الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية (عرض وتحليل)

حسن بن إدريس عزوزي

مقدمة

مقدمة تتضمن مباحث ثلاثة: أ- لماذا الاهتمام بالسيرة النبوية باللغات الأجنبية؟ لم يعد هناك مجال للشك في أن معظم الناس في البلاد غير الإسلامية والبلاد الإسلامية غير العربية يجهلون الشيء الكثير عن حقائق الإسلام ومبادئه وقيمه، ولعل مصدر هذا الجهل يعود بالمقام الأول إلى كون عملية التعريف بالإسلام وحضارته وعلومه لا تراعي التعددية اللسانية لدى المخاطَبين الذين لا يستطيعون استيعاب حقائق الإسلام بغير لغاتهم الأصلية. إن خطاب الدعوة الإسلامية خطاب بشارة ونذارة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاس ِبَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} [سبأ28] . وإذا كان المسلم داعية إلى الدين الحنيف بحكم العقيدة التي ينتمي إليها والشريعة التي يلتزم بأحكامها، فإن من قصور النظر وضيق الأفق الاعتقاد بأن التعريف بأصول الإسلام وتاريخه وحضارته ودعوته ينبغي أن تكون موجهة إلى الناطقين بالعربية لأنها لغة التنزيل العزيز، وأن كل توجُّه آخر بلغات غير العربية إلى أقوام لا يحسنون لغة القرآن الكريم يعد توجها خاطئا ومشبوها. ويعد مبدأ عالمية الرسالة الإسلامية الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الثقافات والأديان الأخرى، ومن هذا المبدأ تنبع رؤية الإسلام في توجيه الدعوة نحو غير المسلمين الذين يتوقون إلى استكمال معرفتهم بدينهم ومعطيات ثقافتهم الإسلامية باللسان الذي يتحدثون به ثم توجيه

الدعوة أيضا نحو غير المسلمين الذين يفرض واجب الدعوة تعريفهم بحقائق الإسلام وتعاليمه بلغاتهم الأجنبية. وإذا كان هؤلاء وأولئك في حاجة إلى معرفة أصول الشريعة الإسلامية وما تنبني عليه من علوم للقرآن والسنة والفقه والأصول فإنهم أيضا في حاجة إلى معرفة معطيات السيرة النبوية ووقائعها وأحداثها باللغات التي يتحدثون بها. من هنا دعت الضرورة إلى الكتابة في حقل السيرة النبوية بمختلف اللغات الأجنبية تحقيقا لهذه الحاجة الملحة، بيد أنه بالرغم من أن الدعوة الإسلامية في امتداداتها خارج الوطن الإسلامي تتطلب –بقوة- توفير الأبحاث والدراسات حول السيرة النبوية، فإن نسبة الأبحاث العلمية التي وضعها باحثون مسلمون (1) هي أقل بكثير مما وضعه الأجانب من مستشرقين وغيرهم. ب- موقع اللغة الفرنسية بين باقي اللغات الأجنبية. تأتي اللغة الفرنسية بعد اللغة الإنجليزية من حيث الانتشار وعدد المتحدثين بها في العالم، كما أنها تأتي في الترتيب نفسه ضمن لغات منظمة الأمم المتحدة، ولذلك فإن اختيار هذه اللغة لبحث مدى ومستوى التأليف بها في مجال السيرة النبوية له أهميته وجدواه، فاللغة تتمركز – فضلا عن فرنسا معقل اللغة الفرنسية- في كل من بلجيكا واللوكسمبورغ وفي المنطقة الفرنكوفونية من كندا "كبيك Quebec" وكذا في كثير من الدول الإفريقية المستعمرة سابقا من طرف فرنسا "دول المغرب العربي وكثير من دول إفريقيا السوداء".

_ (1) يقصد الباحث "باللغة الفرنسية".

من جهة أخرى فإن ثمة علاقة وصلة متميزة تربط بين فرنسا والعالم العربي إذ أقدم الفرنسيون منذ قرون على تعلم اللغة العربية وتعليمها استجابة لظروف الاحتكاك بين فرنسا والمنطقة العربية وكذلك تلبية للحاجيات والمصالح والمطامع الاستعمارية، ومنذ القرن الثامن الميلادي كانت أبواب الأندلس العربية قريبة من فرنسا فكان التواصل عن طريق معاهد الترجمة متناميا، وكان بعض المستشرقين القدامى "ابتداء من ق 15 م" عارفين باللغة العربية، فتطور تعليمها وتعلمها مع الزمن، ودعت الحاجة إلى اكتشاف أغوار المشرق الساحر إلى تعلم العربية مما دفع قدما بمستوى الاهتمام بالثقافة العربية وبخاصة في العصر الحديث حيث أسهم وجود نسبة كبيرة من المهاجرين العرب في فرنسا وبلجيكا وغيرهما إلى تفعيل الكتابة في العالم العربي باللغة الفرنسية. ومع تزايد المصالح الفرنسية في المنطقة العربية كان من المتوقع أن توجه فرنسا اهتمامها المعرفي لكشف أسرار الحضارة والفكر الإسلاميين. وفي العقود الأخيرة بدا أن التعاون الفرنكوفوني مع الدول العربية الناطقة بالفرنسية "المغرب –الجزائر-تونس-لبنان-سوريا…" قد ساعد بقوة على دعم الكتابة باللغة الفرنسية والترجمة منها وإليها، كما أن استقرار نخبة من العلماء والمفكرين والكتاب بالدول الفرنكوفونية ممن اتخذوا اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير قد أسهموا في الكتابة عن الثقافة العربية والإسلامية باللغة الفرنسية، وهذه الاعتبارات كلها تؤكد أهمية بحث موضوع: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية. ج- بدايات الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية: من الصعب جدًّا تحديد تاريخ معين لبداية الاهتمام بوقائع السيرة النبوية

باللغة الفرنسية، ولاشك أن الانتشار السريع للإسلام مشرقا ومغربا قد لفت بقوة أنظار رجالات اللاهوت الكنسيين إلى هذا الدين خلال القرون الوسطى، ومن هنا بدأ الاهتمام بالإسلام من كل جوانبه ومن بينها محاولة البحث في تاريخ وسيرة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام (1) . ومع البدايات الأولى لظهور الاستشراق كانت الكتابات الاستشراقية المهتمة بالإسلام تصدر باللغة اللاتينية، ولم يظهر مفهوم "مستشرق" في فرنسا إلا في عام 1799م، كما لم يدرج مفهوم "الاستشراق" في قاموس الأكاديمية الفرنسية إلا عام 1838م (2) . لقد نشط اللاهوتيون النصارى الفرنسيون كغيرهم خلال القرون الوسطى ضد الإسلام وراحوا ينشرون الافتراءات والأكاذيب حول النبي صلى الله عليه وسلم، وغزت الأساطير الشعبية والخرافات خيال الكتاب الفرنسيين، ولم يكن الهدف عرض صورة موضوعية عن السيرة النبوية، فقد كان هذا أبعد ما يكون عن الأذهان وقتئذ، ولم يكن الاعتماد قائما على أية مصادر مكتوبة، بل يتم الرجوع فقط إلى آراء العامة والشائعات والأراجيف التي يتناقلها الناس

_ (1) أشار المؤرخ الفرنسي آلان دوسلييه إلى أن الراهب ثيوفان الواعظ Théophane le confesseur أول مؤلف قدم لنا أوائل القرن التاسع الميلادي نظرة عامة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمجتمع العربي وأسس لشبهة أخذ الإسلام عن التراث اليهودي المسيحي والتأثيرات المسيحية على دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في مكة. Alain Ducellier: chrétiens d'oriens et Islam au Moyen Age -Armand Colin-Paris وراجع عن ثيوفان الواعظ هذا كتاب: أليكسي جوراسكي: الإسلام والمسيحية سلسلة عالم المعرفة الكويتية عدد 173 ص 73. (2) تراث الإسلام تصنيف جوزيف شاخت وبوزورث، ترجمة د. محمد زهير السمهودي 1/78 بسلسلة عالم المعرفة بالكويت 1978م.

عن الإسلام ونبيه (1) . ولم يكن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته آنئذ بداية للحديث عن السيرة النبوية، بل كان ذلك يتم في سياق مواجهة الدين الجديد ومحاولة تشويه صورته وحقيقته، فجاءت صورته صلى الله عليه وسلم في كتاباتهم صورة النبي المزيف والكذاب الذي أراد القضاء على النصرانية، أما اللغات الشرقية ومنها العربية فلم تكن معروفة لدى الفرنسيين أثناء الحروب الصليبية وقبلها، ولم تعرف إلا مع ظهور حركات التنصير ومصادقة مجمع فيينا الكنسي عام 1312م على ضرورة تعليم اللغة العربية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وسلمنكا، وفي عام 1539م تم إنشاء أول كرسي للغة العربية في كلية (دي فرانس) Collège de France بباريس وكان أول من شغله هو المستشرق الفرنسي الشهير Guillaume Postel (ت 1581م) الذي يعد أول المستشرقين الفرنسيين الذين أسهموا في إثراء دراسة اللغة العربية، ونقل بعض التراث العربي إلى اللغة الفرنسية. وعلى الرغم من ذلك فقد تطور الأمر مع مرور الزمن حيث شهدت نهاية القرن السابع عشر اتجاها آخر مختلفا عما كان عليه خلال القرون الوسطى، فقد بدأت تبرز نظرات استشراقية موضوعية إلى حد ما، فيها القليل من التعاطف مع الإسلام وقد أسهم في تعزيز ذلك ظهور النزعة العقلية الجديدة التي بدأت تنتشر في أوروبا متحدية الكنيسة النصرانية التي تعارضها.

_ (1) سوذرن: نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى، ترجمة د. علي فهمي خشيم ود. صلاح الدين حسني مكتبة دار الفكر بليبيا 1975م ص 17.

وقد كان من أبرز هؤلاء الفرنسي بيير بايل Pierre Bayle الذي عرض لحياة محمد صلى الله عليه وسلم في قاموسه التاريخي والنقدي الذي ظهرت طبعته الأولى في روتردام عام 1697م (1) . وفي الوقت الذي أشاد فيه فولتير Voltaire بالنبي عليه السلام في مقالة مشهورة (2) ، أبدى رأيا مخالفا ومتهجما في مسرحيته الشهيرة Mahomet ou le fanatisme "محمد أوالتعصب". كما ألف بودي Body كتابه "حياة محمد" La vie de Mahomed عام 1671م ولم يصدر منقحا إلا عام 1730م، ويعد هذا الكتاب أول كتاب وقف به الفرنسيون على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه كان بعيدا عن الإنصاف والموضوعية، كما أنه لم يخلص فيه مؤلفه الحديث عن السيرة النبوية كما قد يتوهم من عنوان الكتاب. وألف هنري دي بولنفيليي كتابه عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعادات المسلمين عام 1731م (3) . ولم يكن الوقت قد حان للحديث عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب مستقلة، فذلك لم يظهر إلا ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر، ولكن بالمقابل كانت هناك بدايات للحديث عن السيرة النبوية في المعاجم الكبرى

_ (1) اشتهر المعجم في طبعته الخامسة عام 1740م متضمنة تعليقات وملاحظات كبار الكتاب الفرنسيين، أما آخر طبعة من الكتاب فقد ظهرت عام 1995م بجنيف وتقع في أكثر من 3000 صفحة. ) 2 (Voltaire: Essai sur l’histoire générale et sur les meurs Paris. ) 3 (Henri de Boulainvilliers, Le Conte de la vie de Mahomet avec des réflexions sur la vie mahommtane et les coutumes des musulmans –Amsterdam. وقد وصفه مكسيم رودنسون بأنه كتاب دفاعي – انظر: تراث الإسلام ن سلسلة عالم المعرفة 1/66.

من جهة وفي مقدمات ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية من جهة أخرى. وبعد ظهور هذه البدايات الأولى للحديث عن السيرة النبوية كان لابد من انتظار القرن العشرين لكي يمكن الحديث عن اهتمام حقيقي بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية من طرف المسلمين والمستشرقين على السواء، وإذا كانت الكتابة الفرنسية في حقل السيرة النبوية تتم من قبل انطلاقا من الشائعات والحكايات المتداولة وبعض الإشارات الواردة في كتب من هنا وهناك، فإنه بعد ترجمة بعض المصادر الأولى للسيرة النبوية إلى اللغة الفرنسية (1) والانفتاح على اللغة العربية مباشرة أضحى من السهل إنجاز دراسات خالصة وجادة.

_ (1) أحصى فكتور شوفان الفرنسي Victor chauvin عددا لا بأس به في عمله الموسوعي (مرجعية الكتب العربية أو المتعلقة بالعرب المنشورة في أوروبا المسيحية من سنة 1810م إلى 1885م) "المجلد 11المتعلق بالسيرة النبوية". Bibliographie des ouvrages arabes ou relatifs aux arabes publiés dans l’Europe chrétienne de à –Liège. ومن ذلك ترجمة Noel de vergers للسيرة النبوية من تاريخ أبي الفداء عام 1873م وترجمة Perron لقصة المعراج عام 1854م ونشر هنري ماسيه H Masséلكتاب الاكتفاء للكلاعي (ت634/عام1933م وغير ذلك.

الفصل الأول: كتابات المسلمين حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية.

الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية: عرض وتحليل للدكتور حسن عزوزي بسم الله الرحمن الرحيم الفصل الأول: كتابات المسلمين حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية ينطلق اهتمام الباحثين المسلمين بدراسة السيرة النبوية باللغة الفرنسية من باعثين اثنين: أ- تحقيق واجب الدعوة الإسلامية الذي يفرض ضرورة استخدام وتوظيف اللغات الأجنبية كوسيلة وأداة لنشر الإسلام والتعريف بنبيه ورسالته ونقل معطياته إلى العالم برمته، وهذا الصنف من الدعوة تحتاج إليه الأقليات والجاليات الإسلامية من جهة، وكذا غير المسلمين من أتباع الديانات والعقائد المختلفة الذين يتوقون إلى الاطلاع على سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعالم رسالته. ب- مواجهة الكتابات الاستشراقية المهيمنة عن طريق إيجاد بديل لدراساتهم المشوهة لحقائق السيرة النبوية ومعطياتها الأصيلة، ولا شك أن الاقتناع بضرورة إنتاج دراسات وأبحاث حول السيرة النبوية باللغة الفرنسية من طرف علماء وباحثين مسلمين يستوعبون وقائع السيرة في نقائها وصفائها وأصالتها يمثل في حد ذاته تحقيقا لواجب الرد والتصدي لمن يطعن في الإسلام ورسالته. وإذا كان الأمر كذلك فلابد من الاعتراف بأن ما كتب عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم باللغة الفرنسية من طرف العلماء والباحثين المسلمين ضئيل جدا مقارنة بما كتب باللغة الإنجليزية، فأمام هيمنة واسعة للكتابات الاستشراقية باللغة الفرنسية لا نجد سوى دراسات معدودة للباحثين المسلمين، لعل

أبرزها: أولاً: كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم" لمحمد أسعد باي (1) قدم له المستشرق الفرنسي M.E.I. Gautier يقع في 330 صفحة، ويضم أربعة فصول: الفصل الأول: العالم قبل ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم. الفصل الثاني: الرسالة. الفصل الثالث: المدينة والدولة. الفصل الرابع: العالم بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم. ويبدو من خلال الكتاب أن المؤلف قد كتب كتابه متأثرا بالمنهج الاستشراقي في الكتابة في حقل السيرة النبوية. ثانياً: كتاب الدكتور جمال الدين بن الشيخ: معراج النبي صلى الله عليه وسلم (2) ، استعرض فيه حدث المعراج من خلال ترجمة حديث المعراج وتحليله من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما المشهورة وقد تخلل الكتاب إشارات متعددة إلى مدى استغلال قصة المعراج في الثقافة الصوفية من جهة والفكر الغربي (دانتي على سبيل المثال) من جهة أخرى. ثالثاً: كتابات البروفسور محمد حميد الله الحيدر آبادي رحمه الله (توفي عام1424هـ) ، ويمكن الجزم بأن الشيخ محمد حميد الله هو أبرز من تخصص في إبراز وقائع السيرة النبوية باللغة الفرنسية في نقائها وصفائها وأصالتها، حيث لم يترك جانبا من جوانب السيرة النبوية إلا واهتم به اهتماما بالغا وقام

_ (1) Med Essad Bey: Mohomet: Payot –Paris. (2) Jamaelddine Bencheikh: Le voyage nocturne de Mohomet préface: André Miquel ; Paris (pages) .

بتحقيق معطياته وتوثيق نصوصه، وإذا كان رحمه الله قد اعتنى في حياته العلمية التي استغرقت سبعة عقود من الزمن بمختلف مجالات الدراسة والبحث في الإسلام دينا وحضارة فإن اهتمامه بالسيرة النبوية كان له الحيز الأكبر والنصيب الأوفر، ولو اقتصرنا على ذكر كتابه الذائع الصيت "نبي الإسلام" الذي يقع في مجلدين لكان كافيا. ومن أهم دراساته وأبحاثه الأخرى في مجال السيرة النبوية باللغة الفرنسية ما يلي: 1) ستة أصول لرسائل نبي الإسلام الدبلوماسية. Six originaux des lettres diplomatiques du prophète de l’Islam (1) . وتحدث فيه عن الموضوعات التالية:-تاريخ الكتابة باللغة العربية - ظروف المراسلة- تقويم وتأريخ الأحداث. - الوثيقة الأصلية لكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كل من المقوقس والمنذر ملك البحرين وهرقل ملك الروم وكسرى ملك فارس وملك عمان. وقد اكتشفت جميع هذه الوثائق حديثاً، وأرخ محمد حميد الله لتواريخ ذلك وقام بتوثيق النصوص ودراستها، وفصول الدراسة عبارة عن أبحاث ومقالات سبق أن نشرها مستقلة بالمجلات العلمية الفرنسية (2) كما فصل الحديث عنها أيضا في كتابه "نبي الإسلام" (3) .

_ (1) Editions Tougui – Paris (p) . (2) انظر على سبيل المثال: كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ومصير الوثيقة الأصلية. La lettre du prophéte à Heraclius et le sort de l'original (Arabica / Janvier) . (3) M , Hamidullah ; Le prophète de l'Islam (Tome I) () () () () () .

2- مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة La diplomatie musulmane à l'epoque du prophète et des khalifes orthodoxes (Paris 1935) والكتاب عبارة عن أطروحة الدكتوراه التي تقدم بها الشيخ محمد حميد الله عام 1935م إلى جامعة السوربون. 3- تسامح النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، نشر في كتاب جماعي بإشراف اليونسكو. La Tolérance dans l'œuvre du prophète à Médine dans le livre: «L'Islam, la philosophie et les sciences» (1. 4) ساحات المعارك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. (Les champs de bataille du temps du Prophète (2. تحدث محمد حميد الله في هذا المقال عن مواقع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم معززا ذلك برسوم تاريخية دقيقة، وقد أشاد المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون بهذا البحث (3) . 5) تاريخ ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم. (La date de naissance du prophète Muhammed (4. 6) إخوة وأخوات الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة.

_ (1) ترجم الكتاب إلى العربية تحت هذا العنوان، مصر 1941 –1956م، بيروت 1965-1983م –1985م....إلخ) . (2) Unesco pp –Paris. (3) In Revue des Etudes Islamiques Paris. (4) Maxime Rodinson: Bilan des Etudes mahomédanes, Revue historique n° (Mars) p.

(Les frères et sœurs de lait du prophète (3) . 7) الرسول صلى الله عليه وسلم مربيا. (Le prophète de l'Islam en tant qu'éducateur (1 8) رحلات الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. (Les voyages du prophète avant l'Islam (2 9) حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ترجم إلى أكثر من عشرين لغة. (La vie du prophète (3. ومعظم هذه الأبحاث ترجمت إلى لغات أجنبية أخرى مثل الإنجليزية والألمانية والإسبانية فضلا عن الأردية لغة البلد الأصلي للمؤلف. 10) " نبي الإسلام: حياته ودعوته" في مجلدين (1070 صفحة) . (Le prophète de l'Islam, sa vie et son œuvre (4. يعد هذا الكتاب الضخم عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشهر ما ألف في السيرة النبوية باللغة الفرنسية، وقد طبع الكتاب طبعات متعددة، وتمت قرصنته مرارا في حياة المؤلف الذي كان يعلم بذلك ولا يحرك ساكنا معتبرا –كما جاء على لسان أحد طلبته- أن في ذلك تعميما للفائدة، وقد ترجم الكتاب إلى الإنجليزية والتركية والبوسنية وغيرها. ذكر المؤلف رحمه الله في مقدمة الطبعة الأولى أنه بالرغم من خصوبة

_ (1) In France Islam (mensuel) N°. (2) In: France Islami (mensuel) N°. (3) In: Le Musulman Paris. (4) In: Bulletin d'Etudes Orientales. Damas 1977 (Melanges Henri Laoust) .

وتنوع الأدب الفرنسي بجميع فروعه فإن هناك نقصا فيما يتعلق بإنجاز دراسة شاملة للسيرة النبوية تسطر دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. في المقدمة وتحت عنوان: نبي الإسلام، لماذا دراسة حياته؟ استعرض الأسباب والدوافع التي تدفع إلى دراسة حياة ودعوة نبي الإسلام، ثم انتقل إلى دراسة المواد والمصادر الأولى المؤسسة للسيرة النبوية وأولها القرآن الكريم ثم السنة النبوية ثم الشعر ثم كتب السيرة النبوية التي ألفت في عصور متقدمة يرجع بعضها إلى أواخر عصر الصحابة، وقد ركز محمد حميد الله على سيرة ابن إسحاق التي سبق له أن عثر على جزء منها في خزانة القرويين وحققها هو بنفسه وكتاب المغازي للواقدي (ت207هـ) وسيرة ابن هشام (ت210هـ) ثم طبقات ابن سعد (ت230هـ) ، هذا فضلا عن اعتماده على كتب أخرى لم تخصص لدراسة السيرة النبوية بصفة مباشرة ولكنها تضمنت معلومات مفيدة في هذا المجال ككتب ابن حبيب والدينوري والطبري واليعقوبي والبلاذري وغيرها، بالإضافة إلى كتب المعاصرين سواء كانت لباحثين مسلمين أو مستشرقين. قسم محمد حميد الله كتابه إلى عدة فصول متضمنة لمباحث متعددة رتبها في صورة فقرات مترابطة، وهي طريقة سار عليها في بعض كتبه الأخرى (1) . استهل المؤلف حديثه عن البيئة والظروف المحيطة ثم عن بداية حياة محمد صلى الله عليه وسلم وعن دعوته في مكة ثم الهجرة إلى المدينة ليصل إلى الفصل المطول حول الحياة السياسية والدينية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد تضمن هذا الفصل المهم الحديث عن غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام وسراياه واستعراض رسائله إلى

_ (1) وهو صنيعه في كتابه الشهير:"التعريف بالإسلام"Initiation à l’Islam الذي ترجم إلى 18 لغة.

ملوك الدول المجاورة، وهو الجانب الذي فصل الحديث عنه في كتاب مستقل ذكرناه في مستهل هذا الفصل. كما تحدث عن علاقاته صلى الله عليه وسلم بباقي القبائل العربية والمواثيق والمعاهدات الموقعة معها، وكذا علاقاته بمختلف الفصائل النصرانية واليهودية. وفي المجلد الثاني تحدث المؤلف عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، وعلاقته بأزواجه وطرق حفظ وصيانة القرآن الكريم والسنة النبوية ودعائم النظام التربوي والتعليمي بالإضافة إلى الحديث عن العلوم المختلفة، ثم تحدث المؤلف عن أسس بناء الدولة الإسلامية في المجتمع المدني واستعرض في هذا الإطار مكونات هذا البناء من إدارة ووظيفة عمومية وجهاز اقتصادي وغير ذلك، ثم انتقل للحديث عن الجهاز العسكري والنظام الاجتماعي في شتى جوانبه وقضاياه. ويقول المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون عن كتاب محمد حميد الله: "نجد في كتابه نفس الخصائص المعتادة في كتبه الأخرى، معرفة عميقة بالمصادر الإسلامية واطلاع واسع بالتراث الاستشراقي وهو أمر نادر لدى علماء المسلمين، ولكن المعرفة الاستشراقية لا يكاد يوظفها إلا قليلا، ثم إنه يتوفر أخيرا على إيمان قوي بالإسلام وعقيدته، ولا يسعنا إلا الإعجاب بهذا الإيمان القوي والهادئ لدى الرجل، ولكن كل هذا أعطى لمؤلفاته وبخاصة كتابه عن سيرة نبي الإسلام طابعا دفاعيا وحماسيا (apologétique) تتخلله ثقة مطلقة وانعدام للحس النقدي فمرويات السيرة كلها صحيحة لا تتعرض للنقد، وجميع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم مسوغة بسذاجة بالغة، وبالرغم من ذلك فالكتاب له أهميته على مستوى جمع معطيات السيرة ووقائعها وتقريب ما تفرق في المصادر الأولى المعتمدة وبخاصة المفقود منها كما أن الأخذ بآراء

محمد حميد الله له مكانته وأهميته" (1) . هذا هو إذن حكم مستشرق فرنسي على كتاب محمد حميد الله، إعجاب وتقدير للمادة العلمية المفيدة يقابله نقد واتهام بانعدام الحس النقدي الذي يرى جل المستشرقين أن توظيفه ضروري لنقد مرويات السيرة النبوية وتكسير وتجريح المسلَّمات والبداهات التي يؤمن بها المسلمون. وهذا أمر غير مستغرب في حق المستشرقين الذين لا يعترفون بصحة وقائع السيرة النبوية إلا في حدود ما يتوافق مع أهوائهم وأهدافهم المغرضة. رابعاً: هناك كتب في السيرة النبوية لعلماء وباحثين مسلمين ترجمت إلى اللغة الفرنسية انطلاقا من لغات أخرى منها العربية، ونذكر من بين هذه الكتب: أ- كتاب القاضي عياض (ت 544) : الشفا في حقوق المصطفى. ب- كتاب ابن القيم (ت 751) : زاد المعاد في هدي خير العباد. ج- كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للخضري بك، وقد ترجم تحت عنوان: La lumière de la certitude (2) . د- كتاب الشيخ محمد الغزالي: "فقه السيرة" هـ- كتاب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي "فقه السيرة". و كتاب خالد محمد خالد: رجال حول الرسول (3) . ز- بعض الكتب التي تصدرها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودية وتترجم إلى مختلف اللغات الأجنبية منها اللغة

_ (1) Maxime Rodinson: Bilan des Etudes mehoméiennes p. (2) طبع بدار الفكر بيروت ترجمة زدياب Z Diab ومراجعة فوزي شعبان Fawzi Cheabane (3) جل هذه الكتب ترجمت إلى اللغة الفرنسية ونشرت بدار الفكر ببيروت.

الفرنسية، وهي كتب دعوية تتضمن إشارات مهمة إلى بعض وقائع السيرة النبوية. ح- كتاب محمد علي مترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية وهو تحت عنوان: فكر محمد صلى الله عليه وسلم (1) La pensée de Mohammed وقد وصفه مكسيم رودنسون بأنه دفاعي وحماسي واتهمه بأنه أغفل الحديث عما عاناه بنو قريظة من مضايقات وحصار (2) . خامساً: هناك كتب ألفها باحثون مسلمون باللغة الفرنسية في موضوعات عامة حول الإسلام لكنها تتضمن فصولا حول حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ من المعلوم أن التعريف بالإسلام وحضارته يفرض تخصيص فصل أو أكثر عن حياة رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، ونذكر من بين هذه الكتب: أ- كتاب مالك بن نبي الجزائري: دعوة الإسلام Vocation de l.htm'Islam (3) . ب- كتاب حمزة بوبكر: بحث معاصر في العقيدة الإسلامية Traité moderne de théologie Islamique (4) . ج- كتاب الشيخ محمد عبد الله دراز:Initiation au Coran (Paris 1951) (5) . مدخل إلى القرآن الكريم.

_ (1) Med Ali: La pensée de Mohammed Paris, Corèa الأصل الإنجليزي تحت عنوان: The Living Thoughts of the Prophet Mohammed, London. (2) Rodinsion: op cit p. (3) Malek Bennabi: Vocation de l’Islam , Seuil – Paris (p) . (4) Hamza Boubaker: Traité moderne de thèologie Islamique, Meisonneuve- Paris (5) ترجم الكتاب من الفرنسية إلى أبرز اللغات الأوروبية منذ زمن بعيد، وكان لهذا الكتاب أثر كبير في الاستشراق الألماني على وجه الخصوص بعد قيام كريستيان جوتشيد C Gottched بنقله إلى الألمانية.

الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية.

الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية. مدخل ... الفصل الثاني: اهتمام المستشرقين بالسيرة بالفرنسية اهتم الاستشراق الفرنسي بالسيرة أكثر من اهتمام الباحثين المسلمين، فالأعمال التي خلفها هؤلاء في هذا الحقل كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ولعل أهمية هذا الاهتمام تكمن في أنه قديم قدم الاستشراق الفرنسي ذاته، بل يمكن القول بأن الاهتمام بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد سار جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالقرآن الكريم تأليفا وترجمة. وقد سبق توضيح بعض أسباب الاهتمام المبكر بالاستشراق الفرنسي بالإسلام دينا وثقافة وحضارة في مقدمة هذه الدراسة. بيد أنه لا بد من التذكير بأن الغرب قد اتخذ بوجه عام طيلة الفترة الواقعة بين القرنين الثامن والسابع عشر الميلادي أي على مدى ألف عام تقريبا موقفا عدائيا حيال الإسلام، ولم تبدأ علامات التحول التدريجي في الظهور في الأفق إلا مع نهاية القرن السابع عشر. فالصراعات بين الطرفين والمواقف المعادية ضد الإسلام لم تكن تسمح بأي نظرة موضوعية بعيدة عن التحيز. وإذا كانت قد ظهرت منذ الحروب الصليبية كتابات عن الإسلام وترجمات لمعاني القرآن الكريم في أوروبا فإن هدف ناشريها من ممثلي الكنيسة المسيحية لم يكن هو التعريف بالإسلام ونبيه بل محاربته والطعن فيه والتهجم على الرسول صلى الله عليه وسلم وتشويه سيرته وشخصيته، وفي نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وفي ذات الوقت الذي ظهر فيه كتاب بايل Bayle (المعجم التاريخي) الذي سبقت الإشارة إليه نشر المستشرق الفرنسي برتملي

ديربيلو Berthélemy d'Herbelot موسوعته الضخمة الشهيرة: "المكتبة الشرقية" (1) وعلى الرغم من غزارة المعلومات والأفكار التي تقدمها هذه الموسوعة عن الإسلام وبلدان الشرق العربي إلا أنها اتسمت بدورها بعدم الإنصاف والموضوعية حيال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته. ولعل أفضل من يقربنا من الصورة المشوهة التي كان ينظر بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو المستشرق الفرنسي إميل درمنغهم في كتابه " حياة محمد" حيث جاء فيه: " لما نشبت الحرب بين الإسلام والمسيحية اتسعت هوة سوء الفهم وازدادت حدتها، ويجب أن يعترف الإنسان بأن الغربيين كانوا السباقين إلى أشد الخلاف، ولم يحارب الكتاب والشعراء مسلمي الأندلس إلا بأسخف المثالب، فقد زعموا أن محمدا لص نياق، وزعموه متهالكا على اللهو وزعموه شاعرا، وزعموه رئيس عصابة، بل زعموه قسا رومانيا مغيظا محنقا؛ لأنه لم ينتخب لكرسي البابوية، وحسبه بعضهم إلها زائفا. وإن جبير دنوجن (ت 1124 م) نفسه –وهو رجل جد- ليفقد توازنه فيذكر أن محمدا مات في نوبة سكر بيِّن، وأن جسده وجد ملقى على كوم من الروث (2) ……. وذهبت أغنية رولان (La chanson de Roland) (3) إلى تصوير فرسان "شارلمان" وهم يحطمون الأوثان الإسلامية ويزعمون أن مسلمي الأندلس

_ (1) Bibliothéque orientale Paris. (2) هنا يعجز القلم عن الاستمرار في سرد تفاهات الغربيين في العصور الوسطى كما ذكرها إميل درمنغهم: Emile Dermangham: la vie de Mohomet Paris (p) (3) قصيدة غنائية فرنسية ظهرت في القرون الوسطى زمن الحروب الصليبية الأولى طورت وعدلت مرات كثيرة، انظر كتاب أليكسي جورافسكي السابق الذكر ص 76.

يعبدون ثالوثا مكونا من: ترفاجان Tervagan وماهوم Mahom وأبولون Appolon.. وقد ظلت الأحقاد والخرافات قوية، فقد وُصِفَ محمدٌ بأنه دجال، والإسلامُ بأنه مجموعة الهرطقات كلها، وأنه من عمل الشيطان، ووصفوا المسلمين بأنهم وحوش، والقرآن بأنه نسيج من السخافات، وقد كانوا يعتذرون عن الحديث الجد في أمر هذا مبلغ سخافته" (1) . بعد عصر النهضة الفرنسية كانت هناك يقظة فكرية وتنويرية متميزة، وكان هنالك حرص نسبي على تقصي الحقائق وبخاصة من لدن أولئك المستشرقين الذين تحللوا من الأديان وثاروا عليها بعد ما تم فصل الكنيسة عن الدولة، حيث استطاع هؤلاء دراسة الإسلام ونبيه دراسة أقرب إلى الواقع والحقائق التاريخية. والحاصل أن المستشرقين الفرنسيين ينقسمون في نظرتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام: -فئة معتدلة تظهر –إلى حد ما- عطفا على الإسلام وتسعى إلى فهم السيرة النبوية من خلال المصادر العربية المعتمدة وتقع أحيانا في أخطاء فتنصف حينا وتسيء أخرى. - فئة مغالية ومتعصبة ترمي الرسول عليه الصلاة والسلام بأقبح الصفات وأقذع النعوت. -فئة قليلة ندبت نفسها لقول الحقيقة بموضوعية وتجرد، وقد تخطئ عن سوء فهم.

_ (1) E, Dermengham; Opcit p.

اهتمام الفرنسيين بالسيرة النبوية انطلاقا من خلفياتهم الدينية والإيديولوجية

اهتمام الفرنسيين بالسيرة النبوية انطلاقا من خلفياتهم الدينية والإيديولوجية إذا كان المستشرقون الفرنسيون الذين تخلوا عن دياناتهم قد عدوا في كثير من الأحيان أقرب الفئات الاستشراقية إنصافا واقترابا من الحقيقة والواقع، فما ذلك إلا لكونهم لم يندفعوا بدافع من الحقد الديني –الكنسي منه على وجه الخصوص-إلى الطعن في الإسلام ونبيه وتشويه وتحريف الحقائق الناصعة، وإذا كان الكثير من الباحثين المسلمين يشيدون بكتاب "حضارة العرب" (1) للمستشرق الفرنسي جوستان لوبون G. Lebon نظرا لما تضمنه من إشادة بالإسلام ورسالته فلأن السبب في ذلك هو كون الرجل لم يؤمن بالنصرانية أو غيرها من الأديان، وبالتالي فقد سعى إلى فهم الإسلام ورسالة نبيه في حدود ما أتاحته له ظروف البحث والدراسة. إن الخلفية الدينية للمستشرق لها دورها في توجيه الكتابة والبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمسيحي المقتنع بدينه يصعب عليه أن يتحدث عن الجوانب التي لها صلة بالغيب والوحي المحمدي في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فثمة جدار فاصل يقف بين المستشرق وبين فهم معطيات السيرة النبوية ونسيجها العام. ويقول المستشرق الشهير هاملتون جب: "إن العقل الغربي الحديث يعسر عليه بوجه خاص أن يقوم بمحاولة استكناه طبيعة المواقف الدينية لدى أناس تختلف نظرتهم إلى الكون اختلافا بعيدا عن نظرة الغربي، ولذا أصبحت

_ (1) Gustave le Bon ;La civilisation des Arabes Paris.

أحكامنا الدينية –نحن الغربيين- شديدة الاختلال" (1) . إذن فالواضح أن المستشرق بين أن يكون علمانيا لا يؤمن بالغيب وبين أن يكون نصرانيا أو يهوديا لا يؤمن بصدق الرسالة التي أعقبت النصرانية لا يمكنه أن ينضج دراسة موضوعية عن السيرة النبوية، فالخلفية الدينية أو الإيديولوجية لها أثرها البالغ في توجيه المواقف وتحديد التوجهات، وفيما يلي محاولة تقريبية وتصنيفية لأبرز خلفيات المستشرقين الفرنسيين في دراسة السيرة النبوية. الخلفية النصرانية: في الوقت الذي ينظر فيه المسلمون إلى السيد المسيح وبقية الأنبياء نظرة احترام وتقدير، يؤمنون بما أنزل إليهم ويرفعونهم إلى مقام العفة والطهر نجد النصارى على العكس من ذلك يقفون موقفا عدائيا من الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو الموقف الذي يتسم بالتكذيب لنبوته وتشويه شخصيته واتهامه بأقذع الأوصاف والنعوت ومختلف أنواع الشتم والتجريح البذيء، وأسباب هذه المواقف العدائية تعود بالأساس إلى الامتعاض وعدم تقبل ما جاء به الإسلام من فكرة نسخ الدين الجديد لباقي الديانات فضلا عن شعور النصارى الجارف بأن الإسلام قد أوقف الإنسانية باتجاه النصرانية دون انتشارها. والمستشرقون الفرنسيون ذوو الخلفية النصرانية المتشددة والذين اهتموا بدراسة السيرة النبوية كثر، لكن اشتهر منهم بعض ممن كان لهم دور بالغ في تشويه

_ (1) هاملتون جب: دراسات في حضارة الإسلام: ترجمة إحسان عباس ورفاقه، دار العلم للملايين بيروت 1964م ص 235.

صورة كيان السيرة النبوية النقي البهي. يأتي على رأس هؤلاء المستشرق والقس الفرنسي الجنسية البلجيكي المولد هنري لامنس Henri Lammens (1862م-1937م) ، الذي استقر بلبنان وكان من أوائل علماء الجامعة اليسوعية ببيروت، له آراء متحاملة على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم لَفَظَها بعضُ المستشرقين (1) قبل غيرهم من المسلمين، ويبدو أحيانا شتَّاماً لعَّاناً وليس باحثاً جاداً، فيصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأبشع الأوصاف وأقبح ما يمكن أن يظهره الحقد والكراهية حتى لكأننا نسمع أسلوب رهبان القرون الوسطى الذين لم يكن في جعبتهم سوى السبِّ والشتم. كما انتقص من أمهات المؤمنين وبخاصة عائشة رضي الله عنها التي اتهمها بالتآمر لاستخلاف أبيها مسوِّغاً دعواه بروايات ترمي إلى عكس ما يرمي إليه ساعيا إلى لي أعناقها وتحريف مضامينها لبلوغ النتائج التي يهدف من ورائها إلى تأكيد أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تمكن لأبيها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لمصلحة أبيها (2) . وبينما ينتقص لامنس من أعلام المسلمين نجده يذكر المرتدين والمنافقين في صورة أحرار عمالقة وطنيين وينتصر لبني أمية ضد بني هاشم، وقد أثار عليه حفيظة الفرنسي كازانوفا ووصفه بالتطرف في كتابه "مهد ونهاية العالم" قائلا: يحق لنا أن نعجب أشد العجب من كاهن كاثوليكي مثل الأب لامنس يتطوع للدفاع عن أولئك الطغاة الدنيويين

_ (1) من ذلك ما قاله المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون L Massignon في حقه:"ما كان سَيُبقي لامنس من الأناجيل لو طبَّق عليها منهجه النقدي الذي مارسه على القرآن". (2) انظر كتابه "عائشة"الفصل الثالث ص 143 وما بعدها.

ويسخر من الذين مكروا به وخدعوه" (1) . وكلاهما أي لامنس وكازانوفا منحرف في تعصبه، وقد رد عليهما الفرنسي المسلم ناصر الدين دينيه في كتابه "الشرق في نظر الغرب" (2) . والواقع أن اهتمام لامنس بالسيرة النبوية في مختلف جوانبها لم يفد البحث العلمي في شيء (3) فإذا كان الباحثون المسلمون لا يمكنهم الوثوق بكتابات هذا الرجل أو الاعتماد عليها فإن المستشرقين بدورهم نبهوا على خطورة ونتائج الاعتماد على كتابات "لامنس" الذي ذهب بعضهم إلى القول بأنها تشوِّه صورة المستشرقين الجادين في أبحاثهم ودراساتهم. يقول عنه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون:" لقد كان متعصبا وحقودا على الإسلام ونبيه وعلى عرب الصحراء، حريصا على نقل أفكار إنياس جولدزيهر في حق الإسلام ودفع إلى أقصى حد متطرف تحليله النقدي للسيرة والسنة النبوية، ويستطرد رودنسون قائلا: "بيد أن مبالغة لامنس في نقد السيرة وتحطيم أصولها ومرتكزاتها كان له أكبر الأثر في إعادة النظر من لدن المستشرقين في مصادرهم، حيث بدأ عهد جديد في بحث السيرة يعتمد الأصول العربية للسيرة" (4) . ومن المستشرقين الفرنسيين الذين سعوا من خلال تشبعهم بالخلفية الدينية

_ (1) Casanova ; Mahomet et la fin du monde- Paris –p. (2) E Dinet: L'orient vu par l'occident Paris (3) من المؤسف حقا أن يكون تحرير مواد كثيرة في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولى قد أسند إلى لامنس. (4) M Rodinson: Bilan des études Mohammadiennes p.

النصرانية إلى القول بدعوى تأثير النصرانية في الإسلام كارادوفو Carra de Vaux صاحب كتاب "مفكرو الإسلام" الشهير إلى القول بدعوى تأثير النصرانية في الإسلام. والذي أسندت إليه كتابة عدد من المواد المرتبطة بالسيرة النبوية في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الأولى، وقد عرف هذا الرجل من خلال اهتمامه بأحداث السيرة النبوية بكونه كان يسعى دائما إلى التقريب بين الإسلام والنصرانية، ليس لبيان ما بينهما من صلات أحيانا، بل لإثبات أثر النصرانية في الإسلام والتركيز على دعوى أخذ الإسلام من التراث المسيحي. وهذا كازانوفا Casanova الفرنسي لم يكن بعيدا عن التأثر بالخلفية اللاهوتية عندما قرر الفكرة الأساسية التي زعم أنها سيطرت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن العالم لن يستمر بعد وفاته وأن الساعة قد تقوم قبل موته أو بعده مباشرة ولذلك لم يعين من يخلفه من المسلمين (1) معتبرا أن هذا الاعتقاد مسيحي محض. الخلفية اليهودية: لم يتخلص المستشرقون الفرنسيون اليهود من خلفياتهم الدينية وأصولهم اليهودية في دراسة وقائع السيرة النبوية فمن تأكيدهم على الأصل التوراتي للقرآن إلى الادعاء بأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأحبار، ومن إيراد الشبه والعلاقة بين الإسلام واليهودية في التشريعات "صيام عاشوراء ورد شعائر الحج إلى أصول يهودية" إلى الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قاسيا وناقما ضد يهود المدينة

_ (1) د. حسن عزوزي: مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير، طبعة فاس الأولى 1998م ص 90.

ومستأصلا لهم إلى غير ذلك من الشبهات والطعون. ويستند معظم المستشرقين الفرنسيين ذوي النزعة اليهودية في ذلك إلى أن اليهود كانوا على قوة في الجزيرة العربية كلها، وكانت كتاباتهم المقدسة معروفة، سواء أكان ذلك التوراة أو التلمود أو المشنا (من شروح التوراة والتلمود) . يقول هنري ماسيه: "إن مما لا ريب فيه أن التأثير اليهودي يبدو أكثر وضوحا من التأثير المسيحي وقد حاول محمد صلى الله عليه وسلم أن يستميل اليهود حيث زودته علاقاته بهم بمعلومات عن العهد القديم (التوراة) ، ويوجد فعلا انعكاس لهذه المحادثات في أجزاء القرآن التي يعود تاريخها إلى ذلك الوقت حيث تبدو المهارة بإضافة إبراهيم إلى الإسلام" (1) . ويدعي المستشرق الفرنسي إدوارد مونتيه E. Montet صاحب ترجمة معاني القرآن الكريم المعروفة في كتاب له عن "محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن" بشرية القرآن واستحالة أن يكون من عند الله تعالى، ثم يشير إلى أن النص القرآني قد تعمق في الإلهام اليهودي أكثر من الإلهام المسيحي ويرد ذلك إلى الأصل المشترك لليهود والعرب أي السامية. وقد أفاض مونتيه في تحليل علاقات الرسول صلى الله عليه وسلم باليهود في الجزيرة العربية. وعندما وجدها تنتهي بالقطيعة فسَّر ذلك بالعديد من الأسباب من أهمها الزعم بمحاولة إجبارهم على اعتناق الإسلام الأمر الذي رفضه اليهود وتصدوا له، مما دفع بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى استئصالهم والقضاء عليهم مخافة أن

_ (1) Henri Massé: l’Islam, 3eme ed, librairie Paris p.

يصبحوا مصدرا للقلاقل (1) ، أما ما جبل عليه يهود المدينة من نقض للعهود وتكذيب للرسالات، وما أشربوا في قلوبهم من حقد على الإسلام ورسوله الكريم، فهذه حقائق لا يشير إليها مونتيه أو غيره من المستشرقين. الاتجاه المادي: ينهج المستشرقون الفرنسيون ذوو الاتجاه الإلحادي المادي في دراستهم لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم منهجا إسقاطيا مدمرا لأسس الثقة في معطيات السيرة النبوية. إنهم يريدون إسقاط الوقائع المادية المحسوسة على الوقائع التاريخية والدينية ذات الصلة بالوحي الإلهي والغيبيات، فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة. فالغزوات والفتوحات تفسر بتفسيرات تخلط بين الدوافع الاقتصادية والدوافع الدينية وهي تفسيرات ساذجة إلى حد كبير، وقد يتوصل أحيانا إلى نتائج مفادها أن المشاكل التي استطاعت أن تحلها الغزوات والفتوحات كانت مشاكل اقتصادية اجتماعية وليست مشاكل دينية، أما نجاح الدعوة الإسلامية فكانت تشكل-في زعمهم- إجابة لاحتياجات المجتمع المدني في ذلك الوقت، وأن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم استطاع أن يقف على هذه الاحتياجات التي كانت في أساسها احتياجات اقتصادية، لهذا كتب لدعوته النجاح. وهذه الادعاءات جميعها ليس لها أي نصيب من الصحة ولا تصمد أمام النقد العلمي الموضوعي

_ (1) E Montet: Mohomet et le Coran , Paris – p.

إن أبحاث المستشرقين الفرنسيين الماديين أمثال مكسيم رودنسون (1) مرفوضة؛ لأنها مبنية على أساس ومنهج مرفوضين لا يمكن تطبيقهما على مجال علمي كمجال السيرة النبوية تمتد أصولها بعالم الغيب وترتبط أسبابها بالسماء ويكون فيها "الوحي الإلهي" همزة وصل مباشرة بين الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. إن الدين والغيب والروح تعد ثلاثتها عصب السيرة النبوية ولحمتها وليس بمقدور أي من الحس أو العقل أو المنهج المادي أن يحيط بجذورها وأسبابها ومعطياتها. ولتقديم نماذج من الفهم المادي لوقائع السيرة النبوية من طرف المستشرقين الفرنسيين نقتصر على بعض ما جاء في كتاب "محمد" صلى الله عليه وسلم للمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون الماركسي النزعة الذي يفتخر بتوظيفه للمنهج المادي في دراسة الإسلام. يقول رودنسون في حوار أجري معه: "إن الكثير من كتب المستشرقين حول حياة محمد قد قَوَّمَت شخصية الرسول بشكل إيجابي، وفيها الكثير من التمجيد له، ولكنها بالطبع ليست بكتب دينية لأنها كتبت من قبل مستشرقين غربيين، وفي كتابي حول حياة محمد يوجد الشيء نفسه، فإنني معجب بعظمة هذا الرجل وعبقريته، لكنني عندما أدرسه أدرس حياته وفق منظور تحليلي مادي أعتبره المنظور الصائب الذي يمكن فهم حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ودوره التاريخي الهام أو إنسانية الرسالة التي أتى بها، لكن هذا المنظور

_ (1) Maxime Rodinson: Mahomet , ed Seuil- Paris.

لا يروق بالطبع للمسلمين المتدينين لأنه ليس دينيا ومقدسا بل هو مادي" (1) . وبالرغم من اعتراف رودنسون بكون القرآن الكريم المصدر الأكثر موثوقية من بين باقي المصادر التي يشك في صحتها ومن بينها المرويات الحديثية إلا أنه يعتبر إشارات القرآن الكريم لا تقدم معطيات كاملة وتامة (2) . فعندما يأخذ رودنسون غزوة بدر يحاول فهم موقعها ضمن سلسلة الأسباب والمسببات، ولكن هل يعد الملائكة الذين اشتركوا في بدر وكانوا مددا للمسلمين عنصرا من عناصر الواقعة أو لا؟ إن مما لا شك فيه أن المنهج المادي الذي يوظفه رودنسون في كل فصول كتابه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم لا يقيم وزنا لمسألة إرسال الله تعالى للملائكة ليكونوا عونا ومددا للمسلمين، وهو يرى أن اعتقاد الفكر الديني "هكذا" (La pensée religieuse) بهذا الاشتراك يضفي على الواقعة التاريخية بعدا أسطوريا ويجعلها تتحول من حدث تاريخي واقعي إلى حدث أسطوري (mythologique) . (3) ثم إن السؤال عن كيفية تحول الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري – حسب زعم رودنسون - لا يقتصر على واقعة بعينها كغزوة بدر أو حدث الإسراء والمعراج، بل يعمم ليشمل كل وقائع السيرة النبوية ذات الصلة بالغيب والوحي، وهذه المسألة لا تخفى على رودنسون الذي يكاد يخصص لبحث الشخصية المحمدية في علاقتها بالمعطى الغيبي كل الفصل السابع من

_ (1) في حوار معه بمجلة رسالة الجهاد الليبية من العدد 70 (أكتوبر 1988م) ص 54. (2) M Rodinson: Bilan p. (3) M,Rodinson: Mohamet, p (le prophète armé (فصل: النبي المسلح

كتابه (1) . إن المتصفح لكتاب "محمد" لمكسيم رودنسون يبدو له أن كلام المؤلف على النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام على نبي آخر، يلملم أجزاء شخصيته ويركب عناصر الوضع الاجتماعي الذي انفعل به بشيء كثير من الهوى ثم يخلص إلى نتائج واستنتاجات غريبة تختلف في كثير من الأحيان عن تلك التي يصدرها المستشرقون النصارى.

_ (1) Op cit p.

الاهتمام بالسيرة النبوية في دراسات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين

الاهتمام بالسيرة النبوية في دراسات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين: يرتبط هذا المبحث في منطلقه من مسألة ذات طابع منهجي تخص تعاملنا –نحن الباحثين المسلمين- مع معطيات الفكر الاستشراقي، فالبعض قد يرى أن اعتماد عدد من الشهادات "الإيجابية" إلى حد ما لهذا المستشرق أو ذاك، عن جانب ما من جوانب الإسلام يعني تزكية له وإقرارا بإنصافه وموضوعيته، وهذا غير صحيح، فالمستشرق كيفما كان لا بد أن تتضمن أبحاثه ودراساته شبهات وطعونا في حق الإسلام ورسالته، بيد أن الأمر يتفاوت بين هذه الفئة وتلك، والمستشرقون أصناف ودرجات، ونحن هنا إنما نقصد بالمستشرقين الفرنسيين المعتدلين أولئك الذين لم تطغ طعونهم وافتراءاتهم على شهاداتهم الإيجابية، والذين يحس القارئ من خلال قراءته في كتبهم كأنهم حريصون –إلى حد ما- على عدم التطرف والمغالاة في تحريف الوقائع والتشكيك في المعطيات الصحيحة وإنكار المسلمات والبدهيات التي تفرضها قوة الحجة والبرهان. إن الاعتدال وابتغاء الموضوعية ميزتان تميزان هذه الأعمال، وهي على قلتها تعبر عن مواقف إيجابية تجاه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجدر التنبيه إليها والإشادة بها. يقول الدكتور عماد الدين خليل: "إن علينا أن نلاحظ كيف أن عددا من الشهادت الإيجابية بحق الإسلام، أو جانب من جوانبه، من قبل هذا المستشرق أو ذاك يقابله في الوقت نفسه ركام من شهادات أخرى سلبية تقف موقفا مضادا من الإسلام، لكن هذا لا يمنع من اعتبار الشهادات الأولى بمنزلة اعتراف"حُر" بهذه القيمة أو تلك من قيم الإسلام والتي تدفع الغربيين

إلى إعلان رأيهم ذاك دونما أي نوع من أنواع الاضطرار أو القسر" (1) . ينبغي ألا نبخس الاستشراق الفرنسي حقه جملة وتفصيلا فندعي أنه في أغلبه كان يسير في اتجاه عدواني صرف، فهناك مستشرقون فرنسيون ذوو نيات حسنة ولهم اطلاع كبير ومباشر على تراثنا وثقافتنا بالرغم من وقوعهم في أخطاء جسيمة أحيانا، لذلك فإنهم ليسوا جميعا على قدر واحد من التجني والافتئات فالذين ينصفون الرسول صلى الله عليه وسلم مرة ويسيئون إليه أخرى عن سوء نية أو سوء فهم يمكن عدهم من المعتدلين إذ يمثلون الطرف الوسط بين المتعصبين والمنصفين. لكن بالمقابل ينبغي لدارس السيرة النبوية ألا يغتر بعبارات الثناء والمدح التي يصدرها بعض المستشرقين في حق الرسول صلى الله عليه وسلم بل يجب النظر إلى مجمل دراساتهم وتحليلها ونقدها والحكم عليها، إذ قد أضحى معروفاً أن عبارات التمجيد والإشادة من طرف المستشرقين المعاصرين يقصد بها في أغلب الأحيان خلق جو من الثقة والاطمئنان إلى نزاهتهم، لذلك يمكن القول بأن من غلبت مواقفه الإيجابية على غيرها يعدُّ –إلى حد ما- معتدلا ومنصفا ولعل أبرز المستشرقين الفرنسيين المعتدلين الذين تميزت دراساتهم في السيرة النبوية عن غيرها: - إميل درمنغهم في كتابه "حياة محمد" (2) وقد أشاد بالكتاب الذي

_ (1) د. عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام: مؤسسة الرسالة 1999م المقدمة. (2) للمؤلف كتاب آخر يتحدث فيه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم هو "محمد والسنة الإسلامية"Mahomet et la tradition Islamique (باريس 1955م) وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام: الأول في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى وفاته والثاني عن الإسلام كحضارة والثالث عبارة عن نصوص مختارة من القرآن والحديث والآثار والأشعار، وتخلل الكتاب كثير من الصور والمنمنمات Miniatures التي تبرز بعض مظاهر الحضارة الإسلامية.

ترجمه عادل زعيتر الأمير شكيب أرسلان. - رجيس بلاشسر في كتابه "معضلة محمد" (1) الذي يعتبر من أجود دراسات المستشرقين الفرنسيين بسبب اعتماده على المصادر الإسلامية الأصيلة ونقده للدراسات الاستشراقية السابقة فضلا عن محافظته على التسلسل الزمني السليم في سرد الوقائع والمعطيات، لكن بالرغم من ذلك فهنالك أخطاء كثيرة مثل تحريف بعض الوقائع أو التشكيك فيها وتفسير الأحداث بأسلوب الإسقاط مع الاضطرار في بناء النتائج والأحكام. - روجير أرنالديز Roger Arnaldez في كتابه "محمد" وقد قسمه إلى قسمين، تناول في أولهما حوادث السيرة مختصرة حسب التسلسل الزمني وفي الثاني أورد نصوصا مختارة من الحديث النبوي حول وقائع السيرة النبوية. وفيما يلي عرض وتحليل موجز لكتاب درمنغهم نموذجاً لكتابات المستشرقين الفرنسيين المعتدلين.

_ (1) le problème de Mahomet وللمؤلف كتاب آخر في الموضوع يحمل عنوان: في خطى محمد Sur les pas de Mahomet.

حياة محمد لإميل درمنغهم

حياة محمد لإميل درمنغهم: من الصعب جدا استعراض أبرز ملامح الكتاب المتميزة، وهذا المجال لا يسع لعرض موضوعات الكتاب وتحليل منهجيته وطريقة حديثه عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنكتفي بالإشارة إلى بعض المباحث المتألقة التي أجاد المؤلف في عرضها والوقوف عندها. يعبر درمنغهم عن إعجابه بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في مقدمة كتابه فيقول: "إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة، وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة، فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق حياة رجل يؤمن برسالته مجموعة كبيرة من بني الإنسان (1) . وإذا كان كثير من المستشرقين الفرنسيين لم يستسيغوا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تحنث في غار حراء حيث شاء الله تعالى تهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم لحمل أعباء الرسالة الخاتمة أن تكون مرحلة العزلة والتأمل فرصة لإغناء تكوينه العقلي والوجداني والروحي، فمنهم من أنكر ذلك (2) ومنهم من فسر تحنثه بغار حراء هروبا من حر مكة والتماسا للجو الملطف البارد، فإن درمنغهم وقف عند موضوع العزلة التي كان يلجأ إليها الرسول صلى الله عليه وسلم محللا أهميتها وقيمتها بالنسبة لرجل يستعد –من غير شعور- لاستقبال الدعوة الجديدة وحمل أمانتها. يقول: "فما كان لمحمد "صلى الله عليه وسلم" أن يستغني عن العزلة شأن أقوياء النفوس وذوي الجد من الرجال ولم ينفك عن الانقطاع حتى بعد أن أصبح رئيس

_ (1) E. Dermengham: la vie de Mahomet, p. (2) شذ في ذلك هنري لامنس عندما قال مستعرضا أقوال بعض المستشرقين عن عزلة الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلا، ليس هناك ما يثبت اعتكاف محمد وعزلته فذلك لا يتفق مع نفرة محمد من الوحدة وكراهيته المشهورة للنسك" Lammens: Mahomet fut il sincère, p

دولة وصارت أمور السياسة والحرب تشغل باله، لما في الانقطاع من مصدر القوة والاتزان والحكمة وبعد النظر ……… فالتأمل المستمر يطهر النفس وينبه روح المعاينة ويؤدي إلى كشف ما وراء الحجب ويحث على العمل عند الضرورة …. والتأمل الصحيح يحمل بذور الحركة والتحرر من الهوى الطارئ" (1) . ويختتم درمنغهم حديثه عن العزلة التي مهدت الرسول عليه الصلاة والسلام لتحمل الرسالة وحمل الأمانة بقوله: "ونفس محمد صلى الله عليه وسلم النقية الصادقة التي اتصلت بما وجدته في قرارتها من الحقائق، بفعل العزلة في الجبل والصحراء، شعرت بأن الدين أمر غير المجادلات المجردة والمناظرات الجميلة، فذهب إلى أن كل إنسان يمكنه أن يعرف الله كما يستطيع ولكن المهم أن يعرف الله سبحانه على الوجه الصحيح وأن يسلم أمره إليه" (2) . هذه إذن وقفات للمستشرق الفرنسي درمنغهم أمام ملامح التكوين النفسي والوجداني للرسول صلى الله عليه وسلم في مرحلة العزلة والوحدة قبل تلقيه الوحي وتحمله أعباء الرسالة. وعلى عكس ما ذهب إليه بعض المستشرقين المتحاملين الذين لم يقتنعوا بسماحة الإسلام ومرونته ولم يقروا بصفات الرسول صلى الله عليه وسلم الحميدة من صدق وأمانة وعفو نجد درمنغهم يقف عند هذه النقطة وهو معجب بسماحة الرسول الكريم وتوق نفسه إلى العفو والصفح وعدم الاعتداء، فيقول عنه صلى الله عليه وسلم: "لقد أبدى من الكرم وعظمة النفس ما لا تجد مثله في التاريخ إلا نادرا. وكان يوصي جنوده بأن يرحموا الضعفاء والشيوخ والنساء والأولاد، وكان

_ (1) La vie de Mahomet, p. (2) Ibid, p c.

ينهى عن هدم البيوت وإهلاك الحرث وقطع الشجر المثمر، ويأمر بألا يسل مسلم حسامه إلا عند أقصى الضرورة … وأنحى باللائمة على بعض رجاله فعوض بالمال مما اقترفوه وهو الذي رأى أن النفس الواحدة خير من كل الغنائم" (1) ثم يقول: "ولا يستطيع أحد أن يشك في إخلاص محمد، فحياته شاهدة على اعتقاده صدق رسالته التي حمل أمانتها الثقيلة ببطولة، وإن قوة إبداعه وعبقريته الواسعة وذكائه العظيم وبصره النافذ وقدرته على ضبط نفسه وعزمه المكين وحذره وحسن تدبيره ونشاطه وطراز عيشه مما يمنع عد ذلك الموحى إليه الموهوب الجلي مبتلى بالصرع" (2) . إن مثل هذه الشهادات الإيجابية والمواقف الرائعة من مستشرق فرنسي عاش في ظل فترة تموج بالفكر المتعصب ضد الإسلام "النصف الأول من القرن العشرين" كفيلة بأن تؤكد لنا أن الاعتراف الحر والتعبير المنصف في حق نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام لم يكن لينعدم ويخبو أثره، وهو يؤكد لنا بقوة أن التفكير الحر إذا رام النزاهة والموضوعية وتخلى عن التعصب والتحامل لا بد أن يعبر عن الحقيقة وينقل وقائع الأمور كما هي بموضوعية وحياد وإنصاف. وبالرغم من موضوعية درمنغهم وإنصافه فإنه لا يمكن أن ننكر وقوعه في بعض الأخطاء والزلات التي لا يمكن أن يتجرد منها من لم يقتنع بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكونه خاتم الأنبياء والمرسلين.

_ (1) Ibid, p. (2) Ibid,.

الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا

الاهتمام بالسيرة في كتابات المستشرقين الفرنسيين الذين أسلموا: إذا كان معظم المستشرقين الذين اطلعوا بعمق على حقائق الإسلام ومبادئه المثلى وقيمه السامية لم يهتدوا إلى طريق الحق، فإن بعضا منهم، وهم قلة قليلة، قد دخلوا في الإسلام واعتنقوه باقتناع وصدق بعد بحث طويل وتأمل عميق، بيد أن هؤلاء لم يؤلفوا في السيرة النبوية وإنما ألفوا في جوانب مختلفة ترتبط بالإسلام دينا وتاريخا وحضارة (1) ، وقد تحدث بعض منهم عن حياة الرسول عليه الصلاة والسلام في صفحات معدودة كما فعل Vinvent Mansour Monteil في كتابه L’Islam. والشيخ عبد الواحد يحيى "اللورد هدلي" الكاثوليكي الذي عاش في القاهرة وتوفي بها وكرستيان شرفيس أحد الأدباء الفرنسيين المشهورين. أما مارتن لينغز الإنجليزي الأصل الذي أسلم فيمكن عدُّ ترجمة كتابه "النبي محمد" (2) إلى اللغة الفرنسية نموذجا للاهتمام الفرنسي بكتب السيرة، وقد اعتمد في كتابه المصادر الأولى للسيرة مثل كتب ابن إسحاق وابن سعد والواقدي والطبري والسهيلي، وقد ضمن كتابه خمسة وثمانين فصلا تحمل عناوين تؤلف محطات رئيسة في حقل السيرة النبوية.

_ (1) من الذين ألفوا بالفرنسية في موضوعات عامة حول الإسلام الفرنسي Vincent Mansour Monteil "منصور مونتاي" والسويسري لوي ميشون، وقد راسلني بتوقيع: علي عبد الخالق، وافادو فيتراي مايروفيتش المستشرقة الفرنسية التي توفيت منذ بضعة سنين وصديقي الفرنسي المسلم ميشال باربو Michel Barbot (أمين عبد الكريم) وغيرهم. (2) Martin Lings: Le prophète Muhammed, sa vie d’après les sources les plus anciennes, Seuil- Paris

ويعتبر ناصر الدين دينيه Etienne Dinet (1) المستشرق الفرنسي المسلم الوحيد –حسب علمنا- الذي ألف كتابا مستقلا عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب الذي ساعده على إخراجه صديقُه الجزائريُّ سليمان بن إبراهيم، ولما كان دينيه رساما بارعا فقد زين الكتاب بالصور الملونة البديعة مثل فيها المناظر الأثرية الإسلامية في بلاد الجزائر ومعالم الدين فيها وقدمه لأرواح الجنود المسلمين الذين استشهدوا في الحرب العالمية الأولى وهم يحاربون في صفوف الفرنسيين. يقول ناصر الدين دينيه في مقدمة كتابه: "إن حدود هذا السفر لن تسمح لنا بأن نقدم جميع التفاصيل وجميع النواحي لحياة حافلة بالعظائم إلى هذا الحد كما هو الشأن في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولذا نجد لزاما علينا أن نتخير لعرض أهم الحوادث لكي نعطيها العناية التي نراها ضرورية، وإذن فعملنا هذا إنما هو سلسلة من اللوحات التصويرية، وليس تاريخا كاملا نقدمه للقراء. وقد اعتمدنا في استمداد عناصرها على أقدم المؤلفين كابن هشام وابن سعد وسواهما ثم على مؤرخ من المحدثين وهو علي بن برهان الدين الحلبي الذي حشد في كتابه "السيرة الحلبية" مختلف الروايات لأشهر المؤرخين (2) ، وحينما ألف ناصر الدين دينيه كتابه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ثارت ثورة النقاد من المستشرقين متجهة على الخصوص إلى الشكل لا إلى الجوهر، لقد زعموا أن

_ (1) أبرز المستشرقين المسلمين (1861-1928) رد على المستشرقين المتعصبين وكتب كتبا مفيدة في الحج والسيرة وعرض مبادئ الإسلام بصورة مقنعة ومشرقة. انظر ما كتبته عنه في مجلة الوعي الإسلامي، العدد 409 (رمضان1420) ص 64-66. (2) E. Dinet: La vie de Mohammed: Préface.

الأبحاث العلمية الحديثة قد وضحت جوانب من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن المستشرقين في مختلف الأقطار قد كتبوا عن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم كتابة تعتمد على الأبحاث العلمية الدقيقة ورأوا أن الأستاذ ناصر الدين دينيه الذي لم يعبأ بشيء من ذلك وأخذوا عليه أنه لم يقم وزنا لإنتاج المستشرقين في السيرة النبوية، وأن اعتماده إنما كان على السير القديمة كسيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد. ولا يخفى أن ناصر الدين دينيه قد ألف كتابه في أوائل القرن العشرين عندما كان حقل الإسلاميات في أوروبا يهيمن عليه المستشرقون بمناهجهم وطرقهم وأساليبهم المغرضة، ولذلك لم يخفوا استغرابهم من إقدام من كان معدودا منهم فأسلم ثم كتب في السيرة النبوية بمنهج مغاير لمناهجهم. والواقع أن دينيه عندما تجاوز الاعتماد على كتب المستشرقين إنما فعل ذلك متعمدا، فبعد أن قرأ ما كتبه القوم عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد أنه لا يستحق التقدير. لقد رأى أنه من المستحيل أن يتجرد المستشرقون من عواطفهم ونزعاتهم وميولهم إلى تحريف وقائع السيرة وتشويه معطياتها الحقيقية. وميزة الكتاب كما في باقي كتب المؤلف أن أسلوب التعريض بشبهات المستشرقين وتفنيدها حاضر كلما دعت الضرورة لذلك، فهو الذي عاش بين ظهراني الاستشراق الفرنسي أيام ذروة تعصبه وتحامله على الإسلام، فقد كان عارفا ومحيطا بافتراءات القوم وطعونهم، ولذلك كان يتصدى لبعض من ذلك كلما سنحت الفرصة لذلك في كتابه، يقول على سبيل المثال: "كيف نقول إن عقيدة القضاء والقدر تشل كل عمل عند المسلمين؟ والرسول صلى الله عليه وسلم كان

أنشط الناس وأكثرهم مثابرة وجهادا، والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء عقب نشأته بالفتوح الواسعة العجيبة والحضارة السامية العظيمة؟ إن كلمة "إسلام" تعني الرضا بأوامر الله أي بما لا يمكن لأي قوة إنسانية أن تحول دونه… فهذه العقيدة إذن بعيدة كل البعد عن أن تكون مصدر ضعف، إنها على العكس من ذلك مصدر قوة نفسية لا تضارع بالنسبة إلى المسلم، تعينه على احتمال المحن والشدائد" (1) . لم ينهج ناصر الدين دينيه في كتابه الموجز "300 صفحة من القطع الصغير" نهج التأليف المعهود في السيرة النبوية وإنما سار في ذلك على النهج التاريخي منتقيا محطات مهمة في السيرة وقف عندها متأملا ومحللا وضمنها في عشرة فصول، وكان يقف من حين لآخر عبر مباحث محددة لكي يبرز الوجه المشرق للإسلام من خلال رده على الشبهات والطعون بطريقة غير مباشرة وذلك مثل المباحث التالية: محمد والراهب "في الفصل الثاني". محمد عليه السلام لم يؤلف القرآن "في الفصل الثالث". السبب في إنكار الغرب أثر الإسلام في الحضارة الغربية "في الفصل العاشر".

_ (1) La vie de Mohammed, p.

الاهتمام بالسيرة النبوية في الموسوعات والمعاجم الفرنسية

الاهتمام بالسيرة النبوية في الموسوعات والمعاجم الفرنسية: عرفت الثقافة الغربية منذ زمن بعيد إنتاج ما يعرف بالموسوعات العالمية والمعاجم الكبرى وهي تؤرخ لمعظم جوانب الثقافة العالمية في شتى فروعها وأجناسها وأنماطها، وفي سياق اهتمام هذه الموسوعات والمعاجم بمختلف الأديان اهتمت بالإسلام دينا وثقافة وتاريخا وحضارة، فأرَّخَتْ له وقدمت مواد متنوعة تتعلق بتاريخ الإسلام ونبيه وعلوم الشريعة وعلمائها وغير ذلك. وتتفاوت هذه الكتب الموسوعية من حيث الاهتمام بما يرتبط بالإسلام سواء من حيث حجم المواد المخصصة له أو على مستوى العرض والتحليل والموضوعية. وقد تفنن الغربيون منذ قرون من الزمن في إنضاج هذا النوع من الكتب الضخمة، وتعد الموسوعات والمعاجم الفرنسية واحدة من أشهر ما كتب في الموضوع نظرا لكون الثقافة الفرنسية قد عرفت شخصيات موسوعية اشتهرت في التاريخ المعاصر اشتهارا واسعا أمثال لاروس Larousse وروبير Robert وإلياد Eliade وغيرهم، واهتم بالإسلام أيضا نوع طريف من المعاجم يعد أكثر تخصصا وهو ما يعرف بمعاجم تاريخ الأديان، وفيها اهتمام أوسع بالمواد المرتبطة بالإسلام. من جهة أخرى ظهرت ابتداء من أوائل القرن العشرين موسوعات ضخمة خاصة بالإسلام وحضارته، وهي تعد أكثر إحاطة بمختلف المواد العلمية التي يمكن أن تعترض سبيل الباحث في مجال الإسلاميات، ولعل أبرزها دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت في طبعتين. وفيما يلي سرد لأبرز المعاجم والموسوعات الفرنسية التي تضمنت

الحديث عن مادة السيرة النبوية (1) مع عرض وتحليل ما جاء في لاروس الكبير نموذجاً للمعاجم، وعرض وتحليل ما جاء في دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية في طبعتها الثانية كنموذج للموسوعات. - المكتبة الشرقية Bibliothèque orientale وهي دائرة معارف في بضعة مجلدات تبحث في علوم وثقافات الشرقيين وأديانهم وعاداتهم مرتبة على حروف المعجم من تأليف بارتلمي ديربيلو Bartélemy d'Herbelot "مستشرق فرنسي عاش في القرن السابع عشر". جاءت صورة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعجم سلبية إلى أقصى درجة، ففي الباب الذي تحدث فيه عن "محمد" نجد ما يبعث على الأسى، مثل قوله:" هذا هو المنتحل المشهور ماهومت Mahomet المؤلف والمؤسس لهرطقة اتخذت لها اسم الدين، نسميها نحن الماهومتية……." (2) . - معجم الأديان (3) Dictionnaire des religions ويقع في مجلد واحد متوسط الحجم، تضمن استعراض مادة "محمد" في عمودين فقط وهو استعراض خاطف لمعطيات السيرة النبوية مع بث بعض الشكوك والطعون "مثل دعوى تلقيه صلى الله عليه وسلم الثقافة الدينية عن بحيرى أثناء سفره إلى الشام، والزعم بأنه عليه السلام تزوج أربع عشرة امرأة تم سبيها". - معجم الأديان: إلياد – كوليانو (4) ، يقع في مجلد واحد ضخم جاء

_ (1) قد يتم التعرض للمادة تحت هذا المصطلح: سيرة SIRA أو تحت مادة: "محمد" صلى الله عليه وسلم Muhammed وقد يبحث المصطلحان معا كما في دائرة المعارف الإسلامية في طبعتيها الأولى والثانية. (2) انظر إدوارد سعيد: الاستشراق ص 94. (3) من تأليف: Marguerite Marie et Hiollier, Paris (4) Eliade / Gouliano: Dictionnaire des religions, Plon –Paris,.

الحديث فيه عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم ضمن مادة "إسلام Islam " (ص203-223) وضمن مادة "محمد" صلى الله عليه وسلم وتقع في صفحة واحدة فقط تم من خلالها التركيز على الجوانب التي يروق للغربيين التشكيك في الإسلام من خلالها، ويبدو من خلال هذا المعجم وهو حديث الصدور (1990) مقارنة بغيره أن الحرص قائم على أن يتم تضليل القارئ بطرق ملتوية فيها الكثير من التمويه والتحايل، تقول المادة مثلا:"لقد اعتذر محمد كثيرا للملك جبريل بأنه لا يستطيع القراءة "إشارة إلى واقعة بدء نزول الوحي"، لكن جبريل ألح كثيرا فأصبح محمد يقرأ بسهولة فائقة"، وبعد هذا مباشرة تم الانتقال إلى قصة الغرانيق، وبذلك يتأكد أن الهدف هو تقديم مادة مشوهة عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ملؤها التحريف والتشويه والتضليل. - الموسوعة العالمية Encyclopèdia Universalis، وهي في اللغات الأوروبية وتقع في 24 مجلدا، وتوجد أيضا في قرص مدمج C D-Rom. - الموسوعة العامة للإسلام Encyclopédie générale de l.htm'Islam، ترجمت عن اللغة الإنجليزية، ووضعها في ستة مجلدات كل من P.M.Holt -LAMBTON وبرنارد لويس B. Lewis وصدرت الترجمة الفرنسية عام 1985.

مادة محمد صلى الله عليه وسلم في معجم لاروس larousse

مادة"محمد"صلى الله عليه وسلم في معجم لاروسLarousse (1) : تعتبر مادة "محمد Mahomet" في معجم لاروس من أهم الكتابات الاستشراقية المعجمية التي صدرت باللغة الفرنسية. ومن خلال دراسة المادة يتبين الاعتماد الواضح على مصادر استشراقية محضة تنتمي إلى حقب مختلفة منذ القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع عشر أمثال كوسان دي برسفال وسلفسر دي ساسي ووليام مويير وبارتلمي سان هيلير وبيير بايل الذي استعان بمعجمه التاريخي، ولم يعتمد قطعا على مصادر عربية. بدأ لاروس كتابة مادة "محمد Mehomet " بتعريف الرسول صلى الله عليه وسلم مؤسساً للديانة الإسلامية"هكذا" مقدما بذلك الانطباع بأن الإسلام دين بشري، ثم انطلق يسرد باختصار أهم الأحداث التي شهدها الرسول عليه الصلاة والسلام منذ طفولته إلى حين زواجه بخديجة "رضي الله عنها" وانتقل إلى الحديث عن البيئة العربية في شبه الجزيرة العربية وكيف كانت مساعدة على تقبل الدعوة الدينية الجديدة. ثم أشار إلى فترة بداية الوحي مركزا بشيء من سوء النية على قدرات محمد صلى الله عليه وسلم الفكرية والمعرفية التي اكتسبها خلال فترة التأمل والتدبر التي أمضاها من قبل، وهي التي جعلته يتوهم –حسب زعمه- أنه أوحي إليه مستغلا كل الظروف المتاحة لصالح دعوته. ومن خلال استعراضه لمختلف محطات السيرة النبوية أصر لاروس على أن

_ (1) الاسم الكامل للمعجم هو: "المعجم الكبير الشامل الفرنسي التاريخي والجغرافي والببليوغرافي والأدبي والفني والعلمي للقرن التاسع عشر"، ويقع في 15 مجلدا. Grand dictionnaire universel francais, historique, géographique, bibliographique, littèraire, artistique, scientifique du siècle.

يجد في كل مرحلة من مراحل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أسبابا تفسر نجاحه. وبالرغم من محاولة لاروس إظهار نوع من الموضوعية عند معالجة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم واعتماده مناهج العلوم الإسلامية في عصره إلا أنه لم يسلم من الوقوع في كثير من الأخطاء والمزالق وسبب ذلك عدم قدرته على التخلص من أفكاره السابقة عن الإسلام مما كان يعد خلال القرن التاسع عشر شيئا عاديا ومألوفا لدى كل الغربيين. حتى إن بعض تلك الأفكار السابقة قد ساغها في قوالب للطعن والافتئات مثل الزعم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه بنشر الإسلام بالعنف والقوة والسلاح والزعم أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم قد طرد يهود بني قينقاع بسبب رفضهم اعتناق الإسلام والزعم أيضا بأن أهل المدينة إنما استجابوا لدعوة الإسلام، بسبب كرههم وعداوتهم لأهل مكة. إن مثل هذه الطعون والشبهات الواردة في المعاجم الأجنبية الضخمة لها تأثيرها البالغ في فهم الغربيين للإسلام، إذ مثل هذه المعاجم تعد أداة عمل ومفتاحا من مفاتيح الثقافة الرئيسة في البحث عن المعلومات والأفكار تلجأ إليها كل الشرائح الثقافية من طلبة وأساتذة وعموم المثقفين، ومن الصعب جدا مقاومة هذا الاتجاه في التأليف والتصنيف، فالأمر لا يتعلق بمؤلف بسيط يمكن الرد عليه بمؤلف آخر يفنده ويرد على أباطيله، وإنما الأمر يتعلق بمعاجم عالمية ودولية تتولاها جهات غربية تتبنى من خلالها مواقفها في الفكر والثقافة.

دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (الطبعة الفرنسية)

دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية (الطبعة الفرنسية) : تعتبر دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية أو موسوعة الإسلام L’Encyclopédie de l’Islam أهم أداة عمل غربية في البحث في حقل الإسلاميات، ونظرا لما لها في الأوساط العلمية في الغرب والعالم الإسلامي من أهمية، وما تتمتع به من الانتشار الواسع بين الباحثين في جميع فروع الثقافة والمعارف الإسلامية فإن أثرها وتأثيرها في القراء أمر لا يخفى على المهتمين والمتتبعين للشأن الثقافي الإسلامي مما يتطلب مراجعة لموادها وتصحيحا لأخطائها وتقويما للأفكار والمعلومات الخاطئة الواردة بها. ظهرت دائرة المعارف الإسلامية في طبعتين باللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية، الأولى بين عامي 1913م و1936م في أربعة مجلدات ضخمة (1) والثانية شرع في إصدارها عام 1958م، وصدر المجلد الأخير "المجلد العاشر" عام 2001م، جاءت مادة "محمد" في الطبعتين: الأولى (2) والثانية (3) ، وجاءت مادة "سيرة" موسعة في الطبعة الأولى وموجزة في الطبعة الثانية (4) .

_ (1) صدرت في أواخر الستينات من القرن العشرين ترجمة عربية جزئية للطبعة الأولى إلى حدود حرف العين "15 مجلدا" قام بها ثلاثة من خريجي كلية الآداب بالقاهرة وهم إبراهيم زكي خورشيد وأحمد الشناوي وعبد الحميد يونس، وقد تضمنت الترجمة تعقيبات وتصويبات مفيدة لآراء محرري الموسوعة قام بها علماء أزهريون أمثال أمين الخولي ومصطفى عبد الرزاق وإبراهيم مدكور وغيرهم. وعند توقف مشروع ترجمة الموسوعة طال انتظار الباحثين العرب وتشوقهم إلى ترجمة كاملة إلى أن قام مركز الشارقة للإبداع الفكري بإصدار موجز كامل لدائرة المعارف الإسلامية بإشراف محمد سمير سرحان، وقد صدر الموجز في 32 مجلدا في طبعته الأولى عام 1998م. (2) المجلد الثالث (1936م) . (3) المجلد السابع (1991م) . (4) EI Tome pp.

والواقع أن أحداث السيرة النبوية لا يمكن تلمسها في إطار مادتي "محمد" و "سيرة" فقط وإنما هي أحداث متناثرة بين صفحات الموسوعة وبين موضوعاتها ومقالاتها، وإذا كانت المادة الجامعة لأحداث ووقائع ومراحل السيرة هي مادة "محمد" التي تشغل في الطبعة الثانية سبعاً وعشرين صفحة فقد وردت إشارات أخرى إلى جزئيات وأحداث محددة من وقائع السيرة النبوية في مواد أخرى من الموسوعة. منها ما يتعلق بأسماء الأماكن التي عاش في رحابها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل "مكة"و "المدينة" و"الطائف"، ومنها ما يتعلق بأسماء القبائل والطوائف مثل "حنفاء" "وأهل نجران" و "بنو النضير" و "بنوقريظة" و "بنو قينقاع" ومنها ما يتعلق بأسماء الغزوات وأماكن وقوعها مثل "بدر" و"أحد" و "الأحزاب" و "الحديبية" و "مؤتة" و "تبوك". ومنها ما يتعلق بأسماء الصحابة رضوان الله عليهم مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعائشة وحفصة وغيرهم. وبهذا التنوع في ذكر المواد المرتبطة بالسيرة النبوية يتبين مدى اهتمام الموسوعة بشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وما يتعلق بحياته ومغازيه ودعوته، وإذا كان في كل ذلك ما من شأنه أن يعرف بأحداث السيرة النبوية ووقائعها فإنه بالمقابل ينبغي الاعتراف بأن كل هذه المواد التي كتبها المستشرقون قد قدمت بأسلوب مبني على منهج المراوغة والتحريف حينا والطعن والافتئات حينا آخر، إذ لا يخفى أن مادة السيرة النبوية تعد مثل مواد القرآن والسنة والعقيدة من المواد الجوهرية الرئيسة في الموسوعة والتي تحاط بعناية واهتمام فائقين، فتحرير مثل هذه المواد لا يسند للعلماء المسلمين وإنما

إلى المستشرقين الذين يؤتمنون على المنهج الغربي في دراسة الإسلام وهو المنهج القائم على التحريف والطعن والتحامل، كما يتم الحرص على الاستعانة والاستئناس بكل ما كتب في الموضوع وبخاصة في الثقافة الاستشراقية مع السعي إلى التهوين من شأن ما كتبه العلماء المسلمون المعاصرون. وقد جاءت أحداث السيرة النبوية في الموسوعة مشوبة بكثير من التشكيك والتهوين من مصداقيتها، ويتم التسويغ لذلك بدعوى أن الروايات التي تناقلتها كتب السيرة عن تلك الأحداث غامضة وأن القرآن سكت عنها، أما المرحلة المدنية من الدعوة فقد تم التقليل من أهميتها كمرحلة تم خلالها تأسيس الدولة الإسلامية بعد أن قويت شوكة المسلمين وأظهر الله دينه الحق. ولم يكن غريبا أن تفتتح الموسوعة الحديث عن هذه المرحلة بقولها: "إن أهل المدينة لم يكونوا يرغبون في استمالة واعظ ملهم (1) إلى مدينتهم بقدر ما كانوا يرغبون في كسب زعيم سياسي قادر على إصلاح علاقاتهم التي فسدت بسبب الحروب القبلية" (2) ، ولا شك أن الهدف من هذا الافتراء القائم على تحليل مادي متهافت هو الإيحاء بأن الدوافع التي دفعت أهل المدينة إلى قبول دعوة الإسلام هي دوافع سياسية دنيوية صرفة لا مكان بينها للدوافع الدينية والإيمانية.

_ (1) هكذا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوصف بالنبوة والرسالة، ويدأب المستشرقون –في كثير من الأحيان-على وصفه عليه الصلاة والسلام بالمصلح الديني، وقد أكثرت الموسوعة من استخدام هذا النعت لإظهاره صلى الله عليه وسلم في مظهر المفكر العبقري الذي استطاع بقوة فكره ان يبتكر هذا الدين الجديد. (2) Muhammed in Encyclopèdie de l’Islam ; ème édition (Brill) Tome p

الفصل الثالث: الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية في مجالات أخرى.

الفصل الثالث: الإهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية في مجالات أخرى. مدخل ... الفصل الثالث: الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية في مجالات أخرى لم يكن الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية منحصرا في إنتاج كتب متخصصة في هذا المجال، بل اتسعت دائرة الاهتمام لتشمل مجالات أخرى يمكن للمهتم والمتتبع لكل ما يقال ويكتب في موضوع السيرة النبوية أن يكتشفها ويجد أنها تعبر بصورة أو بأخرى عن شدة الاهتمام بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم في اللغة الفرنسية، وقدتم تتبع مواطن ومواضع الاهتمام بذلك فتبين أن أبرز مجالات الاهتمام الأخرى ما يلي: 1) الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة حول الإسلام باللغة الفرنسية. 2) ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى. 3) الأطروحات والرسائل الجامعية. 4) المقالات والأبحاث في المجلات والدوريات الفرنسية. وسنستعرض الحديث عن هذه المجالات بتركيز واختصار لأن الغرض الرئيس من البحث هو الوقوف عند مواطن الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية وإبراز مكانتها وقيمتها.

أولا: الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة الفرنسية حول الإسلام

أولا: الاهتمام بالسيرة النبوية في الكتابات العامة الفرنسية حول الإسلام: لم يقتصر الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية على التأليف الخاص بالموضوع، بل يبرز الاهتمام أيضا ضمن الكتب المؤلفة حول الإسلام بصفة عامة، حيث حرص كثير من الذين ألفوا كتبا عن الإسلام دينا وشريعة

وحضارة وتاريخا على تخصيص فصل أو أكثر للحديث عن حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الذي تصدر به –في الغالب- مثل هذه الكتب، على أن استعراض حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم-ولو بصفة مجملة-يمهد للحديث عن نشأة الإسلام مجتمعا ودولة وحضارة. وتتفاوت هذه الكتابات من حيث الالتزام بالموضوعية والإنصاف، ويمكن الإشادة –بهذا الصدد- بمجموعة من الكتب التي وضعها مستشرقون فرنسيون معاصرون ضمت الحديث عن السيرة النبوية بطريقة أقرب إلى الموضوعية والإنصاف واستعراض الحقائق والوقائع في صفائها وأصالتها. ونذكر من هذه الكتابات المنصفة: - الإسلام دينا ومجتمعا للمستشرق الفرنسي لوي جاردي Louis Gardet. - الإسلام في القرون الوسطى للمستشرق الفرنسي دومينيك سورديل ترجمه إلى اللغة العربية علي المقلد (بيروت 1983م) . - تاريخ العرب والشعوب الإسلامية لكلود كاهين وقد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور بدر الدين قاسم (بيروت 1983م) . وفيه يقول (1) مستعرضا حياة الرسول صلى الله عليه وسلم "ولا يليق بالمؤرخ المنصف أن يعير اهتماماته للاتهامات التي صدرت عن المهاترات الطائفية القديمة، بل إنه يبدو لهذا المؤرخ المنصف أن محمداً كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الإخلاص والحماسة إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيا وفكريا".

_ (1) Claude Cohan: Histoire des Arabes et des peuples musulmans, p.

- "على خُطا محمد" صلى الله عليه وسلم للبناني المسيحي نصري سلحب (1) ، ويبدو لقارئ الكتاب أنه من تأليف باحث مسلم لمبالغته في الإنصاف والحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتبجيل والتقدير البالغَين. ومن الكتابات التي يطبعها شيء من التحامل وعدم الإنصاف. - الإسلام للباحث اللبناني المسيحي يواكيم مبارك Youakim Moubarac. - الإسلام للمستشرق هنري ماسيه، ترجمه إلى اللغة العربية بهيج شعبان (ط ثالثة بيروت 1988م) . - الإسلام لأدوارد مونتيه (2) . - الإسلام عقائد ونظم لهنري لامنس (3) .Henri Lammens - نساء النبي للباحثة الفرنسية مجالي مرسي (4) Magali Morsy. وهذا الكتاب الذي اختص بدراسة حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الخاصة مع أمهات المؤمنين حاولت المؤلفة من خلاله الالتزام بالموضوعية والإنصاف –إلى حد ما- وقد ساعد على ذلك الاستئناس بكتب ابن هشام وابن سعد والطبري في السيرة النبوية، بالإضافة إلى كتب المستشرقين الفرنسيين المعتدلين أمثال درمنغهم وبلاشير، وقد حرصت في الفصل الأخير من الدراسة الذي وضعته تحت عنوان: "نظرة معاصرة إلى بيت النبوة"، تأكيد أهمية استعراض

_ (1) Nasri SALHAB: Sur les pas de Mahomet, Beyrouth, sans date. (2) E.Montet: L’Islam, Payot –Paris. (3) L’Islam, Croyances et institutions, Paris. (4) Magali Morsy: Les femmes du prophète, Mercure de France Paris (pages) .

حياة أمهات المؤمنين مع الرسول صلى الله عليه وسلم والاستفادة من أقوالهن وأفعالهن في إطار بيت النبوة. إن الأمر –كما تقول المؤلفة- لا يتعلق بأصداء بعيدة وقديمة، نستمع إليها فقط ولكنه خطاب معاصر ينبغي استثماره من لدن نساء العصر الحديث وتوجيهه مع المستجدات والمتغيرات الراهنة، وعلى كل المجتمعات الإسلامية أن تحترم هذا التراث وتستمد منه ما يدعو إلى التطور والعدل. ويدخل ضمن الكتابات العامة حول الإسلام ما أقحمه بعض المستشرقين الفرنسيين من دراسات عامة حول الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم في مقدمات ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم. وللإشارة فإن بعض المستشرقين قد دأبوا على أن يقدموا لترجماتهم القرآنية بحديث مطول يعتبر مدخلا أساسيا إلى الترجمة غالبا ما يكون مصاغا في شكل استعراض شامل لبدايات الإسلام ورسالته والسيرة النبوية مع الحديث عن مضمون القرآن الكريم وتاريخ جمعه (1) ، والملاحظ أن المستشرقين وحدهم هم الذين يعمدون إلى إقحام هذه المداخل كمقدمات للترجمة القرآنية وهدفهم من وراء ذلك هو جعل الغربيين لا يقدمون على قراءة معاني القرآن الكريم مترجمة إلا بعد أن تشحن عقولهم بجهاز من المقولات الكاذبة والحقائق المزيفة. وقد تفرد المقدمة أحيانا في كتاب مستقل كما هو الشأن بالنسبة لكتاب رجيس بلاشير "مدخل إلى القرآن الكريم"، وقد توضع في حجم كبير وتخصص لسيرة محمد صلى الله عليه وسلم كما فعل مكسيم سفاري في مقدمة ترجمته لمعاني

_ (1) د. حسن عزوزي: دراسات في الاستشراق ومناهجه، طبعة فاس 1999م ص 19.

القرآن الكريم والتي وضع لها عنوان "مختصر لسيرة محمد صلى الله عليه وسلم" (1) وتقع في 112 صفحة. وقد شحن سفاري هذه المقدمة بوافر من الاتهامات والافتراءات بحق رسول الله عليه الصلاة والسلام (2) ، لكن بالمقابل يمكن القول بأنه تجنب الوقوع في كثير من الأخطاء التي وقع فيها غيره أثناء الحديث عن السيرة النبوية، مثل الحديث عن أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ولقائه ببحيرى الراهب بالشام وهو صغير، وحديثه عن زواجه بأمهات المؤمنين وغير ذلك من القضايا التي أثارها بصورة محمودة نادرة في القرن الثامن عشر الذي عاش المترجم خلاله (3) . ومن المستشرقين الفرنسيين الذين قدموا لترجماتهم القرآنية بما يتضمن الإشارة إلى السيرة النبوية ادوارد مونتيه ودنيس ماصون Denise Massonالذي قدم لترجمتها فرنسي آخر له بدوره ترجمة لمعاني القرآن الكريم وهو جان كروجيين Jean Grojean.

_ (1) Le Coran précédé d’un abrégé de la vie de Mahomet, par M Savary Paris,. (2) لعل أبشعها وضع عنوان الغلاف هكذا "محمد: القرآن مترجما من العربية" موهما بذلك أن القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم. (3) انظر على سبل المثال الصفحات 5-8، 42-65.

ثانيا: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى

ثانياً: ما ترجم إلى اللغة الفرنسية من لغات أجنبية أخرى يعد هذا الجانب من جوانب الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية أحد أبرز مجالات الاهتمام الكبرى، وذلك لأن الكتاب لا يترجم إلى لغة أخرى إلا إذا كان هناك باعث قوي ودافع رئيس يرتبطان بأهمية الموضوع وقيمته، ولقد اهتم الاستشراق الفرنسي بنقل بعض أهم الكتب التي وضعت في السيرة

النبوية في اللغات الأوروبية الأخرى نظرا لمكانتها وقيمتها في مجال بحث ودراية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولعل أقدم ما ترجم إلى اللغة الفرنسية في مجال السيرة النبوية هو كتاب هادريان ريلاند Hadrian Reland "الديانة المحمدية"، وكان المؤلف قد سعى في مؤلفه هذا إلى تقديم عرض منصف للإسلام، وقد نشر الكتاب عام 1721م (1) . وفي عام 1943م أصدر الفينلدي هولمان H. Holma كتابه "محمد نبي الإسلام" وقد ترجم إلى اللغة الفرنسية عام 1947م (2) . أما في القرن العشرين فقد ترجمت كثير من الكتب الموضوعة في السيرة النبوية من لغات أجنبية أخرى إلى اللغة الفرنسية وسنقتصر هنا على اثنين من أبرز المتخصصين في هذا المجال وهما تورأندريه السويدي ومنتغمري واط الإنجليزي وكلاهما خلف كتابين مهمين في الموضوع. 1) تور أندريه Tor Andrae: برع هذا المستشرق في الحديث عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبر كتاباه "شخصية محمد في تعليم أمته ومعتقداتها" وكتاب "محمد: حياته وعقيدته" نقطة انطلاق المستشرقين الفرنسيين المعاصرين في دراسة السيرة النبوية. وقد ترجم كتابه الثاني "محمد حياته وعقيدته" (3) إلى اللغة الفرنسية ليصبح عمدة كل الدارسين الفرنسيين للسيرة النبوية، وبالرغم من إشادة كثير

_ (1) دكاتارينا مومزن: جوته والعالم العربي سلسلة عالم المعرفة ع 194 (1995) ص 180. (2) H. Holma: Mahomet, prophète de l'Islam, Paris – Flamarion. (3) Mahomet, Sa vie et sa doctrine – Paris,.

من الباحثين (1) بهذا الكتاب إلا أن المتصفح له سرعان ما يفطن إلى منهج المؤلف الملتوي الذي يطبعه كثير من التحايل والمراوغة واستعمال الأسلوب التمويهي من أجل التشكيك في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومهما ادعى المؤلف نهج طريقة الحياد والموضوعية في دراسة السيرة النبوية إلا أنه لم يستطع التجرد من الهوى والتعصب، فهو يتصيد الأدلة التي تخدم أغراضه ويفسر الوقائع على غير حقيقتها ثم إنه يتهجم على كثير من معطيات السيرة الثابتة بلباقة وتمويه بالغَين. ففي معرض حديثه عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن زهده وورعه فقال وبنبرة يلفها الشك والتهوين:"فبعض هذه الصفات تبدو لنا جد حقيقية، وفيها بصمات الصحة، لكن لا ندري أبدا بماذا نثق، إذ هناك أحاديث أخرى تصور النبي في هيئة مختلفة تماما عن هذه، تنفي أن يكون زهد فعلا في حياته …….ثم يستطرد قائلا: ومن المؤكد أن الروايات المتحدثة عن فقر النبي وحرمانه فيها مبالغات كثيرة، فإذا كان باستطاعته أن يهب لعائشة عقد لؤلؤ ثمين، فهو قطعا ليس في حاجة لرهن درعه…" (2) . والمؤلف لا يتردد أحيانا في وصم الروايات المتنوعة في الواقعة الواحدة بالتناقض، ومهما أوهم القارئ أنه يعتمد أمهات الكتب العربية إلا أنه يظهر براعة قوية في التضليل والتمويه وانتقاء ما يخدم أهواءه وأهدافه وإهمال وإغفال الحديث عما لا يستجيب لآرائه.

_ (1) من هؤلاء نجيب العقيقي في كتابه "المستشرقون 3/33 ومكسيم رودنسون في دراسته السابقة الذكر (Bilan) ص 171. (2) Mahomet, sa vie et sa doctrine, p.

إن كتابات تورأندريه في السيرة النبوية بالرغم من شهرتها واعتماد المستشرقين المعاصرين عليها لا ترقى إلى مصاف الكتابة النزيهة والموضوعية إذ إن المؤلف مهما أحاط جيدا بمعطيات السيرة النبوية مع اطلاعه الواسع على أصولها ومرجعياتها العربية إلا أنه آثر سلوك طريق التشويه والطعن والافتئات. ولعل ذلك هو الذي أتاح لهذا الكتاب الثاني شهرة واسعة جعلته يترجم إلى الإنجليزية (لندن 1936م) والألمانية (جوتنجن 1939م) والفرنسية (باريس 1945م) والإيطالية (باري 1934م) . 2) منتغمري واط Montgomery Watt: يعد واط من أشهر المستشرقين المعاصرين اعتناء بالسيرة النبوية، حيث خلف في الموضوع كتابين مهمين لقيا اهتماما بالغا من الباحثين الغربيين والعرب على السواء. أصدر واط كتابه "محمد في مكة" عام 1953م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1958م (1) وهي ترجمة ضعيفة مبتورة ومجردة من الملاحق الواردة في الأصل الإنجليزي وقد قدم للترجمة الفرنسية مكسيم رودنسون. أما الكتاب الثاني فهو "محمد في المدينة" صدر عام 1956م وظهرت الترجمة الفرنسية عام 1959م (2) وهي أفضل من الأولى. أشاد رودنسون بهذين الكتابين وقال: "يمتاز المؤلف في كتابيه بأنه استطاع من خلالهما أن يعتمد مختلف المصادر –بما فيها العربية- ويستفيد منها

_ (1) Mahomet à la Mecque, Payot –Paris,. (2) Mahomet à Médine, Payot –Paris,.

ويتوصل إلى نتائج واضحة، وقد انتقد من لدن بعض المستشرقين بأنه بالغ في الوثوق بمصادر السيرة النبوية المعتمدة" (1) . وبالرغم من أن الكتابين لهما أهميتهما في مجال التأليف في السيرة النبوية في البحث الاستشراقي إلا أن دائرة الموضوعية التي تعهد واط في مقدمة كتابه الأول بأنه سيلتزم بها تبقى مفتوحة للنقاش، ذلك أن الرجل مهما حاول أن يعتمد منهجا مغايرا لما اعتمده زملاؤه يعتبر أقرب إلى الموضوعية، إلا أنه ارتطم واصطدم في كثير من الأحيان بالمسلمات والبدهيات التي نؤمن بها في حقل السيرة النبوية. ومهما بدت منطلقاته في البحث والتحليل سليمة –إلى حد ما- "عدم اعتماد الافتراضات السابقة مثلا" فإن استنتاجاته التي توصل إليها لا تتوافق مع وقائع ومعطيات السيرة الحقيقية. يقول الدكتور عماد الدين خليل: "يبدو واط على مستوى تقنية البحث متفوقا بمعنى الكلمة، وهو يمتلك أداة البحث ومستلزماته، ويعتمد أسلوبا نقديا مقارنا يثير الإعجاب، وقد تمكن بواسطته من تحقيق عدد من النتائج القيمة على مستوى السيرة، وإن كان يلح أحيانا في نزعته النقدية، الأمر الذي قاده إلى عملية "نفي" واسع النطاق لمساحات من حقائق السيرة المتعارف عليها" (2) . إن واط وهو يبالغ في نزعته النقدية يميل في كثير من الأحيان إلى الأخذ بمنهج إسقاط الرؤية والمواضعات المعاصرة على أحداث السيرة ونفي المرويات الصحيحة أو إثارة الشكوك حولها، فضلا عن النزوع أحيانا إلى الأخذ بفكرة التأثير النصراني أو اليهودي في صياغة وقائع السيرة النبوية.

_ (1) Rodinson: Bilan, p. (2) مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية الرياض 1985م ج1 ص 147 ونحيل على هذه الدراسة المفيدة للاطلاع على تفاصيل منهج واط في كتابيه.

ثالثا: الأطروحات والأبحاث الجامعية

ثالثاً: الأطروحات والأبحاث الجامعية: لم يقتصر الاهتمام بالسيرة النبوية باللغة الفرنسية على الدوائر العلمية والأكاديمية وإنما كان له حظ من لدن الطلبة الجامعيين بفرنسا وبلجيكا وغيرهما، حيث سجلت أطروحات للدكتوراه في موضوعات تتعلق بمجال السيرة النبوية ليس في شعب الدراسات العربية والإسلامية بالجامعات الفرنسية فحسب وإنما أيضا في شعب الأدب الفرنسي والأدب المقارن، كما يظهر من خلال استعراض النماذج التالية (1) : * G. Pyronnet: Mahomet et les dogmes chrétiens d’après le Coran محمد صلى الله عليه وسلم والعقائد النصرانية من خلال القرآن الكريم نوقشت عام 1974م بجامعة Brest *- Abdenbi Alem: Les Magazi du prophète dans le Coran et la poesie مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال القرآن والشعر. نوقشت عام 1986م بشعبة الدراسات العربية والإسلامية بجامعة باريس الرابعة Paris 4 تحت إشراف د. سورديل Dominique Sourdel. درس الباحث من خلال أطروحته أربع غزوات هي: بدر –أحد- بني النضير – الخندق وبحث كل غزوة في فصل مستقل من خلال ما جاء عنها في القرآن الكريم وفي الشعر العربي، وخصص فصلا خامسا للحديث عن الشخصيات الواردة أسماؤها ضمن تاريخ هذه الغزوات. *-Dominique Cornoy Torabi: Le Miroir de Mahomet. مرآة محمد صلى الله عليه وسلم نوقشت بجامعة ليل Lille الثالثة بشعبة الأدب الفرنسي تحت إشراف

_ (1) هذه النماذج تم الحصول عليها من خلال الاتصال بزملاء يشتغلون بالجامعات الفرنسية.

الأستاذ Robert Horville عام 1994م. *-Mandana Saorzadeh: la lecture du Coran et de la vie de Mahomet au siècle des lumière. القراءة في القرآن وحياة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر الأنوار. نوقشت عام 1996م بجامعة نانسي "شعبة الأدب الفرنسي" تحت إشراف Roger Marchal *- Nehed Chabarek: Mahomet et l.htm'Islam vus par Voltaire محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام في نظر فولتير. نوقشت عام 1992م بجامعة باريس الثالثة Paris 3 "شعبة الأدب الفرنسي" تحت إشراف الأستاذ Jean René Demoris. *- Laurence Fontany: Etude de Mahomet de Voltaire; دراسة حياة محمد صلى الله عليه وسلم من قِبل فولتير، وترجمة من الحاج فودي. نوقشت عام 1997م بجامعة Grenoble 3 الفرنسية "شعبة الأدب المقارن" تحت إشراف الأستاذ Daniel Chauvin .

رابعا: المقالات والأبحاث الفرنسية في المجلات والدوريات

رابعاً: المقالات والأبحاث الفرنسية في المجلات والدوريات لم يقتصر بحث ودراسة معطيات ووقائع السيرة النبوية على النشر في الكتب وإنما انصب أيضا على النشر في المجلات والدوريات العلمية وبخاصة تلك المرتبطة بالاستشراق الفرنسي منذ عقود عديدة من الزمن. مثل مجلة Revue des études Islamiques – Studia Islamica – Arabica وكلها تصدر بباريس. ومن الطبعي أن يكون معظم كُتَّاب المقالات ممن لهم اهتمام سابق بحقل السيرة النبوية وبخاصة من خلال إصدار مؤلفات خاصة بموضوع السيرة أو

مؤلفات شاملة عن الإسلام دينا وحضارة، وتتميز المقالات والأبحاث المنشورة بالمجلات ببحث ودراسة جوانب دقيقة ومغمورة من جوانب السيرة النبوية. وهذا الجانب من الاهتمام بالسيرة النبوية له أهميته على مستوى النشر الواسع والتأثير البالغ، وذلك بخلاف النشر عبر الكتب المتخصصة التي تطبع بأعداد قليلة ولا تكاد تقرأ إلا من المتخصصين، في حين أن المجلات والدوريات تطبع بأعداد وافرة وتوزع على أوسع نطاق كما أن تداولها يبدو أيسر من تداول الكتب المتخصصة وأكثر جاذبية. ولا يمكننا الإحاطة بالمجلات والدوريات الفرنسية؛ لأن حصرها خارج عن نطاق بحثنا هذا (1) ونقتصر فيما يلي على ذكر نماذج لأهم ما نشر في هذا الإطار: * أبحاث الشيخ محمد حميد الله الحيدر ابادي المنشورة بكبريات الدوريات الفرنسية مثل دراسته "مواقع المعارك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم" وقد نشرها عام 1939م بمجلة الدراسات الإسلامية "باريس"Revue des Etudes Islamique ودراسته لأصول كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الدول المجاورة وقد نشرها موزعة في مجلات مختلفة منها أرابيكا ARABICA ومجلة معرفة الإسلام Connaissance de l'Islamونشر بمجلة FI (France – Islam) دراسات متنوعة حول تاريخ ميلاد

_ (1) يمكن لمن أراد الاطلاع على مجمل ما كتب حول السيرة النبوية الرجوع إلى الكتاب المعجمي الفريد الذي وضعه بيرسون Person تحت عنوان "Index Islamicus" "الفهرس الإسلامي" وهو مرتب ومصنف حسب فروع الاستشراق الإسلامي، ويقع في مجلدات متسلسلة زمنيا وتوجد مادة السيرة النبوية تحت عنوان "حياة محمد صلى الله عليه وسلم".

الرسول صلى الله عليه وسلم (عدد 28 عام 1969م) وإخوة وأخوات الرسول صلى الله عليه وسلم في الرضاعة (عدد 78 عام 1973م) ورحلات الرسول صلى الله عليه وسلم (عدد 93 عام 1975م) ونشر بمجلة المسلم Le musulman التي أنشأها لفائدة الطلاب المسلمين المقيمين بفرنسا مقالا بعنوان "رسول الله مربيا"0 العدد 3 عام 1974م) إلى غير ذلك من المقالات المتنوعة. * نشر المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون دراسته المهمة التي أشرنا إليها مرارا تحت عنوان "حصيلة الدراسات المحمدية" (Bilan des études mahomèdiennes) بالمجلة التاريخية التي تصدر بباريس، كما نشر بمجلة ديوجين الباريسية مقالا تحت عنوان: "حياة النبي والمشكلة الاجتماعية لأصول الإسلام" (1) . * نشرت أبحاث ومقالات حول مختلف جوانب السيرة النبوية ضمن كتاب جماعي عبارة عن أشغال ندوة دولية حول " سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم " عقدت بمدينة ستراسبورغ الفرنسية في أكتوبر عام 1980م (2) نشرت الأبحاث والمقالات باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وعناوين الأبحاث الفرنسية كالتالي: - الأسلوب القديم والحديث في سيرة ابن هشام لوهيب عطاء الله. - مشاكل في سيرة ابن إسحاق لتوفيق فهد.

_ (1) M.Rodinson: La vie de Mahomet et le problème social des origines de l'Islam "in Diaogène N° () Paris وقد ترجمت الدكتورة زينب رضوان المقال إلى العربية ونشرته بمجلة الفكر العربي ع 32، السنة الخامسة 1983 م. (2) La vie du prophète Mahomet, Colloque de Strasbourg, editions PUF ? ème edition.

- حول بعض النساء المعاديات للرسول صلى الله عليه وسلم للفرنسي شارل بيلا Charles Pellat - سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوحات العرب من خلال الكتابات السريانية لبرتولد سبولر Bertold Spuler - سيرة محمد "صلى الله عليه وسلم" في تراث برتملي ديديس Barthélemy d'Edesse للمستشرق جيرار تروبو Troupeau Gerard - عناصر ببليوغرافية تتعلق بسيرة محمد في الأدب اليوناني خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة للمستشرق اليوناني Asterios Argryion - المصادر الإسلامية للسيرة النبوية قبل ابن هشام (ت 218هـ) وقيمتها التاريخية للباحث اللبناني ر. ج. خوري R.G. Khoury ونموذجاً لما سبق من أبحاث، نلقي نظرة عامة على بحث خوري الأخير. تحدث بداية عن مصادر ابن هشام في كتابه والأقسام التي تضمنها (1) ثم انتقل إلى استعراض أبرز شيوخ ابن هشام الذين تلقى عنهم مباشرة، وهم حوالي 27 شيخا. وقد ترجم لهم ترجمة وافية مؤكدا على جانب الرواية الحديثية في مجال السيرة النبوية. وبعد أن توافرت فكرة عامة عن المصادر المباشرة وغير المباشرة في سيرة ابن هشام تعرض المؤلف لدور ابن هشام في الاستفادة منها ودراسة المصادر الأخرى التي لم يشر إليها، وذلك بهدف تبين مدى اختلاف الروايات المسندة ابتداء من ابن إسحاق أو غيره من كتاب السيرة النبوية وتجلية قيمتها التاريخية.

_ (1) من المعلوم أن الكتب المضمنة في سيرة ابن هشام: كتاب المغازي0 "المبتدأ- المبعث – المغازي" وكتاب الخلفاء وكتاب الفتوح.

الدراسة التي تقع في 23 صفحة تتميز بالعمق والدقة في بحث وتحليل المصادر وأدوار شيوخ الرواية، وقد أبدع المؤلف في التمييز بين منهج المحدثين والفقهاء بالمدينة الذين انبنى كتاب ابن هشام على رواياتهم ومنهج القُصَّاص والرواة غير الموثوق بهم.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المراجع (العربية) : 1) الإسلام لهنري ماسيه: ترجمة بهيج شعبان، منشورات عويدات بيروت1980م. 2) الإسلام والمسيحية لإليكسي جورافسكي: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 215 (نونبر 1996م) . 3) تاريخ الدراسات العربية في فرنسا للدكتور محمد المقداد: سلسلة عالم المعرفة الكويتية، ع 167 (نوفمبر 1992م) . 4) تراث الإسلام لبوزورث وآخرين: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 8 (الطبعة الثانية 1988م) . 5) جوته والعالم العربي لكاترينا مومزن: سلسلة عالم المعرفة الكويتية ع 194 (فبراير 1995م) . 6) دراسات في الاستشراق ومناهجه للدكتور حسن عزوزي، الطبعة الأولى فاس 1999م. 7) دراسات في حضارة الإسلام لهاملتون جب: ترجمة د/ إحسان عباس ورفاقه دار العلم للملايين، بيروت 1964م. 8) السيرة النبوية وأوهام المستشرقين لعبد المتعال محمد الجبري: مكتبة وهبة بالقاهرة 1988م. 9) مدخل إلى دراسة علوم القرآن والتفسير للدكتور حسن عزوزي:، الطبعة الثانية فاس 1998م. 10) المستشرقون لنجيب العقيقي: دار المعارف بمصر ط رابعة 1980م. 11) مناهج المستشرقين في الدراسات العربية والإسلامية، مطبعة مكتب التربية العربية لدول الخليج –الرياض 1985م.

فهرس المراجع (الفرنسية) : 1-Andrae (Tor) : Mahomet, sa vie et sa doctrine, Paris. 2- Bencheikh (Jamaleddin) : Le voyage nocture de Mahomet, Paris. 3-Bennabi (Malek) : Vocation de l'Islam, Seuil, Paris. 4-Blachère (Régis) ; Le problème de Mahomet, Paris PUF. 5-Casanova:Mahomet et le fin du monde, Paris. 6-Colloque de Strasbourg sur la vie du prophète Mahomet, editions PUF. 7-Dermenghem (Emile) :Mahomet et la tradition Islamique, Paris. 8- Dermenghem (Emile) : La vie de Mahomet, Paris, Charlot 9-Dinet (Etienne) : La vie de Mohammed, Paris. 10- Dinet (Etienne) : L’Orient vu par l’occident, Paris. 11- Ducellier (Alain) : Chrètiens d’orient et Islam an Moyen Age, Armand Colin, Paris. 12-Eliade / Couliano, Dictionnaire des religions, Plon, Paris. 13-Encyclopèdie de l’Islam, er et ème éditions, Brill, Leyde. 14-Essad (Med) : Mahomet, Payot, Paris. 15-Gardet (Louis) : L’Islam, religion et Communauté, ème ed, Paris. 16-Hammidullah (Med) : Le prophète de l’Islam, sa vie et son œuvre, ème ed, Paris.

17- Hammidullah (Med) : Six originaux des lettres diplomatiques du prophète de l’Islam, ed Tougui Paris. 18- Larousse: Grand dictionnaire universal Francais. 19-Lammens (Henri) : L’Islam, croyances et institutions, ème ed, Paris. 20- Lings (Martin) : Le prophète Mohammed, Seuil, Paris. 21-Massé (Henri) : L’Islam, 3ème ed, Librairie Armand Colin, Paris. 22-Montet (Edouard) : L’Islam, Payot, Paris. 23- Morsy (Magali) : Les femmes du prophète, Paris. 24-Rodinson (Maxime) : Mahomet, Seuil, Paris. 25-Rodinson (Maxime) : Bilan des études mohammediennes (Revue historique n) . 26- Rodinson (Maxime) : la vie de Mahomet et le prophète Social des origines de l’Islam, in Diogène N° Paris. 27-Savary (Maxime) : Le Coran, précédé d’un abrégé de la vie du prophète, Paris. 28-Salhab (Nasri) : Sur les pas de Mahomet, Beyrouth, sans date. 29-Watt (Montgomery) : Mahomet à la Mecque, Payot, Paris. 30- Watt (Montgomery) : Mahomet à Médine, Payot, Paris.

§1/1