذي يقوم عليه البحث والطريقة التي أجري بها، وتحديد الوسيلة التي جمعت بها البيانات، وأداتها إن كانت ذات أداة، وكيفية إنجاز العمل الميداني "Field work" إن كان ذلك، ثم الصعوبات التي اعترضت البحث إن وجدت وكيفية التغلب عليها. إن تحديد الأهداف والمفهومات والمجالات، تجعل الرؤية واضحة منذ البداية بخاصة أن الأهداف التي يتحكم فيها الباحث ويحددها في البداية، تصبح فيما بعد هي المتحكمة في بحثه والموجهة له، كذلك حال تحديد المفهومات1 "المشكلة" موضوع

_ 1 المفاهيم "Concept" هي مجموعة الرموز التي يستخدمها الفرد لتوصيل ما يريده من معان لغيره من الأفراد أو أن المفهوم ليس هو الظاهرة ولكنه رمزها، ولكن موضوع علمي مفاهيمه المتميزة والخاصة بعملية الاتصال والبحث، وليس للمفهوم معنى إلا بقدر ما يشير إلى الواقعة التي يمثلها.

البحث وبيان القصد من استخدام المصطلحات التي ترد في بحثه، مما يعين القارئ على إدراك ما يقصده الباحث، وبهذا تكون المعاني واضحة من خلال استخدام هذه المصطلحات. وقد يضطر الباحث إلى اللجوء إلى تعريفات إجرائية1، تغطي أو تصل الفجوة بين المستوين النظري والفكري من جهة والمستوى، الأمبريقي "التجريبي" الذي تتم ملاحظته من جهة أخرى، فيما تقتضي متطلبات بحثه ذلك، يتوصل إليها الباحث من خلال عمليات يقوم بها ليكشف عن وجود الصفة التي تمثل المفهوم. أما مجالات البحث فعلى الباحث أن يحددها وفق طبيعة مشكلة البحث: المجال الجغرافي لبحثه، الزمني، المكاني، البشري ... ويوضح ما أوجب تحديده على النحو الذي أورده، وفي البحوث الميدانية، على الباحث أن يحدد في حالة استخدام العينة كيفية تحديد العينة من حيث الحجم والنوع و ... ومن خلال ما ذكرناه على الباحث أن يشير إلى ما استغرقه من وقت وشرح أسباب ذلك. ومن الأهمية بمكان أن يبين الباحث المنهج الذي اختاره، ليس هناك بحث علمي بدون منهج، يدور معه وجودا وعدما، وصدقا أو زيفا، فمناهج العلم متعددة، ولكل منها دواع للاختيار، وعلى الباحث أن يبين أسباب اختياره للمنهج أو المناهج وكيفية استخدامه إياها، ومع اختيار المنهج يحدد الباحث الاتجاه الذي اتجهه في بحثه، إن كان وصفيا أو برهانيا، ففي الحالة الأولى على الباحث أن يعرض تفاصيل المشكلة موضوع البحث، لتبين الأجزاء التي تكون بنائها وارتباطها بعضها ببعض في أداء وظائفها، أو بهدف تشخيص المشكلة موضوع البحث، أو بهدف كشف الخلفية

_ 1 يعتمد البحث العلمي على نوعين من التعاريف: التعريف المفهومي "Conseptual" والتعريف الإجرائي "Operational" يقوم الأول بتعريف مفهوم بوساطة مفاهيم أخرى أكثر بساطة في معظم الأحيان، والثاني هو الذي يغطي أو يصل الفجوة بين المستوى النظري والفكري، وبين المستوى التجريبي الذي تتم ملاحظته.

النظرية لموضوع البحث، والتماس الطريق أمام العمل الميداني، أما في حالة الاتجاه البرهاني فعلى الباحث أن يبين أولا السبب أو الأسباب التي دعته إلى اتخاذ هذا الاتجاه، والغرض الذي أراد أن يتحقق من صحته أو خطئه، وأن يوضح بدقة مسيرته في هذا الاتجاه أن ذاك. ومن اعتبارات المنهاج أيضا التي تتطلب اهتماما من البحث هي الطريقة التي اعتمدها مقتنعا أنها مجرد وسائل لا أهدافا وغايات، والأسلوب الذي اختاره، ولما كان اختيار الأسلوب كميا أم كيفيا، أو الاثنين معا يتمشى مع اختياره الطريقة، فإن كتابة التقرير كتابة منظمة تضع ذلك بالاعتبار، بخاصة إذا كان الباحث قد أجرى بحثه مستخدما أكثر من طريقة، والأهم من ذلك أن يبين الباحث الكيفية التي استخدم بها الطريقة التي اختارها والأسلوب الذي استخدمه، وأدوات تجميع البيانات "استبيان، مقابلة، ملاحظة ... ". ونؤكد على البيانات التي جمعها الباحث وكيفية جمعها، ووضع الاستنتاجات منها لتكوين التعميمات الموثوق فيها، واختباره صحة هذه التعميمات وكفايتها لتدعيم وتأييد النتائج التي يصل إليها وسلامة تناولها ومعالجتها، وعدم استخراج نتائج خاطئة منها، أي وجوب الفهم الصحيح لها. ورغم أن البيانات التي يحصل عليها الباحث من خلال قيامه بعمل ميداني يتطلب تعيين مصدرها وكيفية الحصول عليها، وهي مصدر رئيس لبحثه، إلا أن ما يحصل عليه من خلال اطلاعه على شتى المصادر المكتبية كالكتب والدوريات والنشرات الرسمية وتقارير البحوث السابقة والوثائق ... وأيضا غير المكتبية لها دورها الهام في البحث، ولا بد من إبرازها وبيان الكيفية التي انتفع بها منها، حتى يتبين مدى قيمتها، كما أن على الباحث أن يشير إلى وسائل جمع البيانات التي استخدمها، وأن يورد صورا عنها في ملحق النزير، لأنها ذات أهمية كبيرة في إبراز جهده ومدى

دقته في البحث وذات أثر كبير في تقويم بحثه، ونشير هنا إلى أهمية البيانات الإحصائية، فقد تكون وصفية أو استنتاجية، وعلى الباحث أن يبين ذلك، وأن يتجنب التعليل الإحصائي الخاطئ، لأن الإحصاء لا يكون بعون الباحث ودراسته إذا كانت الدراسة تعاني من أخطاء في تصميم1 البحث. نشير إلى العمل الميداني بخاصة، حيث يعتمد في كثير من البحوث العلمية، وقد يجمع الباحث بين نتائج عمله الميداني وبين الدراسات النظرية التي يستقيها من المصادر، والآراء في هذا المجال مختلفة، يعتمد بعضها على الفصل بين الدراسات النظرية والعملية، بينما يرى البعض الآخر الدمج بينهما، والهدف من الفصل فيما يبينه أصحابه هو بيان الجهد العملي للباحث، كما يفيد في تكوين صورتين متكاملتين للمشكلة موضوع البحث، فضلا عن أنه يمثل ما يفعله كل باحث في الواقع، إذ أنه يبدأ أولا بالاطلاع على المصادر ليتمكن من الإحاطة بالمشكة من وجهة نظرية، ثم يصمم البحث وينجزه في جميع مراحله وخطواته. بينما يرى أصحاب رأي إدماج النظري مع العملي في كتابة التقرير، أن ميزة هذا الاتجاه تظهر بخاصة في عملية مقارنة نتائج البحث بنتائج بحوث أخرى، تناولت مشكلة موضوعه في أزمنة وأمكنة أخرى، وعملية تفسير النتائج في ضوء ذلك، فضلا عن التغلب على مشكلة ما يحدث من تكرار عند تفسير النتائج بمقارنتها بما يكون قد سبق ذكره، في حالة تقسيم تقرير البحث إلى قسمين: إن بحوث طلبة الدراسات العليا تنحى غالبا منحى الفصل بين الدراسات النظرية والعملية، وذلك بهدف إبراز جهدهم المبذول وتوضيح ما خلصوا إليه من خلال الدراسات النظرية، وما أنجزوه من عمل ميداني، ونذكر في هذا الشأن ملاحظتين:

_ 1 التصميم لغة هو المضي في الأمر على رأي بعد إرادته، والمضي يعني مسيرة تستغرق وقتا، والمسيرة عملية حركة ذات مراحل، يتقدم خلالها المصمم خطوة خطوة، من البداية إلى النهاية، أما الأمر فهو الفكرة السابقة على التصميم والداعية إليه "ابن منظور. لسان العرب. جـ15، فصل المصادر، حرف "الميم".

أولاهما أن المشرف على إنجاز البحث العلمي هو المسئول عما يرد فيه من أخطاء أو لبس أو عدم اتباع منهاج سليم، وهو الذي يتحمل كل نقد يوجهه إلى البحث حول نقطة من نقاطه، سواء كان البحث ميدانيا أو نظريا أو يجمع بينهما، والأمر الثاني هو ان يظهر الباحث من خلال توجيه المشرف الصعوبات التي تعترض الباحث في الميدانين النظري والميداني أو في أحدهما، وبيان الكيفية التي تغلبان بها عليها، إذ أن هذه الحقائق توضح الرؤية وتعطي فكرة عن مدى الجهد الذي بذل في سبيل التغلب على الصعوبات، وقد يفيد في توضيح الأسباب التي قد تؤدي أحيانا إلى بطء في إجراء العمل الميداني أو تأخير في كتابة التقرير عنه.

المبحث السادس: المحتوى الفكري

المبحث السادس: المحتوى الفكري إذا كان منهاج البحث قد بين لنا الترتيب الخاص بخطوات البحث العلمي ومراحله، فإن مضمون البحث يشكل محتواه الفكري الرئيس، الذي تظهر فيه قدرة الباحث على تصميم البحث والعرض والدقة في التحليل والبراعة في التفسير، لما حصل عليه من خلال دراساته، سواء كانت دراسات نظرية أو عملية ميدانية أو من كليهما، بحيث يبدو في كيفية التصرف فيما جمع من الدراستين مهارة الباحث وقدرته ونقده نقدا واعيا، وعرض النتائج التي توصل إليها عرضا تحليليا وافيا وتفسيرها في ضوء المقارنة بعضها ببعض ومع نتائج أخرى مست مشكلة الموضوع نفسه أو مشكلات أخرى مماثلة ومن ثم مناقشة هذه النتائج. يعتمد عرض الأفكار على مدى اتساع قراءات الباحث، ومقدار ما حصل عليه من خلال هذه القراءات ناقدا ومعالجا، وهما عمليتان فكريتان تحتاجان إلى تعمق وإعمال فكر وروية، بنظرة ثاقبة وتدبر متأن، لهذا يجب أن يكون الباحث معدا نفسه إعدادا مناسبا، ملتزما بالدقة المطلوبة في البحوث العلمية، وبالوضوح الذي يبعد اللبس، مستندا إلى أصول قوية تمكنه من تحمل أعباء البيانات والأفكار التي تم التوصل إليها والحصول عليها، وتفسير النتائج وهما عمليتان متدرجتان في الصعوبة.

يقوم تحليل البيانات والأفكار على تصنيفها، وهذا بدوره يعتمد على التفكيك والتجزئة، وبخاصة في البيانات الكمية، حيث يتم تناول الأفكار المجزأة بالشرح المفصل المتدرج وفق الأفكار، مع الإشارة إلى الأرقام التي تعبر عنها، ويعتبر البعض أن تحليل البيانات والأفكار عملية وصفية إيجابية تتضمن مختلف أنواع التعليق على هذه البيانات، من حيث اتجاهاتها نحو التزايد أو التناقص أو الاستقرار، وقد يكون التعليق مبنيا على وجود صفات عامة مشتركة أو صفات خاصة محدودة، أو قائما على وجود اختلافات بين البيانات المجموعة من فئات متباينة، وقد يكون التعليق على البيانات من حيث ثباتها وصدقها ومدى دلالتها، وقد يشمل التعليق مقارنات بين بيانات البحث وبين بيانات بحوث أخرى مشابهة سبق إجراؤها، بهدف إبراز الفروق بينهما، مما يجعل البيانات أكثر وضوحا بخاصة بالنسبة لمن يهتم بنتائج هذه البحوث والتوصيات العملية التي تبنى عليها. يكتفى عادة في البحوث التي تقدم لنيل درجة علمية "الليسانس والدبلوم" بالعرض والتعليق، فهي بحوث تدريبية، يتعلم الباحث من خلالها كيفية البحث عن المراجع والاطلاع عليها، والإفادة منها، وكيفية تصميم البحث في كل مرحلة من مراحله وخطوة من خطواته، أي إنها مرحلة تهيئ الطالب للقيام ببحوث أكاديمية تكتب تقاريرها في شكل رسائل أو أطروحات للحصول على شهادة الماجستير أو الدكتوراة وفي هذا البحوث على الباحث أن يفسر النتائج بمقدرة وامتياز، يعبران عن مرحلة راقية وصل إليها الباحث، وحاليا أصبحت هذه المقدرة تتميز حتى لدى طلبة الماجستير، بحيث يبدو من خلال ما يقدمه الطالب في هذه المرحلة، نتيجة اتساع معرفته وتزايد اطلاعه على بحوث علمية سابقة، نضوجا في التفكير وتخطيطا سليما للبحث، يشمل جميع مراحل البحث منذ تكوين الفكرة حتى الوصول إلى نتائج، وما يفرق بينهما أنه ليس على طالب مرحلة الماجستير تقديم إضافة علمية مبتكرة نتيجة بحثه، بينما يعتبر واجبا زمنيا إلزاميا على طالب مرحلة الدكتوارة.

الفصل الرابع والعشرون: مراجعة تقرير البحث العلمي وإخراجه وتقويمه

الفصل الرابع والعشرون: مراجعة تقرير البحث العلمي وإخراجه وتقويمه المبحث الأول: مراجعة تقرير البحث تعتبر هذه المرحلة ذات صلة وثيقة بمراحل البحث سابقة الذكر، وهي مرحلة ليست سهلة، على الباحث أن يوليها عناية واهتماما، ينهض بها من نال حظا من الوعي العلمي والدقة في التمييز. يعالج الباحث في بحثه حقائق كثيرة ومسئولية وضوح هذه الحقائق ودقتها وكمالها تقع على عاتق الباحث ويتجلى ذلك في تقرير البحث، الذي نعتبره مرجعا لما أجراه الباحث خلال قيامه بعملية البحث، والنتائج التي توصل إليها، إنه الدليل الناطق على سعة اطلاعه وعميق إدراكه وغنى عمله وقدرته على الإفادة مما حصل عليه من مادة علمية. وحيث أن مسئولية البحث كتابة وتنظيما تقع على عاتق الباحث، لهذا كان لزاما علي عاتق الباحث، لهذا كان لزاما عليه أن يكون تقرير البحث الذي يضعه وافيا واضحا دقيقا مستوفيا جوانب الشكل والمضمون والمنهاج. إن في مقدمة ما يجب أن يتنبه إليه الباحث لدى مراجعته للبحث، نقد نفسه وكشف أخطائه، بحيث يقف على ما دون في البحث من إيجاز أو إسهاب، من ترابط

وتكامل من غموض إن وقع، ومن خطأ إن حصل، وهل تحتاج بعض الموضوعات إلى مزيد من البسط والإيضاح، أو أن بعضها لم يحظ بشيء وحالة معاكسة، إذا كانت بعض الموضوعات نالت من البسط والإيضاح أكثر مما ينبغي. يحتاج ما ذكرناه إلى وضع معالم تنير طريق الباحث، وتبصره بالمنهج الأمثل للوصول إلى غايته من مراجعة البحث، والتي يمكن أن نوجزها بالآتي. 1- يدع الباحث نفسه بعد إنجاز البحث فترة من الزمن، يعتبرها قسطا من الراحة بعد عناء البحث يعود إلى بحثه عودة قارئ ناقد، عودة موضوعية تجنبه الخطأ وتوجهه نحو الصواب. 2- يقرأ البحث بحثه قراءة متأنية تعينه في مسيرته التقويمية، قراءة علم وفهم ودراية بخاصة إذا كان لديه فطنة نقد يوجهها عن وعي، واستيعاب لما كتبه ليعالج ما يجده من خلل قد صادفه في البحث بدقة وحيطة. 3- يضع نصب عينيه أن يكون نقده لما يقرأ شاملا الشكل والمضمون والمنهاج، وقد أوضحناها في موضع آخر. 4- يتأكد من أن عرض مشكلة البحث ووضع فرضياته قد تم بشكل واضح سليم، بيان أهمية المشكلة، والهدف من معالجتها، وكذلك سلامة الفرضيات، والمنهاج الذي اتبعه الباحث في سبيل ذلك أي: 5- التأكد من سلامة المنهج والمنهاج. 6- التأكد من التسلسل المنطقي لمعلومات البحث والترابط والتكامل بين أفكاره وتطورها من بحث لآخر، بحيث تقود جميعها إلى نتيجة البحث. 7- أن يتفق العنوان الرئيس للبحث مع المقصود من البحث، وكذلك حال العناوين الفرعية، وفي كليهما يجب أن يكون العنوان موجزا. 8- تجنب التكرار سواء في العبارات أو في الأفكار، إلا في حالة ضرورة التوضيح. 9- التأكد من صحة العبارة واكتمال الجمل وسلامة اللغة واستعمال العلامات الإملائية استعمالا صحيحا، ووضع الحواشي المناسبة وتناسب علامات الترقيم. 10- هذا وإن ما أشرنا إليه من ملاحظات تساعد القارئ على نقد البحث شكلا ومضمونا ومنهاجا.

المبحث الثاني: إخراج البحث

المبحث الثاني: إخراج البحث إذا تم لكاتب البحث إعداد بحثه موضوعا ومنهجا وشكلا، فإن غاية الكمال فيه الاعتناء به إخراجا، إذ إنه من الأمور الهامة للبحوث العلمية، بخاصة البحوث الأكاديمية لطلبة الجامعات وبالتحديد طلبة الماجستير والدكتوراة. وقد بحثنا في موضع آخر الأمور الشكلية التي يجب أن تراعى في كتابة البحث وهي في نفس الوقت أمور رئيسة في إخراج البحث ونضيف إلى ما ذكرناه قواعد خاصة تتبع في هذا الشأن من حيث اتساع الهوامش والمسافة بين السطرين، وحجم الخط ووضع الأرقام في متن البحث وهامشه، وترقيم الصفحات وغير ذلك من الأمور التي يجب أن يلم بها الباحث ليكون إخراجه للبحث إخراجا سليما. إن أمرين رئيسين يؤخذان بالاعتبار هما حجم الخط وترقيم الصفحات بخاصة حجم الخط بالنسبة للعناوين الرئيسة والفرعية ومتن البحث وحواشيه: ترد العناوين الرئيسة في البحث بخط واضح، والعناوين الفرعية بخط أدق، بحيث أن عناوين الفصول ومصادر البحث ومحتوياته وفهرس الصور وما شابه ذلك ترد بخط رقعة أو نسخ كبير نوعا ما، ولكن دون حجم عنوان البحث، أما الحواشي فتكتب بحجم خط أصغر من العادي، كما يجوز أن تكتب به الملاحق والوثائق.

إذا كتب البحث باليد يستعمل الحجم الكبير لعنوان البحث، وأصغر منه لكتابة عناوين الفصول ومصادر البحث ومحتوياته وفهرس الصور وما شابه ذلك، والحجم العادي لكتابة متن البحث كما تكتب الحواشي بالخط العادي. أما إذا كتب البحث بالآلة الكاتبة فيجب أن يوضع خط تحت عناوين الفصول وأن تكتب على مساحة أوسع، أي أن تنفرج الحروف عن بعضها، وتكون المسافة بين العنوان وبين ما يكتب تحته، أفسح مما بين السطرين، أما المسافة بين السطرين في متن البحث فتكون مسافتين بينما في الحواشي تكون مسافة واحدة بين كل سطرين. في حالة وجود بعض الفقرات أو الجمل لها أهمية خاصة، فإن الباحث إما أن يغير الحرف الذي يستعمله في الطباعة، أو يغير نوع الخط، أو أن يضع خطا أفقيا تحت العبارات المهمة في حالة كتابة البحث على الآلة الكاتبة أو طباعته، وتستعمل هذه الطريقة في أسماء الكتب والمجلات، إذا ورد ذكرها في متن البحث، أو بهدف إبراز معنى كلمة أو عبارة، أو الكلمات الأجنبية التي لا تكتب بحروف لغاتها من مثال كلمة "بروفسور" باللغة العربية، ولا يصنف ضمن ذلك الكلمات الأجنبية التي شاعت في اللغة التي دخلت فيها من مثل كلمة ماجستير ودكتوراة. أما ترقيم الصفحات، فينبغي أن يلاحظ بدقة، حيث يبدأ الترقيم بالحروف الهجائية، ويشمل ذلك صفحة العنوان وهذه لا يوضع لها رقم، ولكنها تحسب في الترقيم "بالأحرف" كذلك تشمل صفحات الشكر والتقدير والاعتراف والفهارس والمقدمة، ويوضع الرقم "الحرف" في أسفل الصفحة، ثم تبدأ الأرقام "1، 2، 3، ... " مع بدء البحث نفسه. من الأمور التي نشير إليها أن الورقة التي توضع قبل الفصل الأول مباشرة ويكتب في وسطها عنوان البحث، لا تحمل رقما، ولا تحسب في الترقيم، وكذلك الورقة التي تضاف قبل كل فصل ويكتب عليها رقم الفصل وعنوانه، أما في حالة الطبع، فإن

هذه الورقات تحسب في الترقيم وذلك بسبب نظام "الملازم" وقد يكون في البحث لوحات طويلة تنتشر وتطوى، وتتكون كل واحدة من عدة ورقات ملتصقة، وكل لوحة من هذه اللوحات تحمل رقما واحدا. يجوز في بعض البحوث وضع الترقيم في منتصف الصفحة من الأعلى أو الأسفل، والأفضل أن يوضع في الطرف الأعلى من جهة الشمال، ولا توضع نقطة بعد الرقم، كما أنه لا يحاط بالأقواس، ويحدث أحيانا أن يضطر الباحث إلى حذف ورقة أو أكثر بعد ترقيم الصفحات، وفي هذه الحالة يضع على الصفحة السابقة لهذا الحذف بالإضافة إلى رقمها رقم الصفحات المحذوفة، أما إذا أضاف ورقة، أو ورقتين بعد إجراء الترقيم، فإن الرقم الذي تحمله الصفحة السابقة يعطي هو نفسه للصفحة أو الصفحتين الجديدتين، مع إضافة حروف "أ، ب، ج" وهكذا.

المبحث الثالث: تقويم تقرير البحث العلمي

المبحث الثالث: تقويم تقرير البحث العلمي بعد الانتهاء من إعدادات تقرير البحث، على الباحث أن يقوم بحثه من خلال قراءة ناقدة لما يتضمنه تقرير البحث بحيث يتناول التقويم كل وجه من وجوه البحث، منها ما يتعلق بالأمور الشكلية، وما يتعلق بالمنهاج وما يتعلق بالمحتوى العلمي. ولقد أوضحنا في موضع آخر هذه الأمور من حيث مراعاتها في كتابة تقرير البحث، وأشرنا إلى ضرورة الالتزام بمبدأي الدقة والضبط في كتابتها. إن أول ما يلاحظ في تقويم تقرير البحث هو حجمه، ويختلف هذا الحجم وفق الهدف الذي وضع التقرير من أجله، فيما إذا كان بحثا يقدمه باحث، وفيه يترك مجال حرية اختيار الحجم الذي يراه مناسبا، أو كان تقريرا أكاديميا يقدمه الطلبة وفق المرحلة الجامعية "حلقة البحث، رسالة الماجستير، أطروحة دكتوراة" ويتحدد عادة بـ "20، 150، 350، 450" على التوالي، وفي جميع الحالات يجب أن يؤخذ بالاعتبار أن قيمة تقرير البحث ليس في كمه وإنما في كيفه، ومستوى مضمونه، إذ أن الكتابة العلمية تكون دائما بالقدر المناسب للحقائق التي تتناولها.

الملاحظة الثانية: هو تنظيم محتويات البحث في أقسام وأبواب وفصول، وتناسب الصفحات بين هذه الأقسام، إلا إذا اقتضت طبيعة موضوعات البحث غير ذلك. الملاحظة الثانية: مدى تطابق العنوان الرئيس والعناوين الجانبية مع مضمون البحث، مع الأخذ بالاعتبار كون العناوين موجزة جذابة لا إعلانية مسهبة. الملاحظة الرابعة: عرض موضوع البحث بصورة دقيقة واضحة وأسلوب سهل يتلاءم والمادة العلمية. الملاحظة الخامسة: مدى كمال الأفكار وانسجامها مع بعضها. الملاحظة السادسة: الأخطاء اللغوية إن وجدت وطريقة استخدام الرموز الكتابية. الملاحظة السابعة: الأمانة العلمية التي تبدو في عزو الآراء واقتباس الأفكار، ومدى الإشارة إلى مصادرها الأصلية في الهامش. الملاحظة الثامنة: مدى نجاح الباحث في تحليل وتفسير وسائل الإيضاح، من جداول وأشكال بخاصة تحليل الجداول وتفسير الأشكال وذكر مصادرها. الملاحظة التاسعة: مدى نجاح الباحث في دمج الدراستين الميدانية والنظرية إن كانت طبيعة البحث تتطلب القيام بهما، حيث تبرز جهود الباحث وتبدي نشاطه. الملاحظة العاشرة: كيفية إيراد المصادر والمراجع في الهامش أو في ثبتها وكذلك الملاحق. ما ذكرناه هو التقويم الشكلي لتقرير البحث أما تقويم المنهاج فيتضح من خلال الملاحظات الآتية: الملاحظة الأولى: هل وضح الباحث أهداف بحثه، بحيث جعل الرؤية واضحة منذ البداية؟ الملاحظة الثانية: هل قام بتحديد مفهومات المشكلة البحثية، وقام بتعريف بعض المصطلحات تعريفا مناسبا لمتطلبات بحثه؟

الملاحظة الثالثة: هل حدد بحثه ومجالات مشكلة البحث، بخاصة إذا تناول البحث منطقة معينة أو مجتمعا معينا، أو عينة أو ... ؟ الملاحظة الرابعة: هل نجح الباحث في نهجه ومنهاجه ومنهجه الذي اختاره لمعالجة مشكلة البحث وهل تتبعت اعتبارات المنهاج الترتيب الخاص بمراحله وخطواته؟ الملاحظة الخامسة: هل حدد الاتجاه الذي اتجهه في بحثه، فيما إذا كان وصفيا أو برهانا لفرضيته؟ أما تقويم المضمون فيتم من خلال: الملاحظة الأولى: مدى ملاءمة المادة العلمية المقتبسة ومناسبتها للموضع الذي ألحقت به. الملاحظة الثانية: مدى قدرة الباحث على العرض والدقة في التحليل والبراعة في التفسير. الملاحظة الثانية: كيفية عرضه لأفكار الآخرين، ومعالجتها معالجة نقدية واعية. الملاحظة الرابعة: مدى وكيفية استفادة الباحث مما قرأه من هذه الأفكار في تصميم بحثه. الملاحظة الخامسة: كيفية تحليله للبيانات وعقده للمقارنات بين البيانات الكمية والأخرى النظرية، التي حصل عليها وبين ما ورد في بحوث أخرى مشابهة، ويتم هذا عادة في البحوث العلمية الأكاديمية، وبحوث درجة الدكتوراة بخاصة، أما البحوث الخاصة بالمرحلة الجامعية الأولى فلا تتطلب المقارنة ويكتفي بالعرض والتعليق. الملاحظة السادسة: مدى نجاح الباحث في تجميع وتأليف الأفكار لعرض نتائج البحث التي توصل إليها، وهي عملية فكرية بحتة، يتفاوت الباحثون مقدرة بخصوصها.

الملاحظة السابعة: مدى نجاح الباحث في تفسير النتائج في ضوء مقارنتها بنتائج بحوث أخرى مست المشكلة موضوع البحث. إن ما ذكرناه من ملاحظات لا تقتصر فائدتها على من يقوم البحث العلمي، بل تفيد الباحث نفسه في تفادي الأخطاء التي يقع فيها لغيابها عنه، والتي تسيء إلى بيان قدرته على كتابة تقارير البحوث العلمية.

الفصل الخامس والعشرون: ملحقات

الفصل الخامس والعشرون: ملحقات المبحث الأول: ثبت محتويات تقرير البحث العلمي ... الفصل الخامس والعشرون: ملحقات تشمل الفهارس أو الكشّافات "indexes" إذ لا بد لكل بحث علمي من صنع فهارس عامة له، حيث تعطي صورة واضحة عن نشاط الباحث وإمكاناته العلمية، ورغم اختلاف الفهارس باختلاف الموضوعات إلا أنها لا بد أن تتناول جميعها الآتي. المبحث الأول: ثبت محتويات تقرير البحث العلمي تشمل هذه الفهرسة. 1- مقدمات البحث. 2- مقدمة البحث. 3- فهرس المادة العلمية "المحتوى العلمي للبحث". 4- فهرس الجداول والأشكال والصور الفوتوغرافية والملاحق والوثائق إذا اقتضت طبيعة البحث ذلك. وتتناول الفهرسة جانبين. 1- فهرسة أبجدية للبحث: وذلك باستخراج الكلمات الهامة من متن البحث من أعلام وأسماء، وأقوام، وأمكنة، ومصطلحات خاصة بالبحث، وأسماء وحدات متفرعة

منه، وترتب أبجديا مع بيان الصفحات التي وردت فيها خلال البحث، هذا وتثبت هذه الفهارس أو الكشافات "index" في البحوث الطويلة التي يكثر فيها ذكر الأعلام والأمكنة، وتلي عادة فهرس المصادر والمراجع. 2- فهرسة عامة: وتتضمن محتوى البحث "فهرس المادة العلمية" من مقدمة وعناوين الأبواب والفصول وتأتي هذه الفهرسة مفصلة واضحة، وترتب حسب ورودها في الأصل بحيث تذكر جميع العناوين الرئيسة وذات الأهمية من العناوين الجانبية إذا كانت المفهرسة كثيرة التفريع. لا ترقم صفحات المقدمة بل يذكر الحرف الذي ابتدأت عنده المقدمة والحرف الذي انتهت عنده ويوضع بينهما شرطة، أما فهرسة المادة العلمية فلها نظام دقيق. 1- تكتب عبارة "الفصل الأول" أو "الفصل الثاني" في منتصف الصفحة وتحتها من أول السطر العنوان العام لهذا الفصل بحروف مميزة "ظاهرة" وأمام هذا العنوان -إذا تبقى فراغ في السطر- نقطة أفقية، وقبيل انتهاء الصفحة رقم الصفحة التي ابتدأ بها الفصل ورقم الصفحة التي انتهت عندها وبينهما شرطة. 2- يترك فراغ قدره مسافتان، وترك مسافة "1 سنتم" في أول السطر، تكتب العناوين الفرعية، وأمام كل عنوان رقم الصفحة التي بدأ بها، ويكتفى برقم البدء، وبين كل عنوانين فرعيين تترك مسافة واحدة، فإذا انتهى الفصل الأول تترك مسافتان، ويبتدئ الفصل الثاني على هذا النظام وهكذا. 3- أما فهرس الجداول والرسوم والأشكال والملاحق والوثائق والصور أو ما وجد منه فيترك فراغ قدره "سنتمتران" تقريبا بين كل نوعين من أنواع الفهارس، ويشار هنا إلى رقم الجدول أو الرسم البياني أو ... والتوضيح الذي كتب عنه ثم رقم الصفحة التي ورد فيها. وقد جرى العرف في طبع الكتب باللغة الأجنبية أن يرد الفهرس، أي محتويات الكتاب أو التقرير أو الدورية في البداية، أما في الكتب الفرنسية فيرد في النهاية، والتقليد العربي الأصيل هو إيراد المحتويات في البداية، وهذا أبرز وأيسر تناولا.

المبحث الثاني: ثبت المصادر والمراجع -البيبليوغرافيا

المبحث الثاني: ثبت المصادر والمراجع "البيبليوغرافيا" عرفنا في غير هذا الموضع تنوع المصادر تنوعا واسعا، منها ما هو أصيل ومنها ما هو فرعي ثانوي، وفي ثبت المصادر والمراجع تفصل الأصول عن المصادر الثانوية "المراجع" وما دون باللغة العربية عما دون باللغة الأجنبية، وتصنف إذا كان هناك ما يدعو إلى ذلك إلى: مصادر عامة، ودوريات، ونشرات، وكتب، وترتيب الأقسام أبجديا وفق كنية المؤلف، مما يسهل الكشف عن الكتاب في الفهارس المرتبة وفق أسماء المؤلفين وفي المكتبات، ونذكر المعلومات عن المصادر وفق ما أشير إليه في الهوامش، عدا رقم الصفحة أو الصفحات المقتبسة، ويضع البعض عدد صفحات الأصل المقتبس عنه. يكتفى في فهرس المصادر والمراجع بالكتب والأبحاث، و ... التي أسهمت فعلا في إنتاج البحث، ويورد البعض الآخر في هذا الفهرس المصادر التي يشار إليها في البحث عرضا، أو ذكرت في الحاشية عرضا، دون أن تكون أساسية في موضوع البحث، ولا يحبذ البعض هذا الرأي، لهذا فإن المصادر والمراجع تحتوي: 1- كتب تذكر في المقدمة وفي الهامش ثم في المصادر فهي، المراجع الأساسية التي أسهمت فعلا في إنتاج البحث. 2- كتب تذكر في الهامش حيث ترد في قائمة المصادر، دون أن تذكر في المقدمة، وهي الكتب التي أمدت البحث بمادة مفيدة، وإن لم تكن أساسية في الموضوع.

3- كتب تذكر في المقدمة فقط، وهي التي عالجت الموضوع من زوايا أخرى، وانتفع بها الباحث انتفاعا عاما، حدد بوساطتها موضوعه. 4- رغم أن الكتب التي تذكر في الحاشية فقط، وهي الكتب التي ترد عرضا دون أن تسهم فعلا في إنشاء البحث، بحيث لو تركت لم يتأثر موضوع البحث بتركها، فالعادة المتبعة ذكرها في الفهرس العام للبحث. ومن المستحسن أن يقدم الباحث مذكرة تحليلية ينقد فيها مصادره كدليل على عمق عمله، وكعون للباحثين في المستقبل، ولعل أمة لم تعن بنقد المصادر كما عنيت الأمة العربية، فقد أخذ بذلك أسلافنا القدماء أنفسهم في نقد المصادر وتشريحها وفحص كل مادتها فحصا علميا دقيقا، وقد تنبهوا بوضوح إلى ما قد يحدث من غلبة الهوى ونجد نقد المصادر عند المحدثين، ولفت هذا الجهد الخصب القيم المستشرقين منذ أواسط "القرن الماضي" وكما ذكرنا آنفا عند الحديث عن الحواشي، يجب تمييز عناوين الكتب وأسماء الدوريات بطبعها بحروف سوداء، أو بوضع خط تحتها في حالة كون تقرير البحث قد نسخ بالآلة الكاتبة.

المبحث الثالث: الملاحق

المبحث الثالث: الملاحق هي أصول اعتمد عليها الباحث، أو مختارات منها، ترقم وتوضع مسلسلة وفق أرقامها، ولا يستحسن البعض وضعها في متن البحث تحاشيا للاستطراد وعدم تسلسل الموضوع، فإذا كانت وثيقة قصيرة وضعت في الحاشية في أسفل الصفحة، أما إذا كانت طويلة فإنها توضع ملحقا للبحث، أو في ملحق خاص بالبحث، ويستحسن إذا كانت قصيرة أن تصور وتلحق بالبحث بأصالتها، وإذا كانت بلغة أجنبية فإنها تترجم إلى لغة البحث مع الإبقاء على أصلها، والهدف من نشر هذه الملاحق دعم البحث المقدم، وتقديم العون لباحث المستقبل، لا سيما إذا كان النص الأصلي لم ينشر بعد.

تتنوع الملاحق، فقد تكون شرحا مطولا أو مناقشات حول بعض القضايا الواردة في متن البحث، وذات قيمة كبيرة لمجموع البحث، ويستحسن أن يعلن عليها الباحث ويبين قيمتها التاريخية، وقد تكون جدولا بيانيا، أوخريطة، أو إحصاءات أو استبيانات، ومهما كانت سمتها فإن الملاحق والوثائق توضع بعد مصادر البحث، وأن المصادر تلي صلب البحث، ويرى البعض الآخر أن توضع بعد صلب البحث مباشرة لصلتها العلمية بالبحث، ويشار إلى الملاحق والوثائق بأرقام مسلسلة لكل منهما، بحيث يوضع الرقم بين قوسين، ملحق رقم 1- ويستمر الباحث بالكلام، أما الملحق أو الوثيقة فيوضع رقمه في أعلى الصفحة، ويكتب تحت الرقم عبارة تحدد ما ورد فيها، هذا ويراعى في تدوينها ذكر المصادر المعتمدة في نقلها، إذا كانت منقولة ويشار إلى ذلك في هامش الملحق.

المبحث الرابع: جدول الخطأ والصواب

المبحث الرابع: جدول الخطأ والصواب مهما كان الباحث دقيقا ويقظا، فقد يرد في بحثه بعض الأخطاء المطبعية التي تبدو له بعد إنجاز طباعة البحث، وكثيرا ما تعير هذه الأخطاء المعنى أو سياق الكلام، أو تكون على قدر من لفت لانتباه القارئ، لهذا يجب أن يلحق الباحث في نهاية بحثه "بخاصة البحوث الأكاديمية" جدولا يتضمن هذه الأخطاء، مما يعبر عن دقة الباحث لبحثه ويقظته في مراجعة البحث، هذا ونشير إلى أنه إذا كانت الأخطاء محدودة، غير ضارة بالمعنى وسياق الكلام فلا ضرورة لإعداد الجدول، ويكتفى بذكر ورودها في صفحة مستقلة تحت عنوان تصويب تلحق بنهاية البحث.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع: ثبت مصادر ومراجع الحواشي باللغة "العربية والأجنبية": المصادر والمراجع العربية الإسلامية: - ابن أبي أصيبعة، أبو عباس، أحمد بن قاسم. عيون الأنباء في طبقات الأطباء. نشر: ماكس ميلر، القاهرة "1300هـ". - ابن إسحاق، حنين، العشر مقالات في العين، ترجمة ونشر ماكس مايرهوف، المطبعة الأميرية القاهرة "1928". - ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي. الكامل في التاريخ م1 القاهرة، إدارة المطبعة المنيرية "1348هـ". - ابن النديم، محمد بن إسحاق. الفهرست "فهرست العلوم". مطبعة فلوجل، القاهرة "1348هـ". - ابن جلجل، سليمان بن حسان الأندلسي. طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق: فؤاد السيد. مطبعة المعهد العلمي التونسي للآثار الشرقية، القاهرة "1955". - ابن خلدون عبد الرحمن. العبر وديوان المبتدأ والخبر، المقدمة. مصر "1370هـ/ 1951م". - ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد. تجارب الأمم وتعاقب الهمم جـ6.

- ابن الهيثم الحسن. في مقدمة الشكوك على بطليموس، تحقيق: عبد الحميد جدة وزميله. القاهرة "1971". - الجبرتي، عبد الرحمن. تاريخ العجائب والآثار في التراجم والأخبار. دار الجيل، بيروت، د. ت. - الذهبي، محمد بن أحمد. ميزان الاعتدال في نقد الرجال. القاهرة "1325هـ". - السخاوي، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ. القاهرة "1347هـ". - الشهرزوري. مقدمة في علوم الحديث. القاهرة "1326هـ". - المقدسي "شمس الدين أبو عبد الله محمد". أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. مطبعة دي خويه، ليدن "1906". - المقدسي، المطهر بن طاهر. كتاب البدء في التاريخ. نشره: س هورات، باريس "1899، 1919". - الغزالي، محمد أبو حامد محمد بن محمد. المنقذ من الضلال. مكتب النشر العربي، دمشق "1956". - المستصفى من علوم الأصول. القاهرة "1322هـ". - إحياء علوم الدين، دار قتيبة للطباعة والنشر. دمشق. - الفيروزبادي. القاموس المحيط الجزء الأول "1412هـ/ 1992م". - الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك. القاهرة "1357هـ/ 1939". - المقريزي، أحمد بن علي. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار. مطبعة بولاق، القاهرة "1270هـ". - الكافجي. محيي الدين محمد بن سليمان. المختصر في علم التاريخ، تعريب: صالح أحمد علي، بغداد "1963".

- المجوسي، علي بن عباس. كامل الصناعة الطبية "أو الكناشة الملكية". القاهرة "1877". - الهمداني، الحسن بن أحمد. الإكليل، نشره: محيي الدين الخطيب، القاهرة "1368هـ" - خليفة، حاجي. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. المطبعة الإسلامية، طهران "1387هـ". المراجع الحديثة باللغة العربية: - أحمد، نفيس. الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي ط3. ترجمة: فتحي عثمان، دار العلم بيروت "1404هـ/ 1984م". - التير، مصطفى عمر. استمارات، استبيان، ومقابلة لدراسات في مجال علم الاجتماع. معهد الإنماء العربي، بيروت "1981". - الدفاع، علي عبد الله. روائع الحضارة العربية الإسلامية في العلوم، ط1. مؤسسة الرسالة، بيروت "1988". - الدوميلي. العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي ترجمة، نجاة عبد الحليم وآخرون القاهرة "1962". - الزركلي، خير الدين. الأعلام، ط3. بيروت، د. ت. - الساعاتي، حسن. تصميم البحوث الاجتماعية. دار النهضة العربية، بيروت "1982". - الشطي، جميل أفندي. مقدمة في أصول التفسير، "تحقيق". دمشق "1936". - الطويل، توفيق في تراثنا العربي الإسلامي. مجلة المعرفة 87، الكويت "1405هـ/ 1995م".

- العمر، عبد الله. ظاهرة العلم الحديث. عالم المعرفة "1983" 69، الكويت. - العواملة نائل حافظ. أساليب البحث العلمي، الأسس النظرية والتطبيقات، ط1. "1995". - المنجد، محمد بشير وآخرون. المدخل إلى المعلوماتية "العلوم التطبيقية" إشراف دعبول، موفق دمشق "1998". - النشار، علي سامي. مناهج البحث عند مفكري الإسلام. القاهرة "1965". - مؤنس، حسين. تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس، ط2. مكتبة مدبولي، القاهرة "1986". - بدر، أحمد، أصول البحث العلمي ومناهجه، ط1. وكالة المطبوعات، الكويت، "1982". - جين كي، جيتس، دليل القارئ والباحث لاستخدام الكتب والمكتبات، ترجمة: عبد الرحمن الشيخ، دار البحوث العلمية، الكويت "1979". - حميدان، زهير. أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية، المجلد الأول، وزارة الثقافة، دمشق "1995". - حميدة، عبد الرحمن. أعلام الجغرافيين العرب. دار الفكر، دمشق. 1389هـ/ 1969م. - ديكنسون، جون. العلم والمشتغلون بالبحث العلمي في المجتمع الحديث، ترجمة: شعبة الترجمة باليونسكو، الكويت، "1407هـ/ 1987م". - ركابي، جودت. منهج البحث الأدبي في إعداد الرسائل الجامعية. دار ممتاز، دمشق "1413هـ/ 1992م". - روزنتال، فرانز. مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي. دار الثقافة، بيروت "1976".

- رويحة، أمين. التداوي بالأعشاب، ط7. بيروت "1981". - زبان عمر، محمد. البحث العلمي ومناهجه وتقنياته. دار الشرق، الرياض، "1979". - زيادة معن. معالم على طريق تحديث الفكر العربي. عالم المعرفة "1407هـ/ 1987م"، 115، الكويت. - سعيدان، أحمد سليم، مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام. عالم المعرفة "1988"، 13، الكويت. - سيزكين، فؤاد. تاريخ التراث العربي، ترجمة: عبد الله حجازي. د. ت. - شلبي، أحمد. كيف تكتب بحثا أو رسالة، ط10. مكتبة النهضة العربية، القاهرة "1987". - صباغ، ليلى. دراسة في منهجية البحث العلمي، ط8. جامعة دمشق "1998". - ضيف، شوقي، البحث الأدبي. دار المعارف، القاهرة "1972". - عاقل، فاخر، أسس البحث العلمي في العلوم السلوكية، ط2. دار العلم للملايين بيروت "1982". - عبد الفتاح، عبد اللطيف وزميله. المدخل في الإحصاء ورياضياته. وكالة المطبوعات الكويت "1972". - عبيدات، ذوقان وزملاؤه. البحث العلمي. دار الفكر، عمان "1989". - عميرة عبد الرحمن. أضواء على البحث والمصادر، ط4. مطبعة الجيل، بيروت "1986". - غليونجي، بول. ابن النفيس. سلسلة كتب أعلام العرب، العدد 57، القاهرة، د. ت.

- فرا، محمد علي. مناهج البحث في الجغرافيا بالوسائل الكمية، ط4. وكالة المطبوعات، الكويت، "1983". - فريحة، أنيس، مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، "ترجمة": بيروت "1961". - قاسم، محمود. المنطق الحديث ومناهج البحث، ط4. دار ابن خلدون، بيروت "1981". - حسين محمد. أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية. اليونسكو، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة "1970". - كرينكوف، دائرة المعارف الإسلامية Ei. جـ4. - كيالي، عبد الرحمن. "ثقافة الأطباء العلماء" مجلة المعرفة 7، دمشق "1962". - لوبون، غوستاف. حضارة العرب، ترجمة عادل زعيتر، مطبعة عيسي بابي الحلبي القاهرة، د. ت. - مجموعة من الاقتصاديين. الموسوعة الاقتصادية، ط1 دار ابن خلدون، بيروت "1981". - محمد حسن، عبد الباسط. أصول البحث الاجتماعي، ط3. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة "1971". - محمد حسين، حسن. البحث الإحصائي أسلوبه وتحليل نتائجه. دار النهضة العربية، القاهرة "1969". - محمد فودة، حلمي. كتابة الأبحاث. دار النشر، بيروت "1975". - محفوظ، حسن. العلامات والرموز عند المؤلفين العرب. بغداد "1964". - مصطفى إبراهيم وآخرون. المعجم الوسيط. مجمع اللغة العربية، القاهرة "1961".

- مصطفى القاضي، يوسف. مناهج البحوث وكتابتها. دار المريخ، الرياض "1980". - ملحس، ثريا عبد الفتاح. منهج البحوث العلمية للطلاب الجامعيين. دار الكتاب اللبناني، بيروت "1960". - نظيف، مصطفى. الحسن بن الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية، جـ1. جامعة القاهرة "1943". - نهرو، جواهرلال. لمحات عن تاريخ العالم، ط1. نقله إلى العربية لجنة من الأساتذة، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت "1957". - نصر، سيد حسين. العلوم في الإسلام. مجلة المعرفة 15، الكويت. - نللينو، كارل ألفونسو. علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى. روما "1911". - هرنشو، ف. ج. علم التاريخ. تعريب وتعليق وإضافة: عبد الحميد العبادي. القاهرة "1944". مصادر ومراجع الحواشي "باللغة الأجنبية": - Ackoff, R.L. Gupta, S.H. and Minas, J.s. "Scientivic Method Optimizing Recearch Decisions" New York 1962. - Bernard, Clude. "Introductional, etude de la medicine" Experimental de la methode dans les Scinces", Series, 1920. - Beveridge, W, I.B. "The art of scientific investigation" New york, Herbur and Bros. 1947. - Berry. B. J. L. "Cities as Systems within systems of cities" in the Conceptual Revolutien Geagraphy". London 1972. - Chapin, F.S. "Experimental design in Sociolagical Research" new york p9 W. Norton and Co, 1950. - Chadwick, G. A. "System View of Planning, Pergamon Press, Oxford 1974.

- Chorly, R. J. "Geamorphology and general systems theory the conceptual revolution in geography" London 1970. - Chorly, R. J. "Geography and Monologue theory", in spatial Anlysis, edited by berry, B.J.L. and Marble. D. F. Prention - Hall, Newjersy 1968. - Dickinson, J.P. "Science and scientific researches in Modern Society" second edition. 1986. - Elizabeth Rider. "The storyg grate Medical discoveries" 1945. - Evan. K.M. "Planing final scale research" windser. N.E. R. 1971. - Good Carter. V. "Definition of the research Problem and formation of the working hypothesis" Harford educational revision 13, January, 1943. - Harlow. H. "The Formation of learning sets". Psychological Revision, Lvl, 1949. - Harvey, D. "E. Plantation in Geography". Arnold, London 1969. - Haggett, P. "Locational Analysis in Human Geograply". - Isard, W. "Methods of Regional Analysis. An Introduction to Regional science". The M.I.T. Press, Cambridge, Massachusttes, 1969. - Kinble. P. "Geography in the Middle Ages" 1938. - Encyclopedia of Islam, vol. XV - vol. iv, (Artich by G. F. Ferront. - Marquis, D. "Scientific Methodology in Human Relation" in Miller James Experiments in social Process, N.J., Mc. Grean- Hillco, 1950. - Northrap. "The Logical Sciences and Humanities". New Yourk Macmillan, 1947. - Sellitz, C, and others. " Research Methods in social relations" Henry Halt, 1960. - Pick. L. J. P. "Ford E. W. Smith. "Astudent Handbook on Notetaking, Essy writing study and thesis Presentation" London, 1961. - Whitney "Elements of Research" New Yourk, 1946. - young, Y. "Scientific Social surveys and Research". New Yourk, Prentice Holt, 1949. - Wite, A.D. "History of the Warfare of Science with the Theology". New York, A Free Press Paper Book, 1963.

ثبت المصادر والمراجع للاطلاع باللغة العربية والأجنبية

ثبت المصادر والمراجع للاطلاع "باللغة العربية والأجنبية": المصادر والمراجع باللغة "العربية": - إسماعيل علي، سعيد. الفكر التربوي العربي الحديث. عالم المعرفة "1407هـ/ 1987" 113، الكويت. - حمدي أحمدي، ناهد، مناهج البحث في علوم المكتبات. الرياض، دار المريخ "1980". - العروي، عبد الله. العرب والفكر التاريخي، ط3. در الحقيقة، بيروت، "1980". - برينتون، رين. تشكيل العقل الحديث، ترجمة: شوقي جلال، مراجعة: صدقي خطاب، عالم المعرفة، 82، الكويت "1984". - بيفردج. د. أ. ب. فن البحث العلمي. ترجمة زكريا فهمي. دار النهضة، القاهرة "1963". - جابي، بسام. دليل الباحث في التراث العربي. دمشق "1981". - حافظ طوقان، قدري، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك. القاهرة "1963".

- حسين، محمد كامل. أثر العرب والإسلام في النهضة الأوروبية. الهيئة المصرية العامة، القاهرة "1970". حوراني، البرت. الفكر العربي في عصر النهضة، ترجمة: كريم عزقول. دار النهار، بيروت "1968". - طويل، توفيق. العرب والعلم في عصر الإسلام الذهبي. القاهرة "1968". - فروخ، عمر. تاريخ العلوم عند العرب. دار العلم للملايين، بيروت "1970". - فريمون، جان، تلاقي الثقافات والعلاقات الدولية. مجلة العلاقات الدولية، 24، ترجمة: مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 29، د. ت. - قنواتي، الأب جورج. تاريخ الصيدلة والعقاقير في العهد القديم والعصر الوسيط "1958". - قنصوه، صلاح. الموضوعية في العلوم الإنسانية. عرض نقدي لمناهج البحث. دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة "1980". - لانشون، رالف. شجرة الحضارة، ترجمة: أحمد فخري، مكتبة الأنجلو المصرية "1985". - محمود زكي نجيب. نحو فلسفة علمية، ط1. مكتبة الأنجلو المصرية "1985". - نجار عبد الحليم موسى، محمد يوسف. العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي. القاهرة "1962". - ماجدة عبد المنعم. تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة "1963". - محمد، أحمد علي. علم الاجتماع والمنهج العلمي. دراسة في طرائق البحث وأساليبه، ط2، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية "1981".

- Armistrong, L. "The Middle East", in Roucek, Josephs (edr) contemporary socialogy, London, peter Owm, 1959. - Almack, J.C., "Research and Thesis Writing". Boston Houghtom miffinco., 1930. - Barzun, J. and Graff, H. F. "Modern Researcher". Rewd Harcourt, 1970. - Compbell, W. G." Form and style in thesis Writing". Boston, Houghton, Mifflin, 1954. - Crouther, J.G. "The social Relations of science". London, The Cresset Press, 1967. - Conant, J.B. "Modern science and Modern Man". New Yourk, Colombia University Press, 1952. - Chochran, W. G. "Sampling techniques". New Yourk. Johnwiby and sons, 1953. - Cordasco, F. G. & Carter, S. M. "Research and report writing." N. Y. Wiby, 1957. - Davis. R. e. "Bibliography of use studies'\ inst. of technology, 1957. Denzine, N. K., "Research Act, Athepretical Introduction to sociological Method, Aldine", 1972. - Docke, S. & Bernays, P. Information and Predection in science", N. Y., Academic Press, 1965. - Durant, W. "the story of Civilization". (10 vols scianon and Schuster, New Yourk, 1935-1967. - Dynes, russell R. "Organized Behavior in Disaster Analysis and conceptualization" ohaio disaster research, centers the Ohaio state University, 1969. - Elizabeth Rider Montagomery. "the story behind Great Medical Discoseries". 1945. - Fisher R. A. "The Design of Experiments". New Yourk, Hafner Publishing co., 1960. - Goldhar, H. "Research Methods Inlibrarian ship, Measurmert and Evalution". N.Y. Libr., sci., 1972. - Good, william J., and Holt Paul. K."Methods in social Research" New Yourk. Mc. Grew - Hill, 1952. - Hall, A. R. "The Scientific Revolution". Macmillan, London, 1951.

- Hilbish, Florence M. A. "The research Paper". New Yourk. Book man Associates, 1952. - Hillway, T. "Introduction to Research". 2nded. Boston, Houghton Mifflin Company, 1964. - Hockett, Hober. "The Critical Method in Historical Research and Writing. New Yourk, Macmillan, 1955. - Lewis, B. "The Middle East and the West". London 1964. - Madge, J. "The Tools of social science". London, Longmans Green and co, 1965. - Mason, S. E. "Ahistory of the sciences - Main Currents of Scientific Thought, Routhed Age and kegon paul," London 1953. - Meashan, H. H. "Elements of educational Research". New Yourk; Mc Graw- Hill book co., 1963. - Ornes, J. "Research librarianship". N. Y. Bouker, 1972. - Paterson, V. E. "Library Instruction Guide, suggested Courses for Use By Librarians and Teachers in Junior and seniar high Schools". 3ded. Henden, shoestring Press, 1967. - Remmers H. H. "Introduction Opinion and altitude Measurement", New Yourk. Harperand Bros, 1954. - Roe, Anne. "The Making of a scientist, New Yourk, Dodd, Meal & Co„1952. - Robinson, C. "Experiment, Design and stastistics". Penguins, London, 1975. - Remmers, H. H. "Introduction Opinion and Attitude Measurement", New Yourk. Harper and Brose, 1954. - Sarton, G. "Introduction to the History of Science". (5vols.) Carnegie, Institute, Washington, 1927-1948. j_^> *J*i\ ^ji 'G-^ ^L-^j j^- Kjs^) ^>j^ j* Aj-J^*s- Yr- W" ^j - Sherman, T.A. "Modern Technical Writing". New Yourk, Prentice Hall, 1955. - Stevens, R. E. ed. "Research Methods in Librarianship, Historical and Bibliographical Methods in Library Research." University of Illinois, Gradeduate, sch. of Lib. Sci, 1971

- Toser, M. A. "Library Manual". A study work Manual on the Use of Books and libraries". 6 the ed. N. Y. wilson, 1964. - U. S. Library of Congress - General Reference and Bibliography Division, Guideto Bibliographic for Research in foreign Affairs, 2d ed. Wesport, Green wood press, 1978. - Webster, snew callegiate Dictionary. Springfield, Massachusettse, G. and. Meriam Company, 1976. Williams, C.B. & stevenso. A. H". Research manual. For college studies and papers, 3d ed. Harper & Rom, N. Y. - Wilson, E. Bright, Ire. "An Introduction to scientific Research". New Yourk, Mc Graw- Hill Book. Co. 1952.

المصطلحات والمفاهيم العلمية

المصطلحات والمفاهيم العلمية A غير سوي Abnormal المطلق Absolute النهاية المطلقة Absolute Extreme القيمة المطلقة Absolute Value مستخلص Abstract مجرد Abstract تجريد Abstraction عرف Accident عينة الصدفة Accidental sample بيان Account دقة Accuracy إنجاز، تحصيل Achievement اختبار تحصيلي Achievement Test فعل، عمل Action أنشطة Activities نواحي النشاط الاقتصادي "Activities "Economic المسلك الحرفي Activity approcach نسبة المشتغلين "إلى السكان" Activity rate تكيف Adaptation متوافق Adjustment توزيع السن Age distribution العمر التعليمي Age Educational فئات السن Age Groups هرم السن Age Pyramid التباس، غموض Ambiguity نموذج النظير أو الشبيه Analogy model التحليل Analysis تحليل التباين Analysis of variance تحليل الرتبة Analysis Rank السلف Ancestor حوليات Annals تطبيق Application البحث التطبيقي Applied Research مدخل البحث، مسلك البحث Approach تقدير Appreciation التصور الساذج Apprehension طريقة المعرفة المسبقة Apriori method استعداد Aptitude اختبار الاستعدادات Aptitude test العينة المساحية Area smaple التباين أو التنوع المكاني Area differentiation الكثافة الحسابية Arithmetical Density المتوسط الحسابي Arithmetic Average الوسط الحسابي Arithmetic mean التقويم Assessment علاقة ارتباط Association اتجاهات Attitudes صفات Attribute اتجاه Attune سيرة الشخص الذاتية Autobiography متوسطات Averages B قاعدة Base قواعد Bases

العامل الأساسي Basic Factor البحث الأساسي أو التحتي Basic Research مجموعة من الاختبارات Battery of tests سلوك Behavior علوم سلوكية Behavioral Sciences تحيز Bias علم معرفة المخطوطات أو الكتب Bibliography تشعب Bifurcation بيولوجي Biolgical علوم الأحياء، البيولوجيا Biology معدل المواليد Birth rate المواليد Births فئات السن العريضة Broadage groups منطقة فاصلة Buffer Zone C تقويم Calendar رقم التصنيف بالمكتبة Call Number لوحة بيانية Cartogram حالة Case دراسة الحالة Case study فئات Categories سبب أو علة Cause رقابة Censorship النزعة المركزية Central Tendency التوسط Centrality تغير وحدة القياس Change of Scale ميثاق Charter مدخل إقليمي chorological approach وثائق تاريخية "حوليات" Chronicles مدخل تاريخي Chronolgogical approach علم التواريخ Chronology مدنية Civilization رتب Classes تصنيف Clssification المجتمع المغلق Closed Society تجمع، مجمع Cluster العينة العنقودية Cluster smaple تناسق Co-ordination القانون-الرمز code تقنين Codification ترميز Codiny معامل Coefficient معامل الارتباط Coefficient of correlation معامل الصلة Coefficient of linkage معامل الثبات Coeffiecient of reliability معامل الصدق Coefficient of Variation إدراك، معرفة Cognition مطابقة أو موافقة Coincidence مسئولية اجتماعية Collective Responsibility أعمدة بيانية Columnar deagram المسلك السلعي، المسلك المحصولي Commodity Approach الاتصال: Communication عملية الاتصال Communication process مجتمعات Communities مجتمع محلي Community مقارن Comparative المنهج المقارن Comparative Method

الدراسة المقارنة Comparative study المقارنة Comparison استقراء تام Complete inuction طريقة عشوائية مطلقة Comletely ranom Method الشمول، فهم أو إدراك Comprehensiveness إجبار، إلزام Compulsion إجباري Compulsory عد، تقدير Computation الحاسب الآلي Computer التركز، التركيز Concentration عملية التركيز Concentration prgress مفهوم Concept مفاهيم Concepts إطار نظري Conceptual framework الصدق التلازمي Concurent Validity الاحتمال الشرطي Conditional probability الاتفاق Conformity مفهومي "التعريف المفهومي" Conceptual خال من التناقض Consistent تكويني "تعريفات تكوينية" Constitutive البناء Construct تأمل Contemplation تحليل المضمون Content analysis صدق المضمون أو المحتوى Content Validity التجربة المضبوطة Control experiment ضبط Control التجربة المضبوطة Control Experiment المجموعة الضابطة Controlled group وسيلة الأداء الشفوي Convassiny method اتفاقية Convention العينة الملائمة Convenience Samle تقارب الثقافات Convergence of culture تناسق Co-ordination المتعلقات Correlate ترابط، ارتباط Correlation دراسة العلاقات Correlation Studies الريف Country كتاب التقديم Coveriny خلق، إبداع Creation وحدة القياس Criterion معيار Criterion مقياس Criterion التفسير النقدي Critical interpiration الجداول المتقاطعة Cross Tabulation الأنثربولوجيا الحضارية Cultal anthropology التكامل الثقافي Cultual Symbiosis القيم الثقافية Cultural Values حضارة Culture التكرار المتجمع Cumulative frequency منحى Curve D معطيات، وقائع، معلومات Data جمع البيانات Data collection تاريخ النشر Data of PUublishing معدل الوفيات Death rate الوفيات Deaths لا مركزية Decentralization لا مركزي Decentralized تفسير الرموز Decoding استنتاج Deduction

الاستدلال Deduction استنتاجي Deductive تعداد الحالة الراهنة Defacto census تدهور Degeneration تعداد الحالة الثابتة Dejure census علم السكان Demogrphy كثافة السكان Density of population نسبة الإعالة Dependency rate توابع Dependencies المتغير التابع Dependent variable تناقض السكان Depopulation وصفي Descriptive منهج البحث الوصفي Descriptive method دراسات وصفية Descriptive studies تصميم Design الانتشار، تشتت Dispersion مخطط مفصل Detailed outline الحتمية أو مذهب الجبر Determinism حتمية Deterministic نمو، تطور Development الدراسات النمائية Development studies انحراف Deviation التشخيص Diagnosis تشخيصي Diagnostic اختبار تشخيصي Diagnostic test أطلس اللهجات Dialect Atlas جغرافية اللهجات Dialect Geography الجدلية المادية Dalectical materialism لهجات Dialects متحولات ثنائية Dichotomous variables انتشار Diffusion انتشار الثقافة Difiusion of culture أرقام عددية Digital الملاحظة العفوية Direct observation اقتباس مباشر Direct Quotation الفرض المباشر "الإيجابي" Directional Hypothesis قيم متقطعة Disrcete values مناقشة Discussion تفكك الخلال Disintegration اضطراب، اختلال Disorder التفكك Disorganization الإبدال Displacement مقالة، أطروحة Dissertaion دالة التوزيع Distribution function خرائط التوزيعات Distributional maps التنويع Diversification متباين Diversified مبدأ، قانون Doctrine وثائق Documents السيطرة Domination خرائط النقط Dot maps الجدول التكراري المزدوج Double Frequency Table العينة المزدوجة Double sample المسودة الأولى Draft التصريف، الصرف Drainage دافع Drive ثنائية Duality جداول صماء Dummy tables تطوري Dynamic ديناميكي، حركي Dynamic

خرائط الحركة Dynamic maps E الأيكولوجيا، علاقة الإنسان بالبيئة Ecolgy المعمور Ecumene تربية Education العمر التعليمي Educationl age حاصل التعليم Educational Quotient البحث التربوي Educational Research نتائج Elementary outcomes النزوح Emigration تجريبي، إمبريقي، اختباري Empirical خبري Empirical حقائق التجربة Empirical data الاختبارية Empiricism الموسوعات العامة Encyclopedia العداد Enumerator بيئة Environment فرص متساوية Equal chances المعادلات Equations مكافئ، معادل Equivalent مقالة essay تقدير Estimate تقويم Evaluation إثبات، دليل Evidence معايير التقويم Evaluation criteria تطور Evolution العلوم المضبوطة والدقيقة Exact Sciences فريق التجريب Experimental Group القيمة المتوقعة Expected Value تجربة، اختبار Experience تجريبي Experimental تصميم تجريبي Experintal design المجموعة التجريبية Experimental Group منهج البحث التجريبي Experimental method التجريب Experimentation دراسات كشفية Exploratory sutdies تعبير Expression هجرة خارجية External Migration الإدراك الظاهر External perception اقتباس Extrarc F الصدق الظاهري Face Validity حقيقة Fact التنقيب عن الحقائق Fact Finding عامل Factor التحليل العاملي Factor "ial" Analysis التحليل العاملي Factor anlysis الصدق العاملي Factor Validity التغذية الراجعة Feedback ملاحظة الميدان Field observer عمل ميداني "مسح ميداني" Field work العمل الميداني Field work الفرض النهائي Final Hypothesis المجتمع المحدود Finite population خطوط الحركة البيانية Flawdiagram تذييل Footnotes التكرار Frequency منحنى التكرار Frequency Curve توزيع تكراري Frequency Distribution المضلع التكراري Frequency Polygon الجدول التكراري Frequency table وظيفة Function

وظيفي Functional علاقة وظيفية Functional Relation ship المنظومة الوظيفية Functional system أقسام وظيفية Functional Zones النزعة الوظيفية Functionalism G قياس الرأي العام Gauging Public opinion الكثافات الاقتصادية العامة General economic density معدل الخصوبة العام Generl Fertility rate الخطة العامة General Plam الأنظمة العامة Generl system تعميم Generalization الحدود الجغرافية Geographical Frontiers التوجه الجغرافي Geographical orientation جداول خيالية Ghost tables درجة أو علامة Grade معايير الدرجات Grade norms جماعة، زمرة Group ديناميكية الجماعة Group dynamics رائز جماعي Group test توجيه Guidance H التبويب اليدوي Hand Tabulation وراثة Heredity تراث Heritage الاختلاف Heterogenceity متغاير Heterogeneous مساعد على الاكتشاف Heuristic تدرج أو تسلسل "في المراتب" Hierarchy المدرج التكراري Histogram منهج البحث التاريخي Historical methoe الاستمرار التاريخي Historical momentum بحث تاريخي Historical research الدراسة التاريخية Historical Study تجانس، تشابه Homogeneity متجانس Homogeneous البشريات Humaindea "الفرض العلمي" الفرضية Hypothesis I في نفس المكان "في كتابة الهوامش" IBID أيقوني Iconic فكرة Idea نموذجي Ddeal متطابق، عيني Identical توحد، تقمص Identification مبادئ Idiology الوافدون Immigranst التفاوت Imparity الصدق التجريبي Imperical Validity منبه، دافع impetus إنجاز Implementation تضمين Implication ضمني Implicit نزعة، ميل Inclination بالمقارنة Incontrast المتحول الحر Independent Variable فهرس، كشاف Index الأرقام القياسية Index Numbers دليل أو معامل التركيز Index of concentration

الملاحظة المضبوطة "المنظمة" Indirect observation اختبار فردي Individual Test استقراء Inuction استقرائي Inuctive الفقرات الاستقرائية Inductive periods "المنهج" الطريقة الاستقرائية Inductivemethod حتمية Inveitability اختبار غير مقنن Informal test مخبر Informant حفظ واسترجاع المعلومات Information storage and retrival البنية السفلى Infrastructure ابتكار، تجديد Innovation غير شخصي Inpersonal مدخلات Inputs باختصار Inshort تبصر Insight تلقين Inspiration عزل Insulation تكامل "توحيد" Integration المنهج التكاملي Integrative metho عقلي، ذهني Intellectual رائز الذكاء، اختبار الذكاء Intelligence test هجرة داخلة Internl migration الشبكة العالمية International net work. internet تأويل Interpretation فترات Intervals متحول متدخل Intergening variable استبار Interview مقابلة Interview مقابل Interviewer استمارة مقابلة Interviewing schedule تفاعل Interaction القيمة الذاتية Intrinsic Value استبطان Introspection عرف بالبداهة Intuit بداهة Intuition وحدة قياس، فقرة Item تحليل وحدة القياس Item analysis أسلوب البحث والتقصي Invistication technique J طريقة تحليل العمل Jobanalysis الطريقة المشتركة Joint method محاكمة Judgment تبرير Justification K معرفة Knowlege L تخلف ثقافي Lag cultural كامل، مستتر Latent أسئلة إيحائية Leaing questions نسق قانوني Legal system خرافة Legend تشريع Legislation تقديم منطقي Logical Presentation دراسة طولية Longitudinal study M استبيان بريدي Mailed Questionnaire عدم التوافق Maladjustment الاختبار المتعدد Multiple choice مخطوطات Manuscripts

مسح السوق Market Survey مقابلة جماعية في البحث الاجتماعي Mass- inteview ملاحظة جماعية "في البحث الاجتماعي" Mass- Observation رائز مقابلة الإجابات Matching test التوقع الرياضي Mathematical expectation النماذج الرياضية Mathematical models مصفوفة Matrix متوسط "في الإحصاء" Mean الانحراف المتوسط Meandeviation قياس الاتجاهات Measurement of attitudes مقاييس التشتت measures of Variability وسيط "في الإحصاء" Median توسط، وساطة Mediation التكيف العقلي Mental adjustment العمر العقلي Mental age التوزيع الهامشي Marginal distribution منهج Method طريقة الاتفاق Method of agreement طريقة التلازم في المتغيرات Method of Concomitant variation طريقة الاختلاف Method of Disagreement طريقة العوامل المتبقية Method of residous طريقة التشبث Method of tenacity علم المناهج Methodology مختلف، متنوع "الوثائق المختلفة" Miscellaneous الحراك الاجتماعي Mobility social منوال Mode نماذج Models المنظومة المورفولوجية Marphological system حافز Motive الفرض المتعدد Multeity hypothesis المعاينة متعددة المراحل Multi- stage sampling الاختبار المتعدد Multiple choice عينة متعددة المراحل Multisgage Sample طفرة تغير فجائي Mutation أسطورة Myth N الشبكة البيانية Netowrk diagram العقدية Nodality عينة غير عشوائية Non- random sample ملاحظة بدون مشاركة Non Participent observation العينات غير الإجمالية Nonprobabelity samples معيار Norm معيار اجتماعي Norm Social سوي Normal المنحنى المعتدل Normal Curve التوزيع المعتدل Normal Distribution المنحنى التكراري السوي Normal Frequency curve العلم العادي Normal Science معياري Normative دراسات معيارية "وصفية" Normative studies الفرض الصفري أو فرض العدم Null Hypothesis يبطل Nullify O موضوع Object موضوعي Objective أهداف Objectives

التزام Obligation ملاحظة Observtion أسلوب الملاحظة Observation technique في العمل المذكور "في كتابة الهامش".Op. cit أسئلة مفتوحة Open-ended questions إجرائي "تعريفات إجرائية" Operational رأي Opinion تقابل، معارضة Opposition التوزيع الأمثل Optimum allocation أصل الأنواع Origin of Species أصالة Originality كشاف المؤلفين Outher index خطة عامة Outline مخرجات Output P نبذة Pamphlet العلاقات المتوازنة Paralleled relation معالم Parmeters تعادل، تكافؤ Parity ملاحظة بالمشاركة Participant observation تفاصيل Particulars هنا وهناك "في كتابة الهوامش" Passim نموذج Pattern أنماط الثقافة Patterns of culture الإدراك الحسي Perception دائم مستمر Perennial الفترات البيانية Periodegraphs دورية Periodical مثابرة Perseverence معادلة بيرسن Person Formula معامل ارتباط بيرسن Person Product Coefficient of Correlation اختبار بيرسن Person rank المقابلة الشخصية Personal interview حدة النظر، الفطنة Perspiacity خيال Phantasy ظاهرة Phenomena البيئة الطبيعية Physicl environment خرائط مصورة Pictorial maps رموزمصورة Pictoril symbols مشروع تجريبي Pilot Project دراسة استطلاعية استثنائية Pilot study مكان النشر Place of Publishing التخطيط الاجتماعي Planning Social نظرية مقبولة ظاهريا Plausible theory استقطاب Polarity متعدد المتحولات Polarity مجتمع، الجماعة المدروسة Population موضع Position ارتباط موجب Positive correlatipn التشخيص المادي Positivism مسلمات Postulates إمكانية الاستعداد Potentiality إمكانية التطبيق Practicability تطبيقي، عملي Practical بحث إجرائي Practical Research تنبؤ Prediction الصدق التنبؤي Predictive validity مقدمات Premises

بيانات أولية Primary Data وحدات أولية Primary Units احتمالية Probabilistic الاحتمالات التجريبية Probabilities Empiricaldate احتمال Probability العينات الاحتمالية Probability sample نظرية الاحتمال Probability theory مشكلة Problem تنسيق Process عملية التركيز Concentration Process تصميم Projection أساليب اسقاطية Projective techniques دليل، برهان Proof إعلان Propagation نظرية مؤقتة Provisional theory تحليل نفسي Psychoanalysis الرأي العام Public opinion ناشر Puplisher نشر Publishing البطاقات المثقوبة Punched cards التخزين على الخريطة Punched map الأشرطة المثقوبة Punched Tapes بحث علمي بحت Pure research عينة عمدية Purposive sample العينة الهدفية "الفرضية" Purposive Sample Q بيانات كيفية Qualitative date بيانات كمية Quantitative data شبه مقاس Quasi- Scale أسلوب الاستبيان Question Technique استخبار مفتوح "Questionnaire "open استخبار مغلق Closes Questionnaire قائمة الأسئلة "الاستبيان" Questionnaire العينة الحصصية "عينة الفئات" Quota Sample اقتباس Quotation R جذري Radical تشعب Ramification عشوائي Random طريقة الجمع العشوائي Random Grouping method عينة عشوائية Random Sample المتغيرات العشوائية Random Variables المدى Range الرتبة Rank معدل، نسبة Rate مقياس تقديري Rating scale نسبة Ratio المقننات Ration برهان، رأي Rationale التبرير Rationalization تبرير عقلي Rationalization درجة خام Rawscore ارتكاس، رد فعل Reaction زمن الرجع Reaction time الحقيقة الواقعة Reality محاكمة، استدلال Reasoning استرجاع "الذكريات" استدعاء Racall تعريف، تمييز Recognition استرجاع Recovery تأمل، انعكاس Reflection إصلاح Reformation

رقم التسجيل Reg Number إقليمي Regional المدخل الإقليمي Regional Approach المسح الإقليمي Regional Survey تراجع Regession خط الانحدار، تقهقر Regression منحنى الانحدار Regression curve تنظيمي Regulative المنطقة الحرجة أو منطقة الرفض Rejectionregion الصلة Relation العلاقة Relationship التباين النسبي Relative variability كشاف تحليلي Relative index وثوق، ثبات Reliability يعالج، يصحح وضعا Remedy مخلفات Remnants تمثيل Representation عينة ممثلة Representative Sample تخصيص البحث، تصميم البحث Research dedication مستوى التحليل Resolution Level مسئولية Responsibility تراجع Retreat مراجعة "كتاب" Review الصم Rote Verbal Learning المجتمعات الريفية Rural Communities S عينة Sample أخطاء المعاينة Sampling errors طريقة العينة Sampling method سلاسل Samping serials وحدة المعاينة Sampling unit توابع Satellite شبه مقياس Scale- quasi النموذج القياسي Scale model نموذج قياسي Scale Model المقايسة Scaling الرسم البياني الانتشاري Scatter Diagram كشف البحث Schedule كشفا علميا Scientivid Device عصر العلم Scientific era مجال Scope بطاقات العلامات Score cards جدول التفريغ Score table بيانات ثانوية Secondary date دليل ثانوي Secondary evidence وحدات ثانوية Secondary units المنظم الذاتي Self regulatory تصحيح ذاتي Selfcorrection التاريخ التتابعي Sequence dating العلاقات المتتالية Series Relation المدى القصير Short range ملاحظة بسيطة Simple observation العينة العشوائية البسيطة Simple Random sample موضع Site حجم Size اجتماعي Social العمل الاجتماعي، الفعل الاجتماعي Social action النمو الاجتماعي Social Development البعد الاجتماعي Social Distance

التطور الاجتماعي Social evolution الظاهرة الاجتماعية Social Fact التراث الاجتماعي Social heritage العلاقات الاجتماعية Social relation البنية الاجتماعية Social survey مسح اجتماعي Social survey مجتمع Society القياس الاجتماعي Sociometry تصنيف البيانات Sorter مصادر البيانات Sources of data حيز Space فضاء Space تباعد Spacing المتغيرات المكانية Spatial Variabiltiy معامل سبيرمان Sperman rank النوع Species محدد Specific كشافات مجرد Specifing index التحديد Specifity النموذج Specimen التأمل Speculation تلقائي Spontnaneous استقرار Stability مرحلة stage فترات الجمود "الركود" Stagnation periods المستوى، مقياس Standard الانحراف المعياري Standard deviation درجة معيارية Standard Score مقنن Standardized اختبار "رائز" مقنن Standardized test المتغير العشوائي المعياري Standardizes random variable ثابت، متوازن Static سكوني Static علم الإحصاء Statistic التحليل الاحصائي Statistical analysis خرائط إحصائية Statistical map المجتمع الإحصائي Statistical population الوحدات الإحصائية Statistical population الإحصاءات Statistics إحصاء "مقاييس إحصائية" Statistics مركز، حالة ثابتة Status الحالة الاجتماعية Social Status تنبيه Stimulation مثير Stimulus طبقات Strata العين الطبقية العشوائية Stratified random sampling العينة الطبقية Stratified sample بناء Structure مقابلة مقننة Structured interview ملاحظة محددة Structured observation دراسات Studies دراسة المعنى Study of mening الأسلوب Style دراسة الأسلوب Stylistics اختبار فرعي Sup- test موضوع Subject كشافات الموضوعات Subject index ذاتي " غير موضوعي" Subjective المعاينة الفرعية Subsampling unit ملخص Summary

البنية العليا Super structure مسح Survey التحليل الاستقصائي Survey Analysis الدراسات المسحية Survey studies مقطع Syllable القياس المنطقي Syllogism الرمزي Symboling رمز Synopis ترادف، مرادف Synonymous نبذة Synopis ملخص، مجمل Synopsis تركيب Synthesis منهجي Systematic ملاحظة منهجية Systematic observation ملاحظة منظمة Systematic observation العينة المنتظمة Systematic sample مدخل أصولي Systematicl approach الأنظمة Systems T جداول Tables تبويب Tabulation مفهوم ضمنا، ضمني Tacit التفريغ Tallying تقني Technical مصطلحات علمية Technical terms أسلوب البحث Technique مؤقت Temporary ميل، نزعة Tendency توتر Tension الفرض المبدئي Tentative Hypothesis المصطلحات الفنية وما يتعلق بها Terminolgoy نقاط البحث، مدار البحث Terms of reference أقليم، مقاطعة Territory أوجه النشاط من الدرجة الثالثة Tertiary activities اختيار Test الشهادة الشخصية Testimony personal الثورة العلمية The scientific Revolution بناء العلم The Structure of Science المثلثات البيانية The Trinagular Graph نظرية Theory المكنز Thesaurus رسالة "للماجستير أو سواها" Thesis مبحث، موضوع، مقالة Thesis الفكر Thought كشاف العناوين Title index أداة Tool- instrument- implement تخطيط المدن Town- planning تقاليد Traditions ميل أو اتجاه Trend صدق المحكمين Trustees Validity نمط Type نوع البحث Type of Research علم الأنماط Typology U المجموعة النهائية Ultimate cluster عدم الانتظام Unconformity المناطق المتخلفة Under developed areas ميزان خاسر Unfavorable موحد الاتجاه Unidirectional نسق، نمط، مطرد Uniform اتحاد Union

وحدة Unity المجتمعات الحضرية Urban Communities العمراني المداني Urbanism التمدن Urbanization قابلة للاستعمال Usability V صدق Validity قيمة Value تباين Variability متحول Variable متغيرات Variables تباين Variance تقديرات التباين Variance estimates التغير Variation تحقق Verification الإحصاءات الحيوية Vital statistics عمل إرادي Voluntary action W طريقة البحث Way ترجيح Weight دليل العمل Working Guide السكان العاملون Working population

§1/1