الانتهاض في ختم «الشفا» لعياض
السخاوي، شمس الدين
جميع الحقوق محفوظَة الطبعَةُ الأولى 1422 هـ - 2001 م دارَ البشائر الإسلامية للطّباعَة وَالنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963/ 009611 بيروت - لبنان ص ب: 5955/ 14 e-mail:[email protected]
[مقدمة التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي المُقدِّمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فهذا جزء لطيف، وتعليق طريف، ألّفه الحافظ الناقد البارع أبو الخير شمس الدين محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي (902 هـ) برسم الانتهاء من إقراء كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، لعالم المغرب الشهير القاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت 544 هـ). وقد جَرَتْ عادته رحمه الله أن يصنِّف ختومًا للكتب التي قام بإقرائها وتدريسها، وكان رحمه الله قد أقرأ كثيراً من كتب الحديث والسيرة وجملة من تصانيفه، لا سيَّما عند مجاورته بالحرمين الشريفين مكة والمدينة، وَأَسَاسُ تصنيفِ تلك الختوم هو مجلس ختم الكتاب المقرر إقراؤه.
وكانت مجالس الختم من المجالس العلمية المشهودة، والمحافل العلمية المحمودة، حيث يتناول فيها الحافظ السخاوي بعد الانتهاء من تدريس الكتاب طَرَفاً من منهج المؤلف في كتابه، وَيُبَيِّنُ خصائص الكتاب، ومزاياه، وَيُعَدِّدُ مناقب مؤلفه، وَيَسْرُدُ أسانيده إليه، وَيَنْثُرُ في غُضُونِ ذلك إفاداتٍ علميّة متنوعة، ولم يكن يَتَخَلَّفُ عن تلك المجالس كَبِيرُ أَحَدٍ، فكان يحضرها الأمراء والأعيان، وَتُنْشَدُ فيها القصائد (¬1). يقول السّخاوي: "وكان لكثير من ذلك -أي الكتب التي أقرأها- ختوم حافلة، ورسوم أرجو أن تكون للقبول شاملة" (¬2). وقد ألّف السخاوي هذا الختم المبارك بمكة في رمضان عام 893 هـ (¬3)، وله خَتْم آخر على الشفا بسط فيه القول وتوسّع فيه كثيراً واسمه: "الرياض في ختم الشفا لعياض" (¬4)، وقد اعْتَادَ السّخاوي إقراء ختومه للطلبة بالمسجد الحرام (¬5)، ويبدو أن هذا الختم من ضمنها. ويشاء الله تعالى أن تتجَدَّدَ قراءته بعد مضي أكثر من خمسة قرون بالمسجد الحرام أيضاً، فقرأته ليلة السابع والعشرين من رمضان عام (1421 هـ) ¬
في صحن المسجد تجاه الكعبة المشرفة مع ثلة كريمة من أهل العلم والفضل (¬1)؛ ليكون حلقة ضمن سلسلة الأعلاق النفيسة، والرسائل القيمة المفيدة؛ التي تصدر عن "لقاء العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام". وَيُعَدُّ هذا الختمُ وثيقةٌ مهمّة، وشهادةً جليلة، بِعُلُوِّ كَعْبِ القاضي عياض، ونَفَاسَةِ كتابه الشفا، فقد أثنى السّخاوي على القاضي عياض وكتابه المذكور ثناء عاطراً، وأورد قصائد ومقطوعات في ذلك، ثم ذكر أسانيده إلى كتاب الشفا. ولا يخفى على أحد مكانة كتاب الشفا بين المصنفات في موضوعه، فهو من أهم المؤلَّفات في السيرة النبوية، وقد كتب الله له القبول والذيوع فحمله الناس عن مؤلفه واستمدوا منه، وطارت نسخه شرقاً وغرباً، وأقبل الناس على قراءته عَجَماً وَعُرْباً، ولا غَرْوَ في ذلك، فقد أبدع فيه مؤلفه كل الِإبداع، وأجاد في تصنيفه وترتيبه، وكل من حقق نظره في تدقيقه، ودقق فكره في تحقيقه، سلّم بأن ذلك منحة ربانية خصّ الله بها هذا الِإمام، وحلاّه بها، وما أحسن ما قال القائل: كُلُهُمْ حَاوَلَ الدَّوَاءَ وَلَكِنْ ... مَا أَتَى بِالشِّفَا إِلاَّ عِيَاضُ ¬
ومع أن كتاب الشفا قد بلغ هذه المرتبة العظيمة، فإنه قد انتقد على مؤلفه فيه أشياء، وهكذا طبيعة عمل البشر، لا بدَّ أن يعتوره النقص والخطأ مهما بلغ من الِإجادة والِإتقان. وقد اعتمدت في إخراج هذا الختم على نسخة يتيمة محفوظة بمكتبة الحرم المكي العامرة، واجتهدت في ضبط نصه، وخدمته والتعليق عليه بما يسر أهل العلم والقراء إن شاء الله تعالى، وما توفيقي إلاَّ بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب. وختاماً أسال الله جلَّ وعلا أن يتقبل مني هذا العمل، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، إنه سبحانه نعم المسؤول، والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. وكتب عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني الآسفي لطف الله به وغفر له ولوالديه بالمسجد النبوي الشريف في يوم الأربعاء غرَّة شهر صفر عام 1422 هـ
التعريف بالمصنف
التعريف بالمصنف العلاَّمة شمس الدين السخاوي هو العلاَّمة الحافظ الناقد شمس الدِّين محمَّد بن عبد الرحمن ابن محمَّد السخاوي القاهري المصري الشافعي، مولده بالقاهرة سنة (831 هـ)، ونشأ في رعاية والده الذي اهتم بتربيته وتعليمه، فحفظ القرآن ولازم شيوخ عصره في فنون شتى كالعربية والحديث والفقه وغير ذلك، ورحل إلى أقطار شتى، وكتب العالي والنازل، واستكثر من الشيوخ حتى زاد عددهم على أربعمائة نفس. وانتفع كثيراً بشيخه الحافظ ابن حجر رحمه الله فكان لا ينفك عن ملازمته حتى أصبح أمثل تلاميذه وأقربهم إليه، ثم صار رحمه الله من أشهر علماء زمانه، وبرع في الحديث والتاريخ, وتصدى رحمه الله للِإقراء والتدريس لا سيَّما عند إقامته بالحرمين مكة والمدينة، فأقبل عليه الطلبة من كل حدب وصوب، وأخذ عنه من الخلائق من لا يحصى كثرة، وأثنى عليه شيوخه وأقرانه وتلاميذه ثناء عاطراً، واعترفوا له بسعة الاطلاع، والتضلع في العلوم. قال عنه المتقي ابن فهد: "زين الحفاظ، وعمدة الأئمة الأيقاظ،
شمس الدنيا والدين، ممن اعتنى بخدمة حديث سيِّد المرسلين، واشتهر بذلك في العالمين، على طريقة أهل الدين والتقوى، فبلغ فيه الغاية القصوى". وقال عنه المتقي الشمني: "الإِمام العلاَّمة الثقة الفهامة الحجة، مفتي المسلمين، إمام المحدثين، حافظ العصر، شيخ السنة النبوية ومحررها وحامل راية فنونها ومقررها من صار الاعتماد عليه، والمرجوع في كشف المعضلات إليه، أمتع الله بفوائده وأجراه على جميل عوائده". وقد أثرى رحمه الله المكتبة الِإسلامية بتصانيف كثيرة في الحديث والتاريخ وغيرهما من الفنون، وهي في مجملها متقنة محرّرة، ولذلك نالت استحسان العلماء وثناءهم، فقد كان العز الكناني الحنبلي يثني عليها ويكثر من مطالعتها والانتقاء منها (¬1). ومن أشهر هذا التصانيف: كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، والغاية في شرح الهداية للسخاوي، والأجوبة المرضية فيما سئل عنه من الأحاديث النبوية، والمقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، وغيرها، وكلها مطبوعة متداولة. ¬
توفي رحمه الله بعد حياة حافلة بطلب العلم والتدريس والِإقراء والِإفتاء والتصنيف سنة (952 هـ) بالبقيع بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإِسلام والمسلمين خير الجزاء (¬1). • • • ¬
التعريف بالكتاب
التعريف بالكتاب موضوع الكتاب: يُعَدُّ هذا الكتاب من كتب الختم، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يصليها برسم الانتهاء من إقرائه لكتاب من كتب الحديث أو السيرة أو الفقه أو غيرها من الفنون، ويكون الكلام فيه على فضائل مصنف الكتاب ومناقبه ومآثره، وخصائص كتابه ومزاياه ومنهجه فيه، ويسوق أسانيده إليه، وقد يشرح آخر حديث في الكتاب، ويتكلم عليه سنداً ومتناً. وتعتبر كتب الختم مرجعاً مهمّاً في دراسة مناهج المصنفين؛ إذا يتضمن كثير منها خلاصة الاستقراء لتلك المناهج (¬1)، ولذلك فلا ينبغي إهمال الرجوع إليها لِكُلِّ مَنْ رَامَ البحث في تراجم العلماء أو مناهجهم في تصانيفهم أو النظر في أسانيد الكتب ومعرفة مدى انتشارها واهتمام الناس بها. ¬
مجالس الختم وما صنف فيها
وقد بدأت العناية بهذا اللّون من التصنيف تبعاً لظهور التصنيف في افتتاح الكتب، أعني كتب الافتتاحيات، وهي كتب يصنفها الشيخ أو يمليها برسم الشروع في إقراء كتاب من الكتب أو تدريسه، فتكون بمثابة المقدمة أو المدخل لذلك الكتاب، ويتناول فيها المصنف ما يتناوله مؤلفو كتب الختم من ترجمة صاحب الكتاب المراد إقراؤه، والكلام على خصائص كتابه ومنهجه فيه، وَسَوْقِ أسانيده إليه، وَعَرْضِ ما قيل في الثناء عليه نظماً ونثراً. وأوَّل من علِمته صنّف في ذلك الحافظ أبو طاهر السِّلَفِي (ت 576 هـ) حيث أملى مقدمة على كتاب معالم السنن للخطابي (¬1)، ومقدمة أخرى على كتاب الاستذكار لابن عبد البر القرطبي (¬2)، ولم يشتهر التصنيف في الختم إلاَّ مع مطلع القرن التاسع الهجري، فالّف في ذلك العلاَّمة ابن الجزري (ت 833 هـ) كتابه: "المصعد ¬
الأحمد في ختم مسند الإِمام أحمد" (¬1)، وألّف الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ) في ختم البخاري ومسلم (¬2) والسيرة النبوية لابن هشام (¬3) والشفا (¬4). ثم أتى بعدهما الحافظ محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي فاعتنى بتصنيف كتب الختم عناية كبرى لا نجدها عند غيره من المصنفين، فألّف ثلاثة عشر كتاباً في ذلك، سماها عندما ترجم لنفسه في الضوء اللاّمع، وكذا في الترجمة التي أفردها لنفسه، وفيما يلي أسماء هذه الكتب مرتبة على حروف المعجم (¬5): 1 - الِإلمام في ختم السيرة النبوية لابن هشام (¬6). ¬
2 - الانتهاض في ختم الشفا لعياض (¬1). 3 - بذل المجهود في ختم سنن أبي داود (¬2). 4 - بغية الراغب المتمني في ختم النسائي رواية ابن السني (¬3) 5 - الجوهرة المزهرة في ختم التذكرة للقرطبي. 6 - رفع الِإلباس في ختم السيرة لابن سيد الناس. 7 - الرياض في ختم الشفا لعياض (¬4). 8 - عجالة الضرورة والحاجة عند ختم السنن لابن ماجه (¬5). 9 - عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع (¬6). ¬
1 - غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج (¬1). 11 - القول المرتقي في ختم دلائل النبوة للبيهقي. 12 - القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر (¬2). 13 - اللّفظ النافع في ختم كتاب الترمذي الجامع (¬3). وقد اهتم السخاوي بإقراء ختومه وإسماعها للطلبة لا سيَّما كتابه في ختم الشفا، يقول في ترجمة أحمد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة: "سمع عليَّ الشفا ومؤلَّفي في ختمه، وحضر علي قبل ذلك أشياء" (¬4)، وقال في ترجمة محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم المعروف بابن ظهيرة المكي: "قرأ علي الشفا بمكة ومؤلَّفي في ختمه وسمع قبل ذلك وبعده مني وعلي أشياء" (¬5). ¬
وَرَافَقَ مجالس ختمه للبخاري احتشاد واهتمام من طرف الولاة والأعيان حيث لم يكن يتخلف منهم أحد عن الحضور في مجلس الختم، بل كانوا يوزعون العطايا والهبات على الطلبة والحاضرين، يقول السخاوي: "وكان لبعض ختوم ذلك أوقات حافلة، وأما بالمدينة فختم في يوم جمعة بالروضة النبوية: البخاري ومسند الشافعي ودلائل النبوة والقول البديع وغيرها, ولم يتخلف عنه كبير أحد، وأنشدت قصائد مبتكرة لغير واحد ذكرتها في محلها، وخلع الخواجا الشمسي ابن الزمن على القراء والمادحين، جوزي خيراً ونرجو القبول والمغفرة" (¬1). ويقول في ترجمة أحمد بن عبد الرحيم بن محمود العيني القاهري أحد الوجهاء والمقدمين في مصر: "سار على سيرة أكابر الملوك في الِإنعام والمماليك خصوصاً، فإنه فعل من المعروف والِإحسان شيئاً كثيراً، وعُقِدَ عنده مجلس الحديث فما تخلف كبير أحد عن حضور مجلسه، وصار يعطيهم الصُّرَرَ عند الختم والخلع وغير ذلك ... " (¬2). ويبدو أن الاهتمام بمجالس الختم قد استمر على نفس هذه الوتيرة في العصور التالية، بل ربما قد أولي عناية أكبر، فهذا العلاَّمة أبو سالم العياشي (ت 1090 هـ) يصف مجلس ختم كتاب الشفا على شيخه أبي مهدي عيسى الثعالبي أثناء مقامه بمكة فيقول: "وسمعت من لفظه نحو النصف من كتاب الشفا للقاضي عياض رواية ودراية يقرره ¬
أحسن تقرير، ويبين مقاصده، ويطالع عليه شرح شيخنا شهاب الدين الخفاجي، وكنت أمسكه عليه في حال التقرير وأسرد له المحتاج منه، ويحضر مجلسه فيه غالب النجباء من متفقهي أهل مكة، وكان يوم ختمه يومًا مشهودًا حضره أكابر الفقهاء وأديرت فيه كؤوس الأشربة الحلوة، وأطلقت فيه أنواع البخور والروائح الطيبة، وهذه أنهى تكرمة عند أهل ذلك القطر" (¬1). ومما ينبغي التنبيه عليه بخصوص المؤلفات في الختم أن السخاوي قد شَهَر هذا اللون من التصنيف، فَسَارَ على منواله في ذلك الجم الغفير من أهل العلم، وممن ألّف في ذلك من أهل عصره العلاَّمة القسطلاني (ت 926 هـ فله كتاب: "تحفة السّامع والقاري بختم صحيح البخاري" (¬2)، وبعده ألّف العلاَّمة المحدث محمَّد علي بن علاّن الصديقي المكي (ت 1057 هـ) كتاب: "الوجه الصّبيح في ختم الصحيح" (¬3)، وكتاب: "الابتهاج في ختم المنهاج" (¬4)؛ أي المنهاج بشرح صحيح مسلم للنووي، وهو من المختصرات المعتمدة في فقه الشافعية. ¬
نبذة عن كتاب الشفا
وأشهر من اعتنى بتأليف كتب الختم بعد عصر السخاوي العلاَّمة المحدث عبد الله بن سالم البصري (ت 1134 هـ) فله ختوم على الموطأ وصحيح البخاري، وجامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه (¬1)، وبعده ألّف العلاَّمة أبو الفضل محمَّد تاج الدين بن عبد المحسن بن سالم القلعي (ت 1149 هـ) "منتخب الدراري في ختم صحيح البخاري"، وختم صحيح مسلم (¬2)، وعموماً فإن المتأخرين قد أكثروا من التأليف في الختم بحيث يضيق المجال هنا بحصر تصانيفهم في ذلك. هذا ما حضرني عن كتب الختم ومدى اهتمام العلماء بالتصنيف فيها. أما عن هذا الكتاب الذي بين أيدينا فهو مجلس في ختم كتاب الشفا للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السّبتي (ت 544 هـ) (¬3). وكتاب الشفا من التصانيف البهية في السيرة المحمدية، وهو كتاب مشهور، وبالمحاسن مذكور، أبدع فيه مؤلفه كل الِإبدل، وَسَلَّمَ كَفَاءَتَه فيه جُلّ الأتباع، وكتب له القبول فطارت نسخة شرقاً وغرباً، ¬
بُعداً وقرباً (¬1)، وأثنوا عليه نثراً ونظماً، وتكلّموا عليه إيضاحاً وفهماً. وربما انتقد في بعضه، كانتقاد الحافظ الذهبي (ت 748 هـ) له في إيراده للأحاديث الضعيفة والواهية في كتابه، وذكره لبعض التأويلات البعيدة، فإنّه قال في كتابه سير أعلام النبلاء: "تواليفه نفيسة، وأجلّها وأشرفها كتاب الشفا لولا ما قد حشاه بالأحاديث المفتعلة، عَمَلَ إِمَامٍ لا نقد له في فن الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلوات الله عليه وسلامه غَنِيٌّ بمدحة التنزيل عن الأحاديث، وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات، فلماذا يا قوم نتشبع بالموضوعات, فيتطرق إلينا مقال ذوي الغل والحسد، ولكن من لا يعلم معذور، فعليك يا أخي بكتاب دلائل النبوة ¬
للبيهقي، فإنه شفاء لما في الصدور، وهدى ونور" (¬1). وقد علَّق الحافظ السخاوي على كلام الذهبي هذا قائلاً: "وهو مَاشٍ في الِإنكار على طريقته، بل قد أدخل أبا القاسم الطبراني وغيره من أئمة النقد والحفظ في ميزانه المعقود لمن تكلم فيه لكونهم يروون الموضوعات ونحوها بأسانيدهم ساكتين عنها, ولكن كان يمكنه التعبير هنا بألين من هذه العبارة؛ لأنه لا يخفى عليه ولا على غيره من أئمة الإِسلام المتأخرين عن القاضي عياض جلالته سيَّما في الحديث بحيث اعتمده جمهور من جاء بعده كما صنعه بعض من وافقه على التعرض للقدح في بعض أحاديثه مع التحامي عن تدوينه اعترافاً بحقه وصوناً لهذا الكتاب البديع، في الجناب الرفيع، عن تنقيصه وتوهينه. فقال البرهان الشارح مع كونه ممن تعرض لشيء من ذلك، كما صرّح به في خطبة كتابه حيث قال: وقد تكلمت على بعض أحاديث فيه، وعلى الجملة في ذكره إياها من مكان، وقد يكون في الكتب الستة أو بعضها ما نصه، وقد بلغني عن شيخنا حافظ الوقت الزين العراقي أنه أراد أن يعزو أحاديثه ويتكلم عليها ثم رجع عن ذلك، قلت معللاً لرجوعه بقوله (¬2): هذا كتاب قد تلقي بالقبول فلا أحب التعرض له حكاه لنا شيخنا رحمه الله، وهو ممن كان أيضاً يقول: أيعجب من القاضي مع جلالته في إيراد أسانيده في كثير من الأحاديث التي ينقلها عن مشهور الكذب ويترك إفادتنا تعيين المكان الذي نقل منه ما لا نعرفه إلاَّ منه. ¬
والذي عندي في الجواب عن القاضي رحمه الله أن توجهه لهذا الأسلوب الرائق، والمطلوب الفائق، الذي يلتذ به السامع، وتصير حواسه كلها لطربه به مسامع، والأجوبة الحسنة المتضمنة للمثوبة البينة، وكون القصد المشي في الطريق الذي لم نر من سار فيه كسيره منه من التشاغل بتمييز الصحيح من غيره؛ سيَّما وهي في الفضائل المتسامح فيها بين الأوائل، وإن فقد في بعضها بعض الشروط، كما هو مقرر مضبوط، فكان القاضي لا يتقيد به، هذا مع أنه قد قال في أثناء كتابه أنه اقتصر في كثير من الأحاديث وغريبها على ما صحّ واشتهر، لا يسأل من غريبه مما ذكره مشاهير الأئمة، وحذفنا الإِسناد في جمهوره طلباً للاختصار، بل يتكلم في الأمور الضرورية غالباً". ثم ذكر السخاوي نماذج من كلام القاضي عياض على بعض أحاديث الشفا، ثم قال: "وهو شاهد لما اعتذرت به عنه من كونه لا يسكت عن الضروري بخلاف غيره من الفضائل ونحوها، فكلامه مشعر به، ولذا مشى عليه خاصة في شفائه، وأما ما قاله الذهبي في التأويلات (¬1)، فالقاضي رحمه الله يحكي الأقوال ويرجح ويختار ... " (¬2)، إلى آخر كلامه رحمه الله. وفيما ذكره السخاوي رحمه الله مواضع تحتاج إلى توضيح وتعليق، لكن الذي ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن المآخذ على كتاب ¬
تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه وإثبات عنوانه
الشفا لا تغض من قيمته ولا تحط من قدره، وإنما هي من قبيل المآخذ التي لا يسلم منها أي عمل بشري مهما بلغ من الجودة والإِتقان. ويكفي لاستدراك ما وقع فيه من قصور أو هنات أن يتصدى أحد العلماء لتحقيقه والتعليق عليه، وأحسن من ذلك أن تتولى هذه المهمة مؤسسة علمية أو مركز من مراكز البحث العلمي التي تتولَّى خدمة السُنَّة والسِّيرة النَّبويَّة، والله الموفق. تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه وإثبات عنوانه: هذا الختم ثابت النسبة للِإمام السخاوي لأمور منها: 1 - ما ورد على طرة نسخته الخطية من نسبة الكتاب إليه. 2 - ذكر المصنف في ترجمته لنفسه أن له ختماً صغيراً على الشفا (¬1)، وهو هذا الختم الذي بين أيدينا، وذكر أيضاً أن له ختماً آخر على الشفا كبير ومبسوط (¬2)، وقد عثرت عليه. 3 - نسب هذا الختم إليه إسماعيل باشا ومحمد عبد الحي الكتاني (¬3). 4 - أسانيده التي ساقها في آخر هذا الختم لكتاب الشفا تؤكد ¬
وصف النسخة المعتمدة في التحقيق
أن صاحبها هو السخاوي، فقد روى عن ابن حجر وأبي عبد الله الرشيدي والمجد الحريري، وهؤلاء من شيوخه المعروفين. وأما بخصوص العنوان فقد وَرَد على غلاف النسخة الخطية لهذا الختم ما يلي: "مجلس في ختم الشفا لكاتبه محمد بن السخاوي، عمله سريعاً في ساعة، نفع الله به"، وقال الناسخ عقبه: "هكذا بخط المصنف بظهر أول ورقة من الأصل المنقول عنه"، وقد سمّى المصنف ختمه الصغير على الشفا -وهو هذا الذي بين أيدينا- بـ"الانتهاض في ختم الشفا لعياض"، وذلك في كتابيه الضوء اللامع وإرشاد المناوي، وكذلك سماه إسماعيل باشا والكتاني (¬1). وأما ختمه الكبير على الشفا فسماه: "الرياض في ختم الشفا لعياض"، وقد تقدم الِإلماع إليه وقد وقفت له على نسخة خطية بمكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة النبويَّه، يسَّر الله تعالى تحقيقه ونشره. وصف النسخة المعتمدة في التحقيق: اعتمدت في تحقيق هذا الختم على نسخة فريدة توجد بمكتبة الحرم المكي العامرة بمكة المكرمة برقم: 53 ضمن مجموع، وهي في أربع ورقات، تعبداً من الورقة (99/ أ) وتنتهي عند الورقة (152/ ب)، تحتوي كل ورقة على وجهين، كل وجه يتضمن (23) سطراً، كل سطر يضمّ ما يقارب تسع كلمات. وقد كتب المخطوط بخط نسخ مشرقي معتاد، وهو بخط الشيخ أحمد بامزروع، والنسخة عارية عن تاريخ النسخ، لكنها مصححة ¬
منهجي في التحقيق
ومقابلة، وقد صرّح الناسخ في خاتمة المخطوط أنه قابل نسخته على نسخة جاء في آخرها: "انتهى نقله من مسوّدة المصنف، وهي بخطه رحمه الله"، فهذه النسخة منقولة من نسخة منقولة هي الأخرى عن مسودة المصنف رحمه الله. منهجي في التحقيق ويتلخَّص ذلك في النقاط التالية: 1 - قدمت للرسالة بدراسة موجزة تناولت فيها بإيجاز ترجمة المؤلف، وموضوع التصنيف في الختم عند المحدثين. 2 - قمت بنسخ المخطوط وفق القواعد الِإملائية الحديثة، وحرصت على ضبط نصوصه بالشكل. 3 - شرحت بعض الكلمات الغريبة التي قد يشكل فهمها على بعض القراء. 4 - عرَّفت بمؤلفات القاضي عياض التي أشار إليها المؤلف. 5 - ضبطت الأشعار التي أوردها المؤلف وأشرف إلى أسماء منشديها، حيث أهمل المؤلف ذكر أسمائهم. 6 - عرَّفت برجال الأسانيد التي ذكرها المؤلف إلى كتاب الشفا في آخر هذا الختم. 7 - علّقت على بعض المواضع التي تحتاج إلى تعليق. إلى غير ذلك مما يجده القارئ في ثنايا الرسالة.
صورة لورقة العنوان
صورة لبداية المخطوط
صورة لنهاية المخطوط
[مقدمة المصنف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه الاستعانة، يا كريم مُقدِّمة الحَمْدُ لله المانِحِ لِعِبَادِهِ المؤمنين شِفَا، والمانِعِ عَنْ أَحْبَابِهِ الموحدين شَقَا، باعثِ النبيين، مُبَشَرِينَ وَمُنْذِرِين، ومُيَسِّرين غَيْرَ مُعَسّرِين، بالآيات البَاهِرَاتِ، والمعْجِزَاتِ الظَّاهِرَاتِ، والبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ، ونَاعِتِ الجَمِيعِ، بالوَصْفِ البَدِيعِ، والسِّتْرِ المَنِيع، والحِجَابِ الرَّفِيعِ، وَجَاعِلِ نبينا أكملهم ذاتاً، وأجملهم صفاتا، وأرفعهم قدراً، وأجمعهم فخراً، وأزكاهم كرامةً، وأوفاهم معجزة وآيةَ. بِهِ خَتَمَ النبيين، وَفَضَّلَهُ على سَائِرِ الخَلْقِ أجمعين، وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ الأُمَمِ. وأعطاه جوامعَ الكَلِمِ، وبدائع الحِكَمِ، وَنَسَخَ الشّرائع بشريعَتِهِ، وَعَمَّ سَائرَ الخلقِ بِبِعْثَتِهِ، وأعطاهُ المقامَ المحمودَ، والحَوْضَ المورودَ، والشَّفَاعَةَ العُظْمَى في اليَوْمِ المشهودِ، واصْطَفَاهُ بالمحبّة والخُلَّةِ، والقُرْبِ والدُّنُوِّ، والمعراجِ، والصلاةِ بالأنبياءِ، ولِوَاءِ الحَمْدِ، والبِشَارَةِ والنَّذَارَةِ، والهِدَايةِ والأمانةِ، وإتمامِ النِّعْمَةِ.
وأعطاهُ الرِّضَى والعَفْوَ عَمَّا تَقَدَّم وَتأَخرَ، وَشَرْحَ الصَّدْرِ، وَرُجْحَانَ الفَضْلِ، وَوَضْعَ الْوِزْرِ، وَرَفْعَ الذِّكْرِ، وَعِزَّ النَصْرِ، ونُزُولَ السَّكِينَةِ، والتأييدَ بالملائكة، وإيتاءَ الكتاب والحكمة، والسبعَ المثاني، والقرآنَ العظيم، والحُكْمَ بين الناس بما أَرَاهُ الله، والْقَسَمَ بِاسْمِهِ، وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ، وَإِحْيَاءَ الموْتَى، وإِسْمَاعَ الصُّمَ، وَرَدَّ الشَّمْسِ، وَقَلْبَ الأَعْيَانِ، والاطِّلاَع على الغيبِ بإذنه، وَظِلَّ الغَمَامِ، وإِبْرَاءَ الآلاَمِ، والعصمةَ من الناس، وَصَلاَةَ اللهِ وَمَلائَكَتَهُ عليه، وَجَعْلَهُ رحمةً للعالمين، ووضع الِإصر والأغلال عن أمته، إلى غير ذلك مما ادَّخَرَهُ له في الآخرة من الكَرَامَةِ والسَّعَادَةِ الوَافِرَةِ. فَلَة الحَمْدُ على مَا أَنْعَمَ، وله الشُّكْرُ فيما إِلَيْهِ أَلْهَمَ، من اتِّبَاعِ آثَارِ هذا النَّبِيّ الكَرِيمِ، وإِسْمَاعِ نُبَذٍ من مَآثِرِهِ وشمائِلِهِ وخَصَائِصِهِ في الجمِّ العميمِ. وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، شهادةَ مُعْتَرِفٍ بِالعَجْزِ والتَّقْصِيرِ، وَمُغْتَرِفٍ من بَحْرِ كَرَمِهِ وَجُودِهِ ما يُكْتَفَى به المسير، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصفِيُّهُ وَنَجِيُّهُ، سَيدُ الخَلْقِ، والنبيّ الحَق، أَرْسَلَهُ {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} (¬1). اللهُمَّ صَل وَبَارِكْ وَتَرَحَّمْ على عبدك ونبيك ورسولك النَّبِيِّ الأُمَيِّ، سَيدِ المرسلينَ، وَإِمَامِ المتقينَ، وخاتمِ النبيينَ، إِمَامِ الخَيْرِ، ¬
وَقَائِدِ الخَيْرِ (¬1)، ورسولِ الرَّحْمَةِ، وعلى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المؤمنينَ، وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وآلِهِ وأصهارِهِ وأنصارِهِ وأتباعِهِ وأشياعِهِ وَمُحِبِّيهِ، كما صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وعلى آل إبراهيمَ في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ. وصَلِّ وباركْ وَتَرَحَّمْ علينا معهم أفضلَ صلواتِكَ وأزكى بركاتِكَ، كُلَّمَا ذَكَرَكَ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عن ذِكْرِكَ الغَافِلُونَ، عَدَدَ الشَفْعِ والوَتْرِ، وَعَدَدَ كلماتِكَ التَامَّاتِ المباركاتِ، وَعَدَدَ خَلْقِكَ، وَرِضَى نَفْسِكَ، وَزِنَةَ عَرْشِكَ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِكَ، صَلاَةً دَائِمَةً بِدَوَامِكَ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مقاماً محموداً، يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ والآخِرُونَ، وَأَنْزِلْهُ المَقْعَدَ المُقَرَّبَ عندك يَوْمَ القِيَامَةِ، وَتَقَبَلْ شَفَاعَتَهُ الكُبْرَى، وارْفَعْ دَرَجَتَهُ الْعُلْيَا، وَأَعْطِهِ سُؤْلَهُ في الَاخِرَةِ والأُولَى، كَمَا آتيْتَ إبراهيمَ وَمُوسَى. اللهم اجْعَلْ في المصُطَفَيْنَ مَحَبَّتَهُ، وفي المُقَرَّبِينَ مَوَدَّتَهُ، وفي الأَعْلَيْنَ ذِكْرَهُ، وَاجْزِهِ عَنَا مَا هُوَ أَهْلُهُ، خَيْرَ مَا جَزَيْتَ نَبِيًّاً عَنْ أُمَّتِهِ، وَاجْزِ الأنبياءَ كُلَّهُمْ خَيْراً، صَلَوَاتُ الله وَصَلاَةُ المؤمنينَ على محمَّد النَّبِي الأُمِّيِّ، السَّلاَمُ عليكَ أَيها النِّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ. اللَّهُمَّ أَبْلِغْهُ مِنَّا السَّلاَمَ، وَارْدُدْ علينا منه السَّلاَمَ، وَأَتْبِعْهُ من أُمَّتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ مَا تَقَرُّ به عَيْنُهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. ¬
الثناء على القاضي عياض وبيان بعض مناقبه ومآثره
اللَّهُمَّ وَارْضَ عن أَئِمَّةِ الدِّينِ والأَئِمَّةِ المجتهدينَ، القائمينَ بِنَصْرِ دِينِهِ القَوِيم، والسَّالِكِينَ طَرِيقَهُ المستقيمَ، والدَّافِعِينَ جَيْشَاتِ (¬1) المبطلينَ، بِأَمْتَنِ دَلِيلٍ، وأحسنِ إيضاحٍ وتعليلٍ، حَتَّى رَجَعَ الملحدُ خَائِباً، وانقطعَ المفسدُ مُجَانِباً، وَعَادَتْ حُجَّتُهُ دَاحِضةً، لما تَظَاهَرُوا بالأدلّة النَّاهِضَةِ. فَشَكَرَ الله سَعْيَهُمْ، وَقَبِلَ صُنْعَهُمْ، وَنَفَعَنَا بِبَرَكَاتِهِمْ، وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِمْ. وَقَدْ كَانَ منهم في المائة السَّادِسَةِ القاضي أبو الفضل عِيَاضُ بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله ابن موسى بن عياض اليَحْصُبِيِّ، الأَنْدَلُسِيِّ الأَصْلِ، السَّبْتِيِّ (¬2)، إِمَامُ ¬
وَقْتِهِ في التَّفْسِيرِ والحديثِ وَفُنُونِهِمَا، والحافظُ لمذهب الِإمامِ مالكٍ، والمتقدِّمُ في الأصولِ والنَّحْوِ واللُّغَةِ وَأَيَّام العَرَبِ وَأَنْسَابِهَا، والبَصِيرُ بالأحكامِ وَعَقْدِ الشُّرُوطِ، والمُجيدُ للشِّعْرِ والخطابةِ والبلاغةِ، والمُتَضَلِّعُ من فُنُونِ الأدبِ، والصَّبْرِ والحِلْمِ، والمَوْصُوفُ بالجُودِ والسَّمَاحَةِ وكثرةِ الصَّدَقَةِ وجميلِ العِشْرَةِ، والدُّؤُوبِ على العملِ، والصّلابة في الحقّ. وَوُصِفَ بِأَنَّهُ: "جَاءَ عَلَى قَدَرٍ، وَسَبَق إلى نَيْلِ المعَالِي وابْتَدَرْ، فَاسْتَيْقَظَ لَهَا والنَّاسُ نِيَامٌ، وَوَرَدَ مَاءَهَا وَهُمْ حِيَامٌ (¬1)، وَتَلاَ من المعارفِ مَا أَشْكَلَ، وَأَقْدَمَ على مَا أَحجَمَ عنه سِوَاهُ وَنكلَ (¬2)، فَتَحَلَّتْ بِهِ للْعُلُومِ نُحُورٌ، وَتَجَلَّتْ لَهُ منها حُورٌ، كَأنَّهُنَّ اليَاقُوتُ والمَرْجَانُ، لم يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ. قد ألحَفَتْهُ الأَصَالَةُ رِدَاءَهَا، وَسَقَتْهُ أَنْدَاءَهَا، وَأَلْقَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ ¬
ذكر بعض مصنفات القاضي عياض
مَقَالِيدَهَا، وَمَلَّكَتْهُ طَرِيفَهَا وَتَلِيدَهَا (¬1)، فَبَذَّ (¬2) عَلَى فِتْيَانِهِ (¬3) الكهولِ سُكُوناً وَحِلْماً، وَسَبَقَهُمْ معرفةً وَعِلْماً، وَأَزْرَتْ مَحَاسِنُهُ بالبَدْر اللَّيَّاحِ (¬4)، وَسَرَتْ فَضائِلُهُ مَسْرَى الرِّيَاحِ، فَتَشَوَّفَتْ لِجَلاَهُ (¬5) الَأَقْطَارُ، وَوَكَفَتْ (¬6) تَحْكِي نَدَاهُ الأَمْطَارُ. وهو على اعتنائِهِ بعلومِ الشَّرِيعَةِ، واخْتِصَاصِهِ بهذه المَرْتَبَةِ الرَّفِيعَةِ، يُعْنَى بإِقَامَةِ أَوَدِ (¬7) الأَدَبِ، وَيَنْسِلُ إليه أَرْبَابُهُ من كُلِّ حَدَبٍ" (¬8). وَكَانَ بَرّاً بِلِسَانِهِ، جَوَاداً بِبَنَانِهِ، كثيرَ التَّخَشُّعِ في صَلاَتِهِ، مُوَاصِلاً لِصِلاَتِهِ، بَحْرَ عِلْمٍ، وَهَضَبَةَ دِينٍ وَحِلْمٍ، وهو كالثَّمَرَةِ كُلُّهَا حَلاَوَة، لِلنَّفْسِ إلى عُذُوبةِ لَفْظِهِ في كُلِّ ما تَصَرَّفَ فيه من الكَلاَمِ نَثْراً وَنَظْماً طَلاَوَة. صَنَفَ التَّصَانِيفَ الفَائِقَةَ، في العلومِ النَّافِعَةِ الرَّائِقَةِ، فمن ذلك: ¬
- إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم (¬1). - ومشارق الأنوار على صحاح الآثار (¬2). - والإِلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع (¬3). - وبغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد (¬4) -/ ومعجم شيوخه المسمى بالغنية (¬5). ¬
- والإِعلام بحدود قواعد الإِسلام (¬1). - والمدارك في مناقب الإِمام مالك وأصحابه (¬2). - والتنبيهات المستنبطة في شرح كلمات مشكلة وألفاظ مغلطة على الكتب المدونة (¬3). ¬
الثناء على كتاب الشفا والإشادة بخصائصه ومزاياه
وَغَيْرِ ذلكَ مِمَا انتفعَ بِهِ الأئِمَّةُ شَرْقاً وَغَرْباً، وَتنافَسُوا في تَحْصيلِهِ بُعْداً وَقُرْباً (¬1). وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ التَّصَانِيفِ إِلاَّ كِتَابُهُ الشِّفَا بتعريفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى لَكَفَى في عُلُوِّ مِقْدَارِهِ، وَسُمُوِّ اشْتِهَارِهِ، فإنّه أَبْدَعَ فيه كُلَّ الإِبْدَاع، وَانْعَقَدَ على جَلاَلَتِهِ الإِجْمَاعُ، وَسَلَّمَ لَهُ أَكْفَاؤُهُ [كِفَايَتَهُ] (¬2) فِيهِ، وَاعْتَمَدَهُ المحدِّثُ وَالفَقِيهُ، ولم يُنَازِعْهُ في انفرادِهِ به أَحَدٌ، ولا خَلِيَ عنه من مُدُنِ الإِسلامِ بَلَدٌ، وَلاَ أنكروا من يَدِهِ سَبْقَهُ إِلَيْهِ، بَلْ تَشَوَّقُوا للوقوفِ عَلَيْهِ، وَأَنْصَفُوا في الاستفادةِ مِنْهُ والرّوَايَةِ عَنْهُ، واعترفوا بأنه بَلَغَ فيه الغَايَةَ القُصْوَى، وإن كانَ ذَلِكَ أَمْراً لا يُسْتَوفَى. "فَنَسْأَلُ الله تَعَالى أن يُجَازِيَ مُؤَلِّفَهُ خَيْراً، وَيُعْظِمَ له بما ألَّفَهُ وانْتَخَبَهُ أَجْراً، فلقد جَرَى في مَيْدَانِ أَشْرَفِ العلومِ جَرْيَ السَّابِقِ، وَنَظَمَ في جِيدِ الزَّمَانِ سِلْكَ المعارفِ، وَدُرَرَ الحقائقِ، وَشَفَى بكتاب الشِّفَا قَلْبَ كُلِّ مُؤْمِنٍ صَادِقٍ، كَمَا كَبَتَ به [قَلْبَ كُلِّ] (¬3) عَدُوٍّ مُنَافِقٍ، فإذا طَالَعَهُ المؤْمِنُ استنارتْ في بَاطِنِهِ حقائقُ أنوارِهِ، وإذا جَالَ في رَوْضِ ¬
ذكر بعض ما قيل في الثناء على كتاب الشفا نظما
مَعَارِفِهِ تَنَفَّسَتْ لَهُ نَفَحَاتُ نَسِيمِهِ الأَرِيجِ,، وَتَبَسَّمَتْ لَهُ مَبَاسِمُ أَزْهَارِهِ. فَهُوَ كَمَا قَالَ القَائِلُ (¬1) تعظيماً لِمَحَلِّه الكَرِيمِ، وَتَشْرِيفاً لَحمِيدِ آثَارِهِ" (¬2): كِتَابُ الشِّفَا شِفَاءُ القُلُوبِ ... قَد ائتَلَقَتْ شَمْسُ بُرْهَانِهِ فَأَكْرِمْ بِهِ ثُمّ أَكْرِمْ بِهِ ... وَأَعْظِمْ (¬3) مَدَى الدَّهْرِ مِنْ شَأْنِهِ إِذَا طَالَعَ المَرْءَ مَضْمُونَهُ ... رَسَى في الهدَى أَصْلُ إِيمَانِهِ وَجَالَ بِرَوْضِ التُّقَى نَاشِقاً ... أَرَايِجَ أَزْهَارِ أَفْنَانِه وَنَالَ عُلُوماً تُرَقِّيهِ في ... ثُرَيَّا السَّنَاءِ (¬4) وَكِيوَانِه فِلِلَّهِ دَرُّ أَبِي الفَضْلِ إِذْ ... سَرَى في الوَرَى نَيْلُ إِحْسَانِهِ فَعَزِّزْ قَدْرَ نَبِيِّ الَهُدَى ... وَخَيْرِ الأَنَامِ بِتِبْيَانِه وَجَازَاهُ رَبِّي خَيْرَ (¬5) الجزَاءِ ... وَجَادَ عَلَيْهِ بِغُفْرَانِه وَمِنَا الصَّلاَةُ عَلَى المُجتَبى ... وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ أَعْوَانِهِ ¬
مَدَى الدَّهْرِ لاَ تَنْقَضِي دَائِماً (¬1) ... وَلاَ تَنْثَنِي طُولَ أَزْمَانِهِ (¬2) وقيل فيه أيضاً (¬3): جَزَى الإِلَهُ عِيَاضاً بِالشِّفَاءِ غَداً ... رِيَاضُ فِرْدَوْسِهِ نُزْلاً بِجَنَّتِهِ دَوَاؤُهُ قَدْ شَفَى الأَدْوَاءَ فَهُوَ لَهُ ... ذُخْرٌ يَقِيهِ يَقِيناً لُبْسَ جنّتهِ (¬4) وقيل فيه أيضاً (¬5): شِفَاءُ عِيَاضٍ لِلنُفُوسِ الأَبِيَّةِ ... دَوَاءُ سَنَاءٍ وَهْوَ أَسْنَى وَسِيلَةِ بِهِ أَشْرَقَ الإِصْبَاحُ واتّضَحَ الهُدَى ... بِرَغْمِ أُنُوفٍ لِلطُّغَاةِ وَذِلَّةِ لَهُ الله مِنْ بَحْرٍ (¬6) إِمَامٍ وَعَالِمٍ ... غَدَا فِيهِ يَهْدِي الحَقَّ لَكِنْ بِسُنَّةِ وَلَمَّا رَأَى الأهْوَاءَ زَادَ امْتِدَادُهَا ... وَجَاء بَنُوهَا بِالضَّلاَلِ وَشُبْهَةِ نَضَا (¬7) صَارِمَ الإِسْلاَمِ في كَيْدِ نَحْرِهِم ... وَقَالَ لَهُمْ بِالله حَسْبِي وَعِدَّةِ ¬
أَبَانَ الذي يَعْتَاضُ صِدْقاً بِحُجَّةٍ ... أَتتْ تَجْتَلِي كَالشَّمْسِ وَسْطَ الظَّهِيرَةِ لَهَا في بِلاَدِ الله نُورٌ مُشَعْشَعٌ ... وَمَطْلَعُ ذَاكَ النُورِ أَرْجَاءُ سَبْتَةِ وَلاَ عَجَبٌ لِلْغَرْبِ قَدْ خَصَّ رَبُّنَا ... بِهِ الْفَضْلَ، بَلْ في الشَّرْقِ مَطْلَعُ فِتْنَةِ جَزَى الله رَبِّي رُوحَهُ النَّاعِمَ الَّذِي ... تَوَارَى غَرِيباً خَيْرَ أَعْضَاءِ (¬1) مَيِّتِ وَاَتَاه مِمَّا قَدْ أَعَدَّ لِمَنْ قَضَى ... شَهِيداً مِنَ الخَيْرَاتِ في صِدْق جَنَةِ (¬2) وقيل فيه أيضاً (¬3): شِفَاءُ عِيَاضٍ لِلْقُلُوبِ دَوَاؤُهَا ... مِنَ الْجَهْلِ فَاجْهَدْ أَنْ تَكُونَ بِهِ مُغْرى (¬4) لَقَدْ فَازَ بِالأَجْرِ الْجَزِيلِ حَقِيقَةً ... لَدَى حَلْبَةِ السِّبَاقِ في مَوْقِفِ الأُخْرَى فَطَالِعْ مَعَانِيهِ تَفُزْ بِمَعَارِفٍ ... تَرْقَى مَعَانِيهَا (¬5) وَتُكْسِبَهُ أَجْرا ¬
وَتُدْنِيهِ مِنْ نَهْجِ الحَقِيقَةِ وَاصِلاً ... إِلَى العَالَمِ الأَعْلَى وَتُوجِدَهُ ذِكْرا فَيَرْقَى عَنِ الأَغْيَارِ في كُلِّ وِجْهَةٍ ... وَيَظْفَرَ بِالحُسْنَى وَيَا حَبَّذَا ذُخْرَا وَيَنْعَمَ بِالأَحْبَابِ في حَضْرَةِ البَقَا ... وَيَشْهَدُ سِرَّ الجَمْعِ جَهْراً إِذَا أَسْرَى (¬1) وفيه أيضاً (¬2): شَفَى نَفْسَ كُلِّ امْرِئٍ مُؤْمِنٍ (¬3) ... بِنُورِ البَيَانِ كِتَابُ الشِّفَا وَأَبْهَجَهَا مَا تَضَمَّنَه ... مِنَ القَوْلِ في شَرَفِ المُصْطَفَى وَفِي شَرَفِ الأَنْبيَاءِ وَفِي ... طَهَارَتِهِمْ مِنْ ضُرُوبِ الجَفَا جزَى الله وَاضِعَهُ جَنَّةً ... وَقُرْبَ زُلْفَى بِمَا ألَّفَا أَفادَ عُلُوماً جَهُولاً بِهَا ... وَزَحْزَحَ عَنْهُ عَمىً وَنَفَى عُلُومٌ تَزِيدُ القُلُوبَ هُدىً ... فَأَفْلَحَ قَلْبٌ زَكَى وَصَفَا رِيَاضٌ مِنَ الْعِلْمِ صَنَّفَهُ ... عِيَاضٌ فَأَكْرِمْ بِمَا صَنَّفَا إِذَا مَا تَأَمَّلَ أَزْهَارَهُ ... أَرِيبٌ سَقِيمُ الفُؤَادِ اشْتَفَى (¬4) ¬
وفيه أيضاً (¬1): جَازَى الإِلَه العِيَاضِيَّ الإِمَامَ بِمَا ... يُجْزَى بِهِ كُلُّ مَنْ يُحْيَى بِهِ الأَثَرُ أَنْوَارُ ذِكْرِ الرَّسُولِ المُصْطَفَى ائْتَلَقَتْ ... تَجْلُو الدَّيَاجِي مِنْهَا الأَنْجُمُ الزُّهُرُ شَمْسُ الضُّحَى أَشْرَقَتْ مِن نُورِهِ وَذَكَا ... مِنْ عَرْفِ رَوْضِ الرُّبَى لِلنَّاشِقِ الزَّهَرُ سِلْكٌ بِهِ ازْدَانَ جِيدُ العِلْمِ وَانْتَظمَتْ ... فِيهِ لِجَامِعِهِ اليَاقُوتُ وَالدُّرَرُ أَرْوَتْ ظَمَأَ الْوَرَى غُرُّ الغَمَامِ بِهِ ... بِوَاكِفٍ لِلْحَيَا سَحَّتْ بهِ الدِّرَرُ جَدِيدُهُ لَيْسَ يَبْلَى الذِّكْرُ مِنْهُ عَلَى ... مَرِّ الجَدِيدَيْنِ يُسْتَجْلَى لَهُ (¬2) صُوَرُ غَضٌّ يَلَذُّ عَلَى الأَسْمَاعِ يَمْلَؤُها ... مِنَ السُّرُورِ إِذَا تُتْلَى لَهُ سُوَرُ لِلَّهِ دَرُّ ذَوِي الأَلْبَابِ قَدْ عَمَرُوا ... الأَعْمَارَ مِنْهُ بِمَا قَدْ بُورِكَ العُمُرُ ¬
أسانيد السخاوي التي يروي بها كتاب الشفا
يُرَدِّدُونَ عَلَى الأَسْمَاعِ مَا قَرَؤُوا ... مِنْهُ فَيَا نَعْمَ مَا الدُّنْيَا بِهِ عَمَرُوا الشِّعْرُ شَاخَ، وَكَلَّ الفِكْرُ حِينَ مَضَى ... عَصْرُ الشَّبَابِ وَشَابَ الرَّأْسُ وَالشَّعَرُ تَمْضِي الْحَيَاةُ وَأَبْنَاءُ الزَّمَانِ بِهِ ... في غَفْلَةٍ بِانْصِرَامِ الْعُمْرِ مَا شَعَرُوا أَنَّى لِمَنْ بِشَرٍّ جَلَّتْ ذُنُوبُهُمُ ... وَاللهُ يَصْفَحُ عَمَّا قَدْ جَنَى الْبَشَرُ الفَضْلُ وَالْكَرَمُ الْجَمُّ الْعَمِيمُ لَهُ ... جَاءَتْ بِهِ لِعَبِيدٍ أَذْنَبُوا البِشَرُ (¬1) وهذا آخر ما قصدت إيراده. وقد أخبرني به (¬2) المشايخ الأئمة: - شيخ الإِسلام حافظ الوقت أبو الفضل أحمد بن حجر (¬3) - وأبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الرشيدي (¬4). - والمجد أبو الفتح محمَّد بن محمَّد الحريري (¬5). ¬
- وَجُوَيْرِيَّهُ ابنة أبي الفضل الحافظ (¬1). رحمهم الله جميعاً، وآخرون. بقراءتي على الأَخِيرَيْنِ. وسماعاً على الثاني لجميعه. وعلى الأول لغالبه، وإجازة لسائره، قال: أخبرنا به محمَّد بن عبد الرحيم الحنفي (¬2)، وببعضه أبو الطيب محمَّد بن علي السُّحُولي (¬3). ¬
وقال الثاني: أخبرنا به أبو الحسن علي بن محمَّد بن السَّبْع (¬1) سماعاً عليه من لَفْظِ وَالِدِي عبد الله الجمالِ (¬2) لجميعه. وقال الثالث؛ أخبرنا به المجد أبو الفداء إسماعيل بن إبراهيم الحنفي (¬3) سماعاً. قالوا -ما عدا السحولي-: أخبرنا به النجم أبو الفتوح ¬
يوسف بن محمَّد بن محمَّد الدلاصي (¬1). وقال السحولي: أخبرنا به الزبير بن علي بن سيد الكل الأسواني (¬2)، قال: أخبرنا به أبو الحسين يحيى بن أحمد بن تَامَتِّيت (¬3)، عن الإِمام أبي الحسين يحيى بن ¬
محمَّد بن علي بن الصائغ (¬1). وقالت المرأة: أخبرنا به أبو الفتح ابن حاتم (¬2)، أخبرنا أبو [الثور] (¬3) الديوسي (¬4)، عن أبي عبد الله ابن محارب (¬5) ¬
خاتمة الكتاب
إجازة (¬1)، عن مؤلفه: القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله ورضي عنه وأعاد علينا من بركاته (¬2). قال (¬3): انتهى نقله من مُسوَّدَةِ المصنف وهي بخطه رحمه الله، وَقُوبِلَ عليها. كَتَبَ الفقير إلى الله الشيخ أحمد بَامَزْرُوعِ، وقد قُوبِلَتْ هذه النسخة على النسخة المنقولة من مسودة المصنف رحمه الله، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً (¬4). ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
المصادر والمراجع
المصادر والمراجع 1 - إرشاد الغاوي، بل إعلام الطالب الراوي بترجمة السخاوي، للسخاوي، مصورة عن الأصل الخطي المحفوظ بخزانة أيا صوفيا بتركيا. 2 - أزهار الرياض في أخبار عياض، لأحمد بن محمَّد المقري التلمساني (ت 1041 هـ)، نشر صندوق إحياء التراث الإِسلامي المشترك بين المملكة المغربية والإِمارات العربية المتحدة، 1978 م. 3 - إنباء الغمر بأبناء العمر، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، نشر دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد - الهند، الطبعة الأولى، 1387 هـ. 4 - برنامج ابن جابر الوادي آشي، لشمس الدين محمَّد بن جابر الوادي آشي التونسي (ت 749 هـ)، تقديم وتحقيق: د. محمَّد الحبيب الهيلة، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، 1401 هـ. 5 - تبصير المنتبه وتحرير المشتبه، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق: علي البجاوي، نشر الدار العلمية بدلهي - الهند، الطبعة الثانية، 1406 هـ. 6 - التكملة لكتاب الصلة، لأبي عبد الله ابن أبي بكر القضاعي البلنسي المعروف بابن الأبار (ت 658 هـ)، تحقيق: د. عبد السلام الهراس، نشر دار الفكر ببيروت - دار المعرفة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1996 م.
7 - ثبت أبي جعفر البلوي الوادي آشي، تحقيق: عبد الله العمراني، نشر دار الغرب الإِسلامي ببيروت، الطبعة الأولى، 1453 هـ. 8 - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإِسلام ابن حجر، لأبي الخير محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)، نشر دار ابن حزم ببيروت، الطبعة الأولى، 1419. 9 - ختم الشفا، لأبي عبد الله محمَّد بن عبد الله المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي، مخطوط محفوظ بمكتبة أورشليم، وعنه مصورة فيلمية بمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض. 10 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، نشر دار إحياء التراث العربي ببيروت. 11 - ذيل التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لتقي الدين محمَّد بن أحمد الفاسي المكي (ت 832 هـ)، تحقيق: محمَّد صالح المراد، نشر مركز إحياء التراث الإِسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1411 هـ. 12 - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، لأبي عبد الله محمَّد بن محمَّد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي (ت 703 هـ)، السفر الثامن، تحقيق: د. محمَّد بنشريفة، نشر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، 13 - الرياض في ختم الشفا لعياض، مخطوط بمكتبة الشيخ عارف حكمت ضمن مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة برقم: 308/ 80 ضمن مجموع من الورقة (1) إلى الورقة (18). 14 - سير أعلام النبلاء، لأبي عبد الله محمَّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق جماعة من الباحثين، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة التاسعة، 1413 هـ.
15 - الصلة في تاريخ أئمة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم وأدبائهم، لأبي القاسم خلف بن عبد الملك المعروف بابن بشكوال (ت 578 هـ)، عني بنشره وتصحيحه السيد عزت العطار الحسيني، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1414 هـ 16 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لأبي الخير محمَّد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902 هـ)، نشر دار الجيل ببيروت. 17 - طبقات الحنفية، للسخاوي، مصورة بالجامعة الإِسلامية برقم: 2403، عن الأصل الخطي المحفوظ بالمكتبة الأحمدية بحلب. 18 - عمدة القاري والسامع، للسخاوي، نشر دار عالم الفوائد بمكة، الطبعة الأولى، 1419 هـ. 19 - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (ت 1382 هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس، نشر دار الغرب الإِسلامي ببيروت، الطبعة الثانية، 1402 هـ. 19 - القاضي عياض وجهوده في علمي الحديث رواية ودراية، للدكتور البشير الترابي، نشر دار ابن حزم بيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 21 - قبس من عطاء المخطوط المغربي، لمحمد بن عبد الهادي المنوني (ت 1420 هـ)، نشر دار الغرب الإِسلامي ببيروت، الطبعة الأولى، 1999 م. 22 - قلائد العقيان في محاسن الأعيان، للفتح ابن خاقان (ت 529 هـ) مصورة عن طبعة باريس، قدَّم لها ووضع فهارسها: محمَّد العنابي، شر المكتبة العتيقة بتونس.
23 - لسان العرب، لأبي الفضل محمَّد بن مكرم بن منظور الإِفريقي (ت 711 هـ)، نشر دار صادر ببيروت، الطبعة الثالثة، 1414 هـ. 24 - "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 711 هـ)، نشر دار المعرفة ببيروت، الطبعة الأولى، 1415 هـ. 25 - المعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق: محمَّد شكور المياديني، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى، 1418 هـ. 26 - منهجية فقه الحديث عند القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم، للدكتور الحسين بن محمَّد شواط، نشر دار ابن عفان بالخبر - السعودية، 1414 هـ. 27 - هدية العارفين: أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، لأسماعيل بن محمَّد أمين باشا الباباني (ت 2339 هـ)، نشر إحياء التراث العربي ببيروت عن طبعة إستانبول عام 1941 م.