الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية

الطوفي

مقدمة المحقق

[الجزء الأول] أولا: المقدمة - سبب اختيار الموضوع. - أهميته العلمية. - العمل الذي عملته في الكتاب.

المقدمة

المقدمة الحمد لله الذي بعث في كل أمة رسولا ليعبدوه مخلصين له الدين وجعل خاتمهم وأفضلهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ العهد والميثاق على النبيين إن أدركوه في حياته ليؤمن به، وليكونن من أنصاره وأتباعه، ناداهم بأسمائهم وناده بوصف النبوة والرسالة، وأنزل عليه القرآن الكريم ومثله معه، فكان معجزة خالدة، أعجز البلغاء والفصحاء والحكماء، وتكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة وجعله مهيمنا على الكتب قبله، وحجة على من بلغه. وجادل به أهل الكتاب فأقام عليهم الحجة ونصره الله به في إظهار دينه وأيده. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هديه ونصر شريعته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا-. أما بعد: فإن الصراع بين الحق والباطل منذ خلق الله آدم- عليه السلام- فقد كان في صراع مع إبليس الذي أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر وتوعد بإغواء آدم وذريته وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) إلى قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) «1» واستمر هذا بين حزب الله المفلحين وحزب الشيطان الخاسرين في كل عصر. وبين

_ (1) - سورة الأعراف: 11 - 27.

الأنبياء والمعاندين من المشركين والكافرين. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) «1» وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «2» إلى أن جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فكانت خاتمة الرسالات وكانت سنة الله جارية في ذلك الصراع، ومنه الصراع الذي كان مستمرا بين نبي الله وأهل الكتاب: اليهود والنصارى، فكانوا دائما يحاولون التشكيك في القرآن الكريم وفي نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ نزول الوحي بمكة، ويحرض اليهود كفار قريش في انكار دعوته صلّى الله عليه وآله وسلّم وإثارة الشبه حول ما جاء به. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «3». وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «4». ومن هؤلاء: النصارى الضلال الذين اتخذوا من شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن

_ (1) سورة غافر: 5 - 6. (2) سورة الكهف: 56. (3) سورة البقرة: 109. (4) سورة البقرة: 120.

الكريم والسنة المطهرة، هدفا يصوبون إليه سهامهم المسمومة، ويوجهون نحوها الدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة؛ استمروا على ذلك منذ فجر الإسلام، ولقد سجل القرآن الكريم بعض مواقفهم مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ومناظرتهم له، كما في قصة وفد نجران التي انتهت بالمباهلة التي امتنعوا منها لعلمهم بأن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم على الحق وخوفهم أن يقصمهم الله لعنادهم ومكابرتهم وكتمانهم الحق «1». واستمر ذلك عبر القرون التالية لعصر النبوة والخلافة الراشدة. وظل الاسلام يخوض معهم حروبا ساخنة بالسيف والقلم كما حدث في الحروب الصليبية ... والاستعمار الغربي الصليبي في أول القرن الحاضر، ولا تزال آثار هذه الحروب باقية إلى اليوم. ولقد اشتدت الحرب الفكرية الشيطانية في هذه، الأيام واستطاعت أن تستخدم المؤسسات التعليمية والوسائل المقروّة والمرئية والمسموعة بل وتستعمل العقول الجاهلة والضالة لترويج تلك السموم والدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة التي رددها أسلاف هؤلاء النصارى الصلبيين. لقد نهجوا في ذلك أساليب كثيرة، واتخذوا وسائل متعددة ففتحوا الجامعات اللاهوتية لدراسة الإسلام وتتبع نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، والسيرة النبوية الشريفة، في محاولات جادة لإثارة الشبه والمطاعن حولها، وتخرج من هذه الجامعات مجموعة من عصابات الاستشراق والتنصير، وانطلقوا بقلوب مليئة بالحقد والتعصب، على خطط متضافرة على العمل ضد الإسلام تمدها ميزانيات ضخمة من الدول الأوروبية والأمريكية الكافرة.

_ (1) نزل في ذلك معظم النصف الأول من سورة آل عمران.

ولقد كانت لهم الآثار الكبيرة في المعاهد والمدارس، والمنشآت الطبية والدوائية، والأندية الرياضية، والجمعيات الثقافية، والملاجئ، ودور التكافل الاجتماعي، والكنيسة وتحركاتها التنصيرية. وكان وقوف المسلمين في هذا العصر أمام هذه الحرب الضروس قليلا، فلم تتحرك الدول الإسلامية في مقابل تحركات الدول الغربية بدعم قساوستهم ومنصريهم، بل اقتصر الأمر على جهود فردية قليلة أخذت تدافع وتصد هجوم هؤلاء الأعداء عن طريق التأليف والنشر ... والمناظرات مع القساوسة، مثل مناظر الشيخ رحمة الله الهندي مع القس فندر، ومجموعة من العلماء في مصر مع مجموعة من القساوسة في السودان، ومناظرة أحمد ديدات مع بعض النصارى أخيرا. فتركز في ذهني ضرورة الذب عن حياض الدين وعن شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن الكريم والسنة المطهرة، وفضح أباطيل النصارى، وكشف خدعهم، فأخذت أبحث في تراث علماء الإسلام عن مؤلف يحقق الهدف، ليقيني بأن حجتهم أقوى، وردهم أبلغ وأعمق. فوقع اختياري على كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية للإمام سليمان بن عبد القوي الطوفي، وذلك للأسباب التالية: أولا: إن الإمام الطوفي- رحمه الله- نقض في هذا الكتاب دعاوى للنصارى ما زال أحفادهم يرددونها في زماننا هذا، ويتولى كبرها طائفة من المتخصصين في جامعاتهم اللاهوتية التي أنشئت لهذا الغرض.

ثانيا: إن في المجتمع الإسلامي بعض الجهال وأمي الفكر. ومن انخدع بما يأتي به النصارى والمنصرون من شبهات عبر ما يكتبونه وينشرونه في المجتمع الإسلامي، ويظنون أن هذه الشبهات والدعاوى الباطلة هي وليدة هذا العصر، وأن السابقين من المسلمين لا يدرون بها، وأنهم يجهلونها، وحسبوا أن النصارى فيها على شيء وما هم على شيء- والحمد لله- وما علم هؤلاء المغفلون والجهال أن النصارى ضلوا في الربوبية فقالوا: إن الخالق ثلاثة وإن الثلاثة واحد، وفي الألوهية فعبدوا عيسى- عليه السلام- من دون الله، ووصفوا الله بصفات المخلوق وجعلوه إنسانا وجعلوا الإنسان إلها- تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا- فكيف يأخذ كلامهم بعد من له أدنى تمييز. ثالثا: إن الإمام الطوفي- رحمه الله- مشهور بذكائه وغزارة علمه وقوة حجته على المخالفين للحق تشهد بذلك كتبه في الأصول وشتى العلوم والفنون وخصوصا في مجال الجدل الذي برع فيه وألف بعض المؤلفات في ذلك، ولا شك أن من كان كذلك فهو أهل لمجادلة النصارى ورد شبهاتهم ود حض مفترياتهم وإظهار مساوئهم. رابعا: إنه يتحقق بإخراج هذا الكتاب ودراسته وتحقيقه الهدف النبيل في الدفاع عن الإسلام في هذه الحرب الشعواء التي يشنها أعداء الإسلام في هذا الزمان من النصارى وغيرهم من الملاحدة والمنافقين المحسوبين على الإسلام. خاصة أن الكتاب لم يخدم خدمة علمية جيدة ولم توثق نصوصه وتخرج

أحاديثه وتعرف أعلامه ليسهل على الباحث الاستفادة منه. وسيأتى لهذا زيادة بيان- إن شاء الله- في الحديث عن أهمية الكتاب العلمية وبعض الفصول الأخرى. وقد كان عملي في هذا البحث علي قسمين: دراسة وتحقيق: أما القسم الدراسي فقد كان قسمين أيضا. القسم الأول: تعريف موجز بالطوفي وعصره. وتحته فصلان: - الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي. أ- الحالة السياسية: وقد تحدثت في هذه الفقرة عن الأحداث السياسية: التي كانت في زمنه وعلى الأخص حرب التتار والحروب الصليبية لما للأولى من أثر على بغداد وما حولها موطن الطوفي، ولما للثانية من أثر على الإسلام والمسلمين في جميع بلدانهم، ولأن هذه الحروب كانت من أسباب طغيان النصارى وبث أفكارهم السيئة، ورد الطوفي وغيره عليهم. ب- الحالة الاجتماعية: وقد بنيت الحياة الاجتماعية واختلاط المسلمين بغيرهم من التتار والأتراك والنصارى وما طرأ على حياة المسلمين من التأثر بهذه الأجناس.

ج- الحالة الثقافية والفكرية: أوضحت فيها اتساع الثقافة الإسلامية وازدهارها رغم العوائق الكبيرة والصعبة التي كانت في طريقها وكيف صمد العلماء أمام تلك العقبات والمشكلات وردوا كيد أصحابها في نحورهم. الفصل الثاني: حياة الطوفي وقد كان الحديث في هذا الفصل عن: 1 - مولده ونسبه. 2 - كنيته ولقبه. 3 - نشأته وأسرته. 4 - طلبه للعلم وفقهه. 5 - أثاره العلمية ومصنفاته. 6 - شيوخه وتلامذته. 7 - عقيدته ومذهبه. 8 - وفاته وأقوال الناس فيه. وقد توسعت قليلا في موضوع الطوفي وعقيدته فتحدثت فيه عن أمور مهمة: الأمر الأول: اتهام الطوفي بالرفض، وقد بينت من خلال كتبه وما فهمته في هذا الموضوع أن الاتهام غير صحيح وليس عليه دليل.

الأمر الثاني: موقف الطوفي من توحيد الأسماء والصفات وقد ظهر لي أنه يوافق الأشاعرة في بعض مذهبهم. وقد نقلت ما يؤيد ذلك من كتبه. الأمر الثالث: موقف الطوفي من المصلحة المرسلة ومخالفته لجمهور الفقهاء والأصوليين واستقلاله بقوله الخاص في ذلك. الأمر الرابع: موقف الطوفي من خبر الآحاد. والقول الحق في ذلك وصلة هذا بقوله في المصلحة المرسلة. أما القسم الثاني: فقد تحدثت فيه عن الأمور التالية: 1) - اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي. 2) - سبب تأليف الطوفي لكتاب الانتصارات. 3) زمن ومكان تأليف الكتاب. 4) منهج الطوفي فيه. 5) مقارنة هذا الكتاب بغيره مما كتب في الرد على النصارى. 6) المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف هذا الكتاب. 7) أهمية هذا الكتاب العلمية. 8) وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق، وقد بينت في ذلك

الأخطاء التي ارتكبها الدكتور أحمد حجازي السقا في إخراجه الكتاب أثناء إعداد البحث، واعتزالياته وانكاره للسنة والطعن فيها، وأن ذلك سبب في تشويه الكتاب والحط من قيمته العلمية. أما القسم الثاني من العمل فهو القسم التحقيقي وقد كان على النحو التالي: 1 - حققت نص الكتاب وذلك بمقابلته ومراجعته على ثلاثة أصول خطية. وقد تبين أن هناك فروقا بينها، وأثبت ما يكون ساقطا من بعضها، واخترت ما أراه هو الصواب من ألفاظ تلك النسخ. وأشرت إلى ذلك في الهامش. 2 - أثبت الفوارق بين النسخ في الهامش وهي قليلة- بحمد الله- وصححت أخطاء النساخ النحوية والاملائية الواردة في النص. 3 - عزوت النصوص إلى مصادرها. 4 - رقمت الآيات القرآنية الكريمة. 5 - وثقت ما نقله المؤلف من كتب العهدين القديم والحديث. 6 - شرحت المصطلحات والمفردات الغريبة. 7 - علقت على بعض المسائل التي رأيت أنها بحاجة إلى ذلك. 8 - خرجت الأحاديث النبوية الشريفة، واجتهدت في الحكم على أسانيدها إن لم تكن في الصحيحين أو لم يصححها أحد من العلماء أو من الدارسين لأسانيد تلك الأحاديث.

9 - عرفت بالأماكن والبقاع والأعلام والفرق والملل. 10 - وضعت فهارس عامة للآيات القرآنية والأحاديث والآثار والأعلام والأماكن والبقاع المذكورة في البحث والمصطلحات والمفردات الغريبة، والأمثال العربية، والأشعار، والفرق والملل، وفقرات الكتب التي بأيدي النصارى، والمصادر والمراجع، وموضوعات الدراسة والكتاب. وعلى العموم فقد أفرغت جهدي وطاقتي في هذا البحث متوخيا الدقة وسبل التحقيق، راجيا الثواب من رب العباد، وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يظهر الحق ويدحر المشركين والملحدين والضالين ومن في قلبه مرض. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم كتبه: سالم بن محمد القرني- عفا الله عنه- الرياض 18/ 10/ 1407 هـ

ثانيا: قسم الدراسة

ثانيا: قسم الدراسة 1 - تعريف موجز بالمؤلف وعصره الفصل الأول 1 - الحالة السياسية. ب- الحالة الاجتماعية. ح- الحالة الفكرية والثقافية.

الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي

ثانيا: الدراسة 1 - تعريف موجز بالطوفي وعصره: الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي: لا بد أن يكون للبيئة التي يعيش فيها المرء أثر واضح في شخصيته فيظهر ذلك في سلوكه وفكره وإنتاجه واهتمامه، وتختلف البيئات من حيث تأثيرها، ونوعيته، فبعضها أقوى في التأثير من البعض الآخر، فالذي يعيش في البيئة العلمية الجدلية يكون أقوى ممن يعيش في غيرها من حيث قوة المناظرة والمجادلة والإدلاء بالحجة والبراهين، والمران على إقناع الخصم أو إفحامه. والبيئة التي تجتمع فيها المؤثرات العلمية والسياسية والاجتماعية ينشأ فيها نماذج من نوع خاص، استجابة للمؤثرات المختلفة. ولهذا أرى أنه عند دراسة شخصية الطوفي لا بد من التعرف على بيئته وعلى المؤثرات التي تسودها حتى يتسنى لنا الحكم على شخصيته بصورة واضحة ودقيقة. وعند النظر في تاريخ حياة الطوفي نجد أنه عاش في الفترة من سنة سبع وخمسين وستمائة من الهجرة النبوية وهو العام الذي ولد فيه إلى سنة سبعمائة وست عشرة من الهجرة، وهي السنة التي مات فيها ولذلك فإن الحديث عن ما له أثر في حياته سيكون في نقاط ثلاث:

ا- الحالة السياسية: شهدت الفترة المتقدمة على ولادة الطوفى كثيرا من الأحداث التي أثرت على المسلمين تأثيرا مؤلما. فقد كانت هناك الحروب الصليبية الشرسة التي اشتعلت نارها في آخر المائة الخامسة من الهجرة، واستمرت نحو قرنين من الزمان «1»، أظهر فيها الصليبيون حقدهم على الإسلام والمسلمين، وغيرها من المدن الإسلامية في بلاد الشام والأندلس، واشتبك معهم المسلمون في معارك كثيرة في بلاد الشام ومصر وإفريقية وغيرها. وقد ذكر المؤرخون عدة أسباب لهذه الحروب منها: 1 - تدهور الحالة الاقتصادية في أوربا في القرن الخامس والسادس الهجريين، مما حدا بالنصارى إلى الزحف على بلاد إفريقية والشام «2». 2 - استنجاد صاحب القسطنطينية «الأرثوذكسي» بملوك أوربا النصارى ضد السلاجقة الذين فرضوا عليه الضرائب، على أن يتنازل عن أرثوذكسيته «3». 3 - أن بعض حجاج بيت المقدس من النصارى كانوا يلقون سوء معاملة من المسلمين أثناء وجودهم في القدس، وكان منهم" بطرس السائح أو الناسك" الذي اتجه إلى البابا" أوبانس الثاني" وصور له تلك الحال، وطلب منه تخليص أرض المسيح من أيدي المسلمين، حتى ألهب حماسهم لذلك «4».

_ (1) ابتدأت الحروب الصليبية سنة 491 هـ باستيلاء الإفرنج على مدينة انطاكية بعد حصار شديد، وانتهت بفتح الملك الأشرف خليل المملوكي لقلعة الروم في غربي الفرات سنة 691 هـ. (2) انظر الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي 1/ 292 - 294. (3) انظر السابق نفس الموضع، والأرثوذكسي: القائل بالتجسد. (4) انظر الكامل لابن الأثير 0/ 2721.

4 - ولكن هناك سبب رئيس جدير بالمعرفة أشار إليه ابن تيمية «1» - رحمه الله تعالى- في رسالته «الفرقان بين الحق والباطل» ص 145 ط المدني بالقاهرة، قال:" فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول، سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة ... إلى أن قال:" وكان أهل الشام بأسوإ حال بين الكفار والنصارى والمنافقين الملاحدة" اه. ولعل تلك الأسباب مجتمعة هي التي سببت هذه الحرب غير أنها كانت عقدية قبل أن تكون اقتصادية: ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ (120) «2» وكانت حال المسلمين السياسية طوال فترة الحروب الصليبية وقبلها عاملا مشجعا لاستمرار حرب النصارى الإفرنج، فقد انشغل الحكام المسلمون بالتنافس على الملك وضرب بعضهم بعضا من أجل ذلك؛ بل وصل الأمر إلى أن بعضهم كان يعطي بعض التنازلات للنصارى في بعض المدن والمناطق مقابل حمايته أو إعانته على أخيه المسلم الذي ينافسه على الملك «3». واستمرت هذه الحروب إلى سنة 691 هـ، أي قبل وفاة الطوفي بست وعشرين سنة.

_ (1) ستأتي ترجمته- إن شاء الله- في شيوخ وتلامذة الطوفي. (2) سورة البقرة:، 120. (3) من هؤلاء مثلا: الصالح إسماعيل المعروف بأبي الحبيش المتوفي سنة 638 هـ فقد استعان بالإفرنج وأعطاهم مدينة صيدا، وقلعة الشقيف (انظر طبقات الشافعية الكبرى 5/ 80).

وليست الأحداث السياسية في عصر الطوفي منحصرة في هذه الحرب ولا فيما فعله النصارى من خراب البلاد والمدن، والتجبر والفساد في الأرض الإسلامية، ولكن تعرض المسلمون وبلادهم إلى أمر عظيم لا يقل سوءا عن الحروب الصليبية، بل هو أمرّ وأحلك من ذلك الأمر. هو غزو التتار الذين أسقطوا الخلافة الإسلامية ودمروا المدن العامرة، وقتلوا الأنفس البريئة، حتى سالت الدماء في كل موطن دخلوه، من شدة فتكهم بالعباد، وكثرة قتلهم لهم. ففي سنة 656 هـ أي قبل ولادة الطوفي بعام واحد تقريبا تعرضت دار الخلافة" بغداد" لهجوم التتار الذي غير معالمها وجمالها وبهاءها، وألبسها ثوب الحزن والهوان، بعد أن كانت منارة إشعاع العلم والمعرفة، ومركز المدنية والحضارة، ودارا للخلافة أكثر من خمسمائة سنة. وكان دخولهم إليها بمساعدة وتدبير الرافضي الخبيث ابن العلقمي «1» الذي كان وزيرا للمستعصم بالله «2» آخر خلفاء بني العباس في بغداد فقد كان متعصبا لطائفته متحاملا على أهل السنة، فجاء بالتتار ظنا منه أنه سيكسب بذلك التأييد لطائفته وستصبح له ولها السيادة والزعامة على غيرهم. ولكن الله أخزاه وفضحه فلم يظفر من خيانته بما يسره، بل لقد ندم أشد الندم، لأنه فقد ما كان فيه من الصولة والعزة التي كان يتمتع بها أيام الخليفة العباسي، وأهانته التتار حتى مات مغموما «3».

_ (1) محمد بن أحمد بن علي أبو طالب مؤيد الدين الأسدي البغدادي توفي عام 656 هـ، وخلفه ابنه عز الدين محمد. (انظر البداية والنهاية 13/ 212، وشذرات الذهب 5/ 272، والأعلام 5/ 321). (2) أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي. قتل سنة 656 هـ (انظر شذرات الذهب 5/ 270، والنجوم الزهرات 7/ 63). (3) انظر شذرات الذهب 5/ 270 - 273، والبداية والنهاية 13/ 200 - 203.

عند ما دخل التتار بغداد قتلوا الخليفة ومن ظفروا به معه من العلماء، والوزراء، والقواد والعباد، حتى أن عدد القتلى بلغ ما يقارب ألف ألف نسمة، حتى سال الدم مثل الأنهر في الشوارع، وكثرت الجثث وأصبحت الخيل تدوسها من كثرة انتشارها في الطرقات، وفسد الهواء من رائحتها، وانتشر الوباء بسببها حتى وصل إلى الشام كما يقال «1». واعتدوا على التراث الإسلامي في بغداد ورموه في النهر حتى أن ماءه اسودّ من كثرة تلك الكتب. وبقي التتار فيها على تلك الحال يعيثون ويقتلون أربعين يوما، ثم رحل قائدهم هولاكو عنها وعين من ينوب عنه في حكم بغداد وما حولها. وقد وصف ابن الأثير «2» هذا الحدث في كتابه الكامل في التاريخ (12/ 36) وصفا مبكيا ومحزنا. وبقيت بلاد المسلمين بلا خلافة إلى عام 659 هـ ثم نصّب المستنصر بالله «3» في مصر، وبقي حكم العراق تحت أيدي التتار طوال حياة الطوفي. ولم تستقر الأمور إبان حكمهم بل كانوا متناحرين فيما بينهم على السلطة وهكذا كانت حالة العراق، بلد الطوفي فإنه إن سلم ولو قليلا من أذى الصليبيين

_ (1) انظر شذرات الذهب 5/ 270 - 273، والبداية والنهاية 13/ 200 - 203. (2) علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، عز الدين أبو الحسن. ولد ونشأ في جزيرة ابن عمر. وسكن الموصل وتوفي بها سنة 630 هـ- (انظر طبقات الشافعية 5/ 127، والأعلام 4/ 331). (3) منصور بن الظاهر بن محمد بن الناصر ابن المستضيء، وهو باني المدرسة المستنصرية كما سيأتي- إن شاء الله- ولي بغداد بعد وفاة أبيه، وكان حازما حسن السياسية. توفي ببغداد سنة 640 هـ (انظر الكامل في التاريخ 9/ 369، والأعلام 7/ 304).

فإن هؤلاء التتار قد جعلوا حاله وحال أهله أسوأ من حال بقية المسلمين مع الصليبيين في الشام ومصر. ولم يكن أذى التتار وهجومهم وحروبهم مع المسلمين مقصورا على العراق بل امتد ذلك إلى الشام فعبروا نهر الفرات أيام حكم آخر سلاطين الأيوبيين ووصلوا إلى حلب عام 658 هـ وحاصروها ثم سلمت إليهم بشرط الأمان فخانوا العهد وفتكوا بالمسلمين وفعلوا قريبا من فعلتهم في بغداد، ثم دخلوا دمشق بيسر وسهولة ودون مقاومة «1». ثم كانت بينهم وبين الظاهر بيبرس «2» موقعة عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون نصرا محققا ولاحقوا التتار حتى أخرجوهم من حلب «3»، واستمرت الحرب بين المسلمين والتتار حتى بعد انتهاء الحروب الصليبية بل استمرت إلى ما بعد وفاة الطوفي سنة 716 هـ. وفي أثناء تلك الحروب الصليبية والتترية لم تسلم البلاد الإسلامية من الانقسام والاختلاف والاقتتال بين السلاطين، بل شهدت تلك الفترة كثيرا من التمزق والاختلاف، كما حصل من الأيوبيين فيما بينهم والمماليك الذين انتقلت سلطة الأيوبيين إليهم ابتداء بمصر سنة 648 هـ. وأصبحت مصر بعد سقوط بغداد

_ (1) انظر البداية والنهاية 13/ 218 - 220، وشذرات الذهب 5/ 287 - 288، 290 - 291. (2) بيبرس العلائي البندقداري الصالحي ركن الدين الملك الظاهر، ولد بأرض القبجاق وأسر فبيع في سيواس ثم انتقل إلى حلب ثم القاهرة، واشتري هناك، ثم صار للملك الصالح نجم الدين أيوب، ثم أعتقه، ثم كان أتابك العساكر بمصر في أيام الملك قطز، ثم دبر مقتل الملك وتولى السلطة. توفي سنة 676 هـ (انظر النجوم الزاهرة 7/ 94، وفوات الوفيات 1/ 235 - 247، والبداية والنهاية 3/ 274). (3) انظر شذرات الذهب 5/ 291.

مقرا للخلافة العباسية التي لم يكن لها أي سلطة تذكر، وإنما كان وجودهم مظهرا دعائيا حرص سلطان المماليك على وجوده تسكينا لنفوس الناس وصرفا لهم عن التفكير في شرعية حكمهم. ولا أدل على ذلك من الإهانات والاعتقالات التي كان يلقاها الخلفاء من المماليك حتى أنه ليصل الأمر إلى عزل الخلفاء واستبدالهم كما أرادوا «1». ولا بد أن هذه الحوادث جميعا، قد أحدثت أثرا بارزا في الرأي العام للأمة وبالأخص العلماء، لأنهم هم الممثلون الحقيقيون لها، فتميزت تلك الفترة- فترة حياة الطوفي- 657 - 716 هـ- ببروز مجموعة كبيرة من العلماء العاملين المجاهدين في سبيل الله، وقفوا في وجه أعداء الإسلام من الصليبيين والتتار، فهذا ابن تيمية- رحمه الله «2» - يشارك في قتال التتار هو ومجموعة من أعيان المسلمين ضد التتار لما حاصروا دمشق، وسافر سنة سبعمائة إلى مصر ليستحث واليها على قتالهم، ويشارك في بعض المعارك ضدهم كمعركة" شقحب" سنة 702 هـ «3». وللعز بن عبد السلام والإمام النووي- رحمهما الله- مواقف جليلة في نصرة الحق سواء ضد التتار أو الصليبيين أو في القضاء على الفساد الضار بالمسلمين الناجم عن تساهل السلاطين «4».

_ (1) انظر البداية والنهاية 14/ 176 - 180. (2) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي- إن شاء الله-. (3) انظر البداية والنهاية 4/ 7/ 15، 16، 23، 24. (4) انظر حسن المحاضرة 2/ 71، وطبقات الشافعية 5/ 84.

ولعل من الأمر الواضح الجلي أن كل من كل من ينشأ في أوضاع مثل هذه الأوضاع لا بد أن يتأثر بها، وتنطبع حياته بما تأثر به، ومن أثر الأحداث المتقدمة: اهتمام الطوفي بمحاربة أعداء الإسلام باليد والقلم، وخاصة النصارى الضلال، لأنهم ينشرون فكرهم وشبههم، ويجب التصدي لهم وإبطال كيدهم، ولذلك خص بعض كتبه لذلك، كما سيأتي. ب- الحالة الاجتماعية «1»: من البديهي أن تتأثر الحياة الاجتماعية بالحياة السياسية التي تحيط بها، فاستقرار الأحوال الاجتماعية مرهون باستقرار الأحوال السياسية ويكون هناك مد وجزر كما يكون في الأخرى. واختلاط المسلمين بغيرهم من الكفار سيكون له أثره في سلوك الفريقين، وقد اختلط بالمسلمين النصارى القادمون من أوروبا والتتار الكفار الذين لا يؤمنون بدين ولا يعرفون أخلاقا ولا فضيلة، فظهرت عادات غريبة، لأن الوافد يحمل معه عاداته، ومن عادة الكفار التفسخ والانحلال ولأن في المجتمع الإسلامي من تستهويه تلك العادات وينصهر في بوتقة الآخرين، لضعف دينه وتغلب نفسه الأمارة بالسوء عليه. كما أن نزوح القبائل والأسر من مكان إلى آخر أوجد اختلاطا بين أجناس كثيرة من الناس مختلفة طبائعهم ومتفاوتة درجاتهم في التمسك بدين الله

_ (1) من مراجع هذه الفقرة غير ما ذكر في محله: الأدب في العصر الأيوبي لزغلول ص 51، وأهل الذمة في مصر لقاسم عبده ص 63 - 67، والخطط المقريزية 2/ 499 - 500، وحسن المحاضرة 2/ 295.

- عز وجل- فقد اختلط الأتراك مع البربر، والأكراد مع الأقباط، والعرب مع العجم بسبب القلاقل والأحداث وسوء المعيشة التي أجبرت الناس على التنقل من مكان إلى اخر، ومن قطر إلى قطر. فكان كل عرق يحمل معه عاداته وتقاليده المغايرة لغيرها، ولديه من التقصير والبدع ما لم يعرفه المجتمع الذي نزل به. وكانت تتغلب تلك العادات والسلوكيات بحسب قوة أهلها وتأثيرهم في الناس كما أنه كان يقيم بين المسلمين عدد كبير من اليهود والنصارى والزنادقة الملحدين، مما سبب في وقوع الصراعات الفكرية والعقدية واستفحالها في ظل الحروب الصليبية والتترية فأشغلت المفكرين والعلماء في المجتمع الإسلامي وعكف كثير منهم للتصدي لهذه العقائد الفاسدة والشبهات الخبيثة. وساءت الأحوال الاقتصادية بين العامة والزهاد، وانتشرت الفاقة وعم البؤس وكثر قطاع الطرق واللصوص، واشتد الغلاء، وعمد الناس إلى الغش والخداع والحيل والاحتكار، والتطفيف في الكيل والميزان، فألف العلماء بسبب ذلك المؤلفات ليشاركوا في حل هذه المشكلة حلا إسلاميّا، ودعوا إلى النظر في مصالح العامة وفرض التسعيرات الجبرية عند اشتداد الغلاء، والضرب على أيدي المطففين والمحتكرين. من ذلك ما كتبه شيخ الطوفي وابن عمره، شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتاب الحسبة في الإسلام، والسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. في حين أن السلاطين وذوي الوزارات والوجاهات يعيشون في ترف وبذخ. فقصور الأمراء والأعيان فيها من مظاهر المتعة والأثاث وسائر الممتلكات ما يشهد بذلك. فالأمراء والسلاطين يستولون على أموال كثيرة أثناء الحروب، وخاصة في عهد المماليك فيتلاعبون بها ويقطعون الأمراء والنواب والموالين لهم الاقطاعات

الكبيرة، ويعطونهم العطايا الجزيلة، وكانت أوضاع قصورهم وخدمهم تنبئ عن الإسراف في الانفاق الذي لا يعرف ضابطا ولا رادعا، وكانوا يستحدثون من الأبهات ما لم يسبقهم إليه أحد من السلاطين الأقدمين. بالإضافة إلى الاحتفالات الكبيرة التي أحدثوها عند تولي خليفة أو سلطان الملك، أو ولادة مولود للسلطان، أو زواج لأحدهم أو أحد الأمراء أو غير ذلك من المناسبات التي يحبون التعبير عنها بهذه الحفلات «1». ومما يميز القرن السابع في عهد الفاطميين قبل ذلك أن المرأة كانت فيه لا تختلط بالأجانب ولا يسمح لها بذلك وقيدت باللباس الساتر وأبعدت عن المفسدات أو القرب منها، حتى أن بعض السلاطين كان يسلب حلي النساء اللاتي بدون أزواج ويضايقهن حتى يتزوجن بخلاف عهد الفاطميين الذي وصلت فيه المرأة من التحلل والاختلاط ومشابهة الرجال في بعض الملابس ما لم يقع في غيره من العصور «2». ولا شك أن هذا الوضع الاجتماعي المضطرب، والعادات الاجتماعية الوافدة، وسوء المعيشة، واشتداد النزاع بين أهل القبلة، وكثرة البدع والمنكرات، وترويج العقائد الفاسدة، وغياب السلطة التي يهمها أمر الإسلام والمسلمين، قد أحدث اضطرابا شديدا في فترة حياة الطوفي، لعلي لا أبالغ في القول بأنه من أشد القرون فتنة واضطرابا .. حتى أنه قد سقط في وحلها كثير من العلماء والأذكياء الأفذاذ فحدث لهم من الأخطاء أو الانحراف ما كان. والله المستعان.

_ (1) انظر البداية والنهاية 13/ 232، 233. (2) انظر البداية والنهاية 13/ 254، وشذرات الذهب 5/ 324.

ج- الحالة الفكرية والثقافية: تبين لنا مما أوضحنا في الناحيتين السياسية والاجتماعية الظروف الصعبة التي عاشها المسلمون مما يصعب معه التهيؤ للنشاط العلمي، إذ يحتاج إلى استقرار وهدوء، وأنّى للمفكرين والعلماء أن يعملوا في جو الإرهاب الذي ساد الحياة في بغداد التي فقدت رئاستها الفكرية والثقافية في سنة 656 هـ؟ وفي الشام ومصر التي داهمتها الحروب الصليبية وأشغلت الأمراء والعلماء عن التوجه إلى العلم والاشتغال به؟ إضافة إلى الصراعات الداخلية بين السلاطين والأمراء، من ناحية الحكم، والخلافات الفكرية بين الطوائف والفرق المتعددة. وإلى أن أكثر الكتب الإسلامية والعلمية في بغداد رميت في النهر. إلا أن الناحية العلمية لم تهن ولم تضعف، بل كادت تصل إلى درجة النبوغ العلمي في كافة التخصصات التي ميزتها عن غيرها في العصور المختلفة، وذلك يرجع إلى أنها كانت قوية متينة في العصور السابقة لهذا العصر، ولم يكن من السهل القضاء عليها. فما هي إلا فترة وجيزة بعد غزو التتار لبغداد إلا وقد جعل الله بعد الضيق مخرجا والشدة فرجا، فاستقرت الأوضاع نوعا ما، وقل الخوف والفزع وتهيأت النفوس لطلب العلم، ولقى العلماء تشجيعا من الأمراء، فأنشئوا دور العلم وأنفقوا على الأساتذة وطلبة العلم وأجروا عليهم الأرزاق من الطعام وغيره «1». بل كان بعضهم يجلس بنفسه لطلب العلم وبخاصة الفقه والحديث «2». هذه العناية وهذا الاهتمام دفعا بطلاب العلم إلى التسابق في مضماره والإقبال عليه بصدق، كما دفعا بالعلماء أيضا إلى التأليف وحل عويص المسائل

_ (1) انظر البداية والنهاية 13/ 139. (2) انظر شذرات الذهب 5/ 270.

والرد على النصارى وغيرهم ممن يريد النيل من دين الإسلام فحظي عصر الطوفي بنخبة من العلماء الأفذاذ في بغداد ودمشق ومصر والأندلس ألفوا عددا من المؤلفات في جميع فروع العلوم والفنون. ومن دور العلم التي اشتهرت في ذلك العصر، وأسهمت في إبراز النهضة العلمية في بغداد: 1 - المدرسة المستنصرية ببغداد: التي بناها الخليفة المستنصر بالله العباسي، وكمل بناؤها سنة 631 هـ وافتتحت في تلك السنة، ولم يبن مدرسة قبلها مثلها، ووقفت على المذاهب الأربعة: من كل طائفة اثنان وستون فقيها، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب فقهي، وشيخ للحديث، وقارئان وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى، والنفقة بما فيه كفاية وافرة لكل أحد، ووقفت كثير من الكتب عليها «1». 2 - المدرسة النظامية: أنشأها نظام الملك «2»، ابتدئ بعمارتها في ذي الحجة سنة 457 هـ وفتحت يوم السبت العاشر من ذي القعدة سنة 459 هـ «3»، ثم توقفت عن العمل كغيرها عند ما أغارت التتار على بغداد ثم لما دبت الحياة مرة أخرى في بغداد عادت للتدريس.

_ (1) انظر البداية والنهاية 13/ 139. (2) هو الوزير الحسن بن علي بن اسحاق الطوسي قوام الدين، كان من جلة الوزراء وكعبة المجد «كما يقال» ومنبع الجود، وكان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء أنشأ المدارس بالأمصار ورغب في العلم وحدث، قتله أحد الباطنية سنة 485 هـ. (انظر شذرات الذهب 3/ 373، والأعلام 2/ 202). (3) انظر وفيات الأعيان 3/ 218.

أما في الشام فإن المدارس والجوامع والزوايا قد كثرت لأن رئاسة العلم ومنارته قد انتقلت من بغداد بعد عبث التتار بها وقتل العلماء وتشريدهم منها ومن حولها من البلدان، وأصبحت دمشق والقاهرة تتجاذبان الرئاسة والسيادة ومن تلك المدارس والجوامع في الشام: 1 - الجامع الأموي: وهو أشهر وأكبر مؤسسة تعليمية في ذلك الوقت، فقد كان به عدد من الحلقات التي تشتغل بالعلم وتهتم به، وفيه حلقات كثيرة لتدريس القرآن الكريم وعلومه، والحديث الشريف وعلومه. وبه عدد من المدارس هي: الغزالية، والأسدية (شافعية)، والمنجائية (حنبلية)، والقوصية والسفينة والمقصورة الكبيرة (ثلاثتها حنفية) والزاوية المالكية «1». 2 - المدرسة الأتابكية الشافعية بصالحية دمشق: أنشأتها الحجة الأتابكية امرأة الأشرف موسى تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي المتوفاة سنة أربعين وستمائة للهجرة «2».

_ (1) انظر الدارس في تاريخ المدارس 2/ 412. (2) انظر الدارس في تاريخ المدارس 1/ 129، وشذرات الذهب 5/ 207.

3 - المدرسة الأسدية الشافعية الحنفية: أنشأها الملك المظفر أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان المتوفى سنة 564 هـ «1». 4 - المدرسة الأصفهانية «2». 5 - المدرسة الإقبالية التي افتتحت سنة ثمان وعشرين وستمائة «3». 6 - المدرسة العادلية الكبرى بدمشق: المنسوبة إلى الملك العادل محمد بن أبي الشكر أيوب بن شاذي المتوفى سنة 615 هـ «4». 7 - المدرسة الصلاحية ببيت المقدس: التي أنشأها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الأيوبي فاتح بيت المقدس- رحمه الله- المتوفى سنة 659 هـ «5»، وقد كانت كنيسة من زمن الروم تعرف بقبر حنة أم مريم- عليها السلام- كما يقال- «6». 8 - المدرسة الجوزية : التي أنشأها ابن الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي- رحمه الله- المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة للهجرة «7».

_ (1) انظر الدارس في تاريخ المدارس 1/ 152، ووفيات الأعيان 3/ 245. (2) الدارس في تاريخ المدارس 1/ 158. (3) انظر البداية والنهاية 13/ 129. (4) انظر وفيات الأعيان 4/ 156، 5/ 78، وخطط الشام 6/ 81. (5) انظر شذرات الذهب 5/ 299. (6) انظر الأنس الجليل 2/ 41. (7) انظر الدارس في تاريخ المدارس 2/ 29، والبداية والنهاية 13/ 203.

وهناك عدد كبير من المدارس المنتشرة في الشام كالجادلية، والأوحدية، والمعظمية، والميمونية، والقيمرية، وغيرها «1». وكانت القاهرة عامرة بدور العلم والعلماء والمكتبات الحافلة بمجالس العلم والأدب، وكان اهتمام الناس بالكتب أمر يسترعي الانتباه، فالقاهرة غاصة بأسواق الكتبيين والوراقين وكذلك كان الحال في دمشق. ومن الجوامع والمدارس المشهورة في القاهرة: 1) الجامع العتيق «2»: وهو من أكبر أماكن المدارس فقد كانت به عدد من الزوايا الفقهية كزاوية الشافعي، والمجدية، والصاحبية، والكاملية، والتاجية، والمعينية، والعلائية والزينية. وأدرك بعض العلماء فيه سنة 749 هـ بضعا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه «3». 2) جامع ابن طالون الذي كانت ترتب فيه دروس التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة، والقراءات، والطب، والميقات «4». 3) الجامع الأزهر: ضم مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الشافعي- رحمه الله- ورتب فيها أيضا محدث يسمع الحديث النبوي والرقائق ... وسبعة قراء لقراءة القرآن الكريم «5».

_ (1) انظر الأنس الجليل 2/ 42 - 48، والدارس في تاريخ المدارس الجزءان الأول والثاني. (2) جامع عمرو بن العاص. (3) انظر حسن المحاضرة 245/ 2، وخطط المقريزي 246/ 2. (4) انظر خطط المقريزي 265/ 2، وحسن المحاضرة 249/ 2. (5) انظر خطط المقريزي 275/ 2، 277، 363.

4) جامع الحاكم باب الفتوح أحد أبواب القاهرة، وكان شيخ الطوفي سعد الدين يدرس فيه «1». 5) المدرسة الناصرية التي بنيت بجوار الجامع العتيق، وأصبح اسمها فيما بعد الشريفية وبها تولى الطوفي الإعادة في ولاية سعد الدين الحارثي كما سيأتي «2». 6) المدرسة المنصورية أنشأها الملك المنصور قلاوون أبو المعالي سيف الدين التركي الصالحي المتوفي سنة 689 هـ «3». وفيها أيضا تولى الطوفي الإعادة في ولاية سعد الدين الحارثي كما سيأتي. وذكر مؤلف الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد أنه كان بقوص في أيامه ستة عشر مكانا للتدريس «4» وذلك في أيام الطوفي الذي استقر بقوص فترة طويلة يقال إن له بها خزانة كتب. وغير هذه الجوامع والمدارس كثير، كانت مصدر إشعاع للعلم في بغداد والشام والقاهرة ودمياط والصعيد، إضافة إلى المكتبات الكثيرة التي تضم آلاف النسخ والكتب المتكررة في الشام ومصر وقوص وبلاد المغرب والأندلس التي أعرضنا عن الحديث عنها مخافة التطويل. لقد كانت العناية قي القرن السابع الهجري وأول الثامن- فترة حياة الطوفي- بجميع أنواع المعارف النقلية والفكرية.

_ (1) المصدر السابق وستأتي ترجمة سعد الدين في شيوخ الطوفي. (2) المصدر نفسه. (3) انظر شذرات الذهب 409/ 5، والبداية والنهاية 178/ 13، 317. (4) الطالع السعيد ص: 44.

وتشمل النقلية: علوم القراءات وعلوم التفسير، والحديث والفقه وأصوله، وعلم أصول الدين واللغة العربية وأنواعها المتعددة وما يتصل بها. وتشمل العقلية: الطب والكيمياء والفلسفة والرياضيات والفلك والنجوم والجغرافيا، وغيرها من المعارف والعلوم. وبرع في كل فن من هذه العلوم نخبة من العلماء، بل لقد كان العالم يجمع بين عدد من أنواع العلوم المتعددة كما تيسر للإمام الطوفي- رحمه الله-. فقد ألف في فنون متعددة كما سيأتي بيانه في الفصل القادم- إن شاء الله-. ومع ذلك كله فقد كانت هناك أفكار أخرى غير الأفكار الإسلامية المذكورة لأن المجتمع أصبح خليطا- كما سبق- من الزنادقة «1» والملاحدة «2» بالإضافة إلى الطوائف والفرق الأخرى مثل الاتحادية «3» - التي اشتغل الطوفي- رحمه الله- بالرد عليهم- والفلاسفة «4» والمعتزلة «5» والشيعة «6» بطوائفهم المتعددة، التي

_ (1) جمع زنديق وهو القائل ببقاء الدهر، ولا يؤمن بالآخرة، ولا بوحدانية الله. ثم أصبح يطلق على كل من أنكر أصلا من أصول العقيدة وفي الإلحاد عموما كما قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: من طلب العلم بالكلام تزندق ... ، وقال يزيد بن هارون: من قال إن القرآن مخلوق فهو زنديق اه. (انظر لسان العرب 10/ 147، وخلق أفعال العباد ص 14، وشرح الطحاوية ص 72). (2) جمع ملحد والملحد العادل عن الحق، ومن الإلحاد: التكذيب بالبعث والجنة والنار، (انظر لسان العرب 3/ 388، وتفسير القرطبي 15/ 366. (3) الاتحادية: هم القائلون بوحدة الوجود من الصوفية. وحقيقة مذهبهم أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ليس وجودها غيره، ولا شيء سواه البتة. وهم أتباع ابن عربي (انظر حقيقة مذهب الاتحادية لابن تيمية ص 2، 4، 5). (4) الفلسفة باليونانية: محبة الحكمة، والفيلسوف: محب الحكمة، والحكمة قولية وفعلية، والفلاسفة تطلق على مجموعة من اليونان والمنتسبين إلى الأديان أعملوا عقولهم حتى أنكروا الغيبيات وأصبحوا لا يؤمنون إلا بالمحسوسات. (انظر الملل والنحل للشهرستاني 2/ 58 وما بعدها). (5) سيأتي التعريف بها- إن شاء الله- ص: 84. (6) سيأتي تعريفها- إن شاء الله- قريبا في مبحث مذهب الطوفي.

نشطت في بغداد وما حولها، ووقعت بينها وبين السنة فتن عظيمة في سنة 655 هـ وغيرها «1». وانتشرت البدع والشركيات، خاصة حول القبور والمزارات المزعومة وتمكن التعصب الشديد والتقليد الأعمى من نفوس أصحابها، مثل الصوفية الباطلة. وأهل وحدة الوجود التي كان أثرها كبير في تهبيط همم المسلمين أيام الحروب الصليبية. فهم يقولون لا فرق بين دين ودين لأن الله عام للجميع، وقد شاركوا النصارى في بعض عقائدهم كالحلول والاتحاد الذي هو أصل مذهبهم. وممن عاش منهم في زمن حياة الطوفي عبد الحق بن إبراهيم المشهور بابن سبعين المتوفى بمكة سنة تسع وتسعين وستمائة للهجرة فقد وصل به الكفر إلى قوله حين يرى الطائفين بالبيت الحرام:" كأنهم الحمير حول المدار، وأنهم لو طافوا بي كان أفضل من طوافهم بالبيت" «2». ولقد أشغلت هذه الطائفة المسلمين في وقت هم أحوج إلى جمع الكلمة ضد عدوهم من النصارى والتتار. وقد كانت مصر تعاني من هذه الطائفة أكثر من غيرها من البلاد وتكاد تتميز بذلك في القرن السابع الهجري لكثرة مشايخها والداعين لها، أمثال أحمد بن علي ابن إبراهيم الحسيني أبو العباس البدوي المتوفى سنة خمس وسبعين وستمائة للهجرة، وغيره «3».

_ (1) انظر البداية والنهاية 13/ 196. (2) المرجع السابق 13/ 261. (3) انظر النجوم الزاهرة 6/ 149.

وفي نفس القرن كان تعصب النصارى الافرنج قد بلغ أشده، فقد أتوا إلى البلاد الإسلامية: الشام ومصر وإفريقيا والأندلس وهم يحملون الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين كما سبق في وصف الحالة السياسية وكان بعض أفراد النصارى يعيشون تحت ظل الدولة الإسلامية، ولما قدم الافرنج قلبوا ظهر المجن للمسلمين وشاركوهم في حرب المسلمين والطعن في الإسلام، وإثارة الشبهات. وقويت شوكتهم وعمرت كنائسهم التي كانت مندثرة وأنشئت كنائس أخرى في البلاد التي استولوا عليها؛ فمن كنائس النصارى التي كانت بالشام في القرن السابع: 1 - كنيسة القمامة بالقدس الشريف- التي سموها كنيسة القيامة- وهذه الكنيسة عندهم بمكان عظيم، ويقصدونها في كل سنة في عدة أوقات من بلاد الروم والافرنج ومن بلاد الأرمن ومن الديار المصرية والشامية وسائر الأقطار، ويزعمون أن حجهم إليها «1». 2 - كنيسة المصلبية بالقدس الشريف: التي أخذت من النصارى في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي النجمي الألفي المتوفى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة للهجرة «2». وجعل فيها مسجدا. فلما كان في سنة خمس وسبعمائة وصلت رسالة من جهة ملك الكرج ورسل من جهة ملك الكرج رسل من جهة صاحب قسطنطينية إلى نائب الملك الناصر المشار إليه، وسألوا إعادة الكنيسة لهم، فلما توسلوا وتشفعوا في ذلك أعيدت لهم وسلمت إلى رسلهم «3».

_ (1) انظر الأنس الجليل 2/ 51، 1/ 303، 309. (2) انظر النجوم الزاهرة 8/ 41، 9/ 325. (3) انظر الأنس الجليل 2/ 51.

3 - كنيسة الزهري بمصر التي هدمت عدة مرات، وأغلقت في عهد الملك محمد ابن قلاوون- رحمه الله- سنة سبعمائة من الهجرة «1». 4 - كنيسة الحمراء. 5 - كنيسة البنات. 6 - كنيسة أبي المينا. 7 - كنيسة الفهادين بالقاهرة. وكل هذه في مصر وتعرضت للخراب في يوم خراب الكنائس في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون المذكور. أما اليهود فقد كانت لهم عقيدتهم ومذاهبهم الباطلة وكانوا ينشطون متى سنحت لهم الفرصة ويعلمون في خدمة الأمراء ونحوها حتى منع الملك الناصر محمد بن قلاوون من استخدامهم وأمر بأن لا يلبسوا الثياب الفاخرة وأن تكون لهم الذلة هم والنصارى. ولقد وصل الحماس في التصدي لأهل الكتاب وخاصة النصارى ذروته ورأى المسلمون أن من حق الله على عباده رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان. يقول ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح (1/ 13 - 14):" ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين، ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين ... وذلك أن الحق- إذا جحد وعورض بالشبهات- أقام

_ (1) انظر خطط المقريزي 2/ 512.

الله تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات والبينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة" اه. لقد كان بعض المسلمين يتصدى للطاعنين في دين الله، وإذا لم يكن لديه القدرة على المناظرة ومقارعة الحجة ضرب الطاعن ليشفي بذلك غليله ويقول: هذا الجواب. ولقد أثرت الحروب الصليبية في فكر المسلمين فسلكوا في الرد على النصارى طرقا عديدة منها: المناظرات الشفوية التي تجرى بين العلماء وأهل الكتاب، والخطب التي تكون في التحريض على الجهاد والتصدي للنصارى الغزاة والترغيب فيه والترهيب من التقاعس عنه وألف في ذلك كله المؤلفات. وكان العداء الشديد بين المسلمين والصليبيين دافعا قويا لكتّاب المسلمين على تتبع عقائدهم ومثالبهم وإبطال افتراءاتهم فألفوا في ذلك الكتب الكثيرة، مثل: 1 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية- رحمه الله-. 2 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: لشهاب الدين أحمد القرافي «1».

_ (1) أبو العباس أحمد بن أبي العلاء إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله بن يلين القرافي نسبة إلى قرافة بطن من قبيلة المعافر نزلوا مصر وقيل: إلى القرافة مقبرة بمصر، سكنها مدة.- وهذا ما رجحه هو بنفسه،- الصنهاجي ولد سنة 626 هـ، برع في الأصول، وبلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان مالكيا من أشهر مصنفاته:" الفروق" في القواعد الفقهية توفي- رحمه الله- سنة 684 هـ. (انظر ترجمته الوافية في مقدمة كتابه" الأجوبة الفاخرة" بتحقيق الباحث).

3 - على التوراة اليونانية: لعلاء الدين الباجي «1». 4 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... : للإمام القرطبي «2». 5 - الدر المنضود في الرد على فيلسوف اليهود" بن كمونة" «3» لابن الساعاتي «4». 6 - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية: للطوفي.

_ (1) الفقيه علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الشافعي، ولد سنة 136 هـ، مصري أصله من المغرب، سافر إلى الشام وسمع بها العلماء كان أقوى أهل زمانه مناظرة، ولا يكاد ينقطع في بحث، له علم بالمنطق والحساب، ويقال: ما من علم إلا وله فيه مختصر، ناب في الحكم بالقاهرة، وتقشف في أواخر حياته توفي- رحمه الله- سنة 714 هـ. (انظر فوات الوفيات 3/ 73، والدرر الكامنة 3/ 101 - 102). (2) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الأندلسي المفسر، كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزهاد في الدنيا، لا يعرف التكلف. له كتب كثيرة أشهرها التفسير. توفي- رحمه الله- في منية بني خصيب في شمال أسيوط بمصر 671 هـ ودفن بها في شوال من تلك السنة. (انظر الديباج المذهب 2/ 308 - 309، والأعلام 1/ 322). (3) سعد بن منصور بن الحسين عز الدولة الكيميائي له اشتغال بالمنطق والحكمة، وله: تنقيح الأبحاث للملل الثلاث وهو الذي رد عليه ابن الساعاتي. توفي ابن كمونة سنة 683 هـ (انظر الأعلام 3/ 102 - 103). (4) أحمد بن علي ثعلب مظفر الدين عالم بفقه الحنفية، ولد في بعلبك وانتقل مع والده إلى بغداد فنشأ بها، وكان أبوه ساعاتيا عمل ساعات على المدرسة المستنصرية، التي كان يدرس بها ابنه، وله مؤلفات في الأصول والفقه من أشهرها: نهاية الوصول إلى علم الأصول، ومجتمع البحرين. توفي سنة 694 هـ (انظر الأعلام 1/ 175، وهداية العارفين 1/ 100، ومرآة الجنان 4/ 227).

ولم يقتصر الأمر في الرد على أهل الكتاب على ما سبق، بل ألهبت الحروب الصليبية، وطغيان النصارى حماس الشعراء، فاستخدموا الشعر نوعا آخر من السلاح ضد النصارى، ومن يطعن في الإسلام من اليهود، ومن ذلك: منظومة الأبوصيري «1» في الرد على اليهود والنصارى، وشرحها له. وقد قيل في مدح الملوك والسلاطين والأمراء الذين يقومون بحرب النصارى والاستنجاد بهم، والدعاء والابتهال إلى الله، وطلب النصر على النصارى: الشعر الكثير «2». مما سبق تتبين لنا الصورة الواضحة لعصر الطوفي وما فيه من أحداث وسلوك وثقافة، وفكر، دفعته- رحمه الله- إلى المشاركة في هذه الأمور التي جعلت الحاجة ماسة إلى من ينقذ الناس من هذه المهلكات ويصلح حالهم، وقد أدى- عفا الله عنه- دوره على حسب ما استطاع. والله الموفق.

_ (1) أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي المصري الأبوصيري نسبة إلى بوصير بمصر أمه منها وأصله من المغرب، ولد في بهشيم من أعمال البهنساوية، وهو شاعر الصوفية وصاحب البردة المشهورة في المولد النبوي وله قصائد أخرى. توفي سنة 695 هـ. (انظر فوات الوفيات 3/ 362 - 369، وشذرات الذهب 5/ 432). (2) انظر من الشعر في الحروب الصليبية كتاب: فوات الوفيات (2/ 7، 15) والحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية لأحمد بدوي ص 414، وغيرها من الصفحات، وكتاب الحروب الصليبية وأثرها في الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني، ص 214 وغيرها من الصفحات.

الفصل الثاني: حياة الطوفي

الفصل الثاني: حياة الطوفي * مولده ونسبه. * كنيته ولقبه. * نشأته وأسرته. * طلبه للعلم وفقهه. * شيوخه. * تلامذته. * آثاره العلمية. * عقيدته ومذهبه. * وفاته وأقوال الناس فيه.

الفصل الثاني: حياة الطوفي «1»: 1 - اسمه: هو الشيخ العلامة سليمان بن عبد القوي «2» بن عبد الكريم بن سعيد بن الصفي «3». 2 - كنيته ولقبه: يكنى بأبي الربيع، وأبي العباس، ويلقب بنجم الدين «4»، الطوفي «5»، الصرصري ثم البغدادي فالدمشقي ثم المصري الحجازي فالمقدسي «6».

_ (1) ترجمته في: الدرر الكامنة 2/ 154 - 157، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 366 - 370، وشذرات الذهب 6/ 39 - 40، والأنس الجليل 2/ 257، وجلاء العينين ص 36 - 37، ومرآة الجنان 4/ 255، وبغية الوعاة ص 262، والمصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي، وكشف الظنون، إيضاح المكنون في عدة أماكن، والأعلام 3/ 127 - 128. (2) في الأنس الجليل، وكشف الظنون (2/ 688): سليمان بن عبد الله بن عبد الكريم. وفي كشف الظنون (2/ 96) وإيضاح المكنون (1/ 83، 1/ 443): سليمان بن عبد الله بن عبد القوي بن عبد الكريم. (3) في ذيل طبقات الحنابلة، وجلاء العينين: المعروف بابن البوقي. وفي هامش الدرر الكامنة نقلا عن طبقات الحنابلة: والشطي، وفي كشف الظنون (1/ 443): المعروف بابن السوقي. (4) في كشف الظنون (1/ 1616): محي الدين. (5) في الأنس الجليل، وكشف الظنون (2/ 688): الطوخي. (6) في مرآة الجنان: النسفي.

والطوفي: بضم الطاء واسكان الواو وبعدها فاء: نسبة إلى (طوف) أو (طوفى) «1» قرية تبعد عن بغداد بفرسخين. والصرصري: نسبة إلى صرصر: موضع من نواحي بغداد ومن قرى نهر الملك ومنها: العليا والسفلى: والعليا على جانبه الشمالي، وهي في طريق الحاج، وهذه تعرف بصرصر الدير لأن ديرا كان فيها «2». 3 - مولده: اختلف الذين ذكروا سنة ولادة الطوفي من المترجمين له، فابن رجب الحنبلي «3» يقول:" ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفى من أعمال صرصر". وتابعه في ذلك: أبو اليمن العليمي «4» في الأنس الجليل، وابن العماد «5» في شذرات الذهب.

_ (1) في الأنس الجليل: طوخي، وهو تصحيف. (2) انظر مراصد الاطلاع 2/ 838). (3) زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي المشهور بابن رجب المتوفى سنة خمس وتسعين وسبعمائة للهجرة. (انظر مقدمة ذيل طبقات الحنابلة). (4) عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي مجير الدين العمري المنتهي نسبه إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- المتوفى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة للهجرة (انظر مقدمة الأنس الجليل). (5) أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد العكري الدمشقي الحنبلي العالم الأديب المؤرخ المتفنن المتجول في المذاكرة والاستحضار والتمتع بالخزائن العلمية وتقييد الشوارد من كل فن. توفي سنة تسع وثمانين وألف، ودفن بالمعلاة بمكة المكرمة. (انظر مقدمة تحقيق شذرات الذهب).

وقال ابن الألوسي «1» في جلاء العينين: ولد سنة بضع وستمائة ... وبعضهم لم يذكر السنة التي ولد فيها. ولكن ذكرها على وجه التحديد الامام ابن حجر العسقلاني «2» في كتابه الدرر الكامنة، ولكنه خالف ابن رجب ومن تابعه حيث ذكر أنه ولد عام سبعة وخمسين وستمائة للهجرة. وقد رجح الدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه" المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي ص 68 - 69 أنه ولد سنة خمس وسبعين وستمائة للهجرة فقال:" والذي يبدو أن الطوفي ولد عام 675 هـ" فحرف الرقم إلى 657 هـ في كتب ابن حجر ذلك أن المؤلفات التي بدأ بها الطوفي حياته العلمية ومن بينها:" الاكسير في قواعد التفسير" وقد ألفه قبل أن ينتهي القرن السابع يبدو فيها طابع الشباب الذي كان الطوفي يجتاز مرحلته حينذاك، إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء، وكان معظم ما فيها تكرار لمن سبقه، مع شيء من التنظيم. ورد هذا الترجيح الدكتور حمزة الفعر في رسالته التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه بعنوان: سواد الناظر وشقائق الروض الناضر في أصول الفقه للكناني «3» تحقيق ودراسة.

_ (1) نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير الدين الألوسي الواعظ الفقيه الباحث ولد ونشأ ببغداد وتولى القضاء في بلاد متعددة. توفي ببغداد سنة سبع عشرة وثلاثمائة وألف للهجرة (مقدمة جلاء العينين). (2) أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المصري المولد والمنشأ والوفاة الشافعي المذهب شهاب الدين أبو الفضل المحدث المؤرخ، الأديب الشاعر المتوفى سنة تسع عشرة وثمانمائة للهجرة. (معجم المؤلفين 1/ 20 - 21). (3) أبو الحسن علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي المتوفى سنة 777 هـ. (انظر ترجمته الوافية في مقدمة الرسالة المذكورة ص 118 - 139).

وذكر عدة أمور ترجح أن مولده في سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة هي: 1 - أن ما ذكره الإمام ابن حجر من أن مولده عام 657 هـ، ليس محرفا عن عام 675 هـ بدليل أنه لم يوجد من ينص على أن الطوفي ولد في عام 675 هـ حتى يمكن التسليم بأنه محرف عنه، وإنما ذكر ابن رجب ومن تابعه أنه ولد عام بضعة وسبعين وستمائة وليس في هذا نص على أنه ولد عام 675 هـ. 2 - أن الذي ذكر أنه ولد في عام بضعة وسبعين إنما هو ابن رجب وحده ونقل عنه ابن العماد والعليمي هذا، فهم اعتمدوا على ما ذكره ابن رجب وعليه فإن القائل واحد هو ابن رجب. 3 - أن ما ذكره ابن رجب مبهم وهو قوله بضع وسبعين، وما ذكره ابن حجر صريح لا يحتمل، فيتعين المصير إليه، فلا يقال لعل الناسخ حرف لأن هذا الفرض لا دليل عليه، وهو معارض بمثله، إذ يمكن أن يفرض هذا فيما ذكره ابن رجب" ا. هـ قلت: ثم إن نسخ كتاب ابن حجر كلها المطبوعة والمخطوطة متفقة على أن ولادته سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. فلا دليل على التحريف. 4 - يقول الدكتور حمزة:" حفظ الطوفي لمختصر الخرقي «1»، واللمع

_ (1) أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي نسبة إلى بيع الخرق والثياب، أحد الأئمة الحنابلة، صنف في مذهبهم كتبا كثيرة منها هذا المختصر الذي اشتغل به أكثر المبتدءين في فقه الحنابلة. وأكثر كتبه احترقت ببغداد. توفي في دمشق سنة 334 هـ. (انظر طبقات الحنابلة 2/ 75 - 118، ووفيات الأعيان 3/ 441، وتاريخ بغداد 11/ 234).

لابن جني «1» وقراءته للفقه بصرصر، وحفظه للمحرر، ومجالسته لأكابر العلماء في بغداد وبحثه فنون العلم، وتأليفه لكتاب الإكسير قبل نهاية القرن السابع. كل هذا يشعر بتقدم ولادته عما ذكر ابن رجب" اه. قلت: وقول الدكتور مصطفى أبو زيد: ... إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء". يرد عليه بأن قول الطوفي في مقدمة الإكسير:" ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال وجعلته ... " يدل على ثقته بنفسه واعتداده بها وأنه صاحب فكر قوي لا يصل إليه إلا من بلغ في العلم مكانة مرموقة. ولهذا كله فإني أرجح ما سبقنى إليه الدكتور حمزة الفعر، من أن ولادة الطوفي كانت سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. والله أعلم. نشأته وأسرته: كانت نشأته الأولى في قريته" طوفى" وكان أثناء ذلك يتردد على أهل العلم بصرصر القريبة من بغداد وبقي بتلك القرية حتى سنة إحدى وتسعين

_ (1) أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور بإمامته في العربية. كان أبوه روميا مملوكا. وله تصانيف مفيدة في النحو منها المذكور. وله شعر، وشروح لبعض دواوين الشعراء، وكان المتنبئ يقول:" ابن جني أعرف بشعري مني". توفي ببغداد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة للهجرة. (انظر: وفيات الأعيان 3/ 246 - 248، وشذرات الذهب 3/ 140 - 141، والأعلام 4/ 204).

وستمائة ثم دخل بغداد. ولم يذكر المؤرخون للطوفي عن أسرته شيئا ولكن يبدو أنها كانت تسكن قرية طوفى حتى انتقل الى بغداد فانتقلت معه ثم انتقلت معه إلى دمشق ثم إلى مصر وقوص وكانت معه عند ما نزل بيت المقدس في آخر حياته. يقول ابن حجر في الدرر الكامنة:" وكان موته ببلد الخليل ... وعاش أبوه بعده سنوات. طلبه للعلم وفقهه وأدبه: جد الطوفي- رحمه الله- في طلب العلم منذ الصغر، فقد بدأ في قريته" طوفى" يطلب العلم ويتصل بالعلماء ويجلس في مجالسهم لطلبه، ويحفظ المتون، والمختصرات. ففي طوفى تتلمذ على بعض شيوخها، وحفظ مختصر الخرقي، واللمع لابن جنى، ثم أخذ يتردد على صرصر، فقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين على بن محمد الصرصري الحنبلي «1»، ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين وستمائة وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد. فحفظ المحرر في الفقه للإمام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية «2»، ثم بحثه على شيخه تقي الدين

_ (1) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي. (2) مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني جد شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم. ولد مجد الدين بحران وحدث بالحجاز والعراق والشام ثم ببلده حران التي توفي بها سنة اثنتين وخمسين وستمائة للهجرة. (انظر فوات الوفيات 2/ 323 - 324، وشذرات الذهب 5/ 212، والأعلام 4/ 6).

الزريراتي «1»، ثم قرأ العربية على شيخه أبي عبد الله الموصلي «2»، وتلقى أصول الفقه على النصير الفاروثي «3» وغيره، وسمع الحديث عن مجموعة من العلماء منهم: الرشيد بن القاسم «4»، وابن الطبال «5»، والحفيد الحراني «6»، وأبو بكر القلانسي «7» وغيرهم ... في المدرسة المستنصرية وغيرها. وقد درس الجدل، وأفرد مؤلفا للجدل في القرآن الكريم، ودرس المنطق والفرائض، وكان لدراسته للجدل والمنطق أثر في معظم مؤلفاته بعد ذلك، لأنه صار جريئا في تفكيره، حر الرأي إلى حد بعيد. ولقد أصبح الطوفي في بغداد فقيها أصوليا بارعا، واختار مذهب الامام أحمد فكان أحد فقهاء الحنابلة في بغداد، كما أصبح في نفس الفترة شاعرا أديبا، وهكذا كان طلبه للعلم في بغداد مقبلا على العلم والدرس والقراءة والحفظ ثم التصنيف. وفي سنة 704 هـ سافر إلى دمشق فكان موضع التقدير والإجلال من

_ (1) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي. (2) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي. (3) ستأتي ترجمته في شيوخ الطوفي. (4) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (5) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (6) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (7) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.

الفقهاء والمحدثين فيها والعلماء كافة، ولم ينقل عنه أنه انحرف عما هو عليه في الفقه والتفكير، وجلس في حلقات شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي، ودرس عليه ابن تيمية النحو أياما والتقى بالعلماء الأفاضل في دمشق منهم الشيخ أبو الحجاج المزى «1»، والشيخ أبو محمد القاسم البرزالي الإشبيلي «2» وتقي الدين بن حمزة «3» وهم من أعيان المذهب الحنبلى، وقد سمع عن ابن حمزة الحديث أيضا. وبعد عام من نزوله دمشق توجه تلقاء القاهرة بمصر، وحرص على طلب العلم وسمع العلماء، فسمع فيها الحديث من الحافظ عبد المؤمن بن خلف «4» وسمع من القاضي سعد الدين الحارثي «5»، وقرأ على أثير الدين أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه، وتولى الإعادة أو التدريس بالمدرسة الصالحية التي ألف فيها هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية"، ثم تولى الإعادة بالمدرسة المنصورية، التي أعاد فيها النظر في هذا الكتاب فقرأه، وألحق به بعض الفوائد سنة ثمان وسبعمائة للهجرة، ثم تولى الإعادة بعد ذلك في الناصرية حتى نفي إلى قوص في صعيد مصر بسبب سوء الصلة بينه وبين شيخه سعد الدين الحارثي، فقد خالفه الطوفي في بعض ما قرره سعد الدين في أحد الدروس ويبدو أن الطوفي كان مقتنعا برأيه إلى درجة أغضبت شيخه وفسرت بأنها إساءة أدب مع

_ (1) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (2) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (3) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (4) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله. (5) ستأتي ترجمته قريبا- إن شاء الله.

أستاذه الذي يكرمه ويبجله، فثار لأستاذه ابنه شمس الدين عبد الرحمن «1» فوكل أمر الطوفي إلى بدر الدين بن الحبال «2»،- أحد النواب- أو رجال الإدارة في تلك السنة- وسرعان ما أشهد هذا عليه بالرفض، وأخرج بخطه هجوا في الشيخين ... ثم مضت الحيلة في الطريق المرسوم فعزر الطوفي وطيف به ثم نفي إلى قوص وقيل: نفي إلى الشام، وكان قد هجا أهلها فتوجه إلى دمياط ثم إلى قوص ولقي بها جماعة من العلماء. وبقي في قوص عدة سنوات ولم يتوان عن القراءة والاطلاع والتحصيل فقرأ الحديث وصنف كثيرا من الكتب حتى يقال: إن له خزانة كتب بقوص. يقول كمال الدين جعفر الأدفوي «3»:" كان كثير المطالعة، أظنه طالع أكثر كتب خزائن قوص" «4». واشتغل فيها بالتأليف فقد ألف فيها عددا من كتبه منها" الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية".

_ (1) عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري، الفقيه المناظر الأصولي، ولد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة للهجرة، وسمع من والده وغيره بمصر، وبدمشق من جماعة منهم: ابن النحاس، وفي الاسكندرية من شهاب الدين أحمد القرافي. توفي بالقاهرة سنة 732 هـ. (انظر الدرر الكامنة 2/ 347، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 420 - 421). (2) محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج الحراني الحنبلي نزيل مصر، فقيه ولد بعد سنة سبعين وستمائة تقريبا، ناب في الحكم بظاهر القاهرة، وله شرح مختصر الخرقي، وغيره. توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة للهجرة. (انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 442، وشذرات الذهب 6/ 157). (3) جعفر بن ثعلب بن جعفر أبو الفضل، المؤرخ، وله علم بالفقه والفرائض والأدب، ولد بأدفو بصعيد مصر، وتعلم في قوص والقاهرة، توفي في القاهرة سنة 748 هـ. (انظر شذرات الذهب 6/ 153، والدرر الكامنة 1/ 535). (4) الدرر الكامنة 2/ 5.

ثم رحل إلى الحجاز فحج وجاور في الحرمين سنة 714 هـ وقرأ بها كثيرا من الكتب ثم رحل إلى القدس فبقي فيها حتى توفي سنة 716 هـ. ولم ينقطع عن العلم والتحصيل والتأليف وكان آخر مؤلف ألفه في بيت المقدس هو كتابه" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية". وللطوفي مشاركات أدبية. يقول العليمي- رحمه الله-:" وله نظم كثير رائق وقصائد في مدح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد- رضي الله عنه- «1» أولها: ألذ من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا ثناء على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محي الشريعة أحمدا «2» قلت: ومن مدحه له أيضا: روى ألف ألف من أحاديث أسندت وحصلها حفظا بقلب محصل

_ (1) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي، أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس، ولد أحمد ببغداد ونشأ منكبا على طلب العلم، وسافر في سبيله كثيرا، وكان إمام المذهب الحنبلي ومن أشهر مصنفاته المسند. في أيامه كانت فتنة القول بخلق القرآن، سجن وعذب وجلد من أجلها، لامتناعه عن القول بخلق القرآن، وخرج من السجن بعد أن قضى فيه ثمانية وعشرين شهرا سنة 120 هـ. توفي في عهد المتوكل سنة 141 هـ. [انظر صفوة الصفوة 2/ 336 - 358، والأعلام 1/ 203]. (2) انظر الأنس الجليل 2/ 256.

أجاب على تسعين ألف قضية بحدثنا لا من صحائف نقل وقال ابن حجر- رحمه الله-:" وله قصيدة في المولد أولها: إن ساعدتك سوابق الأقدار فأنخ مطيك في حمى المختار وقصيدة في ذم أهل الشام أولها: جد للمشوق ولو بطيف كلام ... اه «1» ومن شعر الطوفي في ذم دمشق: قوم إذا دخل الغريب بأرضهم أضحى يفكر في بلاد مقام بثقالة الأخلاق منهم والهواء والماء وهي عناصر الأجسام ووعورة الأرضين فامش وقع ونم كبعير المستعجل التمتام بجوار قاسيون هم وكأنهم من جرمه خلقوا بغير خصام «2» وله قصيده في العقيدة «3». كما أن مؤلفاته الأدبية: الرحيق المسلسل في الأدب، وموائد الحيس في شعر امرئ القيس، والشعار المختار علي مختار الأشعار، وشرح مقامات الحريري، وغيرها تدل على مكانته في الأدب والشعر.

_ (1) الدرر الكامنة 2/ 157. (2) الدرر الكامنة 2/ 155. (3) كشف الظنون 2/ 1343.

شيوخه: عرفنا مما تقدم حرص الطوفي على اتصاله بالعلماء، ومجالسهم منذ صغره وهو في قريته" طوف" أو طوفى" وكيف" يتردد على مشايخ صرصر، ثم قربه من مشاهير بغداد والأخذ عنهم، بل لقد أمضى جل عمره في التنقل بين بغداد ودمشق، والقاهرة، والصعيد، والحرمين الشريفين، يجالس العلماء الفضلاء، فيرشف من ينابيع علومهم وشتى فنونهم، مسترشدا بكتب العلماء السابقين له، واستظهارها حفظا. ومن أشهر العلماء الذين جالسهم وطلب العلم على أيديهم وأروى بهم ظمأه في طلب العلم: 1 - زين الدين علي بن محمد الصرصري، وهو شيخه في قريته طوف. ذكره المؤرخون للطوفي ومنهم ابن رجب- رحمه الله- في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وابن حجر- رحمه الله- في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (2/ 154)، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع في تاريخ الأعلام. 2 - الشيخ تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ابن أبي البركات بن مكي بن أحمد الزريراتي، البغدادي ، فقيه العراق ولد في جمادى الآخر سنة ثمان وستين وستمائة. وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسماعيل بن الطبال- الآتية ترجمته قريبا- وغيره. وتفقه ببغداد على جماعة من العلماء ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ مذهب الإمام أحمد على جمع من العلماء الحنابلة فيها، ثم عاد إلى بلده، وكان عارفا بأصول الدين والفقه والفرائض والحديث وأسماء الرجال والتواريخ واللغة العربية. وانتهت إليه

رئاسة الفقه في العراق. وله اليد الطولى في المناظرات والبحث ومعرفة مذاهب الناس، وكان يرجع إلى ما يقول. حتى ابن المطهر شيخ الشيعة «1» في عهده كان الشيخ تقي الدين يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له. وقال له بعض أئمة الشافعية يوما: أنت اليوم شيخ الطوائف ببغداد. درس في المستنصرية، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرين من جماد الأولى سنة تسع وسبعمائة ودفن بمقبرة الإمام أحمد. ومدحه الناس ورثوه كثيرا، وقد قرأ عليه الطوفي كتاب المحرر «2». 3 - النصير الفاروثي «3»: نصير الدين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرضي الفاروثي الشافعي، (بضم الراء بعدها واو ساكنة آخره ثاء مثلثة) قرية من قرى شيراز، وسكن بغداد ثم قدم دمشق وكان ممن التقى به من العلماء البرزالي وقد ترجم له في تاريخه فهو

_ (1) الحسن، ويقال: الحسين بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي من أئمة الرافضة، وعلمائهم الكبار، ولد بالحلة بالعراق، وسكنها ومات فيها، له كتب كثيرة تبين انحرافه وسوء عقيدته، ومنها كتابه:" منهاج الكرامة، أو الندامة" الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب منهاج السنة توفي ابن المطهر سنة 726 هـ. (انظر الأعلام 2/ 227 - 228، والدرر الكامنة 2/ 71). (2) انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 410 - 412، 366، والدرر الكامنة 2/ 154، وشذرات الذهب 6/ 89 - 90. (3) في الدرر الكامنة" ط دار الجيل نصير الدين الفاروقي. وجاء في شذرات الذهب 6/ 39 أن ممن قرأ عليهم الطوفي:" النصير الفارقي" وفي ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366:" النصر الفاروقي" والصحيح ما أثبتناه نسبة إلى قرية فاروث- والله أعلم-.

يقول عنه:" قدم علينا دمشق، وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب، وكان جيد المناظرة ... " وقال الذهبي:" قدم دمشق وتكلم فظهرت فضائله". درس الفاروثي- رحمه الله- في المدرسة المستنصرية ببغداد وغيرها من المدارس الكبار. وكان من كبار الشافعية. توفي- رحمه الله- في بغداد سنة ست وسبعمائة للهجرة «1». 4 - أبو عبد الله محمد بن الحسين الموصلي: هكذا ذكره المؤرخون للطوفي كابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 366)، وابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 154)، والسيوطي في بغية الوعاة (1/ 95)، ولم أجد له ترجمة فيما استطعت الوصول إليه من مراجع الأعلام. 5 - إسماعيل بن الطبال: وهو إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن حمزة المبارك الأزجي الحنبلي، أبو الفضل عماد الدين ابن الطبال. شيخ الحديث بالمدرسة المستنصرية ببغداد. ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة للهجرة وسمع جامع الترمذي على عمر

_ (1) انظر ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 281، وشذرات الذهب 6/ 13 - 14.

ابن كرم «1»، وسمع منه الحديث ومن ابن روزبه «2»، ومن القطيعي «3» صحيح البخارى «4»، وحدث بصحيح البخاري وبسنن النسائي «5» عن القطيعي، وولي

_ (1) عمر بن كرم بن أبي الحسن أبو حفص الدينوري ثم البغدادي الحمامي، ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة للهجرة سمع الحديث من عدد من العلماء وكان صالحا توفي سنة 629 هـ (انظر شذرات الذهب 5/ 132). (2) أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبه البغدادي القلانسي العطار الصوفي حدث بالصحيح ببغداد وحران وحلب وغيرها توفي فجأة في ربيع الآخر سنة 633 هـ وقد نيف على التسعين. (انظر شذرات الذهب 5/ 160). (3) أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر البغدادي المحدث المؤرخ، وهو أول شيخ ولي المستنصرية توفي في ربيع الآخر سنة 634 هـ (انظر شذرات الذهب 5/ 168). (4) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بردزبة البخاري نسبة إلى بخارى أعظم مدن ما وراء النهر- الجعفي- لأن جده المغيرة أسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى- ولد البخاري سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة. وأخذ يحفظ الحديث وهو دون العاشرة ... روي عنه أنه قال:" أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح" امتحنه جماعة من أهل الحديث في مائة حديث مغلوطة الأسانيد فرواها على الوجه الصحيح تلقى الناس عنه ولم يبلغ الثامنة عشرة. له آراء فقهية مشهورة. من أشهر كتبه" الصحيح" الذي لم يضع فيه حديثا حتى يصلي ركعتين ويستخير الله في وضعه، بعد استكمال وسائل الدقة والصواب. توفي- رحمه الله- سنة ست وخمسين ومائتين من الهجرة. (الرسالة المستطرفة ص 9، وتاريخ بغداد 2/ 20 وما بعدها). (5) هو أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن علي، وقيل أحمد بن شعيب بن علي القاضي الحافظ شيخ الإسلام الشافعي صاحب السنن الكبرى، والصغرى، كان مهيبا قويا لا يحب مجالس السلطان. توفي- رحمه الله- سنة ثلاث وثلاثمائة للهجرة. (انظر طبقات الشافعية 2/ 83 - 84 والبداية والنهاية 11/ 123 - 124).

مشيخة المستنصرية بعد ابن أبي القاسم- الآتي- وكان مكثرا. أخذ عنه جماعة كبيرة من العلماء، مات ببغداد في شهر شعبان سنة ثمان وسبعمائة للهجرة «1». 6 - الرشيد ابن أبي القاسم: هو رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أبي القاسم البغدادي الحنبلي مقرئ، محدث صوفي كاتب، ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الحديث من كثير من العلماء كابن روزبه- المتقدم- وغيره من علماء الحديث وعني بالحديث، وسمع الكتب الكبار، وكان من أعيان بغداد، عالما صالحا حسن الأخلاق من أجلاء أهل العدل، سمع تحديثه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين إليها، وانتهى إليه علو الإسناد، توفي في جماد الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد «2». 7 - المفيد عبد الرحمن بن سليمان: مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز المجلخ الحربي، الضرير، الفقيه، معيد الحنابلة في المستنصرية ببغداد. سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره من المتأخرين روى كتاب الخرقي- الذي حفظ مختصره الطوفي في قريته طوفى- عن شيوخه.

_ (1) انظر ترجمته في الدور الكامنة (1/ 369 - 370) وفي شذرات الذهب (6/ 16). (2) انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 353 - 354) وفي الدور الكامنة (2/ 154) وفي شذرات الذهب (6/ 15 - 16).

كان من كبار الشيوخ وأعيانهم، فقيها محدثا عارفا بالعربية سمع منه جماعة من شيوخ الحنابلة. وتوفي في سنة سبعمائة للهجرة «1». 8 - المحدث أبو بكر القلانسي: هو جمال الدين أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي الباجسري ثم البغدادي الحنبلي. ولد في جماد الآخرة سنة أربعين وستمائة للهجرة، وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن، وسمع من جماعة من العلماء وكان صدوقا، والظاهر أنه كان قارئ الحديث بالمستنصرية البغدادية، وقيل: إنه ولي حسبة بغداد. خرج لغير واحد من الشيوخ وسمع جماعة من المحدثين منهم الإمام الذهبي- رحمه الله- توفي ببغداد في شهر رجب سنة أربع وسبعمائة للهجرة «2». 9 - القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة: هو: القاضي تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة للهجرة، وكان فقيها إماما محدثا وتفرد في زمانه، حضر على مجموعة من العلماء: صحيح البخاري، وسمع من جماعة المحدثين، قال بعض العلماء: شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة،

_ (1) انظر ذيل طبقات الحنابلة (2/ 344)، وشذرات الذهب (5/ 456 - 457). (2) انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 353، وشذرات الذهب 6/ 10، الدرر الكامنة 1/ 216، 1/ 157.

كان كثير العبادة والتهجد حسن الخلق، قوي النفس، لين الجانب، متوددا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النفع المتعدي. توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي القعدة سنة خمس عشرة وسبعمائة للهجرة بمنزله فجأة بعد صلاة المغرب «1». 10 - ابن تيمية: شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني، الدمشقي الحنبلي. ولد في حران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة للهجرة، وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، فكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث والأصول والنحو واللغة وغير ذلك. قرأ العربية على سليمان بن عبد القوي الطوفي- تلميذه هذا- أياما في دمشق. رحل إلى مصر وتعصب عليه مجموعة من العلماء فيها فحبس، وجرت له عدة محن وحبس من أجلها في دمشق ومصر، كان يجاهد بنفسه مع الجيوش التتار والصليبيين وله مواقف جليلة في نصرة دين الله ونصرة المذهب الحق- مذهب أهل السنة والجماعة- ومؤلفاته لا تحصى كثرة. توفي رحمه الله في دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة في سجنه بقلعة دمشق «2».

_ (1) انظر البداية والنهاية 14/ 75، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 364 - 366، والدرر الكامنة (2/ 146 - 147). (2) انظر ترجمته في مقدمة الجواب الصحيح بتحقيق الدكتور علي بن حسن العسيري، وفي البداية والنهاية 14/ 135 - 140، وفي النجوم الزاهرة 9/ 271 - 272، وفي ذيل طبقات الحنابلة 3/ 387 - 408، وغيرها.

11 - الحافظ المزي: الحافظ أبو الحجاج جمال الدين أبو محمد يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي المزي، محدث الديار الشامية في عصره، ولد بظاهر حلب، في عاشر ربيع الثاني سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، ونشأ بالمزة قرب دمشق. حفظ القرآن الكريم، وعني باللغة العربية وبرع فيها، وأتقن النحو والتصريف، ولي دار الحديث الأشرفية، شافعي المذهب وصاحب حياء وسكينة، واحتمال وقناعة، وقلة كلام، إلا أنه إذا سئل أجاب وأجاد، برع في معرفة الرجال، وشدت إليه الرحال من أجل ذلك، ومما يشهد بذلك كتابه تهذيب الكمال: في أربعة عشر مجلدا، توفي- رحمه الله- في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة للهجرة، ودفن بجوار زوجته الصالحة الحافظة لكتاب الله في مقبرة الصوفية بدمشق «1». 12 - مجد الدين الحراني: مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي شيخ المذهب، ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة للهجرة بحران، ثم قدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين، فسمع بها من جماعة من المحدثين والعلماء، وسمع المسند وتصدى للاشتغال والفتوى مدة طويلة، قال عنه الطوفي:" كان من أصلح خلق الله وأدينهم، كأن على

_ (1) انظر فوات الوفيات 4/ 353 - 355، والدليل الشافعي على المنهل الصافي: 2/ 803، والبداية والنهاية 14/ 191 - 192.

رأسه الطير، وكان عالما بالفقه والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة" اه، وقال الذهبى «1»:" كان شيخ الحنابلة" اه، ويقال: إنه أقرأ المقنع مائة مرة، كان كثير البكاء، رقيق القلب، توفي في ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى، سنة تسع وعشرين وسبعمائة للهجرة بالمدرسة الجوزية، ودفن بمقابر الباب الصغير بدمشق «2». 13 - محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي، ولد سنة خمس وأربعين وستمائة للهجرة في بعلبك وسمع بها وبدمشق، وعني بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك «3» حتى برع في ذلك. وشرح ألفية ابن مالك، كان غزير الفوائد صالحا متواضعا على طريقة السلف. توفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم سنة تسع وسبعمائة ودفن بالقرافة «4».

_ (1) الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي، ولد سنة 673 هـ من أسرة تركمانية الأصل، وعرف بالذهبي نسبة إلى صنعة أبيه. مشهور بطول باعه في الحديث، ومؤلفاته تشهد بذلك. توفي- رحمه الله- سنة 748 هـ. (انظر البداية والنهاية 14/ 225، ومقدمة تحقيق الجزء الأول من سير أعلام النبلاء). (2) انظر ترجمته في البداية والنهاية 14/ 146، وفي شذرات الذهب 6/ 89. (3) محمد بن عبد الله بن مالك جمال الدين الطائي الحيّاني الشافعي النحوي، نزيل دمشق، وتصدر بحلب لاقراء العربية، وكان إماما في القراءات وعللها وله الألفية المشهورة في النحو، توفي سنة 672 هـ (انظر فوات الوفيات 3/ 407 - 408، وطبقات الشافعية 5/ 28). (4) انظر الدرر الكامنة 4/ 140 - 141، وشذرات الذهب 6/ 20 - 21.

14 - الحافظ الدمياطي: شرف الدين أبو محمد وأبو أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الدين بن الخضر الدمياطي، الشافعي، ولد عام ثلاثة عشر وستمائة للهجرة، وكان إمام الحديث في عصره، عالما بالأنساب، عمدة في النقد، نشأته بدمياط، وسمع بالاسكندرية، ثم قدم القاهرة، وسمع بالحرمين سنة 643 هـ، ورحل إلى الشام، وإلى الجزيرة، والعراق مرتين، وبغداد، وسمع بها وخرج الحديث فيها، شيوخه نحو ألف وثلاثمائة، ومن تلاميذه المزي والذهبي، توفي بالقاهرة سنة 705 هـ «1». 15 - الحافظ المحدث المؤرخ البرزالي: الشيخ الإمام علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة للهجرة، وحفظ القرآن، والتنبيه، ومقدمة ابن الحاجب، سمع الجامع الصحيح، وأحب الحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ، وجد في الطلب وذهب إلى بعلبك وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين وستمائة للهجرة وفيها ارتحل إلى مصر، وله تاريخ بدأه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة «2» فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات. وعمل في فن الرواية عملا

_ (1) انظر طبقات الشافعية 6/ 132 - 140، وفوات الوفيات 2/ 409 - 411، والبداية والنهاية: 14/ 40. (2) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي مؤرخ محدث شافعي المذهب، وهو صاحب التصانيف المشهورة، قتل في منزله سنة 665 هـ. [انظر البداية والنهاية 13/ 250 - 251، وبغية الوعاة ص 297].

قل من يبلغ إليه وبلغ عدد مشايخه بالسماع أكثر من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف. رتب ذلك وترجمهم في مسودات متقنة. حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين. يقول الذهبي: وهو الذي حبب إليّ طلب الحديث، ولي دار الحديث الأشرفية مقرئا فيها وقرأ بالظاهرية سنة ثلاث عشرة وسبعمائة للهجرة. توفي بخليص- بين مكة والمدينة- سنة 739 هـ «1». 16 - القاضي سعد الدين الحارثي: الحافظ أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد بن عياش الحارثي نسبة إلى الحارثية من قرى بغداد، ثم المصري، فقيه، محدث، ولد سنة ثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة للهجرة، وسمع من جماعة من العلماء بمصر، والاسكندرية، ودمشق وعني بالحديث وفنونه، وكان فقيها مناظرا، مفتيا، وخرج لجماعة من الشيوخ معاجم، وكان يكتب خطا حسنا حلوا متقنا، وحج غير مرة. درّس بالمنصورية، والصالحية، وجامع الحاكم، وولي القضاء، ورأس الحنابلة، سمع منه الطوفي بمصر، وكانت بينهما مودة، ثم حدث بينهما فجوة سنتحدث عنها قريبا- إن شاء الله- توفي سعد الدين في سحر يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة سنة عشر وسبعمائة للهجرة بالقاهرة، ودفن من يومه في مقبرة القرافة «2».

_ (1) انظر فوات الوفيات 3/ 196 - 198، والنجوم الزاهرة 9/ 319. (2) انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 362 - 364، والدرر الكامنة 4/ 347 - 348، ومعجم المؤلفين 12/ 225.

17 - أبو حيان النحوي: شيخ النحاة أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفري الغرناطي الحيّاني الأصل، الشافعي، ولد بغرناطة سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وإفريقيا، والاسكندرية ومصر والحجاز، وحصل على الإجازات من الشام، والعراق وغير ذلك. اجتهد في طلب العلم، وحصّل، وكتب، وله نثر ونظم، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، ذا دراية باللغة وألفاظها، وإمام الدنيا في النحو، والتصريف، وله اليد الطولى في التفسير والحديث، والتراجم، والطبقات، والتواريخ، والحوادث. له مصنفات عديدة منها: البحر المحيط، وشرح سيبويه، والنافع في قراءة نافع، والإعلام بأركان الإسلام، وغيرها كثير. قرأ عليه الطوفي مختصره لكتاب سيبويه، توفي في شهر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة للهجرة بمنزلة بالديار المصرية «1». 18 - شهاب الدين السراج: هو أحمد بن خليل البزاعي التاجي السراج: المولود سنة بضع وعشرين

_ (1) انظر طبقات الشافعية 6/ 31 - 44، والدرر الكامنة 4/ 302 - 310، وفوات الوفيات 4/ 71 - 79.

وستمائة للهجرة، أسير الآداب، له نظم ونثر، وله ديوان، حدث بشيء منه وسمع منه الطوفي والسراج عبد اللطيف بن الكويك «1»، والسديد محمد بن فضل الله بن كاتب المرج «2»، وغيرهم. مات يوم عاشوراء سنة 725 هـ وقد قارب المائة عام «3». تلاميذه: عرفنا فيما سبق في الفصول المتقدمة دور الطوفي- رحمه الله- في خدمة العلم وبذله ونشره، رغم العقبات التي وقفت أمامه، والمحن التي كان لها أثر في تنقلاته، وعدم استقرار إقامته في بلد من البلدان. فقد قام بالبحث والمناظرة في بغداد وأجاد وأفاد، وشارك في مجالس العلم والعلماء في دمشق، وبيت المقدس، ودرّس في مدارس الحنابلة في القاهرة، بل لقد أجهد نفسه في التأليف في العلوم الشرعية وغيرها من الفنون حتى يقال: أن له بقوص وحدها خزانة من الكتب، وقد استفاد من الطوفي مجموعة من رواد العلم وطلابه إما بالجلوس عليه والأخذ منه أو بالاستفادة من كتبه وتصانيفه، وممن جلس على الطوفي وأخذ عنه على سبيل المثال لا الحصر:

_ (1) سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد بن محمود بن أبي الفتح بن محمود ابن أبي القاسم التكريتي المعروف بابن الكويك، التاجر، الاسكندراني، الربعي، مات سنة 712 هـ. (انظر الدرر الكامنة 2/ 405). (2) ستأتي ترجمته- إن شاء الله-. (3) انظر الدرر الكامنة 1/ 130، ومعجم المؤلفين 1/ 216.

1 - شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- رحمه الله-. فهو شيخ الطوفي المثالي كما تقدم كما أن ابن تيمية قد جلس على الطوفي وأخذ عنه في اللغة العربية يقول ابن رجب- رحمه الله-" وقرأ- اي ابن تيمية- في العربية أياما على سليمان بن عبد القوي «1» " ا. هـ. 2 - عبد الرحمن القوصي: الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ج 1 71 2 - عبد الرحمن القوصي: ..... ص: 71 2 - عبد الرحمن القوصي: عبد الرحمن بن محمود القوصي، ينعت بالمجد، ويعرف بابن قرطاس، سمع الحديث بالقاهرة من المتأخرين، وقرأ النحو على أبي حيان النحوي، وتأدب على نجم الدين الطوفي، والشيخ صدر الدين ابن الوكيل «2»، والأمير مجير الدين عمر بن اللمطي «3»، فكان أديبا شاعرا فاضلا، له نظم ونثر، رثى

_ (1) ذيل طبقات الحنابلة: 2/ 388. (2) محمد بن عمر بن مكي أبو عبد الله المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل: شاعر، ومن علماء الفقه، ولد بدمياط وانتقل إلى دمشق فنشأ فيها، وأقام مدة في حلب. كان ذا ذاكرة وحافظة عجيبة، حفظ المقامات الحريرية في خمسين يوما وديوان المتنبي في أسبوع، كان لا يقوم بمناظرة ابن تيمية أحد سواه، توفي سنة 716 هـ فقال ابن تيمية: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين. (انظر الدرر الكامنة 4/ 115 - 123، وفوات الوفيات 4/ 13 - 26). (3) عمر بن عيسى بن نصر، كان فاضلا نحويا شاعرا أديبا سمع الحديث على جماعة من العلماء، وكذلك الأصول، وكان شريف النفس والمروءة لا يصبر على الذل، ولي النظر على رباع الأيتام بالقاهرة، توفي بقوص سنة 721 هـ. (انظر الطالع السعيد ص 448 - 454، ومعجم المؤلفين 7/ 304).

شيخه مجير الدين. تولى الخطابة بجامع الصارم بمدينة قوص، وعلق تعاليق كثيرة، ووقف كتبه على المدرسة السابقية بقوص، توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة للهجرة «1». 3 - محمد بن فضل بن كاتب المرج القوصي: محمد بن فضل الله بن أبي نصر بن أبي الرضى، السديد بن كاتب المرج، القوصي المولد، أديب شاعر فاضل، حسن المنظر، فصيح اللسان، ذو حياء وكرم وصدق لهجة، كان والده غنيا كثير العطاء، وكانت أسرتهم على دين النصرانية فهداهم الله أجمعين، قرأ محمد هذا النحو والأصول والفقه على نجم الدين الطوفي، عند ما استوطن قوص وقرأ النحو أيضا على أبي حيان النحوي وتأدب على أدباء قوص، وأجاد في الأدب حتى وصل إلى النهاية- كما يقال- وله مشاركة في النحو والأصول والحكمة والطب وغيرها، وأشعاره كثيرة، منها الموشحات وغيرها. وكان كثير الغزل، ومنه ما لا يليق بالعلماء، جلس بالوراقين بقوص، وولي وكالة بيت المال بالأعمال القوصية، توفي سنة بضع وأربعين وسبعمائة للهجرة «2».

_ (1) انظر الدرر الكامنة 2/ 346 - 347، والطالع السعيد ص 296 - 297. (2) انظر ترجمته في الطالع السعيد ص 602 - 612، والدرر الكامنة 4/ 135 - 137.

آثاره العلمية رأينا فيما سبق كيف حرص الطوفي على العلم منذ صغره، وكيف كان شديد الذكاء، فرحل إلى عدة بلدان حرصا على طلب العلم واللقاء بالعلماء، وكيف كان شديد الشغف بالبحث والمعرفة، فقد طالع أغلب الكتب المؤلفة وخاصة في قوص، وكان يشارك في سائر العلوم، وكذلك كيف كان حرا جريئا في تفكيره كما يتضح من قوله في كتابه" الاكسير في قواعد التفسير" ص 1: " ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن لا يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال" ا. هـ. وقال في شرح الأربعين النووية:" فأوصيك أيها الناظر فيه، المحيك طرفه في أثنائه، ومطاويه- ألا تسارع فيه إلى إنكار خلاف ما ألفه وهمك، وأحاط به علمك، بل أجدّ النظر وجدده، وأعد الفكر ثم عاوده، فإنك حينئذ جدير بحصول المراد ... " «1». وكان طبيعيا من تعدد البلدان التي درس ودرّس وقرأ فيها أن تتسع دائرة معارفه فشملت علوم القرآن، والحديث، وأصول الفقه والفقه وأصول الدين، واللغة العربية، والأدب. بل لقد كان شاعرا ناقدا يشرح أشعار فحول الشعراء ويجمع عيون الشعر من مظانها، ويبين آلاته التي يحتاج إليها وكيف تأليفه

_ (1) المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي ص 71 - 72.

والطريق إلى نقده «1». وقد ذكر العلماء والمترجمون للطوفي عددا كبيرا من كتبه ولكن ليس على سبيل الحصر ولذلك فإنني أذكر ما تيسر معرفته من كتبه ولا يتيقن لنا حصرها واستيفاء الاطلاع عليها ومعرفة أماكن وجودها في مكتبات العالم، وقد رتبت ما عرفته من كتبه على الفنون: التفسير وعلومه، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم اللغة العربية والأدب. 1 - الاكسير في قواعد التفسير: وقد طبع هذا الكتاب أكثر من طبعة وحققه الدكتور عبد القادر حسين، في مصر. 2 - إيضاح البيان عن معنى أم القرآن: منه صورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد «2» بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 3 - مختصر المعالين: يقول ابن رجب- رحمه الله-:" جزءين فيه: أن الفاتحة متضمنة لجميع القرآن" اهـ. ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب

_ (1) انظر مخطوطة الشعار على مختار الأشعار. (2) رحبة باب العيد: كانت عظيمة الطول والعرض يقف فيها العساكر في أيام مواكب الأعياد ينتظرون ركوب الخليفة وخروجه من باب العيد ويذهبون في خدمته لصلاة العيد. ثم بنيت فيها الدور والمساجد وغيرها فصارت خطة كبيرة من أجل اخطاط القاهرة وبقي اسم رحبة باب العيد لا تعرف إلا به (انظر الخطط المقريزية 2/ 47).

الأنس الجليل (2/ 258). 4 - فواصل الآيات: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1293). 5 - تفسير سورة ق: ذكره بروكلمان. وعندي صورة لاحدى نسخه الخطية. وكتبه في سجن رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 6 - تفسير سورة القيامة: وهو ضمن مجموع للطوفي صورت هذا المجموع مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية برقم 1205. 7 - تفسير سورة سبأ: وهو ضمن المجموع السابق. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 8 - تفسير سورة الانشقاق: ضمن المجموع السابق. 9 - بيان ما وقع في القرآن من الأعداد: منه صورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 10 - جدل القرآن: ذكره السيوطي «1» في الاتقان في علوم القرآن النوع الثامن والستين.

_ (1) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري، إمام حافظ مؤرخ أديب له نحو ستمائة مصنف منها الكتاب الكبير والرسالة الصغيرة نشأ في القاهرة يتيما ولما بلغ.

11 - بغية الواصل إلى معرفة الفواصل: ذكره الإمام السيوطي أيضا في مصادر كتابه: الاتقان (1/ 11 - 12) وصاحب كشف الظنون (1/ 251). 12 - دفع التعارض عما يوهم التناقص في الكتاب والسنة: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 756) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257). 13 - شرح الأربعين النووية: ذكره أكثر من واحد، واطلعت على نسختين خطيتين منه في دار الكتب القومية بالقاهرة. وممن ذكره صاحب الأنس الجليل (2/ 258). 14 - مختصر جامع الترمذي «1»: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم. 15 - بغية السائل في أمهات المسائل: وقد عده بعضهم في الطب، وليس كذلك وممن ذكره صاحب كشوف

_ - أربعين سنة اعتزل الناس، فألف أكثر كتبه. توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة للهجرة. (انظر شذرات الذهب 8/ 51، والأعلام 3/ 302). (1) أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي من أئمة علماء الحديث وحفاظه، تلميذ البخاري، وزميله في بعض شيوخه، أشهر تصانيفه" الجامع الصحيح" أحد الكتب الستة. عمي الترمذي في آخر حياته، وتوفي- رحمه الله- سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة، وقيل غير ذلك. (انظر شذرات الذهب 2/ 174 - 175، والنجوم الزاهرة 3/ 81 - 82، ومقدمة سننه بتحقيق أحمد شاكر).

الظنون (1/ 248) وصاحب الأعلام (3/ 128) وذكره الطوفي نفسه في كتابه الاكسير في قواعد التفسير ص 4. 16 - قدوة المهتدين إلى مقاصد الدين: منه نسخة ضمن مجموع صورت بعضه الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية. 17 - حلال العقد في أحكام المعتقد: منه صورة في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 18 - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية: وهو هذا الكتاب الذي قمت بتحقيقه. 19 - الباهر في أحكام الباطن والظاهر: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وصاحب كشف الظنون (1/ 219) وغيرهما. ويقول الطوفي عنه في الإشارات:" وهذا رد على الاتحادية وغيرهم". 20 - درء القول القبيح في التحسين والتقبيح: وقد اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا، وقد ذكره غير واحد، منهم صاحب الأنس الجليل (2/ 257). 21 - رد على الاتحادية: ذكره في كتابه الانتصارات الإسلامية، وفي كتابه الإشارات الإلهية وذكره أكثر من واحد. 22 - الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية في الاعتقادات: وعندي منه صورتان لمخطوطتين في المكتبة الأحمدية بحلب والمكتبة العلمية

ببريدة، وقد اطلعت على نسخة له في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية، وله عدة نسخ أخرى في مكتبات تركيا وغيرها. وليس له نظير في بابه وترتيبه. 23 - العذاب الواصب على أرواح النواصب: ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 96) والزركلي في الأعلام (3/ 128) ويقال إنه حبس وطيف به لأجله. 24 - قصيدة في العقيدة وشرحها: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1343) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وغيرهما. 25 - تعاليق في الرد على جماعة من النصارى: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، ويقول الطوفي في الإشارات الإلهية:" والبحث مع النصارى أفردنا له عدة تعاليق". 26 - النور الوهاج في الإسراء والمعراج: ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 688) وغيره. 27 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر: منه نسختان اطلعت عليهما بالمكتبة السليمانية بتركيا، وذكره غير واحد. 28 - كتاب في القدر:" قاعدة القدر " ذكره في مقدمة كتابه الإشارات الإلهية .. وفي كتابه الانتصارات الإسلامية. 29 - الفوائد: ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية".

30 - الآداب الشرعية: ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية". 31 - الجدل في علم الجدل: اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا- استانبول-. 32 - مصنف آخر صغير في الجدل: وقد ذكره في الإشارات باسم" مختصر الجدل". وذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257). 33 - دفع الملام عن أهل المنطق والكلام: ذكره هو في كتابه الإشارات الإلهية ... وذكره د. مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ... ونجم الدين الطوفي ص 91. 34 - البلبل في اختصار روضة الناظر: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155) وصاحب كشف الظنون (1/ 930) " مطبوع". 35 - شرح روضة الناظر: ثلاثة مجلدات، الجزء الثاني منه في مكتبة الحرم المكي، وصورته في مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحققه وطبعه معالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وكذلك د. إبراهيم البراهيم.

36 - معراج الوصول إلى علم الأصول: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1738) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 37 - الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 827) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 38 - شرح المحصول في أصول الفقه: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1616). 39 - مختصر المحصول: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92. 40 - مختصر الحاصل في أصول الفقه: ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92. وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 41 - الرياض النواظر في الأشباه والنظائر: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والزركلي في الأعلام (3/ 128)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة ص 92.

42 - القواعد الكبرى في فروع الحنابلة: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1359). 43 - القواعد الصغرى: ذكره الطوفي في الانتصارات الإسلامية وشرح الروضة (2/ 445) خ وفي أكثر كتبه التي اطلعت عليها. 44 - شرح نصف مختصر الخرقي: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغير واحد. 45 - القواعد الدمشقية: ذكره الطوفي في كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" في أول حديثه عن الشرط الرابع. 46 - مقدمة في علم الفرائض: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 258). 47 - شرح مختصر التبريزي في الفقه الشافعي: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم.

48 - الصعقة الغضبية على منكري العربية: منه نسخة بدار الكتب القومية المصرية برقم (228/ مجاميع). وقد ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وصاحب إيضاح المكنون (2/ 67) حققه د. محمد الفاضل وطبع في مكتبة العبيكان بالرياض. 49 - الرسالة العلوية في القواعد العربية: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 878). 50 - غفلة المجتاز في علم الحقيقة والمجاز: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1153). 51 - تحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 363) والزركلي في الأعلام (3/ 128). 52 - الرحيق السلسل في الأدب المسلسل: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 53 - موائد الحيس في شعر امرئ القيس: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1897) وابن رجب في الذيل (2/ 368).

54 - شرح مقامات الحريري: في ثلاثة مجلدات، ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في الذيل (2/ 368). 55 - الشعار المختار على مختار الأشعار: ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وقد اطلعت على صورة منه في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وعنوانه فيها:" الشعار على مختار الأشعار". 56 - إزالة الأنكاد في مسألة كاد: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 71) وبروكلمان. 57 - قصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد بن حنبل: ذكرها ابن رجب وغيره. هذه هي مصنفات الإمام الطوفي- رحمه الله- لا على وجه الحصر وإن كنت أريد الحصر، فلم يتسير لي ذلك، وله مؤلفات أخرى لم أستطع معرفة اسمائها، وقد شهد بكثرة مؤلفاته وعدم حصرها المؤرخون له. يقول ابن رجب- رحمه الله- في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 368) بعد أن عدد مؤلفاته:" واختصر كثيرا من كتب الأصول، ومن كتب الحديث أيضا" اه. ويقول العلمي في الأنس الجليل:" ويقال: إن له بقوص خزانة كتب من تأليفه، فإنه أقام بها مدة".

عقيدته ومذهبه: إن من يعيش في بيئة كالبيئة التي عاش فيها الطوفي- رحمه الله- لا بد أن يواجه كثيرا من المشكلات، خاصة وأن بيئته كما أسلفنا مليئة بالصراعات السياسية المبنية على اختلاف الدين والعقيدة بل مليئة بالصراعات الفكرية والعقدية لتعدد الطوائف والفرق من أهل القبلة وغيرهم كالرافضة والصوفية «1» والحلولية «2» والمعتزلة «3»

_ (1) نسبة إلى الصوف الّذي كان أوائلهم يلبسونه تقشفا، أو إلى صفاء القلب بكف النفس عن الهوى والاستغراق بالكلية في ذكر الله- على زعمهم- ويزعمون أنهم يستطيعون الكشف عن الحقائق الخفية والإلهية بحدس متعال إما بطريق الإلهام، أو بطريق الوحي ... ويزعمون بأن الأولياء وصلوا إلى ما لم يصل إليه الأنبياء، وعامتهم يجعل الولي مساويا لله في كل صفاته ويرزق ويحي ... الخ. (انظر المعجم الفلسفي 1/ 747، والفكر الصوفي ص 38 - 39، ومجموع الفتاوى 11/ 5 وما بعدها). (2) الحلولية هم غلاة الصوفية الذين يعتقدون أن الله حل بذاته في مخلوقاته، وأنه تعالى بذاته في كل مكان. وهم الاتحادية. (انظر مجموع الفتاوى 2/ 111 - 84.). (3) المعتزلة: إحدى الفرق الكبار المنتسبة إلى أهل القبلة وتحتها عدة فرق. وسموا معتزلة لاعتزالهم المسلمين أو لاعتزالهم مجلس الحق، فقد اعتزل رئيسهم واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري فسماهم الحسن معتزلة، وقد أجمعت على نفي صفات الله وخلق القرآن، وأن العبد يخلق فعله، وأن مرتكب الكبيرة موحد مخلد في النار، ونفوا الشفاعة، ويرون الخروج على السلطان وترك طاعته، ولهم أصول خمسة هي: العدل والتوحيد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتفصيلها في كتبهم. (انظر البرهان في عقائد أهل الأديان ص 26 - 27، والفرق بين الفرق ص 114 - 117، ولوامع الأنوار البهية 1/ 76، وغيرها).

والأشاعرة «1» وغيرها، وقل من عصمه الله في تلك الحقبة من الزمن أن يزل أو ينحرف عن الحق أو يخطئ. لكثرة الجدل واختلاف المشارب واستيلاء الأهواء على كثير من الناس، وفشو الجهل بين البعض الآخر. ولقد كان من نتائج ذلك الاختلاف فشو الحسد بين أهل العلم، فلقد حرص الشيطان على إيقاع الاختلاف والفرقة بين كثير منهم وكثرت إشاعة الأخطاء مما أوقد نار الحقد والضغينة بين أصحاب المذاهب والنحل، وأصبح همّ بعضهم التغلب على خصمه في الجدل والمناظرات، واستعداء الناس على مقاطعته، وتسجيل الأخطاء والاشتغال بذلك. والمتتبع لما كتب عن الطوفي- رحمه الله- يجد أن كل من كتب عنه من المؤرخين قد اتفقوا على فضله وصلاحه وذكائه، وزهده في الدنيا وتقلله منها وتدينه. كما اتفقوا على طول باعه في الأصول، وعلى تفننه، وعلى أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفقه والأصول، وكتبه تشهد بذلك. كما اتفقوا أيضا على اشتغاله بالحديث على أشهر علماء عصره فى الحديث ومصطلحه. وسأتحدث في هذا المبحث عن عقيدة الطوفي ومذهبه في النقاط التالية:

_ (1) الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري ومن على مذهبه قبل رجوعه إلى أهل السنة، وبعد تركه لمذهب المعتزلة. وهم ينكرون بعض الصفات ويتأولون نصوصها والمتأخرون منهم لا يثبتون إلا سبع صفات ويؤلون الباقي بتأويلات عقلية، وهم يوافقون أهل السنة في غالب أصول الاعتقاد (انظر الملل والنحل 1/ 94 وما بعدها).

الأولى: الطوفي وموقفه من الرفض. الثانية: مذهب الطوفي في الأسماء والصفات وبعض مسائل العقيدة. الثالثة: مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة. الرابعة: قول الطوفي في حديث الآحاد. وخصصت هذه المسائل بالبحث لأن الطوفي متهم بالرفض حتى من الذين أثنوا على تدينه وعلمه وفضله وصلاحه. كما اتهم أيضا بأنه أشعري العقيدة. وله رأي خاص به في المصلحة المرسلة، وإن لم يذكره العلماء السابقون أو المؤرخون للطوفي وإنما اشتهر في هذا العصر بعد الاطلاع على ما كتبه في هذا الموضوع في كتابه شرح الأربعين النووية عند شرحه لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» «1». أما رأيه في خبر الآحاد فقد تبين لي من كلامه في هذا الكتاب" الانتصارات ... " ومن اطلاعي على بعض كتبه الأخرى، ويشاركه في ذلك كثير من الأصوليين.

_ (1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره. وقال في الزوائد: " في إسناده جابر الجعفي: متهم" اهـ، وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب الأقضية، باب القضاء في المرفق. مرسلا، وأحمد في المسند (5/ 327) عن عبادة في حديث طويل في أقضية الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قال النووي:" حديث حسن رواه ابن ماجه، والدارقطني وغيرهما مسندا، ورواه مالك في الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها بعضا". اهـ.

الطوفي وموقفه من عقيدة الرافضة: قبل أن نعرض لآراء الطوفي- رحمه الله- لا بد أن نعرف معنى: الرافضة والشيعة وهل مدلولهما واحد، أم أن كل لفظ يطلق على موصوف غير الموصوف الذي يوصف به اللفظ الآخر: معنى الرفض والتشييع: 1 - الرفض في اللغة مصدر رفض يرفض إذا ترك. قال ابن منظور «1»: " الرفض: تركك الشيء، وهو من باب ضرب أو ترك. والروافض: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة، والنسبة إليهم: رافضي «2». وقد سمي قوم من الشيعة: رافضة لأنهم تركوا زيد بن علي «3». فإنهم لما

_ (1) محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل جمال الدين الأنصاري، الرويفعي الافريقي إمام اللغة، ولد بمصر، وخدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة ثم تولى القضاء في طرابلس وعاد إلى مصر، وتوفي بها سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. [انظر وفيات الأعيان 4/ 39 - 40، والدرر الكامنة 4/ 262]. (2) انظر لسان العرب 7/ 156، 157، والمشوف المعلم 1/ 307، والمصباح المنير 1/ 276، ومختار الصحاح ص 250. (3) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الإمام، أبو الحسن العلوي الهاشمي القرشي، ويقال له" زيد الشهيد" فقيها فصيحا بليغا خطيبا، أقام بالكوفة، يروى أنه أخذ عن واصل بن عطاء الاعتزال، وأنه سافر إلى الشام ثم ضيق عليه هشام بن عبد الملك وحبسه ثم عاد إلى العراق ثم إلى المدينة ثم إلى الكوفة، ونشبت بينه وبين الأمويين معارك قتل فيها سنة 122 هـ. [فوات الوفيات 2/ 53 - 38، والأعلام 3/ 59].

سئل- رضي الله عنه- عن أبي بكر «1» وعمر «2» - رضي الله عنهما- فترحم عليهما رفضه قوم من الذين بايعوه وقالوا له: أبرئ من الشيخين نقاتل معك، فأبى وقال: كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما «3». قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-" فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه «4». ولم يعرف لفظ الرافضة قبل ذلك «5»، ولكنه استعمل في كل من غلا في هذا المذهب وأجاز الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم «6».

_ (1) عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي الصديق- رضي الله عنه- أول مؤمن برسول الله صلّى الله عليه وآله من الرجال وخليفته في الصلاة وبعد موته صلّى الله عليه وآله وسلم كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عبد الله. ولد بعد عام الفيل بسنتين ونصف، ولازم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة وبعدها وهو صاحبه في الهجرة، حضر المشاهد كلها، وهو أفضل الصحابة وأحد المبشرين بالجنة بويع بالخلافة في السقيفة وتوفي سنة ثلاث عشرة من الهجرة. [انظر الاصابة 2/ 341 - 344، والاستيعاب 3/ 963 - 978]. (2) عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة أسلم قبل الهجرة بخمس سنوات وقوي جانب المسلمين بإسلامه. وأول من لقب من الخلفاء بأمير المؤمنين، لقبه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بالفاروق ونزل الوحي مؤيد لرأيه، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس الفجر وعاش بعدها ثلاث ليال ثم مات سنة ثلاث وعشرين من الهجرة. [انظر الإصابة (ت 5736)، وصفة الصفوة 1/ 268 - 293]. (3) انظر منهاج السنة 1/ 10، ولسان العرب 7/ 156، والمصباح المنير 1/ 276. (4) المواضع المذكورة من المراجع السابقة. (5) المواضع السابقة من المراجع نفسها. (6) المواضع السابقة من المراجع نفسها.

2 - والشيعة القوم الذين اجتمعوا على الأمر، ويتبع بعضهم رأي بعض وليس كلهم متفقين على رأي. كما قال الله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «1» فكل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها. والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شيع وأشياع وفي الحديث: " القدرية شيعة الدجال" أي أولياؤه، وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا «2» وأهل بيته، رضوان الله عليهم «3». وبعد هذا التعريف الموجز فقد تتبعت ما استطعت الوصول إليه من مؤلفات الطوفي ووجدته يتحدث كثيرا عن الرافضة والشيعة وعن مذهبهم ويهاجمهم ويلعنهم، وهذه نماذج مما وجدته في هذا الموضوع: يقول في كتابه:" الصعقة الغضبية على منكري العربية" الورقة (24) من النسخة الخطية بدار الكتب المصرية:

_ (1) سورة الروم، آية: 32. (2) أبو الحسن علي بن أبي طالب، ابن عم النبي صلّى الله عليه وسلم وأول من أسلم من الصبيان، تربي في حجر النبي صلّى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد ما عدا تبوك استخلفه على المدينة على غير رغبة منه في ترك الجهاد مع النبي صلّى الله عليه وسلم كان له أربعة عشر ولدا ذكورا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين. ضربه عبد الرحمن بن ملجم- لعنه الله- بالكوفة في رمضان سنة 40 فبقي يومان ثم مات- رضي الله عنه-[انظر صفة الصفوة 1/ 308 - 335، والإصابة ت 5688]. (3) انظر لسان العرب 8/ 188، 189، ومختار الصحاح ص 353، والمصباح المنير 1/ 390، والشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير ص 13.

" من الأصول العظيمة التي نشأ النزاع فيها من جهة العربية اختلاف الشيعة والسنة فيما يتعلق بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، ومنعه فاطمة «1» - رضي الله عنها- فدكا «2» والعوالي «3»، فإنها لما جاءت تطلب إرثها عن أبيها قال: " سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:" ما تركناه صدقة «4»، ولم يعطها شيئا فخاضت الرافضة في أبي بكر وقالوا: منع فاطمة إرثها. وقال أهل السنة: إنما عمل بما سمع، ولم يمنعها حقا. ومنشأ الخلاف بينهم من حيث أن" ما" وردت في اللغة على وجهين: اسمية وحرفية، ولكل واحد منهما خمسة أقسام ... إذا عرفت

_ (1) بنت الرسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمية القرشية، وأمها خديجة بنت خويلد أولى زوجات النبي صلّى الله عليه وسلم تزوجها علي بن أبي طالب في الثامنة عشرة من عمرها وولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، وبقيت فاطمة بعد أبيها ستة أشهر. وهي أول من جعل له النعش في الإسلام. [انظر طبقات ابن سعد 8/ 11 - 20، والإصابة 4/ 773، وصفة الصفوة 2/ 9 - 15، والأعلام 5/ 132]. (2) فدك: بلد بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، وقيل ثلاث مراحل أفاءها الله على رسوله- عليه السلام- صلحا. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1020، وفتح الباري 6/ 203]. (3) العوالي: بالفتح، جمع العالي: كانت ضيعة، بينها وبين المدينة أربعة أميال، وقيل: ثلاثة، وقيل ثمانية. [انظر مراصد الاطلاع 2/ 970]. والآن أصبحت أحد أحياء المدينة النبوية. (4) طرف من الحديث الذي أخرجه البخاري في أول فرض الخمس، وفي المغازي، باب حديث بني النضير، وباب غزوة خيبر وفي النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله ... ، وفي الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نورث ما تركنا صدقة"، وفي الاعتصام، باب ما يكره من التعمق والتنازع ... ، وأخرجه مسلم في الجهاد، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة»، حديث: 52، 54، 56، وأخرجه أبو داود في الخراج والإمارة ... باب في صفايا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الأموال. وأخرجه الترمذي في السير باب ما جاء في تركة النبي صلّى الله عليه وسلم والنسائي في الفيء، وأحمد في المسند في عدة مواضع منها (1/ 4، 6، 9، 10).

ذلك فالرافضة حملوا" ما" في قوله- عليه السلام-: «ما تركنا صدقة» «1» على أنها نافية، أي: لم نترك صدقة، وإنما تركنا ما تركناه إرثا لغيرنا، وحملها أهل السنة على أنها موصولة، بمعنى الذي، تقديره: الذي تركناه صدقة، بالرفع على الخبر، وحذف الهاء من تركناه لأنها ضمير منصوب وهو سائغ الحذف فى الصلة، كقوله تعالى: وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ... (35) «2» قرئ بحذف الهاء وإثباتها «3». وهذا هو الحق- إن شاء الله تعالى- وما ذهب إليه الرافضة خطأ صريح محض" «4». ثم رد على الرافضة في نفس الموضع على تضعيفهم الحديث المذكور فقال:" ... لا سبيل إلى منع صحته، إذ قد رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث عائشة «5»، وأبو داود من حديث مالك بن أوس

_ (1) سبق تخريجه في الصفحة السابقة. (2) سورة يس، آية 35. (3) انظر الإقناع في السبع 2/ 742. (4) قلت: وقوله في لفظ الحديث: (لا نورث)، والرواية الأخرى من مسلم في الجهاد، حديث 49: (لا نورث ما تركناه صدقة) والثالثة عند البخاري في فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله ... ، وعند مسلم في الجهاد حديث 51، وأبو داود في الموضع السابق: (لا نورث ما تركنا فهو صدقة)، تدل على أن (ما) موصولية وليست نافية. (5) عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن عثمان الصديق- رضي الله عنهما- ولدت بعد مبعث النبي صلّى الله عليه وسلم بأربع سنين وعقد عليها وهي بنت تسع. كانت من أفقه الناس وأعلمهم، وفي الحديث: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». وكانت أحب نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليه. ماتت سنة 58 هـ، ودفنت بالبقيع. (انظر الإصابة 4/ 359 - 361، وسير أعلام النبلاء 2/ 135 - 210).

ابن الحدثان «1»، وهو حديث مشهور مستفيض، إلا أن للرافضة أصلا خبيثا باطلا، وهو أنهم لا يقبلون رواية الصحابي لمرض في قلوبهم عليهم وليس هذا موضع الرد عليهم في ذلك الأصل «2» ". اهـ. وقد تحدث عن ذلك في كتابه الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية عند كلامه عن قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ... (16) الآية «3» ثم قال:" وقصد الشيعة- لعنهم الله- بذلك تظليم الشيخين بمنع فاطمة إرثها من أبيها، والعباس إرثه من ابن أخيه صلّى الله عليه وسلم .... " أما عن التفضيل بين أبي بكر وعلي- رضي الله عنهما- فيقول عند كلامه عن قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... (19) «4» الآية" وتعلقت به الشيعة فقالوا: كان علي يوم بدر أول مبارز، وأبو بكر في العريش مع النبي- عليه السلام- فعلي أعظم جهادا، فليكن أفضل من أبي بكر لقوله- عز وجل-: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ ... (95) «5». وأجيب بأنه يلزمكم مثله في النبي صلّى الله عليه وسلم، وأن عليا أفضل منه، وأنه محال «6». فإن قيل: النبي- عليه السلام-

_ (1) انظر سنن أبي داود: كتاب الإمارة، باب في صفايا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الأموال". وابن الحدثان هو أبو سعيد اليربوعي النصرى، تابعي من أهل المدينة ولد في الجاهلية وتأخر إسلامه، وكان عريف قومه في زمن عمر، وكان ثقة. (انظر تهذيب التهذيب 10/ 10، والأعلام 5/ 258). (2) الإشارات الإلهية ص 292 خ المكتبة الأحمدية. (3) سورة النمل، آية: 16. (4) سورة الحج، آية: 19. (5) سورة النساء، آية: 95. (6) الأولى أن يقول:" وهذا محال".

كالإمام شأنه أن يقاتل بين يديه. قيل: وأبو بكر كالوزير شأنه أن يكون مع الإمام" «1» اهـ. ويقول عن فضل أبي بكر- رضي الله عنه- عند كلامه عن قوله تعالى: ولا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ ... (22) «2» الآية:" احتج بها الجمهور على فضل أبي بكر لأنها نزلت فيه، إذ ترك الإنفاق على مسطح «3»، وقد وصف فيها بأنه من أولي الفضل. أي والله الذي لا إله إلا هو إنه من أولي الفضل. وأجابت الشيعة- لعنهم الله- بأن الوارد فضل المال وكثرته بدليل اقترانه بالسعة، لا الفضل الذي هو الكمال ضد النقص. لكن يحتج بها الجمهور من موضع آخر وهو قوله عز وجل: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ... (22) «4» وهو يدل على أنه مغفور له «5» ". ويقول أيضا في كلامه عن قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا ... (40) «6» الآية:" احتج بها أهل السنة على فضل أبي بكر رضوان الله عليه من وجوه:

_ (1) الإشارات الإلهية" مخطوط" ص 273. (2) سورة النور، آية: 22. (3) مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف، من قريش، يكنى بأبي عباد. وهو من الشجعان الأشراف من الصحابة، كان اسمه عوفا ولقب بمسطح فغلب عليه، أمه بنت خالة أبي بكر كان يمونه أبو بكر لهذه القرابة منه، كان مسطح ممن جلدهم النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث الإفك، وحلف أبو بكر بألا ينفق عليه فلما نزلت الآية المذكورة، عاد إلى الإنفاق. (انظر الإصابة 3/ 408، ت (7935)، والأعلام 7/ 215). (4) سورة النور، آية: 22. (5) الإشارات الإلهية ص: 279. (6) سورة التوبة: 40.

أحدها: النص على ثبوت صحبته، حتى قال بعض العلماء من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر، لتكذيبه النص المتواتر القاطع بإثباتها، بخلاف من أنكر صحبة غيره، لعدم ذلك. وفيه نظر، لأن غيره كعمر وعثمان «1» وعلي وباقي العشرة ثبتت صحبتهم بالتواتر، وهو قاطع أيضا، فإنكار مدلوله كفر. الوجه الثاني: قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فكان له في هذه المعية اختصاص لم يشاركه فيه صحابي. وقد يقال بأن هذا التشرف حصل لجميع الصحابة بقوله- عز وجل-: وأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ «2». غير أن لقائل أن يقول: معية أبي بكر- رضوان الله عليه- أخص من هذه، فيمتاز بها. الوجه الثالث: ((ثاني اثنين)) قالوا: فيه إشارة إلى شيئين أحدهما أنه ثانيه من بعده في الإمرة، والثاني أن اسمه لم يفارق اسمه إذ كان يقال له خليفة رسول الله حتى توفي، فقيل لمن بعده وهو عمر- رضي الله عنه- أمير المؤمنين، وانقطعت خصيصة ثاني اثنين. الوجه الرابع: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قال بعضهم: الضمير في عليه لأبي بكر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم تفارقه السكينة حتى يحتاج إلى نزولها عليه، وإنما أنزلت

_ (1) عثمان بن عفان بن أبي العاصي ... الخليفة الثالث، أسلم قبل دخول الرسول- صلّى الله عليه وسلم- دار الأرقم، وهاجر إلى الحبشة الهجرتين، خلفه الرسول- صلّى الله عليه وسلم- يوم بدر على زوجته بنت الرسول رقية يمرضها، وضرب له بسهمه وأجره، وزوجه أم كلثوم بعدها فسمي ذو النورين، وبايع عنه الرسول في بيعة الرضوان وأخبر أن الملائكة تستحي من عثمان، وأخبر بأنه ستصيبه بلوى وتحقق ذلك، قتل- رضي الله عنه- في ذي الحجة سنة 35 هـ بعد خلافة دامت 12 سنة تقريبا (انظر صفة الصفوة 1/ 294 - 307 والإصابة 2/ 462، ت 5448). (2) سورة محمد، آية: 35.

على أبي بكر- رضي الله عنه- وهو ضعيف. أما أولا فلقوله- عز وجل-: أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ فقد أنزلت عليه السكينة، مع ما ذكروه من عدم مفارقتها له، ولا اقتناع من أن يزاد سكينة على سكينة، ونورا على نور. وأما ثانيا فلأن ذلك يقتضي أن الضمير في وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها لأبي بكر أيضا، وهو خلاف الظاهر بل القاطع، ولا أظن أحدا قال بذلك. أما الشيعة فطعنوا على أبي بكر- رضي الله عنه- من الآية بوجه واحد وهو قوله: (لا تَحْزَنْ) دل ذلك على أنه حزن لأجل طلب الكفار لهما، مع أنه مع رسول الله، بعين الله، تحت رعاية الله، وقد سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يخبر بأنه سيظهر على أعدائه، ويظهر دينه على جميع الأديان، فحزن أبي بكر والحالة هذه إما شك في هذا الخبر، أو ضعف منه وخور. قالوا: وإنما الشجاع المؤمن، واللبيب الموقن: علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حيث كان نائما على فراش النبي صلّى الله عليه وسلم معرضا نفسه من أيدي الكفار لشرب كئوس الحمام «1»، فما شك وما خار، ولا تبلد ذهنه ولا جار!. وأجاب أهل السنة بأن حزن أبي بكر- رضي الله عنه- لم يكن ضعفا ولا شكا، وإنما كان رقة غالبة، وشفقة على النبي صلّى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك عن شك أو ضعف لكان أولى ما صدر منه يوم بدر حين قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد» وأخذ أبو بكر بردائه يقول:" كفاك مناشدتك ربك، إن شاء الله سينجز لك ما وعدك «2» " وهذا غاية الشجاعة والإيمان،

_ (1) الحمام: قضاء الموت وقدره. يقال نزل به حمامه: أي قدره وموته. (انظر لسان العرب 12/ 151، ومختار الصحاح ص 157). (2) أخرجه الإمام مسلم في كتاب الجهاد، باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر حديث 58، والترمذي في تفسير سورة الأنفال، وأحمد في المسند 1/ 30، 32، 117.

ثبوت الجنان عند قراع الأقران" «1». اهـ. أما ما يتعلق بخلافة أبي بكر- رضي الله عنه- فسيأتي كلامه عنها في آخر الكتاب- إن شاء الله «2» - وله كلام غير هذا في الإشارات وشرح الأربعين يضيق المقام بذكره. وقال عن عمر- رضي الله عنه- في شرح الأربعين النووية ص: 79 عند شرحه لحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... » «3» يقول:" واعلم أن من العجب أن هذا الحديث الثابت كان عند ابن عمر، وهو نص في قتال ما نعي الزكاة، ولم يبلغ أبا بكر وعمر حتى تشاجرا في قتالهم وجرى بينهما مناظرة في ذلك، واحتاج أبو بكر إلى القياس بأن قال:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة «4» " وإلى الاستنباط من قوله عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها) قال أبو بكر: والزكاة من حقها. قلت: فلعل ابن عمر كان غائبا أو مريضا أو ناسيا للحديث ذلك الوقت، ولقد وفق أبو بكر حيث وقع استنباطه وقياسه موافقا هذا النص، وخالفه عمر في هذا المقام، وكان الأولى

_ (1) الإشارات الإلهية ص 188 - 189. (2) انظر ص: 736 من هذا البحث. (3) أخرجه البخاري في الإيمان، باب فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ (التوبة: 5) ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس ... ، حديث 32 - 36، وأبو داود في الجهاد باب على ما يقاتل المشركون؟ (104)، والترمذي في تفسير سورة الغاشية، والنسائي في الزكاة، باب مانع الزكاة، وابن ماجة في أول الفتن، والدارمي في السيرة، باب في القتال على قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس ... » وأحمد في المسند 4/ 8. (4) سنن النسائي كتاب الزكاة، باب مانع الزكاة.

بموافقته لما عهد منه من موافقته النصوص حتى قال:" وافقت ربي في ثلاث «1» " ثم إن عمر رجع في هذه القضية إلى متابعة أبي بكر ... " اهـ. أما عن عثمان- رضي الله عنه- فيتضح من كلامه «2» عند قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ... (155) الآية «3»:" فيها مسائل للشيعة: الأولى: أن هذا كان يوم أحد ففر عثمان وثبت علي فدل على أن عليا أفضل لأنه سلم من هذه الآية. الثانية: أن الفرار من الزحف كبيرة خصوصا عن النبي- عليه السلام- في تلك الضائقة، وقد أتاها عثمان. الثالثة: دلت الآية على أن فرار عثمان إنما كان عقوبة على ذنب أتاه لقوله عز وجل: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فكان عقوبة الذنب ذنبا مثله. وأجابت السنة بتمام الآية وهو قوله- عز وجل: ولَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ. والذنب المغفور كغير المعمول، ولو ساعد الدليل على أن يحمل تولي عثمان وأصحابه توليا مباحا إما تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة لكان أولى، لكنه لا يساعد، إذ لو كان كذلك لما لحقتهم اللائمة، ولما احتاجوا إلى العفو، وبما أجبنا به أولا أجاب ابن عمر عن عثمان مع معرفة ابن عمر بحقيقة الواقعة «4» " اهـ.

_ (1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب ما جاء في القبلة ... (32) وفي تفسير سورة البقرة، باب (9)، ومسلم في فضائل الصحابة، حديث 34، وأحمد في المسند (1/ 23 - 24). (2) في الإشارات الإلهية ص 83 خ الأحمدية. (3) سورة آل عمران: 155. (4) انظر صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان، وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ولَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ... (آل عمران: 155) وانظر جامع الترمذي كتاب المناقب، باب مناقب عثمان، ومسند أحمد (1/ 68). وانظر تفسير ابن كثير 1/ 213 - 214، 218 - 419.

أما ما قاله عن عائشة وحفصة «1» - رضي الله عنهما- فيتبين من قوله في كلامه في الإشارات عن قوله تعالى: ... فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ... (10) «2» الآية. قال:" زعمت الرافضة لعنهم الله أنه يعرض بعائشة وحفصة، وأنهما كامرأتي نوح ولوط في النار لتظاهرهما على رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وأذاهما له، وزعموا لعنهم الله أن عائشة كان بينها وبين عثمان شيء فنزغ لها بهذه الآية معرضا بها فحقدت عليه ثم لم تزل تؤلب الناس عليه حتى قتلوه، ثم إنها ندمت مع كراهتها إمرة علي فخرجت تطلب بثأره. وأجاب الجمهور بأن هذا كله لم يكن منه شيء وهو كذب مختلق، وإجماع أهل الحق على أنهما زوجتاه في الجنة لا يعارضه شيء مما ذكروه" اه «3». ويقول في الإشارات أيضا عن عائشة- رضي الله عنها- في كلامه عن قوله تعالى: .. وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... (33) «4» الآية:" يتعلق بها الشيعة أخزاهم الله

_ (1) حفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- وإحدى أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم ولدت بمكة وتزوجها خنيس بن حذافة السهمي، فكانت عنده إلى أن ظهر الإسلام فأسلما، وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها فخطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها سنة اثنتين أو ثلاث من الهجرة، واستمرت في المدينة بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى أن توفيت سنة 45 هـ (الاعلام 2/ 264، وطبقات ابن سعد 8/ 81 - 86). (2) سورة التحريم، آية: 10. (3) ورد في صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة- رضي الله عنها- وكتاب الفتن، باب (18) من حديث عمار أن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولعل العلماء قالوا ما ذكره الطوفي استنباطا من مفهوم قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (الزخرف: 70) وهو قول بعض المفسرين. (4) سورة الأحزاب، آية: 33.

على عائشة ويقول أمرت أن تقر في بيتها فخالفت وخرجت إلى تفريق المؤمنين، وقتال علي بالبصرة حتى قتل بسببها من قتل، وهم نحو عشرين ألفا. والجمهور أجابوا بأنها خرجت مصلحة للفساد ومطفية للثائرة مجتهدة في ذلك فهي لا تنفك من أجر أصاب اجتهادها أو أخطأ" اهـ. وقال عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه «1» - في الإشارات عند حديثه عن قوله تعالى: وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) «2»." يحتج بها الشيعة أبعدهم الله من رحمته على معاوية ومن شايعه على قتال علي، لأن النبي- عليه السلام- أمر بقتال المارقين وهم الخوارج «3»، والناكثين وهم أهل الجمل،

_ (1) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي، أسلم عام الفتح وجعله الرسول صلّى الله عليه وسلم من كتاب الوحي، وشهد حنينا ثم اليمامة، وكان سيدا وحليما مع كرم وشهامة ولاه عمر الشام ثم عثمان فأحسن الولاية وطالب بدم عثمان في زمن علي بن أبي طالب ... وانحاز إليه أناس ووقع بسبب ذلك فتنة مشهورة في صفين والجمل، ولما قتل علي بويع لمعاوية بالخلافة واجتمعت عليه الكلمة حين صالحه الحسن بن علي- رضي الله عنهم- عام أربعين من الهجرة. توفي سنة ستين من الهجرة. (انظر البداية والنهاية 8/ 117 - 144، والإصابة 3/ 433 - 434). (2) سورة الجن، آية: 15 (3) هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بعد التحكيم، وانحازوا إلى حروراء، وتبرءوا من علي ومعاوية والحكمين. وأيضا يطلق هذا الاسم" الخوارج" على كل من خرج على الإمام. والخوارج فرق شتى منها: المحكمة الأولى، والأزرقة، والنجدات، والبيهسية والعجاردة، والإباضية، والثعالبة، والصفرية الزيادية. (انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/ 114 - 138، ودراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين" الخوارج والشيعة" ص 35 وما بعدها).

والقاسطين وهم أهل الشام «1» ". وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم صحة الحديث، ولا أن معاوية كان من القاسطين ولو سلمنا عموم الآية في كل قاسط، بل هي لقاسطين معهودين من الجن أو غيرهم». أما عن مذهب الرافضة في الصحابة- رضي الله عنهم- فيقول الطوفي- رحمه الله- في كلامه في كتابه الإشارات عن قوله تعالى: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ... (144) «2» الآية:" زعمت الشيعة أن هذا تعريض من الله- عز وجل- بارتداد الصحابة وانقلابهم على أعقابكم بعد موت النبي- عليه السلام-، قالوا: والنبي- عليه السلام- علم ذاك فأكد في نهيهم عنه بقوله: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض: لا ترجعوا بعدي ضلالا» «3» الحديث. لم يكفه ذلك حتى أخبرهم بأنهم سيؤخذ بهم يوم القيامة عن الحوض ذات الشمال إلى النار، حتى لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم. قالوا: وقد كان ذلك منهم بانحرافهم عن إمامهم المنصوص عليه وهو علي إلى غيره. وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم في أن الآية تعريضا بما ذكرتم، وإنما هو جملة شرطية دخل عليها حرف الاستفهام فأفادت تشجيعهم على القيام بالأمر معه ومن

_ (1) قلت: وليس هذا لفظ المروي عن الرسول- صلّى الله عليه وسلم- فله عدة ألفاظ أوردها ابن كثير في البداية والنهاية (7/ 305 - 307). (2) سورة آل عمران، آية: 144. (3) أخرجه مسلم في القسامة باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، حديث 29، وفي الايمان حديث 118، 120، والبخاري في العلم، باب الانصات للعلماء، وفي المغازي، باب حجة الوداع، وفي الديات، الباب الثاني منه، وأبو داود في السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، والترمذي في الفتن، باب ما جاء لا ترجعوا بعدي كفارا، (28)، والدارمي في المناسك، باب في حرمة المسلم، وأحمد في المسند (2/ 85، 87، 104).

بعده، وقد فعلوا، وأما قوله- عليه السلام- «لا ترجعوا بعدي كفارا» فهو نهي لهم عن مثل ما خلفت به الأمم السالفة أنبياءها من الكفر، وقد امتثلوا فلم يكفروا، وما كان بينهم من الحروب والدماء فعن تأويل واجتهاد، هم فيه معذورون، بل ومأجورون. وأما المأخوذ بهم ذات الشمال إلى النار فمحمول على أهل الردة الذين ماتوا عليها" اهـ. أما عن عصمة الأئمة فيتبين موقفه منها في شرحه على مختصره لروضة الناظر عند كلامه في شروط المتواتر ورده على الشريف المرتضى الرافضي المعتزلي «1» في اشتراطه عدم اعتقاد نقيض المخبر به لافادة التواتر العلم. قال الطوفي:" ولذلك اشترطت الشيعة وابن الراوندي «2» أن يكون فيهم الإمام المعصوم ليكون خبرهم معصوما من الخطأ، وهو باطل: أما أولا: فلأنهم منازعون في وجود العصمة في غير الملائكة والرسل. وأما ثانيا: فلأن عصمة خبرهم مستندة إلى كثرتهم لا إلى أوصافهم وإلا

_ (1) على بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم، من أحفاد الحسين بن علي، إمامي معتزلي أديب شاعر، ولد ببغداد وله تصانيف في التشيع منها: الشافي في الإمامة، ويرى بعض المترجمين له أنه هو الذي وضع نهج البلاغة لا أخوه الشريف الرضي، توفي المرتضى ببغداد سنة ست وثلاثين وأربعمائة من الهجرة. (انظر البداية والنهاية 12/ 53، والأعلام 4/ 278). (2) أحد الزنادقة الملحدين الذين كانوا يلازمون الرافضة واسمه أحمد بن يحيى بن الراوندى يقول عنه ابن الجوزى:" كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب أنه يقوله عاقل"، كان أبوه يهوديا فأظهر الإسلام، ويقال إنه حرف التوراة كما عادى ابنه القرآن بالقرآن وألحد فيه وألف كتابا في الرد على القرآن سماه: الدامغ. اختلف في سنة وفاته، فقيل 245، وقيل 298، وقيل غير ذلك. (انظر البداية والنهاية 11/ 112 - 113، وشذرات الذهب 2/ 235 - 236).

لاشترطت العدالة والإسلام. ولأن العلم مخلوق لله سبحانه وتعالى مقارنا للإخبار، فكما جاز خلقه مع إخبار المعصوم جاز خلقه مع إخبار المعصوم، ثم يلزمهم ألا يوجد في بلاد الكفر تواتر، إذ لا معصوم فيهم اللهم إلا أن لا يشترطوا للعصمة الإسلام فإن عقولهم أسخف من هذا". [شرح الطوفي على مختصره ج 2 الورقة 145/ ب 61]. فهو هنا يطعن في أهم ركيزة عند الشيعة وبالأخص الإمامية. وعن إمامة علي رضي الله عنه يقول في حديثه عن أهل التواتر في المصدر السابق: «قوله وكتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله ممتنع، خلافا للإمامية» أي: إن أهل التواتر، وهو العدد الذي يحصل العلم التواتري بخبرهم، هل يجوز أن يكتموا ما تدعو الحاجة إلى نقله؟ فالجمهور قالوا: لا يجوز. وقالت الإمامية- وهم أشهر طوائف الشيعة-: يجوز ذلك لاعتقادهم كتمان النص على إمامة علي رضي الله عنه أي لأنهم يعتقدون أن الصحابة رضي الله عنهم مع كثرتهم كتموا النص على إمامة علي والوقوع يدل على الجواز قطعا. لنا: أن كتمانهم لما يحتاج إلى نقله كتواطئهم على الكذب، وتواطؤهم على الكذب بكتمانهم لما يحتاج إلى نقله محال، أما الأولى: فلأن كتمان الواقع- خصوصا مع الحاجة إلى نقله- بمثابة قولهم: ما وقع، وقولهم لما وقع: انه ما وقع كذب قطعا، لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وهذا كذلك، فكذلك الكتمان الذي هو بمثابة قولهم: ما وقع. أما أن تواطؤهم على الكذب محال فلما سيأتي عن قريب- إن شاء الله- «1» " اهـ. هذه بعض مقالاته عن الرافضة، وإن كانت مختصرة، لأنها منقولة من كتبه

_ (1) شرح مختصر الروضة للطوفي 2/ 100 - 101.

التي لم يرد بها الرد عليهم ف" الصعقة الغضبية" ليس- كما قال- موضع الرد عليهم، و" الإشارات" قد التزم فيه منهج الاختصار في ذكر استدلال الشيعة وغيرهم بآيات القرآن الكريم على مذاهبهم، وكان يتوسع فيه في الرد عليهم أكثر من غيرهم. ومما تقدم من المقالات يتبين أنه لو كان رافضيا مثلهم لما كشف عن عورتهم في رد رواية الصحابي لمرض في قلوبهم ... وما لعنهم. فما عرف أن رافضيا يلعن جماعته، ويسبهم، ويذكر بأنهم استطالوا على الصحابة، وكيف يدافع عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة ومعاوية وغيرهم من الصحابة- رضي الله عنهم جميعا- وهم أعداء الشيعة وأعداء لعلي- رضي الله عنه- في نظرهم مع أن الرافضة ما كانت تخفي هذا في زمن الطوفي- رحمه الله- كابن المطهر الحلي، وغيره لمكانتهم عند الخلافة العباسية ووجود من يقدمهم عندها وهو الوزير الخبيث ابن العلقمي. ثم إن هناك من علماء الرافضة الكثير يصرحون بمذهبهم ويحضرون مجالس علماء أهل السنة ولم يدعوا أنهم على غير مذهب الرافضة. لكن مع هذا نورد ما قاله عنه المؤرخون له، واتهموه به مما يتعلق بالرفض لتظهر لنا الصورة الواضحة عن هوية الطوفي- رحمه الله- يقول الإمام الذهبي- رحمه الله تعالى- في كتابه:" العبر .. " عن ترجمة الطوفي:" هو سليمان بن عبد القوي ... الشيعي" ولم يزد عن هذه الكلمة عنه. أما ابن رجب- رحمه الله تعالى- فيقول بعد أن بين منزلته العلمية وفضله وتدينه وآثاره العلمية ... :" وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى إنه قال عن نفسه: حنبلي رافضي أشعري ... هذه إحدى العبر"

حتى إنه صنف كتابا سماه:" العذاب الواصب على أرواح النواصب" «1» اهـ. قلت: والعجيب أن ابن رجب- رحمه الله-: يقول عنه قبل ذلك:" وكان فاضلا صالحا ... وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم ... ولقي الشيخ تقي الدين ابن تيمية والمزي والشيخ مجد الدين الحراني، وجالسهم" «2» إلى أن قال: " وله نظم رائق وقصائد في مدح النبي صلّى الله عليه وسلم وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد" «3» اهـ. فقد مدحه أولا وبين فضله وصلاحه ثم بين أن شيوخه ومن جالسهم فضلاء الناس في عصره. وما أدري كيف يسكت عنه أولئك العلماء الفضلاء، ولا يعرفون انحرافه وتشيعه، ثم كيف يجمع بين الفضل وعلو المنزلة في العلم وبين الرفض؟ وكيف يتصنع في المسائل العلمية، مع جرأته التي تتضح من كتبه ومناظراته- رحمه الله- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (2/ 179 - 180):" وأما من عرف الإسلام كيف كان وهو مقر بأن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا، ولا يتصور أن يكون في الباطن رافضيا إلا زنديق منافق، أو جاهل بالإسلام ... فهل عرف أحد من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد وأصحاب مالك كان رافضيا؟ أم يعلم بالاضطرار أن كل فاضل منهم من أشد الناس إنكارا للرفض، وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال، ولم يعلم أحد منهم اتهم بالرفض لبعد الرفض عن طريق أهل العلم ... " اهـ.

_ (1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368. (2) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368. (3) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 367، 368.

ثم كيف يكون رافضيا خبيثا ويمدح أعداء الرفض وينتحل مذهبهم الفقهي فهو كما قال ابن رجب- رحمه الله- مدح الإمام أحمد بقصيدة طويلة وهو لم يدرك الإمام أحمد حتى يتملق له وينافق في مدح مذهبه، ثم لم يكن هناك سلطة قوية تنتحل مذهب الحنابلة، بل كانت معظم الناس على مذاهب فقهية متعددة، بل وعلى مذاهب عقدية ونحل متفرقة وربما كان الحنابلة ومن على مذهب الإمام أحمد في العقيدة قليلين ومضايقين في عصر الطوفي كما حدث للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو رأس الحنابلة في ذلك الوقت وغيره. وابن تيمية- رحمه الله- من أشد أعداء الرافضة بل لقد كان كلامه عليهم صواعق مدمرة كما يتضح ذلك من كتابه المتقدم، ومع ذلك يلتقي به الطوفي- رحمه الله- ويجلس في حلقاته قرابة عام في دمشق ويدرس ابن تيمية على الطوفي العربية أياما، بل لقد كان الطوفي- رحمه الله- معجبا أشد العجب بابن تيمية- رحمه الله- فهو يقول فيه فيما نقله الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في مقدمته لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:" كأن العلوم بين عينيه يأخذ ما يشاء ويذر ما يشاء وعرضت عليه أبيات فثنى رجليه وأجاب عنها بمائة وتسعة أبيات، ويجيب في القعدة الواحدة بعدة كراريس" «1» اهـ. وقد نقل الشيخ عبد الله بن حميد- رحمه الله- في مقدمة الفتاوى كلاما للطوفي في ابن تيمية نحو هذا يقول:" قال عنه الطوفي:" سمعته يقول: من سألني مستفيدا حققت له ومن سألني متعنتا نقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مئونته" «2» اهـ. وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (2/ 445):" وقد صنف

_ (1) نقله من الدرر الكامنة 1/ 153. (2) وقد نقل ذلك عن الدرر الكامنة 1/ 153.

شيخنا تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية- رحمه الله عليه- كتابا بناه على بطلان نكاح المحلل، وأدرج فيه جميع قواعد الحيل، وبين بطلانه بأدلته على وجه لا نزيد عليه". أما ما روي عن الطوفي أنه قال: حنبلي رافضي أشعري ... هذه إحدى العبر فقد نقلها المؤرخون، ونسبوها إليه ورووها بروايات مختلفة منها: حنبلي رافضي ظاهري ... أشعري انها إحدى العبر ومنها: أشعري حنبلي وكذا ... رافضي هذه احدى العبر ولم يشر أحد إلى موضعها من كتبه ولم أجد لها ذكرا أو إشارة فيما حصلت عليه من كتب الطوفي- رحمه الله- ولا يستبعد إلصاقها به، فقد ألصق بمن هو أفضل من الطوفي أكبر من ذلك، فقد نسب إلى الإمام مالك «1» - رحمه الله- بطريق الجزم أنه أباح إتيان المرأة في الدبر وتناقل هذا القول كثير من العلماء مع أنه برئ من ذلك- رحمه الله- وقد أنكر هذه المقولة عند ما سئل عن ذلك. وليس الإمام مالك وحده أو الطوفي وحده الذي ألصقت بهما التهم والأقوال الباطلة.

_ (1) أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري إمام دار الهجرة، إمام الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وابن المبارك وغيرهم، ولد عام وفاة أنس بن مالك ومن أشهر كتبه الموطأ، توفي- رحمه الله- في سنة 179 هـ، وقيل غير ذلك. ودفن بالبقيع في المدينة النبوية. من أقوال الشافعي فيه:" مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين ... " قال المؤرخون له:" أخذ عن تسعمائة شيخ من التابعين وستمائة من تابعيهم". (انظر سير أعلام النبلاء 8/ 48 - 138، والديباج 1/ 82 - 139).

وعلى فرض صحة نسبة هذه المقولة إليه فأي رواية منها قال؟ لأن في بعضها أنه رافضي وأشعري وحنبلي وبينها اختلاف، وفي بعضها أنه حنبلي أشعري ظاهري، وبين الثلاثة اختلاف أيضا ولا تجتمع هذه المذاهب لا في الفقه ولا في العقيدة إلا على وجه التعسف وقد تتفق في بعض المسائل فقط. ثم إن كتبه تشهد بأنه حنبلي في الفقه، وغير رافضي في الفقه ولا في العقيدة، وإن كان له رأيه ومنهجه المتميز عن غيره بالجرأة وقوة الأسلوب. أما أنه كتب" العذاب الواصب على أرواح النواصب" فلم أعثر على الكتاب حتى أتحقق هل قال فيه ما يدل على أنه على مذهب الرافضة؟ أم أنه يرد على من ناصب عليا العداء وأبغضه من الخوارج وغيرهم فنحن معه في أننا نبغض من أبغض عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعاداه وأنكر فضله بعد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم جميعا- وكل من لم يعرف قدره من الشيعة والخوارج وغيرهم فسيلقى جزاءه يوم القيامة. ولم يكتف ابن رجب- رحمه الله تعالى- بهذا القول عن الطوفي- رحمه الله- بل قال عنه أيضا:" ومن دسائسه الخبيثة أنه قال في شرح الأربعين للنووي: اعلم أن من أسباب الخلاف الواقع بين العلماء: تعارض الروايات والنصوص، وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك: عمر بن الخطاب، وذلك أن الصحابة استأذنوه في تدوين السنة من ذلك الزمان، فمنعهم من ذلك، وقال: لا أكتب مع القرآن غيره، مع أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع» «1» وقال:

_ (1) الصحيح أنها خطبة فتح مكة لا خطبة الوداع. والحديث أخرجه البخاري في الديات، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، وأبو داود في المناسك، باب تحريم حرم مكة (90) والترمذي في العلم، باب ما جاء في الرخصة فيه، وفي مسند أحمد (2/ 238).

«قيدوا العلم بالكتابة» «1» قالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد منهم ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم لانضبطت السنة، ولم يبق بين آخر الأمة وبين النبي صلّى الله عليه وسلم في كل حديث إلا الصحابي الذي دون روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عنهم إلينا، كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما" قال ابن رجب:" فانظر إلى هذا الكلام الخبيث المتضمن: أن أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه- هو الذي أضل الأمة، قصدا منه وتعمدا ولقد كذب في ذلك وفجر" «2» اهـ. قلت: قد اطلعت على شرح الأربعين للنووي وهو مخطوط بدار الكتب بمصر واستعرضته من أوله إلى آخره فلم أجده، ووجدت له كلاما عكس هذا يمدح فيه أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- منه ما تقدم في قصة اختلاف رأي أبي بكر وعمر في قتال المرتدين، وأن عمر- رضي الله عنه- خالف أبا بكر أول الأمر وكان الأولى موافقته لما عهد منه من موافقة النصوص حتى إن الوحي وافق رأيه. والقول الآخر قول الطوفي- رحمه الله- في شرحه لحديث (ص 156 - 157) «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» «3» قال:" اختلف

_ (1) أخرجه الدارمي في المقدمة، باب من رخص في كتابة العلم عن عمر أنه قال: (قيدوا العلم بالكتاب) ولم يرفعه إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قال السخاوي في المقاصد ص 55:" وبالجملة ففي الاذن بالكتابة أحاديث منها: ما عند الطبراني وأبي نعيم في الحلية وغيرهما عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ" قيدوا العلم بالكتاب" وعند العسكري من حديث عبد الحميد بن سليمان عن أنس مرفوعا:" ما قيد العلم بمثل الكتاب" وقال العسكري ما أحسبه من كلام النبي صلّى الله عليه وسلم ... وأنه من قول أنس" اهـ. (2) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 368. (3) أخرجه الترمذي في العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع وقال:" هذا حديث حسن صحيح"، وأبو داود في السنة، في لزوم السنة، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع الخلفاء الراشدين، والدارمي في المقدمة، باب اتباع السنة، وأحمد في المسند (4/ 126، 127).

الناس في هذه اللام فقال أهل السنة هي للعهد والخلفاء الراشدون هم الأربعة بعد النبي صلّى الله عليه وسلم بدليل قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1» ونحوه. وقال الشيعة اللام لاستغراق الوصف أي كل من اتصف بالرشد والهداية من الخلفاء بعدي فعليكم بسنته، وإنما قالوا ذلك لأن أبا بكر وعمر وعثمان- رضوان الله عليهم- عندهم ليسوا من الخلفاء الراشدين المهديين، لتقدمهم على علي بن أبي طالب بغير حق ووضعهم الخلافة في غير النصاب الذي وضع الله- عز وجل- فيه النبوة وهم بنو هاشم بزعمهم. ونصوص السنة وإجماع أهلها ترد عليهم في ذلك. والراشد الذي أتى بالرشد واتصف به والمهدي الذي هداه الله- عز وجل- لأقوم الطرق" اهـ. وقد تأملت النص الذي أورده ابن رجب- رحمه الله- فرأيت أنه لا يدل على أنه من قول الطوفي- رحمه الله- ولا أنه يؤيده، بدليل أن أول النص يدل على أنه يحكي قولا لبعض الناس في ذلك:" وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب"، ثم يقول أيضا:" وقالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد ... " فليس في النص ما يؤكد ذلك ولا أنه يؤيد قول هؤلاء الزاعمين والقائلين بذلك. والذي يؤخذ عليه في هذا عدم رده على هذه المعقولة. قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:" وقد كان الطوفي أقام بالمدينة النبوية

_ (1) أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما- كليهما، وقال:" هذا حديث حسن"، وابن ماجه في المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأحمد في المسند (5/ 382، 385، 399).

مدة يصحب الرافضي: السكاكيني المعتزلي «1»، ويجتمعان على ضلالتهما وقد هتكه الله، وعجل الانتقام منه بالديار المصرية" «2» اهـ. قلت: مجالسته للسكاكيني لا تدينه بأنه على مذهبه وإلا لكان مجموعة من فضلاء الأئمة الذين جالسوا السكاكيني وسمعوا منه: رافضة أيضا من أمثال الإمام الذهبي- رحمه الله- فقد سمع من السكاكيني الحديث وقال الذهبي عن السكاكيني:" كان حلو المجالسة ذكيا عالما فيه اعتزال، وينطوي على دين وإسلام وتعبد، سمعنا منه، وكان صديقا لأبي، وكان ينكر الجبر، ويناظر على القدر، ويقال أنه رجع في آخر عمره ... " «3»، ثم إن ما حصل له بالديار المصرية كان قبل مجالسته للسكاكيني. بل إن هناك أمورا تشهد بأنه لا يوافقه على مذهبه، فمذهب الطوفي في القدر على خلاف مذهب السكاكيني، وهو ينكر عليه ذلك. يقول الطوفي في الإعجاب بابن تيمية:" وكان من أذكياء العالم، وله في ذلك أمور عظيمة منها أن محمد ... السكاكيني عمل أبياتا على لسان ذمي في إنكار القدر ... فوقف عليها ابن تيمية فثنى إحدى رجليه ... وأجاب ... بمائة وتسعة أبيات" «4».

_ (1) محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني الشيعي، ولد بدمشق سنة 635 هـ وطلب الحديث وتأدب وسمع وهو شاب من إسماعيل ابن العراقي وغيره، وروى عنه الذهبي وغيره، واقعد في صناعة السكاكين عند شيخ رافضي فأفسد عقيدته، ولم يحفظ له سب في الصحابة بل نظم في فضائلهم إلا أنه كان يناظر على القدر ويقال إنه رجع في آخر حياته. توفي سنة 721 هـ. (انظر الدرر الكامنة 3/ 410 - 411، والبداية والنهاية 14/ 100 - 101). (2) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369. (3) الدرر الكامنة 3/ 410. (4) الدرر الكامنة 1/ 156.

قال ابن رجب- رحمه الله-:" قال تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي في حق الطوفي: قدم علينا- يعني الديار المصرية- في زي أهل الفقر، وأقام على ذلك مدة، ثم تقدم عند الحنابلة، وتولى الإعادة في بعض مدارسهم، وصار له ذكر بينهم، وكان يشارك في علوم، ويرجع إلى ذكاء وتحقيق، وسكون نفس، إلا أنه كان قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، واشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما- وفي غيرهما من جملة الصحابة- رضي الله عنهم- وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له، منها قوله في قصيدة: كم بين من شك في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله فرفع أمره ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي ... " اهـ. قلت: أما تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي فلم أجد له ترجمة ولم أدر أين نقل هذا القول عن الطوفي. ويظهر من النص- والله أعلم- أنه ليس من الحنابلة. أما قوله: إن الطوفي قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، فإن كتب الطوفي في اللغة والنحو والأدب توضح مكانته فيه. وأسلوبه وألفاظه في هذا الكتاب" الانتصارات ... " وحده يكفي في الرد على هذا القول. وأما قوله إنه وقع في أبي بكر وابنته عائشة وفي بعض الصحابة فلم أجد لذلك مستندا، وقد دلس في نقل ذلك عنه، حيث قال:" وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه، ويظهر موافقة له" فلم يسم القائل.

ثم لو صح لكان هذا الرجل من أعداء الطوفي الذين وضعوا للتجسس عليه، خاصة وأن الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- امتحنوا في مصر في تلك السنة محنة شديدة ثم إن كلام ابن مكتوم قد نقله ابن حجر بغير هذا اللفظ كما سيأتي قريبا- إن شاء الله- أما هذا البيت فلا يقول بمضمونه أحد يؤمن بالله ورسوله، وينتسب حقيقة إلى الإسلام الصحيح. أما قصته مع سعد الدين الحارثي وضربه وسجنه بمصر فقد ذكرت بصيغ متعددة. منها ما ذكره ابن رجب: أنه وجد بخطه أشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة، ورفع أمره إلى قاضي قضاة الحنابلة سعد الدين الحارثي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره واشهاره، وطيف به ونودي عليه بذلك، وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس، وحبس أياما ثم أطلق فاتجه إلى قوص «1». ومنها ما قال الصفدي «2»:" كان وقع له بمصر واقعة مع سعد الدين الحارثي وذلك أنه كان يحضر دروسه فيكرمه فيبجله وقرره في أكثر مدارس الحنابلة فتبسط عليه إلى أن كلمه في الدرس بكلام غليظ فقام عليه ولده شمس الدين عبد الرحمن، وفوض أمره لبدر الدين بن الحبال، فشهدوا عليه بالرفض وأخرجوا

_ (1) انظر ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369. (2) خليل بن آيبك بن عبد الله، صلاح الدين الأديب المؤرخ، ولد في صفد في فلسطين وتعلم في دمشق، فعانى صناعة الرسم فمهر بها ثم ولع في الأدب وتراجم الأعيان، تولى ديوان الإنشاء في صفد ومصر وحلب، ثم وكالة بيت المال في دمشق، فتوفي بها سنة أربع وستين وسبعمائة من الهجرة. (انظر الدرر الكامنة 2/ 87، وطبقات الشافعية 6/ 94).

بخطه هجوا في الشيخين فعزر وضرب، فتوجه إلى قوص فنزل عند بعض النصارى وصنف تصنيفا أنكروا عليه منه ألفاظا ثم استقام أمره وأقبل على قراءة الحديث والتصنيف ... وكان في الشعر الذي نسبوه إليه مما صرح بالرفض قوله: كم بين من شك في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله «1» اه وقال ابن حجر- رحمه الله-:" وقد قال ابن مكتوم في ترجمته من تاريخ النحاة: قدم علينا في زي الفقراء، ثم تقدم عند الحنابلة فرفع عليه الحارثي أنه وقع في حق عائشة فعزره وسجنه وصرف عن جهاته ثم أطلق فسافر إلى قوص" «2» اهـ. وقال ابن حجر أيضا:" وقرأت بخط الكمال جعفر: كان القاضي الحارثي يكرمه ويبجله ونزله في دروس ثم وقع بينهما كلام في الدرس، فقام عليه ابن القاضي، وفوضوا أمره إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض فضرب ثم قدم قوص فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين" «3» اهـ. ومنها ما قاله صاحب جلاء العينين ص 36 - 37) «4»:" قيل: وكان مع ذلك كله شيعيا حتى أنه قال في نفسه: أشعري حنبلي رافضي هذه احدى العبر، حتى أنه صنف كتابا سماه" العذاب الواصب على أرواح النواصب" وقد حبس وطيف به لأجل ذلك" اهـ.

_ (1) الدرر الكامنة 2/ 154 - 155. (2) المصدر السابق 2/ 156. (3) المصدر نفسه 2/ 157. ولم أجد النص في ترجمة الطوفي في الطالع السعيد للكمال. (4) انظر كذلك الأعلام 3/ 128.

فالرواية الأولى فيها أنه وجد له بعض الأشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما- وفي الثانية أن سبب الضرب والحبس تكليمه للقاضي سعد الدين بكلام غليظ، وأنهم شهدوا عليه، وأخرجوا بخطه هجوا في الشيخين وفي الثالثة: أنه وقع في حق عائشة- رضي الله عنها- وفي الرابعة أنه وقع بينه وبين سعد الدين كلام في الدرس، ففوض ابنه أمر الطوفي إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض، وفي الخامسة: أن سبب الحبس والضرب هو كتاب:" العذاب الواصب على أرواح النواصب"، وهذا في نظري يدل على وقوع الخلاف بين القاضي والطوفي ولكن لم يبين السبب الحقيقي ولا يؤمن أن من فوض إليه أمره لفقوا على الطوفي الرفض.، والله أعلم. هذا هو الاتهام الذي وجه إلى الطوفي- رحمه الله-، وما رأيته في ترجمته عند المؤرخين له، ولم يكن لديهم مما يؤيد هذا الاتهام غير ما تقدم، وابن رجب- رحمه الله تعالى- يرى أن الطوفي مات على عقيدة الرافضة وأنه لم يتحول عنها فهو يقول:" قلت: وقد ذكر بعض شيوخنا عمن حدثه عن آخر: أنه أظهر له التوبة وهو محبوس. وهذا من تقيته ونفاقه" «1» اهـ. أما بعض المؤرخين له فيميلون إلي أنه رجع عن الرفض فيقول الإمام الذهبي- رحمه الله-:" ويقال إنه- أي الطوفى- تاب عن الرفض" «2». ويقول الكمال جعفر:" فشهدوا عليه بالرفض فضرب فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين" «3».

_ (1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 369 - 370. (2) الدرر الكامنة 2/ 157. (3) المصدر السابق.

أما علماء عصرنا هذا وكتابه فهم في اتهام الطوفي على رأيين: بعضهم: يرى أن الطوفي- رحمه الله- من الرافضة بل ويصر على ذلك كالشيخ محمد أبي زهرة في كتابه: ابن حنبل" وفي مقدمته لكتاب المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي للدكتور مصطفى أبو زيد. وبعضهم لا يدينه بالرفض، ففي مساء يوم السبت السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من عام ست وأربعمائة وألف للهجرة، سألت فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفى أحسن الله إليه، في مجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في العزيزية بمكة المكرمة عن اتهام بعض العلماء للطوفي بالرفض فقال: " ما علمت شيئا يؤكد ذلك" ويقول:" وكان الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع «1» - رحمه الله- مدير المعارف قبل أن تصير وزارة- ينكر على من يرمي الطوفي بأنه شيعي" اهـ.

_ (1) العلامة الحافظ الفقيه محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مانع الوهبي التميمي النجدي ولد في عنيزة بالقصيم سنة ألف وثلاثمائة من الهجرة أدخله والده مدرسة تحفيظ القرآن فاستمر إلى أن حفظه ثم جلس على علماء بلده، ورحل إلى بريدة وأخذ عن علمائها، ولما بلغ الثامنة عشرة رحل إلى بغداد وأخذ عن العلامة محمود شكري الألوسي وغيره من مشاهير علماء بغداد ثم رحل إلى مصر فأقام في الأزهر للعلم مدة، ثم سافر إلى دمشق ولازم الشيخ جمال الدين القاسمي وجلس على علمائها بالجامع الأموي ثم عاد إلى بغداد فبقي بها مدة يأخذ عن علمائها ثم عاد إلى بلده، وأخذ عن العلماء فيها ثم سافر إلى الزبير من أعمال العراق وقرأ على العلماء فيها ثم دعي إلى البحرين لمكافحة التبشير فأقام بها أربع سنين وشرح بها العقيدة السفارينية، ثم دعي إلى قطر للقضاء والخطابة والتدريس، فرحل إليه كثير من طلبة العلم ثم قدم الاحساء ثم الرياض ثم عينه الملك عبد العزيز رحمه الله مدرسا في الحرم المكي وأخذ عنه جماعة من العلماء. ثم عينه الملك عبد العزيز رحمه الله مديرا للمعارف وبهيئة تأديب الموظفين إلى أن شكلت الوزارة. ثم سافر إلى البحرين ... وتوفي ببيروت على أثر عملية جراحية في رجب سنة 1385 هـ. ونقل جثمانه إلى قطر ودفن بها. (انظر ترجمته الوافية في مشاهير علماء نجد ص 411 - 417).

والدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه المتقدم يرى أيضا أن اتهام الطوفي- رحمه الله- بالرفض غير صحيح. ونقل نصوصا من كتب الطوفي- رحمه الله- يستشهد بها على ما قال، وقد نقلت أكثرها أنا أيضا في أول هذا المبحث. والحقيقة أنه لم يكن بين يدى ما يؤكد أن الطوفي من الرافضة ولا من الزيدية وأنا لا أنسب إليه ذلك حتى يثبت من كتبه ما يفسر هذا الجرح وقاعدة المحدثين تقول:" إذا ذكر الجرح والتعديل قبل التعديل بدون تفسير، ولا يقبل الجرح إلا مفسرا"، وليس هناك ما يدل قطعا بأن الطوفي من الرافضة، بل يوجد في كتبه ما يشهد له بضد ذلك كما ذكرت سابقا. ثم إنني أرى أن هذا الاتهام لفق على الطوفي للأمور التالية: 1 - أنه لم ينسب إليه الرفض قبل دخول القاهرة، ولا قبل سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ومن ما ألفه قبل ذلك كتاب:" الانتصارات الاسلامية ... " موضوع البحث والدراسة، ولم يكن فيه ما يدل على ذلك وقد جلس في بغداد وناظر مع أئمة العلماء وفضلائهم، وألف المؤلفات، ثم جلس في حلقات ابن تيمية- رحمه الله- في دمشق وجلس عليه ابن تيمية في العربية أياما، وجلس الطوفي على المزي من علماء الشام، ورد ابن تيمية على الرافضة وذكر أعيانهم وشيوخهم ولم يذكر أن الطوفي منهم، ولم يذكر أحد من هؤلاء جميعا فيما علمت أن الطوفي على مذهب الرافضة. 2 - أن الطوفي خبير بمذهب الرافضة وأقوالهم لمعايشته لهم في بغداد وظهورهم ومجاهرتهم بمذهبهم، ولو كان على ما هم عليه لأظهر ذلك معهم، خاصة وأن أعيانهم أهل مكانة عند الخلافة العباسية التي كانت تميل إلى آل البيت ويفتخر الخلفاء بأنهم منهم، وقد تقدم الرافضة عندهم حتى أن ابن العلقمي الخبيث

وصل إلى الوزارة، وابن المطهر الحلي كان مقدما عند ملوك التتار، فكيف يهجر الطوفي بغداد بسبب ما فيها من فتن كان للرافضة ضلع كبير فيها ويخفي مذهبه مع سهولة إظهاره، وحرية فكره فيما لو أظهر ذلك. 3 - وإذ لم يرد دليل قطعي يؤكد أن الطوفي على مذهب الرافضة فأظن أنه قد دبر له مكيدة، كما دبرت لشيخ الإسلام ابن تيمية في تلك الفترة في مصر، فقد" كتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري، ثم وجد خطه بما نصه: الذي أعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفه من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله الرحمن على العرش استوى ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد بن تيمية، ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا في خامس عشر ربيع الأول سنة 707 هـ وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم «1» ". فهل ابن تيمية- رحمه الله- رجع عن مذهب أهل السنة إلى مذهب الأشاعرة حقيقة وهل هذا المحضر الذي وقع عليه جمع غفير من العلماء وغيرهم صحيح أم هي فرية على ابن تيمية- رحمه الله-، فلماذا لم يكن حال الطوفي- رحمه الله- في اتهامه بالرفض كحال ابن تيمية في اتهامه بما سبق؟. ولقد أو ذي الحنابلة الذين يحبون ابن تيمية في القاهرة أيضا حتى كتبوا على بعضهم بأنهم يبغضونه وأنهم ليسوا على عقيدته بل وبعضهم تبرأ منه كما يقال «2» والطوفي من المغرمين بحب ابن تيمية- رحمه الله- ولعله حصل له ما حصل لهم.

_ (1) الدرر الكامنة 1/ 148. (2) المصدر السابق 1/ 147 وما بعدها.

4 - أن الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة الشيخين، ورفضوا زيدا عند ما ترحم عليهما- كما سبق- بل الثابت أن الطوفي أقر بخلافتهما وترضيته عليهما ولم يثبت أن الطوفي رفض خلافتهما- رضي الله عنهما-. 5 - أن الطوفي على خلاف مذهب الرافضة في أصول الفقه فقد خالفهم في الإجماع ورد عليهم في قولهم بعدم كونه حجة كما في شرح الأربعين ص: 182. وكذلك هم يرون حجية القياس وهو على خلاف معهم في ذلك. وهم على اختلاف مذاهبهم يرفضون بناء الأحكام على رعاية المصلحة لأنها رأي كالقياس، والدين لا يؤخذ بالرأي. والطوفي على خلاف ذلك كما سيأتي- إن شاء الله- كما أنه على خلاف مذهبهم الفقهي كما يتضح فيما يأتي في هذا الكتاب من بعض المسائل الفقهية كالمتعة وحكم المذى وإتيان المرأة في الدبر، وغيرها. 6 - خالف الطوفي الرافضة والإمامية في مسائل العقيدة كالرؤية كما سترى في هذا الكتاب ص 561 فهم ينكرون الرؤية وهو يثبتها على مذهب أهل السنة والجماعة. ثم إن الرافضة يرون أن أبا طالب «1» مسلم دخل الإسلام وكتم إيمانه والطوفي

_ (1) أبو طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلم وهو عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القرشي. أبو علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- كفل النبي صلّى الله عليه وسلم ورباه بعد جده عبد المطلب، وكان أبو طالب يحب النبي صلّى الله عليه وسلم حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه وخصه بالطعام، وكان إذا أكل أولاده والرسول معهم شبعوا، وإذا لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب له: إنك لمبارك، ولما حضرته الوفاة قال له الرسول صلّى الله عليه وسلم: (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فقال له: أبو جهل، وابن أبي أمية: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وما زال النبي صلّى الله عليه وسلم يدعوه حتى توفي، ولم يجب، فاستغفر له النبي صلّى الله عليه وسلم بعد موته فنهاه الله عن ذلك بقوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ (التوبة: 113) ويدعي الشيعة أنه أسلم وأنه ستر ذلك عن قريش لمصلحة الإسلام، ولقد كذبوا في ذلك. (انظر طبقات ابن سعد 1/ 119 - 125 والأعلام 4/ 166).

على خلاف هذا كما سنرى في كتاب الانتصارات. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 7 - أن عصر الطوفي من أكثر العصور ابتلاء امتحانا للعلماء، وقد اشتدت بين الطوائف والمذاهب الشحناء والبغضاء، فلو قبل كل ما قيل عن العلماء لما سلم أحد في عقيدته ودينه، وأرى أن الاحتكام في ذلك يكون إلى كتب هؤلاء العلماء، وما قالوه وسجلوه بأنفسهم فمثلا ابن تيمية اتهم بأنه وقع في عمر- رضي الله عنه- وفي علي- رضي الله عنه- ونسب إلى الزندقة والتنقص بالنبي صلّى الله عليه وسلم، وأن عثمان كان يحب المال، وإلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى، إلى غير ذلك فهل نأخذ هذا الكلام على إطلاقه من المؤرخين له أم يكون الحكم في ذلك ما سجله بنفسه في هذه الأمور؟ والطوفي لا بد أن نعرف عقيدته ومذهبه من خلال كتبه التي تبين لنا رأيه في مسائل الشرع سواء في العقيدة أو الأحكام الشرعية الأصولية أو الفرعية ونعرف أنه أخطأ في عدة مسائل، لأنه بشر وهو يقول عن نفسه في آخر شرح الأربعين: إن تلق عيبا فلا تعجل بسبك لي إني امرئ لست معصوما من الزلل ولا شك أن له أخطاء عفا الله عنا وعنه- والله أعلم.

مذهب الطوفي في الأسماء والصفات: يتضمن التوحيد باعتبار متعلقه ثلاثة أنواع هى: توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء. وتوحيد الألوهية: وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له. وتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأسمائه وصفاته التي وردت في كتاب الله العزيز أو على لسان رسله صلى الله عليهم وسلم من غير تكييف أو تمثيل أو تعطيل. فالنوع الأول لم يذهب إلى نقضيه طائفة من بني آدم، إلا ما عرف من شذوذ المانوية والثنوية أو ضلال النصارى في وحدانية الله أو عناد وتكبر فرعون. وأما النوع الثاني فهو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا تصلح الحياة والآخرة إلا به. والنوع الثالث: لم يعرف عن أحد إنكاره، أو شيء منه، إلا ما ذكر عن المشركين في إنكار اسم الرحمن، على سبيل العناد فقط. والإشراك في هذا النوع على ثلاثة أنواع: 1 - إلحاد المشركين الذين عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه وسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الإله، والعزى من العزيز ... إلخ. 2 - إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله تعالى ويشبهونها بصفات خلقه، وهو مقابل إلحاد المشركين. 3 - إلحاد النفاة المعطلة وهم قسمان: أ- قسم أثبتوا ألفاظ أسماء الله ونفوا ما تضمنته من صفات الكمال.

ب- وقسم صرحوا بنفي أسمائه وصفاته بالكلية ووصفوه بالعدم المحض. والطوائف في توحيد الأسماء والصفات ثلاثة أقسام: 1 - قسم عطلوا الله تعالى من أسمائه وصفاته، وهم الجهمية والمتفلسفة. 2 - وقسم أثبتوا ألفاظ أسمائه ونفوا صفاته سبحانه، وهم المعتزلة. 3 - وقسم أثبتوا أسماءه سبحانه على ما يليق به سبحانه وأثبتوا سبعا من الصفات، وهي الكلام والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة والحياة مع تأويلات لهم أيضا في هذه الصفات السبع. وهؤلاء هم الأشاعرة. وأما الذين أثبتوا أسماء الله وصفاته التي سمى بها نفسه في كتابه العظيم أو على لسان رسوله الكريم، من غير تأويل ولا تمثيل ولا تشبيه، فهم أهل السنة والجماعة، من السلف الصالح ومن تبعهم إلى يوم الدين. وقد يشارك أحد أي طائفة من هذه الطوائف بعض مذهبهم دون بعض، فهذا حكمه حكم تلك الطائفة فيما وافقها فيه. والإمام الطوفي- رحمه الله- أحد العلماء الذين تكلموا في توحيد الأسماء والصفات وقد ألف في العقيدة الإسلامية كتبا عديدة ذكرت فيما سبق أكثرها فما مذهبه في توحيد الأسماء والصفات من خلال كتبه تلك؟. لقد تتبعت بعض ما صنفه الطوفي من المصنفات التي ذكرت مسائل عديدة من مسائل التوحيد، وخاصة توحيد الأسماء والصفات، وسأورد نماذج مما قاله في تلك المسائل سواء من كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" أو من كتبه الأخرى المخطوطة. تحدث الطوفي في كتابه: حلال العقد في أحكام المعتقد عن الأسماء والصفات فقال في اللوحة الثانية منه:" والنظر في أسمائه وذاته وصفاته وأفعاله.

أما أسماؤه فكثيرة، قال الله عز وجل: ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ... (180) «1» وفي الحديث: «أسألك بكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» «2» اه كلامه. ثم بين معنى الاسم في اصطلاح النحويين، وفي اصطلاح اللغة، ثم قال: " وأما ذاته عز وجل فهي حقيقة قديمة «3» أزلية، لا تدركها الأفهام، ولا تخيّلها

_ (1) سورة الأعراف، آية: 180. (2) جزء من الحديث الذي أخرج الإمام أحمد في المسند (1/ 391، 452) والحاكم في المستدرك (1/ 509)، وقال عنه الحاكم:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه"، وتبعه الذهبي في التلخيص وزاد:" وأبو سلمة لا يدرك من هو؟ ولا رواية له في الكتب الستة" اه. (3) قلت: اختلف السلف في إطلاق لفظ" قديم" على ذاته المقدسة فبعضهم كره وصفه جل وعلا بالقدم، لأنه قد يطلق مع سبق العدم، نحو كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (يس: 39)، قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (يوسف: 95) وقالوا لم يرد وصفه بذلك في نصوص الكتاب وما ورد من السنة لا يثبت وإنما الوارد في الكتاب والسنة أنه سبحانه الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء. وبعض السلف أجاز إطلاق لفظ القديم على الله، ووصفه بذلك، لما أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 17) بسند ضعيف عن أبي هريرة في إحصاء أسماء الله تعالى وعدها فذكر منها" القديم" ولحديث دخول المسجد: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم» وأقل ما يقال عنه إنه حسن، (سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد). ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم- أي بمعنى الأول الذي ليس قبله شيء- فإن ما تقدم على الحوادث كلها أحق بالتقدم من غيره. (انظر شرح الطحاوية ص 115). ولفظ" أزلي" معناه: قديم، ولم يرد في النصوص الشرعية تسمية الله تعالى ولا وصفه بهذا اللفظ فيما أعلم، وإنما هو من ألفاظ أهل الكلام فهم يقولون: إن الأزل عبارة عما لا افتتاح له سواء كان وجوديا كذات الله أو عدميا كأعدام ما سوى الله، لأن العدم السابق على العالم قبل وجوده لا أول له فهو أزلي" (انظر منهج ودراسات لآيات الصفات للشنقيطى ص 8).

الأوهام، كما قال- عز وجل-: .. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «1» اهـ. وقال الطوفي عن الصفات:" وأما صفاته- عز وجل- فضربان: ذاتية، وهي المعاني القائمة بذاته مقارنة لها في الوجود، وفعلية: وهي الأفعال الصادرة عنه المفارقة له، كالخلق والرزق ونحوه «2» ". قلت: قسم السلف الصفات إلى ذاتية لا تنفك عنه سبحانه كالسمع والبصر، وفعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته وقدرته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء والمجيء والنزول، ونحوها، وهي أيضا ذاتية إلا أن أثرها يحدث في وقت دون وقت. وربما تكون الصفة ذاتية فعلية، باعتبارين كالكلام، فإنها صفة ذاتية لا تنفك عنه سبحانه، وفعلية لتعلقها بمشيئته وقدرته يتكلم متى شاء كيف شاء بما شاء. وقول الطوفي عفا الله عنه عن الذاتية:" مقارنة لها في الوجود" وعن الفعلية:" الصادرة عنه، المفارقة له" يشعر بأن الصفة غير الموصوف، وأنها قائمة بنفسها، لأنها مقارنة للذات، أو مفارقة لها. وهذا غير صحيح والأولى التعبير بما عند السلف. وإن كان الطوفي لم يقصد مفارقة الصفات لله تعالى بدليل ما يأتي من كلامه عن الصفات. والله أعلم.

_ (1) سورة الشورى، آية: 11. (2) حلال العقد، اللوحة 5، 6 قلت: الصفة لا تفارقه سبحانه إنما الذي يحدث بها مباين له ..

وقال الطوفي عن آيات الصفات، وأخبارها في حلال العقد الورقة الثالثة عشرة:" ... وذلك أن الناس اختلفوا في آيات الصفات، وأخبارها، نحو: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «1»، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «2»، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3»، وحديث القدم والإصبع «4» والضحك «5» ... ونحوها، وهي كثيرة. فمنهم من حملها على ظواهرها المتعارفة، فجسم، ومثل. ومنهم من تأولها على معاني مجملة في الجملة، فرارا من التجسيم، فأبطل وعطل، ومنهم من جعلها ألفاظا مشتركة بين صفات المخلوقين وصفات الله- عز وجل- حقائق بالنسبة إلى ذاته المقدسة، كالعين المشتركة بين عين الماء وعين الذهب «6»، فتقول: لي يد حقيقة، ولله- عز وجل- يد حقيقة، ولا اشتراك بين اليدين إلا في لفظ اليد، أما مدلولها: فيد الله حقيقة لائقة به عز وجل، كما أن لي ذاتا، ولله عز وجل ذاتا، ولا اشتراك إلا في الاسم. وهذا رأي الحنابلة، وجمهور أهل السنة، وهو مذهب جيد صحيح عند من فهمه لا غبار عليه" اهـ. ثم أتى بعد ذلك برأي يراه جمعا بين الأقوال فيقول:" ويحتمل هذا المقام تفصيلا لا بأس به، وفيه جمع بين المذاهب، وهو أن ألفاظ هذه النصوص لا يخلو

_ (1) سورة المائدة، آية: 64. (2) سورة الرحمن، آية: 27. (3) سورة القلم، آية: 42. (4) سيأتي تخريج حديثي القدم والإصبع إن شاء الله. (5) حديث: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة» أخرجه البخاري في الجهاد باب 28، ومسلم في الإمارة حديث 128، 129 وغيرهما. (6) القول الصحيح أن لفظ العين يطلق على عين الماء، ويطلق على عين الذهب ولا اشتراك في المعنى لأن عين كل شيء مختصة به.

كل لفظ من أن يكون مقطوعا بإرادة الحقيقة منه، أو بإرادة المجاز فيتبع الدليل القاطع. أو ظاهرا في أحدهما فيتبع الظاهر ما لم يعارضه أظهر منه أو محتملا لهما على السواء، أو قريبا منه فهو مجمل، أو في حكمه، فيتوقف على البيان، أو يحمل على الأليق بجلال الله- عند المعتقد. وهذه الطريق أمثل الطرق- إن شاء الله عز وجل- وعليها تتخرج جميع الآيات والأحاديث وهي كثيرة" اهـ. ولعل ما قاله في كتاب الانتصارات الإسلامية، عند كلامه عن حديث التقرب والهرولة يفسر هذا الرأي المتقدم. يقول- رحمه الله-:" وهذا الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف، والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمر قريب من فلان، يعنى تقارب القلوب والمنزلة، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن المجاز عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد «1» ". ثم قال بعد أن بين أن أحاديث الصفات منها ما يكون صحيحا أو غير صحيح، أو مختلف فيه، وأنه لا يعول إلا على الصحيح منها:" ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران، فالأول كحديث الساق «2»

_ (1) وترجيحه المجاز هنا وتفسيره القرب خلاف الصواب كما سيأتي. انظر ص: 703 من هذا البحث. (2) أخرج البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (القيامة: 22، 23) من حديث طويل عن أبي سعيد منه: «فيأتيهم الجبار ... فيقول أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون الساق. فيكشف عن ساقه، فسيجد له كل مؤمن ... » وأخرجه مسلم في الإيمان حديث 302، والدارمي في الرقائق، باب سجود المؤمنين يوم القيامة، وأحمد في المسند (3/ 17) بألفاظ غير لفظ البخاري.

والقدم «1» والأصابع «2» ونحوها فهذه إرادة المجاز فيها مرجوحة فحكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري- جل جلاله- ولا يلزمنا تعين كيفيتها كذاته سبحانه، أثبتنا وجودها-، ونحن عن تفاصيل أحكامها بمعزل. الثاني كهذا الحديث" اهـ. أى حديث: «من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» «3». وذكر حديث: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء» «4» وحديث: «الحجر الأسود يمين الله في

_ (1) أخرج البخاري في عدة مواضع منها تفسير سورة (ق):" لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط" وأخرجه مسلم في كتاب الجنة، حديث 37، والترمذي في كتاب الجنة، باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار، وفي تفسير سورة (ق)، وأحمد في المسند (2/ 369، 507)، (3/ 13)، بألفاظ متقاربة. (2) سيأتي تخريجه قريبا- إن شاء الله-. (3) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ (آل عمران: 28) وفي باب ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، ومسلم في كتاب الذكر، باب فضل الذكر، والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى، حديث 20، 21، 22، وفي أول كتاب التوبة، والترمذي في كتاب الدعوات باب في حسن الظن بالله، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب فضل العمل وأحمد في المسند (2/ 413، 480، 482، 509، 524، 534)، وفي مواضع أخرى عنده. (4) أخرجه مسلم في القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، حديث 17 بلفظ" أن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء"، والترمذي في القدر، باب ما جاء في أن القلوب بين إصبعي الرحمن، وفي الدعوات، باب 90، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، والحاكم في المستدرك (2/ 288 - 289).

الأرض» «1» وحديث: «ساعد الله أشد، وموسى الله أحد» «2». ثم قال:" فإن المجاز فيه راجح، وحكمه التأويل على ما ترجح فيه" اهـ. ثم ذكر الطبقة الثالثة فقال:" والثالث كقوله: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «3» فإنه بين الصفة الوجهية اللائقة بمنصب الإلهية، وبين الرتبة الجاهلية إلى العظمة الذاتية. فحكم مثل هذا راجع الى ترجيح المجتهد في أحكام العقائد، فإن غالب مسائلها من هذا وأشباهه: اجتهادية، لكنها أعلى رتبة من مسائل الفروع «4» " اهـ. قلت: أما قوله- رحمه الله- في حديث «من تقرب مني ... تقربت منه» فلا لزوم لتأويله القرب بقرب الرحمة. بل قرب الله من المتقرب إليه بالعمل الصالح: قرب بذاته ورحمته على ما يليق بجلاله، ولا ندرك كيفية ذلك ومعلوم أن معنى قرب الله بذاته وهرولته إليه ومشيه ليس بقطع المسافة، ومشابهة المخلوقين

_ (1) رواه الطبراني في معجمه، وابن عدي، وابن خلاد، وغيرهم، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 575 - 576)، وقال:" حديث لا يصح"، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 417)، وذكر أنه موقوف على ابن عباس، وذكره الألباني في الضعيفة (1/ 257)، وبين وجه ضعفه، وأقوال أهل الحديث في سنده، وله شواهد ذكرها المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 31 - 32)، وسيأتي كلام ابن تيمية عنه إن شاء الله، وذكر بعض ألفاظه. (2) أخرجه أحمد في المسند (3/ 473)، (4/ 137) بأسانيد متعددة حكم على بعضها أحمد البنا في الفتح الرباني (14/ 178)، (16/ 30)، وهي بمجموعها تفيد أن الحديث صحيح. ومن ألفاظه عنده:" ... فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك، ثم قال: هل تنتج ابل قومك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها ... قال فإنما آتاك الله عز وجل لك، وساعد الله أشد، وموسى الله أحد وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحد من موساك ... " الحديث. (3) سورة الرحمن، آية: 27. (4) انظر ص: 704 - 705 من هذا الكتاب. قلت: الحكم لا يكون إلا بالشرع لا باجتهاد المجتهد.

في اقتراب بعضهم من بعض، فهو سبحانه مع قربه لا ينفك عن كمال علوه على كل شيء، ولا يعلو شيء من المخلوقات عليه. وأما حديث القلوب: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء». فليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع ولا مماس لها، كما أن قول القائل:" هذا بين يدىّ" لا يقتضي مباشرته ليديه. كما أن السحاب بين السماء والأرض وما يقتضي أن يكون مماسا للسماء والأرض. ونظائر هذا كثير «1». وقد نقل أن الإمام أحمد تأوله عن ظاهره، وأنكر ابن تيمية ذلك، وقال:" فهذه الحكاية كذب على أحمد ... «2» ". أما حديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» فإنه موقوف على ابن عباس كما تقدم وأنه لا يصح، والطوفي- رحمه الله- قد ذكر أنه لا يعول على الأحاديث التي لا تصح. وعلى فرض صحته فإن في ألفاظه قرائن تصرف معناه من المعنى الظاهر إلى معنى آخر يليق بجلال الله سبحانه، منها قوله: «في الأرض» فهذا قيد، ولو كان مطلقا لقال:" يمين الله" فقط، وفي بعض رواياته" فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه" والمشبه غير المشبه به وهذا يدل على أنه ليس يمينه حقيقة، فأول الحديث وآخره يبين أنه ليس من صفات الله «3». فقول الطوفي مقبول على فرض صحة هذا الحديث. والله أعلم.

_ (1) انظر التدمرية: 73. (2) الفتاوى 5/ 398. (3) انظر فتاوى ابن تيمية 6/ 397 - 398. والتدمرية ص 71 - 72.

أما الحديث الثالث: «ساعد الله أشد ... » فإن فيه إثبات الساعد لله على ما يليق بجلاله سبحانه، كما أنا أثبتنا له يدان على ما يليق بجلاله سبحانه. أما ما يتعلق بقوله تعالى: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ (27) فإن معناها ذو العظمة والكبرياء. ففيها إثبات عظمة الله وكبريائه. وأحسب أن الطوفي- رحمه الله- لم يقصد تأول الأحاديث السابقة ولا صفة الوجه فى الآية بدليل أنه قال في كتاب الإشارات الإلهية، عن قوله تعالى في سورة الزمر: والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ... (67) «1» فقال عن هذه الصفة وغيرها من صفات الله:" اختلف الناس في آيات الصفات مثل هذه: في القبضة واليمين، ونحو وجه ربك، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «2»، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3»، (يضع الجبار قدمه) «4» «يحمل السموات على إصبع» «5»، الحديث، ونحو ذلك على أقوال: أحدها: امرارها كما جاءت من

_ (1) سورة الزمر، آية: 67. (2) سورة المائدة، آية: 64. (3) سورة القلم، آية: 42. (4) تقدم تخريجه. (5) أخرج البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ (ص: 75) أن يهوديا جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع، والشجر على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك؟ فضحك النبي صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (الزمر: 67) قال يحيى بن سعيد: وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله:" فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له" قلت: وأخرجه مسلم في صفات المنافقين، حديث 21، 22، والترمذي في تفسير سورة الزمر، وأحمد في المسند (1/ 429) بألفاظ نحو لفظ البخاري السابق.

غير تكييف، ولا تمثيل. وهو مذهب أهل الحديث. الثاني: حملها على ظاهرها في التشبيه، وصرحوا به، وهو قول المجسمة. ورد ب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «1» وباستحالة التجسيم على الله. الثالث: حملها على [أنها «2»] صفات الله- عز وجل- حقيقة، معولة على صفات المخلوقين بالاشتراك اللفظي، كأنهم قالوا: لله يد هي صفة لائقة به لا تشبه يدنا، ولنا يد، هي هذه الجارحة، مستحيلة في حقه- عز وجل- وهو محكي عن الظاهرية «3»، وإليه يرجع المذهب الأول. الرابع: تأويل ما أوهم منها التشبيه، على ما يزيل تلك الشناعات مما يحتمله اللفظ في كلام العرب، وهو مذهب الأشعرية ومن وافقهم. الخامس: أن اللفظ إن ظهر منه إرادة الحقيقة، حمل عليها، على المذهب الأول، أو إرادة المجاز حمل عليه كلفظ الجنب «4»، وقلب المؤمن بين إصبعين، والحجر [الأسود «5»] يمين الله في الأرض، ونحوه وإن لم يظهر منه أحدهما اجتهد فيه المجتهد في الأصول وقلد فيه المقلد.

_ (1) سورة الشورى، آية: 11. (2) ما بين المعكوفتين زيادة من المحقق لايضاح الكلام. (3) طائفة تقول بظاهر الكتاب والسنة، وتعرض عن التأويل والرأي والقياس وهم أتباع داود بن علي ابن خلف الأصبهاني الظاهري المتوفى سنة سبعين ومائتين للهجرة، لأنه أول من جهر بذلك في أصبهان. [انظر طبقات الشافعية 2/ 42 - 48، وسير أعلام النبلاء 13/ 97 - 108]. (4) لعله يريد لفظ" الجنب" المذكور في قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [سورة الزمر، آية: 56]. فهذا معناه: أي في جانب حقه، وقيل ما فرطت في طاعة الله. وقيل: ما فرطت في طلب قرب الله وجواره. [انظر فتح القدير للشوكاني 4/ 471، وتفسير السعدي 6/ 486]. (5) زدت لفظ الأسود ليستقيم المعنى.

والأشبه الأخذ بالمذهب الثالث" اهـ. ويوضح هذا أيضا ما ذكره في كتاب الانتصارات الإسلامية ... عند رده على النصراني في قوله: إن مما روي عن محمد صلّى الله عليه وسلم من أوصاف الله، ما يدل على تجسيم الله وهو باطل، وذكر أحاديث منها: حديث النزول، والقدم، والساق، ورؤية النبي صلّى الله عليه وسلم لله تعالى في المنام، قال الطوفي:" وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة ... " ثم قال بعد ذلك:" وأما أحاديث النزول والقدم والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال". وذكر مذهب المجسمة ثم مذهب المعطلة، ثم قال:" والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله سبحانه منها، مع القطع بتنزيه الله سبحانه عن مشابهة مخلوقاته، أو بعضها، بوجه من الوجوه، اعتمادا على قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) فأول الآية تنزيه، والثاني: اثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به" اهـ. ولنضرب بعض الأمثال على قاعدته المتقدمة في باب الصفات، وهل طبق تلك القاعدة عند حديثه عن كل صفة؟. يقول عن صفة كلام الله تعالى في حلال العقد اللوحة (19):" اختلف الناس في الكلام فقيل حقيقة في اللفظ، وقيل: في المعنى القائم بالنفس، وقيل: فيهما بالاشتراك. والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعري، والمشهور عنه أن كلام الله- عز وجل- معنى نفساني لا لفظي، وأهل الحديث ومن تابعهم يقولون: هو عبارات مسموعة وحجتهم قوله- عز وجل-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ «1»

_ (1) سورة التوبة، آية: 6.

وهم يسمعون كلام الله «1»، ولأن الكلام حقيقة لغوية، وهو عند العرب: عبارة، ولهذا جعلوا مادته اسما وفعلا وحرفا. حجة الآخرين: أنه لو كان عبارة لاستلزم الأدوات والمخارج، ويلزم التجسيم، وأيضا أن المسألة مشكلة، ونحن نقتصر في اعتقادنا فيها على ما أطلق في الشرع، وهو أن الكتاب كلام الله منزل، والجمهور على أنه غير مخلوق" اهـ. وقال في موضع آخر:" ... يبنى هذا على ما مر من أن كلام الله- عز وجل- قديم أو حادث، ومذهب السنة أنه قديم". قلت: مذهب أهل السنة أن كلام الله معان وحروف وأصوات مسموعة، وأنه قديم النوع وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وعن العرش والاستواء، يقول الطوفي في كتاب الإشارات، عند حديثه عن قوله تعالى: وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «2»:" هذا يحتج به من رأى العرش سريرا، وجرما مستعليا بالجملة، ونفى تفسيره بالملك، أو نحوه مما تأوله نفاة الاستواء، إذ لا يصح أن يقال: وكان ملكه على الماء، وقد جاء في الحديث: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء «3» " والعماء ممدود هو الغيم الرقيق" اهـ.

_ (1) قال الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة: 75). (2) سورة هود، آية: 7. (3) الحديث أخرجه الترمذي في تفسير سورة هود، وقال:" وهذا حديث حسن" وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، وأحمد في المسند (4/ 11، 12).

قلت: هو بهذا يوافق أهل السنة والجماعة. وقد نقل الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين المالكي «1» - رحمه الله-:" ومن قول أهل السنة أن الله- عز وجل- خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) «2» ... فسبحان من بعد وقرب بعلمه، فسمع النجوى" «3» وذكر الحديث السابق. وقد ذكر مذاهب الناس في الاستواء في الإشارات الإلهية عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف (54): ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، لا يسمح المقام بنقله لطوله، وواضح من كلامه هناك أن الاستواء من صفات الله الفعلية على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى. وقال عن صفة العلو، عند كلامه عن قوله تعالى في سورة البقرة (144): قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ... :" يحتج بها من يرى أن الله- عز وجل- في جهة السماء من وجهين: أحدهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يتوقع تحويل القبلة، ويترقب ذلك من جهة السماء، والأحكام إنما تأتي من عند الله- عز وجل- فدل على أنه- عليه السلام- كان يعتقد أنه- عز وجل- في جهة السماء، ينتظر الوحي من عند الله ثم لم ينكر عليه، ولم يقل له: لست في السماء فماذا تطلب في جهتها بل أقره

_ (1) محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين المري البيري الغرناطي، كان من كبار المحدثين، والعلماء الراسخين، ومتفننا في العلم والآداب، فهو أصولي مفسر أديب شاعر، من تصانيفه مختصر المدونة، وأصول السنة، وغيرهما. توفي بالبيرة في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة للهجرة. [انظر الديباج المذهب 2/ 232 - 233، وشذرات الذهب 3/ 156]. (2) سورة طه، آية: 5. (3) فتاوى ابن تيمية 5/ 54 - 55.

على ذلك فصار في المسألة اعتقاد النبي صلّى الله عليه وسلم، وإقرار الله- عز وجل- له على ذلك، وناهيك به حجة" اهـ. وقال عن القرب والمعية في تفسير سورة ق، عند تفسير قوله تعالى: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) «1»:" وهذا القرب عند المفسرين: بالعلم نحو: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ «2» وما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ «3»، وعند الحلولية: هو قرب بالذات، لأن الرب جل جلاله حال في خلقه عندهم، تعالى الله عما يقول الظالمون" اهـ. قلت: قد أنكر ابن كثير «4» - رحمه الله- تأول هذا القرب بالعلم، وقال: إنما هو قرب الملائكة. وقال ابن تيمية:" فقوله: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16): هو قرب ذوات الملائكة، وقرب علم الله منه «5». وقال الطوفي عن المعية أيضا في كتاب الإشارات الإلهية عن قوله تعالى:

_ (1) سورة ق، آية: 16. (2) سورة الحديد، آية: 4. (3) سورة المجادلة، آية: 7. (4) إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوّ بن درع القرشي البصروي، ثم الدمشقي، أبو الفداء، عماد الدين. المفسر المؤرخ، الحافظ، الفقيه، رحل في طلب العلم، وتناقل الناس تصانيفه في حياته، توفي سنة 774 هـ في دمشق. [انظر الدرر الكامنة 1/ 373 - 374، والأعلام للزركلي 1/ 320]. (5) فتاوى ابن تيمية 5/ 236.

وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ... «1»:" أي بالنصرة والإعانة" اهـ. وقال عن رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:" لا خلاف في أن الله- عز وجل- لا يرى في الدنيا، مع جواز رؤيته فيها عندنا. وزعم بعض المتصوفة أنهم يرونه- عز وجل- في الدنيا، ورد عليهم بقوله- عز وجل-: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «2» وبقوله عليه السلام: «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» «3» أما في الآخرة فالجمهور أنه يراه المؤمنون أهل السعادة، وقالت المعتزلة: لا يرونه ولا تجوز رؤيته". حجة الأولين قوله- عز وجل- في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) «4»، دل على أن المؤمنين لا يحجبون عنه، فهم يرونه. وقوله- عز وجل-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ «5» وردت السنة بأن الزيادة الرؤية «6»، وأحاديث الرؤية صحيحة صريحة كقوله- عليه السلام-: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ... » «7»، وهذا المعنى يكاد أن يكون

_ (1) سورة المائدة، آية: 12. (2) سورة الأنعام، آية: 103. (3) جزء من حديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ... (33)، وأحمد في المسند (5/ 324)، وقال البنا في تخريجه:" أخرجه أبو داود، قال المنذري: وأخرجه النسائي، وفي إسناده: بقية بن الوليد وفيه مقال" اهـ. [الفتح الرباني 24/ 80]. قلت: وسند ابن ماجه فيه ضعيف وهو إسماعيل بن رافع وأرسله أبو زرعة عن أبي أمامة. (4) سورة المطففين: 15. (5) سورة يونس: 26. (6) أخرجه مسلم في الإيمان، باب رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، حديث 297، 298، والترمذي في كتاب الجنة، باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى، وفي تفسير سورة يونس، وأحمد في المسند (4/ 332، 333)، (6/ 16). (7) أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: المواقيت، باب فضل صلاة العصر، وأبو داود في السنة، باب في الرؤية وغيرها.

متواترا. حجة المعتزلة قوله- عز وجل-: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وذلك يقتضي نفي الرؤية على الاطلاق. وأجيب بأنه محمول على الدنيا. سلمناه لكنه إنما نفي الادراك، وهو الإحاطة لا الرؤية، واحتجوا بأنه لو رؤي لكان مقابلا في جهة. وأجيب: أما المقابلة فلا يلزم، لأنه يرى خلقه ولا نقابله عندكم، فجاز أن يراه خلقه ولا يقابلهم، وأما الجهة فأهل السنة يلتزمونها أو بعضهم" اهـ. قلت: الطوفي- رحمه الله- متردد في القول بالجهة على المعنى الصحيح، والله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون فوقهم يوم القيامة، ولا يلزم من ذلك أن يكون سبحانه وتعالى حالا في شيء من مخلوقاته كما يتوهم الأشاعرة وغيرهم. وأما القدر فقد ألف فيه بعض المصنفات وتعرض له في هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية ... " فقال:" أما الآيات والأحاديث فصحيحة، ونحن نقول بها على وجه نقرره" اهـ. وبعد تقريره ذلك، وذكره أقسام الناس في القدر قال:" وفرقة توسطت الطرفين المنحرفين، وقالت بمقتضى القسمين، فنسبوا الأفعال إلى الله إرادة وخلقا، وإلى العباد اجتراحا وكسبا، وفسروا الكسب بأنه أثر القدرة القديمة في محل القدرة الحادثة، وساعدهم على ذلك ظواهر نصوص الكتاب والسنة من الطرفين" اهـ. قلت: وهذا مذهب بعض أتباع الأئمة الأربعة، ومذهب الأشعرية في الكسب كما ذكر ذلك ابن تيمية- رحمه الله- في منهاج السنة (1/ 358 - 360). وأخيرا فإنه يتبين لنا من أقوال الطوفي- رحمه الله- السابقة، أن كثيرا من العلماء- رحمهم الله- أكثروا من الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وأحاديثها، وكثرة الأسئلة في ذلك الموضوع. وهذا من البدع المكروهة، ولكنهم

فعلوا ذلك للرد على أهل المقالات الفاسدة. ثم إن الطوفي- رحمه الله- يوافق أهل السنة والجماعة في أغلب مسائل العقيدة، وآيات الصفات وإن كان يميل إلى مذهب الأشاعرة في بعض المسائل كما عرفنا من كلامه السابق، وكما يعرف ذلك المتتبع لكتب الطوفي- رحمه الله- في العقيدة أو في غيرها من العلوم الشرعية. عفا الله عنه وعن العلماء السابقين واللاحقين، وعصمنا الله وإخواننا من الخطأ والزلل، إنه أرحم الراحمين، وخير التوابين. والله الموفق".

مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة: المصلحة في اللغة: بمعنى المنفعة، وهي ضد المفسدة، مأخوذة من الصلاح ضد الفساد، وجمعها مصالح. يقال: رأى الإمام المصلحة في كذا، أي مما يحمل على الصلاح «1». وهي عند الأصوليين: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق «2» " أو هي:" جلب المنفعة ودفع المضرة «3» " ويعرفها الطوفي بقوله:" اتباع المصلحة المرسلة كأن الشرع أو المجتهد يطلب صلاح المكلفين باتباع المصلحة المذكورة ومراعاتها «4» ". والمصلحة المرسلة، أو الاستصلاح ثلاثة أقسام: 1 - قسم اعتبره الشرع، وهو اقتباس الحكم من معقول النص، أو الاجماع. فهذا هو القياس الذي هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. ومثاله: تحريم النبيذ المسكر من تحريم الخمر المنصوص عليه بالكتاب والسنة. 2 - وقسم شهد الشرع ببطلانه كايجاب الصوم بالجماع في نهار رمضان. 3 - وقسم لم يشهد له الشرع ببطلان ولا باعتبار معين. وهو ثلاثة أضرب:

_ (1) انظر القاموس المحيط 1/ 277، ولسان العرب 2/ 517. (2) المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 20. (3) روضة الناظر بتحقيق د. عبد العزيز السعيد ص: 169. وشرح الروضة للطوفي 2/ 439 خ. (4) شرح روضة الناظر للطوفي ج 2 ص 439 مخطوط.

أ- الأول مثل: أن يتسلط الولي على تزويج وليته الصغيرة لئلا يفوت الكفء، واستقبالا للصلاح المنتظر، ويسمى حاجيا. ب- الثاني مثل: اعتبار الولي في النكاح صيانة للمرأة عن مباشرة العقد لكونه مشعرا بتوقان نفسها إلى الرجال، فلا يليق بالمروءة ففوض إلى الولي حملا للناس على أحسن المناهج. ويسمى: تحسينيا. ولا يصح التمسك بمجرد هذا الضرب والذي قبله من غير أصل. ج- الثالث مثل: أن يحفظ على الناس دينهم بقتل المرتد الداعى إلى الردة، وعقوبة المبتدع الداعي إلى البدع، صيانة لدين الناس. والقصاص لحفظ النفوس، وحد شارب الخمر لحفظ العقول، وحد الزاني لحفظ النسل والأنساب، وحد السارق لحفظ الأموال، ويسمى ضروريا «1». هذه هي أقسام المصلحة في مذهب الطوفي وغيره من علماء الإسلام فما موقفه منها؟ ج: 1 - لم يخالف الطوفي بقية العلماء في حكم القسم الأول. وما نقلته عن هذا القسم هو مضمون قوله في شرح الروضة «2». 2 - يقول عن القسم الثالث:" لا يجوز للمجتهد أنه كلما لاح له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها ورتب عليها الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهدا من

_ (1) انظر شرح الروضة للطوفي" مخطوط" 2/ 440، وروضة الناظر ص 69 - 170 والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 162 - 163، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص: 293. (2) انظر شرح الروضة 2/ 440" مخطوط".

جنسها، ولو لم يعتبر للتمسك بهذه المصلحة وجود أصل يشهد لها للزم منه محذورات: أحدها: أن ذلك يكون وضعا للشرع بالرأي لأن حكم الشرع هو استفيد من دليل شرعي: إجماع أو نص أو معقول نص، وهذه المصلحة لا تستند إلى شيء من ذلك فيكون رأيا مجردا. الثاني: لو جاز ذلك لاستوى العالم والعامي لأن كل واحد يعرف مصلحة نفسه الواقعة موقع التحسين أو الحاجة، وإنما الفرق بين العالم والعامي معرفة أدلة الشرع واستخراج الأحكام منها. الثالث: لو جاز ذلك لاستغني عن الرسل وصار الناس براهمة لنحو ذلك. فإنهم قالوا: لا حاجة لنا إلى الرسل لأن العقل كاف لنا في التأديب ومعرفة الأحكام إذ ما حسنه العقل أتيناه وما قبحه اجتنبناه. وما لم يقض فيه بحسن ولا قبح فعلنا منه الضروري وتركنا الباقي، احتياطا. فالتمسك بهذين الضربين من المصالح من غير شاهد لهما بالاعتبار يؤدي إلى مثل ذلك، ونحوه فيكون باطلا" اهـ. يتضح مما سبق أن المصلحة منها ما هو قياس لا خلاف فيه ومنها ما هو باطل لا يجوز جعله من أدلة التشريع ومنها ما هو متروك لاجتهاد المجتهد لأن الشرع لم يشهد باعتباره أو بطلانه. وهو ما كان تحسينيا أو حاجيا أو ضروريا وتبين لنا أن التحسيني والحاجي لا يصح التمسك بمجردهما من غير شاهد لهما من الشرع. أما ما كان ضروريا فقد اختلف فيه العلماء وقد نقل لنا هذا الاختلاف الإمام الطوفي في شرح الروضة (2/ 442) فهو يقول:" فهذه المصلحة الضرورية قال مالك، وبعض الشافعية هي حجة، لأنا علمنا أنها من مقاصد الشرع بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة، وقرائن الأحوال،

والأمارات، وسموها مصلحة مرسلة، ولم يسموها قياسيا لأن القياس يرجع إلى معين دون هذه المصلحة فإنها لا ترجع إلى أصل معين، بل رأينا الشارع اعتبرها في مواضع من الشريعة فاعتبرناها حيث وجدت لعلمنا أن جنسها مقصود له" اهـ. ثم أشار إلى قول الحنابلة في هذه المصلحة" الضرورية" فقال:" وقال بعض أصحابنا: ليست حجة. هذا إشارة إلى الشيخ أبي محمد «1»، قال في الروضة:" والصحيح أن ذلك ليس بحجة" وإنما قلت: قال بعض أصحابنا، ولم أقل قال أصحابنا، لأني رأيت من وقفت على كلامه منهم- حتى الشيخ أبا محمد- في كتبه إذا استعرضوا في توجيه الأحكام يتمسكون بمناسبات مصلحية يكاد الشخص يجزم أنها ليست مرادة للشارع ... فلم أقدم على الجزم على جميعهم بعدم القول بهذه المصلحة، خشية أن يكون بعضهم قد قال بها، فيكون ذلك تقولا عليهم «2» " اهـ. ثم بين بعد ذلك من قال: إنها ليست حجة، ورد على من قال: إن مالكا أجاز قتل ثلث الخلق لاستصلاح الثلثين فقال:" قلت: لم أجد هذا منقولا فيما وقفت عليه من كتب المالكية، وسألت عنه جماعة من فضلائهم فقالوا: لا نعرفه.

_ (1) موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام ينتهي نسبة إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، فهو العدوي القرشي نسبا، والجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي موطنا. من أشهر مؤلفاته المغني شرح مسائل الخرقي، وروضة الناظر. توفي- رحمه الله- سنة عشرين وستمائة للهجرة. (انظر ترجمته الوافية في كتاب ابن قدامة وآثاره الأصولية ص 79 - 143). (2) شرح الروضة للطوفي 2/ 443" مخطوط".

قلت: مع أنه إذا دعت الضرورة إليه ضرورة: متجه جدا، وقد حكاه عن مالك جماعة «1» " اهـ. ولكن بعد هذا رجح المصلحة فقال:" قلت: الراجح المختار اعتبار المصلحة المرسلة" «2» اهـ. ثم أيد ترجيحه هذا بقول الغزالي «3»، ورد المتفق على إلغائها ثم قال:" والمصلحة المرسلة إنما هو اجتهادي، فلو اعتبرنا المصلحة المنصوص على عدم اعتبارها، لكان رفعا للنص بالاجتهاد، وهو فاسد الاعتبار «4» " اهـ. 3 - أما القسم الثاني وهو ما شهد الشرع ببطلانه، فهو موطن الخلاف بينه وبين بقية العلماء. يقول في شرح الروضة (2/ 440):" القسم الثاني: ما شهد الشرع ببطلانه من المصالح: أي لم يعتبره، كقول من يقول: أن الموسر- كالملك ونحوه- يتعين

_ (1) شرح الروضة للطوفي 2/ 443" مخطوط". (2) المصدر السابق. (3) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي- بالتخفيف نسبة إلى غزالة من قرى طوس، وبالتشديد إلى صناعة الغزل، وكلاهما صحيح- فيلسوف متصوف، مولود سنة خمسين وأربعمائة، أشتهر بالوعظ والزهد والورع، له نحو مائتي مصنف منها: إحياء علوم الدين، وتهافت الفلاسفة، والاقتصاد في الاعتقاد، والرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل. توفي سنة خمس وخمسمائة من الهجرة. (انظر ترجمته في طبقات الشافعية 4/ 101، وتبيين كذب المفتري ص 291، وشذرات الذهب 4/ 10). (4) شرح الروضة للطوفي 2/ 444" مخطوط".

عليه الصوم في كفارة الوطء في رمضان، ولا يخير بينه وبين العتق والإطعام. لكثرة ماله، فيسهل عليه أن يعتق رقابا في قضاء شهوته، وقد لا يسهل عليه صوم ساعة، فيكون الصوم أزجر له، فيتعين. فهذا وأمثاله ملغى غير معتبر، لأنه يعتبر للشرع بالرأي وهو غير جائز، ولو أراد الشرع ذلك لبينه أو نبه عليه في حديث الأعرابي «1» وغيره، اذ تأخير البيان وقت الحاجة، وإيهام التسوية بين الأشخاص في الأحكام مع افتراقهم فيها لا يجوز" اهـ. وليت الطوفي بقي علي هذا في المصلحة المرسلة ليكون موافقا لما ذهب إليه الأصوليون فيها، لكنه رجع فأفسد التقسيم السابق للمصلحة فقال:" قلت: اعلم أن هؤلاء الذين قسموا المصلحة إلى معتبرة وملغاة ومرسلة، وضرورية وغير ضرورية، تعسفوا وتكلفوا، إذ الطريق إلى معرفة حكم المصالح أعم من هذا وأقرب، وذلك بأن نقول: قد ثبت مراعاة الشارع للمصلحة والمفسدة إجماعا، وحينئذ فنقول: الفعل إن تضمن مصلحة مجردة حصلناها وإن تضمن مفسدة مجردة نفيناها، وإن تضمن مصلحة من وجه ومفسدة من وجه: فإن استوى في نظرنا تحصيل المصلحة ودفع المفسدة توقفنا على المرجح، أو خيرنا بينهما كما قيل فيمن لم يجد من السترة إلا ما يكفى أحد فرجيه فقط، هل يستر الدبر لأنه مكشوفا أفحش، أو القبل، لاستقباله به القبلة أو يتخير لتعارض المصلحتين

_ (1) انظر البخاري عدة مواضع منها: كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان، .. (30)، وصحيح مسلم، كتاب الصوم حديث (28)، وسنن أبي داود كتاب، باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان، وسنن ابن ماجه، كتاب الصوم، باب ما جاء في كفارة من أفطر يوما من رمضان، ومسند أحمد (2/ 341)، (6/ 276).

والمفسدتين وإن لم يستو ذلك، بل ترجح إما تحصيل المصلحة، وإما دفع المفسدة فعلناه، لأن العمل بالراجح متعين شرعا وعلى هذه القاعدة يتخرج كل ما ذكروه في تفصيلهم المصلحة «1» " اهـ. ثم فصل هذا الرأي وذكر أن المعتبرة كالقياس ... وأن الملغاة عند سائر الأصوليين لا تلغى على الإطلاق إنما قد يجتهد في تحصيلها، وليس ذلك من باب وضع الشرع بالرأي، بل هو من باب الاجتهاد بحسب المصلحة، أو من تخصيص العام المستفاد من ترك الاستفصال في الدليل، كما في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، فالطوفي يرى أنه عام فيخص بالاجتهاد المصلحي المناسب بحيث أن الملك الموسر الذي يملك رقابا كثيرة قد تجعله يجامع في كل يوم ويعتق رقبة، فإذا اجتهد مجتهد في عدم تخيير هذا الملك وإلزامه بالصيام، فإن هذا اجتهاد مصلحي كما تقدم. ويرى أن المصلحة الواقعة موقع التحسين أو الحاجة كما في الأمثلة المتقدمة: مصلحة محضة لا يعارضها مفسدة فكان تحصيلها متعينا. أما الضرورية كحفظ الدين والعقل والمال والنسب والعرض والنفس فهي وإن عارضتها مفسدة وهي الإتلاف بالقتل أو القطع أو الإيلام بالضرب، ونفي هذه المفسدة مرجوح بالنسبة إلى تحصيل تلك المصلحة فكان تحصيلها متعينا. وعلى هذا يرى أنه لا حاجة إلى التقسيم والتنويع للمصلحة.

_ (1) مخطوط شرح الطوفي على مختصره للروضة ج 2 ص 445 - 446.

ومن كلامه السابق يتضح لنا أنه خالف الأصوليين في تقسيم المصلحة إلى معتبرة وملغاة وغير شاهد لها الشرع ببطلان أو اعتبار، بل ويتضح أيضا تقديمه للمصلحة على النص على وجه التخصيص بالاجتهاد المصلحي كما ذكر في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، غير أن مذهبه هذا يظهر جليا في كتابه شرح الأربعين عند ما شرح حديث: «لا ضرر ولا ضرار» فهو يقول بعد أن ذكر أدلة الشرع:" وهذه الأدلة التسعة عشر «1»، أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فبها ونعمت، ولا نزاع، إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله- عليه السلام-: (لا ضرر ولا ضرار) وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليها بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان" اهـ. ثم قرر ما ذهب إليه بقوله بعد ذلك:" وتقرير ذلك: أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررا ولا مفسدة بالكلية، أو يقتضيا ذلك، فإن لم يقتضيا شيئا من ذلك فهما موافقان لرعاية المصلحة، وإن اقتضيا ضررا فإما أن يكون الضرر مجموع مدلوليهما أو بعضه، فإن كان مجموع مدلوليهما، فلا بد أن يكون من

_ (1) وهي كما قال: الكتاب والسنة والإجماع، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد والاستقراء وسد الذرائع، والاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة. قال بعد ذكرها" بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه" اه (شرح الحديث ضمن كتاب المصلحة المرسلة ونجم الدين ... ص 17).

قبيل ما استثني من قوله عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» وذلك كالحدود، والعقوبات على الجنايات وإن كان الضرر بعض مدلوليهما فإن اقتضاه دليل خاص اتبع الدليل. وإن لم يقتضه دليل خاص وجب تخصيصهما بقوله- عليه السلام- «لا ضرر ولا ضرار» جمعا بين الأدلة «1» " اهـ. ولقد أطال الطوفي عفا الله عنه في الانتصار لمذهبه هذا، ولا يسمح المقام بنقل ذلك هنا غير أنه ظهر من كلامه الأمور التالية: 1 - أنه يرجح رعاية المصالح في العادات والمعاملات ونحوها دون العبادات والمقدرات فإنها حق الشرع، ولا يعرف كيفية إيقاعها إلا من جهته نصا وإجماعا «2». 2 - أن تقديمه رعاية المصالح في العادات والمعاملات علي النص الظني المحتمل الدلالة لا صريح الدلالة على الحكم بوجه «3». 3 - أن تقديم الطوفي لرعاية المصالح على باقي الأدلة من مسائل الاجتهاد المصلحي على أقل أحواله، وإلا فهو يرى أنها راجحة تعينا «4». ومذهبه هذا في المصلحة المرسلة مرجوح غير منضبط ولا نسلمه له رغم أن الأصوليين قبل هذا لم يذكروا فيما أعلم مذهب الطوفي بالنقد والمناقشة وإنما كان

_ (1) ملحق المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 17 - 18. (2) المصدر السابق ص 20 - 21 - ، 43 وما بعدها. (3) انظر ملحق المصلحة المرسلة ونجم الدين الطوفي ص 30 - 31. (4) المصدر السابق ص 40.

ذلك من علماء عصرنا الحاضر وكان أولهم جمال الدين القاسمي «1» رحمه الله. والله الموفق. خبر الآحاد: يقسم بعض العلماء الحديث المسند إلى ثلاثة أقسام: متواتر ومستفيض أو مشهور، وخبر واحد «2». وبعضهم يقسمه إلى قسمين: متواتر وآحاد، والآحاد يشتمل على المستفيض والمشهور وخبر الواحد «3». فالمتواتر: ما يرويه قوم لا يحصى عددهم ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم، وتباين أماكنهم «4». وينقسم إلى متواتر لفظا ومعنى ومتواتر معنى دون اللفظ «5». وهو يفيد العمل والعلم معا عند المحدثين والأصوليين. أما الآحاد: فهو في اللغة: جمع أحد بمعنى الواحد. وهو" ما عدا

_ (1) المصدر نفسه ص 2 - 3. (2) انظر المغني في أصول الفقه ص 191 - 194. (3) انظر الحديث النبوي ص 182، ونزهة النظر ص 19، وروضة الناظر ص 21. (4) المغني في أصول الفقه ص 191 - 192. (5) انظر تيسير مصطلح الحديث ص 19، 20.

المتواتر «1» " أو هو:" ما لم يجمع شروط المتواتر «2» ". ومنه: 1 - المشهور: أو المستفيض: وهو عند الأصوليين:" ما كان من الآحاد في الأصل ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب ... «3» ". ويجعله بعضهم قسما من المتواتر «4» ". ومنهم من يجعل المستفيض قسما مستقلا أعلى من المشهور ودون المتواتر «5». 2 - خبر الواحد: وهو عند المحدثين: ما لم يجمع شروط المتواتر «6». ويدخل فيه على هذا التعريف: المشهور والمستفيض، وهو عند الأصوليين:" الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر «7» ".

_ (1) روضة الناظر ص 99. (2) نزهة النظر ص 26، وتيسير مصطلح الحديث ص 21. (3) المغني في أصول الفقه ص: 192. (4) انظر المغني في أصول الفقه ص 192. (5) انظر نزهة النظر ص 23، 24، والحديث النبوي ص 188. (6) الحديث النبوي ص 129، وتيسير مصطلح الحديث ص 21. (7) المغني في أصول الفقه ص 194.

واختلف في حكم خبر الآحاد" المشهور والمستفيض وخبر الواحد" فقال بعض الأصوليين: إنه يفيد الظن، أو العلم الظني، فيجب العمل به دون العلم. وقال آخرون: إنه يفيد العلم اليقيني ويوجب العمل «1». وقد نشأ هذا الاختلاف بعد ابتداع التقسيمات المتقدمة للحديث النبوي والحقيقة أن هذه التقسيمات لا تنضبط، لأن المحدثين والأصوليين مختلفون في عدد التواتر من أربعة إلى ثلاثمائة وستة عشر، وفي عدد المستفيض والمشهور أيضا تبعا للاختلاف في عدد التواتر، ولذا فلو اكتفى المحدثون والأصوليون بالبحث عن صحة الحديث إسنادا ومتنا، فما كان صحيحا، قبل، وكان أصلا من أصول شرعنا، لأنه لا مجال في التشكيك فيه بعد ذلك، فالخبر الذي تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير السلف والخلف، لأن العلم الضروري يحصل: بكثرة المخبرين أو بضبط الرواة، ودينهم، أو بالقرائن التي تحف بالخبر، أو بمجموعها «2». وعلى فرض صحة هذا التقسيم وعلمنا بأن لاشتهار الحديث وكثرة رواته والناقلين له مع صحته ميزة كبيرة قد لا تحصل لحديث صحيح آخر لم تكن طرقه أو عدد رواته والناقلين له كسابقه: فإنني أتحدث هنا عن حجية خبر الآحاد عند

_ (1) انظر المغني في أصول الفقه ص 194، وما بعدها، وهامش (ب) من ص 194. وفتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 54. وروضة الناظر ص 99 وما بعدها. (2) انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51.

الطوفي- رحمه الله-، وهو الغرض من هذا المبحث: يقول الطوفي في كتاب الانتصارات" هذا" ص 242 - 243:" ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والفطريات، والمتواترات ونحوها ... وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا ولا تلزمنا، لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم لكونها مظنونة الثبوت، وإن كانت في البخاري ومسلم لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى ... ". وليس هذا وحده هو كلام الطوفي- عفا الله عنه- فهو يقول في موضع آخر ص (369):" وخبر الآحاد إنما يفيد ظنا ضعيفا" وقال ص: 240 عن الآحاد:" هذا ممكن أخبر به الصادق، وكل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع" اهـ. وقد بين- رحمه الله- ص (448) أن أحاديث الصفات الصحيحة يجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله تعالى. وقال عن حديث سجود الشمس تحت العرش، وهو مما يسمى آحادا ص: (366):" ووصف الشمس بالسجود، وخطا بها من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها فيجب تلقيها عن أصحاب الشرائع بالقبول ... " اهـ. وليس هذا هو مذهب الطوفي وحده بل شاركه فيه كثير من الأصولين- كما

سبق- فهذا الإمام جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي المتوفى سنة 691 هـ «1» يقول في المغني في أصول الفقه ص 197 عن المشهور:" لكنه لما كان من الآحاد في الأصل ثبت به شبهة سقط بها علم اليقين" اهـ، وقال في خبر الواحد ص 195:" ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن، وأنها توجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين" اهـ. وقال علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي الفقيه الأصولي المتوفى سنة 553 هـ «2»: في ميزان الأصول:" وأما حكم المشهور مسألة اختلف مشايخنا فيه ولا رواية عن أصحابنا. قال بعضهم إنه يوجب علم طمأنينة لا علم يقين، وهو اختيار الشيخ الإمام أبي زيد- رحمه الله «3» -، وقال عامة مشايخنا: إنه يوجب علما قطعيا «4» ". قال ابن بدران الدمشقي «5» في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 204:

_ (1) انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/ 331، وشذرات الذهب 5/ 419، والأعلام 5/ 63. (2) ترجمته في الأعلام 5/ 317، وفيه وفاته سنة 540 هـ، ومعجم المؤلفين 8/ 267. (3) عبد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي، نسبه إلى دبوسية بين بخارى وسمرقند، الفقيه الحنفي القاضي العلامة، كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف. توفي في بخارى سنة ثلاث وأربعمائة عن ثلاث وستين سنة. (انظر شذرات الذهب 3/ 245 - 646، والبداية والنهاية 12/ 46). (4) هامش ص 194 من المغني في أصول الفقه. (5) هو عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم محمد بدران، وأسلافه يعرفون بآل بدران وهو أيضا يعرف بابن بدران. ولد في دوما إحدى القرى القريبة من دمشق، توفي سنة 346 هـ (انظر مقدمة المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 25، بتحقيق د. عبد الله التركي)

" وعن الإمام أحمد في حصول العلم بخبر الواحد قولان: أحدهما: لا يحصل العلم به، وهو قول الأكثرين، والمتأخرين من أصحابه، قال الطوفي: وهو الأظهر من القولين، والثاني يحصل به العلم، وهو قول جماعة من المحدثين «1» ". ونرد على الطوفي- عفا الله عنه- وعلى من وافقه في خبر الآحاد بما يلي: 1 - أن خبر الآحاد حجة شرعية في أصول الشريعة الإسلامية إذا رواه مسلم عاقل عدل تام الضبط، وتلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه كما سبق، فهو يفيد العلم وإلا كيف نعمل بموجب قول لا نعتقد القطع بصحته ونعتد به «2». 2 - أن خبر الواحد يفيد العلم لأن الأمة إنما تقبل خبر العدل، والعدل قد حرم عليه أن يقول ما لا يعلم كما قال تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ والْإِثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «3» فوجب ألا يقول العدل إلا ما يعلم، وذلك يفيد العلم «4». 3 - أن الله سبحانه وتعالى يقول: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ

_ (1) وقد تبع الطوفي في ذلك ابن قدامة المقدسي في روضة الناظر ص 99 وما بعدها. (2) انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51. (3) سورة الأعراف، آية: 33. (4) ناقش هذا الطوفي عند حديثه في الإشارات عن الآية المذكورة في سورة الأعراف. ورده، ورده مرجوح.

وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «1». والطائفة: اسم للواحد فصاعدا. والأمر يشمل الدين كله أصوله وفروعه، والواحد المتفقه العدل برهان عند الله، ولذا كانت الوفود تقدم إلى النبي صلّى الله عليه وسلم الواحد والاثنان والجماعة لتتعلم الإسلام بأصوله وفروعه، ثم يأمرهم بتبليغ ما حفظوه إلى قومهم. وليس في ما تعلموه ما يوجب العمل دون العلم «2». 4 - أن الطوفي- رحمه الله- ذكر أن الآحاد:" من الحقائق الإلهية" وأنها حق واقع والحقائق الإلهية إنما تفيد اليقين، وإلا فكيف تسمى حقائق إلهية. وكيف تكون حقا واقعا وهي لا تفيد إلا الظن؟. وأخيرا فإن مسألة إفادة الآحاد للعلم أو عدم إفادته له موضوع نزاع بين العلماء الأصوليين، وبين العلماء المحدثين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم. والله المستعان.

_ (1) سورة التوبة، آية: 122. (2) انظر رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد ص 41 - 44.

وفاته: سبق أن ذكرت بأن المؤرخين للطوفي قد اختلفوا في تحديد عام ولادته، فكذلك الحال في سنة وفاته. ففريق منهم كابن حجر، وابن رجب، وابن العماد، واليافعي «1»، وغيرهم: يذكرون أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة للهجرة «2». وبعضهم كالسيوطي وغيره يرى أنه توفي في رجب سنة عشر وسبعمائة «3». ويرى البعض كابن مكتوم- كما نقله عنه السيوطي- أنه توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة «4». والأصح من هذه الأقوال أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة ببلد الخليل- عليه السلام- أو هو لم يسبق ذلك التاريخ على الأقل، لعدة أمور ألخصها فيما يلي:

_ (1) عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي، المؤرخ، الباحث، المتصوف من شافعية اليمن، نسبة إلى يافع من حمير. ولد ونشأ بعدن، توفي بمكة سنة ثمان وستين وسبعمائة للهجرة. [انظر الدرر الكامنة 2/ 247، والأعلام 4/ 72]. (2) انظر الدرر الكامنة 2/ 155، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 369، وشذرات الذهب 6/ 40، ومرآة الجنان لليافعي 4/ 255، وإيضاح المكنون 1/ 443، 2/ 67، وفهرس الخزانة التيمورية 3/ 184]. (3) انظر بغية الوعاة للسيوطي ص 262، وكشف الظنون 1/ 59، 71، 143، 174، 219، 248، 251، 363، 756، وإيضاح المكنون 1/ 83، 2/ 96. (4) انظر بغية الوعاة للسيوطي ص 262.

1 - اتفاق الحفاظ المترجمين له على ذلك كابن حجر وابن رجب وابن العماد. 2 - أن أكثر من ترجموا له ذكروا أنه حج في سنة أربع عشرة وسبعمائة، وجاور في سنة خمس عشرة وسبعمائة، ثم خرج إلى الشام فبقي في بلد الخليل حتى مات- رحمه الله-. 3 - أنه ذكر في آخر كتاب شرح الأربعين النووية: أنه فرغ منه يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة في مدينة قوص من أرض الصعيد «1». 4 - أنه ذكر في نهاية كتابه:" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية" أنه ابتدأ فيه يوم السبت في الثالث عشر من شهر ربيع الأول، وفرغ منه يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر كلاهما في سنة ست عشرة وسبعمائة ببيت المقدس «2». أقوال الناس فيه: أجمع الذين أرخوا للطوفي على علو منزلته العلمية وتفننه النادر حتى الذين اتهموه بما ذكرت سابقا. فابن رجب وهو ممن تحامل عليه قال في أول ترجمته:" ... الفقيه

_ (1) انظر آخر مخطوطة شرح الأربعين بدار الكتب القومية بمصر. (2) انظر آخر مخطوطة الإشارات الإلهية المصورة على الفيلم رقم 923 بمكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

الأصولي المتفنن نجم الدين أبو الربيع ... «1» ". وقال في موضع آخر:" جالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم «2» ". وقال:" وكان فاضلا صالحا «3» ". وقال ابن حجر- رحمه الله-:" واشتغل في الفنون وشارك في الفنون وتعانى «4» التصانيف في الفنون «5»، وكان قوي الحافظة شديد الذكاء ... وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد «6» ". وقال:" وقرأت بخط القطب الحلبي «7»: كان فاضلا له معرفة، وكان مقتصدا في لباسه وأحواله متقللا من الدنيا «8» ".

_ (1) ذيل طبقات الحنابلة 2/ 366. (2) المصدر السابق. (3) المصدر السابق. (4) تعانى: العاني: الأسير من عنا يعنو، وهو طول الحبس فقد حبس نفسه حتى صار أسيرا لها [انظر منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص 229، 665 ولسان العرب 15/ 101 فما بعدها]. (5) هكذا التكرار في الألفاظ في الدرر. (6) الدرر الكامنة 2/ 154. (7) عبد الكريم بن عبد النور بن منير، حافظ الحديث، حلبي الأصل مصري الإقامة والوفاة من تصانيفه: تاريخ مصر، ومشيخة، وغيرهما توفي سنة 735 هـ (انظر البداية والنهاية 14/ 171، والأعلام 4/ 53). (8) الدرر الكامنة 2/ 154.

ونقل ابن حجر أيضا قول الكمال جعفر في الطوفي:" ولم يزل ملازما لاشتغال وقراءة الحديث والمطالعة والتصنيف وحضور الدرس معنا إلى حين سفره إلى الحجاز، وكان كثير المطالعة، وأظنه طالع أكثر كتب الخزائن بقوص، وكانت قوته في الحفظ أكثر من الفهم «1» ". كما نقل عن الذهبي قوله:" وكان- أي الطوفي- دينا ساكنا قانعا، ويقال أنه تاب عن الرفض «2» ". وقد وصفه ابن العماد بقوله:" الأصولي المتفنن «3» ". وقال صاحب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص 36:" البحر العباب، والغيث الذي يقصر عنه السحاب أبو الربيع سليمان نجم الدين ... ". قال الصفدي:" كان فقيها شاعرا أديبا فاضلا قيما بالنحو واللغة والتاريخ، مشاركا في الأصول «4» ". وقال اليافعي: «كان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا» «5».

_ (1) المصدر السابق 2/ 157. (2) المصدر السابق 2/ 155. (3) شذرات الذهب 6/ 39. (4) بغية الوعاة للسيوطي ص: 262. (5) مرآة الجنان 4/ 255.

2 - التعريف بالكتاب * سبب تأليفه * زمن ومكان تأليفه * منهج المؤلف فيه * مقارنة بينه وبين بعض ما ألف في موضوعه * المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في تأليف الكتاب * أهمية الكتاب العلمية * وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق

اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي: وردت تسمية الكتاب في مخطوطاته بالألفاظ التالية: 1 - على صفحة عنوان المخطوطة التي نقلت من خط المؤلف سنة 711 هـ أي في حياة الطوفي:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية". 2 - على صفحة العنوان من المخطوطة المنقولة من نسخة المؤلف أيضا سنة 749 هـ:" الانفصالات الإسلامية وكشف شبه النصرانية". 3 - على صفحة العنوان من مخطوطة للكتاب ضمن مجموع بمكتبة شهيد علي بتركيا برقم 2315:" الانتصارات الإسلامية وكشف شبه النصرانية". ووردت في الكتب التي ترجمت للطوفي، مثل ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والأنس الجليل (2/ 258) وكشف الظنون (1/ 174) هكذا: " الانتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية". وقد اخترت أن يكون عنوان الكتاب:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" وذلك لأن هذا هو عنوان الكتاب في المخطوطة التي نقلت من نسخته في حياته، وليس عليه ما يلاحظ من حيث اللغة أو مطابقته للموضوع. أما نسبة الكتاب إلى الإمام الطوفي- رحمه الله- فلم أجد خلافا فيها، وتتحقق صحة النسبة بأمور منها: 1 - وجود اسمه على جميع مخطوطات الكتاب. 2 - إحالته في الانتصارات الإسلامية .. إلى مجموعة من كتبه التي ثبتت نسبتها

إليه، مثل: الاكسير في قواعد التفسير، ودرء القول القبيح في التحسين والتقبيح، وتعاليق على الأناجيل، والقواعد الدمشقية، والقواعد الصغرى، وغيرها. 3 - أن أصحاب التراجم والطبقات يذكرون كتاب:" الانتصارات الإسلامية .. ضمن كتب الطوفي كلما ترجموا له، ومن الكتب التى ذكرته: ذيل طبقات الحنابلة والأنس الجليل، وكشف الظنون، في المواضع السابق ذكرها. 4 - أن الناظر في كتب الطوفي- مثل الاكسير في قواعد التفسير وشرح الروضة وغيرهما من كتبه المتعددة- وفي هذا الكتاب لا يجد تفاوتا بينها من حيث الأسلوب، والعرض والترتيب والتبويب. ومن كل هذه القرائن يعلم أن نسبته إليه صحيحة لا ريب فيها. والله الموفق.

سبب تأليف الكتاب: يهيئ الله تعالى للحق دائما من يبينه ويعلي رايته على الباطل، ويسخر سبحانه لذلك رجالا أكفاء يذبون عن هذا الدين، ويدحضون شبه الطاعنين بما آتاهم الله من العلم والفطنة والنور، كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ... (18) «1». فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذب عن الشريعة في حياته. ثم صحابته الكرام العالمون بأحكام الشريعة، المعايشون لنزول الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم تبعهم في ذلك التابعون والسلف الصالح وسيظل هذا الدفاع عن الحق إلى قيام الساعة: «لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» «2». ولقد تعرضت الشريعة الإسلامية في القرن السابع الهجري إلى هجوم شرس من النصارى الذين سخروا أقلامهم المسموعة في الحرب الفكرية العقدية المساندة لحروبهم الصليبية التي وجهت إلى العالم الإسلامي، فكانت تكتب الرسائل

_ (1) سورة الأنبياء، آية: 18. (2) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب (28)، وله ألفاظ متعددة عنده في مواضع من صحيحه، وأخرجه مسلم في الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حديث 247، وفي الإمارة، باب قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ... » حديث: 170 - 177، بألفاظ متعددة، وأبو داود في الباب الأول من الفتن والرابع من الجهاد، والترمذي في الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين، وابن ماجه في الباب الأول من المقدمة وأحمد في عدة مواضع من المسند منها (4/ 93).

والكتب المملوّة بالطعون والشبهات، وترسل إلى أوساط المسلمين لمحاولة تشكيكهم في عقيدتهم وشريعتهم، وتعقد المناظرات- مع بعض المسلمين طمعا في التغلب على فكرهم وتشويش أذهان العامة، والسخرية بدينهم، وانتشار بدعهم. ولكن الله ألهم علماء الإسلام فتصدوا لهذه الحرب الشعواء، وقارعوا الحجة بالحجة، فظهر الحق وبطل الباطل، وأمسى النصارى بكيدهم في نحورهم. وكان الإمام الطوفي- رحمه الله وعفا عنه- ممن تصدى للدفاع عن الإسلام ودفع منكر النصارى والملحدين والمرتدين عن الإسلام. فقد اطلع على كتاب ألفه بعض النصارى يطعن به في دين الإسلام، ويقدح به في نبوة نبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم-. قال- رحمه الله- في كتابه: تعاليق على الأناجيل، عند ما بدأ تعليقه على ما في الإنجيل:" احذروا من الأنبياء الكذبة ... «1»:" صدر بعض علماء النصارى بهذا الكلام كتابا صنفه في القدح في دين الإسلام والطعن على نبوة محمد- عليه السلام- وأرجو من الله سبحانه التخلي لمناقضته والرد عليه «2» " اهـ. وقد تحقق له ما طلبه من الله تعالى فألف هذا الكتاب:" الانتصارات ... ". ولم يذكر- رحمه الله- اسم النصراني، ولا عنوان كتابه، كما فعل أيضا عند ما ذكر سبب تأليف كتابه الآخر:" تعاليق على الإنجيل". وقد وجدت على صفحة عنوان نسخة:" الانتصارات ... " بمكتبة شهيد علي بالسليمانية بتركيا أن كتاب النصراني الذي رد عليه الطوفي هو:" السيف المرهق في الرد على المصحف".

_ (1) انجيل متى الإصحاح السابع. (2) تعاليق على الأناجيل ص 16 خ.

والذي يظهر لي- والله أعلم- أن النصراني من بلاد الغرب الأقصى، أو من بلاد الأندلس، لأنه نقل كثيرا عن تفسير ابن عطية الأندلسي «1» - رحمه الله- كما نقل عن كتب موسى بن عبيد الله «2» الفيلسوف المرتد عن الإسلام، وهو ممن عاش في الأندلس، ثم انتقل في آخر حياته إلى مصر. وهذا أيضا يدلنا على أن هذا النصراني قد ألف كتابه الذي رد عليه الطوفي في القرن السابع، أو أول القرن الثامن، وهو وقت طغيان الفكر الصليبي النصراني على العالم الإسلامي كما رأينا عند الحديث عن الحالة السياسية في عصر الطوفي. وقد تكون لبعض الناس محبة في الجدل والمناظرة، ولو على حساب الدين، والحق، فيطلب ذلك في مجالسه، كما هو حال بعض أهل الكلام المذموم.

_ (1) أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية المغربي الغرناطي المالكي، الحافظ القاضي بمدينة المرية بالأندلس، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من الهجرة، ونشأ في بيت علم وفضل فأبوه إمام وحافظ، وعالم جليل، وأبو محمد عارف بالأحكام. قال أبو حيان:" أجل من صنف في التفسير، وأفضل من تعرض فيه للتنقيح والتحرير" اهـ. كما أنه عالم في الحديث والنحو والأدب نثرا ونظما. مات- رحمه الله- بالرقة بالأندلس سنة ست وأربعين وخمسمائة من الهجرة. [انظر الديباج المذهب 2/ 57، ومقدمة تحقيق تفسيره]. (2) موسى بن عبيد الله، وقيل ابن عبد الله، والأشهر ابن ميمون بن يوسف بن إسحاق أبو عمران القرطبي الفيلسوف اليهودي الملحد، ولد سنة 529 هـ، وتعلم في قرطبة، وتنقل مع أبيه في مدن الأندلس، وتظاهر بالإسلام، وقيل: أكره عليه، وحفظ القرآن وتفقه على المالكية، ودخل مصر فعاد إلى يهوديته، وكان فيها رئيسا روحيا لليهود، وله تصانيف كثيرة في الطب والفلسفة بالعربية والعبرية منها دلالة الحائرين كما سيأتي. وغيره كثير توفي سنة 601 هـ ودفن بطبرية من أرض فلسطين (انظر الأعلام 7/ 329 - 330، ومعجم المؤلفين 13/ 41).

ولكن قد يضطر أناس إلى الجدل والمناظرة الشفوية أو التحريرية للدفاع عن الدين بعد نيل الأعداء منه، كما حصل لكثير من علماء الإسلام، مع النصارى وغيرهم- كما سبق- خاصة إذا أصبح خطر العدو يهدد كيان الأمة وأصبح في المجتمع بعض الجهال الذين قد يخدعون بما يأتي من شبهات عبر ما يكتب أو ينشر في أوساط المجتمع، ولذا خاض غمار هذا الجدل العلماء- رحمهم الله- ضد النصارى وغيرهم ومن هؤلاء العلماء نجم الدين الطوفي في هذا الكتاب وغيره، فقد أوضح في مقدمته أن الدافع له في الرد على كتاب النصراني الذي وصله: هو ما يخشاه من أن يستخف ما فيه من الشبه بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين يقول- رحمه الله-" فرأيت مناقضته ... ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف ذلك بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا وآنست عليه دليلا وبرهانا" اهـ. فهو- رحمه الله- لم يقدم على ذلك حبا في الخوض مع النصارى في هذه الشبه الباطلة، ولكن دفاعا عن دين الله، وعن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، ودفعا لهذه الشبه التي قد يغتر بها بعض ضعفاء الإيمان والمغفلين كما يحصل في كل زمان، وأحسبه في عصرنا هذا أكثر، لزيادة جهل المسلمين بإسلامهم، وبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد- صلّى الله عليه وسلم-، بل لحب كثير من المسلمين اليوم التبعية والتقليد للغربيين النصارى، والتعلق بالثقافة التي يقدمها هؤلاء النصارى لهم حتى في مجال شرائع الإسلام. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

زمن تأليف الكتاب ومكانه: أشار المؤلف- كما هي عادة كثير من المصنفين الأوائل- إلى تاريخ ابتداء تأليف الكتاب وتاريخ انتهائه. فقد ابتدأ تأليفه في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر شوال سنة سبع وسبعمائة من هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم. وكان الفراغ منه صبيحة يوم الاثنين السابع من شهر ذي القعدة المحرم من السنة نفسها. وقد أشار أيضا في أثناء الكتاب إلى تأريخ تأليف هذا الكتاب فقال:" فهذا اليوم سبعمائة سنة وسبع سنين «1» ". ولكن المؤلف- رحمه الله- أعاد النظر في الكتاب وصححه وألحق به ما خطر له من الفوائد اللائق إلحاقها، وانتهى من ذلك عشية يوم الأحد عاشر شوال سنة ثمان وسبعمائة هجرية. أما مكان تأليفه الكتاب فهو مدينة القاهرة، وذكر أنه صنفه في المدرسة الصالحية منها، وأعاد النظر فيه وألحق ما ألحق به وصححه في المدرسة المنصورية في القاهرة أيضا. منهج الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية: يقول- رحمه الله- عن منهجه في الكتاب:" فأوردت مناقضته حرفا من كلامه فحرفا، وأبنت مقاصد السؤال والجواب على وجه لا يخفى، مع تلخيص العبارة خشية الضجر والاملال، وتلخيص المعاني ونصوصيتها خيفة الإخلال

_ (1) ص 520 من كتاب الانتصارات.

والاختلال، وقدمت على ذلك مقدمات كلية تتضمن مباحث جلية، عليها يبني معظم الجواب، وبها يتيسر ظهور الصواب وعلى الله توكلي وإليه المآب". بدأ الطوفي رده على النصراني بذكر ثلاث مقدمات كلية ليبنى عليها معظم رده على أسئلة النصراني وشبهاته ومطاعنه تتلخص فيما يلي: 1 - سد باب الاستدلال على المسلمين بكتب الأوائل مطلقا، لعدم الوثوق بها وجرأتهم على تحريفها. 2 - أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يأت بما ينافي العقل، ولا يجوز فيه أو يدركه، وإن قصر عن إدراك مضمونه مما هو من التعبدات الشرعية التي أخبر بها النبي الصادق صلّى الله عليه وسلم. 3 - أن الشريعة لها أصول وفروع، ولا تثبت أصولها إلا بقاطع كالبديهيات والضروريات والمتواترات ونحوها، وأخرج خبر الواحد فادعى أنه لا تثبت به أصول الشريعة- وقد سبق الاعتراض عليه وبيان الحق والحمد لله-. ثم انتقل إلى الكلام عما ورد في كتاب النصراني على النحو التالي: 1 - ابتدأ مناقضته في أول ما افتتح به كتابه: وهو قول المسيح- على زعم النصراني-" احذروا من الأنبياء الكذابين الذين يأتونكم في لباس الضأن ... ". 2 - كان يورد جزءا من نص كتاب النصراني ثم يبدأ الإجابة عن هذا الجزء وهكذا إلى أن انتهى من الكتاب كله. لكنه أحيانا يترك ما يستطرد فيه النصراني مما لا حاجة إلى نقله والإجابة عنه.

وإذا أطال النصراني في بعض المواضع: اختصره الطوفي ثم أجاب عنه. يقول- رحمه الله-:" وما كان في عبارته من تطويل لخصته مع الإتيان بكمال المعنى وأعرضت عن مكافأته على سوء أدبه على النبي صلّى الله عليه وسلم بمثله لا إكراما له بل هوانا بقدره ومحله" اهـ. 3 - ختم الكتاب بعشر حجج هي خلاصة الكتاب. وزبدة الرد على النصراني، فالمناظرة إذا كانت مبنية على مقدمات مشتركة بين المتناظرين كالحكم بينهما فالخاتمة تكون لمن وافقت دعوته تلك المقدمات وقد ختم الطوفي كتابه بالحجج المذكورة ليثبت بها صحة دين الإسلام وصدق محمد- صلّى الله عليه وسلم-، وهو أسلوب مفيد جدا، وهو أسلوب الأدباء والعلماء البارعين. 4 - وقد كانت إجاباته متميزة بالموضوعية، فلا يخرج عن الهدف الذي يقصده النصراني، ولا يستطرد عند الإجابة فيما لا صلة له بالموضوع. 5 - التزم أدب الجدل والمناظرة إلى حد كبير جدا، آخذا بما أمر الله به في مجادلة أهل الكتاب في قوله تعالى: ولا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1». وقوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2» 6 - كان يسوق الأدلة من القرآن والسنة التي استدل بها النصراني وطعن فيها، ثم

_ (1) سورة العنكبوت: 46. (2) سورة آل عمران: 64.

يورد وجه استدلاله بها ثم يرد عليه. وأحيانا لا يذكر النصراني وجه الاستدلال بالنص الشرعي، أو وجه اعتراضه على النص فيورده الطوفي بناء على ما علمه من عادة النصارى وغيرهم من المرتدين عن الإسلام، وولعوا بإيراده من الاعتراضات على تلك النصوص. 7 - يبدأ الإجابة بتوجيه النصوص وتفسيرها وذكر أسباب النزول أو ورود الحديث إن وجد ذلك، ثم مناقشة الخصم ودحض ما قاله من شبهات. وله معرفة قوية بأقوال المفسرين، واختيار القول الذي عليه جمهور المفسرين، وله باع في الحديث والحكم عليه أحيانا، وليس كما رماه بعض من غاضه بأنه قليل البضاعة فيه كما تقدم عند الحديث عن علمه وآثاره العلمية. كما أنه كان يسوق بعض نصوص السيرة المشهورة عند أهل المغازي والسير، للاستشهاد بها عند الحاجة إليها. وكان يذكر بعض الإسرائيليات أيضا للاستشهاد بها كما يفعل بعض المفسرين. وهو في ذلك كله يعزو النصوص إلى مصادرها، ويسند الأقوال إلى قائليها. والآراء إلى أصحابها- إلا ما ندر- في حافظة عجيبة وأمانة علمية. 8 - كان يسوق الحجج العقلية في الرد على النصراني، وقد تميزت بقوتها خاصة وأن الطوفي من علماء أصول الفقه الذي يعطي العالم مراسا على وضع القواعد المنطقية لإثبات قضية من القضايا الشرعية بما يوافق نصوص الكتاب والسنة ولا يعارضها، ثم إنه متمرس في المناظرات والجدل العلمي في بغداد وغيرها كما سبق.

9 - كان يسلم للنصراني ما في كلامه من حق يوافق الكتاب والسنة أولا يعارض شرع الإسلام، وليس للنصراني- أو غيره- متمسك في ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة ظاهرة من الكتاب. 10 - كان يذكر أحيانا الرد على وجه الإجمال ثم يكر فيفصل الإجابة ويسوق الوجوه القوية في الرد على دعوى النصراني وافتراءاته. 11 - كان الطوفي يورد على الخصم ما يدعي أنه يؤمن به، ويزعم أنه الحق، من نصوص الكتب المتقدمة، كالتوراة والإنجيل، وهي توافق ما جاء به القرآن والسنة أو تخالف ما ادعاه النصراني، وهذا من أقوى الطرق في إفحام الخصم وفضح مقصده ورد كيده. وأرى أن هذا منهج عظيم في الرد على المخالفين أن يستدل عليهم بما عندهم. والنصوص التي عندهم يقرر الطوفي أنه وقع التحريف والتبديل على جملتها لا في كل قضية من القضايا متمسكا بما قاله النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1»» «2». وهذا يعني أن هناك ألفاظا لم تحرف فهي حجة عليهم، وقد يكون الغلط في تفسيرها وحملها على غير المعنى المراد منها، خاصة وأنها قد ترجمت من لغة إلى أخرى، فتعاورتها الأيدي والألسنة التي ربما تكون جاهلة بالمعاني وتفسير النصوص.

_ (1) سورة العنكبوت: 46. (2) سيأتي تخريج الحديث قريبا إن شاء الله.

12 - لم يكتف- رحمه الله- بالدفاع بل تعدى ذلك إلى مرحلة الهجوم على الخصم، وقد أتاه من مأمنه، فبين في عدة مواضع فساد دينهم المحرف وما هم عليه، وعدم الوثوق بما لديهم من الكتب المحرفة، وبين وجه تحريفهم لها وتناقضها بما لا يستطيعون الإجابة عنه. 13 - كشف في هذا الكتاب أن النصارى يتعبدون بغير ما في كتبهم التي يدعون صحتها وأنها المنزلة من عند الله، وأن دينهم الذي هم عليه لا تقره هذه الكتب، بل لقد كشف أن هذا النصراني لا نصرانيا متمسكا بدين النصارى ولا فيلسوفا محضا، وألمح بأنه لا يدين بدين من الأديان الصحيحة أو المحرفة. المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف كتابه هذا: لا ريب أن الإمام الطوفي كغيره من المصنفين الذين يعتمدون في مؤلفاتهم على كثير من المصادر التي تتحدث عن الموضوع الذي يصنف فيه. والمطلع على كتب الطوفي- رحمه الله- يدرك غزارة علمه وسعة اطلاعه على كثير من العلوم والفنون. ويلحظ قوة حافظته واعتداده بنفسه، وقوة حجته في مناقشاته. والقارئ لكتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" يرى كثرة مراجعه ومصادره التي اعتمد عليها، وإن كان لم يذكر جميع الكتب والمصادر التي رجع إليها، فهو إما أن يذكر المؤلف واسم كتابه، أو يكتفي بذكر المؤلف دون

كتابه وهذا قليل. وقد لا يذكر المصادر أو أصحابها إذا كانت المسألة مشهورة في فن من الفنون، إلا أنه مستقل بفهم ما تحدث عنه. وله وجهة نظره ورأيه الذي استقل به، فهو لا يتابع أحدا دون فهم. لقد نقل الطوفي في هذا الكتاب من كتب مختلفة ومتعددة وأكثر من كتب التفسير والحديث والسير، وكتب النصارى، وكتب أصول الدين وأصول الفقه والأدب واللغة وغيرها. وقد رأيت أن أذكر مصادره التي صرح بها على سبيل الاختصار، مرتبة على الفنون: أولا: مصادره في التفسير وعلومه: 1 - جامع البيان عن تأويل القرآن «1»: للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري «2». 2 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز «3»: للقاضي أبي محمد عبد الحق ابن

_ (1) طبع عدة طبعات. (2) محمد بن جرير بن يزيد، من أهل طبرستان، ولد سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة، وحفظ القرآن وعمره سبع سنين، وصلى بالناس وعمره ثمان، وكتب الحديث ولم يتجاوز بعد العاشرة. يقول عن نفسه أنه سمع نحوا من ألف حديث من شيخه أبي كريب. وهو من أكابر المفسرين، وتفسيره شاهد على ذلك. وتهذيب الآثار شاهد على براعته في الحديث. توفي- رحمه الله- سنة 310 هـ ببغداد. [انظر كتاب الإمام الطبري مفسرا للدكتور عبد الله المصلح، والتفسير والمفسرون 1/ 205]. (3) تطبعه وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب وقد وصلني منه تسعة أجزاء" إلى آخر تفسير سورة يوسف".

غالب بن عطية الأندلسي. 3 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: لأبي القاسم الزمخشري «1». 4 - تفسير القرآن «2»: للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني «3». 5 - تفسير الديار بكري «4». 6 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله القرطبي. 7 - الاكسير في قواعد التفسير: للمؤلف.

_ (1) محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي النحوي واللغوي، وصاحب البلاغة، والتصانيف الكثيرة، ولكنه من أكابر المعتزلة الذين حكموا العقل وقد موه على النصوص الشرعية، وقد شنع على مخالفيه في تفسيره هذا وغيره من كتبه، توفي ليلة عرفة سنة 538 هـ بجرجانية خوارزم على شاطئ جيحون. [انظر وفيات الأعيان 5/ 168 - 174، والأعلام 7/ 178]. (2) حققه الدكتور مصطفى مسلم الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. وهو في المراحل الأخيرة من الطباعة أثناء كتابة هذه الأسطر. (3) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم الصنعاني، نسبة إلى مدينة صنعا، وزيدت النون في النسبة إليها، وهي زيادة شاذة. ولد- رحمه الله- سنة 126 هـ، ورحل إلى الحجاز والشام والعراق. قيل: إنه متشيع، توفي باليمن سنة 211 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 9/ 563 - 580، ووفيات الأعيان 3/ 216 - 217، والبداية والنهاية 10/ 265]. (4) أشار إليه الطوفي بقوله عن خطر الكاهن" ذكره الديار بكري في تفسير قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ (الحجر: 18) وذكر له حكاية عجيبة" اهـ. ص، ولم أجد له ترجمة.

هذه الكتب التي صرح بالنقل منها في هذا الكتاب وإلا فقد راجع واستفاد من بقية كتب هذا الفن وكتب علوم القرآن وعلم القراءات مما يتصل بتفسير القرآن الكريم وعلومه. وقد أشرت إلى بعضها في الهوامش. ثانيا: مصادره من كتب السنة وعلومها: استفاد الطوفي- رحمه الله- من الكتب الستة وغيرها، وكان أغلب نقله منها، ومما صرح بالنقل فيه من كتب السنة وشروحها وعلومها: 1 - الجامع الصحيح المسند المختصر في أمور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسننه وآدابه «1»: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ. 2 - الجامع الصحيح: أو المسند الصحيح «2»: للإمام مسلم «3». 3 - السنن: للإمام أبي داود السجستاني «4».

_ (1) اشتهر بصحيح البخاري. (2) اشتهر بصحيح مسلم. (3) أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، من بني قشير، إحدى القبائل العربية المعروفة، النيسابوري، تلميذ البخاري، وأحمد بن حنبل، وصحيحه يلي صحيح البخاري في الصحة والقبول عند أكثر العلماء، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، ذكر له قصة في سبب موته وهي: أنه سئل يوما عن حديث فلم يعرفه، فانصرف إلى منزله، وأخذ السراج، وقد أهديت له سلة تمر، فأخذ يبحث عن الحديث ويأكل ويبحث عن حديث ويأكل تمرة حتى أصبح فثقل التمر في بطنه، ومرض من ذلك، وتوفي سنة 261 هـ. [انظر وفيات الأعيان 5/ 194 - 195، وتاريخ بغداد 13/ 100 - 109]. (4) سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو البغدادي الحنبلي، أمام أهل الحديث في زمانه،-

4 - الجامع الصحيح، المعروف بسنن الترمذي: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279 هـ. 5 - السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303 هـ. 6 - السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الربعي المشهور بابن ماجه المتوفى سنة 273 هـ. 7 - المسند: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241 هـ. 8 - معالم السنن «1» شرح سنن أبي داود: للإمام الخطابي «2». 9 - مختلف الحديث «3»، أو تأويل مختلف الحديث: للإمام أبي محمد بن

_ - رحل إلى البلدان، وأخذ عن مشاهير العلماء منهم أحمد بن محمد بن حنبل، وابن معين، قيل:" ألين له الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد"، توفي يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة 285 هـ، له ثلاث وسبعون سنة. (انظر المنهج الأحمد 1/ 257 - 258، وتاريخ بغداد 9/ 55 - 59) (1) مطبوع على هامش سنن أبي داود. (2) أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي. يقال: إنه من سلالة زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب، ولم يثبت ذلك. فقيه ومحدث لغوي أخذ الفقه عن القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة، وسمع الحديث من ابن الأعرابي بمكة وغيره سماه بعض المترجمين له أحمد، وهو غلط، وله من الكتب شرح الأسماء الحسنى، وشرح لصحيح البخاري، مات في بست سنة 388 هـ. [انظر طبقات الشافعية 2/ 218، ومعجم المؤلفين 4/ 74]. (3) سماه الطوفي كذلك. [انظر ص 689 من هذا الكتاب].

قتيبة «1». 10 - مشكل الآثار: للإمام أبي جعفر الطحاوي «2». 11 - رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلم: للإمام النووي «3». ثالثا: مصادره في السيرة النبوية: لقد ذكر الطوفي- رحمه الله- في كتابه هذا نصوصا كثيرة من كتب السيرة

_ (1) أبو جعفر أو أبو محمد أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، قاضي بغداد، ولد سنة 213 هـ بمرو، ونشأ وتعلم ببغداد، وهو من المنتسبين إلى مذهب أحمد وإسحاق، والمنتصرين لمذهب أهل السنة، وخطيبهم في عصره، له زهاء ثلاثمائة مصنف، يقول أهل المغرب: كل بيت ليس فيه شيء من تصانيفه لا خير فيه. توفي- رحمه الله- سنة 276 هـ بعد أكله هريسة في شهر رجب من تلك السنة. [انظر سير أعلام النبلاء 13/ 296 - 302، ووفيات الأعيان 3/ 42 - 44، والنجوم الزاهرة 3/ 75 - 76]. (2) الإمام المحدث أحمد بن محمد بن سلامة بن مسلمة بن عبد الملك الأزدي ثم المصري الشافعي ثم الحنفي والطحاوي نسبة إلى" طحا" قرية بمصر. ولد سنة 236 هـ. وتوفي ليلة الخميس مستهل ذي القعدة سنة 321 هـ[انظر نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض 3/ 10، وسير أعلام النبلاء: 15/ 27 - 33، والبداية والنهاية 11/ 174]. (3) محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين الشافعي الدمشقي، ولد بقرية نوى من قرى دمشق، سنة 631 هـ ونشأ بها ثم قدم دمشق وعمره تسع عشرة سنة، وقد حفظ القرآن. فلزم المشايخ فكان يقرأ في كل يوم اثنا عشر درسا عليهم. وكان لا يضيع شيئا من أوقاته. برع في الفقه والحديث. توفي سنة ست وسبعين وستمائة من الهجرة. [انظر الدليل الشافي على المنهل الصافي 2/ 775 - 776، والبداية والنهاية 13/ 278 - 279، وشذرات الذهب 5/ 354].

مما يتعلق بموضوعه ليوضح القضايا التي عرض لها بالشواهد الصحيحة والأدلة النقلية الثابتة ومما استفاد منه من كتب السيرة، وقد ذكرها في هذا الكتاب: 1 - السيرة النبوية: لابن هشام «1». 2 - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: للفقيه أبي القاسم السهيلي «2». 3 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم: للقاضي عياض «3». 4 - سيرة البكري، أو غزوة الأحزاب: لأبي الحسن البكري «4».

_ (1) أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، كان عالما بالأنساب واللغة وأخبار العرب. ولد بالبصرة ونشأ فيها، ثم نزل مصر، وتوفي بها سنة 213 هـ على الأرجح. [انظر الروض الأنف 1/ 7، والبداية والنهاية 10/ 267، والأعلام 4/ 166]. (2) الحافظ العالم باللغة والسير عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي، نسبة إلى سهيل من قرى مقالة الضرير، ولد في مقالة، وعمي وعمره سبع عشرة سنة ونبغ فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها سنة 581 هـ. [انظر وفيات الأعيان 3/ 143 - 144، والأعلام 3/ 313]. (3) عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي الأندلسي الغرناطي المالكي، ولد في منتصف شعبان سنة 476 هـ، لم يأخذ العلم في الصغر لكنه جد في طلبه حتى بلغ شيوخه المائة، له شعر رائق، ومصنفاته عديدة توفي سنة 544 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 20/ 212 - 218، ونسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض 1/ 3، والديباج المذهب 2/ 46 - 51]. (4) أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد، قصصي، قال فيه الذهبي:" واضع القصص التي-

5 - البشر بخير البشر: للأديب المفسر ابن ظفر «1». 6 - أعلام النبوة، أو دلائل النبوة: لأبي الحسن الماوردي «2». 7 - الوفاء في فضائل المصطفى صلّى الله عليه وسلم: لأبي الفرج ابن الجوزي «3».

_ - لم تكن قط" اهـ، ونعته بالكذاب الدجال. من قصصه: غزوة الأحزاب، وقصة إسلام الطفيل بن عامر الدوسي، لم تذكر سنة وفاته. وقيل في أواسط القرن الثالث من الهجرة. [انظر الأعلام 1/ 155 - 156]. (1) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي محمد بن ظفر الصقلي المكي. حجة الدين، الأديب الرحالة ولد بصقلية، ونشأ بمكة المكرمة، وسكن آخر الوقت حماة. وتوفي بها سنة خمس وستين وخمسمائة من الهجرة. [انظر وفيات الأعيان 4/ 395 - 397، والأعلام 6/ 230 - 231]. (2) علي بن محمد بن حبيب البصري، شيخ الشافعية في عهده، وصاحب المصنفات الكثيرة التي منها: الحاوي. اتهم بالاعتزال، ودافع عنه السبكي في طبقات الشافعية، ولي القضاء في بلاد كثيرة، وكان أديبا، مات يوم الثلاثاء سلخ ربيع الأول سنة 450 هـ عن عمر بلغ 86 سنة. [انظر طبقات الشافعية 3/ 303 - 314، والبداية والنهاية 12/ 80]. (3) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي الحنبلي. ينتهي نسبه إلى أبي بكر- رضي الله عنه- ولد في مشرعة الجوز من محال بغداد سنة 511 هـ، ولما بلغ ثلاث سنين توفي والده، فرعته أمه .. وحفظ القرآن، ثم برع في علوم كثيرة منها الحديث والفقه والخلاف والجدل والأصول التي أخذها على مجموعة من العلماء الكبار. كان أديبا واعظا مجيدا يرد على أصحاب البدع في مجالسه. كان المستضيء يحضر مجالسه، وقد سمع ابن الجوزي ينشد تحت داره يوما:

8 - الأمالي لابن مكة «1»: هكذا ذكره الطوفي- رحمه الله-. 9 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: للإمام البيهقي «2». 10 - قصص الأنبياء: للمؤرخ وثيمة بن موسى الوشاء «3».

_ - ستنقلك المنايا عن ديارك ... ويبدلك الردى دارا بدارك وتترك ما عنيت به زمانا ... وتنقل من غناك إلى افتقارك فدود القبر في عينيك يرعى ... وترعى عين غيرك في ديارك فجعل المستضيء يمشي في قصره ويقول: أي والله: وترعى عين غيرك في ديارك. ويكررها ويبكي حتى الليل. توفي ابن الجوزي سنة 597 هـ. [انظر طبقات الحنابلة 1/ 399 - 433، والبداية والنهاية 13/ 28، والأعلام 3/ 317]. (1) لم أجد له ترجمة. (2) أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردي: نسبة إلى خسروجرد ببيهق من نواحي نيسابور، الشافعي الحافظ، صاحب التصانيف الكثيرة، أوحد زمانه في الحديث وغيره. بلغت تصانيفه ألف جزء. توفي- رحمه الله- سنة 458 هـ بنيسابور. [انظر طبقات الشافعية 3/ 3 - 5، وشذرات الذهب 3/ 304 - 305]. (3) وثيمة بن موسى بن الفرات أبو زيد الفارسي المؤرخ المعروف بالوشاء، لأنه كان يتاجر في الوشى- ثياب تصنع من الإبريسم- نشأ في فارس، وخرج إلى البصرة ثم إلى مصر فالأندلس، ثم عاد إلى مصر، وتوفي فيها سنة 233 هـ. [انظر وفيات الأعيان 6/ 12 - 21، وشذرات الذهب 2/ 89، والأعلام 8/ 110].

رابعا: من مصادره في الأدب: 1 - ديوان امرئ القيس «1» الكندي. 2 - ديوان عنترة العبسي «2». خامسا: من مصادره في أصول الدين وأصول الفقه والتاريخ وغيرها: ذكر الطوفي بعض مصادره في هذه الفنون، ونحن نورد ما صرح به فقط: 1 - الرد على الزنادقة والجهمية: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل. 2 - القواعد الدمشقية في أصول الفقه: للمؤلف. 3 - الفوائد: للمؤلف. 4 - تقرير الثالوث: لابن الأشل النصراني «3». 5 - قانون التثليث: لابن الأشل النصراني. 6 - كتاب العظمة: لأبي جعفر بن حيان «4».

_ (1) ستأتي ترجمته ص: 589. (2) عنترة بن عمرو بن شداد بن قراد، أشهر فرسان العرب في الجاهلية، كانت أمه أمة حبشية. أغرم بابنة عمه" عبلة" فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها، اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، له ديوان شعر، يقال: إن أكثر ما فيه مصنوع، ويقال: إن قصة عنترة خيالية يعدها المستشرقون من بدائع أدب العرب. قتل في نحو السنة الثانية والعشرين قبل الهجرة. [انظر جمهرة أشعار العرب 2/ 481، والأعلام 5/ 91]. (3) لم أجد له ترجمة. (4) أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، أبو محمد الأنصاري الأصبهاني،

7 - المباحث المشرقية «1»: للفخر الرازي «2». 8 - درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح: للمؤلف. 9 - القواعد الصغرى: للمؤلف. 10 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر: للمؤلف. 11 - إفحام النصارى: للمهتدي ابن جزلة «3». 12 - منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" طب" للمهتدي الطبيب ابن جزلة. وقد رجع إلى غير هذه الكتب في هذه الفنون وغيرها، مما أعطى كتابه هذا قيمة علمية كبيرة.

_ - المحدث الحافظ، المفسر، المؤرخ، ولد سنة 274 هـ وطلب الحديث من الصغر، ورحل في طلبه إلى الموصل وحران والحجاز والعراق وله تصانيف كثيرة. توفي- رحمه الله- في سلخ المحرم سنة 369 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 16/ 276 - 280، والنجوم الزاهرة 4/ 136، ومعجم المؤلفين 6/ 114]. (1) سماه ابن خلكان في وفيات الأعيان (4/ 249): المباحث العمادية في المباحث العمادية. (2) أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين القرشي التيمي البكري المفسر، أحد فقهاء الشافعية المشاهير اشتهر بالتصانيف الكبار والصغار، له نحو مائتي مصنف، وأصله من طبرستان، من مواليد الري وينسب إليها ويقال له: ابن خطيب الري. رحل إلى خوارزم، وما وراء النهر وخراسان. وتوفي في هراة سنة ست وستمائة من الهجرة. [انظر البداية والنهاية 13/ 55، وطبقات الشافعية 5/ 33، والأعلام 6/ 313]. (3) أبو علي: يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي إمام الطب في عصره .. كان نصرانيا فأسلم في كهولته سنة 466 هـ، كان ذكيا صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، يداوي الفقراء من ماله، اتصل بالمقتدي بالله العباسي وصنف له عدة كتب منها هذا الكتاب الآتي:" منهاج البيان" رتبه على الحروف وجمع فيه أسماء الحشائش، والعقاقير والأدوية ... وترجم إلى اللاتينية سنة 532 م. وأما هذا الكتاب فألفه لما أسلم فرد به على النصارى وله كتب أخرى غير هذين. مات في شعبان سنة 493 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 19/ 180، والأعلام 8/ 161].

مقارنة بين كتاب الانتصارات الإسلامية وبعض ما ألف في الرد على النصارى: كان الصراع كما سبق مستمرا بين المسلمين والنصارى، سواء بالسلاح المادي، أو بالجدل والمناظرة، أو بالرسائل والكتب، وليس كتاب الطوفي هذا هو الوحيد في الرد على النصارى، سواء منه هو، أو من بقية العلماء في القرون المتقدمة عليه أو المتأخرة عنه، وليس هو وحده الذي رد عليهم في الفترة التي عاش فيها. فله كتابان آخران هما: تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر، وتعاليق في الرد على جماعة من النصارى، فالأول قد أشار إليه وأحال عليه في مواضع من كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية ... " والآخر لم يشر إليه فيه، وإن كان ألمح إليه في مواضع من كتاب الإشارات الإلهية، عند ما تحدث عن بعض شبهاتهم وعقائدهم في الحديث عن الآيات التي تتحدث عن ذلك، فيقول مثلا: «وقد تكلمنا عن ذلك في الرد عليهم»، كما أن المترجمين للطوفي ذكروه أيضا، والذي يظهر لي أنه ألفه بعد كتاب الانتصارات الإسلامية لأنه لم يشر في هذا الكتاب كما فعل ذلك بالنسبة إلى كتاب تعاليق على الأناجيل. وقد شارك عدد كبير من العلماء في الرد على النصارى من القرون الأولى إلي يومنا هذا، إما بإفراد مؤلفات خاصة بذلك أو ضمن كتب تتحدث عن الملل والنحل أو غيرها. ومما أفرد في الرد على النصارى في كتب مستقلة:

1 - المختار في الرد على النصارى: للجاحظ «1». 2 - الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل: للإمام أبي حامد الغزالي. 3 - مقامع هامات الصلبان ورواتع روضات الإيمان: لأبي عبيدة الخزرجي «2»، وقد طبعه الدكتور محمد أبو شامة. وحرف اسمه إلى:" بين الإسلام والمسحية" وفي تقديمه للكتاب أخطاء ليس المقام مناسب لذكرها. 4 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... للقرطبي. 5 - النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية: لنصر بن يحيى المتطبب «3». 6 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: للقرافي. 7 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية.

_ (1) أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، الليثي الجاحظ، إليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة أديب ماجن مشهور، ولد بالبصرة سنة 163 هـ وفلج في آخر حياته، وله مصنفات كثيرة منها: الحيوان، والبيان والتبيين وهذا الكتاب في الرد على النصارى. وليس هذا الكتاب على شهرته عند الناس. توفي سنة 255 هـ ببلدة البصرة. [انظر سير أعلام النبلاء 11/ 526 - 530، والبداية والنهاية 11/ 19، وتاريخ بغداد 12/ 212 - 220]. (2) أبو جعفر أحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة محمد بن أحمد ينتهي نسبه إلى سعد بن عبادة صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قرطبة وسكن غرناطة ثم بجاية، ثم استوطن" فاس" إلى أن مات بها، وله مشاركات كثيرة في الفقه، وعلوم القرآن، والسيرة النبوية والرد على المشركين والنصارى واسماع الحديث، الذي درّسه بجامع القرويين امتحن بالأسر ثم خلصه الله. توفي سنة 582 هـ. [انظر الديباج المذهب 1/ 215 - 216، ومعجم المؤلفين 1/ 274]. (3) نصر بن يحيى بن عيسى بن سعيد المتطبب، ولد من أبوين نصرانيين ثم نشأ على النصرانية إلى أن هداه الله إلى الإسلام. فألف هذا الكتاب في فضح عقيدة النصارى. [انظر مخطوطة كتابه المذكور بجامعة الملك سعود الرياض].

8 - تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب: لعبد الله الترجمان «1». 9 - منظومة الأبوصيري. 10 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: لابن قيم الجوزية «2». 11 - منحة القريب المجيب في الرد علي عباد الصليب: لعبد العزيز بن معمر «3». 12 - إظهار الحق: لرحمة الله الهندي «4». وغيرها كثير، قديما وحديثا.

_ (1) عبد الله بن عبد الله الترجمان الميروقي. ولد سنة 756 هـ في ميورقة إحدى جزر البليار أو الجزر الشرقية كان نصرانيا اسمه:" أنسليم تورميدا" وكان من أحبار النصارى، ثم تسمى عبد الله بن عبد الله بعد إسلامه واشتهر بالترجمان لأنه استقر مع أمراء الحفصيين بتونس يترجم الرسائل الواردة إلى ديوان السلطان. توفي سنة 832 هـ. [انظر ترجمته الوافية في رسالة الماجستير: تحفة الأريب ... تحقيق ودراسة الشيخ محمد البريدي ص 36 فما بعدها، وانظر معجم المؤلفين 6/ 78]. (2) شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي الحنبلي، وابن قيم الجوزية: لأن أباه كان قيما على مدرسة" الجوزية" بدمشق. ولد في بيت علم وفضل سنة 691 هـ أخذ الفرائض عن أبيه والفقه عن المجد الحراني والأصول على الصفي ... أما شيخه الأكبر فهو ابن تيمية فقد لازمه أربعين سنة. ولابن القيم مكانته العلمية ومصنفاته كثيرة جدا توفي رحمه الله سنة 751 هـ. [انظر البداية والنهاية 14/ 234، وشذرات الذهب 6/ 168 - 170]. (3) عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن معمر. ولد في الدرعية سنة 1203 هـ، ونشأ في حجر العلماء، ومنهم أبناء المجدد محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- وكان عبد العزيز أديبا فقيها تقيا ورعا. له عدة مصنفات ورسائل، وأشعار منها: اختصار نظم ابن عبد القوي للمقنع. توفي- رحمه الله- سنة 1244 هـ ورثاه كثير من الأدباء والعلماء. [انظر ترجمته بقلم الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ في مقدمة كتاب منحة القريب ... ]. (4) رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي الحنفي نزيل الحرمين، كان كتابه هذا نتيجة للمناظرة التي جرت بينه وبين القس فندر. وطبعت المناظرة في كتاب مستقل. له صحبة بالشيخ دحلان أيام مجاورة رحمة الله بمكة المكرمة. وله كتب غير هذا الكتاب. توفي بمكة سنة 1306 هـ. [انظر الأعلام 3/ 18، ومقدمة: إظهار الحق بتحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا].

ومن الكتب التي تضمنت الرد على النصارى ولم تفرد لذلك: 1 - الفصل في الملل والنحل: لابن حزم الأندلسي «1». 2 - المغني في أبواب التوحيد والعدل: للقاضي عبد الجبار «2». 3 - الملل والنحل: للشهرستاني «3». ومن ذلك أيضا كتب دلائل النبوة وغيرها.

_ (1) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة سنة 384 هـ وكان أبوه وزيرا للحاجب المنصور، كان على أول أمره شافعي المذهب، ثم أداه اجتهاده إلى نفي القياس كله والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والسنة والقول بالبراءة الأصلية ... ، كان يسيء الأدب مع الأئمة الكبار، فأعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة. توفي أبو محمد سنة 456 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 18/ 184 - 212، والبداية والنهاية 12/ 91 - 92 ووفيات الأعيان 3/ 325 - 330]. (2) أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل الهمذاني الأسدآباذي المعتزلي الشافعي، ولي قضاء القضاة بالري، وتوفي بها سنة 415 هـ. وهو في التسعين من عمره تقريبا، تصانيفه كثيرة. [انظر سير أعلام النبلاء 17/ 244 - 245، وطبقات الشافعية 5/ 97 - 98]. (3) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد المتكلم الفقيه الشافعي، الأشعري، ولد سنة 467 هـ بشهرستان وقيل سنة 679 هـ، اتهم بالتشيع وكان كثير الحفظ حسن المحاورة، دخل بغداد سنة 510 هـ وأقام بها ثلاث سنين، وظهر له قبول كثير عند العوام، له تصانيف كثيرة منها: نهاية الاقدام في علم الكلام، وغيره. توفي في شهرستانة سنة 549 هـ وقيل غير ذلك. [انظر وفيات الأعيان 4/ 573 - 775، وسير أعلام النبلاء 20/ 286 - 288].

وسأخص بحديثي في هذه المقارنة ما كان منها مفرد للرد على النصارى دون غيرها، كما أنني سأجعل المقارنة وضرب الأمثلة بالكتب المهمة التي تغني عن باقيها على وجه العموم. إن المطلع على الكتب المذكورة آنفا يجد أنها قد اشتركت في عدد من القضايا الهامة في الرد على النصارى، فقد اشتركت في مناقشتهم في الأمور التالية: 1 - إبطال قول النصارى بألوهية عيسى وربوبيته، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو إنه إله من جهة أبيه، وإنسان من جهة أمه. على اختلاف مذاهب النصارى في ذلك. 2 - رد قول النصارى بالتثليث، والأقانيم الثلاثة، الأب والابن وروح القدس إله واحد، على تفسيراتهم التي لا يقبلها عقل عاقل. 3 - رد قولهم بالاتحاد والحلول، على اختلاف بين فرقهم في كيفية ذلك. 4 - وقوع التحريف والتبديل في الكتب التي بأيدي النصارى، ووقوع ذلك في دين النصارى، ومخالفة ما يتعبدون به، لما يدعونه صحيحا من الكتب التي بأيديهم، وعدم الوثوق بهذه الكتب. 5 - إثبات نبوة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، وتأييده بالمعجزات والبشارة به في كتب الأنبياء السابقين والكتب التي بأيدي النصارى. 6 - إبطال قول النصارى في الصلب والفداء. وهذه القضايا هي أصول عقيدة النصرانية، وإبطالها هدم لعقيدتهم من القواعد، وكشف للعقلاء بأن النصارى ليسوا على شيء في دينهم. وأنه لا يقبل لهم قول في إبطال دين الإسلام.

غير أن أغلب هذه الكتب لم يقتصر على القضايا المذكورة، بل تعرضت للرد على شبه كثيرة تولع النصارى بإيرادها للطعن في الإسلام: في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وفي الأحكام التي تضمنها الإسلام في العبادات والمعاملات، وغير ذلك. ثم إن ما وصل كل عالم من هؤلاء العلماء من شبهات النصارى غير ما وصل الآخر، إلا نادرا، وقد تتفق كثير من الشبه في مضمونها ولكن تختلف في أسلوبها وعرضها على المسلمين. ولكل كتاب من الكتب المتقدم ذكرها أسلوب ومنهج يختلف عن الآخر في مناقشة القضايا السابقة والشبه المثارة، من حيث الإسهاب والاختصار وإيراد الحجج العقلية المنطقية، وكيفية تناول هذه القضايا والطريقة التي اختطها كل مؤلف من هؤلاء المصنفين، في شبه النصارى ودحض زيفهم. فبعضهم يرى أنه لا يليق بالعاقل أن يطيل الحديث مع النصارى في هذه القضايا وغيرها من الشبه التي يوردونها، فسلك مسلك الاختصار، ورد عليهم بردود عقلية موجزة، لأنه في نظره لا يليق بالعاقل أن يؤهلهم للحديث معهم وقد عجزوا عن تصوير دينهم الذي يدعونه، فضلا عن إقامة الدليل عليه، كما فعل القرافي في الأجوبة الفاخرة. ومن نهج منهجه في الاختصار. وبعضهم يرى أن الرد بتوسع وإسهاب قد لا ينتفع به القارئ أو السامع، فيستحسن أن يكون الرد واضحا لا يخفى مع تلخيص العبارة وتخليص المعاني ونصوصيتها، خشية الضجر والإملال من السامع أو القارئ، والإخلال بالموضوع في الخروج عن المقصود، واختلال الفكرة وصعوبة الفهم مع التطويل والاستطراد. وهذا هو رأي الطوفي- رحمه الله- وهو ما سلكه في كتاب الانتصارات الإسلامية.

وبعضهم قد أفاض في الحديث مع النصارى ومناقشاتهم في هذه القضايا وغيرها فسلك مسلك الطول والإسهاب، وتوسع واستطرد في بعض القضايا التي قد يكون لها صلة، أو مناسبة، وذلك لأن الرد على شبه الخصم التي يثيرونها ضد الإسلام تحتاج الإجابة عليها في نظره إلى إحاطة وإحكام، لئلا تجد قلوبا ضعيفة، وعقولا خالية، فيلتبس الحق بالباطل ... وهذا منهج ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح. ثم إن هناك أمرا آخر وهو السبب أو الدافع لتأليف الكتاب: فأكثر من رد على النصارى إنما فعل ذلك ردا على رسالة وصلت إليه أو كتاب اطلع عليه يطعن في دين الإسلام، وقد تكون الرسالة أو الكتاب متضمنا لقضايا غير التي ذكرت سابقا فلا يتحدث إلا فيما يهدف إليه الكاتب النصراني، ويكون حديثه عن هذه القضايا أو غيرهما من الشبه على قدر ما تستحق، ويرى ذلك كافيا في الرد على النصارى. كما يتضح من مقامع هامات الصلبان مثلا. وقد يكون لسعة العلم والاطلاع وعلو منزلة المؤلف ومقدرته العلمية أثر في التوسع والاقتصاد في الحديث مع النصارى في كل ما يتعلق بعقيدتهم أو الشبهات التي يثيرونها. ثم إن كل كتاب من هذه الكتب ألف في وقت يختلف عن الوقت الذي ألف فيه الآخر كتابه، من حيث الظروف السياسية والثقافية والفكرية والعقدية مما جعل كل واحد منهم ينهج في رده على النصارى ما يناسب فكره وعقيدته. فهذا الجاحظ من السابقين في التصدي لشبهات النصارى إلا إنه لم يوفق في مناقشتهم على المذهب الحق الذي كان عليه الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، لأنه بنى مناقشته لهم على مذهبه الفاسد في تقديم العقل على النقل،

وتأويل النصوص وصرفها عن حقائق ألفاظها الظاهرة إلى احتمالات مرجوحة وتأويلات فاسدة. ومما يشهد بذلك قوله في الرد على النصارى:" وأنت تعلم أن اليهود لو أخذوا القرآن فترجموه بالعبرانية لأخرجوه من معانيه، ولحولوه عن وجوهه. وما ظنك بهم إذا ترجموا فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ... (55) «1» و ... ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) «2» ... ، وقد تعلم أن مفسري كتابنا وأصحاب التأويل منا أحسن معرفة، وأعلم بوجوه الكلام من اليهود ومتأولي الكتب، ونحن قد نجد في تفسيرهم ما لا يجوز على الله في صفته: لا عند المتكلمين في مقاييسهم، ولا عند النحويين في عربيتهم ... «3» " اهـ. هذا مع أن رده قوي لا أنكر ذلك. وهذا الأبوصيري قد تأثر رده في منظومته بما ينتحله من مذهب الصوفية حتى أنه قال فيها: وإذا تعسرت الأمور فإنني راج لها بمحمد تسهيلا «4» وهذا الغزالي يدعو في رده الجميل على النصارى إلى التأويل المذموم فهو يقول في أول رده:" ... فلا بد من تقديم أصلين متفق عليهما بين أهل العلم: أحدهما: أن النصوص إذا وردت فإن وافقت المعقول تركت ظواهرها وإن خالفت صريح المعقول وجب تأويلها واعتقاد أن حقائقها ليست مرادة فيجب إذ ذاك ردها إلى المجاز «5» " اهـ.

_ (1) سورة الزخرف، آية: 55. (2) سورة طه، آية: 39. (3) المختار في الرد على النصارى ص 108 - 109. (4) منظومة الأبوصيري ص 20، البيت" 283". (5) الرد الجميل ص: 166.

قلت: وهذا غير الصواب والحق، فإن النصوص الشرعية الصحيحة لا تعارض المعقول أبدا، ولكن قد يكون فهم الإنسان قاصرا سقيما فيظن أنها تخالف العقل، وإلا فإن الله لا يخاطب العقول بما تحار فيه وتعجز عن فهمه. واللفظ لا يصرف من معناه الراجح الظاهر إلى المعنى المرجوح إلا اذا صحب الكلام قرينة توجب ذلك، ويكون حينئذ معناه هو المراد. كما أن بعض هؤلاء المصنفين على مذهب الأشاعرة وخاصة في صفات الله تعالى ولا يتيسر الآن ذكر ما لاحظته في ذلك لأنه يطول. وأضيف إلى هذا أيضا: إن بعض مؤلفي كتب الرد على النصارى كانوا على دين النصرانية المحرفة فلما هداهم الله تعالى إلى الإسلام ردوا على النصارى وبينوا ما هم عليه من زيف وضلال، فكانوا أخبر من غيرهم في كشف أشياء من عقيدة النصارى، وأعمالهم قد تخفى على غيرهم، ولا يبيح بها النصارى، كما يتضح لنا من كتاب: النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية للمهتدي نصر بن يحيى المتطبب، ومن كتاب: تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب، للمهتدي عبد الله الترجمان «1»، ولكن لم يكونوا على درجة علمية تضاهي درجة العلماء البارزين

_ (1) في قصة إسلام عبد الله الترجمان أكبر شاهد على ما تقدم، فقد ذكر- رحمه الله- أن النصارى يوما اختلفوا في تفسير ما ورد في الإنجيل:" إنه يأتي من بعدي نبي اسمه الفارقليط"، فذهب إلى القس الذي كان يخدمه وصار أخص الناس إليه، فطلب منه الإجابة بإلحاح فبكى القس وأخبر عبد الله بأنه يخاف عليه إن أطلعه على تفسير" الفارقليط" أن يقتله النصارى، فأوعده عبد الله بألا يفشي هذا السر، فأخبره القس بأنه اسم من أسماء نبي الإسلام محمد صلّى الله عليه وسلم وأن دينه هو الحق، وأن النصارى لم تكن على دين عيسى- عليه السلام- وأن دين الأنبياء واحد، وأوصاه بالدخول في دين الإسلام ... " فهذه أسرار مكتومة عند قساوسة النصارى الكبار لا يعلمها بقيتهم، ولم يطلع المسلمون عليها إلا بواسطة هؤلاء المهتدين إلى دين الإسلام ممن كانوا نصارى. وغير هذا الشاهد كثير.

كأمثال ابن تيمية والقرافي والطوفي، وغيرهم لصعوبة اللغة على بعض أولئك أو قلة تمكنه من العلوم الشرعية وفنونها كأصول الفقه والمنطق وغير ذلك. وقد اتفق هؤلاء جميعا في الاحتجاج بما عند النصارى من الكتب على بطلان ما يتعبدون به، وما يدعون أنه الدين الحق. مع دخول التحريف والتبديل على تلك الكتب، وذلك من باب إلزام الخصم بما عنده، ويدعي أنه يؤمن به. لكن قد يكون بين هؤلاء العلماء فرق كيفية الاستدلال بتلك النصوص واستنباط ما فيها مما يشهد على هؤلاء النصارى. والطوفي- رحمه الله- له التجربة الدقيقة والخبرة الكافية في سبر كتب القوم والتعرف على مواطن الضعف وتوضيح وجوه الطعن فيها، كما يتضح ذلك من كتابه: تعاليق على الأناجيل، ومن كتاب الانتصارات الإسلامية أيضا. كما أن من هؤلاء العلماء من كان على دين النصارى ثم هداه الله إلى الحق فكان أخبر بهذه النصوص والمقصود منها، خاصة وأن بعضهم كان قد وصل إلى مرتبة الإقراء، والشرح لها، كالشيخ عبد الله الترجمان- رحمه الله-، ونصر بن يحيى المتطبب، ولهم تجربتهم مع هذه الكتب وفهم مدلولاتها عند النصارى وقساوستهم. غير أن بعض العلماء الذين احتجوا بنصوص الكتب التي بأيدي النصارى قد أسهبوا كثيرا في ذلك كالشيخ رحمة الله الهندي- رحمه الله-، وإن كان له عذره في ذلك- وهو أن كتابه: إظهار الحق ثمرة للمناظرة الكبرى التي دارت بينه وبين القس فندر «1»، أحد طلائع الاستعمار الصليبي في الهند، الذي لا يؤمن بشيء من

_ (1) أحد القساوسة الذين كانوا في الهند أيام الاستعمار البريطاني لها.

تلك الكتب، فقد أراد الشيخ رحمة الله أن يبين زيف ما عليه النصراني وقومه من ضلال بشهادة كتبهم التي بأيديهم، ثم إنه جعل ذلك هجوما على هؤلاء النصارى بما يدعون أنه صحيح وليس كذلك. وقد كان بين هذه الكتب التي ردت على النصارى اختلاف في طريقة العرض. فبعضهم كان يسرد رسالة النصراني، أو شبهات النصارى كاملة ثم يبدأ بالرد عليها بعد ذلك بأن يتناول كل شبهة بالرد حتى ينتهي من مناقشة تلك الشكوك والشبهات. كما فعل الخزرجي في مقامع هامات الصلبان. ولعل في ذلك خطرا على من يقرأ الشبهة بعيدة عن الإجابة، والأحوط عرض الشبهة واتباعها بالإجابة حسب ترتيب الرسالة، كما فعل الطوفي وابن تيمية والقرافي وابن معمر- رحمهم الله تعالى-، فإن في ذلك محافظة على نص الرسالة أو الكتاب، وسلامة من خطر علوق الشبهة في ذهن القارئ قبل الوصول إلى الإجابة عنها في موضع بعيد من الكتاب. ومنهم من كان يأخذ جزءا من كلام النصراني ثم يعقبه بالرد والمناقشة فيقول: قال النصراني أو النصارى كذا. والجواب عنه كذا وكذا، وهذا ما فعله الطوفي وابن تيمية وابن معمر والقرافي- رحمهم الله تعالى- كما سبق-. كما أن من العلماء من كان يسرد الإجابة على شبه النصارى سردا بأسلوب لاذع تعتريه العاطفة أحيانا ويشوبه السجع المتكلف أحيانا، فهذا القرطبي في الإعلام والخزرجي في المقامع وعبد الله الترجمان في تحفة الأريب يلجئون أحيانا كثيرة إلى عبارات التشنيع والهجاء التي يستحقها النصارى وأكثر، لكن بعض المصنفين يلتزم الموضوعية في المناقشة، والهدوء التام في الجدل والمناظرة، والاهتمام بالفكرة المطروحة التي قد يكسب المناظر في نهايتها الجولة على خصمه

وابن تيمية كان مثالا في ذلك، والطوفي وابن معمر والقرافي ورحمة الله الهندي ونصر بن يحيى المتطبب إلى حد كبير جدا. كما أن هناك أمرا آخر له أهميته في الاستفادة من تلك الكتب وهو حسن الترتيب والتبويب. فقد سلك بعض هؤلاء العلماء طريقة الأسئلة والأجوبة في عرض قضايا الكتاب ومناقشة النصارى فيعرض الشبهة في سؤال، ثم يتبعه بالإجابة عنه، ولأجل التوضيح للمباحث وتيسير المادة العلمية، يتبع طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام، للإجابة الواحدة حتى يزيل الإشكال ويظهر المقصود. وهذا ما فعله القرافي- رحمة الله عليه-، مع أنه جعل كتابه في أبواب أيضا. وقد شاركه في طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام: الطوفي وابن تيمية- رحمهما الله تعالى- وابن معمر- رحمه الله- إلى حد كبير. غير أن آخرين سلكوا مسلك التبويب والتقسيم إلى فصول تحت الأبواب فجعلوا تحت كل باب ما يناسبه ثم تحت كل فصل ما يناسبه أيضا من موضوع الباب. وقد يختم بعضهم بخاتمة للكتاب تشتمل على ما يراه مناسبا للذكر آخر الكتاب كما فعل القرطبي في الإعلام، ورحمة الله الهندي في إظهار الحق مثلا. مع أن بعضهم جعل التقسيم إلى فصول، وأدخل تحت كل فصل ما يناسبه كما فعل الترجمان- رحمه الله- في تحفة الأريب، وإن كان قد خالف قاعدة المصنفين في التبويب والتقسيم فأدخل تحت الفصل الأخير من كتابه تسعة أبواب، مع أن الباب أشمل من الفصل، ولكن عذره في ذلك صعوبة اللغة العربية وقت تأليفه الكتاب، وقرب تعلمه إياها. بقي أن أشير في هذا الموضوع إلى أن بعض العلماء جعل الحديث في كتابه

مقسما إلى مقامات، جعل تحت كل مقام ما يناسبه، كما فعل ابن معمر- رحمه الله- غير أنه استعمل كلمة" فصل" للفصل بين الموضوعات أو الفقرات تحت المقام. وقد استعمل ابن تيمية طريقة الفصول أيضا في الفصل بين الفقرات والموضوعات. وإذا كان لكل مؤلف أسلوبه الخاص به، ومنهجه الذي يرتضيه فإن ذلك لا يقلل من شأن كتاب من هذه الكتب، ولا يجعلنا نستغني بأحدها دون البقية، وعلينا أن نستفيد منها جميعا، فإن بعضها مكمل للآخر، ولو اطلع المسلمون اليوم على جميع هذه الأسفار الجليلة في الرد على النصارى لما عجزوا عن دفع الشبه التي يطرحها عباد الصليب والهوى، وأذنابهم في كل حين، بين صفوف المسلمين، ولكانت لدينا القدرة التامة على رد كيدهم في نحورهم، وبيان زيف ما هم عليه من الضلال، ولاستطعنا أن ندعو كثيرا من النصارى اليوم، وكثيرا ممن لم يعرف حقيقة الإسلام للدخول في الدين الحق بعد تعريفهم فساد ما هم عليه، وأن الإسلام وحده هو الحق الصالح لكل زمان ومكان. وخلاصة القول: إن كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، ذو مكانة كبيرة بين الكتب المصنفة في الرد على النصارى، يتضح ذلك جليا مما سبق في منهج صاحبه فيه، ومما تميز به من الدقة والموضوعية وحسن الترتيب، وقوة الحجة، ووضوح المعاني، وسعة العلم والاطلاع، مع عدم التطويل والاستطراد الممل. ولأضرب مثلا مما اشترك فيه الطوفي مع بعض من رد على النصارى، وذلك بمسألة تعدد الزوجات التي أنكرها النصارى فالخزرجي- رحمه الله- يقول

في الرد على النصارى:" وأما استدلالك على باطلنا بما في كتابنا، من نكاح مثنى، وثلاث، ورباع، فحسبي هذا الاستدلال شهيدا على تخلفك، فإن الذي أمرنا الله به من النكاح، وسن لنا من الطلاق، ليس للعاقل انتقاده لأن قبولنا لذلك وما أشبهه، إنما هو بعد ثبوت الأصل. وإنما الأصل أن نتحقق نبوة الشارع، ونتبين صدق رسالته، بشواهد آياته الباهرة، ومعجزاته الطاهرة. فإذا أردت النظر في هذه الفروع بانتقاد فهلم أريك عجبا: ألستم قد اتفقتم معنا على أن نكاح الرجل عمته من سوء الأفعال؟ وهذه" يوكابد" أم موسى، كانت عمة والدة عمران «1»، وعمران من فضلاء المؤمنين. وكذلك الجمع بين الأختين بنكاح من مقبحات الشرائع أيضا! وقد علمت أن اسرائيل جمع بينهما «2»، فما بال عيناك أبصرتا في كتابنا شيئا، وعميتا عن الأكبر منه في كتابك!. أما إنك لتراه، ولكن رضاك عن فاعليه، وبصيرتك في أنهما محقان، منعك من انتقاد ما فعلاه. وكذلك الأمر فيما شرع لي كتابي، وإنما يتقدم النظر في الأصول التي هي آيات صدق الرسول.

_ (1) انظر خروج 6: 20. (2) انظر تكوين 29: 15 - 20.

وأما هذا الذي اعترضت به منكرا، فجهل قد استولى عليك، والله يهديك ويرشدك. ولو كان الله أمر- كما زعمت- بالاقتداء بآدم في تزوجه بامرأة واحدة فهل علم بذلك إبراهيم؟ وما أراه إلا تزوج وتسرى في وقت واحد «1». ولوط- عليه السلام- زعمت أنه فتك بابنتيه، فحبلتا منه بموآب، وعمون نستغفر الله من قولكم. ثم إن إسرائيل قد كان عنده، عدة أزواج، جمع فيها بين الأختين. وهذا كله منصوص في توراتكم، وكذلك من بعدهم من الأنبياء- عليهم السلام- إلى داود وسليمان، فقد علمتم مناكحهم «2». وهل اقتصر آدم على واحدة إلا من ضرورة العدم عند بدء خلق البشر! ولهذه الضرورة زوج ابنه ابنته، فيجب بناء على مذهبك الاقتداء به، فينكح الرجل اخته، فأنت القائل لذلك الهذيان، تعيب به من خالف توراة اليهود. ثم إنك- مع ادعائك الإيمان بها حرفا حرفا- مخالف لها أشنع الخلاف، ماح بعقائدها، مبدل لأحكامها، فمن حلالها نكاح بنت الأخ والأخت وأراكم تأنفون من ذلك مثل ما نحن قد أنفنا منه. ومن محرماتها الخنزير والدم والجمّل، والشحم وغير ذلك، مما هو مشهور،

_ (1) انظر سفر التكوين الاصحاح السادس عشر. (2) انظر صموئيل الأصحاح 25، الملوك الأول الأصحاح الحادي عشر.

وأنت قد أرسلت عليها ضرسك، ونشرت لها بطنك، إلى غير ذلك من مخالفتك إياها «1» ". ويقول ابن معمر- رحمه الله-: في منحة القريب المجيب:" الجواب، وبالله التوفيق: أن نقول: ما شرعه الله تعالى للمسلمين في عدد الزوجات مطابق للحكمة، فإنه جاء وسطا بين الإكثار منهن المفضي إلى تفويت الحقوق الواجبة لهن، وتحمل الرجل ما لا طاقة لديه به من أعباء حقوق الزوجية، وبين الإقلال الذي قد تفوت معه مصلحة كمال الاستمتاع، وكثرة الأولاد، والتمتع بنعمة الله، التي امتنّ بها على عباده، فأباح تعالى للرجل أن ينكح أربعا إن قدر على القيام بحقوقهن، والعدل فيهن، وأمره بالاقتصار على واحدة إن خاف أن لا يعدل فقال تعالى: ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «2». والمقصود أن في إباحة العدد من الزوجات حكما عظيمة، ومصالح جمة، فمنها: أن الرجل قد لا تكفيه الواحدة لفضل ما أعطي من القوة على النكاح أو لما يترتب له على التعدد من المصالح المطلوبة، فأبيح له العدد المذكور من الزوجات، وما شاء من السراري، إتماما لنعمة الله عليه، وتحصينا لفرجه، ومنها أنه قد يعرض للمرأة ما يمنع استمتاعه بها من حيض أو نفاس، أو مرض أو غيبتها عنه لعذر، أو سفره عنها، فأبيح له التعدد لتحصيل المصلحة، وإتمام الإحصان، ومنها أن المرأة قد تكون عاقرا لا تحبل، أو يعرض لها ما يقطع الحبل من كبر أو مرض،

_ (1) مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية" ص 320 - 322. (2) سورة النساء: 3.

وهو يؤثر امساكها، وأن لا يفارقها، فلو اقتصر عليها فاته الولد، وهو من النعم العظيمة، وفيه تكثير الأمة، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم» «1» ومنها: إن في إباحة العدد مصلحة تعود على جنس النساء، فإنهن غالبا أكثر من الرجال، ففي إباحة التعدد من مصلحة إحصانهن، والقيام عليهن، ما يفوت كثير منه لوضع التعدد، وأما ما يحصل للمرأة من مشقة الغيرة بتزويج غيرها، فذلك لا يوازي تلك المصالح، ولا يقارب. وأيضا فإن للرجال مزيد فضل على النساء بتفضيل الله لهم، وبما أوجب عليهم في أموالهم من الانفاق على النساء، والقيام بهن، فناسب ذلك، وإن قصرت عليه أن يوسع له في قضاء وطره بغيرها إذا أحب ذلك، ولم يقصر عليها. وأما كون كثرة النساء يزداد فيه الشره في النكاح، فقد قدمنا الكلام على فضيلة النكاح بما أغنى عن إعادته، وما ترتب عليه الزيادة في الفضيلة، فهو فضيلة، ولهذا استكثر النبي صلّى الله عليه وسلم منهن، وأبيح له من العدد ما لم يبح للأمة، وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- خير هذه الأمة أكثرها نساء. وبالجملة إذا اعتبرت ما شرعه الله تعالى لهذه الأمة في هذا الباب وجدته على أحسن وجوه الحكمة، وأكمل طرائق المصلحة، كما هو كذلك في كل باب فلله الحمد" «2».

_ (1) أخرجه أبو داود في النكاح باب (4)، وابن ماجه في أول النكاح، والنسائي في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم. وأحمد في المسند (3/ 158، 245) وصححه ابن حبان. [كشف الخفاء 1/ 362]. (2) منحة القريب المجيب ص: 312 - 314.

أما ما قاله الطوفي في هذه القضية فاقرأه في ص 627 إلى ص 646 من هذا الكتاب لتقارنه بما ذكرت هنا. أما القضايا والمسائل التي تعرض لها غالب الذين ردوا على النصارى فلا يتسع المقام لذكر نماذج منها، لأن ذلك يطول. فمثلا قضية الصلب والفداء، ردها الطوفي- رحمه الله- فيما يقارب ثلاث عشرة صفحة بموضوعية جيدة، مع أن غيره قد رد على النصارى في هذه القضية بثمان عشرة صفحة، والآخر في خمس صفحات والآخر في ثمان. وغيرهم في أكثر من ذلك. وهكذا. فرده ليس من التطويل الممل أو الاختصار المخل، إضافة إلى الموضوعية وقوة الأسلوب في الاحتجاج على الخصم، التي تختلف من عالم إلى آخر. وحسبي فيما أشرت إليه أن تبرز أهمية كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، بين الكتب المؤلفة في الرد على النصارى، وسيتحقق ذلك- إن شاء الله- في المباحث التالية. ومن قراءة القارئ للكتاب. والله من وراء القصد ..

أهمية الكتاب العلمية: عرفنا مما تقدم في الفصول الماضية منزلة الإمام الطوفي العلمية وآثاره التي كانت دالة لنا على براعته في فنون مختلفة: في أصول الفقه والفقه والحديث واللغة والأدب والجدل وغيرها. بل هذا الكتاب وحده يدل على براعته وقوته العلمية واستقلاله برأيه واعتزازه به دون تكبر أو حب مخالفة وإن كانت له بعض الآراء المخالفة لغيره. أما كتابه هذا فإن أهميته العلمية تتجلى فيما يأتي: 1 - غزارة المادة العلمية فيه وكثرة المعلومات التاريخية والعقدية والتفسير والحديث والملل والنحل وغيرها. 2 - أن هذا الكتاب بلغ الغاية في الرد على الطعون الموجهة إلى أصل الإسلام وهو النبوة فإن النصراني الذي كتب الشبه والطعون إنما وجهها إلى نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وإنكارها والطعن في الوحي الذي أتى به: القرآن والسنة المطهرة. وقل من أجاد في الرد عن هذا فيما اطلعت عليه من الكتب التي تعرضت لهذه القضايا الثلاث. مثال الطوفي- رحمه الله- وقد أشرت إلى ذلك فيما مضى. 3 - أن هذا الكتاب كان ردا على النصارى والفلاسفة ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم وعلى المرتدين عن الإسلام فالنصراني الذي رد عليه الطوفي- رحمه الله- بهذا الكتاب يمثل كل هذه الأفكار: يدعي أنه نصراني ويستشهد بالتوراة والإنجيل وكتب النصارى التي بأيديهم ولكنه يكشف النقاب عن فكره في كثير من المواضع بأنه فيلسوف لا يؤمن بدين. ويأتي مرة ثالثة بما يدل على أنه كان

مسلما ثم ارتد عن الإسلام. أو نقل كثيرا مما قاله عن أحد دخل الإسلام ثم ارتد عنه. وهذا يتبين من قراءة كتابه. 4 - أن النصارى في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم على ثلاث أقسام: أ- قسم يقرون نبوته صلّى الله عليه وسلم في العرب خاصة وهؤلاء قد رد عليهم الإمام ابن تيمية بالجواب الصحيح والإمام القرافي بالأجوبة الفاخرة، وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين. ب- وقسم ثان يقولون عنه: أنه مصلح إنساني وليس بنبي وهذا القسم وإن كان ينكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم إلا أنه أخف من القسم الآتي في عناده وتهجمه على الإسلام. ج- وقسم ثالث أنكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم بالكلية ظاهرا وباطنا وعاند في ذلك وقال بأنه مدع للنبوة وليس نبيا. ويحاول الطعن فيما أتى به وانكاره ومن هؤلاء: هذا النصراني الذي رد عليه الطوفي بهذا الكتاب. لذا أرى أن كتاب الانتصارات الإسلامية من أهم الكتب التي ترد على النصارى لا لأنه للطوفي ولا لأنه بلغ فيه درجة الكمال ولكن لخطورة موضوعه وقوة حجته في الرد على النصارى. 5 - أن هذا الكتاب يسد ثغرة كبيرة في التصدي للنصارى الضالين في كل عصر من العصور، ونحن في هذا العصر الذي انفتح فيه باب الثقافة الغربية والنصرانية على أبناء المسلمين الجاهلين بإسلامهم والمتلقفين لكل فكرة وشبهة

دون تمحيصها والنظر فيها- أحوج إليه من أي عصر مضى. كيف والنصارى قد أنشئوا مدارس ومراكز ومعاهد للتنصير والغزو الفكري، وإحياء هذه الشبهات التي كان يرددها أسلافهم من القرون الماضية أيام الحروب الصليبية وقبلها وبعدها. 6 - أنه كشف عن فساد دين النصارى الذي هم عليه وأنه غير دين المسيح- عليه الصلاة والسلام- وأن ما بأيديهم من كتب ليست هي المنزلة على الأنبياء بل هي محرفة مبدلة متناقضة. ثم إنهم لا يتبعون ما فيها على تحريفها وتبديلها فهم مكذبون بها وضالون عن الحق الذي نزل على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. ولهذه الاعتبارات تزيد الحاجة إلى دراسة هذا الكتاب وتحقيق نصوصه والتعليق عليه بما يسهله الله وتدعو الحاجة إليه. والله الموفق .. وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق: تم تحقيق هذا الكتاب ومقابلة نصه على ثلاث نسخ خطية جعلت لكل واحدة منها رمزا وفيما يلي وصف لها مرتب حسب جودتها وتاريخ نسخها: 1 - النسخة الأولى: النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة أحمد الثالث بطوبقبوسراي باستانبول برقم 4863 - 1822، وقد صورتها مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام

محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 926. وهي تامة سليمة من الخرم، وإن كان فيها: بعض الأماكن اليسيرة المطموسة من أثر بلل أصابها، وهي قليلة الأخطاء، والحمد لله. كتبت بخط النسخ، وخطها جميل واضح للقراءة إلى حد كبير، وميزت فيها أوائل الفقرات بالخط الواضح: مثل" والجواب من وجوه" أو كلمة:" قال أو قلت"، أو" أحدهما"، ونحوها. يقع كامل النسخة في" 122" لوحة" 244" صفحة في كل صفحة" 21" سطرا، في السطر الواحد متوسط" إحدى عشرة كلمة" كتبها الناسخ علي بن محمد بن علي بن علوان المزي عابر المنامات المعروف بالزعيم «1». من خط مصنفها، وانتهى من نسخها في السادس من شهر محرم المبارك من سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة، أي في حياة المؤلف، في القاهرة، قبل رحيل الطوفي منها إلى قوص. وعليها عدة أختام، وعدة تملكات، وبعض التوقيعات، كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية- إن شاء الله-. وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (أ) من أحمد الثالث، وجعلتها الأصل إلا فيما أراه أصح منها في الأخرى فإني أثبته وأشرت إليه في الهامش.

_ (1) انظر آخر المخطوط المذكور، وترجمته في الدرر الكامنة 3/ 112. وفيه وفاته سنة 707 هـ، والظاهر أن الرقم فيه تصحيف- والله أعلم-.

2 - النسخة الثانية: المصورة من النسخة الخطية، الموجودة في مكتبة كوبريلى زادة محمد باشا، في المكتبة السليمانية في استانبول برقم 795. صورتها مكتبة مخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 6685. وهي تامة، قليلة الأخطاء. كتبت بخط النسخ، وخطها واضح. ميزت أوائل الفقرات بالخط الكبير مثل:، الوجه الأول"، وكلمة:" قال"، أو قلت". يقطع كامل النسخة في (85) لوحة، أي" 170" صفحة، في الصفحة الواحدة (32) سطرا، وفي السطر الواحد من ثمان إلى تسع كلمات. كتبها وصححها وعلق في مواضع قليلة منها العالم الفاضل الفقيه الحنبلي حسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي، النابلسي «1»، وانتهى من تعليقها كتابة يوم الثلاثاء باكر النهار، الرابع من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة للهجرة، بالمدرسة المنصورية في القاهرة. وقابلها النابلسي بأصل المصنف الذي بخطه. فهي ذات أهمية كبيرة لما ذكر. فلا تقل عن الأولى من حيث الصحة، وإن كانت الأولى تتميز بتقدم تاريخ النسخ

_ (1) ولد في أول القرن الثامن، واشتغل بالعلوم وكتب الخط الحسن، وألف الوميض في ثواب عيادة المريض، وآخر في تحريم الغيبة سنة 729 هـ، وقد شارك في كثير من العلوم، وأخذ عن ابن حيان وغيره، وعلق عنه الذهبي- رحمه الله-. توفي النابلسي سنة 772 هـ. (انظر الدرر الكامنة 2/ 36 - 37، وشذرات الذهب 6/ 223، ومعجم المؤلفين 3/ 283 - 284).

في حياة المصنف. وعلى صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية، وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف (م) من اسم محمد باشا. 3 - النسخة الثالثة: النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة شهيد علي بالسليمانية في استانبول ضمن مجموع للمؤلف أوله: الجدل في علم الجدل برقم 2315. وهي تامة سليمة من الخرم وهي قليلة الأخطاء والفروق بينها وبين النسختين الأخريين. كتبت بخط الرقعة وخطها جميل واضح للقراءة، ميزت فيها أوائل الفقرات مثل: «قلت» و «قلنا» و «منها» و «الوجه الأول» ... إلخ بخط مميز عن بقية الكلام. يقع كامل النسخة في 131 صفحة في كل صفحة 21 سطرا في السطر الواحد من 13 - 16 كلمة تقريبا. كتبها الناسخ: محمد بن عبد الواحد البغدادي من نسخة المؤلف. وفرغ منها ومن نسخ المجموع بكرة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة للهجرة. فهي أيضا ذات أهمية كبيرة لقلة أخطائها وكونها منقولة من النسخة التي بخط المؤلف. على صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح من صورتها. وقد

رمزت لهذه النسخة بالحرف (ش) من «شهيد علي». وبعد هذا التعريف الموجز لأصول الكتاب أرى أنها- والحمد لله- مأمونة الخطأ. فالأولى نسخت في حياة المؤلف من نسخته وفي القاهرة التي يسكنها الطوفي آنذاك، وربما قرأها أو وثق من ناسخها، والثانية: نسخها عالم فاضل من نسخة مؤلفها، وصححها وعلق عليها، والثالثة: منسوخة من خط المؤلف ومراجعة على الأصل. والله الموفق .. النسخة المطبوعة وأخطاء الدكتور أحمد السقا فيها: تقدمت بطلب التسجيل في هذا الموضوع:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" للطوفي: دراسة وتحقيق، إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض فتمت الموافقة والحمد لله على أن الكتاب لم يطبع ولم يحقق بعد، ثم تبين لى بعد ذلك أن الدكتور/ أحمد حجازي السقا قد طبع الكتاب في مصر، فهممت أن أترك الموضوع لهذا السبب ولبعض الأسباب الأخرى ... غير أني بعد الحصول على الكتاب والاطلاع عليه، عقدت العزم على الاستمرار في هذا البحث وعدم التراجع عنه ومحاولة التغلب على الصعاب الكثيرة التي قابلتني في ذلك. وكان من أسباب هذا العزم والتصميم الأمور التالية: 1 - أن الدكتور السقا قد أخرج الكتاب على نسخة واحدة وادعى أنها الوحيدة «1»

_ (1) انظر الهامش ص 33 من كتاب الانتصارات ... طباعة السقا.

مصورة من مكتبة أحمد الثالث في استانبول، وهي إحدى النسختين اللتين اعتمدتهما أنا في التحقيق. صورها من معهد المخطوطات بالقاهرة، وقد سقط منها أثناء التصوير لوحة من منتصف الكتاب سببت في خرمه والإخلال بالمعنى المراد لما سبقها وعقبها من كلام. 2 - أن السقا حرف بعض نصوص الكتب التي بأيدي النصارى في كتاب: الانتصارات الإسلامية ... ، ولم ينقلها كما نقلها الطوفي- رحمه الله- بألفاظ تراجم عصره، بل أتى الدكتور بألفاظ التراجم العصرية، ولم يشر إلى تصرفه هذا في الهوامش، ولو أنه التزم الأمانة العلمية في نقلها ثم نقل ألفاظ تراجم العصر الحاضر في الهوامش إذا أحوج الأمر لكان أولى. 3 - استعرضت الربع الأول من الكتاب، وحصرت ما فيه مما يخالف الأصل المخطوط، فوصلت الأخطاء أكثر من سبعة وسبعين خطأ، لم يشر الدكتور في جدول التصويبات إلا إلى اثنين فقط ليسا ذا أهمية بالنسبة للأخطاء الأخرى، ومن الأخطاء ما كان تحريفا لبعض العبارات فهو في أحد المواضع قد غير ثلاثة عشر سطرا من كلام الطوفي- رحمه الله- واستبدله بأحد عشر سطرا من عنده، من غير مبرر ولا أشار إلى ذلك «1». وفي مواضع أخرى حرفت بعض العبارات تحريفا أخل بالمعنى «2».

_ (1) انظر ص 105 من طباعة السقا مقارنة باللوحة رقم 26/ ب من المخطوطة (أ). (2) انظر مثلا ص 38 وقارنها باللوحة رقم 2/ ب، وص 52 مقارنة باللوحة رقم 8/ أوص 94 وقارنها باللوحة رقم 21/ ب من المخطوطة المذكورة (أ).

وهذا غير الجمل الساقطة والكلمات المحرفة التي قد يكون السبب فيها سوء الطباعة، أو سهو الناسخ، وإن كان ذلك كثيرا. 4 - غير كثيرا من الأسماء الواردة في تراجم كتب النصارى في عصر الطوفي، واستبدلها بما في التراجم الحديثة مثل:" لابن" جعله" لابان" و" ليا" جعلها:" ليئة" و" سرجس"، جعله:" جرجس" أو" جرجيس" و" يوذا" جعله:" يهوذا". مع أنها قد ترد بألفاظ متعددة حسب ترجمة نصوص أهل الكتاب. 5 - تصرف في عنوان الكتاب، مع وضوحه على صفحة عنوان المخطوط. وقد جعله:" الانتصارات الإسلامية في علم مقارنة الأديان" والصحيح هو ما سبق إثباته:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" ثم إنه لا مقارنة بين الدين الصحيح المنزل من السماء، والأديان المفتراة المحرفة بأيدي البشر. 6 - لم يخرج الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب ويبين درجتها من الصحة والضعف. 7 - لم يعرف الأعلام والأماكن والطوائف أو يشرح الألفاظ الغريبة الواردة في الكتاب لعدم اعتداده بها كما سيأتي. كل هذه الأمور تعارض الأمانة العلمية، وتنقص العمل في الدراسة والتحقيق.

ولم تكن هذه الأمور التي تؤخذ على طباعة السقا للكتاب فحسب ولكن هناك أمورا أخرى يلزم أن أشير إليها بإيجاز وهي: 1 - إنكاره لكثير من أحاديث السنة، فهو يصرح برد الحديث النبوي سواء كان آحادا أو متواترا إذا لم يكن مفسرا للقرآن، بل يتضح من كلامه في مقدمته أنه يرى الاكتفاء بالقرآن وحده، وإبطال العمل بالسنة المطهرة. ولذلك فهو ينال من المحدثين ويتهمهم بأنهم فيما جمعوا من السنة كاذبون «1». 2 - دافع السقا عن المعتزلة وآراءهم وأفكارهم المنحرفة في المقدمة وعند ما تعرض الطوفي لهم وناقشهم في بعض المسائل «2». كان السقا ينال من السلف الصالح- رحمهم الله- تعقيبا على كلام الطوفي «3». 3 - أنكر كثيرا من الأمور التي ثبتت بالقرآن والسنة: كرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة «4»، والاستواء «5»، والسحر «6»، وعذاب القبر ونعيمه «7»، ومجيء الدجال، وظهور المهدي، وأخبار مجيئها، وأشراط الساعة «8»، ونسخ القرآن

_ (1) انظر مثلا ص 6، 7، 8، 22، وهامش ص 146، وهوامش الصفحات: 75، 114، 151، 208، 296، 310، 312، 339، من طباعة السقا للانتصارات الإسلامية. (2) انظر المصدر السابق ص 32، وهامش ص، 182. (3) انظر هامش ص 182 من السابق. (4) انظر السابق هامش ص 202، وهامش ص 279. (5) انظر السابق هامش ص 164، 165. (6) انظر السابق هامش ص 138، 146، 197. (7) انظر السابق هوامش الصفحات: 189، 192، 201. (8) انظر السابق هوامش الصفحات: 196، 211، 214.

بالقرآن، أو السنة بالسنة «1»، والمعجزات غير القرآن «2»، والشفاعة «3» ورفع المسيح بجسده، مستدلا بما في أيدى أهل الكتاب على ذلك «4». وأنكر رجم المحصن بحجة أنه قسوة «5». كما أنكر مفاخر رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم وما كان مختصا به وزائدا على الأنبياء «6»، وأخضع بعض نصوص القرآن لما ورد في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب. وعلى العموم فهو يوافق المعتزلة والشيعة في كثير من الأمور كالقول بخلق القرآن «7»، وأن العبد يخلق فعله «8»، وغير ذلك. هذه أهم الأمور التي جعلتني أقتنع بمواصلة إخراج هذا الكتاب وتصحيحه وتخريج نصوصه، والتعليق عليه، وإكمال ما يحتاج إلى إكمال والاستدراك في محله، بالإضافة إلى ما سبق في هذه الدراسة وهذا في نظري أمر ليس باليسير،

_ (1) انظر السابق هامش ص 299. (2) انظر السابق هامش ص: 226. (3) انظر السابق هامش ص: 308. (4) انظر السابق هامش ص: 103. (5) انظر السابق هامش ص 301. (6) انظر السابق هامش ص 308. (7) انظر السابق هامش ص 238 - 240. (8) انظر السابق هوامش الصفحات: 170، 172، 177، 181.

لأن إخراج الكتب الإسلامية بهذه الصورة أمانة كبيرة يجب الاهتمام بها من كل باحث أراد إخراج شيء من كتب السلف والعلماء السابقين فعسى الله أن يوفقني وإخواني طلبة العلم لنقوم بهذه المهمة العظيمة دون تقصير أو خطأ. على أنني لا أدعي لنفسي في هذا البحث العصمة من الزلل فكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون. وأستغفر الله وأتوب إليه .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

( CS) صفحة العنوان من نسخة أحمد الثالث

( CS) أول نسخة أحمد الثالث

( CS) آخر نسخة أحمد الثالث

( CS) صفحة العنوان من نسخة محمد سليمان باشا

( CS) أول نسخة محمد سليمان باشا

( CS) آخر نسخة محمد سليمان باشا

( CS) تكملة آخر نسخة محمد سليمان باشا

( CS) أول نسخة شهيد علي

( CS) آخر نسخة شهيد علي

ثالثا: التحقيق

ثالثا: التحقيق * ترقيم الآيات القرآنية. * عزو النصوص. * توثيق ما نقله المؤلف. * وضع عناوين جانبية للموضوعات. * تخريج الأحاديث والحكم عليها. * شرح المصطلحات والمفردات الغربية. * التعليق على بعض المسائل. * التعريف بالأماكن والبقاع والأعلام والفرق.

الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية تأليف: سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي ت 716 هـ دراسة وتحقيق د- سالم بن محمد القرني

الخطبة

الخطبة بسم الله الرحمن الرحيم الله عوني وبه توفيقي «1» أحمد الله الذي أرشدنا إلى الإسلام، وهدانا بفضله سبل السلام، وجنبنا عبادة الأوثان والأصنام، وسائر مذاهب الكفرة اللئام «2». وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ترغم أنف الكافر أشد إرغام، وتوجب لقائلها النعيم «3» في دار المقام. وأصلي على رسوله محمد، الداعي إلى أفضل دين بأشرف كلام، الباقي معجزة على ممر السنين، وتعاقب الأيام، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: فإني رأيت كتابا صنفه بعض النصارى «4»، يطعن به في دين الإسلام ويقدح به في نبوة محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- فرأيت مناقضته «5» إلى الله

_ (1) هكذا في أ، وفي م:" اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم: قال الشيخ الفقيه الإمام العلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي ... "، وفي ش: وما توفيقي إلا بالله. (2) اللئام: جمع لئيم، ومصدر لاءم الشيء: وافقه، واللؤم: الشح مع دناءة الأصل. واللئيم: الدنيء الأصل الشحيح النفس (انظر إكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 557، ولسان العرب 12/ 530) (3) في ش: النعم. (4) لم يذكر المؤلف- رحمه الله تعالى- اسم النصراني ولا عنوان كتابه. وقد أشرت إلى ذلك في ص 164 - 165 من الدراسة. (5) المناقضة: مفاعلة. من ناقضة في الشيء مناقضة. أي خالفه. والمناقضة في القول: أن يتكلم بما يناقض معناه ويفسده بعد إحكامه (انظر لسان العرب 7/ 242، وإكمال الإعلام 2/ 721).

ورسوله قربانا «1»، ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف «2» ذلك بعض ضعفاء «3» المسلمين، فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا وآنست «4» عليه دليلا وبرهانا. فأوردت مناقضته حرفا من كلامه فحرفا، وأبنت عن مقاصد السؤال والجواب على وجه لا يخفى، مع تلخيص العبارة خشية الضجر «5» والإملال «6»، وتخليص المعاني ونصوصيتها «7» خفية الإخلال

_ (1) لا يتقرب بالأعمال إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم بل يتقرب بها إلى الله وحده على وفق سنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام-. (2) يقال: استخفه فلان أي: استجهله فحمله على اتباعه في غيه. ومنه قوله تعالى في سورة الروم (آية: 60): «ولا يستخفنك الذين لا يوقنون» (انظر لسان العرب 9/ 80). (3) في م، ش: ضعفى. (4) آنست: بهمز أوله مع المد وفتح النون الموحدة، أي: علمت وأبصرت. (انظر لسان العرب 6/ 15). (5) الضجر من الشيء: التعب والقلق والغم. (انظر المصباح المنير 2/ 421). (6) من الملل وهو الضجر والتعب يقال: أمللت فلانا أتعبته وأسأمته (انظر المصباح المنير 2/ 707، لسان العرب 11/ 628، الإعلام بتثليث الكلام 2/ 679). (7) قال ابن الأثير في منال الطالب في شرح طوال الغرائب ص 358:" والتلخيص: التبين والإيضاح، وهو والتخليص متقاربان، قال القتبي:" ولعلهما شيء واحد، من المقلوب"، وحقيقة التخليص: إفراد الخالص من الشيء، وهو الجيد منه" اهـ. ونص الحديث إذا أظهره ورفعه، ونص كل شيء منتهاه، ومبلغ أقصاه. كما في لسان العرب (7/ 97، 98)، ومختار الصحاح ص 662. قلت: فمعنى العبارة على هذا: اختيار المعاني الظاهرة الواضحة، خيفة الإخلال بالمعنى، أو اختلاله. والله أعلم.

المقدمات ثلاث

والاختلال. وقدمت على ذلك مقدمات كلية، تتضمن مباحث جلية، عليها ينبني معظم الجواب، وبها يتيسر ظهور الصواب. وعلى الله توكلي، وإليه المآب «1». وتلك المقدمات ثلاث: [المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب] الأولى: أن هذا النصراني رأيته يعتمد في طعنه على الإسلام، على التوراة والإنجيل «2» التي بيد اليهود والنصارى، وعلى كتب الأنبياء الأوائل/: كنبوة أشعياء «3»، وأرمياء «4»،

_ (1) في م، ش: مآب. (2) " ... والأناجيل ... " بالجمع، لأن عددها عند النصارى خمسة نتيجة التحريف والتبديل، منها: أربعة مشهورة هي: إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل يوحنا، أما الخامس فلا يعرفه إلا القليل منهم ويسمى إنجيل الصبوة، وفيه الأشياء التي صدرت عن المسيح في حال طفولته، ولذا سمى بالصبوة وينسب إلى بطرس عن مريم، ويذكر فيه مشاهير معجزات عيسى عليه السلام وقدومه وأمه ويوسف النجار إلى صعيد مصر ثم عودتهم إلى قرية ناصرة عند بيت المقدس (انظر الأجوبة الفاخرة للقرافي ص 179 181) قلت: وقد وجد لهم من الأناجيل غير هذه الخمسة فأناجيلهم أكثر من ذلك ربما تصل إلى الأربعين أو أكثر اندثر أكثرها وفقد بعضها وأخفوا بعضها الآخر، ولا يعترف أكثرهم بمثل انجيل برنابا الموجود اليوم. (3) أشعياء بن أمصيا بهمز وبدونه وكان قبل زكريا ويحي، وهو ممن بشر بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وكان في زمانه ملك اسمه حزقيال على بني إسرائيل وكان سامعا مطيعا لشعيا فيما يأمره به وينهاه عنه من المصالح ... ولما مات حزقيال كثر شر بني إسرائيل وطلبوا شعيا ليقتلوه فهرب منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة ثوبه فأبرزها فلما رأوا ذلك جاءوا بالمنشار فوضعوه على الشجرة فنشروها ونشروه معها ... والله أعلم. (انظر البداية والنهاية 2/ 32 - 33). (4) أرميا بن حلقيا من سبط لاوي بن يعقوب، وقيل من سبط هارون بن عمران كان في أيام آخر ملوك بني إسرائيل" صدقيا" روي أنه هو الذي نزل بشأنه قوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ... الآية. (سورة البقرة: 259). (انظر تفسير الطبري 3/ 29، تفسير ابن كثير 1/ 314، الأنس الجليل 1/ 153 - 154، البداية والنهاية 2/ 33).

ودانيال «1» والأنبياء الاثني عشر «2»، ومزامير «3» داود، ونحوها. واعلم أن هذه الكتب مما لا تقوم الحجة علينا بها. لأنها عندنا محرفة مبدلة «4». نعم: التبديل لم يأت على جميعها، بل دخلها في الجملة. فلهذا قال

_ (1) أحد أنبياء بني إسرائيل كان في عهد بخت نصر يقال كان طول أنفه شبرا، ويقال بأن أرميا أمره الله أن يذهب إلى دانيال بطعام وهو في السجن ففعل مع أنهما ليسا في قرية واحدة، وروى ابن أبي الدنيا مرسلا أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (إن دانيال دعا ربه عز وجل أن يدفنه مع أمة محمد) فلما فتح أبو موسى الأشعري تستر وجده في تابوت تضرب عروقه ووريده قد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال من دل على دانيال فبشروه بالجنة فدل عليه رجل يقال له" حرقوص" فكتب أبو موسى إلى عمر يخبره فكتب إليه عمر أن ادفنه وابعث إلى حرقوص فإن النبي صلّى الله عليه وسلم بشره بالجنة" قال ابن كثير: وهذا مرسل من هذا الوجه، وفي كونه محفوظا نظر والله أعلم، روي أن أبا موسى أخفى قبره لئلا يفتتن به الناس، وأنه وجد معه مصحفا ومالا وخاتما. (انظر البداية والنهاية 2/ 40 - 41). (2) لعل المقصود بالأنبياء الاثني عشر: الأسباط المشار إليهم في قوله تعالى في سورة البقرة آية 136: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والْأَسْباطِ الآية، وقوله تعالى في سورة المائدة آية 12: ولَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً الآية. والله أعلم. (انظر تفسير الطبري 1/ 568، وتفسير القرطبي 2/ 141). (3) مزامير: جمع مزمار وهو الصوت الحسن ومزامير داود عليه السلام ما كان يتغنى به من الزبور وضروب الدعاء وفي الحديث: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود» أخرجه البخاري في فضائل القرآن، باب 31: حسن الصوت بالقراءة للقرآن، ومسلم في صلاة المسافرين حديث 235 - 236. وغيرهما وهذا لفظ مسلم. وإلى داود عليه السلام المنتهى في حسن الصوت بالقراءة (انظر لسان العرب 4/ 327). (4) من الأدلة على تحريف وتبديل تلك الكتب من القرآن الكريم قوله تعالى في سورة البقرة (75 - 79) في الكلام عن بني إسرائيل: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ

نبينا محمد- عليه الصلاة والسلام-: «إذا حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم،" وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون «1»». فمنع من تصديقهم خشية أن يكون ما

_ - اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ إلى قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 75 - 79] وفي سورة النساء 46: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا الآية. وغيرها من الآيات الكريمات. وقد اعترف اليهود والنصارى بوقوع التبديل في التوراة، وكل طائفة تجعل مسئولية التحريف في عنق الأخرى ويعترف اليهود أيضا أن التوراة التي بأيديهم الآن إنما كتبها عزرا من محفوظاته ومحفوظات بعض الكهنة عند ما كثر القتل في اللاويين أيام بختنصر أحد جبابرة بني إسرائيل، كما أن النصارى متفقون على تعدد الأناجيل التي بأيديهم وأنها ليست الإنجيل المنزل، وتعددها يشهد بذلك، ومن الأمثلة على وقوع التبديل في التوراة ما ذكر فيها:" أصنع بناء آدم كصورتنا كشبهنا" فإن قولهم" كشبهنا" ليس له تأويل إلا أن آدم شبيه بالله تعالى علوا كبيرا، وهذا يعلم بطلانه ببداهة العقل إذ الشبه والمثل معناهما واحد، والله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الشورى 11) والأمثلة والبراهين على وقوع التحريف فيها كثيرة يضيق المقام بذكرها. ومما يدل على افتراء النصارى على عيسى عليه السلام في الأناجيل قول يوحنا:" إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة وغيري يشهد لي" ثم ذكر في موضع آخر:" إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق لأني أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب" فكيف تكون شهادة عيسى عليه السلام حقا وباطلا، مقبولة وغير مقبولة؟ وكيف ينسب هذا إلى المعصوم. وليس هذا وحده هو الذي يدلنا على تحريفهم الإنجيل وافترائهم على عيسى عليه السلام بل الأمثلة كثيرة مع أن اليهود والنصارى يكذب بعضهم بعضا فيما يدعيه من الكتب وقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ [البقرة: 113] (البقرة: 113). (1) أخرج الحديث البخاري في تفسير سورة البقرة باب قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا (8/ 70) وفي الاعتصام باب 25 (13/ 333)، وفي التوحيد باب 51 (13/ 516) موصولا عن أبي هريرة قال:" كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل ... ) الآية وأخرجه أبو داود في العلم باب رواية حديث أهل الكتاب (4/ 59). بغير لفظ المؤلف وغير لفظ

حدثونا «1» به مما حرف جزما، ومن تكذيبهم خشية أن يكون مما لم يحرف «2». عدلا منه صلّى الله عليه وسلم ولو لم يكن للعاقل دليل على صدقه- عليه السلام- إلا هذا لكفاه، كما قررته في التعليق على بعض كتب الأوائل «3»، وفي آخر هذا التعليق «4». ولهذا قال علماء الحديث من المسلمين: إن الراوي إذا عرف منه الكذب يرد حديثه كله، ويصير غير موثوق به. وكذلك من اختلط ولم يتميز ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعده، يترك/ الكل احتياطا، وحزما في الدين. وأيضا: كما أنهم لا يعدون كتابنا حجة عليهم، كذلك نحن لا نعد كتبهم حجة علينا وأولى، لأن كتبهم تقادم عهدها، وتعاورتها اللغات لفظا وكتابة، بخلاف كتابنا. أما «5» التهمة فهي متجهة إلينا منهم، وإليهم منا.

_ - البخاري، وأحمد في 4/ 136 بلفظ قريب من لفظ أبي داود كلهما عن أبي نملة عمار بن معاذ الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه والآية في سورة العنكبوت 46. (1) في ش: مما حدثوا. (2) قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة (3/ 416) " يعني إذا أخبروا بما لا نعلم صدقه ولا كذبه فهذا لا نقدم على تكذيبه لأنه قد يكون حقا ولا تصديقه فلعله أن يكون باطلا، ولكن نؤمن به إيمانا مجملا معلقا على شرط وهو أن يكون منزلا لا مبدلا ولا مؤولا" اهـ. (3) بين- رحمه الله- في كتابه المخطوط" تعاليق على الإنجيل" (ص 2، 3، 6، 7، وغيرها): أن هذه الأناجيل التي بيد النصارى ليس شيء منها هو الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام. وإنما هي أخبار عن سيرته كتبها من ذكرت أسماؤهم في أوائل تلك الاناجيل فهو من كلامهم وفيه يسير من كلام عيسى عليه السلام، ويعترفون أن هذه الأناجيل ليست منزلة، لأن عيسى هو الإله فهو المنزل علي الأنبياء لا غيره، أو ابن الله، فهو المطلع على سر أبيه ثم بين- رحمه الله- أن عيسى لو أطلع على ما كتبوا وما ذكروا من إلهيته ونحو ذلك لدعا عليهم بأن يصيروا قردة وخنازير. (4) انظر الحجة الخامسة في خاتمة هذا الكتاب. (5) في أ، ش:" لنا بدل:" أما".

[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]

وأيضا: فإن هذا النصراني في استدلاله بما لا تقوم به الحجة علينا. إما أن يكون مع العلم بذلك فهو مغالطة ومخاتلة/ وتغابي «1»: إن قصد إقامة الحجة علينا. وتحصيل الحاصل. إن قصد إقامة الحجة للنصارى إذ هم «2» في ثبوتهم على دينهم «3» غنيون عن ذلك، حتى لو أراد منهم خلافه لما أطاعوه. أو مع عدم العلم فهو جهالة/ بمذهب الخصم. والعلم بما يلزم الخصم وما لا يلزمه ينبغي أن يكون مقدما على مناظرته. وفائدة هذه المقدمة: سد باب الاستدلال علينا بكتب الأوائل مطلقا. [المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع] المقدمة الثانية: إنه من المعلوم عندنا وعندهم: أن الله- سبحانه- إنما خلق العباد ليعبدوه كما صرح بذلك في القرآن الكريم حيث يقول: وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «4». لكن لما كانت عبادة المعبود تستدعي تقدم معرفته، خلق لهم العقول ليعرفوه بها، ويوطدوا بها قواعد العبادة ومقدماتها. فظهر من هذا التقرير ما قاله المحققون من أهل العلم بالأصول، وهو أن

_ (1) من تغابى عن الأمر: أي تغافل. (انظر لسان العرب 15/ 115، ومختار الصحاح ص 469). (2) في ش: أنهم. (3) عبارة:" على دينهم"، ليست في: م. (4) سورة الذاريات: 56.

العقل نائب الشرع يقرر له القواعد من إثبات الصانع وتوحيده «1»، الذي وافقنا عليه النصارى لفظا لا معنى «2»، وحدوث العالم وجواز إرسال الرسل والدليل على صدقهم، وهو المعجز الذي به تثبت النبوة «3». فإذا ثبتت ثبت الشرع، ووجب قبول ما جاء به. ثم إن كان مما يدركه العقل فلله الحمد. وإن كان مما لا

_ (1) لا تستقل العقول بمعرفة الله على التفصيل لأنها عاجزة وقاصرة عن إدراك ما هو أقرب، فهي عاجزة عن إدراك أنفسها وكيفية عملها .. وعليه فإنه لا بد من مصدر آخر ليعرف العقل به الله سبحانه، فاقتضت رحمته عز وجل أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ... فكان ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب دالا للعقول السليمة إلى معرفة الله وكيفية عبادته، ونصوص الشرع مملوءة بالبراهين والأدلة على إثبات الصانع وقدرته، ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً (سورة الفرقان: 33) والعقل السليم يشهد بصحة ذلك، غير أنه إذا لم يرد في الشريعة شيء مما للعقل فيه مجال فإنه يرجع إليه في معرفته، وليس في أصول الدين- الاعتقاد والأحكام- ما يستقل العقل بإثباته دون النص والحمد لله، وقول الطوفي- رحمه الله-:" العقل نائب الشرع ... " أي فيما لم يرد فيه نص من مسائل الفروع. قلت: ومثاله غير مقبول. والله أعلم. (2) النصارى يقولون: إن خالق العالم واحد، لكنهم يقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد. وهذا القول متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول والاتحاد أفسد منه، فلهذا كانوا موافقين لنا في إثبات الصانع لفظا لا معنى، وهم مضطربون في فهم مذهبهم والتعبير عنه، بل لا يكاد أحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد. ولهذا لم يقبل مذهبهم هذا عقل ولا فطرة. (انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 78). (3) في ش: ثبتت. قلت: الله سبحانه أرسل الرسل وصدقهم، فهو لكمال عدله ورحمته وإحسانه وإقامة الحجة على عباده، لم يبعث نبينا إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ والْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (الحديد 25) ولا تثبت النبوة بالمعجزات وحدها.

يدركه- وهو المسمى في عرف فقهاء الإسلام: تعبدا- وجب تسليمه، وتقليد «1» الشارع فيه، وبثبوت الشرع ينعزل العقل كما ينعزل بقدوم السلطان من سفره من كان استنابه موضعه في بلده. وسر هذه المقدمة: ما قررته في" القواعد الصغرى «2» " وهو: أن العبادات والتكاليف مستلزمة للمشقة على أهل التكليف. لكن المشقة تارة تكون عملية كما في الصلاة والصيام والحج والجهاد «3»، وتارة علمية كما في الإيمان بالغيب. وهو

_ (1) الأولى أن يقال: اتباع الشارع فيه. (2) لم أجد هذا المخطوط فيما بحثت فيه من فهارس المخطوطات. (3) المشقة هي ما يصحب العمل من صعوبة وشدة وثقل عند القيام به ولو لم يكن فيه إلا مخافة الهوى لكان كافيا. ومن المعلوم أن الشرع لم يأت بما يشق أو يعنت بل شرع من الأحكام الأصلية والرخص ما يتناسب مع أحوال المكلفين، ولذلك فالمشقة على نوعين: الأول: معتادة مألوفة ليست مانعة من التكليف وهي داخلة في حدود الاستطاعة والوسع كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (التغابن 16) وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها (البقرة 286) وهي متفاوتة بتفاوت الأعمال. وأما الثاني: فغير معتادة وهي التي تؤدي إلى الانقطاع عن العمل أو الملل وحصول الخلل للمكلف فهذه شرعت لها الرخص. ولكن الذي ينبغي معرفته أن المشقة ليست مقصودة في التكليف لأنها نابعة من طبيعة الشيء المكلف به شرعا ملازمة له .. وإنما المقصود الاتيان بالمطلوب الشرعي المشتمل على المشقة لما يترتب عليه من الامتثال وتحقيق المصلحة أو درء المفسدة. (انظر رفع الحرج في الشريعة الإسلامية د. صالح بن عبد الله بن حميد ص 30 - 38، 350 - 359، الموافقات للشاطبي المجلد الأول ج 2 ص 58، 72، 79 - 81، 82 - 86، 89 - 96، 104، 105، 106).

كلما غاب عن العيان كالله «1» - سبحانه- وملائكته وأحكام الآخرة. وهذا أشق التكليفين «2». ولهذا بدأ الله- سبحانه وتعالى- به في وصف المؤمنين حيث قال/: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ... (3) «3» فالأول: تكليف علمي. والثاني: عملي. وكذلك قوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... (19) «4» ولذلك المسيح وغيره من الأنبياء/ إنما بدءوا بدعاء الناس إلى الإيمان بهم، وأنهم من عند الله. ووجه المشقة في الإيمان بالغيب: هو أن النفس الناطقة مطبوعة مفطورة على حب إدراك الأمور بحقائقها، فإذا رأت ما لا تدرك حقيقته تألمت واضطربت، كما يشاهده كل عاقل من غيره، ويجده من نفسه، حتى في أيسر الأشياء. ولهذا يحدث «5» للنفس العجب، وهو عرض يلحقها لخفاء سبب الأمر الحادث، فإذا ظهر لها سبب الأمر «6» بطل العجب، واستراحت.

_ (1) في هامش (أ) تعليق يقول صاحبه:" هذه عبارة غير مستحبة عند أصحابنا" قلت: وهو كذلك، لأن كلما يتصوره العاقل من عظمة الله فالله أعظم من ذلك لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (سورة الشورى: 11) فلا يمثل به احترازا من الوقوع فيما لا يليق بجلاله سبحانه. (2) هذه تسمى التكاليف الاعتقادية. (انظر الموافقات للشاطبي المجلد الأول ج 2 ص 58). (3) سورة البقرة الآية: 3. (4) سورة القتال" محمد" الآية: 19. (5) في ش: يورث. (6) في (ش)، (م): لها السبب بطل العجب.

فحاصل الأمر: أن الإنسان مركب من هيكل ونفس، وأن التكليف واقع على جزئيه كليهما، على هيكله عملا، وعلى نفسه اعتقادا وعلما. هذا كله مع اتفاق العقلاء «1» على أن الشرع لم يأت بما ينافي العقل، ولا يجوز فيه، بل بما قد لا يدركه العقل مع إمكانه في نفسه. ولهذا قال" أرسطو «2» " على ما حكى عنه هذا النصراني في كتابه هذا الذي نحن بصدد مناقضته في بيان ضرورة النبوة للخلق قال/:" إن الحال في عقولنا عند النظر إلى المبادي الأولى «3»، كحال الخفاش «4» عند النظر إلى الشمس أعني أن الشمس في غاية الظهور في نفسها، وهي خفية عند الخفاش لضعف إبصاره".

_ (1) في (أ): مع اتفاق العلماء. (2) أرسطو، أو أرسطو طاليس المقدوني الإغريقي، فيلسوف الروم، ومعنى أرسطو في لغة قومه: الكامل الفاضل، ويقال بأنه أشهر فلاسفة اليونان، يلقب بالمعلم الأول لأنه أول من وضع التعاليم المنطقية. يقال أنه ولد بمقدونية سنة 384 ق. م. وتوفي سنة 322 ق م، وقال ابن تيمية- رحمه الله-:" فإن أرسطو كان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة" اهـ. (انظر النبوات لابن تيمية ص 22، وطبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 25، ودائرة معارف القرن العشرين 1/ 164، ونزهة الأرواح في تاريخ الحكماء والفلاسفة للشهرزوري 1/ 188 - 205). (3) مبدأ كل شيء أوله، والمراد بالمبادئ الأولى عند الفلاسفة:" القضايا الكلية التي يسلم بها العقل ومن استنباطها من التجربة أو من قضايا أخرى غيرها". (المعجم الفلسفي 2/ 322). (4) الخفاش طائر من عرض الطير شديد الطيران كثير التكفي والتقلب في الهواء، ضعيف البصر بحيث لا يتحمل من أجله الطيران في ضوء النهار، ولا يتحمل أيضا الطيران في الظلام الشديد، ولذلك فطيرانه ما بين غروب قرص الشمس إلى غياب الشفق، وسمى خفاشا لذلك لأن الخفش: ضعف البصر وضيق العين يقال للعين: خفشت، إذا قل بصرها. (انظر الحيوان للجاحظ 3/ 526 - 529، لسان العرب 6/ 298 - 299).

وحكى أيضا هذا النصراني عن" ابن رشد «1» المالكي من المسلمين أنه قال:" لم يقل أحد «2» في العلوم الإلهية قولا يعتد به، ولم يعصم أحد من الخطأ فيها، إلا من عصمه الله «3» بأمر إلهي خارج عن طبيعة الإنسان وهم الأنبياء «4» ". وحكى عن" أرسطو" أيضا أنه قال في كتابه" الأسباب" أنه قال:" العلة الأولى «5» أعلى من أن توصف، ولا تعجز الألسنة عن وصفها، إلا لأنها فوق كل علة «6» ".

_ (1) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد الحفيد يكنى بأبي الوليد، مالكي المذهب قرطبي الموطن أندلسي القطر، عني بكلام أرسطو طاليس وزاد عليه، ولد سنة عشرين وخمسمائة للهجرة قبل وفاة جده ابن رشد بشهر وتوفي في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة للهجرة. (انظر ترجمته في الديباج المذهب 2/ 257 - 259، وشذرات الذهب 4/ 320، والأعلام 5/ 318). (2) في تهافت التهافت: لم يقل أحد من الناس. (3) في تهافت التهافت: وليس يعصم أحد من الخطأ إلا من عصمه الله تعالى. (4) النص في تهافت التهافت ص 547 ط 3، ن: دار المعارف بمصر. تحقيق سليمان دنيا. (5) العلة الأولى: هي العلة التي لا علة لها، أو علة العلل، أو العلة النهائية، وعرفها ابن سينا في الإشارات والتنبيهات ص 140 بقوله:" علة لكل وجود، والعلة حقيقة كل وجود في الوجود" [نقلا عن المعجم الفلسفي 2/ 97]، والفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك لهم قولان فيها: منها من يقول إنها فاعلة بالاختيار، ومنهم من يقول إنها موجبة بلا اختيار. وناقش الرأيين وبين بطلان قول الفلاسفة في ذلك الشيخ أحمد بن عبد السلام بن تيمية- رحمه الله- في درء تعارض العقل والنقل 3/ 301 وما بعدها. (6) النص: لم أجده فيما اطلعت عليه من المراجع.

وحكى عن أبي حامد/ هو الغزالي «1» - شيئا في معنى ذلك عزاه إلى" كيمياء السعادة" وإلى" المقصد السني «2». قلت: فالحاصل من هذا أن إدراك الشيء (قد يمتنع تارة لضعف المدرك كبصر الخفاش، وتارة لخفاء المدرك كالسهى «3» عند بعض الناس، كما أن التأثير «4») قد يمتنع في الأمور الفعلية والانفعالية تارة لضعف الفاعل. كالسيف الكال وتارة لصعوبة القابل «5» أو ملابسة مانع له كالجسم الصلب إذا ضرب بسيف «6» ونحوه.

_ (1) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 141. (2) لم أجد في كيمياء السعادة ما في معنى هذا، وأقرب ما وجدت في المقصد الأسنى ما قاله الغزالي في المقدمة:" فقد سألني الأخ في الله شرح معاني أسماء الله الحسنى ... فلم أزل أقدم رجلا وأؤخر أخرى أخذا بسبيل الحذر وعدولا عن ركوب متن الغرر [الخطر] واستقصارا بثوة البشر عن درك هذا الوطر. وكيف لا! وللبصير عن خوض مثل هذه الغمرة صارفان أحدهما: أن هذا الأمر في نفسه عزيز المرام صعب المنال، غامض المدرك فإنه في العلو والذروة العليا والمقصد الأقصى الذي تتحير الألباب فيه، وتنخفض أبصار العقول دون مباديه، فضلا عن أقاصيه. ومن أين للقوى البشرية أن تسلك في صفات الربوبية سبيل البحث والفحص والتفتيش؟!!. وأنى تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش؟! ". (3) في أكالسها. والسّهى: بالضم والقصر: نجم خفي في بنات نعش الصغرى. وفيه المثل العربي:" أريها السّهى وتريني القمر" والجمع بين السهى والقمر لما بينهما من المقابلة بالتضاد، لأن السهى في غاية الخفاء والقمر في غاية الظهور. (انظر زهر الأكم في الأمثال والحكم لليوسي 3/ 29، والمستقصي في أمثال العرب 1/ 147). (4) ما بين القوسين ساقط من (م). (5) في (أ): للقابل. (6) في (أ): إذا ضرب السيف ...

وفائدة هذه المقدمة: أن نحيل عليها بالجواب عن كل حديث أورده هذا السائل من السنة الإسلامية مما يقصر العقل عن إدراك مضمونه أو يدركه على تعسف، أو بتأويل بعيد. وقد ساعدنا هو على ذلك بما ذكره عن الحكيم" أرسطو" فكان هذا الخصم كالجادع مارن أنفه بكفه «1»، والباحث عن حتفه بظلفه «2». وأيضا: فإن من الطرق العامة التي لا يستغنى عنها في كل شريعة، أو غالب الشرائع: أن يقال فيما اشتملت عليه من التعبدات العملية أو العلمية: هذا ممكن أخبر به الصادق، وكل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع. فهذا المشار إليه حق/ واقع.

_ (1) مارن الأنف مالان من الأنف، وقيل: مالان من الأنف منحدرا عن العظم وفضل عن القصبة [لسان العرب 13/ 404] وهذا من المثل المشهور:" لأمر ما جدع قصير أنفه" وفي ذلك يقول المتلمس: ومن حذر الأيام ما حز أنفه قصير ورام الموت بالسيف بيهس [انظر المستقصي في أمثال العرب للزمخشري 2/ 240، ومجمع الأمثال للميداني 1/ 235، 2/ 196]. (2) هذا من المثل العربي:" حتفها تحمل ضأن بأظلافها" وهذا يضرب لمن يوقع نفسه في هلكة. وأصله أن رجلا وجد شاة، ولم يكن معه ما يذبحها به، فضربت بأظلافها الأرض فظهر سكين فذبحها به، تمثل به حريث بن حسان الشيباني بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلم لقيلة التميمية في قصة اقطاعه الدهناء له. [انظر مجمع الأمثال 1/ 192، وسنن أبي داود" كتاب الإمارة، باب إقطاع الأرضين" والترمذي:" كتاب الأدب، باب ما جاء في الثوب الأصفر].

[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]

والنزاع في هذا الدليل يقع في أمرين: أحدهما: كون الأمر المشار إليه ممكنا، وقد بينا: أن الشرع لم يأت بما ليس ممكنا. والثاني: في كون المخبر به صادقا. وعلى أهل كل ملة بيانه بالدليل. ونحن سنبين صدق محمد- عليه السلام- في أثناء هذا الكتاب، حيث يناسب ذكره،- إن شاء الله تعالى- على وجه يقبله كل منصف عاقل. [المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول] المقدمة الثالثة: إن الأحكام العقلية على وزان الأحكام الحسية. ولهذا إذا أشكل على العقلاء أمر عقلي، ضربوا له مثالا حسيا ليتصور لهم. وصور ذلك كثيرة جدا في سائر العلوم، يعرف ذلك من له أدنى نظر في العلم. وإذا عرفت/ ذلك فاعلم أن الأدلة الشرعية لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف مدلولاتها. فيثبت ببعضها فروع الشريعة دون أصولها، كالخبر المستفيض «1»، وخبر الواحد «2»، والقياس الظني «3»،

_ (1) انظر الكلام عنه في ص: 570. (2) سيأتي الحديث عن خبر الواحد- إن شاء الله- ص: 569. (3) القياس: لغة التقدير نحو قست الثوب بالذراع والجراحة بالمسيار وشرعا: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. وينقسم إلى قطعي وظني، فالقطعي: ما كان الإثبات فيه- أي الادراك- علي وجه الجزم واليقين ويتوقف هذا النوع على العلم بعلة حكم الأصل والعلم بحصولها في-

والاستحسان «1»، والاستصحاب «2»، وقول الصحابي «3» ونحوه. ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والنظريات «4» والمتواترات «5» ونحوها.

_ - الفرع. وأما الظني فهو: ما كان الإثبات- أي الادراك- على وجه الرجحان وغلبة الظن. أي إذا ظن في علة حكم الأصل أو حصولها في الفرع، أو ظن في أحدهما. (انظر المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 142، ودراسات في أصول الفقه للدكتور عبد الفتاح الشيخ ص 197). (1) الاستحسان: في اللغة: عد الشيء واعتقاده حسنا. تقول استحسنت كذا، أي اعتقدته حسنا، أو طلب الأحسن للاتباع الذي هو مأمور به كما في قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (الزمر 17 - 18) وفي الاصطلاح: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص. وقال به الحنفية، وأنكره غيرهم، وقال المنكرون:" من استحسن فقد شرع" (انظر مقدمة: ابن قدامة وآثاره الأصولية للدكتور عبد العزيز السعيد، والمختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 162، وأدلة التشريع للربيعة ص 155 وما بعدها). (2) الاستصحاب: لغة: طلب المصاحبة. واصطلاحا: له عدة تعاريف عند العلماء منها: هو البقاء على الأصل فيما لم يعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع، ويسمى العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي. وهو دليل مختلف في الاحتجاج به (انظر فتاوى ابن تيمية 11/ 342، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص 160، ابن قدامة وآثاره الأصولية متن الروضة ص 155 وما بعدها، التعليقات على الورقات ص 89، أدلة التشريع للربيعة ص 275 وما بعدها). (3) الراجح من أقوال العلماء أن قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة، ولا عرف نص يخالفه: أنه حجة. (انظر فتاوى ابن تيمية 20/ 14، 573). (4) هكذا في النسخ الثلاث ولعل صحيح العبارة:" كالبديهيات والفطريات نسبة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والله أعلم. (5) سيأتي الكلام عن المتواتر في ص: 569.

ووزانه من المحسوسات البناء. فإنه يحتاط لأسه بتخير الآلة الجيدة القوية الثابتة ما لا يحتاط لحشوه وأعلاه، لأن ثبوت أعلاه بأسّه. وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا، ولا تلزمنا لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم، لكونها مظنونة الثبوت. وإن كانت في البخاري «1» ومسلم «2»، لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى. وقد أورث ذلك إشكالا عظيما في أحكام الفروع، واختلافا جمّا بين أهل العلم. فنقول في مثل تلك الأحاديث: هذه لا نثبت بها أصلا، ولا ترد علينا نقصا «3». وإنما المعتمد على ما يثبت به ذلك «4».

_ (1) تقدمت ترجمته ص: 61 من القسم الدراسى. (2) تقدمت ترجمته ص: 175 من القسم الدراسي. (3) في (م): نقصا. (4) تقدمت الإشارة إلى أن الخبر عند بعض المحدثين والفقهاء إما متواتر أو آحاد، والآحاد إما مشهور مستفيض أو خبر واحد، وسيأتي تعريف المتواتر وتعريف المشهور المستفيض، وأنه على الرأي الراجح حجة ما دامت روايته صحيحة وتلقته الأمة بالقبول. وكذا خبر الواحد حجة للعمل به في الدين والدنيا كما سبق أن أوضحت هذا في قسم الدراسة ورددت على الطوفي وغيره من الأصوليين فيما ذهبوا إليه في حجية خبر الواحد.

[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]

وإذا فهمت مقاصد هذه المقدمات، تيسر عليك الجواب، فإن ما أراده هذا الخصم، إن كان من كتبهم كالتوراة والإنجيل ونحوها: منعنا كون ذلك حجة، بما قررناه في المقدمة الأولى. ثم قد نسلمه على جهة التنزل ونجيب عنه بالتزام أو فساد «1» بوجه ما. وإن كان من كتبنا، فإن كان (مما يقصر العقل عن فهمه أجبنا عنه بما حكى هو عن" أرسطو" كما تقرر في المقدمة الثانية، وإن كان «2») مما يصل العقل إلى فهمه أجبنا عنه: إما بأنه مما لا يثبت/ بمثله أصل. بناء على ما قرر في المقدمة الثالثة، أو بتوجيهه وهو يسير بطريق من طرق الأجوبة الجدلية./ والذكي الفطن إذا اقتصر في جواب كتاب هذا النصراني كله على هذه المقدمات كفاه ذلك. مع أني لا أقتصر عليه، بل سأجيب عن كل منه بما أمكن مفصلا- إن شاء الله تعالى- وما كان في عبارته من تطويل لخصته مع الإتيان بكمال المعنى، وأعرضت عن مكافأته على سوء «3» أدبه على النبي صلّى الله عليه وسلم بمثله، لا إكراما له، بل هوانا «4» بقدره ومحله. [المتنبئون الكذبة والتحذير منهم] فأقول: أول ما افتتح به كتابه أن قال:" احذروا من الأنبياء الكذابين، الذين يأتونكم في لباس الضأن، وهم في الباطن ذئاب مغيرة، من ثمراتهم

_ (1) في «م»: أو آفساد ... (2) ما بين القوسين ساقط من (م). وقد أشار المراجع بسهم إلى الهامش عند بداية النقص، ولم يكتب النقص فيه. (3) في (م): عن. (4) في (م): أهوانا.

يعرفون" قال:" وهذه الآية قول الله عز وجل في الإنجيل الطاهر"، وذكر عليها كلاما لا ضرورة لنا إلى ذكره فيما نحن بصدده. قلت: هذا من كلام المسيح ابن مريم «1»، ذكر في الفصل الخامس «2» من إنجيل متى «3». وقول هذا المصنف:" هذه الآية قول الله تعالى «4» في الإنجيل الطاهر" هو بناء على معتقده: أن المسيح هو الله «5». ويكفيه

_ (1) يقول الشيخ رحمة الله الهندي في إظهار الحق ص 330:" ... إن ألفاظ عيسى عليه السلام بعينها ليست بمحفوظة في إنجيل من الأناجيل، بل في كل إنجيل توجد ترجمة أقوال باليوناني على ما فهم الرواة ... " اهـ، وهو كذلك. (2) قلت هذا النص في الفصل السابع من متى حسب ترجمة 1979 م- دار الكتاب المقدس في العالم العربي ولفظه فيها:" احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم" اهـ. (3) متى: يقال إنه أحد الحواريين الاثني عشر الذين آمنوا بعيسى وتتلمذوا عليه بإجماع النصارى، وليس كذلك. كان من جباة الضرائب للحاكم الروماني في ذلك الوقت ولذلك سمى: متى العشار. يقال: إنه كتب إنجيلا بين فيه حياة المسيح مما كان قد شاهده ورآه. وألفه بالعبرية. ثم فقد هذا الإنجيل وترجم بعد ذلك باللغة اليونانية على زعم النصارى، ولم يعلم متى ترجم ومن ترجمه، وبذلك تسقط قيمة هذا الإنجيل. (انظر الفارق بين المخلوق والخالق ص 19 - 20، وتحقيق تاريخ الأناجيل ص 30 - 34، والفصل 2/ 89). (4) كلمة:" تعالى" ليست في (م). (5) قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ ومَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ولِلَّهِ مُلْكُ الآية. المائدة: 17).-

ذلك «1» شناعة وبشاعة على ما قررته «2» بحسب الإمكان في التعليق على الأناجيل الأربعة «3». قلت: وغرضه بتصدير كتابه بهذه الآية «4»: القدح في محمد عليه السلام

_ - وقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ ... الآية (سورة المائدة: 72). (1) في (أ): (ويكفيه من ذلك شفاعة). (2) فى م: على ما قد قررته. (3) عند ما تعرض في كتابه" تعاليق على الأناجيل" لبيان أنها ليست منزلة من عند الله ذكر أن من أدلة ذلك اتفاقهم في أوائل كتبهم وأناجيلهم على أن يقولوا:" بسم الأب والابن والروح القدس إله واحد" وبين أنه لو سمعهم المسيح في ذلك لدعا عليهم بأن يصيروا قردة وخنازير. وأنه لا يرضى منهم هذا الادعاء، ثم أفسد قولهم بالأقانيم الثلاثة، وقياسهم إياها على النفس والنطق والعقل للإنسان، ورد ادعاءهم بأنها صفات للإله وبين فساد مذهبهم على العموم في الإلهية وأثبت نبوته. (انظر مخطوطة الكتاب المذكور من ص 3 - 8). (4) الآية في اللغة على عدة معاني فهي بمعنى المعجزة، والعلامة والعبرة، والأمر العجيب، والجماعة والبرهان والدليل، وكل ذلك وارد في القرآن الكريم إلا بمعنى جماعة. وهي في اصطلاح المسلمين: طائفة ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن. والآية في القرآن تجمع بين المعاني اللغوية كلها. (انظر مناهل العرفان 1/ 331 - 332) ولكن هل يطلق على ما ورد في كتب أهل الكتاب التي بأيديهم آية؟ لم أجد في ذلك شيئا ولكن أرى أنه لا يطلق عليها لعدم الوثوق بأنها من عند الله بل هي محرفة مبدلة وليست المنزلة واطلاق المؤلف هنا تجوزا والله أعلم.

ونسبته إلى الكذب. ولا حجة له «1» فيها على ذلك، فإنها كلام صحيح، ونحن نقول به/ ومحمد صلّى الله عليه وسلم قد حذرنا من الأنبياء الكذابين «2» أيضا «3»، والمسيح عليه السلام لم ينص على أحد بعينه أنه كاذب، بل حذر ممن «4» صفته الكذب، ممن يدعي النبوة. وقد كان في بني إسرائيل متنبئون/ كذبة كثير. كما قد صرح به في نبوة أرمياء في الأصحاح الرابع «5» والخامس «6» والسادس «7» منها. كما ذكر هذا

_ (1) في (م): ولا حجة فيها. (2) في (ش)، (م): الكذبة. (3) من ذلك على وجه الاختصار ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله» (البخاري في المناقب باب علامات النبوة في الإسلام 6/ 616، ومسلم في الفتن ح 84، والترمذي في الفتن باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون، وأحمد 2/ 237). وأخرج مسلم أيضا وغيره عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إن بين يدي الساعة كذابين» وفي رواية ابن ماجه: «إن بين يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي». (مسلم في الإمارة حديث 10 وفي الفتن حديث 83، وابن ماجه في الفتن باب ما يكون من الفتن، وأحمد في المسند 2/ 429). (4) فى النسخ الثلاث:" من صفته" والصحيح ما أثبته. (5) لم أجد في هذا الفصل في التراجم الحديثة نص واضح في هذا. (6) مما قال فيه:" صار في الأرض دهش وقشعريرة، الأنبياء يتنبئون بالكذب، والكهنة تحكم على أيديهم". (7) قال:" لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالريح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب".

النصراني بعينه بعد ذكر هذه الآية بأسطر: أن نحو أربعمائة من بني إسرائيل ادعوا النبوة في «1» زمن" آخاب «2» " ملك بني إسرائيل، وكانوا كذبة وأنهم وعدوه بالنصرة على بعض أعدائه فاغتر بهم فخذل وقتل «3». فالمسيح إنما حذر من مثل هؤلاء، لا من مثل محمد، الذي جاء بأتم «4» أخلاق وآداب ودين لا يتمارى في صدقه بعده إلا جاهل أو مجنون وبمعجزات جمة «5»، بأيسرها تثبت النبوة. على ما سيأتي، بل المسيح بشر بمحمد- عليه السلام- كما سيأتي في موضعه من هذا الكتاب «6»، وكما قررتة في «7» فصل" البارقليط «8» " في

_ (1) في (ش): وفي. (2) " آخاب": أحد ملوك بني إسرائيل، يقال إنه كان في زمن الرسول إلياس- عليه الصلاة والسلام-، وكان يسمع من إلياس ويصدقه، ثم كذبه وعبد الأوثان مثل بني إسرائيل. (انظر الكامل في التاريخ 1/ 118 - 119). (3) لم أجد هذا النص في التراجم الحديثة من الأناجيل الأربعة. (4) كلمة:" بأتم" ساقطة من (م) و (ش). (5) فى (م): جمعة. (6) انظر: 411 - 424. (7) في: ليست في (أ). (8) البارقليط، وتكتب: البرقليط، وتكتب أيضا: الفارقليط: وهو عند بعض النصارى من ألفاظ الحمد إما أحمد أو محمد أو محمود. وقيل: الحامد، وجمهورهم أنه المخلص الناس من الكفر، والمعلم لكل شيء. قلت: وكل هذه الأوصاف تنطبق على محمد صلّى الله عليه وسلم (انظر الأجوبة الفاخرة للقرافي ط الباز ص 166، وهداية الحيارى لابن القيم ط مكتبة المعارف بالرياض ص 55) وفي التراجم الحديثة: المعزي ومعناه: الجاد في أمره، يقال: رجل معز وماعز ومستمعز: جاد في أمره لله (انظر لسان العرب 5/ 411، وإنجيل يوحنا الأصحاح 14).

التعليق «1» على بشارة يوحنا بن زيدي «2». والله أعلم. ثم قال:" وهذا يعني تعريف الأنبياء الكذابين «3» وتعرفهم، والتحذير منهم ضروري، بيّن الضرورة، نافع، ظاهر المنفعة، والعمل به واضح النجح بيّن الصلاح لأنه لا رتبة أعلى ولا خطة أرفع في بني آدم من النبوة. فكم ملتمس رامها بالحيل، فأظهر/ من دقائق «4» الحيل، وخفي المكائد ما اغتر به كثير من ضعفاء العقول، فألقى الشيطان الضلال في الناس، وأدخل بينهم الفساد بواسطة هذا الصنف من الأنبياء الكذابين، كما جاء في قصة" آخاب" ملك إسرائيل، وذكر

_ (1) ذكر ذلك المؤلف في كتابه:" تعاليق على الأناجيل ... " ص 70 - 72 خ وذلك عند ذكره لنص انجيل يوحنا:" والفارقليط روح القدس الذي يرسله أبي باسمي وهو يعلمكم كل شيء ... وإذا جاء ذلك يوبخ العالم على الخطيئة ... ثم إذا جاء روح الحق ذلك فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يكلم كلاما يسمع ويخبركم بما يأتي وهو يمجدني لأنه يأخذ بما هو فيّ ويخبركم" وقد بين الطوفي أن هذا النص بشارة من عيسى بمحمد لأنه لم يأت بعد المسيح من ادعى النبوة، وعلم الناس ونهاهم عن الكفر والمعاصي، وأرشدهم إلى الحق وبالغ في تمجيد عيسى وصدقه في نبوته وقاتل اليهود على تكذيب عيسى وقاتل عباد الأوثان إلا محمد صلّى الله عليه وسلم وقد قال صلّى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بابن مريم إنه لم يكن بيني وبينه نبي" [أخرجه مسلم في الفضائل حديث 143، 144، 145 بألفاظ متقاربة]. (2) يوحنا بن زيدي الصياد لم يكن من الحواريين الاثني عشر ولد بصيدا يقال إن المسيح- عليه السلام- كان يحبه حتى أنه استودعه أمه مريم وهو فوق الصليب- على زعمهم- وهذا كذب ويقال إنه نفي أيام الاضطهادات الأولى نفاه القيصر إلى جزيرة من جزر بحر ايجة وهناك تلقى مناظر الرؤيا، ثم عاد إلى أفسس ولبث بها يبشر بانجيله حتى توفي شيخا. [انظر الفارق بين المخلوق والخالق ص 340 - 342، وتحقيق تاريخ الأناجيل المعتمدة عند النصارى ص 38، والفصل 2/ 89]. (3) في (ش)، (م): الأنبياء الكذبة. (4) في (ش): دفاتر.

قصته مع أربع المائة الذين تنبئوا في زمانه، وقد سبق ذكرهم. قلت: هذا «1» كلام صحيح، لا غبار عليه. ونحن نقول به، لكن غرض هذا الخصم، لا يتم منه بحسب ما هو بصدده إلا ببيان: أن محمدا عليه السلام من هذا الصنف من الأنبياء الكذابين/. وذلك صعب المرام عليه، لوجهين: أحدهما: أنا ما رأينا ولا سمعنا منذ أهبط آدم «2» إلى الآن: أن نبيا كذابا «3» استوسق «4» له ناموسه، كما استوسق دين الإسلام نحو ألف

_ (1) في (م): وهذا. (2) ذكر الله اهباطه لآدم في القرآن الكريم قال تعالى: وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما إلى قوله تعالى: وقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ولَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى حِينٍ (سورة البقرة من 35 - 36) وقال تعالى في سورة طه [123]: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ الآية. وثبت خبر اهباط الله لآدم في صحيح مسلم في [القدر، حديث 15 باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام] وسنن أبي داود في (الصلاة فضل يوم الجمعة، وليلة الجمعة 1/ 634) والترمذي في (تفسير سورة بني إسرائيل- الإسراء- 5/ 308) وفي (فضل الجمعة 2/ 359) وأحمد في المسند 2/ 134، 3/ 430، 4/ 450 كلهم بألفاظ مختلفة. (3) لو قال: أن متنبئا كذابا لكانت العبارة أصح وأدل على المقصود، لأن النبي لا يكذب. ومن يكذب لا يسمى نبيا. (4) استوسق له الأمر: اجتمع له الأمر واستقر [انظر لسان العرب 10/ 380] ومنه ما رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 213) من حديث جعفر بن أبي طالب في الهجرة إلى الحبشة عن أم سلمة: ( ... قالت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده. واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ... ).

سنة «1»، وهو كلما جاء «2» في زيادة وتمكن. بل كان المتنبّئ لا يلبث إلا يسيرا، حتى يفضحه الله، ويهتك ستره، لأن عادة الله في خلقه: أن يحق الحق، ويبطل الباطل، ويجعل العاقبة للمتقين «3». الوجه الثاني: أن تأييد الكذاب بالمعجز، وإظهار أمره، وانقياد الناس له قبيح. لأن فيه التباس النبي بالمتنبي، والقبيح لا يجوز على الله فعله خصوصا على رأي هذا الخصم «4»، في انكار القدر «5». فإن هذا من جملة أدلة القدرية «6»

_ (1) قوله:" الف سنة" هكذا في النسخ الثلاث. ولعل هذا تحريف من النساخ لأن الوحي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة على الأرجح ... وبقي في مكة يدعو الناس إلى دين الله ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة وتكونت دولة الإسلام. وتوفي صلّى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة فيكون الزمن من ابتداء ظهور الإسلام إلى سنة تأليف هذا الكتاب في أواخر سنة سبع وسبعمائة من الهجرة: ثمانمائة سنة تقريبا وليس ألف سنة كما ذكر إلا أن يكون ذكر ذلك للتكثير، فالله أعلم. (2) هكذا في النسخ الثلاث ولعل صحيح العبارة:" وهو كلما جاء زمن- أو عام أو وقت- في زيادة وتمكن". (3) قال الله تعالى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [سورة الأعراف 128]. وقال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ ولا فَساداً والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (سورة القصص 83). (4) سيأتي بيان مذهب الطوفي في التحسين والتقبيح العقليين- إن شاء الله- في ص 468. (5) في (ش): القدرة. (6) القدر: ما يقدره الله ويحكم به من الأمور. [لسان العرب 5/ 74] والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة، وأول من قال فيه قولا شاذا منحرفا عن الحق معبد الجهني المتوفي سنة ثمانين من الهجرة، فأنكر القدر، ثم كثر الخوض فيه بعد ذلك، وصار النزاع في الإرادة وخلق أفعال العباد، فزعمت طائفة منهم المعتزلة أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم والكافر أراد الكفر، فخلق العبد فعله وغلبت إرادته إرادة الله، وقالت طائفة بعكس ما قال هؤلاء: أي أن العبد ليس له إرادة ولا اختيار بل هو مجبور على فعله فإذا أراد الله عليه الكفر فهو مجبور على ذلك. فسمي هؤلاء جميعا" قدرية" والتسمية على الطائفة الأولى أغلب. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 115، وفتاوى ابن تيمية 13/ 36 - 37].

[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]

على نفيه، وسيأتي ذلك في أثناء هذا الكتاب إن شاء الله تعالى «1» وسنذكر من معجزات محمد- عليه السلام- ما يخزى له كل معاند. [حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها] ثم قال:" فينبغي للعاقل أن يعرف أولا: ما النبوة؟ وما فائدتها؟ وما النبي؟ وما شروطه؟ وما مراد الله تعالى بإرساله لعبيده؟ لأنه لا بد من تصور الشيء «2» قبل/ التصديق به، ليكون الإنسان «3» قادرا على التفرقة بين كذب النبوة وصدقها، وعلى الفصل بين الصادق والكاذب من الأنبياء". قلت: هذا كلام صحيح، لا اعتراض لنا، ولا لغيرنا عليه. ثم قال:" ولا بد عند الخوض في هذا من معرفة الكلام في أربعة أمور: حقيقة النبوة، ووجودها، ووقوعها، وضرورة الخلق إليها. ومنفعتها". قلت: هذا أيضا كلام صحيح مسلم. ثم قال:" أما حقيقة النبوة: فإنها وحي صادق نافع للناس إلهي «4»، يكشف عن الغيب الذي لا يمكن انكشافه بحسب مجرى الطبيعة" وذكر ما في هذه القيود من/ الاحترازات، وهي ظاهرة. قلت: وهذا تعريف صحيح لا مطعن عليه. ثم قال:" وأما وقوع النبوة فغير منازع فيه، عند أهل الملل الثلاث «5».

_ (1) انظر ص: 454 وما بعدها. (2) في (أ): النبي. (3) في (أ): الارسال. (4) في (أ): إلهي به يكشف. (5) أهل الملل الثلاث: اليهود، والنصارى، والمسلمون.

وبيانه لمن نازع فيه بحجتين: إحداهما «1»: أن عناية الباري سبحانه/ بخلقه" قد تثبت في اليسير، من مصالح المعاش، كوضع الحواس والأعضاء، متهيئة لما وضعت له ونحو ذلك من نعم الله التي لا تحصى «2». فالعناية بهم في أمر المعاد بإرسال من يهديهم إلى طريق السعادة الأبدية والحياة الدائمة «3»، ويكف شر بعض العالم عن بعض «4»، لينتظم أمرهم أولى «5».

_ (1) في (أ): أحدهما. (2) قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ ونَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والْأَبْصارَ والْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ [السجدة: 4 - 9] (سورة السجدة 4 - 9). (3) في (ش): الدائمة السرمدية. (4) العالم عن بعض: مكررة في (أ). (5) قلت: حاجة البشرية إلى بعثة الرسل فوق كل حاجة، وضرورتهم إلى الرسالة فوق كل ضرورة، لأنه لا حياة للقلوب ولا طمأنينة إلا بمعرفة الله وكيفية عبادته وما الطريق الموصل إلى ذلك، وما لهم في الدار الآخرة من الثواب والجزاء، وأنها هي الحياة الدائمة التي يعمل الإنسان في الدنيا من أجلها، كما أن الحياة الدنيا ستكون جحيما بغير الرسالات التي تنظم الحياة والعلاقات وتوفر الأمن على النفس والعرض والمال وغير ذلك مما لا بد للإنسان منه.

الثانية: ما دل عليه التواتر الكامل الشروط من أن جماعة من الرجال، ادّعوا أنهم رسل الله، وظهرت المعجزات على أيديهم، كمعجزات موسى وعيسى، ورد الشمس ليوشع «1». ثم ذهبوا على أوضح سنن من الطهارة والفضيلة والزهد في الدنيا، ودعوا الناس إلى مثل ذلك: فإن هذا يدل على صدقهم في دعواهم وذلك يفيد وقوع النبوة قطعا، هذا حاصل ما ذكره من الحجتين، لخصته أنا، وهو في عبارته طويل جدا. قلت: وهاتان الحجتان مسلمتان. لكن الأولى مبنية على رعاية الأصلح ونحن لا نقول به وجوبا على الله، بل جوازا «2» على جهة

_ (1) يوشع بن نون أفرائيم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليه السلام- (البداية والنهاية 1/ 319) أحد أنبياء بني إسرائيل. أخرج البخاري في [كتاب الخمس باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم ... » 6/ 220] عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولم يبن بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا آخر اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها. فغزا. فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحسبت حتى فتح الله عليهم ... » الحديث، وقد أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة حديث 32، وأحمد في المسند 2/ 318 بألفاظ متقاربة، وأحمد في المسند (2/ 325) عن أبي هريرة بلفظ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الشمس لم تحبس إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس». وقد ذكر ابن حجر في الفتح (6/ 221) أن هذا الطريق مرفوعة صحيحة. (2) رعاية الأصلح من المسائل المتفرعة عن الخوض في القدر، وقد خاض فيها المعتزلة وغيرهم فقال المعتزلة يجب على الله أن يفعل ما هو الأصلح للعباد في دينهم ودنياهم، وكان ممن نازعهم في ذلك الأشاعرة حيث قالوا إن الله يفعل الأصلح لعباده ولكن ليس هذا بواجب عليه بل-

التفضل «1»، خلافا للمعتزلة. وبهاتين الحجتين بعينهما ثبتت نبوة محمد- عليه السلام-. أما الأولى: فلأنه بعث على فترة من الرسل طويلة «2»، وقد أكل العالم بعضه بعضا خصوصا العرب في جاهليتها وغاراتها. وكانوا يعبدون الأوثان. والنصارى الصلبان. والفرس: النيران. وغير ذلك من المنكرات فأزال الله به ذلك وأبدل الناس به خير ما ينبغي «3».

_ - جائز- وهذا ما يدل عليه كلام الطوفي هنا- والحق أن الله يخلق ويفعل لحكمة ومصلحة يريدها سبحانه وهذا من عدله ورحمته التي وسعت كل شيء، فإرسال الرسل مثلا مصلحة عامة للناس وإن تضمن شرا لبعضهم لمعصيتهم إياهم. وهكذا سائر ما يفعله ويقدره سبحانه تغلب فيه المصلحة والرحمة والمنفعة [انظر منهاج السنة 1/ 171 - 172، الغنية في أصول الدين للمتولي النيسابوري ص 139 - 141]. (1) في (ش)، (أ): التفصيل. (2) أخبر الله تعالى أنه قد أرسل رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم إلى اليهود والنصارى وغيرهم من العرب والعجم فكان خاتم النبيين المعقب لهم فقال سبحانه: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ ونَذِيرٌ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (المائدة: 19] ومعنى" على فترة" أي بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى بن مريم، وقد اختلفوا في مقدار هذه المدة، وأشهر الأقوال أنها ستمائة سنة. والله أعلم. [انظر تفسير ابن كثير 2/ 5 3]. (3) أي خير ما يصلح الناس. قال ابن الأعرابي:" وما ينبغي له: وما يصلح له". (لسان العرب 14/ 77).

ولا نعلم زمنا قط، كان أحوج إلى/ النبوة من زمن نبوة محمد- عليه السلام «1» -. وأما الثانية: فلأنه ثبت بالتواتر الكامل الشروط. أنه عليه السلام ادعى النبوة وظهرت على يديه «2» معجزات خارقة سيأتي بيانها وإثباتها على من أنكرها في موضعه إن شاء الله تعالى ثم توفي صلّى الله عليه وسلم «3» على أوضح سنن، وأظهر طريقة، وأزكاها وأزهدها في الدنيا، ودعى الناس إلى ذلك، والخصم ينازع من هذه الجملة في ظهور المعجز على يده، وفي طهارته. وسيأتي إثباتهما.

_ (1) طال الزمن الذي لم يبعث فيه نبي، وساد الظلام في العالم. وخفقت أصوات الأنبياء والمرسلين بالتوحيد النقي والدين الخالص، حل محلها صيحات الجهل والضلالة التي صاح بها المحترفون والدجالون، وأصبحت الديانات- وآخرها المسيحية- فريسة العابثين، والمتلاعبين، ولعبة للمنحرفين، حتى فقدت روحها وشكلها. وعكف المجوس على عبادة النار وبناء الهياكل لها. وتحولت البوذية في الهند وآسيا الوسطى، تحمل معها الأصنام حيث سارت، وتنصب تماثيل" بوذا" حيث حلت، وساءت أخلاق العرب فأولعوا بالخمر والقمار، وسقوط منزلة المرأة، وجعلها من سقط المتاع، وو أدوا البنات، وأغرموا بالحرب، وهانت عليهم إراقة الدماء فاختار الله من العرب من ينقذ البشرية من هذا الظلام الدامس، والشقوة الطويلة محمدا صلّى الله عليه وسلم فسعدت البشرية حتى النصارى وغيرهم من أصحاب الديانات الذين كانوا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية، وإن كانوا من أعداء ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم ما يدل على أنه بعث رحمة للعالمين، وأنه رسول رب العالمين. (2) في (ش)، (أ): على يده. (3) سقطت كلمة" وسلم" من (أ) و (ش).

ومن معجزاته: انشقاق القمر له «1»، ورد الشمس لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه «2» فكان ردها معجزا للنبي عليه السلام/ وكرامة لعلي رضي الله عنه «3» وقد صحح الحديث بذلك «4»:" الطحاوي «5» " و" القاضي عياض «6» وحسبك بهما إمامين في العلم ولا التفات مع ذلك إلى من جعله موضوعا. إذ

_ (1) قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ وأخرج البخاري في أكثر من موضع منها في تفسير سورة اقتربت الساعة (54) ومسلم في كتاب صفات المنافقين حديث 43، وأحمد في مواضع منها: (1/ 377) عن ابن مسعود قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلّى الله عليه وسلم فصار فرقتين، فقال لنا: (اشهدوا، اشهدوا). (2) تقدمت ترجمته ص 89 من الدراسة. (3) عنه: سقطت من (م). (4) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار 20/ 8 - 9) من طريقين صححها عن أسماء بنت عميس، والقاضي عياض في الشفاء (1/ 185) وتبع الطحاوي في تصحيح الحديث. وتبعهما بعض أهل العلم كعلي القاري وأحمد الخفاجي في شرحيهما للشفاء (3/ 10 - 13) وابن حجر في الفتح (6/ 221 - 222) وقال:" وهذا أبلغ في المعجزة، وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه والله أعلم" اهـ. وقد خالف هؤلاء ابن الجوزي كما تقدم وابن تيمية في منهاج السنة (4/ 186 - 195) وبين وجاهة وضعه من حيث المتن، وتبع ابن تيمية تلاميذه ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 323) وابن القيم في المنار المنيف ص 68، والذهبي في تلخيص الموضوعات. [انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/ 400] وتبعهم الألباني في المرجع السابق (2/ 395 - 401]. قلت: وعدم الحاجة إليه في إقرار معجزة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم أو كرامة علي لوجود ما هو أقوى منه وأظهر في معجزته صلّى الله عليه وسلم، وفضل علي- رضي الله عنه- يجعلنا نميل إلى ضعفه وعدم الاحتجاج به لا انكاره وتكذيبه، والله أعلم بالصواب. (5) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 177. (6) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 178.

الإثبات مقدم، وردها ليوشع إنما ثبت عندنا بخبر من أخبار الآحاد، إذ لا وثوق لنا بما يخبر به أهل الكتاب. فحينئذ الذي ثبت ليوشع النبي، قد ثبت مثله لواحد من أصحاب محمد- عليه السلام-. قال:" وأما ضرورة الخلق إليها، فلأنه لا يمكن التوصل إلى معرفة كثير من الأمور «1» الإلهية بمجرد العقل ضرورة، ولا نظرا. بدون الاطلاع الإلهي على ذلك تكميلا لقصور العقل الإنساني- إذ الموجودات بالنسبة إليه إما معلوم «2» ضرورة، كالعلم بأن/ الجزء أصغر من الكل، أو نظرا كالعلم بوجود الإله، واستحالة الخلاء «3»، أو ما يعجز عن إدراكه، كالعلم بعدد أنواع الحيوانات والنبات فضلا عن عدد أشخاصها، وكالعلم بفصول أكثر الأنواع وبكثير من الطبائع والحقائق على الجملة، لا نشك في أن المجهول عندنا غالب على المعلوم منها. فما ظنك بالأمور الإلهية/.

_ (1) كلمة:" الأمور" ساقطة من (أ). (2) هكذا في النسخ الثلاث ولعل" معلومة" أصح. (3) الاستحالة من استحال الشيء: أي تغير عن طبعه ووصفه، والمحال: الباطل غير الممكن الوقوع وهي عند الفلاسفة عبارة عن استبدال حال الشيء في ذاته أو صفة من صفاته لا دفعة واحدة بل يسيرا يسيرا. وأما الخلاء فهو من خلا المنزل من أهله يخلو خلوا، وخلا فهو خال، أي لا شيء فيه ولا أحد. وهو في اصطلاح الفلاسفة: عبارة عن بعد قائم لا في مادة من شأنه أن يملأه الجرم. ويمكن أن يعرف بأنه أبعاد ليس فيها جسم. وهو عند المتكلمين: الفضاء الموهوم. [انظر مختار الصحاح ص 188، والمصباح المنير 1/ 190، 216، ولسان العرب 14/ 237، ودرء تعارض العقل والنقل 6/ 215، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين ص 100، 96، والمعجم الفلسفي 1/ 65، 537].

[فوائد النبوات ومنفعتها]

ثم ذكر كلام" أرسطو" و" ابن رشد" و" أبي حامد" الذي قدمنا ذكره في المقدمة الثانية. قلت: هذا كلام صحيح، لا نزاع فيه. لكن قوله:" كالعلم باستحالة الخلاء" رأي فلسفي، والمتكلمون يخالفونهم فيه، ونبهت «1» على هذا. وإن لم يتعلق بما نحن بصدده. وقد ذكر المتكلمون فوائد النبوات «2»: [فوائد النبوات ومنفعتها] منها: تعريف أوضاع العبادات ومقاديرها ومواقيتها وكيفياتها ومقوماتها من شرط وركن ونحو ذلك. ومنها: إقامة الحجة على الخلق. إذ بدونها لا تقوم حجة الله على خلقه، كما صرح به في غير موضع من القرآن، كقوله: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... (165) «3» وقوله: ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ ... (134) «4» الآية، وغيرها. ومنها: تعريف الأحكام الفلكية كتفاصيل علم الهيئة «5»، وأدوار الفلك،

_ (1) في (أ): وشهد. (2) في (أ): فوائد النبوة. (3) سورة النساء، آية: 165. (4) قال الله تعالى: ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ونَخْزى (سورة طه، آية: 134). (5) هو علم ينظر به في حركات الكواكب الثابتة، والمتحركة، والمتميزة، ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها لهذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية. [مقدمة ابن خلدون ص 487، وانظر دائرة معارف القرن العشرين 6/ 628]. ويسمى أيضا علم المجريات وعند الفلاسفة الحدسيات. واطلاق لفظ العلم عليه فيه نظر [انظر الرد على المنطقتين ص 388].

وحركات الكواكب. فإن ذلك مما لا تستقل «1» به عقول البشر، ولا تفي أعمارهم بادراكه بالتجربة لو اشتغلت به عقولهم «2». ومنها: تعريف الأحكام البطنية كقوى الأدوية والأغذية وخواصها، ومنافعها، ومضارها «3»، إذ الأعمار لا تفي بمعرفة ذلك بالتجربة «4»، كما قال" أبقراط «5» ":

_ (1) في (أ): يستقل. (2) كان دور الأنبياء فيما يتصل بذلك: الاستدلال- بالكواكب والأفلاك وعظيم خلقها وحركتها العجيبة واتقان صنعها ونظامها العجيب- على وحدانية الله وعظيم قدرته وبيان الحكمة من خلق هذه الأفلاك والكواكب ومنفعتها للخلق، كالاستضاءة والاهتداء بها وحساب الوقت والزمن، وكونها مواقيت للناس في معاملاتهم وعباداتهم كالصوم والحج والفطر ومدة الحمل وغير ذلك. والآيات القرآنية في ذلك كثيرة لا يمكن إيرادها في هذا المكان منها قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِ الآية (سورة البقرة 189) وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (سورة يونس 5) وقوله تعالى: وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الأنعام: 97] (سورة الأنعام 97) وغيرها. (3) كلمة:" مضارها" ليست في (م)، (ش)، وهي من هامش (أ). (4) عرف نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم أن كل داء له دواء، قد يهتدي إليه البشر أو لا يهتدون، كما في قوله صلّى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد (4/ 278): «إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله» [وبعضه في البخاري ومسلم). وأعظم الأدوية للمؤمنين القرآن الكريم: ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (الاسراء 82)، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وشِفاءٌ (فصلت 44). وقد ذكر النبي صلّى الله عليه وسلم كثيرا من الأغذية والأدوية كالعسل والحجامة وغيرهما وبين ما فيهما من منافع، ولكن تجارب الأطباء في الأدوية وخواصها ومنافعها ومضارها كثيرة جدا، فليس معرفة الأحكام الطبية مقصورة على النبوات. (5) أبقراط بن راقيلسر الطبيب الحكيم اليوناني، وهو من نسل اسقلينوس الذي كان بداية صناعة الطب منه، والذي كان الملوك يختارون الملك من نسله، وكان أبقراط يلبس السواد، وهو شعاره، برع في علم الطب. (انظر نزهة الأرواح ... في تاريخ الحكماء والفلاسفة 1/ 217 - 226).

" العمر قصير، والصناعة طويلة، ... والتجربة «1» خطر، والقضاء عسر «2» ". قلت: ومنها: ما أجرى الله سبحانه على أيديهم من البركات من جلب المصالح، ودرء المفاسد، والدعاء لهم، كإبراء المرضى «3»، ودعاء موسى لقومه، برفع العذاب عنهم مرارا «4»، ورد النبي- عليه السلام- عين قتادة بن النعمان عليه «5»، وأشباه ذلك.

_ (1) في (م): وللتجربة. (2) العبارة في الملل والنحل للشهرستاني (2/ 111):" العمر قصير، والصناعة طويلة، والوقت ضيق، والزمان جديد، والتجربة خطر، والقضاء عسر". اهـ. (3) كما قال تعالى: ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة آل عمران آية 49). (4) كما قال تعالى: ولَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47) وما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (سورة الزخرف: 46 - 50)، ولَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ولَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (سورة الأعراف 134 - 135). (5) الصحابي قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري عقبي بدري شهد المشاهد كلها. قيل: إنه أول من دخل المدينة بسورة من القرآن هي سورة مريم. كانت معه يوم الفتح راية بني ظفر، توفي- رضي الله عنه- في خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ونزل قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري- رضي الله عنهما-. وقصة رد عينه في غزوة أحد أو في غزوة بدر ذكرها الحاكم في المستدرك (3/ 295)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/ 99 - 100، 251 - 253) بخمسة أسانيد وأورد منها ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 291) طريقين قال في أحدهما:" وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده جيد ولم يخرجوه" وذكر القصة ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 187 - 188).

قال:" وأما منفعة النبوة: فكما قال" أبو حامد" في رسالة التوفيق «1» في ثلاثة أشياء. أحدها: إصلاح الأخلاق النفسية كالعدل والعفة والصدق والنجدة والحلم والصبر/ والرحمة في مواضعها، والتزام/ حسنها، واجتناب سيئها كأضداد ذلك، فإنه لا غنى للعاقل في معاشه عن ذلك. الثاني: حفظ حقوق الناس من دم ومال وعرض ونحوه، ورفع المظالم «2» من بينهم، وإلا هلك العالم/، واختل نظامه. الثالث: نجاة النفس من الهلكة في الدار الآخرة بمعرفة الخالق- سبحانه- وطاعته، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بمجرد الفلسفة «3» بدون النبوة. ومن ادعى ذلك فدعواه مجردة عن دليل الحق «4»، إذ الفلاسفة مختلفون في الآراء كغيرهم، فمتابعة بعضهم دون بعض ترجيح بلا مرجح". قلت: هذا كلام صحيح، وهو من جملة فوائد النبوة، وضرورة الناس إليها، المذكورة في الفصل قبله. وقد جاء محمد صلّى الله عليه وسلم من ذلك بأفضل مما جاء به كل من سبقه. يعرف ذلك بالنظر الانصافي «5» في دين الإسلام، وقوانينه «6» الأصلية والفرعية.

_ (1) في (ش): الرفيق، قلت: لم أعثر على هذه الرسالة. (2) في (ش): التظالم. (3) في (أ): الفلاسفة. (4) كلمة" الحق" ليست في (م) و (ش). (5) " في": ليست في (أ). وفي هامشها: بنظر الإنصاف. (6) قوانين: جمع قانون، وقانون كل شيء: طريقه ومقياسه. ويقال إنها دخيلة على العربية. (انظر لسان العرب 13/ 349، مختار الصحاح ص 553).

(شروط النبوة)

قال:" وإذ قد فرغنا مما ذكرناه. فنبين: ما النبي؟ وما شروطه؟ فنقول: [النبي وشروطه] النبي: هو الذي يعطى الوحي من عند الله على الصفة المذكورة في حد النبوة" «1». قلت: هذا مسلم. قال:" وأما شروطه فأربعة نسوقها بعد توطئة وتمهيد لذلك". وحاصل التمهيد الذي ذكره:" أن من تردد في شيء فإنه لا يقف على حقيقته إلا بالنظر. فكذلك النبي إنما يعرف صدقه من كذبه بوجود الشروط الأربعة فيه «2». أولها: الصدق. وثانيها: طهارة النفس ونزاهتها عن الفواحش، لأن النبي

_ (1) النبي مشتق من النبأ بمعنى الخبر، فإن كان المراد أنه يخبر أمته بما أوحي إليه فهو فهو فعيل بمعنى فاعل، قال تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (سورة الحجر: 49) وإن كان لم يؤمر بتبليغ أمته ما أوحي إليه فهو بمعنى مفعول. قال تعالى: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (التحريم: 3) ويصح أن يكون مأخوذ من النبإ، أو النبوة- وهو ما ارتفع من الأرض- والنباوة، وكلها بمعنى الارتفاع والظهور، وذلك لرفعة قدر النبي وظهور شأنه وعلو منزلته. والنبي هو: من أنبأه الله بخبر السماء. (انظر الرسل والرسالات، للأشقر ص 13، ولسان العرب 3/ 561 - 573، وبصائر ذوي التمييز 5/ 14، مذكرة التوحيد للشيخ عبد الرزاق عفيفي ص 44، ولوامع الأنوار 1/ 49، 2/ 265). (2) لم أجد فيما أطلعت عليه من كتب السلف تحديد هذه الشروط الأربعة إلا الماوردي في أعلام النبوة ص 25 قال:" فإذا أثبت أن النبوة لا تصح إلا ممن أرسله الله تعالى بوحيه إليه فصحتها فيه معتبرة بثلاث شروط تدل على صدقه ووجوب طاعته: أحدها: أن يكون مدعي النبوة على-

من عند الله، فوجب أن يكون على صفته «1» في الصدق

_ - صفات يجوز أن يكون مؤهلا لها لصدق لهجته وظهور فضله وكمال حاله ... والشرط الثاني: إظهار معجز يدل على صدقه ... والشرط الثالث: أن يقرن بالمعجز دعوى النبوة ... " اهـ. والظاهر أن هذا التقسيم وهذه الشروط استنتاجا من حال الأنبياء وإلا فإن الصادق المدعي للنبوة ومعه من الله برهان لا يشك العقلاء في نبوته. (1) اختار الله في كل أمة رسولا أوحى إليه وأمره بدعوة الناس إلى عبادة الله، وكلهم صادقون مصدقون بارون راشدون كرام بررة أتقياء أمناء هداة مهتدون، مؤيدون من ربهم بالبراهين الظاهرة والآيات الباهرة قد بلغوا جميع ما أرسلهم به الله، لم يكتموا شيئا، ولم يغيروا ولم يزيدوا فيه شيئا من عند أنفسهم ولم ينقصوا حرفا فكانوا غاية في الصدق وطهارة النفس معصومين من الفواحش والكبائر، ولكنهم مع ذلك بشر حكمهم حكم البشر قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (آخر سورة الكهف). إلا أن الله حفظهم ويحفظهم من كبائر الذنوب وحتى الصغائر فيما يوحي إليهم ويبلغونه للناس، ولكنهم بشر لا يماثلون الله لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما هو مذهب النصارى الذين يقولون إن عيسى عليه السلام هو الله أو ابن الله:" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (المائدة 17، 72)، وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (التوبة 30) والنصراني في هذه العبارة يرى بناء على مذهبه أن النبي يجب أن يكون على صفة من أرسله في الصدق والطهارة والنزاهة، ونحن لا نقبل هذا لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ... (النساء 87) ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (النساء 122) فهو سبحانه متصف بصفات الكمال. والرسل متصفون بالصدق وغيره من الصفات الحميدة والخلق الرفيعة: وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [(القلم: 4) ولكن ليسوا على صفة الله لأنهم لو ساووا الله فيما يتصفون به لكانوا آلهة مشاركين لله في ربوبيته ولعلا بعضهم على بعض وهذا لا يقبله عقل سليم ولا فطرة، ولم يرد بذلك نص. والطوفي لم يفطن لهذا- والله أعلم- وإلا لرده كما رد على النصارى هذا المذهب في تعاليقه على الأناجيل (63 خ).

والطهارة والنزاهة «1». قلت: هذا كلام صحيح. بل طهارة النفس وتزكيتها واجب على كل أحد لكن منهم من يحصل/ له ذلك، ومنهم من يحرمه. أما الأنبياء فهو لازم فيهم لأنهم أمناء الله على خلقه ووحيه، صيانة له. قال:" وقد تكلم في هذا الموطن- يعني موطن الطهارة، وهي الشرط الثاني-" موسى بن عبيد الله «2» " الفيلسوف. في فصل" النبوة" في كتابه المسمى: " دلالة الحائرين «3» " فقال:" امتحان النبي الصادق، هو اعتبار كماله، وتعقب أفعاله، وتأمل سيرته. وأكبر علاماته: اطراح اللذات البدنية، والتهاون بها، فإن ذلك شأن «4» أهل العلم، فضلا عن الأنبياء. وخاصة الحاسة التي هي عار علينا، كما ذكر" أرسطو" ولا سيما قذارة النكاح منها. ولذلك فضح الله بها كل مدع،

_ (1) في أ: وللنزاهة. (2) تقدمت ترجمته في الدراسة ص 165. (3) هو كتاب في الفلسفة سماه بالدلالة، وبعضهم يذمه ويسميه الضلالة، ترجم إلى اللاتينية، وطبع أيضا ونشر قسم منه سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة في القاهرة باسم:" المقدمات الخمس والعشرون ... من دلالة الحائرين" بالحروف العربية. قدم له محمد زاهد الكوثري. [انظر الأعلام للزركلي 7/ 330، هامش رقم (5) الجزء الأول من كتاب درء تعارض العقل والنقل بتحقيق د. محمد رشاد سالم ص 131]. (4) في أ: من شأن.

ليتبين الحق، ولا يضلوا، ولا يغلطوا «1» ". ثم ذكر قصة رجلين ادعيا النبوة، وانهمكا في حساسة لذة الجماع، حتى زنيا، فافتضحا، وأحرقهما ملك بابل «2». كما ذكر ارمياء النبي أو قال برميا النبي «3» في الباب التاسع والعشرين «4». قلت: شرع العلج «5» يدس الدسائس، ويقدم/ المقدمات الردية، ليستنتج

_ (1) قلت: هذه المغالطة كرر ترويجها في الترجيح بين المسيح ومحمد- عليهما السلام- القس الإنجليزي الذي اختاره الإنجليز ليكون مندوبا لهم في الخليج لبسط نفوذهم فيه ... وقد اشتهر بدهائه وعدائه للإسلام فكتب كتابا سماه:" مفتاح الخزائن ومصباح الدفائن" وضمنه الرد على المسلمين والاعتراض على نبوة سيد المرسلين ووزع منه نسخا كثيرة في الخليج للتلبيس على ضعفاء العلم والإيمان من المسلمين ومما وضع في هذا الكتاب هذه المغالطة. وقد تولى الشيخ عبد العزيز آل معمر- رحمه الله- الرد على هذا النصراني- كما بينت في الدراسة-. [انظر منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب ص 108 - 126]. (2) بابل: اسم ناحية منها الكوفة والحلة، وقيل: أرض العراق كلها هي بابل. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 145، وهامش رقم 8 من نفس الصفحة]. (3) في (ش) و (م): ترميا، وفي الكامل (1/ 153، 2/ 21" برخيا بن حنانيا" ولم أجد له ترجمة يتضح منها صحة اسمه. (4) هذا النص لم أجده في التراجم الحديثة، وسيأتي قول المؤلف أنه لم يجده أيضا في نبوة ارمياء في تراجم القرن السابع الهجري [انظر ص 278 من هذا الكتاب]. (5) العلج: الرجل من الكفار العجم ويقال أيضا لحمار الوحش لاستعلاج خلقه وغلظه، وكذا إذا سمن وقوي قيل له: علج، والأنثى علجة وجمعه علجة وأعلاج وعلوج، أخرج البخاري في فضائل الصحابة باب الاتفاق على عثمان وقصة مقتل عمر:" فطار العلج بسكين ذات حرفين ... فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه ... " الحديث. ويجمع على أعلاج، كما روى أبو داود في الجهاد باب في قتل الأسير بالنبل:" غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتى بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا" أي في غير المعركة وفي حديث البخاري السابق أن عمر قال لابن عباس:" قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة" [انظر بالإضافة إلى ما سبق لسان العرب 2/ 326، والمصباح المنير 1/ 507].

منها النتائج الخبيثة،" ومثلي لا يغالط في الحساب" «1». فأقول: أما قول الفيلسوف:" امتحان النبي الصادق باعتبار كماله، وتعقب أفعاله. وتأمل سيرته" فهذا صحيح. ومن تأمل ذلك من نبينا محمد- عليه السلام- تأمل منصف، لم يجد مقالا، فإنه كان على الغاية في العدل والزهد والورع والتواضع. يعرف ذلك بالنظر في سيرته المنقولة عنه، ولسنا بصدد بيان ذلك مفصلا، إذ فيه كتب مصنفة/ من جيدها كتاب" رياض الصالحين" للنووي «2». وأما اطراحه اللذات البدنية سوى النكاح- فكان في الغاية منه، فإنه لم ينقل عنه أنه أكل مرققا «3»، ولا على

_ (1) مثل تقوله العرب لمن يريد مغالطة آخر. [انظر لسان العرب 7/ 363]. قلت: أخرج البخاري في المواقيت باب الصلاة كفارة، ومسلم في الإيمان باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا، حديث (231) عن حذيفة- رضي الله عنه-:" وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت. حديثا ليس بالأغاليط" وهذا لفظ مسلم: والأغاليط جمع أغلوطة وهي اعتراض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط ليستزلوا بها ويستسقط رأيهم فيها. [انظر معالم السنن بهامش سنن أبي داود 4/ 66، وفتح الباري 6/ 606]. (2) في نسخة (أ): للنواوي، وفي فوات الوفيات، والذيل عليها للكتبي (4/ 264 - 265)، ويقول ابن العماد:" بحذف الألف ويجوز إثباتها"، وترجمته تقدمت في الدراسة ص 175. (3) مرققا: أي خبزا ملينا محسنا كخبز الجواري وشبهه، والترقيق: التليين ولم يكن عندهم مناخل. وقد يكون المرقق: الرقيق الموسع. قال ابن حجر بعد أن نقل هذا الكلام عن القاضي عياض: " وهذا هو المتعارف وبه جزم ابن الأثير، قال: الرقاق الرقيق، مثل طوال وطويل، وهو الرغيف الواسع الرقيق". [فتح الباري 9/ 530]. قلت: قد أخرج البخاري في الأطعمة، باب الخبز المرقق ... عن قتادة قال:" كنا عند أنس وعنده خباز له فقال: ما أكل النبي صلّى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي الله" اهـ.

[موقف النصارى من النكاح]

أسكرجة «1»، ولا نام على فراش وطئ «2». وكان يقول:" ما لي وللدنيا/. إنما أنا والدنيا كراكب نام تحت شجرة ثم قام وتركها «3» ". [موقف النصارى من النكاح] وأما قوله:" الحاسة التي هي عار علينا، كما ذكر" أرسطو" ولا سميا قذارة النكاح منها". فنقول أولا لهذا المصنف النصراني: أنت قد قدمت في فوائد النبوة: أن مقاصدها لا تحصل بمجرد الفلسفة. فكيف جعلت قول الفلاسفة كموسى بن عبيد الله، وأرسطو: حجة في تقبيح حاسة النكاح؟ هذا تهافت لا يسمع.

_ (1) أسكرجة: أوله همزة، وهو قول بعض أهل اللغة، وفي لسان العرب: سكرجة بدون همز، بضم السين والكاف والراء والتشديد بعد جيم مفتوحة. وهو لفظ الحديث الذي أخرجه البخاري في الأطعمة، باب ما كان النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، عن أنس- رضي الله عنه- قال:" ما أكل النبي صلّى الله عليه وسلم على خوان ولا في سكرّجة، ولا خبز له مرقق. فقلت لقتادة: على ما يأكلون؟ قال على السفر" وأخرج الحديث أيضا الترمذي في أول الأطعمة، وابن ماجه في الأطعمة باب الأكل على الخوان والسفرة. وأحمد في المسند (3/ 130) والسكرجة: فارسية معربة، وهي إناء يؤكل فيه، منه الصغير ومنه الكبير [انظر لسان العرب 2/ 299، وفتح الباري 9/ 532]. (2) الوطي السهل اللين. [انظر إكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 754]. (3) أخرجه الترمذي بسند عن عبد الله قال:" نام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثّر في جنبه، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها" قال الترمذي:" وفي الباب عن عمر وابن عباس، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" اهـ. وقد أخرجه ابن ماجه عن عبد الله في الزهد، باب مثل الدنيا، وأحمد في المسند (1/ 301) عن ابن عباس ولفظهما نحو لفظ الترمذي.

ثم نقول لهذا الفيلسوف: حاسة النكاح عار على من «1»؟ عليك؟ أو على الأنبياء ومن تابعهم؟ إن قلت: عليك. قلنا: عندك أو عندهم؟ إن قلت: عندك فأنت لا عند لك: بل أنت من أعداء أهل الشرائع. ومن أول عداوتك لهم، وطعنك عليهم، تقبيحك عليهم شيئا أجمعوا على جوازه منذ أهبط آدم إلى الآن، وأنت قد اعترفت بصحة نبوتهم وعقولهم، فأحد الأمرين لازم: إما فساد عقلك في إنكارك عليهم التشاغل بالنكاح، أو فساد عقلك في اعترافك بصحة نبوتهم، وكمال عقولهم. ويقال لأرسطو: ألست القائل آنفا: إن حال عقولنا عند النظر إلى المبادئ «2» كحالة الخفاش عند النظر إلى الشمس. فمن أين لك أن عقلك لم يقصر عن إدراك حكمة الباري- سبحانه- في إباحة النكاح للأنبياء- عليهم السلام «3» -؟ وهل هذا إلا تهافت؟ وإن قلت: عند الأنبياء. فهذا كذب عليهم. فإن الأنبياء أجمعوا على حسنه وحكمة الله فيه، من تكثير العباد والعبّاد، وعمارة الأرض، ودوام العالم، وبقاء النوع الإنساني الذي أجمعت الحكماء على أنه خلاصة الوجود، وتنوع «4» أنواعه. وإن قلت على الأنبياء- عليهم السلام «5» - فأنت قد اعترفت بكمالهم! / والاقدام على العار ينافي الكمال. فهذا تهافت منك بكل حال.

_ (1) على من: ليست في (ش). (2) في (أ): المتاذى. (3) " عليهم السلام": ليست في (م). (4) في ش، م: ونوع أنواعه. (5) " عليهم السلام": ليست في (م)، (ش).

[فوائد النكاح وفضيلته]

[فوائد النكاح وفضيلته] وأما ما ذكر من قذارة/ النكاح، فنقول: لا نسلم أن فيه قذارة، بل فيه مصالح: منها: سرور النفس به، وانشراحها للعبادة، ولعل بدونه لا تنشرح لذلك. ومنها: تحصين الفرج عن الزنا المحرم «1» بإجماع أهل الملل والعقول. ومنها: تحليل فضلات البدن المحتقنة فيه، وانعاش الحار الغريزي «2» به، فيخف بذلك البدن وينشط. ولهذا بعض الناس يمرض بتركه وتكثر في بدنه الجراحات «3» والدماميل ونحوها «4».

_ (1) وقد دعا محمد صلّى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ... » الحديث. أخرجه البخاري في عدة مواضع منها" كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة" ومسلم في النكاح الحديث الثالث، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي كل منهم في أول كتاب النكاح، وأحمد في المسند (1/ 378، 324، 425، 432، 447). (2) الحار: الساخن. والحرارة حرقة في الفم من طعم الشيء أو حرقة في القلب من التوجع. والغريزي: هو المنسوب إلى الغريزة، وهي صورة من صور النشاط النفسي، فيقال: الحرارة الغريزية، أو الميول الغريزي. ويقال إن الحرارة الغريزية تزيد من الصباح إلى بعد الظهر زيادة بطيئة تصل إلى الكمال وتبقى كذلك إلى الثلث الأول من الليل ثم تأخذ بعد ذلك في النقص ثانيا وهكذا- والله أعلم-[انظر المعجم الوسيط 1/ 165، المعجم الفلسفي 2/ 127 - 128، ودائرة معارف القرن العشرين 3/ 407]. (3) في (ش): الحرارات. (4) ومما يسببه المني إذا دام احتقانه: الوسواس، والجنون والصرع.

ومنها: أنه يحسن الخلق، ويبسط بشرة الوجه «1». وقد نص" جالينوس" «2» على أن سبب سوء خلق الخصيان، وتعبيس وجوههم وانتهارهم لمن كلمهم: ترك «3» الجماع، لاحتباس الماء، وتعفنه في أبدانهم. ولئن سلمنا أن فيه قذارة فالجواب من وجهين: أحدهما: أن قذارته شرعية أو طبيعة؟ إن قلت: شرعية. فهو ممنوع فإن الذي «4» يصلح أن يضاف إليه الاستقذار في الجماع/ هو: المنيّ «5»،

_ (1) ومن مصالح النكاح ومقاصده الحسنة: حفظ النسل، ودوام النوع الإنساني، إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله تعالى بروزها إلى هذا العالم، وهذه مصلحة عظيمة دالة على فضيلة النكاح، والشرائع جاءت لتحصيل المصالح. (2) هو أشهر الأطباء اليونانيين القدماء بعد أبقراط، قيل كان من حكماء اليونانيين الذين كانوا في الدولة القيصرية بعد بنيان رومية، ومولده ومنشؤه بفرغامس مدينة صغيرة من مدن آسيا شرقي قسطنطينية. وكان عالما بالتشريح. [انظر طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 41، ودائرة معارف القرن العشرين 3/ 3 - 13، نزهة الأرواح وروضة الأفراح في تاريخ الحكماء والفلاسفة 1/ 340 - 359]. (3) في (أ): بترك. (4) في (م): فالذي. (5) اختلف العلماء في طهارة مني الآدمي فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله يابسا أو رطبا. ودليلهم حديث عائشة عن مسلم في الطهارة باب حكم المني:" أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه" وذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه إلى أنه طاهر، ودليلهم الرواية الثانية عن عائشة عند مسلم في الموضع السابق في المني قالت" وكنت أفركه من ثوب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه" وحملوا رواية الغسل على الاستحباب والتنزه والنظافة كما هو شأن النجاسة والبصاق ونحوهما. وهذا هو الراجح- والله أعلم-. [انظر شرح النووي لصحيح مسلم 3/ 197 - 198، مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 587 وما بعدها].

والمذي «1»، ورطوبة فرج المرأة «2». وهذه الأشياء طاهرة عند كثير من أهل الشرع.

_ (1) مذي فيه لغات: بفتح الميم وإسكان الذال وبفتح الميم وكسر الذال مع تشديد الياء، وبفتح الميم وكسر الذال مع تخفيف الياء والأوليان مشهورتان كما قال الإمام النووي:" وأولهما أفصحهما وأشهرهما." وهو ماء رقيق لزج يخرج عند ملاعبة المرأة. [انظر المصباح المنير 2/ 689، وشرح النووي على صحيح مسلم 3/ 213]، واختلف العلماء في نجاسته فقال جمهورهم: إنه نجس، واستدلوا بحديث علي عند مسلم (كتاب الحيض، باب المذي) وعند غيره:" كنت رجلا مذاء، وكنت استحي أن أسأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: (يغسل ذكره ويتوضأ) فأمر النبي صلّى الله عليه وسلم له بالغسل دليل على نجاسته. وقال بعض الإمامية: المذي طاهر. ويفهم من كلام الطوفي هنا أن معهم في هذا القول غيرهم. والراجح أنه نجس لورود الدليل بالأمر يغسله ولم يرد ما يدل على طهارته- والله أعلم-. [انظر شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 213، وفتح الباري 1/ 381، ومعالم السنن بهامش سنن أبي داود 1/ 143، ونيل الأوطار 1/ 64]. (2) اختلف في طهارة رطوبة فرج المرأة على نحو الخلاف في المني فقال بعض العلماء: إنه طاهر عملا برواية حك المني. وأن الاحتلام مستحيل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من تلاعب الشيطان بالنائم، فلا يكون المني في ثوبه إلا من جماع ويلزم منه مرور المني على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت نجسة لتنجس بها المني ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك. وأجاب من قال بنجاسته عن هذا بأن الاحتلام منه صلى الله عليه وسلم جائز وليس من تلاعب الشيطان بل هو فيض زيادة المني، ويجوز أن يكون حصل بمقدمات جماع فسقط منه شيء على الثوب، أما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب. قلت: والأرجح طهارته لأنه يشق الاحتراز عنه كالمخاط والنخامة والبصاق وإلحاقا له بالمني، ولأنه لم يرد دليل صريح على نجاسته- والله أعلم-. [انظر شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 198].

ومن قال بنجاستها منهم عفا «1» عن يسيرها دفعا للحرج والمشقة فأما مخرج البول والغائط فلا وطء «2» فيه «3»، والحيض يحرم الوطء «4» في زمنه. فأين القذارة إذن في الجماع؟. وإن قلت: طبعيّة لم يلزم من ذلك وجوب اجتنابها عقلا، ولا شرعا، لأن هذه الأشياء كالبصاق، وبلغم المعدة والرأس والمخاط وعرق الحمى. بل مطلق العرق. فإن هذه كلها فضلات تحللها الحرارة من البدن، وهي تورثه خفة ونشاطا وصحة، ومعتمد العلاج الطبي تنقية «5» البدن من المواد التي ليس من شأنها أن تكون فيه. الثاني: سلمنا أن فيه قذارة بكل حال. لكن مفسدة تلك القذارة مغمورة بما فيه من المصالح العظيمة الدنيوية والأخروية «6». والعقول/ الصحيحة لا ترجح إعدام مفسدة واحدة خفيفة خصوصا وقد باشرها الأنبياء والصديقون أجمعون،- إلا من شذ منهم- على وجود مصالح كثيرة جمة النفع.

_ (1) في النسخ الثلاث: عفى. (2) في (أ): فلا وطى. (3) أما مخرج البول فلعدم إمكان ذلك، وأما مخرج الغائط فلحرمته وقذارته. (4) في (أ): الوطي. (5) في (أ) بتنقية. (6) من ذلك ما تقدم، وغض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام وتحصيل ذلك للمرأة، فهو نفع لهما في الدنيا والآخرة، وشيء هذه مصالحه ومشروع للأنبياء ويحبونه يحمل المقتدي بهم على تحصيله ليترتب عليه ما ذكر من المصالح.

ثم أين قذارة الجماع من قذارة الغائط؟ الذي يتعبد مخاييس «1» النصارى ببقائه على أبدانهم، حتى تغالي فيه النصارى، فجعلوا يتهادونه يتبركون ويستشفون به من الأمراض، بناء منهم «2» على فهمهم الفاسد لكلام المسيح في الفصل الثامن والعشرين/ من إنجيل متى «3» حيث يقول:" ليس النجس ما دخل الفم ثم خرج مستحيلا من المخرج. إنما النجس ما خرج من الفم من الكلام السيئ، لأنه يدل على نجاسة القلب" هذا معنى كلامه «4». ومن أنكر من النصارى أنهم يتعبدون ببقاء العذرة على أبدانهم فهو مستخف منكر لما يعلم- كما ينكر بعض فقهاء المسلمين تجويز الوطء «5» في الدبر- وهو

_ (1) مخاييس: هكذا جمعه المؤلف والخيس مصدر خاس الشيء يخيس خيسا. أي تغير وفسد وأنتن وخاست الجيفة: أي أروحت ... قال الليث: يقال للشيء يبقى في موضع فيفسد ويتغير .. [انظر لسان العرب 6/ 74، المشوف المعلم في ترتيب الاصلاح على حروف المعجم 1/ 261]. (2) في (أ):" بنا أمنهم منهم على فهمهم الفاسد". (3) النص في الأصحاح الخامس عشر منه حسب ترجمة سنة 1979 م ولفظه" ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا، ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان". (4) كان المسيح- عليه السلام- يتدين بالطهارة، ويغتسل من الجنابة، ويوجب الغسل على الحائض، وطوائف النصارى عندهم ذلك كله غير واجب، فالإنسان منهم يقوم من على بطن المرأة، ويبول ويتغوط ولا يمس ماء، ولا يستجمر، والبول والغائط ينحدر على ساقة وفخذه ويصلي كذلك وصلاته صحيحة تامة- على زعمهم- ولو تغوط أو بال وهو يصلي فضلا عن أن يفسو أو يضرط، ويقولون: إن الصلاة بالجنابة والبول والغائط أفضل منها بالطهارة ... [انظر هداية الحيارى ص 141، والأجوبة الفاخرة ص 133]. (5) في (أ): الوطي.

[الأنبياء والنكاح]

منصوص في كتبهم وعن أئمتهم «1». [الأنبياء والنكاح] وأما قوله:" ولذلك فضح الله بها كل مدع" فنقول في جوابه: لا نسلم أن الله فضح المدعين بحاسة النكاح، وإنما فضحهم بدعواهم الكاذبة ولو كانت حاسة النكاح تقتضي الفضيحة لافتضح بها الأنبياء كلهم، بل جميع الخلق كآدم ونوح وإبراهيم، وخصوصا إسرائيل، وداود، وسليمان فإنهم كانوا كثيري النساء والسراري «2»، وكثرة تشاغل إبراهيم وبنيه بالجماع هو الذي أوجب كثرة نسلهم وانتشار الشعوب منهم، لأن الجماع سبب النسل، وكثرة المسبب يدل على كثرة السبب.

_ (1) ذكر الطوفي الخلاف في مسألة الوطء في الدبر في كتابه الإشارات (ص 49/ خ/ ح) عند تفسير نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (البقرة: 223) وقال بأن القائلين بالجواز هم الشيعة وطائفة من أهل الحجاز، وأنه يعزى إلى مالك- رحمه الله- ثم ذكر أدلة المجوزين ومن قال بحرمته وهم الجمهور. قلت: وهذه المسألة مبسوطة في كتب الفقه والتفسير وليس هذا موضع بسطها، ولكن الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور وهو تحريم الوطء في الدبر للأدلة القوية في ذلك. [انظر المغني لابن قدامة 7/ 22 - 23، وتفسير القرطبي 3/ 91 - 96، وتفسير ابن كثير 1/ 260 - 264] ولا وجه لمناظرته قول النصارى المتقدم بقول من شذ من المسلمين في مسألة الوطء في الدبر فإن التعبد ببقاء العذرة على أجسادهم أصبح كأنه الأصل عندهم وجحوده اخفاء لما يعلم أما الوطء في الدبر فليس كذلك بل الأصح عدم جوازه ومن أجازه لا يخفي كما فعلت النصارى. (2) يقال: إن داود عليه السلام مع زهده وأكله من عمل يده، كان عنده تسع وتسعون امرأة، فأحب امرأة وتزوج بها فأكمل المائة. وابنه سليمان- عليه السلام- كان يطوف في الليلة على تسعين امرأة. وقال ابن عباس:" كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل، وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سرية". [انظر منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب ص 123].

وبالجملة: فمن جعل حاسة النكاح عارا. فقد ألحق العار بسائر الأنبياء والصديقين والصالحين وعباد الله أجمعين. وإن عارا يتلبس «1» به هؤلاء كلهم ليس بعار:/ وعيروني بذلي في محبتها ... وبالذي عيروني تم لي الشرف «2» [وإذ لولا هذه الحاسة لما وجد الأنبياء وشرائعهم، وإنما هي عار على معتقدها عارا، إذ لولا هذا العار لما صار إلى النار] «3». وأما ما ذكر من قصة الرجلين الذين أحرقهما ملك «4» بابل، فلم أجده في الباب المذكور من كتاب ارمياء النبي، فإن كان المشار إليه برميا «5» النبي، وأنه غير ارمياء، وإلا فلا أعلم صحة هذا النقل، على أنه بتقدير الصحة إنما افتضح هذان الرجلان بدعواهما الكاذبة وزناهما،/ لا بتعاطي شهوة النكاح. على أني أحسب أن النقل اشتبه عليه، وأن المراد بالرجلين هاروت وماروت «6». ولهما قصة عجيبة وردت بها السنة وذكرها أهل السير.

_ (1) في (أ):" وان عارا يتلبس ابليس هؤلاء كلهم ليس بعار". (2) لم أعرف قائل هذا البيت بعد البحث الكثير. (3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ). (4) في (أ): مالك بابل. (5) وفي (ش)، (م) ترميا، وفي الكامل برخيا كما سبق ص: 266. (6) هاروت وماروت: قيل المراد بهما جبريل وميكائيل- عليهما السلام- وقيل رجلان اسم أحدهما هاروت والآخر ماروت كانا يعلمان السحر. وقيل: إنهما ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا ... وقيل: هما قبيلان من الجن. وقيل: علجان من أهل بابل. وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان. وهو الراجح. وستأتي قصتهما- إن شاء الله- بعد قليل. [انظر تفسير الطبري 1/ 452 - 459، وتفسير ابن كثير 1/ 137، وتفسير الشوكاني 1/ 122 - 123].

منهم:" وثيمة بن موسى بن الفرات «1» في" قصص الأنبياء": وكان افتضاحهما بتقدير الله، وسببه طعن الملائكة على بني آدم، واستقلالهم أعمالهم وتعبيرهم بخطاياهم وعصيانهم. فلما ابتلى الملائكة بما ابتلى به بنو آدم ساعة من نهار، استقالوا فأقيلوا، إلا هاروت وماروت ثبتا فجرى لهما ما جرى «2»،

_ (1) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 180. (2) أخرج أحمد بن حنبل- رحمه الله- في المسند (2/ 134) عن عبد الله بن عمر أنه سمع نبي الله صلّى الله عليه وسلم يقول: إن آدم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون. قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبط بهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان، قالوا ربنا: هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض ومثلث لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا والله لا نقتله أبدا. فذهبت ثم رجعت بقدح خمر، فسألاها نفسها قالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا، فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئا أبيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا" اهـ. قال ابن كثير- رحمه الله- في التفسير (1/ 138):" وهكذا رواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه ... وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير ... فهو مستور الحال، وتفرد به عن نافع ... وروي له متابع من وجه آخر عن نافع ... كما قال ابن مردويه حدثنا ... فذكره بطوله" اهـ. وقصة هاروت وماروت وزناهما عند الحاكم وصححه عن ابن عمر أيضا في (3/ 607) كتاب الأهوال، وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وأصحاب كتب التفسير بطرق أغلبها غير مرفوعة.

وقد ذكرت بعض قصتهما في" الفوائد" «1». قلت: والذي أوجب لهذا النصراني تقديم هذا الكلام، وتقبيح حاسة النكاح هو كونه رأى المسيح لا داعي له إليها، ورأى محمدا- عليه السلام- شديد الداعي إلى ذلك. كما نقل عنه حديث يقول: «حبب إليّ من الدنيا ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة/ عيني في الصلاة» «2» وأنه تزوج كثيرا وتسرى، فأراد العلج أن يجعل هذا مطعنا عليه. ولقد تاه عن الصواب. فإن نكاح النساء هو عين الطهارة، لما فيه من تحصين الدين، والإعانة على تقوى رب العالمين. ولهذا كان محمد صلّى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة أعجبته دخل على بعض نسائه فقضى حاجته منها، ثم خرج. وفعل ذلك يوما ثم

_ -[انظر تفسير الطبري (1/ 452 - 458)، وتفسير القرطبي 2/ 51 - 52، وتفسير ابن كثير (1/ 134 - 141) ويرى ابن كثير أنها كلها من الإسرائيليات وعدم رفعها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، وتبعه في ذلك الشيخ رشيد رضا (انظر الفتح الرباني 18/ 72 - 73) والقاسمي في تفسيره (1/ 211 - 213)، ونقل رأي الرازي في ذلك]. (1) لم أجد كتاب المؤلف هذا رغم البحث عنه، ولعله من الكتب التي فقدت من المكتبات الإسلامية. (2) أخرجه النسائي في أول عشرة النساء عن أنس من طريق ثابت بلفظ: «حبب إليّ من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة»، وأخرجه في نفس الموضع من طريق آخر عنه بنحوه، وأخرجه أحمد في المسند (3/ 128) من طريقين عن أنس بلفظ النسائي السابق، وأخرجه في (3/ 285) عنه بلفظ النسائي الآخر، وفي (3/ 199) بنحوهما، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 160) وقال:" صحيح على شرط مسلم"، وتكلم العلماء في زيادة لفظ" ثلاث" فمنهم من يثبتها ومنهم من ينكرها. [انظر المقاصد الحسنة ص 180، وكشف الخفاء 1/ 405 - 406].

خرج على أصحابه، فقال: «إن المرأة إذا أقبلت أقبل معها/ شيطان يزينها فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها» «1». وقال: «إذا كانت لأحدكم إلى امرأته حاجة فليأتها، وإن كانت على التنور" «2». كل ذلك محافظة على حفظ الدين، لئلا يغلب الإنسان عليه بداعي الشيطان والهوى.

_ (1) أخرج مسلم في (النكاح باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته. حديث (9) عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى امرأة. فأتى زينب، وهي تمعس منيئة لها- تدلك وتدبغ جلدا- فقضى حاجته. ثم خرج إلى أصحابه فقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه» وأخرج الترمذي في الرضاع باب ما جاء في الرجل يرى المرأة الأجنبية، عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- أن النبي صلّى الله عليه وسلم رأى امرأة، فدخل على زينب فقضى حاجته وخرج. وقال: «إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان. فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها» قال الترمذي:" وفي الباب عن ابن مسعود، قال أبو عيسى:" حديث جابر صحيح حسن غريب" وأخرجه أبو داود في النكاح باب ما يؤمر به من عف البصر بنحو لفظ مسلم، والدارمي عن ابن مسعود في النكاح باب الرجل يرى المرأة فيخاف على نفسه، بلفظ: (رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة، وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال: «أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها» وأخرجه أحمد في المسند (3/ 330) بلفظ مسلم. (2) أخرجه الترمذي في الرضاع، باب ما جاء في حق الزوج على المرأة، عن طلق بن علي- بن طلق بن عمرو السحيمي اليمامي الصحابي- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور» قال أبو عيسى:" هذا حديث حسن غريب" وهو حسن كما قال. وأخرجه أحمد في المسند (4/ 23) عنه أيضا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا أراد أحدكم امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنور» وسند أحمد ضعيف لأن فيه محمد بن جابر بن سيار قال عنه ابن حجر في التقريب:" صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرا، وعمي فصار يلقن" اهـ.

كما حكي في التوراة «1»: أن" يهوذا بن يعقوب" تعرضت له كنّته «2» - زوجة ابنه- في الطريق في صورة زانية، فواقعها على أن يعطيها جديا ورهنها عليه عمامته وقضيبا كان بيده". وأن" روبيل «3» " وطئ" «4» سرية أبيه يعقوب ونجس فراشه، ونحن لا نقول بصحة هذا ولكنه حجة على النصارى واليهود، وتحقيق ذلك «5» وتلخيصه: أن شهوة النكاح في الإنسان طبيعية كشهوة الأكل والشرب، وحب الغلبة والرئاسة، بل هي أشد الشهوات. ولذلك كان أكثر افتتان العالم بها، فقضاؤها وأمن غائلتها بالطريق الحلال المصطلح عليه في النواميس الإلهية أولى في العقل من التعرض بتركها «6» لمعصية الرحمن وطاعة الشيطان. وقول محمد- عليه السلام-: «حبب إليّ من دنياكم النساء» ليس ذلك لغلبة شهوته عقله، كيف ذلك وسيرته: سيرته. لمن تأملها، وثباته: ثباته. بل إنما

_ (1) في سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين. (2) كنته: هي زوجه ابنه كما ذكر المؤلف أو زوجة أخيه. [انظر لسان العرب 13/ 362] واسمها في التراجم الحديثة لكتب العهدين:" ثامار". (3) في التراجم الحديثة:" رؤوبين" والنص في سفر التكوين" بدء الخليقة" الأصحاح الخامس والثلاثين والأصحاح التاسع والثلاثين. (4) في (م): وطء. (5) في (م): وتحقيق هذا. (6) في (أ): من التعرض وتركها.

المقصود بذلك: أن يتفرغ خاطره التفرغ الكلي لأداء الرسالة «1»، والقيام بأعبائها- كما يتفرغ الجائع بالأكل- لأداء العبادات. وقد ورد في السنة النبوية الصحيحة عن يوشع بن نون. أنه لما توجه إلى بعض مغازيه- أحسبها: غزاة أريحا «2»، مدينة الجبارين- قال لقومه: " لا يتبعني «3» رجل قد/ ملك بضع امرأة، يريد أن يبني بها ولما يبن. ولا آخر قد بنى بيوتا، ولم يرفع سقفها «4». ولا آخر قد اشترى غنما، أو خلفات «5»، وهو

_ (1) قال ابن كثير- رحمه الله- في هذا المعنى:" وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص وإنما الفضل في كونها موجودة، ثم يمنعها إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله- عز وجل- كيحيى- عليه السلام- ثم هي في حق من قدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه: درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن وقيامه عليهن واكسابه لهن وهدايته إياهن، بل صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال:" وحبب إليّ من دنياكم" اهـ. [تفسير ابن كثير 1/ 361 - 362]. (2) أريحا: بفتح الهمزة وكسر الراء المهملة، وياء ساكنة والحاء مهملة بعدها ألف وقد رويت بالخاء المعجمة، لغة عبرانية: مدينة الجبارين في الغور بفلسطين بينها وبين بيت المقدس مسيرة يوم. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 63] وقد صرح بأن المدينة هي أريحا: الحاكم في مستدركه [1/ 319 - 320] في رواية كعب الأحبار، ولكن أحمد في إحدى روايتيه لغزو يوشع بن نون أخرج عن أبي هريرة أن الغزوة كانت إلى بيت المقدس [المسند 2/ 325]، ورواية أحمد قال عنها ابن حجر في الفتح (6/ 221):" مرفوعة صحيحة" اهـ. (3) في (أ): لا ينبغي. (4) في (أ): راسغها. (5) خلفات: بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع خلفة وهي الحامل من النوق. وقد يطلق على غير النوق. [فتح الباري 6/ 222، وشرح النووي على صحيح مسلم 12/ 51].

ينتظر أولادها" ... الحديث رواه أحمد «1»، وأخرجاه في الصحيحين «2». كل ذلك مراعاة لاجتماع «3» / الخواطر في طاعة الله، وحذرا من تفرق الهمم فيها «4»، ونظائر هذا في شريعتنا مطلوب كالنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين «5» وكذلك الشبق «6»، وكل ما يلهي. وبالجملة: فكل عبادة الله- سبحانه- ينبغي للإنسان أن لا يدخل فيها، حتى يحسم مواد اشتغال قلبه عنها ما أمكن، ومن هذا،/ أو قريبا منه قوله- عليه

_ (1) في المسند (2/ 318). (2) البخاري في كتاب الخمس باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «أحلت لكم الغنائم ... »، ومسلم في الجهاد حديث 32 باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة. [انظر ص: 258 من هذا البحث]. (3) في (م): لاجماع. (4) كلمة:" فيها" ليست في (م). (5) الأخبثان: البول والغائط. أخرج مسلم في (المساجد باب كراهة الصلاة بحضرة طعام مع مدافعة الأخبثين) عن عائشة قالت: ... أني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بحضرة الطعام، ولا يدافعه الأخبثان» وأخرجه بنحوه أبو داود في الطهارة باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟، وأحمد في المسند في مواضع منها (6/ 43). (6) الشبق: شدة الغلمة وطلب النكاح، يقال: رجل شبق، وامرأة شبقة [انظر لسان العرب 10/ 171]، ولم أجد على ذلك دليلا ولعل الطوفي- رحمه الله- ذكره قياسا على حضرة الطعام ومدافعة الأخبثين لأن العلماء ألحقوا بهما كل ما كان في معناهما مما يشغل القلب ويذهب كمال الخشوع،- والله أعلم-.

السلام-: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» «1» لأن القضاء عبادة، والغضب يشغل عنه. وكذلك كلما في معنى الغضب من مرض أو حر أو برد أو شبق ونحو ذلك. ولهذا كان- عليه السلام- يحب الطيب لا ليلتذ به في نفسه «2»، بل إكراما للملائكة الذين معه خصوصا جبريل صاحب الوحي. ولهذا كان يبغض الثوم والبصل، وكل ذي ريح كريهة، وقال لأصحابه: «إني أناجي من لا تناجون» «3».

_ (1) أخرجه البخاري في (الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟) بلفظ: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» ومسلم في (الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان بلفظ «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» وأبو داود في الأقضية، باب القاضي يقضي وهو غضبان بلفظ: «لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان» والترمذي في (الأحكام باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان» بلفظ: «لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» والنسائي في آداب القضاة باب ذكر ما ينبغي للحاكم أن يجتنبه بلفظ مسلم، وأخرجه ابن ماجه في الأحكام باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان، بلفظ: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» وأحمد في المسند (5/ 38) بنحو لفظ أبي داود. (2) كان صلّى الله عليه وسلم يحب الطيب ويمتنع عن أكل بعض الأطعمة التي فيها رائحة خوفا من إيذاء الملائكة ومنهم جبريل عليه السلام كما وردت السنة الصحيحة بذلك ولكنه بشر يحب أن يتلذذ بما أحله الله من الطيبات، ولا أعلم دليلا يؤيد رأي الطوفي أنه يحب الطيب لا ليلتذ به في نفسه، غير أنه كان زاهدا فيما لا حاجة له به- والله أعلم-. (3) أخرج البخاري في كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيء والبصل والكراث وفي (الاعتصام، باب الأحكام التي تعرف بالدلائل) ومسلم في المساجد، باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها) وأبو داود في (الأطعمة، باب في أكل الثوم) عن جابر بن عبد الله أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا- أو قال: فليعتزل مسجدنا- وليقعد في بيته» وأن النبي صلّى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيها من البقول فقال: «قربوها- إلى بعض أصحابه كان معه- فلما رآه كره أكلها قال: كل فإني أناجي من لا تناجي» وهذا لفظ البخاري في الأذان.

«وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» «1». وأما المسيح فلعله في ترك النكاح كان عنينا «2»، أو لكونه لا من ذكر، أو لكونه كان ملكا ظهر في صورة آدمي، فغلبت عليه صفة الملائكة «3». كما قال الله- سبحانه-: ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ... (9) «4» الآية.

_ (1) أخرجه مسلم في المساجد باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها حديث 74، 72، والنسائي في المساجد باب من يمنع من المسجد، وابن ماجه في الأطعمة باب أكل الثوم والبصل والكراث، وأحمد في المسند (3/ 374، 387). بألفاظ متقاربة. (2) في هامش نسخة (م): " قوله في حق المسيح- عليه السلام-: لعله كان عنينا ليس بجيد لأن العنة صفة نقص والأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في غاية الكمال ولم يكن نبي قط عنينا، وإنما تركه للنكاح فلخاصية قامت لا يضرنا خفاها عنا، وفي الجملة فلا يجوز أن نقتدي به في ترك النكاح إلا إذا قال أمركم الله أن لا تناكحوا، وهذا غير موجود، والله أعلم، قاله النابلسي ولله الحمد" اهـ. قلت: وهذا ما رآه ابن كثير- رحمه الله-. [انظر تفسير ابن كثير 1/ 361]. وهذا هو الحق. (3) لم يرد ما يبرر هذه الافتراضات في كتب النصارى أو المسلمين أو غيرهم ولا داعي لها ولا نسلمها للطوفي فالمسيح- عليه السلام- لم يرد عنه أنه تزوج أو لم يتزوج، وكونه لم يتزوج لا يدل على فضله على سائر النبيين، ولا يرفعه إلى درجة الإلهية كما لا يلزم منه عدم فضله، أو عدم كونه من أولو العزم من الرسل الذين فضلهم الله على سائر البشر، وكل من لم يتزوج من البشر ليس عنينا، ولا أنه يلزم من عدم زواجه أنه من غير ذلك، فآدم من غير ذكر وتزوج، أو ملك، فالرسل لم تكن من الملائكة، وما كان ينبغي للطوفي عفا الله عنا وعنه أن يأتي بهذا، ولو قال: لعله ترك الزواج للتفرغ للعبادة- هذا إن صح أنه ترك الزواج- لكان أقرب إلى المعقول. (4) سورة الأنعام الآية التاسعة، ومعناها: أن الله- عز وجل- لو بعث إلى البشر رسولا ملكيا لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر، فلا يستطيعوا أن يتحققوا من كونه ملكا ... ولكن الله سبحانه جعل الرسل عليهم السلام جميعا-

[ظهور المعجز على يد النبي]

أو لكونه كان هو الله أو ابنه على رأي النصارى الساقط- تعالى الله عما يقولون- ونحن نقول: إن المسيح لو تأسى بسائر الأنبياء في النكاح والنسل، وتكثير العباد والعبّاد لكان ذلك أكمل له «1». فالذي يحتج علينا في [حاسة] «2» النكاح بترك المسيح له، نحتج عليه في فضيلته بفعل جميع الأنبياء له. وليس المسيح- عليه السلام- بخير من جميع الأنبياء، إلا على هذيان النصارى في أنه: الله، أو ابن الله. وذلك ممنوع عند كل عاقل، بل هو عبد الله ورسوله. وسيأتي تمام الكلام على هذا الشرط عند ذكر تفاصيله. [ظهور المعجز على يد النبي] قال:" الشرط الثالث/- يعني من شروط النبي-: اظهار المعجز للناس ليرتفع اللبس ويقع الفرق بين الصادق والكاذب".

_ - من البشر، واعترف بذلك جميع بني آدم. قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ويُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ، قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ولكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (سورة إبراهيم، آية: 10، 11)، مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (سورة المائدة، آية: 75) ولا وجه لما افترضه الطوفي هنا- كما سبق- ولم أعلم أن هذا الافتراض هو رأي لأحد من الناس حتى النصارى، فإن المعروف عنهم أنهم قالوا: إن عيسى هو الله أو ابن الله،- تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا-. (1) ذكرت فيما سبق أنه ليس لدينا دليل صحيح صريح على أن عيسى لم يتزوج لا عند النصارى ولا عند المسلمين بل في آية الرعد 38 ما يدل على تزوج كل الرسل والله أعلم-. (2) في النسخ:" في النكاح"، وما أثبته أصح.

قلت: هذا كلام صحيح. قال:" والمعجز فعل ما ليس في قوة الإنسان أن يفعله بحسب المجرى الطبيعي" «1». قلت: هذا جيد في تعريف المعجز، لكن للمتكلمين فيه عبارة أخرى أحق من هذه وهو قولهم: المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة، المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارض. فالأمر: جنس للمعجز وغيره. والممكن: فصل له عن الممتنع، إذ الممتنع لا يوجد. والخارق للعادة يفصله عن الأمور العادية كطلوع الشمس ووقوع المطر وركوب الفرس ونحوها. فإن المستند في دعوى النبوة إليها لا يثبت له شيء والمقرون بالتحدي: احتراز ممن يدعي أن معجز من قبله، دليل على صدقه هو، كما يقول إنسان اليوم: إن قلب موسى عصاه حية، دليل على صدقي في دعوى النبوة. فإن ذلك لا ينفعه، لأن معجزه ليس مقارنا لتحديه، والخالي عن المعارض: احتراز من الشعبذة «2» والنيرنجات/ «3» فإنها تعارض بمثلها، فإذا ظهر على يد شخص هذا الأمر بهذه الشروط كان معجزا وكان الشخص نبيا./

_ (1) قلت: يوحي تعريف النصراني بأن صاحب المعجز ليس في منزلة البشر، وهذا بناء على مذهبه في المسيح- عليه السلام-. (2) شعبذ شعبذة بالذال المعجمة، وليس من كلام أهل البادية وهي الشعوذة وهي لعب يرى الإنسان منه ما ليس له حقيقة كالسحر، أو خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما عليه أصله من رأى العين. [انظر المصباح المنير 1/ 372، ولسان العرب 3/ 495]. (3) النيرنجات جمع نيرج: أخذ تشبه السحر، وليست بحقيقة، ولا كالسحر، إنما هو تشبيه وتلبيس. [انظر لسان العرب 2/ 376].

[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]

قال:" الشرط الرابع: أن يكون الدين الذي «1» يشرعه موافقا للدين الطبيعي، وهو نوعان: [موافقة ما يأتي به النبي للفطرة] أحدهما: عام لجميع الأمم، لا يختص بأمة دون أمة، كبر الوالدين، وصلة الرحم والإحسان إلى المحسن، والتجاوز عن المسيء. وبالجملة. جلب المصالح ودرء المفاسد، والتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل. والثاني: خاص «2» يختص أمة دون أمة كتحريم لحم الخنزير عند غير النصارى وتحريم ذبح الحيوان عند البراهمة". هذا حاصل ما ذكره في هذا الشرط. قلت: هذا شرط متفق على حسنه عقلا وشرعا، وهو عام الوجود في دين الإسلام على ما ذكرنا جملة منه/ في شرح" الآداب الشرعية" «3» لكن لا يلزم أن يأتي النبي به على هذه الصفة، واشتراطه فلسفة صرفة بل لله سبحانه أن يتعبد خلقه بما شاء، سواء كان ذلك مصلحة لهم أو لا. بناء على أصلنا في أن رعاية الأصلح للخلق لا تجب على الله سبحانه وإنما فعل ذلك حيث فعله بهم، تفضلا، لا وجوبا «4».

_ (1) الذي: ليست في (أ). (2) " خاص": ليست في (أ)، وبقية العبارة هكذا في النسخ الثلاث والأصح: خاص تختص به أمة دون أمة. أو يختص بأمة دون أمة. (3) لم أعثر على هذا الكتاب حتى الآن. (4) انظر التعليق السابق ص: 258.

(الشرط الأول الصدق)

[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم] قال:" وإذ قد فرغنا من الكلام في النبوة والنبي، وشروطه التي يجب امتحانه بها بحيث إن وجدت فيه صدّق، وإن اختلت فيه أو بعضها كذّب. فإنا وجدنا الرجل المسمى: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ادعى النبوة في أمة من العرب «1» فالتمس منه الشرط الأول وهو الصدق. فوجدنا ما جاء به يشتمل على صنفين: صادق وكاذب- كما سنبين-". قلت: هذه دعوى مجردة عن حجة، فإذا ذكر الحجة قوبلت بحسب ما ينبغي «2». قال: وليس كون الصدق بحال كذب «3» المتكلم موجبا لحسن الظن به، بل

_ (1) قلت: هو بهذا القول يخالف قول جمهور النصارى: أن محمدا صلّى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة. مستدلين ببعض آيات القرآن الكريم كقوله تعالى في سورة الجمعة: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ ... الآية وغيرها مما ظنوه دليلا لهم على أنهم غير مكلفين بالإيمان به واتباعه وليس كذلك. كما ورد في رسالة بولص الراهب التي وردت من قبرص إلى ابن تيمية- رحمه الله- فرد عليها بكتابه النفيس:" الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح" والأخرى التي وردت إلى الإمام القرافي- رحمه الله- فرد عليها بكتابه الجليل:" الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة" فجمهور النصارى لا ينكرون نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم لكن يرون أنه رسول في العرب فقط. أما هذا النصراني فهو ينكر نبوته صلّى الله عليه وسلم ويقول انه مدع للنبوة وليس نبيا وهذا دليل على خبثه وعناده. (2) قلت: لم يجب الطوفي عن هذا. والأولى أن نقول للنصراني: كيف يكون محمد صلّى الله عليه وسلم صادقا وكاذبا في آن واحد؟ هذا لا يعقل. وأنت أيها الخصم إذا قلت إن بعض كلامه صدق فيلزمك الإيمان به. وعند ذلك فلا حجة لك على ما تدعيه فيما تراه في نظرك أنه كذب لعدم اجتماع الأمرين معا في وقت واحد، واستدلالك بالقرآن الذي أتى به وتراه صدقا يلزمك أن تصدقه في الباقي. (3) في (أ): الصدق بحال كذب.

[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]

خلط الصدق مع الكذب أبلغ في الحيلة، وأنفذ في المكيدة. ولهذا يقال: ما من «1» تعليم كاذب إلا ويمازجه شيء من الحق ليلتبس الباطل به، وتكون الخدعة أخفى فيه، والحيلة في التصديق أقوى. قلت: هذا كلام صحيح «2». وهو من محاسن الحكم لا ينازع فيه عاقل بل النزاع في أن ما أتى به محمد- عليه السلام- يشتمل على الكذب. [امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم] قال:" فلنورد أقاويل هذا الإنسان من صدق وغيره: فقسم الصدق: قوله في سورة الصمد: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1). قلت: لا شك أن هذا الكلام حق في نفسه، لكن اخبار هذا المصنف بصدق هذا الكلام عنده «3»: إما جهل بحقيقة التوحيد، أو ستر لعوار دينه الثالوثي، وتحلية لجيده العاطل منه به، وإلا فأين قوله: اللَّهُ أَحَدٌ من قولهم:" الأب، والابن، وروح القدس، إله واحد"، ودعواهم التوحيد/ مع هذا التصريح كلام في الريح، لا يعقل ولا يتحصل، كما قد حققت بطلانه في:" التعليق على الإنجيل" «4».

_ (1) في (م): ما في تعليم ... (2) هذا في غير الأنبياء من الكهان والمشعوذين كابن صياد وغيره الذي يقول للنبي صلّى الله عليه وسلم يأتيني صادق وكاذب، أما اشتمال ما يأتي به الأنبياء على الكذب فهذا موضع النزاع كما قال الطوفي- رحمه الله- ولا يمكن أن يؤيد الله الكاذب كما سيأتي في كلام الطوفي- إن شاء الله-. (3) كلمة:" عنده" ليست في (م). (4) أبطل الطوفي- رحمه الله- قولهم بالتثليث في كتابه المذكور ص 3، 4 من مخطوط الكتاب.

قال:" وقوله في سورة يونس «1»: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ... وفي سورة آل عمران «2»: وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) «3» الآية. وقوله في سورة الأنعام «4»: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعني كلمات الله، وهي التوراة والإنجيل- وفي سورة الحجر «5»: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) والذكر: هو التوراة والإنجيل. ويشهد لذلك قوله في سورة الأنبياء «6»: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7). فبين بهذا: أن كلمات الله غير مبدلة". قلت: هذه الآيات كلها حق وصدق. ولكن أخطأ هذا الخصم في إيرادها في مواضع: منها: أنه حصر ما جاء به محمد من الصدق فيها، والقرآن مملوء من الحكم والأخبار التي يعلم بالضرورة صدقها. وإنما هذا رجل معاند يريد أن ينفي التهمة عن نفسه، بإيهام العدل في إيراد ما يعتقده صدقا وكذبا. وعناده: يأبى عليه إلا إظهار التعصب والجور. فذكر خمس آيات حصر الصدق فيها، وهي مما يعتمد

_ (1) آية رقم: 3. (2) آية رقم: 42. (3) قوله تعالى: واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ليست في (م). (4) آية رقم: 115. وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. (5) آية رقم: 9. (6) آية رقم: 7.

[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]

عليها. وتنفعه في عناده «1». شرع في ذكر ما يعتقده كذبا، فملأ منه الكتاب. [المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم] ويأبى الله إلا ظهور الحق واستعلاءه «2»، وخمول الباطل واذعانه. ومنها: قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ووهم منها في موضعين: أحدهما: أنه ذكر الكلمات المضافة إلى الضمير، فاحتاج أن يفسره بالله تعالى، وقد كان يستغنى عن ذلك بإيراد الآية التي في أول السورة المذكورة وهي قوله: ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «3». فإن الكلمات فيها مضافة إلى الله- سبحانه- لا إلى ضميره المحتاج إلى تفسير «4»، وهذا لا يقدح في صحة ما احتج به، لكن/ احتجاجه «5» بما ذكرناه أظهر، فعدوله عنه مشعر بالضعف وقصور النظر. الموضع الثاني: أنه فسر كلمات الله بالتوراة والإنجيل ليثبت علينا بكتابنا أنها حجة لازمة

_ (1) هذه الآيات الخمس الكريمات يجب الاعتماد عليها فيما دلت عليه من معنى صحيح لا على المعنى الذي يريده أهل الكتاب فإنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه، واخضاعهم إياها لما تهواه أنفسهم عناد وجهل، وذلك لا ينفعهم في عنادهم، وقول الطوفي:" وتنفعه في عناده" أي على زعمه أنها نافعة له، والأولى أن يقال:" ويظن أنها تنفعه في عناده". (2) في (أ)، (م): واستعلائه. (3) سورة الأنعام، آية: 34. (4) في (أ): المحتاج إلى نفسين. (5) " احتجاجه" ليست في (أ).

لنا،" وهيهات من دون المراد موانع" «1». والذي يدل على أنه ليس المراد بالكلمات هنا «2» التوراة والإنجيل: هو أن هذه الآية في سورة الأنعام. وسورة الأنعام كلها جدال ومناظرة لعباد الأوثان الذين ينكرون البعث. ولا تعرض فيها لأهل الكتاب إلا بطريق الاستشهاد بهم. كقوله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ «3» وقوله: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ «4»، وليس المراد بأهل الكتاب: الموجودين الآن بل المعاصرين لزمن النبوة، أو بطريق عموم خطاب غيرهم لهم لا بالقصد، وإذا عرف هذا فالله سبحانه يقول قبل هذه الآية: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا «5». والخطاب لكفار العرب «6»، والكتاب الذي أنزل إليهم هو القرآن وهو المراد بالكلمات. قاله قتادة «7»

_ (1) لم أجد هذا المثل فيما رجعت إليه من المراجع من كتب الأمثال والأشعار. وهو يضرب لمن أراد الوصول إلى أمر لا يستطيع إدراكه للموانع التي تحول دونه. (2) في (م): هاهنا. (3) سورة الأنعام، آية: 20. (4) سورة الأنعام، آية: 114. (5) هذا أول الآية المذكورة، آية: 114. (6) انظر تفسير ابن كثير 2/ 167، وتفسير الطبرى 8/ 8، وغيرهما. (7) انظر زاد المسير 3/ 111، وقتادة هو: أبو طالب قتادة بن دعامة السدوسي الأكمه، كان يسكن البصرة. روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين،-

والطبري «1». قال الله سبحانه: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ وهذا استشهاد بأهل الكتاب الموجودين حينئذ من أسلم منهم كعبد الله بن سلام «2» وغيره، أو جميع أهل الكتاب، ولكن يكتم ذلك منهم من يكتمه عنادا «3».

_ - كان قوي الحافظة واسع الاطلاع في الشعر العربي، بصيرا بأيام العرب، عالما بأنسابهم، متضلعا في العربية ومن هنا جاءت شهرته في التفسير، أكثر السؤال على سعيد بن المسيب رحمه الله أياما فقال سعيد: ما كنت أظن أن الله خلق مثلك. قال أبو عمرو بن العلاء: حسبك قتادة ولولا كلامه في القدر ... ما عدلت به أحدا من أهل دهره، توفي قتادة رحمه الله سنة سبع عشرة ومائة من الهجرة وعمره إذ ذاك ست وخمسون سنة على المشهور. [انظر التفسير والمفسرون لمحمد الذهبي 1/ 125 - 126]. (1) انظر تفسير الطبري 8/ 8، وقاله ابن عطية أيضا في تفسيره 6/ 135، وقد تقدمت ترجمة الطبري في قسم الدراسة ص: 173. (2) أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي الأنصاري حليف بني عوف من الخزرج. أسلم عند قدوم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، وذكر البخاري في مناقب الأنصار، باب مسائل عبد الله بن سلام قصة إسلامه التي كان فيها شهادة من أنفسهم على صدق محمد صلّى الله عليه وسلم وأنه مرسل من ربه، دافع عن عثمان رضي الله عنه ضد المتألبين عليه، وخذّل الثائرين عليه حتى قالوا: اقتلوا اليهودي يعنون عبد الله. (انظر مع صحيح البخاري: التفسير والمفسرون 1/ 184 - 185). (3) اعترف عبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان من أحبار اليهود قبل أن يسلم برسالة محمد صلّى الله عليه وسلم وأن ما ينزل عليه هو الحق من الله، كما روى عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن سلام رضي الله عنه: قد أنزل الله على نبيه: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [البقرة: 146] فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟ فقال عبد الله بن سلام: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا لقيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد صلّى الله عليه وسلم مني بابني!! فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: إنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم حق من الله، وقد نعته الله في كتابنا: ولا أدري ما تصنع النساء". [الدر المنثور للسيوطى 1/ 357]، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا لا يتسع المكان لذكرها.

ولو كان الكلمات هي التوراة والإنجيل لكان الكتاب المذكور هو التوراة والإنجيل، ولم يكن به حاجة إلى أن يستشهد بأهل «1» الكتاب على صحته، لأن التوراة والإنجيل المنزلين على موسى وعيسى، لم ينازع فيهما أحد حتى يستشهد لهما. وأيضا:/ لو كان كذلك لم تصح شهادة أهل الكتاب لكتابهم لموضع التهمة. ثم قال: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ .. (115) وهي الكتاب الذي أنزل/ مفصلا، وهو القرآن إذ لا معنى لقول القائل:" وهو الذي أنزل إليكم القرآن مفصلا، وتمت التوراة والإنجيل، ولا مبدل للتوراة والإنجيل" لأن المخاطبين بهذا الخطاب هم كفار العرب، ومحمد- عليه السلام- لم يكن يدعوهم إلى التوراة والإنجيل حتى يثني لهم عليهما، وإنما كان يدعوهم إلى القرآن فثبت بهذا أن المراد بقوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ هو القرآن. وفيما «2» يرجع إليه نفي التبديل قولان: أحدهما" معناه ومتعلقه من أخبار وحكم ووعد ووعيد، أي أن ما أخبر الله في القرآن من خبر، أو حكم به من حكم، أو وعد من ثواب، أو أوعد من عقاب لا يستطيع أحد تبديله ولا بيان فساده. والثاني: أنه لفظه: أي لا يقدر أحد أن يزيد فيه ولا ينقص، لأن الله سبحانه ألهم المسلمين حفظه حرفا فحرفا، فلا تدخله الزيادة والنقص كما دخل التوراة والإنجيل على ما قد شاهدته أنا بنفسي في الكتابين من التناقض والاختلاف وأثبته في تعليقي على الكتابين «3».

_ (1) في (ش)، (أ): أهل. (2) في (أ): وفي ما. (3) يقصد في كتابه:" تعاليق على الأناجيل".

ثم إن هذا المصنف جعل عمدته في كتابه: تفسير ابن عطية «1». فما باله لم يذكر ما قاله ابن عطية في تفسير قوله «2»: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ؟ لكنه رآه عليه «3» فحاد عنه. ولعمري أنه معذور في/ ذلك فإن كتب المسلمين ليست عنده حجة. وإنما يذكر منها ما يذكر احتجاجا عليهم وإلزاما لهم ورميا «4» لهم بسهامهم كما نحتج نحن عليهم بالتوراة والإنجيل على هذا الوجه، ولا نعتقد صحة ما فيها.

_ (1) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 165. وتفسيره هو: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز. يقول عنه ابن خلدون رحمه الله:" وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى" [مقدمة ابن خلدون ص 440] وقال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر كتب التفسير:" وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلا وبحثا وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها". [مجموع الفتاوى 13/ 388]. (2) انظر تفسيره 6/ 135 - 136، وخلاصة قول ابن عطية:" وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" استمرت وصحت في الأزل صدقا وعدلا وليس بتمام من نقص، والكلمات ما نزل على عباده، وذهب الطبري إلى أنه القرآن، وهذا بعيد، بل المراد القرآن وغيره" هذا خلاصة قول ابن عطية والله أعلم-. (3) عليه: ليست في (أ). (4) ورميا لهم: ليست في (ش).

[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]

[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم] ومنها: قوله: إن" الذكر" في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1» هو التوراة والإنجيل". وليس كذلك بل هو القرآن بإجماع مفسري القرآن «2». ذكر عبد الرزاق «3» في تفسيره عن معمر «4»، عن قتادة وثابت البناني «5» في قوله: وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ

_ (1) سورة الحجر، الآية: 9. (2) انظر تفسير الإمام ابن جرير الطبري (14/ 7)، وتفسير الإمام القرطبي (10/ 5)، وزاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (4/ 384)، وتفسير ابن كثير (2/ 547) والفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية (2/ 539)، وفتح القدير للشوكاني (3/ 122) وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (4/ 158) وغيرها من كتب التفسير المتقدمة والمتأخرة. (3) عالم اليمن الحافظ الكبير الثقة أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم الصنعاني. تقدمت ترجمته في ص 174 من قسم الدراسة. كما تقدمت الإشارة إلى تفسيره أيضا. (4) الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو عروة معمر بن راشد الأزدي مولاهم نزيل اليمن ثم البصري. ولد سنة خمس أو ست وتسعين من الهجرة، وطلب العلم وهو صغير، حدث عن قتادة والزهري وغيرهما من مشاهير المحدثين والعلماء وهو أول من ارتحل في طلب الحديث وله جامع في السير أقدم من موطأ الإمام مالك رحمه الله توفي معمر رحمه الله سنة ثلاث وخمسين ومائة للهجرة النبوية. [انظر سير أعلام النبلاء 7/ 5 - 18، شذرات الذهب 1/ 235، تهذيب التهذيب 10/ 243 - 246]. (5) الإمام التابعي أبو محمد ثابت بن أسلم البناني، مولاهم وبنانة من قريش هم بنو سعد بن لؤي ابن غالب البصري، ولد في خلافة معاوية رضي الله عنه وحدث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم، وكان من خواص أنس بن مالك، اختلف في وفاته فقيل توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل سنة سبع وعشرين ومائة للهجرة، وعمره حين وفاته ست وثمانون سنة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 220 - 225، وشذرات الذهب 1/ 161، تهذيب التهذيب 2/ 2].

قال:" حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو يبطل «1» منه حقا «2» ". قلت: ونظيره قوله تعالى/: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ «3»، والمعنى واحد. أما «4» احتجاجه على ذلك بقوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) «5» فلا حجة فيه، لأن قبل ذلك قوله سبحانه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ «6» يعني القرآن بلا خلاف ولا شك إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ يعني كفار العرب لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وهم الكفار" هل هذا- يعني محمدا- إلا بشر مثلكم" أي فليس بأولى بالرسالة منكم. كما قال قوم نوح له: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا «7» وقول قوم صالح: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ «8»؟ ثم قالوا: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟ فأجابهم الله تعالى عن هذا بقوله: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا

_ (1) في (م):" ويبطل" بدون همزة، وفي سائر المراجع:" أو ينقص منه حقا". (2) قد نقله القرطبي في تفسيره (10/ 5) عن قتادة وثابت البناني، وابن جرير في تفسيره (14/ 8) من طرقين عن قتادة. وألفاظهم متقاربة. (3) في سورة فصلت: 42. (4) في (م): وأما. (5) سورة الأنبياء: 7. (6) أول سورة الأنبياء. (7) سورة هود، آية رقم: 27. (8) سورة القمر، آية رقم: 24.

نُوحِي إِلَيْهِمْ أي أن الرسل الذين كانوا قبلك كانوا بشرا كانوا «1» وقد اعترف هؤلاء الكفار برسالتهم. فما وجه انكارهم لرسالتك مع كونك بشرا؟ ثم قال فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل التوراة «2»، هل كان المرسلون إلا رجالا يوحى إليهم؟. فالذكر المراد/ هاهنا «3» غير الذكر المراد في سورة الحجر، وهو الذكر المحفوظ. فإن لفظ الذكر ورد في القرآن على وجوه: منها: القرآن والتوراة كالموضوعين المذكورين. ومنها: الرسول، كقوله «4»: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا على ما قيل فيه «5».

_ (1) هكذا في النسخ الثلاث:" كانوا قبلك بشرا كانوا" والأولى:" ... كانوا قبلك كانوا بشرا". (2) وقيل أهل القرآن، وروي عن علي أنه قال عند نزول هذه الآية: نحن أهل الذكر، وقيل أهل العلم من اليهود والنصارى والطوائف الأخرى. [انظر تفسير الطبري 17/ 5، وتفسير ابن كثير 3/ 174]. (3) في (أ):" فالذكر أصح لمراد هاهنا". (4) في سورة الطلاق الآية رقم: 10، 11. (5) قيل المراد بالذكر في الآية: القرآن، وهو مروي عن السدي وغيره، وقيل: المراد به الرسول: أي ترجمة عن الرسول محمد صلّى الله عليه وسلم أي تفسيرا له. قال ابن جرير رحمه الله:" والصواب من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر، وذلك نصب لأنه مردود عليه على البيان عنه والترجمة. فتأويل الكلام إذن: قد أنزل الله إليكم يا أولي الألباب ذكرا من الله لكم يذكركم به، وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله، والعمل بطاعته، رسولا يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه" اهـ. وقيل انزال الذكر دليل على اضمار" أرسل" أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل رسولا. وقيل: المعنى: أن ذكر رسولا، وقيل الذكر هنا الشرف. [انظر تفسير الطبري 28/ 152، وتفسير القرطبي 18/ 173 - 174، وتفسير ابن كثير 4/ 174].

[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]

ومنها: الشرف، كقوله: وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ «1» أي: شرف «2». فلفظ" الذكر" مطلق على هذه المعاني بالاشتراك أو التواطؤ «3». أو بالحقيقة والمجاز. وبكل تقدير فلا يصح استدلاله على أن الذكر المحفوظ هو الذكر المسئول أهله. [الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم] ونبين ذلك بتقرير استدلاله على وجه صناعي هكذا: الله سبحانه حفظ الذكر، والذكر هو التوراة. فالله حفظ التوراة، لكن المقدمة الأولى مهملة، وشرطها في الإنتاج أن تكون كلية، هكذا: الله حفظ كل ذكر. والتوراة ذكر/ لكن ليس التقدير هذا، وحينئذ يدخل/ التفصيل في المقدمة الأولى. فيقال: ما

_ (1) سورة الزخرف، آية رقم: 44. (2) هذا مروي عن ابن عباس ومجاهد، والسدي وغيرهم. ولكن الضمير في قوله:" وأنه" راجع للقرآن الكريم. [انظر تفسير الطبري 25/ 76 - 77، وتفسير ابن كثير 4/ 128، وتفسير القرطبي 16/ 93]. (3) الاشتراك قسمان: معنوي ولفظي، فاللفظي هو كونه موضوعا لمعان مختلفة كلفظ العين. مشترك بين عين الماء وعين الإنسان والجاسوس، وشرف القوم، وغير ذلك وكذلك لفظ اليد الله واليد للإنسان، فاليد ليست كاليد. أما المعنوي فهو كون اللفظ موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد مثل لفظ الوجود فإنه عام يطلق على وجود الله عز وجل وعلى وجود المخلوق لكن ليس الوجود كالوجود. أما التواطؤ: من واطأ على الأمر بمعنى وافقه عليه. ومنه الخاص والعام فالخاص هو المتماثل، مثل السواد فهو يصدق على جميع من اتصف به. وأما العام فهو ما يسمى مشككا مثل لفظ الموجود، والحيوان ونحوهما فقد يشترك الأفراد في مطلق الوجود، أو الحيوانية، غير أن كل منهما متميز في الخارج عن الآخر من كل وجه (انظر درء تعارض العقل والنقل 4/ 254 - 255، والمعجم الفلسفي 1/ 87، ولسان العرب 1/ 199).

[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أخت هارون "]

تعني بالذكر المحفوظ؟ التوراة أو «1» القرآن؟ الأول ممنوع، والثاني: مسلم لكنه لا يفيد، لأن الحد الأوسط في الشكل مختلف فمحمول الأولى غير موضوع الثانية. قوله:" فتبين بذلك أن كلمات الله غير مبدلة". قلنا: هذا صحيح لكن قد بينا أن المراد بكلمات الله ليست التوراة والإنجيل التي بأيديكم بل هي القرآن. ولئن سلمنا أنها التوراة والإنجيل، بل وكل كلام الله غير مبدل، إلا أن ما بأيديكم ليس هو التوراة والإنجيل المرادين هنا «2»، المنزلين على موسى وعيسى، بل كلمات الله التي هي كلماته لا يدخلها التبديل في خبر ولا حكم ولا وعد ولا وعيد، وما بأيديكم من ذلك تواريخ وسير مبدل محرف متناقض، علمنا تناقضه بالعيان والمباشرة. [رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ "] قال: القسم الثاني من قوله- يعني مما زعم أنه كذب من أخبار محمد- عليه السلام- فمن ذلك قوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ... إلى قوله: وإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ «3» وقوله في التحريم «4»: ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها «5» وقوله في سورة مريم: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ «6».

_ (1) في (ش): والقرآن. (2) في (أ): المرادين هاهنا. (3) سورة آل عمران: 35. (4) في النسخ الثلاث:" في المتحرم" وهو تحريف واضح. (5) الآية الأخيرة من سورة التحريم. (6) سورة مريم، آية: 28.

قال:" فثبت بهذا كله: أن مريم أم المسيح هي بنت عمران أخت موسى وهارون". قال:" واسم أبي مريم أم المسيح: يعقيم. وأمها: حنة. وبين مريم هذه وعمران أبي موسى ألف وخمسمائة سنة" «1». قال: وعذرا له في هذه الغلطة، فإن الناقل، إما جاهل وإما قاصد إيقاعه في الغلط". «2» قلت: يشير هذا الخصم إلى أن محمدا- عليه السلام- كان يلقن أساطير الأولين ثم ينظمها بعبارته، والملقن له إما جاهل بالنقل أو قاصد «3» تغليطه «4». قلت: وللعدو أن يقول ما شاء، وإنما يثبت ما قامت عليه الحجة.

_ (1) ليس هذا التحديد الزمني صحيحا مضبوطا، بل النصارى أنفسهم مختلفون فيه فقد روى عنهم الإمام القرافي في الأجوبة الفاخرة ... الباب الثاني السؤال الخامس أن اليهود والنصارى يقولون إن بين هارون ومريم ستمائة سنة ... وقد روي غير ذلك. [انظر هامش مقامع هامات الصلبان" بين المسحية والإسلام" ص 319]. (2) في (ش) الغلط قاصد. (3) في ش: قصد. (4) هذا طبع الكفار دائما يوجهون هذه التهمة إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد حصل لمحمد صلّى الله عليه وسلم هذا، فالنضر بن الحارث لعنه الله كان يوجه هذه التهمة إلى المصطفى صلّى الله عليه وسلم فرد الله عليه وعلى أمثاله بقوله تعالى: وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وزُوراً (4) وقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ ... [الفرقان: 4 - 6] [الفرقان: 4 - 6].

وهذا سؤال قد كفانا/ جوابه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فروى المغيرة بن شعبة «1» قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران. فقالوا ألستم تقرءون: يا أُخْتَ هارُونَ وقد كان بين عيسى وموسى ما كان؟ فلم أدر ما أجيبهم/ فرجعت «2» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» فأخبرته. فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» رواه مسلم والترمذي «4» وقال حديث حسن صحيح".

_ (1) أبو عبد لله أو عيسى: المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفي، أسلم عام الخندق وقدم مهاجرا، كان رجلا طوالا ذا هيبة أعور أصيبت عينه يوم اليرموك ... روي عن الشعبي أنه قال:" دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وزياد أي: ابن أبيه فأما معاوية فللأناة والحلم، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير" شهد المغيرة القادسية ونهاوند. توفي رضي الله عنه سنة خمسين من الهجرة بالكوفة، وقيل سنة إحدى وخمسين، وهو أمير عليها من قبل معاوية رضي الله عنه-. [انظر الاستيعاب 4/ 1445 - 1448، والإصابة في تمييز الصحابة 3/ 452 - 453، ترجمة 8179]. (2) في (أ): ورجعت. (3) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ). (4) أخرجه مسلم في (كتاب الآداب، الحديث التاسع) عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا إنكم تقرءون:" يا أخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال: «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين من قبلهم» وأخرجه الترمذي في (كتاب التفسير، باب ومن سورة مريم) بهذا اللفظ وقال:" هذا حديث صحيح غريب لا تعرفه إلا من حديث ابن إدريس" قلت: وأخرجه أحمد في المسند (4/ 252). وابن جرير في تفسيره (16/ 78). والترمذي ترجمته في الدراسة ص: 76.

قلت: ومعنى هذا الحديث ما ذكره عبد الرزاق في تفسيره «1». قال: أخبرنا «2» معمر عن قتادة في قوله يا أُخْتَ هارُونَ قال: كان رجلا صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون فشبهوها به. فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح «3». فتحقيق معنى الحديث:/ أن هارون هذا سمي باسم هارون أخي موسى تبركا. وحينئذ يفسد استدلال هذا الخصم ويكون الحد الأوسط في نظمه وهو هارون مختلفا، كما تقدم في استدلاله على أن الذكر المحفوظ هو التوراة.

_ (1) وقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (16/ 77) عن قتادة أيضا، بنحوه. والقرطبي في تفسيره (11/ 100) بمعناه عنه. (2) في (م): أنا. (3) وقد ذكر ما يتضمنه الحديث المتقدم وقول قتادة هنا: الإمام القرافي رحمه الله في الأجوبة الفاخرة. في السؤال الخامس من الباب الثاني: لما ولدت مريم- رضي الله عنها- بعيسى عليه الصلاة والسلام من غير زواج اتهمها بنو إسرائيل لعنهم الله بالزنا فقالوا لها متعجبين كيف يصدر القبيح من غير محله يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: 28]، لأنها كانت في غاية العبادة. وأصل الأخوة التساوي في الصفة ومنه قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [سورة الأعراف: 38] أي مساويتها في الكفر. وقوله تعالى: وما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها [الزخرف: 48] أي مساويتها في الدلالة، ... والمساواة حصلت بين مريم- رضي الله عنها- وبين ذلك الرجل المسمى هارون فسميت أخته. أى مساويته في العبادة. وقيل: كان في ذلك الزمان فاسقا يسمى هارون فلما اعتقد بنو إسرائيل في مريم التهمة جعلوها أخته أي مساويته في ذلك الفعل. [انظر الأجوبة الفاخرة للقرافي الباب الثاني السؤال الخامس].

وأما قوله: إن اسم أبي مريم:" يعقيم" فجوابه من وجهين: أحدهما: أن هذا لم أعلمه ولا رأيت أحدا ذكره ممن أثق به من علماء المسلمين. وعلماء اليهود والنصارى غير مأمونين عندنا، ولا وثوق لنا بما عندهم على ما سبق في مقدمات الكتاب. ومعنا شيء نحن معتقدون فيه واثقون به، وهو القرآن المتضمن أن اسم أبيها عمران. ويكون ذلك من أسماء الأعلام المشتركة مثل هارون، وهارون، وفرعون، وفرعون، وزيد وزيد، وعمرو، وعمرو، فلا نعدل عنه إلى غيره ولا سبيل لهم إلى إقامة الحجة القاطعة التي نضطر إلى تسليمها علينا، وإن أمكنهم ذلك وفعلوه قبلناه منهم، فإنه لا غرض لنا في العناد بل الحق حيث كان متبع. الوجه الثاني: أن هذا اختلاف في الأسماء، لا في المسميات فجاز أن يكون عمران تعريب يعقيم، فإن العربية تصرفت في الألفاظ الأعجمية فعربتها كما سمت العرب/ المسيح: عيسى، واسمه في الإنجيل: يسوع. فعكسوه من آخره، وقلبوا الواو ياء. وكان أصل موسى: موشا، بالشين المعجمة، يعني الماء والشجر، لأن آل فرعون التقطوه من بين ماء وشجر حين ألقته أمه في اليم، ومو: هو الماء. وشا: الشجر «1».

_ (1) انظر لسان العرب 6/ 224، والمصباح المنير 2/ 715.

[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]

وكما سموا" حران «1» " هذه المدينة التي بين الشام «2» وبلاد الجزيرة «3» باسم هاران أخي إبراهيم، وهو أبو لوط، لأنه نزلها. فعربوها، فقالوا: حران. أو لعل عمران اسم ويعقيم لقب، فكل هذا محتمل، فلا يقدح مثله في صاحب ناموس عظيم غلب ناموسه على ناموس المسيح والكليم «4». [رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام] قال:" ومن ذلك قوله في سياق تبشير الملائكة لزكريا بيحى «5» " قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «6» قال:" وهذا باطل، لان

_ (1) حران: بتشديد الراء، وآخره نون: مدينة قديمة قصبة ديار مضر، بينها وبين الرها يوم. وقيل: هي أول مدينة بنيت بعد الطوفان، وكانت منازل الصائبة الحرانيين، وهي مهاجر إبراهيم عليه السلام [انظر مراصد الاطلاع 1/ 389]. (2) الشام بهمزة والنسبة إليها الشامي، وبدون همزة، أرض بني كنعان الممتدة من الفرات إلى العريض طولا، ومن جبلي طيئ إلى بحر الروم عرضا، وتضم سوريا الآن والأردن وفلسطين وسميت الشام: قيل: لأن بني كنعان تشاءموا إليها، وقيل: سميت بسام بن نوح لأنه أول من نزلها واسمه بالسريانية شام، وقيل: لكونها شمال الأرض. وقيل غير ذلك، ويقال أن اسمها الأول سورى أو سورية [انظر مراصد الاطلاع 2/ 775، ومنال الطالب في شرح طوال الغرائب ص 613، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 171]. (3) بلاد الجزيرة: وتسمى" جزيرة أقور" وهي التي بين دجلة والفرات من أمهات مدنها حران، والرها، والرقة. والظاهر أن حران في طرف الجزيرة من قبل بلاد الشام، لأن المؤلف قال: إنها بين الشام وبلاد الجزيرة. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 331 - 332]. (4) أي موسى عليه السلام وسمى بالكليم لأن الله كلمه تكليما. أي ليس بينه وبينه واسطة إنما سمعه موسى من وراء حجاب. (5) زكريا: بالألف الممدودة، والمقصورة: ابن برخيا. ويقال: ابن دان أبو يحيى النبي عليهما السلام ومعنى زكريا: تذكار الرب، ولفظ يحيى معرب عن يوحنا. ومعنى يوحنا: نعمة الله، ويحيى ولد خالة عيسى عليهما السلام وسمي بذلك لأن الله أحياه بالإيمان. [انظر البداية والنهاية 2/ 47، تفسير القاسمي 4/ 93، 94، 95 وتفسير ابن كثير 1/ 361]. (6) سورة آل عمران، آية: 41.

سكوت زكريا كان أزيد من تسعة أشهر، وذلك من الوقت الذي بشر به إلى أن وضع، وأن ذلك كان على جهة التأديب والعقاب، يعني على مراجعته الملك، وكونه لم يثق بأول كلامه، لا على جهة الآية" وذكر حكاية ذلك من الإنجيل في كلام طويل قد ذكرته أنا وجوابه في:" التعليق علي الأناجيل «1» ". قلت: والذي يحتاج إلى الجواب عنه في هذه الجملة أمران/: أحدهما: أن سكوته كان أكثر من ثلاثة أيام. الثاني: أن سكوته كان عقوبة لا علامة. والجواب/ عن ذلك من وجهين: أحدهما: الجواب العام وهو أن مستندكم في هذا: الإنجيل. وليس حجة علينا، كما أن ما عندنا ليس حجة عليكم- على زعمكم-، فبقيت دعوانا ودعواكم ولا فاصل بيننا يلزمنا جميعا الرجوع إليه. الوجه الثاني: أن خبر محمد- عليه السلام- أثبت ثلاثة الأيام، ولم ينف ما فوقها وأثبت العلامة، ولم ينف العقوبة «2». فإذن الجمع بين القولين ممكن، وهو

_ (1) ذكره الطوفي في أول حديثه عن إنجيل لوقا ص 54 من المخطوطة حسب ترقيمي. وليس طويلا فهو لا يتجاوز الصفحة الواحدة. والذي فهمته من كلامه هذا أن كتاب تعاليق على الأناجيل رد أيضا على النصراني الذي رد عليه الطوفي في هذا الكتاب. (2) كان الاكتفاء بالوجه الأول أولى، أو العدول عن هذا الوجه إلى آخر أجود منه، كأن يقول مثلا: أنتم في كتبكم تنسبون إلى الأنبياء ما لا يليق بهم ومن ذلك اتهامكم بعضهم بالزنا والبعض الآخر بشرب الخمر ومجامعة بناته وهذا زكريا تقول إنه لم يثق بكلام الرب سبحانه وقوم هذه عقيدتهم في أنبيائهم لا يقبل قولهم. ونحن لا نقر ذلك في زكريا بن يحي، وإنما كان عليه السلام يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر، فأخبر بأن الله عظيم لا يعجزه شيء، فطلب أن يجعل الله له علامة يستدل بها علي وجود الولد منه، فأخبره الله أنه لا يستطيع النطق ثلاثة أيام مع أنه سوي صحيح.

أن سكوته/ كان تسعة أشهر، ومنها ثلاثة الأيام المذكورة. ولعله إنما اقتصر عليها لخصيصة فيها، وذلك أن في القرآن في سورة مريم «1» أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10) قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن عكرمة «2» قال:" سويا" من غير خرس. وذكر في الإنجيل «3»: أن زكريا بقي أبكم إلى أن وضع يحيى، والأبكم: الأخرس، فلعله كان في ثلاثة الأيام الأول ساكتا من غير خرس، وفي بقية المدة ساكتا من خرس «4»، ويكون الأول: علامة، والثاني: عقوبة. والقرآن الكريم إنما ذكر هذه القصة في سياق ذكر النعمة على آل إبراهيم وآل عمران واصطفائهم على العالمين، فاقتصر على ذكر زمن الآية والعلامة التي هي من نعم الله على خلقه، إذ هي موجبة لطمأنينة القلوب، ولم يذكر مدة البكم الذي هو عقوبة لئلا يفضي ذلك إلى ضرب من تكدير النعمة بذكر العقوبة عقيبها «5». والقرآن فيه من ملاحظات الآداب واللطائف ما هو أدق من هذا، وشبيه بهذا تأدب إبراهيم مع ربه حيث يقول: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) والَّذِي هُوَ

_ (1) الآية رقم: 10، وقد أخرجه الطبري أيضا عن طريق عبد الرزاق. [انظر تفسير الطبري 16/ 52]. (2) عكرمة: أبو عبد الله البربري المدني مولى ابن عباس، أكثر الرواية عنه، تكلم فيه، ووثق، وفند محمد الذهبي- رحمه الله- التهم الموجهة إليه في كتاب:" التفسير والمفسرون" توفي- رحمه الله- سنة أربع ومائة من الهجرة. [انظر تهذيب التهذيب 7/ 263، والتفسير والمفسرون 1/ 107 - 112]. (3) القصة مذكورة في إنجيل لوقا الأصحاح الأول، ولم يحدد فيه مدة صمته. (4) في (أ):" ساكتا من غير خرس". (5) سيأتي للمؤلف- رحمه الله- كلام جيد في هذه المسألة.

يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ (79) وإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) «1» فأضاف الخلق والهداية والإطعام والإسقاء إلى الله. لأنها نعم. وأضاف المرض إلى نفسه لكونه محله، وإن كان ليس منه في الحقيقة تأدبا لأن المرض صورته صورة نقمة «2»، فإضافته إلى المنعم في سياق الاعتراف له بالإنعام تكدير للتأدب. وكذلك لا تنافي بين كون السكوت علامة على صدق البشرى، وعقوبة على عدم المبادرة إلى التصديق بها. وذكر العقوبة في هذا ليس مما اخترعه هذا المصنف من الأسئلة على القرآن، بل قد ذكره مفسرو القرآن منهم قتادة. قال [القرطبي] «3»:" وهو قول أكثر المفسرين «4» ". قلت: وعليه إشكال. وإن كان/ قد ذكره المسلمون فإنه لا خلاف بيننا وبين النصارى أن مريم لما بشرت بالولد استعظمت ذلك وقالت: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «5»؟ نطق بذلك قرآننا وإنجيلهم «6»، ثم إنها لم تعاقب على ذلك بشيء. فإن قال قائل: إن زكريا كان أكمل من مريم والأكمل في الحال أولى

_ (1) سورة الشعراء: 78 - 80. (2) في (أ):" صوره نفهمه". (3) في النسخ الثلاث: الطبري. والصواب: القرطبي. (4) انظر تفسير القرطبي 4/ 80، وقد رجح هذا القول المروي عن قتادة وأنها آية وعقوبة: الطبري في تفسيره [3/ 259]. ورواه عن قتادة وغيره. (5) في سورة آل عمران، الآية: 47. وقالت في سورة مريم آية رقم: 20: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ .... (6) قصة حمل مريم بالمسيح في أول إنجيل متى.

بالعقوبة على الأفعال وهذا معلوم من قواعد الشرع والعقل، ولهذا كان وعيد العلماء أعظم/ من وعيد الجهال. قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا مع قيام المقتضي للعقوبة إنما يقتضي تخفيف العذاب عن المفضول في الحال، لا سقوطه بالكلية،/ وقد وجد مقتضى العقوبة في مريم كما وجد في زكريا، فكان ينبغي أن يحصل لها من العقوبة بحسب حالها. الثاني: أنه باطل بإبراهيم لما سأل الطمأنينة بمشاهدة كيفية إحياء الموتى «1»، فإنه لم يعاقب، مع أنه في عدم المبادرة إلى قبول خبر الصادق. ك" زكريا" و" مريم" بل أولى لوجهين: أحدهما: أنه كان في غاية من كمال الحال. الثاني: أن المخاطب له كان هو الله نفسه على ظاهر القرآن، والمخاطب لزكريا ومريم كان الملك. وبشارة زوجة إبراهيم حيث فَصَكَّتْ وَجْهَها وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) «2» ولم تعاقب. والأشبه- والله أعلم- أن العقوبة لا مدخل لها هنا لوجهين:

_ (1) قال الله تعالى: وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَولَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى ولكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً واعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة البقرة: 260]. (2) قال الله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [سورة الذريات، آية 24 - 29].

أحدهما: أن الله- سبحانه- خلق الإنسان من ضعف، ولم يجعل في قوة عقله إدراك الحقائق الإلهية، فعدل الله- سبحانه- يقتضي تمهيد عذر الإنسان إذا ضعف في مثل هذه المقامات المدهشة، ما لم يصر على العناد، ولو كان مثل هذا موجبا للعقاب لكان أولى الناس به موسى عليه السلام فإن الله سبحانه لما قال: وَأَلْقِ عَصاكَ «1» فألقاها إلقاء راغب عنها، ظنا منه أن الله نهاه عن حملها/ ثم التفت فإذا هي حية تسعى، فأمعن هربا، فلما عاد قال له ربه: خُذْها ولا تَخَفْ «2» فلف كم مدرعته على «3» يده، ثم تناولها. فقال له الملك: أرأيت لو أذن الله لما تحاذر أكانت تنفعك كمك؟ فقال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت «4». فإن موسى فعل هذه «5» الفعال وهو بحضرة الله- سبحانه- يسمع كلامه بغير

_ (1) قال الله تعالى: وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ [الأعراف: 117] وقال سبحانه: وأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 10] وقال تعالى: وأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ [القصص: 31]. (2) قال الله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (20) قالَ خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [طه: 17 - 21]. (3) كم مدرعته: الكم: مدخل اليد في الثوب. والمدرعة: ثوب من الصوف. [انظر لسان العرب 12/ 526، وإكمال الإعلام للجياني 2/ 606]. (4) من قوله:" فلف كم مدرعته ... " إلى ومن ضعف خلقت" نقله الطوفي بمعناه من تفسير القرطبي (13/ 283) والقرطبي نقله عن وهب بن منبه. وهي من الإسرائيليات التي كان يحدث بها وهب. وذكرها ابن كثير في تفسيره (3/ 145) ولم يعزها إلى أحد. (5) في (ش): هذا.

واسطة، وقد وانسه بالكلام، ولم يبق من أمره في «1» شك فقد كان أولى بالعقوبة إذن، ولكن مثل هذا لا يقتضيها في عدل الله- سبحانه-. الثاني: أن العقوبة تستدعي ذنبا، وليس هاهنا ما يصح أن يكون ذنبا إلا الشك في قدرة الله، على ما أخبر به، أو في صدقه «2»، والأنبياء عارفون بالله وصفاته لا يخفى عليهم مثل هذا، وهم معصومون منه، وإنما كان ذلك من زكريا ومريم وإبراهيم وسارة وكل من صدر منه ذلك من المؤمنين بالله تعجبا من كيفية المقدور، لا شكا في حقيقته، فأراد أن يعرف: هل يعاد شابا ثم يرزق الولد، أو يرزقه وهو بهذه الحال؟ والتعجب وسؤال الله- سبحانه- كشف الأمور الملتبسة أن لم يقتض ثوابا لم يقتض عقابا. ومن الدليل على أن العلامة مرادة من سكوت زكريا/ ولا بد: ما ذكر في الإنجيل أن زكريا قال للملك:" من أين أعلم هذا وأنا شيخ وزوجتي قد تناهت في أيامها «3» "؟ فهذا سؤال من زكريا للآية بلا شك. فأجابه الملك وقال:" أنا جبريل الواقف بين يدي الله وأرسلت لأبشرك بهذا. وها أنت تكون ساكتا، لا تقدر على الكلام إلى اليوم الذي يتم هذا. لكونك لم تصدق كلماتي اليوم التي يتم في زمانها". فأخبر في الإنجيل: أن جبريل أجاب زكريا على سؤاله، والجواب تجب

_ (1) في: ليست في (أ). (2) في (أ):" أو في صدقه فيه". (3) الأصحاح الأول من إنجيل لوقا.

[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]

مطابقته للسؤال. وقد ثبت أن سؤاله كان عن الآية، فيكون الجواب بها. وزيادة العقوبة/ إن ثبت وسلمناه لا ينافي ذلك، لأن الجواب يجوز أن يتضمن زيادة عما في السؤال، كما في قوله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ .. هذا طبق السؤال، وقوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) «1» هذا زيادة عليه. وقوله- عليه السلام- حين سئل:" أنتوضأ بماء البحر؟ " فقال: (هو الطهور ماؤه) «2» هذا طبق السؤال. وقوله:" الحل ميتته" زيادة عليه ويكون وجه الجمع بين الآية والعلامة: إما بما ذكرناه من قبل وهو أن ثلاثة الأيام سويا من غير خرس علامة، وباقيها أخرس عقوبة، أو بأن مطلق السكوت علامة، وامتداده إلى حين الوضع عقوبة. والله أعلم. [رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له] قال:" ومن ذلك قوله في سورة يوسف: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ... (100) إلى قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ... (100) «3» وتقرير السؤال من وجهين:

_ (1) سورة طه، آية: 17 - 18. (2) الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" سأل رجل النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وأخرجه الترمذي في (الطهارة، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في (المياه باب الوضوء بماء البحر)، وابن ماجه في (الطهارة باب الوضوء بماء البحر)، والحاكم في المستدرك (1/ 141) وصححه. (3) سورة يوسف، آية: 100.

أحدهما: أنه أخبر أن أبوي يوسف حضرا عنده ذلك الوقت، وقد ثبت في التوراة: أن راحيل أم يوسف ماتت في نفاسها ببنيامين ودفنت ببيت لحم «1». قبل أن يطرأ ليوسف ما طرأ «2». والثاني: أنه ذكر أنهم سجدوا ليوسف، ولم يذكر في التوراة. غير أن يعقوب لما رأى يوسف فتح ذراعيه، وعانقه باكيا «3» ". قلت: والجواب عن الأول من وجوه: أحدها: الجواب العام، وهو: عدم الوثوق بالتوراة، وقد بينت في التعليق عليها «4» من التناقض والتهافت ما تبين لكل عاقل أنها مما لا يعتمد عليه.

_ (1) بيت لحم، أو بيت لخم، بالمهملة أو المعجمة. وقيل فيه لغتان. وهي بليد قرب بيت المقدس اشتهر أن عيسى- عليه السلام- ولد فيها. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 238]. (2) ذكرت القصة في سفر التكوين الأصحاح الخامس والثلاثين. والأصحاح الثامن والأربعين. (3) والنص في ترجمة 1979 م، في سفر التكوين في الأصحاح السادس والأربعين" ولما ظهر له وقع على عنقه وبكى على عنقه زمانا" اهـ. (4) علق على التوراة في النصف الثاني من كتابه" تعاليق على الأناجيل" ومن تناقضها وما يدل على وقوع التحريف فيها وتغيير وتبديل اليهود والنصارى لها قولهم فيما يسمونه: سفر الخليفة أو التكوين" وقال الله نخلق بشرا على شبهنا وقد رسمنا فضله ليكون كصورتنا ومثالنا وأسلطه على سمك البحار وطير السماء" إلى أن قال:" وخلق الله آدم بصورته صورة الله. خلقه ذكرا وأنثى خلقهما الله وبارك عليهما". قلت: فالله خلق آدم على صورة الله أو على صورة الرحمن. وهذا من إضافة المخلوق إلى خالقه فالصورة خلق الله تعالى ... وليست المشكلة في هذا ولكن قولهم:" ومثالنا" و" وشبهنا" يدل على أن آدم إله مساو لله تعالى. وهذا تنقص بالله تعالى، لأنه يلزم من ذلك أن يكون له شريك في الإلهية والربوبية والأسماء والصفات والأفعال يزاحمه وهذا محال كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ولَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [سورة المؤمنون: 91].

الثاني: أني تأملت هذا الحكم في التوراة على جهة التفصيل فوجدته مختلفا مشتبها جدا وذلك أنه ذكر فيها أن راحيل أم يوسف ماتت على طريق بيت لحم عند قدوم يعقوب من عند خاله" لابن" وذلك قبل أن يرى يوسف الرؤيا بمدة «1»، وذكر فيها: أن يعقوب بعد اجتماعه/ بيوسف بمصر «2» قال له:" وإني حين/ أقبلت من فدان «3» آرام- يعني قدومه من عند خاله" لابن" من حوران «4» - ماتت راحيل أمك في أرض كنعان «5» فقبرتها في بيت لحم «6» " فهذان نصان يقتضيان: أن أم يوسف ماتت قبل أن يرى الرؤيا، وذكر فيها: أن يوسف لما جاءه

_ (1) انظر الأصحاح الثامن والأربعين من سفر التكوين. (2) مصر: البلد المعروف سميت باسم من أحدثها وهو مصر بن مصرايم بن حام بن نوح، فتحها عمرو بن العاص رضي الله عنه [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1277]. (3) في النسخ الثلاث: فدن، بدون ألف بعد الدال المهملة. والصحيح فدان. كما في مراصد الاطلاع 3/ 1020، وفي التراجم الحديثة للكتاب المقدس (سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين). وهي قرية من أعمال حران بالجزيرة. (4) حوران: بفتح أوله: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة، ذات قرى كثيرة ومزارع يقول فيها امرؤ القيس: ولما بدت حوران والآل دونها نظرت فلم تنظر بعينك منظرا [انظر مراصد الاطلاع وهامشه 1/ 435] (5) أرض كنعان: موضع من أرض الشام وهو منازل الكنعانيين نسبة إلى كنعان بن حام بن نوح، كان منزل يعقوب عليه السلام في قرية لها" سيلون" من بلاد كنعان، ويقال إن اسم المكان الذي كان فيه" بدا" وإياه عني جميل بقوله: وأنت الذي حببت شعبا إلى بدا إلى وأوطاني بلاد سواهما. وببلاد كنعان الجب الذي ألقي فيه يوسف عليه السلام. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1182، وتفسير الشوكاني 3/ 56]. (6) انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين.

إخوته يطلبون الميرة «1»، فعرفهم وهم له منكرون، اتهمهم بالجاسوسية وجعل ذلك ذريعة إلى سؤالهم عن عدتهم، حتى انتهى إلى ذكر" بنيامين" فقال: ائتوني به لأعلم صدقكم، فرجعوا إلى أبيهم فقالوا: أرسل معنا بنيامين، فقال لهم يعقوب: " إن أخاه قد مات ولم يبق لأمه غيره ولعله تصيبه في الطريق" «2». وظاهر هذا: أن أمه الآن حيه، وأنه خاف على وجع قلبها وقلبه لفقده وكذلك ذكر فيها: أن إخوة يوسف قالوا له حين سألهم عن عدتم «3»:" إن لنا أبا شيخا، وله ابن صغير، وهو ابن كبره، ومات أخوه، وهو واحد لا غير لأمه وأبيه، وأبوه يحبه «4» ". وهذا قاطع في أن أم" بنيامين" حية إلى الآن «5» - وهي أم يوسف- وهذا تهافت في التوراة «6» كما تراه. فمن احتج بالنص الأول على موتها قبل هذا الحال

_ (1) الميرة: الطعام يمتاره الإنسان: أي يجلبه للبيع أو للاقتيات. والمور: الحركة ذهابا ومجيئا. فهم يذهبون لطلب الميرة" الطعام" ويجيئون قال تعالى: ولَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا ونَمِيرُ أَهْلَنا ونَحْفَظُ أَخانا ونَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ [يوسف: 65] وانظر في معنى الميرة: [لسان العرب 5/ 188، ومنال الطالب ص 139، 409، 454]. (2) النص في سفر التكوين آخر الأصحاح الثاني والأربعين، ولم تذكر الأم في التراجم الحديثة، مع أنها ذكرت في النص التالي بعده. (3) في (أ)، (ش): عددهم. (4) انظر سفر التكوين الأصحاح الرابع والأربعين. (5) أي إلى وقت القصة. (6) التي بأيديهم لا المنزلة.

احتججنا عليه بهذا القاطع «1» أنها باقية إلى هذا الحال. ونؤكده بقول يعقوب ليوسف حين قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) «2» فزجره يعقوب وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجئ أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض"/ «3». فنقول: إن كانت أم يوسف التي ولدته حية الآن فهو يناقض ما في التوراة من أنها ماتت قبل ذلك ودفنت ببيت لحم. وإذا وقع التناقض فيها سقط الاحتجاج بها «4»، وليس للخصم مستند في ذلك غيرها، وإن كانت قد ماتت فقد سمى يعقوب ليوسف بعد أمه أما، فتلك هي التي سجدت له مع يعقوب عند تأويل الرؤيا، سواء كانت هي والدته، أحياها الله حينئذ تصديقا/ لرؤياه «5»، كما قال

_ (1) عند اليهود والنصارى. (2) سورة يوسف، آية: 4. وقول التوراة غير هذا. (3) نص التراجم الحديثة:" ... فقال إني قد حلمت حلما أيضا وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدة لي. وقصه على أبيه وعلى إخوته. فانتهره أبوه وقال له ما هذا الحلم الذي حلمت هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض ... " الخ. [سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين]. (4) بها: ليست في (أ). (5) ذكر هذا القول الشوكاني في تفسيره (3/ 52) ولم يعزه للحسن البصري، وفي زاد المسير (4/ 288) أن الحسن قال إنها أمه. قلت: ولم يرد عن موتها شيء.

الحسن البصري «1»، أو كانت خالته وسميت أما مجازا، كما قال بعض المفسرين «2». وكما قد ثبت في الإنجيل: أنهم كانوا يسمون مريم ويوسف: أبوي المسيح، في غير موضع، وقالت له مريم لما تخلف عنها في أوراشليم «3»:" يا بني لم تخلفت عنا وتركتني وأباك نطوف عليك «4» "؟ فكما سمى يوسف أبا المسيح لكونه زوج أمه مجازا «5»، فكذا سميت زوجة يعقوب أما ليوسف مجازا،

_ (1) التابعي الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، نشأ بوادي القرى، وحضر الجمعة مع عثمان- رضي الله عنه- وسمعه يخطب، وشهد يوم الدار، وله يومئذ أربع عشرة سنة، خرجت به أم سلمة، وهو رضيع إلى الصحابة، ومنهم عمر فدعا له، وقال:" اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس" توفي- رحمه الله- عشية يوم خميس من أول رجب سنة عشر ومائة. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 563 - 588]. (2) كابن عباس وقتادة والسدي. [انظر تفسير الطبري 12/ 152، 13/ 67، وتفسير القرطبي 9/ 121، وزاد المسير 4/ 180]. قلت: ولا لزوم إلى هذا التكلف من المفسرين في هل هي أمه أو خالته، فالآية واضحة لا تحتاج إلى مراعاة ما عند أهل الكتاب من أنها خالته. فهم محرفون للكلم عن مواضعه، ثم قد ورد في كتبهم مرة أنها أمه وأنها حية وأخرى أنها خالته وأن أمه ماتت. أما قول بعض المفسرين إن الله أحيا له أمه حين قدومهم إلى مصر، فهو قول من غير دليل، ولا برهان عليه. وإن كانت قدرة الله أكبر من هذا. (3) وتروى:" شلّم" ويقال: أوريشلم، وهو اسم بيت المقدس بالعبرانية. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 131، 2/ 809]. (4) انجيل لوقا الأصحاح الثاني. والنص في التراجم الحديثة:" وقالت له أمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين". (5) قصة ولادة المسيح وتزوج مريم عند النصارى في أول إنجيل متى. وليس في هذا مجاز فإن النصارى بهذا يوافقون اليهود في أن المسيح ابن يوسف النجار زنا. لعنهم الله أنى يؤفكون.

خصوصا وكانت زوجة أبيه أخت أمه نسبا وهي" ليا/ بنت لابن" فقرب المجاز وزال الإشكال. والله أعلم بالصواب. الثالث: أن المراد بأبويه: أبوه وخالته، والعرب تسمي الخالة أما، والعم أبا كما روى أبو إسحاق «1» عن البراء «2» عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «الخالة بمنزلة الأم» رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح «3». وعن ابن عمر «4»: أن رجلا قال:

_ (1) هو الهمداني كما صرح به الترمذي: عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد. وقيل: عمرو بن عبد الله ابن علي شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها ينسب السّبيعي. ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان- رضي الله عنه- ورأى عليا يخطب وروى عن معاوية وعدي بن حاتم وابن عباس والبراء، وغيرهم. وكان أعلم التابعين بحديث علي وابن مسعود- رضي الله عنهما- توفي- رحمه الله- سنة سبع وعشرين ومائة. يوم دخل الضحاك بن قيس غالبا على الكوفة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 392 - 401]. (2) أبو عمارة البراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة الخزرجي الأنصاري قيل إنه ممن استصغر يوم بدر وقيل يوم أحد، وقيل أول غزوة غزاها مع النبي صلّى الله عليه وسلم الخندق- والله أعلم بالصواب- وشهد- رضي الله عنه- مع علي الجمل وصفين، والنهروان، ثم نزل الكوفة ومات بها أيام مصعب بن الزبير- رحمه الله تعالى-. [انظر الاستيعاب 1/ 155 - 157]. (3) " الخالة بمنزلة الأم" أخرجه البخاري عن البراء في قصة الحديبية في كتاب المغازي، باب عمرة القضاء، وفي كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان ... الخ. والترمذي في كتاب البر والصلة باب ما جاء في بر الخالة وقال:" وفي الحديث قصة طويلة، وهذا حديث صحيح" اهـ. وأبو داود عن علي- رضي الله عنه- في كتاب الطلاق باب من أحق بالولد، والدارمي في" كتاب الفرائض، باب ميراث ذي الأرحام" عن عبد الله. (4) عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي ولد سنة ثلاث من البعثة النبوية، وأسلم مع أبيه وهاجر وهو ابن عشر سنين وعرض يوم بدر وعمره ثلاث عشرة سنة فاستصغره رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرده وعرض يوم أحد وعمره أربع عشرة فرده النبي صلّى الله عليه وسلم وعرض يوم الخندق وعمره خمس-

يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال: (هل لك من أم؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرها». أخرجه الترمذي أيضا «1». وقال الله تعالى حكاية عن بني يعقوب أنهم قالوا له: نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً «2» فسموا إسماعيل أباه، وإنما هو عمه، وتكملة هذا الوجه قد سبق في الذي قبله. الرابع: ما ذكره الحسن وهو أن الله- سبحانه- أحيا راحيل أم يوسف حتى سجدت له تحقيقا لرؤياه. وقول القائل:" إن هذا ونحوه لم يذكر في التوراة": جهالة، وضيق عطن «3» في العلم، فإن التوراة التي عندكم- إن صح أنها التي جاء بها موسى-

_ - عشرة سنة فقبله النبي صلّى الله عليه وسلم وهو من أكثر الصحابة رواية عن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا ينام من الليل إلا قليلا. قال عنه جابر- رضي الله عنه-:" ما منا من أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها غير عبد الله بن عمر" اشتهر بعلمه وجهاده في سبيل الله. وهو آخر من توفي من الصحابة بمكة سنة ثلاث وسبعين للهجرة في أصح الأقوال. (انظر سير أعلام النبلاء 3/ 203 - 329، والإصابة 2/ 347 - 350، وطبقات ابن سعد 4/ 142 - 188). (1) في كتاب: البر والصلة، باب ما جاء في بر الخالة، وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك (كتاب البر والصلة 4/ 155) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وأخرجه أحمد في المسند (2/ 14). (2) سورة البقرة، الآية رقم: 133. (3) ضيق عطن: يقال واسع العطن: أي واسع الصبر والحيلة عند الشدائد، سخي كثير المال. وضده ضيق العطن. [المعجم الوسيط 2/ 609]. أو يقال: رجل رحب العطن أي رحب الذراع كثير المال واسع الرحل، والعطن. [لسان العرب 13/ 287]، فيكون ضيق العطن ضد ذلك. ويأتي العطن بمعان أخرى.

فهو جزء «1» يسير من علم الله، وتضمنت يسيرا مما جرى للقوم، وقد جرى لهم جزئيات وتفاصيل لم تذكر، فلعل هذا منها. والله- سبحانه- يفضل من شاء على من شاء في العلم والجسم والمال والعقل وغير ذلك «2». فما المانع أن يكون/ الله- سبحانه- اختص محمدا من العلم بما لم يخصكم «3» كما خصه باذلالكم وإرغام أنوفكم، وأخذ الجزية منكم، نحو ثمانمائة سنة «4». والجواب عن الثاني- وهو سجودهم له- من وجوه: أحدها: هذا بعينه، وهو أن في القرآن زيادة علم لم تبلغكم، تخصيصا من الله لغيركم عليكم. الثاني: أن السجود المذكور في القرآن ليس المراد به وضع الجباه على الأرض بل هو الإيماء بالرءوس، والانحناء على جهة التعظيم، وكانت تلك تحية الملوك عندهم، فلعله لخفاء صورته وعدم ظهور تأثيره في هيئة الإنسان الانتصابية «5» لم يذكر في التوراة اعتبارا/ بصورته، وذكر في القرآن اعتبارا بمعناه، وهو التعظيم «6».

_ (1) في (أ): فهو حرف. (2) قال الله تعالى: وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 247]. (3) في (م): يختصكم. (4) هكذا في النسخ الثلاث والصحيح: أكثر من سبعمائة سنة. (5) كلمة" الانتصابية" غير واضحة في (أ). (6) انظر تفسير الطبري 13/ 68 - 69، وتفسير القرطبي 9/ 265.

على أنه قد صرح في التوراة «1» بأن إخوة يوسف لما عرفهم وهم له منكرون" خروا له سجدا". ثم لما «2» عادوا المرة الثانية" خروا له سجدا" «3»، وأن يوسف لما جاء بابنيه" ميشا" «4» و" أفرايم" إلى يعقوب ليبرّك عليهما، سجدا له «5». وأن" إبراهيم" لما اشترى مغارة" عفرون" «6» ليجعلها مقبرة لسارة، فقالوا له:

_ (1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني والأربعين، والنص في التراجم الحديثة:" فأتى إخوة يوسف وسجدوا له بوجوههم إلى الأرض" اهـ. (2) " لما" سقطت من (م). (3) انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث والأربعين. (4) " ميشا" هكذا في النسخ الثلاث وفي ترجمة سنة 1979 م: منسّ. (5) انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والأربعين. قلت: والصواب أن السجود كان جائزا في شريعتهم ثم نسخ في شريعتنا، لأنه ليس في النص قرينة تصرفه عن المعنى الحقيقي- والله أعلم ومما ورد في شريعتنا من النهي عن السجود لغير الله، ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: «أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له»؟ قال: قلت: لا، قال: «فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق» وأخرج الترمذي في الرضاع باب حق الزوج على المرأة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» وفي مسند أحمد وسنن النسائي نصوص أخرى غير هذه. (6) هي قرية من قرى فلسطين قرب بيت المقدس يقال إن فيها قبر إبراهيم- عليه السلام- واسمها حبرون. واسمها الآن الخليل. واسم مالكها قبل ذلك عفرون. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 376].

قد وهبناها لك، خر لهم ساجدا «1» على جهة الشكر حيث ياسروه ولم/ يعاسروه. وسألهم أن يأخذوا منه ثمنها. فقد كان السجود عندهم سهلا متعارفا في هذه المواطن اليسيرة الخطب، وهو من ملة أبيهم إبراهيم «2». وفي التوراة:" أن يعقوب لما التقى بأخيه العيص سجد له «3» بالأرض سبع مرات" «4»، فما ظنك بحال الدخول على يوسف من قوم متشوقين إليه، وخجلين منه بعد سنين متطاولة، فإن العقول تجزم بأن هذا المقام أولى بالسجود من كل مقام، خصوصا لشخص قد أحياهم الله به، وقد غمرهم بإحسانه بعد أن بالغوا في الإساءة إليه. ففي السجود له فوائد «5». منها: إقامة رسم الملك بفعل تحيته «6». والثانية: التوصل إلى إزالة ما في نفسه.

_ (1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث والعشرين. (2) قلت: هذا ادعاء وزعم منهم أنه حصل منه هذا، وأنهم على ملته لا أن ذلك صدقا. فالله أعلم بالصواب. (3) في (أ): أسجد له بالأرض. (4) سفر التكوين الأصحاح الثالث والثلاثين. (5) هذا إذا كان على سبيل الخلق كما في شريعتهم المنسوخة لا العبادة وعلى سبيل التنزل منا بصحة ذلك في شرائعهم. (6) روى ابن جرير الطبري في تفسيره (13/ 68) عن قتادة:" وكانت- أي السجود- تحية من قبلكم كان بها يحي بعضهم بعضا، فأعطى الله هذه الأمة: السلام تحية أهل الجنة، كرامة من الله تبارك وتعالى عجلها لهم، ونعمة منه" اهـ.

والثالثة: إظهار المحبة ليوسف والطاعة له ليرضى/ عنهم يعقوب، ويطيب قلبه بتصافيهم. الرابعة: مكافأته على بعض إحسانه. الخامسة: تصحيح رؤياه، فإن" رؤيا الأنبياء وحي «1» ". الثالث: أنه ذكر في التوراة «2» أن يوسف لما قص رؤياه على يعقوب زجره لما قصها، وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجيء أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض؟ " وكان يعقوب قد وعى معنى الرؤيا. قلت: وإنما أراد أن يصد عنه كيد إخوته له باستبعاده ذلك وإنكاره «3». قلت: فهذا يعقوب قد فهم أن تأويل رؤيا يوسف: سجود إخوته وأبويه له. وقد ثبت أن الرؤيا صحت، فكذا تأويلها، خصوصا والرؤيا رؤيا نبي، والتأويل تأويل نبي ورؤيا الأنبياء وحي، وتأويلهم إلهام. وأيضا: فإن في التوراة «4» أن يوسف رأى رؤيا أخرى وهي أنه رأى أنه وإخوته جمعوا حزما في المزرعة، وقد قامت حزمته، وجاءت حزم إخوته، فسجدت لها. وهذا يدل على سجودهم له، لما التقوا لأن الرؤيتين دلتا على حكم واحد، وهو السجود.

_ (1) طرف من حديث أخرجه البخاري في الوضوء، باب التخفيف في الوضوء وفي الأذان باب وضوء الصبيان وهو من قول عبيد بن عمير رضي الله عنه قال هذا:" إن رؤيا الأنبياء وحي" ثم قرأ: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ الآية (102) من سورة الصافات. (2) في سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين. (3) في (ش) كيد اخوته وأبوه له وقد ثبت أن الرؤيا صحت. (4) في سفر التكوين الأصحاح السابع والثلاثين.

الرابع: أنه يجوز حمل ما في القرآن على أن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «1» جملة. وقوله: وخَرُّوا جملة مختص ضميرها بإخوة يوسف لم يتناول أبويه، فيكون ذلك موافقا لرؤيا الحزم، فإنها إنما تضمنت ما يدل على سجود الإخوة فقط دون أبويه، ويصير هذا قريبا جدا «2» لأن إخوته سجدوا له قبل ذلك مرتين بنص التوراة، وهذه تكون ثالثة ووقتها أولى بالسجود من غيره على ما سبق وإنما ترك ذكره في التوراة اكتفاء عنه بالمرتين الأوليين، وتنبيها عليه بطريق أولى. قلت: وفي ورود/ القرآن برؤيا النجوم دون رؤيا الحزم أقوى دليل على صدق محمد- عليه السلام- وأن القرآن وحي من الله، وأنه إنما أخبر بما أوحى إليه، وإلا فلو كان ينقل ذلك من كتب/ الأولين لتتبعها/ ولظفر برؤيا الحزم، ولذكرها خشية أن يطعن عليه بالنقص والزيادة فاعلم ذلك.

_ (1) سورة يوسف، الآية رقم: 100. (2) وذكر الرازي في كتابه" عصمة الأنبياء" ص 84، تفسيرا آخر وهو:" المعنى: خروا لأجله سجدا لله". وقال القرطبي في تفسيره (9/ 264):" الهاء في قوله (خروا له) قيل: إنها تعود على الله تعالى، المعنى وخروا شكرا لله سجدا، ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه، وروي عن الحسن" اهـ. ولكن رد بعض المفسرين على هذا القول بأن الهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ وأن هذا كان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف. قلت: تعبيرهم" بالوضيع للشريف" هضم لحق نبي الله يعقوب- عليه السلام- فليس وضيعا، وإنما نقول كانت تلك تحيتهم كما تقدم.

[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]

[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج] قال:" ومن ذلك في سورة القصص بعد ذكر موسى: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ ... إلى قوله: ... إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ... «1» قال: الكذب في هذه القصة في مواضع: أحدها: قوله:" وجد على الماء قوما يسقون" ولم يكن كذلك يعني بل «2» القوم طرءوا «3» على بنات شعيب، وقد ملأن الحياض «4» ليسقين غنم أبيهن، فأخرجوهن فقام موسى فحماهن وسقى غنمهن كما سيأتي في لفظ التوراة. الثانى" أن النساء كن سبعا لا اثنتين. الثالث: أن عرض شعيب ابنته على موسى واستئجاره على نكاحها ثماني سنين لم يكن منه شيء، إنما كان هذا في زواج يعقوب براحيل بنت خاله" لابن" وإنما اختلطت لهذا الإنسان القصة، أو خلطت له بقصة زواج يعقوب النبي، ثم ذكر ما في التوراة من قصة موسى في ذلك. وهو أن قال فيها بعد ذكر قتل موسى للقبطي «5»:" فسمع فرعون هذا الخبر وكان يطلب قتل موسى فهرب من حضرته، وأقام بأرض مدين «6»، وجلس جوار البئر.

_ (1) سورة القصص من 23 - 27. (2) في (ش) يعني أن القوم. (3) أي وردوا على بنات شعيب، وأتوهن فجأة. [لسان العرب 1/ 114]. (4) في (م): الحوض. (5) القصة في سفر الخروج الأصحاح الثاني. (6) أرض مدين: مدينة قوم شعيب قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلي ناحية الحجاز، قريبا من بحيرة قوم لوط، بينها وبين تبوك ست مراحل، وهي أكبر من تبوك في ذلك الوقت وبها البئر التي استقى منها موسى لغنم شعيب. ومدين قبيلة من بني مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل- عليه السلام- وشعيب عليه السلام نبيهم. ذكرت قصة عتوهم في القرآن الكريم، وكانوا يخيفون المارة ويعبدون الأيكة- شجرة من الأيك- أهلكهم الله بأنواع من العذاب. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1246، والبداية والنهاية 1/ 184 - 191].

وكان لإمام مدين سبع بنات. كن أقبلن لاستقاء الماء فملأن الحياض وأحببن سقي غنم" يثرا" «1» أبيهن، فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن فقام موسى وحمى الجواري وسقى نعاجهن، فلما انصرفن إلى" يثرو" أبيهن، قال لهن: لم جئتن أسرع من المعتاد «2»؟ فأجبن: رجل مسلم «3» مصري أنجانا من الرعاة، وبزيادة استقى الماء وسقى النعاج «4». فقال: أين هو؟ لم خلفتن الإنسان؟ ادعونه ليأكل خبزا، فحلف «5» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «6» بنته زوجة". اهـ. قال:" هذا نص التوراة/ أن الجواري كن سبعا، لا اثنتين، وأن والدهن كان اسمه يثرو لا شعيب، ولا ذكر لاستئجاره ثماني حجج. ثم ذكر قصة زواج يعقوب من التوراة إلى آخرها. ثم قال:" فتأمل يا قارئ اختلاط إحدى القصتين بالأخرى". قلت: والجواب عن هذا السؤال من وجوه:

_ (1) اختلف المفسرون في اسم أبي المرأتين المشار إليهما: فقال بعضهم: اسمه يثرون أو يثرى. وقال بعضهم: اسمه شعيب وهو النبي- عليه السلام- وكلا القولين لا دليل عليهما، ولسنا متعبدين بمعرفته ولا بمعرفة اسمي المرأتين بل بالإيمان والتصديق بالقصة دون معرفة الأسماء والله أعلم. (2) في (ش): المضاد. (3) كلمة" مسلم" ليست في (م)، (ش). (4) عبارة (أ):" وبزيادة استقى الماء وسقى النعاج" وفي التراجم الحديثة:" فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدى الرعاة، وأنه استقى لنا أيضا وسقى الغنم فقال لبناته فأين هو ... ". (5) فحلف: ليست في (ش) وفي التراجم الحديثة:" فارتضى" موسى أن يسكن مع الرجل" والمعنى: فأقسم على موسى أن يسكن معه ... (6) في التراجم الحديثة اليونانية:" صفّورة".

أحدها: الجواب العام بالقدح في التوراة وعدم الوثوق بها، كما تقرر في المقدمة وقد وجدنا فيها من التناقض والاختلاف/ ما بعضه يقدح في الاحتجاج بها. ولذلك سببان ظاهران: أحدهما: أن اليهود حرفوا منها اسم محمد- عليه السلام- «1» ودلائل نبوته «2» لئلا يكون عليهم حجة له من كتابهم، وحرفوا مع ذلك أشياء مما جاء به محمد عن وضعه الذي في التوراة ليصير ذلك شبهة لهم في تكذيبه، ويقولون: ما نصنع به؟ لو وافق ما عندنا أو ذكر فيه، آمنا به «3».

_ (1) قال الله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ ... الآية [سورة الأعراف آية 157] وقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ... [سورة البقرة 146، وسورة الأنعام 20]. (2) أخرج البخاري في (البيوع، باب كراهية السخب في الأسواق وفي تفسير سورة الفتح 3) عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن [قال في التوراة]: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبنا غلفا" اهـ. (3) قال الله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ الآية [سورة النساء 46]، وقال تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وهُمْ يَعْلَمُونَ (75) [سورة البقرة 75].

السبب الثاني: أن التوراة تقادم عهدها وحرفت في زمن" بختنصر «1» " وتعاورتها «2» التغيرات والتنقلات من العبراني إلى السرياني إلى القبطي إلى العربي لفظا وخطا. وبعيد من مثل هذه التغيرات أن لا تخل بالمعاني. ولذلك صارت التوراة التي بيد النصارى «3» تخالف التي بيد اليهود «4»، والتي بيد اليهود يخالف بعضها بعضا كما أن أناجيل النصارى يخالف بعضها بعضا «5»، كما قد بينته/ في التعليق عليها «6» لأن أهل الكتاب معتمدهم على الخط، لا على الحفظ، وعلى الرواية بالمعنى لا باللفظ. الثاني: أن علماء المسلمين ذكروا قصة موسى، على وفق ما هي في القرآن وكان لهم اجتماع بأهل الكتاب واطلاع على علمهم، وأسلم جماعة من أهل

_ (1) بختنصر: أحد ملوك بني إسرائيل، ذكر ابن أبي حاتم أنه كان فقيرا مقعدا ضعيفا يستعطي الناس، ويستطعمهم ثم آل به الحال إلى ما آل، وأنه سار إلى بيت المقدس فقتل بها خلقا كثيرا من بني إسرائيل، وذكر ابن كثير أن ابن إسحاق وغيره ذكروا أن خراب بيت المقدس كان على يديه في عهد نبي الله" أرمياء" [انظر تفسير ابن كثير 3/ 25، البداية والنهاية 1/ 34 - 39]. (2) كلمة:" وتعاورتها" غير واضحة في (أ). (3) وتسمى باليونانية. (4) وهي نسختان: العبرانية والسامرية. (5) إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا وغيرها. (6) في كتابه:" تعاليق على الأناجيل" خ.

الكتاب ووافقوهم على ذلك كعبد الله بن سلام/ من اليهود، والعاقب والسيد «1» رئيسي نجران من النصارى والنجاشي «2» صاحب الحبشة «3» في ناس كثير، فدل أن ما في القرآن موافق لما في الكتب القديمة، ولكن هذا الذي تدعونه تحريف حدث. فإن قيل: إنما كان إسلام بعض أهل الكتاب «4» وعدم إنكارهم ما جاء به القرآن من الوهم مخافة من سيف الإسلام، فإنه كان مشهورا منصورا، لا يقوم له أحد.

_ (1) العاقب: اسمه عبد المسيح، وكان صاحب مشورة قومه نصارى نجران. وأما السيد فكان اسمه: الأيهم وقيل شرحبيل، وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيس في ذلك. وقصتهما مع وفد نجران الذي قدم إلى النبي صلّى الله عليه وسلم مشهورة. ذكرها البخاري في صحيحه- في كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران- وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 358) وذكر ابن سعد أنهما أسلما بعد ذلك وأنزلهما النبي صلّى الله عليه وسلم دار أبي أيوب الأنصاري- رضي الله عنه-. والله أعلم وقد ذكرها أيضا ابن تيمية في الجواب الصحيح (1/ 241 - 265) بتحقيق د. على حسن عسيري. (2) أصحمة بن بحر، أحد ملوك الحبشة. والنجاشي لقب لكل من ملكوهم. كان رضي الله عنه ذا عدل في ملكه. هاجر إليه جمع من الصحابة فسألهم عن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه وتلوا عليه شيئا من القرآن فقال:" إن هذا والذي جاء به موسى يخرج من مشكاة واحدة" وأسلم خفية عن قومه وقال:" أشهد أنه رسول الله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه" توفي في رجب سنة تسع من الهجرة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين مات، مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة. [انظر صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، وسنن أبي داود، كتاب الجنائز باب الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، ومسند أحمد (1/ 203)، وفتح الباري (3/ 187). (3) الحبشة: جيل معروف يرجع نسبهم إلى حبش بن كوش بن حام ابن نوح. والجمع أحبوش، وهم أمة كبيرة، ويذكرهم المؤرخون في عداد أمم السودان. ودولة الحبشة اليوم تقع في شرق إفريقيا. [انظر فتح الباري 7/ 190 - 191، تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 288]. (4) عبارة «إسلام بعض أهل الكتاب» سقطت من (ش).

قلنا: هذا مما لا يفيدكم، فإن مصنف هذا الكتاب قد أبرز فيه كل ما عنده من الطعن في دين الإسلام مع المخافة وظهور الإسلام، ولم يمنعه ذلك، فلو أمكن الأوائل من أهل الكتاب قدح لفعلوا، ولو في خفية ثم لاشتهر في ذلك العصر ثم نقل إلينا. كيف والمسيح صلّى الله عليه وسلم «1» يقول:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن «2» ". وهو قول معصوم لا يجرم. وأيضا فإن من الممتنع عادة أن أحدا لا «3» ينتقل من دين إلى دين إلا بعد انشراحه لما انتقل إليه وانقباضه عما كان عليه، وأن من ينشرح صدره لدين يحتمل الذل والصغار والقتل، ولا ينتقل عنه كاليهود والنصارى في بلاد المسلمين، والمسلمين في بلاد النصارى. فمن المحال عادة أن جماعات من أحبار «4» اليهود والنصارى ورؤسائهم ورعاعهم يتركون دينهم في/ عصر النبوة إليها إلا بعد علمهم بصحة ما جاءت به «5»، وحينئذ يصير هؤلاء حجة على من يقدح في الإسلام من أهل الدينين.

_ (1) " وسلم" ليست في النسخ الثلاث. (2) إنجيل متى الأصحاح العاشر. (3) " لا" سقطت من (ش). (4) الأحبار جمع حبر وهو العالم. وفي حبر لغتان: بكسر الحاء وفتحها [المصباح المنير 1/ 142] والأول أصح لأن جمعه أحبار، والله تعالى يقول: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية 31 من سورة التوبة والمراد بالأحبار علماء اليهود الذين يحبرون الكلام ويحسنونه. والفرق بينه وبين الراهب أن الراهب بمعنى المتعبد الخاشع الزاهد. وأصله عند النصارى التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها. [انظر لسان العرب 4/ 157 - 158 وتفسير القاسمي 8/ 184]. (5) مثل عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، والنجاشي، وغيرهم.

وهذا" ابن جزلة" «1» صاحب" منهاج البيان" في الطب كان نصرانيا فأسلم وصنف كتابا سماه" إفحام النصارى" ولما مات وقف كتبه على تربة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت «2» / ببغداد «3» وكثيرون مثله يسلمون ويحسن إسلامهم، وبعد ذلك يطعنون فيما كانوا عليه من اليهودية أو النصرانية «4» ولم نر مسلما خرج عن الإسلام، فحمد ما انتقل إليه «5» فإن قيل: لأن المسلمين لا يتركونه بل

_ (1) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 182. (2) النعمان بن ثابت بن زوطي التميمي الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، يقال: إنه من أبناء الفرس. إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق، وأحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ولد بالكوفة، وطلب العلم في صباه، ثم انقطع للتدريس والإفتاء. رأى أنس بن مالك رضي الله عنه وسمع عطاء بن أبي رباح وغيره من التابعين، كان طويل الصمت كثير العقل، يسمى الوتد لكثرة صلابته، قال عنه الشافعي:" الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة" قدم بغداد فأقام بها حتى توفي سنة خمسين ومائة رحمه الله تعالى. [انظر سير أعلام النبلاء 6/ 390 - 403، وتاريخ بغداد 13/ 323 - 423]. (3) المدينة المعروفة الآن في العراق. وهي عاصمة الدولة العباسية وعاصمة دولة العراق الآن. (4) من أمثال السموأل بن يحي بن عباس المغربي المتوفي سنة 570 هـ فقد كان يهوديا ثم أسلم وألف في الرد على اليهود" إفحام اليهود". وأمثال عبد الله بن عبد الله الترجمان الميورقي المتوفي سنة 832 هـ في جزيرة ميورقة والذي كان يدعى قبل إسلامه" أنسليم تورميدا" فقد كان من أحبار النصارى ثم أسلم ورد عليهم بكتابه" تحفة الأديب في الرد على أهل الصليب" وغيرهما كثير. (5) قلت: وقد شهد بذلك هرقل ملك النصارى وعالمهم في عهد النبوة، حيث سأل أبا سفيان عن نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم فقال:" وسألتكم هل يرجع أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ فقلتم: لا. وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد". وستأتي القصة بتمامها في نص الكتاب.

يقتلونه فلا يتسع له زمن النظر والترجيح، بين ما انتقل عنه وإليه، ثم انحسمت «1» مادة الردة في الإسلام خوف القتل. قلنا: لا شك أن مصلحة الدين ومنفعته عظيمة وهي النجاة الأبدية، وعظم مصلحته توجب قوة الداعي المحرك إليه وذلك يوجب انفتاح أبواب الوسائل الموصلة إلى المقصود منه. وهذه بلاد النصرانية ملاصقة لبلاد الإسلام، والسبل إليها آمنة مسلوكة وفي المسلمين ناس كثير وقفوا على حقيقة دين المسلمين والنصارى وهم عقلاء ألباء، فلو صح لهم ما ذكرتم من القدح في دين الإسلام لتوصلوا إلى أرض النصرانية واعتصموا بها وجعلوها هجرة دينية «2».- والله أعلم-. ثم لو لم يكن في هذا الجواب إلا معارضة ما نقله المسلمون لما نقلتموه لأوقف دعواكم في صناعة النظر حتى تبدوا مرجحا لما قلتموه أو دليلا آخر.

_ (1) في (ش): أحسمت. (2) قلت: لقد كان كثير من أهل الكتاب لا يرغبون بالعيش والبقاء في بلاد المسلمين بديلا، وذلك لما ينعمون به من الأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ومن العدل والحماية، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون أو تعذيبهم إذا قاموا بما فرضه الإسلام عليهم من الجزية وعدم حرب المسلمين أو التعرض لأذاهم أو محاربة دينهم بأي نوع من أنواع الحرب الفكرية أو المادية. وهذا لا يجدونه في غير بلاد المسلمين ولا تحت حكم طغاتهم. وتحدث الأئمة من السلف الصالح عن أحكام الذميين" أهل الكتاب" وموقف الإسلام منهم وما لهم من حقوق في الإسلام إذا كانوا أهل ذمة: مثل الخلال في:" أحكام أهل الملل" وابن القيم في:" أحكام أهل الذمة" وغيرهما.

الثالث: أن ما حكاه هذا المصنف من القصة في التوراة/ لا ينافي ما في القرآن بل في القرآن «1» زيادة بيان ومناسبة للقضية «2»، فرد تلك الزيادة لكونها لم تذكر في التوراة جهالة، لأنه إبطال للوجود المحض بالعدم المحض، وذلك عناد أو قصر باع في العلم لما بيناه في الوجه الرابع من الجواب عن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «3» في السؤال قبل هذا، وبيان عدم المنافاة: أما قوله:" إن موسى لما ورد ماء مدين لم يجد القوم/ يسقون بل طرءوا بعد ذلك". فهذه مناقشة باردة ممن لا يعلم مواقع الكلام خصوصا لغة العرب واتساعها، بل ولا حقائق المعقولات فإن" لما" في لغة العرب أداة زمانية: أي تدل على الوقت والزمان، فإذا قلت: قام زيد لما قعد عمرو، معناه: قام زيد وقت أو زمان قيام عمرو. فقوله: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً «4» / أي: وقت أو زمن ورود ماء مدين وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ولا شك أن الزمان والمكان يكونان حقيقة ومجازا، فحقيقة المكان: هو الموضع الذي يستقر فيه الجسم، ويحيط به فقط دون ما حوله، كدائرة الكرسي مثلا «5» لمن جلس عليه، ومجاز المكان: ما قارب مستقر الجسم وما أحاط به من مكانه الحقيقي كالبيت أو الدار بالنسبة إلى الكرسي الذي جلس عليه «6» وحقيقة زمان الفعل: الجزء الذي يحدث فيه الفعل فقط لا يتناول شيئا مما قبله ولا بعده، كالجزء الذي كان فيه ورود موسى، ومجازه: هو ما قارب ذلك الجزء بساعة أو ساعتين أو أقل أو أكثر بحسب قرب المجاز وبعده وعظم الحقيقة وصغرها.

_ (1) عبارة (بل في القرآن) سقطت من (ش). (2) في (ش): القضية. (3) سورة يوسف، آية رقم: 100. (4) سورة القصص، آية رقم: 23. (5) في (ش): الكرسي الذي جلس ... (6) عبارة «مثلا لمن جلس عليه ومجاز المكان: ما قارب مستقر الجسم وما أحاط به من مكانه الحقيقي كالبيت أو الدار بالنسبة إلى الكرسي» سقطت من (ش).

وإذا ثبت هذا التقرير بان: أن لا منافاة بين قوله في القرآن: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً وبين قوله في التوراة:" فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن" لجواز أن يكون إقبال الرعاة، ووجدان موسى لهم جميعا في زمن وروده المجازي، الذي هو بعيد زمن وروده الحقيقي. وكذلك قوله: ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما «1» مع قوله في التوراة:" فقام موسى، وحمى الجواري، وسقى نعاجهن" لا تنافي بين الأمرين لجواز أنهما لما أخرجهما الرعاة عن الماء وقفتا تذودان غنمها- أي تحفظانها «2» / من الشرود «3» - فجاء موسى" فقال ما خطبكما" فأخبرتاه، فحماهما وسقى لهما. وأما قوله" كن سبعا لا اثنتين" فمن الجائز أن السبع حضرن لكن الذي تولى ذود الغنم منهن اثنتان، والأخر يملأن الحياض، أو ينظرن في مصلحة أخرى للغنم، فوقع الخطاب في القرآن على الذائدتين دون البواقي لأنهن حينئذ أخص بالغنم والبواقي كالأجنبيات منها، لا يعلم في الحال تعلقهن بأمرها «4».

_ (1) سورة القصص، الآية: 23، 24. (2) في (ش) تحفظانهما. (3) قال الراغب الأصفهاني:" ذدته عن كذا أذوده، قال تعالى: ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تطردان ... " اهـ، قلت: وهي من ذاد الإبل أو الغنم ... يذودها ذودا: أي منعها أو ساقها، أو دفعها، أو طردها. أو كفها. ومعنى الآية: أن المرأتين تمنعان غنمهما لئلا تختلط بغنم الناس. وهو أولى ما قيل في معناها. [انظر لسان العرب 3/ 167، وتفسير القرطبي 13/ 268]. (4) هذا من غير دليل والأولى الإجابة بما سبق أن أجاب به في عدم الوثوق بالتوراة المحرفة في هذا وفي غيره، أو أن ذلك مما حرف في التوراة فحرف من اثنتين إلى سبع، فأهل الكتاب اشتهر عنهم ذلك. وتناقض ما بأيديهم من الكتب دليل صحيح على ذلك.

وأما قوله:" لا ذكر لندب شعيب موسى إلى زواج ابنته، ولا لاستئجاره «1» ثماني حجج" فلا ينافي ما في القرآن من ذلك، لأن هذا مجمل وما في القرآن مفصل، ولا تنافي بين المجمل والمفصل. على أن في قوله في التوراة:" أن يثرو قال لبناته: ادعونه يأكل خبزا، فحلف على «2» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «3» بنته زوجة" «4». تنبيها «5» على ما فصله القرآن إذ معناه: أن يثرو عزم على موسى وأقسم عليه أن يسكن معه. وهذا قريب في العرف من قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ .. «6» فإن الناس جرت عاداتهم أنه إذا ورد/ عليهم غريب فظهرت منه النّجابة والخير والخصال/ الحميدة والأفعال النافعة تمسكوا به وحسنوا له المقام عندهم، وعرضوا عليه المسكن والسكن ليرتبط بذلك عليهم فينتفعون به وينتفع بهم. وقد كان" يثرو" أحق الناس بمثل هذا لكبره، وكون بناته حرما «7»، ضعفا عن القيام بأمر الغنم، وقد كان الرعاة يستضعفونهن. وأما قوله:" كان اسم أبيهن يثرو لا شعيب" «8»، فقد سبق جواب مثله عند قوله:" كان اسم أبي مريم أم المسيح يعقيم لا عمران" «9» وذلك أن الأسماء ألفاظ تختلف باختلاف اللغات، ومع «10» اتفاق المسميات/ لا يضر اختلاف الأسماء.

_ (1) في (ش): ولا استجاره. (2) على": ليست في (م). (3) في (ش): لسابور. (4) انظر سفر الخروج الأصحاح الثاني. (5) في (أ): تنبيه. وتنبيها: اسم إن مؤخر. (6) سورة القصص، آية رقم: 27. (7) الحرم جمع حرمة، وهي المرأة، وما يلزم الإنسان حفظه وصونه. [منال الطالب ص 214]. (8) راجع ص: 326 والتعليق رقم: 1 فيها. (9) راجع ص: 303. (10) في (أ): ومنع.

ويدل على هذا ما ذكره" وثيمة بن موسى بن الفرات" في كتاب" قصص الأنبياء" عن محمد بن إسحاق «1» قال: حدثني عبد الله بن زياد بن سمعان «2» عن بعض من قرأ الكتب أن أهل التوراة يزعمون أن شعيبا اسمه في التوراة ميكائيل بن جزي وبالسريانية يثرن بن جزي بن يشجر. وبالعربية: شعيب بن جزي بن يشجر ابن لاوى بن يعقوب. قال:" وحدثني الشرقي ابن القطامي «3» - وكان عالما بالأنساب- قال: هو

_ (1) أبو بكر ويقال: أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، ويقال: كومان. المدني المطلبي. من أقدم المؤرخين. يقال: إنه رأى أنسا وابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن. كان من أحفظ الناس بما قاله البخاري وروى له مسلم في المتابعات رحل إلى الإسكندرية والكوفة والجزيرة والري وبغداد وتوفي بها سنة إحدى وخمسين ومائة للهجرة على خلاف في تاريخ وفاته. وقد هذب ابن هشام كتابه السيرة النبوية واختصره. [انظر تهذيب التهذيب 9/ 38 - 46، سير أعلام النبلاء 7/ 33 - 55]. (2) عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني، مولى أم سلمة كان ضعيف الحديث، ويغير في الرواة، ويدعي السماع من بعض الناس ولم يسمع منهم. سمعه ابن اسحاق يقول: " سمعت مجاهد" فقال:" والله أنا أكبر منه ما رأيت مجاهدا ولا سمعت منه" قلت: وهذه الرواية تدل على أنه لا يؤخذ بحديثه لأنه يقول:" عن بعض من قرأ الكتب". ولم تذكر سنة وفاته. [انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 5/ 219 - 221]. (3) الشرقي: لقب غلب عليه واسمه: الوليد بن حصين بن جمال بن حبيب الكلبي المشهور بالشرقي ابن القطامي، عالم بالأدب والأنساب وهو من أهل الكوفة، استقدمه أبو جعفر المنصور إلى بغداد ليعلم ولده المهدي الأدب، وله رواية في الحديث لكنه ضعيف. توفي في نحو سنة خمس وخمسين ومائة للهجرة. [انظر تاريخ بغداد 9/ 278 - 279، والأعلام 8/ 120].

يثرون بالعبرانية، وشعيب بالعربية بن عيفاء بن لوثب «1» بن مدين بن إبراهيم". فتبين بما ذكرناه أن هذا نزاع لفظي لا يقدح في حقائق المعاني «2». وأما ما ذكر من أن الاستئجار إنما كان في قصة زواج يعقوب لا موسى. فجوابه: أن احتجاجك في هذا إنما هو بسكوت التوراة عن ذكره في قصة موسى على ما قد ثبت فيها من التحريف والتبديل والزيادة والنقص والتفاوت في النسخ بالنسبة إلى ما بأيديكم وأيدي اليهود وإلى ما في أيدي طوائف اليهود «3»، وذلك استدلال بالسكوت الصرف والعدم المحض، والقرآن جاء بزيادة بيان فليس قدح التوراة في القرآن لمجيئه بالزيادة أولى من قدح القرآن في التوراة لمجيئها

_ (1) في البداية والنهاية (1/ 185):" بن عيفاء بن ثابت بن مدين ... ". (2) قلت: والاختلاف بين مفسري القرآن وأهل الكتاب في اسم صالح مدين لا يبني عليه تكذيب القرآن الكريم بأي حال، لأن القصة وردت في القرآن دون ذكر اسم أبي البنتين، ولا فائدة في ذكر الأسماء إذا تحقق الغرض من القصة والحمد لله. (3) أجمع اليهود والنصارى على القول بوقوع التحريف والتبديل في التوراة، وكل طائفة تجعل مسئولية التحريف والتبديل في عنق الأخرى وسبب ذلك أن نصوص التوراة التي بأيدي النصارى شاهدة بإرسال المسيح- عليه السلام- في الزمن الذي أرسل فيه، ويزعمون أن اليهود بدلوا ما بأيديهم من نسخ التوراة عنادا وحذرا من الاعتراف بإرسال المسيح- عليه السلام- واليهود يزعمون أن النصارى بدلوا ما بأيديهم من النسخ، وأن المسيح إنما يأتي في آخر الزمان، وهو المسيح المنتظر على زعمهم، ويزعمون أن ما بأيديهم من نسخ التوراة موافق لما ادعوه. قال الله تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [البقرة: 113] ثم إن التوراة التي بأيدي اليهود يعترفون بأنها غير منزلة إنما كتبها عزرا من محفوظاته ومحفوظات بعض الكهنة أيام بختنصر، وهم فرق كل فرقة تدعي أن ما بأيديهم هو الحق، فالسامرة مثلا لها توراة يدعون أنها هي الصحيحة دون ما بأيدي سائر-

بالنقص، فما المرجح لأحد القدحين على الآخر؟ على أن ما في القرآن أولى بالاعتبار لأنه أنسب بسياق القضية لمن تدبره، ولأنه أقرب عهدا بالظهور من التوراة «1»، وأبعد عن التحريف والنقل من لغة إلى لغة، ومن ترجمة إلى ترجمة، والمسلمون أشد عناية بحفظه من أهل الكتابين بحفظهما.

_ - اليهود. وفي الأمر ما هو أغرب من ذلك، فاليهود يدعون أن الله تعالى أوحى إلى موسى- عليه السلام- وهو بطور سيناء نوعين من الوحي: الأول: الشريعة المكتوبة" أسفار التوراة" والثاني: الشريعة المكررة، أو التعاليم الشفهية. وهذه سرية في زعمهم تتضمن التفسير الصحيح الذي يعنيه الرب سبحانه ويريده من النصوص الظاهرة المكتوبة في أسفار التوراة. كما يزعمون أن هذه التعاليم تنوقلت شفاها عن موسى- عليه السلام- عبر أربعين جيلا حتى انتهت إلى يهوذا هاناسي، فدونها خشية الضياع وسميت:" المشناة" أي: المعرفة. ثم شرح الأحبار المشناة في أورشليم وبابل وسميت الشروح:" الجمارا" أي الشرح أو الإكمال. ومن المتن وشرحيه تكون ما يسمى التلمود الأورشليمي والتلمود البابلي، على أن من يحمل كل منها يرى أنه هو الصحيح وأن الآخر باطل. فهذا التعدد دليل على التحريف والتبديل والافتراء على الله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (البقرة، آية: 79) وقد بين كثير من العلماء تناقض هذه الكتب والأناجيل التي بأيدي النصارى. [انظر الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/ 91 - 196، ومعركة الوجود بين القرآن والتلمود ص 36 - 38، وإفحام اليهود ص 135 - 145، ومقامع هامات الصلبان" بين المسيحية والإسلام" ص 174 - 191]. (1) من حكمة الله تعالى أن بعث في كل أمة رسولا، فإذا مات واندثرت شريعته بعث رسولا آخر فتكون الشريعة المتأخرة ناسخة للمتقدمة وهذا نلزم به النصارى حيث يدعون هم أن اليهود مخطئون في دعواهم أن شريعة موسى- عليه السلام- لم تنسخ ولا تنسخ ويثبتون النسخ- وإن كانوا ينكرون نسخ شريعة عيسى- عليه السلام- فكما أن الإنجيل عند النصارى نسخ بعض أحكام التوراة فكذلك القرآن كان ناسخا لهما جميعا لتأخره عنهما.

ثم نقول: ما المانع من أن تكون قصة يعقوب وموسى في زواجهما اتفقتا على صفة واحدة/ كما اتفق لإبراهيم وإسحاق، في أن كل واحد منهما لما دخل أرض" أبيمالخ" «1» / ملك فلسطين «2» ادعى أن زوجته أخته لجمالها، خشية أن يغلب عليها «3». وقد صرحت بذلك التوراة. لكن اتفق أنها شرحت قصة يعقوب بأبسط مما شرحت قصة موسى.

_ (1) قيل: اسمه:" عمرو بن امرئ القيس بن سبأ" ملك مصر، وقيل: صادوق وكان على الأردن، وقيل: سنان بن علوان بن عنيد بن عريج بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، وقيل إنه أخو الضحاك الذي ملك الأقاليم. [انظر فتح الباري 6/ 392، الأنس الجليل 1/ 34]. (2) الأرض التي هاجر إليها إبراهيم ووقعت له ولسارة القصة فيها قيل: إنها مصر، قيل: إنها بعلبك. وقيل غير ذلك، والأشهر أنها مصر. قلت: والذي يظهر من كلام الطوفي أن الأرض التي هاجر إليها إبراهيم وإسحاق واحدة وأن الملك واحد- والله أعلم- (انظر فتح الباري 6/ 392، والأنس الجليل 1/ 34). (3) قصة ادعاء إبراهيم- عليه السلام- بأن زوجته سارة أخته هي أنه" قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس. فقال لها: إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك. فإن سألك فأخبريه أنك أختي. فإنك أختي في الإسلام. فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك. فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار، فأتاه فقال له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك. فأرسل إليها فأتي بها. فقام إبراهيم- عليه السلام- إلى الصلاة. فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها، فقبضت يده قبضة شديدة ... " الخ القصة. [انظر صحيح البخاري كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، وكتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، وكتاب الأنبياء باب قوله تعالى: واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ ... وغيرها من المواضع فيه. وصحيح مسلم كتاب الفضائل حديث 154، ومسند أحمد 2/ 404]. أما قصة إسحاق فلم أعلم بعد البحث أنه ورد في ذلك شيء. ولعل الطوفي يشير إلى ما في سفر التكوين الأصحاح السادس والعشرين من أن إسحاق ذهب إلى أبيمالخ ملك الفلسطينيين في جرار. وسأله أهل المكان عن امرأته رفقة- أو ربقة- فقال هي أختي لأنه خاف أن يقتل من أجل زوجته لأنها كانت حسنة المنظر ... الخ القصة.- والله أعلم-.

[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]

[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم] ثم بعد هذا كله نقول لهذا النصراني: الخلاف والتناقض الذي أوردته علينا بتقدير ثبوته هو في كتابين لملتين، وهما التوراة والقرآن، ولا شك أن في إنجيل لوقا «1» في الفصل الثاني والثلاثين «2»، أن يوحنا قال للمسيح:" يا معلم رأينا إنسانا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لأنه لم يتبعنا. فقال: لا تمنعوه، لأن كل من ليس عليكم فهو معكم". وفي إنجيل مرقس «3» هذه الحكاية بعينها، وأن المسيح قال فيها:" كل من ليس معنا فهو علينا" «4» وهذا تناقض بيّن. وبيانه: أن كل واحد من الناس:/ إما أن يكون معك أو عليك، أو لا معك

_ (1) اسم لاتيني ربما كان اختصارا لاسم" لوقانوس" وهو تلميذ بولس عدو النصارى الذي أصبح رسولا لهم، ولوقا من أهل انطاكية لم ير المسيح وليس من الحواريين ولا من تلاميذهم كان طبيبا. وقيل: مصورا. كتب انجيله باليونانية كرسالة إلى صديق له في مصر. فيما بين عام 60 - 70. [انظر مقدمة انجيله، وتحقيق تاريخ الأناجيل للدكتور الفرت 36 - 37. ومحاضرات في النصرانية لأبي زهرة ص 59 - 60، والفصل 2/ 89]. (2) في التراجم الحديثة: الأصحاح التاسع. فقرة (49 - 50). (3) يقال إن اسمه: يوحنا وأن مرقس لقب. ومعنى مرقس. مطرقة، وهو من السبعين الذين يقال إن المسيح اختارهم، وأرسلهم ليعلموا المسيحية، وليس كذلك، وقد طاف البلاد داعيا ثم استقر في مصر وقد كان يهوديا ثم تتلمذ على يد بطرس وألف انجيله لطلب أهل رومية كما يقال. مات مقتولا في الإسكندرية سنة 68 م. [انظر نظم الجوهر لابن البطريق ص 44، ومحاضرات في النصرانية ص 55، وتحقيق تاريخ الأناجيل ص 34، والفصل 2/ 89]. (4) إنجيل مرقس الأصحاح التاسع.

ولا عليك، فالطرفان «1» حكمهما معلوم. أما الواسطة وهي الذي لا لك ولا عليك فإنها «2» على لفظ لوقا: تكون لك، لأنها ليس «3» عليك، وعلى لفظ مرقس تكون عليك لأنها ليس «4» لك، فهذا تناقض في انجيلكم، وهو كتاب ملة واحدة، بعضه حجة على بعض، والقدح في بعضه قدح في كله فما كان جوابك عن هذا التناقض الذي في الإنجيل، فهو جوابنا عن التناقض الذي بين التوراة والقرآن «5». ونكون قد سامحناك في هذا، لأن ما أوردناه عليك من تناقض كتابك وارد عليك ولازم لك، وما أوردته أنت علينا من تناقض التوراة والقرآن ليس لازما لنا، لأنا نحن نقول: القرآن حق وصدق، والتوراة/ التي احتججت علينا بها- لا أقول التي أوتيها موسى- كذب وزور، ومحال وافتراء على الله ورسله «6». وأنت لا يمكنك أن تقول: إن إنجيل لوقا حق وصدق، وإنجيل مرقس كذب وزور، أو بالعكس، لأن أناجيلكم «7» الأربعة هي كتاب واحد وموضوعها واحد، وإنما

_ (1) في ش: إما إن يكون معك لا عليك والطرفان. (2) في (ش): وإنها. (3) هكذا في النسخ الثلاث، والأصح: ليست. (4) هكذا في النسخ الثلاث، والأصح: ليست. (5) التناقض بين التوراة التي بأيدي أهل الكتاب والقرآن تناقض بين محرف مبدل مكتوم بعضه وآخر صحيح منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد، بخلاف التناقض بين الأناجيل أو بين الإنجيل والتوراة لأن هذا بين كتب محرفة مغيرة مبدلة قد عبثت بها أيدي اليهود والنصارى. (6) في (ش) ورسوله. قلت: قال الله تعالى عنهم: وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وما هُوَ مِنَ الْكِتابِ ويَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ويَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وهُمْ يَعْلَمُونَ وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وما هُوَ مِنَ الْكِتابِ ويَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ويَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وهُمْ يَعْلَمُونَ [سورة آل عمران: 78]. (7) في (ش) إنجيلكم.

اختلفت بالزيادة والنقص والرواية بالمعنى، وما فيها من الاختلاف والتناقض. فإن قلت: إن الذي أوردته عليّ من تناقض إنجيل لوقا وإنجيل مرقس ليس تناقضا في الأصل، بل هو من قلم الناسخ فهو خطأ في صورة الخط، لا في حقيقة النبوة المسيحية «1». قلت: هذا بعينه جوابنا عما أوردته من تناقض التوراة والقرآن في قصة موسى، وهو أن نضيف الخطأ إلى قلم الناسخ وصورة الخط في التوراة وهي أولى بذلك من القرآن لتقادم عهدها وتغير التراجم واللغات فيها، بل وأولى من الإنجيل لأنها قبله. فإن قلت: أنا ما أوردت تناقضا بين التوراة والقرآن، بل كذبت القرآن بالتوراة/. قلت: هذا هو معنى التناقض. ثم جوابك ما سبق من أنه ليس تكذيب القرآن بالتوراة أولى من تكذيب التوراة بالقرآن، بل هذا أولى لما بيناه غير مرة، والله أعلم. هذا تفصيل جوابه على ما ذكر هو في كتابه. [أما ما رأيناه في التوراة مما يدل على وفاق القرآن نذكر «2» إن طرقه- إن شاء الله تعالى «3»].

_ (1) في (ش): المستحبة. (2) هكذا في (أ) ولعل الصحيح:" فنذكره ان طرقه ... ". (3) ما بين المعكوفتين ساقط من (م)، (ش).

[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]

[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام] قال:" وفي سورة النساء بعد ذكر اليهود: وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ... (157) «1» وذكر كلاما لابن عطية في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ وأن معناه أن شبه المسيح ألقي على/ صاحب له يقال له: سرجس «2» باختياره على أن يكون رفيق المسيح في الجنة «3». قال:" ويتمسك المسلمون بهذا في القطع على أن المسيح ما صلب. وذلك باطل بالتواتر عند الأمتين: اليهود والنصارى. ومؤرخي المجوس على صلب المسيح وبنص الكتب المقدسة". وذكر كلام أشعياء ودانيال، وما في إنجيل متى مما يدل على ذلك وأن المسيح صلب ومات وقبر وقام حيا في اليوم الثالث وظهر لتلاميذه مرارا كثيرة.

_ (1) سورة النساء آية: 157. (2) لم أجد له ترجمة إلا ما ذكر أنه من الحواريين ومن أحدثهم سنا. أو أنه شاب حضر معهم وليس منهم. وقد ذكر الإمام الطبري في تاريخه أنه كان فيمن ذكر رجل صالح من أهل فلسطين اسمه جرجس، وأنه أدرك بقايا من حواري عيسى- عليه السلام-، وله عنده ترجمة طويلة. [انظر تاريخ الأمم والملوك 2/ 24 - 36]، وقد ذكر ابن تيمية في الجواب الصحيح 1/ 319، 320: أن جرجس أحد من تعظمه النصارى. ولم يذكر سبب التعظيم. (3) انظر تفسير ابن عطية 4/ 302 - 303. وتفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576. وفد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس وصحح سنده ابن كثير. [انظر منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب ص 60 - 61].

ولما تكلم" السّهروردي" «1» في كتاب" التنقيحات" في التواتر وشروطه في أصول الفقه تعرضت «2» له قصة الصلب/ فقال:" ولو لم يصلب عيسى لم يبق على المحسوسات اعتماد". قلت: هذا حاصل ما أورده على هذا السؤال. والجواب: أما الآية الكريمة المخبرة بنفي قتل المسيح وصلبه فنعتقد أنها حق وصدق ونتمسك بها على القطع بذلك لأنها عندنا صادرة عن الحكمة والعلم الإلهيين «3» بواسطة العصمة النبوية وهي منقولة إلينا بالتواتر. وأما ما حكاه عن" ابن عطية" في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ: فذاك مما لم يختص بنقله" ابن عطية" بل ذكره جميع مفسري القرآن الكريم «4» قديمهم وحديثهم على اختلاف بينهم في ذلك «5». فقال ابن سمعان، ومحمد بن إسحاق:" إن

_ (1) الفيلسوف المتلقب بشهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك، يوصف بأنه أحد الأذكياء. برع في علم الكلام والجدل والمناظرة مستهزئا بالعلماء ظهر للعلماء منه زندقة وانحلال، فكتبوا بذلك إلى صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- فأمر بقلته سنة 587 هـ. [انظر ترجمته في شذرات الذهب 4/ 290، والنجوم الزاهرة 6/ 144، والأعلام 8/ 140]. (2) في (ش): فعرضت. (3) لو قال- رحمه الله-:" لأنها عندنا كلام الله الموحى به إلينا بواسطة الرسول- عليه السلام- وهي منقولة إلينا بالتواتر" لكان أولى وأصح من هذا التعبير الكلامي.- والله أعلم-. (4) " الكريم" ليست في (م) و (ش). (5) انظر في ذلك تفسير ابن عطية 4/ 302 - 303، وتفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576.

الذي ألقي عليه شبه عيسى هو رجل من أصحابه يقال له" سرجس «1» " وقال وهب بن منبه «2»:" هو يهوذا «3» الذي أسلمه، ودل عليه، وهو الذي اسمه في الإنجيل: يهوذا الاسخريوطي «4» ". قلت: وهذا أشبه. لأن عادة الله- سبحانه- جرت في أنبيائه أن يرد كيد من عاداهم عليه/، كنوح إذ كاده قومه فنجا وغرقوا «5». وإبراهيم إذ ألقي في

_ (1) في النسخ الثلاث: جرجيس. وما أثبته من رواية الطبري عن ابن اسحاق من طريقين، وهو الصواب وقد تقدم ذكره، ثم إن جرجيس ذكر أنه لم يدرك عيسى- عليه السلام- وإنما جرجيس هذا أدرك بعض الحواريين فقط. [انظر تفسير الطبري 6/ 15، وتفسير ابن كثير 1/ 576]. (2) أبو عبد الله: وهب بن منه بن كامل بن سيج بن ذي كبار الأبناوي اليماني الذماري الصنعاني التابعي الفاضل العلامة الأخباري القصصي أخو همام، ومعقل وغيلان أبناء منبه، ولد في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين. روايته للمسند قليلة وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب. توفي سنة عشر ومائة، وقيل: غير ذلك. [انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 4/ 544 - 556، طبقات ابن سعد 5/ 543، البداية والنهاية 9/ 276، وغيرها]. (3) في (م): يوذا. (4) هو الذي يدعي النصارى أنه من الحواريين، تلاميذ المسيح- عليه السلام- الاثنى عشر، وأنه ارتد ودل على المسيح- عليه السلام- حين خرج اليهود لطلبه ليقتلوه، وكانوا لا يعرفون المسيح فقال يهوذا: الذي أقبله فهو يسوع، فإذا فعلت فأنتم وذاك، فقبضوا على المسيح- عليه السلام- على زعم النصارى وصلبوه. [انظر الفصل 2/ 89، وإنجيل متى الأصحاح: 26، وإنجيل مرقس الأصحاح: 14، وإنجيل لوقا الأصحاح: 22]. (5) قال الله تعالى: وقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً. [سورة الفرقان: 37] وسورة نوح بأكملها توضح هذا الأمر.

النار فكانت عليه بردا وسلاما ثم هلك فرعونه «1». وموسى إذ عاد مكر فرعونه عليه فأغرق «2». وقارون إذ قذف موسى بالزنا ليقتله، أو يغض منه فخسف به «3». وعيسى مكر به يهوذا فعاد مكره عليه. ومحمد- صلى الله عليه وسلم- «4» إذ قال الله سبحانه له: وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5» وقال الله سبحانه: ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ

_ (1) قال الله تعالى ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (51) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ إلى قوله تعالى: قالُوا حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69) وأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ. [سورة الأنبياء: 51 - 70]. (2) قال الله تعالى: وفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْناهُ وجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وهُوَ مُلِيمٌ [سورة الذاريات: 38 - 40] والآيات في هذا كثيرة جدا. (3) قال الله تعالى: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ ... إلى قوله تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الْأَرْضَ [سورة القصص: 76 - 81]. وروي عن ابن عباس في تفسير هذه الآيات قال:" لما أمر الله تعالى برجم الزاني عمد قارون إلى امرأة بغي وأعطاها مالا وحملها على أن ادعت على موسى أنه زنى بها وأنه أحبلها فعظم على موسى ذلك وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت. فتداركها الله فقالت: أشهد أنك بريء، وأن قارون أعطاني مالا، وحملني على أن قلت ما قلت، وأنت الصادق وقارون الكاذب، فجعل الله أمر قارون إلى موسى وأمر الأرض أن تطيعه. فجاءه وهو يقول للأرض: يا أرض خذيه ... وهي تأخذه شيئا فشيئا وهو يستغيث يا موسى إلى أن ساخ في الأرض هو وداره وجلساؤه الذين كانوا على مذهبه". [انظر تفسير القرطبي 13/ 310 - 311، والبداية والنهاية 1/ 310]. (4) " وسلم": ليست في: (م)، (ش). (5) سورة الأنفال، الآية رقم: 30.

إِلَّا بِأَهْلِهِ «1» وقال في قوم صالح حين أرادوا تبييته «2»: ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «3». وأما قوله:" إن ذلك باطل بالتواتر عند الأمتين اليهود والنصارى ومؤرخي المجوس". فجوابه: أن المدعى تواتره عند اليهود والنصارى: ما هو صلب إنسان مطلق؟ أو صلب إنسان مقيد بأنه «4» المسيح؟ الأول: مسلم ونحن أيضا نوافق عليه وهو جرجيس، أو يهوذا «5» كما سبق عن ابن إسحاق ووهب. والثاني: ممنوع وهو «6» محل النزاع. وسنبين مستند المنع في آخر هذا الجواب «7». وأما مؤرخو المجوس فالجواب عن تأريخهم بذلك من وجوه:

_ (1) سورة فاطر، الآية: 43. (2) التبييت: قصد العدو ليلا. [انظر مفردات الأصبهاني ص: 59، وتفسير القرطبي 13/ 216]. (3) سورة النمل، آية: 50. (4) في (م): كأنه. (5) في (م) " أيوذا" وفي (ش) يودا وهي في (أ): مصححة من" يوذا" إلى يهوذا. (6) في (م): فهو. (7) وقد استوفى ذلك أيضا أبو عبيدة الخزرجي في مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية" ص 192 - 196، والإمام القرافي في الأجوبة الفاخرة الباب الثاني: السؤال الثاني.

أحدها: أنهم لم يكونوا حاضري قضية المسيح ولا أحد منهم. فمدار اعتقادهم صلبه على خبركم وخبر اليهود، ولا حجة فيه؛ لأن أحد الأمر اشتبه على من حضر القصة بأن أظلمت الأرض ظلمة شديدة، صرح بها الإنجيل «1» وغيره ففي تلك الظلمة أطلقت الملائكة المسيح وربطت الذي ألقي عليه شبهه مكانه فاعتقدتم أنتم: أن المسيح صلب. وقوّى ذلك الاعتقاد/ في نفوسكم: حنقكم على اليهود، وحب تقرير الظلم «2» والعدوان عليهم، واعتقدت ذلك اليهود كما اعتقدتموه، وحملهم على ذلك الاعتقاد: حب الغلبة والظفر بمن اعتقدوه عدوا لهم ولو وفّقوا لتابعوه. فعليهم وعليكم من الله ما تستحقونه. الوجه الثاني: أنا أجمعنا وإياكم «3» على ضلال المجوس، وسخافة عقولهم حيث عبدوا النار التي يوجدها الحطب، ويعدمها الماء والتراب، وانقطاع مادة الوقود فعقول هذا شأنها كيف تكون حجة على العقلاء، وإن كانوا عندكم عقلاء فاعبدوا النار معهم/ وإذا كنتم أنتم أصحاب الدعوى ندعي نحن أن الأمر اشتبه عليكم والتبس، فما الظن بقوم جهال أجانب من القضية سمعوكم واليهود «4» ترجفون بشيء فقلدوكم فيه، وتابعوكم عليه، كما قلدوا آباءهم في عبادة النار.

_ (1) انظر إنجيل متى الأصحاح السابع والعشرين، وإنجيل مرقس: الأصحاح الخامس عشر، وإنجيل لوقا: الأصحاح الثالث والعشرين. (2) في (أ): تقرير العلم. (3) هكذا في النسخ الثلاث والأصح:" أنا أجمعنا نحن وأنتم على ضلال المجوس". (4) كلمة:" اليهود" ليست في (م).

الوجه الثالث: أن المجوس أعداء للمسلمين «1» والنصارى واليهود مثلكم. وشأن العدو أن يطلب لعدوه العثرات، ويتبع منه العورات، ولا شك أنهم تتبعوا عثراتكم وعثرات اليهود فوجدوها، أما عثراتكم فدعواكم التثليث وإلهية المسيح، وغير ذلك من سخافاتكم. وأما عثرات اليهود فأكثر من أن تحصى على ما دلت عليه كتب الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كقتلهم الأنبياء بغير حق وتعديهم حدود الله، وإباقهم عن الانقياد/ له ولرسله «2» وكيدهم للمسيح «3» وتعصبهم عليه مع اظهاره العجائب والبينات. ولمعصيتهم الله- سبحانه- سلط على أوائلهم فرعون سامهم سواء العذاب «4» خمسمائة عام «5» حتى استنقذهم الله بموسى، ثم كان له معهم/ من التعب ما لا يخفى. وأما المسلمون فلم يجدوا لهم عثرة يقدحون بها فيهم، فوافقوكم «6» على صلب المسيح ليوهموا بذلك القدح في القرآن كيدا للمسلمين ولو لم يكن إلا مجرد احتمال هذا القصد منهم كان ذلك تهمة لهم تقتضي عدم الالتفات إلى مقالهم.

_ (1) في (م): المسلمين. (2) قال الله تعالى عن اليهود: وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ويَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ (سورة البقرة: 61] والآيات فيما ذكره الطوفي كثيرة. (3) في (ش): المسيح. (4) قال الله تعالى: وإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [سورة البقرة: 49]. (5) لا دليل على حياة فرعون هذه المدة، فلعل المقصود جميع الفراعنة، فرعون موسى ومن قبله، أو أن الناس في ذلك الزمن كانوا يعمرون فالله أعلم بذلك. (6) في (أ): فقوكم وفي (ش): فوافقوهم.

وأما ما ذكره من نص الكتب المقدسة ككتاب" أشعياء" و" دانيال" وإنجيل متى فجوابه من وجوه: أحدها: الجواب العام. من عدم الوثوق بهذه الكتب لتقادم عهدها ونقلها من لغة إلى لغة وتهمة اليهود والنصارى عليها خصوصا الإنجيل فإنا قد بينا في التعليق عليه «1» ما يقيم عذرنا في عدم الوثوق به من الاختلاف والتناقض. [الوجه الثاني: أن ما ذكره من مصحف أشعياء هو قوله في صفة المسيح: يقاد إلى القتل] «2» مثل الضائنة «3» ويصمت كالخروف «4» بين يدي الجازر ولم يفتح فاه «5» " ولا حجة فيه على وقوع القتل بل على القود إلى القتل، ونحن نقول به: فإنهم قادوه ليقتلوه فخلصه الله بما ذكرناه، وكم من قيد إلى القتل ثم نجا فلم يقع به القتل. نعم قد ذكر أشعياء في الأصحاح الخامس والعشرين من مصحفه «6» في النبوة في المسيح وصلبه مع الأئمة، واحتماله للذنوب ما هو أنص من هذا في قتل المسيح وهو قوله:- وهو يعني المسيح المضروب في سبب ذوات «7» الله المتواضع

_ (1) أي في كتابه: تعاليق على الأناجيل، خ. (2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ). (3) الضائنة: الأنثى من الضأن. والمعنى: لين كأنه نعجة. [انظر لسان العرب 13/ 251، 252]. (4) الخروف: ذكر الضأن، قيل: هو ما دون الجذع من الضأن. وقيل: ولد الفرس الذي ولد في فصل الخريف. والمراد به هنا الأول. والله أعلم. [انظر لسان العرب 9/ 66]. (5) انظر الأصحاح الثاني والخمسين من مصحف أشعياء. (6) في الثاني والخمسين حسب التراجم الحديثة. (7) هكذا في النسخ الثلاث. والحق أن يقال:" في سبب ذات الله".

من أجلها:" يقتل من أجل إثمنا، ويتواضع من أجل إثمنا وعليه أدب سلامتنا «1»، لأن بجراحه نبرأ كلّنا نهبا مثل الغنم وأقبل كل إنسان منا إلى جانبه، والرب لقّاه خطايانا أجمعين دنا متواضعا ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها ولم يفتح فاه وسيق من الحبس إلى القضاء. ومن يقدر أن يحدث بما لقي من خفيّة «2» / لأنه رفع من أرض الحياة ودنا منه قوم من أئمة شعبي «3» وأذن المنافق بدفنه". قلت: فهذا فيه تصريح بالإخبار بقتله ودفنه. لكن عليه اشكالان: أحدهما: أن في أول هذا الفصل بعينه، وهو النبوة في المسيح:" ان عبدي ليفهم ويرتفع ويتعظم ويتعالى جدا، حتى يتعجب منه/ كثير من الناس" وساق صفاته إلى أن اتصل «4» بذكر قتله ودفنه، فهذا تصريح/ بأن المسيح عبد الله، وأنتم تقولون: هو الله، أو ابن الله، كما صرح به الإنجيل. فإن قلتم بمجموع الأمرين: أعني عبوديته وقتله، فقد خالفتم دينكم في القول بالعبودية. وإن ألغيتم الأمرين ولم تعتدوا بهما فقد سقط عنا اشكال الإخبار بالقتل، وإن قلتم بأحدهما دون الآخر وهو القتل كان ذلك ترجيحا من غير مرجح، واحتجاجا بكلام تقدحون في جزءه ثم نقابلكم بمثله، فنقول بالعبودية دون القتل.

_ (1) في التراجم الحديثة:" تأديب سلامنا عليه". (2) في (م): حقيه، وفي (ش)، (أ): حقبه. (3) في (أ): شعيا. (4) هكذا في النسخ الثلاث. والمعنى: إلى أن وصل إلى ذكر قتله ....

فإن قيل: ذكر العبودية حق باعتبار ناسوت المسيح، وإلهيته حق باعتبار لاهوته فكلا الأمرين صحيح. فنقول بهما ويثبت ما ادعيناه من قتله. قلنا: هذا هوس، وأنتم عند التحقيق عاجزون عن إثباته. وقد وجهت ذلك في التعليق على الإنجيل «1». الإشكال الثاني: أن أشعياء قبل المسيح بخمسمائة عام أو نحوها وهو يحكي ما جرى للمسيح بلفظ الماضي حيث قال:" دنا متواضعا، ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح، وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها" ونحو ذلك من صيغ الماضي وحقه أن يذكر بصيغة المستقبل. وهذا يدل على اضطراب هذا الإخبار، وكونه مدخولا «2».

_ (1) انظر كتابه تعاليق على الأناجيل ص 8 - 14، خ. يقول ابن تيمية- رحمه الله- في الحديث عن هذه المسألة في الجواب الصحيح 1/ 475، 476 بتحقيق د. علي حسن عسيري:" وقولهم إنه إله بلاهوته، ورسول بناسوته، كلام باطل من وجوه: منها أن الذي كان يكلم الناس إما أن يكون هو الله أو هو رسول الله، فإن كان هو الله، بطل كونه رسول الله، وإن كان رسول الله بطل كونه هو الله ... الوجه الثاني: أن خطابه خطاب رسول ونبي، كما ثبت ذلك عنه في عامة المواضع. الثالث: أن مصير الشيئين شيئا واحدا مع بقائهما على حالهما بدون الاستحالة والاختلاط ممتنع في صريح العقل ... الرابع: أنه مع الاتحاد يصير الشيئان شيئا واحدا فيكون الإله هو الرسول والرسول هو الإله، إذ هذا هو هذا" اهـ. مختصرا. (2) ويمكن أن نزيد على ذلك: أن نصوص الإنجيل والكتب النصرانية متضافرة دالة على عدم صلب عيسى- عليه السلام- بخصوصه، كما ألمح الطوفي في أول الجواب، والنصوص من تلك الكتب كثيرة ذكر القرافي- رحمه الله- منها ثلاثة نصوص كأمثلة لذلك. [انظر الأجوبة الفاخرة ص 254 - 256 بتحقيق الباحث. وانظر إنجيل لوقا الأصحاح التاسع والأصحاح الثالث والعشرين، وإنجيل متى الأصحاح السابع والعشرين، وإنجيل مرقس الأصحاح الخامس عشر، وإنجيل يوحنا الأصحاح التاسع عشر].

قلت: لكن عند الإنصاف، هذا الإشكال/ لا يتجه، لأن اخبارات الله- سبحانه- كثيرا ما جاءت عن المستقبل بصيغة الماضي، وقد وقع مثله في القرآن كثيرا. والمعول عليه في الجواب عما تضمنته الكتب القديمة من قبل المسيح هو الوجه الأول، وهو القدح في صحتها، ودعواهم تواترها ممنوعة وإثباته عليهم شديد «1». الوجه الثالث: أن هذا الخصم قدح في قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ... (100) «2». وفي قصة زواج موسى على أن يؤجر نفسه ثماني حجج بأن ذلك لم يذكر في التوراة فنحن أيضا نقدح في دعواه صلب المسيح وقلته بعين ذلك، وهو أنه لم يذكر في التوراة، حيث جمع" إسرائيل" «3» بنيه بمصر قبيل موته، وأخبرهم بما

_ (1) قلت: دعواهم التواتر باطل لأنه جهل بحقيقة التواتر الذي تميزت به أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. لأنه: ما أخبر به قوم يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس" وشروطه: أن يكون المخبر عنه أمرا محسوسا باشره المخبرون به لا غيرهم. واستواء الطرفين والواسطة. وهذا لم يتوفر عند النصارى واليهود والمجوس في هذه القضية. لأن أصلهم في الإخبار عنها- وهم الطرف الأول- لم يكونوا عددا يستحيل تواطؤهم على الكذب. لأن الحواريين فروا عنه حين قاده الوزعة من اليهود للقتل- على زعمهم- ثم إن المباشر للصلب هم الوزعة وأعوان الولاة. وفي العادة أنهم يكونون نفرا قليلا كالثلاثة ونحوها فيجوز عليهم الكذب، مع أنهم أعداء نبي لا يصدقون فيما يقولونه في أمره. وبذلك انخرمت الثقة بالأصل فلم نثق بما يتفرع عنه. وبهذا يبطل ادعاؤهم التواتر. من اليهود والنصارى والمجوس. [انظر في هذه المسألة بتوسع: الأجوبة الفاخرة للقرافي ص 245 - 253] بتحقيق الباحث. (2) سورة يوسف، آية: 100. (3) يعقوب عليه السلام.

يكون لكل منهم في مستقبله. فإنه تغيظ «1» على" روبيل" «2» وقال له:" نجست فراشي" يعني كونه وطئ سرية أبيه- وقال:" لا يفقد الملك والنبوة والكهنوت من سبط «3» يهوذا ومن بين فخذيه. حتى يأتي من هي له، وإياه تنتظر الشعوب. الرّابط في الشجرة جحشه «4». وفي القضيب «5» ابن أتانه «6» تحمر من الخمر عيناه، وأشد بياضا من اللبن أسنانه" «7». وهذه صفات المسيح بلا شك «8»، ولم يذكر أنه يقتل ولا يصلب. فإن قيل: ثبت قتله بزيادة مقبولة من الأنبياء كما ذكر عن شعياء ودانيال والإنجيل.

_ (1) تغيظ: أي غضب. [انظر مختار الصحاح ص 487]. (2) أحد أبناء يعقوب- عليه السلام- الأحد عشر كما في كتب النصارى واليهود. (3) السبط: ولد الولد مهما نزل. كأنه امتداد للفروع [انظر المفردات للراغب ص 222]. (4) الجحش: ولد الأتان، أو ولد الحمار الوحشي والأهلي. [انظر المصباح المنير 1/ 112، ولسان العرب 6/ 270]. (5) في (أ):" ... جحشه في القضيب ابن أتانه ... ". والقضيب: نوع من الشجر ينبت في مجامع الشجر، يتخذ منه القسي والأسهم. [انظر لسان العرب 1/ 679 - 680]. (6) أتانه: أنثى الحمار. [انظر لسان العرب 13/ 6، والمصباح المنير 1/ 7]. (7) انظر أول الأصحاح التاسع والأربعين من سفر التكوين. (8) هذا على اعتقاد النصارى واليهود الذين يلفقون بالأنبياء- عليهم السلام- ما لا يليق بهم، وإلا فإن وصف المسيح- عليه السلام- بهذا لا يليق.

قلنا: ورفع أبوي يوسف على العرش وايجار موسى نفسه ثماني سنين ثبتت «1» بزيادة مقبولة «2» / على لسان محمد في القرآن. وهي زيادة مقبولة «3». فإن قيل: لكن زيادة قتل المسيح ثبتت على لسان من اتفقنا على نبوته وصدقه، وزيادة رفع أبوي يوسف، وايجار موسى نفسه ثبتت على لسان من اختصصتم/ باعتقاد نبوته، وخالفناكم نحن فيها، ولم نوافقكم عليها. قلنا: هو كذلك لكن عدم موافقتكم على صدقه لا يقدح في نبوته وصدقه/ لأنكم أنتم وافقتم اليهود على صدق موسى والتوراة، وخالفوكم في صدق المسيح والإنجيل. ولم يكن ذلك قادحا في صدقهما، باتفاق منا ومنكم. فإن كان عدم وفاقكم لنا على صدق محمد قادحا فيه، لزمكم أن يكون عدم وفاق اليهود لكم على صدق المسيح قادحا فيه، والجواب مشترك «4». وأما ما ذكر عن" السّهروردي" من «5» قوله:" لو لم يصلب عيسى، لم يبق على المحسوسات اعتماد" وهو من أكابر فلاسفة الإسلام. فليس صحيحا عن

_ (1) في (م): ثبت. (2) هكذا في النسخ الثلاث، والأبلغ حذف" مقبولة" الأولى. أو حذف عبارة:" وهي زيادة مقبولة". (3) هكذا في النسخ الثلاث، والأبلغ حذف" مقبولة" الأولى. أو حذف عبارة:" وهي زيادة مقبولة". (4) قلت: قولهم في الاتفاق على صدق عيسى- عليه السلام- واختصاصنا بتصديق محمد صلّى الله عليه وسلّم يرد عليه بأننا نحن وإياهم اتفقنا على صدق عيسى- عليه السلام- فيما جاء به من الله ومما جاء به من الله وجوب التصديق بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا يكون اتفاقنا نحن وإياهم إلا على هذا وإذا حصل الاتفاق على ذلك حصل الاتفاق على تصديق محمد صلّى الله عليه وسلّم وإن خالفونا في ذلك فقد كذبوا بعيسى- عليه السلام- ولم يوافقونا على تصديقه- عليه السلام- وعند ذلك لا حجة لهم علينا. فهم مكذبون لهما معا. (5) في (أ): عن قوله.

السّهروردي. وإنما حكى ذلك حكاية عن بعض من نازع في بعض أحكام التواتر. من نظر ذلك في كتابه وجده، ولم يتفق لي حكاية لفظه «1». وبتقدير صحته عنه. فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أن هذا الرجل المذكور رجل غلبت عليه الفلسفة، ثم انسلخ منها إلى الزندقة «2»، حتى قتل في" حلب" «3» بسيف الشرع، فليس قوله حجة على الله ورسوله، والقرآن وإجماع المسلمين. وقوله:" كان من أكابر فلاسفة الإسلام" غلط. فإن الفلسفة «4» التي كان يتعاناها «5» هذا وأصحابه ليست من الإسلام في شيء. وكيف يكون من الإسلام ما يقدح فيه، ويقوض مبانيه؟ وإنما الإسلام انقياد واستسلام لأحكام العزيز العلام

_ (1) قلت: وأنا كذلك لم يتفق لي الاطلاع على كتاب التنقيحات ولم أجده حتى أنقل النص منه. (2) في (أ):" إلى الزايدقة": والزندقة: فارسية معربة معناها: القول ببقاء الدهر وعدم الإيمان باليوم الآخر ووحدانية الخالق. [انظر لسان العرب 10/ 147]. (3) حلب: المدينة المشهورة بالشام- سورية الآن- سميت حلب لأن إبراهيم عليه السلام كان نازلا بها يحلب غنمه في الجمعات، ويتصدق به فتقول الفقراء: حلب. وهو قول فيه نظر، والله أعلم لماذا سميت بذلك. عرفت حلب في التاريخ بالخيرات الواسعة وطيب الهواء. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 417]. (4) الفلسفة: كلمة أعجمية معناها: الحكمة. فيقال للحكيم فيلسوف، ولكن أصبح المسمى بذلك أهل الحكمة، ومن يقدم العقل على الوحي، ويفسر الحوادث تفسيرا عقليا. وعلى علماء الكيمياء وأهل الطبيعة، وعلى من يتنكر للدين، وتطلق تهكما على من كان شاذ الرأي [انظر لسان العرب 10/ 147، المعجم الفلسفي 2/ 173 - 174]. (5) من التعنية وهو طول الحبس، أي حبس نفسه حتى صار حبيسا لها. [انظر هامش ص: 156].

وسنة محمد- عليه السلام- واتباع لا ابتداع. وإنما هؤلاء قوم زنادقة، ينتمون إلى الإسلام لحفظ رياستهم ودمائهم والإسلام فسيح واسع/ يقبل «1» منهم الظاهر، والله أولى بالسرائر فهم في الظاهر منه، وفي الباطن منسلخون عنه. الثاني: أن قول «2» " السهروردي" إن كان حجة علينا فليكن قول كل من أسلم من النصارى، ثم عاد بالقدح على دين النصرانية حجة عليكم، وإنما تقوم الحجة بقول المعتبرين منا، كالخلفاء الأربعة، والفقهاء السبعة «3». والأئمة الأربعة أو من هو معتبر في الإجماع من أهل الحل والعقد كما لا تقوم حجتنا عليكم إلا بمن تعتبرون قوله منكم. الثالث: أن" السهروردي" لم يكن عالما بأصول الشرائع والنبوات على الوجه المعتبر فيها، حتى يكون قوله حجة لها وعليها. إنما كان علمه فلسفة محضة وعقليات صرفة وليس له تصنيف إلا في ذلك كاللمحات والألواح «4» والإشراق «5» وغيرها. وهذه" التنقيحات" لا يعتمد/ عليها من المسلمين في أصول الفقه إلا من هو على طريقه في الانحراف إلى الفلسفة، والخلو من علم النبوة وقد

_ (1) في (ش): فقبل. (2) في (أ):" أن قوله". (3) الفقهاء السبعة هم التابعون: سعيد بن المسيب بن حزن عالم المدينة المتوفى سنة أربع وتسعين للهجرة، وعروة بن الزبير بن العوام المتوفى سنة أربع وتسعين أيضا، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المتوفى سنة أربع وتسعين أيضا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة المتوفى سنة ثمان وتسعين للهجرة، وخارجة بن زيد بن ثابت المتوفى سنة مائة للهجرة، وسليمان بن يسار المتوفى سنة سبع ومائة للهجرة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق المتوفى سنة سبع ومائة أيضا. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 416، 421، 437، 475، وشذرات الذهب 1/ 134، 135، والنجوم الزاهرة 1/ 228]. (4) الألواح العمادية. (5) اسمه: حكمة الإشراق.

رأيتها وهي كثيرة التشكيك، لا يكاد يبني شيئا إلا ويهدمه ولا ينصر قولا إلا ويخذله وأنت أيها الخصم قد قدمت عند ذكرك ضرورة الخلق إلى النبوة ومنفعتها: إن العقل لا يستقل «1» بإدراك الأمور الإلهية بدون تأييد إلهي. الرابع: قوله:" لو لم يصلب المسيح لم يبق على المحسوسات اعتماد" إن أراد لم يبق عليها اعتماد مع عدم المعارض لها فلا نسلم أن ذلك لازم لعدم صلب المسيح، وإن أراد مع وجود المعارض/ فهو صحيح، فإن مدارك العلم إما حس أو عقل أو مركب منهما. وكلها قد تخلف مع وجود المعارض. أما الحس فكما في التخييلات/ السحرية والشعبذية وكعدم «2» إدراك الصوت للصمم «3» والريح للخشم «4» والطعم للمرة، واللمس لفساد في آلته، أو لعلة في محله، وأما العقل فكما يعرض للإنسان عند غلبة السوداء «5» أو الحزن أو الفرح المفرطين أو السكر ونحوه من المغيّبات كالنوم والإغماء فإنه يرى الحقائق منقلبة، والأمور مضطربة، وأما المركب منهما فكخبر الواحد إذا كان في طريقه كذاب. وكالتواتر إذا فقد فيه شرط.

_ (1) في (ش): المستقل. (2) في (ش): لعدم. (3) الصّمم: الأصم الذي فقد حاسة السمع [انظر لسان العرب 12/ 342]. (4) الخشم: يطلق على من كسر خيشومه، وعلى الداء الذي يأخذ في جوف الأنف فتتغير رائحته، وعلى سقوط الخياشيم وانسداد المتنفس، والذي يصيبه آفة من هذه الآفات لا يكاد يشم شيئا. [انظر لسان العرب 12/ 178 - 179]. (5) السوداء: أحد الأخلاط الأربعة التي زعم الأقدمون أن الجسم مهيأ عليها، بها قوامه، ومنها صلاحه وفساده وهي: الصفراء، والدم، والبلغم والسوداء، وهي عند قدماء الأطباء خليط أسود، وهي عكر الدم الطبيعي وتطلق عند المحدثين على الاضطرابات المصحوبة بالحزن العميق المزمن، والتشاؤم العام الدائم، وهبوط النشاط الحركي، وفقدان الاهتمام بالعالم الخارجي، والأرق، ورفض الغذاء. [المعجم الوسيط 1/ 461، والمعجم الفلسفي 1/ 676].

وأما البرهان على أن المسيح لم يصلب ولم يقتل فهو: أن قتله إن لم يكن [أشهر] «1» من ولادته من غير ذكر، فهو مثله في الشهرة، ولا بدّ. ثم إن ولادته من غير ذلك لما كان له وجود، تواتر تواترا لم يختلف فيه اثنان «2» منا ومنكم فلما اختلفنا في قتله، دل على أنه لم يبلغ تلك المرتبة من التواتر فلم يثبت بمجرد الدعاوى أو الحجج الضعيفة «3» وإنما كان الأمر في ذلك مشتبها «4» كما نص عليه القرآن فاشتبه عليكم. يؤكد «5» ذلك: أن المسيح طبق ذكره الآفاق، لما ظهر على يده من الخوارق وقتل مثل هذا لا يقبل مثل هذا النزاع لما يجب له في مطرد العادات من الشهرة والغلبة، وإذا كان يحيى وزكريا دونه في الشهرة بكثير، ثم لم يختلف في قتلهما. فما الظن بالمسيح الذي أجمعنا على أنه أفضل أنبياء بني إسرائيل «6» وأنتم تدعونه إلها؟ «7».

_ (1) في (أ):" إن لم يكن اسمه من ولادته ... "، وفي (م):" فهو أن يقال إن لم تكن ولادته من غير ذكر فهو مثله في الشهرة" ومكان العبارة في (ش) بياض وما أثبته هو الصحيح والله أعلم. (2) في (ش): إنسان. (3) عبارة:" أو الحجج الضعيفة" مكررة في (أ). (4) في (ش): مشبها. (5) في (م):" وكذلك أن المسيح ... ". (6) لا شك أن عيسى- عليه السلام- من أولو العزم من الرسل وهم أفضل من سائر الرسل، وأنه من أفضل أنبياء بني إسرائيل، ولكن لم أجد دليلا على أنه أفضلهم، فموسى- عليه السلام- أيضا من أفضل أنبياء بني إسرائيل وأيهما أفضل؟ الله أعلم. ونحن لا نفضل نبيا بعينه على آخر بعينه، ولم يرد نص يفضل أحدهما على الآخر. (7) قلت: الطوفي- رحمه الله- يريد أن يرد على النصراني تكذيب القرآن والمسلمين بإلقاء الشبه على عيسى- عليه السلام- والنصارى دائما يقولون إن ذلك يفضي إلى السفسطة والدخول في الجهالات. ويمكن أن يرد عليهم من وجوه أذكرها باختصار وهي:-

[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]

[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك] قال:" وفي سورة الكهف عند ذكر ذي القرنين «1». قال: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «2» قال ابن عطية: على وزن

_ - 1 - أن الله قادر على إلقاء الشبه من غير استحالة، ولا يخالف في ذلك إلا معاند لا يعترف بقدرة الله تعالى إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس: 82]. 2 - أن الحس إنما يعلم صورة الأمر لا حقيقته لأن ذلك إنما يعلم بقرائن الأحوال إن وجدت أو بأخبار الأنبياء- عليهم السلام- عن الله تعالى، الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا. 3 - مما يدل على أن الحس لا يفرق بين المتماثلات ما قاله القرافي- رحمه الله- في الأجوبة الفاخرة [ص 249 - 250 بتحقيق الباحث]:" أنا لو وضعنا في إناء رطلا من الماء أو الزيت أو نحو ذلك، ثم أريناه لإنسان ثم رفعنا ذلك المائع ووضعنا فيه رطلا آخر من ذلك المائع ثم أريناه لذلك الإنسان وقلنا له هذا الماء هو عين الماء الأول أو مثله؟ فإنه إذا أنصف يقول: الذي أدركه بحسي أن هذا ماء بالضرورة، أما أنه عين الأول أو مثله فلا أعلم لكن الحس لا يحيط بذلك ... " اهـ. 4 - يجوز أن يخرق الله العادة لعيسى- عليه السلام- بخلق شبهه في غيره- كما أخرق له العادة في إحياء الموتى وغير ذلك- ثم يرفعه ويصونه عن إهانة أعدائه، وهذا لائق بالأنبياء. وهو اللائق بالآية ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157] والله أعلم. (1) أحد من ملكهم الله أمر الدنيا وحكى الله أمره في سورة الكهف من الآية رقم 83 إلى 98، واختلف في اسمه: فقيل هو الإسكندر المقدوني اليوناني، وقيل اسمه هرمس، وقيل: اسمه هرديس، وقيل غير ذلك، واختلف أيضا في تسميته" ذي القرنين" فقيل: كان ذا ظفيرتين من شعر فسمى بهما، وقيل: لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا، وقيل غير ذلك وهو أحد ملوك الدنيا كما قيل: ملوك الدنيا كلها أربعة مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران نمروذ وبختنصر. وقد اختلف في نبوته. [انظر تفسير القرطبي 11/ 46 - 48، والبداية والنهاية 2/ 102 - 109]. (2) سورة الكهف، آية: 86.

فعلة أي ذات حمأة، وقرأ أبو بكر عاصم «1» والباقون: في عين حامية وذكر حديث/ أبي ذر «2» نصا في ذلك. قال:" فدل على أن العين هناك حارة" «3» /. قال:" وفي سورة يس مثل هذا حيث يقول: والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ... «4» الآية. وذكر حديث البخاري عن أبي ذر حيث قال له النبي- صلى

_ (1) في (ش)، (م): أبو بكر عن عاصم. وأبو بكر عاصم بن أبي النجود اسم أبيه: بهدلة، الأسدي قرأ على زر بن حبيش على عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرأ أيضا على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، معلم الحسن والحسين وقرأ أبو عبد الرحمن هذا على الإمام علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- توفي عاصم بالكوفة سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة للهجرة. [انظر مناهل العرفان 1/ 451 - 452، وسير أعلام النبلاء 5/ 256 - 261، وشذرات الذهب 1/ 175]. (2) جندب بن جنادة الغفاري رابع من أسلم. كان من أوعية العلم زاهدا. مات سنة 32 هـ. بفلاة وحده. [سير أعلام النبلاء 2/ 46 - 78]. (3) هذه القراءة" حامية" هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي [انظر الاقناع في القراءات السبع 2/ 692، وتفسير القرطبي 11/ 49] ولم أجد في ذلك عن أبي ذر شيئا وسوف يشير الطوفي إلى غلط ذلك وأن الرواية عن ابن عباس. والذي وجدته عن أبي ذر هو ما رواه أبو داود في كتاب الحروف والقراءات حديث رقم (4002) قال:" كنت رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على حمار والشمس عند غروبها، فقال: «هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تغرب في عين حامية». (4) سورة يس، الآية رقم: 38.

الله عليه وسلم «1» -[حين غربت الشمس] «2» أتدري أين تذهب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها» «3». قال:" وهذا كله بين البطلان لكل من له أدنى معرفة «4» في الهيئة لأن الشمس تدور أبدا في فلكها، وهو الفلك الرابع، ولا تغرب في عين حامية ولا تجري لمستقر لها «5»، لأنها ليس لها قرار". قلت: الجواب عن هذا السؤال:

_ (1) كلمة" وسلم" ليست في (أ). (2) ما بين المعكوفتين زيادة من صحيح البخاري. (3) تتمة الحديث في البخاري:" فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. فذلك قوله تعالى: والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 38] [كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر] وأخرجه في مواضع أيضا بألفاظ، وأخرجه مسلم في الإيمان حديث رقم 250، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان. عن أبي ذر بلفظ غير ألفاظ البخاري، وأخرجه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها عنه بغير لفظ البخاري أو مسلم، وقال:" وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى، وهذا حديث حسن صحيح" وفي التفسير: باب من سورة يس بلفظ مقارب للفظه الأول، وسيورد المؤلف لفظه قريبا، وأخرجه أحمد في المسند (5/ 145 - 165). (4) كلمة:" معرفة" ليست في (أ). (5) في (ش): لمستقرها.

أما القراءتان:" حمئة"، من الحماة و" حامية" من الحرارة فهما قراءتان صحيحتان «1»، والأولى «2» قراءة نافع «3» وابن كثير «4» وأبي عمرو «5»، والثانية

_ (1) انظر تفسير الطبري 16/ 11 - 12، وتفسير ابن كثير 3/ 102، وتفسير الشوكاني 3/ 308، والإقناع في القراءات السبع 2/ 692. (2) أي قراءة:" حمئة". (3) هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة، وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة، أخذ القراءة عن أبي جعفر القاري وعن سبعين من التابعين وهم أخذوا عن ابن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد انتهت إلى نافع رئاسة الإقراء بالمدينة وممن اشتهر بالرواية عنه. بلا واسطة قالون وورش. توفي نافع سنة تسع وستين ومائة وقيل تسع وخمسين ومائة بالمدينة. [انظر وفيات الأعيان 5/ 368، مناهل العرفان 1/ 454، سير أعلام النبلاء 7/ 336 - 338]. (4) أبو محمد أو أبو معبد عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله الكناني الداري- بطن من لخم أو نسبة إلى دارين بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند- وكان عطارا وأصله فارسي، كان إمام القراءة في مكة لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير، وأبا أيوب الانصاري، وأنس بن مالك. روى القراءة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كانت ولادته أيام معاوية وتوفي سنة عشرين ومائة للهجرة [انظر كتاب الإقناع في القراءات السبع 1/ 77 - 79، ومناهل العرفان 1/ 450، وسير أعلام النبلاء 5/ 318 - 322]. (5) زبان بن العلاء بن عمار بن الغربان البصري، اختلف في اسمه فقيل زبان وقيل العريان وقيل يحيى وقيل غير ذلك كان من أعلم الناس بالعربية والقرآن والشعر وأيام العرب وأيام الناس، قرأ على جماعة منهم الحسن البصري، مات سنة أربع أو سبع وخمسين ومائة. (انظر كتاب الإقناع في القراءات السبع 1/ 92 - 94، وفوات الوفيات 2/ 28 - 29).

قراءة الباقين «1». والخبط في نقل «2» مذهب القراء فيها لا أدري هل هو من هذا الخصم أو من غيره" وقد روى ابن عباس «3» عن أبي بن كعب «4»: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ رواه أبو داود «5» والترمذي «6». وقال: حديث غريب.

_ (1) ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي. (2) «نقل» ليست في (ش). (3) عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حبر الأمة وفقيه العصر، وإمام التفسير، ولد بشعب أبي طالب أيام الحصار أيام الحصار قبل الهجرة بثلاث سنوات تقريبا، مسح النبي صلّى الله عليه وسلّم على رأسه ودعا له بالحكمة، وقال صلّى الله عليه وسلّم" اللهم علمه تأويل القرآن" كان عمر يدنيه من مجلسه وهو صغير السن لكثرة علمه، ذهب بصره في آخر حياته. توفي سنة ثمان أو سبع وستين للهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 3/ 331 - 358] وغيره. (4) أبو منذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد سيد القراء الأنصاري البدري ويكنى أبا الطفيل، شهد العقبة وجمع القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان رأسا في العلم والعمل، قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن» وفي لفظ (أمرني أن أقرئك القرآن) قال: الله سماني لك؟ قال: (نعم) قال وذكرت عند رب العالمين؟ قال: (نعم) فذفرت عيناه. قال عمر: أقضانا علي وأقرأنا أبي ... " مات- رضي الله عنه- سنة اثنتين وعشرين في المدينة وقيل: سنة ثلاثين، وقيل غير ذلك. [انظر الاستيعاب 1/ 65 - 69، وسير أعلام النبلاء 1/ 389 - 402]. (5) تقدمت ترجمته في ص: 175 - 176 من قسم الدراسة. (6) تقدمت ترجمة الترمذي والحديث. أخرجه أبو داود في كتاب الحروف والقراءات بلفظ" سمعت ابن عباس يقول أقرأني أبي بن كعب كما أقرأه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ مخففة، وأخرجه الترمذي بلفظ الطوفي، في كتاب القراءات باب ومن سورة الكهف وقال:" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والصحيح ما روي عن ابن عباس قراءته. ويروى أن ابن عباس-

قال والصحيح: أنها قراءة ابن عباس لأنه اختلف هو وعمرو بن العاص «1» فيها وترافعا إلى كعب الأحبار «2»، ولو كان عنده فيها رواية لاكتفى بها. ووجه الجمع بين القراءتين: أن تلك العين حارة، وهي ذات حماة، فإن اجتماع الأمرين جائز غير ممتنع. وأما حديث أبي ذر فلفظه على ما رواه الترمذي وغيره قال:" دخلت المسجد حين غابت الشمس، والنبي- صلى الله عليه وسلم- «3» جالس. فقال [النبي- صلى الله عليه وسلم- «4»] «أتدري يا أبا ذر

_ - وعمرو بن العاص اختلفا في قراءة هذه الآية وارتفعا إلى كعب الأحبار في ذلك، فلو كانت عنده رواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لاستغنى بروايته ولم يحتج إلى كعب" اهـ. قلت: أبو داود والترمذي اتصل سندهما إلى محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدّع أبي يحيى عن ابن عباس عن أبي. (1) عمرو بن العاصي- بالياء وبحذفها- بن وائل بن هاشم القرشي السهمي أسلم سنة ثمان من الهجرة مع خالد بن الوليد، كان من شيعة معاوية، وأحد الحكمين، وداهية قريش، ورجل العالم، يضرب به المثل في الفطنة والدهاء، فتح فلسطين ومصر، توفي سنة ثلاث وأربعين. [انظر سير أعلام النبلاء 3/ 54 - 77، والاستيعاب 4/ 1184 - 1189، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 30]. (2) كعب بن ماتع الحميري اليماني العلامة الحبر، كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقدم المدينة في خلافة عمر- رضي الله عنه- فجالس الصحابة، وكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام متين الديانة من نبلاء العلماء، طعن فيه بعض كتاب العصر الحاضر مثل أحمد أمين ومحمد رشيد رضا، ورد الطعن محمد حسين الذهبي، توفي كعب في خلافة عثمان- رضي الله عنه- سنة اثنتين وثلاثين بحمص (انظر سير أعلام النبلاء 3/ 489 - 494، والتفسير والمفسرون 1/ 187 - 194). (3) " وسلم" ليست في (أ). (4) زيادة من الترمذي في التفسير.

أين تذهب هذه؟ " قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال/: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: اطلعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها" قال: ثم قرأ (ذلك مستقر لها) «1» قال: وذلك قراءة عبد الله «2»، قال الترمذي: هو حسن صحيح «3». وأخرجاه في الصحيحين، ورواه أبو داود والنسائي «4». ووصف الشمس بالسجود وخطا بها من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها، فيجب تلقيها عن أصحاب الشرائع بالقبول، كما سبق تقريره في المقدمة الثانية في صدر الكتاب.

_ (1) في (أ) وفي رواية الترمذي الأخرى في الفتن، (وذلك مستقر لها) وما أثبته من روايته الأخرى في التفسير ومن صحيح البخاري [كتاب التوحيد باب:" وكان عرشه على الماء ... "]. (2) أي عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، أبو عبد الرحمن الهذلي البدري، حليف بني زهرة، سادس من دخل في الإسلام، وفقيه الأمة وحبرها، قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنك غليّم معلم» طلب المشركون ذات يوم من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يطرده وبعض الصحابة معه فأنزل الله تعالى: ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الآية [الأنعام 52، 53] خدم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو من أقرأ الناس لكتاب الله. مات بالمدينة ودفن بالبقيع سنة اثنتين وثلاثين- رضي الله عنه-[انظر سير أعلام النبلاء 1/ 461 - 500، والاستيعاب 3/ 987 - 994]. (3) هذا اللفظ للترمذي، وأخرجه البخاري ومسلم وأحمد كما ذكرت في ص: 362، وأما الذي أخرجه أبو داود فهو حديث أبي ذر:" هل تدري أين تغرب هذه"؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تغرب في عين حامية" [انظر الهامش رقم 3 ص 361 من هذا الكتاب، والنسائي لم يخرج حديث سجود الشمس في الصغرى، ولكن أخرجه في التفسير من السنن الكبرى وفيه اختلاف في الألفاظ وزيادات [انظر فتح الباري 8/ 541، تحفة الأشراف 9/ 189]. (4) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 61.

وأما معنى غروبها في عين حامية، [ففيه تأويلات: أحدها: أنها تغرب فيها في رأي العين «1»، لا الحقيقة كما يرى كأنها تغرب في البحر أو من وراء الجبل،/ بل من وراء جدار صغير، بحسب اختلاف مناظرها وأوضاع الناظرين إليها. الثاني: أن" في" بمعنى على: أي تغرب على عين حامية،] «2» أي تكون مقابلة لها، وحروف الصفات يقع بعضها موقع بعض كما قال تعالى: ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ... «3» أي عليها «4»، وقال عنترة «5»: بطل كأن ثيابه في سرحة ......... «6» أي عليها. وعلى بمعنى" في"، كقول «7» أبي كبير الهذلي «8»

_ (1) انظر تفسير القرطبي 11/ 50. (2) ما بين المعكوفتين ليس في (ش). (3) سورة طه، آية: 71. (4) انظر تفسير القرطبي 11/ 224، وتفسير الشوكاني 3/ 376. (5) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 181. (6) عجز البيت: يحذى نعال السّبت ليس بتوأم وهو من معلقته الميمية المشهورة. والسرحة: شجرة لا ثمر لها إنما يستظل بها وتعرف بطول ساقها. [انظر شرح المعلقات السبع للزوزني، ولسان العرب 2/ 480، وجمهرة أشعار العرب 2/ 498]. (7) في (أ): لقول. (8) عامر بن ثابت بن عبد شمس الهذلي، من بني سهل بن هذيل. شاعر فحل من شعراء الحماسة. قيل: إنه أدرك الإسلام وأسلم، له ديوان شعر مطبوع لم يعرف تاريخ وفاته. [انظر الإصابة قسم الكنى الترجمة (961)، والأعلام 3/ 250].

ولقد سريت على الظلام بمغشم ......... «1» أي في الظلام. الثالث: أنها بمعنى عند «2». أي تغرب عند عين حامية. وقد ترد بمعنى عند، ومع في العربية. فكلام يحتمل هذه «3» التأويلات السابقة في اللغة التي ورد بها، لا ينبغي أن يتهجم على القدح فيه. وقد نقل بعض المفسرين عن كعب أنه قال:" في التوراة إنها تغرب في ماء وطين" «4». وأصحاب الهيئة يعترضون على هذا بناء على ما قرروه من أن الشمس مثل كرة الأرض مائة وإحدى «5» وستين مرة ونصف/ وربع «6» فكيف تسعها عين من عيون الأرض؟ والجواب بما سبق. وأما قوله:" إن هذا كله بين البطلان، لمن له أدنى معرفة بالهيئة" فجوابه: أن علم الهيئة مبني على مقدمتين:

_ (1) عجز البيت: ... ... جلد من الفتيان غير مثقّل والمغشم: الجريء الماضي الذي لا يثنيه شيء عما يريد ويهوى من شجاعته. [انظر الحماسة لأبي تمام 1/ 13 رقم (12، ولسان العرب 12/ 438]. (2) انظر تفسير القرطبي 11/ 50. (3) في (أ): لهذه. (4) انظر تفسير الطبري 16/ 11، وتفسير القرطبي 11/ 49. (5) في (أ): وأحد. (6) في مفتاح دار السعادة 1/ 198:" وقد اتفق أرباب الهيئة على أن الشمس بقدر الأرض مائة مرة ونيفا وستين مرة" اهـ.

إحداهما: أن حركة «1» الأفلاك متصلة متشابهة يستحيل أن يعرض لها البطء أو السرعة «2» أو الرجوع أو الانقطاع «3». والثانية: اعتبار الرصد «4». وقد قدح المحققون فيهما بما لا يسع هذا المكان ذكره «5». ومنه: أن حاصل الرصد: الاعتماد على أبصار الآحاد، [والبصر لا يفيد اليقين لكثرة ما يعرض للبصر من الغلط، خصوصا مع البعد المفرط، وخبر الآحاد] «6» إنما يفيد ظنا

_ (1) في (ش): حركات. (2) في (ش)، (أ):" والسرعة" بدون همزة. (3) قال الله تعالى: وهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ سورة الأنبياء: 33] وقال سبحانه: وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) والْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يس: 37 - 40]. (4) مأخوذ من رصد أي ترقب. والراصد بالشيء: الراقب له. والمعنى رصد حركة الكواكب والأفلاك. [انظر لسان العرب 3/ 177]. (5) الذي يعلم بالحس حركة الأجسام المنظورة، فترى الشمس متحركة والقمر متحركا، والكواكب متحركة أما العلم بقدر حركاتها وبكسوف بعضها لبعض ونحو ذلك فليس مداره على الأرصاد. وغايته أن بعض الناس قد رأى هذا فأخبر به غيره، وليس هذا خبرا متواترا، بل غالبه خبر واحد. [انظر الرد على المنطقيين ص 388 - 389]. (6) ما بين المعكوفتين ليس في (ش).

ضعيفا «1»، ودعوى أهل الهيئة: أن علمهم ثابت بالبراهين الهندسية كذب وزور وبهتان. إذ لو كان كذلك لما وقع الخلاف العظيم بينهم في تفاصيل علمهم وجمله. وإذا اتجه القدح في مقدمات الهيئة لم يبق بها وثوق، وصار خبر الشرع أوثق منها، على ما قدمت أنت أيها الخصم في بيان ضرورة النبوة من كلام" أرسطو" وغيره. ثم نقول: إن علم الهيئة على تقدير صحته وثبوته لا ينفي ما فسرناه به كيفية غروب الشمس في العين الحامية. وأما قوله:" إن الشمس تدور أبدا في فلكها،/ وهو الرابع، ولا تجري لمستقر لها" لأنه ليس لها قرار. فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال له: أنت إما أن تكون فيلسوفا محضا، أو مشرعا تقول

_ (1) هذا في غير نقل أحكام الشريعة أما في أحكامها فإن خبر الواحد المسلم المكلف العدل الذي تلقته الأمة بالقبول يعتمد عليه، وقد أخرج ابن خزيمة وصححه، وابن حبان عن ابن عباس قال:" جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني رأيت الهلال. فقال: «أتشهد ألا إله إلا الله؟» قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا» وأخرجه أبو داود في الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان حديث رقم 2340، 2341، والترمذي في الصوم، باب ما جاء في الصوم بالشهادة حديث رقم 691، والنسائي في الصوم، باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال رمضان .. ، وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال، والدارمي في الصوم باب الشهادة على رؤية الهلال، وأحمد في المسند (3/ 11).

بصحة الشرائع، وما جاءت به النبوات./ فإن كنت فيلسوفا ورد عليك كثير مما تقول به من أحكام التوراة والإنجيل مما تعتقد الفلاسفة فسادها. منها: دعواك في المسيح/ أن لاهوت الله اتحد بنا سوته فصارا حقيقة واحدة، أو أن الله- سبحانه- واحد بالذات، متعدد بالأقانيم «1» التي هي الله «2» والابن وروح القدس «3». وإن كنت مشرعا فيلزمك تجويز أن الشمس يمكن أنها تستقر وتقف، فإنه قد ثبت باتفاقنا: أن يوشع بن نون وقفت له الشمس عن سيرها ليلة السبت، حتى فرغ من قتال الجبارين. وقد ذكرته أنت في كتابك هذا عند بيان وجود النبوة «4». وثبت أيضا في الأصحاح الثامن عشر «5» من مصحف أشعياء أن الله سبحانه

_ (1) الأقانيم: جمع أقنوم، وهو الأصل، وهي كلمة سريانية، معناها: شخص أساسي، أو شخص رئيس، وهي الكلمة اليونانية" نوموس ومعناها قانون، ولذا فضلت الكنائس الشرقية استعمال لفظ أقنوم على لفظ شخص، لأن المقصود في التثليث بالأقنوم كيان ذاتي أو في الذات. [انظر أقانيم النصارى للدكتور أحمد السقا ص 9، نقلا عن كتاب دراسات في الكتاب المقدس، وانظر هامش ص 75 من كتاب بين الإسلام والمسيحية للخزرجي، ولسان العرب 12/ 496]. (2) في (أ): التي هي اللات والابن ... وفي (ش): الأب. (3) وهذا مذهب الملكانية واليعاقبة من النصارى. [انظر الفصل في الملل والنحل 1/ 110 - 112، وتاريخ ابن البطريق ص 156، 201]. (4) انظر ص: 252 من هذا الكتاب. (5) الأصحاح الثامن والثلاثون من سفر أشعياء في التراجم الحديثة.

رد الشمس إلى خلفها عشر درجات علامة لحزقيا «1» ملك بني إسرائيل على أنه ينفس له في عمره خمس عشرة سنة بعد أن حضره الموت والقصة «2» مشهورة «3». ومثل هذا لا يصح في علم الهيئة بناء على المقدمة المذكورة، وأن حركة الأفلاك متصلة. ويقال: إن من حين وقوف الشمس لهذين النبيين «4» تخبط حساب المنجمين، واختلط رأيهم فالله أعلم. وأما أنك تكون تارة فيلسوفا وتارة مشرعا. فهذا مما لا يمكن لأن الفلسفة والتشريع لا يجتمعان. وقد حاول قوم منهم أبو الوليد بن رشد الجمع بينهما فلم يحصل إلا على الحيرة «5»، وظهر أمره فكاد أهل المغرب يقتلونه وأحسبه مات في حبس الشرع «6»، وأنا أحسبك أيها الخصم حائرا مترددا، لا نصرانيا ولا مسلما

_ (1) حزقيا: أحد الملوك في عصر النبي اشعياء عليه الصلاة والسلام كما في كتب أهل الكتاب. والأنس الجليل 1/ 147، واسمه في الكامل لابن الأثير (1/ 143): صدقيا. (2) " والقصة" ليست في (أ). (3) انظر البداية والنهاية 2/ 32 - 33، والأنس الجليل 1/ 147، والكامل في التاريخ 1/ 143 - 144. (4) يقصد: اشعيا وحزقيا. ولكن حزقيا ليس بنبي كما في النص الوارد في مصحف أشعياء وإنما هو ملك من ملوك بني إسرائيل في عهد أشعياء. أما النبي فهو حزقيل. [انظر البداية والنهاية 2/ 2]. (5) ولذلك قال في كتابه:" تهافت التهافت" مبينا الحيرة التي وصل إليها هو وغيره من الفلاسفة: " ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به؟ " والغزالي لما رأى حيرته أعرض في آخر حياته عن الفلسفة وأقبل على حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمات وصحيح البخاري على صدره. واعترف الرازي والشهرستاني والجويني والخونجي وغيرهم بأنهم وصلوا إلى الحيرة، فكانوا في آخر حياتهم بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب. [انظر درء تعارض العقل والنقل 1/ 159 - 164، وشرح العقيدة الطحاوية ص 227 - 229]. (6) لم أجد هذا فيما اطلعت عليه من مراجع في ترجمته.

ولا فيلسوفا. الوجه الثاني: أن قوله" لمستقر لها" له أربع «1» محامل صحيحة: أحدها: أن" اللام" بمعنى في: أي تجري في مستقر لها «2»، وهو فلكها تجري فيه ما بين/ طرفي مشارقها ومغاربها من ناحية الشمال والجنوب لا تجاوز ذلك. الثاني: أن تكون بمعنى إلى أي تجري إلى مستقر لها «3»، وهو حين تستقر بزوال «4» حركتها عند قبض الله السموات والأرض وتكوير الشمس والقمر. وانكدار النجوم عند خراب العالم على ما جاء به شرع الإسلام وأخبر به النبي الصادق- عليه السلام- وأشار إليه المسيح في الإنجيل حيث يقول:" إذا جاء ابن الإنسان في مجده علا الغمام «5» والملائكة حوله هنالك من عرفني اليوم عرفته ومن أنكرني أنكرته" «6». معنى هذا الكلام.

_ (1) في (ش): أربعة. (2) انظر تفسير الطبري 23/ 6، وتفسير القرطبي 15/ 28. وتفسير الشوكاني 4/ 369. (3) انظر تفسير الطبري 23/ 5، وتفسير القرطبي 15/ 28 - 29، وتفسير الشوكاني 4/ 369. (4) في (ش)، (أ):" تستقر زوال". (5) «علا الغمام» ليست في (ش). (6) انظر انجيل متى الاصحاح الخامس والعشرين.

ويكون هذا معنى قوله- سبحانه وتعالى/- وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ... «1». الثالث: أن بعض أئمة السلف قرأ هذه الآية: والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي: لا تقف ولا تفتر «2»، وهو معنى قوله تعالى: وسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ دائِبَيْنِ ... (33) «3» أي لا يفتران من الدأب «4»، وهو السعي الشديد وتكون هذه القراءة مفسرة للمراد من الأخرى. وكل هذا محتمل لا يقدح بمثله في فروع شريعة فضلا عن أصولها. الرابع: أن يكون مستقرها موضع سجودها. كما جاء في الحديث وقد بينا جواز وقوفها عن السير، بقصة يوشع وحزقيا «5». وأن هذا مما يجب أن يتسلم عن النبوات ويتلقى بالقبول،/ ولا يقابل بشبه العقول القاصرة عن إدراك الحقائق الإلهية. والله أعلم.

_ (1) بعض آية في سورة فاطر الآية رقم 13، وفي سورة الزمر الآية رقم (5) وفي سورة لقمان الآية (29): «إلى أجل مسمى» .. (2) هذه قراءة عبد الله بن مسعود، وابن عباس- رضي الله عنهم-[انظر تفسير ابن كثير 3/ 572، وتفسير الشوكاني 4/ 369] وضعف القرطبي في تفسيره (15/ 28). سند هذه القراءة إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- ولعلها من القراءات الشاذة- والله أعلم-. (3) سورة إبراهيم، آية رقم: 33. (4) في (أ): من الذات. (5) في (م): حزقيال. انظر هامش ص: 372.

[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل]

[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل] قال:" وفي سورة الصف قال: وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ .. - إلى قوله- .. ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .. «1». وفي سورة الأعراف قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ «2» مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ ... «3». قال: ولا أمارة لشيء من هذا لا «4» في التوراة ولا في الإنجيل فضلا عن التصريح فيهما قال: ولعل قائلا يقول: نزع اسمه منها. فالجواب: أن هذا من الأعذار الباطلة المضحكة لأن ظهور محمد إما أن يكون بخير أو شر، وعلى كلي التقديرين لا فائدة في نزع اسمه من الكتب بل يجب ابقاؤه ليعرف فيتابع إن جاء بخير أو يجتنب إن جاء بشر كما في الدجال والشيطان. هذا حاصل ما ذكره في هذا السؤال. والجواب: أما ذكره صريحا في التوراة والإنجيل وتبشير المسيح به فقد ثبت

_ (1) قال الله تعالى: وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [سورة الصف، آية رقم 6]. (2) من هنا بداية النقص والتلفيق في طباعة السقا. (3) سورة الأعراف، آية: 157. (4) في (أ): إلا في التوراة.

عندنا بالقرآن المعصوم المتواتر، ونقل علماء المسلمين كوهب بن منبه وغيره: أن الحواريين «1» قالوا للمسيح وهو يودعهم ويوصيهم يا روح الله هل لله نبي بعدك يفوقك؟ قال: نعم النبي العربي قالوا: يا روح الله ومن أين هو؟ قال: يبعث من أرض تهامة «2» فقالوا: من هو؟ قال: من قريش يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أمته حكماء علماء كأنهم الأنبياء أقرؤه مني السلام" «3». قلت: ويدل على صحة هذا القول أعني: قوله يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أنك لا تكاد تجد في الإنجيل حكمة عن المسيح إلا وعن محمد صلّى الله عليه وسلّم معناها أو أحسن منها، بأوجز من عبارتها، وأخصر/ من لفظها وقد ذكرت من

_ (1) الحواريون جمع حواري وسموا بذلك لبياض ثيابهم [انظر صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الزبير]، وقيل: لأنهم كانوا قصارين يبيضون الثياب، أي يغسلونها، وقيل: لأنهم خاصة الأنبياء كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لكل نبي حواري، وحواريي الزبير» يعني خاصته. [انظر صحيح البخاري: الجهاد، باب فضل الطليعة رقم 40، وصحيح مسلم فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير حديث رقم 48. وتفسير الطبري 3/ 287، وتفسير القرطبي 4/ 97، 18/ 87]. (2) تهامة: بكسر أوله. اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة سميت تهامة: من التّهم وهو شدة الحر وركود الريح، وقيل سميت بذلك لتغير هوائها، يقال: تهم الدهر إذا تغير. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 44]. (3) لم أهتد إلى مكان ما قال وهب في المراجع التي استطعت الرجوع إليها.

ذلك أمثلة كثيرة في" الفوائد" «1» وأيضا ما تواتر من أن الأحبار «2» والرهبان «3» والكهان «4» أخبروا بمحمد- عليه السلام- قبل مبعثه وعرفوه لما ظهر بصفته كبحيرا «5» الراهب «6» وغيره، فآمن به من سبقت له السعادة وكفر من سبقت عليه الشقاوة.

_ (1) لم أجد هذا الكتاب في خزائن المخطوطات التي زرتها، أو اطلعت على فهارسها. (2) انظر هامش ص: 330. (3) الرهبان: جمع راهب بمعنى: المتعبد الخاشع الزاهد، وأهل الترهب عند النصارى: التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها. وفي الحديث:" لا رهبانية في الإسلام" وقال تعالى: ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ [الحديد 27] وأصل الرهبانية من الرهب ثم صارت اسما لما زاد عن المقدار. [انظر لسان العرب 1/ 437 وتفسير القاسمي 8/ 184]. (4) الكهان: جمع كاهن. وهو الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. وقد كهن يكهن كهانة إذا تكهن. وكان في العرب كهنة منهم شق وسطيح اللذان أخبرا بأمر محمد- عليه السلام- وغيرهما، ومنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه بالعراف، وأصل الكهانة المعرفة والفطنة بدقائق الأمور وغوامضها. [انظر منال الطالب ص 158، 159]. (5) من أحبار اليهود، وقيل: كان نصرانيا وإن اسمه جرجيس، وقيل: نسطورا، وقيل: كان على مذهب نسطورا واسمه جرجيس بن اسكندر، كان ينكر إلهية المسيح، اتخذ صومعة بعد طرده من ديره- بقرب الطريق الموصل إلى الشام- تمر عليه العرب فينذرهم بعبادة الله وينهاهم عن عبادة الأصنام. [انظر البداية والنهاية 2/ 286، وهامش ص: 125 من دلائل النبوة لأبي نعيم]. (6) خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلّى الله عليه وسلّم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب- بحيرا- هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ... فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: هذا سيد العالمين-

أما قوله:" لا أمارة لنبي من ذلك في الكتابين" فهو:/ إما عناد منه، أو لعدم اطلاعه على ما فيهما، وعدم تنبهه على إشاراتهما وفهمهما، فإن في التوراة من ذلك مواضع: منها: أن إبراهيم لما فارقه لوط قال الله لإبراهيم: ارفع عينيك وانظر المكان الذي أنت فيه إلى الشمال والجنوب والمشرق والمغرب فإن جميع الأرض التي ترى كلها لك أعطها «1» ولنسلك إلى أبد الأبد" «2» فنظرنا فرأينا ملك بني إسرائيل ارتفع عن أرض كنعان وما حولها وصار إلى العرب. وهو يدل على صحة النبوة فيهم ولا نبي فيهم إلا محمد- عليه السلام-. ومنها:" لما هربت هاجر «3» من

_ - هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين ... " الحديث أخرجه الترمذي في المناقب، باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال:" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه" والحاكم في المستدرك (2/ 615 - 617) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 24 - 25) وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 124 - 131 بأسانيد. وأخرجها غير هؤلاء: كابن كثير في البداية والنهاية (2/ 283 - 286) ويرى بأنه من مرسلات الصحابة. (1) في (ش)، (أ): أعطيها. (2) القصة في سفر التكوين الأصحاح الثالث عشر، حسب التراجم الحديثة. (3) هاجر ويقال: آجر أم إسماعيل- عليه السلام- من" أم العرب" قرية كانت أمام الفرما من مصر. كانت أمة لسارة زوج إبراهيم، فأعطتها لزوجها إبراهيم- عليه السلام- ليتسرى بها لأنها لم تلد له أحدا، فولدت له هاجر إسماعيل- عليه السلام- فغارت منها سارة، وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها، فذهب بها عنها وبولدها حتى وضعهما في مكة، وقصتهما مشهورة معروفة، قال السهيلي:" وهاجر أول امرأة ثقبت أذناها، وأول من خفض- ختن- من النساء". [انظر البداية والنهاية 1/ 153 - 154، الروض الأنف للسهيلي 1/ 16 - 17].

سارة «1» تلقاها ملك الرب فقال ارجعي إلى مولاتك فكوني تحت يدها يكثر الله نسلك، وستلدين غلاما اسمه إسماعيل لأن الله سمع تعبدك ويبارك فيه يده على الكل ويد الكل به، وعلى خد جميع إخوته «2» ينزل «3» ". ومن المعلوم أن إسماعيل لم يستعل على بني إبراهيم هذا الاستعلاء ولا أحد من ولده إلا محمد صلّى الله عليه وسلّم لما ظهر. فدل على أنه هو المشار إليه من هذا الكلام. ومنها: قول الله سبحانه «4» لإبراهيم: إن زوجتك سارة تلد لك غلاما ويدعى اسمه إسحاق وأقيم معه ميثاقا/ إلى الأبد ويخلفه «5» من بعده. وعلى

_ (1) سارة بنت هاران- وقيل: بنت توبيل- بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن تارح وهاران هو الذي تنسب إليه" حران" وهو عم إبراهيم- عليه السلام- هاجر إبراهيم بسارة من بابل إلى مصر في وقت مجدب وجوع وغلاء، وكانت ذات حسن، وبينما هما ذات يوم إذ أتيا أرض جبار من الجبابرة، فوصفت له فجرى لهما ما هو معروف، وأخدمها الله هاجر. وسارة إحدى الصديقات الثلاث:" سارة وأم موسى، ومريم" وذهب بعض العلماء إلى أنهن نبيات، والجمهور على أنهن صديقات ولسن نبيات. [انظر البداية والنهاية 1/ 150 - 152، الروض الأنف 1/ 16]. (2) عند الماوردي:" وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع"، وفي التراجم الحديثة:" ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن" اهـ. (3) القصة في سفر التكوين الأصحاح السادس عشر، كما في التراجم الحديثة. وانظر هداية الحيارى ص 54، وأعلام النبوة للماوردي ص 118. (4) ليس هذا قول الله على القطع ولا بالنص إن كان ذلك صحيحا وإنما هو معناه إن كان صدقا وقد يكون فيه من تحريف اليهود والنصارى ما يجعلنا غير جازمين بأن هذا من عند الله كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتقدم في أول هذا الكتاب: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ... » الحديث. (5) في (ش): لخلفه.

إسماعيل فقد سمعتك وباركت عليه وكثرته كثيرا جدا ويولد له اثنا عشر شريفا «1» وأجعله لشعب عظيم" «2». قلت: فهذا الشعب العظيم هم «3» العرب، فوجب أن يكون فيهم رسول كسائر الشعوب لما سبق من أن عناية الله بخلقه تقتضي ذلك. وبالجملة: الأمارات «4» الظاهرة في التوراة وغيرها من كتب الأوائل على نبوته كثيرة، ذكر الماوردي وغيره «5» منها جملة في/ دلائل «6» النبوة «7» والذي ذكرته أنا نقلته من نفس التوراة «8». وأما في الإنجيل. فحيث يقول في/ بشارة يوحنا: " والفارقليط روح القدس، الذي يرسله أبي باسمي، وهو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما ما قلت لكم" «9» وحيث يقول:" إنه خير لكم أني انطلق لأني

_ (1) «شريفا» ليست في (ش). (2) انظر سفر التكوين الأصحاح الحادي والعشرين، وهداية الحيارى ص: 54 وأعلام النبوة للماوردي ص 118، والبداية والنهاية 1/ 153. (3) هم: ليست في (م). (4) في (ش)، (أ): الآثارات. (5) في (ش)، (أ): وغيرها. (6) في (أ): في أوائل النبوة. (7) طبع الكتاب بعنوان:" أعلام النبوة"، وما أشار إليه الطوفي فيه هو في ص: 118 - 128 منه. (8) إلى هنا السقط والتحريف في طباعة السقا. (9) انظر انجيل يوحنا الأصحاح الرابع عشر، وهداية الحيارى ص 55 وأعلام النبوة للماوردي ص 127.

إن لم أذهب لم يأتكم البرقليط «1»، فإذا انطلقت أرسلته إليكم، وإذا جاء ذلك، فهو يوبخ العالم على الخطية وعلى الحكم. أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي ... وأما على الحكم فلأن [أركون] «2» هذا العالم يدان" «3» ثم قال:" إذا جاء روح الحق ذلك فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما يأتي وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو فيّ ويخبركم «4». قلت: وإذا تأملنا هذه الإشارات «5» وجدناها مطابقة لصفات محمد- صلى الله عليه وسلم- «6» " لأنه لم يأت بعد المسيح من ادعى النبوة ومجد عيسى وبالغ في تمجيده، وصدقه في نبوته، ووبخ العالم على خطية الكفر وقتل اليهود وغيرهم على تكذيب المسيح وعبادة الأوثان وأخبر بأن الناس يدانون يوم القيامة ويحاسبون، وعلم الناس محاسن «7» الآداب، ومكارم الأخلاق وظهر ناموسه «8»

_ (1) في (م): البارقليط. والصحيح: الفارقليط. (2) في النسخ الثلاث:" فلأن يكون" والصحيح ما أثبته من الجواب الصحيح (4/ 17)، ومن هداية الحيارى (ص 56)، وهو الذي يناسب السياق. والأركون: الرئيس أو العظيم أو السيد، أو الكبير. ومحمد صلّى الله عليه وسلّم سيد العالم:" أنا سيد ولد آدم ولا فخر". (3) انظر إنجيل يوحنا: الأصحاح السادس عشر، وهداية الحيارى ص: 55. (4) انظر إنجيل يوحنا: الأصحاح السادس عشر. (5) قلت: قد ذكر الإمام القرافي في الباب الرابع من الأجوبة الفاخرة ... إحدى وخمسين بشارة من ألفاظ التوراة والأناجيل ونبوات الأنبياء، وقد ذكر ابن القيم كذلك كثيرا من البشارات في كتب أهل الكتاب في" هداية الحيارى". (6) في (م): عليه السلام. (7) كلمتا:" الناس محاسن" ليستا في (أ). (8) في (ش): بناموسه.

واشتهر في البدو والحضر كظهور نواميس الأنبياء قبله إلا محمد صلّى الله عليه وسلّم. وإن لم يكن محمد هو الذي أشار إليه «1» لزم القدح في صدق وعده بالبارقليط، لأن من المحال عادة أن عاد أحد يظهر بما ظهر به محمد ويتم له" «2». فإن قيل: قد ذكر" الفارقليط" في الإنجيل بصفات غير هذه مما لا يطابق صفات محمد فيحمل ما ذكرتموه عليه. قلنا: مع المسامحة نقول لكم/ كل ما في الإنجيل حق عندكم فيجب اعتباره ما أمكن، وحيث ذكر" الفارقليط" تارة بما يوافق صفات محمد، وتارة بما يخالفها فاجعلوه من باب اللفظ المشترك. فالفارقليط الذي ذكرناه- محمد «3» عليه السلام- والذي ذكرتموه اجعلوه من شئتم ويحصل لنا المقصود وقد بينت وجه دلالة هذا الفصل على المطلوب، وما عليه من سؤال وجواب في التعليق على الإنجيل، فاكتفيت به هناك عن تكراره هاهنا «4». والله أعلم. وأما قوله:" لعل قائلا يقول: نزع اسمه منهما". فهكذا نقول. وأما جوابه عن ذلك بأن ظهور محمد: إما أن يكون بخير أو شر، وعلى التقديرين يجب ابقاؤه ولا فائدة في نزعه".

_ (1) في تعاليق على الأناجيل: إليه المسيح. (2) ما بين علامتي التنصيص من كتابه:" تعاليق على الأناجيل ص 70 - 71 خ. (3) كلمة" محمد" ليست في (أ). (4) بيّن ذلك في الصفحات 70 - 72 خ.

فجوابه:/ أن هذا إنما يصح أن يحتج به من علم منه العدل والإنصاف وطلب الحق وكمال العقل. واليهود والنصارى ليسوا كذلك حتى يصح احتجاجهم بهذا. أما اليهود فإنهم تعدوا على أنبيائهم وبغوا عليهم وقتلوهم وكفروا «1» بالمسيح مع ظهور صدقه والخوارق على يده لكل غافل منصف. فكفرهم بمحمد ككفرهم بالمسيح، وإنكارهم «2» لاسمه وصفته/ كانكارهم لصفة المسيح المذكورة في التوراة في كلام إسرائيل لما جمع بنيه، وأخبرهم بما يكون منهم على ما سبق بيانه آنفا في الجواب عن صلب المسيح، ولكن اليهود علموا من صفة محمد أنه يظهر بقوة وشوكة، لا يقدرون معها على قتله وصلبه- كما زعمتم وإياهم أنهم فعلوا بالمسيح- فغيروا اسمه وصفته في التوراة لئلا «3» يتحقق عنادهم بقيام/ الحجة عليهم من كتابهم، ورأوا أن العناد بشبهة أولى منه بلا شبهة. وأما النصارى فلأن الإنجيل الذي صرح فيه بذكر محمد ليس هذا الذي بأيديهم بل هو كتاب نزل على المسيح من السماء كتوراة موسى وقرآن محمد ولكنه عدم فلم يظهر. وأما الأناجيل التي بأيديهم فهي سيرة المسيح وحكاية ما جرى له وفيها شيء

_ (1) في (م): وكفرا. (2) في (ش): وانكاركم. (3) في (أ): لا بالا يتحقق.

من حكمه ومواعظه، فهو بمثابة ما نقل عن الأنبياء من كلام أنفسهم، كالأخبار المروية عن محمد- عليه السلام- وغيره من الأنبياء «1». وكذلك التوراة التي بأيدي اليهود اليوم، على أنا قد بينا أن في فصل البارقليط من بشارة يوحنا ما يكفي في الإشارة إلى ذكر محمد بصفته. وأيضا فإن المسيح كان من آيات الله سبحانه، أظل «2» بها من شاء من خلقه، فعصمهم الله به مدة مقامه بين أظهرهم، فلما رفع عنهم ووقع في دينهم الدخل والتلبيس من شياطين الجن والإنس، كما بينته في" الفوائد، والتعليق على الإنجيل" «3» وذكره هنا يطول. وأيضا: انضم إلى ذلك في حق الطائفتين أن محمدا جاءهم بترك المألوف من دينهم وذلك شديد على النفوس لا يثبت له إلا كاملو العدل والعقل وقد بينا عدم العدل في اليهود، وعدم العقل في النصارى حيث اعتقدوا أن الله خالق السموات والأرض خرج من بطن مريم ثم أسلم نفسه للقتل والصلب ليستنقذ الخطاة من بني آدم، وقد كان قادرا على استنقاذهم بدون هذا التعب، وعقول تخيل لأهلها اختراع مثل هذا جديرة بأن تخيل/ لهم الاستمرار عليه حتى يحرفوا لأجله أسماء الأنبياء وينازعوا في الحق ويعاندوه.

_ (1) بل ما روي من أخبار محمد صلّى الله عليه وسلّم أصح منها لأن الله تكفل بحفظ الذكر، ومنه الحديث، وأخبار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ولم يتكفل يحفظ الكتب السابقة، ثم إن الله أخبر بأنهم حرفوا تلك الكتب ثم إن كثيرا مما في كتبهم المحرفة لا تليق بمقام الأنبياء كنسبة بعضهم إلى الزنا وغير ذلك. وليس لهم سند يروون به ما صدر عن أنبيائهم وكان هذا من خصائص الأمة الإسلامية- والحمد لله-. (2) في النسخ الثلاث:" أضل" بالضاد، والصواب ما أثبته. (3) انظر تعاليق على الأناجيل ص 4 - 7 مخطوط.

وحاصل ما نقوله في جوابه: أن محمدا كان ظهوره بخير عظيم وبركة عميمة ولكنهم/ غيروه حسدا له، واستبقاء للرئاسة فيهم، وغيره عليها أن تخرج منهم وينالها غيرهم. وإذا كان إخوة يوسف هموا بقتل أخيهم يوسف ثم لما رفقوا به باعوه على الكفار ورموه في رق العبودية حتى لقي من مرارة التهم والسجن ما لقي حسدا له على ما ظنوه من تأويل رؤيا يجوز أن تقع وأن لا تقع مع كونهم من صلب نبي معصوم، وهم معاشرون له صباح مساء، فما الظن باليهود والنصارى والبغاة الجهال، وقد مضى منهم الزّبد، وبقي منهم الغثاء والزّبد وسفلة العالم وسقطهم فيما علموه بالوحي الإلهي. وأيضا إذا كانت" سارة" المرأة الصالحة المحفوظة بمعاشرة النبي المعصوم" إبراهيم"- صلوات الله عليه- قالت له: اخرج بابن «1» الأمة- تعني إسماعيل ابن هاجر- عني كي لا يرث مع ابني «2» إسحاق، كما نص عليه في التوراة؛ غيرة منها أن يشارك ابنها في رئاسة أبيه، فما الظن باليهود والنصارى/ على ما عرف منهم؟ «3». وأما قوله:" لم لم تنزع أسماء الأنبياء الذين كان يخبر بعضهم ببعض سابقهم بلا حقهم كيحيى بن زكريا، ولم ينزع اسم الشيطان والدجال"؟

_ (1) في (ش): ابن. (2) في (ش): مع ابني تعني إسحاق. (3) هذا على ما يدعونه هم وأما نحن فلا نقرهم على هذا لعدم يقيننا بأن هذه القصة مما لم يحرف، ولم يرد في ديننا إلا أنها عليها السلام غارة من هاجر فقط وذلك قبل ولادة اسحاق فإنه لم يولد إلا في كبر إبراهيم وسارة، فغيرتها لأنها أصبحت ضرة لها. والله أعلم. [انظر الروض الأنف 1/ 135، فتح الباري 6/ 400].

فالجواب: أن الفرق بين أولئك الأنبياء ومحمد- عليهم السلام- من وجهين: أحدهما: أن موسى لم يأت بعده نبي إلا بتقرير أمر التوراة ومتابعتها فكانوا في المعنى نواب موسى وخلفاؤه/، كالتلاميذ الاثنى عشر لعيسى. ومحمد- عليه السلام- جاء بنسخ الشرائع كلها وأحكام التوراة والإنجيل وغيرهما، واستئناف شريعة مبتدأة من عند الله. ولهذا لما جاء المسيح بإبطال السبت وأشياء مما تخالف حكم التوراة تعصبوا عليه وقتلوه،- كما زعمتم وإياهم- «1». الوجه الثاني: أنهم كانوا يعلمون أن أولئك الأنبياء ضعفى لا شوكة لهم فلم تكن لهم حاجة إلى نزع أسمائهم، بل إن رأوا منهم ما يوافقهم وإلا قتلوهم كما فعلوا بيحيى وزكريا والمسيح «2» وغيرهم من الأنبياء. ومحمد- عليه السلام- علموا أنهم لا يقدرون عليه كما قدروا على غيره «3» فنزعوا اسمه ليصير شبهة لهم في خلافه- كما سبق-.

_ (1) ثم إن اليهود ينكرون نبوته ويقولون إن المسيح المذكور في التوراة إنما هو المسيح المنتظر الذي سيأتي في آخر الزمان. [انظر إفحام اليهود ص 102 - 107]. (2) على زعم اليهود. (3) لقد حاول اليهود- لعنهم الله- قتل محمد صلّى الله عليه وسلّم رغم العهد الذي بينهما ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ومن ذلك ما حصل من بني النضير عند ما ذهب إليهم صلّى الله عليه وسلّم من أجل الاستعانة بهم في دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فاستند صلّى الله عليه وسلّم إلى جدار حصن لهم، فخلا بعضهم ببعض واتفقوا على طرح حجر عليه من ظهر الحصن ليقتله، فأخبره جبريل- عليه السلام- بذلك، فقام موهما لهم بأنه غير ذاهب ومعه نفر من أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي- رضي الله عنهم أجمعين-، فسار حتى دخل المدينة ثم صبحهم بالجيش فجلاهم إلى الشام-

[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]

[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك] قال:" وفي سورة النور «1»: واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ وفي سورة الفرقان «2»: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً ... (54) / وفي سورة الروم «3»: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وفي سورة فاطر «4»: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ... (11) وفي سورة الأنبياء «5»: وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) وهذا بين التناقض، والكذب لازم في إحدى القضيتين وخلاف هذا في التوراة، حيث يقال: إن الدواب خلقت من التراب والإنسان من الماء، وخلاف ذلك أيضا في الوجود، إذ بعض الأشياء مخلوقة من الأرض وبعضها من الماء. قلت: الجواب: أنه لا تناقض في هذا ولا كذب- بحمد الله- عند من عرف وتبين ذلك ببيان معنى كل آية على انفرداها، ثم بيان الجمع بين الجميع.

_ - وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ .... الآية [سورة الحشر: 2]. [انظر حدائق الأنوار ومطالع الأسرار 1/ 47 - 48، والبداية والنهاية 4/ 75، وسيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 190، وتفسير ابن كثير 4/ 331]. (1) الآية رقم: 45. (2) الآية رقم: 54. (3) الآية رقم: 20. (4) الآية رقم: 11. (5) الآية رقم: 30.

أما قوله: واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «1» فنقول: الدابة في وضع اللغة كل ما دب ودرج. وفي عرف الاستعمال اللغوي: مختص بذوات الأربع كالفرس ونحوه، فإن حمل لفظ الدابة على هذا المعنى العرفي فلا إشكال في أنها من ماء، وهو الماء الذي ينزله الذكر في الأنثى وتنزله هي عند الوقاع «2». وإن حمل على الوضع اللغوي فالجواب من وجوه: أحدها: أن" من" في قوله مِنْ ماءٍ للسببية. بمعنى أن للماء مدخلا وتأثيرا بحقيقته أو بما هو من طبيعته في وجود كل دابة «3». وهذا صحيح. فإن كل دابة فهي حيوان، وكل حيوان لا بد فيه من رطوبة مائية بها تتقوم حياته، فيدخل في ذلك العقارب والخنافس ونحوها من الحشرات التي يقال إنها تتولد من التراب، لأنها وإن كانت متولدة من التراب إلا أنها لا تستغني عن رطوبة، هي من طبيعة الماء تقوّم حياتها. الوجه الثاني: أن نقول في الدابة وضعا ما قلناه في الدابة عرفا، وهو أن سائر أشخاصها مخلوقة من" ماء" الوقاع، لأن فيها ذكورا وإناثا قطعا، ولا فائدة للصنفين المذكورين إلا التناسل المعتاد بين سائر أصناف الحيوان، وما يقال: من أن بعض الدواب تخلف من التراب، فلا شك أنه قد قيل، ولكنا لم نشاهده فلا نقلد فيه. ولا عليه دليل قاطع من جهة العقل/، فإن شاهدناه أجبنا حينئذ بحسب ما ينبغي.

_ (1) سورة النور، آية: 45. (2) انظر تفسير القرطبي 12/ 291، وتفسير الطبري 18/ 155، وتفسير الشوكاني 4/ 42. (3) انظر تفسير القرطبي 12/ 291، وتفسير الشوكاني 4/ 42.

والذي رأيته في هذا: ما ذكر في تواريخ الأولين: أن الملك" سنحاريب" «1» رأى في منامه أن عقربا صعدت سريره فلدغته، فوقع عنه. فاستدعى بعض المعبرين فسأله عن رؤياه، فقال له: إنها تدل على أنه يغلب على ملكك/ رجل لا أصل له، لأن/ العقرب لا أصل لها، وإنما تخلق من التراب، فكان تأويله أن غلب فرعون على سنحاريب فأخذ ملكه، ولم يكن لفرعون أصل في الملك وإنما كان أبوه راعي غنم. هكذا قيل. لكن في هذا مناقشات كثيرة لا يعتمد عليها معها. الوجه الثالث: إن ثبت أن بعض الدواب مخلوق من غير الماء كان قوله تعالى: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «2» عاما مخصوصا بذلك أي أنه أطلق العام وأراد الخاص، وهو كثير كقوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... (62) «3» وخص بالعقل: ذاته وصفاته تعالى. وقوله: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ «4» - يعني الريح العقيم- وخص بالعقل السموات والأرض وغيرهما مما لم تدمره. وقوله: وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .. (23) «5» - يعني بلقيس- وخص بالعقل: ما لم تؤته من ملك سليمان وغيره.

_ (1) سنحاريب: هو ملك بابل والموصل في زمن النبي اشعيا- عليه السلام- ولما كثرت ذنوب بني إسرائيل ومرض ملكهم حزقيا فسلط الله عليهم سنحاريب فدخل بيت المقدس وحصل منهم ضرر كبير على بني إسرائيل ثم هزم سنحاريب ومات بعد سبع سنوات من رجوعه إلى بابل. [انظر البداية والنهاية 2/ 32 - 33، والأنس الجليل 1/ 147، والكامل في التاريخ 1/ 143 - 144]. (2) سورة النور، آية: 45. (3) سورة الزمر، آية: 62. (4) سورة الأحقاف، آية: 25. (5) سورة النمل، آية: 23.

والتخصيص لازم فيما حكاه الخصم من قوله في التوراة: إن الدواب خلقت من التراب، لأنا نقول: أي الدواب تريد؟ إن أردت مجموع جنسها أولا وآخرا في جميع أزمنة الوجود فهذا يكذبه العيان، لأنا نشاهد الدواب تتكون من ماء الذكر والأنثى. وإن أردت أنواع جنس الدواب الأول التي هي لأنواعها كآدم لنوع «1» البشر، وهو المراد لآن هذا الكلام في سفر الخليفة «2»، وهو إنما يذكر فيه أوائل الموجودات. وحينئذ يلزم التخصيص إن أريد باللام في" الدواب" الاستغراق. وإن أريد العهد- يعني أوائل أنواع الدواب- لم يكن فيه حجة على مناقضة القرآن إذ يصير تقديره: بعض جنس الدواب من التراب. والقرآن تضمن أن كل دابة خلقت من" ماء" فيخص أحد الكتابين الآخر، إن سلمنا صحة التوراة، وإلا لم/ يلزمنا ما فيها، بناء على ما سبق. وأما قوله: خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً .. «3» فإن حملنا لفظ (الدابة) على المعنى الوضعي دخل فيه البشر، واتفقت الآيتان. وإن حملناه على العرفي لم يتناول البشر، وكان في هذه الآية مفردا بالذكر على وفق ما ذكر في الدابة من الخلق من الماء، والمراد أنه خلق الإنسان من الماء يعني" مني" الزوجين وهو مشاهد.

_ (1) في (م): لأنواع. (2) أي سفر التكوين في التراجم الحديثة. وهو في الأصحاح الأول منه (3) سورة الفرقان، آية: 54.

وأما قوله: وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) «1» فجوابه من وجهين: أحدهما: أن" من" فيه للسببية والتقرير ما سبق في الوجه الأول من جواب قوله" خلق كل دابة من ماء". وأيضا: فإن حياة كل حي إما كاملة كحياة الإنسان وغيره من الحيوانات، أو قاصرة كحياة الزرع والنبات،/ وكل ذلك لا بد في تحقق حياته من/ الماء على ما هو مشاهد. الثاني: أن كل حي مخلوق من ماء الوقاع كما سبق في الوجه الثاني من جواب الآية المذكورة. ويمكن أن يحمل على إرادة الخاص بالعام كما سبق في الوجه الثالث هناك على تقدير أن يثبت من الأحياء ما ليس من الماء. وأما قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ... «2» فالمراد خلق أباكم- يعني آدم- من تراب بناء على ما قص «3» الله علينا في كتابه، وأجمع عليه المسلمون من أن آدم خلق من تراب، وإنما خاطبنا بذلك لأنا نسل آدم وولده، وحيث كنا كامنين فيه بالقوة كان خلقه من تراب كخلقنا من تراب وإذ تقرر الكلام على الآيات مفردة ظهر وجه الجمع بينها وأن لا تناقض فيها.

_ (1) سورة الأنبياء، آية: 30. (2) قال الله تعالى في سورة الروم الآية (20): ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ وفي سورة فاطر الآية (11): واللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً الآية. (3) في (أ): على ما نص.

فقوله في سورة الروم وفاطر: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ... يعني أصلكم وأباكم آدم، وقوله في الفرقان: .. خَلَقَ مِنَ الْماءِ .. يعني المني من الذكر والأنثى ... بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً ... (54) «1» وهو لا ينافي الخلق من تراب، لأن المخلوق من الماء غير المخلوق من التراب- على ما بيناه- ويدل عليه ما في سياق آية فاطر حيث يقول: واللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ .. «2». أي خلق أباكم آدم من تراب ثم خلقكم منه ومن غيره من ذريته من نطفة «3». وكذلك قوله تعالى: ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ .. يعني آدم .. مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) «4» أو يكون المراد بالإنسان ذريته خلقوا من سلالة وهي المني المستلّ من الأصلاب لكن أصل تلك السلالة من طين باعتبار آدم ثُمَّ جَعَلْناهُ يعني الإنسان غير آدم" نطفة" وهو المني ... فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) وهو الرحم ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً .. (14) «5» الآية.

_ (1) سورة الفرقان، آية: 54. (2) سورة فاطر، آية: 11. (3) انظر تفسير الطبري 22/ 122، وتفسير القرطبي 14/ 332. وغيرهما من كتب التفسير. (4) سورة المؤمنون، آية: 12. (5) ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [سورة المؤمنون، آية 13 - 14]، انظر فيما ذكر المؤلف من تفسير الآيات: تفسير الطبري 18/ 7 - 9، وتفسير القرطبي 12/ 109، وتفسير الشوكاني 3/ 476 - 477. وغيرها من كتب التفسير.

[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]

[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء] وقوله: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «1» وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) «2» قد سبق وجه المراد منهما. فحصل من ذلك: أنه لا تناقض في هذه الآيات ولا كذب. وأما قوله:" هذا تناقض والكذب لازم في إحدى القضيتين" فهذا قول من لا يعلم ما التناقض؟ ولا ما الكذب؟ فإن التناقض هو تقابل القضيتين بالسلب والإيجاب مع اتفاقهما في الجزء والكل والقوة والفعل والشرط والزمان والمكان والإضافة، ومتى اختل شيء من ذلك أمكن الجمع ولم يلزم التناقض، وأين اتفاق هذه الآيات كلها في هذه الأمور. والله أعلم. قال:" وفي سورة الحج «3»: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52). وذكر ما/ حكاه ابن عطية وغيره «4» في التفسير من أن النبي- عليه السلام-

_ (1) سورة النور، آية: 45. (2) سورة الأنبياء، آية: 30. (3) الآية رقم: 52. (4) كالطبري فقد ذكر القصة بعدد من الأسانيد مرسلة إلا واحد في اتصاله كلام: [انظر تفسير الطبري 17/ 186 - 189، وتفسير القرطبي 12/ 80، وله عليها كلام سنذكره قريبا- إن شاء الله-، وتفسير ابن كثير 3/ 229].

كان يتمنى أن يتبعه قومه ويؤثر هدايتهم، فلكثرة تمنيه ذلك ألقى الشيطان على لسانه في تلاوة سورة النجم حين قال:" ومناة الثالثة الأخرى: تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى" ففرح المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا بخير فلانوا له وكفوا عن أذاه وأذى أصحابه، فاتصل بمهاجرة الحبشة/- الهجرة الأولى- إن قريشا أسلمت، فجاءوا فوجدوا ما ألقاه الشيطان قد نسخ وعادت قريش إلى غلظها وشقاقها، فعاد الذين جاءوا من الحبشة إليها. وذلك سبب الهجرة الثانية. ولما علم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ما كان قاله من مدح الأصنام من إلقاء الشيطان اغتم لذلك فأنزل الله- سبحانه- تسلية له: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «1» الآية. قال: فتضمنت هذه القصة باطلين: أحدهما: الافتراء على الرسل في وصفهم بهذه المثلبة «2» من أن الشيطان تلبس عليهم في وحي الله- سبحانه- بما يقع به الغواية والإضلال للناس وحاشا الأنبياء من أن يكون للشيطان عليهم سلطان، خصوصا في تخليط الوحي عليهم. والثاني: إخباره بأن للأصنام شفاعة، ومدحها بذلك ثم ذكر حديثا زعم أن البخاري ذكره في باب العيدين ولم أجده فيه- فلعله قلد في نقله غيره، لكن

_ (1) سورة الحج: آية: 52. (2) من ثلب: لام وعاب وصرح بالعيب وقال فيه وتنقصه، والمثالب: العيوب وهي المثلبة: المسبة. والمثلبة. [انظر لسان العرب 1/ 241، والمصباح المنير 1/ 103].

الحديث صحيح في الشريعة. عن أبي هريرة «1» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الشيطان عرض لي في الصلاة ليقطعها عليّ، فأمكنني/ الله منه، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه». فذكرت قول سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ... (35) «2» قال:" فمن له هذا السلطان على الشيطان، كيف يتسلط عليه الشيطان فيعبث به هذا العبث، ويخلط عليه الوحي؟ " قال:" وقد تضمن هذا الحديث أن الشيطان متجسم. لقوله:" هممت أن أربطه إلى سارية" وهذا باطل لأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة كالملائكة والنفوس. وهذا قول الأنبياء والفلاسفة". هذا ما ذكره في هذا السؤال.

_ (1) الصحابي الفقيه الإمام المجتهد الحافظ الدوسي اليماني. اختلف في اسمه واسم أبيه وأرجحها أنه: عبد الرحمن بن صخر، أسلم في أول سنة سبع من الهجرة عام خيبر، كناه الرسول صلّى الله عليه وسلّم أبا هر، وكان الناس يكنونه أبا هريرة، فقد كانت له هريرة يلعب بها فكنوه بها. دعا لنفسه عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: اللهم إني أسألك علما لا ينسى. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «آمين» وحصل له ما أراد فكان سيد حفاظ السنة، كان أجرأ الصحابة على سؤال النبي صلّى الله عليه وسلّم توفي- رضي الله عنه- سنة سبع وقيل ثمان وخمسين للهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 2/ 578 - 632، والإصابة 4/ 202 - 211]. (2) سورة ص: 35. والحديث أخرجه البخاري في (العمل في الصلاة، باب ما يجوز من العمل في الصلاة) وأطرافه. وله ألفاظ أخرى في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وفي الصلاة، باب الأسر أو الغريم يربط في المسجد)، وغيرها من المواضع. وأخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب جواز لعن الشيطان ... حديث (39) بغير هذا اللفظ، وأحمد في المسند (2/ 298) بنحو لفظ مسلم، وأحد ألفاظ البخاري.

والجواب عنه: أما قصة إلقاء الشيطان على لسانه. ما ذكر في سورة النجم فقد استفاض نقلها بين الأمة، ورواها الثقات «1» ويدل على صحتها ما رواه

_ (1) أخرجها ابن سعد في الطبقات 1/ 205، وابن أبي حاتم والبزار" وقال لا نعلمه" [الشفاء 2/ 108] وابن المنذر وابن مردويه والنحاس وابن إسحاق في السيرة وأبو معشر في سيرته. [فتح الباري 8/ 439] وابن جرير في تفسيره (17/ 186 - 190) بطرق متعددة، بعضها موصولة وأكثرها مرسلة، وابن كثير في تفسيره (3/ 229) وقد صحح هذه القصة الطوفي- رحمه الله- وغيره من العلماء ولكن اختلف الناس في صحتها على قولين. قال ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح (1/ 179) عن هذه القصة:" هذا فيه قولان للناس منهم من يمنع ذلك ... وطعن في وقوع ذلك. ومن هؤلاء من قال: إنهم سمعوا ما لم يقله فكان الخطأ في سمعهم والشيطان ألقى في سمعهم. ومن جوز ذلك قال: إذا حصل البيان ونسخ ما ألقى الشيطان لم يكن في ذلك محذور ... " اهـ وقال ابن حجر بعد أن أورد أقوال العلماء فيها وطرقها في الفتح (8/ 439 - 440):" وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمراسيل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض. وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع منها مما يستنكر وهو قوله:" ألقى الشيطان على لسانه" تلك الغرانيق ... " فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه- صلى الله عليه وسلم- أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته" اهـ. وقال ابن عطية:" وهذا الحديث الذي فيه الغرانيق العلى وقع في كتب التفسير ونحوها، ولم يدخله البخاري ولا مسلم، ولا ذكره في علمي مصنف مشهور بل يقتضي مذهب أهل الحديث أن الشيطان ألقى، ولا يعنون هذا السبب ولا غيره، ولا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة، بها وقعت الفتنة" اهـ[تفسير القرطبي 12/ 81]. وقال القاضي عياض في الشفاء (2/ 107):" ... هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب-

البخاري «1» والترمذي وصححه «2» عن عكرمة عن ابن عباس قال:" سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سورة النجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". قلت: فسجود المشركين كان السبب المذكور «3» / لأنهم ظنوا أنه قد وافقهم بمدحه آلهتهم وصار الدين واحدا، أو أنهم سجدوا لآلهتهم إعظاما لما سمعوا من مدحها. وأما الجن فلعلهم جاءوا يستمعون القرآن كما حكى عنهم فيه. ولا محذور في هذه القضية بوجه من الوجوه لأن الأنبياء في الحقيقة بشر

_ - المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" اهـ. وقد أورد عدة روايات وأقوال تدل على عدم صحة القصة. وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 229):" ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح والله أعلم" اهـ. وقال القرطبي في تفسيره (12/ 80):" وليس منها شيء صحيح" اهـ قلت: مما تقدم يتبين لنا عدم صحة هذه القصة. وعلى فرض صحتها فليس للطاعنين بها متمسك إذ يكون المعنى: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. ويؤيد هذا أن تمنى في الآية بمعنى تلى." حتى إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ويحكم ما يريد" وقد قال بعض العلماء بذلك- والله أعلم-. (1) في كتاب: سجود القرآن، باب سجود المسلمين مع المشركين، وفي كتاب التفسير" تفسير سورة 53 - النجم- باب:" فاسجدوا لله واعبدون" [الآية: 62] عن ابن عباس. (2) في كتاب الجمعة، باب ما جاء في السجدة في النجم، عن ابن عباس، قال الترمذي:" وفي الباب عن ابن مسعود، وأبي هريرة. قال: أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح". (3) نقل ابن حجر في الفتح (8/ 614) عن الكرماني قوله:" وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا صحة له عقلا ونقلا" اهـ.

يجري عليهم الخطأ والنسيان ويتطرق عليهم الشيطان «1». وقد اختلف العلماء «2» في أنهم معصومون من المعاصي مطلقا أو من الكبائر فقط أو منها عمدا أو من الصغائر كذلك؟ وجوز بعض الناس عليهم الكفر بناء على أن مطلق المعصية جائز عليهم/ وهو كفر في خلاف كبير «3»، لكن اتفقوا على أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الوحي بحيث لا يلحقهم فيه خطأ،

_ (1) هذا في غير ما يبلغونه للناس من الشرائع، ثم إنهم ينبهون عليه أيضا. كما في قوله تعالى: عَبَسَ وتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى الآيات. قال ابن حزم- رحمه الله- في الفصل (4/ 6): " ونقول: إنه يقع من الأنبياء السهو عن غير قصد، ويقع منهم أيضا قصد الشيء يريدون به وجه الله تعالى، والتقرب به منه، فيوافق خلاف مراد الله تعالى إلا أنه تعالى لا يقر على شيء من هذين الوجهين أصلا، بل ينبه على ذلك ولا بد إثر وقوعه منهم، ويظهر عز وجل ذلك لعباده، ويبين لهم، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم في سلامه من اثنتين وقيامه من اثنتين، وربما عاتبهم على ذلك بالكلام كما فعل نبيه- عليه السلام- في أمر زينب أم المؤمنين، وطلاق زيد لها- رضي الله عنهما-، وفي قصة ابن أم مكتوم- رضي الله عنه- وربما يبغض المكروه في الدنيا كالذي أصاب آدم، ويونس- عليهما الصلاة والسلام-، والأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- بخلافنا في هذا فإننا غير مؤاخذين بما سهونا فيه، ولا بما قصدنا به وجه الله- عز وجل- فلم يصادف مراده تعالى، بل نحن مأجورين على هذا الوجه أجرا واحد". (2) ليس علماء السلف بل أهل الكلام أما السلف الصالح فإنهم متفقون على عصمتهم فيما يبلغون عن الله وعن الكبائر والفواحش. (3) انظر الفصل في الملل والنحل لابن حزم 4/ 5 - 59.

وإن لحقهم فيه خطأ بسهو منهم أو تلبيس من شيطان إنسي أو جني نبهوا عليه، ولم يقروا عليه، وهكذا جرى في هذه القصة وأخبر الله أنه يحكم آياته وينسخ ما يلقي الشيطان «1». وأما تشنيعه/ بقوله:" حاشى لله ومعاذ الله أن يتسلط الشيطان على الأنبياء بمثل هذا" فلعمري أن هذا ليس غيرة منه على الأنبياء ولا تعظيما لهم. فإن اضطرابه في هذا الكتاب بين الفلسفة والشرع يدل على أنه محلول الرابطة بالكلية أو مذبذب لا إلى هذا ولا إلى هذا. ولكن عنادا للإسلام كما قيل: وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرينا «2» ولعمري إن منصب الأنبياء محفوظ، ولكن هذا أمر جائز عليهم عقلا وشرعا، ولسنا نعطيهم ما ليس لهم ولا هم يرضون بذلك.

_ (1) اتفق السلف والأئمة وجمهور المسلمين على أن الرسل يجري عليهم من الخطأ والنسيان ما يجري على غيرهم في غير ما يبلغونه عن الله تعالى من وحي الله وشريعته، لأن عدم العصمة في ذلك مناقض لمقصود الرسالة، والخطأ فيه وإن لم يتعمد يخرج المبلغ عن الرسالة فلا يكون رسولا. لكن اختلفوا هل يجوز أن يقع من الغلط ما يستدركونه ويبينونه فلا ينافي مقصود الرسالة؟ كما نقل من ذكر" تلك الغرانيق العلى ... " وكما ذكره الطوفي هنا. والراجح والله أعلم أنه معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله عز وجل. [انظر الجواب الصحيح 1/ 178 - 180، وهامش ص: 398 من هذا الكتاب. (2) لم أعرف قائل هذا البيت مما اطلعت عليه من المراجع.

ولهذا قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» «1» يعني حيث اتخذوه إلها، ولكل أحد رتبة لا يتجاوزها فرفعه عنها إفراط ووضعه عنها تفريط. أما جواز ذلك عليهم عقلا فلأنه لا يلزم منه محال لذاته ولا لغيره. وأما جوازه شرعا فثبت في شرعنا: أن إبليس سلط على آدم فأخرجه من الجنة «2» وما ذكر في التوراة من أن الحية أغوته لا ينافي ذلك. لأن إبليس دخل في فم الحية إلى الجنة فأغواه «3». وورد في الآثار: أن موسى لما ذهب لمناجاة ربه على الجبل كان إبليس يدور حوله، فقال/ له بعض ملائكة الرب: ويحك يا إبليس بم تطمع من موسى وهو في هذا المقام؟ قال بما طمعت به من أبيه حين أخرجته من الجنة «4».

_ (1) أخرجه البخاري عن عمر- رضي الله عنه- في كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها ولفظه: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) وأخرجه الدارمي في كتاب الرقاق، باب قول النبي: «لا تطروني ... » عن عمر أيضا بلفظ: (لا تطروني كما تطرأ النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله» وأخرجه أحمد في المسند (1/ 23، 24) أحدهما بلفظ البخاري عن عمر أيضا. (2) قال تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ ... الآية [سورة البقرة، آية: 36]. (3) القصة في سفر التكوين الأصحاح الثالث. وأوردها ابن جرير في تفسيره (1/ 235) عن وهب ابن منبه. (4) لم أجد هذا الأثر.

وسلط على أيوب حتى أتلف جسده وماله امتحانا من الله له بالصبر «1» وسلط بعض الشياطين على سليمان فأخذ خاتمه وألقاه في البحر بعد أن ألقى عليه شبه/ سليمان فجلس على كرسيه أياما «2». وذلك تأويل قوله تعالى: ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) «3» وكان سليمان مسلطا على أصناف العالم. وبهذا يحصل الجواب عما ذكره في سياق حديث البخاري. وقوله فيما سيأتي من كلامه:" هذا من الخرافات التي جاء بها القرآن" دعوى مجردة، غاية مستنده فيها سكوت التوراة وكتب الأوائل عنها، وذلك في الحقيقة استدلال على نفي العلم الوجودي بالجهل العدمي، وهو قلة معرفة بالمناظرة.

_ (1) هذه القصة من الإسرائيليات المروية عن وهب بن منبه أوردها المفسرون كالطبري في تفسيره (17/ 57) وانظر سفر أيوب الأصحاح الأول والثاني والثالث. وقد ذكر الله في القرآن الكريم قصة صبر أيوب وما ابتلاه به قال تعالى: وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وآتَيْناهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ [سورة الأنبياء: 83 - 84] وقال تعالى: واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ (42) ووَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [سورة ص، آية: 41 - 44]، وذكر المفسرون عند تفسير هذه الآيات شيئا مما تعرض له من الابتلاء. والله المستعان. (2) هذه القصة من الإسرائيليات التي ذكرها المفسرون منهم ابن جرير في تفسيره (13/ 157، 158)، وابن كثير في تفسيره أيضا (4/ 34 - 37) وقال:" وهو غريب جدا". اهـ. (3) سورة ص، آية: 34.

وقد صح عندكم في الإنجيل: أن المسيح لما اعتمد من يوحنا المعمداني سلط عليه الشيطان امتحانا له. فقال له:" إن كنت محفوظا فألق نفسك من أعلى هذا الهيكل. فقال له: مكتوب لا تمتحن ربك. وقال له: اسجد لي وأعطيك ممالك العالم كلها- وكانت قد رفعت له- فقال له يسوع: مكتوب اعبد ربك وحده" «1». معنى القصة هذا. وإذا جاز أن يتعرض الشيطان للأنبياء ويسلمون منه فما المانع من «2» أن يتعرض لهم، وينال «3» منهم. بل هذا ألزم عليكم. لأن المسيح عندكم هو الله أو ابن الله، وقد عارضه الشيطان حتى لقي منه شدة على ما أشار إليه الإنجيل، أو صرح به فالأنبياء لا يبعد أن ينال/ منهم ثم يتداركهم الله بعصمته. وقد سحر نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم بعض شياطين اليهود «4» حتى أثر ذلك في أفعاله، ثم شفاه الله تعالى «5» من ذلك «6»، وأنزل عليه

_ (1) إنجيل متى أول الأصحاح الرابع. (2) من: ساقطة من (م). (3) في (أ): وبيان منهم. (4) هو من بني زريق واسمه: لبيد بن الأعصم، قيل: كان من اليهود وقيل كان من حلفاء اليهود وقيل كان يهوديا وأسلم نفاقا. والصحيح أنه يهودي من بني زريق كما صرح بذلك مسلم في روايته للحديث. (5) كلمة:" تعالى" ليست في (أ) و (ش). (6) أخرجه البخاري في الطب باب السحر عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: سحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند-

المعوذات «1». وبالجملة. الأنبياء بشر، والبشر عرضة لهذه الآفات وغيرها. ثم يتدارك الله بعصمته من شاء./ وإذا كان إلهكم المسيح سلط عليه شياطين اليهود، الذين كيدهم دون كيد الشيطان الحقيقي بكثير فصلبوه وأهانوه ودفن ثم بعث ثلاثة أيام- على زعمكم- فكيف لا يتطرق على الأنبياء- الذين هم دون رتبة الإلهية بكثير- شيطان الجن الذي هو أقوى كيدا من شياطين الإنس بكثير؟ «2» هذا مما لا يحيله عاقل ولا عادل.

_ - رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجفّ طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعه الحناء، وكأن رءوس نخلها رءوس الشياطين. قلت: يا رسول الله، أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت" وأخرجه أيضا في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس، وفي كتاب الأدب باب قول الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ... وفي الدعوات، باب تكرير الدعاء. بألفاظ غير هذا اللفظ. وأخرجه مسلم في كتاب السلام باب السحر حديث 43، وأخرجه ابن ماجه في الطب، باب السحر بلفظ مسلم، وأحمد في المسند (6/ 57) بلفظ مسلم أيضا. (1) هكذا في النسخ الثلاث بالجمع والصواب: المعوذتين. وعبارة:" وأنزل الله عليه ... " في الأثر الذي أورده الإمام الثعلبي في تفسيره:" وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين- يعني الفلق والناس- فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ... " الخ روايته [انظر تفسير ابن كثير 4/ 574]. وذكره الواحدي في أسباب النزول ص 346 - 347، من غير إسناد. (2) روي أثر منقطع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عند ما سأله أبو ذر: «وهل للإنس من شياطين قال: نعم هم شر من شياطين الجن» ولكن الصحيح ما قاله المؤلف- والله أعلم- أن شياطين الجن أضر على الإنس لملازمتهم الناس كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في كتاب صفات-

ثم نقول لهذا الخصم: ما نرى مثلك في تنزيهك للأنبياء عما ذكرت إلا ما حكي عن بعض النساء الخفرات «1» أنها «2» مرت على رجال فاستحيت منهم فكشفت ثوبها عن استها حتى غطت وجهها، وكرجل قال لرسوله: إذا وصلت إلى فلان فسلم لي عليه وصك لي قفاه. فإنك تنزه الأنبياء عن أن يتعرض لهم الشيطان تعرضا مأمون العاقبة متداركا بالعصمة الإلهية. ثم إنك تصدق ما في التوراة من أن روبيل «3» بن يعقوب وطئ سرية أبيه، ونجس فراشه «4». وأن يهوذا وجد كنته- زوجة ابنه- على الطريق في صورة زانية فزنى بها بجدي ثم رهنها به «5» خاتمه وعمامته وقضيبا كان في يده، ثم إنه لما ظهر حملها أمر برجمها «6» فلما عرّفته أن الحمل منه وأرته العلامة أمر بتركها «7».

_ - المنافقين حديث 69:" ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك يا رسول الله" قال: «وإياي إلا أن الله قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير» أما شياطين الإنس فلا يلازمون الإنسان في كل وقت ملازمة شياطين الجن. (1) من الخفر وهو شدة الحياء. [لسان العرب 4/ 253، ومختار الصحاح 182]. (2) أنها: ساقطة من (م) و (ش). (3) في التراجم الحديثة: رأوبين. (4) انظر سفر التكوين الأصحاح الخامس والثلاثين. (5) به: ليست في (م). (6) في التراجم الحديثة أنه أمر بحرقها. (7) انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين.

وأن عظيم ساليم قرية سجيم «1» زنا ببنت يعقوب ثم خطبها، وأن ذلك أغضب إخوتها حتى خدعوهم باقتراح الختان/ عليهم، ثم دخلوا وهم مرضى من ألم الختان فقتلوهم، وأخذوا أموالهم «2». وأن لوطا لما نجا من عذاب قومه أسقته ابنتاه الخمر، ثم ضاجعتاه فوطئهما فأحبلهما «3». وهذا منصوص مصرح به في التوراة التي بأيديكم وأنتم مع ذلك تحتجون علينا بما فيها. وهذه حكايات- والله- يتنزه سوقة «4» الناس ورعاعهم وأراذلهم عنها. بل عما هو دونها. وأنتم تنسبونها إلى الأنبياء فلعن الله من قال ذلك، ومن يصدقه، فما أسرع ما نسيتم العدل والإنصاف الذي أمركم به المسيح في الإنجيل. لقد أطعتموه في ذلك كما أطاعته اليهود حيث فعلوا به ما فعلوه من الإهانة والصلب «5» فعليكم جميعا من الله ما تستحقونه. فإن صدّقت بما في التوراة من هذا الهذيان فيكفيك ذلك جهلا وحمقا وقلة

_ (1) في التراجم الحديثة: شكيم. (2) انظر سفر التكوين الأصحاح الرابع والثلاثين. (3) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع عشر. (4) في (م):" يتنزه عنها سوقة الناس" والسّوقة: الرعية من دون الملك سموا سوقة لأن الملوك يسوقونهم فينساقون لهم. يقال للجماعة والواحد والمذكر والمؤنث. [انظر لسان العرب 10/ 170، ومختار الصحاح: 323، والمصباح المنير 1/ 350. (5) هذا على زعم النصارى واليهود.

عقل، وسخافة رأي وزندقة؛ حيث تنسبون الأنبياء المعصومين المعظمين إلى المكر والخداع والزنا بالأجانب وبالبنات وسراري الآباء، وإن لم تصدقوه فكيف تحتجون علينا بكتب فيها مثل هذا الفشار؟ «1». قوله:" تضمنت هذه القصة باطلين. أحدهما: نسبة الرسل إلى هذه المثلبة والافتراء عليهم بذلك". قلنا قد بينا أن هذا لا غضاضة عليهم فيه، وليس هذا افتراء عليهم لأنه نبي معصوم مثلهم. وقد أخبر عنهم بما أوحي إليه. وأما الباطل الثاني وهو إخباره بأن للأصنام شفاعة فليس ذلك من إخباره، وإنما الشيطان أخبر به على لسانه. وقد بينا أن لا محذور في ذلك ثم نسخه الله. وإنما كان يتجه القدح أن لو لم ينسخ واستمر لكنه لم يستمر بحمد الله./ وفسر بعض العلماء إلقاء الشيطان في أمنيته وعلى لسانه بأنه/ نطق بما نطق به مقارنا لنطقه فاشتبه صوته بصوته «2». وهو أولى ما يقال. وبهذا يلتغي «3» المحذور بالأصالة جدا، ثم ننبه هاهنا لدقيقة وهي أن قوله تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «4» لا يقتضي

_ (1) الفشار: كغراب: عامية تستعمل بمعنى الهذيان. [انظر تاج العروس 3/ 470]. (2) هذا على فرض صحة القصة وإلا فقد نقلت أقوال العلماء في بطلانها فيما سبق. (3) في (أ): يكتفى. وفي (ش): ينتغي. (4) سور الحج، آية: 52.

أن «1» كل رسول ونبي تمنى وألقى الشيطان في أمنيته،/ بل يقتضي أن من وجد منه التمني كما وجد منك" ألقى الشيطان في أمنيته" كما ألقى في أمنيتك وذلك لأن الإلقاء وقع في جواب إذا الشرطية التي ينتفي مشروطها لانتفاء شرطه، فحينئذ نقول: قد يوجد التمني من بعض الأنبياء فيوجد الإلقاء من الشيطان وقد لا يوجد التمني فلا يوجد الإلقاء. هذا مقتضى الآية لفظا «2». أما عقلا فيقتضي أن كلهم تمنوا وكلهم ألقي في أمنيته لأن الله سبحانه بعثهم رحمة للخلق، فمن المحال عادة أن نبيا يبعث إلى أمة، ولا يتمنى رشادها «3» وهداها واتباع ما جاء به من الحق، وترك هواها. وأما قوله في حديث البخاري:" من له هذا السلطان على الشيطان؟ كيف يعبث به الشيطان هذا العبث؟ " فقد سبق جوابه عند ذكر عبث الشيطان بسليمان،

_ (1) أن: ليست في (أ). (ش). (2) قلت: ثم تمنى قد جاء تفسيرها عن ابن عباس بمعنى حدّث وقرأ فيكون المعنى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه أو قراءته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ... ، [انظر صحيح البخاري كتاب التفسير 22 سورة الحج، وتفسير السعدي 5/ 309]. (3) التمني له معنيان يقال: تمنى: أي: قرأ، أو قال، أو تلا، أو حدّث ويقال: تمنى: اشتهى حصول الأمر المرغوب فيه، وهو حديث النفس بما يكون وما لا يكون، وتمنى الشيء أراده، والآية على المعنى الأول، وليس على الثاني كما سار عليه المؤلف هنا، فإنه غير المقصود في الآية. [انظر لسان العرب 15/ 294 - 295، وتفسير القرطبي 2/ 6، وتفسير ابن كثير 3/ 230].

ونزيد هاهنا بأن نقول: هو وإن كان له على الشيطان هذا السلطان لكن يجوز أن يسلط عليه الشيطان بإذن الله لحكمة. وقد بين الله سبحانه الحكمة في ذلك حيث يقول: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... (53) «1» يعني الكفار والمنافقين كانوا قد أيسوا من محمد أن يعبد آلهتهم،/ أو يسكت عن ذمها، وقد ضجر بعضهم وهمّ أن يدخل في الإسلام فألقى الشيطان على لسانه «2» مدح الأصنام ليظنوا أنهم منها على شيء فيتمسكوا بعبادتها، وأن لها قدرا عند محمد، فيطمعون في إجابته إلى عبادتها أو الكف «3» عنها، فأمسك من كان أراد الدخول في الإسلام عنه بهذا السبب حتى مات كافرا، وظنوا أن رجوع محمد عن مدحها بعد إلقائه على لسانه عناد لها ورجوع عن الحق في أمرها «4». وهذه الآية من أكبر الأدلة على إثبات القدر. وسيأتي عند ذكر هذا الخصم له.

_ (1) سورة الحج، آية: 53. (2) قال الإمام القرطبي في تفسيره (12/ 82):" والذي يظهر ويترجح في تأويلها على تسليمه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلا، ويفصل الآي تفصيلا في قراءته كما رواه الثقات عنه، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكيا نغمة النبي صلّى الله عليه وسلّم. بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذم الأوثان وعيبها ... " اهـ. (3) في (ش): والكف. (4) كل هذا الكلام الذي ذكره الطوفي بناء على ما رآه من صحة القصة، ولذلك بنى رده على النصراني في هذه المسألة على أنها صحيحة، وليست كذلك- والله أعلم-.

[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]

[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك] وأما قوله:" تضمن هذا الحديث أن الشيطان متجسم": قلنا: نعم. قوله: هذا باطل: لأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة. قلنا: عن المادة العنصرية الكثيفة التي هي كمواد الآدميين؟ أو عن المادة مطلقا؟. الثاني: ممنوع. والأول: مسلم فإن لهم مادة لطيفة، وكذا الملائكة فإن الشياطين خلقوا من نار، والملائكة من نور، كما صح في السنة النبوية «1». ثم كيف تصح دعوى تجردهم عن المادة مطلقا. وقد ذكر في الأناجيل في نحو عشرين موضعا. منها: أن المسيح كان يخرج الشياطين من الناس/ وأن بعض الشياطين استغاث منه وقال:" ما لنا ولك يا مسيح ابن الله" «2» وأنه أخرج الشياطين في بعض المرات/ إلى قطيع خنازير فأخذوها حتى رموها في البحر فغرقت «3»، وأنه أخرج من" مريم المجدلية" سبع شياطين، ولذلك لازمت خدمته حتى مات، وكانت أول من رآه بعد قيامه من

_ (1) أخرج مسلم في الزهد، باب في أحاديث متفرقة حديث رقم 60، وأحمد في المسند (6/ 153) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم» وهذا لفظ مسلم. (2) انظر إنجيل مرقس الأصحاح الخامس. (3) انظر إنجيل مرقس الأصحاح الخامس.

الأموات، وبشرت «1» به التلاميذ «2». فهل يصح عند عاقل/ أن يدخل في الحيوان ويخرج منه ويستغيث ويصوت إلا جسم؟. وأما قوله: إن هذا هو قول الأنبياء والفلاسفة. فهو كذب وافتراء على الطائفتين، أما على الأنبياء فلأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا يرون الملائكة أجساما «3». وقد صرح في التوراة أن" يعقوب" لما عاد من" حوران" إلى" كنعان" عرض له عند قرية" بالق" «4» رجل فصارعه إلى أن أسفر الصبح وقال له في آخر القصة:" أنت إسرائيل لأنك قاومت الملك والرجل" «5». فنقول: هذا: إما ملك أو شيطان، وأيهما كان بطلت دعوى هذا في أن ما ذكره مذهب الأنبياء. لكن رأيت بعض النصارى قد تدمّغ «6» وزعم أن المصارع ليعقوب هنا كان هو الله وهذا رأي المجانين، وهو نظير قولهم إن المسيح هو الله، وبذلك استدل على هذا.

_ (1) في (ش)، (أ): وبشر به التلاميذ. (2) انظر الأصحاح السادس عشر من إنجيل مرقس. (3) قال الله تعالى: ونَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ الآيات [سورة الحجر 51 - 60]. (4) في التراجم الحديثة: يبّوق. ولم أجد لها ذكرا. (5) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني والثلاثين. (6) المدمغ: الأحمق: كأن الشيطان دمغه ... سمى دميغ ومدموغ لوفور حمقه. فدمغ: كثر فيه الحمق ... وكأن الشيطان غلبه حتى قهره. فعلى هذا يكون معنى" تدمّغ" أي: بالغ في الحمق، والله أعلم. [تاج العروس 6/ 8 - 10].

[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]

يعني: أن الله سبحانه «1» لا يظهر للناس حتى يتأنس بهم ويظهر في مظاهرهم. وأما على الفلاسفة فلأنهم يزعمون: أن الملائكة قوى الأفلاك، والشياطين قوى النفوس الأمارة «2». والله أعلم. [بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام] قال:" ولقد قال «3» في إخباره عن ملك سليمان خرافات. أفصح بها القرآن من ذلك في سورة النمل: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ إلى قوله: ... وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «4» وذكر كلاما يتعلق بتفسير ذلك عن ابن عطية حكاه عن ابن سلام وابن عباس وغيرهما. ثم قال:" فانظر بعقلك أيها المسترشد إلى هذه الحكاية، وما تحتوي عليه من الأمور التي لو كانت لسليمان أو بعضها لسبق ذكر ذلك في المصاحف لأنها من العجائب التي تتوفر الدواعي على نقلها. فعلم أن تلك خرافات/ موسوسة".

_ (1) " سبحانه" مكررة في (أ). (2) قال ابن القيم- رحمه الله- في إغاثة اللهفان (2/ 261):" وإنما الملائكة عندهم- أي الفلاسفة- ما يتصوره النبي بزعمهم في نفسه من أشكال نورانية، هي العقول عندهم، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه" وذكر أنهم ينفون أن يعملوا شيئا أو يؤمروا بشيء ثم قال:" وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام فقال: الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد. والشياطين هي القوى الشريرة الرديئة" اهـ. (3) «قال» ليست في (أ)، (م). (4) سورة النمل، آية: 16 - 44.

قلت: أما ما ذكره ابن عطية وغيره من المفسرين فلسنا بصدد الجواب عنه، لأنا لسنا على يقين من صحته، وهم ليسوا معصومين. وإنما نحن بصدد الجواب عن القرآن الكريم، الصادر عن المعصوم «1» على لسان المعصوم بواسطة المعصوم «2». والجواب: أن ما ذكر في سورة النمل وغيرها من سور القرآن من الحكايات «3» / والقصص والعجائب ممكن أخبر به الصادق. وكل ممكن أخبر به

_ (1) العصمة لغة: المنع يقال: عصمته عن الطعام: منعته عن تناوله، وعصمته من الكذب أي منعته منه، ومنه قوله تعالى: قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وحالَ [هود، آية: 43] أي لا مانع. وفي الحديث الذي رواه البخاري في الإيمان باب 17 ومسلم في الإيمان حديث 34 - 36، وغيرهما" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله" أي منعوا مني دماءهم. وهي في الاصطلاح: حفظ الله لأنبيائه ورسله عن الوقوع في الذنوب والمعاصي وارتكاب المحرمات. [النبوة والأنبياء للصابوني ص 53، 54، ولسان العرب 13/ 403 - 404]. قلت: ومن هذا التعريف يظهر أن لفظ" معصوم" اسم مفعول من عصم ويدل على أن غيره عصمه فاطلاقه في حق الله غير صحيح، لأنه هو العاصم لغيره سبحانه، وإن كان كثير من العلماء يطلقونه على أنه صاحب الكمال سبحانه الذي لا صدر منه كذب ولا نقص، ولكن الأولى عدم اطلاق لفظ" معصوم" على الله لما ذكرنا. والله أعلم. (2) جبريل عليه السلام. (3) الحكايات: جمع حكاية من حكيت الشيء حكاية إذا أتيت بمثله على الصفة التي أتى بها غيرك فأنت كالناقل. [انظر لسان العرب 14/ 191 والمصباح المنير 1/ 176] قلت: والحكاية تستعمل عادة في الأخبار غير الصحيحة أو التي سمعت من الناس دون معرفة صحتها. وهذا لا يليق أن نعبر به عما في كتاب الله من الأخبار الموحى بها. والمؤلف هنا قال حكايات تنزلا لا موافقة للنصراني. والله أعلم.

الصادق فهو حق واقع. فما ذكر في سورة النمل وغيرها حق واقع. أما إمكانه فلا نزاع فيه عند من سمعه من العقلاء. إذ الممكن ما لا يلزم من فرض وقوعه محال. وأما/ كون الذي أخبر به صادقا فلوجوه: أحدها: ظهور المعجزات الخوارق على يديه. وسنذكرها، وبرهان إثباتها فيما بعد عند قدحك في القرآن في شرط المعجز. الثاني: ما اشتهر من أن قريشا ما كانت تسميه منذ كان صبيا حتى ادعى النبوة إلا الأمين «1» وإنما كذبوه فيما بعد ذلك، لكونه أخبرهم بحقائق إلهية لم تدركها عقولهم. وذلك جهل منهم بأحكام الشرائع. وأنت قد قدمت عند بيان ضرورة النبوة: أن العقل لا يستقل بمعرفة الحقائق الإلهية بدون تأييد إلهي وكتكذيب اليهود للمسيح، وكان صادقا. الثالث: الطريق التي استدل بها" هرقل" «2» ملك الروم على صحة نبوته. وأنا أسردها بكمالها تكميلا لفائدتها: قال البخاري: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع «3»، قال: أخبرنا

_ (1) وكانوا يسمونه: الصادق. (2) هرقل: هو ملك الروم. وهذا اسمه ولقبه: قيصر، كما يلقب ملك الفرس كسرى. [فتح الباري 1/ 32]. (3) أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي، اشتهر بكنيته، يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب بن أبي حمزة الآتي ذكره- وأبو اليمان ثقة ثبت، توفي- رحمه الله- سنة إحدى عشرة ومائتين، وقال البخاري وغيره سنة اثنتين وعشرين ومائتين من الهجرة. [انظر تهذيب التهذيب 2/ 441 - 443، وسير أعلام النبلاء 10/ 319 - 325].

شعيب «1» عن الزهري «2» قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود «3» أن عبد الله بن/ عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب «4» أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام، في المدة التي كان

_ (1) أبو معشر شعيب بن أبي حمزة الأموي الحمصي. أحد العبّاد، قال ابن معين:" من أثبت الناس في الزهري" توفي سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة. وقيل: سنة ثلاث وستين ومائة. [انظر تهذيب التهذيب 4/ 349، وسير أعلام النبلاء 7/ 187 - 191]. (2) أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، من بني زهرة بن كلاب من قريش، المدني أول من دون الحديث من كبار الحفاظ والفقهاء من التابعين، روي عنه أنه قال: " ما استودعت قلبي شيئا فنسيته قط" ومن أقواله:" العلم ذكر لا يحبه إلا الذكور من الرجال" كان زاهدا في الدنيا، وكانت ولادته في آخر خلافة معاوية في سنة ثمان وخمسين من الهجرة. في سنة وفاة عائشة- رضي الله عنها-. [انظر صفة الصفوة 2/ 136 - 139، وسير أعلام النبلاء 5/ 326 - 350]. (3) أبو عبد الله الهذلي أحد فقهاء التابعين بالمدينة جده عتبة هو أخو عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال الزهري ما جالست عالما إلا ورأيت أني أتيت على ما عنده إلا عبيد الله ... فاني لم آته إلا وجدت عنده علما طريفا" توفي سنة تسع وتسعين للهجرة وقيل غير ذلك. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 1/ 312، وسير أعلام النبلاء 4/ 475 - 479]. (4) ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ... رأس قريش وقائدهم يوم أحد والخندق ... ولكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف. ثم بعد أيام صلح إسلامه. وشهد قتال الطائف فقلعت عينه حينئذ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك، وكان يومئذ يحرض المسلمين على الجهاد فكان يصيح:" يا نصر الله اقترب" وكان يومها تحت راية ولده يزيد، توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل غير ذلك. [انظر سير أعلام النبلاء 2/ 105 - 107].

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ «1» فيها «2» أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء «3» فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا. قال: ادنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل «4» لهم إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشرف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة «5» لدينه بعد أن يدخل فيه «6»؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في/ مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكّني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت:

_ (1) في (ش) هادن. (2) مادّ أبا سفيان: أي صالحه، وقد كان الصلح من قريش مع النبي صلّى الله عليه وسلّم عشر سنين، وقيل: أربع سنين ثم نقضت قريش العهد. [انظر فتح الباري 1/ 34]. (3) ايلياء: اسم من أسماء مدينة بيت المقدس، عبري. قيل: معناه بيت الله. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 20، ومراصد الاطلاع 1/ 138]. (4) في (أ): قال لهم. (5) سخطة: ليست في (أ): والسخطة من السخط: الكراهية للشيء وعدم الرضا به. [انظر لسان العرب 7/ 312 - 313، والمصباح المنير 1/ 319]. (6) فيه: ليست في (أ).

الحرب بيننا وبينه سجال «1»، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب/ وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك؟ هل أحد منكم قال هذا القول؟ فذكرت أن لا. فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي «2» بقول قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه من «3» ملك؟ فذكرت أن لا، فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألت: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا. فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله./ وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد سخطه لدينه، بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا. وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب «4». وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا

_ (1) سجال: بكسر أوله: أي نوب، من ساجل الرجل الرجل: باراه، وأصله في الاستقاء بالدلو، والمساجلة: المفاخرة بأن يصنع مثل صنيعه في جري أو سقي أو غير ذلك. [انظر فتح الباري 1/ 36، ولسان العرب 11/ 326، والمصباح المنير 1/ 317]. (2) اتسى به: جعله أسوة، أي: اقتدى به. [انظر لسان العرب 14/ 35 - 36، ومختار الصحاح ص 17]. (3) من: ليست في (م). (4) أي: يخالط الإيمان انشراح الصدر. [انظر فتح الباري 1/ 36].

وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف. فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت «1» لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدمه" «2». قلت: فهذا حديث صحيح ثابت بإجماع المسلمين، ويستحيل عادة اختلاق مثله. ثم لو سلم أنه مختلق، لكن هذه القضايا التي فيه مشهورة مثل أنه لم يكن في قومه/ نبي «3» ولا ملك، وأنه غير كاذب ولا غادر ونحوها. ووجه الاستدلال منها ظاهر جدا، فلو وفق النصارى كلهم لما وفق له هذا الملك «4»، لأفلحوا كل الفلاح، ثم مقصودنا منه: استدلاله على صدقه بقوله: " لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله"./ وهكذا النجاشي ملك الحبشة لما سمع ما أنزل على محمد في سورة مريم من صفة المسيح حيث يقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) «5»

_ (1) لتجشمت: أي تكلفت الوصول إليه. [انظر فتح الباري 1/ 37، ومختار الصحاح ص 105]. (2) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، الباب السادس، وفي الجهاد، باب قوله تعالى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا ... بلفظ مقارب للفظ الأول وأطرافه في مواضع أخرى من صحيحه. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب كتاب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل بلفظ مقارب لهذا اللفظ، وأحمد في المسند (1/ 262) بنحوه. (3) كلمة:" نبي" ليست في (أ). (4) هذا الملك وفق لمعرفة الحق دون الانتفاع به، وليس في هذا فلاح. (5) سورة مريم، آية: 30.

الآيات. قال:" ما عدا المسيح ما قال هذه" يعني عوده في يده «1»، وبكى في حديث طويل، وهو حديث أم سلمة «2» عند هجرتهم إلى الحبشة، وفيه وفي أصحابه أنزل الله سبحانه «3»: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ... إلى قوله: وإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ... (83) «4».

_ (1) في (ش):" قوله في يده، وفي (أ): في يده وفي أصحابه. وفي مسند أحمد فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودا ثم قال:" ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود". (2) أم المؤمنين هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله المخزومية بنت عم خالد بن الوليد- رضي الله عنه- من المهاجرات الأول إلى الحبشة كانت زوجة لأخي النبي صلّى الله عليه وسلّم من الرضاعة أبي سلمة عبد الأسد المخزومي- رضي الله عنه-. دخل بها النبي صلّى الله عليه وسلّم في سنة أربع من الهجرة، وهي آخر من مات من أزواجه صلّى الله عليه وسلّم بعد مقتل الحسين سنة إحدى وستين وقيل تسع وخمسين للهجرة. [انظر الاستيعاب 4/ 1939 - 1940، وسير أعلام النبلاء 2/ 201 - 210]. (3) هذه القصة في حديث أخرجه أحمد في المسند (1/ 201 - 203)، (5/ 290 - 292) ويسمى حديث الهجرة والقصة مشهورة قد رواها أصحاب السير كابن إسحاق وغيره، من طريق أم سلمة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 24 - 27) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح" اهـ. وقال أحمد البنا في الفتح الرباني (20/ 229). الحديث صحيح ... " اهـ. قلت: والقصة ليست سبب نزول الآية كما قد يفهم من سياق المؤلف- رحمه الله- لأن الآية مدنية، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة إلى المدينة [انظر تفسير ابن كثير 2/ 85]. (4) سورة المائدة، آية: 82 - 83.

فهؤلاء ملوك النصارى يعترفون بالحق، ويصيرون إليه، فلا عبرة بقدح حثالتهم ورعاعهم. وإنما قلنا: إن كل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع لوجهين: أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك لم يكن لأحد وثوق بإخبارات الله ورسله وليس كذلك. الثاني: لو لم يكن كذلك لم يكن المخبر صادقا. لكنا فرضناه صادقا. هذا خلف. وأما قوله:" لو كانت هذه الأمور لسليمان لسبق «1» ذكرها في المصاحف" فجوابه سبق في غير موضع. وهو أن هذا استدلال «2» على الوجود المحض بالعدم المحض وهو جهالة. وكم من واقعة عظيمة وغيرها قد وقعت/ في ملك الله لم تذكر في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن. وقد قال الله سبحانه لمحمد- عليه السلام- في القرآن: ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) «3» وقال لليهود لما سألوه عن الروح: ... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «4».

_ (1) لسبق: ليست في (أ). (2) في (أ): أن هذا الاستدلال. (3) عبارة: وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً ليست في (م)، والآية في سورة النساء، آية: 164. (4) سورة الإسراء، آية: 85.

[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]

[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين] قال:" وفي سورة الأحقاف «1»: وإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ... (29) وفي سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) الآيات. وذكر «2» ما ذكره ابن عطية وغيره في تفسير هذا من رمي مسترقي السمع لمبعثه صلّى الله عليه وسلّم وأنهم تفرقوا ينظرون ما السبب؟ فوجدوا النبي- عليه السلام- يقرأ فعلموا أنه سبب منعهم «3»، وذكر حديث مسلم من رواية ابن مسعود قال: فقدنا النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقلنا: اغتيل «4»، أو

_ (1) الآية: 29. (2) في (أ): وذكره ما ذكره .... (3) يقصد المؤلف بذلك الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الآذان، باب الجهر بقراءة صلاة الفجر، وفي كتاب التفسير، تفسير سورة: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: (انطلق النبي صلّى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استعموا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ولَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً فأنزل الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ وانما أوحي إليه قول الجن» وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح، والقراءة على الجن، وأخرجه الترمذي في كتاب التفسير، باب سورة الجن، وفي لفظه زيادة عنهما وأخرجه أحمد في المسند (1/ 252). (4) اغتيل: أهلك سرا. واغتاله أهلكه سرا. [انظر لسان العرب 11/ 507، وشرح صحيح مسلم 4/ 170].

استطير «1»، فلما كان وجه الصبح إذا هو يجيء من قبل حراء، فقال: إنه" أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. قال/ الشعبي: سألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال:" كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم" قال:" فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن" «2» ورواه أحمد «3». قال:" وقد تقدم العلم بأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة فكيف تصطلي بالنار وتركب الدواب، وتغتذي بنخر العظام؟ إن «4» وافقك عقلك على أن هذا حق فتزحزح عن الآدميين والحق بالبهائم". قلت: الجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أنا قد بينا فيما تقدم أن الشياطين/ ليست مجردة عن المادة مطلقا بل إن صح أن لها تجردا عن المادة فعن الكيفية. وحينئذ يجوز «5» أن يرد عليها هذه

_ (1) افي (ش): اغتيل استطير، قلت: استيطر: طارت به الجن، من استطار إذا انتشر في أفق السماء. [انظر لسان العرب 4/ 512 - 513، وشرح صحيح مسلم 4/ 170]. (2) أخرجه مسلم في الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن حديث 150: بسنده عن علقمة قال: سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجن؟ ... الخ والترمذي في تفسير سورة الأحقاف وبعضه في الطهارة باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به، وأخرجه أحمد في المسند (1/ 436) ولم يلتزم الطوفي عند إيراد الحديث بلفظ أحدهم. (3) تقدمت ترجمته ص: 56 في القسم الدراسي. (4) إن: ليست في (أ). (5) «يجوز» ليست في (ش).

الأفعال بحسب مادتها. ودلالة الإنجيل قاطعة في نحو عشرين موضعا منه على عدم تجردها. كما سبق. الثاني: أن الباري- سبحانه وتعالى- إن قلتم ليس مجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة والشياطين أكمل منه. وإن جردتموه عن المادة فقد جوزتم تأنسه بالإنس حتى يمازجهم ويظهر في مظاهرهم كظهوره في ناسوت المسيح حتى صار يأكل ويشرب ويتغوط ويقتل ويصلب ويركب «1» الحمار ويشرب الخمر ويحي العظام النخرة فيجعلها أوفر ما كانت لحما ويصلي ويتعبد، فجواز ذلك على الجن الذين هم بعض خلق الله- سبحانه- بقدرته عليهم، وتصرفه فيهم أولى، وحينئذ لا يمتنع أن الجن إذا أرادوا الطعام خلق الله لهم على ما وجدوه من العظام لحما يأكلونه «2»، وإن كنا نحن لا نرى ذلك، إذ لا حاجة بنا إليه فلا يوجد اللحم عليها حين نراها. فإن قيل: المسيح كان يفعل ما ذكرتم من الأفعال بناسوته لا لاهوته. قلنا: هذا باطل. فإنكم صرحتم بأن المسيح هو مجموع اللاهوت والناسوت وأن المسيح هو الله، وأنه إنما ظهر ذلك المظهر بطريق التأنس بالإنس والانتقال من حال إلى حال.

_ (1) في (أ): ويرد الحمار. (2) أخرج البخاري في مناقب الأنصار، باب ذكر الجن (32) عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" ... وإنه أتاني وفد جن نصيبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما" اهـ.

كذا قرره" ابن الأمثل" «1» مطران «2» " حمص" «3» منكم بنحو عشرين حجة من التوراة والإنجيل. منها أن الله- سبحانه- ظهر ليعقوب حين قدومه من عند خاله فصارعه إلى الصبح «4». وهذه من جملة الحجج عليكم. الثالث: أن هذا وأمثاله من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل/ بدركها فيجب علينا تسلمها عن الشرائع. وإنما ينكر هذا فيلسوف لم ترض «5» نفسه في

_ (1) لم أجد له ترجمة. (2) مطران: عند النصارى في درجة القاضي عند المسلمين، ولكن ليس في درجته في الفضل والإيمان فذاك نصراني كافر وهذا مؤمن موحد. ففي تتمة المختصر لابن الوردي: إن البطريق: إمام كبير عندهم. ومطران: قاض.، والأسقف: مفت، والقسيس: قارئ، والجاثليق: إمام الصلاة. والشماس: مؤذن ومقيم وخادم. [انظر هامش الجواب الصحيح 1/ 317 بتحقيق الدكتور علي بن حسن العسيري]. (3) المدينة المعروفة بالشام في منتصف الطريق بين دمشق وحلب، وكانت أشهر من دمشق وهي مسماة باسم من بناها وهو: حمص بن مكنف العمليقي، قبر بها جماعة من الصحابة وحمص أيضا بلدة بالأندلس، يقال: إنها مدينة اشبيلية، يسمونها حمص أيضا. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 86، ومراصد الاطلاع 1/ 425]. قلت: والذي يظهر لي أن المقصود بها اشبيلية في الأندلس والتي سماها عبد الرحمن بن معاوية: حمص حينما دخلها فاتحا كما سمى بقية المدن في الأندلس بما يشابهها من مدن الشام وافريقيا. وقد كان للنصارى فيها شأن أيام الحروب الصليبية ولعل ابن الأمثل هذا منها. (انظر الكامل في التاريخ 4/ 361). (4) انظر الأصحاح الثاني والثلاثين من سفر التكوين. (5) أي: لم تتسع وتنبسط وتطيب، ومنه يقال: افعل ما دامت النفس مستريضة. [انظر المصباح المنير 1/ 291 - 292، ومختار الصحاح ص 263].

علوم الشرائع. على أني أراك أيها الخصم مذبذبا./ تارة فيلسوفا صلفا «1». وتارة مشرعا جلفا «2» فأراك كما قال بعضهم لامرأته:/ إني رأيتك في الهوى ذواقة لا تصبرين على طعام واحد «3» قال:" وانظر أيضا إلى قوله في سورة الرحمن يصف نساء الجنة، الحور العين: ... لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ (56) «4» قال ابن عطية في التفسير: " قال مجاهد «5»: الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج،

_ (1) صلفا: الصلف: مجاوزة القدر في الظّرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا. وهي آفة وغلو مع تكبر. [انظر لسان العرب 9/ 196]. (2) الجلف: الرجل الجافي في خلقه وخلقه، شبه بجلف الشاة: أي أن جوفة هواء لا عقل فيه. [انظر لسان العرب 9/ 31، وإكمال الإعلام بتثليث الكلام 1/ 118]. (3) لم أعرف قائل هذا البيت. مع كثرة البحث عنه فيما استطعت الاطلاع عليه من المراجع. (4) سورة الرحمن، آية: 56. (5) مجاهد بن جبر شيخ القراء والمفسرين، أبو الحجاج المكي الأسود المخزومي. أكثر ما أخذ عن ابن عباس- رضي الله عنهما-، وقد روى عنه قال:" عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة" وفي رواية: ثلاث عرضات أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت، وكيف كانت". ولد مجاهد في خلافة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وشهد وفاة عمر بن عبد العزيز كان يحمد الله- عز وجل- أن منعه من الانحراف إلى الرفض والقدر أو التجهم ويقول:" ما أدري أي النعمتين أعظم، أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء». والأشهر أنه توفي سنة أربع ومائة من الهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 449 - 457، والتفسير والمفسرون 1/ 104].

" الله تعالى" «1» فنفى في هذه الآية جميع المجامعات. قال ضمرة بن حبيب «2»: " الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف «3» " يعني النساء من الجن، فنفى في هذه الآية الافتضاض في البشريات والجنيات". قلت: هكذا وجدت كلامه، وهو مخبط لا يظهر منه وجه الإشكال لكنا نقول: أما قول مجاهد وضمرة بن حبيب فلسنا منه في شيء ولا يرد علينا لو عارض غيره، وأما معنى الآية فهو: أن لمن خاف مقام ربه في الجنة نساء أبكارا لم يفضضهن قبلهم أحد، إنسي ولا جني ثم تلك النساء يجوز أن يكن نساءهم في الدنيا، يعدن أبكارا كما قال تعالى: ... كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ... (104) «4» ويجوز أن يكن منشآت من الجنة.

_ (1) انظر تفسير القرطبي 10/ 289، وتفسير الطبري 27/ 151، ونص كلامه فيهما:" إذا جامع الرجل ولم يسم، انطوى الجان على احليله فجامع معه". (2) ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي أبو عتبة الحمصي، كان مؤذن المسجد الجامع بدمشق، وثقه علماء الجرح والتعديل. توفي سنة ثلاثين ومائة من الهجرة [انظر تهذيب التهذيب 4/ 459]. (3) انظر تفسير الطبري 27/ 151، وتفسير القرطبي 17/ 181. (4) سورة الأنبياء، آية 104. وهذه الآية دليل على البعث، وأوضح في الاستدلال على ما نحن فيه قوله تعالى في سورة الواقعة (35 - 37): إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (36) عُرُباً أَتْراباً فقد روي في الآثار أن المراد: نساء بني آدم يخلقهن الله ويعيدهن شبابا كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا. [انظر تفسير الطبري 27/ 185 - 186، وتفسير القرطبي 17/ 210 - 211، وتفسير ابن كثير 4/ 291 - 292].

وذكر حديث: «إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط» الحديث «1». وحديث: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب «2» فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله «3» ". قال:" هذا كله تصريح باغتذاء/ الشياطين وجماعها". قلت: هذا كله إشكال يورده بناء على ما قرره من أن الشياطين بسائط مجردة عن المادة، لا يتأتى منها ذلك.

_ (1) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في كتاب العمل في الصلاة، باب يفكر الرجل في الصلاة، وأخرجه بنحوه في الأذان، باب فضل التأذين، وفي السهو، باب إذا لم يدرك كم صلى سجد سجدتين ... وفي بدء الخلق، باب صفة إبليس. عن أبي هريرة في كل المواضع. وأخرجه مسلم عنه بألفاظ مختلفة في كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، حديث 16، 17، 18، 19، وفي المساجد باب السهو في الصلاة .. حديث 83. وأبو داود عنه في الصلاة باب رفع الصوت بالأذان، والنسائي عنه في الأذان، باب فضل الأذان، والدارمي في الصلاة، باب الشيطان إذا سمع النداء فر، ومالك عنه في باب ما جاء في النداء للصلاة، وأحمد عنه في المسند (2/ 313، 460، 503، 522). (2) في الأصل:" فليأكل بيمينه ويشرب ... " وما أثبته: لفظ مسلم وأبو داود وأحمد، وفي سنن الدارمي والموطأ:" فليأكل بيمينه وليشرب ... ". (3) أخرجه مسلم بهذا اللفظ في الأشربة، باب آداب الطعام، حديث 105 عن ابن عمر، وأبو داود كذلك في الأطعمة، باب الأكل باليمين، والدارمي في الأطعمة باب الأكل باليمين، ومالك في الموطأ في صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب النهي عن الأكل بالشمال، وأحمد في المسند (2/ 8، 33، 135، 146، 325) عن ابن عمر وأبي هريرة.

قلت: وكأنه يورد تناقضا آخر بين قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ (56) «1» وبين قول مجاهد:" الجن تجامع نساء البشر" وقول ضمرة بن حبيب" الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف". قلت: وجوابه من وجهين: أحدهما: منع التناقض بما بيناه من أن المراد بالآية أن كلا من أهل الجنة له زوجات أبكار لم يطمثهن قبله غيره. وهذا لا ينفي أن الجن يجامعون نساءهم أو نساء غيرهم في الدنيا أو في الآخرة. الثاني: أن التناقض بين قول الله سبحانه وأقوال المفسرين لا يلزمنا. لأن الخلاف بينهم كثير. فإن التزمنا ذلك طال علينا. ولأنهم ليسوا معصومين فيجوز أن يخطئوا. قال:" وفي البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» قال:" إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليستنثر ثلاثا. فإن الشيطان يبيت على خيشومه" «3» وفيه:" لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها، فإنها

_ (1) سورة الرحمن، آية: 56. (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ). (3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب صفة ابليس وجنوده، عن أبي هريرة بلفظ مقارب لهذا اللفظ، ومسلم في الطهارة، باب الإيثار في الاستنثار والاستجمار، حديث 23، عنه بنحوه والنسائي في الطهارة باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم، وأحمد في المسند (2/ 352).

تطلع/ بين قرني شيطان" «1». قلت: وجه سؤاله من هذا ما قدمه من أن الشيطان بسيط مجرد عن المادة فكيف يبيت على خيشوم الآدمي؟ وذلك يستدعي أن يكون جسما. وكيف يكون له قرنان؟ وأيضا: الشمس مثل الأرض مرارا كثيرة فكيف تطلع بين قرني شيطان؟. والجواب: قد تكلمنا قبل على بساطة الشيطان وتجرده عن المادة ومنعناه مطلقا. بل هو تجرد مقيد- كما سبق-. وحينئذ يقع «2» منه المبيت على خيشوم الآدمي وأم رأسه/، ليزين له النوم «3» ويثقله فيه، كي لا يستيقظ بالليل فيصلي. كما ذكر في حديث آخر: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، فكلما أراد أن يستيقظ قال له: نم «4». عليك ليل طويل،. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. وإن توضأ/

_ (1) في (أ): الشيطان، والحديث أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، عن ابن عمر بهذا اللفظ. وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، حديث 290، عن ابن عمر أيضا، والنسائي في المواقيت باب النهي عن الصلاة بعد العصر، عن عائشة- رضي الله عنها- وأول حديثها:" لا تتحروا ... " الحديث. (2) في (ش)، (أ): يصح. (3) في (أ): اليوم. (4) في (أ): ثم.

انحلت عقدة، وإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا. وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" «1». وهذا من الأسرار الإلهية التي اعترف الخصم في أول كتابه: أن العقول لا تستقل بدركها. وقد ذكر في الإنجيل: أن المسيح بعد قيامه من الأموات صار روحا مجردا يظهر لمن شاء، ويختفي عمن شاء «2». فكذلك الملائكة والشياطين في ظهورها واستخفائها. وأما قوله:" تطلع بين قرني شيطان" «3» فقال بعض أهل العلم بغريب الحديث: أي ناحيتي رأسه وجانبيه «4». قلت: وهذا لا ينافي عظمها في نفسها كما تقول خرجت بين الجبلين والجدارين «5»، كما سبق في قوله: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «6» ومعناه: أن

_ (1) أخرجه البخاري في التهجد، باب عقد الشيطان على قافية الرأس ... ، وفي بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، بهذا اللفظ. وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، وأبو داود في التطوع، باب قيام الليل، والنسائي في قيام الليل وتطوع النهار، باب الترغيب في قيام الليل، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام الليل، وأحمد في المسند (2/ 243)، كلهم عن أبي هريرة بألفاظ مختلفة. (2) انظر آخر إنجيل لوقا. (3) في (أ): الشيطان. (4) انظر كتاب غريب الحديث للخطابي 1/ 725 - 726، وفتح الباري 6/ 340. (5) في (ش): الجللين والجدار. (6) سورة الكهف، آية: 86، وانظر ص: 360 من هذا البحث.

الشيطان يقارنها على جهة المسامتة «1» لا الملاصق كما تقارن بعض الكواكب السبعة بعضا، وإن كانت في أفلاكها متباعدة المراكز والذوات ليزيّن للكفار «2» السجود لها. وقال بعضهم: القرن: القوة. أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها، وقيل: بين قرنيه أي أمتيه الأولين والآخرين من الساجدين لها، المطيعين له في ذلك «3»، أي أن عادة الكفار مستمرة في عبادة الشمس عند طلوعها وغروبها «4»، فلا تصلوا «5» حينئذ لئلا يصير فيكم/ شبه منهم. وهو- عليه السلام- من شرعه: بغّض الكفار والتشبه بهم جدا حتى أنه يحسم مواد ذلك بكل ممكن، كما كرّه في شرعه الصلاة إلى محراب فيه نار تتقد لئلا يشبه

_ (1) المسامتة: المقابلة والموازاة. [انظر المصباح المنير 1/ 340]. (2) في (أ): الكفار. (3) يقول الإمام النووي- رحمه الله- في شرح صحيح مسلم (6/ 112):" قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه، وقيل: قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل: القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره، وهذا هو الأقوى. قالوا: ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذ يكون له، ولبنيه تسلط ظاهر، وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها ... " اهـ. وبقاء اللفظ على ظاهره دون تأويل هو الصحيح- والله أعلم-. (4) في (أ): أو غروبها. (5) في (أ): يصلوا.

فعل المجوس «1». وأن لا يشد وسطه في الصلاة بما يشبه شد الزنار لئلا يشبه فعل النصارى «2»، ولا يتعمم غير مذوب «3» لئلا يشبه/ عمامة اليهود «4». وأشباه ذلك كثير. قال بعضهم: وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها، فكأن الشيطان مقترن بها، يسول له ذلك.

_ (1) لم أجد في ذلك إلا ما ذكره ابن حجر في فتح الباري (1/ 528) عند شرح ما قاله البخاري: " باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله" قال ابن حجر:" وإنما خصه بالذكر- أي التنور- مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور، وقال هو بيت نار، أخرجه ابن أبي شيبة" اهـ. (2) يقول ابن قدامة في المغني (1/ 586):" فأما شد الوسط في الصلاة فإن كان بمنطقة أو مئزر أو ثوب أو شد قباء فلا يكره رواية واحدة ... وإن كان بخيط أو حبل مع سرته وفوقها فهل يكره؟ على روايتين: إحداهما: يكره لما فيه من التشبه بأهل الكتاب، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن التشبه بهم وقال: «لا تشتملوا اشتمال اليهود» رواه أبو داود اهـ. قلت: الحديث عند أبي داود في الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به. ولفظه:" ... ولا يشتمل اشتمال اليهود". (3) في (أ): غير ملله، أو غير ملكه. ليست واضحة ومكانها بياض في (ش). والمذوب: ماله طرف مرخي، وهي في الأصل: الضفيرة من الشعر. [انظر منال الطالب ص 148]. (4) العمامة المقطعة التي لا ذؤابة لها ولا حنك يلبسها اليهود، وقد لبس النبي صلّى الله عليه وسلّم العمامة ذات الذؤابة أي التي لها طرفان كما في حديث مسلم في الحج حديث 453 عن عمرو بن حريث قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على المنبر وعليه عمامة سوداء. قد أرخى طرفيها بين كتفيه" كما أخرج مسلم أيضا في الحج حديث 452: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم خطب الناس وعليه عمامة سوداء" ولم يذكر أنها مذوبة. والذي قال بالنهي عن لبس العمامة غير المذوبة ليس له دليل غير أن اليهود يلبسونها. والله أعلم. [انظر زاد المعاد 1/ 135 - 136، ونيل الأوطار 2/ 105 - 107].

قلت: ومثل هذه الإشارات كثيرة في كلام العرب خصوصا في كلام هذا النبي، فإنه كان أفصح العرب وأبلغها، فليس ينبغي لعلوج النصارى وأعاجمهم أن يناقشوه في ظواهر العبارات «1»، حتى يعلموا لغته فيكونوا مثله فيها «2». والله أعلم. قال:" وفي كتاب مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم «3»: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله «4». قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" «5» وقال:" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" «6».

_ (1) في (أ): العبادات. (2) فيها: ليست في (أ). (3) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م). (4) لفظ الجلالة: ليس في (م). (5) أخرجه مسلم بهذا اللفظ في صفات المنافقين، باب تحريش الشيطان وأن مع كل إنسان قرين، حديث 69، وأحمد في المسند (1/ 257، 385، 401، 460) بألفاظ متقاربة. (6) طرف من حديث أخرجه البخاري في الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم ... ، وفي بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده، وفي الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه؟ ومسلم في السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية. وأخرجه أبو داود في الصوم باب المعتكف يدخل البيت لحاجته، وفي السنة، باب في ذرارى المشركين، وفي الأدب، باب في حسن الظن، والترمذي في الرضاع باب 17، وأخرجه ابن ماجه في الصيام، باب في المعتكف يزور أهله في المسجد، وأحمد في المسند (3/ 156، 285، 6/ 337)

قلت: ومن سبب هذا الحديث ما رواه الترمذي من حديث مجالد «1» عن الشعبي «2» عن جابر «3» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم. قالوا: ومنك؟ قال: ومني. ولكن الله أعانني عليه فأسلم» «4».

_ (1) في (أ): مخالد. وهو أبو عمر مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني الكوفي، راوية للحديث والأخبار، اختلفوا في توثيقه في الرواية. قال البخاري: صدوق، وقال ابن حجر، لين الحديث من السادسة، روى عنه مسلم والأربعة، مات سنة أربع وأربعين ومائة من الهجرة. [انظر تقريب التهذيب 2/ 229، والأعلام 5/ 277]. (2) أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الشعبي الحميري الكوفي مولدا ونشأة ووفاة. راوية من التابعين يضرب المثل بحفظه. قال:" ما كتبت سوداء في بيضاء، ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته" وهو من رواة الحديث الثقات، وهو جليس عبد الملك بن مروان وسميره ورسوله إلى ملك الروم، وكان قاضيا في خلافة عمر بن عبد العزيز، فقيها شاعرا، اختلف في سنة وفاته. فقيل سنة ثلاث أو أربع ومائة من الهجرة وقيل: غير ذلك. [انظر تقريب التهذيب 1/ 387، وسير أعلام النبلاء 4/ 294 - 319، والأعلام 3/ 251]. (3) أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، من أهل بيعة الرضوان والعقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، شهد بدرا فكان ينقل الماء للصحابة لصغره ثم شهد ثماني عشرة غزوة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، كان من المكثرين في الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد بصره في آخر عمره وكانت وفاته سنة ثمان وسبعين وقيل سبع وسبعين من الهجرة. [انظر الاستيعاب 1/ 219 - 220، وسير أعلام النبلاء 3/ 189 - 194]. (4) أخرجه الترمذي بهذا اللفظ في الرضاع باب 17، وقال:" هذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد تكلم بعضهم في مجالد بن سعيد من قبل حفظه" اهـ. وأخرجه الدارمي من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر في الرقاق، باب الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، بلفظ غير هذا اللفظ، وأحمد في المسند (3/ 309) بلفظ الترمذي من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر أيضا.

والمغيبات: اللاتي غاب عنهن أزواجهن. وفي لفظ لمسلم «1»: «لا يبيتن أحد عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم» «2». قلت: ومستنده «3» في إنكار هذا ما قدمه/ من أن الشيطان بسيط مجرد عن المادة فلا يوصف بأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم «4». لأن ذلك يوجب جسميته ونحن قد منعنا ذلك عليه في موضعه. وبينا قواطع الإنجيل في جسمية الشياطين لكنها أجسام لطيفة للطافة مادتها وبذلك يصح عليها أن تجري من ابن آدم مجرى الدم وغيره، كالأرواح، والرياح،/ فإنه قد قال بعض أهل العلم:" إن الروح جسم لطيف سار في هذا الهيكل الكثيف على شكله «5» والهوى يتخرق نواحي البدن، حتى قال بعضهم: الروح هو الهواء المتردد في مخاريق البدن «6»، على أنه يجوز أن يكون أراد بالشيطان هنا: النفس الأمارة، أو الهوى، لأن هذين يوافقان الشيطان على ما يريده وإذا اتجه ما قلناه، واحتمل ما عليه «7» حملناه، لم يبق للاعتراض به وجه. وروى عبد الرزاق في تفسيره قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: «قال قرينه ربنا ما أطغيته» «8» قال:" قرينه الشيطان" «9».

_ (1) في كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها حديث: 19، عن أبي الزبير عن جابر. (2) في (أ):" أو ذو رحم محرم" والمعنى الا أن يكون الداخل أو البائت زوجا أو ذا محرم، أو أن تكون المرأة ذات زوج حاضر، أو ذات محرم حاضر. [انظر شرح صحيح مسلم 14/ 153]. (3) في (أ): ومسنده. (4) عبارة (أ):" بأنه يجري مجرى من ابن آدم فجرى مجرى الدم". (5) ذكر ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره (3/ 61) عن السهيلي أنها:" ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر" اهـ. (6) ذكر ابن القيم- رحمه الله- في كتابه الروح (ص: 235) وما بعدها أقوال الناس فيها واختلافاتهم. (7) في (ش): على ما عليه. (8) سورة ق، آية: 27. (9) قلت: وهذا مروي عن مجاهد. [انظر تفسير القرطبي 17/ 16].

[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]

[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك] قال:" وفي سورة غافر يصف الملائكة حيث يقول: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ... (7) «1». قال ابن عطية في التفسير/: روى جابر بن عبد الله أن النبي «2» قال: «أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش: بين شحمة أذنه وعاتقه «3» مسيرة سبعمائة سنة» «4». قلت: إن كان إنكاره من هذا للإخبار بالعرش، أو لحملته أو لاستغفارهم للمؤمنين فهذا من الأسرار الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها، كما سبق في المقدمة، فيجب تسلمها عن/ أهل الشرائع كما تلقيتم عن المسيح «5» أنه بعد بعثه

_ (1) سورة غافر، آية: 7. (2) في: (ش): النبي صلّى الله عليه وسلّم. (3) في سنن أبي داود: إلى عاتقه. (4) في سنن أبي داود: عام. والحديث أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في الجهمية، ورجاله رجال الصحيح. والسيوطي في كتاب الحبائك في أخبار الملائك ص 56 - 57، بلفظ غير هذا اللفظ، وابن أبي الشيخ في كتاب العظمة كما سيأتي عند المؤلف (3/ 949)، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره (4/ 414) بسند ابن أبي حاتم وقال ابن كثير:" وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات" اهـ. وذكره الذهبي في كتاب العلو، وقال:" إسناده صحيح" اهـ. (5) في (ش): عن المسيح قلت: تلقي النصارى عن المسيح ليس بمنزلة تلقينا عن محمد صلّى الله عليه وسلّم لأنه ليس لهم سند صحيح من المسيح إلى هذا النصراني أو غيره، والإسناد من خصائص هذه الأمة المحمدية إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (الحجر 9) أما غيرها فلم يتكفل الله بحفظ كتابها فلم يكن لها إسناد يحفظ لها كتابها. ولعل قول المؤلف لهذا إنما هو على وجه التنزل لتقريرهم بكتابهم الذي يدعونه. والله أعلم.

من الأموات صعد فجلس عن يمين أبيه. وأنه يأتي يوم القيامة في مجد أبيه على السحاب، وحوله الملائكة. «1» وإن كان انكاره لعظم خلقة هذا الملك المذكور فنقول «2» له: إن هذا حديث لم نعرفه إلا في كتاب" العظمة" «3» لأبي جعفر بن حيان «4»، وليس مثله مما تصادم «5» به الشريعة «6». وثانيا: إن هذا أمر ممكن قد أضيف إلى قدرة الله، وأخبر به الصادق فما ينكر من وقوعه؟ ثم إن الجبال والبحار، بل كرة الأرض، بل كرة العالم جميعه بأفلاكه ونجومه خلق عظيم من خلق الله فلا فرق بينه وبين هذا الملك إلا الشكل والحياة. على أن الفلاسفة يرون الأفلاك ونجومها أحياء ناطقة متحركة بالإرادة فلا فرق إذن بينها وبين الملك المذكور، وهذه مشاهدة لكل بصير متبصر، فما وجه إحالة مثل هذا حتى يقدح به في كلام الأنبياء.

_ (1) انظر آخر إنجيل مرقس. (2) في (أ): فيقول. (3) ج 3 ص 949، ط: الأولى. تحقيق رضاء الله بن محمد المبارك فوري. (4) انظر ترجمته في قسم الدراسة ص: 181 - 182. (5) في (ش)، (أ):" يصادم"، قال الذهبي- رحمه الله- عن أبي الشيخ:" ... صاحب سنة واتباع لولا ما يملأ تصانيفه بالواهيات". (6) قلت: الحديث أخرجه أبو داود كما تقدم والسيوطي في الحبائك في أخبار الملائك. وهو حجة ولو كان من الآحاد.

قال:" وفي سورة القصص «1»: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... (88) يعني الله- سبحانه- «2» فجعل الفناء شاملا لما سوى الله تعالى من الملائكة والنفوس". قلت: كأن وجه إيراده: أن الملائكة والنفوس مجردات عن المادة لا يتصور فناؤها بناء على ما قدم من ذلك. وقد سبق جوابه، وأن الهلاك ممكن في الجميع، ثم ينشئه الله تعالى- كما أخبر-. ثانيا: أو نقول: ليس المراد بالهلاك العدم المحض، بل هلاك هذه الهيئة التركيبية، كما أن الوعاء من زجاج أو ذهب إذا انكسر فقد هلكت وعائيته، لا زجاجيته وذهبيته وهذان قولان مشهوران/ للمتكلمين «3» وهو أن الأجساد تعدم عدما محضا ونفيا صرفا أو تتفرق مع بقاء أجزائها المفردة. والمسألة مبنية على مسئلة الجوهر الفرد، وهو الجزء/ الذي لا يتجزأ «4». وهي مشهورة بين الفلاسفة والمتكلمين.

_ (1) الآية: 88. (2) عبر بالوجه عن الذات. [انظر تفسير ابن كثير 3/ 403]. (3) ذكر ابن القيم- رحمه الله- خلاف الناس في موت الأرواح وتذوق الموت على قولين: إنها تموت وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت ... ، وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس من باب أولى وقال الآخرون: لا تموت وإنما الموت للأبدان، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب كما دلت عليه الأحاديث والقرآن: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... [سورة آل عمران: 169]، هذا مع القطع بأن الأرواح تفارق الأجساد، وتذوق الموت. والصواب أنها لا تعدم وتضمحل فتصير عدما محضا، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، مع أنها تفارق الجسد وتذوق الموت. [انظر الروح لابن القيم ص: 45 - 46]. (4) لا بالفعل ولا بالقوة. [المبين في شرح معاني ألفاظ المتكلمين ص: 110].

قال:" وفي أول سورة فاطر: ... جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (1). قلت: كأنه ينكر الأجنحة للملائكة لاستلزامها الجسمية بناء/ على ما سبق من تجردها عن المادة. وقد سبق جوابه كافيا. وقد دفع الله سبحانه «1» هذه الشبهة بقوله متصلا بالكلام المذكور:" يزيد في الخلق ما يشاء" أي لا تستغربوا ملكا له جماعة أجنحة فإن لله التصرف والقدرة على ما يشاء. قال في سورة الزمر «2»: ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ... (68) وذكر قول ابن عطية عن السدي «3»:" استثنى جبريل وميكائيل وملك الموت ثم أماتهم بعد" «4». قال:" فصرح في هذه المواضع: أن الملائكة مجسمة وأن لها أجنحة وهي كما يبرهن عند العلماء: عقول بسيطة مجردة. والموت مفارقة الروح الجسد، ولا أجساد للملائكة".

_ (1) كلمة:" سبحانه" ليست في: (م). (2) الآية: 68. (3) التابعي أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الإمام المفسر الحجازي ثم الكوفي الأعور السدي، أحد موالي قريش، وثقه أحمد بن حنبل، وقبل حديثه جمع آخر من العلماء، وضعفه يحيى بن معين وغيره. أخذ عن أنس بن مالك وابن عباس وغيرهما، وعنه سفيان الثوري وشعبة وغيرهما، مات سنة سبع وعشرين ومائة من الهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 264 - 265، والنجوم الزاهرة 1/ 308]. (4) قلت: قد ذكر نحو هذا القول ابن جرير في تفسيره (24/ 29)، عن السدي، والقرطبي (15/ 279) ولم يسنده القرطبي إلى السدي قلت: والله أعلم بمن استثنى الله من خلقه.

[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]

قلت: جواب هذا كله سبق عند أول مكان ادعى تجرد الملائكة والشياطين عن المادة «1». وبينا أن ذلك لا مذهب للأنبياء ولا الفلاسفة. ثم يقال له: التجرد عن المادة إن كان صفة نقص وجب تنزيه الملائكة عنها لأنهم أولى بالكمال فيلزم أن يكونوا ذوي مادة، وإن كان صفة كمال. فالله سبحانه إن لم يكن/ متجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة أكمل منه، وإن كان متجردا عن المادة فقد جوزتم عليه التلبس بالمادة حيث اعتقدتم اتحاد لاهوته بناسوت المسيح، أو جعلتم الثلاثة واحدا. وقد سبق جميع هذا وإنما أعدناه بيانا. [الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه] قال:" ومما روى عنه من أوصاف الله سبحانه". وذكر حديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» «2» وحديث جهنم:

_ (1) انظر ص: 409 من هذا الكتاب. (2) أخرجه بنحو هذا اللفظ البخاري في التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، وفي كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل، وفي التوحيد، باب قول الله ... يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح: 15] عن أبي هريرة: وأخرجه مسلم في الصلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في أخر الليل .. حديث 168، 169، 170، 171، بألفاظ مختلفة، وأخرجه أبو داود في السنة، باب في الرد علي الجهمية بهذا اللفظ. والترمذي بنحوه في الصلاة، باب ما جاء في نزول الرب ... ، وفي الدعوات، باب 79، وابن ماجه في إقامة الصلاة ... ، باب مما جاء في أي ساعات الليل أفضل، والدارمي في الصلاة، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا، وأحمد في المسند (2/ 264، 267، 282) وغيرها من المواضع. وكلهم أخرجوه عن أبي هريرة.

«فيضع الرب قدمه فيها فتقول: قط" «1» وحديث: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة» «2» وحديث المعراج: «فدنا رب العزة حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى» «3» وحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة، ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ» «4» وحديث أم الطفيل «5» امرأة أبي بن كعب

_ (1) جزء من الحديث الذي أخرجه البخاري في تفسير سورة (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه:" يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط" وأخرجه في مواضع أخرى بألفاظ غير هذا اللفظ وهي بمعناه. وأخرجه مسلم في الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، بألفاظ بمعناه متقاربة. وأخرجه الترمذي بنحو هذا في تفسير سورة (ق)، وأحمد في المسند (2/ 369، 507، 3/ 13). (2) طرف الحديث الذي أخرجه البخاري في تفسير سورة ن والقلم. (3) أخرجه الطبري في تفسير سورة النجم (27/ 45) بسنده موقوفا على أنس بن مالك. (4) كلمة:" ثديي" غير واضحة في النسخ الثلاث. وأثبتها من مراجع الحديث وفي بعض الأفاظ:" صدرى" وفي بعضها" نحرى" وقد أخرج الحديث الترمذي في تفسير سورة ص، من طرق بألفاظ متعددة منها عن معاذ رضي الله عنه وقال عن حديثه:" هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح" اهـ. وأخرجه الدارمي في الرؤيا، باب في رؤية الرب تعالى في النوم، عن عبد الرحمن بن عائش، وأخرجه أحمد في المسند (5/ 243)، قال ابن الجوزي في العلل (1/ 35) وقد رواه أحمد في مسنده، بإسناد حسن" اهـ. وقد ذكر بعض العلماء أن في بعض ألفاظه غير المذكورة هنا زيادات شاذة وأن له طرقا بعضها منكرة. [انظر العلل المتناهية 1/ 30 - 33، وكشف الخفاء 1/ 526 - 527]. واستدل بالحديث من يقول أن محمدا- صلّى الله عليه وسلّم رأى ربه ليلة المعراج ولكن ذلك مناما كما يتضح من سياق الحديث عند من أخرجه. (5) أم الطفيل: إحدى الصحابيات الجليلات، كنيت بابنها: الطفيل بن أبي بن كعب، وهي إحدى الروايات عن النبي صلّى الله عليه وسلّم [انظر الاستيعاب 4/ 1944].

أنها سمعت النبي يذكر أنه رأى ربه في صورة شاب موقر في خضر «1» على رأسه فراش من ذهب، وفي رجليه نعلان من ذهب» «2». قال:" فتقرر بهذا كله: أن الله جسم، وهذا مخالف للعقل ولمصاحف الأنبياء. ويمتنع أن يكون الله سبحانه جسما لوجهين: أحدهما: لو كان جسما لكانت «3» جملته معلولا لأجزائه ومفتقرة إليها، وما علل بغيره جاز عدمه عند عدم علته، وواجب الوجود هو ما لا يعدم لعدم/ غيره، بل لعدم ذاته. الثانية: أن الجسم مركب من الصورة «4» والهيولى «5» فينعدم بانعدام كل

_ (1) هكذا في النسخ الثلاث، وفي بعض ألفاظ الحديث:" عليه حلة خضراء"، وفي بعضها:" في روضة خضراء" وفي بعضها:" عليه حلة حمراء". (2) هذا الحديث له طرق وألفاظ كلها غير صحيحة، ذكره ابن الجوزى في الأحاديث الواهية في كتابه العلل المتناهية (1/ 29) والهيثمى في الزوائد (7/ 179) والسيوطي في اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (1/ 28 - 30) وقال عنه: إنه منكر. (3) كلمتا:" جسما لكانت" سقطتا من: (أ). (4) الصورة في اللغة: الشكل والهيئة والصفة. وفي اصطلاح المتكلمين: أحد جزئي الجسم، وهو حال في الجزء الآخر منه. وهي بمنزلة شكل السرير بالنسبة إلى السرير. [انظر المبين للآمدي ص 109، 118، والمعجم الفلسفي 1/ 741 - 745]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" لفظ الصورة مشترك: يراد بالصورة الشكل والهيئة كصورة الخاتم والشمعة، والمادة الحاملة لهذه الصورة هي الجسم بعينه. ويراد بالصورة نفس الجسم المتصور، وهذا الجسم المتصور ليس له مادة تحمله، فإن الجسم القائم بنفسه لا يكون شائعا في جسم قائم بنفسه، لكن خلق من مادة كما خلق الإنسان من المني ... " اهـ. (5) الهيولى لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة. وفي اصطلاح أهل الكلام: أحد جزئي الجسم، وهو محل الجزء الآخر منه. أو أجسام قائمة بنفسها أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورتين الجسمية والنوعية" [انظر درء تعارض العقل والنقل 3/ 84، والمبين للآمدي ص: 109، والمعجم الفلسفي 2/ 536].

منهما. والواجب لا ينعدم لانعدام غيره. كما سبق. وأما بيان ذلك في كتب الأنبياء فإن في الإنجيل:" الله روح". قلت: هذا حاصل ما ذكر في هذا السؤال، وقرره به. ولعمري أن هذا مما «1» لا/ يقضي منه العجب من هذا الشخص. فإن التوراة والإنجيل مملوءان من التجسيم. فإن في أول التوراة:" وكانت روح الله ترف على الماء" «2» والروح فيما نشاهده جسم. والحجج على جسميتها كثيرة «3»، لكن نكتفي منها بحجة طبيعية/ ذكرها الأطباء، وهو اضطراب الصدر وحركته لها عند النزع. فإن قال: إن روح الله ليست جسما، وإن كانت روح غيره جسما. قلنا: فقد أجبت عنا. كذلك كل ما حكي في دين الإسلام من صفات الله تعالى ليست على المتعارف من صفات الآدميين، ويسقط هذا التشنيع خصوصا وقد ذكرت أنت في بيان ضرورة النبوة عن" أرسطو" وغيره ما ذكرت من أن الحقائق الإلهية لا بدّ فيها من التوقيف الشرعي. وفي التوراة:" قال الله «4»: نخلق بشرا على شبهنا قد رسمنا فضله ليكون

_ (1) في (م): ما لا يقضى. (2) انظر سفر التكوين الأصحاح الأول. (3) ذكر ابن القيم رحمه الله شبه المنازعين في جسمية الروح والنفس ورد عليها في كتاب الروح ص 267 - 289. (4) «قال الله»: ليست في (ش).

كصورتنا ومثالنا وأسلطه على سمك البحار وطير السماء" «1» إلى أن قال:" وخلق الله آدم بصورته، صورة الله خلقه ذكرا وأنثى، خلقهما الله وبارك عليهما" «2». وفيها إن آدم وامرأته:" سمعا صوت الرب يمشي في الفردوس فاستترا من بين يدي الرب بين شجر الفردوس، وقال الله لآدم: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك تمشي في الفردوس ورأيت أني عريان فاستترت فقال الله الرب: ومن أدراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها" «3». وهذا فيه تشانيع. منها: وصفه بالمشي حتى يسمع صوت مشيه في الفردوس، وهو من خواص الأجسام، وأصعب من النزول المذكور في السنة الإسلامية./ ومنها قوله أين أنت؟ ومنها: قوله:" من أراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة" فإن ذلك ظاهر في أن الله سبحانه لم يعلم أين هو؟ ولا هل أكل من الشجرة أو لا حتى أعلمه آدم".

_ (1) لم يناقش الطوفي هذا القول في التوراة ويبين إساءة الأدب من اليهود والنصارى مع الله وإشراكهم معه غيره فأقول: يتضح من هذا النص أنهم جعلوا آدم عليه السلام إلها فقولهم: " على شبهنا" أي على مثلنا، وهذا باطل شرعا وعقلا أن يكون أحد من المخلوقات شبيها بالله ومماثلا له، وحاشا الله أن يكون له مثل أو شبيه. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [سورة الشورى: 11] وهذا من أكبر الأدلة على تحريفهم التوراة: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [سورة البقرة: 79]. (2) انظر سفر التكوين الأصحاح الأول. (3) انظر سفر التكوين الأصحاح الثالث.

وفيها:" وأكمل الله أعماله في اليوم السادس، واستراح في اليوم السابع" «1». والاستراحة من لواحق الأجسام «2». وهذا في التوراة كثير «3». وأما في الإنجيل فقولكم: لما اعتمد/ المسيح من يوحنا المعمداني ثم صعد من الماء جاءه روح القدس في جسد حمامة بين السماء والأرض وسمع قائلا يقول: هذا ابني الحبيب الذي به سررت" «4». ثم إنكم تقولون:" الأب والابن وروح القدس: إله واحد" وهذا مستلزم للجسمية لوجهين: أحدهما: أن الصوت لا يتصور عقلا وحسا إلا من جسم إذ هو عرض لا يقوم بنفسه «5».

_ (1) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني. (2) الاستراحة إنما تطلق على من يناله التعب، وأما من يقول للشيء: كن فيكون فإن ذلك ممتنع في حقه سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [سورة ق: 38] أي ما مسنا من تعب. (3) انظر كتاب على التوراة للباجي فقد ناقش أهل التوراة فيما فيها من الانحراف الذي وضعوه بأيديهم. (4) انظر آخر الأصحاح الثالث من إنجيل متى. (5) هذا على مذهب الفلاسفة وغيرهم من الفرق التي ضلت في هذا، كالأشعرية الذين يرون أن الله لم يتكلم بصوت لأن الأصوات من خواص الأجسام والله ليس بجسم، ولكن الصوت إذا سمع وفهم فإنه يدل على أن قائله نطق به أما أنه لا يتصور إلا من جسم ففي المخلوقات من يتكلم وليس له جوارح فالجلود والأرجل وغيرهم من المخلوقات تتكلم وستتكلم بغير جوارح جسمية تدل على قدرتها على الكلام. والله سبحانه وتعالى يتكلم بصوت مسموع دون أن يكون جسما مكونا من مادة وصورة كحال المخلوقات. والله أعلم.

الثاني: أن الأب والابن والروح في هذه الحال- أعني صعود المسيح من الماء- بعضهم منفصل عن بعض حسا وحقيقة وإنكاره مكابرة. فإن كان ذلك بعد اتحاد الروح والمسيح بالله فقد انفصل عنه جسمان، فيكون هو جسما لأن بعض الجسم جسم، وإن كان قبل الاتحاد، وأن اتحادهم حدث بعد ذلك فقد اتحد بذات الله جسمان: جسد الحمامة الذي هو الروح، وجسد الابن الذي هو المسيح، ولا يتحد بالجسم إلا جسم هذا على قول من يقول منكم: إن المسيح ابن الله. أما من «1» يقول: هو الله، فالأمر فيه واضح. وقرر ذلك" ابن الأمثل" «2» مطران" حمص" بأن قال:" إن الله لا يمكن ظهوره إلى العالم حتى يتأنس ويتحد بهم، وله مظاهر يظهر فيها، كما ظهر في حقيقة [النار لموسى في العليقة ولإبراهيم في حقيقة] «3» / كبش فدى به ولده، وليعقوب في حقيقة رجل فصارعه فكذلك ظهر في حقيقة المسيح". وفي الفصل الخامس من إنجيل متى:" لا «4» تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله ولا بالأرض فإنها موطئ قدميه". وفي السادس والخمسين منه «5»:" من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه" فوصفه بالقدمين والوطء بهما، وبالجلوس على الكرسي، والجلوس «6»

_ (1) من: سقطت من (م). (2) في النسخ الثلاث: ابن الأشل. وقد سبق أن ذكرت بأن ابن الأمثل أو ابن الأشل لم أجد له ترجمة. (3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ). (4) في (م):" وذلك لا تحلفوا ... ". (5) في التراجم الحديثة: الأصحاح الثالث والعشرين من إنجيل متى. (6) في (ش)، (أ):" على الكرسي وذلك من خواص الأجسام".

من خواص الأجسام، وإن لم يكن هذا تجسيما، فما في الوجود تجسيم أصلا. فإذا كان هذا مضمون كتبكم المعتمدة، وتقرير أئمتكم وفضلائكم، فكيف تنكرون علينا ما هو دونه في ذلك بكثير. وعذرنا فيه أوسع من عذركم على ما سيأتي ولكن في المثل:" رمتني بدائها وانسلت" «1». وفي الشعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ افعلت عظيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم «2» وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة إلا حديث أم الطفيل فإنه حديث موضوع «3» لا أصل له حكم بذلك أئمة الحديث. ثم لو صح لكان محمولا على رؤية المنام كحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» فإنه كان مناما باتفاق علماء المسلمين. صرح الترمذي وغيره بأنه كان مناما «4». وأما حديث النزول والقدم/ والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال:

_ (1) هذا المثل لإحدى ضرائر رهم بنت الخزرج امرأة سعد بن زيد مناة، رمتها رهم بعيب كان فيها، فقالت الضرة" رمتني بدائها وانسلت" فصار يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه. [انظر مجمع الأمثال 1/ 286]. (2) نسب البيت الأول إلى أبي الأسود الدؤلي مع مجموعة من الأبيات، ونسب للأخطل ونسب لحسان ونسب إلى المتوكل الكناني ونسب إلى سابق البربري، ونسب إلى الطرماح بن حكيم. [انظر شذور الذهب بتحقيق محمد محي الدين ص 238، شرح التصريح على التوضيح 2/ 238، التبصرة والتذكرة للصيمري النحوي 1/ 399] والبيتان فيهما مثل يضرب لمن ينهي غيره عن أمر سيئ وهو يأتيه. (3) «موضوع» ليست في (ش). (4) انظر هامش ص: 440 فقد نقلت أقوال العلماء فيه هناك.

أحدها: اعتقاد مفهومها المشاهد منها «1». وهو قول المجسمة «2» وهم عندنا في ذلك كالنصارى واليهود في ذلك. والثاني: تأويلها «3» على ما يصح في الشاهد، ولو كان بعيدا/ كالنزول على نزول العلم أو الرحمة، أو نزول ملك ينادي، أو فعل من أفعال الله. والقدم على قوم يقدمهم إلى النار، والساق على شدة الأمر وكرب المحشر ودنو الله سبحانه على تعطفه، ورفقه «4» بعبده ونحو ذلك وهو مذهب الأشعرية والمعتزلة ونحوهم.

_ (1) أي أن الله- على مذهبهم- له يد كيد المخلوق، ورجل كرجل المخلوق، وساق كساق المخلوق ... الخ. (2) افي (ش): القسمة. والمجسمة: هم الذين يقولون إن الله جسم. واختلفوا في قدر الجسم وهل له لون أو طعم أو رائحة، إلى أقوال كثيرة ويسمون الممثلة أيضا لأنهم يقولون إن أسماء الله وصفاته كأسماء وصفات المخلوقين لا فرق في ذلك. وظنوا ألا حقيقة لها إلا ما فهموا من ظاهر النصوص. ومن أول من أفرط في ذلك السبائية- أتباع عبد الله بن سبأ من الشيعة. [انظر لوامع الأنوار 1/ 91، ومقالات الإسلاميين ص 207 وما بعدها، والملل والنحل للشهرستاني 1/ 103 وما بعدها، والفرق بين الفرق ص 225]. (3) التأويل لغة: ما يئول إليه الشيء. وفي الاصطلاح له ثلاثة معاني: الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وهو ما وافق القرآن والسنة وهذا هو قول السلف. الثاني: تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه. وهو اصطلاح المفسرين فهذا يؤخذ حقه ويرد باطله. الثالث: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لدلالة توجب ذلك. وهذا في اصطلاح المتأخرين. فالواجب فيه قبول ما هو الحق منه ورد الباطل. وتأويل هؤلاء هو من باطل هذا النوع وهو صرف اللفظ من معناه الظاهر إلى معناه المرجوح من غير قرينة توجب ذلك. [انظر مختصر الصواعق المرسلة 1/ 10، وما بعدها، شرح الطحاوية لابن أبي العز ص 232 وما بعدها]. (4) في (أ): وروية بعبده، وفي (ش): رقته.

والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله- سبحانه- منها «1»، مع القطع بتنزيه الله- سبحانه- عن مشابهة مخلوقاته أو بعضها، بوجه من الوجوه اعتمادا على قوله تعالى: ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «2» فأول الآية تنزيه، والثاني إثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به «3»، ولي أن التزم القول قبله في هذا المقام، لأني وهذا الخصم، نبحث في دينين متقابلين، لا في مذهبي دين واحد، على أني أي القولين التزمت لا يلزمني من قبح التجسيم ما لزمك «4». وأما ما ذكرت من الحجتين على نفي الجسمية فقد سبقك إليه الفلاسفة والمتكلمون. وقد قرر المسلمون في ذلك براهين كثيرة، فلم تأت أنت بغريبة ولا بشيء نازعناك فيه، بل نحن أحق به منك، فإنا نحن يمكننا الجمع بينه وبين ما عندنا من آيات الصفات وأخبارها بما قدمناه من القولين المختارين. وأنت لا يمكنك الجمع بينه وبين أن المسيح هو الله، أو القول بالثالوث إن كنت نصرانيا حقا. وإن كنت فيلسوفا فمالك ولمذهب النصارى. تكلم في رأي أرسطو ونحوه:

_ (1) اعتقاد أهل السنة والجماعة في نصوص الصفات: اعتقاد معانيها الصحيحة المعروفة في اللغة دون تحريف لها أو تأويلها بمعنى مرجوح. (2) سورة الشورى، آية: 11. (3) هذا هو المذهب الحق الذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة. (4) لعل المؤلف قال هذا على وجه التنزل بأنه ولو كان يقول بما قاله أصحاب القول الثاني المتقدم على هذا فلا يلزم منه التجسيم والله أعلم.

ودع عنك الشرائع لست منها ولو غبرت وجهك بالتراب/ «1» فإنك رجل مذبذب بين الرأيين كالشاة العائرة «2» بين/ الغنمين. وأما قوله:" إن هذا مخالف للعقل، ولمصاحف الأنبياء": فإن أراد أن المخالف لذلك كون الله جسما فهو صحيح ونحن نقول به، وإن أراد وصف الله سبحانه بنحو النزول والقدم والساق فباطل عن «3» الأنبياء، فإن في أول الأصحاح الخامس عشر «4» من كتاب أشعياء: " هذا اسم الرب جائي من بعيد،/ يشتعل غضبه، ووجنه ماجد «5»، شفتاه «6» ممتلئتان غضبا، ولسانه كالنار المتقدة، وروحه كالوادي الذي يجر كلما تمر به تقطع بغضبه إلى العنق ليزجر الشعوب" «7».

_ (1) لم أجد هذا البيت فيما اطلعت عليه من المراجع ولعل الطوفي نظمه على منوال قول أحد الشعراء: حمار في الكتابة يدعيها كدعوى آل حرب في زياد فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد [انظر العقد الفريد 4/ 53]. (2) العائرة: السائرة الساقطة التي لا يعرف لها مالك. [انظر لسان العرب 4/ 622] ومنه ما أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين حديث 17: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين. تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة" اهـ. (3) في (أ): من. (4) في التراجم الحديثة: في الأصحاح الثلاثين. (5) في (ش): وجيه ماجد، (م):" ووحيه ماخذ" وغير معجمة في (أ). وفي التراجم الحديثة" والحريق عظيم" ولعل ما أثبته موافق لنص المؤلف. والوجن: ما ارتفع من الخدين للشدق والماجد: الواسع. [انظر لسان العرب 13/ 443، 3/ 395]. (6) في (ش): شفتا. (7) النص في التراجم الحديثة هكذا:" هو ذا اسم الرب يأتي من بعيد غضبه مشتعل والحريق عظيم. شفتاه ممتلئتان سخطا ولسانه كنار آكلة، ونفخته كنهر غامر يبلغ الرقبة لغربلة الأمم بغربال السوء ... " اهـ.

فإن قلت: هذه صفات اسم الرب، لا صفات الرب. قلت: الاسم إن كان هو المسمى فهذه صفات الرب بلا شك، وإن كان غيره فالاسم معلوم الحقيقة «1»، وهو لا يتصف بهذه الصفات ويجب رجوعها إلى الرب «2». ويكون ذكر الاسم صلة كقول القائل: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما «3» وقول الآخر: تناديه باسم الماء وهو كثير «4»

_ (1) في (م): للحقيقة. (2) هل الاسم عين المسمى أو غيره؟ هذه المسألة من الألفاظ المجملة التي يجب التفصيل فيها، وغلط فيها كثير من الناس، وجهلوا الصواب في ذلك: فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به اللفظ تارة أخرى. فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، أو قال الرحمن كذا ونحو ذلك. فهذا المراد به المسمى نفسه. وإذا قلت: الله اسم عربي والرحمن اسم عربي، والرحيم من أسماء الله ونحو ذلك، فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمى ولا يقال: غيره لما في لفظ الغير من الاجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق، وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له، حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا أعظم الضلال والإلحاد في أسمائه سبحانه". [شرح العقيدة الطحاوية ص 131 بتصريف بسيط]. (3) هذا البيت من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري أوصى بها ابنتيه ومنها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر فقوما فنوحا بالذي تعلمانه ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر وقولا: هو المرء الذي لا صديقه أضاع ولا خان العهود ولا غدر إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر [انظر ديوان لبيد ص 213 ط الكويت 1962 م، ووفيات الأعيان 6/ 48]. (4) لم أعرف قائله فيما رجعت إليه من مراجع.

[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]

وفي الأصحاح الثالث والعشرين منه «1»:" اسمع قولي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوت. أنا الأول وأنا الآخر، ويدي أصلحت أساس الأرض، ويميني بسطت السماء". وفي الأصحاح التاسع عشر منه «2»:" هذا الله الرب، يأتي بعزه وذراعه بقوة، ثوابه «3» معه، وعمله بين يديه" إلى أن قال:" وشبر «4» السماء بشبره، وكال تراب الأرض بكفه، ووزن الجبال بالمثقال والآكام بالميزان". وهذا كثير في كتب الأنبياء لو تتبعته لطال. وهذه صفات ظاهرها المتعارف التجسيم، فجوابك عنها هو جوابنا «5» عما ذكرت من الأحاديث./ [القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك] قال:" ومن هذه الأوصاف الواردة في حق الله تعالى عنها ما جاء في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ... (7) «6» الآية. وفي سورة النساء «7»: ... أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ... (88) الآية.

_ (1) في التراجم الحديثة: في الأصحاح الرابع والأربعين. (2) في التراجم الحديثة: في الأصحاح الأربعين. (3) في (ش): وابه. (4) في (أ): وسير. (5) في (أ): جوابها. (6) سورة البقرة، آية: 6، 7. (7) الآية: 88.

وفي الاسراء «1»: وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وقال: واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (96) «2» وقال: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .. (78) «3»، والقرآن مصرح في مواضع كثيرة غير هذه بأن أفعال الخلق خيرها وشرها هي بإرادة الله وخلقه، لا بإرادة الخلق وفعلهم". ثم ذكر أحاديث القدر من الصحيحين وهي مشهورة. ثم قال:" فثبت بهذه الأحاديث ما ثبت بالآيات المذكورة آنفا: من أن الله سبحانه خالق جميع أفعال العباد من الخير والشر، كالقتل والكذب والزنا وغير ذلك، وهو الذي يعاقب ويثيب. وهذا مذهب أهل سنة الإسلام. وحجتهم عليه: ما أوردناه من الآيات والأحاديث. وإذا تبين لهم فساد هذا المذهب وشناعته، وأن هذا الذي يصفون به الله لا يوصف به إلا الشيطان، لجئوا إلى التمسك بهذه الآية: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «4». قال:" والدليل على فساد هذا المذهب: الحجة والتنزيل. أما «5» الحجة فمن وجهين:

_ (1) الآية: 60. (2) سورة الصافات، آية: 96. (3) سورة النساء، آية: 78. (4) سورة الأنبياء، آية: 23. (5) عبارة:" الحجة والتنزيل. أما" سقطت من: (أ).

أحدهما: ما تقرر في المعقول/ من أن مريد الخير خيّر ومريد الشر شرير،/ ومريد العدل عادل، ومريد الظلم ظالم، فلو كان الله سبحانه مريدا للشر والظلم لكان موصوفا بالخيرية والشرية، والعدل والظلم وذلك محال. وشنع في حق الله تعالى. الوجه الثاني: أن كل آمر بشيء فهو مريد له، فيستحيل من الله تعالى/ أن يأمر عبده بالطاعة ثم لا يريدها. والجمع بين اقتضاء الطاعة وطلبها بالأمر بها، وبين كراهة وقوعها جمع بين نقيضين. وذلك بمثابة الأمر بالشيء والنهي عنه في حالة واحدة". هذا تلخيص حجته. ثم ذكر كلاما بعده يرجع إليه. وأما التنزيل: فقول الله في التوراة لقابيل «1»:" إن أحسنت جوزيت، وإن أسأت سيطلع على إساءتك لأنك مالك إرادتك، وأنت مسلط عليها بالاختيار" «2». وقول داود النبي في الزبور «3»: «روحي في يدي أبدا" يعني: تحت قدرتي. وقول سليمان:" إن الله صنع الإنسان مستقيما وهو أدخل نفسه في مسائل غير متناهية" «4» يعني بإرادته المخصوصة. ثم شنع بأن ضرب مثلا، وهو" من أوثق إنسانا شدا وكتافا، ثم ألقاه من

_ (1) انظر سفر التكوين الأصحاح الرابع. (2) قلت: دليل هذا النصراني من التوراة فيه تناقض يدل على فساد ما ادعاه ففي النص ما يدل على أن قابيل يملك إرادته فلا إرادة لأحد عليه" لأنك مالك إرادتك" ثم آخر النص يدل على أن له اختيارا وأنه مسلط على إرادته" وأنت مسلط عليها بالاختيار" فإرادته تحت إرادة غيره. (3) لم أهتد إلى موضع هذا في التراجم الحديثة" مزامير داود". (4) لم أهتد إلى موضع هذا في التراجم الحديثة من الأمثال.

جبل. وقال له في حال هويه: إن لم تقف أو ترجع إليّ، وإلا فعلت بك وفعلت" فهذا سفه وحمق، وتكليف ما لا يطاق. وحكى قول الزمخشري «1» في الكشاف:" إن كان الله ينهى عن الذنب ثم يلجئ إليه، ويعاقب عليه، فأنا أول من يقول: إنه شيطان وليس بإله" «2». هذا ملخص «3» ما ذكره في هذا السؤال من غير إخلال بمهم. والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا الخصم بصدد القدح في النبوة. وإيرادك هذا السؤال لا يحصل لك المقصود، لأنه ليس كل طوائف المسلمين يقولون بهذه المقالة. فلو ناظرت في هذا معتزليا لخالفك في الإسلام ووافقك في القول بالقدر فانقطعت في هذا المقام. وأنا الذي قد تصديت لمناقضتك لو التزمت مذهب القدرية في هذا، لساغ لي في حكم النظر، لأن البحث بين/ مسلم ونصراني، لا بين قدري وسني.

_ (1) تقدمت ترجمته ص 174 من قسم الدراسة وهو من نفاة القدر. زعم أن العبد يخلق فعله بنفسه ... ويقولون: كيف يخلق الله أفعال العباد ثم يعاقبهم عليها؟ وهذا مردود بأن الله خالق العباد وأفعالهم ولا يخرجون عن ملكه وسلطانه. لكنه جعل لهم اختيارا وقدرة لا تخرج عن قدرة الله وإرادته. يعاقبهم عليها. وله حكمة هو يعلمها فيما قدره على العبد. من خير أو شر. (2) النص ليس بهذا اللفظ عند الزمخشري وقد بالغ النصراني في تغليط العبارة كما سيأتي في كلام الطوفي، ولكن له كلام قريب من هذا عند تفسيره لآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [سورة البقرة، آية: 6، 7]. (3) في (أ): تلخيص.

الوجه الثاني: أن هذه مسئلة من فروع الشريعة «1» تثبت بثبوت أصلها وتنتفي بانتفائه «2»، فهي تابع لا مقصود، فيغنيك عنها القدح في أصل الدين «3» / إن يثبت «4» لك. وإنما ذكرك لمسألة القدر في هذا المقام كمن يقدح

_ (1) مسألة القدر هي من أصول الدين التي يجب على المسلم الإيمان بها، والقدر أحد أركان الإيمان فلا يصح الإيمان إلا به، كما قال ابن عباس- رضي الله عنهما-:" من وحد الله وكذب بالقدر فقد نقض تكذيبه توحيده" لكن المؤلف- رحمه الله- يقصد بأن مسألة القدر فرع بالنسبة للأصل وهو شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والتي هي أول واجب، كما هو مقرر في علم أصول الدين فلا يصح أن يتكلم الإنسان في القدر أو اعتقاد القدر قبل أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا أتى بالأصل وهو الإسلام فإنه يلزمه المرتبة الثانية من مراتب الدين وهو الإيمان الذي منه الإيمان بالقدر خيره وشره. يقول ابن تيمية- رحمه الله- في التدمرية ص 193:" والاقرار بالأمر والنهي والوعد والوعيد مع انكار القدر خير من الاقرار بالقدح مع انكار الأمر والنهي والوعد والوعيد" ثم يقول- رحمه الله- في الرد على من أهل أخل بالنبوة وما جاء فيها من الأمر والنهي ص 199:" فهؤلاء المتصوفون الذين يشهدون الحقيقة الكونية مع إعراضهم عن الأمر والنهي شر من القدرية المعتزلة ونحوهم، أولئك يشبهون بالمجوس، وهؤلاء يشبهون بالمشركين الذين قالوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ [الانعام 148] والمشركون شر من المجوس، فهذا أصل عظيم على المسلم أن يعرفه، فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر، وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة: شهادة ألا إلا إلا الله، وأن محمدا رسول الله" اهـ. (2) في (أ): بانتفائها. (3) أي: القدح في النبوة التي لا يتحقق الإيمان بالقدر إلا بها ولا يعرف الإنسان الحق إلا بها. (4) في (م):" إن ثبت".

في دين النصرانية بقبح التعميد «1»، وبناء المذبح «2»، وتقريب القربان، فإنك أنت كنت تقول له: تكلم فيما هو فوق هذا. ثم انزل إليه. الوجه الثالث: أما الآيات والأحاديث فصحيحه. ونحن نقول بها على وجه نقرره، وهو أن المسلمين أجمعوا على أن القرآن حق وصدق، وأن بعضه يوافق بعضا، فما أوهم منه التعارض تلطفوا للجميع بينه بما أمكن من الأسباب الجائزة. ثم إنهم رأوا الآيات المتضمنة لأفعال العباد موهمة للتعارض. تارة تضاف الأفعال فيها إلى الله، نحو واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (96) «3» وقوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... (62) «4»، ... ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «5»، وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى

_ (1) التعميد عند النصارى تغطيس المرء في الماء مرة أو مرتين أو ثلاثا على اختلاف بين طوائفهم، فهم يفعلونه للذي يريد الدخول في دينهم، أو يتوب من المعاصي ويتقدم إلى القسيسين فيمنعونه من اللحم والخمر أياما ثم يعلمونه اعتقادهم وإيمانهم فإذا تعلم ذلك اجتمع له القسيسون فتكلم بعقيدة إيمانهم أمامهم ثم يغطسونه في ماء يغمره. [انظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 403]. (2) ما يذبحون فيه قرابينهم من العجول، والجزور، والخرفان، وهذا في شريعة التوراة على ما يقال، غير أن النصارى استثقلوا هذه الحيوانات لارتفاع ثمنها وبخلهم ولأنه لا يوجد فيها ما يوجد في الخمر من اللذة والطرب، فاستبدلوا الحيوانات المذكورة بالخمر زاعمين أن المسيح قال لهم:" من أكل لحمي وشرب دمي كان فيّ وأنا فيه" ولأن القسيس المنصوب من الله على زعمهم" ملكي صادق" أول من قرب الخمر والخبز. (انظر الإعلام ص 427 - 429). (3) سورة الصافات، آية: 96. (4) سورة الزمر، آية: 62. (5) سورة الرعد، آية: 33.

عِلْمٍ (23) «1» ونحوها. وتارة تضاف إلى العباد نحو فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا ... (38) «2» جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «3» - هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «4»؟ ونحوها. وهي من الطرفين كثيرة./ ففي هذا المقام انقسم المسلمون إلى ثلاث فرق، فرقة قالت بمقتضى القسم الأول، وألغت الثاني وهم الجبرية «5»: زعموا أن الله موجد أفعال خلقه استقلالا والعباد في وقوعها على جوارحهم مضطرون إليها كاضطرار السعفة إلى الحركة في الريح العاصف وسلبوهم الاختيار. وفرقة قالت: بمقتضى القسم الثاني وهم القدرية «6» / زعموا أن العباد

_ (1) سورة الجاثية، آية: 23. (2) سورة المائدة، آية: 38. (3) سورة الواقعة، آية: 24. (4) سورة المطففين، آية: 36. (5) الجبرية: هم الذين يسندون فعل العبد إلى الله ويقولون إن العبد مجبور على فعله وهم صنفان: الجبرية الخالصة: وهي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا. كجهم بن صفوان وأصحابه. والجبرية المتوسطة: وهم الذين يثبتون للعبد قدرة ولكنها غير مؤثرة وتنسب الفعل إليه على جهة الكسب والمباشرة كالأشعرية. [انظر اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 68، مجموعة فتاوى ابن تيمية 8/ 118، 13/ 37]. (6) هم الذين قالوا بأن لا قدر وأول من قال ذلك: معبد الجهني المتوفى سنة 80 هـ: فهو الذي قال: " لا قدر والأمر أنف" أي مستأنف لم يسبقه قدر. ثم تبعهم في ذلك المعتزلة أتباع واصل بن عطاء وغيرهم من الجهيمة. [انظر منهاج السنة 1/ 362، ومجموع فتاوى ابن تيمية 13/ 36 - 37].

موجدون لأفعالهم استقلالا وأن الله- تعالى- «1» لا تعلق له بها بخلق ولا إرادة. وفرقة توسطت الطرفين المنحرفين، وقالت «2» بمقتضى القسمين. فنسبوا الأفعال إلى الله إرادة وخلقا، وإلى العباد اجتراحا وكسبا، وفسروا الكسب بأنه أثر القدرة القديمة في محل القدرة الحادثة، وساعدهم على ذلك ظواهر نصوص الكتاب والسنة من الطرفين «3». وورد على كل واحدة من الفرقتين الأوليين ما قالت به الأخرى، فاحتاجت إلى تأويله، والتعسف في تبطيله، فلزم الجبرية

_ (1) - تعالى-: زيادة من (ش). (2) في (أ): أو قالت. (3) هذا قول الأشعرية. ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد الذين يقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل. لكن الأشعرية يقولون: إن الله فاعل فعل العبد وإن عمل العبد ليس فعلا للعبد بل كسب له وإنما هو فعل الله فقط. وأما قول جمهور أهل السنة فغير هذا فهم يقولون: إن العبد فاعل حقيقة وإن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية، لها تأثير لفظا ومعنى كما قال تعالى: ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ، [يس: 12] وهذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها فالله تعالى خالق الأسباب، والمسببات. يقول الله تعالى: واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ [الصافات: 96]. وخلقه لفعل العبد لا يدل على أن العبد لا يفعل باختياره، وأنه لا قدرة له، وإلا فما الحكمة من خلقه؟ إنه خلقه ليعمل وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات 56] " اعملوا فكل ميسر لما خلق له" [صحيح البخاري تفسير سورة والليل إذا يغشى]. ولكن عمل العبد وقدرته تحت مشيئة الله وقدرته: وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30]. [من مراجع هذه الفقرة: منهاج السنة 1/ 358 وما بعدها، شفاء العليل ص 24 وما بعدها، خلق أفعال العباد للبخاري ص 39 وما بعدها].

التجوير «1»، والقدرية تعجيز القدير، والإشراك معه في آثار المقادير. ولهذا سموا مجوس الأمة، تشبيها بالمجوس القائلين بخالقين. إذا عرفت هذا فنقول: إنا إذا اشتققنا اسم فاعل من فعل أو صفة نحو شرير وظالم وضارب وقاتل، فتارة يراد به موجد ذلك الفعل وخالقه وعلة وجوده/ وتارة يراد به كاسبه وسببه. فقولك: لو كان الله مريدا للشر، والظلم لكان شريرا ظالما، إن عنيت بالشرير والظالم كاسب الشر، وسببه. فلا نسلم، إنما ذاك الآدمي «2». وإن عنيت خالقه وعلته فهو صحيح، لكن يكون في اطلاق لفظ «3» الشرير عليه إساءة أدب. إذ لم ترد الشرائع بإطلاق مثل هذا عليه «4».

_ (1) من الجور: وهو نقيض العدل. والميل عن القصد. ومنه قوله تعالى في سورة النحل 9: ومِنْها جائِرٌ أي عادل عن الحق فلا يهتدي به. وقيل: عادل عنه فلا يهتدي إليه. والمقصود أهل الأهواء المختلفة ومنهم اليهود والنصارى (انظر لسان العرب 4/ 153، تفسير القرطبي 10/ 81) والجبرية ينسبون الله بهذا إلى الجور ضد العدل، وسلكوا فيه غير القصد. (2) الله سبحانه خالق الإنسان وعمله كما تقدم والآدمي فاعل حقيقة فيضاف الفعل لله من حيث الخلق وللعبد من حيث أنه فاعل له حقيقة. وإضافته إلى الله إضافة خلق لا مباشرة واضافته إلى العبد إضافة مباشرة وتحصيل. (3) لفظ: ليست في (أ). (4) قال الله تعالى: وأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (الجن 10) فقد أضيف الخير إلى الله صراحة، وحذف فاعل الشر وبني الفعل للمجهول تأدبا مع الله تعالى. وإضافة مثل: الشر إلى الله تعالى ووصفه بذلك فهذا فيه نقص من وجه، ولا يليق ذلك بجلاله إلا في مقابلة مثلها، لأنها تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن-

والأشهر عندنا: أن أسماء الله توقيفية «1» لا قياسية وبهذا التفصيل يندفع ما ذكرته من المحال والتشنيع. وأما قولك:" كل آمر بشيء فهو مريد له، فممنوع. فإن هذا محل وهم، ومزلة قدم. وذلك لأن الإرادة تستعمل تارة بمعنى الطلب وتارة بمعنى رجحان «2» / وجود الممكن في نفس المرجح «3». فالأول ترجيح طلبي بمعنى الأمر، والثاني: ترجيح وجودي، وهو: موضوع الإرادة في الأصل. وأحد الأمرين يشتبه بالآخر، لأن الأول أثر الثاني، فإنه إنما يصدر الطلب غالبا بعد

_ - مقابلة عدوه بمثل فعله، كما قال تعالى: ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال 30] وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وأَكِيدُ كَيْداً [الطارق 15 - 16]. وقال سبحانه: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وهُوَ خادِعُهُمْ [النساء 142] إلى غير ذلك (انظر تفسير الكريم المنان للسعدي 7/ 491، وشرح لمعة الاعتقاد للعثيمين ص 10). (1) أي أن الله يسمى بما سمى به نفسه في كتبه المنزلة وبما سماه به أعلم الناس به وهم الأنبياء عليهم السلام. (2) في (أ): رجوح. (3) الإرادة في نصوص الشرع نوعان: قدرية كونية خلقية: أي شاملة لجميع المخلوقات قال الله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس، آية: 82]، وقال سبحانه: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [سورة الأنعام، آية: 125]. والثانية: إرادة أمرية طلبية شرعية. قال الله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [سورة البقرة، آية: 185] وقال سبحانه: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [سورة النساء، آية: 26].

رجحان الوجود في النفس «1». وحينئذ نقول: ما تعني بقولك:" كل آمر بشيء" فهو مريد له؟ " الإرادة الطلبية أو الوجودية؟ الأول: مسلم. لكن هذا يصير كقولك كل آمر بشيء فهو أمر به، لأن الإنسان قد يقول لصاحبه أو لعبده: أطلب منك، أو آمرك أن تفعل كذا. وأريد منك أن تفعل كذا بمعنى. والثاني: ممنوع، فلا يصح قولك: كل آمر بشيء فهو مريد له، أي: مرجح لوجوده. وقد ضرب الأصوليون لهذا مثلا، وهو: من أمر عبده بما لا يريده منه تمهيدا لعذره عند من لامه «2» على ضربه. فإن هذا جائز عقلا. وفيه حكمة مقصودة «3»، فجاز أن يكون/ لله سبحانه في الأمر بالشيء، وعدم إرادته «4» حكمة، وإن لم

_ (1) الفرق بين الإرادة الكونية القدرية الخلقية والأمرية الشرعية: أن الأولى متعلقة بخلق فعل العبد إن شاء الله خلقه وإن لم يشأ لم يخلقه وإذا أراد الله خلق فعل العبد فلا بد من وجود المراد ووقوعه. ولا يستلزم أن تتضمن المحبة والرضا فالله يريد الكفر والمعاصي كونا وقدرا ولا يرضاهما. أما الأمرية الشرعية فهي متعلقة بأمره سبحانه فهو يريد من العبد الفعل ولا يلزم إعانته عليه. ولا يستلزم وقوع مرادها إلا إذا تعلقت بالكونية، وهذه الأمرية متضمنة للمحبة والرضا والكونية والأمرية تجتمعان في حق المطيع المؤمن البر، وتنفرد الكونية في حق العاصي والكافر، فالأمرية خاصة بحزب الله وعباده الصالحين. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 117، 137، 138]. (2) في (ش): لانه. (3) قال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [سورة النساء: 165] وقال تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ... [سورة النساء: 64]. (4) أي عدم محبة وقوعه، وتقدير ضده.

ندركها «1». وقد ذكر" بقطينوس الحكيم" «2» - وهو من فضلاء النصارى وعلمائهم- من شأن الله- سبحانه- مع ملائكته ما إن صح، صلح أن يكون حكمة لهذا. وقد أشرت إليه في التعليق على الإنجيل. ولا يسهل عليّ الآن ذكره «3».

_ (1) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-:" فالذي يفعله- أي الله- لحكمة اقتضت ذلك، كما أن الذي يمتنع من فعله لحكمة تقتضي تنزيهه عنه، وعلى هذا فكل ما فعله علمنا أن له فيه حكمة، وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفاصيل، وعدم علمنا بتفصيل حكمته بمنزلة علمنا بكيفية ذاته، وكما أن ثبوت صفات الكمال له معلوم لنا، وأما كنه ذاته فغير معلوم لنا فلا نكذب بما علمناه وما لم نعلمه. وكذلك نحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته، فلا نكذب بما علمناه من حكمته ما لم نعلمه من تفصيلها ... " اهـ. [مجموع الفتاوى 6/ 128]. (2) لم أجد له ترجمة. (3) سئل بقطينوس الحكيم عن فائدة ظهور المسيح إلى البشر، فقال كلاما معناه:" إن الله لما خلق الملائكة جعلوا يتقربون إليه بالعبادة، ويزيد هو في إكرامهم، وكان فيهم مقدم جاهل، قال لهم: إني أرى أن الله إنما يزيد في إكرامنا خشية أن نقهره على ملكه، فهو يصانعنا، فهلموا نغلبه على ملكه ونكون مكانه، فوافقته فرقة وخالفته فرقة، فالذين خالفوا بقوا على ملكيتهم، والذين وافقوه ركب الله سبحانه أرواحهم اللطيفة النيرة في هذه الأجسام الكثيفة المظلمة، ثم كلفهم أنواع التكاليف، فمن أطاع هاهنا رفع بعد الموت إلى حيث كان من الملائكة، ومن عصى أهبط إلى أسفل، وجعل الله سبحانه مقدم الملائكة الذين أشار عليهم بذلك الرأي إبليس في دار التكليف، ومغويهم كما كان مغويهم في عالم السماء، ثم إن الله أدركته الرحمة لملائكة فظهر للبشر ليستنقذهم من حبائك شيطانهم ومغويهم" هذا كلام بقطينوس الذي ذكر الطوفي في التعليق على الأناجيل. وفيه ما ترى من التخبيط. [انظر تعاليق على الأناجيل للمؤلف ص 30 - 31 مخطوط].

وحينئذ لا يلزم التناقض بين اقتضاء الطاعة وطلبها وبين كراهة فعلها «1»، لأن اقتضاءها خطابي وكراهتها نفسية. وقد يوجد هذا من البخلاء كثيرا، حيث يقول أحدهم لصاحبه: إذن فكل معي، تجملا «2» وهو يكره ذلك منه لآمة وبخلا، وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين/ الأمر بالشيء والنهي عنه. لأن الأمر والنهي خطابان محلهما اللسان، نحو افعل./ لا تفعل. بخلاف الكراهة فان محلها النفس، فلا تناقض الأمر. وأما ما ذكر من نصوص كتب الأنبياء فحق نقول به. وقد ورد به شرعنا. فإن الإنسان له قدرة واختيار يكتسب بهما، لكنهما تابعان لقدرة الله واختياره، فهما ناقصان نقص التبعية، وكون الشيء ناقصا لا يقدح في وجود مسماه، إنما يقدح في تمامه وكماله «3».

_ (1) الله سبحانه لا يكره فعل الطاعة. بل يحب من العبد أن يفعلها، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) [الصف: 4] [سورة الصف: 4] وقال تعالى: وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) [البقرة: 195] وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران: 31]. والآيات في هذا كثيرة تبين أن الله يحب فعل الطاعة وإن كان لا يعين المأمور بها أحيانا لحكمة يعلمها سبحانه ويعود إليه الأمر فيها. (2) التجمل: تكلف الجميل والحياء والمودة. [انظر لسان العرب 11/ 126 - 127]. (3) قلت: ذكر الفرق بين إرادة الخالق سبحانه وإرادة العبد يوضح هذا: فإرادة الله لا تعدم في وقت من الأوقات: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ فإرادته وفعله متلازمان فما أراده كونا فعله وما فعله فقد أراده، أما العبد فإنه قد يريد شيئا ولا يفعله وقد يفعل شيئا ولا يريده وهذا يدل على أن إرادته تحت إرادة الله ومشيئته. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 137 - 138، وشرح لمعة الاعتقاد للعثيمين ص 54 - 56].

وأما المثل الذي شنع به من ربط الشخص وإلقائه من جبل. ثم يقال له: ارجع وإلا عاقبتك، فليس نظير ما نحن فيه، لأن هذا «1» إلجاء محض، وقسر صرف، وصاحبه جائر قاسط، وتعالى الله وحاشاه أن يفعل هذا، وإنما الله سبحانه لطيف لما يشاء، فتلطف إلى بلوغ مراده من شقوة من أراد شقوته من خلقه على وجه لا يلجئهم إلى مراده ولا يهملهم حتى يخرجوا من تحت قهره وقدرته، وسلط «2» على عبده نفسا أمارة، وهوى داعيا، وشيطانا مزينا للشهوات، وفي مقابلة هذه روحا وعقلا ودينا، فالقبيلان كجيشين يصطدمان على فعل الشر وتركه، ويترجح أحدهما بالتوفيق أو الخذلان. ثم قطع حجته بأن قال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِساناً وشَفَتَيْنِ (9) وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «3» يعني طريق الخير والشر، ليجتلب ويجتنب، فإذا أراد الله سبحانه شقوة عبد خذله فيرجح جيش شيطانه، وإذا أراد إسعاده وفقه فيرجح جيش عقله، والتوفيق والخذلان للإنسان في مدة عمره، كالخفير وقاطع الطريق في مسافة سفره، فكما أنك إذا استرشدك من لك به عناية عن «4» طريق أريته جهته، ثم سيرت معه غلامك، أو سرت «5» معه بنفسك، فخفرته فيها-/ من أن يضل عنها، أو يطأ فيها مهلكا، أو يقع في مغارة- حتى يقطعها إلى مقصده.

_ (1) في (ش): لانه إلجاء. (2) في (ش)، (م): فسلط. (3) سورة البلد، آية: 8 - 10. (4) في (ش): من. (5) في (أ): أو شرب.

وإن لم يكن لك به عناية، قلت له: هذا الطريق. ثم تركته بلا تخفير، فمر على عماه «1»، فوقع على سبع فافترسه، أو لص فقتله، أو مهلك فتلف فيه، أو مغارة فمات عطشا، كذلك الله- سبحانه- إذا اعتنى بعبده جعل التوفيق له إلى الموت خفيرا، يمنعه من مفارقة الطاعات، ومقارفة المعاصي، وإذا غضب عليه لم يصحبه التوفيق وذلك هو خذلانه له، فقارف «2» المعاصي، وفارق الطاعات فكان شقيا. فحقيقة القدر إذا حقّقت وجدت عدمية، وهي كون الله سبحانه/ لا يتفضل على عبده «3» بالتوفيق العاصم من الهلاك، وليس عليه سبحانه ذلك بناء على أصلنا/ في أنه لا يجب عليه رعاية الأصلح لخلقه، بل يتفضل به تفضلا «4»، فالله سبحانه لا يلجئ أحدا إلى شر، لكن يخلي بينه وبين الشر. وفرق بين أنك تترك تخفير رجل في الطريق فيقتل وبين أن تقطع عليه الطريق فتقتله، وبين أنك تراه يريد أن يلقي نفسه من جبل فلا تمنعه، وبين أن تدفعه منه فيقع. فإن الأول ترك نفع، وهو عدم محض، والثاني: فعل ضرر محض، ولهذا أجمع الفقهاء على: أن من أخذ شخصا فغطه في الماء حتى اختنق

_ (1) من العمه وهو التحير والتردد في الطريق، فهو لا يدري أن يتوجه. [انظر لسان العرب 13/ 519]. (2) في (ش)، (أ):" فقارن" وقارف المعاصي: أي لزم فعلها وخالطها. [انظر منال المطالب ص 300، ولسان العرب 9/ 279 - 280، ومختار الصحاح ص 531]. (3) في (ش): ضده. (4) انظر هامش ص: 254 من هذا الكتاب.

يقاد به «1»، وعلى أن من رأى إنسانا في الماء قد كاد يغرق، وقدر على تخليصه فلم يخلصه حتى غرق، لا يقتل. لكن في ضمانه له بالدية خلاف. الأصح أيضا النفي، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق. وأصل هذه المسألة إذا حققت رعاية للأصلح «2». وقد أشير في نبوة ارمياء إلى حقيقة القدر، حيث يقول الرب سبحانه لعصاة بني إسرائيل:" كما لا يقدر/ الهندي أن يغير سواد جلده، والنمر تبقيعه، كذلك أنتم لا تقدرون على الإحسان والخير، لأنكم قد تعودتم الشر" «3». وتقرير هذا: أن الباري- سبحانه- ركز في طباع العالم وجبلاتهم الميل إلى أفعالهم من خير وشر، كما ركز الإحراق في طبيعة النار، والإغراق في طبيعة الماء، وكما وضع السواد في الجسم «4»، والتبقيع في النمر والفهد والغراب الأبقع، والسم في الحية والظلم والاستيلاء في طبع السبع، لكنه أجرى فعل تلك الطبائع على كسب أهلها. فعلى الكسب يترتب الجزاء، وعلى ركز الفعل في الطبع، وتحريك الداعي له- وهو خلقه، المنسوب إلى الله سبحانه- يترتب التسليم، والله بكل شيء عليم.

_ (1) هذا من أنواع القتل العمد. [انظر المغني لابن قدامة 7/ 640 - 641، والمقنع 3/ 333، 334]. (2) في (أ): الأصل. وفي (ش): الأصلح. وانظر هامش ص: 254 من هذا الكتاب. (3) انظر نبوة ارمياء: الأصحاح الثالث عشر وهذا قول الله على زعمهم. (4) هكذا في النسخ الثلاث، والأصح: في الجلد.

وقد استقصيت القول في مسألة" القدر" في كتاب مفرد، سميته:" درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح" «1» على وجه بليغ لمن عقل الأسرار الإلهية. والله أعلم. وأما ما حكى عن الزمخشري فهو صحيح. لكنه أسرف في تغليط العبارة «2» فإنا ننزه الله تعالى عن أن يعاقب على فعل ألجأ إليه كما بينا. ثم نقول: إن الزمخشري رجل معتزلي غال في الاعتزال،/ حرف القرآن عن مواضعه، ليوافق مذهبه، واضطره ذلك فيما حكمى عنه السخاوي «3» - حتى حمل قوله تعالى: ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ... (28) «4» على معنى: أصبناه غافلا، كما يقال: أجبنت الرجل وأبخلته إذا وجدته كذلك «5». وتشبث

_ (1) انظر عن الكتاب ص 77 من قسم الدراسة. (2) أسرف النصراني في تغليط عبارة الزمخشري لأن العبارة ليست بهذا اللفظ الشنيع. [انظر ص: 454 من هذا الكتاب هامش: 2]. (3) هو علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري الشافعي. عالم بالقراءات والتفسير والنحو، وله مصنفات كثيرة منها: المفضل شرح المفصل للزمخشري- خ في أربعة أجزاء، وله شعر كثير. قيل: إنه من أذكياء بني آدم. توفي في ثاني عشر من شهر جمادى الآخرة، سنة ثلاث وأربعين وستمائة. [انظر طبقات الشافعية 5/ 126 - 127، والأعلام 4/ 332]. (4) سورة الكهف، آية: 28. (5) عبارة الزمخشري في تفسيره (2/ 258):" من أغفلنا: من جعلنا قلبه غافلا عن الذكر بالخذلان، أو وجدناه غافلا عنه، كقولك: أجبنته وأفحمته وأبخلته إذا وجدته كذلك ... وقرئ" أغفلنا قلبه" بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين. من أغفلته إذا وجدته غافلا"، قلت: وهذا ضلال كبير، لأن الآية تدل على أن ما يعرض للعبد من غفلة ومعصية، إنما هو-

فيه بما لا حاصل له على ما بينته غير هاهنا" وأضله الله على علم" حتى نسي قوله: اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ «1» الآية ونظائرها". بقي هاهنا سؤال إذا ضويق القدرية فزعوا إليه، وهو: أن الله سبحانه وتعالى «2» / إذا خلق الفعل، فإما أن يمكن العبد تركه، أولا، والأول: تعجيز للرب حيث لم يتم مراده، والثاني: إلجاء للعبد، إذ لا يعني بالالجاء إلا اضطراره إلى الفعل على وجه لا يمكنه التخلص منه. فنقول: إن الله سبحانه إنما يخلق أسباب الفعل ودواعيه الأولية. ثم حقيقة الفعل توجد بكسب العبد مرتبة على تلك الأسباب. والالجاء لا نعرفه إلا بالمباشرة كما مثلتم في من/ ربط شخصا، وألقاه من جبل ثم توعده على السقوط. أما حتم وقوع الفعل بفعل الأسباب والوسائط فلا نراه إلجاء. فإن سميتموه إلجاء فهو نزاع في عبارة، ثم يلزمكم أن لا يستحق على الطاعة ثوابا لأن فاعلها ملجأ إليها، والثواب إنما هو لمن أطاع اختيارا. وذلك لأن الطاعات مترتبة بكسب الآدمي على أسبابها المخلوقة لله، كما أن المعاصي كذلك. والقدرية يجعلون ثواب الطاعة مستحقا عليها ومعلولا لها.

_ - بمشيئة الله إذ لا يقع شيء البتة كائنا ما كان إلا بمشيئته الكونية القدرية. وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [سورة الإنسان: 30]، أما الزمخشري فيزعم أن العبد بقدرته وإرادته بأفعاله، مستقل بها دون مشيئة الله. وهذا لا يخفى على العاقل بطلانه. وقوله: " حسبنا قلبه غافلين" هذا على زعمه أن الله لا يعلم أفعال العباد قبل وجودها. (1) سورة الأحقاف، آية: 23. (2) وتعالى: ليست في (م) و (ش).

[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]

ثم يقال لهم: هل يلزم من خلق الفعل والعقوبة عليه غير القبح والتجوير؟ ثم هو لازم على قولكم في خلق القدرة على الفعل؟ فإن الله سبحانه يخلقها ويتسبب بها إلى إيقاع المعاصي من خلقه، ولو لم يخلق لهم قدرة عليها لم تقع منهم. وأجمع العقلاء على أن التسبب إلى القبيح قبيح، وإذا لزم القبح على المذهبين لم يكن أحدهما أولى بالفساد من الآخر، ثم يرجع إلى نصوص الشرع وهي في طرفنا. والله أعلم. قال:" نبذ من صحيح الحديث تنضم إلى ما نحن فيه" يعني من القدح في الصدق. [كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك] ذكر منها قوله- عليه السلام-:" إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة/ قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها؟ «1» / يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق" «2».

_ (1) في النسخ الثلاث:" أين تذهبون بي؟ والمثبت من جميع ألفاظ الحديث. (2) أخرجه البخاري في الجنائز، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء، وباب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني، وباب كلام الميت على الجنازة، وأخرجه النسائي في الجنازة، باب السرعة بالجنازة، وأحمد في المسند (3/ 41، 58) بألفاظ متقاربة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه-.

قال:" وهذا أبين من أن يتكلم على بطلانه، إذ كيف يكون لميت صوت تسمعه البهائم والجمادات دون الإنسان، لأن شرط المسموع أن يكون صوتا خارجا، يتموج به الهواء، فيقرع صماخ الأذن «1»، فهل للبهائم والجمادات أسماع فضلا عن أن تكون أفضل فيها «2» من الإنسان؟ ". هذا حاصل ما قرر به «3» هذا السؤال، مع تشنيع ذكره يسير. قلت: الجواب العام عن كل حديث ذكره في هذا الكتاب: أنه من أخبار الآحاد التي توجب العمل لا العلم، فلا يثبت بها أصل، ولا يقدح بها في أصل وإنما يقدح في الشرائع ما تثبت بمثله الشرائع، وقد قرر هذا في المقدمات «4»، وفي آخر شرط الصدق بعد هذا «5». ولكنا نتبرع بالجواب «6». وجوابه من وجهين: أحدهما: أن الكلام في هذا وأمثاله من الحقائق الإلهية التي يقصر العقل عن

_ (1) الصماخ من الأذن: الخرق الباطن الذي يفضي إلى الرأس، ومنه حديث أبي داود في الطهارة، باب صفة وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم-" وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه" وهذا في لغة تميم، ويقال: السماخ بالسين المهملة، وهي لغة فيه، ويقال: أن الصماخ الأذن نفسها. (انظر لسان العرب 3/ 34) (2) فيها: ساقطة من (أ). (3) في (أ): قررته هذا. (4) انظر ص: 241 من هذا الكتاب، وانظر ص: 147 وما بعدها من قسم الدراسة. ونحن لا نوافق الطوفي في قوله هذا كما سبق. (5) انظر ص: 519 من هذا الكتاب. (6) في (ش): الجواب.

ادراكها «1»، فرع على ثبوت النبوة وتابع لها، كمسألة القدر، فحق الكلام أن يكون في رتبة قبلها. وأنت فقد قدمت من كلام" أرسطو" وغيره، أن نسبة إدراكاتنا إلى المبادئ الأولى كنسبة الخفاش إلى ضوء الشمس، ثم إنك في الاعتراض على هذه الأخبار تناقض «2» ذلك. فأنت هناك مشرع جامد، وهاهنا فيلسوف محلول، وحالك لا ينضبط. الثاني: أن العلماء نقلوا عن موسى، أنه لما ناجاه ربه أمر الريح فأخذت على أسماع الناس، ولولا ذلك لماتوا من صوته- تعالى «3» -، ونحن عندنا أن الكلام والادراكات ليس من شرطها الأدوات، بل يجوز أن يخلقها الله- تعالى- في الجمادات كما قال سبحانه: وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ... (44) «4». وهو عند المحققين على حقيقته التي تليق بكل شيء بحسب قوته واستعداده وما يهيئه الله له، فكذلك يجوز أن ينطق الله تعالى الميت كما أحيى الموتى لعيسى/ ويحجب صوته عن الإنسان لئلا يصير إيمانه بهذه الحقائق الغائبة ضروريا، فتبطل فائدة التكليف بالإيمان بالغيب، ويسمع صوتها «5» غير الإنسان على حسب ما يليق بالأشياء، لأنها ليست مكلفة فلا محذور.

_ (1) قلت: هذا وجه من وجوه إلزام المؤلف بأن الآحاد الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول حقائق إلهية يقصر العقل عن إدراك حقائقها، فيجب عليه التسليم بهذه الأحاديث وأنها تفيد العلم والعمل معا. وقد تناقض الأصوليون في هذه المسألة مع أنفسهم فتارة ينكرون إفادة الآحاد العلم وذلك عند استدلالهم بها على شيء من مذاهبهم وتارة يقولون إنها تفيد العمل لا العلم وهذا تناقض واضح. مع أنهم لا يرفضون العمل بخبر الآحاد بل يوجبون العمل دون العلم. (2) كلمة" تناقض" ساقطة من (أ). (3) لم أجده بعد البحث الكثير. (4) سورة الإسراء، آية: 44. (5) «صوتها»: ليست في (ش).

وإذا كان الله سبحانه هو خالق الذوات من حيوان ناطق وصامت وجماد فهو خالق/ صفاتها وادراكاتها، وكما أخرج تلك القوى والادراكات من العدم إلى الوجود، كذلك هو قادر على أن يقوي ضعيفها ويضعف قويها، حتى يبلغ مراده، وهو بالغ أمره، وكل ما ينسب إلى قدرة الله- تعالى- من الممكنات لا ينبغي أن يصادم بالانكار، خصوصا إذا اقترن به أخبار أهل النواميس «1» الدالة على صدق أصحابها، وليس في هذا وأمثاله من الاستبعاد، إلا كونه غير مدرك لنا، ولو أدركناه لزال الاستعباد، كما أننا لو لم تثبت عندنا معجزات الأنبياء كقلب العصا حية، وتفجير الماء من الحجر «2»، وإخراج ناقة عظيمة من جبل «3»،

_ (1) نواميس: جمع ناموس. وصاحب الناموس هو صاحب السر، وقيل: صاحب سر الخير. ومن معاني الناموس: وعاء العلم. وصاحب سر الملك، أو الرجل الذي يطلعه على سره وباطن أمره، ويخصه بما يستره عن غيره وجبريل عليه السلام يسمى الناموس والمقصود هنا: الذين أتاهم الوحي. والله أعلم. [انظر فتح الباري 1/ 26، والروض الأنف 1/ 273، ولسان العرب 6/ 243 - 244]. (2) وهاتين المعجزتين لموسى عليه السلام. قال الله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى [سورة طه 17 - 20] وقد بين الله تعالى في نفس السورة أنها أصبحت تلقف ما يأفك سحرة فرعون وذلك في الآيات من 64 - 70. وقال الله تعالى عن المعجزة الأخرى: وإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ... الآية [سورة البقرة: 60]. (3) هذه معجزة صالح في قومه ثمود فقد جعل الله لهم الناقة معجزة فقال لهم: هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ سورة الأعراف: 73]، وأما أنها أخرجت من جبل أو هضبة أو صخرة تسمى الكاثبة وأنهم طلبوا من صالح ذلك، فهذا لم يرد فيه نص صريح بأنها من جبل أو صخرة أو هضبة ولكن ذكر ذلك المفسرون ومنهم الطبري في تفسيره (8/ 224) والقرطبي في تفسيره (7/ 238)، وابن كثير في تفسيره (2/ 228) وابن عطية في تفسيره (7/ 98) وابن الجوزي في زاد المسير (3/ 24).

وإحياء الموتى «1» ونحوه، لما صدقت به العقول بادئ الرأي، إلا بعد نظر دقيق واستدلال «2». وهكذا ما نحن فيه، لمّا نظرنا فيه قد اتجه إمكانه، وأما وقوعه فيعتمد [على] «3» خبر الصادق، وقد بينا صدقه، وسنبين. ويجوز أن يحمل قوله:" سمع صوتها كل شيء إلا الإنسان" على السماع التقديري، أي لو كانت هذه الأشياء مما يسمع لسمعته، ويكون فائدة ذلك: الاخبار بصياح/ الميت عن داع وحرقه «4»، تنبيها على أسفه وشدة ندمه «5» ليتعظ به الأحياء، كما قال الشاعر في صفة الفرس: وشكا إليّ بعبرة وتحمحم «6»

_ (1) هذه من معجزات عيسى- عليه السلام- التي أتى بها إلى بني إسرائيل وقال لهم ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) [سورة آل عمران: 49]. (2) في (ش): واستدلالي. (3) كلمة [على] زدتها ليستقيم العبارة. (4) الأولى الوقوف عند النص، وأنه يسمع الصوت الحقيقي كل شيء إلا الإنسان، ولا حاجة إلى هذا التأويل. والله أعلم بكيفية ذلك. (5) في (ش): وشدة نكبته. (6) قائله" عنترة في معلقته: وهذا عجز البيت وصدره: فازورّ من وقع القنا بلبانه ... ... ... وقد فسر عنترة هذا البيت بالبيت الذي بعده: لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي [انظر تفسير القرطبي 11/ 26، وجمهرة أشعار العرب 2/ 502، شرح المعلقات السبع للزوزني ص 256].

وقال في صفة الحوض: امتلأ الحوض وقال: قطني مهلا «1» رويدا، قد ملأت بطني «2» أي لو كان ممن يتكلم لقال ذلك، وأنتم تستبعدون هذا التقدير، لأن لغتكم وأذهانكم قلف «3» مثلكم، مقصورة على إرادة الحقائق، وليس فيها توسع في المجاز، على أن المجازات في كتب الأنبياء كشعياء وغيره كثير «4» جدا «5»، وهو خفي بعيد حتى أنه في بعض المواضع رمز عقد بمرة «6».

_ (1) في لسان العرب والمشوف المعلم" سلا رويدا" وسلا بمعنى أي ارفق بصب الماء لئلا يفيض. (2) حكى هذا البيت يعقوب بن إسحاق المشهور بابن السكيت في معنى القطن. [انظر لسان العرب 13/ 344، والمشوف المعلم 2/ 651] (3) هكذا في (م) وفي (أ): قلفا. والقلف: قشر الشجرة ونحوها والرجل الأقلف الذي لم يختتن [لسان العرب 9/ 290] والذين لم يختنوا هم: النصارى. (4) هكذا في النسخ الثلاث. والأصح: كثيرة. (5) قلت: لو ترك الطوفي هذا التقدير لكان أولى لأمور منها: 1 - أنه أثبت المجاز في شريعة الأنبياء الذي معناه أن الألفاظ التي تكلم بها الأنبياء لا تدل على الحقيقة وإنما استعملت في غير معناها الحقيقي وهذا خطأ لا يقبل. 2 - أن الأنبياء منزهون من أن يخبروا الناس ويأمروهم بأمور، وهم لا يريدون حقيقة ما تدل عليه الألفاظ. 3 - أن كلام الله ووحيه للأنبياء يصير مجازا لا حقيقة وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فنقول إن الإخبار بهذه الأحاديث إخبار عن حقيقة وإن لم يدرك العقل كنهها وكيفيتها وهذه من المغيبات التي يحتاج الناس فيها إلى وحي من الله لعدم قدرتهم على إدراك ذلك بعقولهم والله أعلم. (6) رمز عقد بمرة: مرة الحبل: طاقته وقيل حبل طويل دقيق أجيد فتله. وهذه العبارة كناية عن حسن المجاز وكثرته في لغة العرب. [انظر لسان العرب 5/ 168 - 169].

[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]

[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه] ومنها قوله في حديث ابن عمر: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه» وأنكرت ذلك عائشة «1» وقالت:" إنما قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه" «2» قال:" وهذا باطل لأن الله تعالى لا يعذب أحدا بفعل غيره" «3». قلت: هذا اعتراض صحيح، لكنه ليس على النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل على الراوي الذي روى ذلك عنه «4». فإن هذا الحكم على خلاف نص القرآن، وهو قوله

_ (1) تقدمت ترجمتها في قسم الدراسة ص: 91. (2) أخرج الحديث الإمام البخاري بألفاظ مختلفة في (الجنائز، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يعذب الميت ببكاء أهله ... ) وفي (المغازي، باب قتل أبي جهل). ومسلم في (الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه) بعدة ألفاظ، والترمذي في (الجنائز، باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت) بثلاثة ألفاظ، وابن ماجة في (الجنائز، باب ما جاء في الميت يعذب بما نيح عليه)، وأحمد في المسند (1/ 41، 2/ 31، 38). (3) في (ش): الغير. (4) أخرج البخاري في الجنائز، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه) ومسلم في الجنائز، حديث 23: عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال:" توفيت ابنة لعثمان- رضي الله عنه- بمكة وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس- رضي الله عنهما- وإني لجالس بينهما- أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: قد كان عمر- رضي الله عنه- يقول بعض ذلك، ثم حدث قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب قال: فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته، فقال: ادعه لي. فرجعت إلى صهيب فقلت: ارتحل فالحق بأمير المؤمنين. فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول: وأخاه وصاحباه. فقال عمر- رضي الله عنه- يا صهيب أتبكي عليّ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه). قال ابن عباس- رضي-

تعالى: ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ... (164) «1» ومن المحال عادة أن من يقرر ناموسا وشريعة يخالف ما يدعي أنه أنزل عليه بما يقوله، ونسبته في ذلك/ إلى الغلط والوهم ممتنع عادة، لأن هذا مما لا يخفى عن عاقل، فضلا عن ذي ناموس. فالحاصل: أن راوي هذا الحديث وهم في روايته، وقد صح عن عائشة أنها قالت: " وهل «2» أبو عبد الرحمن- تعني ابن عمر-؟ إنما مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم/ بقوم يبكون «3» على يهودي، أو يهودية، فقال: «إنهم ليبكون عليها/ وإنها تعذب في قبرها» «4».

_ - الله عنهما-" فلما مات عمر- رضي الله عنه- ذكرت ذلك لعائشة- رضي الله عنها- فقالت: " رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)، وقالت: حسبكم القرآن ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى قال ابن عباس- رضي الله عنهما- عند ذلك: والله قال ابن أبي مليكة: والله هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكى ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا" اهـ. قلت: لقد صح من طرق عند البخاري ومسلم وغيرهما ما رواه عمر وابنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصح قول عائشة- رضي الله عنها- أن ذلك يوهم معارضة الآية المذكورة، ولكن يمكن الجمع بينهما بما قاله الجمهور من العلماء والذي سيورده المؤلف قريبا وهو أن قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إن الميت يعذب ببكاء أهله أو ببكاء الحي) محمول على من وصى أن يناح عليه أو علم أنه سيناح عليه ولم ينه عن ذلك. وكان الأولى للطوفي الاقتصار على هذا في الحديث مع هذا النصراني. والله أعلم. (1) سورة الأنعام، آية: 164، والإسراء، آية 15، وفاطر، آية، 18، والزمر، آية: 7. (2) وهل: أي أخطأ ونسي وسها. [انظر لسان العرب 11/ 737، وشرح مسلم للنووي- 6/ 234] وهذه الكلمة جاءت في نص آخر غير هذا النص. (3) في (ش): وهم يبكون. (4) أخرجه مسلم في الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله، حديث رقم 25، 27 وأحدهما: (عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي. فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن. أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ إنما مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على يهودية يبكى عليها فقال: (إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها).

فالبكاء والعذاب في هذا ليس بينهما ارتباط سببي، بل هو اتفاقي اتفق أن بكاءهم عليها صادف وقت تعذيبها. هذا على أن لحديث ابن عمر وجها صحيحا في التأويل، وهو أنه محمول على من وصى أن يناح عليه «1»، أو علم من أهله أنهم ينوحون عليه فلم ينههم، وكان ذلك عادة العرب، وزجرهم عليها «2» بهذا، لأن النوح على الميت يدل على التسخط بقضاء الله- سبحانه- فيكون الميت والحالة هذه متسببا إلى إيقاعه بوصيته به وإقراره عليه، والعذاب يترتب على التسبب كما يترتب على المباشرة، وقد قررت هذا الحكم في القواعد «3». ومنها: حديث عائشة أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فسألت عائشة النبي صلّى الله عليه وسلّم عن عذاب القبر، فقال لهم: «عذاب القبر حق» قالت عائشة: " فما رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] «4» بعد «5» صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر" «6».

_ (1) هذا قول الجمهور [انظر شرح صحيح مسلم للنووي 6/ 228، وإثبات عذاب القبر للبيهقي ص 91]. (2) في (ش)، (م):" فزجرهم عنها بهذا". (3) هذه المسألة تحدث عنها الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة. وابن حجر رحمه الله في فتح الباري 3/ 152 وما بعدها. ولم أجد كتاب الطوفي لأعرف موضع هذه المسألة منه. (4) " صلى الله عليه وسلم" ليست في النسخ الثلاث. وهي من ألفاظ الحديث في مظانه. (5) بعد: ساقطة من (أ). (6) أخرجه البخاري بألفاظ مختلفة في كتاب الكسوف، باب التعوذ من عذاب القبر، وباب صلاة الكسوف في المسجد، وفي كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر ... ، وفي كتاب الدعوات باب التعوذ من عذاب القبر، وأخرجه مسلم، في كتاب المساجد، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر، من طرق بألفاظ مختلفة. وأخرجه النسائي في كتاب السهو، باب التعوذ في الصلاة. وأحمد في المسند (6/ 174) ولفظ أحمد أقرب الألفاظ لهذا اللفظ الذي ذكر المؤلف.

وذكر حديث أنس في عذاب القبر، وسؤال الملكين للميت فيه إلى قوله في الكافر:" يضرب بمطرقة [من حديد] «1» ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين" «2». قال: فتأمل هذا الحديث المصرح بعذاب القبر، وكيف أثبت عليه هذه الأضحوكة من كلام اليهودية مع عائشة؟ وكيف يسمع صياح الميت من يليه «3» إلا الثقلين؟ وكيف يسمع من لا يسمع، ولا يسمع من يسمع؟ ولا «4» يحتاج من له أدنى مسكة من تمييز إلى أن نبين له ما في هذا من الافتراء". قلت: هذان الحديثان صحيحان، وأجمعت الأمة المحمدية على إثبات عذاب القبر إلا قليلا منهم، وهم بعض المعتزلة «5» الموافقون للنصارى/ في ذلك وفي القدر- كما سبق-.

_ (1) ما بين المعكوفتين زيادة من صحيح البخاري. (2) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب الميت يسمع خفق النعال. بهذا اللفظ. وفي باب ما جاء في عذاب القبر ... ، بلفظ آخر، وأخرجه ابن ماجه في كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر. بلفظ طويل غير هذا اللفظ. (3) في (أ): يلائه. (4) لا: ساقطة من (م). (5) كضرار بن عمرو، وبشر المريسي ومن وافقهما، أما أكثر المعتزلة فعلى خلاف ذلك. ولكن بعضهم كالجبائي يرى عذاب القبر لأهل التخليد من الكفار والفساق دون المؤمنين، ويرى ابن حزم رحمه الله أن عذاب القبر على الروح دون الجسد، ومذهب السلف أن عذاب القبر على الروح والبدن جميعا. [انظر فتح الباري/ 233، ولوامع الأنوار 2/ 23، والفصل في الملل والنحل 4/ 117، والروح لابن القيم ص 68 - 69، وشرح الطحاوية ص 451].

ويكفي أهل السنة من المسلمين فضلية: أن كلام أعداء الإسلام إنما يتجه معهم «1»، وعلى رأيهم، وأن أهل البدع لا يتجه عليهم لموافقتهم أعداء الدين «2» فإن هذا العلج لما قدح في النبوة، إنما وجه شبهه إلى أهل الحديث./ قلت: والجواب على هذا من وجوه «3»: أحدها «4»: أنك لو ناظرت في هذا معتزليا لسلمه لك، وخالفك «5» في دعوى الإسلام، فيكون قد أجابك بالقول بالموجب فتنقطع في هذا المقام. ولنا أن نلتزم مذهبه في جدالك، لأنه على كل حال من فرق الإسلام «6»، وإن كان مسلما نجسا «7»، كما أنك أنت نصراني نجس، لأنك تارة تثبت الشرائع وتارة توغل في الفلسفة والتعطيل، العائدة على النبوات بالتبطيل. الثاني: أن هذا الحكم من فروع الشريعة، ولهذا يذكره الفقهاء في كتب الفقه عند ذكر مشروعية التلقين، فهو تبع لا مقصود.

_ (1) بنى المؤلف هذا على موافقة اليهودية- ومن على مذهبها من اليهود- لأهل السنة في الإيمان بعذاب القبر. (2) أي لا يتجه كلام أهل البدع المعتزلة وغيرهم على المسلمين لموافقة المبتدعة أعداء الدين- مثل هذا النصراني- في إنكار عذاب القبر. (3) في: (م): من أوجه. (4) في (أ): إحداهما. (5) في (م): وخالف. (6) لو عبر المؤلف- رحمه الله- بتعبير غير هذا لكان أولى، لأن الإسلام ليس فرقا فلو قال:" من إحدى فرق الأمة الإسلامية" أو" من إحدى فرق أهل القبلة". (7) نجاسة معنوية.

الثالث: أن جوابه التفصيلي هو جواب تكلم الجنازة بعينه من حيث التوجيه، ثم نجيب عن كلماته التي أساء بها أدبه. قوله:" أثبت هذه الأضحوكة بكلام يهودية" قلنا: هذه أضحوكة عند عقلك. لأن الله- سبحانه- يريد ضلالك «1»، حتى يوقعك فيها، وما ينفعك السيد المسيح. ثم إنه لم يثبتها بقول يهودية، بل بالوحي الصادق النازل على سبب إخبار اليهودية./ والقرآن والوحي كان ينزل على أسباب ووقائع «2» تقتضيه. ودليل عذاب القبر في القرآن نحو قوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً «3» سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ «4»: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ

_ (1) في (ش): صلاحك. (2) في (ش): «وقائع». (3) قال الله تعالى: ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى [سورة طه، آية: 124]، والمعنى: أن الله يضيق على العاصي قبره حتى تختلف أضلاعه وهذا قول أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنهما- ورواه أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «فإن له معيشة ضنكا» قال" عذاب القبر" وسنده جيد، وقيل: إن المراد بالمعيشة الضنك في الدنيا، وقيل: شدة عيشه في النار. [انظر تفسير القرطبي 11/ 259، وزاد المسير 5/ 330 - 332، وتفسير ابن كثير 3/ 168 - 169]. (4) قال الله تعالى: ومِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ [سورة التوبة: 101]، فالآية فيها دليل على وقوع العذاب على المنافقين مرتين قبل عذاب يوم القيامة. فقيل: العذاب الأول في الدنيا بفضحهم بالنفاق والثاني: عذاب القبر. وقيل: الأول: ضرب الملائكة لوجوههم ولأدبارهم عند الموت. والثاني: في القبر بمنكر ونكير. وقيل غير ذلك. وأغلب المفسرين على أن عذاب القبر أحد العذابين قبل عذاب اليوم العظيم. [انظر تفسير ابن عطية 8/ 262 - 263، وتفسير القرطبي 8/ 241، وتفسير ابن الجوزي 3/ 492 - 493، وتفسير ابن كثير 2/ 385].

فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) «1». قوله:" كيف يسمع صياح الميت «2» من يليه إلا الثقلين؟ " قلنا: كما وجهناه فيما سبق. قوله:" كيف يسمع من لا يسمع؟ ". قلنا: يخلق الله قوة السمع فيه. قوله:" وكيف لا يسمع من يسمع؟ ". قلنا: يخلق الحجاب المانع للسمع على سمعه، كما سبق في مناجاة موسى «3». قوله:" لا يحتاج من له أدنى تمييز إلى أن يتبين له أن هذا افتراء". [قلنا: أما هذا فلا يشك عاقل أنه ممكن. وقد أخبر به الصادق. وأما ما يدعيه من إلهية المسيح أو بنوته، واتحاد الأقانيم، ونحو ذلك فلا يشك عاقل أنه افتراء] «4»، على الله ورسله، وأول خصم يكون لك يوم القيامة: المسيح. على ذلك. وأنت شخص متحير متردد، لا مسيحي ولا فيلسوف. بل كما قال «5» القائل: حدا باسمك الحادي وناحت حمامة فلم أدر أي الداعيين أجيب؟ «6»

_ (1) سورة غافر، آية: 46. (2) في (أ): صياح الديك. (3) انظر ص: 471 من هذا البحث وقد سبق أن بينا أن ما نقله الطوفي من أن الله أمر الريح فأخذت على أسماع الناس عند مناجاة الله لموسى ولولا ذلك لماتوا من صوت الله تعالى. لم أجد له أصل فالله أعلم بصحة ذلك. (4) ما بين المعكوفتين ساقط من (م). (5) قال: ساقطة من (أ). (6) لم أعرف قائل هذا البيت رغم البحث الطويل. وحدا من الحدو وهو: سوق الإبل والغناء لها. والحادي سائق الإبل. ونوح الحمامة ما تبديه من سجعها على شكل النوح الذي هو البكاء بصوت حزن يبكي غيره. [انظر لسان العرب 14/ 168 - 169، 2/ 627].

[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]

[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره] ومنها: في كتاب الزكاة «1»: حديث أبي هريرة: «ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة/ صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه» «2». وفي الحديث الآخر: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا «3» يأخذ بلهزمته «4» ثم يقول له: أنا مالك. أنا كنزك. ثم تلا: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «5» الآية «6».

_ (1) أي مما يدخل في باب الزكاة. أو المروي في كتاب الزكاة. (2) أخرجه مسلم بهذا اللفظ في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، حديث 24. (3) الشجاع: ضرب من الحيات لطيف دقيق، وهو- كما زعموا- أجرؤها. وهو الذكر منها. وقيل: هو الحية مطلقا. وقيل: الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس. وقيل: الأقرع من الحيات الذي ابيض رأسه من السم. [انظر فتح الباري 3/ 270، ولسان العرب 8/ 174] (4) في صحيح البخاري ومسند أحمد والموطأ: (شجاعا له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه) يعني شدقيه. والزبيتان: زبدتان في الشدقين أو نقطتان سوداوان فوق عينيها. [انظر لسان العرب 1/ 445، فتح البارى 3/ 270]. (5) سورة آل عمران: 180، وتمامها: هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ولِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ والْأَرْضِ واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. (6) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، وفي تفسير سورة آل عمران، باب ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله ... " والنسائي في كتاب الزكاة، باب مانع زكاة ماله. وابن ماجه في كتاب الزكاة، باب ما جاء في منع الزكاة، ومالك في الموطأ في الزكاة، باب ما جاء في الكنز، وأحمد في المسند (2/ 98) وغيرها من المواضع. وهذا لفظ البخاري.

وفي حديث أبي ذر: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر «1»، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها حتى يقضى بين الناس» «2». وحديث أبي سعيد «3»: «تكون/ الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ «4» أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة. فأتى رجل من اليهود. فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم «5». ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة،

_ (1) القاع: المستوي الواسع من الأرض، والقرقر: كذلك المستوي من الأرض [انظر شرح صحيح مسلم 7/ 64، ومنال الطالب ص 314، ولسان العرب 8/ 304، 5/ 85]. (2) أخرجه مسلم عن جابر في كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، وهو طرف من حديث عند أبي داود في الزكاة، باب في حقوق المال، عن أبي هريرة. وأخرجه النسائي عن أبي ذر أيضا بنحو لفظ النسائي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في منع الزكاة، وأحمد في المسند بمعناه (2/ 62، 383) وغيرهما. (3) أبو سعيد الإمام المجاهد مفتي المدينة: سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي الخدري مشهور بكنيته، أول مشاهده الخندق، وشهد بيعة الرضوان، وكان ممن حفظ من الرسول صلّى الله عليه وسلّم- سننا كثيرة، وروى عنه علما جما. وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم، عرضه أبوه يوم أحد وهو ابن ثلاث عشرة فرده النبي صلّى الله عليه وسلّم، واستشهد أبوه فيها. توفي أبو سعيد- رضي الله عنه- سنة أربع وسبعين من الهجرة على أصح الأقوال. [انظر الاستيعاب ص 602، وسير أعلام النبلاء 3/ 168 - 172]. (4) يتكفؤها: أي يميلها الجبار بيده، من كفأت الإناء إذا قلبته. كما يكفؤ المسافر خبزته أي يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي لأنها ليست منبسطة كالرقاقة ونحوها. [انظر فتح الباري 11/ 373، وشرح صحيح مسلم للنووي 17/ 135، ولسان العرب 1/ 141]. (5) في (م): القسم.

كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - إلينا وضحك «2» حتى بدت نواجذه ثم ذكر أن إدامهم بالام ونون «3» وهما ثور ونون يأكل من زائدة «4» كبدهما سبعون ألفا» «5». وحديث: «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين «6»، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتمسى «7» معهم حيث أمسوا» «8» وفيه:" يقتص للشاة الجماء «9» من القرناء «10»، والعود لم خدش العود؟ " «11».

_ (1) صلى الله عليه وسلم: ليست في: (م)، (ش). (2) في صحيح البخاري: ثم ضحك. (3) في (ش): نور. (4) في صحيح البخاري:" حتى بدت نواجذه ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: إدامهم بالام ونون. وقالوا وما هذا؟ قال: ثور ونون يأكل ... " ولفظ مسلم نحوه. وبالام: لفظ عبري معناه: الثور الوحشي. والنون: الحوت. وزائدة كبدها: هي القطعة المنفردة المتعلقة في الكبد، وهي أطيبها. [انظر فتح الباري 11/ 374، شرح صحيح مسلم 17/ 135 - 136]. (5) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. ومسلم في كتاب صفات المنافقين، باب نزل أهل الجنة، حديث 30. (6) في صحيح البخاري: وراهبين. (7) في الصحيحين:" حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم ... ". (8) إلى هنا لفظ البخاري في كتاب الرقاق، باب الحشر، حديث 6522، ومسلم في كتاب الجنة، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، حديث 59، والنسائي في كتاب الجنائز، باب البعث. كلهم عن أبي هريرة. (9) في صحيح مسلم وسنن الترمذي: الجلحاء. وهما مترادفتان ومعناهما: التي لا قرون لها. (10) القرناء: التي لها قرون. (11) أخرج مسلم في كتاب البر، باب تحريم الظلم، والترمذي في كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في-

وحديث ابن عباس وعائشة: «يحشر الناس «1» حفاة عراة غرلا» «2» وحديث أبي هريرة: «إذا كان يوم القيامة دفع الله «3» إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك «4» من النار» «5». ثم قال:" فانظر إلى هذه الأحاديث، وما تضمنته من الأخبار بأن مال الإنسان الذي يبخل به يصير صفائح من نار، ويصير أيضا شجاعا أقرع. وكيف أخبر عن حشر الحشرات والبهائم والعيدان، وأن الله يقتضي «6» بينهن. وكيف تمشي الجمال والبقر على الناس؟ وكيف يحشر الناس «7» على الجمال ركابا؟ ".

_ - شأن الحساب والقصاص، وأحمد في المسند (2/ 235) عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» وهذا لفظ مسلم، وله ألفاظ كثيرة عند أحمد. أما قوله:" والعود لم خدش العود" فلم أجده في روايات الحديث. (1) في سنن الترمذي وسنن النسائي:" يحشر الناس يوم القيامة حفاة ... ". (2) هذا طرف من الحديث الذي أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في شأن الحشر، والنسائي في كتاب الجنائز، باب البعث. وله ألفاظ أخرى عند الإمام البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قول الله: واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء: 125] وغيره من المواضع. وعند مسلم في كتاب الجنة، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة. وغرلا: جمع أغرل وهو الأقلف الذي بقيت غرلته، وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر. [انظر فتح الباري 11/ 384، ولسان العرب 11/ 490]. (3) لفظ الجلالة:" الله" غير موجود في: (أ)، وفي صحيح مسلم: (دفع الله عز وجل إلى كل ... ). (4) فداؤك: في ألفاظ أحمد، ولفظ مسلم: فكاكك. (5) أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل ... ، حديث (49) بهذا اللفظ، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 402، 407) بألفاظ غير هذا اللفظ. (6) في (أ): يقتضي. (7) «الناس» ليست في (ش).

قلت: والجواب عن هذا/ من وجوه: أحدها: أن كل هذا ممكن، لا شك في إمكانه وقد أخبر به الصادق فيجب قبوله. الثاني: أنه ليس عندك في إنكاره إلا كونه لم يذكر في كتابك/ ونحوه وقد قدمنا: أن هذا استناد إلى الجهالة، واعتماد على الضلالة، ونحن عندنا أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم أكمل الأنبياء وأشرفهم، فلا يمتنع أن يختص من العلم بما لم يعلموه، على أن أصول دين الإسلام مشتركة بين سائر الأديان لقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا/ الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ «1». ولكن ذلك بدّل وغير في كتبكم لتطاول العهد، واعتوار «2» اللغات والألسنة عليه «3».

_ (1) سورة الشورى، آية: 13. (2) من التعوير، والعوار مصدر عور الشيء أفسده، بالتداول. [انظر إكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 456، والمصباح المنير 2/ 523]. (3) لأن الله لم يتكفل بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن الكريم وسنة محمد- صلّى الله عليه وسلّم-. قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [سورة الحجر: 9] ولأن الله أكرم أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بحفظ شريعة الله بالسند المتصل من محمد صلّى الله عليه وسلّم أما اليهود والنصارى فليس عندهم ما يروونه بالسند المتصل الصحيح عن أنبيائهم، ثم إن أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم لم تغير لسان شريعتها وخاصة القرآن الكريم لأن نقل الكلام من لغة إلى لغة بمفهومات مختلفة سبب في ضياع معناه الأصلي. فهي الأمة الوحيدة التي حافظت على شريعتها حتى في رسم الكلمات وهيئتها والحمد لله الذي أكرمها بذلك ووفقها إليه.

الثالث: أن هذا من الأمور الإلهية التي اعترفت أنت وحكيت عن أرسطو: " أن قوتنا بالنسبة إلى ادراكها، كإبصار الخفاش إلى الشمس" «1» وأن فائدة النبوات تعريف مثل ذلك، فليس لك أن تعترف بقصور عقلك عن أمر تعود فتنكره بناء على أن عقلك لا يدركه، بل إن اعترفت بأن الشرائع وردت بما يقصر عنه العقل البشري، لزمك تسليم مثل هذا إذا أخبر به صادق، ولا يبقى لك نزاع إلا في صدقه وعلينا بيانه، وإن أنكرت ذلك فلست من أهل الشرائع حتى نتكلم معك، لأن أهل الشرائع أجمعوا على خلافك «2». الرابع: أن العالم بأسره لما أنكر عليكم دعواكم: أن الله هو المسيح وأنه عبارة عن ثلاثة أقانيم: الأب والابن وروح القدس، إله واحد، لجأتم إلى إمكان ذلك في قدرة الله، مع أن دعواكم إذا حققت كانت باطلة قطعا عند كل عاقل، وتمحلتم «3» لاثباتها بتشبيهه بالشمس المتحدة في نفسها المشتملة على جرم وضوء وشعاع، وبالزبرة «4» المحماة المشتملة/ مع وحدتها على حديد ونار وشرر، وأشباه هذا من الأشياء التي لا حاصل لها واستروحتم «5» إلى ذلك، مع أنه مكابرة جبناء فنحن أولى أن نلجأ في هذه الأمور الغائبة عنا، الممكنة في نفسها بلا خوف إلى قدرة الله سبحانه.

_ (1) انظر ص: 237 وما بعدها من هذا الكتاب. (2) في (ش): خلاف ذلك. (3) من تمحل: أى احتال. [انظر لسان العرب 11/ 619، ومختار الصحاح ص 617، والمعجم الوسيط 2/ 856]. (4) الزبرة: القطعة من الحديد. [انظر لسان العرب 4/ 316، ومختار الصحاح ص 267]. (5) أي سررتم به ونشطتم، من راح الإنسان إلى الشيء يراح ويستروح إليه، وإليه سكن واطمأن". [انظر لسان العرب 2/ 460، والمعجم الوسيط 1/ 380].

الخامس: أن هذه الأحاديث ممكنة وفيها فوائد وحكم، ومن أتى بشيء ممكن فيه حكمة وفائدة وجب قبوله منه، نبيا كان أو غيره، ما لم يقم دليل على «1» بطلانه. أما امكانها فظاهر. وأما فائدتها: أما في حديث الصفائح والشجاع الأقرع، فتخويف الناس وحضهم على أداء حقوق الفقراء من أموالهم «2». وفيها: حق لله، وهو تعبدهم بإخراج المال المحبوب، ووجه الجمع بينهما: إما بأن يحمل على أن بعض الناس يكوى بماله، وبعضهم يمثل له شجاعا، أو بأن مال الإنسان الواحد يكوى به تارة، ويمثل له شجاعا أخرى، ومعنى تمثيله له شجاعا: أن الله- سبحانه- يرسل عليه حية يعاقبه بها على ترك الزكاة. وقوله:" أنا مالك، أنا كنزك" أي عقاب مالك، وجزاء منع حق كنزك. أو أن الله يخلق من الذهب والفضة شكل حية، ثم ينفخ فيها الروح/ فتفعل ذلك «3»، كما أنه نفخ الروح في خشبة بيد موسى، فصارت حية تلقف ما

_ (1) في (أ):" إلى بطلانه". (2) هذه حقائق ثابتة يجب الأيمان بها، فذكرها في السنة تخويف وإخبار بما سيكون لبعض الناس يوم القيامة. (3) هذا تكلف لا حاجة إليه.

صنعوا «1». وأما بطح صاحب الأنعام لها حتى تطأه وتنطحه فظاهر الامكان وفائدته: ما ذكر. وأما حديث «تكون الأرض خبزة» فهو شيء قد أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» ووافقه عليه حبر من أحبار اليهود، ولهذا فرح النبي- عليه السلام- بموافقته لئلا يستبعد ذلك منه جلف مثلك، وذلك يدل على أن اليهود يجدون ذلك في التوراة/ وهي حجة عليك. فإن قلت: لم نجد/ هذا في التوراة عندنا الآن، ثم يجوز أن اليهودي واطأه على ذلك، أو خاف من مخالفته لئلا يقتله. قلت: الجواب عن الأول: أن التوراة حرفت عما كانت في ذلك العصر فلا يلزم من عدم وجدانكم له عدمه حينئذ. وعن الثاني: بأن اليهود «3» كانوا يوردون عليه المسائل ويمتحنونه، ويصدقونه في شيء ويكذبونه في أشياء، وما نقل عنه: أنه قتل منهم على ذلك أحدا، بل إنما كان يقتلهم في المحاربة «4»، ولو كان قاتلا أحدا منهم على شيء من ذلك لقتل

_ (1) قال الله تعالى عن عصا موسى- عليه السلام-: وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [سورة طه: 69]. (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش). (3) في (أ):" بأن اليهود بأن اليهود". (4) «المحاربة» ليست في (ش).

" ابن صياد" «1» لما قال له:" أتشهد «2» أني رسول الله؟ " قال أنت رسول الأميين. ثم قال له ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ " فقال:" آمنت بالله ورسله" فقال له عمر بن الخطاب: دعني أقتله يا رسول الله- وكانوا يرونه الدجال- فقال:" لا" إنه إن يك هو فلن «3» تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا

_ (1) صبي اسمه صاف بن صياد أو ابن صائد. يهودي ادعى النبوة في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فخاف الصحابة أن يكون الدجال فذهب إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان قد خبأ له آية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ [سورة الدخان: 10] فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم قد خبأت لك خبأ فقال: ابن صياد: هو الدخ. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم اخسأ فلن تعدو قدرك، يعني إنما أنت كاهن، وقال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب وأرى عرشا على الماء. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم هو عرش الشيطان. وقد أخرج قصة الإمام البخاري وغيره في المواضع التي سأشير إليها في تخريج الحديث إن شاء الله، وقد ادعى الإسلام وسافر إلى مكة يقول أبو سعيد الخدري- رضي الله عنه-:" صحبت ابن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال. ألست سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنه لا يولد له؟ قال: قلت بلى. قال فقد ولد لي، أو ليس سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يدخل المدينة ولا مكة. قلت: بلى. قال فقد ولدت بالمدينة، وهذا أنا أريد مكة، قال: ثم قال لي في آخر قوله أما والله إني لأعلم مولده ومكانه وأين هو. قال فلبسني" وفي بعض ألفاظ الحديث قال ابن صياد عن الدجال: هو كافر وأنا مسلم، وقد أورد الأحاديث في ذلك مسلم في كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد، واختلف العلماء في صحة إسلامه وحجه وجهاده واقلاعه عما كان عليه وهو صبي. والله أعلم. [انظر شرح صحيح مسلم 18/ 46 وما بعدها]. (2) في (م): أشهد. (3) في (ش)، (م): لن.

خير في قتله" «1». ولقتل" لبيد بن الأعصم" الذي سحره حتى اضطرب حالة السحر «2»، ثم لما ظهر عليه عفا عنه «3»، وكم بلغه السب والشتم من اليهود وغيرهم فعفا عنهم عن قدرة. وأما حشر الناس على الإبل والدواب، واقتصاص بعضها من بعض فتحقيقا لإقامة العدل، في كل شيء من خلقه، والآخرة لا تقلب الحقائق، فكما يركب الناس الدواب الآن يركبونها هناك. وهذا يكون في الأرض لأن الله- سبحانه- يطوي السموات والأرض بيمينه «4» ويبدل الأرض غير الأرض «5».

_ (1) أخرج القصة الإمام البخاري في كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات ... وهل يعرض على الصبي الإسلام؟، وفي كتاب الجهاد، باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟، ومسلم في كتاب الفتن، باب ذكر ابن صياد، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في ذكر ابن صائد. (2) في (ش): حاله لسحره. قلت: كان صلّى الله عليه وسلّم يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله. وفي بعض روايات الحديث في هذا" حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن". ولم يتأثر في حالة السحر في أمر النبوة والوحي والعبادات كما أنه لا يليق إطلاق لفظ الاضطراب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم-، أما أنه يخيل إليه فهذا صحيح وهو ما ورد في الصحيح من الحديث. (3) انظر ص 402 من هذا الكتاب. (4) قال الله تعالى: وما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة الزمر: 67]. (5) قال الله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ وبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [سورة إبراهيم: 48].

وأما حشر الناس حفاة غرلا، فتحقيقا لقوله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا «1». وأما كونه يدفع إلى كل/ مسلم يهودي أو نصراني، يكون فداءه من النار، فلأن اليهود قتلوا الأنبياء وكذبوهم «2»، وصلبوا إلهكم المسيح بعد ظهور الخوارق على يده «3»، والنصارى «4» ادعوا إلهيته وإنما هو نبي كريم «5». فأولئك فرطوا فيه وهؤلاء أفرطوا فيه «6»،/ وكفرتم جميعا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- «7» بعد مجيئه بالبينات والهدى «8» وما جزاء من يفعل ذلك إلا النار. وأنا أرجوا أن تكون أيها العلج فدائي من النار، لما حصل بيني وبينك من النظر والجدال في الله فنحن خصمان اختصموا في ربهم إن شاء الله تعالى «9».

_ (1) سورة الأنبياء، آية: 104. (2) قال الله تعالى في اليهود: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [سورة البقرة: 87] (3) هذا على زعم اليهود والنصارى. (4) كلمة:" والنصارى" مكررة في: (أ). (5) قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ومَأْواهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ ... إلى قوله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ... [سورة المائدة: 72 - 75]. (6) «أفرطوا فيه»: ليست في (ش). (7) صلى الله عليه وسلم: ليست في: (م)، (ش). (8) قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. [سورة الصف: 6]. (9) كلمة «تعالى» ليست في (ش).

ومنها: حديث: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله» «1». وفي سورة آل عمران «2»: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169). وذكر عن تفسير ابن عطية «3»، حديث: «إن أرواح الشهداء على باب الجنة في أجواف طير خضر» «4» في أشياء مما يتعلق بهذا. قلت: وذلك مما لا إشكال فيه. فإن الأرواح عندنا أجسام لطيفة فلا يمتنع أن يكرم الله الشهداء بأن يعلقها بأشكال الطيور «5»، ليدوم نعيمها حتى القيامة جزاء على جودهم بأنفسهم في سبيل الله.

_ (1) أخرجه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأذان، باب فضل التهجير إلى الظهر، وفي كتاب الجهاد، باب الشهادة سبع سوى القتل. وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله، والترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الشهداء من هم؟، وأحمد في المسند (2/ 325، 533). (2) سورة آل عمران، الآية: 169. (3) انظر تفسير ابن عطية 3/ 293. (4) أخرجه بألفاظ غير هذا اللفظ: مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة، والترمذي في تفسير سورة آل عمران، وابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يقال عند المريض إذا حضر، والدارمي في كتاب الجهاد، باب أرواح الشهداء، وأحمد في المسند (6/ 386). (5) هذا رأى بعض العلماء، مستدلين بإحدى روايات الحديث السابق" أرواحهم كطير خضر" وأنه يطابق الحديث الذي أخرجه النسائي في الجنائز باب أرواح المؤمنين، وغيره:" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعثه الله يوم القيامة". رد هذا الرأي الإمام ابن القيم في كتاب الروح ص 150 وما بعدها، وقال إنها في أجواف طير خضر أي أرواح وطير، هي في أجوافها تطير وتروح إلى قناديل مستقرة تحت العرش هي مأوى لتلك الطير. مستدلا بحديث: «إن أرواح الشهداء ... في أجواف طير خضر» وهو أصح من الحديث السابق ومن الرواية الأخرى للحديث نفسه. والله أعلم.

وأما بقية الشهداء، فهم شهداء تسمية: إما باعتبار أن لهم كأجر الشهداء في سبيل الله تفضلا «1»، أو لأن ملائكة شهداء المعركة تشهدهم [أو غير ذلك. لا حكما. بدليل أحكام شرعية افترق فيها القبيلان «2»، كالغسل والصلاة «3» ومغفرة الذنب بأول قطرة من دم] «4»، حتى الدّين يعفى له عنه على مقتضى حديث روي في ذلك «5»، دون بقية الشهداء/.

_ (1) انظر شرح صحيح مسلم 13/ 63، وفتح الباري 6/ 43 - 44. (2) القبيلان أو القتيلان: المقتول في سبيل الله- أي في الجهاد- والميت أو المقتول بغير ذلك ممن جاءت النصوص الشرعية بالاخبار بأنهم شهداء ويسمون شهداء الآخرة. أما المقتولون في حرب الكفار فهم شهداء الدنيا والآخرة. (3) المقتول في حرب الكفار هو الذي لا يصلى عليه ولا يغسل، فيدفن بثياب المعركة. (4) ما بين المعكوفتين ساقط من (م). (5) ورد في صحيح مسلم في كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، عدة روايات عن قتادة وعبد الله بن عمرو، أن من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين منها: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين» ويشير المؤلف- رحمه الله- بقوله:" حديث روي في ذلك" إلى ما أخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد، باب فضل غزو البحر. قال: حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيرى، حدثنا قيس بن محمد الكندي، حدثنا عفير بن معدان الشافعي، عن سليم بن عامر [الكلاعي] قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله. وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح، إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين" قلت: في سنده عفير بن معدان وهو ضعيف جدا ضعفه ابن حجر وغيره فيكون الحديث بهذا الإسناد ضعيفا وإن كان الألبانى قال عنه:" موضوع بهذا التمام" [انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/ 222] ولو صح هذا الحديث لخصص حديث مسلم في شهيد البحر. والله أعلم.

[الإسراء والمعراج]

[الإسراء والمعراج] ومنها: حديث المعراج والبراق «1»، وما جرى فيه/ من العجائب، وخلاف الناس في دخوله بيت المقدس أم لا؟ وأن المعراج هل كان بشخصه أم بروحه مناما؟ قلت: حديث المعراج أجمع المسلمون على صحته. والمعتمد عليه منهم على أنه كان بروحه مناما مرة، ثم كان بشخصه يقظة أخرى. وكانت الأولى تمهيدا للثانية، وأنه عليه السلام دخل بيت المقدس «2».

_ (1) انظر صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إلى السماوات وفرض الصلوات. فقد روى ثلاثة عشر حديثا فيها وما جرى في الإسراء. وصحيح البخاري كتاب بدء الخلق، الباب السابع:" إذا قال أحدكم آمين ... ". وكتاب التوحيد باب 37:" ما جاء في قوله تعالى: وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً وغيرهما. وأحاديث الإسراء كثيرة ورد الصحيح منها في صحيح البخاري ومسلم والسنن وغيرها. (2) بناء على الروايات التي وردت فيها قصة الإسراء، وما فيها مما يوهم الخلاف بينها، فقد اختلف العلماء: هل كانت الإسراء مناما أم يقظة؟ أو بروح النبي صلّى الله عليه وسلّم دون جسده أم بجسده وروحه معا؟ على أربعة أقوال: الأول: أنها كانت بروحه وجسده معا من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم إلى السماء بعد البعثة وقبل الهجرة بسنة مرة واحدة يقظة لا مناما. الثاني: أنها كانت بروحه دون جسده. ونسب هذا إلى عائشة ومعاوية رضي الله عنهما-. الثالث: أنها كانت مناما وأنه رأى أنه عرج به إلى السماء. الرابع: أنها كانت مرتين مرة مناما بروحه ومرة يقظة بروحه وجسده، وأن الأولى تمهيد للثانية. وهذا ما سار عليه المؤلف رحمه الله تعالى وحجتهم في ذلك الجمع بين حديث شريك عند البخاري وفيه: «ثم استيقظت» وبين الروايات. ولكن الراجح القول الأول للأحاديث الصحيحة التى تشهد بذلك، ولأن شريكا رضي الله عنه قد غلط في الألفاظ وقدم وأخر وزاد ونقص. كما قال مسلم رحمه الله-. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 245 - 249، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... وفرض الصلوات].

[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]

وحديث المعراج، وما جرى فيه مما «1» يجب تسلمه عن «2» صاحب الشريعة إذ لا طريق إليه إلا من جهته، كما كان يخبر موسى بما يجري له مع ربه على الطور «3»، وكما أخبر المسيح أنه يصعد إلى أبيه فيكون عن يمينه، وأنه في آخر الزمان يأتي في مجد أبيه والأملاك حوله «4». [الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه] ومنها: الآيات والأحاديث المتضمنة لذكر ما في الجنة من مأكول ومشروب ومنكوح. وذكر من الأحاديث ما هو صحيح وباطل وأنكر ذلك واستعظمه بناء على شبه: إحداهن: ما نقل عن الإنجيل: أن المسيح قال في القيامة:" لا يتزوجون ولا يأكلون ولا يشربون، ولكنهم مثل ملائكة الله في السموات" «5» وذكر عن جماعة من الأنبياء/ أنهم سألوا الابتهاج بوجه الله- يعني فلا يكون بغيره. الثانية: أن الطعام والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان، لأنها بدونهما تلهك، وهناك يصيرون كالملائكة لا يخشى عليهم الهلاك، لأنها دار السعادة الكاملة.

_ (1) في (م): من ما. (2) في (ش): من. (3) ذكر في سفر الخروج الأصحاح الثالث. والطور: هو الجبل الذي كان عنده موسى عليه السلام عند ما كلمه الله سبحانه، وأنزل عليه فيه التوراة، واختلف في معناه. فقيل: الطور: الجبل بالسريانية. وهو طور سيناء، وطور سينين على خلاف في معنى: سيناء، وسنين. [انظر تفسير القرطبي 1/ 436، 12/ 114 - 115، 20/ 112، وزاد المسير 1/ 93، 5/ 466 - 467، ومراصد الاطلاع 2/ 896]. (4) ذكر ذلك في إنجيل متى الأصحاح الخامس والعشرين. (5) انظر إنجيل متى الأصحاح الثاني والعشرين.

الثالثة: ما ذكره أبو علي ابن سينا «1» في" التنبيهات" حيث تكلم في: " البهجة والسعادة" وحاصله: أن اللذة ليست منحصرة في الحسيات «2» بل الإنسان قد/ يترك الحسيات «3» لتحصيل لذة الغلبة، ولو في أمر ما خسيس كالشطرنج، أو في تحصيل ذكر جميل بعده، يقتحم لأجله الأخطار، وليس ذلك من اللذات العقلية، فما ظنك بالعقلية؟ " «4». هذا حاصل ما ذكره في هذا «5» السؤال، وان كان قد أسهب «6» فيه وأطال. والجواب: أما اللذات الحسية من مأكل ومشرب ومنكح، وكل ما يشتهيه الإنسان من اللذات الممكنة التي لا تغذي فيها، فهو مجمع على حصوله في الآخرة بين المسلمين. وأما شبه هذا الخصم على بطلان ذلك:

_ (1) الحسين بن عبد الله بن سيناء أبو علي الفيلسوف الرئيس الطبيب المشهور بالفلسفة والمناظرات. تقلد الوزارة في همذان وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته فتوارى ثم صار إلى أصفهان، ورجع إلى همذان في آخر حياته فمرض في الطريق ومات بها سنة 428 هـ يقول عن نفسه:" أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم" أي من القرامطة الباطنية، الذين لا يؤمنون بمبدإ ولا معاد، ولا بخالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله، وكتبه تشهد بإلحاده. [انظر الأعلام 2/ 241 - 242، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 2/ 266]. (2) في (أ): في الحيات. (3) في (أ): الحيات. (4) انظر كتاب الإشارات والتنبيهات لابن سينا: القسمان الثالث والرابع ص 749 - 751. (5) «هذا» ليست في (ش). (6) في (أ):" قد انتهب".

أما الأولى: فلا شك أنهم نقلوا في الإنجيل عن المسيح: أن الزنادقة المنكرين للقيامة سألوه عن سبعة إخوة تزوجوا امرأة واحدا بعد واحد، ويموتون عنها، فلمن تكون في الآخرة؟ «1» فأجابهم بما ذكر هاهنا، وهو: أن الناس في الآخرة كالملائكة لا يأكلون ولا يتزوجون، لكن هذا ينافيه ما في الفصل التاسع والعشرين «2» من إنجيل مرقس: أن المسيح قال لرجل:" بع كلما لك واعطه للمساكين واكنزه في السماء" فصعب على الرجل، فقال له بطرس: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فقال يسوع:" الحق أقول لكم: إنه ليس أحد ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو بنين أو حقلا لأجلي ولأجل بشارتي «3» إلا وهو يأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان: منازل وإخوة وأخوات وأب وأم وبنين في الشدائد وفي الدهر الآتي في الحياة المؤبدة، أولون كثيرون يكونون آخرين، وآخرون أولين". قلت: فهذا نص في أن الناس في نعيمهم في «4» الآخرة، كهم في الدنيا،/ وصرح بذكر المرأة. وفائدتها: النكاح، وبالحقل. وفائدته:/ الأكل، وكذا «5» قال في آخر الفصل التاسع والعشرين «6» من إنجيل مرقس:" من ترك شيئا لي أخذ أضعافه في الحياة الدائمة".

_ (1) انظر إنجيل متى الأصحاح الثاني والعشرين. (2) في التراجم الحديثة: الأصحاح العاشر. (3) في (أ):" ولأجل بشا إلا وهو". (4) (في) ليست في (ش). (5) في (أ): وكذى. (6) في التراجم الحديثة: الأصحاح العاشر. وانظر إنجيل متى آخر الأصحاح التاسع عشر، وإنجيل لوقا الأصحاح الثامن عشر.

وهو عام في كل ما ترك من الدنيا، فيتناول المطعم/ والمشرب والمنكح «1». فهذا نص المسيح، على خلاف ما ذكرتم عنه في جواب الزنادقة، فأحد النصين كذب قطعا، وحينئذ يسقط الوثوق بالانجيل لوقوع الكذب فيه. وأما جوابه للزنادقة بما ذكرتم، فإن صح فهو محمول على قيامة الموت لأن قيامة كل أحد موته، لأنه أول منازل القيامة فكأنه «2» يقول: إذا مات الشخص تجرّ «3» روحه من بدنه، فكان كالملائكة، حتى يبعث جسده يوم القيامة فيعطى أضعاف ما ترك لأجلي في الدنيا، جمعا بين نصيه، وإلا فالحكاية موضوعة مختلقة، ويدل على ذلك: أن سؤال الزنادقة له إنما هو على جهة الإيراد على دينه، والإلزام له على ما أشار إليه سياق الإنجيل ولا يتم لهم ذلك إلا بعد علمهم بأن من دين موسى والمسيح ثبوت النعيم الحسي في الآخرة، فجوابه لهم بما ذكرتم عنه يكون موافقة ومساعدة لهم. وقد استوفيت الكلام على ذلك في:" التعليق على الإنجيل" «4».

_ (1) قلت: بل في الأناجيل التي بأيديهم إثبات للأكل والشرب في الآخرة منها ما في إنجيل متى الأصحاح السادس والعشرين:" وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة- أي الخمر- هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في ملكوت أبي"، وفي إنجيلهم أيضا أن المسيح قال لتلاميذه في وصية وصاهم بها:" لتطعمن ولتشربن في مائدتي في ملك الله" [انظر الإعلام بما في دين النصارى من الفساد ... ص 435]. (2) في (أ): مكانة وفي (ش): حكاية. (3) في (ش)، (أ): تجرد روحه. (4) أي في كتابه تعاليق على الأناجيل ص 29 - 30 مخطوط. وكلام الطوفي هنا تلخيص لما قاله فيه.

[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]

[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة] وأما سؤال الأنبياء للابتهاج «1» بوجه الله سبحانه فلا يبقى ما يدعيه، لجواز أن تكون البهجة بالأمرين، أعني النظر إلى وجه الله، والتمتع باللذات الحسية، وهذا عين ما نقوله. وقد سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعائه التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم «2»، وأجمع على جوازه ووجوبه المسلمون. وفي القرآن الكريم: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ «3» وأجمع المفسرون/ على أن المراد بالزيادة: النظر إلى وجه الله سبحانه «4». وأما الثانية: فمثبتة على التي قبلها وقد بطلت، ثم لا نسلم: أن الطعام

_ (1) في (ش)، (م): الابتهاج. (2) أخرج النسائي في كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، من طريقين عن عمار بن ياسر ... فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك ... " والحديث صحيح. (3) سورة يونس، آية: 26. (4) أخرج مسلم في كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه. حديث 297، والترمذي في كتاب الجنة، باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى، وفي تفسير سورة يونس، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، وأحمد في المسند (4/ 332، 333) عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال يقول الله تبارك وتعالى: «تريدون شيئا أزيدكم» فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ [يونس 26] وهذا لفظ مسلم.

[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]

والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان على الاطلاق، لأن ذلك إنما تصح دعواه فيما يقيم الرمق «1» ويحفظ البنية، فما قولك فيما زاد على ذلك كأنواع المآكل والمشارب من اللحوم والحلاوات وأنواع الأشربة، ولهذا من ترهب «2» من النصارى والمسلمين يقتصر على البلغة «3»، ويدع ما سواها مما يتناول للتنعم «4». وإذا كانت الدنيا مع أنها دار فناء ونفاد، فيها هذا النعيم، فالدار الآخرة الباقية الدائمة المأمونة الزوال أولى بذلك. ثم هب أن المأكول والمشروب لضرورة بقاء البدن، فما تقول في النكاح مع أن البدن يبقى بدونه؟ فهو من باب النعيم لا محالة. [البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك] وأما الثالثة: فهي مبنية على رأي" أبي علي" «5» في أن المعاد لا يكون إلا روحانيا، فلا تتصور «6» اللذات الحسية. إذ شرط ادراكها/ تعلق النفس بالبدن وحجته على ذلك «7»، ما حكاه الإمام فخر الدين «8» في المباحث المشرقية:" أن

_ (1) الرمق: بقية الحياة، وفي الصحاح: بقية الروح، وقيل آخر النفس. والعيش الرمق: أي الضيق. [انظر لسان العرب 10/ 125، ومنال الطالب ص 23]. (2) في (أ): يذهب. (3) البلغة: الشيء اليسير، الّذي يتوصل به إلى الغرض. [منال الطالب ص 361]. (4) في (ش)، (م): مما يتناول المتنعم. (5) ابن سينا. وتقدمت ترجمته. (6) في (أ): يتصور. (7) في (أ):" على ذلك علي ما حكاه". (8) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص 174.

البدن لو أعيد لكان إما أن يعاد في زمن ابتدائه، أو في غيره. فإن أعيد في زمن ابتدائه، لزم اتحاد الزمنين، مع ما بينهما من الفواصل الكثيرة والأزمنة المتعددة، وهو «1» محال. وإن أعيد في غيره لم يكن المعاد هو عين المبتدأ" «2». قلت: وهذا وهم قبيح من مثل ذلك الفاضل العلامة. لأنه كأنه يوهم أن الزمان داخل في حقيقة البدن، أو أن اتحاد الزمن شرط في صحة الإعادة. وليس كذلك، ولا دليل عليه. ومذهب المسلمين/ قاطبة: القول بالمعاد البدني،/ وإدراك اللذات الحسية والعقلية. ولذلك مناسبة حسنة، وهي: أن العالم على ثلاثة أضرب. عقل محض كالملائكة، وشهوة محضة كالبهائم، ومركب من الأمرين وهما الثقلان. فالطرفان لا مشقة عليهم. أما البهائم فلعدم التكليف وأما الملائكة فلعدم الشهوة المعارضة لعقولهم، والثقلان واسطة، عليها المشقة لتنازع العقل والشهوة في مراديهما. فيتعب «3» الإنسان بينهما كالمخلص بين متخاصمين. فلا جرم أن الملائكة لما عبدوا الله بالعقل المجرد الخالي عن معارضة الشهوة كانت لهم اللذة العقلية، والبهجة

_ (1) في (م): وهي محال. (2) الذي وجدته في المباحث المشرقية للرازي بمعنى هذا وهو:" إنه لو صح إعادة المعدوم لصح إعادة الوقت الذي وقع فيه ابتداء، فيصح أن يعاد هو في ذلك الوقت بعينه فيكون وقت إعادته هو بعينه وقت ابتدائه فيكون مبتدأ من حيث أنه معاد. هذا خلف" اهـ. [المباحث المشرقية 1/ 47 - 48] (3) في (أ): فيبعث.

الروحانية. والبهائم لما خلت عن عقل تعبد الله به تمتعت باللذات الحسية الشهوانية مدة بقائها في استعمال المكلفين لها ثم يوم القيامة، تصير ترابا بعد أن يقتص لبعضها من بعض «1»، لأنه لا عبادة لها تستحق بها يوم القيامة لذة عقلية ولا حسية. وعند مصيرها ترابا يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «2» وبنو آدم لما تعبدوا فيما بين العقل والشهوة وجب بمقتضى هذه المناسبة أن يجمع لهم في الآخرة بين اللذتين العقلية بمقتضى العقل الذي عبدوا الله وعرفوه به، والحسية بمقتضى الشهوة التي صبروا على خلافها في طاعة الله- سبحانه- ولو في التوحيد وهذا معنى قوله تعالى: وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً (12) «3» أي بما صبروا على الطاعات وعن الشهوات «4». هذا آخر الجواب عما يستحق أن يجاب عنه من هذا السؤال من الآيات والأخبار الصحيحة، فأما ما ذكره من ضعيف الأخبار. وكلام" أبي حامد" «5» وغيره: فلا يلزمنا/ الجواب عنه، ولا هو ممن يستحق ذلك".

_ (1) أخرج الطبري في تفسيره (30/ 26) من طرق عن عبد الله بن عمرو وأبي هريرة- رضي الله عنهما- من عدة طرق أحدهما مرفوع من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يقضي الله بين خلقه الجن والانس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى، قال الله: (كونوا ترابا) فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا". وفي سنده راو غير مصرح به. وذكر الشوكاني- رحمه الله- أن ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور: أخرجوه عن أبي هريرة. [انظر تفسير الشوكاني 5/ 371]. (2) آخر سورة النبأ. (3) سورة الإنسان، آية: 12. (4) انظر تفسير الطبري 29/ 213، وتفسير القرطبي 19/ 136، وتفسير ابن كثير 4/ 455. (5) هكذا في النسخ الثلاث" أبي حامد" ولعل لأبي حامد الغزالي كلام نقله هذا النصراني فأشار إليه الطوفي بهذه الإشارة. ولو كان المقصود أبي علي ابن سينا. لكان الجواب عن كلامه حاصل أولا.

[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]

[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام] قال: وفي سورة الأعراف «1»: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ .... وقال في سورة السجدة «2»: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إلى قوله: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ... (12) «3». فمقتضى هذه الآية الثانية أن السموات والأرض خلقتا «4» في ثمانية أيام ألا ترى أنك لو قلت: بنيت بيتا وأسسته في يومين، وأقمت حيطانه في أربعة أيام، وسقفته في يومين، لم يشك عاقل، يسمع قولك في «5» أن مدة إقامتك البيت بجملته ثمانية أيام. ولهذا يلزم محمدا- صلى الله عليه وسلم- «6» إن كان صادق الإخبار في الآية «7» الأولى فالثانية بالضرورة كاذبة. وبالعكس. وذلك مطلوبنا.

_ (1) الآية: 54. (2) هي: حم السجدة، وهي: فصلت. (3) قال الله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [سورة فصلت: 9 - 12]. (4) في النسخ الثلاث: خلفت. (5) " في" ليست في (م). (6) جملة: صلى الله عليه وسلم: ليست في (م) و (ش). (7) كلمة" الآية" ليست في (أ).

قلت: الجواب عن هذا: أن الآيتين لا تناقض فيهما «1»، ولكن هذا الشخص لم تكن له معرفة بالقرآن ولا لغة العرب وتنزيل الألفاظ منازلها وجدير بمن يتكلم فيما لا يعلم أن يخطئ ويتلعثم. وبيان ذلك: أن القرآن مصرح في أكثر من ستة مواضع بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام «2». فهذه نصوص لا تحتمل التأويل. وهذه الآيات التي في سورة السجدة «3». فيها نوع اجمال. والمراد بها ما في تلك النصوص، ولا يبين ذلك إلا بالتأويل، والتوفيق بين الكل، ومن قواعد الأصوليين حمل المجمل على المبين،/ والظاهر على النص، والمطلق على المقيد، والعام على الخاص فهذا مجمل، أو محتمل نحمله على ذلك النص الصريح. وبيانه: أن اليومين المذكورين في قوله: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ؟ داخلان في الأربعة المذكورة في قوله: وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) والدليل على ذلك من وجوه: أحدها: أن الله سبحانه يقول في سجدة" الم" «4» وغيرها: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ... (4) ثم ثبت بهذه الآية المتنازع فيها أنه خلق السموات في يومين، فتعين أنه خلق الأرض بما فيها من الجبال والشجر

_ (1) في (ش)، (أ): فيها. (2) ذكر الله ذلك في سبعة مواضع هي في سورة الأعراف الآية: 54، وفي يونس: 3، وفي هود: 7، وفي الفرقان: 59، وفي السجدة: 4، وفي ق: 38، وفي الحديد: 4. (3) هي سورة فصلت. (4) الآية: 4.

والبحار والأقوات وغيرها في أربعة أيام، لأن هذه الأشياء إما من حقيقة «1» الأرض، أو مما بينها وبين السماء. فتعين بما ذكرناه أنها داخلة فيما خلق في أربعة أيام التي منها اليومان الأولان «2». الوجه الثاني: أن قوله: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إما أن نعلقه بتقدير الأقوات فقط، أو به وبما قبله من خلق الأرض وجبالها، والبركة فيها. والأول باطل، لأنه يلزم «3» / أن يكون فعل ما قبل ذلك، لا في زمان، وهو محال. فتعين الثاني، وهو أن أربعة الأيام متعلقة بجميع ما تقدم، من قوله: خَلَقَ الْأَرْضَ إلى قوله: أَقْواتَها «4» وعلى هذا اعتراض لا يخفى. الوجه الثالث: أن محمدا- عليه السلام- لم يشك أحد في حكمته وفصاحته ولهذا نسبه الأعداء إلى أنه إنما أقام ناموسه بالحكمة والسيف. ومن يكون من الحكمة في هذه الرتبة لا يناقض ما صرح به في ستة مواضع بما يقوله في موضع، ولا يخفى عليه ذلك. فدل هذا على أنه أراد بما في هذه الآية ما في تلك الآيات. وذلك إنما يصح بجعل اليومين الأولين داخلين في الأربعة الثانية ويصير/ هذا كما لو قلت: سرت من القاهرة «5» إلى بيت المقدس «6» في عشرة أيام، وإلى

_ (1) كلمة:" حقيقة" ليست في (م). (2) وهذا ما ذهب إليه ابن كثير في تفسيره للآية 4/ 93، ولا اعتراض على هذا التفسير فهو الصحيح. (3) في (ش): لزم. (4) ذكر هذا بمعناه الإمام الطبري في تفسيره (24/ 95 - 97). (5) القاهرة: مدينة بجنب الفسطاط يجمعها سور واحد، وهي اليوم المدينة الكبيرة التي تجتمع عدة محافظات وهي عاصمة جمهورية مصر العربية، وتعرف قديما باسم القاهرة المعزية لأنها عمرت أيام المعز العلوي فصارت مدينة أعظم من مصر الذي أصبح معها مدينة واحدة الآن. [انظر مراصد الاطلاع 3/ 1060]. (6) من أسمائها: أورشليم، وايليا. انظر التعريف بها في هامش ص: 317 و415 من هذا الكتاب.

دمشق «1» في عشرين «2». فإن «3» العشرة داخلة في العشرين. أما ما ذكرته من أن «4» قول القائل: بنيت بيتا فأسسته في يومين وأقمت حيطانه في أربعة أيام، وسقفته في يومين: يفيد أن الجملة ثمانية أيام. فجوابه أن فرضك لهذه الصورة مع تقدير تقدم النص من القائل بأنه «5» أقام جملة البيت في ستة أيام، أو مع عدم تقدير ذلك؟. فإن قلت: مع «6» تقدير تقدم النص المذكور كان كمسألتنا. فلا نسلم استفادة ثمانية أيام من القول المذكور «7»، بل ستة كالمنصوص. ويكون ذلك النص قرينة في هذا التأويل، أعني حمل الثمانية الظاهرة على الستة المنصوصة. وإن قلت: مع عدم النص فليس ذلك مثل مسئلتنا، إذ لا نص معنا يكون قرينة نحمل بها الظاهر عليه، وحينئذ لا يلزم ما ذكره من كذب إحدى الآيتين ولا يحصل له مطلوب.

_ (1) دمشق: البلدة المشهورة. وهي قصبة الشام، ويقال لها قديما جنة الشام، لحسن عمارتها وبقعتها وكثرة أشجارها وفواكهها، ومياهها المتدفقة في مساكنها وأسواقها وجامعها ومدارسها. قيل: سميت بذلك: لأنهم دمشقوا في بنائها. أي: أسرعوا. وقيل: اسم واضعها دمشق بن كنعان. وقيل: غير ذلك. [انظر مراصد الاطلاع 2/ 534]. (2) من الأولى أن يقول في بداية المثال:" سافرت عشرين يوما، فسرت من القاهرة ... " ليكون أكثر دقة. (3) في النسخ الثلاث:" في أن العشرة". (4) «أن» ليست في (ش). (5) في (ش): فإنه. (6) مع: ساقطة من (أ). (7) في (أ): المذكورة.

[مكان دفن الأنبياء]

[مكان دفن الأنبياء] ومنها: ما رواه مالك «1» في" موطئه" بسنده إلى أبي بكر «2» في كتاب" الجنائز" قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه» فحفر له فيه «3». قال:" وهذا افتراء وقول باطل. فإن" يعقوب" توفي بمصر، وحمل إلى «4» مقبرة أبيه إبراهيم" فدفن فيها «5»، وكذلك" إبراهيم" و" إسحاق" دفنا هناك ولم يدفنا في مكانيهما من داريهما، وكذلك" داود" و" سليمان"/ إلى غيرهما من الأنبياء ماتوا بأماكنهم، ودفنوا في غيرها. وبالجملة: ما دفن نبي من الأنبياء في مكانه الذي توفي فيه، فضلا أن يكونوا أجمعون دفنوا حيث ماتوا". قلت: الجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن ما ذكره من دفن يعقوب في غير/ موضع موته، مأثور عن التوراة، والتوراة فيها من التحريف والتهافت والتناقض ما يمنع الوثوق بها- كما سبق-.

_ (1) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 106. (2) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 88. (3) أخرجه مالك في الجنائز، باب ما جاء في دفن الميت، وهو من بلاغاته- رحمه الله- وسيأتي بقية لتخريجه عند غير مالك. (4) إلى: سقطت من (أ). (5) في (م): بها.

الثاني: أنه «1» ذكر في التوراة أن يعقوب بقي بمصر يبكي عليه سبعين يوما «2». ولو بقي ذلك القدر غير مدفون لأنتن وأراح «3» إذ هو بشر على كل حال وذلك إهانة للميت. ولهذا جاء في شرعنا: أن من إكرام الميت أن يبادر بدفنه، فدل على أنهم دفنوه حتى انقضت مناحتهم «4»، ثم استخرجوه فنقلوه إلى آبائه. وحينئذ لا يكون نقله منافيا لدفنه حيث مات. فإن قيل: لعلهم صبروه «5» حتى مكث تلك المدة ولم يحتج إلى دفن. قلنا: هذا لم ينقل في صورة التوراة ولا غيرها ومجرد احتماله لا يكفي في التصديق به. وما ذكر فيها من تحنيطه لا يدل على تصبيره، إذ كل الموتى يحنطون عند الإمكان «6».

_ (1) أنه: سقطت من (أ). (2) القصة في سفر التكوين آخر اصحاح منه حسب التراجم الحديثة، وفيها أنه بقي يبكي عليه أربعين يوما. وهذا دليل على تحريفهم التوراة بعد زمن المؤلف أيضا. (3) أراح: من راح: أي وجد ريحه. [انظر مختار الصحاح ص 262]. (4) المناحة: الاجتماع للحزن. [انظر لسان العرب 2/ 627، ومختار الصحاح ص 684]. (5) هو من التصبير: وهو وضع الصّبر: أو الصّبر، على جسد الميت لتجفيف الرطوبات وتنشيفها. والصّبر: نبات كثير الماء في خضرته غبرة ... ويقال: إن ثمود لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع- نوع من الأدم- وتحنطوا بالصّبر لئلا يجيفوا وينتنوا، وتضمد به العينان. [انظر لسان العرب 4/ 442، 7/ 278، وشرح صحيح مسلم 8/ 124]. (6) التحنيط: وضع الحنوط على جسد الميت: والحنوط: طيب يخلط للميت خاصة، وقيل: الكافور. استدل بعض العلماء على تحنيط الميت بمفهوم الحديث الذي أخرجه البخاري في الجنائز، باب الحنوط للميت، ومسلم في الحج حديث 94 وغيرهما في قصة المحرم الذي سقط-

الثالث: أنك ناف ونحن مثبتون، والإثبات مقدم على النفي، إذا استوى المخبران، فكيف والمخبر بالإثبات ذو ناموس عظيم. وأنت فيلسوف علج. الرابع:- وهو المختار عندي في الجواب- منع صحة الحديث «1»، فإني كشفت عنه في كتاب" الجنائز" من الموطأ فلم أجده «2»، ولم أعلم أحدا رواه إلا أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق «3» قال: أنا «4» ابن جريج «5»، قال: أخبرني أبي «6»:

_ - من فوق دابته فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا» وبصريح الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت حديث 1462" من غسل ميتا وكفنه وحنطه وحمله وصلى عليه ولم يفش عليه ما رأى خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه" وإسناده ضعيف. [انظر فتح الباري 3/ 136، وما قال صاحب الزوائد على سنن ابن ماجه في الموضع المتقدم]. (1) أرى أن درجة الحديث والاعتماد عليه أقوى من درجة ما يدعونه من التوراة والإنجيل. وأن صحة أو ضعف هذا الحديث لا يهمنا ما دام اعتمادهم على ما هو أضعف كما بينه المؤلف في الوجه الأول. (2) الحديث رواه مالك في الموضع المشار إليه والترمذي وابن ماجه كما سيأتي قريبا. (3) عبد الرزاق بن همام ثقة تقدمت ترجمته ص: 174 من قسم الدراسة. (4) في المسند: أخبرني. (5) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد وأبو خالد: فقيه المسجد الحرام، كان إمام أهل الحجاز في عصره. وهو أول من صنف التصانيف في العلم بمكة، رومي الأصل، من موالي قريش، مكي المولد والوفاة. كان ثبتا لكنه يدلس ويرسل، روى له أصحاب الكتب الستة توفي سنة خمسين ومائة من الهجرة، وقد جاوز السبعين. [انظر تقريب التهذيب 1/ 520، وتاريخ بغداد 10/ 400 - 407]. (6) أبوه هو: عبد العزيز بن جريج، مولى قريش، قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: لم يسمع من عائشة. وقال الدارقطني: مجهول. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال ابن حجر: لين. [انظر تهذيب التهذيب 6/ 333، والتقريب 1/ 805، وتاريخ الثقات ص 304].

أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدروا أين يقبروه؟ «1» حتى قال أبو بكر سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لم يقبر نبي إلا حيث يموت» «2» فأخروا فراشه «3» وحفروا له تحته» «4». قلت: وفي هذا الحديث جهالة وإرسال، لأن أبا ابن جريج لا يعلم حاله في الرواية، وقد أرسله عن الصحابة، فلا نعلم هل سمعه منهم أو من غيرهم عنهم؟. وهاتان/ علتان لا يبنى «5» على ما كانتا فيه من الحديث فرع فضلا عن أن نلتزم تسليمه، والجواب عنه فيما يقدح في أصل الشريعة. ورواه ابن هشام «6» في السيرة من وجه لا يسكن إليه أيضا. وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلفوا في دفنه. فقال أبو بكر سمعت من «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما نسيته قال:" ما قبض الله نبيا إلا في

_ (1) في المسند:" أين يقبرون النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى ... (2) في (أ):" الا خبث بموت" وهذا تصحيف. (3) في (م): فرشه. (4) أخرجه أحمد في المسند (1/ 7) بسند منقطع. [انظر الفتح الرباني 21/ 255]. (5) في (أ):" لا يبنا" بالممدودة. (6) انظر الجزء الأخير من سيرة ابن هشام بتحقيق السقا والأبياري وشلبي ص 663، وقد تقدمت ترجمة ابن هشام في الدراسة ص: 178. (7) من: سقطت من (أ).

الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه/ في موضع فراشه «1»، وهو حديث غريب. وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي «2» وهو يضعف «3». كيف وقد روى ابن مكة «4» في" أماليه" والسهيلي «5» في" الروض": أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مات قالوا له: كيف نصلي عليك؟ قال: «إذا وضعتموني على شفير قبري في بيتي فاخرجوا عني، فإن الملائكة تصلي عليّ أولا» «6». وساق الحديث. فمع هذا النص كيف يكون الخلاف في موضع دفنه؟ فهذا مما يدل على ضعف ذلك الحديث.

_ (1) أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب 33 حديث 1018. (2) في (ش): الملكي، وعبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي ملكية المدني. ضعيف. [انظر تقريب التهذيب 1/ 474]. (3) قال الترمذي:" هذا حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه. فرواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أيضا" اهـ. قلت: أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلّى الله عليه وسلّم من طريق ابن عباس عن أبي بكر. قال في الزوائد في نفس الموضع" وفي إسناده الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي تركه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والنسائي، وقال البخاري: " يقال: أنه كان يتهم بالزندقة" وقواه ابن عدي، وباقي رجال الإسناد ثقات" اهـ. وأخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 292) من طرق منها ما هو موقوف على أبي بكر، وطريق مرفوع وفيه محمد بن عمر شيخ ابن سعد: متروك وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة: ضعيف. قلت: ولعله بمجموع طرقه يكون حسنا لغيره. والله أعلم. (4) لم أجد له ترجمة. (5) انظر ص 178 من هذا البحث .. (6) انظر الروض الأنف للسهيلي 4/ 274. وهو بنحو هذا اللفظ.

علامات الساعة وموقف النصارى منها

[الجزء الثاني] [علامات الساعة وموقف النصارى منها] قال: ومن هذا القبيل من الأخبار عما يستقبل ما خرّجه مسلم عن أبي سعيد عنه «1» قال:" لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة [اليوم] " «2» وهذا باطل للعيان، وها نحن على وجه الأرض أكثر من العالم في ذلك الزمان. وقد أتت المائة سنة التي ذكر، وبعدها مئون"/. قلت: هذا جهل بمراد هذا الحديث، وإنما المراد به ما تبين في حديث أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض نفس منفوسة- يعني اليوم «3» - تأتي عليها مائة سنة» / رواه مسلم «4» والترمذي «5». وعن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: «أرأيتم ليلتكم هذه؟ على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».

_ (1) أي عن النبي- صلى الله عليه وسلم-. (2) كلمة:" اليوم" زيادة من صحيح مسلم. والحديث في صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب قوله: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض ... ، حديث 219. (3) الجملة التفسيرية:" يعني اليوم". عند الترمذي، وفي ألفاظ مسلم الأخرى كلمة اليوم من صلب كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي توضيح ما يريد الطوفي الوصول إليه في إيراد هذه الأحاديث. (4) في كتاب فضائل الصحابة، باب قوله: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض ... ، حديث 218، بلفظ غير هذا. (5) في الفتن، باب 64 بتحقيق إبراهيم عطوة، بهذا اللفظ وقال الترمذي:" هذا حديث حسن" وبنحو لفظ مسلم أخرجه أحمد في المسند (3/ 345) وبلفظ آخر في (3/ 379).

قال ابن عمر: فوهل «1» الناس في ذلك فيما «2» يتحدثونه من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «3»: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» يريد أن «4» ينخرم ذلك القرن". أخرجاه في الصحيحين «5»، ورواه أبو داود «6» والنسائي «7» والترمذي «8». وقال حديث حسن «9» صحيح. فحديث أبي سعيد إن لم يكن فيه هذا التقييد فهو محمول عليه بهذين النصين «10».

_ (1) انظر هامش ص: 476 من هذا الكتاب. (2) في م:" فوهل الناس في الناس فيما يتحدثونه ... " وفي صحيح البخاري:" فوهل الناس في مقالة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى ما يتحدثون من هذه ... " وفي صحيح مسلم نحوه. (3) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ)، (ش). (4) في مواطن الحديث من الصحاح والسنن:" يريد بذلك. (5) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب السمر في العلم، وفي مواقيت الصلاة، باب ذكر العشاء والعتمة ... وباب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض ... » حديث 217. (6) في كتاب الملاحم، باب قيام الساعة. (7) لم أجده في سنن النسائي ولعله في الكبرى. (8) في الفتن، باب 64 بتحقيق إبراهيم عطوة 4/ 520. وأخرجه أحمد في المسند (2/ 88، 121). (9) كلمة" حسن" ليست في جامع الترمذي. نشر المكتبة الإسلامية. (10) قلت: والحديث مقيد بهذا التقييد بحمد الله فيكون أصرح الأحاديث. وأظن أن الطوفي لم يطلع على التقييد الذي زدته من صحيح مسلم، أو سها عنه.

قال العلماء: وفائدة إخبارهم بذلك: أن يبادروا بالعمل ويغتنموا مدة المهل. ولعمري إن هذا النصراني معذور في سوء فهمه لهذا الحديث، إذ كان بعض الصحابة وهم فيه. ثم العجب ممن يفهم من هذا الحديث غير ما ذكرناه مع أنه- عليه السلام- وعد بأشياء تكون عند اقتراب الساعة كالدجال ويأجوج ونحوها «1» من نفخ الصعق، والقواطع الدالة على بقاء العالم، لكن الوهم لم يسقط عن أحد. والله أعلم. قال/: وفي كتاب" الطلاق" «2» من البخاري «3» عن سهل بن سعد الساعدي «4» قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «5»: «بعثت أنا

_ (1) أخرج مسلم في صحيحه (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الآيات التي تكون قبل الساعة، حديث 39، 40) عن حذيفة بن أسيد الأنصاري- رضي الله عنه- قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر. فقال: «وما تذاكرون؟» قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات». فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم- صلى الله عليه وسلم- ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. (2) باب اللعان ... (3) من البخاري: مكررة في (أ). (4) أبو العباس سهل بن سعد بن مالك بن خالد الخزرجي الأنصاري، الساعدي من بني ساعدة الصحابي المعمر بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي أبوه- رضي الله عنهما- في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم وسهل له من الرواية في كتب الأحاديث ثمانية وثمانون ومائة حديث. وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة سنة إحدى وتسعين على الأشهر. [انظر الإصابة 2/ 88 ت 3533، وسير أعلام النبلاء 3/ 422 - 424]. (5) صلى الله عليه وسلم: ليست فى: (أ).

والساعة كهاتين» مشيرا بالسبابة والوسطى «1». ومن باب قرب الساعة من البخاري ومسلم عن عائشة: أن رجالا من الأعراب كانوا يأتون النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» فيسألونه عن الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم/ فيقول: «إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم" «3». قلت: أما الحديث الأول فصحيح المعنى، إذ معناه أنه بعث قريبا من قيام الساعة، لكن البعد والقرب إضافيان، فقد يكون الشيء قريبا بالنسبة إلى أبعد منه، بعيدا بالنسبة إلى أقرب منه، والتفاوت بين الوسطى والسبابة نحو سبعها تقريبا، ومنذ بعث «4» آدم إلى حينئذ نحو سبعة آلاف سنة- على خلاف في ذلك- «5».

_ (1) في الموضع السابق من صحيح البخاري:" ... كهذه من هذه، أو كهاتين وقرن بين السبابة والوسطى". وقد أخرج الحديث أيضا في تفسير سورة النازعات، وفي كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» بألفاظ متقاربة. وأخرجه مسلم في كتاب الفتن، باب قرب الساعة. بعدة ألفاظ، وفي كتاب الجمعة ... حديث 43، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل، وفي كتاب الفتن، باب أشراط الساعة. والدارمي في كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وأحمد في مواضع من المسند منها (4/ 309). (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش). (3) قال هشام أحد رواة الحديث:" يعني موتهم" والحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق باب سكرات الموت، وفي كتاب الأدب، باب قول الرجل ويلك. بنحوه عن أنس. وفي صحيح مسلم عن عائشة في كتاب الفتن، باب قرب الساعة، حديث 136، وأخرجه أحمد في المسند في مواضع منها (3/ 228) عن أنس. (4) أي: خلق. (5) روي عن ابن عباس سبعة آلاف سنة، وعن وهب بن منبه ستة آلاف سنة. وقال الطبري: والصحيح من ذلك ما دل على صحته الخبر الذي رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس» وقد أورد ابن حجر في الفتح أقوالا كثيرة في هذا الموضوع. وأخرج ابن الأثير في منال الطالب في شرح طوال الغرائب في-

ومن عهد النبوة إلى الآن قريب من ألف سنة «1»، فهذا تقريب صحيح. ووقت القدح في هذا الحديث لم يأت بعد. فإن تمادي العالم نحو ألف أو ألفي سنة أخرى قد يتجه «2» للقادح أن يقدح أو نجيب نحن «3» بجواب آخر. وأما الحديث فصحيح أيضا، والمراد بقيام ساعتهم فيه موتهم لأن من مات فقد قامت قيامته، لأنه يصير إلى أوائل أوقات القيامة، إذ" القبر أول منازل الآخرة" «4». ثم هذا معارض بما في آخر الفصل الرابع والعشرين «5» من إنجيل مرقس. والتاسع والعشرين «6» من إنجيل لوقا: حيث يقول المسيح:" إن هاهنا قوما من القيام لا يموتون «7» حتى يعاينوا ملكوت الله" «8».

_ - حديث ابن زمل الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفا» قال ابن الأثير: هذا حديث حسن، شامي الإسناد، وقد أخرجه الأئمة في كتبهم ... " (انظر فتح الباري 11/ 350 - 352، والكامل في التاريخ 1/ 11، ومنال الطالب ص: 249 - 250). (1) المؤلف يقول هذا في سنة سبع وسبعمائة من الهجرة. فيكون التقريب نحو ثمانمائة سنة من عهد النبوة، وما قاله فيه مبالغة. (2) هكذا في النسخ الثلاث، ولعل الصواب:" قد لا يتجه" والله أعلم. (3) نحن: ليست في (أ). (4) هذا طرف من حديث الترمذي في كتاب الزهد، باب 5، وابن ماجه في كتاب الزهد باب ذكر القبر والبلى، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن يوسف" قلت: وهو ثقة، وبقية السندين ثقات. والله أعلم. (5) في الثالث عشر في التراجم الحديثة. (6) في الواحد والعشرين من التراجم الحديثة. (7) في (م): فيموتون. (8) نص مرقس في التراجم الحديثة بعد أن أخبر عن أمر الساعة قال:" الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله" اه. وفي لوقا:" فاعلموا أن ملكوت الله قريب، الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل ... " اه.

ومراده بملكوت الرب: القيامة، كما في سائر المواضع من الإنجيل ولا يصح حمل ملكوت الله هاهنا على الآيات والمعجزات، لأنهم كانوا قد عاينوها. قال: وفي تفسير ابن عطية لسورة القمر، قال أنس: خطب رسول الله/ وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقى من هذا اليوم فيما مضى» «1» وقال: «إني لأرجو أن/ يؤخر الله أمتي نصف يوم» «2». قلت: هذا حديث له أصل في الرواية لكنا لا نحقق صحته كغيره، لكن قد «3» رواه النسائي وابن ماجه «4» والترمذي وحسنه، فلا يلزمنا الجواب عنه، بل

_ (1) أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، عن أبي سعيد بلفظ نحو هذا اللفظ ثم قال:" وفي الباب عن حذيفة وأبي مريم، وأبي زيد بن أخطب، والمغيرة بن شعبة، وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. وهذا حديث حسن صحيح" اهـ. وأخرجه ابن كثير في تفسير سورة القمر عن البزار. وقال ابن كثير: " مداره على خلف بن موسى بن خلف عن أبيه، وقد ذكره ابن حبان في الثقات" وقال:" ربما أخطأ" وقال الهيثمي عنه وعن أبيه:" وقد وثقا". قلت: وهذا سند غير سند الترمذي. وأخرجه أحمد في المسند (3/ 19) عن أبي سعيد بسند رجاله رجال الصحيح. [انظر مجمع الزوائد 10/ 314]. (2) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب قيام الساعة، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم» قيل لسعد وكم نصف ذلك اليوم؟ قال: خمسمائة سنة. قال ابن حجر:" ورواته موثوقون إلا أن فيها انقطاعا" [فتح الباري 11/ 351] وأخرجه أحمد في المسند (1/ 170) من طريق آخر عن سعد بنحو لفظ أبي داود. بسند موصول فيه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم: ضعيف. (3) قد: ليست في (أ). (4) لم أجد الحديثين في غير المواضع السابقة من الكتب المشهورة. وقد جعلهما المؤلف عفا الله عنه حديثا واحدا، وهما حديثان.

الأحاديث الثابتة في الرواية كأحاديث البخاري ومسلم لا يلزمنا الجواب عنها في هذا المقام، لأنها آحاد، والآحاد غايتها أن تثبت بها أحكام الفروع لا أن تورد نقضا على أصول/ الشرائع «1». ولهذا قال أكثر طوائف المسلمين:" لا تثبت بأخبار الآحاد صفة لله، لأن مسائل الأصول القطعية لا تثبت إلا بقاطع" «2» وإنما نحن تبرعنا بالجواب عن تفاصيل هذه الأحاديث تبرعا. وهذه قاعدة نافعة في هذا الباب- وقد سبقت في أول الكتاب- ثم إن «3» تبرعنا بالجواب عن هذا كما تبرعنا به عن غيره «4». فمعنى قوله:" ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي «5» من هذا اليوم فيما مضى" هو قريب من قوله: «بعثت أنا والساعة كهاتين». والمعنى الجامع بين الحديثين تقليل «6» ما بقي من الدنيا بالإضافة إلى ما مضى منها، وهذا صحيح، فإنه- عليه السلام- أخبر بجملة من أشراط الساعة وقد ظهر

_ (1) سبق الكلام عن حجية حديث الآحاد والرد على من أنكر ذلك ورد قول الطوفي في هذه المسألة ص: 147 - 153. وليس له حاجة هنا إلى ما ذهب إليه في خبر الآحاد، وهو في العمل به على غير ما قاله. بل يستند أحيانا إلى حديث ضعيف ويدافع عنه. كما في قصة الغرانيق وغيرها. (2) القائلون بذلك هم: الجهمية والمعتزلة والشيعة، وبعض الطوائف التي لا يعتد بقولها. وإلا فإن جمهور المسلمين: إذا صح الحديث تلقوه بالقبول، وإن كان آحادا، ويثبتون به صفات الله تعالى وأسماءه وليس المخالفون لهم بأكثر طوائف المسلمين إلا في بعض العصور التي كثرت فيها الفتن وترأس فيه أهل البدع والضلال، كما حدث في عصر الطوفي. ثم إن الأمر لا يلزمه هذه التنازلات للنصراني، والله الموفق. (3) هكذا في النسخ الثلاث. والأصح:" إنا تبرعنا". (4) لا نوافق الطوفي ومن وافقه من الأصوليين على هذه القاعدة كما تقدم في الدراسة. (5) ما بقي: سقطت من: (أ). (6) في (أ): بقليل.

كثير منها، فما عادت تتأخر، ولو عاش هذا الخصم لأبصر. وأما قوله: «إني «1» لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» فالمراد باليوم من أيام الآخرة «2» وهو ألف سنة لقوله تعالى: وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «3» ولا شك أن علم وقت الساعة من كنوز الغيب الذي استبد «4» الله بعلمه لقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... (34) «5» وقوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ... (187) «6». فالنبي- صلى/ الله عليه وسلم- ما كان يعلم عين وقت الساعة، لأنا لم نعتقده إلها، كما اعتقدتم إلهية المسيح، بل هو رسول كريم يعلم ما أعلمه «7» الله سبحانه كما قال: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ... (27) «8» فكان يعلم أمارات الساعة وقد أخبر بها ووقع بعضها ونحن ننتظر الباقي لا عين وقتها، ولذلك قال: «اني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» يعني خمسمائة «9»، وها قد أعطاه الله رجاءه وزيادة فهذا اليوم سبعمائة سنة وسبع سنين". وفي الزمان تراخي.

_ (1) في (م): واني. (2) هذا مروي عن عكرمة، وقال ابن عباس ومجاهد: يعني من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض. ورواه الطبري في تاريخه والسهيلي بسند ضعيف وللعلماء في ذلك أقوال ليس عليها أدلة. [انظر فتح الباري 11/ 351، وتفسير القرطبي 12/ 78]. (3) سورة الحج، آية: 47. (4) الاستبداد بالشيء: الانفراد به، والاختصاص. [انظر منال الطالب ص 402، ومختار الصحاح ص 43]. (5) سورة لقمان، آية: 34. (6) سورة الأعراف، آية: 187. (7) في (أ):" ما علمه" بدون همزة. (8) سورة الجن، آية: 26 - 27. (9) أي خمسمائة سنة.

[منافع الحبة السوداء]

[منافع الحبة السوداء] قال: وفي كتاب الطب من البخاري «1» عن عائشة قالت: سمعت النبي يقول: «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» «2». قلت: هذا الحديث صحيح متفق عليه «3»، وفي لفظ البخاري عن ابن أبي عتيق «4» قال: (عليكم بهذه الحبة السوداء، خذوا «5» منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه- يعني المريض- بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب «6» فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ... الحديث «7».

_ (1) باب الحبة السوداء: عن عائشة وعن أبي هريرة- رضي الله عنهما-. (2) وتكملته:" قلت: وما السام؟ قال: الموت" وفي الرواية الأخرى عن أبي هريرة:" قال ابن شهاب: والسام الموت، والحبة السوداء الشونيز". (3) أخرجه البخاري في الموضع السابق، ومسلم في كتاب السلام، باب التداوي بالحبة السوداء حديث 88، عن أبي هريرة، وأخرجه الترمذي في كتاب الطب، باب ما جاء في الحبة السوداء عنه، وابن ماجه في الطب، باب الحبة السوداء، وأحمد في المسند بعدة روايات في مواضع منها (2/ 241، 261، 268). (4) هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، المعروف بابن أبي عتيق، ويكنى بأبي بكر روى عن عمة أبيه عائشة- رضي الله عنهما- وعن ابن عمر. اشتهر بالمزاح، وقيل: إنه معدود في الصحابة لأنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه وجده وجد أبيه صحابة مشهورون. [انظر تهذيب التهذيب 6/ 11، وفتح الباري 10/ 144]. (5) في صحيح البخاري: فخذوا. (6) وفي هذا الجانب: سقطت من (أ). (7) وهذا أيضا في لفظ ابن ماجه في المواضع السابقة.

وعن قتادة قال: حدثت/ أن أبا هريرة قال:" الشونيز «1» دواء من كل داء إلا السام" قال قتادة: يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة، فيجعلهن في خرقة، فلينقعه، فليستعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين، وفي الأيسر قطرة، والثاني: في الأيسر قطرتين وفي الأيمن قطرة./ والثالث: في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة «2». قلت: فالظاهر أن هذا عن توقيف فلا ينبغي أن يقدح في هذا الخبر حتى يجرب على هذه الصفة، فإن صح فقد حصل المقصود، وإلا أمكن الجواب من وجوه: أحدها: أن أثر الشيء/ قد يتخلف لمانع، فربما تخلف أثر الشونيز لعدم خلوص نية المستشفي به في تلقي خبر الشارع «3»، ولا شك أن الشارع لم يبعث طبائعيا «4» ولا طبيبا، وإنما يصف ما يصف من هذا على جهة التبرك باختياره فيصير كالأدعية التي أمر بها، وقد صح عنه أنه قال:" إذا دعوتم «5» الله فادعوه وأنتم

_ (1) الشونيز: لفظ فارسي. وهو الحبة السوداء، وهي الكمون الأسود، وتسمى الكمون الهندي. وقيل فيها غير ذلك. والصحيح ما ذكر. [انظر زاد المعاد 4/ 297، وفتح الباري 10/ 145]. (2) لم أهتد إلى موضع قول قتادة هذا، رغم البحث عنه. (3) يمكن استشفاء الكافر به، ويشفى بإذن الله الذي وسعت رحمته كل شيء كما في قصة اللديغ، ولكن مقصود الطوفي على جهة التبرك كما اتضح من كلامه بعد هذه العبارة. (4) أي: لم يكن ذلك طبيعة أو سجية له، ولم تكن صنعته، ولا تعلمها. [انظر لسان العرب 8/ 232]. (5) في (ش)، (أ): دعيتم.

موقنون بالإجابة، فإن الله لا يسمع دعاء من قلب غافل لاه" «1» أو لغير ذلك من الموانع. الثاني: حمل الخبر على التقييد بما إذا كان المعالج به النبي صلى الله عليه وسلم كرامة له وإعجازا. الثالث: تقييده بما إذا ركب مع أدوية خاصة «2» تركيبا خاصا أو في زمن خاص أو في مزاج خاص. وليس هذا بأول لفظ قيد من ألفاظ الأنبياء، فإن الاطلاقات في كلامهم كثيرة والعلماء يقيدونها. ثم ماذا ينكر من الخبر. وقد ذكر الأطباء للشونيز منافع كثيرة؟. قال ابن جزلة «3» في المنهاج «4»:

_ (1) في النسخ الثلاث: لا هي. والحديث. أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب 66، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» قال أبو عيسى:" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، سمعت عباسا العنبري يقول: اكتبوا عن عبد الله بن معاوية الجمحي فإنه ثقة" اهـ. قلت: وثقه ابن حجر في التقريب. ولكن ضعف شيخه" صالح المري". وأخرج أحمد في المسند (2/ 177) عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل». ويقول المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 294): " إسناده حسن" ويقول الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 151):" رواه أحمد وإسناده حسن" اهـ. (2) في: (أ) " أدوية خاصا تركيبا خاصا". (3) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 182. (4) حسب ما في الأعلام للزركلي (8/ 61) أن الكتاب ما يزال مخطوطا.

«الشونيز حار يابس في الثالثة مقطع للبلغم، جلّاء، محلل للرياح والنفخ ويقطع الثئاليل «1» والخيلان «2» والبهق «3» والبرص «4» والجرب «5»، وينفع من الزكام البارد، وخصوصا مقلوا مجموعا على «6» خرقة كتان ويطلى به جبهة من به صداع بارد ويفتح السدد، والسعوط به ينفع ابتداء الماء، وشربه ينفع من انتصاب النفس «7» ويقتل الديدان، ولو طلي على السرة، وبذر الحيض، والماء والعسل للحصاة، ويحل الحميات البلغمية والسوداوية، ودخانه يطرد «8» الهوام، وهو ينفع من لسع الرتيلا «9»، وقدر ما يؤخذ منه إلى درهم «10» ".

_ (1) الثآليل: جمع ثؤلول، وهو داء يشبه الجنون. وقيل داء يأخذ الغنم كالجنوب يلتوي منه عنقها أو ما نبت في الجلد من المشاهد الآن [المصباح المنير 1/ 108 ولسان العرب 11/ 95]. (2) الخيلان: جمع خال، وهي الشامة في الجسد. [منال الطالب ص 352]. (3) البهق: بياض في الجسم مخالف للونه. دون البرص. [المصباح المنير 1/ 80، ولسان العرب 10/ 29]. (4) البرص: داء معروف نسأل الله العافية منه، وهو بياض يقع في الجسد. [لسان العرب 7/ 5، وانظر مختار الصحاح ص 48]. (5) الجرب: خلط غليظ يحدث تحت الجلد من مخالطة البلغم الملحم للدم يكون معه بثور على جلد الإنسان والإبل والماعز من الغنم وربما حصل معه هزال لكثرته. [انظر المصباح المنير 1/ 116، ولسان العرب 1/ 259]. (6) في (م):" في خرقة كتان". (7) انتصاب: من نصب: أي تعب. [انظر مختار الصحاح ص 661، والمشوف المعلم 2/ 772] وفي زاد المعاد (4/ 298): أن شربه ينفع من ضيق النفس. فيكون المعنى مقارب. (8) في (أ): مطرد. (9) الرتيلا: عدها الجاحظ في الحيوان (2/ 237، 4/ 226) من العناكب التي لها سموم في خراطيمها وفيها ما يقتل. (10) ذكر هذا وأكثر منه الإمام ابن القيم في زاد المعاد 4/ 296 - 300.

وذكر غيره له غير ذلك من المنافع. ثم إنه إذا كان حارا يابسا في الثالثة فاتجاه مضمون الحديث منه معقول. وذلك لأنه متمكن في طبع الحياة/ وهو الحرارة. فهذا أصل يبنى عليه، ثم المرض ينقسم بانقسام العناصر/ الأربعة في كيفياته، وهي معروفة. وتقرر أن العلاج قمع الشيء بضده، فإن كان المرض باردا رطبا، فالشونيز مضاد له فيصلح دواء له. وإن كان باردا يابسا فقد تضادا في الحرارة واشتراكهما في اليبوسة يعدل بالمرطبات، وكذلك إن كان المرض حارا رطبا أو يابسا تضادا في الحرارة. وما اشتركا فيه يعدل على ما شرحته الصناعة. وبهذا التقرير يصح «1» أن فيه دواء من كل داء. بقي أن يقال: فعلى هذا تبطل فائدة التخصيص بالشونيز، لأن هذا متجه في كل حار يابس أو رطب فيقال: يجوز أنه خصه بالذكر لما اختص به من خواص لا يشارك فيها، أو أنه كان «2» أعم وجودا عندهم أو أن هذا مفهوم لقب «3» فلا يكون حجة على انتفاء الحكم في غيره «4».

_ (1) في (ش): نص. (2) في (م):" أو إذا كان ... ". (3) مكان:" مفهوم لقب" بياض في (م). (4) لو كان قوله: «مفهوم لقب فلا يكون حجة على انتفاء الحكم في غيره» بياض في (ش). ولو اقتصر المؤلف في هذا على أنه قد يكون هناك أشياء لم يهتد الناس إليها حتى الآن لكان أولى. والله أعلم.

(الشرط الثاني الطهارة)

[طهارة محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلو همته] قال:" وإذ قد فرغنا من امتحان الشرط الأول وهو الصدق. وحصلنا من «1» ذلك على ما اتضح «2» وظهر. فلندخل إلى امتحان الشرط الثاني وهو: الطهارة فنتأمل ما صح عنه من ذلك". قلت:" قوله: وحصلنا من ذلك على ما اتضح وظهر" يوهم أنه/ حصل على مطلوب. ولم يحصل مع «3» ما أجبنا به على شيء فليجمع خاطره «4». قال:" فمن ذلك حديث البخاري عن أنس قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة «5» قيل له «6»: وكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين «7» ".

_ (1) في (ش): في. (2) في (أ): يصح. (3) مع: سقطت من (أ). (4) أي يجعل الأمر في نفسه ولا ينشره لأنه ليس بشيء. قال ابن منظور:" يقال: أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا". [انظر لسان العرب 8/ 57]. (5) في بعض الروايات عند البخاري:" وهن يومئذ تسع نسوة". (6) في صحيح البخاري: قال قلت لأنس: وكان يطيقه؟. (7) أخرجه البخاري في كتاب الغسل، باب إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه ... وطرف منه في باب الجنب يخرج ويمشي في السوق ... من نفس الكتاب. وفي كتاب النكاح باب كثرة النساء، وباب من طاف على نسائه في غسل واحد، وأخرجه أحمد في المسند (3/ 239) بلفظ: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على تسع نسوة في ضحوه".

ثم ساق أحاديث عشرة النبي- عليه السلام- لنسائه واستمتاعه بهن، نحو ماروت عائشة:" أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «1» كان يقبلها/ وهو صائم ويمص لسانها «2» "، وقولها:" خالط ريقي ريقه في آخر أيام الدنيا" «3»،" وكان يأمرني وأنا حائض فأتزر ويباشرني «4» " وقصة تزوجه زينب «5». وقوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ... (37) «6».

_ (1) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ)، (ش). (2) أخرجه بهذا اللفظ أبو داود في كتاب الصوم، باب الصائم يبلع الريق، وقال ابن الأعرابي في هذا الموضع من سنن أبي داود:" بلغني عن أبي داود أنه قال: هذا الإسناد ليس بصحيح" اهـ. وأخرجه أحمد في المسند (6/ 123، 234) والتقى في إسناديه مع أبي داود في محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع عن عائشة. قلت: وتقبيله صلى الله عليه وسلم لنسائه- وهو صائم- صحيح ورد في أحاديث صحيحة غير هذا. أما قوله:" ويمص لسانها" فيقول ابن القيم رحمه الله:" وقال عبد الحق: لا تصح هذه الزيادة في مص اللسان لأنها من حديث محمد بن دينار عن سعد بن أوس، ولا يحتج بهما" اهـ. وبنحوه هذا قال الخطابي. [انظر مختصر سنن أبي داود، ومعالم السنن، وتهذيبه لابن القيم 3/ 263 - 264]. (3) هذا طرف من حديث أخرجه البخاري بألفاظ ومن طرق في كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وفي كتاب النكاح، باب إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن ... (4) أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، ومسلم بمعناه في أول كتاب الحيض، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في مباشرة الحائض، والدارمي في كتاب الوضوء، باب مباشرة الحائض. (5) زينب بنت جحش الأسدية أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأمها أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة ثلاث وقيل: خمس من الهجرة، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وفيها نزلت: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وكانت تفخر بذلك وبأنها ابنة عمته. توفيت سنة عشرين من الهجرة- رضي الله عنها-[انظر الإصابة كتاب النساء (ت: 470)]. (6) سورة الأحزاب، آية: 37.

وقول عائشة حين نزلت: تُرْجِي «1» مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ «2» ما أرى ربك إلا يسارع في هواك «3». وما ذكره المسلمون من أن من «4» خصائصه أنه كان إذا وقع بصره على امرأة ورغب فيها وجب على الزوج طلاقها، وأنه لما رأى زينب حاسرة قال: (سبحان مقلب القلوب) «5» وأن

_ (1) ترجي: تؤخر. ومعنى الآية:" ترجى من تشاء من أزواجك، لا حرج عليك أن تترك القسم لهن فتقدم من شئت وتؤخر من شئت، وتجامع من شئت وتترك من شئت". [انظر تفسير ابن كثير 3/ 501]. (2) سورة الأحزاب، آية: 51. (3) أخرج البخاري في تفسير سورة الأحزاب عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ... قلت:" ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" وأخرجه أيضا في كتاب النكاح، باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد؟ ومسلم في كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث 49، 50، 51، والنسائي في أول النكاح، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وأحمد في المسند (6/ 134، 158، 261). (4) في (م): من أن خصائصه. (5) هذه القصة أوردها ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/ 101) مرسلة من طريق محمد بن عمر بن يحيى بن حبان: وهي قصة طويلة لا يتسع المقام لسردها كاملة، غير أنها باطلة لعدة أمور منها: 1 - أنها مرسلة. 2 - أن في سندها محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث، ويقلبه. وفيه أيضا عبد الله بن عامر الأسلمي ضعيف ومتروك الحديث، وكان يقلب الأسانيد والمتون ويرفع المراسيل. [انظر مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، للدكتور زاهر الألمعي ص 19] ولابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 13 - 14) روايات في زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب كلها موقوفة على بعض التابعين وفيها ضعف.

صفية «1» صارت لدحية «2» فوصفت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- «3» فبعث إلى دحية فأعطاه ما أراد ثم أخذها فقال لأم «4» أنس «5»:" أصلحيها" «6».

_ (1) صفية بنت حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة من بني النضير من سبط لاوي بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، صارت من السبي اليهودي يوم خيبر فأخذها دحية ثم استعادها النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها وحسن إسلامها وكانت من أجمل نسائه صلى الله عليه وسلم عاقلة حليمة فاضلة، توفيت- رضي الله عنها- سنة اثنتين وخمسين من الهجرة. [انظر الإصابة، كتاب النساء (ت 650)]. (2) دحية بن خليفة بن فروة الكلبي من كلب في قضاعة، وهو من كبار الصحابة، وهو الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في الهدنة سنة ست، فآمن به قيصر وأبت بطارقته فأخبر دحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ثبت الله ملكه ... " كان جبريل- عليه السلام- يأتي النبي- عليه السلام- في صورة دحية وكان جميلا. توفي في زمن معاوية- رضي الله عنهما. [انظر سير أعلام النبلاء 2/ 550 - 556، والاستيعاب 2/ 461]. (3) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش). (4) هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية، اختلف في اسمها فقيل: سهلة. وقيل: رملة. وقيل غير ذلك. وهي من السابقين للإسلام، عرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج الشام فهلك هناك ثم تزوجها أبو طلحة- رضي الله عنهما- وكان صداقها منه أن أسلم. [انظر الاستيعاب 4/ 1940، والإصابة كتاب النساء (ت 1321)]. (5) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد بدرا وهو لم يبلغ، وخدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فكان من المكثرين لرواية الحديث دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد ودخول الجنة، واستعمله أبو بكر وعمر وعلي على عمالة البحرين، ثم استقر بالبصرة حتى توفي بها سنة ثلاث وتسعين للهجرة، وعمره أكثر من مائة سنة. [انظر البداية والنهاية 9/ 88 - 92، والإصابة ت 277]. (6) روي هذا الحديث بألفاظ متعددة. وقد أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب ما يذكر في الفخذ، وفي مواضع أخرى من صحيحه، وأخرجه مسلم في كتاب النكاح، باب فضيلة اعتاقه-

وذكر السبب في قوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ... (1) «1» وأشباه هذا. ولم يذكر في هذا الشرط تشنيعا بناء على ما قدم في أول الكتاب من كلام موسى بن عبيد الله وغيره: أن حاسة/ النكاح عار فهذه مقدمة. ثم أثبت هنا أن محمدا كان مولعا بحاسة النكاح فانتظم له الدليل «2» فصار في التقدير تقريره هكذا «3»: محمد كان مولعا بحاسة النكاح، وحاسة النكاح عار، فمحمد كان مولعا بالعار ومن كان مولعا بالعار لا يكون طاهرا. والنبي من شرطه أن يكون طاهرا، فمحمد ليس بطاهر فلا يصلح أن يكون نبيا. والجواب عن هذا قد سبق أول الكتاب تاما كاملا «4»، لكن نبين هنا وجه بطلان شبهته، وذلك بمنع أن حاسة النكاح عار، بل هو من أحسن الأفعال، وجيد القرب، لأن فيه مصلحتين عظيمتين:/ إحداهما: وجودية، وهي إقامة النوع الإنساني بتكثير العباد والعبادة «5». والثانية: عدمية، وهي إعدام الزنا بالاكتفاء بالحلال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم

_ - أمة ثم يتزوجها، حديث 88، وله عنده عدة روايات. وأخرجه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة باب ما جاء في سهم الصفي، والنسائي في النكاح، باب البناء في السفر، وأحمد في المسند (3/ 102). (1) أول سورة التحريم. (2) على زعم النصراني. (3) في (أ): هكذى. (4) انظر ص: 265 - 285 من هذا الكتاب. (5) في (ش)، (أ):" والعباد"، قلت: والتعبير الأدق:" العباد العباد".

لأصحابه: «في فعل كذا صدقة، وفي كذا صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ثم يثاب؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يعاقب؟» قالوا: نعم. قال: (فكذلك) «1». ثم يقال: إن كان هذا عارا فالأنبياء المتقدمون أولى به، فقد كان لسليمان ألف من بين زوجة وسرية وطاف في ليلة واحدة على سبعين امرأة «2» " وكانت له

_ (1) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف عن أبى ذر- رضي الله عنه- أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: ذهب أهل الدثور بالأجور. يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم. ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة. وكل تهليلة صدقة. وأمر بالمعروف صدقة. ونهي عن المنكر صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). وأخرجه أحمد في المسند (5/ 168). (2) أخرج البخاري في كتاب النكاح، باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي عن أبي هريرة قال: قال: سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل واحدة غلاما يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل فنسي، فأطاف بهن، ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وسلم لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته" وأخرجه في مواضع أخرى في بعضها" على تسعين امرأة" وفي بعضها:" كان له ستون امرأة ... " وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الاستثناء، حديث 22، 23، 24، 25. وفي بعضها" على سبعين" وفي بعضها:" على تسعين" وفي أخرى:" كان لسليمان ستون امرأة ... " وأخرجه الترمذي في كتاب النذور، والإيمان، باب ما جاء في الاستثناء في اليمين، والنسائي في-

امرأة يحبها فعبدت صورة ابنها في داره بغير علمه، فعاقبه الله عن ذلك بأن نزع عنه الملك أربعين يوما «1» ". وكان لداود تسع وتسعون امرأة ثم صعد يوما السطح فرأى امرأة أوريا بن حنان «2» تغتسل، وكان من فرسانه وقواده فأرسل فشدد عليه في الجهاد حتى قتل ثم تزوج امرأته فكانت هي أم سليمان، وكانت تلك خطيئة «3». ومحمد- عليه السلام- إنما أخذ امرأة من زوجها باختياره بإذن الله «4».

_ - الأيمان والنذور، باب إذا حلف فقال له رجل إن شاء الله هل له استثناء؟. وفي باب الاستثناء. وأخرجه أحمد في المسند (2/ 229، 275، 506) ومدار الاختلاف في العدد على ما في البخاري ومسلم. ولم يرد ألف. أو أكثر من مائة. (1) هذه حكاية من الإسرائيليات التي أوردها بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى في سورة ص الآية 34:" ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ عن وهب بن منبه، وكعب الأحبار، وغيرهما. ومنها: ما ذكره القرطبي عند تفسير هذه الآية: أن سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون ... أعجب بها فعرض عليها الإسلام فأبت ... فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن أسلمت فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوما. (2) من التراجم الحديثة: أوريا الحثّي. (3) هذه القصة مذكورة في الأصحاح الحادي عشر من سفر صموئيل الثاني من التراجم الحديثة. (4) عبارة المؤلف توحي بأنه يميل إلى رأي ابن جرير الطبري في تفسيره (22/ 12) عند ما أورد الروايات المرسلة، والموقوفة على بعض التابعين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زينب فأعجبته-

وفي التوراة أن" أبيمالخ" أشرف يوما على" إسحاق"/ وهو يلاعب امرأته" رفقا" «1» وأن لوطا" أسكرته ابنتاه حتى أحبلهما «2». وأن" روبيل" ابن يعقوب وطئ سرية أبيه ونجس فراشه «3»، وأن" يهوذا ابن يعقوب" زنا بكنته على الطريق ورهنها عمامته وخاتمه وقضيبه على جدي يعطيها إياه «4». فأي العارين أشد؟ من ينكح النساء حلالا أم من ينكحهن زنا؟. على أننا لا نصدق هذا في الأنبياء، بل هو عندنا محرف مبدل، لكنه لازم/ لكم لأنه في التوراة، وأنتم تحتجون علينا بها. ثم إنا نقول لهذا النصراني: إن أول من نكح النساء" آدم" ثم تتابع بنوه في النكاح، الأنبياء والأولياء والصالحون والطالحون. فكيف يكون هذا/ عارا في حق بعضهم دون بعض؟ وهل هذا إلا عناد؟. ولأجل هذا السؤال الفاسد أنزل الله على نبيه- عليه السلام-: ولَقَدْ أَرْسَلْنا

_ - فعلم ذلك زيد فطلقها، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا غير صحيح وإنما أعلم الله سبحانه محمد صلى الله عليه وسلم بأن زيد سيطلق زينب ويزوجه الله بها، فأخفى ذلك فعاتبه الله عليه، وقد تحقق ما أخبر الله به رسوله فوقع خلاف بين زيد وزينب كان نتيجته الطلاق وبعد ذلك حقق الله ما كان قد أوحى به إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فزوجه زينب. والله أعلم. (1) انظر سفر التكوين الأصحاح السادس والعشرين. (2) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع عشر. (3) انظر سفر التكوين الأصحاح الخامس والثلاثين. (4) انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين.

رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وذُرِّيَّةً ... (38) «1». ولعلك حيث إن المسيح لم ينكح النساء تلزم العار جميع الأنبياء. وذلك لا يلزم، فإن المسيح- على رأيك- كان هو الله، أو ابن الله، فلا يجوز عليه النكاح. وعلى رأينا: أن «2» ذلك كان منه زهدا وعزوفا عن الدنيا، ولو تزوج وأولد لكان أكمل له، وعلى رأي بعض الناس: إنه كان حصورا كيحيى بن زكريا، لا يقدر على إتيان النساء «3». وعلى رأي آخرين أن ذلك كان آية كما كان «4» وجوده لا من بشر آية. فإلزامك على طريق المسيح ما يعود بالقدح على النوع الإنساني على الإطلاق لا يجوز ولا يسمع.

_ (1) سورة الرعد: 38. يقول القرطبي عند تفسير هذه الآية (9/ 327). " قيل: إن اليهود عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج، وعيرته بذلك وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله هذه الآية وذكرهم أمر داود وسليمان" اهـ. [انظر أيضا أسباب النزول للواحدي ص 207]. (2) «أن»: ليست في (ش). (3) الحصور: أصله من الحصر، وهو الحبس. والحصور الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن، ويحيى عليه السلام كان حصورا، بمعنى يحصر نفسه عن الشهوات: أي لا يأتيها كأنه حصور عنها، وهذا ما يليق بمقام الأنبياء عليهم السلام. [انظر تفسير القرطبي 4/ 77 - 79، وتفسير ابن كثير 1/ 361]. (4) «آية كما كان»: ليست في (ش).

(الشرط الثالث الإعجاز)

[معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم- وموقف النصراني منها] قال:" الشرط الثالث" الإعجاز ولم يأت محمد بمعجز، ولا خارق من خوارق العادة. قال: والدليل على ذلك: ما جاء في كتاب «1» السير أن أشراف قريش اجتمعوا عند الكعبة. فقالوا: يا محمد ما أدخل أحد على قومه ما أدخلت علينا لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسببت الآلهة فإن كنت تريد السيادة سودناك، أو المال أغنيناك أو كان بك جنون بذلنا أموالنا وأبرأناك. فقال:" لا شيء من ذلك كله، بل الله أرسلني إليكم بشيرا ونذيرا" قالوا: فإن كنت غير قابل/ ما عرضناه عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلدا منا، ولا أشد عيشا، فسل ربك- إن كنت نبيا- فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق فيها «2» أنهارا، كأنهار الشام والعراق «3»، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن في من مضى منهم «4»

_ (1) هكذا في النسخ الثلاث والصحيح: كتب. (2) في (م): منها. (3) العراق: البلد المشهور ما بين حديثة الموصل إلى عبّادان طولا، وما بين عذيب القادسية إلى حلوان عرضا، وسميت بذلك لأن اسمها بالفارسية إيران فعربتها العرب وقالوا: عراق. لاستواء أرضها وخلوها من الجبال وقيل غير ذلك. [انظر مراصد الاطلاع 2/ 926]. (4) منهم: ليست في (م).

" قصي بن كلاب" «1» فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا لك منزلتك من الله. وأنك رسوله. فقال لهم:" ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بالذي «2» بعثني به" قالوا: فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك فيما تقول، ويراجعنا «3» عنك، وسله فليجعل لك خياما وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي بالأسواق وتلتمس المعايش «4» كما نلتمسها. قال:" ما أنا بفاعل. ولا أسأل ربي هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا". قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا. وقالوا كثيرا حتى انتهى مقالهم إلى أن قالوا:/ أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك عنه فعلمك بما تراجعنا به «5»،

_ (1) قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي: سيد قريش في عصره ورئيسهم ويقال: بأنه أول من كان له ملك من بني كنانة. وهو الأب الخامس في نسب النبي صلى الله عليه وسلم، مات أبوه وهو طفل فتزوجت أمه رجلا من بني عذرة، انتقل بها إلى أطراف الشام فشب في حجره، وسمى قصيا لبعده عن قومه. ويرى المؤرخون بأن اسمه: زيد أو يزيد، ولما كبر عاد إلى بلده. وقد عرف بالدهاء. هدم الكعبة وجدد بناءها. وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء. لا ينازع ولا يفخر عليه فاخر. مات بمكة ودفن بالحجون. [انظر الأعلام 5/ 198 - 199، طبقات ابن سعد 1/ 66 - 73]. (2) في (أ): الذي. (3) في (أ): وتراجعنا. (4) في (ش): المعاش. (5) «به»: ليست في (ش)، وعبارة (أ): أنا سنسألك عنه فيعلمك بما تراجعنا ... ".

ويخبرك بما هو صانع بنا «1»، إذ لم نقبل منك/ ما جئتنا به «2». قد بلغنا: أنه إنما يعلمك بهذا رجل باليمامة «3» يقال له: الرحمن «4» وإنا- والله- لا نؤمن بالرحمن أبدا. ثم انصرف محمد حزينا إلى أهله «5». قال:" أفلا ترى كيف سألوه عن جملة معجزات، فلم يأت بواحدة، فظهر أنه إنما كان يعلمه القرآن: الرحمن الذي ذكروه، لا غير".

_ (1) " بنا" سقطت من (أ)، (ش). (2) في (أ):" ما جبيتنا له .. ". (3) اليمامة: بلد كبير في نجد فيه قرى وحصون وعيون ونخل، كان اسمها أولا: جوا، [مراصد الاطلاع 3/ 1483]، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (4/ 201) " مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الركب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: أبصر من زرقاء اليمامة فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها والنسبة إليها يمامي" اهـ. والصحيح أنها في نجد وليست في اليمن كما سيأتي في التعليق التالي لهذا. (4) هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي- من بني حنيفة- الوائلي المتنبّئ الكذاب من المعمرين، اشتهر بالكذب فصار في الأمثال:" أكذب من مسيلمة" ولد ونشأ باليمامة المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد. وتلقب في الجاهلية بالرحمن وعرف برحمن اليمامة، قدم قومه إلى مكة فأسلموا ولم يسلم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أشركه معه في الرسالة، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه المشهور. ظهرت فتنته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقض عليها إلا في خلافة أبي بكر بقيادة خالد بن الوليد، فقتل مسيلمة، وذلك في سنة ثنتي عشرة من الهجرة. [الكامل في التاريخ 2/ 203، 204، 243، والأعلام 7/ 226]. (5) ذكر القصة كاملة ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 164 - 166) والقرطبي في تفسيره (10/ 328 - 329) وابن كثير في تفسيره (3/ 63 - 64)، وابن هشام في السيرة (1/ 297)، وذكر السهيلي أن ابن إسحاق ذكر هذه القصة [انظر الروض الأنف 2/ 50].

قلت:/ أما قوله: إن محمدا لم يأت بمعجز فسنذكر من معجزاته ما يكتفي ببعضه العاقل، وأما ما ذكر من أنه لم يجب قريشا إلى ما سألوه من المعجزات فجوابه من أربعة أوجه: أحدها: أنه علم أنهم معاندون، وأنه لو أتاهم بذلك لم يؤمنوا «1» .. والدليل على ذلك في كلامهم. فإنهم قالوا له: أزل عنا هذه الجبال، وخرق لنا الأنهار في أرضنا، وأوسعها «2» علينا، وابعث لنا آباءنا مع" قصي «3» " فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك. فعلقوا تصديقهم له على شريطين: إزالة الجبال ونحوها، وتصديق الموتى [له، ولم يكتفوا بأحد الشرطين. ولا شك أن من له نية في متابعة الحق يكتفي ببعض ذلك. فإن بعد تصديق الموتى] «4» له في ذلك لا يبقى إلا العناد. فلما علم

_ (1) قال الله تعالى في سورة الأنعام (4): وما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وقال تعالى في نفس السورة: 25 ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذانِهِمْ وَقْراً وإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها ... الآية. وقال في نفس السورة أيضا 123 - 124: وكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ (123) وإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ... والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة في هذه السورة وفي غيرها. (2) في (أ): ولوسعها. (3) في (ش): قصي بن كلاب. (4) ما بين المعكوفتين ساقط من (ش).

عنادهم لم يجبهم إلى ذلك. ولهذا أوحى الله إليه: ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... (111) «1». وكذلك كان. فإنه لم يؤمن من قريش إلى يسير أول الأمر. الوجه الثاني: أنه علم باستقراء أحوال الأمم الخالية مع أنبيائهم أنه إن «2» عاجلهم بإظهار الآيات مع ما علمه منهم من العناد، أنهم يهلكون كما هلك قوم فرعون «3» بعد إظهار موسى آياته وعاد «4» وثمود «5» وغيرهم، وكما مسخ قوم

_ (1) سورة الأنعام، آية: 111. (2) «أن» سقطت من (أ). (3) فرعون: هو الوليد بن مصعب (فرعون موسى) قيل: إنه من العمالقة. وقيل: إنه فرعون يوسف عمّر إلى أيام موسى. وقيل: هو من القبط، وهو الذي ادعى الربوبية كما حكى ذلك عنه القرآن: فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24] وكان له دولة عظيمة، وكان وزيره هامان. قتل الأطفال الذكور من بني إسرائيل بأمر منه عند ما أخبره بظهور موسى الذي أنجاه الله وألقته أمه في اليم بأمر من الله والتقطه آل فرعون وتحقق أمر الله وهلك فرعون بالغرق وجنوده. والقصة معروفة لكل مسلم. [انظر البداية والنهاية 1/ 268 وما بعدها وتاريخ ابن جرير 1/ 405 فما بعدها]. (4) عاد: قبيلة من القبائل أرسل الله إليهم نبيه هود عليه الصلاة والسلام بعد أن كان الرجل منهم ليتخذ المصراع من حجارة، ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلّوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. ولكنهم لما كذبوا بآيات الله وجحدوا فأهلكوا بريح صرصر عاتية. [انظر تفسير القرطبي 20/ 44]. (5) ثمود: قوم صالح عليه السلام اشتهروا بقوتهم، وهم أول من نحت الجبال والصور والرخام. بنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبعمائة ألف كلها من الحجارة أيضا. قال الله تعالى عنهم: وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ [سورة الحجر 82] وكانوا لقوتهم يخرجون الصخور، وينقبون الجبال، ويجعلونها بيوتا لأنفسهم. [انظر تفسير القرطبى 20/ 48].

من قوم المسيح: خنازير، لما لم يؤمنوا بعد نزول المائدة «1»، ونحو ذلك فأراد التمادي بهم رجاء أن يفيئوا إلى الحق. وقد جاء في الحديث أنه- عليه السلام- قال: «خيرت بين أن يجعل الله لي الصفا/ ذهبا ثم إن لم يؤمنوا هلكوا، وبين أن ينظروا حتى أدعوهم إلى الإسلام فاخترت أن ينظروا» «2» معنى الحديث هذا، فهو «3» - عليه السلام- كان

_ (1) انظر تفسير الطبري 7/ 136، وتفسير القرطبي 6/ 369، عند تفسير قوله تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ونَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ونَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وآخِرِنا وآيَةً مِنْكَ وارْزُقْنا وأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115) [سورة المائدة 112 - 115]. وأخرج الترمذي في تفسير سورة المائدة عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير" وقال الترمذي: إن هذا الحديث موقوف على عمار، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة. (2) أخرج الإمام أحمد رحمه الله في المسند (1/ 258) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي الجبال عنهم فيزدرعوا فقيل له إن شئت أن تستأني بهم أي: تتأخر وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال بل أستأني بهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء: 59] ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 362) بنحو لفظ أحمد وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص فقال: صحيح. (3) في (أ): وهو.

حريصا على إسلامهم، لا على تعجيل هلاكهم، ولهذا قال الله سبحانه: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «1»./ أي إلا أن كذب بها الأولون فأهلكناهم، وأنت استأنيت «2» بقومك فأجبناك إلى ذلك. ولهذا- لما أتاهم بعد ذلك بالخوارق كانشقاق القمر «3». وتسليم الشجر «4» وعجزوا عن معارضة القرآن، ولم يؤمنوا- جاءهم العذاب فاستؤصلوا بالسيف يوم بدر «5» وغيره.

_ (1) سورة الإسراء، آية: 59. (2) استأنيت: من التأني وهو الانتظار. يقال تأنى إذا رفق، واستأنيت بكم انتظرت وتربصت، ولم أعجلكم. فالمعنى هنا: انتظرت وتربصت فلم يعاجلهم بطلب الهلاك. [انظر لسان العرب 14/ 48 - 49، والفتح الرباني 18/ 193]. (3) انظر هامش ص: 257 من هذا الكتاب. (4) أخرج الترمذي في المناقب، باب 6، حديث 3626. عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله". قال:" وهذا حديث غريب. وروى غير واحد عن الوليد بن أبي ثور، وقال: عن عباد بن أبي زيد" اهـ ورجال سنده فيهم الصدوق المتهم بالرفض والضعيف والمجهول. وانظر: ص 572 ففيها زيادة بيان عنه. (5) بدر: موضع الغزوة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصر الله فيه المسلمين كما قال تعالى: ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ... [سورة آل عمران، آية: 123] وهو ماء وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة النبوية من الجنوب الغربي. وسميت بذلك نسبة إلى رجل من غفار كانت بدر له، وكان يوم بدر يوم الجمعة، وكان يوما حارا. وقد سماه الله يوم الفرقان لأنه فرق الله فيه بين الحق والباطل كما قال تعالى: ... وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ ... [سورة الأنفال، آية: 41] وهي أول غزوة شهدها الرسول صلى الله عليه وسلم. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 37، وتفاسير سورة الأنفال].

الوجه الثالث: أنهم سألوه ما يسقط فائدة التكليف بالإيمان بالغيب وبيانه أنهم سألوه إحياء الموتى. فلو بعثهم لهم لأخبروهم بصحة ما وعدهم وأوعدهم من ثواب وعقاب، وجنة ونار، فكان يحصل لهم بذلك العلم الضروري بما هناك فيصير إيمانهم كإيمان فرعون، لما عاين الملك ليقبض روحه قال:" آمنت «1» " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «2». والمقصود: أنما هو الإيمان الاختيارى، لا الضروري. وما يفضي إلى سقوط فائدة التكليف. لا تجوز الإجابة إليه،/ وكذلك إنزال الملك عليهم يسقط فائدة التكليف. الرابع: المعارضة بما في الفصل الحادي والعشرين من انجيل مرقس «3»: أنهم سألوا المسيح آية فلم يأت بها. والجواب مشترك. ومما يدل على جهلهم وعنادهم في سؤالهم له: أنهم أنكروا./ عليه فقره، وابتغاءه الرزق بالأسواق. وقالوا: قل لربك يجعل لك خياما «4» وقصورا وكنوزا من ذهب يغنيك عن ذلك «5». وهل في ابتغاء الرزق عيب عند أحد من العقلاء؟ وقد كان الأنبياء يبتغونه

_ (1) قال الله تعالى في سورة يونس: 90 - 91: وجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْياً وعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .... (2) آخر آية في سورة غافر. (3) في التراجم الحديثة: أول الأصحاح السادس عشر من انجيل متى. (4) في (ش): جنانا. (5) قال الله تعالى في سورة الفرقان: 7، 8: وقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.

برعاية الغنم وغيرها، وهل علم من حال أحد من الأنبياء أن الله جعل له خياما «1» وقصورا وكنوزا من ذهب «2». إنما فعل ذلك بالفراعنة لطغيهم كقارون «3» وفرعون وهامان «4» ونظرائهم. ولذلك عاب الله عليهم قولهم حيث قال: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) الآيات إلى قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «5» ثم قال «6»: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ

_ (1) في (ش): جنانا. (2) قال الله تعالى: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ ويَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: 20]. (3) قارون: قيل: إنه ابن عم موسى- عليه السلام-، وأن اسمه: قارون بن يصهر ابن قاهت. وهو قول أكثر المؤرخين، وقيل: إنه كان عم موسى- عليه السلام- ورد هذا القول. وكان يسمى النور لحسن صوته بالتوراة، ولكنه نافق كما نافق السامري فأهلكه البغي لكثرة ماله. [البداية والنهاية 1/ 309] قال الله تعالى: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ولا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَولَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وأَكْثَرُ جَمْعاً ولا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [سورة القصص، الآيات: 76 - 79]. (4) هامان: وزير فرعون، المنفذ لما يأمر به، فهو الذي بنى الصرح من الآجر المشوي بالنار، وأعلاه حتى أصبح لم ير بناء أعلى منه. كما قال الله تعالى: وقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً الآية [سورة غافر: 36 - 37]. وقال تعالى: وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ [القصص: 38]. (5) سورة الإسراء، آية: 90 - 93. (6) الأصح أن يقول: (وقال)، لأن (ثم) تقتضي العطف مع الترتيب ولا ترتيب بينهما فإحداهما في سورة الإسراء، والتالية في سورة الفرقان.

لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ويَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ... (11) «1» وأما قولهم: أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك فيخبرك بما تراجعنا به، وبما يفعل بنا إذ لم نقبل منك؟ فإنا نقول: تحذيره «2» الذي راجعهم به، هو الذي أمر به، إذ كان لا ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «3» وقد كان يتوعدهم بما سيجري لهم كقوله: ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «4» وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «5» / ونحو ذلك كثير. وقولهم: وقوله:" إنما يخبره بذلك ويعلمه رحمن اليمامة". الجواب عنه من وجوه: أحدها: أنه لم يصح لنا عن محمد- صلى الله عليه وسلم- «6» أنه دخل اليمامة ليجتمع برحمانها «7» ولا جالس أحدا من علماء الأولين، ولا الكهان بمكة ولا غيرها. فهذا كذب منهم وافتراء، وإنما هذا منهم كان على جهة الاستهزاء لما قال لهم: «اسجدوا/ للرحمن «8»» يعني: الله. قالوا: لا رحمن إلا رحمن اليمامة. أنسجد له «9».

_ (1) سورة الفرقان، آية: 10 - 11. (2) تحذيره: ليست في (م) و (ش). (3) سورة النجم، آية: 4. (4) سورة ص، آية: 88. (5) سورة سبأ، آية: 46. (6) " وسلم": ليست في (أ)، (ش). (7) في (أ): ترجمانها. (8) سورة الفرقان، آية: 60. (9) انظر تفسير القرطبي 13/ 64.

كما أنه لما توعدهم بالزقوم، قال لهم أبو جهل «1»: أتدرون ما الزقوم الذي يتوعدكم به محمد؟ إنما هو الزبد بالعسل. أما والله لئن رأيناه لنتزقمنه تزقما «2» ولذلك يقول الله له: وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ .. (105) «3» وقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) «4». الثاني: أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب، يتيما لا أب له مستضعفا بين قريش وجبابرتها، فكيف يختصه رحمن اليمامة بالتعليم دون غيره من أصحاب الكتابة والقوة؟. الثالث: أن الذي نسبه إلى التعليم من رحمن اليمامة إنما هم نفر يسير من قريش، من جبابرتها وجهالها، على ما ظهر من جبروتهم وجهلهم في سؤالهم فكيف اختص هؤلاء بعلم ذلك دون بقية سادات العرب الذين اتبعوه من سائر القبائل كأبي بكر وعمر «5» وعثمان «6» وعلي وغيرهم؟، مع أن المسيح يقول في

_ (1) أبو جهل: عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي. أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام، وأحد رؤساء قريش ودهاتها في الجاهلية، وأسيادها منذ صغر سنه، يكنى بأبي الحكم فدعاه المسلمون أبا جهل، فغلب عليه. اشتهر بعناده، واثارة الناس على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى قتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء واحتز رأسه ابن مسعود- رضي الله عنهم- في غزوة بدر الكبرى. [انظر الأعلام 5/ 87، والبداية والنهاية 3/ 287 - 291]. (2) انظر تفسير القرطبي 15/ 85. (3) سورة الأنعام، آية: 105. (4) سورة العنكبوت، آية: 48. (5) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 88. (6) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 94

الإنجيل «1»:" ما من خفي إلا سيظهر ولا مكتوم/ إلا سيعلن" فلو علم بقية العرب ذلك وصح عندهم لما بايعوه ولكانوا «2» مع الذين خالفوه وهذا مما تتوفر «3» الدواعي على نقله وظهوره، فاختصاص نفر يسير به دون سائر العرب محال عادة. الرابع: أن علماء العرب وعقلاءهم كانوا يصدقونه في دعواه، كورقة بن نوفل «4» وأبي طالب «5» حيث يقول: وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا إلى أن قال: ولقد صدقت وكنت قدم أمينا «6»

_ (1) انظر إنجيل متى الأصحاح العاشر. (2) في (أ): ولكان. (3) في (أ): وهذا في ما يتوفر. (4) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى القرشي، حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام وامتنع من أكل ذبائحها، وهو ابن عم خديجة، كان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الإنجيل بالعربية، وكان قد عمي في آخر أمره عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول عند ما ذهبت خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه لما نزل عليه الوحي في حراء وخاف على نفسه:" هذا الناموس الذي أنزل على موسى- صلى الله عليه وسلم-. [انظر صحيح البخاري الحديث الثالث من أوله، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب بدء الوحي ... حديث 252، والأعلام 8/ 114 - 115]. (5) تقدمت ترجمته في الدراسة ص 118. (6) حين طلبت قريش من أبي طالب التخلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه أبو طالب أن يترك ما جاء به وتأرجح في الاستمرار في نصرته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ... فقال له عمه: يا ابن أخي قل ما أحببت فو الله ما اسلمك لشيء أبدا وفي ذلك يقول أبو طالب:-

ورأى ابنه عليا يصلي مع رسول الله فقال: يا بني ما هذا؟ قال:/ علمنيه محمد. فقال: يا بنى تابع ابن عمك، فإنه لا يرشدك إلا إلى خير. وإنما منع أبا طالب من الإسلام، ما ذكره في شعره حيث يقول: لولا الملامة أو حذاري سبة «1» لوجدتني سمحا بذاك مبينا/ وكزيد بن عمرو بن نفيل «2».

_ - والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منه عيونا ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دنيا وقد رويت الأبيات باختلاف بعض الألفاظ [انظر حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، لابن الديبع 1/ 305 - 307، والبداية والنهاية 3/ 42]. (1) في المراجع السابقة:" مسبة". (2) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي والد سعيد بن زيد أحد العشرة، وأحد الحكماء، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، لم يدرك الإسلام على الصحيح، ولكنه كان يعبد الله على دين إبراهيم- عليه السلام-. جاهر بعدائه لعبادة الأوثان فتألبت عليه قريش ومنعته من دخول مكة فكان يتعبد في غار حراء. وكان يحارب وأد البنات ويذهب إلى آبائهن فيأخذهن ويربيهن حتى يكبرن ثم يعرضهن على آبائهن فإن قبلوهن وإلا زوجهن الكفء وكان ينتظر ظهور محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنا بذلك. ولهذا ذكره الطوفي هنا. توفي قبل البعثة بخمس سنين، وقيل سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يبعث يوم القيامة أمة واحدة. [انظر الاصابة (ت 2923) وسير أعلام النبلاء 1/ 126 وما بعدها، والأعلام 3/ 60] ..

ومن الكهان الذين بشروا بنبوته:" سطيح" «1» و" شق «2» " و" خطر" «3»

_ (1) سطيح: اسمه: ربيع بن ربيعة من الأزد، سمى سطيحا لأنه كان لا عظم له والسطيح المستلقي على قفاه من الزمانة. وملخص خبره بمحمد صلى الله عليه وسلم:" لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وخمدت نار فارس ... وطلب كسرى من النعمان بن المنذر ملك العرب أن يبعث له رجلا يخبر بما سأله عنه، فأرسل عبد المسيح بن حيان فعجز عن إجابة كسرى ورحل إلى سطيح فسأله فقال سطيح: إذا ظهرت التلاوة وغارت بحيرة سارة، وخرج صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، فليست الشام لسطيح بشام، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، ثم تكون هنات وهنات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه وعاد عبد المسيح إلى كسرى فأخبره بما قال سطيح فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا تكون أمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان- رضي الله عنه-" اهـ. قلت: هذا ملخص القصة قال ابن الأثير في منال الطالب ص 154 - 158:" حديث سطيح هذا مشهور بين الرواة، مذكور في دلائل النبوة" اهـ. وقال البيهقي بعد إيراده القصة في دلائل النبوة (1/ 126 - 129) قلت ولسطيح قصة أخرى في أخباره حين قدم مكة من لقيه من قريش- منهم عبد مناف بن قصي- بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه بعده" اهـ. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 268 - 269): مثله. وقد ضعف الدكتور عبد المعطي قلعجي في تحقيق دلائل النبوة للبيهقي قصة سطيح المشار إليها. وقد ذكرها أيضا أبو نعيم في دلائل النبوة ص 97 - 99، والماوردي في أعلام النبوة ص 149 - 151. (2) شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن عقبة الكاهن، ولد هو وسطيح في يوم واحد فحملا إلى الكاهنة: طريفة بنت الحسين الحميدية، فتفلت في فيهيهما، فورثا منها الكهانة وماتت من يومها. وكان نصف إنسان، ويقال: إن خالد بن عبد الله القسري من سلالته وقد مات شق قبل سطيح بدهر. وقد أورد ابن كثير- رحمه الله- قصة اخباره هو وسطيح بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم. [انظر البداية والنهاية 2/ 162 - 271]. (3) الكاهن خطر بن مالك الثقفي كان شيخا كبيرا، فلما كثر الرمي بالنجوم- قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم- للشياطين فبين لهم الخبر وما حدث من أمر النبوة ... ومن قوله في ذلك: يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان -

كاهن ذكره الديار بكرى «1» في تفسير قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ... (18) «2» وذكر له حكاية عجيبة «3». ومن الرهبان: بحيرا «4» وسلمان «5» وأصحابه وغير هؤلاء كثير. الخامس: أن رحمن اليمامة إن كان قد كان عالما بمثل هذا العلم الغزير كيف لم يدع به النبوة، ويستغني عن واسطة غيره؟ مع أن مثل منصب النبوة مما لا يؤثر به أحد غيره، ويجتهد أن لا يدعه يستقر لغيره، لما علم من حب النفوس للرئاسة.

_ - أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان لقد منع السمع عتاة الجن بثاقب بكف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشأن تبطل به عبادة الأوثان وذكر كلاما كثيرا في ذلك ثم قال:" هذا هو البيان، أخبرني به رئيس الجان ثم قال: الله أكبر ثم سكت وأغمي عليه، فما أفاق إلا بعد ثلاثة، فقال: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حكى له القصة- لقد نطق عن مثل النبوة وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده. [انظر الروض الأنف للسهيلي 1/ 239 - 241]. قلت: والله أعلم بصحة هذا. (1) لم أجد من يطلق عليه الديار البكري: إلا حسين بن محمد بن الحسن، مؤرخ نسبته إلى ديار بكر. ولي قضاء مكة وتوفي فيها وقد اختلف في وفاة هذا الرجل فقيل: توفي سنة 966 هـ وقيل: بعيد 982 هـ ولم أجد ترجمة بهذه النسبة لمن ألف في السيرة أو التفسير غيره، فلعله هو ولكن لم تضبط سنة وفاته والله أعلم. [انظر الأعلام 2/ 256، ومعجم المؤلفين 4/ 47]. (2) سورة الحجر، آية: 18. (3) ذكرها السهيلي في الروض كما سبق. (4) بحيرا: تقدم خبره وترجمته في هامش ص: 377. (5) أبو عبد الله سلمان الخير، أصله من فارس من رام هرمز، وقيل: من أصبهان، وكان إذا قيل: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان بن الإسلام من بني آدم، وقصة تنصره ثم دلالة الرهبان له بأنه يخرج في العرب نبي ثم معرفته علامات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إسلامه مذكورة في حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 441) وابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 75 - 80، وترجمته في الاستيعاب 2/ 634. وغيره.

وقد كان أمية بن أبي الصلت «1» يطمع في النبوة، فلما لم تحصل له مات غيظا وحسدا، ولم يتابع محمدا على أن المعروف أن رحمن اليمامة هو مسيلمة وقد أظهر الله فضيحته يوم الحديقة فقتل، ولما رهقته السيوف قال له أصحابه ما أوحى إليك ربك؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم «2» وحريمكم، واعترف بالكذب على الله. السادس: أن هذا السؤال ألزم للنصارى «3» منه للمسلمين، لأن محمدا كان أميا، لا يختلف في ذلك اثنان: فإتيانه بمثل هذا العلم والناموس إن سلمتم أنه لم يستفده من بشر «4» غيره فهو معجز في نفسه، وإن اتهمتموه بأنه تعلمه «5» من غيره فالمسيح أولى بالتهمة لأنه تعلم الكتابة صغيرا وجالس العلماء وسمع منهم وكانوا يتعجبون من فرط ذكائه وإدراكه في هيكل أورشليم «6»،

_ (1) أمية بن عبد الله بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، شاعر حكيم من أهل الطائف، قدم دمشق قبل الإسلام، وكان مطلعا على الكتب القديمة، وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية، ورحل إلى البحرين فأقام بها ثماني سنين في أثناءها ظهر الإسلام. ثم قدم الطائف وسأل عن محمد ثم ذهب إليه فسمع منه آيات فلما انصرف لحقته قريش وسألته عن رأيه فيه. فقال:" أشهد أنه على الحق" وهو أول من جعل في أول الكتب باسمك اللهم، فكتبتها قريش. توفي سنة خمس من الهجرة، وقيل: في السنة الثانية. [انظر الأعلام 2/ 23]. (2) انظر الكامل في التاريخ 1/ 246. (3) في (أ): النصارى. (4) في (أ): يسير. (5) في (أ): يعلمه. (6) في (أ): أوراشلم.

وغيره، كما ذكر في الإنجيل «1». وحينئذ يتسع/ لقائل أن يقول: إن حكمة المسيح كانت من العلماء والكتب، ومعجزاته كانت شعبذة وتخييلا، كما نسبه إلى ذلك اليهود. فأنتم في الطعن على محمد كاليهود في الطعن على المسيح، فإن صدقوا صدقتم. وأن كذبوا كذبتم، والفرق عليكم متعذر عسير «2». قال: ومن الأدلة على كونه لم يظهر معجزة: ما قال في سورة الإسراء «3»: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) إلى قوله سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «4» وقوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ... (59) «5» وحسبك شهادة أنه لم يرسل بالآيات. قلت: لقد أبان هذا السائل في هذا السؤال عن بلادة عظيمة وسوء فهم مع أنه متفلسف، والمعهود من الفلاسفة جودة الذهن وحسن الفهم. أما قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «6» / فليس فيه ما يدل على أنه/ لم يأت بمعجز، بل فيه اعتراف بالبشرية والرسالة والعبودية بين

_ (1) انظر إنجيل لوقا: الأصحاح الثاني. (2) فى (أ): غير اليسير. (3) فى (أ): الأسرى. (4) سورة الإسراء، آية: 90 - 93. (5) سورة الإسراء، آية: 59. (6) سورة الإسراء، آية: 93.

يدي ربه- عز وجل-. ونحن «1» نقول:" إن المعجز يخلقه الله على يدى أنبيائه لا أنهم هم يخلقونه على أيديهم". وقد روى وثيمة في القصص «2» قال: قال سعيد «3» عن قتادة عن الحسن «4»: إن موسى لما غشيه فرعون تقدم إلى البحر فقال له: إن الله أمرني أن أسلك فيك طريقا، وضرب بعصاه البحر من غير أن يوحى إليه، فأنطق الله البحر فقال له يا موسى أنا أعظم منك سلطانا وأشد منك قوة. وأنا أول منك خلقا وكان عليّ عرش ربنا وأنا لا يدرك «5» قعري ولا أترك أحدا يمر عليّ إلا بإذن/ ربي وأنا عبد مأمور ولم يوح إلي فيك شيء. ولم ينفرق له حتى أوحى الله إليه بذلك «6».

_ (1) فى (أ): ونحسن. (2) تقدمت ترجمته في هامش ص: 180 من قسم الدراسة. ولم أجد كتابه هذا. (3) لعله سعيد بن المسيب فقد روى سعيد عن قتادة، أو لعله سعيد بن بشير أو سعيد بن زربي وهما ممن روى عن قتادة. (4) هو الحسن البصري. وقد تقدمت ترجمته ص 317. (5) فى (أ): لا ندري. (6) أورد القصة أيضا ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 278) موقوفا على ابن زيد.

وذكر أيضا قال: قال خارجة بن مصعب «1» عن أبي إلياس «2» عن وهب: أن موسى كان يضرب الحجر بالعصا فتنفجر الأنهار لبني إسرائيل، فقالوا يوما: لو ضاعت العصا أو الحجر متنا عطشا. فأراد الله أن يريهم قدرته وسوء ظنهم فأوحى إلى موسى فأخبره بذلك وقال: الآن لا تضرب الحجر بالعصا ولكن كلمه واعزم «3» عليه باسمي فإنه يطيعك، فغضب موسى من كلام بني إسرائيل، ونسي ما قال له ربه، فضرب الحجر بالعصا فلم تنفجر الأنهار على عادتها. فذكر عهد ربه فأقسم على الحجر باسمه فأجاب وقال: أما تستحي يا موسى أن تنسى عهد ربك؟ هلا كان هذا قبل الآن؟ ثم تفجرت منه الأنهار «4». فالأنبياء بشر وليسوا- كما اعتقدتم في المسيح أنه يفعل الأشياء بنفسه،

_ (1) أبو الحجاج خارجة بن مصعب بن خارجة الضبعي السرخسي الإمام العالم المحدث، شيخ خراسان، وثقه العلماء في نفسه، وبعضهم قال: يرمى بالارجاء، وبعضهم يقول: متروك الحديث، توفي سنة ثمان وستين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة. [انظر تقريب التهذيب 1/ 210، وسير أعلام النبلاء 7/ 326 - 328، وشذرات الذهب 1/ 265]. (2) لم أقف له على نسب ولا نسبة ولم أجد من ذكر هذه الكنية لأحد شيوخ خارجة أو تلاميذ وهب ابن منبه، ولكن خارجة اشتهر بالتدليس فلعله دلس عن أحد شيوخه فكناه بهذه الكنية الخفية حتى لا يعرف، وقد كان خارجة يدلس كثيرا عن شيخه الكذاب الوضاع غياث بن إبراهيم، فلعله كناه بهذه الكنية. والله أعلم. (3) في (أ): واغرم. (4) لم أجد هذه القصة فيما بين يدي من مراجع.

فمعنى قوله: ... هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «1» أي: لا آتي بالمعجز إلا أن يأذن فيه ربي «2»، وأنه لم يأذن له في ذلك الوقت، للوجوه التي بيناها قبل. وهذا أيضا معنى قوله تعالى: وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ ... (109) «3» أي أن إظهارها متوقف على إرادته. وأما قوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ... (59) «4» فليس إخبار بنفي الإرسال في عموم الأوقات، حتى انقضى عهد النبوة، بل ينفيه في وقت خاص وهو في أول الأمر ثم أرسل بها بعد ذلك «5» بدليل قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) إلى قوله: ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «6».

_ (1) سورة الإسراء، آية: 93. (2) قال ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 164):" يقول: هل أنا إلا عبد من عبيده من بني آدم فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والذي سألتموني أن أفعله بيد الله الذي أنا وأنتم عبيد له، لا يقدر على ذلك غيره: اهـ. وقال القرطبي في تفسيره أيضا (10/ 331):" أتبع ما يوحى إليّ من ربي، ويفعل الله ما يشاء من هذه الأشياء التي ليست في قدرة البشر فهل سمعتم أحدا من البشر أتى بهذه الآيات" اهـ. (3) سورة الأنعام، آية: 109. (4) سورة الإسراء، آية: 59. (5) قال المفسرون: وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله في عباده (انظر تفسير الطبري 15/ 107، وتفسير الشوكاني 3/ 237). (6) الآيات الخمس الأولى من سورة القمر.

قال:" ولما أسرف «1» عليهم في طلب اعترافهم له بالنبوة، وألحوا عليه في طلب الآيات، وهو لا يظهر منه غير تلاوة القرآن عليهم، عظم ضجرهم حتى ضجوا منه واستغاثوا، فقالوا في صياحهم: .. اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) «2». قال: فلم يأتهم بآية ولا لحقهم ضرر، فلما رأى ذلك اعتذر بأن تلى عليهم: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ... (33) «3» الآية. قلت: وهم في هذه الحكاية،/ وهي حجة عليه. والصواب فيها: أن قريشا والنبي صلى الله عليه وسلم لما التقوا يوم بدر استفتح عليه المشركون: أبو جهل والنضر بن الحرث «4» وغيرهما. فقالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه. وقال أبو جهل: اللهم انصر أحب الطائفتين إليك اللهم أقطعنا للرحم، وأفسدنا للجماعة فاحنه «5» اليوم. فقتل أبو جهل

_ (1) في (أ): أشرف. (2) سورة الأنفال، آية: 32. (3) سورة الأنفال، آية: 33. (4) النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف صاحب لواء المشركين يوم بدر، له اطلاع على كتب الفرس وغيرهم، وقيل أول من غنى على العود بألحان الفرس، وهو ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم آذى الرسول كثيرا، كان يقول لقومه: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين، فنزل فيه آيات. قيل: قتل في بدر، وقيل بعدها من أثر ضربة في الموقعة في السنة الثانية من الهجرة. وقيل: قتل صبرا. [انظر الكامل في التاريخ 2/ 49، والأعلام 8/ 33]. (5) من حنى القوس إذا عطفها. [انظر منال الطالب ص 567].

والنضر في السبعين قتيلا، وأسر مثل ذلك في ذلك اليوم، فكان استفتاحهم عليهم «1». ثم لو سلمنا من أنهم قالوا ذلك لضجرهم منه، لكن قد أتاهم العذاب الأليم يوم بدر وغيره، وأي عذاب يكون أشد من أن يقتل الشخص ذليلا حقيرا، ثم يصير إلى العذاب الأليم؟ «2». وأما قوله: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ... (33) «3» قال الكلبي «4»: " معناه لو أراد أن يعذبهم أخرجك من بينهم" «5». قلت: لأن الأنبياء رحمة، لا عذاب. فلا يعذب من هم فيه. ألا ترى أن لوطا لم يعذب قومه، حتى خرج عنهم، وصالح ونوح وموسى وغيرهم من الأنبياء كذلك. فهكذا. محمد لم يعذب أهل/ مكة حتى خرج منها.

_ (1) القصة أوردها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 207 - 209)، بعدة طرق وألفاظ بمعنى هذا اللفظ، وكذلك ابن كثير في تفسيره (2/ 296)، وقال أخرجه النسائي في التفسير ... ، وكذا الحاكم في المستدرك بمعنى هذه القصة (2/ 328) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأحمد في المسند (5/ 431). (2) في (ش)، (م): الدائم. (3) سورة الأنفال، آية: 33. (4) أبو النصر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث النسابة المفسر، ولد بالكرفة وهو من كلب بن وبرة من قضاعة. وهو ضعيف الحديث، متهم بالرفض. قال النسائي:" حدث عنه ثقات من الناس، ورضوه في التفسير أما في الحديث ففيه مناكير" صنف كتابا في تفسير القرآن توفي بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة. [انظر تهذيب التهذيب 9/ 178، والأعلام 6/ 133]. (5) انظر تفسير الطبري 9/ 234.

وقوله: ... وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) «1» فيه قولان: أحدهما: وفي أصلابهم من سبق في علم الله، أنه سيوجد فيكون من المؤمنين المستغفرين. والثاني: وبين أظهرهم مؤمنون مستخفون يستغفرون، فلما خرجوا من بينهم عذبوا بفتح مكة، وقيل: بيوم بدر «2». قال:" فإذا كان أعداؤه المكذبون لا يعذبهم وهو فيهم. فكيف عذب أصحابه يوم" أحد" وهزموا. وقتل منهم جماعة". والجواب: أن ما جرى لهم يوم أحد ليس عذابا، بل شهادة. بدليل قوله تعالى: ... وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) «3» وقوله: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) «4» وهي في شهداء أحد «5»، ولئن كان قتل المؤمنين في سبيل الله عذابا فليكن قتل يحيى وزكريا «6» وصلب المسيح عذابا، ونعم الله- سبحانه- على خلقه تارة تكون بأسباب سهلة كالأكل والشرب والنكاح. وتارة

_ (1) سورة الأنفال، آية: 33. (2) ذكر القولين الإمام القرطبي- رحمه الله- في تفسيره (7/ 399). (3) سورة آل عمران، آية: 140. (4) سورة آل عمران، آية: 169. (5) انظر تفسير الطبري 4/ 170 - 171. (6) اختلف الناس في أمر زكريا هل مات أو قتل. ورجح ابن اسحاق أنه مات موتا. والله أعلم. [انظر البداية والنهاية 2/ 52، 53 - 55].

تكون بأسباب شاقة كالشهادة والعبادات والرياضات. كما أن صحة البدن تارة تكون بتناول الأغذية والأشربة المستلذة وتارة بتناول الأدوية المستكرهة كالصّبر «1» ونحوه. قال:" وجاء في السير «2» ": أن زينب بنت الحرث «3» أهدت لمحمد شاة

_ (1) الصّبر: بكسر الباء: نبات كنبات السوسن الأخضر، غير أن ورق الصّبر أطول وأعرض وأثخن كثيرا، وهو كثير الماء جدا. وقال الليث: الصّبر: عصارة شجر ورقها كقرب السكاكين طوال غلاظ، في خضرتها غبرة، وكمدة مقشعرة المنظر، يخرج من وسطها ساق عليه نور أصفر ... ، وقال الرازي:" هو الدواء المر" اهـ. وهو نوعان: هندي وفارسي فالهندي ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد، نفع من الصداع، وينفع من قروح الأنف والفم، ويسهل السوداء، وغير ذلك. والفارسي يذكي العقل ويمدّ الفؤاد، وينقي الفصول الصفراوية والبلغمية من المعدة ... ويرد الشهوة الباطلة والفاسدة وإذا شرب في البرد خيف أن يسهل دما. [انظر لسان العرب 4/ 442، ومختار الصحاح ص 355، وزاد المعاد 4/ 333 - 334]. (2) انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 337 - 338، وقد ذكر ابن كثير القصة، وجميع من خرجها بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية 4/ 208 - 211، وأخرجها الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الموتى" والقصة صحيحة، وطرفها في صحيح البخاري. كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، وفي كتاب الجزية، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟، وطرف آخر منها في كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم وموته، والقصة أيضا مختصرة في صحيح مسلم: كتاب السلام باب السم، حديث 45. (3) هي زينب بنت الحرث بن سلام الإسرائيلية. وذكر معمر في جامعة عن الزهري:" أنها اليهودية التي دست الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. وقال غيره: إنه قتلها، وقيل: إنما قتلها قصاصا لبشر بن البراء لأنه كان أكل معه من الشاة فمات بعد حول. [الإصابة 4/ 314، كتاب النساء ت: 472].

مصلية وأكثرت من السم في الذراع، لأنه كان يحبها، فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور «1» فأساغ «2» منها لقمة فهلك. ولفظ محمد لقمته. وقال:" إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم" وساق القصة. قال:" وقد كان/ هذا الموضع أحق المواضع بالمعجز، وأن يعلم بالحال فيجتنب الأكل ويخبر صاحبه. قال" وأما قوله: إن هذا العظم ليخبرني بأنه مسموم" فليس بصحيح لأنه إما أن يكون أخبره قبل أن يسيغ بشر لقمته أو بعد ذلك فإن كان الأول/ فلم لم يخبر بشرا حتى مات بأكلته. وإن كان الثاني فالمخبر له موت بشر في الحال وانزعاج روحه هو حين لاك اللقمة المسمومة وكانت سبب موته بدليل قوله: " ما زالت أكلة خيبر تعادني «3» حتى كان هذا أوان قطعت أبهرى" «4».

_ (1) بشر بن البراء بن معرور الأنصاري الخزرجي، من بني سلمة، شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق، ومات بخيبر سنة سبع من الهجرة من الأكلة المذكورة. قيل: إنه لم يبرح من مكانه حين أكل منها حتى مات. وقيل: لازمه وجعه ذلك سنة ثم مات منه. [انظر الاستيعاب 1/ 167 - 169، وسيرة ابن هشام المجلد الأول ص: 461]. (2) أساغ الطعام ويسيغه سوغا وساغه يسوغه اساغة: أي ابتلعه. فمعنى أساغ منها لقمة: أي ابتلع منها لقمة (انظر لسان العرب 8/ 435، والمصباح المنير 1/ 349). (3) تعادّني: هكذا في النسخ وفي منال الطالب ص 363، ومعناه: تعاودني تفسره رواية ابن سعد: " ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري. (4) الأبهر: أحد عرقان في الظهر. وقيل: الأبهر: عرق مستوطن القلب، فإذا انقطع لم تبق معه حياة. [منال الطالب في طوال الغرائب ص 363]. وفي سنن الدارمي (المقدمة باب 11) العبارة هكذا:" فقال في مرضه: ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري" اهـ. وضبطت العبارة في النص كما في منال الطالب. وقد أخرج الحديث الإمام البخاري- من غير وصل- في المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وأحمد في المسند (6/ 18) ولهما غير هذا اللفظ. وانظر القصة في الطبقات الكبرى (2/ 201 - 203).

قلت: أما هذه القصة فصحيحة. وأما قوله هذا الوقت كان أحق بإظهار المعجز فقد بينا أن المعجز وجوده إلى الله لا إلى الأنبياء والله بالغ أمره بأسبابه، ثم هذا يرد عليكم في المسيح، حيث صلبه اليهود فإنكم زعمتم أنه كان إلها وأنه كان يزجر الريح فتسكن والبحر فيركد وكان يحيي الموتى ويستخفي عن أعين الناس إذا أراد، فلما صار في الخشبة صاح صيحة عظيمة وسلم الروح" وقد كان هذا الوقت أحق بإظهار المعجز. فإن قلتم كان ذلك باختياره. قلنا: هذا كذب، ومحال، فإن في الإنجيل «1» أنه جمع التلاميذ وصعد بهم إلى الجبل وقال: اسهروا معي الليلة لأسأل أبي أن يغير عني هذه الكأس. وسأل ذلك فلم يجب وجاء أعداؤه فأخذوه من هناك إلى حكم الموت. وأما إخبار العظم للنبي- عليه السلام- بأنه «2» مسموم فهو حق كما أخبر، وماذا يستبعد منه وقد سبح في يديه الحصى «3»، وحن إليه/ الجذع «4»،/ وسلم

_ (1) انظر إنجيل متى، الأصحاح السادس والعشرين، وإنجيل مرقس الأصحاح الرابع عشر. (2) في (أ): فانه. (3) انظر دلائل النبوة للبيهقي 6/ 64 - 65، وأعلام النبوة للماوردي ص 115 والبداية والنهاية 6/ 132، ويقول محقق دلائل النبوة للبيهقي:" ... وذكره السيوطي في الخصائص 2/ 74، وعزاه للبزار، والطبراني في الأوسط وأبي نعيم والبيهقي، والخبر كما ترى فيه ضعيف، ووضاع" اهـ. قلت: الضعيف هو: صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك. قال عنه ابن حجر:" ضعيف يعتبر به" اهـ، وأما الوضاع فهو: محمد بن يونس بن موسى الكديمي، جعله الدارقطني في الضعفاء والمتروكين وقال عنه ابن حجر في التقريب:" ضعيف" وفي المغني أنه" هالك ... يضع الحديث على الثقات". (4) سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 572.

عليه الحجر «1»، وأطاعه الشجر «2». قوله:" إما أن يكون أخبره قبل اساغة بشر لقمته أو بعدها". فجوابه من وجوه: أحدها: أن هذه قسمة غير حاصرة لجواز أنه أخبره بعد اساغة بشر لقمته، وقبل تغيره فإن السم بالغا ما بلغ ليس صاعقة تحرق بمجرد ملابستها «3» الجسم بل لا بدّ من نفوذه إلى الروح ثم سريانه إلى القلب. الثاني: أنه من الجائز أن بشرا سبق بلقمته فابتلعها، ثم صبر على ما وجده من ألمها ظنا أن ذلك لعارض «4» يزول «5»، أو أن «6» لقمته كانت من الموضع الذي سمه قليل، فإن في القصة أنها أكثرت السم في الذراع وسمت سائر الشاة فلم يحس به سريعا، وأن النبي- عليه السلام- اشتغل يأكل ولم يميز إلى بشر لما عرف من أدبه على الأكل أنه لا ينظر إلى جليسه فأخبره الذراع حينئذ، ثم ظهر بعد ذلك تأثير السم في بشر.

_ (1) سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 572. (2) سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 573، 575. (3) في (أ): ملابسها. (4) في (ش): العارض. (5) قلت: هذا من سياق القصة عند ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 202). (6) في (م):" اذ أن" وكلاهما صحيح.

الثالث: لو حملنا أخبار الذراع هاهنا على مجازه وهو الاستدلال بانزعاج الروح بالسم كما يقال:" أخبرني السيف بما لقي من الوقائع" استدلالا بفلول مضاربه على ذلك. و" أخبرني المنزل برحيل أهله منذ حين" لدروس رسمه، ونسخ الرياح آثاره- لما كان فيه محذور. فإن لمحمد- عليه السلام- من المعجزات المحققة ما يغنينا عن المنازعة في هذه. وحينئذ يكون الإخبار صحيحا بلا نزاع. قال:" فها نحن قد بينا لك بنص القرآن على طريق الاختصار أنه لم يأت بمعجزة وتبين ذلك من الحديث الصحيح عندهم" وذكر حديث مسلم: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي/ من الآيات ما آمن على مثله البشر/ وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إلى وأرجوا أن أكون «1» أكثرهم تابعا يوم القيامة «2» ". قال:" فمن حاول التعصب له، ورام الانتصار بشهوة نفسه بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين فقال: إنه فعل وصنع شيئا من المعجزات، فهو مكذب لقرآنه، وحديثه الصحيح.

_ (1) لفظ مسلم: (ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ فأرجو أن أكون ... ) الحديث. (2) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم حديث 239، والبخاري في أول فضائل القرآن وفي أول الاعتصام. وأحمد في المسند 6/ 152

قال:" وقوله في الحديث:" إني لأرجو «1» أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" مسلم له. فإن جميع أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة. وأهل الحق الذين هم قليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة"./ قلت: قوله:؛ قد بينا بنص القرآن أنه لم يأت بمعجز" قد بينا لمن أنصف أنه لم يبين شيئا من ذلك. وإنما مادة كلامه أمران: هوى وقصر باع في العلم وسوء فهم. وأما قوله في حديث مسلم:" وإنما كان الذي أوتيته وحيا" فجوابه من وجهين: أحدهما: أنه يجوز أن هذا الحديث قاله في أول الإسلام قبل تكامل معجزاته. الثاني: أن الأصوليين اختلفوا في" إنما" هل تقتضي الحصر أم لا؟. بل الإثبات المؤكد وهو الذي يدل عليه الدليل، وحينئذ لا يفيد هذا الحديث انحصار معجزه في القرآن «2» على أنه لو أفاد

_ (1) في (ش): لأني أرجو. (2) فيكون معنى الحديث: أي أن معجزتي التي تحديت بها: الوحي الذي أنزل عليّ وهو القرآن. فهو معجزته العظمى التي اختص بها دون غيره وكانت مناسبة لحال قومه لأن معجزة كل نبي مناسبة لحال قومه. وقد أفرد بالذكر هنا لعظمته ولأهميته ولأنه لا يساويه معجزة أخرى. [انظر فتح الباري 9/ 6 - 7]. قلت: ومعجزاته كلها من الوحي أيضا لأنه لا يعلمها ولا يفعلها إلا بالوحي وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم، آية 3 - 4).

لكان فيه كفاية «1»، كما سنبين «2». فتقدير الكلام إذن: وأن الذي أوتيته كان وحيا، وإنما خصه بالذكر لأنه أول ما ظهر على يديه ورأى بسببه الملائكة، وهو قديم على أصل أهل السنة «3» وسائر معجزات الأنبياء مخلوقة، وهو المتواتر اللفظي، فلهذه الخصائص خصه بالذكر.

_ (1) قال المازري:" ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ضربان: أحدهما: القرآن، وهو منقول تواترا. والثاني: مثل تكثير الطعام والشراب ونحو ذلك ولك فيه طريقان: أحدهما: تواترت على المعنى كتواتر جود حاتم طيئ وحلم الأحنف بن قيس، فإنه لا ينقل في ذلك قصة بعينها متواترة ولكن تكاثرت أرفادها بالآحاد حتى أفاد مجموعها تواتر الكرم والحلم وكذلك تواتر انخراق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم بغير القرآن. والطريق الثاني: أن تقول: إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب- تكثير الطعام والشراب- وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، أو بلغهم ذلك ولا ينكرون عليه: كان ذلك تصديقا له يوجب العلم بصحة ما قال والله أعلم" اهـ. [شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 35]. (2) في ص: 587 وما بعدها. (3) قلت: مذهب أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى أنه صفة ذاتية فعلية، وهو قديم النوع حادث الآحاد. أو قديم النوع وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وليس مخلوقا لأنه صفة الله والصفة تابعة للموصوف فليست مخلوقة كما زعمت الجهمية والمعتزلة، وليس بعضه مخلوقا كما قالت الكلابية والأشاعرة، فهؤلاء يقولون إن الحروف والأصوات مخلوقة. والمعاني غير مخلوقة وهي قائمة بنفس الله. وعبرت عنها أو حكتها الحروف والأصوات المخلوقة. ولا أنه صفة قديمة في الأزل لا يقبل الحدث، كقول السالمية وبعض أتباع الأئمة الأربعة. ولا أنه حادث بعد أن لم يكن كما زعمت الكرامية. وقول الطوفي" وهو قديم على أصل أهل السنة" هذا على مذهب السالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة أو على قول الأشاعرة فهم يقولون إن كلام الله صفة قديمة.

وقوله:/" فمن حاول التعصب له بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين [فقال: إنه فعل وصنع فهو مكذب لقرآنه «1» وحديثه الصحيح. فجوابه: أنا قد بينا أن القرآن والحديث الصحيح لا يد لان على أنه لم يأت بمعجز. وأما قوله:" نقل الآحاد المردودة «2» عند علماء المسلمين"] «3» فهذا عدم علم بأصول المسلمين واصطلاحهم في دينهم، فيحتاج أن «4» نشرح ذلك بيّنا، ليعرفه من وقف عليه ممن لم يعرفه. فنقول: اعلم أن الخبر إما متواتر أو آحاد والمتواتر لفظي «5» أو معنوي. فالمتواتر هو: الخبر الّذي ينقله عدد لا يتواطأ مثلهم على الكذب لكثرتهم عن مثلهم عن مثلهم إلى محل صدوره، يستوي طرفاه وواسطته في ذلك، ويستند في أصله إلى حس، لا إلى نظر، واللفظي منه: ما كان الاتفاق فيه على قضية واحدة معينة" يخبر بها هؤلاء القوم بالشرط المذكور، كطوفان نوح، وإغراق «6» فرعون. وقلب «7» عصا موسى حية، وإحياء المسيح الموتى «8». وقول محمد: إني

_ (1) في (أ): لقراءته. (2) في (م): المردود. (3) ما بين المعكوفتين ساقط من (ش). (4) في (م): إلى أن. (5) في (ش)، (م): اما لفظي. (6) في (أ): واغتراف. (7) في (أ): وقلت. (8) بإذن الله.

رسول الله، وتحديه العرب بالقرآن، ونحو ذلك. والمعنوي: ما كان إخبار المخبرين فيه عن عدة «1» قضايا جزئية تشترك في كلي واحد، كسخاء حاتم «2»، وشجاعة علي. فإن التواتر لم يوجد في قضية واحدة/ من مكارم حاتم، ولا من شجاعة علي. بل نقل قوم: أن حاتما وهب يوما فرسا ويوما قطعة إبل، ويوما قطيع غنم، ويوما باع نفسه ببعيرين نحرهما لضيفه. في قضايا كثيرة/ حصل التواتر بمجموعها لا بواحدة منها. وكذلك في شجاعة" علي": صح عنه أنه كان يوم بدر أول مبارز «3». ويوم أحد أول مقاتل «4»، ويوم الخندق بارز

_ (1) في (ش): هذه. (2) حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني، أبو عدي، فارس شاعر جواد جاهلي يضرب المثل بجوده، كان من أهل نجد وزار الشام فتزوج من الغساسنة، ومات في جبل من بلاد طيئ اسمه عوارض، وذلك بعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنوات تقريبا. [انظر الأعلام 2/ 151]. (3) أخرج البخاري- رحمه الله- في تفسير سورة الحج، باب:" هذان خصمان اختصموا في ربهم" عن قيس بن عباد عن علي رضي الله عنه قال:" أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة" قال قيس: وفيهم نزلت: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: 19] قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: علي وحمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة" وأخرجه بنحوه في المغازي، باب قتل أبي جهل، وأخرجه مسلم في آخر كتاب التفسير، وهو آخر حديث في صحيحه. (4) أبلي الصحابة- رضي الله عنهم- يوم أحد بلاء حسنا كحمزة وأبي دجانة ومصعب بن عمير، الذي كان يحمل راية المسلمين، فلما قتل دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي- رضي الله عنه-، ولما حمي القتال أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن قدم الراية، فتقدم علي فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، وهو-

عمرا «1»، وقد نكل عنه الناس، ويوم خيبر/ خصه النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» بالراية، بعد رجوع الشيخين بها «3» لم يفتح عليهما، فقتل مرحبا «4» في

_ - صاحب لواء المشركين أن يبارزه فبارزه علي فقتله. [انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 73 - 74، وزاد المعاد 3/ 197] قلت: ولم أجد ما يدل على أن عليا أول من قاتل، فلعله أول من بارز كما سبق. والله أعلم. (1) عمرو بن عبد ود العامري من بني لؤي، من قريش: فارس قريش وشجاعها في الجاهلية حضر غزوة الخندق مع المشركين، وقد تجاوز الثمانين. [انظر الأعلام 5/ 81] وخبر مبارزة علي له في مستدرك الحاكم 3/ 32 - 33، وسيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 225. (2) في (ش)، (م): عليه السلام. (3) أخرج الحاكم في مستدركه (3/ 37) عن علي أنه قال: يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال بلى: والله. كنت معكم. قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس، وانهزم حتى رجع" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص. وأخرج الحاكم أيضا في نفس الموضع عن علي قال: سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر- رضي الله عنه- وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت وتبعه الذهبي فقال صحيح. وأما اعطاءه الراية يوم خيبر. فخبره مشهور. قلت: ما تقدم لا ينقص من قدر الشيخين- رضي الله عنهما- ولا يقلل من فضلهما، بل تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لهما في حمل الراية يدل على فضلهما أما الفتح فهذا بيد الله سبحانه وقد كان في الوقت الذي حمل علي فيه الراية. (4) مرحب اليهودي الذي برز في غزوة خيبر فخرج له عامر بن الأكوع فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر- رضي الله عنه- ولما أخذ الراية علي- رضي الله عنه- برز مرحب، وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز له علي- رضي الله عنه- فضرب رأسه ففلقه فقتله وكان الفتح [انظر صحيح مسلم كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، حديث 132، ومسند أحمد (4/ 51، 52].

جماعة، من اليهود «1»، وكان الفتح على يده «2»: وفي يوم حنين قتل ذا الخمار برازا «3». وفر الناس عن النبي- عليه السلام- فلم يبق معه إلا هو «4» سابع سبعة «5»، وأنه لم يرجع عن مقبل، ولا تبع مدبرا ونحو ذلك مما حصل بمجموعه العلم بشجاعته. وإن شئت فسم الأول تواترا منفردا «6» والثاني تواترا مركبا، أعني من

_ (1) في (أ): واليهود، وفي (ش) جماعة اليهود. (2) حديث اعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الراية لعلي يوم خيبر وفتح الله على يديه: أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر، في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، حديث 132، والترمذي في كتاب المناقب، باب مناقب علي، وأحمد في المسند (1/ 185، 4/ 52). (3) ذو الخمار: عوف بن الربيع بن سماعة. شجاع يعرف بذي الخمار، لأنه لبس خمار امرأته في معركة فطعن الكثيرين من مقاتليه فيها، فكانوا إذا سئل أحدهم: من طعنك؟ قال: ذو الخمار فاشتهر بهذا اللقب. وكان حامل راية المشركين في غزوة حنين. فقدم إليه علي- رضي الله عنه- وأحد الأنصار، وذو الخمار على جمل فضرب علي عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري فضربه ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه، فسقط عن رحله. [انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 445، والأعلام 5/ 95] قلت: ولم يكن في القصة أنهما تبارزا. والله أعلم. (4) في (أ): الا وهو. (5) اختلف الناس في عدد من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقيل: أربعة نفر، وقيل: سبعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثنا عشر، وقيل: ثمانون، وقيل: مائة. وليس في الروايات ما يدل على حصر العدد [انظر مسند الإمام أحمد 1/ 453، وجامع الترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال، وتفسير ابن كثير 2/ 344]. (6) في (أ): مفرادا.

مجموع قضايا. وإن شئت سم الأول كليا، والثاني جزئيا لا حجر في شيء من ذلك «1». وأما الآحاد: فما رواه العدل الضابط عن مثله عن مثله «2» إلى محل صدوره، ثم ينقسم إلى مستفيض وغيره، فالمستفيض أعلى من الآحادي، ودون التواتر «3».

_ (1) المتواتر- عند كثير من المحدثين والأصوليين- لغة: التتابع، نقول: تواتر المطر، أي تتابع نزوله. واصطلاحا: ما رواه جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه. وهو لفظي كما ذكر المؤلف ومعنوي. ويفيد القطع بصدقه أي يفيد العلم ويوجب العمل به، ولابن تيمية رأي طيب فيما يفيد العلم وملاحظة على التعريف المتقدم فهو يقول:" والصحيح ما عليه الأكثرون: أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة، وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر يحصل العلم بمجموع ذلك، وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة. وأيضا فالخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقا له أو عملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف، وهذا في معنى التواتر، لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر، ومشهور وخبر واحد ... " اهـ. ثم مثل على ذلك بحديث (إنما الأعمال بالنيات) الذي هو من غرائب الحديث وليس أصله متواترا ولكن تلقته الأمة بالقبول والتصديق وصار مقطوعا به لا أحد يشك في صحته. وبين أن مما يبين عدم انضباط هذا التقسيم للحديث أن عدد التواتر غير منضبط فهم مختلفون فيه من أربعة إلى ثلاثمائة وستة عشر، وهذا مما يدل على بطلان هذا التقسيم. [انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51، ونزهة النظر لابن حجر ص 26، والمغني في أصول الفقه للخبازي ص 191، وتيسير مصطلح الحديث للطحان ص 18، 19]. (2) في (أ):" ... الضابط عن مثله إلى محل ... ". (3) المستفيض هو: المشهور على رأي جماعة. وعلى رأي آخرين: الحديث الذي روته الجماعة وكان في ابتدائه وانتهائه سواء. والمشهور أعم من ذلك. ومن الأصوليين من يجعل المستفيض قسم مستقل على حدة دون المتواتر وفوق المشهور عند المحدثين. [انظر نزهة النظر ص 23، 24، ومقدمة ابن الصلاح ص 238 - 242، والحديث النبوي للصباغ ص 188] قلت: وهو حجة يفيد العلم ويوجب العمل كما تقدم في قسم الدراسة.

فإذا عرفت هذا فمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم متواترة «1». لكن القرآن تواتره لفظي: وما عداه منها تواتره معنوي، على ما بينا وسنبين، بضرب المثال وحينئذ يتبين أن قوله:" إن «2» ما عدا القرآن من معجزاته آحاد مردودة، عند علماء المسلمين" كلام شخص غير محصل وإنما المردود عندهم هو إخبار الواحد عن الواحد أو الاثنين «3» في قضية واحدة فهذا يوجب العمل، ولا يفيد العلم، ولا يثبت به أصل من أصول الشريعة ولا يرد به عليها «4» قدح «5».

_ (1) ليست كل معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وردت إلينا بالتواتر على اصطلاح المحدثين والفقهاء. وإنما منها ما ورد بطريق التواتر ومنها ما جاء بطريق المشهور والمستفيض ومنها ما هو خبر واحد تلقته الأمة بالقبول كحديث تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ص: 572 من هذا الكتاب. ولكن يحمل كلام المؤلف- رحمه الله- على ما قاله المازري:" إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، أو بلغهم ذلك ولا ينكرون عليه: كان ذلك تصديقا له يوجب العلم بصحة ما قال". [انظر هامش ص 564 من هذا الكتاب] وأيضا: فإن مجموع ما روي من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم يحصل منه التواتر بأن له معجزات غير القرآن كما مثل الطوفي- رحمه الله-. (2) ان: ليست في (م). (3) في (م): والاثنين. (4) في (أ): علينا وفي (ش): ولا يرد عليها. (5) خبر الواحد لغة: ما يرويه شخص واحد، وفي اصطلاح المحدثين: ما لم يجمع شروط المتواتر. وعند الأصوليين: الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور- المستفيض- والمتواتر. [انظر نزهة النظر ص 26، والمغني في أصول الفقه للخبازي ص 194]. قلت: وخبر الواحد حجة شرعية في أصول الشريعة الإسلامية إذا رواه مسلم عاقل عدل تام الضبط عن مثله ... إلى محل صدوره، كما سبق بيان ذلك في قسم الدراسة من هذا البحث.

وقد بينا- فيما سبق «1» - أن جميع ما أورده هذا الخصم من أخبار «2» الآحاد التي زعمها قادحة في الشريعة لا ترد علينا ولا يلزمنا الجواب عنها، وإنما أجبنا عنها في أماكنها تبرعا. إذا عرفت هذا. فالقرآن معجز ثابت بالتواتر اللفظي، كما سنبين، وباقي المعجزات بالتواتر المعنوي. وقد صنف الناس فيها كتبا ضخمة كالشفاء للقاضي/ عياض، والوفاء بفضائل المصطفى، لأبي الفرج ابن الجوزي «3»، ودلائل النبوة، للبيهقي «4»، والبشر بخير البشر، لابن ظفر «5». ورأيت لبعض المغاربة: دلائل النبوة ومعجزاتها عشر مجلدات، وغير ذلك مما لم أقف عليه كثير. وإنما أذكر منها هنا جملة منبهة على غيرها: فمنها: ما أخرجاه/ في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «6»: اشهدوا. والروايات بانشقاق القمر في الصحيح عن ابن عمر، وابن عباس وأنس «7».

_ (1) انظر ص: 243 - 245 من هذا البحث. (2) في (أ): من جميع الآحاد. (3) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 179. (4) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 180. (5) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 179. (6) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ). (7) انظر هامش ص: 257 من هذا البحث.

ومنها: ما روى جابر بن سمرة «1». قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن. رواه مسلم «2» والترمذي «3» وقال: حسن غريب. ومنها: ما روى علي بن أبي طالب قال:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" رواه الترمذي «4». وقال: حديث غريب. ومنها: ما روى أنس/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق «5» جذع، واتخذوا له منبرا، فخطب عليه، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فمسكه «6»

_ (1) جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، حليف بني زهرة، نزل الكوفة، والبصرة وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، وكان شديدا على الخوارج. قتل منهم جماعة. توفي سنة 58، وقيل: 59 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 3/ 183 - 186]. (2) في صحيح مسلم كتاب الفضائل حديث 2. (3) في كتاب المناقب، باب في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم واللفظ له، وأخرجه الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن، وأحمد في المسند (5/ 89، 95، 105، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 340. (4) في كتاب المناقب، باب رقم 6 بترقيم إبراهيم عطوة. وأخرجه الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن والحاكم في المستدرك (2/ 62) وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وصححه الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك. (5) في (ش): ابرق. والترمذي:" إلى عذق جذع" ومعنى إلى لزق جذع: أي بجانبه. [انظر لسان العرب 10/ 329]. والصحيح أن الكلمة" عذق" لما سيأتي من تفسير الطوفي له. (6) " فمسكه" سقطت من (أ)، وفي الترمذي فمسه.

فسكن". رواه الترمذي «1» وقال:" حسن صحيح"، ورواه أحمد «2» والبخاري بألفاظ متعددة «3». ومنها: ما روى ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بم «4» أعرف أنك نبي؟ قال: «إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله؟ فدعاه «5» رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «6» فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له:" ارجع، فعاد. فأسلم الأعرابي. رواه/ الترمذي «7» وقال:" حسن صحيح «8» " والعذق: شمراخ النخل الذي فيه الرطب «9».

_ (1) في كتاب الجمعة، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، وفي كتاب المناقب باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، وهذا لفظ الترمذي في المناقب. (2) في المسند (1/ 249، 267، 363 - 3/ 295، 300، 306، 324). (3) في كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام. قلت: وأخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب مقام الإمام في الخطبة، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في بدء شأن المنبر، والدارمي في كتاب الصلاة، باب مقام الإمام إذا خطب والبيهقي في دلائل النبوة 6/ 66. (4) في (أ): بما. (5) في (أ): فدعى، وفي (ش): فدعا. (6) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ). (7) في كتاب المناقب، باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 620) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وسكت عنه الذهبي في التلخيص موافقة له في حكمه. (8) عبارة الترمذي:" حديث حسن غريب صحيح". (9) العثكال الذي عليه الثمر. [انظر غريب الحديث للخطابي 1/ 482، ولسان العرب 3/ 31، والمصباح المنير 1/ 381].

ومنها ما روى يعلى بن مرة «1» قال: خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» ذات يوم إلى الجبانة «3»، حتى إذا أبرزنا «4»، قال: انظر ويحك «5» هل ترى من شيء يواريني «6» "؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك «7» إلا شجرة، ما أراها

_ (1) أبو المرازم يعلى بن مرة بن وهب بن جابر الثقفي. ويقال: العامري. اسم أمه: سيّابة، فنسب إليها، فقيل: يعلى بن سيّابة. شهد الحديبية، وخيبر، والفتح، وحنينا، والطائف. وكان من أفاضل الصحابة. ولم تذكر سنة وفاته. [انظر الاستيعاب 4/ 1587، والإصابة 3/ 669، (ت: 9361)]. (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش). (3) الجبانة: الجبّان والجبّانة الصحراء، وهي المراد هنا، وتسمى المقابر أيضا: جبّانة لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه. [انظر الفتح الرباني 22/ 44، والمصباح المنير 1/ 111، ومراصد الاطلاع 1/ 310]. (4) وفي المسند: برزنا. وبرزنا: من البراز بالفتح: الفضاء الواسع الخالي من الشجر، وقيل: البراز: الصحراء البارزة. فيكون معنى الجملة هنا: حتى إذا كنا في الفضاء الخالي من الشجر، أو في الصحراء البارزة. [انظر المصباح المنير 1/ 56، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 25]. (5) ويحك: كلمة ترحم وتوجع. تقال لمن وقع في بلية يرحم ويدعى له بالتخلص منها. وهي مقابل كلمة ويل التي هي كلمة عذاب تقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية" [أخرجه البخاري، في الصلاة، باب: 63، ومسلم: في الفتن حديث: 7] وقال صلى الله عليه وسلم: «ويلك من يعدل إذا لم أعدل» [اخرجه البخاري في الأدب، باب 95]، وانظر لسان العرب 2/ 638 - 639]. (6) أي يسترني. [الفتح الرباني 22/ 44]. (7) يواريك: سقطت من: (م)، (ش).

تواريك قال:؛ فما قربها «1»؟ " قلت: شجرة مثلها أو قريب منها. قال: فاذهب إليهما فقل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «2» يأمركما أن تجتمعا بإذن الله" قال: فاجتمعنا، فبرز لحاجته ثم رجع فقال:" اذهب إليهما فقل لهما" إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت «3». قال: وكنت معه ذات يوم جالسا إذ جاء جمل يخب حتى برك بين يديه ثم ذرفت «4» عيناه فقال:" ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا"/ قال: فسألت فوجدته «5» لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال: لا أدري، عملنا «6» عليه ونضحنا عليه «7» حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال:" فلا تفعل هبة لي، أو بعنيه" قال «8»: بل هو لك يا

_ (1) في المسند:" فما بقربها". (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ)، (ش). (3) إلى هنا أخرجه مسلم بمعناه: في كتاب الزهد، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر حديث 74، وبنحوه أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب الارتياد للغائط والبول، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 333 - 337. (4) عبارة المسند:" قال: وكنت عنده جالسا ذات يوم إذ جاءه جمل يخبب حتى صوب بجرانه بين يديه ... " وبجرانه: أي باطن عنقه [انظر الفتح الرباني 22/ 44]. (5) عبارة المسند:" قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته ... ". (6) في مسند أحمد:" لا أدري والله ما شأنه، عملنا ... ". (7) عليه: ليست في (أ). (8) في مسند أحمد: فقال.

رسول الله. قال: فوسمه بسمة الصدقة «1» ثم بعث به «2». ومنها: أنه صح أن قتادة بن النعمان قلعت عينه في حرب فقال: يا رسول الله إن لي امرأة وأنا أحبها وأخاف أن تبغضني لعوري أو كما قال «3»، وكانت قد سالت على خده. فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانها فكانت أحسن عينيه بعد «4». وروى البكري «5» في سيرته: أن جابر بن عبد الله الأنصاري دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته في حفر «6» الخندق" وقد ذبح له شاة وطبخها وكان له ابنان صغيران،/

_ (1) في (أ): للصدقة. (2) أخرجه بكامله بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند (4/ 170 - 171) والدارمي بمعناه في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم، والحاكم بغير هذا اللفظ في المستدرك (2/ 617 - 618) وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة" وتبعه الذهبي في التلخيص فقال:" صحيح". وأخرجه البيهقي من طرق بألفاظ في دلائل النبوة (6/ 18 - 27)، وله شواهد عديدة متفرقة في كتب السنة. (3) في (م):" قال قال". (4) سبق تخرجه في هامش ص: 261 من هذا الكتاب. (5) أبو الحسن: أحمد بن عبد الله بن محمد البكري، تقدمت ترجمته في ص 178 من قسم الدراسة. وهو:" طرقي مفتر، لا يستحي من كثرة الكذب، شحن به مجاميعه وتواليفه، هو أكذب من مسيلمة". قلت: وهو غير العلامة أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الذي صنف في أعلام النبوة، وفي فنون شتى. (6) في حفر: سقطت من: (م).

فقال أحدهما للآخر: قم حتى أفعل بك، كما فعل أبونا بالشاة، فذبحه ثم جاء «1» ليجعله في التنور، وهو مسجور، فوقع الآخر على رأسه فيه فاحترق، فوقع الصائح في دار جابر. فأخبر النبي بذلك فدعا بهما، فشملهما بكساء أو نحوه، ثم توضأ وصلى ودعا الله، فقاما حيين «2». إلا أن هذا لم يثبت ثبوت غيره من الخوارق «3». ومنها: أنه- عليه السلام- يوم حنين لما ولى أصحابه نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال:" شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله. وقسم رسول الله غنائمهم «4» بين المسلمين" رواه مسلم «5»./

_ (1) فى (أ): ثم جاز. (2) لم أجد أن أحدا أخرج هذه القصة غير البكرى الكذاب، ولو كانت صحيحة لما تركها المحدثون وأهل السير، ولكانت مشهورة لأنها من الأمور ذات الشأن العظيم، وهو إعادة الأموات أحياء، وهذا لا يكون إلا لله عز وجل فهو القادر على أن يقول للشيء كن فيكون. وهذه معجزة لعيسى عليه السلام ولم تذكر لأحد من الأنبياء غيره. والله أعلم. (3) قلت: لا يليق بالطوفي إخراج مثل هذه الحكاية الكاذبة التي من طريق البكري وأمثاله ممن اشتهروا بالوضع والكذب. (4) فى صحيح مسلم:" فهزمهم الله- عز وجل- وقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غنائمهم .. ". (5) فى كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، حديث 81، وأخرجه أيضا في نفس الباب بألفاظ غير هذا. وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة (5/ 137 - 145) من طرق متعددة وبألفاظ مقاربة لألفاظ مسلم. وأخرج القصة الإمام أحمد في المسند (1/ 453 - 454) ونقلها ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 322 - 332 عن مسند الطيالسي، وعن مسدد في مسنده وابن عساكر، وذكر كل ما يتعلق بغزوة حنين من هذه الروايات.

وفي بعض الروايات أنه قال لبغلته: الصقي بالأرض فلصقت، فأخذ ترابا ثم قامت. وهذا لا ينافي قوله في رواية مسلم: نزل عن البغلة، لأنها لما لصقت بالأرض صار كالنازل عنها بالأرض، فشبه على الراوي فظنه نزولا حقيقيا خصوصا في ذلك الوقت الذي تشتبه الحقائق فيه على الإنسان لاشتغاله بالحرب والقتال «1». ومنها: قوله لأصحابه:" إني لأراكم من وراء ظهري «2» ". ومنها: ما تواتر عنه من نبع «3» الماء من بين أصابعه كالعيون في مرات كثيرة يطول- عليّ- ذكرها «4». ومنها: ما أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال: كنا مع

_ (1) لم أجد هذه الرواية التي أشار إليها في كتب السنة، ولو كانت صحيحة لاستفاض خبرها مع أنها كما قال لا تنافي النزول بل في بعض روايات مسلم:" فأخذ حصيات" ولم يذكر أنه نزل ليأخذ، وفي بعض روايات البيهقى ورواية أحمد بل قال لابن عباس: ناولني كفا من تراب فناوله. (2) أخرجه البخاري فى كتاب الصلاة، باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، وفي كتاب الأذان باب الخشوع في الصلاة، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، بألفاظ متعددة. والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 73). (3) في (أ): من بيع. (4) انظر في ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة، وفي الأشربة، باب شرب البركة، والماء المبارك، وفي كتاب الوضوء باب الوضوء من التور، وباب الغسل والوضوء في المخضب والقدح ... ، وما أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حديث 4، 5، 6، 7، والترمذي في كتاب المناقب باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، والنسائي في كتاب الطهارة، باب التسمية عند الوضوء، والدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله النبي صلى الله عليه وسلم من تفجير الماء بين أصابعه، وأحمد في المسند (3/ 132، 147، 170، 215، 289، 343) وما أخرج غير هؤلاء في ذلك.

النبي صلى الله عليه وسلم في «1» مسير،/ فنفدت أزواد القوم، حتى هموا بنحر بعض جمالهم. فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ففعل. قال: فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره، فدعا عليها/ حتى ملأ القوم أزودتهم. فقال عند ذلك:" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما «2» إلا دخل الجنة" «3». وفي أفراده أيضا: من حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله في غزاة فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله فجمعنا تزوادنا «4» فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم «5» فإذا هو كربضة العنز ونحن أربع

_ (1) في (ش): مع رسول الله صلى الله عليه. (2) فيها: ليست في: (م). (3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل عن أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا حديث 44 عن أبي هريرة قال كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في مسير، قال فنفدت أزواد القوم. حتى هم بنحر بعض حمائلهم. قال: فقال عمر: يا رسول الله: لو جمعت ما بقي من ازواد القوم فدعوت الله عليها. قال ففعل. قال فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره. قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواته. قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء. قال فدعا عليها. حتى ملاء القوم أزودتهم. قال فقال عند ذلك" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" وأخرجه في نفس الموضع بغير هذا اللفظ حديث: 45. وأخرجه البخاري أيضا بغير هذا اللفظ عن سلمة في أول كتاب الشركة وفي كتاب الجهاد، باب حمل الزاد في الغزو. (4) في صحيح مسلم:" فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا" وقال النووي في شرح صحيح مسلم:" هكذا في بعض النسخ أو أكثرها. وفي بعضها: أزوادنا. وفي بعضها: تزوادنا" اهـ. قلت: هو من تزود تزويد وتزوادا. اهـ. ومعنى: فجمعنا: أي ما تزودناه. [انظر لسان العرب 3/ 198]. (5) في صحيح مسلم:" فاجتمع زاد القوم على النطع. قال فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحرزته كربضة العنز ... ". والنطع: وعاء من الأدم. [لسان العرب 8/ 357].

عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا .. «1» ". قلت: وهاتان قضيتان لوجهين: أحدهما: أن الحديث الأول كان بإشارة عمر، وهذا كان ابتداء من النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» على ظاهر الحديث. الثاني: أنه تبين في غير هذا الطريق أن إشارة عمر كانت «3» في غزوة تبوك وكان عسكرهم فيها فوق ثلاثين ألفا «4»، وهذا الحديث أخبر أنهم كانوا أربع عشرة مائة. إلى قضايا كثيرة غير «5» هذه، حصل لنا من مجموعها العلم الجازم

_ (1) الجرب: الوعاء من الجلد. [انظر المشوف المعلم 1/ 151، لسان العرب 1/ 261]. قلت: وهذا آخر حديث في كتاب اللقطة في صحيح مسلم. وتمامه:" فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم-: (فهل من وضوء؟ قال فجاء رجل بإداوة له فيها نطفة- قليل من الماء- فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة- نصبه صبا- أربع عشرة مائة ... ) اهـ. قلت: ففيه معجزتان: الأولى: تكثير الطعام. والثانية: تكثير الماء. (2) في (أ): من النبي عليه وسلم، وفي (ش): عليه السلام. (3) " عمر كانت" مكررة في (أ). (4) اختلفت الروايات في عدد جيش المسلمين في تبوك، ففي صحيح مسلم: كتاب التوبة، باب حديث كعب بن مالك: حديث 55:" وغزا بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان"، وذكر ابن حجر في الفتح أن الحاكم في الاكليل روى من حديث معاذ أنهم أكثر من ثلاثين ألفا، وهذا ما ذكره الواقدي في المغازي (3/ 996) وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 166) وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا أربعين ألفا. (فتح الباري 8/ 117 - 118) قلت: ويمكن الجمع بين الأقوال بأن العشرة آلاف هم فرسان والثلاثين غير الفرسان فيكون جميعهم أربعين ألفا. والله أعلم. (5) في (أ): عين.

بظهور الخارق المطلق على يديه، وإن لم يحصل العلم بوجود كل واحدة واحدة من هذه القضايا الجزئية بعينها، فهذا هو التواتر المعنوي. وهذا المذكور في إطعام الخلق الكثير من زاد قليل، أعظم مما حكاه النصارى في الإنجيل عن المسيح أنه أطعم أربعة آلاف رجل وامرأة من خمس خبزات وحوتين، وفضل اثنتا «1» عشرة سلة «2»، لأن العسكر كان في تبوك فوق ثلاثين ألفا. فإن قيل: هذا إنما تواتر عند المسلمين، ولم يتواتر عندنا. قلنا: لا يخلوا إما أن تشترطوا في التواتر ما اشترطه اليهود من أن المخبرين به لا يجمعهم دين واحد أولا تشترطوا ذلك،/ فإن اشترطتموه لئلا يلزمكم تواتر هذه الخوارق لمحمد، لزمكم مثله لليهود فإنهم يقولون: ما تواترت عندنا خوارق المسيح. والنصارى متهمون. وإن لم تشترطوه فهذه خوارق قد تواترت عند المسلمين في شرق الأرض وغربها، فيلزمكم التصديق بها. ثم نفرض الكلام معكم في هذا الخارق الخاص: وهو إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير. فنقول: كما لم يتواتر ذلك/ عندكم عن محمد، كذلك/ لم يتواتر عندنا عن المسيح، بل إنجيلكم رأيناه، فإن سلمتم سلمنا، وإن منعتم منعنا. فإن قلتم: نمنع وتمنعون، ثم نرجع إلى ما سلمتموه من إحياء الموتى ونحوه فأنتم إلى ماذا ترجعون؟.

_ (1) في (أ):" اثنتي" بالنصب أو الجر. وهو خطأ نحوى. (2) انظر إنجيل يوحنا الأصحاح السادس.

قلنا: أما أولا «1»: فنحن ما سلمنا معجزات المسيح المطلق الذي تعتقدونه أنتم إلها أو ابن إله. وتعتقده اليهود: ابن يوسف النجار، أو لبغيّة «2»، وإنما سلمنا معجزات المسيح، الذي بشر بمحمد وشهد له بالرسالة، وأمر من أدركه منكم باتباعه. أما مسيحكم «3» الذي تعنونه فلا نسلم أنه كان له وجود فضلا عن أنه أتى بمعجز أو غيره «4». ولو سلمنا ذلك لكم للزمنا أن نعتقد إلهيته كما اعتقدتم. وذلك خروج عن دين الإسلام والسلام. وأما ثانيا: فإنا نرجع إلى القرآن، وسنبين وجه كونه معجزا. وقوله:" إن أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة".

_ (1) فى (م): أما الأول. (2) في (أ)، (م): لغية. والصحيح ما أثبته. ومعنى بغية: زانية. [انظر تفسير القرطبي 11/ 91]. (3) فى (أ): مستحم. (4) ورد إلى مصر نصراني في زمن العز بن عبد السلام فناظره فكان مما قال النصراني: إذا أجبتني على هذه المسألة دخلت الإسلام ... ثم قال:" أيهما أفضل المتفق عليه أو المختلف فيه، فقال الشيخ عز الدين: المتفق عليه. قال النصراني: فقد اتفقنا نحن وأنتم على نبوة عيسى واختلفنا في محمد، فيلزم أن يكون عيسى أفضل وأن تتبعوه ... فقال العز: أي عيسى تعني؟ إن كنت تعني عيسى الذي قال لبني إسرائيل: ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] فهو الذي نوافق على نبوته ويلزمك أن تتبعه فيما قال، وتؤمن بأحمد الذي بشر به، وإن كنت تعني عيسى لم يقل ذلك فهذا لا نؤمن به، ولا نوافق عليه، فقامت الحجة وأسلم النصراني". اهـ. (انظر دراسة المحقق للأجوبة الفاخرة للقرافي ص 44).

قلنا: هذا سوء أدب لا يليق على عامة الناس، بل أشرافهم، فضلا عن الأنبياء أرباب الأديان العامة والنواميس المشهورة. ولكن هذا النصراني قد يعذر طبعا في هذا السفه، فإنه قد عاش في أرض الإسلام عمره ذليلا مهانا عليه الجزية، ملتزما أحكام الملة،/ لم يقدر على شفاء غيظ، ولا إراقة فيض، فشفى غيظه بالسفه خفية، كما قال بعضهم: " أوسعتهم سبا، وراحوا بالإبل «1» " وكما قالت العامة في المثل: ألستم في الهوى، والصفع في القفا؟ «2» قوله:" وأهل الحق القليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة". قلنا: هذا مستدرك من وجهين: أحدهما: قولك: إنكم قليلون بالنسبة إلى المسلمين. إن عنيت في دار

_ (1) قيل: إن رجلا من العرب أغير على إبله فأخذت، فصعد أكمة وجعل يشتم من أخذها فلما رجع إلى قومه سألوه فقال:" أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل" وقيل: أن أول من قال ذلك: كعب بن زهير. وذلك أن الحارث بن ورقاء أغار على بني عبد الله بن غطفان، واستاق إبل زهير وراعيه فقال قصيدة وأرسلها إلى الحارث فلم يرد الإبل، فهجاه فقال كعب: أو سعتهم سبا وأودوا بالإبل فذهبت مثلا. [انظر مجمع الأمثال 2/ 363 - 364]. (2) لم أعرف من قاله. وقد أورد الميدانى في مجمع الأمثال (2/ 257) مثلا للمولدين قريبا منه وهو:" لو وقعت من السماء صفعة ما سقطت إلا على قفاه".

الإسلام فهو صحيح. لكن مرادك خلافه بمقتضى كلامك: يتبعون سيدنا المسيح، فإن هذا يعم- بزعمك- كل نصراني ينتحل دين المسيح، فيكون التهافت على هذا التقدير بين لفظك ومرادك. وإن عنيت مطلقا، فالنصارى أكثر الأمم فإنهم استقلوا بالبلاد الشامية «1»، وأطراف السواحل، وهم أهل الحبشة وملاكها، وبهم وبيأجوج ومأجوج «2» تمتلئ جهنم إن شاء الله. الوجه الثاني: قولك:" سيدنا المسيح". من سيدك المسيح؟ لعمري إن مع التحقيق سيدك المسيح ضاع. لأن المسلمين قالوا: ما قتل ولا صلب، بل رفعه الله إليه. وأنتم تقولون: قتل وصلب ودفن وقام «3» بعد ثلاث من الأموات، واليهود وافقوكم على صلبه، وخالفوكم في قيامه. فعلى قولهم سيدكم المسيح قد صار رميما، ثم إذا كان يوم القيامة كان لكم أشد

_ (1) فى (م): الشمالية. (2) يقال: إنهم من نسل يافث، أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة، كل أمة لا يعلم عددها إلا الله، لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل وهم ثلاثة أصناف: صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع. وصنف: عرضه وطوله سواء، وصنف يفترش أذنه ويلتحف الأخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه، ويأكلون من مات منهم وقيل: صنف منهم بطول شبر سيفسدون في الأرض بالظلم والقتل وسائر وجوه الإفساد من البشر، يمنعهم الله من الدخول إلى مكة والمدينة وقد ورد من النقول ما يضيق المقام بذكرها والحكم عليها. (انظر تفسير الطبري 16/ 17 - 22، وتفسير القرطبي 11/ 56 - 58، وتفسير ابن كثير 3/ 103 - 104). (3) وقام: ليست في (م).

[المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته]

الناس خصما لكذبكم وافترائكم عليه واتخاذه إلها،/ ومخالفتكم لوصاياه من بعده. ثم يلزمه من هذا الكلام تناقض آخر: وهو أنه قد سبق منه انكار النعيم الحسي في الآخرة من الأكل والشرب والنكاح «1». ثم قد/ أثبت هاهنا جهنم، وذكرت في الإنجيل في مواضع كثيرة، تارة بلفظها وتارة بمعناها، فيقول:" هنالك تكون الظلمة، وصرير الأسنان «2» " وهذا عذاب حسي. فالحكمة تقتضي اتحاد جنس الثواب والعذاب. فإما أن يكونا حسيين، وهو نقض لما سبق منه من إنكار النعيم الحسي، وإما عقليين، كما احتج عليه في طرف «3» النعيم بقول" ابن سينا" في" الإشارات" فيلزمه أن يكون العذاب عقليا، كما قرره الفلاسفة. وفي ذلك ترك ما صرح به الإنجيل من العذاب الحسي. [المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته] قال:" وإذ فرغنا من الكلام في أنه لم يتحل بمعجزة قدمها بين يدي دعواه/ ولا أظهرها بعد ذلك، فلا متمسك لمنازع إلا أن يقول: القرآن معجزة لفصاحته". قال:" ولا حجة في ذلك، لأن الفصاحة هي التقرب من البغية، والتباعد من حشو الكلام. وقيل: دلالة اللفظ على المعنى بشرط إيضاح وجه المعنى «4» ونظامه،

_ (1) انظر ص: 501 من هذا الكتاب. (2) انظر الأصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى. (3) هكذا في النسخ الثلاث:" طرف" ولعل الأصح:" طرفي" أي الحسي والعقلي. (4) في (أ): المعني.

وقلة «1» الألفاظ واختصارها، وإذا تأملت جميع القرآن وجدت أكثر عباراته لا توضح وجه المعنى، ولا تتأتى معانيه على نظام مناسب «2» والدليل على ذلك: أن المفسرين مع كثرة عددهم يفنون أعمارهم في الاختلاف في تأويله ويصنفون فيه التصانيف الطويلة، ويقع بينهم الشر والمخالفات، ولا ينفصلون عن معارك النزاع والتضاد في تفسيره، ويتفرقون فرقا ملقبة كالعلوية «3» والبكرية «4»،

_ (1) في (أ): وقبله. (2) مناسب: ليست في (أ). (3) العلوية: كل من كان من نسل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يقال له علوي، وهم كثيرون، إلى عصرنا هذا، وباسمهم قامت الدولة العلوية نسبة إلى مؤسسها الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل الحسني العلوي المتوفى سنة خمسين ومائتين من الهجرة في طبرستان وكان آخر رجالها الحسن بن قاسم العلوي الذي قتل سنة 316 هـ. ولكن توسع في إطلاق اسم" العلويين" على كل من ناصر دولتهم من الشيعة عموما. وهؤلاء يؤلهون عليا- رضي الله عنه- ويقولون بالحلول والتناسخ في أئمتهم وهم أكفر من اليهود والنصارى كما ذكر ابن تيمية- رحمه الله- وغيره من علماء المسلمين، لا يصلون ولا يصومون. وهم ينتسبون إلى رئيسهم محمد بن نصير. ومن كفرهم أنهم إذا سمعوا المؤذن في مساجد المسلمين يقولون:" لا تنهق علفك يأتيك". [انظر الكامل في التاريخ 6/ 316، والأعلام 2/ 191، 210، ورحلة ابن بطوطة 1/ 96 - 97، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 61، والملل والنحل 1/ 188 - 189، والجزء الأول من الجواب الصحيح- رسالة دكتوراه- للدكتور علي بن حسن العسيري ص 177]. (4) البكرية: أصحاب بكر بن أخت عبد الواحد بن يزيد، ويقال له: بكر بن زياد الباهلي. الدجال الوضاع. من مذهبه أن الكبائر من أهل القبلة نفاق، ومرتكبها عابد للشيطان مكذب لله منافق، وهو مع ذلك مسلم مؤمن والقاتل لا توبة له وقتال علي وطلحة بن الزبير كفر وشرك لكن مغفور لهم. وأن الله يرى يوم القيامة في صورة يخلقها ويكلم عباده منها. [انظر مقالات الإسلاميين ص 286 - 287، والفرق بين الفرق ص 212].

والمعتزلة «1»، والأشعرية «2»، وغيرهم من طوائف عديدة، يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا ويقبح قوم مذهب قوم ولا يقعون على تفسير يتفق أهل الملة بجملتهم عليه ولا شطرها ويكفيك في ذلك شهادة القرآن لما قلناه./ حيث يقول:" وما يعلم تأويله إلا الله «3» ". قلت: قد بينا: أن محمدا صلى الله عليه وسلم تحلى بالمعجزات. وأما القرآن فهو معجز عظيم لفصاحته، واشتماله على الأخبار بالغيوب، وإفحامه العرب العاربة «4»: أهل الفصاحة. وأما ما ذكره من حد الفصاحة أولا، فهو جيد، وهو موجود في القرآن فإن معانيه إلى الفهم تسبق ألفاظه إلى السمع. وأما ما ذكره ثانيا ففاسد. لأنه لا خلاف عند أحد من العالم أن العرب كانوا فصحاء في نثرهم ونظامهم./ مع أن في كلامهم الفصيح ما هو مجمل لا يتضح فيه وجه المعنى.

_ (1) تقدم التعريف بهم في الدراسة ص: 84. (2) تقدم التعريف بها في قسم الدراسة ص: 85. (3) سورة آل عمران، آية: 7. (4) العرب العاربة: العرب جيل من الناس معروف، خلاف العجم. والعرب العاربة هم الخلص منهم وأخذ من لفظه فأكد به، كقولك: ليل لائل، وتقول: عرب عاربة وعرباء: أي صرحاء، ومتعربة ومستعربة: دخلاء ليسوا بخلص. والنبي صلى الله عليه وسلم بعث في قريش وهم من العرب الخلص الفصحاء فكان القرآن معجزة من جنس ما برعوا فيه. [انظر لسان العرب 1/ 586، وسيرة ابن هشام المجلد الأول ص 7 - 12].

ثم إنك أنت نصراني علج، أقلف اللسان، ما لك وللفصاحة، والبلاغة «1» لها قوم تكلموا فيها. فقالوا: الفصاحة: خلوص اللفظ من التعقيد، الموجب لقرب فهمه، ولذاذة «2» استماعه. وذلك باشتماله على صفات ذكرت في مواضعها «3»، والبلاغة: كون الكلام الفصيح موصلا للمتكلم إلى أقصى مراده «4»، وقال أمير المؤمنين علي- عليه السلام-: البلاغة: ما رضيته الخاصة، وفهمته العامة" «5». وقال في لفظ آخر: البلاغة: أن تقول فلا تبطىء، وتصيب فلا تخطئ «6» وهذا «7» كله موجود في القرآن. وقوله:" عبارة القرآن لا توضح وجه المعنى، ولا تأتي على نظام مناسب. سوء فهم وقصور في النظر «8»، ويكفي في بطلان قوله أن عامة الناس وخاصتهم يفهمونه إذا سمعوه «9».

_ (1) الفصاحة لغة: البيان. نقول: رجل فصيح وكلام فصيح: أي بليغ. والبلاغة: الفصاحة. [انظر لسان العرب 2/ 544، 8/ 420]. (2) في (م): وإرادة. (3) الإكسير في علم التفسير، للمؤلف ص 107 ط مكتبة الآداب. (4) الإكسير في علم التفسير ص 107 ط السابقة. (5) لم أجدها في نهج البلاغة المنسوب إلى علي رضي الله عنه. (6) لم أجدها في نهج البلاغة المنسوب إلى علي رضي الله عنه. (7) في (أ): ولهذا. (8) في (أ): اللنظر. (9) يكفي في الرد على النصراني في هذا قصة النجاشي- رحمه الله- وأساقفة النصارى في مملكته حين قرأ جعفر بن أبي طالب- رضي الله عنه- أول سورة مريم فبكوا حتى أخضلوا لحاهم. وذكر أن نصرانيا لما سمع قوله تعالى: ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ ويَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ [سورة النور، آية: 52] قال:" جمعت هذه الآية ما أنزل على عيسى من أمر الدنيا والآخرة". [انظر منحة القريب المجيب ص 185].

وأما اختلاف المفسرين في بعضه فليس لما «1» ذكر، بل تارة للخلاف في أسبابه، وتارة لاختلاف مذاهبهم، فيطلبون تأويله عليها، وتارة لإجمال في ألفاظه/ وذلك من وجوه إعجازه حيث كان فصيحا، بالنسبة إلى كل قوم يفهمون منه ما يدعونه، وليس من شرط الفصاحة النصوصية على المراد ألا ترى إلى شعر امرئ القيس «2» ونحوه من الشعراء الجاهلين، لا خلاف في فصاحته مع كثرة احتمالاته واجمالاته «3». وأما تكفير بعض الطوائف بعضا «4» فليس سببه اشتباه القرآن، بل ذلك لمواد عقلية وفلسفية دخيلة على الإسلام، كما عرف من مذهب المعتزلة ونحوهم. وأما قوله:" لم يتفقوا على تفسير شيء منه" فباطل. بل قد اتفقوا على كثير منه، والخلاف فيما اختلفوا فيه منه، ليس لأمر عائد إلى لفظه ولا بدّ بل وإلى أمور خارجة.

_ (1) في (ش): كما. (2) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني أكل المرار، أشهر شعراء العرب في الجاهلية. يماني الأصل. قيل: ولد بنجد، وقيل: باليمن. اشتهر بلقبه:" امرئ القيس" واختلف في اسمه: فقيل: حندج وقيل: مليكة، وقيل: عدي. أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر المشهور. كان امرؤ القيس من الغارقين في اللهو والمجون يشبب بالنساء، ويشرب الخمر، وشعره يشهد بذلك. مات قبل الهجرة بنحو ثمانين عاما. [انظر الأعلام 2/ 11 - 12]. (3) «واجمالاته»: ليست في (ش). (4) بعضا: ليست في (أ).

وبالجملة فإن توقف الأمر معك على ثبوت فصاحة القرآن، استرحنا لأن الفصاحة يرجع فيها إلى أهلها. وقد اتفقوا على فصاحته./ وقوله:" وما يعلم تأويله إلا الله" ليس في جميع القرآن. كيف؟ وقد ادعى أن الناس صنفوا في تأويله التصانيف الكثيرة. وهل يصنف أحد فيما لا يعلمه؟ وإنما ذلك في ما تشابه منه حيث قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ... (7) «1». يعنى تأويل المتشابه «2». اتفق العلماء على أن هذا مراده.

_ (1) سورة آل عمران، آية: 7. (2) اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات:" فقال بعضهم: المحكمات ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره. والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل فما استأثر الله تعالى بعلمه" مثل وقت قيام الساعة ونحو ذلك ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور. وهذا أحسن ما قيل في ذلك وليس المجال مجال تعدادها. والقرآن الكريم يحتوي على المحكم والمتشابه. والمتشابه منه يحمل على المحكم. وأهل العلم الراسخون فيه يعلمون المحكمات التي في غاية البيان والصراحة ويردون إليها المشتبهات التي تحصل فيها الحيرة لناقص العلم والمعرفة. ومعنى قوله تعالى: وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ إن أريد بالتأويل معرفة عاقبة الأمور، وما تنتهي إليه، فإن العالم بذلك إنما هو الله تعالى. وإن أريد بالتأويل التفسير ومعنى الكلام على ما يفهم من كلام العرب كان العالم بذلك الله تعالى والعلماء الراسخون في العلم. أما المتشابه بغير اضافته إلى المحكم ومعرفة ما يؤول إليه الأمر فيه فاتفق العلماء على أن الله هو الذي يعلمه دون غيره كما ذكر المؤلف- رحمه الله-. [انظر تفسير الطبري 3/ 182 - 184، وتفسير القرطبي 4/ 9 وما بعدها وتفسير ابن كثير 1/ 344 - 348، وتفسير السعدي 1/ 357 - 358].

ثم إن ما ذكره في القرآن والمسلمين لازم عليه في الإنجيل والنصارى. فإن في الإنجيل إجمالات كثيرة تتوجه إليها الاحتمالات،/ ولذلك اختلفت النصارى حتى كانوا يعقوبية «1»، وملكانية «2» ونسطورية «3»، وغير ذلك، يكفر بعضهم بعضا.

_ (1) اليعقوبية: أتباع يعقوب البراذعي الذي ظهر في وسط القرن السادس الميلادي. ويقولون إن المسيح طبيعة واحدة، وقد امتزج فيه عنصر الإله بعنصر الإنسان، وتكوّن من الاتحاد طبيعة واحدة جامعة بين اللاهوت والناسوت. فصار المسيح هو الله، وأن الله مات وصلب وقتل. فبقي العالم ثلاثة أيام بلا مدبر، ثم قام ورجع حادثا وعاد قديما. [انظر الملل والنحل 1/ 225 - 228، والفصل 1/ 111]، قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ الآية: 17 من سورة المائدة، والآية: 72 أيضا. (2) الملكانية: قيل: نسبة إلى" ملكا" الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها، وقيل: سموا بذلك لوقوفهم في صف الملك الذي أعلن أن عيسى طبيعة واحدة فلقبهم مخالفوهم بذلك ازدراء. وهم القائلون: إن الله عبارة عن ثلاثة أشياء: أب وابن وروح القدس. وإن عيسى إله تام كله، وإنسان تام كله، ليس أحدهما غير الآخر. وإن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل، والإله منه لم ينله شيء من ذلك، وأن مريم ولدت الإله والإنسان، وأنهما شيء واحد. [انظر الفصل 1/ 110 - 111، والموسوعة العربية الميسرة ص 1742]. قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ الآية 73 من سورة المائدة. (3) النسطورية: أتباع نسطور الذي كان بطريركا على القسطنطينية في أوائل القرن الثاني الميلادي، وقد زعم أن المسيح إله تام وإنسان تام ليس أحدهما غير الآخر غير أن مريم ولدت الإنسان وأن الله لم يلد الإنسان إنما ولد الإله، فالإله ليس مولودا لمريم. [انظر الفصل 1/ 111] قال الله تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ -

قال:" ووجدت أيضا ألفاظه قليلة الاختصار، كثيرة التكرار في إيراده القصص وغير ذلك كسورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)، وسورة الرَّحْمنُ فإنك تجد فيها ما يعنيك وتقمع به معاديك". قلت: هذا كلام من لا يعلم، وهو جدير أن يتعلم ثم يتكلم «1». أما تكرار القصص فله فائدتان: إحداهما: أن القرآن كان ينزل شيئا فشيئا «2»، ويحتاج أن يحمل إلى أقطار الأرض لينتفع الناس بما فيه من أمر ونهي، ووعد ووعيد، ووعظ وأخبار ونحوه وكان المهم دعاءهم إلى الإسلام، وذلك بترهيبهم مما جرى لمخالفين من الأمم قبلهم وترغيبهم فيما فاز به المؤمنون، فكررت القصص وكانت مختلفة الألفاظ ليتفرق في البلاد كذلك، فيسمعها الناس في الأقطار وتكون باختلاف ألفاظها ادعى إلى القبول، لأن النفوس مشغوفة بمعاداة المعادات، كما قد أنكرت أنت التكرار.

_ - أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة التوبة: 30 - 31]. (1) قلت: وقريش وهم من العرب الخلص أهل الفصاحة والبلاغة والعناد للنبي صلى الله عليه وسلم، قد كانوا يلتمسون أي مطعن في القرآن ويسلكون كل طريق لرده، ولو وجدوا زورا لقالوه، ومع ذلك لم يطعنوا في القرآن بما طعن به هذا الأعجمي وهذا دليل على جهله، ووقوف أهل الفصاحة والبلاغة أمامه مشدوهين وخاصة أمام قصصه التي كلما سمعوها في أسلوب غير الأول بهروا وخرسوا أمامه لأن ذلك زاد القرآن فصاحة وبلاغة وإعجازا. (2) أي ينزل منجما يقول الله تعالى: وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ورَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (32) ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً [سورة الفرقان: 32 - 33].

الفائدة الثانية: أن إعادة القصة الطويلة في مواضع مع اتحاد معناها، واختلاف لفظها طولا وقصرا، أدل على الإعجاز وقدرة المتكلم على الكلام. وأما ما ذكر من التكرار في بقية السور، فالقول المفصل فيه قد ذكرته في" الاكسير" مستوفى «1»، وذكره الناس كثيرا، فلا يخف علي ذكره «2» هنا. ولكن أذكر فيه قولا مجملا، وهو أن التكرار كما يستغنى عنه في بعض المواطن قد يحتاج إليه في بعضها للتأكيد والتقرير والتنبيه على الاهتمام بالأمر،/ فيكون تركه، حيث ينبغي كذكره حيث لا ينبغي. والله أعلم. قال:" ونجده أيضا غير خارج على نظام متناسب كقوله في سورة النساء: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (3) «3». قال:" ولا مناسبة بين العدل في اليتامى «4»، وبين نكاح النساء، ولهذا وغيره يتبين أنه كلام منثور، لا نظام له، ولا تأليف".

_ (1) تحدث- رحمه الله- في الاكسير ص 245 - 258، عن التكرير في القرآن وهو ذكر الشيء مرتين فصاعدا وبين فائدة ذلك سواء تكرار اللفظ والمعنى جميعا أو تكرار المعنى دون اللفظ وما يفيد كل منهما. وشمل حديثه التكرار في المواضيع كالقصة وغيرها أو التكرار في السور كسورة الكافرون، وسورة الرحمن وغيرهما. (2) في (م): ذكرها. (3) سورة النساء، آية: 3. (4) عبارة: (أ):" قال: ولا مناسبة بين العدل في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم ... ورباع" قال ولا مناسبة بين العدل ... الخ".

قلت: هذا الخصم معذور في استشكاله هذا الكلام، لأنه من/ المشكلات التي تخفى على كثير من علماء الإسلام، لكنه ملوم في إيراده طعنا على القرآن قبل أن يبحث هل له محمل على الصواب أم لا؟ ولا شك أن العلماء ذكروا لارتباط بعض هذا الكلام ببعض وجوها صحيحة مناسبة: أحدها: ما روي عن عائشة أنها قالت: نزلت هذه الآية في اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها فينكحها بدون صداق مثلها، فنهوا أن ينكحوهن حتى يقسطوا في الصداق، وأمروا أن ينكحوا من شاءوا من النساء غيرهن" «1». الثاني: ما روي عن ابن عباس قال: كان الرجل في الجاهلية/ يتزوج العشر من النساء فما زاد، فإذا أعدم مال على مال اليتيم فأنفقه، فأمروا بالاقتصار على العدد الخاص لئلا يحتاجوا إلى الميل على مال اليتيم «2». الثالث: ما روي عن سعيد بن جبير «3» أنه قال: كانوا يخافون ألا يقسطوا

_ (1) أخرجه البخاري في عدة مواضع من صحيحه منها: كتاب الشركة، باب شركة اليتيم وأهل الميراث، وفي تفسير سورة النساء. وأخرجه مسلم في كتاب التفسير الحديث السادس، وأبو داود في كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، والنسائي في كتاب النكاح، باب القسط في الأصدقة، وقد أورده المؤلف هنا بمعناه، ولم يلتزم أحد ألفاظ هؤلاء المحدثين. (2) هذا القول مروى عن عكرمة، [انظر زاد المسير 2/ 6، وتفسير ابن عطية 4/ 14، وتفسير الطبري 4/ 233). (3) أبو محمد ويقال: أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي الحافظ المقرئ المفسر-

في اليتامى، ويتحرجون من ذلك، فنزلت الآية ومعناها: خافوا من عدم القسط في/ النساء ما خفتم منه في اليتامى «1». قلت: هو من باب قوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله «2» ... ... ...

_ - الشهيد، أصله حبشي، كان أعلم التابعين على الاطلاق، عابدا خاشعا لله لا تأخذه في الله لومة لائم، أخذ العلم عن حبر الأمة ابن عباس وابن عمر، ومع ذلك يقول ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه: أتسألونني وفيكم ابن دهماء؟ يعني سعيدا. قتله الحجاج سنة خمس وتسعين للهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 321 - 342، وتهذيب التهذيب 4/ 11 - 14 وطبقات ابن سعد 6/ 256 - 267]. (1) وهذا مروي عن ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، ومقاتل. [انظر تفسير الطبري 4/ 233، 234، وتفسير ابن عطية 4/ 14، وزاد المسير 2/ 6]. (2) يقال إنه للمتوكل بن عبد الله بن نهشل الليثي الكناني أبو جهمة من شعراء الحماسة، كان على عهد معاوية بن أبي سفيان، ونزل الكوفة. وقبل هذا البيت يقول: ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى بالقول منك ويقبل التعليم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم [انظر المستقصي في أمثال العرب 2/ 260، والأعلام 5/ 275، وهامش ص 446 من هذا الكتاب].

أي لا تتحرجوا من الجور على اليتامى، وتجورون على النساء، فهو كما تقول لصاحبك: إن كنت تخشى الله في ظلم زيد، فلا تظلم عمرا. وإن تحرجت من أخذ أموال الناس، فلا تأخذ أعراضهم. كذلك هذا. الرابع: ما ذكره الحسن البصري، وهو أن معنى الكلام: إن تحرجتم من الميل على اليتامى فتحرجوا من الزنا بنكاح ما أحل الله لكم من امرأة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع، لتقمعوا داعية الزنا الحرام بالنكاح الحلال «1». قلت: والمعنى، لا تتحرجوا عن معصية، وتواقعوا أخرى، فتكونوا كالذي تسامح في الزنا، وتحرج من العزل، أو ترك الغسل. فهذه أربعة أوجه محتملة احتمالا ظاهرا مناسبة «2» مناسبة صحيحة معقولة فالمبادهة بإنكار ما له هذا التوجيه، قبل استيفاء النظر فيه إما جهل أو عناد، والله أعلم. وقد استقريت الأناجيل الأربعة، وأوردت عليها من الأسئلة ما لا أظن أن على وجه الأرض نصرانيا يقدر على أن يجيب عن شيء منها بمثل هذه

_ (1) لم أجده بهذا اللفظ عن الحسن فيما بين يدي من مراجع ولكن أخرج الطبري في تفسيره (4/ 235) عن الربيع وعن مجاهد نحوه. وأخرج السيوطي في الدر المنثور (2/ 118) عن مجاهد نحوه وهو ما أخرجه ابن جرير عنه. والمذكور عن الحسن قول آخر وهو" وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن، وحذرتم سوء الصحبة لهن، وقلة الرغبة فيهن، فانكحوا غيرهن" اهـ. وآخر:" ... وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن فانكحوهن، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن فواحدة" اهـ. [زاد المسير 2/ 7]. (2) مناسبة: ليست في (أ).

الأجوبة «1» عن آية النساء، فضلا عن أوضح منها. فإن لزم بذلك الطعن على القرآن فهو على الإنجيل ألزم. قال:" ثم هو متناقض. ينقض بعضه بعضا، ولكن مع وقوفك على هذا الإلماع «2» تقول:/ أي جهل أعظم من جهل من ادعى أن إعجاز هذا الكتاب في إثبات النبوة كانقلاب الجماد حيوانا «3»، والبحر يبسا «4»، والحجر الصلد عينا لموسى «5» وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص للمسيح «6». إن هذا لجاهل مائق". قلت:/ أما دعواه التناقض في القرآن، فوهم، وقد أورد الزنادقة صورا كثيرة ظنوها تناقضا، فأجيبوا عنها.

_ (1) في كتابه تعاليق على الأناجيل. (2) من ألمع. أي أشار. [انظر لسان العرب 8/ 324]. (3) قال الله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (19) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى [طه: 17 - 20] [سورة طه، آية: 17 - 20]. (4) قال الله تعالى: ولَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً ولا تَخْشى [سورة طه، آية: 77]. (5) قال الله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ... الآية [سورة البقرة، آية: 60]. (6) قال الله تعالى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ إلى قوله تعالى: ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ والْأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [سورة آل عمران، آية: 45 - 49].

صنف في ذلك الإمام أحمد وغيره «1»، فمن جملتها: قوله «2»: ... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «3» مع قوله: وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) «4». قالوا: هذا تناقض، وذلك جهل منهم لأنه يقال في لغة العرب: أقسط فهو مقسط إذا عدل، وقسط فهو قاسط إذا جار، وهذا يكفي في السخرية بهم «5». وأما هذا الخصم فما أورد شيئا من التناقض حتى نجيبه عليه. وأما قوله:" إن إعجاز هذا الكتاب لا يساوي إعجاز بقية المعجزات لموسى وعيسى". فنقول له: قد بينا لك أول الكتاب: أن المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة، المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارضة «6»، والقرآن يشارك جميع

_ (1) صنف الإمام أحمد في ذلك كتابه:" الرد على الجهمية والزنادقة" وأبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن منده المتوفى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة للهجرة في كتابه الرد على الجهمية. والإمام عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى سنة ثمانين ومائتين للهجرة في كتابه الرد على الجهمية. والإمام ابن تيمية المعاصر للطوفي المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة للهجرة. وغير هؤلاء. (2) «قوله» ليست في (ش). (3) سورة المائدة: 42، وسورة الحجرات: 9، وسورة الممتحنة: 8. (4) سورة الجن، آية: 15. (5) انظر الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص: 98. (6) تقدم تعريف المعجزة في ص: 286، 552 من هذا الكتاب. ولها عدة تعريفات عند السلف وأهل الكلام منها:" انها ما خرق العادة من قول أو فعل إذا وافق دعوى الرسالة وقارنها وطابقها على جهة التحدي ابتداء بحيث لا يقدر أحد على مثلها، ولا على ما يقاربها". [لوامع الأنوار البهية 2/ 290].

المعجزات في هذا، لأنه كما عجز فرعون عن قلب عصا حية حتى عدل إلى تجييش الجيوش وإيقاد الحرب، كذلك العرب عجزت عن معارضة القرآن بعد أن تحداهم بمثله «1»، ثم خفف عنهم فتحداهم بعشر سور مثله «2»، ثم خفف عنهم فقال بسورة من مثله «3» وينزل معهم هذا التنزيل، فعدلت إلى الحرب، والتحام الطعن، والضرب، وزاد القرآن على ما ذكرتم/ من المعجزات بوجهين: أحدهما: أنه صفة قديمة من صفات الله تعالى «4»، وتلك المعجزات محدثة بلا خلاف ولو لم يكن إلا وقوع الخلاف في قدم القرآن وحدوثه بين المسلمين لكان له مزية على سائر المعجزات.

_ (1) قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء، آية: 88]. وقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [سورة الطور: 33 - 34]. (2) قال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (13) [سورة هود، آية: 13]. (3) في (أ): بسورة مثله. قال- عز وجل-: وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [سورة البقرة: 23 - 24]، وقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38) [سورة يونس، آية: 38]. (4) سبق أن قلنا: إن نوع كلام الله قديم، وإن لم يكن الصوت المعين قديما، أي أنه قديم النوع حادث الآحاد. فالقرآن ليس قديما كقدم التوراة مثلا أو الإنجيل فقد تكلم الله بالتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السابقة قبل القرآن.

الثاني: أنه كلام بريء من «1» أن ينسب إلى أنه سحر، لأنا لم نعلم أن السحر كلام قط. نعم يكون بالكلام،/ فلا يلتبس عليك، وإنما عرفنا السحر أفعالا محسوسة، فتطرق نسبة السحر إلى ما أتى به موسى وعيسى أقرب من تطرقها إلى ما أتى به محمد، ولهذا قال فرعون:" إن هذا لساحر عليم" «2» وفي موضع: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3» وفي موضع: قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا ... (48) «4» يعني موسى وهارون «5» وقالوا للسحرة حين اعترفوا بالغلبة: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ «6» وكان أكثر السحرة من بني إسرائيل فنسبوهم/ إلى مواطأته،

_ (1) «من» ليست في (ش). (2) في سورة الأعراف: 109: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ [الأعراف: 109] يقصد موسى. وفى سورة الشعراء: 34: قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يقصد موسى أيضا. (3) سورة طه، آية: 63. (4) سورة القصص: 48 - 49: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَولَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (49). (5) اختلف المفسرون في الضمير في قوله تعالى: سِحْرانِ تَظاهَرا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بهما موسى ومحمد عليهما السلام. وهذا على أن القول من مشركي العرب. وثانيها: المراد بهما موسى وهارون عليهما السلام. وهذا قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة ... وثالثهما-: أنهما عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. وهذا قول اليهود فيما بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم- وهذا على قراءة ساحران" وقوى ابن كثير ما ذكره الطوفي- رحمهما الله- أما على قراءة" سحران" فقيل المراد التوراة والقرآن، وقيل المراد التوراة والإنجيل. وقيل المراد القرآن والإنجيل واختار ابن جرير أن المراد: التوراة والإنجيل ومال ابن كثير إلى أن المراد التوراة والإنجيل. (انظر تفسير ابن جرير 20/ 83 - 86، وتفسير القرطبي 13/ 294، وتفسير ابن كثير 3/ 392). (6) سورة طه، آية: 71.

لكونه منهم، وإنما يظهر الفرق بين القرآن وغيره من المعجزات «1» من حيث أنه مسموع وهي مبصرة على حسب «2» التفاوت بين المسموعات والمبصرات، وذلك لا تأثير له في حقيقة الإعجاز «3». والسبب الموجب لهذا التفاوت: هو أن الله- سبحانه- أرسل كلا من رسله، بما كان غالبا على قومه تحقيقا لإعجازهم، فبعث موسى إلى قوم مهروا في السحر، فأعجزهم بالعصا ونحوها، والمسيح إلى قوم أهل كهانة وطب وحكمة فأعجزهم بما أيده به، وصالحا إلى قوم أهل إبل فأعجزهم بناقة خرجت من جبل «4». فكذلك لما أرسل محمدا إلى قوم أهل فصاحة يعدون الفصاحة والخطابة من أكبر مآثرهم، ويتنافسون فيها، وكانت الفصاحة بعيدة عن نسبة السحر، بعثه بالقرآن الفصيح، ويكفي الطاعن في فصاحة القرآن بعد عجز العرب عن معارضته: أن" الوليد بن المغيرة" حكيم قريش وفيلسوفها «5» لما سمعه أنصت له ثم استعاده فأعيد عليه.

_ (1) من المعجزات: ليست في: (أ). (2) في (ش): حيث. (3) في (ش): الأصحار. (4) انظر تفسير القرطبي 7/ 238، وهامش ص: 472 من هذا الكتاب. (5) الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، يكنى أبا عبد شمس وهو العدل- على زعمهم- أو أنه يسمى العدل لأنه كان عدل قريش كلها. فقد كان يكسو الكعبة وحده وتكسوها قريش جميعا. هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر. [انظر الكامل لابن الأثير 2/ 48، والأعلام 8/ 122].

ثم قال: والله ما هو بسحر، ولا شعر، ولا كهانة، ولقد سمعنا ذلك كله وما هو بشيء منه، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر، ثم قال له الكفار: فما ترى أن تقول فيه؟ قال: قولوا: إنه ساحر. فأنزل الله- سبحانه- «1»: ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) إلى قوله: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) «2». قال:" وإن بقي التباس في هذا على مسكين ناقص الفطرة. قلنا له: تعال نفرض أن القرآن فصيح. لا تكرار فيه ولا تناقض، وأنه جار على نظام واحد في معانيه، ونجعل ذلك إعجازا له، أليس من شرط المعجز أن يكون من غير جنس الأفعال المعتادة؟ إذ هو كلام لا يفضل جميع الكلام، وإنما يختلف بالأقل والأكثر، وتقع فيه المماثلة والمفاضلة فهو جنس واحد، وبحسب التفاضل بينه وبين كلام سائر الخطباء والبلغاء من العرب والمجيدين تتوزع النبوة على كل فصيح بليغ بمرتبة من الفصاحة فينال من النبوة ما تستوجبه فصاحته. قلت: الجواب عن هذا: أما أولا: فإنه ناقض في كلامه. لأنه طلب شرط الإعجاز على تقدير ثبوت الإعجاز، والمشروط لا يثبت إلا بعد تكامل شروطه. فمن هذه الحيثية يلزم وجود

_ (1) أخرج القصة ابن جرير الطبري في تفسيره (29/ 156) والقرطبي في تفسيره (19/ 47، 10/ 165)، وابن كثير في تفسيره 4/ 442، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 198 - 200) من طريقين، والحاكم في المستدرك (2/ 506) وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه" اهـ. (2) سورة المدثر: 11 - 26.

شرطه، ومن حيث طلب شرطه. يلزم/ أن شرطه لم يوجد، وذلك تناقض لا محالة. لكن لا يستبعد مثل هذا ممن يقول: إن الله هو المسيح، وأنه في السماء/ حالة كونه في الأرض. وأما ثانيا: فقوله:" شرط المعجز أن يكون من غير جنس الأفعال المعتادة" فجوابه من وجهين: أحدهما: أنا نقول: من شرط هذا الشرط؟ ومن سلمه لك؟ أنت شرطته وبحثته مع نفسك تقريرا لعنادك وهواك، وفساد دعواك. ونحن قد بينا آنفا وفي مقدمة الكتاب، حيث ذكرت أن الذي اتفق عليه/ المحققون في المعجز: أنه الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارض. وبينا ما فيه من القيود والاحترازات وبينا أنه موجود في القرآن. الثاني: أن الإعجاز بالمعتاد أبلغ من الإعجاز بغير المعتاد بالضرورة لأنه إذا عجز عما هو من عادته، وهو متدرب فيه عارف بأصوله وقواعده، فهو عمالا أنسة له به أعجز «1»، وذلك كما إذا قيل للنجار: اعمل مثل هذا الباب. فلم يقدر.

_ (1) يقول القاضي عياض- رحمه الله- عن وجوه إعجاز القرآن:" فأولها حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب، وذلك أنهم كانوا أرباب هذا الشأن وفرسان الكلام قد خصوا من البلاغة والحكم ما لم يخص به غيرهم من الأمم، وأوتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به إلى كل سبب ... " ثم بين أنهم كانوا على مقدرة بلاغية وفصاحة بيانية لم يصل إليها أحد فقال:" منهم البدوي ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم والطبع الجوهري والمنزع القوي. ومنهم الحضري ذو البلاغة-

فإنا نعلم بالضرورة أنه عن صناعة الزركش «1»، وخياطة الثياب الرفيعة، ونسخ الخط المحرر، إذا لم يكن ذلك من صناعته أعجز، وأعجز. ولهذا لما تحداهم بسورة منه فعجزوا. دل على أنهم عن معارضة سورتين فأكثر أعجز. وأما ثالثا: فقوله:" هو كلام لا يفضل جميع الكلام فهو جنس واحد" قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: لا نسلم أنه لا يفضل جميع الكلام، بل يفضله بخصيصة الإعجاز كما بينا وذلك مدرك بالحس والاستدلال. أما الحس فإن كل من سمعه يحس من نفسه إدراك أنه ليس بكلام «2» آدمي، وأما الاستدلال فبعجز «3» العرب عن معارضته.

_ - البارعة والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة والطبع السهل والتصرف في القول القليل الكلفة الكثير الرونق الرقيق الحاشية وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة والقوة الدامغة لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم والبلاغة ملك قيادهم قد حووا فنونها واستنبطوا عيونها ودخلوا كل باب من أبوابها وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها ... فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته وفصلت كلماته وبهرت بلاغته العقول وفصاحته على كل مقول ... ". [الشفاء 1/ 166 - 167]: قلت: فهذا كما قال الطوفي إعجاز بمعتاد عندهم كان أبلغ مما لو أعجزهم بغير المعتاد عندهم. (1) الزركشة: كلمة فارسية مركبة من" زر" أي الذهب و" كش" أى: ذو. والمقصود بها نسج الحرير بالذهب. [معنى لا إله إلا الله، لمحمد بن عبد الله الزركشي المتوفى سنة 794 هـ هامش ص: 19 بتحقيق علي محي الدين القره داغي]. (2) فى (م): كلام. (3) في (ش): فعجز.

الوجه الثاني: إن سلمنا أنه مع الكلام جنس واحد. فكذلك قلب العصا، وإحياء الموتى مع جنس الفعل جنس واحد، وإنما اختصا «1» عليه بخصيصة الإعجاز كذلك القرآن. والله أعلم. وأما رابعا: فقوله:" تتوزع النبوة على كل فصيح بليغ بمرتبته من الفصاحة فينال من النبوة ما يستوجبه". جوابه من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم إيجاد الجنس في القرآن وسائر الكلام/ لأن هذا صفة الإله القديم «2» وذاك صفة المخلوق المحدث،/ وإنما يطلق عليها كلام، وكلام. كما يطلق على الباري- سبحانه- وما سواه «3» موجود وموجود، وحينئذ لا يلزم التماثل فلا يلزم التوزيع.

_ (1) فى (أ): اختصنا. (2) القديم في اللغة: هو المتقدم على غيره. فيقال: هذا قديم للعتيق وهذا حديث للجديد. وهذا الاسم يستعمل في المتقدم على غيره. كما قال تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [سورة يس: 39] والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم، قال تعالى: وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ [سورة الأحقاف: 11] أي متقدم في الزمان ويأتي على صيغة المبالغة:" الأقدم" كما في سورة الشعراء: 76: أَنْتُمْ وآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ وهذا الاسم ليس من أسماء الله الحسنى لأنه مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها. وقد جاء الشرع بما أحسن منه وهو اسم الأول. والأول هو الذي ليس قبله شيء. وقد كره بعض السلف اطلاق لفظ القديم على الله لما ذكر هنا. ولكن إذا استعمل بمعنى أنه المتقدم على المخلوقات والحوادث كلها فلا حرج في ذلك وإن لم يكن من الأسماء الحسنى. والله أعلم. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 114 - 115]. (3) «وما سواه» ليست في (ش).

الثاني: أن المسيح عندكم إله، أو ابن الإله، وأجمعنا على أن الأنبياء شاركوه «1» في جنس الخارق فلزمكم على «2» هذا المساق أن توزعوا الإلهية أو البنوة عليه وعليهم فيحصل لكل نبي قسط من الإلهية، أو بنوة الإله في مقابلة قسط من ظهور الخارق على يديه. الثالث: أن آدم شارك المسيح في أنه ليس من بشر ذكر، وسائر بني آدم شاركوه في أنهم من أم. فيجب أن توزع الإلهية أو البنوة بينهم فيحصل لكل من بني آدم منها بحسب ما شاركه فيه. الرابع: أن إعجاز القرآن ليس بمجموع مفهوم الفصاحة، ولا بالقدر المشترك منها بينه وبين سائر الكلام وإنما إعجازه بفصاحته/ الخاصة به، وهي القدر الزائد على نهاية فصاحة البشر، وذلك ليس مشتركا بينه وبين غيره حتى يتجه التوزيع في النبوة بحسبه، وهذا كما تقولون أنتم: إن خصوصية المسيح على سائر الأنبياء هو اتحاد كلمة الله به أو ظهور اللاهوت في ناسوته، وليس ذلك لأحد غيره «3».

_ (1) فى (أ): ساكوه. (2) على: سقطت من (أ). (3) قلت: ذكر القاضي عياض رحمه الله أربعة أوجه لإعجاز القرآن تتلخص فيما يلي: الأول: حسن تأليفه والتئام كلمه وفصاحته ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب. وأشرت إليه فيما سبق. الثاني: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ... فلم يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه بل حارت فيه عقولهم ... وقصة الوليد ابن المغيرة وعتبة بن ربيعة تدلان على هذا الوجه.-

قال:" فإن «1» قلت: إعجازه من جهة أنه لم يعارضه أحد من الناس ولم يأت بسورة من مثله. قلنا: إن محمدا لم يقل للناس في قرآنه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ... (88) «2» وقوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... (23) «3»: إلا بعد أن تأسست رئاسته، وظهر سلطانه فمن كان يقدم على معارضته وأسيافه تقطر دما؟ ولذلك لما شرع النضر بن الحرث في معارضته أنهض إليه علي بن/ أبي طالب فقتله شر قتلة «4». وأما بعد موته فالحماية عنه بسيوف ملوك المسلمين عظيمة لا يقدم أحد معها

_ - الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات وما لم يكن ولم يقع فوجد كما ورد على الوجه الذي أخبر به. كقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ... الآية [سورة الفتح: 27] وغير هذا كثير. الرابع: ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة والشرائع المنسوخة مما كان لا يعلم منه الفذ من أحبار أهل الكتاب ... فيورده على وجهه ويأتي به على نصه فيتعرف العالم بذلك بصحته وصدقه وأن مثله لم ينله بتعليم. [انظر الشفاء 1/ 166 - 177، وفتح الباري 9/ 7]. (1) في (ش): وإن. (2) سورة الإسراء، آية: 88. (3) سورة البقرة، آية: 23. (4) انظر طبقات ابن سعد 5/ 448. وانظر ص: 555 - 556 من هذا الكتاب.

على ذلك، وقد عارضه أبو العلاء المعري «1»، والعنسي «2» بعد موته عارضه ومن معارضته له:" إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وهاجر، ولا تطع كل كافر وساحر" ولأجل ذلك صلب على العود. وقيل له، وهو/ في الصلب:" إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على العود، وأنا ضامن عنك أن لا تعود" «3».

_ (1) أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري الفيلسوف الشاعر المشهور. أصابه الجدري في صغره فعمي في الرابعة من عمره، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. اتهم بالزندقة ومما يؤخذ عليه ويدل على كفره ما ينسب إليه: أتى عيسى فأبطل شرع موسى وجاء محمد بصلاة خمس وقالوا لا نبي بعد هذا فضل القوم بين غد وأمس ومهما عشت من دنياك هذي فما تخليك من قمر وشمس وأما كتابه الذي عارض به القرآن فهو:" الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات" وقد طبع فسماه محققه: محمود حسن زناتي:" الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ". [انظر سير أعلام النبلاء وهامشة 18/ 23 - 39، والبداية والنهاية 12/ 72 - 76، والأعلام 1/ 157]. (2) عبهلة بن كعب بن عوف العنسي المذحجي، ذو الخمار. متنبئ مشعوذ من اليمن كان باطشا جبارا، أسلم لما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول مرتد في الإسلام، كان له شيطان يخبره بالمغيبات فضل به كثير من الناس، وكان بين ظهوره وقتله نحو أربعة أشهر، ولكن استطارت فتنته استطارة النار، وتطابقت عليه اليمن والسواحل وعدن وامتد إلى الطائف، وبلغ جيشه سبعمائة فارس. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتاله فقتل غيلة زمن مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل المسلمون الخبر من اليمن إليه بالمدينة فجاءه خبر السماء ليلة قتل الأسود، ووصلت البشارة أبا بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك سنة إحدى عشرة من الهجرة. [انظر الكامل في التاريخ 2/ 227 - 231، شذرات الذهب 1/ 13 - 14، وفتح الباري 8/ 93]. (3) فى (م):" ألا تتعود" ولم أجد هذه النصوص فيما استطعت مراجعته من المراجع.

قلت: الجواب عن هذا: أما قوله:" إن محمدا لم يتحد الناس بالقرآن إلا بعد تأسيس رئاسته فلم يقدم أحد على معارضته" فهو كذب وافتراء، بل هذه سورة البقرة من أوائل ما نزل من القرآن، وفي أولها «1»: وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... (23) إلى قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا ... (24) «2» وتلا حم السجدة على" عتبة بن ربيعة" «3» حتى بلغ قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ (13) «4» فقال له «5»: حسبك يا ابن أخي. نشدتك الله والرحم إلا سكت، ثم رجع إلى أصحابه، وكانوا بعثوه إليه. ليستنزله عما يقول، فقالوا: نقسم بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي فارقكم به، وكان ذلك

_ (1) فى (أ):" وفي ألها". (2) سورة البقرة، آية: 23 - 24. (3) عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أبو الوليد. كبير قريش وأحد سادتها في الجاهلية خطيبا نافذ القول. أول ما عرف بذلك عند ما توسط للصلح في حرب الفجار بين هوزان وكنانة. فرضي الفريقان بحكمه، وانقضت الحرب على يديه، أدرك الإسلام فطغى وتكبر عن الدخول فيه، وكان من عتاة المحاربين للنبي صلى الله عليه وسلم بارزه عبيدة- رضي الله عنه- في بدر فاختلفا ضربتين أصيب عبيدة بضربة مات منها بعد الغزوة فمال علي وحمزة- رضي الله عنهما- على عتبة فقتلاه. [انظر فتح الباري 7/ 297، والأعلام 4/ 200]. (4) سورة فصلت (حم، السجدة) الآية: 13. (5) له: سقطت من (م).

انبهارا منه بالقرآن، وخشية أن تأخذه الصاعقة «1». وسمعه الوليد بن المغيرة يقرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسانِ «2» الآية فقال فيه ما قدمنا ذكره «3». وقال: وما هو قول بشر، وكلهم كانوا يعرفون عجزهم عن مثله. وهو بينهم وحيد مستضعف، حتى إنهم أخرجوه إلى الطائف، ثم عاد فاستجار بالمطعم بن عدي «4»، حتى بلّغ القرآن، وكان يقول:" من يمنعني/ من قريش. فإنهم قد منعوني أن أبلغ كلام ربي"؟ «5».

_ (1) انظر القصة في دلائل النبوة للبيهقى بثلاث طرق (2/ 202 - 206)، وأوردها ابن كثير في تفسيره (4/ 90 - 91) عن عبد بن حمي، د وأبو يعلي في مسنده، والبزار، وابن اسحاق في السيرة، والبغوي في التفسير، وانظر سيرة ابن هشام المجلد الأول ص 292. (2) سورة النحل، آية: 9. (3) انظر ص: 601 من هذا الكتاب. وقد خرجت القصة هناك. (4) المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، رئيس بني نوفل في الجاهلية وقائدهم في حرب الفجار، أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف إلى مكة لما طلب منه النبي ذلك فتسلح المطعم وأهل بيته وخرج بهم حتى أتوا المسجد الحرام وأرسل على النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل فدخل وطاف بالبيت وصلى عنده، ثم انصرف إلى منزله آمنا، وكان أحد الذين مزقوا الصحفية، عمي في كبره ومات قبل وقعة بدر، رثاه حسان بن ثابت وفيه الحديث الذي أخرجه البخاري في" فرض الخمس، باب ما منّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأسارى ... ":؛ لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء- يعني أسارى بدر- لتركتهم له"، وقصة جواره للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجها ابن اسحاق وابن هشام في السيرة (المجلد الأول ص 381) وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 211 - 212) وانظر فتح الباري 7/ 324، والبداية والنهاية 3/ 137 - 138. (5) أخرج أبو داود في كتاب السنة، باب في القرآن، عن جابر- رضي الله عنه- قال:" كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس في الموقف فقال:" ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا-

فلو أمكنهم معارضته لما كان لهم منه مانع. ثم سلمنا أنه لم يتحدّ به إلا بعد ظهور سلطانه فقد كانت طوائف العرب كثيرة، وأكاسرة «1» الفرس وقياصرة الروم «2» موجودين. فقد كان لمن له قوة المعارضة أن يأوى إلى منعه منهم، ثم يعارضه فإذا أتى بمثله بطل كونه معجزا، ثم كان من تابعه يتخلى عنه، ومن خالفه يشتد عليه حتى يؤول أمره إلى الانحلال والاضمحلال كما آل أمر" مسيلمة الكذاب" و" الأسود العنسي" و" طليحة الأسدي" «3» والأنبياء الكذبة من بني إسرائيل وما رأينا الأمر كذلك. بل لم يزل الناس يدخلون في دينه حتى طبق المشرق والمغرب.

_ - منعوني أن أبلغ كلام ربي" وأخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ القرآن. بلفظ أبي داود. وقال الترمذي:" هذا حديث غريب صحيح" وأخرجه ابن ماجه في المقدمة باب فيما أنكرت الجهمية، بلفظهما، وأحمد في المسند (3/ 390) وفي آخره زيادة عنده. (1) أكاسرة: جمع كسرى: اسم ملك الفرس، معرب وهو بالفارسية: خسرو أي: واسع الملك، فعربته العرب فقالت: كسرى. وورد في الحديث كثيرا. [انظر لسان العرب 5/ 142]. (2) قياصرة: جمع قيصر: اسم ملك الروم يسمى به كل من ملكهم. [انظر لسان العرب 5/ 104]. (3) طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر الأسدي الفقعسي. أسلم، في وفد بني أسد سنة تسع للهجرة، ولما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إليه ضرار بن الأوزر فضربه بالسيف فشاع بين الناس أن السلاح لا يؤثر فيه، وبعث إليه أبو بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في جيش فانهزم طليحة وفر إلى الشام وبقي حتى أسلمت أسد وغطفان فأسلم ووفد على عمر بالمدينة فبايعه وأبلى في الفتوح بلاء حسنا واستشهد في نهاوند. [انظر الإصابة 2/ 234 (ت: 4290)، والأعلام 3/ 230].

وأما قوله:" قتل النضر بن الحرث، حيث شرع في معارضته"/ فليس بصحيح أيضا، بل إنما قتله بعد أن أسره يوم بدر في جملة الكفار «1»، ولا شك أنه كان يرد على الفرس في بلادهم فحفظ شيئا من أخبار رستم «2» "/ و" اسفنديار" «3» فكان يقول لقريش أنا أحدثكم كما يحدثكم به محمد «4»، ويحدثهم بذلك، وهو في عزة ومنعة من أهله بمكة قبل بدر بحين، ومحمد بينهم مستضعف فلو كان ما عنده مما يصلح معارضا لاستفاض واشتهر، وملأ البدو والحضر، ومع هذا فإنه أساء إلى النبي- عليه السلام- غير ذلك كثيرا «5»، ثم لما

_ (1) قتل في معركة بدر مع أبي جهل كما قال المؤلف سابقا أو مات بعدها من أثر ضربة فيها. [انظر ص 555 - 556 من هذا الكتاب]. (2) رستم الشديد أو السنديد بن داستان بن زيمان بن جوذنك بن كرشاسب صاحب العلوم والآداب الفارسية، كان رقيقا وأعتق وأعطي ولاية بعض بلاد فارس. من قبل الفرس في وقته. [انظر سيرة ابن هشام المجلد الأول ص 358، الكامل في التاريخ 1/ 137]. (3) اسفنديار أخو رستم المتقدم وأحد قادة الفرس ضد المسلمين وله قتال معهم في الفتوح أيام عمر- رضي الله عنه- وأسر في فتح أذربيجان. [انظر الكامل في التاريخ 3/ 10، 13]. (4) انظر سيرة ابن هشام المجلد الأول ص 300 - 358، وتفسير الطبري 18/ 182، عن ابن عباس بسند ضعيف. (5) انظر مغازي الواقدي 1/ 106.

قتله وسمع ما قالت أخته" قتيلة بنت الحرث" «1» في مرثيته واستعطاف النبي عليه. قال:" لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته" «2». وأما حماية ملوك المسلمين عنه، فلا تمنع من معارضته المعارضين لجواز أن يعارضوه سرا، ثم يموتوا فتظهر معارضتهم كما ظهرت معارضات/ المعري والمتنبي" «3» وغيرهم من الزنادقة، بل هذا الخصم بعينه صنف هذا الكتاب في

_ (1) قتيلة بنت الحارث. هكذا ذكر بعض المؤرخين. وقيل: بنته قتيلة بنت النضر بن الحارث شاعرة كانت زوجة عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر. قيل: إنها أسلمت. وقيل: لم تسلم لله وهي التي جذبت رداء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف وأنشدت الأبيات التي أشار إليها الطوفي ولم يذكرها ومنها: أمحمد يا خير ضنء كريمة في قومها والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فدية فلينفق بأعز ما يغلو به ما ينفق [انظر الإصابة 4/ 490 ت: 889، والأعلام 5/ 190، والروض الأنف 3/ 134، والبداية والنهاية 3/ 306، وديوان الحماسة 1/ 477، وسيرة ابن هشام المجلد الثانى ص 42]. (2) ذكر هذا ابن حجر في الإصابة الموضع السابق نقلا عن الواقدي. وقال ابن هشام في الموضع السابق أيضا ص 43:؛ فيقال والله أعلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه"، اهـ. فهذا وصيغة نقل ابن حجر أيضا وفى قول الزبير فيما نقله عن ابن حجر:" سمعت بعض أهل العلم يغمز هذه الأبيات ويقول إنها مصنوعة"- ما يدل على ضعفها وأن ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من بكاء وندم على قتل النضر غير صحيح. وأنه قول باطل. وإلا لكان منقولا نقلا موثوقا ومشهورا. والله أعلم. (3) أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، الشاعر الحكيم المتنبّئ لقب بذلك لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة- أرض بحيال الكوفة مما يلي الشام- ولما-

الطعن على الإسلام مستخفيا، ثم إنه على طول الأيام ظهر ونوقض، وليس عند أحد من رؤساء الإسلام منه خبر حتى الآن. وهذا الكلام يحققه قول المسيح في الإنجيل:" ما من مكتوم إلا سيظهر ولا خفي إلا سيعلن" «1». وأما معارضة المعري وأضرابه من الزنادقة، فهي ركيكة تشبه لحاهم. ولو كانت مساوية للقرآن في صفاته لظهر لها عصابة من المسلمين ينصرونها ثم اختلفت كلمة الإسلام. كما أن مناقب أبي بكر وعلي لما كانا متساويين أو متقاربين اختلفت الأمة فيهما على قولين: أيهما أفضل؟ «2» وفضائل

_ - فشا أمره خرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيد فاعتقله زمانا ثم استتابه وأطلقه. وله شهرة واسعة في الشعر والحكم والأدب واللغة مدح كثيرا من الأمراء من أجل الولاية وهجا بعضهم لأنه لم يوله. مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. [انظر ترجمته في تاريخ بغداد 4/ 102 - 105، مقدمة ديوانه بشرح اليازجي]. (1) انظر إنجيل متى الأصحاح العاشر. (2) القولان هما: قول أهل السنة والجماعة وقول الشيعة: فالشيعة يفضلون عليا على أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- يقولون: إنه أحق بالإمامة منهما. والشيعة أيضا مختلفون في شأن علي- رضي الله عنه- فمنهم من يرى أنه إله، ومنهم من يرى أن الإله حل فيه، ومنهم من يقول إن عليا رفع إلى السماء وسينزل ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ... إلى غير ذلك مما ذهب إليه الشيعة من الباطل. أما القول الثاني: فهو قول أهل السنة والجماعة أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الصحابة وأحق بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الحق. أخرج البخاري- رحمه الله- في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر- رضي الله عنه-: عن محمد ابن الحنيفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر.-

مروان بن الحكم «1» ومعاوية «2» وعمرو بن العاص، بل سلمان «3»، وعمار «4»،

_ - وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت. قال: وما أنا إلا رجل من المسلمين وهذا تواضع منه رضي الله عنه- ومعرفة بالفضل لأهله. ولكن التفاضل بين الصحابة- رضي الله عنهم- ليس من باب العصبية والحمية. وقد فضل أبو بكر على الصحابة لسبقه للإسلام وزيادة تقواه وإيمانه. والله أعلم. (1) أبو الحكم وأبو عبد الملك وأبو القاسم: مروان بن الحكم بن أبي العاصي ابن أمية بن شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. صحابي عند طائفة كثيرة لأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه في صلح الحديبية، كان كاتب عثمان بن عفان أيام خلافته، وعده ابن سعد والواقدي من التابعين لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وعمر مروان ثماني سنين. عايش مروان فتنة مقتل عثمان وكان له دور فيها، وقاتل في وقعة الجمل، وانهزم هو وأصحابه ثم سار إلى معاوية فقاتل معه في صفين ثم أمنه عليّ- رضي الله عنه- فبايعه وانصرف إلى المدينة فأقام بها حتى خلافة معاوية فولاه المدينة. كان يكثر السؤال عنه الإمام علي يوم الجمل، ويقال له: سيد شباب قريش. قيل لمعاوية: من تركت لهذا الأمر بعدك فقال:" أما القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم" وأثنى عليه الإمام أحمد ومالك. وقيل روي عن أحمد ضد هذا. ويروى أن مروان لعن عليا عند توليه المدينة في عهد معاوية- والله أعلم- وهو أول خلفاء بني أمية بعد معاوية بن يزيد، مات بدمشق سنة خمس وستين للهجرة. [انظر البداية والنهاية 8/ 257 - 260، والإصابة 3/ 477 - 478، ت: 8318]. (2) تقدمت ترجمته في ص: 99 من قسم الدراسة. (3) تقدمت ترجمته في هامش ص: 549. (4) عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس العنسي المذحجي، يكنى أبا اليقظان، كان من السابقين للإسلام وممن عذب في الله، هاجر إلى الحبشة وصلى القبلتين. وشهد بدرا والمشاهد كلها، وشهد اليمامة فأبلى فيها، وفيها قطعت أذنه. وكان يقول فيها وهو على صخرة:" يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر هلموا إليّ" وقد تذبذبت أذنه وهو يقاتل أشد القتال. قتل في صفين سنة سبع وثلاثين، ودفنه علي- رضي الله عنه-. [انظر الاستيعاب 3/ 1135 - 1140، وصفة الصفوة 1/ 442 - 446].

بل غالب الصحابة. لما لم تقارب مناقب هذين الرجلين لم تختلف الأمة فيهم «1» فكما أنه ليس كل فضيلة توجب النزاع في صاحبها وغيره. كذلك كل معارض لا يصلح أن يكون معارضا مفرقا للناس. وأيضا: فإن كل من عارض القرآن إنما سرق بعض ألفاظه، وتابع أسلوبه فلم يلحق به لأنه مادته، كما أن التلاميذ لما كانت مادتهم في التأبيد من جهة المسيح لم يفضلهم أحد عليه، ولم يسوهم به. وأما" العنسي" الذي صلب على العود فلا أحقق لفظه لأنه مشتبه الصورة في الكتاب الذي نقلت منه. فإن أراد الأسود العنسي- بعين مهملة ونون وسين مهملة- فذاك قتل غيلة «2»، ولم/ نعلم أنه صلب، وإن أراد القيسي أو غيره من الألفاظ فلا نعلم من هو إلا أن «3» يكون مسيلمة الكذاب، ولم نعلم أنه صلب أيضا، ومن قرآنه «4»:" ضفدع بنت «5» ضفدعين/. نقي كم «6» تنقين. أعلاك في الماء

_ (1) قال الله تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْواناً ويَنْصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ... إلى قوله: رَؤُفٌ رَحِيمٌ [سورة الحشر، آية: 8 - 10]. (2) خبر مقتل الأسود العنسي في صحيح البخاري (كتاب المغازي، باب قصة الأسود العنسي) وهل كان مقتله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في ترجمته ص: 608، أم بعد وفاته؟ الأرجح أن قتله كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أتاه خبره وهو في مرض موته الذي مات فيه- والله أعلم-. [انظر فتح الباري 8/ 93، والاستيعاب 3/ 1265، والبداية والنهاية 6/ 310]. (3) في (ش): من هو الآن يكون. (4) فى (أ):" ومن قراءة". (5) في تاريخ الطبرى:" ابنة". (6) في تاريخ الطبري:" ما".

وأسفلك في الطين" «1»." والزارعات زرعا، فالحاصدات حصدا، ... فالطاحنات طحنا، فالخابزات خبزا، فالآكلات أكلا، فاللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم لا يعدلون" «2». وهذا مع كونه منسوجا على أسلوب سورة" والمرسلات عرفا" فهو ضحكة مثل قائله. وكذا قول القائل:" إنا أعطيناك الجماهر" وقول بعضهم:" إنا أعطيناك اللقلق، فصل لربك وازعق، إن شانئك هو الأبلق" فإن هذا منسوج على منوال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1). ولقد عدم أهله من يضحك عليهم، فضحكوا على أنفسهم ولعمري إن قول القائل:" إنا أعطيناك العمود" إلخ خير وأفصح وأرشق من هذا كله وشعر الشعراء المجيدين كجرير «3»

_ (1) انظر تاريخ الطبري 3/ 284، ومقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية" ص 232، على اختلاف بين المصادر في الألفاظ المنسوبة إلى مسيلمة الكذاب. (2) انظر تاريخ الطبري 3/ 284، ومقامع هامات الصلبان ص 232، وألفاظ النص مختلفة عندهما. (3) أبو حرزة جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر التميمى البصري من فحول الشعراء، وهو أشعر أهل عصره، ولد باليمامة، وكانت بينه وبين الفرزدق مهجاة ونقائض ففاق عليه جرير، وهجا الأخطل النصراني أيضا. توفي باليمامة سنة إحدى عشرة ومائة وعمره نيف وثمانون سنة [انظر وفيات الأعيان 1/ 321 - 327، وسير أعلام النبلاء 4/ 590 - 591، والبداية والنهاية 9/ 260].

والفرزدق «1» وذي الرمة «2»، ومن المحدثين أبو تمام «3» والبحتري «4» والمتنبّئ خير من هذه المعارضات/ بما لا يتناهى، وهي دون القرآن بما لا يتناهى، والله أعلم.

_ (1) أبو فراس همام بن صعصعة بن ناحية بن عقال التميمي البصري المعروف بالفرزدق الشاعر المشهور، صاحب جرير، من شعراء الدولة الأموية ولشعره أثر في حفظ اللغة، حتى قيل: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة. قلت: وهذه مبالغة فقد حفظها الله بحفظ هذا القرآن والسنة المطهرة. توفي بالبصرة سنة عشر ومائة وقد قارب المائة عام. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 590، ووفيات الأعيان 6/ 86 - 100، وشذرات الذهب 1/ 141 - 144]. (2) ذو الرمة: غيلان بن عقبة بن مسعود أو نهيس بن الحارث بن عمرو المضري. والرمة: الحبل. من فحول الشعراء في عصر بني أمية، كان يشبب النساء مقلدا في ذلك الشعراء الجاهلين. توفي سنة سبع عشرة ومائة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 267، والبداية والنهاية 9/ 319، والأعلام 5/ 124]. (3) أبو تمام حبيب بن أوس الطائي، ولد في أيام الرشيد في قرية جاسم من قرى الشام كان نصرانيا ثم أسلم، وكان شعره متميزا عن غيره، تصدر شعراء عصره وأصبحت له الزعامة بينهم، وكان لا يتكسب بشعر يخافه الشعراء أن يتكسبوا بشعرهم حتى مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين على الأرجح. [انظر تاريخ بغداد 8/ 248، وسير أعلام النبلاء 11/ 63 - 68، والنجوم الزاهرة 2/ 261]. (4) الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري، شاعر كبير يقال لشعره:" سلاسل الذهب" وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم. المتنبئ، وأبو تمام، والبحتري. اتصل بالمتوكل العباسي في بغداد ثم عاد إلى الشام. توفي سنة أربع وقيل خمس وثمانين ومائتين للهجرة. [انظر تاريخ بغداد 13/ 476 - 481، وسير أعلام النبلاء 13/ 386 - 387، وشذرات الذهب 2/ 186 - 190].

(الشرط الرابع حسن الشريعة)

قال:" ومن لم يقنع بهذه الأدلة التي أوردناها، وبقي له نزاع أو جدل في شيء من دين محمد مع إيضاح فساده وبيانه وتمسك بعلاقة منازعه فهو كالحية قطع رأسها وبقي ذنبها يتحرك". قلت: قد بينا أن ما أورده شبه صادرة عن سوء فهم، وضيق علم، وأنها كحبل سحرة فرعون، وما تكلمنا به عليها كعصا موسى تلقف ما يأفكون. قال:" الشرط الرابع: حسن الشريعة والدين، وكمالهما «1» في الخير والفضل والمعدلة، وذلك أن يتضمن دينه حض الأمة على حب الله وتوحيده والعمل الصالح وحسن العبادة وموالاتهما،/ وأن يحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه. فلنختبر دين هذا الرجل هل هو موافق للدين الطبيعي المذكور وشرائع الله التي أرسل بها رسله كموسى وغيره؟ وهل هي جارية على هذا المنزع أم لا؟ ". قلت:/ أما هذه الخصال التي ذكرها فهي منصوص عليها وعلى غيرها من خصال الخير في دين الإسلام، والكتاب والسنة بها مملوءان، ولولا أن ذكر ذلك يستدعى كتبا ويخرجنا عما نحن بصدده من مناقضة هذا الخصم لذكرته. وأما قوله:" حض الأمة على حب الله وتوحيده" فهو تمويه وزور، أين النصراني من التوحيد مع قوله بالتثليث؟، أما اشتماله على مصالح العباد العامة والخاصة، الضروريات وغيرها، فأمر لا شك فيه، على ما أشرنا إليه في القاعدة الأولى من القواعد الفروعية في" القواعد الدمشقية".

_ (1) في (أ): وكمالها.

[نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله]

[نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله] وأما شرائع الأنبياء المتقدمين. فأحكامها قسمان: ما ورد شرعنا بنسخه فليس حجة علينا، ولا شرعا لنا. وما لم يرد شرعنا بنسخه، فهل هو شرع لنا أم لا؟ فيه قولان للمسلمين «1».

_ (1) شرائع من قبلنا ثلاثة أقسام: الأول: ما لا يعلم إلا بقولهم كما في لفظ ما بأيديهم من الكتب، فلا يلزمنا لأنه غير مأمون من التحريف،:" لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ... ". الثاني: ما علم بشرعنا وأمرنا به وشرع لنا، فهذا لا خلاف في أنه شرع لنا، كما في قوله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... الآية [سورة المائدة: 45]. الثالث: ما دل شرعنا على أنه كان مشروعا لهم ولم يأمرنا به ولم يرد في شريعتنا ما يناقضه، مثل قوله تعالى: ولِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [سورة يوسف: 72]. فيستدل به على جواز الضمان، وكذلك قوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [سورة القصص: 27] يستدل بها على جواز الإجارة. وهذا للأصوليين فيه قولان: أحدهما: أنه شرع لنا، واستدل أصحابه بقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى ... الآية [سورة الشورى: 13] وقوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ... [سورة الحج: 78] تقديره اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم بالإضافة إلى ما سبق. ورد هذا الاستدلال بأن المقصود قواعد العقائد لا جزئيات الفروع، لأنها هي التي وقع الاشتراك فيها بين الأنبياء كلهم، وكذلك القواعد الكلية من الفروع أما جزئيات المسائل فلا اشتراك فيها، بل هي مختلفة في الشرائع. ثانيهما: أنه ليس شرعا لنا. واحتجوا بأنه لو كان- عليه السلام- متعبدا بشرع من قبله لوجب عليه مراجعة تلك الكتب، ولا يتوقف إلى نزول الوحي لكنه لم يفعل ذلك. بل عاب-

ومن أصل شرعنا: جواز نسخ الشرائع بعضها ببعض، وأن شريعتنا ناسخة لما قبلها في الجملة. فمن نازعنا في جواز النسخ أو وقوعه أو شيء من أحكامه فقد بينه الأصوليون في كتب الأصول «1».

_ - على عمر- رضي الله عنه- عند ما رآه يطالع ورقة من التوراة. ثم إنه صوب معاذا في حكمه بالاجتهاد إذا لم يجد الحكم في الكتاب والسنة. وهذا يقتضي أنه لا يلزمه اتباع الشرائع المتقدمة. وأجيب عن أدلتهم: بأن شرع من قبلنا إنما يلزمنا إذا علمناه من قبل نبينا- عليه السلام- بوحي، ولا يلزم مراجعة كتبهم لأنها لم تصل إلينا بسند مقطوع به كحال شريعتنا، ثم إن القرآن دل على اتباع الشرائع المتقدمة. والصواب: أن كل ما ذكر من شرع في شريعتنا مما كان شرعا لهم هو شرع لنا لأنه ورد في شرعنا، لا لأنه شرع لهم وهذا هو ما عليه الجمهور. والله أعلم. [انظر شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول للقرافي ص 295 - 300، وتفسير القاسمي 6/ 219، وأضواء البيان للشنقيطي 2/ 63 وما بعدها]. (1) نازع في النسخ اليهود والنصارى فيقال لهم: هل كان قبل نزول التوراة شرع أم لا؟ فإن جحدوا كذبوا بما فيها من الإخبار بذلك. وإن أقروا قلنا لهم: هل أتت بزيادة على تلك الشرائع أم لا؟ فإن لم تكن أتت بزيادة فقد صارت عبثا ولم تغن شيئا ... فلا تكون من عند الله، وهذا كفر ... وإن أتت بزيادة فهل في الزيادة تحريم ما كان مباحا أم لا؟ فإن أنكروا ذلك بطل قولهم من وجهين: أحدهما: أن التوراة حرمت الأعمال الصناعية يوم السبت بعد أن كان ذلك مباحا، وهذا بعينه النسخ. وثانيهما: أنه لا معنى للزيادة في الشرع إلا تحريم ما تقدمت إباحته أو إباحة ما تقدم تحريمه. هذا بالنسبة لليهود. أما النصارى فإن عامة علمائهم فضلا عن عامتهم لا يعرفون ما نسخه الإنجيل من شريعة التوراة مما أقره، مع اتفاقهم على أن المسيح لم ينسخها كلها، ولم يقرها كلها، بل أخبر أنه إنما جاء ليتمها لا ليبطلها، وقد أحل بعض ما حرم فيها كالعمل في السبت. [انظر افحام اليهود ص 86 - 102، والجواب الصحيح 3/ 227، والأجوبة الفاخرة ص 266 - 271] ومن كتب الأصول التي تحدثت عن النسخ وجوازه: المغني للخبازي ص 250 وما بعدها، وشرح تنقيح الفصول للقرافي ص 301 وما بعدها وقد أجاد القرافي رحمه الله في بيان المقصود الذي يريده الطوفي هنا ويتصل بهذا الموضوع.

[تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية]

[تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية] قال:" فرأيناه قد ذكر في سورة النساء: ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (3) إلى قوله: .. أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... «1» فأجاز نكاح أربع نسوة والتسري بملك اليمين إلى غير عدد محصور: على أي دين كن من الأديان وأن يطلق الرجل ما شاء ويستبدل ما شاء كذلك ما عاش". قلت:/ هذا نقل صحيح عن دين الإسلام. إلا قوله في ملك «2» اليمين: " على أي دين كن من الأديان" فليس بجيد، بل إنما تباح الكتابية دون الوثنية والمجوسية ونحوهما. وإن كان قد ذهب إلى ذلك أحد من المسلمين فليس معتقدنا «3».

_ (1) سورة النساء، آية: 3. (2) هكذا العبارة عند المؤلف والأولى أن يقال:" إلا قوله في غير ملك اليمين" لأن ملك اليمين يباح التسري بها ولو كانت وثنية أو غير ذلك. (3) اتفق علماء الأمة على تحريم نكاح سائر النساء الكوافر، ما عدا الكتابيات، وخالف بعضهم في المجوسيات فقط. فقال عامة العلماء بتحريم الزواج بهن وخالف في ذلك أبو ثور فقال باباحة الزواج من المجوسيات لأنهن من قوم يقرون بالجزية فأشبهوا أهل الكتاب. ولأنه يروى أن حذيفة تزوج مجوسية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:؛ سنوا بهم سنة أهل الكتاب". والراجح عدم جواز التزوج منهن كسائر المشركات والأصح أن حذيفة تزوج يهودية لا مجوسية، وقيل: نصرانية، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان في أمر الجزية والقتل. [انظر المغني لابن قدامة 6/ 591 - 592، وموطأ مالك كتاب الزكاة باب جزية أهل الكتاب والمجوس].

قال:" ونبين بطلان هذا بحجج كثيرة: أولها: أن الله تعالى لم يعط آدم إلا زوجة واحدة وهي التي خلقها من الضلع ليتبين بذلك تأييد الصحبة والمحبة «1» بينهما كتأبيد المحبة بين أعضاء الجسد، ولهذا «2» حكي عن آدم في التوراة أنه قال:" هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي سميت امرأة لأنها أخذت من المرء، فلذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلزم زوجته" «3». وبهذا يتبين أنه بحسب الفطرة تكون واحدة لواحد، إذ لو كان في كثرة الزوجات فضيلة لكان/ آدم أولى بها، لأنه كان واحدا في العالم ليكثر نسله". قلت: أما كون آدم لم تكن له إلا زوجة واحدة،/ فلا يدل ذلك على وجوب الاقتصار على الواحدة. قوله:" لو كان في كثرة النساء فضيلة لكان أولى بها إذ كان مفردا وليكثر نسله". قلنا: أما من نسله، فما كان يجوز له أن ينكح لو عاش «4» إلى يوم القيامة لأنهن بناته وإن سفلن، ونكاح البنات حرام فيما علمناه، ولم نعلم نبيا وطئ بنته إلا ما حكي في التوراة عن لوط أنه أحبل ابنتيه وهو سكران «5». فعلى من قال هذا «6» أو صدقه لعنة الله.

_ (1) كلمة:" والمحبة" مكررة في: (أ). (2) في (ش): وهذا. (3) انظر سفر التكوين الأصحاح الثاني. (4) في (ش): ولو عاش، وفي (أ):" أن ينكح ولو كان عاش إلى يوم القيامة". (5) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع عشر. (6) قال هذا: مكررة في: (أ).

وأما من غير نسله بأن يخلق الله له مثل حواء فلجواز أن حواء كانت تكفيه فلم يحتج إلى غيرها، لأنها خلقت في الجنة. وقد ملأ الله من نسلهما الدنيا مفردين فلو كان له غيرها لما وسعتهم الأرض. فإن قيل: كيف تمنعون آدم من نكاح بناته وقد زوجه الله حواء، وهي/ خلقت من ذاته من ضلعه. قلنا: لأن بناته منه على جهة الولادة، وحواء ليست على جهة الولادة وقد فرقتم أنتم بين آدم وحواء والمسيح بهذا بعينه، فقلتم: المسيح خرج من رحم فكان ابن الله، بخلاف حواء وآدم «1». قوله:" خلقت من ضلعه ليتبين بذلك تأبيد الصحبة «2» بينهما كتأبيدها بين أعضاء الجسد". قلنا: ليس ذلك لهذه العلة بل لما ذكر في القرآن من قوله تعالى: ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً ... (21) «3» وهذا لا يقتضي تأبيد الصحبة، وترك الرجل أباه وأمه، ولزوم زوجته لا يقتضي أيضا ذلك، بل سببه المودة والرحمة بينهما، وذلك مشترك بين المرأة الواحدة والزوجات «4».

_ (1) " بخلاف حواء وآدم" ليست في (م)، (ش). (2) في (أ): الضحية. (3) سورة الروم، آية: 21. (4) قلت: والمودة والرحمة قد لا تدوم بين الزوج وزوجته أو زوجاته. وعند ذلك تسوء معيشتهما فلا يطيقا الاستمرار في حياتهما الزوجية. وهذا متفق عليه بين العقلاء. وهذا يرد قول النصراني بتأبيد الصحبة بين الزوجين.

وأما إنكاره جواز الطلاق حيث شاء «1» الإنسان، فإنما استفادوه مما حكوه عن المسيح في الإنجيل في الفصل الأربعين «2» من إنجيل متى: أن الفريسين قالوا للمسيح ليجربوه:" هل يحل للإنسان يطلق «3» امرأته لأجل كل علة؟ فقال لهم: أما قرأتم: أن الذي خلق في البدء خلقهما ذكرا وأنثى؟. ومن أجل ذلك يترك الإنسان أباه وأمه، ويلصق «4» بامرأته، ويكونا كلاهما جسدا واحدا؟ وما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. قالوا له: لماذا موسى أوصى أن تعطى كتاب طلاق وتخلّى؟ «5» قال: لأن موسى علم قساوة قلوبكم فأوصاكم «6» / أن تطلقوا نساءكم، ومن البدء لم يكن هذا، وأقول لكم من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا، ومن تزوج مطلقة فقد زنا" اهـ. لكن الجواب عنه من وجوه: أحدها: الجواب العام، وهو عدم الوثوق بالإنجيل. الثاني: بتقدير الاحتجاج بالإنجيل. لكن هذا الكلام بعينه متهافت/ بين التهافت «7» فلا تليق نسبته إلى المسيح، وسنبين وجه تهافته.

_ (1) شاء: سقطت من (أ). (2) في التراجم الحديثة: الأصحاح" الفصل" التاسع عشر. (3) في التراجم الحديثة:" أن يطلق". (4) في التراجم الحديثة:" ويلتصق". (5) في التراجم الحديثة: فتطلق. (6) في التراجم الحديثة: فأذن لكم. (7) بين التهافت: ساقطة من (أ).

الثالث: الجواب من حيث التفصيل. أما كونه خلقهما ذكرا وأنثى، وأن الإنسان شديد الألفة بامرأته، فلا يقتضي عدم جواز الطلاق ولا يناسبه، وأما قوله:" ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان" فنقول: أولا: الجمع بين الزوجين ليس حقيقيا كاجتماع بدن الإنسان ونحوه، وإن سلمناه فهو عام مخصوص بصور كثيرة كتفريق أعضاء البدن لمصلحة العقوبة وغيرها، وأما قوله:" لم يكن هذا في البدء" فلا يدل على ذلك أيضا لجواز النسخ. وأما اعتذاره عن تجويز موسى الطلاق بعلمه بقساوة قلوبهم. إلى آخره فالمناقشة عليه من وجوه: أحدها: أن قساوة قلوبهم/ إن كانت مقتضية لجواز الطلاق، فلم لم يجزه المسيح أيضا لذلك، ولعل محمدا- عليه السلام- أجاز الطلاق توسيعا على قساة «1» القلوب من أمته. فإن قلتم: نسخ ذلك في دين المسيح. قلنا: ونسخ ما في دين المسيح في دين محمد. وإن لم تكن مقتضية لجواز الطلاق لزم أن يكون موسى شرع غير الحق لغير موجب.

_ (1) في (ش)، (م):" قساوة.

الثاني: أن ما جاز أن يكون حقا في دين موسى فما المانع أن يكون حقا في دين محمد؟. الثالث: أن قوله: «من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا" كلام مستدرك بأن ذلك غير لازم من طلاقها. لأنا إذا ألجأناها أن تتزوج بغيره لم يحصل من طلاقه لها الالجاء إلى الزنا، ثم إن مفهومه جواز طلاقها إذا زنت، وعموم قوله:" من تزوج مطلقة فقد زنا" يقتضي أن أحدا لا يتزوج مطلقة سواء طلقت لكونها زنت أو مع عدم الزنا، وذلك يلزم منه إلجاؤها إلى/ الزنا- أعني جواز طلاقها- إذا زنت. والمنع من تزوج المطلقة مطلقا على ظاهر هذا العموم. لأنها حينئذ تبقى مطلقة بطالة فتحملها البطالة على التشاغل بالزنا، كما حكي في التوراة عن كنة «1»." يهوذا" لما مات/ زوجها أحوجتها البطالة إلى أن تعرضت ليهوذا على الطريق حتى زنا بها «2»، ونحن نتبرأ إلى الله من هذا. وبهذا بان ما في هذا الكلام من التهافت، وعدم التناسب، بحيث يجب تبرئة السيد المسيح عن مثله. والله أعلم «3». قال:" وأيضا. فإن الطبيعة لا تجمع إلا اثنين في فعل التناسل. فينبغي أن لا يكون للرجل إلا زوجة واحدة".

_ (1) زوجة ابنه. (2) انظر الأصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين. (3) والله أعلم: ليست في (أ).

قلت: هذا خلف من الكلام. فإنه إن أراد أنها لا تجمع إلا اثنين في حالة واحدة فهو مسلم. لكن لا يقتضي ذلك الاقتصار على واحدة، وإن أراد في وقتين فصاعدا فممنوع، وحينئذ يجوز أن يطوف الإنسان في ساعة على جماعة من النساء واحدة بعد واحدة. قال:" وأيضا. فإن كثيرا من الحيوانات ليس للذكر منها إلا أنثى واحدة كالأسد والدب وغيرهما من البهائم، وكأكثر الطيور فالإنسان لخصيصة عقله أولى بذلك قمعا للشهوة". قلت: جواب هذا من وجهين: أحدهما: أنه معارض بما يتخذ من الحيوانات عدة إناث، فلم كان التأسي بأحد القبيلين أولى من التأسي بالآخر؟. الثاني: أن اقتصار هذه الحيوانات على أنثى واحدة هل هو على جهة قمع الشهوة، أو على جهة الحيوانية والطبيعة، وعدم الشعور بحقائق الأمور؟ فإن كان الأول لزم أن تكون هذه الحيوانات عقلاء كاملي العقل/ حتى قمعت شهوتها بعقلها، وأن الدب «1» أعقل من" إبراهيم" حيث كان في فراشه" سارة" و" هاجر"، ومن" يعقوب" حيث جمع بين ابنتي خاله" ليا" و" راحيل" وجاريتهما في فراش واحد، فضلا عن أن تكون هذه الحيوانات أعقل من بقية عقلاء الآدميين. وإن كان الثاني لم تصح الأولوية ولا القياس. والتنظير بم يكون؟ قد اجتمعتم أنتم وبعض الحيوان البهيم على رأي. ونحن وبقية العالم على رأي،

_ (1) في (م): وأن الدواب.

وموافقة الأكثر أولى من موافقة شرذمة قليلة، تقلد في دينها ودنياها ومعاشها ومعادها حيوانا بهيما، خصوصا السّبع والدّب اللذين هما من أدمغ الحيوانات وأبلده «1». ولعل هذا من جملة الأسباب الموجبة لاطباق الحمى على الأسد، لأن طبيعته في الأصل حارة، وباقتصاره على أنثى واحدة يقل نزوه، فتحتقن الحرارة في بدنه، فيبثها القلب/ إلى سائر نواحيه. وهذه حقيقة الحمى. وقد بينا في أول الكتاب: أن منافع النكاح تخفيف البدن وتنشيطه. فإن قلت: فالأسد في الشجاعة والنشاط على الغاية بخلاف سائر الحيوان/ وما ذكرته يقتضي تثبطه لثقل بدنه. قلت: وما يدريك لعله لو أكثر «2» من النزو بحسب ما تقتضيه حاله، كان يكون أشجع وأنشط. قال:" وأيضا فإن فائدة آلة التناسل في الزوجين: الذرية لا اللذة ثم اللذة وإن كانت تصحبها تبعا، لا بالقصد الوضعي، لكن استعمال الآلة للذة فقط استعمال سوء «3» مائل عن الاستعمال المستقيم. ولذلك هو ذنب". قلت: هذا ممنوع، بل المقصود من آلة التناسل الذرية واللذة جميعا بالقصد/ الأول. أما الذرية فبالاتفاق، وأما اللذة فلأن الباري- سبحانه- ابتلى خلقه بتركيب الشهوات فيهم خصوصا هذه الشهوة فإنها أشدها.

_ (1) هكذا في النسخ الثلاث. ولعل الأصح:" وأبلدها". (2) في (أ): أو أكثر. (3) في (ش)، (أ): سور.

فلو لم يجعل إلى قضائها طريقا مباحا للزم منه تكليف ما لا يطاق، إذ كان يكون مثال «1» الشخص في الدنيا «2» مع كثرة نسائها مثل شخص حبس في دار مملوءة حيات بحيث لا يطأ إلا على جماعة منهن. ثم يقال له: إياك أن تطأ منهن شيئا، واحترس أن يلدغنك. ثم قد أجمع الناس على جواز نكاح العاقر والصغيرة التي لا تلد، ومن ارتفع حيضها ونحوهن، فلو لم تكن اللذة مقصودا أصليا، لما جاز ذلك. وأما «3» قوله:" إنه ذنب". فجوابه: أن يقال: هو ذنب إذا كان حراما أو مطلقا؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، ولو كان كذلك لم يفعله الأنبياء. وأيضا لو كان استعمال الآلة للذة فقط ذنبا واستعمال سوء، مع أن حصول الذرية منه غير مقطوع به لكان في تجويزه لأجل الذرية إقدام على ذنب محقق «4» لتحصيل فائدة غير محققة وذلك ينافي «5» السياسة العقلية. قال:" وأيضا لذة اللحم ليس شأنها اجتلاب فائدة، بل تدفع الفوائد الروحانية وهي في نفسها خسيسة ردية مهلكة، فإنها كالخمر تسكر الذهن الإنساني وتذهب قوته، وكالضباب يصيّر العيون مظلمة".

_ (1) في (ش): مال. (2) العبارة في (م):" اذ كان يكون ماءل الشخص في النساء مع ... ". (3) في (أ): فأما. (4) في (أ): لعقق. (5) في (ش): لما في.

قلت: قد بينا فوائد هذه الحاسة أول الكتاب «1»، ونص عليها الأطباء وعلى مضار تركها. ولو صح ما قاله من دفعها الفوائد الروحانية،/ لوجب أن تكون مخاييس النصارى وغيرهم الذين لم ينكحوا قط، أفضل من الأنبياء كإبراهيم وموسى وهارون/ ويوشع بن نون، والأنبياء الاثني عشر، وأشعياء ودانيال، وأكثر «2» روحانية منهم. ولقد حيرني هذا العلج في أمري بتلونه، فإنه تارة نصراني مثلث أو غيره وتارة فيلسوف معطل، وتارة عامي جلف، فنعود بالله من التلون. قوله:" هي في نفسها خسيسة ردية مهلكة" إن «3» أراد بخستها قبح صورتها طبعا، ورد عليه حالة البول والتغوط، بل حالة الأكل لأنها سببها. لا يقال هذه الأحوال ضرورية طبعا، لأنا نقول مثله هناك، إذ النكاح ضروري من حيث الطبيعة والشهوة، يتأذى بتركه الدين والبدن كما سبق. وقوله:" مهلكة «4» " إن أراد هلاك «5» الدين بالتتابع فيها فذاك إنما هو في الحرام والحلال وإن أراد هلاك البدن بإضعافه فذلك يتقدر بحسب اختلاف المروءات والعقول «6» والمحمود منه: القدر المتوسط، الذي لا ينهك البدن بكثرته ولا يفضي إلى إنهاك الدين بالإقلال منه.

_ (1) انظر ص: 281 - 283 من هذا الكتاب. (2) وأكثر: سقطت من (أ). (3) «إن»: ليست في (ش). (4) مهلكة: سقطت من (أ). (5) في (أ): اهلاك. (6) في (أ): والعقود وفي (ش): للعقول.

ويحكى:" أن أبا مسلم الخراساني «1» كان لا يأتي النساء في/ السنة أكثر من مرة. ويقول: هذا جنون. فأكثر من مرة لا يكون «2» ". قلت: ويغلب على ظني أنه قد كان به علة مانعة، أو فكرة شاغلة. فإن قيل: فمحمد كان أولى بهذا التماسك من أبي مسلم لفضيلة منصب النبوة وفكرته في الجهاد، وإقامة الدين، وكمال معرفته بأحكام الآخرة. قلنا: كذلك كان، ولهذا قالت عائشة: كان أملككم لإربه «3» " لكنه لو بالغ في التماسك عن هذه الشهوة لشق على أمته التأسي به. فإنه كان يطيق ما لا يطيقون

_ (1) اختلف في اسمه ونسبه، ويقال: إنه سمى نفسه عبد الرحمن، واشتهر بعبد الرحمن بن مسلم الخرساني وهو صاحب الدعوة للعباسيين، ابتدأ دعوته من مرو، وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين ثم أظهرها ... وخطب باسم السفاح العباسي عند ما استولى على نيسابور، ثم سير جيشا لمقاتلة مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ... فانهزمت جيوش مروان فصفا الجو للسفاح حتى مات، وخلفه أخوه المنصور فرأى من أبي مسلم ما أخافه أن يطمع في الملك، وكانت بينهما ضغينة فقتله سنة سبع وثلاثين ومائة. [انظر تاريخ بغداد 10/ 207 - 211، وشذرات الذهب 1/ 179 - 181]. (2) انظر وفيات الأعيان 3/ 148. (3) أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب المباشرة للصائم، ومسلم في الصيام باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة ... ، حديث 66، 68، والترمذي في الصوم، باب ما جاء في مباشرة الصائم، وابن ماجه في الصيام، باب ما جاء في المباشرة للصائم (20)، ومالك في الموطأ كتاب الصيام، باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم، وأحمد في عدة مواضع في المسند منها (6/ 40، 42، 113). ومعنى أملككم لاربه: أي حاجته أو عضوه. [انظر فتح الباري 4/ 151، وغريب الحديث للخطابي 2/ 270، 484].

فكان يلزمهم الحرج وذلك ينافي نصوص الشريعة برفع الحرج فأكثر منه رفعا/ للحرج عن أمته، وأيضا فإنه كان مشرعا معلما كما قال:" إنما بعثت معلما «1» " وعلم أن في صورة هذا الفعل ما تحتشمه النفوس وتنجبه منه فجرأهم عليه بإكثاره منه فعلا وقولا لئلا يتقاصروا عنه حياء «2» أو يقدموا عليه على وهم وانحاش «3» فيحرجوا بذلك، فأراد أن يوسع عليهم المجال في الحلال ويخالف أهل الزور والمحال والنصارى الضّلال./. قوله:" إنها كالخمر تسكر الذهن الإنساني وتذهب قوته". قلنا: إن صح هذا فهو الإكثار «4» منها لا مطلقها، على أن الإنسان إذا داوم تركه بعد اعتياده يجد لذلك ثقل بدن وكرب وانقباض يورثه بلادة ووسواسا ويحصل له بفعله انشراح وانبساط، ولذلك هو أكبر دواء العشاق كما ذكره الأطباء.

_ (1) أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم وقال في الزوائد:" إسناده ضعيف. داود وبكر وعبد الرحمن كلهم ضعفاء" أي رجال السند وأخرجه أحمد في المسند (3/ 328) ومسلم في الطلاق حديث 29 من حديث جابر في سبب نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ... [الأحزاب: 28] الآية [سورة الأحزاب: 28] بلفظ:" ... ولكن بعثني معلما ميسرا". (2) في (أ): حيانا. (3) انحاش: أي نفر، والحواشة: ما يستحيا منه. [انظر لسان العرب 6/ 290]. (4) في (م): للإكثار.

قال:" ولأنها مضادة لأنواع السرور الروحانية العلية، فهي تصرف النفس بالكلية عنها، إذ يفسد ذوق القلب، فلا يستطيب شيئا من الخير، كما في العكس، وهو أن الذين يستطيبون الأمور الروحانية الأزلية لا يستطيبون اللذات الجسدانية بل يكرهونها ويهربون عنها". قلت: أما قوله:" إنها مضادة للروحانيات" فباطل بالأنبياء، إذ هم أعظم البشر روحانية، وكانوا يستعملون هذه اللذة، وكل ما ذكره في هذا الفصل باطل والحق خلافه، بل هذه اللذة إذا استعملت على الوجه الحلال قصدا لا إفراط «1» ولا تفريط، وقصد بها اعفاف الدين وتحصين الدّين والفرج والتفرغ من قلق الشبق، لطاعة الباري في النهار والغسق «2»، كانت أفضل من عبادات كثيرة. ولهذا قال بعض علماء المسلمين:" إن التشاغل" بالنكاح أفضل من التخلي/ لنوافل العبادة، حسما لمادة فساد الدين بالزنا ونحوه «3» ". وأما ترجيح الروحانيات عند أصحابها، فلأنهم لا يحصلونها إلا بعد قهر

_ (1) في (أ): لافراط. (2) الغسق: الليل المظلم، يقال: غسق الليل يغسق: أي أظلم. [انظر تفسير القرطبي 20/ 256، والمفردات في غريب القرآن ص 360]. (3) هذا مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك. [انظر شرح صحيح مسلم للإمام النووي 9/ 174].

الطبيعة برياضة البدن وكسر شرته «1»، وإضعاف قوته بصيام الهواجر «2»، وقيام الدياجر «3»، حتى تقوى قوى النفس على البدن، وحينئذ يصير تركهم له «4» لضعفهم عنه لا لما أراد. ولو كان ما ذكر صحيحا لوجب حين استعلن «5» الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وتجلى لموسى وناجاه، أن كانوا يطلقون نساءهم، ثم لا يجتمعون بهن أبدا. قال:" فقد بان بأن اللذة اللحمية ينبغى أن تبقى بحسب استطاعة الطبيعة وإذا كان الواجب أن تبقى، فأولى أن لا تعمل شيئا لاجتلابها،/ فينبغى أن تعدل وتقمع حيث لا يستطاع أن تبقى على كل حال". قلت: المسلم له من هذا وجوب إبقاء الحرام، وما ينهك البدن أما غيره فلا،

_ (1) الشره: النشاط والرغبة. [انظر لسان العرب 4/ 401]. (2) من الهاجرة: وهو اشتداد الحر في النهار. [انظر مختار الصحاح ص 199، والمصباح المنير 2/ 779]. (3) الدياجر: جمع ديجور، وهو الظلام. [انظر مختار الصحاح ص 199، ولسان العرب 4/ 278]. (4) له: سقطت من (أ). (5) استعلن: ظهر. كما في التراجم الحديث للتوراة التي بأيدي النصارى. قال عن إبراهيم:" وظهر له الرب عند بلوط" [سفر التكوين الأصحاح الثامن] وقال عن إسحاق:" وظهر له الرب وقال لا تنزل إلى مصر ... " [التكوين الأصحاح السادس والعشرين] وقال عن يعقوب:" واصنع هناك مذبحا لله الذي ظهر حين هربت من وجه عيسو أخيك ... ".

وهذا كلام في الريح. قال:" فينبغي أن لا يكثر الزوجات والجواري، بل يقتصر على واحدة ويكون قصده تحصيل/ الروحانيات". قلت: هذا حاصل ما ذكره بعد ما سبق في كلام مخبط متهافت. واعلم: أن النكاح بالغا ما بلغ منه الإنسان لا يشغل عن الروحانيات لمن له نية صادقة، ونفس صافية وهمة عالية. قال:" ويقال أيضا: الشهوة اللحمية إما أن يقال: ينبغي أن تقمع، أو لا يقال؟ فإن قيل لا ينبغي أن تقمع، لزم أن تبقى الطبيعة الإنسانية ذاهبة في كل نجاسة ولواط وبهيمية. وإن قيل: ينبغي أن تقمع لكن لاستعمال النساء والجواري الكثيرة كما قال محمد، فهو مردود بوجوه: الأول: أن الشهوة مشتركة بين القبيلين، فينبغي أن يكون للمرأة أزواج/ كما للرجل زوجات، ولم يقل به أحد. الثاني: أن المرأة إلى الزنا أقرب إلى الرجل لوفور شهوتها ونقصان عقلها فمن احتاط للرجل بكثرة النساء بحيث إن كانت واحدة مريضة أو عاقرا لا تحمل، وجد الأخرى صحيحة تحمل، لزمه أن يجعل للمرأة أزواجا بحيث إن كان أحدهم مريضا أو غائبا وجدت الآخر يصونها عن الزنا. الثالث: أن في الباب الثاني «1» من كتاب أيوب:" سل البهائم تعلمك وطيور السماء تريك".

_ (1) في التراجم الحديثة: الأصحاح الثاني عشر.

قال:" والبهائم وطيور السماء تتبع عادة آباءها، فينبغى لنا أن نتبع عادة أبينا ولم يكن له إلا زوجة واحدة". الرابع: أن تكثير الزوجات والجواري موجب لتحاسدهن، وتشتيت قلوبهن «1»، والغضب والقطيعة وذلك شر، والله خير محض، فلا يفعل الشر، ولا يأمر به". قلت: الجواب عن هذا بأنا نقول: يجب قمع هذه الشهوة بالطريق الشرعي وهو النكاح والتسري أو الصوم لمن لا يقدر على ذلك. قوله:" الشهوة مشتركة بين القبيلين" قلنا: نعم. قوله:" ينبغى أن يكون للمرأة أزواج كما للرجل زوجات". قلنا: هذا قد كان مقتضى العدل، لكن منع منه مانع أقوى منه وهو اختلاط المياه واشتباه الأنساب، ونحن شرعنا مبني على مراعاة المصالح والمفاسد، فإذا تحررت «2» المصلحة حصلناها، أو المفسدة نفيناها. وإن تعارضتا فإن ترجحت المصلحة حصلت، أو المفسدة نفيت. وإن تساوتا تخيرنا وهاهنا تعارضت مصلحة العدل في النساء بتسويتهن بالرجال في تعدد الأزواج ومفسدة/ اختلاط الأنساب/ لكن ترجحت هذه المفسدة فنفاها الشرع وحفظ المرأة. وتحصينها من الزنا يحصل باحتجابها في البيت على حسب الإمكان على

_ (1) في (أ): قلوبهم. (2) في (ش)، (م): تجردت.

أنها لو كان لها أزواج لما تركت الزنا بالكلية، كما أن الرجل على ما هو مشاهد- وإن كان له زوجات لا يتركه بالكلية، بل يطمح إلى غيرها من ذكر وأنثى لواطا وزنا. لكن غاية ما يقال على تقدير «1» كثرة أزواجها كأن يكون داعيها إلى الزنا أضعف فيكون وقوعه منها أقل لكن يعارضه مفسدة اختلاط النسب وتغاير الرجال الذين نفوسهم أقوى، وهممهم أعلى من همم النساء، ثم أنتم لم تقولوا بذلك في جانب الرجل «2».؟ وهذا سؤال قد أحكمت الجواب عنه في أوائل" الفوائد" وما ظننت أن أحدا أورده. لكن فرضته/ وأجبت عنه. وبهذا حصل الجواب عن سؤاله الثاني. أما الثالث: فقوله في كتاب أيوب على تقدير الوثوق بصحته، فليس المراد به: أن الطيور تعلمه أمر دينه والأحكام الشرعية.

_ (1) في (ش)، (م): أن على. (2) ويزاد على ذلك أن التوراة تبيح ذلك ولم ينسخ ذلك المسيح وهم يعملون بشرع التوراة فيلزمهم القول بالتعدد. وقد ذكر لي من أثق به وسافر إلى أمريكا وأقام بها أن فرقة من النصارى هناك تبيح التعدد بل تبيح الجمع بين أكثر من أربع زوجات. وتسمى هذه الطائفة" المورمن" وقد كانت إلى وقت قريب محاربة من بقية الطوائف. حتى أظهرت هذه الطائفة التنازل عن بعض معتقداتها ومنها تعدد الزوجات وذلك علنا، ليكون لها من الحقوق ما لبقية النصارى أما في السر فهم متمسكون بما عندهم من معتقدات وشرائع.

ثم هو مطلق لا عموم له. فلم قلت: إن سؤالها يتعين أن يكون عين «1» هذا الحكم؟ بل لعله التوكل من حيث أنها لصدق توكلها" تغدو «2» خماصا، وتروح بطانا «3» فيأمره أن يكون في التوكل مثلها أو غير ذلك. فقد قال الله تعالى في القرآن: وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ... (38) «4». وأما قوله:" ينبغى أن نتبع عادة أبينا في الاقتصار على واحدة" فجوابه من وجهين: أحدهما: أن نقول له: هات لنا مثل حواء حتى نقتصر عليها. الثاني: أن شرعنا أمرنا بمتابعة/ الحق بالحجة، ونهانا عن تقليد الآباء بقوله ... قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ... (21) «5» في آيات كثيرة. وأما السؤال الرابع: فإن تكثير النساء وإن كان موجبا للتغاير بينهن وتقاطعهن. لكن هذه مفسدة عارضتها مصلحة أرجح منها، وهو تحصين فروج

_ (1) عين: ساقطة من (أ). (2) في (أ): بعد خماصا. (3) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب في التوكل على الله. عن عمر قال قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد، باب التوكل واليقين. بنحو لفظ الترمذي عن عمر، وأحمد في المسند (1/ 30، 52). (4) سورة الأنعام، آية: 38. (5) سورة لقمان، آية: 21.

الرجال وأديانهم، ولم يعارض هذه المصلحة مانع اختلاط النسب كما عارضها «1» في حق النساء، فحصلت هذه المصلحة الراجحة لما قررناه من مراعاة شرعنا للمصالح. وأعلم أننا بحمد الله أهل صدق وعدل وانصاف، وعلى ذلك تأسيس دين الإسلام، ولا شك/ أنا نرى غالب الناس من المسلمين وغيرهم مع إباحة التزوج والتسري لهم قد استحوذ عليهم الشيطان، حتى يترك أحدهم ما يحل له من ذلك وإن كثر ويعدل إلى الزنا بالنسوان، واللواط بالغلمان. فلو حصروا في واحدة كما أشار به هذا الخصم، لعمري لقد كانوا يدبون على الشيوخ والكهول والشباب والبهائم في البر والحيتان في البحر، فكان فيما جاء به دين الإسلام من تكثير مجال النكاح عليهم تقليل لهذه المفسدة. ولعل هذا النصراني غره احتباس رهبانه في البيع «2» والديارات «3» فيظن أن ذلك يمنعهم عن الفجور، ولو علم أنهم يدبون على

_ (1) في (م): عارضتها. (2) جمع بيعة. وهي كنيسة النصارى، وقيل كنيسة اليهود. [انظر لسان العرب 8/ 26]. (3) ديارات: جمعها: أديار، ومفرد: دير. وهو خان النصارى. ومكان عبّادهم. قال النووي- رحمه الله-:" قول الشافعي- رضي الله عنه- في الجزية وأصحاب الديارات. وقد أنكره جماعة وقالوا: إن أرادوا جمع دير فصوابه: ديور كعين وعيون، قال البيهقي: قال أبو منصور الخمشادي: هي لغة صحيحة تستعمل في نواحي الشام وبلاد الروم وهي جمع الجمع يقال: دار وديار، وديارات كجمل وجمالات. وروى البيهقي بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات». [تهذيب الأسماء واللغات 3/ 108، وانظر لسان العرب 4/ 300 - 301].

[الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز إتيان المرأة في دبرها]

الشماسة «1» وكل صبي وشيخ يدخل إليهم. لأجاز لهم التزوج بعشرين، ولولا ما هم فيه من الرياضة ونحوها لدبوا على أطعمة المذبح. [الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز إتيان المرأة في دبرها] قال:" وفي سورة البقرة: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ... (223) «2» قال في التفسير: يعني من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة" قال: وهذا تعليم تستنكف «3» / منه البهائم، فضلا عن أن الله يعلمه خلقه". قلت: هذا غباوة أو عناد. فإن لهذه الآية أسبابا تقتضي ما تضمنته من الحكم: منها: أن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل زوجته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فبين الله تعالى بهذه الآية أن لا أثر لذلك، بل للرجل أن يأتي امرأته مقبلة ومدبرة بشرط أن يكون في القبل «4».

_ (1) الشماسة: جمع شماس. وهو خادم الكنيسة، ومرتبته دون القس والكلمة سريانيّة. قال ابن منظور:" والشماس من رءوس النصارى الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة. والجمع شماسه، الحقوا الهاء للعجمة أو للعوض" اهـ. [لسان العرب 6/ 114، وانظر أسرار الكنيسة السبعة ص 184]. (2) سورة البقرة، آية: 223. (3) تستنكف: تأنف وتحتشم. [تفسير القرطبي 6/ 26، وتفسير ابن كثير 1/ 591]. (4) أخرج البخاري في تفسير سورة البقرة، باب:" نساؤكم حرث لكم ... " عن جابر- رضي الله عنه- قال:" كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وأخرجه مسلم في النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها، ومن ورائها من غير تعرض للدبر، حديث 117، وأبو داود في كتاب النكاح، باب جامع في النكاح، حديث 2163، والترمذي في تفسير سورة البقرة 2 حديث 2978، وابن ماجه في كتاب النكاح، باب النهي عن إتيان النساء في أدبارهن، والدارمي في الوضوء، باب إتيان النساء في أدبارهن.

الثاني: أن المهاجرين كانوا يجبون نساءهم، يعني يأتونهن «1» مدبرات في القبل فلما جاءوا المدينة جعلوا يفعلون ذلك بأزواجهم من الأنصار. ولم يكن لهن به عادة فأخبرن بذلك النبي- عليه السلام- ووقع فيه الكلام فبين الله حكمه «2». الثالث: ما روى ابن عباس قال: جاء عمر، فقال يا رسول الله هلكت، قال:" ما أهلكك"؟ قال: حولت رحلي الليلة فأنزل «3» الله هذه الآية: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة. رواه الترمذي «4» والنسائي «5». وحينئذ نقول: ما المحذور في أن الله- سبحانه- بين له في كيفية الوطء ما ينبغي مما لا ينبغي؟ وإنما استقبح/ هذا الخصم هذا بناء على رأيه الفاسد في أن اللذة ليست مقصودة لذاتها من الجماع، وقد تقدم منعه، وما جعل النساء إلا للمتعة./

_ (1) في (م): يأتوهن. (2) انظر مسند أحمد (6/ 305، 310، 318، 319) بأسانيد مختلفة، وسنن الدارمي (المقدمة: باب إتيان النساء في أدبارهن) وصحيح مسلم (النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها من غير تعرض للدبر، حديث 119). (3) لفظ الترمذي:" حولت رحلي الليلة، قال فلم ير عليه رسول- الله صلى الله عليه وسلم- شيئا فأنزل الله ... ". (4) أخرجه الترمذي في تفسير سورة البقرة. قال:" هذا حديث حسن غريب" وأخرجه أحمد في المسند (1/ 297) وورد في ذلك أحاديث كثيرة في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي كلها تنهى عن الإتيان في الدبر والحيض. (5) لم أجده في الصغرى وعزاه السيوطي في الدر المنثور إلى النسائي أيضا، فلعله في السنن الكبرى للنسائي.

على أن النسائي قد روى في سننه الكثير عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - وجدا شديدا. فأنزل الله- سبحانه-: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «2». ويحتج بهذا من أجاز وطء المرأة في دبرها، ويعزى إلى مذهب مالك وأهل الحجاز «3»، وهذا أشد وأغلظ على النصارى «4».

_ (1) صلى الله عليه وسلم: ليست في: (م)، (ش). (2) إن صحت هذه الرواية فليست صريحة في الوطء في الدبر فتحمل على أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما رواه النسائي أيضا بسنده أن أبا النضر قال لنافع مولى ابن عمر:" إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليّ ولكن سأحدثك كيف كان الأمر. إن ابن عمر- رضي الله عنه- عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن ذلك وأعظمنه. وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال ابن كثير بعد إيراد هذا الحديث في تفسير الآية وهذا إسناد صحيح وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني ... " وقد روى عن ابن عمر خلاف ذلك صريحا كما في قصة التحميض وهي: عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض قلت: نأتيهن في أدبارهن. فقال: أف أف أو يعمل هذا مسلم؟ [انظر تفسير ابن كثير 1/ 264 - 265]. (3) ما يروى عن مالك وبعض فقهاء أهل الحجاز غير صحيح وقد قيل للإمام مالك: أنه روي عنك ذلك. فنفر وبادر إلى تكذيب الناقل وقال: كذبوا عليّ ... " الخ. [انظر تفسير القرطبي 3/ 94 - 95، وتفسير ابن كثير 1/ 265]. (4) من الأولى أن يرد هذا الطوفي صراحة. لا بصيغة التمريض التي استعملها. عفا الله عنا وعنه.

[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين]

[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين] قال:/" وفي هذه السورة «1»: الطَّلاقُ مَرَّتانِ ... (229) إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ... (230) «2» وذكر حديث امرأة رفاعة القرظي «3»: (لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) «4» وكأن حاصل ما ذكره: انكار فراق المرأة بالطلاق أو المرض أو العيب ونحوه. قال:" ولو جاز ترك المرأة لأجل شيء من العيوب، لجاز للمرأة ترك الرجل لذلك. لأنها أحوج إلى الرفق بها لضعفها".

_ (1) في (أ):" قال هذه السورة". (2) سورة البقرة، آية: 229، 230. (3) رفاعة بن سموأل، ويقال: رفاعة بن رفاعة القرظي، من بنى قريظة. روي عنه أنه قال:" نزلت هذه الآية: ولَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [سورة القصص: 51] في عشرة أنا أحدهم" [الاستيعاب: 2/ 500] وامرأته: تميمة بنت وهب، وقيل: سهيمة، وقيل: أميمة بنت الحارث، ورجح ابن حجر في الفتح (9/ 464) الأول. وهو الذي صرح به مالك في روايته. (4) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب شهادة المختبي، وفي الطلاق باب من جوز الطلاق الثلاث، وباب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت ... وفي مواضع أخرى من صحيحه. كما أخرجه مسلم في النكاح حديث 112 - 115، باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح ... ، وأبو داود في الطلاق، باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره. والترمذي في النكاح. باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها، والنسائي في النكاح باب إحلال المطلقة ثلاثا، وابن ماجه في النكاح، باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا ... ، والدارمي في الطلاق باب ما يحل المرأة لزوجها الذي طلقها ... ، ومالك في الموطأ في النكاح، باب نكاح المحلل ... مرسلا. وأحمد في عدة مواضع من المسند منها (6/ 34).

قال: بل ينبغي أن تمان «1» المرأة ذات العيب لأجل الضرورة ولا تفارق لأن أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال المرض والضرورة عدّ قاسيا خائنا". قلت: أما الطلاق فجائز بإجماع المسلمين، وقد تقدم البحث معه فيه «2»، وأن النكاح عقد معاوضة في الحقيقة فجاز فسخه كالبيع، نعم جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «أبغض المباح إلى الله الطلاق» «3» وعليه اشكال، وهو أن البغضة تقتضي الكراهة والإباحة تقتضي التسوية، فالجمع بينهما متعذر. وأجيب: بأن المباح قد يراد به تساوى الطرفين وقد يراد به القدر المشترك بين المتساوي الطرفين وراجح الترك وراجح من غير جزم وبهذا يستقيم معنى الحديث، لأنه يصير تقديره: أبغض ما للإنسان فعله: الطلاق. وهو أعم من المتساوي وغيره «4».

_ (1) تمان: أى يقام عليها. [انظر لسان العرب 13/ 396]. (2) انظر ص: 626 من هذا الكتاب. (3) أخرجه أبو داود في الطلاق، باب كراهية الطلاق، وابن ماجة في الطلاق الباب الأول منه. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 638):" هذا حديث لا يصح" وقيل إنه مرسل [المقاصد الحسنة ص 12] وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الطلاق 2/ 196 بلفظ:" ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرجاه" وقال الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك:" صحيح على شرط مسلم". (4) قلت: لعل الكراهة في الحديث منصرفة إلى السبب الجالب للطلاق، وهو سوء العشرة، وقلة الموافقة لا إلى نفس الطلاق، فقد أباح الله الطلاق وثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه" طلق حفصة ثم راجعها" [رواه أبو داود في الطلاق، باب في الرجعة]، وكانت لابن عمر امرأة يحبها وأبوه يكرهها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم-:" يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك" [أخرجه الترمذي في الطلاق باب ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلق زوجته]. والله أعلم.

قوله:" لو جاز ترك المرأة لعيب ونحوه، لجاز لها ترك الرجل". قلنا: هكذا نقول على تفصيل فيه. تقريره مختصرا: إن العيب في أحد الزوجين: إما أن لا يخل بمقصود النكاح أو كماله، فلا يثبت به الفسخ، أو يخل بذلك فيثبت به إقامة/ للعدل وإزالة للمكروه عن المكلف. ثم العيوب الموجبة للفسخ: إما خاص «1» بالرجل كالجب «2» والعنة «3»، أو بالمرأة كالقرن «4» / والرتق «5». أو مشترك بينهما كالجنون والجذام والبرص، ولكل من الزوجين فسخ نكاح صاحبه، لما يخل بمقصود «6» نكاحه من ذلك.

_ (1) هكذا في النسخ الثلاث: والأصح: خاصة. (2) الجب: القطع. جبه أي استأصله. والمقصود به: مقطوع الذكر [انظر لسان العرب 1/ 249، والمصباح المنير 1/ 109]. (3) العنة: وصف للرجل الّذي لا يأتي النساء، أو منع من ذلك بالسحر أو غيره. وسمي بذلك لأنه يعنّ ذكره لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده. [انظر لسان العرب 13/ 291، وإكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 454، وتهذيب الأسماء واللغات 4/ 48]. (4) في (م): كالعتق، وفي (ش): كالفتق. والقرن: عظم في الفرج يمنع الوطء، أو لحم ينبت في الفرج فيسده. [انظر لسان العرب 13/ 335، وإكمال الإعلام 2/ 508، وتهذيب الأسماء واللغات 4/ 91، والمغني لابن قدامة 6/ 651]. (5) الرتق: أن يكون الفرج ملتصقا لا يدخل الذكر فيه. [انظر لسان العرب 10/ 114، والمصباح المنير 1/ 259] (6) في (أ): مقصود.

قوله:؛ تمان المرأة للضرورة ولا تفارق". قلنا: فيه إلزام للرجل مكروها، له عنه مندوحة، وذلك ينافي العدل. قوله:" أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال الضرورة عدّ قاسيا خائنا". قلنا: النكاح من باب العقود العوضية «1»، لا من باب العهود. والعقود العوضية «2» يجوز فسخها بعيب وإقالة، فكذلك النكاح يفسخ بالعيوب والخلع، وهو نظير الإقالة في البيع ونحوه، والفرق بين العقد والعهد أن العقد «3» يتضمن عوضا، والعهد لا يتضمن عوضا، وقد أمر الله بالوفاء بالأمرين ومن الوفاء بالعقد، الفسخ عند قيام المقتضى له، ولو كان اجتماع الزوجين على جهة العهد على ما ذكرنا لكان زنا حراما بإجماع المسلمين. وحينئذ نقول: فسخ العقد لا قسوة فيه ولا جناية، بل إنما ذلك في العهد. فأما قوله تعالى: وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «4» فقال المفسرون/ عقدا مؤكدا. وهي كلمة الله التي أخذها «5» للنساء على الرجال، وهي الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، قال قتادة:" وكان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح «6» ".

_ (1) في (أ): العوضة. (2) في (أ): العوضة. (3) في (أ): أن عقد. (4) سورة النساء، آية: 21. (5) في (ش): أخذها الله. (6) تفسير القرطبي 5/ 103، وتفسير الطبري 4/ 315.

نعم: إن شرط في العقد ألا يفسخ أحد من الزوجين بعيب ظهر بصاحبه. فإن قلنا: لا فسخ بالعيب الحادث، كان هذا الشرط مؤكدا للحكم وإن قلنا يثبت به الفسخ احتمل/ أن يلزمهما بموجب الشرط لقوله عليه السلام: «المسلمون على شروطهم «1»» واحتمل أن يبطل النكاح من أصله، بناء على الشروط الفاسدة في العقود. وأحكام الأنكحة الفاسدة معلومة. ثم ما ذكره ينتقض بالتلاميذ «2» مع المسيح، حيث آمنوا به وبايعوه على دينه، ثم لما قبض اليهود عليه فروا عنه، خصوصا بطرس التلاميذ الكبير «3» الذي قال له:" لو أنكرك كل واحد «4» لما أنكرتك" ثم أنكره قبل صياح الديك ثلاث مرات «5» ". فهذا هو ترك العهد لا طلاق الزوجة. فإن قيل: إن تفرقهم عنه كان بإذنه.

_ (1) أخرجه البخارى معلقا بصيغة الجزم فقال:" وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- المسلمون عند شروطهم" في كتاب الإجارة، باب أجر السمسرة. وأخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب في الصلح، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الصلح بين الناس، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) الحواريون الاثنا عشر الذين آمنوا وتتلمذوا على المسيح بإجماع النصارى [انظر الفارق بين المخلوق والخالق ص: 19]. (3) ويسمى بطرس الرسول. (4) في (م): أحد. (5) ذكرت القصة في إنجيل متى الأصحاح السادس والعشرين، وفي إنجيل مرقس الأصحاح الرابع عشر، وفي إنجيل لوقا الأصحاح الثاني والعشرين.

قلنا: وطلاق الزوجة وفراق الزوج بإذن الشارع الذي هو إله المسيح والزوجين وغيرهما من العالم. فإن منعوا أن ذلك بإذن الله/، عدنا إلى النزاع في تصديق الرسول، وخرجنا عن مسألة إنكار الطلاق. قال:" ثم إن جاز أن تترك المرأة بلا سبب أو بسبب ضعيف، كما في ملة المسلمين أفضى ذلك بسبب الهجرة والغضب إلى تبديل الزوجات الكثيرة وتنجيسهن واحدة بعد أخرى، وافتضاض الأبكار وتركهن. وذلك يورث البغض بين النساء وأزواجهن وأقربائهن، وذلك خلاف الدين الطبيعي والصيانة والمروءة". قلت: أما إفضاء ذلك إلى تبديل النساء فلا محذور فيه، بناء على ما ذكرنا من أن النكاح عقد، والمرأة معقود عليه، كالفرس والشاة، لا فرق بينهما إلا أن هذه من الجنس بخلاف الفرس. وأما تنجيسهن فالجماع لا نجاسة فيه، وإنما هذه لفظة استفادتها النصارى من قول" يعقوب" لابنه/ روبيل:" وطئت سريتي ونجست فراشي «1» " وهذه حكاية باطلة، ثم لو صحت لكان التنجيس هنا مجازا عن انتهاك حرمة فراشه وإلحاق العار به بذلك، والعلاقة المجوزة فيه تأذي الإنسان بلحوق العار، كما يتأذى بلحوق النجاسة، وإن تفاوت «2» الأديان أو يكون أراد نجاسة الفعل يعني قبحه، لاشتراك النجاسة والفعل القبيح في القبح.

_ (1) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع والأربعين. (2) هكذا في النسخ الثلاث. والأصح: تفاوتت.

وأما افتضاض الأبكار وتركهن فتلك متعة أمتع الله بها خلقه، فالمانع منها متحجر فضولي. والدليل على ذلك صريح العقل، فإن الخلق كلهم ذكرهم وأنثاهم عباد الله وإماؤه، فإذا سمح لعبيده بوطء إمائه على وجه مخصوص جاز، كما أن الواحد «1» من الخلق يجوز أن يهب لعبده ألف جارية له، يقول افعل بهن ما شئت، فإنه يجوز أن يتصرف فيهن بسائر التصرفات من بيع وعتق ووطء للبعض دون البعض أو للكل. والانتقال من واحدة إلى واحدة وغير ذلك، فإن نازعتمونا في أن الله سبحانه أذن لنا في ذلك خرجنا عن المسألة «2» كما سبق. وأما قوله:" ذلك يورث البغض بين الرجال ونسائهم وأزواجهن" «3» فممنوع. بيانه: هو أن الشرائع قوانين متبعة لا يخرج عنها من هو من أهلها، فإذا علم الناس من شرعهم جواز التزوج والطلاق، وافتضاض الأبكار وتركهن، وجب عليهم أن لا/ يتباغضوا لذلك ولا يتحاقدوا، كما يجب عليهم أن لا يتباغضوا/ لتأدية الحقوق المالية، كالديون ونحوها، وإن كان أداؤها على خلاف الطبع.

_ (1) في (أ): للواحد. (2) هكذا في النسخ الثلاث. وصحيح العبارة:" ... يورث البغض بين النساء وأزواجهن وأقربائهن" كما تقدم في عبارة النصراني قريبا. (3) في (ش): الملة.

وما فائدة الشرع إلا كف الطباع عن الشر الذي جبلت عليه- وهذا منه- فإن غلبتهم النفوس/ على البغضاء والحقد بالطبع كان ذلك مراغمة للشرع فيعصي فاعله ولا يكون بفعله اعتبار، كما أنه لما حرم أخذ المال بغير حق كان فعل قطاع الطريق ونحوهم إثما عليهم يستحقون به العقوبة، وهو ساقط الاعتبار، لا يفيد ملكا ولا يجيز تصرفا، وتصرفات الطبائع لا يلزم موافقتها للشرائع، فما وافق الشرع منها كان حقا كالنكاح، وما خالفه كان باطلا كالسفاح ثم هذا معارض بأن الطلاق إن كان يفضي إلى التباغض فلزوم النكاح أبدا والحبس على زوجة واحدة يفضي إلى تكره كل منهما بالآخر وتبرمه به، وتضجره منه، وقل أن يطيب مع ذلك عيش لبهيمتين، فضلا عن إنسانين فتدوم المفسدة، وربما انتفى لذلك مقصود النكاح، وربما أفضى إلى مفارقة الدين. كما حكي أن بعض النصارى تزوج امرأة فلما دخلت عليه رآها عوراء فقال: عورتا، قالت: بلستا «1». قال:" محمد بن عبد الله" على الباب، ثم خرج فأسلم. فحجز الدين ما بينهما «2»، فلو كان في دين النصارى فسحة في الطلاق

_ (1) هكذا في (م)، وفي (أ): بلشتا. والإبلاس: الانكسار والانقطاع والسكوت، يقال: أبلس فلان إذا سكت غما. [انظر مختار الصحاح ص 63، والمصباح المنير 1/ 76، ولسان العرب 6/ 30]. (2) قلت: لا يحجز الدين بين المسلم والكتابية بل يجوز للمسلم أن يتزوج النصرانية بالعقد الصحيح. إلا أن يكون مراد المؤلف أنه أسلم فطلق فحصل الطلاق بخروجه من دين النصارى الذين يحرمون الطلاق.

لقال عوض كلمة الإسلام: أنت طالق، ثم استراح منها، ولم يحتج إلى فراق دين يعتقدونه حقا إلى دين يعتقدونه باطلا. مع أن فراق كل من في الدنيا أهون من فراق الدين. فإن قلت: نحن مع قولنا بلزوم النكاح أبدا، وارتباط الرجل على زوجته يوجب على كل منهما احتمال صاحبه وعشرته بالمعروف، وأن لا يتبرم به، ولا يتضجر منه، فإن خالف ذلك كان فعله خلاف الشرع «1»، وهو غير معتبر. قلنا: فقل في الطرف الآخر هكذا، وهو أنا/ إذا اخترنا الطلاق والفراق أوجبنا على الرجال والنساء أن لا يغضبوا، ولا يحقد بعضهم على بعض فإن خالفوا ذلك كان فعلهم على خلاف الشرع، وهو غير معتبر. ثم يترجح ما قلناه بوجهين: أحدهما: أنه إذا لم يكن بد من البغضة الطبيعية، فتباغض الزوجين بعد أن يصيرا أجنبيين أسهل من تباغضهما في عصمة النكاح مجتمعين لافضاء ذلك إلى تكدر عيشهما باجتماعهما، وربما/ غلبت المرأة لوفور شهوتها وقلة دينها وعقلها على أن تقتل زوجها بسم أو غيره لتستريح منه وتصير إلى غيره، وكم قد وقع مثل هذا، وذلك مأمون بعد الفراق. الثاني: أن الفرقة عذاب، والعذاب مؤدب. فإذا افترقا ربما استقام أحدهما للآخر، فعادا بعد نكاح جديد أو قبله بخلاف ما إذا داما مجتمعين فإنه لا يرجى لهما استقامة، بل كلما جاءا في سآمة وملل وتضجر وتبرم- والله أعلم-.

_ (1) في (أ) للشرع.

قال:" وأيضا ما أشد ما يكون ظلم النساء بوقوع الطلاق عليهن بلا ذنب". قلت: هذه غفلة عن الصواب. فإن الطلاق فسخ عقد معاملة لا إيقاع معاقبة، وإنما يكون ظلما إيقاع العقوبة بلا ذنب، ولو كان الطلاق عقوبة/ لوجب أنها إذا زنت ونجست فراشه تكون استدامة نكاحها أفضل في حقه، للإجماع من عقلاء العالم، على «1» أن الحلم عن الذنب أفضل من العقوبة عليه، وهذا لا يقول به عاقل، اللهم إلا أن تكون رياضة النفوس قد بلغت بالنصارى إلى رتبة القيادة، والصبر على الدياثة «2». فقد قال بعض الحكماء: إن أربعا من الأمم أكثروا «3» من أكل أربع، فأورثتهم أربعا: فالترك/ أكثروا من لحم الخيل فأورثهم القوة والقسوة، والعرب أكثروا من لحم الإبل فأورثهم الحقد والكرم، والحبشة أكثروا من لحم القردة فأورثهم الرفض «4»، والنصارى أكثروا من لحم الخنزير فأورثهم الدياثة وعدم الغيرة «5».

_ (1) على: سقطت من (م). (2) القيادة: المطاوعة في الدياثة، والدياثة: هي أن يرى الرجل العار فى امرأته وقريباته. ومنه ما أخرجه أحمد- رحمه الله- في مواضع من المسند عن عبد الله بن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:" ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث" [انظر المسند (1/ 69، 128)]. (3) في (أ): أكثر. (4) الرفض: الترك والتفرق. [انظر لسان العرب 7/ 156]. (5) لم أقف على قائل هذا القول فيما اطلعت عليه من المراجع مثل: الحيوان للجاحظ، وحياة الحيوان للدميري، وعجائب المخلوقات والحيوانات للقزويني.

ونقل القرطبي في تفسيره «1» عن محمد بن سيرين «2» أنه قال:" ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار". فلعل النصارى ورثوا من أكل لحم الخنزير اللواط بصبيانهم، حتى اكتفوا بالواحدة من نسائهم، وعدم الغيرة حتى صبروا معهن على القيادة. قال:" وأيضا فإن هذا يفضي إلى انقطاع النسل الذي هو أعظم خير في الزواج إذ يجوز لكل واحد منهم في اليوم أن يتزوج أربعا ويطلقهن، ويأخذ أربعا غيرهن كذلك في جميع زمانه، وهذه ليست سنة العقلاء والأعفاء بل سنة الفجار والعواهر، بل سنة الكلاب والحمير". قلت: هذا جهل منه بحكم دين الإسلام. فإن الرجل لو تزوج أربعا وطلقهن في يوم واحد جاز ذلك له، والنسب محفوظ بوجوب العدة/ إذ به يتبين

_ (1) ج 7/ 245. ط وزارة الثقافة بمصر سنة 1387 هـ/ 1967 م. (2) شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن سيرين الأنصارى الآنسي: مولى أنس بن مالك خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كان أبو محمد من سبي جرجرايا- من أعمال النهروان بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي- تملكه أنس ثم كاتبه على ألوف فوفاه قبل حلوله، فتمنع أنس من أخذه لما رأى سيرين قد كثر ماله من التجارة، فاحتكما عند عمر- رضي الله عنه- فألزم أنس بالتعجيل. ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان- رضي الله عنه- كان ثقة مأمونا عالما رفيعا فقيها، وكان به صمم امتدحه كثير من علماء الجرح والتعديل. توفي- رحمه الله- سنة عشر ومائة من الهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 4/ 606 - 622، والبداية والنهاية 9/ 267].

الحمل فيلحق بأبيه، وإن لم يكن حمل فلا محذور، وحينئذ يكون فهمه: هو فهم الكلاب والحمير، لا سنة المسلمين «1». قال:" وأيضا. ما أقبح وأشنع توقف رجوع المرأة بعد طلاقها إلى زوجها على نكاح غيره، إذ تأبى ذلك نفس الرجل والمرأة، وذلك خلاف الطبيعة بالنسبة إلى الناس بل إلى كثير من الدواب والطيور كالأسد والدب، فإن كل واحد من أشخاص هذه الأنواع لا يتعدى إلى أنثى الآخر". قلت: لو عقل هذا العلج لكفاه هذا الحكم في الدلالة/ على حكمة شريعة الإسلام وصحتها ولكن: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي «2»

_ (1) قلت: ثم إن كلام النصراني مبالغة فليس ما قاله مع حله حاصلا من المسلمين، فإنه كما تقدم- لا يلجأ المسلمون إلى الطلاق إلا في حالة تعذر استمرار الحياة الطيبة والألفة بين الزوجين، وليس الطلاق عند المسلمين كما يفهم من كلام النصراني وهو الطواف على عدة نساء في فترة وجيزة بعقد النكاح، وليس كذلك. فإن الطلاق عند المسلمين نادر لا يلجئون إليه إلا عند تعذر دوام المحبة والرحمة. (2) نسبه الحسن بن مسعود بن محمد اليوسفي المتوفى سنة 1102 هـ. في كتابه" زهر الأكم في الأمثال والحكم (2/ 249) إلى عز الدين المقدسي، وهو عبد السلام بن أحمد بن غانم الواعظ الشاعر الفصيح الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 289) يقول اليوسي: إن مجموعة الأبيات التي أوردها عنه ومنها هذا البيت في كتاب ابن غانم" كلام الطيور والأزهار" قلت: وله كتاب مطبوع اسمه:" كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار" فلعله هذا الكتاب.

وبيان ذلك: أن الشارع لما علم من طبيعة البشر كراهة ذلك، والنفور منه جعله شرطا في جواز ارتجاع الرجل زوجته، ليكون ذلك مانعا له من المبادرة بطلاقها، وحاملا لكل من الزوجين على عشرة الآخر بالمعروف، واحتمال بوادره وسوء أخلاقه. فكان اشتراط نكاح المرأة زوجا غير مطلقها مفضيا إلى نفيه وتقليله جدا، حتى أن هذا إنما يقع في النادر بالنسبة إلى كثرة الأنكحة وللطلاق «1»، ونظيره القتل بالقصاص ناف للقتل بالعدوان ومقلل له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا ... (179) «2» وتقول العرب:" القتل أنفى للقتل «3» " ويقول الشاعر: بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما وبالقتل تنجو كل نفس من القتل «4» وأما الأسد والدب ونحوهما فليسوا مكلفين،/ حتى يشرع في حقهم ما يمنعهم من المبادرة إلى الطلاق، وإنما كان ذلك فيهم طبيعة.

_ (1) في (ش)، (م): والطلاق. (2) سورة البقرة، آية: 179. (3) في كلمة" أنفى" عدة روايات. قيل: أنقى. وقيل: أنقى. وقيل: أوقى. [انظر تفسير القرطبي 2/ 245. وتفسير ابن عطية 2/ 65، وتفسير القاسمي 3/ 62]. (4) لم أقف على اسم قائله، ولعله من شعر المؤلف.

[نكاح المتعة وموقف الإسلام منه]

[نكاح المتعة وموقف الإسلام منه] قال:" وفي كتاب المناسك من مسلم. قال: سئل ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها «1»، وفي كتاب النكاح منه «2» عن أبي الزبير «3» عن جابر، قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر «4» والدقيق، على عهد رسول الله «5» " وذكر حديث الربيع بن سبرة الجهني «6»، وحديث عمران بن

_ (1) أخرج مسلم في كتاب الحج، باب في المتعة بالحج والعمرة، حديث 145 عن شعبة أنه سمع قتادة يحدث عن أبي نضر قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان الزبير ينهى عنها. قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يدى دار الحديث. تمتعنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء. وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم، وأبتوا نكاح هذه النساء. فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة". (2) منه: ليست في (م)، (ش). (3) أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي عالم بالحديث، روى عن العبادلة، وعائشة وجابر وخلق، وعنه عطاء والزهري، وابن جريج وغيرهم، مات سنة 126 هـ. [انظر تهذيب التهذيب 9/ 440 - 443، وسير أعلام النبلاء 5/ 380 - 386]. (4) في (ش): البر. (5) صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب نكاح المتعة ... ، حديث 16، وأخرجه أبو داود في النكاح، باب قلة المهر (30)، عن جابر بلفظ:" كنا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة". (6) الربيع بن سبرة بن معبد، ويقال: ابن عوسجة الجهني المدني، راوي الحديث عن أبيه وعمر بن-

حصين «1» قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات «2» " قال:" فهل فاحشة أو نجاسة أقذر من هذا الفعل في الكلاب؟ / دع الإنسان يعطى المرأة ما ترضى به فيزنى بها. هذا منزع

_ - عبد العزيز وعمرو بن مرة الجهني وغيرهم، وممن روى عنه الليث وغيره [انظر تهذيب التهذيب 3/ 244]. وحديثه في صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب نكاح المتعة ... ، عن سبرة الجهني أنه قال:" أذن لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمتعة. فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بنى عامر. كأنها بكرة عيطاء- طويلة العنق في اعتدال وحسن قوام- فعرضنا عليها أنفسنا فقالت: ما تعطي؟ فقلت: ردائي. وقال صاحبي ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي. وكنت أشب منه. فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها. وإذا نظرت إليّ أعجبتها. ثم قالت: أنت ورداء يكفيني. فمكثت معها ثلاثا. ثم إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها) حديث 19 وله ألفاظ متعددة في نفس الباب. (1) هو الصحابى الجليل: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي أسلم عام خيبر وغزا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- عدة غزوات، وبعثه عمر إلى البصرة ليفقه الناس، وتولى القضاء فيها في عهد عبد الله بن عامر ثم استعفى فأعفاه. وكان مجاب الدعوة، ولم يشهد الفتنة. توفي سنة ثنتين وخمسين للهجرة. [انظر الاستيعاب 3/ 1208، والإصابة 3/ 27]. (2) حديث عمران هذا أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب جواز التمتع، حديث: 172، بلفظ:" نزلت آية المتعة في كتاب الله (يعني متعة الحج) وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى مات" وقد ورد الحديث في الباب بألفاظ أخرى كلها مصرحة بأنها متعة الحج.

الزنا لا غير، هذا أمر الشيطان لا أمر الله. وهذا هو المتعة. والعقلاء من المسلمين/ يستنكفون «1» من ذلك، وكثير من أهل الحجاز «2» ومكة باقون عليها إلى الآن". قلت: هذا غلط منه على الشريعة حيث جعل المتعتين واحدة. وإنما المتعة في حديث ابن عباس: هي نسك من أنساك الحج وهو قرينة الإفراد والقران. وصورتها: أن يعتمر أولا ثم يحل ثم يحرم بالحج. وأما المتعة في الأحاديث الأخر، فلا شك أنها ثبتت في أول الإسلام لضرورة، وهو غربتهم عن أوطانهم في الجهاد وحاجتهم إلى النساء، فرخص لهم فيها بشبهة عقد وصورته فكان ذلك خيرا مما يفعلونه زنا محضا. ثم نسخ ذلك في عهد النبوة، وليس عليه اليوم من المسلمين إلا شرذمة قليلة، وأكثر من يقول به الرافضة «3».

_ (1) يستنكفون: يمنعون من ذلك، ومنه قوله تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ ... [سورة النساء، آية: 172] أي لن يمتنع من عبودية الله. [انظر لسان العرب 9/ 340 - 341]. (2) الحجاز: اسم للجبال الممتدة من قعر اليمن جنوبا وتنتهي عند أطراف الشام شمالا. سميت بذلك لأنها تحجز غور تهامة وصحارى نجد. [انظر مراصد الاطلاع 1/ 380 - 381]. (3) تقول الشيعة: إن نكاح المتعة جائز لأنه قد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أذن فيها وقالوا: إن عمر قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفا أنهى عنهما وأعاقب عليهما؟ متعة النساء ومتعة الحج" وقالوا: إنه عقد على منفعة فيكون مؤقتا كالإجارة [انظر المغنى لابن قدامة 6/ 644]، قلت: نقلهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه أذن فيها حق لكنه نهى عنها بعد ذلك فيلزم اتباع نهيه عنها الذي هو آخر الأمرين. وأما نقلهم عن عمر فكذلك لو صح عن عمر هذا فإنه تابع النبي- صلى الله عليه وسلم- أول-

وأما حديث عمران بن حصين:" ولم ينه عنها حتى مات «1» " فلأنه لم يبلغه النهي عنها وقد بلغ غيره فنقله على أن القياس شرعا وعقلا: جواز المتعة وإنما منع الشرع منها تعبدا. أما شرعا: فلأن الله إنما حرم الزنا، والمتعة ليست زنا لأن الحد فيها ساقط والنسب لاحق، والزنا ليس كذلك، وأما عقلا فلأنها منفعة من منافعها، فجاز معاوضتها عليها مطلقا كالخدمة، بل الزنا ليس قبيحا عقلا إذ ليس فيه إلا انتفاع كل من بشرين بآخر وإنما قبح شرعا، ثم تلقت العقول قبحه من الشرع ونفرة الطبع.

_ - الأمر وتابعه أيضا آخر الأمر في النهي عن نكاح المتعة بدليل ما سبق في حديث ابن عباس وجابر السابق ص: 657 وقد شارك الشيعة في هذا الرأي نفر يسير ممن لم يعلم بالنسخ لنكاح المتعة. والله أعلم. (1) هذا الحديث أخرجه مسلم- كما سبق- في الحج، باب جواز التمتع حديث 172، وهو في متعة الحج وليس في نكاح المتعة كما ادعى النصراني، وغفل عنه الطوفي هنا. ويدل على أنه في متعة الحج أنه ورد بعدة ألفاظ مصرحة بذلك، منها ما رواه ابن الشخير عن ابن حصين:" إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم. واعلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد أعمر طائفة من أهله في العشر. فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه. ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئ" [حديث 165] وقال عمران:" اعلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب. ولم ينهنا عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فيها رجل برأيه ما شاء" [حديث رقم 169] قلت: وبهذا تزول الشبهة ولا نحتاج إلى ما ذكره الطوفي عن هذا الحديث لأن فيه تكلفا لا داعي له بعد وضوح المقصود منه. والله الموفق.

وأما تشنيعه بالمتعة فقد بينا في غير موضع أن في التوراة أن يهوذا بن يعقوب/ لقي كنته- زوجة ابنه- على الطريق في «1» صورة زانية فوطئها على أن يعطيها «2» جديا من الغنم ثم رهنها عليه عمامته وقضيبا معه «3» " وهذه صورة المتعة بل صورة الزنا. والجواب مشترك. وأيضا المتعة أحسن حالا من وطء روبيل بن يعقوب جارية أبيه لأنه زنا محض «4». قال:" وفي كتاب العتق من البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «5»: (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدورها، ما لم تعمل به أو تكلم) «6».

_ (1) في (أ): في غير. (2) في (م): يعطها. (3) انظر سفر التكوين الأصحاح الثامن والثلاثين. (4) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع والأربعين. (5) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش). (6) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب الخطا والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ... ، وفي الطلاق باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران ... والغلط والنسيان في الطلاق ... ، وفي الأيمان، باب إذا حنث ناسيا في الأيمان. وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان باب تجاوز الله عن حديث النفس. وأخرجه أبو داود في كتاب الطلاق، باب في الوسوسة بالطلاق، والترمذي في كتاب الطلاق، باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته. وابن ماجه في كتاب الطلاق باب من طلق في نفسه ولم يتكلم به، وأحمد في المسند (2/ 425، 474، 481، 491).

[العزل وإباحته في غير معارضة القدر]

قلت: لا أعلم ما وجه إيراده لهذا الحديث، إلا أن يكون انكارا لوسوسة الشياطين أو للعفو عنها، بناء على أنه لم يذكر في كتبهم. فأما الشياطين ووساوسهم «1» فثابتان وأما عدم ذكر ذلك في كتبهم فاحتجاج بالعدم./ وقد سبق في غير موضع: أنه اعتماد على الجهل. وذكر أحاديث العزل عن النساء «2». [العزل وإباحته في غير معارضة القدر] قال:" وهو أن يجامع الرجل ثم يعزل ذكره عن فرجها، فيلقى المني خارجا"، قال:" وهو قبيح/ رذل عار على فاعله". قلت: المأخذ في مشروعية النكاح في دين الإسلام هو تحصين الدين والفرج والعفاف عن الزنا، وذلك حاصل مع العزل وعدمه، «3» وعندهم مأخذه تحصيل الذرية، فلعلهم لذلك قبحوه، ولا شك أن هذه المسألة من فروع الشريعة وفيها خلاف: فقيل: يجوز مطلقا «4»، وقيل: لا يجوز مطلقا «5». وقيل: يجوز بإذن

_ (1) في (ش 9، (أ): ووسواسهم. (2) الأحاديث الواردة في العزل كثيرة ومنها ما أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب العزل، عن جابر:" كنا نعزل على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" وقوله:" كنا نعزل والقرآن ينزل". (3) سقطت الواو من (م) وفي (ش): أو. (4) رويت الرخصة فيه عن عشرة من الصحابة هم: علي وسعد بن أبي وقاص وأبو أيوب، وزيد وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب وأبو سعيد وابن مسعود. [زاد المعاد 3/ 16]. (5) ممن قال بتحريمه أبو محمد ابن حزم وغيره. [انظر زاد المعاد 3/ 16] وتبعه المصنف فيما سيأتي بعد قليل.

الزوجة وإذن سيد الأمة «1»، ومسئلة فيها هذا الخلاف في الحكم والدليل، لا ترد هادمة لشريعة. ثم إذا حاققناهم: فإما أن نمنع قبح العزل وتحريمه ونطالبهم بالدليل على ذلك فلا يستطيعونه،/ وليس فيه إلا وهم الاحتشام الطبيعي. ولو كان ذلك موجبا للعار لوجب أن يكون نفس الجماع عارا، وقد بينا بطلانه «2» وإما أن نسلم تحريمه ونحتج عليه بما روى أبو سعيد قال:" ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لم يفعل أحدكم؟ فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها» أخرجاه في الصحيحين «3»، ورواه أبو داود «4» والنسائي «5» والترمذي وصححه «6».

_ (1) وهذا منصوص عن الإمام أحمد- رحمه الله- وأصحابه ثلاث طوائف في هذه المسألة. [انظر زاد المعاد 3/ 16]. (2) انظر ص: 274 من هذا الكتاب. (3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب العزل، ومسلم في النكاح أيضا، باب حكم العزل. وهو عند مسلم بألفاظ متعددة متقاربة. (4) في كتاب النكاح، باب ما جاء في العزل. (5) في كتاب النكاح، باب العزل. (6) في كتاب النكاح، باب ما جاء في كراهية العزل عن أبي سعيد. وقال:" حديث أبي سعيد حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد" اهـ.

فقوله:" لم يفعل؟ " استفهام انكار، وذلك يوجب المنع «1»، ولأن فيه فرارا من القدر وهو حرام «2»، ونوع عبث إذ لا فائدة له إذا كان لا مانع لما أراد الله خلقه، ثم نجعل هذا ناسخا لأحاديث إباحته «3»، فلا يمكنهم النزاع في ذلك «4». والله أعلم.

_ (1) الحديث لا يدل دلالة قطعية على المنع لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم: «فلا يفعل ذلك أحدكم» كما صرح بذلك في بعض طرق الحديث. كما أن الحديث نفسه ورد بعدة ألفاظ منها:" لا عليكم أن لا تفعلوا. فإنما هو القدر" ثم إن الصحابة كانوا يعزلون في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يزجرهم ويمنعهم من ذلك. ولو كان المؤلف- رحمه الله- ذهب إلى القول الآخر وهو كراهة العزل وأن في الأحاديث ما يدل على كراهته لغير حاجة إليه لكان أولى والله أعلم. (2) إذا كان العازل يعزل من غير اضطرار إليه كمخافة من الولد أو نحو ذلك مما يعارض القدر أو الشرع فإن ذلك لا ينبغى بدليل قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لصاحب الجارية الذي يعزل عنها: (إن ذلك لن يمنع شيئا أراده الله) [صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل. حديث 135]. ومخالفة لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» أخرجه أبو داود في النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. والنسائي في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم، وأحمد في المسند (3/ 158، 245) وفي مواضع أخرى. قال العجلوني صححه ابن حبان. (3) لا بدّ من معرفة الناسخ بتأخره ولم يثبت ما يدل على تأخر هذا الحديث كما ذكر ذلك ابن حجر- رحمه الله- في الفتح (9/ 309) وابن القيم في زاد المعاد (3/ 17 - 18) والله أعلم. (4) قلت: يمكن الجمع بين الأحاديث والأقوال بأنه إن أراد الزوجان من العزل عدم الرغبة في الولد لغير عذر شرعي أو أراد الرجل أن يحرم المرأة ذلك فإنه مكروه بناء على أدلة الفريق الثاني. وإن كان لضرورة تلحق المرأة أو الرجل وليس فرارا عن قضاء الله وقدره وخوف الفقر فهذا جائز لأدلة الفريق الأول والله أعلم.

[حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء]

[حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء] قال:" وفي سورة النساء: واللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ... (15) إلى قوله: والَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما ... (16) «1» وذكر ما قاله «2» المفسرون في الأذى: أنه التعيير «3» والتوبيخ، أو السب والجفاء أو النيل «4» باللسان واليد، والضرب بالنعال، ونحوه «5». قال:" وفي هذا تكثير للزنا لطمع الزانيين بتعذر اجتماع أربعة شهود غالبا، حتى يقضيا وطرهما، ولضعف هذه العقوبة إذ لا يزجر «6» مثلها عن هذا الفعل وشرعية الزنا وقوعه في الخلق أمر مغضب للرب، وموجب حلول نقمته وسخطه فينبغي أن يحسم تشديد العقاب، حتى لا يقع «7» إلا نادرا". قلت: قد تبين بهذا السؤال أن هذا الشخص قد كان يأخذ ما يورده على الشريعة من كتب التفسير والحديث من غير أن ينظر في كتب/ الفقهاء، إذ لو نظر فيها لعرف أحكام/ الشرع، ولم «8» يورد هذا الزور والمحال، ولعمري أن الكتاب

_ (1) سورة النساء، آية: 15، 16. (2) في (أ):" لما قاله". (3) في (ش): انباء للتعيير. (4) في (أ): والنيل. (5) انظر تفسير الطبري 4/ 296 - 297، وتفسير القرطبي 5/ 86، وغيرهما من كتب التفسير. (6) في (أ): يؤخر. (7) في (ش)، (م): حتى لا يقع أو لا تقع إلا نادرا. (8) في (أ): فلم.

والسنة، وإن كانا أصل الشريعة ومادتها لكن اقتناص الأحكام منها يحتاج إلى تصرف في التركيب، كما أن مفردات الدواء مادته، ولا بدّ في الانتفاع بها من تصرف في التركيب، وكذلك مقدمات الدليل مادته ولا ينتفع بها في إثبات الحكم إلا بمعرفة تركيب الدليل منها، وكذا الكلام في مفردات كل مركب. وإذا عرفت هذا فحكم دين الإسلام في الزاني إن كان محصنا الرجم حتى يموت، وهل يجلد قبله مائة جلدة؟ على قولين «1». وإن كان بكرا

_ (1) الأول: ما فعله علي- رضي الله عنه- وهو الجمع بين الجلد والرجم وقال بعد إقامته الحد على شراحة الهمدانية:" جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" وبهذا قال الحسن البصري وغيره وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وهذا مقتضى حديث عبادة بن الصامت الذي سيورده المؤلف. ومن أدلة هذا القول قوله تعالى: الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ... [سورة النور: 2]. القول الثاني: أن على الثيب الرجم فقط دون الجلد وهو قول عمر والزهري ومالك والثوري والشافعي. وهو الرواية الثانية عن أحمد: متمسكين بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- رجم ما عزا والغامدية ولم يجلدهما. وبقوله لأنيس: «اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» ولم يذكر الجلد، فلو كان مشروعا لما سكت عنه. [انظر المغني لابن قدامة 8/ 160، وتفسير القرطبي 5/ 78، وتفسير ابن كثير 1/ 462]. قلت: ولعل الراجح هو القول الثاني، ويحمل حديث عبادة بأنه منسوخ بفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- بماعز والغامدية واليهوديين وقصة أنيس. والآية تحمل على حكم الزاني البكر لأن الرجم لم يذكر فيها. أو أنها كانت ناسخة لآية النساء التي ذكرها المؤلف. ثم نسخت هي أيضا بحديث عبادة، ونسخ حكم الثيب في حديث عبادة بالأحاديث المذكورة. والله أعلم.

جلد مائة وتغريب عام «1» إلى مسافة القصر «2» لأن قوله تعالى: فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «3» السبيل

_ (1) هذا مذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد مستدلين بحديث عبادة وبحديث العسيف وفيه قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لأقضين بينكما بكتاب الله. أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام» [رواه البخاري في الصلح، باب إذا أصلحوا على صلح جور فالصلح مردود، وفي عدة مواضع من صحيحه. ورواه أيضا مسلم في الحدود ... وغيرهما]. وقال بترك التغريب أبو حنيفة ونفر يسير، واحتجوا بحديث الأمة الذي رواه أبو هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال:" إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير" قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة أو الرابعة. [أخرجه البخاري في الحدود باب إذا زنت الأمة، ومسلم في الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي ومالك في الموطأ كلهم في كتاب الحدود] فقد ذكر فيه الحد دون النفي. والصواب أن الذكر الحر إذا زنى يجلد ويغرب إذا كان غير محصن، أما الأمة فلا تغرب لهذا الحديث، وأما المرأة الحرة ففي تغريبها خلاف على نحو ما سبق من الأحاديث فالجمهور على أنها تغرب ومالك والأوزاعي على أنها لا تغرب. والصواب والله أعلم أن المرأة لا تغرب إلا إذا أمنت الفتنة، وكانت مع ذي محرم يرعاها. [انظر في هذه المسألة: في المغني لابن قدامة 8/ 166 - 170، وتفسير القرطبي 5/ 87، وغيرهما من كتب الفقه والتفسير]. (2) وقيل: من قرية إلى أخرى ولو كان بينهما ميل واحد. [المغني لابن قدامة 8/ 169]. (3) سورة النساء، آية: 15.

هاهنا: مجمل تبينه السنة فيما روى عبادة بن الصامت «1» قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني. قد «2» جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم،/ والبكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة» رواه مسلم «3» وأبو داود «4» والنسائي «5» وابن ماجه «6» والترمذي، وقال: حسن صحيح «7». وفيه أحاديث غير هذا. وبهذا يتبين: أن ما ذكر في تفسير الأذى ضعيف لا يثبت، أو منسوخ بهذا الحديث «8»، أو محمول على البكر، أو على أنه يفعل بالزانيين ولا يقتصر لهما عليه، بل يقام عليهما من الحد ما أتت به السنة في بيان السبيل.

_ (1) الصحابي الجليل عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم الخزرجي الأنصاري أحد نقباء الأنصار، يكنى أبا الوليد، شهد المشاهد كلها مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واستعمله على بعض الصدقات وكان ممن جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعلم أهل الصفة القرآن، أرسله عمر- رضي الله عنه- إلى الشام ليعلم القرآن ويفقه أهلها- هو وبعض الصحابة- في الدين، توفي بالرملة. وقيل: ببيت المقدس سنة أربع وثلاثين للهجرة. [انظر الإصابة 2/ 268 - 269، والاستيعاب 2/ 807 - 808]. (2) في (ش)، (أ): فقد. (3) في كتاب الحدود، باب حد الزنا، حديث 12، 13. (4) في كتاب الحدود، باب في الرجم. (5) لم أجده في الصغرى ولعله في الكبرى. (6) في كتاب الحدود، باب حد الزنا. (7) في كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب. (8) وبقوله تعالى في أول سورة النور: الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، ولْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهذا أمر متفق عليه بين الجمهور. [انظر تفسير القرطبي 5/ 84، وتفسير ابن كثير 1/ 462].

وأما قوله: في اعتبار الأربعة تكثير الزنا للطمع في تعذرهم. فجوابه: أنا قد بينا أن بناء شرعنا على مراعاة المصالح والمفاسد،/ وترجيح بعضها على بعض، ولا شك أن اعتبار الأربعة في الزنا، وإن كان مفضيا إلى تكثيره بما ذكرت لكن الزنا يتبعه مفاسد عظيمة: منها: ضياع النسب. ومنها: لحوق العار بالزانيين وأهلهما «1». ومنها: وجوب القتل عليهما أو الجلد الذي يفضي إلى القتل. ومنها: سلب العدالة فيترتب عليه رد الشهادة وسلب أهلية الولايات الدينية والدنيوية. وهذه المفاسد كلها راجعة إلى حقوق الآدميين، فكان في تقليل ثبوت الزنا بتكثير الشهود، تقليل لهذه المفاسد في الحكم. وأما معصية الزنا الواقع في نفس الأمر، فالعقوبة عليها/ حق الله، والدنيا ليست دار جزاء، إنما هي دار تكليف، فيتأخر حق الله إلى حين المصير إليه، فيعاقب أو يعفو. ولهذا غالب المعاصي لم يشرع فيها عقوبة في الدنيا إلا فيما كان فيه إفساد لنظام العالم فشرع فيه العقوبة لذلك، وأخر حقوقه في سائر المعاصي إلى الدار الآخرة، دار الجزاء، ولهذا لا يوجد في كلام المسيح ترتيب عقوبة دنيوية على شيء من المعاصي، بل إنما يتوعد بجهنم وبالظلمة وصرير الأسنان على ما تضمنه الإنجيل.

_ (1) في (أ): وأهلها.

وما تضمنه دين النصارى من العقوبات «1» الدنيوية فهو إما متناول من التوراة أو من جهة علمائهم على جهة السياسة، بناء على قول المسيح: " ما حللتموه في الأرض فهو محلول في السماء، وما ربطتموه في الأرض فهو مربوط في السماء «2» ". مع أن دين الإسلام مبني على إيثار الستر والإغضاء «3» ومكارم الأخلاق، لطفا من الله بخلقه، ولولا ما في المعاصي ذوات الحدود من المفاسد الدنيوية لما شرع فيها حد «4»./ والجواب عن هذا السؤال ذكرته مبسوطا في القواعد الدمشقية وإنما أشرت إليه هنا إشارة.

_ (1) في (م): من الأحكام. (2) انظر انجيل متى الأصحاح السادس عشر. (3) الإغضاء: ادناء الجفون، ثم استعمل في الحلم، فقيل أغضى على القذى: إذا أمسك عفوا عنه. [انظر مختار الصحاح ص 476، والمصباح المنير 2/ 537]. (4) قلت: ويمكن أن يرد عليه من وجه آخر، وهو أن هذا هو حكم التوراة في مثل هذا وقد اعترف اليهود بذلك فيما أخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال:" ائتوني بأعلم رجلين منكم" فأتوا بابني صوريا، فنشدهما" كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ " قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال:" فما يمنعكما أن ترجموهما؟ " قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برجمهما" وهذا يدل على جهل النصراني بأحكام كتابهم الذي أمروا بتحكيمه. والله أعلم.

[الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض]

[الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض] قال:" وفي الموطأ عن زيد بن أسلم «1» أن رجلا سأل رسول الله فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله: لتشد إزارها ثم شأنك بأعلاها «2» ". قلت: كأنه يستعظم مقاربة الحائض. قلت: وهذا لا محذور فيه، لأنا أجمعنا على جواز وطء المرأة إذا كانت طاهرا. والحيض إنما اختص بالفرج. وقضية العقل: أن المانع يختص تأثيره بمحله، بما لم يقم دليل على تعدي حكمه. وذلك يقتضي اختصاص الفرج فقط بالاجتناب

_ (1) أبو أسامة أو أبو عبد الله زيد بن أسلم العدوي العمري، مولاهم، المدني، فقيه مفسر، كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته، كان يجلس في حلقته إلى أربعين فقيها في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدث عن عبد الله بن عمر وجابر وسلمة بن الأكوع. توفي- رحمه الله- سنة ست وثلاثين ومائة للهجرة. [انظر سير أعلام النبلاء 5/ 316، وتهذيب التهذيب 3/ 395 - 397، وشذرات الذهب 1/ 194]. (2) الموطأ: باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض. قال السيوطي في تنوير الحوالك بهامش الموطأ (1/ 59):" قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا روى هذا مسندا بهذا اللفظ ومعناه صحيح ثابت". قلت: وأخرجه مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض فقالت:" لتشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء" وأخرج الدارمي الحديث باللفظ السابق عن خالد بن مخلد عن مالك عن زيد بن أسلم. وستأتي بعض الأحاديث التي هي أصح وأوضح من هذا الحديث في هذه المسألة.

في زمن الحيض، وبقية البدن يجوز الاستمتاع به «1». وكذلك نص القرآن: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ «2» يعني: موضع الحيض «3»، وهو الفرج. وفي حديث صحيح:" اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح «4» " وفي/ حديث

_ (1) وردت أحاديث في جواز الاستمتاع بما دون الفرج من الحائض منها ما أخرجه مسلم في أول كتاب الحيض، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان إحدانا إذا كانت حائضا، أمرها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فتأتزر بإزار، ثم يباشرها" وقد أورد ابن كثير في تفسيره (1/ 258 - 259) بعض تلك الأحاديث. (2) سورة البقرة، آية: 222. (3) يعني موضع الحيض: مكررة في (أ). (4) هذا جزء من حديث في سبب نزول الآية السابقة، وهو عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت. فسألت أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-. فأنزل الله تعالى: ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ... إلى آخر الآية. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر، فقالا: يا رسول الله إن اليهود تقول: كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأرسل في آثارهما، فسقاهما. فعرفا أن لم يجد عليهما". أخرجه مسلم في الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها ... ، وأبو داود في النكاح، باب إتيان الحائض ومباشرتها، والترمذي في تفسير سورة البقرة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الطهارة، باب تأويل قول الله- عز وجل-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، والدارمي في الوضوء، باب مباشرة الحائض، وأحمد في المسند (3/ 132، 246) وابن ماجه في الطهارة، باب مؤاكلة الحائض، وهذا لفظ مسلم.

عمر:" اتق الحيضة والدبر «1» " اللهم إلا أن تنكر هذا، لكون غير الفرج ليس محلا لزرع الولد فيضع الماء ويصير بمثابة العزل، بناء على أن مقصود النكاح الأصلي إنما هو الولد، لكن هذا شيء قد منعناه، وسبق الجواب عنه «2». قال:" وفي كتاب الرجم «3» من مسلم: أن سعد بن عبادة «4» قال لرسول الله: أرأيت لو أني وجدت مع امرأتي رجلا. أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال له رسول الله:" نعم «5» ". قلت:/ وقد قدم هو وجه السؤال من هذا، وهو تكثير الزنا، وقدمنا جوابه.

_ (1) سبق تخريجه ص: 642. (2) انظر ص: 662 من هذا الكتاب. (3) في كتاب اللعان حديث: 15، وله عنده ألفاظ أخرى في نفس الموضع. (4) الصحابي الجليل سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي الأنصاري. يكنى أبا ثابت. كان سيد الخزرج، وأحد الأمراء الأشراف في الجاهلية والإسلام. كان يلقب في الجاهلية بالكامل لمعرفته الكتاب والرمي والسباحة- شهد العقبة مع الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر. كان كريما، خرج إلى الشام فمات بحوران سنة خمس عشرة، وقيل: ست عشرة من الهجرة. [انظر صفة الصفوة 1/ 503، والإصابة 2/ 30 ت: 3173]. (5) أخرج الحديث غير مسلم: أبو داود في كتاب الديات، باب في من وجد مع أهله رجلا أيقتله؟ وأحمد في المسند (2/ 465)، ومالك في الموطأ في الأقضية، باب القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا.

[حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين]

[حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين] قال: وفي حديث أبي موسى «1» حيث جاء يستحمله «2» فقال:" والله لا أحملكم" ثم حملهم. فسألوه فقال:/ ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، وأنا والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير «3» ". قلت: وجه سؤاله من هذا: أن الحنث في اليمين استخفاف بحق الله، وتهوين بعظمته، بناء على ما عندهم في الإنجيل عن المسيح أنه قال:" سمعتم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأوف الرب قسمك «4» وأنا أقول لكم: لا تحلفوا البتة لا بالسماء فإنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه ولا

_ (1) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري التميمي الفقيه المقرئ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما» [أخرجاه في الصحيحين] كان ممن هاجر إلى الحبشة تولى عدة إمارات، وكان أحد القضاة من الصحابة توفي سنة 44 هـ على الصحيح. [انظر سير أعلام النبلاء 2/ 380 - 402، والاستيعاب 3/ 979]. (2) يستحمله: أى يطلب منه ابلا تحمله، وذلك في غزوة تبوك. (3) الحديث أخرجه البخاري في عشرة مواضع من صحيحه منها: في كتاب الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ... ، وأخرجه مسلم بألفاظ في كتاب الأيمان، باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها. (4) في (أ): وسمك.

ببروشليم «1» فإنها مدينة الملك العظيم، ولا برأسك تحلف ولتكن كلمتكم: نعم. نعم. ولا. لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير «2» ". والجواب: أن دين الإسلام مبني على رفع الحرج والضيق بناء على أن الغرض من تكليف الخلق تعظيم الله والانقياد له، لا لحوق «3» المشقة لهم بذلك فمتى أمكن الجمع بين تعظيمه تعالى ورفع الحرج عن المكلفين كان ذلك حسنا جائزا، وتعظيم الله سبحانه في باب الأيمان يحصل إما بالتزام العقد معه بأن لا يحنث فيها، مثل أن يحلف أن يفعل فيفعل أو لا يفعل فلا يفعل، أو بالتكفير إن خالف ما حلف «4» عليه «5»، لأن في التزام التكفير بجزء من المال المحبوب طبعا، أو بالتعبد بإلحاق المشقة بالصوم للبدن تعظيما لله سبحانه ولا بدّ، وقد نص عليه

_ (1) في التراجم الحديثة: ولا بأورشليم. وسبق التعريف بها في هامش ص: 317 من هذا الكتاب. (2) انظر انجيل متى: الأصحاح الخامس. (3) في (م): في لحوق. (4) حلف: سقطت من (أ). (5) قلت: هذا إذا لم يكن حلف على أن يفعل طاعة، فعليه أن يفعلها ولا يحنث في ذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه البخاري في الأيمان، باب النذر في الطاعة:" من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه" ثم إن قوله" فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير" وأحاديث أخرى بهذا المعنى تدل على وجوب الإبرار بالقسم في غير معصية أو مخالفة للسنة كما في قصة من نذر من الصحابة أن يصوم الدهر والآخر أن لا يتزوج النساء والثالث ألا ينام الليل فإن ذلك مخالفة لسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- فيجب الحنث في ذلك ... والله أعلم.

القرآن «1»، ولعل التعظيم بذلك أشد من التعظيم بالتزام ما حلف عليه، إذ قد يحلف أن لا يأكل هذه اللقمة فتركها عليه يسير غالبا، فإذا أكلها لمصلحة دينية وأعتق عوض ذلك رقبة «2» أو أطعم أو كسى عشرة مساكين أو صام ثلاثة أيام متتابعة «3» / كان ذلك لا شك أبلغ في تعظيم الله- جل جلاله وتبارك اسمه-. وأما ما ذكروه عن المسيح من قوله:" لا تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله" فكلام متهافت لا تليق نسبته إلى المسيح. وبيان تهافته: أنه فاسد الاعتبار، إذ النهي عن الحلف بالسماء يقتضي عدم تعظيمها، وكونها كرسي الله يقتضي تعظيمها، وجواز الحلف بها، ثم إن هذا الكلام في الفصل الخامس من إنجيل متى، وهو

_ (1) قال الله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ولكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ واحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة المائدة 89]. (2) مؤمنة إلا عند أبي حنيفة ورواية لأحمد فتجزئ الذمية. استدلالا بالآية المتقدمة أما الجمهور فاستدلوا بآية سورة النساء (92): فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وهي مقيدة لآية المائدة المتقدمة، وهو الراجح والله أعلم (انظر الإفصاح لابن هبيرة 2/ 334، والمغني لابن قدامة 8/ 743، وتفسير القرطبي 6/ 280 - 281). (3) كفارة اليمين، ثلاث خصال على التخيير: العتق، أو الإطعام، أو الكسوة. فإن عجز عن الثلاث فالصيام. فيكون الترتيب في هذه الحالة. فإن عجز عن الصيام بقيت في ذمته. [انظر نيل المرام شرح عمدة الأحكام 2/ 188] وذكر ابن هبيرة في الإفصاح 2/ 334: الاتفاق على ذلك. أما تتابع الصيام فيجب عند أبي حنيفة وأحمد، وعند مالك لا يجب وعن الشافعي قولان الجديد منهما: لا يجب. والأولى التتابع لقراءة ابن مسعود: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ إلا لعذر مرضى أو حيض أو نحوهما فلا يجب. والله أعلم. [انظر حاشية المقنع 4/ 209].

[متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه]

[متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه] مناقض لما في الفصل السادس والخمسين «1» منه حيث يقول:" من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه" فإنه يقتضي صحة الحلف بالسماء/ وجوازه «2»، وأن الحالف بها حالف بالله سبحانه. فانظر أيها العاقل إلى هؤلاء الذين يقدحون في دين الإسلام بهذا الكلام المتناقض المتهافت. وذكر حديث قتل كعب بن الأشرف «3»، وأن محمد بن مسلمة «4» خدعه

_ (1) في التراجم الحديثة: الأصحاح" الفصل" الثالث والعشرين. (2) قلت: لا يجوز الحلف بغير الله لأن حلف المخلوق بغيره سبحانه يقتضي تعظيم المخلوق به ولا أعظم منه سبحانه. ومن النهي عن الحلف بغيره (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) [أخرجه الترمذي في النذور، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، وأحمد في المسند (2/ 125) وقال الترمذي:" هو حديث حسن"]. قلت: ودين الأنبياء جميعهم لا يجيز تعظيم غير الله ولا الحلف به، لأن ملتهم التوحيد، والنصارى يفترون على الله ورسله، والمسيح بريء من هذا القول الذي وضعوه في أناجيلهم. (3) كعب بن الأشرف الطائي من بني نبهان، وهم بطن من طيئ، كان أبوه أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم، وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق، فولدت له كعبا، وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة، وهجا المسلمين بعد وقعة بدر، وخرج إلى قريش بمكة وحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين ... ثم رجع إلى المدينة، وتشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم، وأكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستعلن بعداوة دين الله، والنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فانطلق إليه خمسة من المسلمين منهم محمد بن مسلمة فقتلوه في ظاهر حصنه الذي كان يقيم فيه قرب المدينة سنة ثلاث من الهجرة. [انظر فتح الباري 7/ 337 - 338، والأعلام 5/ 225]. (4) أبو عبد الرحمن محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة الأوسي الأنصاري شهد-

حتى استمكن منه فقتله، وذلك بإذن النبي- عليه السلام- «1». قلت: ووجه السؤال منه: أنهم خدعوه بإذن محمد حتى أمن وسلم نفسه إليهم ثم قتلوه وهذا غدر. قلت: وجوابه من وجهين: أحدهما: أن هذا من باب الخديعة في الحرب، وهو جائز في دين الإسلام وقد قال النبي- عليه السلام- (الحرب خدعة) «2» وغاية ما في الباب: أنه كذب.

_ - بدرا وما بعدها إلا تبوك فيقال إن النبي- صلى الله عليه وسلم- استخلفه على المدينة، كان ممن سارعوا بمالهم في العسرة، ورغّب الصحابة في ذلك، بعثه النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى بني النضير ليتحدث معهم في أمر جلائهم، له قصص تدل على قوته في الحق وزهده في الدنيا، وله قصص مع عمر بن الخطاب. حمد الله على أن جعل في رعيته من هو مثل محمد. ضرب بسيفه الحجر حتى كسره أيام الفتنة تنفيذا لوصية النبي- صلى الله عليه وسلم- له بذلك، ولزم المدينة حتى مات في صفر سنة ثلاث وأربعين للهجرة. [انظر حياة الصحابة 1/ 391، 403، 404، 421، 2/ 75، 81، 404، وشذرات الذهب 1/ 53، وسير أعلام النبلاء 2/ 369 - 373]. (1) أخرجه البخاري عن جابر في كتاب الرهن، باب رهن السلاح، وفي كتاب الجهاد، باب الكذب في الحرب، وفي كتاب المغازي، باب قتل كعب بن الأشرف. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم. (2) أخرجه البخاري في الجهاد، باب الحرب خدعة، عن أبي هريرة وعن جابر، وأخرجه مسلم في الجهاد، باب جواز الخداع في الحرب، عنهما حديث 17، 18، وأبو داود في الجهاد، باب المكر في الحرب، عن جابر وكعب بن مالك. وأخرجه الترمذي في الجهاد، باب الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب، عن جابر، وقال:" وفي الباب عن علي وزيد بن ثابت وعائشة وابن عباس وأبي هريرة وأسماء بنت يزيد بن السكن، وكعب بن مالك وأنس، وهذا حديث حسن صحيح". وأخرجه ابن ماجه في الجهاد، باب الخديعة في الحرب عن عائشة، وأخرجه أحمد في المسند في عدة مواضع منها: (1/ 81، 90).

لكن الكذب ليس قبيحا لذاته عندنا بل «1» لما فيه من المفسدة. فإذا تضمن مصلحة راجحة على مفسدته تعينت. وكان من قبيل اعتبار المصالح. ولا شك أن قتل كعب ابن الأشرف تضمن مصلحة دينية، وهو أنه كان يهجو النبي- عليه السلام- والمسلمين ويقذف نساءهم في شعره، ويأخذ أعراضهم، وهو يهودى ملعون من أعداء المسيح وقتلته/- على زعمك «2» - وبعض هذا يوجب قتله وقتل كل يهودي على وجه الأرض. وأجمع «3» العقلاء على أن الكذب واجب على من رأى ظالما يتبع نبينا أو وليا أو مظلوما بالجملة ليقتله. إذا سأله فليصده عنه «4» بالكذب، ولو صدق حتى قتل ذلك المظلوم لأثم بالصدق. قال العلماء: الكذب: واجب، ومندوب، ومباح، وحرام. فالواجب: كالصورة المذكورة آنفا. والمندوب: الكذب للإصلاح «5» بين

_ (1) بل: سقطت من (م). (2) في (م) على زعمكم. قلت: قال الله تعالى: وبِكُفْرِهِمْ وقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158). [سورة النساء: 155 - 158]. (3) في (أ): واجمعوا. (4) في (ش)، (م): إذا سأله عنه فليصده عنه بالكذب. (5) في (أ): الإصلاح.

المؤمنين. وفي الحديث الصحيح: (ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا، أو نمى «1» خيرا «2» والمباح: كذب الرجل لامرأته في الوعد والتأميل «3»، ليكف شرها عنه أو لا تكدر «4» عليه. والحرام: ما سوى ذلك وهو كل كذب لم يتضمن مصلحة راجحة على مفسدته «5».

_ (1) من نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير. فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميّته بالتشديد. [انظر فتح الباري 5/ 299]. (2) أخرجه البخاري عن أم كلثوم بنت عقبة في الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس. ومسلم في البر، باب تحريم الكذب وبيان المباح منه، حديث 101، وزاد:" ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها" وأخرجه أبو داود في الأدب، باب في إصلاح ذات البين. والترمذي في البر، باب في اصلاح ذات البين، وأحمد في المسند (6/ 403، 404) وهذا لفظ أبو داود والترمذي. (3) من أملته تأميلا: والأمل رجاء حصول المطلوب. [انظر المصباح المنير 1/ 30، ومختار الصحاح ص 25]. (4) من الكدر: وهو ضد الصفو. [انظر مختار الصحاح ص 564، والمصباح المنير 2/ 637]. (5) قال الإمام النووي في رياض الصالحين، باب بيان ما يجوز من الكذب:" اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرما، فيجوز في بعض الأحوال بشروط ... ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب: يحرم الكذب فيه وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا: فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله، وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه ... والأحوط في هذا كله أن يورّى ... ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم- رضي الله عنها" اهـ.

وقد صرحت التوراة بأن إبراهيم وإسحاق جميعا قال كل منهما عن زوجته: إنها أخته «1» حين خشي عليها من" أبيمالخ" ملك الأردن وفلسطين، ولما تضمن ذلك مصلحة لم يقبح منهما. فهذا مثله سواء، لأن محمدا وأصحابه كانوا مظلومين مع كعب في هجائه لهم وقذفه لنسائهم، كما كان إبراهيم مظلوما بتغلب" أبيمالخ" ملك الأردن «2» على زوجته، لولا عصمة الله لها منه. الوجه الثاني: أن عظيم ساليم قرية «3» سجيم لما فضح «4» بنت يعقوب وأراد أن يتزوجها صعب على بني يعقوب ذلك. فقالوا له: إن من ديننا الختان، فإن اختتنت أنت وأهل قريتك زوجناك. فلما اختتنوا جميعا دخلوا عليهم، وهم في ألم الختان لا يستطيعون الدفع عن أنفسهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، وهذا غدر صريح، والجواب عنه مشترك لأن/ الجميع أنبياء، وقد نصت التوراة على هذه الحكاية «5». وذكر حديث: أعطيت/ خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل

_ (1) قصة إبراهيم في سفر التكوين الأصحاح العشرين، أما قصة اسحاق فلم أجدها في التراجم الحديثة كما سبق. [انظر ص: 339 من هذا الكتاب]. وهذا من الأدلة على تأثر التوراة بالترجمة من لغة إلى لغة والتحريف فيها من قبل اليهود والنصارى، فوجود هذا النص في التوراة في التراجم التي نقل منها الطوفي وعدم وجوده في التراجم التي بأيديهم الآن دليل على تحريفهم لها. والله أعلم. (2) ملك الأردن: ليست في (م)، (ش). (3) في (ش): هوبة. (4) في التراجم الحديثة:" أن عظيم قرية شكيم واسمه شكيم لما فضح ... " (5) انظر سفر التكوين: الأصحاح الرابع والثلاثين.

[حسن العطاس وكراهة التثاؤب]

لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة «1»، وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة. وبعثت إلى الناس عامة «2» ". قلت: لا أعلم ما «3» وجه السؤال من هذا، إلا أن يكون يكذب بالإخبار بهذه الأشياء بناء على عدم علمه بها، أو على مناقضة محرفة في كتبهم، ولو ذكر وجه سؤاله منه لأجبته بحسبه «4». [حسن العطاس وكراهة التثاؤب] وذكر قوله- عليه السلام-:" إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب" إلى قوله:" وأما التثاؤب فهو من الشيطان. فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإنه إذا تثاءب «5» ضحك منه الشيطان «6» ".

_ (1) في (أ): للشفاعة. (2) أخرجه البخاري في أول التيمم، وفي الصلاة، باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" ومسلم في أول كتاب المساجد، حديث 3، والنسائي في كتاب الغسل (1/ 209 - 211)، والدارمي فى كتاب السير، باب الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا عن أبي ذر وألفاظهم متقاربة. (3) «ما» ليست في (ش). (4) لعله يقصد أن الشفاعة في الآخرة كالشفاعة في الدنيا، أو انكاره شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .. [انظر شرح الطحاوية ص 260]. (5) فى (أ): اذا شاب. (6) أخرجه البخاري عن أبي هريرة في كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده وفي كتاب الأدب، باب ما يستحب من العطاس ويكره من التثاؤب، وباب إذا تثاءب فليضع يده على فيه، وطرف الحديث في صحيح مسلم: كتاب الزهد، باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب وأخرجه أبو داود في الأدب، باب إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب. وأخرجه أحمد في المسند (2/ 256) وفي مواضع أخرى.

قلت: قد سبق ذكرنا لقواطع الإنجيل على جسمية الشيطان «1»، ومناقشتنا له في قوله: الشياطين بسائط مجردة عن المائدة" ومع جسميتهم لا يمتنع الضحك والأكل وسائر خواص الأجسام منهم. وأما قوله:" إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب" ومعنى كونه من الشيطان فله تأولان: أحدهما: ذكره الخطابي «2»، وهو أن العطاس يكون عن خفة البدن من الطعام، والتثاؤب عن ثقله به «3». فالحب والكراهة راجعان إلي سببيهما «4»، وهما قلة الأكل وكثرته الموجبان لخفته وثقله «5» لا إلى ذاتيهما «6». الثاني: أن العطاس يتعقبه حمد الله. وذكره بخلاف التثاؤب، فلذلك فرّق بينهما في الحب والكراهة، وعدم ذكر الله من أخلاق الشيطان، وما يؤثره، فلذلك قيل في التثاؤب: إنه من الشيطان.

_ (1) انظر ص: 409 من هذا الكتاب. (2) تقدمت ترجمته ص: 176 من قسم الدراسة. (3) به: ليست في (م). (4) في (م): إلى سببهما. (5) قال ابن بطال:" إضافة التثاؤب إلى الشيطان: بمعنى إضافة الرضى والإرادة. أي: الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه. وقال ابن العربي:" إن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته. وإن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك، لأنه واسطته، والتثاؤب إنما يحدث عن الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل. وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك. والله أعلم" [مختصر سنن أبي داود وتهذيب ابن القيم 7/ 303]. (6) انظر معالم السنن للخطابي بهامش مختصر سنن أبي داود، ومعه تهذيب ابن القيم (7/ 303). والطوفي نقل كلام الخطابي بمعناه لا بلفظه.

[آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها]

[آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها] وذكر أن رسول الله أمر بلعق الأصابع والصحفة. وقال:" إنكم لا تدرون في أيّه البركة «1» ". وقوله:" إذا أكل أحدكم فلا/ يمسح يده حتى يلعقها، أو يلعقها «2» " وأنه كان" يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها" «3». وقوله:" إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء حتى يحضره عند أكل طعامه «4»، فإذا سقط «5» من أحدكم اللقمة فليمط ما بها «6» من أذى، ثم

_ (1) أخرجه مسلم بهذا اللفظ عن جابر في كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... حديث: 133، وأخرجه بغيره أبو داود في الأطعمة باب في اللقمة تسقط (50)، والترمذي في الأطعمة، باب ما جاء فى اللقمة تسقط (11). (2) أخرجه البخاري بهذا اللفظ عن ابن عباس في كتاب الأطعمة باب لعق الأصابع ومصها ... ومسلم في الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... حديث رقم 129، 130، وأبو داود في الأطعمة، باب في المنديل، وابن ماجه في الأطعمة باب لعق الأصابع، والدارمي في الأطعمة، باب في المنديل عند الطعام، وأحمد في المسند (1/ 221). (3) أخرجه مسلم بهذا اللفظ عن ابن عباس في كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع ... حديث 131، وأبو داود عن كعب بن مالك في كتاب الأطعمة، باب في المنديل. (4) في صحيح مسلم:" عند كل شيء من شأنه يحضره عند طعامه". (5) في صحيح مسلم: سقطت. (6) في صحيح مسلم: ما كان بها.

[حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك]

ليأكلها، ولا يدعها للشيطان وإذا «1» فرغ فليلعق أصابعه «2» ". [حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك] قلت: هذه آداب حسنة من آداب الأكل، فإن في لعق الأصابع والصحفة تعظيم ما عليهما من بقية الطعام بأكله وتنظيف الإصبع «3» والصحفة، ولعله علم في ذلك سرا آخر من خصائص النبوة، وإليه أشار بقوله/" لا تدرون في أيّه البركة" وقد سبق في أول الكتاب قول أرسطو وغيره" أنه لا بدّ في معرفة الشرائع من «4» توقيف إلهي يبين للعقل ما يقصر عنه، وليس من شأنه إدراكه" «5». وذكر حديث أبي ذر:" يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود" وقال:" الكلب الأسود شيطان" «6».

_ (1) في صحيح مسلم: فإذا. (2) تمام الحديث:" فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة" اهـ. أخرجه مسلم عن جابر في كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع ... ، وأحمد في المسند (3/ 394) عن جابر وفيه عنده تقديم وتأخير. (3) فى (م): الأصابع. (4) في (ش): عن. (5) انظر ص: 237، 258 من هذا الكتاب (6) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلى، وأبو داود في كتاب الصلاة باب ما يقطع الصلاة، والترمذي في الصلاة، باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة. وقال:" حديث حسن صحيح" وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، وأحمد في مسند أبي ذر (5/ 149).

قلت: الجواب من وجوه: أحدها: أن الشيطان لا يمتنع أن يختص بالدخول في الكلب الأسود لخصيصة فيه من شدة خبثه أو نحو ذلك، كما ذكر في الإنجيل: أن المسيح أخرج الشياطين من الناس فدخلت في قطيع خنازير ثم ألقتها في البحر فغرقت «1». وقد ذكر ابن الأشل «2» مطران حمص في تقرير الثالوث:" أن الله سبحانه ظهر في كبش إبراهيم" فإذا جاز في عقولكم أن خالق السماوات والأرض يظهر في كبش فكيف يمتنع ذلك في بعض مخلوقاته أن يظهر في كلب. الثاني: قال الجاحظ «3»:" معنى قوله: الكلب الأسود شيطان:/ أن فعله فعل الشيطان لأنه أخبث الكلاب، وأكثرها عقرا للحيوان «4» ".

_ (1) انظر انجيل مرقس: الأصحاح الخامس. (2) هكذا في (أ)، (م). وقد تقدمت الإشارة إلى أنني لم أجد له ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع. (3) تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 184. (4) لم أجده في كتاب الحيوان. والشيطان الجني يتشكل في صورة إنسان، كما حدث في غزوة بدر. فقد تشكل في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر، وفيه أنزل الله: وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ واللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ. [الأنفال: 48]، وفي صورة حيوان: جمل أو حمار أو كلب أو قط، خاصة الكلاب السود. وفي هذا الحديث" الكلب الأسود شيطان" ما يدل على ذلك يقول ابن تيمية- رحمه الله-:" الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيرا، وكذلك بصورة القط الأسود لأن الأسود أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة". [عالم الجن والشياطين لعمر الأشقر ص 29].

قلت أنا: لكن هذا لا يناسب قطعه للصلاة، فيحتمل أن يكون لكثرة خبثه، ويدل على خبثه، سواده كما استدلوا على خبث الأسود من الحيات بسواده، وحيث اشتد خبثه قاربت طبيعة الشيطان في الشر، فاستأنس به- والشكول أقارب «1» - فدخل فيه وقارب المصلي، لينتهز منه فرصة، كما دخل إبليس في في الحية إلى الجنة/ حتى أغوى آدم «2».

_ (1) الشكول: جمع شكل وهو الشبه والمثل: يقال هذا من شكل هذا أي من ضربه ونحوه. [انظر لسان العرب 11/ 356 - 357، والمصباح المنير 1/ 380]. والمعنى الأشكال متقاربة. والله أعلم. (2) هذه الحكاية ذكرت في التوراة في سفر التكوين الأصحاح الثالث. قلت: مما ثبت في تمثل الجن بالحيات، ما في صحيح مسلم [كتاب السلام، باب قتل الحيات وغيرها]: أن أبا السائب دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته فسمعت تحريكا في عراجين في ناحية البيت فالتفت فإذا حية. فوثبت لأقتلها. فأشار إليّ: أن اجلس فجلست. فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار. فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت نعم. قال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق. فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بانصراف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذن يوما فقال له صلى الله عليه وسلم: " خذ عليك سلاحك. فإني أخشى عليك قريظة" فأخذ الرجل سلاحه. ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة. فأهوى إليها الرمح ليطعنها به. وأصابته غيرة. فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني. فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش. فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به. ثم خرج فركزه في الدار. فاضطربت عليه. فما يدرى أيهما كان أسرع موتا. الحية أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له. وقلنا: ادع الله يحييه لنا. فقال:" استغفروا لصاحبكم" ثم قال:" إن بالمدينة جنّا قد أسلموا. فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام. فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان" اهـ.

وقد ذكر بعض أهل التاريخ- أحسبه الشيخ أبا الفرج في المنتظم- أن آدم لما كان فخارا، كان إبليس يطوف به ويتعجب منه، ففي بعض الأيام بصق عليه، فوقع بصاقه في موضع السرة منه، فقطع موضع البصقة منه فألقي، فخلق منه الكلب الأسود «1». فإن ثبت هذا صح أن في الكلب الأسود طبيعة من الشيطان، لأجل تلك البصقة، وإن كان المخلوق من بصقة إبليس كلبا غير أسود، فلعله انضم إلى الأسود خصيصة كملت بها شيطنته، فاختص بما ذكر من قطع الصلاة وتحريم صيده «2»، ونحوه. الثالث: قال الخطابي: في قوله:" تطلع الشمس بين قرني الشيطان" «3» هذا

_ (1) لم تطبع الأجزاء الأربعة الأولى من المنتظم، وأظن أن مخطوطاتها مفقودة. (2) هذا مذهب الحنابلة: الطوفي وابن قدامة وغيرهما. وهو مذهب أحمد، لما سبق من أن الكلب الأسود شيطان، وأباح أبو حنيفة ومالك والشافعي صيده لعموم قوله تعالى: وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ واتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. [المائدة: 4]. ولعموم حديث: (وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل). [أخرجه البخاري في الذبائح، باب صيد القوس]. وللقياس على غيره من الكلاب. [انظر المغني 8/ 447، ونيل الأوطار 9/ 4 - 6]. (3) الحديث أخرجه البخاري فى كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده ومسلم في كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس، وفي كتاب صلاة المسافرين، باب الأوقات التى نهى عن الصلاة فيها. وأبو داود في كتاب الصلاة (التطوع)، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة. والنسائي في المواقيت، باب إباحة الصلاة إلى أن يصلى الصبح، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في الساعات التي تكره فيها الصلاة، وأحمد في المسند (2/ 13).

[التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب]

[التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب] من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد هو بمعانيها، ويجب علينا «1» التصديق بها والوقوف عند الإقرار بأحكامها والعمل بها «2». قلت أنا"/ والاختلاف في أن هذا «3» معقول المعنى، أو هو تعبد، اختلف الفقهاء فيما لو اتفق أن مر بين يدي المصلي شيطان حقيقى. هل يقطع الصلاة أم لا؟ «4» على وجهين: أحدهما: يقطعها «5»، لمقتضى تعليله أن/ الكلب الأسود شيطان. والثاني: لا. لأنا لا نعقل ما معنى شيطنته فهو إذن تعبد نتلقاه بالتسليم. والتعبدية «6» فرع المعقولية، وحيث لا معقولية فلا تعبدية «7». وذكر عن ابن قتيبة «8» في مختلف الحديث قال «9»:" وقد رخّص في

_ (1) فى (أ): عليها. (2) بها: سقطت من (أ). والكلام في معالم السنن بهامش سنن أبي داود (2/ 57) وقد نقله المؤلف بمعناه. (3) في (أ):" والاختلاف في أنها معقول المعنى". (4) أم لا: سقطت من (أ). (5) في (أ): يقضيها. (6) في (م): والتعدية. (7) في (أ)، (م): فلا تعدية. وما أثبته من (ش). (8) تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 177. (9) تأويل مختلف الحديث ص 34 - 35.

الكذب في الحرب لأنه «1» خدعة، وفى الإصلاح «2» بين الناس، وفي إرضاء الرجل أهله، ورخص «3» أن يوري في يمينه إلى شيء، إذا ظلم، أو خاف على نفسه. والتورية: أن ينوي غير ما نوى مستحلفه: ... وجاءت الرخصة في المعاريض وقيل:" إن فيها مندوحة عن الكذب" «4». قلت: هذه أحكام صحيحة في الإسلام. وقد سبق الكلام على أنواع الكذب «5». وأما التورية والمعاريض فكما قال إبراهيم عن زوجته: إنها أختي. وعني باعتبار الأب الأبعد، أو في الإسلام. وكذلك إسحاق. وفي الحديث النبوي الصحيح قال:" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات" ما حل «6» بهن عن دين الله. ذكر قوله عن زوجته:" إنها أختي" وقوله لقومه:" إني سقيم" أي سأسقم. وقوله: «بل فعله كبيرهم هذا» «7» وهذه معاريض وسماها كذبا مجازا.

_ (1) في تأويل مختلف الحديث: لأنها. وهو الأصح. (2) فى (م): وفي الاصطلاع. (3) في تأويل مختلف الحديث: ورخص له. (4) مثل يضرب في هذا المعنى. قاله عمران بن حصين- رضي الله عنه-، ونصه:" إن في المعارض لمندوحة عن الكذب" اهـ. [مجمع الأمثال 1/ 13]. وجعله البخاري عنوانا لما ورد في معناه من النصوص، فقال:" باب المعاريض مندوحة عن الكذب". وذكره الطبري فى تهذيب الآثار (1/ 121) أنه من قول عمر بن الخطاب. والله أعلم بالصواب. (5) انظر ص: 679 من هذا الكتاب. (6) ما حل: أي دافع وجادل ومن معانيه: المكر بالحق [انظر: لسان العرب 11/ 619، وإكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 596] (7) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب واتخذ الله إبراهيم خليلا، ومسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم، حديث 154، وأبو داود في كتاب الطلاق باب في الرجل يقول لامرأته" يا أختي"، والترمذي في تفسير سورة الأنبياء، وأحمد في المسند (2/ 403) ولم يذكره المؤلف بأحد ألفاظهم. إنما ذكره بمعناه.

[جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك]

[جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك] قال:" حديث يكذبه النظر، والخبر:" إن الشمس تطلع على قرني شيطان فلا تصلوا لطلوعها «1» " فجعلوا للشيطان قرونا تبلغ «2» إلى السماء وجعلوا الشمس التي هي مثل الأرض مرات تجري بين قرنيه، وهم مع هذا يزعمون أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فهو في هذه الحال ألطف من كل شيء وفي تلك الحال أعظم من كل شيء، وجعلوا علة ترك الصلاة، في وقت طلوع الشمس طلوعها من بين قرنيه، وما على المصلي لله إذا/ خرجت الشمس بين قرني الشيطان؟ وما في هذا مما يمنع من الصلاة لله؟. قلت: الجواب عن هذا الحديث قد سبق «3»، لكنه لم يوجه السؤال منه هناك كما وجهه هاهنا فيحتاج أن نعيده فنقول: الجواب من وجوه: أحدها: ما ذكر عن" إبراهيم الحربي «4» " وحسبك به إماما في معرفة

_ (1) انظر تخريجه في هامش ص: 688 من هذا الكتاب. (2) فى (أ): فبلغ. (3) انظر ص: 689 من هذا الكتاب. (4) أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير الحربي، سمي بذلك لأنه جاوز قنطرة العتيقة من الحربية، وهو من تلاميذ الإمام أحمد، كان إماما في العلوم، زاهدا في الدنيا، كان يقول: من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه ويقول: ما شكوت لأحد قط حمّى، وكان برأسي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحدا قط، لي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت به أحدا، توفي سنة خمس وثمانين ومائتين للهجرة ببغداد، وكان قبره ظاهرا يتبرك به الناس وهذا من ضلال القبوريين. [انظر صفة الصفوة 2/ 405 - 410، وسير أعلام النبلاء 13/ 356 - 372].

الحديث ومعانيه- قال:" هذا تمثيل أي حينئذ يتحرك/ الشيطان ويتسلط، يعني حيث يرى الكفار قد أشركوا/ بالله وسجدوا للشمس في الشرق والغرب، وهم المراد بقرنيه" قال:" كذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أي يتسلط عليه، فيوسوس له، لا أنه يدخل جوفه" «1». الوجه الثاني: جواب مفصل: قوله:" جعلوا للشيطان قرونا تبلغ إلى السماء". أما جعل القرون له فمبني على جسميته وقد أثبتناها قبل هذا، وإن كانت مادته لطيفة. وعندكم «2» أن الملائكة منهم على صور البقر وعلى صور الأسد، وعلى صور النسور وعلى صور الناس. وإذا جاز هذا في الملائكة كان في الشياطين أجوز، لأن الجميع مشترك في التجرد عن المادة عند الفلاسفة «3» وفي لطافتها عندنا. وأما كون قرونه تبلغ إلى السماء فلم نقل به، ولا هو لازم لقولنا، بل يجوز في رأي العين أن تخرج الشمس بين جبلين، بل أكمتين، بل جدارين صغيرين بل انسانين بل من بين قرني ثور متباعدين قليلا، كما تقرر في قوله «4»: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «5».

_ (1) لم أجد هذا القول في كتاب الحربي: غريب الحديث، فلعله من أقواله التي سمعت منه ولم يذكرها في كتابه، أو فيما لم يطبع منه أو أنه ليس من قول الحربي، لأن المؤلف ليس جاز ما في نسبته له. وقد ذكر الخطابي نحوه في غريب الحديث (1/ 725 - 726). (2) في (ش)، (م): وعندنا. (3) انظر هامش ص 411، وص 439 من هذا الكتاب. (4) انظر ص: 360 - 364 من هذا الكتاب. (5) في (ش)، (أ):" حامية" والآية في سورة الكهف: 86.

قوله:" وهم مع ذلك يزعمون: أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم". قلنا: نعم ولذلك توجيهان: أحدهما:/ أن الشياطين كثيرة فالذي يجري من ابن آدم مجرى الدم هو قرينه الملازم له، كما سبق في قوله- عليه السلام-:" ما منكم أحد إلا معه شيطان «1» ". والذي تطلع الشمس بين قرينه شيطان آخر أكبر منه، فإن جنود إبليس كثيرون على أنواع وصفات مختلفة بينهم في أشغاله ومهامه، ولا يمتنع أنه يبعث بعض سحرة الشياطين العظيمي الخلقة أو غيرهم، فيقارن الشمس ويزينها في أعين الكفار بزينة صنم أو آلهة على جهة الشعبذة والتخييل فيسجدون لها لزينتها في أعينهم فإنا قد علمنا في بني آدم من يأتي من التخييلات بما لا يشك الرائي في ثبوته في الأعيان، وهو سيماء «2» وتخييل، لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي خيالات ذهنية تغلب وتقوى وتستولي حتى تغلب الأحكام الخارجية، فيبقى الإنسان كأنه نائم يقظان، وقد علم هذا بفعل سحرة فرعون حيث خيلوا أن حبالهم حيات تسعى. الوجه الثاني: أن مادة الشيطان لطيفة، وقد جعل له من القابلية، والقوة ما أنه/ يتشكل في أشكال مختلفة ويتصور في صور متباينة، فإن سلمنا أن الشيطان المقارن للشمس هو الجاري من ابن آدم مجرى الدم وأنه كبير عظيم هائل الخلقة،

_ (1) سبق تخريجه في هامش ص: 432 من هذا الكتاب. (2) السيماء أو السيمياء مثل الكيمياء وهو علم ظني معروف [لسان العرب 12/ 530].

فلا يمتنع أن يكون يتشكل عند مقارنتها بشكل عظيم وعند جريانه من ابن آدم بشكل صغير كما قرره" ابن الأشل" مطران" حمص"- وهو من فضلاء النصارى- في أن خالق السموات والأرض ظهر لإبراهيم في صورة كبش، ولإسرائيل في صورة رجل صارعه إلى الصبح ولموسى في صورة نار في عليقة «1» وظهر للناس في صورة/ المسيح فهذا- وإن كنا ننكره عليكم- لكنه يلزمكم لتجويزكم إياه أو بعضكم ممن هو موافق لكم على مقالتكم أو بعضها، فما ذكرناه في الشيطان أولى بالجواز، وأما الملائكة، فثبت ذلك فيهم في دين الإسلام فملك الموت: الدنيا بين عينيه كدارة درهم «2»، ثم إنه جاء إلى موسى في صورة رجل فأراد قبض روحه،

_ (1) العليق: نبات يتعلق بالشجر ويلتوي عليه. وقيل: شجر من شجر الشوك لا يعظم، وإذا نشب فيه شيء لم يكد يتخلص من كثرة شوكه وشوكه حجز شداد. ولذلك سمي عليقا. وزعم بعض الناس أنها الشجرة التي آنس الله موسى عليه السلام فيها النار وليس مع أحد دليل قاطع بذلك والله أعلم. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 4/ 38، ولسان العرب 10/ 265، ومختار الصحاح ص: 450]. (2) لم أجد هذا الأثر فيما اطلعت عليه من كتب السنة، ولكن وجدت عند السيوطي في كتابه الحبائك في أخبار الملائك ص 42 - 43، عددا من الأخبار قريبة المعنى بهذا ومنها ما أخرجه عن ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في العظمة، وفيه:" ... فقال يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب ووقع الوباء بأرض والتقى الزحفان فكيف تصنع قال أدعو الأرواح بإذن الله فتكون بين إصبعي هاتين. قال: ودحيت له الأرض فتركت مثل الطست يتناول منها حيث يشاء" والذي يظهر أنه وكل الآثار في ذلك من الإسرائيليات المردودة. والله أعلم.

ففقأ موسى عينه «1»، وجبريل تراءى للنبي- صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب «2». ثم كان يأتيه بعد ذلك في صورة دحية الكلبي «3» - رجل أعرابي-/ وجاءه مرة في صورة شاب أبيض الثياب، يسأله عن معالم الدين

_ (1) أخرج مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى- عليه السلام- حديث 157، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:" أرسل الله ملك الموت إلى موسى- عليه السلام-، فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت. قال فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال أي رب! ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية الحجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلو كنت ثمّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر). وأخرجه كذلك البخاري في كتاب الجنائز، باب من أحب أن يدفن في الأرض المقدسة أو نحوها، وفي الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد، وأخرجه النسائي في آخر الجنائز. وأحمد في المسند (2/ 315، 351، 355). (2) أخرج البخاري في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم" آمين" والملائكة في السماء ... ، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:" من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق" وأخرجه مسلم بنحوه في الأيمان، باب معنى قول الله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ... [النجم: 13]، حديث 287، 290، والترمذي في تفسير سورة النجم، بألفاظ متعددة. وأحمد في المسند (1/ 395) ولفظه:" رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جبريل في صورته وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق ... " وفي (1/ 407) بمعنى ألفاظ البخاري ومسلم والترمذي، وفي الموضوع أحاديث كثيرة غير هذه. (3) ترجمته في هامش ص 529، وقصة مجيء جبريل بصورته في صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء ... ، حديث 271، عن جابر:" ... ورأيت جبريل عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية، وفي رواية:" حبة بن خليفة" وفي مسند أحمد (3/ 334) بلفظ مسلم وفي (2/ 107) عن ابن عمر بلفظ:" ... وكان جبريل يأتي النبي- صلى الله عليه وسلم- في صورة دحية".

ليتعلمها المسلمون «1». ثم هذا مما لا يمتنع عقلا أن تكون المادة منطبعة لطيفة تقبل توارد الأشكال عليها، كبندقة شمع «2»، إن شئت صورتها فرسا أو فيلا أو خنزيرا أو شجرة، كبيرا ذلك أو صغيرا، وكالنور والماء إذا وجدا محلا فسيحا انبسطا فيه كشعاع الشمس في الفضاء، والماء في البحار، وإذا اكتنفتهما الأجرام الكثيفة انقبضا كالنور في كوة البيت «3»، يرى دقيقا ضئيلا، والماء في ساقية الدولاب «4»، وأنبوب القصب «5» ونحوه يرى دقيقا قليلا. فهذا أنهى ما تصل إليه عقول البشر «6» في هذا من التقريب والتمثيل ووراء ذلك أمر لا يرام جليل.

_ (1) تمثل جبريل- عليه السلام- بصورة رجل أعرابي أو في صورة رجل من المسلمين، أو في صورة شاب أبيض الثياب. جاء في أحاديث متعددة منها: ما أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان، وعلم الساعة ... ، ومسلم في كتاب الإيمان، الحديث الأول والخامس والسابع منه، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في وصف جبريل- عليه السلام- للنبي- صلى الله عليه وسلم الإيمان والإسلام، والنسائي في كتاب الإيمان وشرائعه، باب صفة الإيمان والإسلام، وابن ماجه في المقدمة، باب الإيمان، وأحمد في المسند (1/ 27، 51، 52) وفي (2/ 426) وفي (4/ 129، 164). (2) بندق شمع: البندق الذي يرمى به، والشمع: الّذي يستصبح به، أو المزاح واللعب. [انظر لسان العرب 10/ 29، 8/ 186، والمصباح المنير 1/ 382]. (3) الكوة: الثقب والفتحة في حائط البيت. [انظر المصباح المنير 2/ 660 ومختار الصحاح ص: 585]. (4) الدولاب: المنجنون التي تديرها الدابة، ويستقى به الماء، وهي فارسية معربة. [انظر المصباح 1/ 236، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 106]. (5) القصب: كل نبات يكون ساقه أنابيب وكعوبا. وكل عظم أجوف فيه مخ، وأنابيب من جوهر. [انظر المصباح المنير 2/ 608، ومنال الطالب ص 207، ومختار الصحاح ص 536]. (6) في (ش): النبيين.

[النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات]

الوجه الثالث: ما سبق من قول الخطابي «1»: أن قوله:" بين قرني الشيطان" من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد بمعانيها، ويجب علينا التصديق بها، والوقوف عند الإقرار بأحكامها، والعمل بها يعني التسليم المحض والتقليد الصرف/- بناء على ما سبق «2» من قول" أرسطو" وغيره «3»:" إن عقولنا عند أحكام المبادي الأولى «4» كالخفاش عند شعاع الشمس". قوله:" جعلوا علة ترك الصلاة لله: طلوع/ الشمس بين قرني الشيطان وليس مناسب". [النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات] قلنا: قد سبق جواب هذا بأن من أصول شريعة الإسلام المبالغة في خلاف الكفار، فيما لم يرد شرعنا بوقفه، حتى في «5» التشبه بهم ولو أدنى مشابهة ولا شك أن عند طلوع الشمس يسجد لها الكفار فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لهم. قلت: وهذا سؤال يورده المسلمون على هذا الحديث ومع التحقيق لا جواب عنه إلا بنسبه إلى التعبد المتلقى بالقبول. وذلك لأنا لا نجد سببا ظاهرا نعلل به منع الصلاة عند طلوع الشمس إلا ما ذكرناه من مشابهة الكفار لكنه يعارض بأن في الصلاة حينئذ مخالفة للشيطان وحزبه ومراغمة لهم أشد من التشبه بهم.

_ (1) انظر ص: 687 - 689 من هذا الكتاب. (2) انظر ص: 237 - 239 من هذا الكتاب. (3) في (أ): أو غيره. (4) في (أ): الأول. (5) في (أ): حتى مات في التشبه بهم.

وقد حكي في مناقب" معروف الكرخي «1» " أنه كان يمر عليه اليهود، يوم السبت إلى" الكنيسة" فقال في نفسه: إن هؤلاء يكفرون بالله في هذا اليوم كفرا عظيما، فلأخالفنهم بأن أقطع هذا اليوم بالصلاة والصوم فجازاه الله على ذلك بأن جعل زيارته يوم السبت، فيهرع إلى ضريحه خلق عظيم فيه على الخصوص «2». ولأن وفاق الكفار بالصلاة عند طلوع الشمس بالصورة الفعلية وخلافهم بالقصد والنية لأنهم يعبدون الشمس ونحن نعبد الله وقد قال الله تعالى «3»:

_ (1) أبو محفوظ: معروف بن فيروز الكرخي الزاهد المتصوف، من موالي علي بن موسى الرضي الكاظم. ولد في كرخ ببغداد، ونشأ بها، وكان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدبهم فكان المؤدب يقول: قل إن الله ثالث ثلاثة. فيقول معروف: بل هو الواحد، فيضربه المؤدب ضربا شديدا ويصيح معروف: أحد أحد. حتى ضربه يوما ضربا عظيما فهرب على وجهه. فكانت أمه تبكي وتقول: لئن رد الله عليّ ابني معروفا لأتبعنه على أي دين كان. فقدم معروف بعد سنين فسألته أمه عن دينه فقال: الإسلام. فأسلمت وأسلم أبوه وإخوته. توفي- رحمه الله- ببغداد سنة مائتين وقيل غير ذلك. [انظر تاريخ بغداد 13/ 199، وسير أعلام النبلاء 9/ 339، وصفة الصفوة 2/ 318، وشذرات الذهب 1/ 360]. (2) لم أعثر على هذه المنقبة فيما بين يدي من المراجع، لكن لعل الطوفي نقلها مما كتبه ابن الجوزي في مناقب معروف فقد كتب في ذلك أربع كراريس. [انظر سير أعلام النبلاء 9/ 343]. قلت: زيارة قبر معروف يوم السبت ليست منقبة له لأن زيارة قبور الصالحين للتبرك بها غير جائزة وهي فعل مذموم إلا إذا كانت الزيارة للاتعاظ والاعتبار وتذكر الموت وتذكر جهاد الصالحين منهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده والسلام عليهم والدعاء لهم. أما قصد القبور لغير ذلك فلا يجوز. والله أعلم. (3) عبارة:" لأنهم يعبدون ... قال الله تعالى" كررها الناسخ بعد قوله تعالى" ولا للقمر".

وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ ولا لِلْقَمَرِ واسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) «1». فالاعتبار هنا «2» بالقصد والنية، لا بالمشابهة الصورية «3». فإن قيل: لما تعارض عندنا مفسدة المشابهة، ومصلحة المراغمة غلب الشارع جانب مفسدة المشابهة لأن الخطاب كان في صدر الإسلام والقوم «4» قريبو عهد بالجاهلية. فمنعهم من الصلاة حينئذ تنفيرا عن المشابهة، مبالغة في تكريه الكفر

_ (1) سورة فصلت، آية: 37. (2) فى (م): ها. (3) قلت: الأولى الجمع بين الأمرين: القصد والنية، والمشابهة الصورية والجمع بين الحكمة التعبدية وعدم مشابهة الكفار لما في قول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى طلوع الشمس حتى ترتفع. فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان. وحينئذ يسجد لها الكفار. ثم صل. فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح. ثم اقصر عن الصلاة. فإن حينئذ تسجر جهنم. فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر. ثم اقصر عن الصلاة حين تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار". [أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب إسلام عمرو بن عبسة، حديث 294، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة" التطوع" باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، حديث رقم 1277، والنسائي في كتاب المواقيت باب النهي عن الصلاة بعد العصر، وأحمد في المسند (4/ 111، 112، 385]. وهذا لفظ مسلم. (4) فى (أ): والقوة.

وشعاره إليهم، ثم صار «1» ذلك سنة متبعة، كالرمل «2» زالت حكمته السببية وبقيت صورته السنية. قلنا: جوابه من وجهين: أحدهما: أن تنفيرهم من الكفر وتكريهه إليهم/ بأمرهم بمراغمته ومناقضة أهله بعبادة الله «3» عبادة أبلغ. الثاني: أن ذلك منقوض بصلاة الفرض. فإنه أجازها لهم، وهي جائزة بالاجماع في تلك الأوقات المنهي عن التطوع فيها. مع أن مشابهة الكفار الصورية موجودة «4» / فإن قيل: الفرض واجب فلا يترك حق لباطل «5» قلنا: والتطوع مندوب فلا يترك حق لباطل، وخصيصة الوجوب لا تصلح فارقا فبان بهذا البحث والتقرير: أن هذا الحكم وأمثاله مما يتلقى عن الشرع بالقبول ولا يصادم بتصرفات العقول، ولا شك أن دين الإسلام مشتمل على الأحكام التعبدية والمعقولة «6» العلية كما قررته في" القواعد الصغرى" وبنيت الحكمة فيه على الوجه الأجل.

_ (1) فى (م):" وشعاره، لكنهم بمرصاد ذلك ... ". (2) الرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطا دون الوثوب والعدو، وهو الخبب. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 128]. (3) في (ش)، (م):" بعبادة الله حين عبادة غيره أبلغ". (4) في (م): موجودية، وفي (ش): لموجودة. (5) في (أ): الباطل. (6) في (ش): المعقولية.

[إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه]

[إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه] وذكر حديث أبي هريرة وأبي ذر:" من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هروله «1» ". قلت: ووجه سؤاله منه: أن ظاهره/ التجسيم. قلت: وقد سبق تقرير قاعدة هذه الأحاديث. ثم الجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمير «2» قريب من فلان يعنى تقارب القلوب والمنزلة «3»، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن

_ (1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] ... وباب ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- وروايته عن ربه، وأخرجه مسلم في كتاب الذكر، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، حديث 20، 21، 22، وفي أول كتاب التوبة حديث 1 وأخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب حسن الظن بالله، وابن ماجه في كتاب الأدب، باب فضل العمل، وأحمد في المسند (2/ 413، 480، 482، 509، 524، 534) وفي مواضع أخرى. (2) فى (أ): والأمر. (3) هذا ما ذهب إليه النووي في شرح صحيح مسلم 17/ 2، بل ذهب إلى أنه تستحيل إرادة الظاهر، وابن حجر في الفتح (13/ 513) وغيرهما من العلماء الذين وافقوا الأشاعرة في تأويل هذه الصفة: والذي عليه أهل السنة أن الصفة لا تنفك عن الذات-

المجاز «1» عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد «2». وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن النصوص في الصفات من حيث السند على ثلاث طبقات: صحيح مجمع على صحته بين أهل النقل، وضعيف متفق على ضعفه، ومختلف في صحته.

_ - فقرب الرحمة من العباد معناه أنه سبحانه قريب بذاته وصفته، كما أنه سبحانه ينزل في الثلث الأخير من الليل، ويدنو من أهل عرفة عشية عرفة، وكل ذلك على ما يليق به سبحانه وتعالى ولا يلزم منه خلو عرشه سبحانه، ولا اتحاده بهم ولا مخالطته لهم ولا يعلو شيء من المخلوقات عليه بل مع نزوله أو قربه لا ينفك عن كمال علوه ومعلوم أنه لا يلزم في حق الرب وصفاته ما يلزم في حق العباد بصفاتهم، ومثال الطوفي غير مسلم فلا يلزم من قولنا: فلان قريب من السلطان: تقارب القلوب، وتقارب القلوب مما لا يظهر لنا نحن المخلوقين لكن إذا قلنا: فلان قريب من السلطان فإنه يتبادر إلى الأذهان تقارب الذوات، والله قريب من العبد المؤمن بلطفه وإحسانه ورحمته وذاته على ما يليق به سبحانه. [انظر للاستزادة: مختصر الصواعق المرسلة 2/ 265 - 273، ومجموع فتاوى ابن تيمية 5/ 226 - 513]. (1) فى (م): المختار. (2) هذا بناء على ظن أن التقرب والهرولة قطع المسافة كما هو الحال في حق المخلوقين، والحديث يدل بظاهره على تقرب الله من عبده الصالح ليس بقطع المسافة بدليل أنه ذكر مقابلة مشي العبد وتقربه بأنواع العبادة والقرب وليس ذلك بقطع المسافة إلى الله. فهو تعبير عن قرب الله إلى عبده وتقرب العبد إلى ربه فهو قريب سبحانه ممن تقرب إليه بالدعاء وغيره من الطاعات.

فالأول مما تثبت «1» به الصفات، والآخرين لا يعول عليهما في ذلك، في وقت من الأوقات «2». ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن على ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران. فالأول: كحديث الساق «3» والقدم «4» والأصابع «5» ونحوه فهذه إرادة المجاز فيها مرجوحة فحكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري- جل جلاله- ولا يلزمنا تعيين كيفيتها كذاته سبحانه أثبتنا وجودها ونحن عن تفاصيل أحكامها بمعزل، والثاني: كهذا الحديث قوله:" من تقرب مني تقربت منه" وقوله:" قلوب

_ (1) في (ش): ثبت. (2) قلت: ما اختلف في صحته يتوقف فيه حتى تعرف صحته أو ضعفه فما تبينت صحته عولنا عليه في باب الصفات، وما عرف ضعفه لم نعول عليه في شيء من ذلك والله أعلم. (3) أخرج البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (22) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: 22 - 23] عن أبي سعيد في حديث طويل:" ... فيأتيهم الجبار في صورة غير صورتة التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟ فيقولون: الساق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ... " اهـ. (4) أخرج البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته عن أنس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط. وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض". وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب الجنة باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء. حديث 37، والترمذي في تفسير سورة (ق)، وأحمد في (2/ 369، 507)، (3/ 13). (5) سيأتي ذكر حديث الأصابع وتخريجه قريبا- إن شاء الله-.

الخلق بين اصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء «1» " و" الحجر الأسود يمين الله فى الأرض «2» " وقوله:" ساعد الله أشد" وموسى الله أحد «3» " ونحوه. فإن المجاز فيه راجح وحكمه: التأويل على ما ترجح فيه «4»، كقوله: ويَبْقى وَجْهُ

_ (1) أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، حديث 17، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول:" إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" وأخرجه الترمذي في القدر، باب ما جاء أن القلوب بين اصبعي الرحمن، بنحو لفظ الطوفي، وفي كتاب الدعوات، باب 90 بترقيم إبراهيم عطوة بغير اللفظين، وابن ماجه في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، وأحمد في المسند (2/ 168، 173) وفى (6/ 251، 302، 315) بألفاظ مختلفة. والحديث فيه إثبات الأصابع لله على ما يليق به كما تقدم فى قول الطوفي قريبا. (2) رواه الطبراني في معجمه، وابن عدي وابن خلاد وغيرهم، وذكره ابن الجوزي في العلل وقال:" حديث لا يصح" والعجلوني في كشف الخفاء، وقال: موقوف على ابن عباس، والألباني في الضعيفة، وبين وجه ضعفه وأقوال أهل الحديث في سنده. وقد أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 457) وابن خزيمة في صحيحه بلفظ:" يأتي الركن اليماني يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان يتكلم عمن استلمه بالنية، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه" وقال الذهبي فى التلخيص:" في سنده عبد الله بن المؤمل: واه". [انظر العلل المتناهية 2/ 575 - 576، وكشف الخفاء 1/ 417، ومجموع فتاوى ابن تيمية 6/ 397، 580، والترغيب والترهيب 3/ 31، وسلسلة الأحاديث الضعيفة 1/ 257]. (3) انظر هامش ص 127 من قسم الدراسة. (4) بيّنت في قسم الدراسة ص 125 وما بعدها أنه لا مجاز في هذه الأحاديث، وأن حكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري سبحانه. ولا ندرك كيفيتها فالحديث الأول قد سبق الكلام عنه قريبا، وأما حديث" الحجر الأسود يمين الله" فهو ضعيف لا يحتج به ولو صح ففيه من القرائن ما يصرفه عن ظاهره. أما حديث:" قلوب الخلق بين اصبعين من أصابع الرحمن" فلا يلزم منه المماسة-

رَبِّكَ ... (27) «1» فإنه متردد «2» بين الصفة الوجيهة اللائقة بمنصب الإلهية/ وبين/ الرتبة الجاهية الراجعة إلى العظمة الذاتية فحكم مثل هذا راجع إلى ترجيح المجتهد في أحكام العقائد فإن غالب مسائلها من هذا وأشباهه اجتهادية لكنها أعلى رتبة من مسائل الفروع فهذا هو الطريق الذي أراه قصدا بين الإفراط والتفريط سالما من الخبط والتخليط واللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ.

_ - كما أن السحاب بين السماء والأرض من غير مماسة فليس فيه ما يوجب التأويل واعتبار المجاز. أما حديث:" ساعد الله أشد ... " فإنه يتضح من سبب الحديث وهو ما أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 136 - 137) عن أبي الأحوص عن أبيه قال:" أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فصعّد فيّ النظر وصوّب وقال أرب إبل أو رب غنم؟ قال من كل قد آتاني الله فأكثر وأطيب، قال فتنتجها وافية أعينها وآذاها فتجدع هذه فتقول صرماء. ثم تكلم سفيان بكلمة لم أفهمها- وتقول: بحيرة الله فساعد الله أشد وموساه أحد، ولو شاء أن يأتيك بها صرماء أتاك ... " الحديث. قال البنا: رجاله ثقات، وقال في شرحه: " معناه: لو شاء الله أن يخلقها ناقصة الأذن أو مشقوقتها لفعل، ولكنه خلقها كاملة الأعضاء فلا يجوز أن تعمد إلى تشويهها وقطع عضو منها. وهذا موضع الدلالة من الحديث"، [الفتح الرباني 16/ 29]. قلت: فلو أثبتنا له سبحانه ساعدا على ما يليق بجلاله كما أثبتنا له يدا" ورجلا وعينا" ... فلا محذور في ذلك خاصة وقد ثبت النص بذلك أما قوله:" موساه أحد ... " فهو على المعنى المتقدم عند البناء. والله أعلم. (1) سورة الرحمن، آية: 27. (2) فى (أ):" منزل ددبين".

[حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده]

الوجه الثاني: أنه قد ثبت في التوراة أن آدم لما أكل من الشجرة انفتحت عينه وبان له أنه عريان فاستتر بالشجر وجعل يخصف عليه الورق وسمع «1» حس الله يمشي في الجنة فاختفى منه فقال له، الله الرب: ما لك يا آدم؟ قال: أنا عريان أستحي منك وسمعت حسك تمشي فاستحيت/ فقال:" لعلك أكلت من شجرة معرفة الخير والشر؟ قال: نعم" «2»، وقد سبق ذلك «3». فهذا تصريح بأن الله يمشي والمجاز فيه مرجوح جدا، فما تنكر «4» علينا من حديث المجاز فيه راجح جدا، هذا ما هو إلا عناد ولو وقع لارتفع الخلاف. [حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده] قال: وفى حديث أبي هريرة:" من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا «5» غفر له ما تقدم من ذنبه «6» " وذكر حديث:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا «7» غفر له

_ (1) في (أ): وشمع. (2) انظر سفر التكوين، الأصحاح الثاني. (3) «وقد سبق ذلك» ليست في (ش). (4) في (أ): ينكر. (5) في (أ): واحتشاما. (6) أخرجه البخاري في أول فضل ليلة القدر، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، حديث: 175، 176. (7) في (أ): واحتساما.

ما تقدم من ذنبه «1» "، وقوله:" إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فمن وافق تأمينه تامين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه «2» " وحديث سلمان:" من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر" الحديث إلى قوله:" غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى «3» " وقوله:" حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده «4» " وحديث أبي عبس: «5» " سمعت النبي يقول:" من

_ (1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا، وفي أول فضل ليلة القدر، وفي أول التراويح. ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح، حديث 175، 176، والترمذي فى أول باب في الصوم والنسائي في الصيام، باب ثواب من قام رمضان وصامه ... ، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، وأحمد في المسند (2/ 289، 503). (2) أخرجه البخاري في كتاب الأذان. باب جهر الإمام بالتأمين (111)، وفي كتاب الدعوات، باب التأمين، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين، حديث 72، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب التأمين وراء الإمام، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل التأمين، والنسائي في كتاب الافتتاح، باب جهر الإمام بالتأمين، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب الجهر بآمين، وأحمد في المسند (2/ 238، 459). (3) أخرجه البخاري فى كتاب الجمعة، باب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة (19) والدارمي فى الصلاة، باب فضل الجمعة والغسل والطيب فيها، وابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء فى الزينة يوم الجمعة، وقال في الزوائد:" إسناده صحيح، ورجاله ثقات"، وأحمد بمعناه في المسند (3/ 81)، (5/ 181، 198، 420). (4) أخرجه البخاري في الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان؟، ومسلم في كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، حديث: 9، وأحمد في المسند (2/ 342). (5) هو الصحابي أبو عبس: عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد الأوسي الحارثي، المدني البدري. مات سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان- رضي الله عنه- وصلى عليه. يقال: إنه كان فيمن قتل كعب بن الأشرف. [انظر الإصابة 2/ 394، ت (95096)، 3/ 150، ت (880)، والاستيعاب 2/ 827].

اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه/ الله على النار «1» ". وقوله:" من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه «2» " وحديث أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبرني جبريل بالحرة، قال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: نعم». كررها ثلاثا «3»، حتى قال في الثالثة: (وإن شرب الخمر «4»).

_ (1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة (18)، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من اغبرت قدماه في سبيل الله، والنسائي في كتاب الجهاد، باب ثواب من اغبرت قدماه في سبيل الله، والدارمي في كتاب الجهاد، باب فضل الغبار في سبيل الله، وأحمد في المسند (3/ 379)، (5/ 225 - 226)، (6/ 444). (2) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، (94، وفي كتاب المحصر، باب قول الله فَلا رَفَثَ [البقرة: 197] (9)، وباب قول الله- عز وجل-: ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِ، وأخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، حديث: 437، والترمذي فى كتاب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة، حديث: 811، والنسائي في كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، وابن ماجه في كتاب المناسك، باب فضل الحج والعمرة، والدارمي في كتاب المناسك، باب في فضل الحج والعمرة، وأحمد في المسند (2/ 229، 248، 410، 484، 494). (3) أخرجه بألفاظ متعددة غير هذا اللفظ الإمام البخاري في مواضع متعددة من صحيحه منها: أول الجنائز، وكتاب اللباس، باب الثياب البيض، حديث: 5827، وكتاب الرقاق، باب المكثرون هم المقلون، ومسلم في كتاب الإيمان باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ... ، حديث: 153، 154 وفي كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة، حديث: 33، 34، والترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، حديث: 2644، وأحمد في مواضع من المسند منها (5/ 159، 161)، (6/ 442). (4) قوله: (وإن شرب الخمر) لم يخرج هذه الزيادة غير مسلم في الموضع السابق من الزكاة حديث: 33.

وذكر النصراني: في لفظ آخر للحديث" قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا سيدخل الجنة ولم «1» يدخل النار «2» " وقوله:" لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة «3» ". وقوله:" لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا،/ لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة «4» " وقوله:" من صلى البردين دخل الجنة «5» " وقوله:" من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين" الحديث إلى قوله:" كفرت عنه خطاياه «6» وإن كانت

_ (1) في صحيح البخاري:" أو لم يدخل النار". (2) هذا اللفظ أخرج نحوه البخاري. وسيأتي تخريجه. (3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب اختباء النبي دعوة الشفاعة لأمته، حديث: 334، 335، وله ألفاظ أخرى عنده في نفس الباب، والترمذي في الدعوات، باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، حديث: 3602، والدارمي في كتاب الرقائق، باب إن لكل نبي دعوة، وأحمد في مواضع من المسند منها (2/ 275، 381، 396) وله ألفاظ أخرى عنده. (4) هذا الحديث مؤخر في (ش) بعد الحديثين بعده. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحدة (68)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها حديث: 5، 6، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب في أسماء الله- عز وجل-، حديث: 3860، 3861. (5) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر (26)، ومسلم في كتاب المساجد، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، حديث: 215، والدارمي في كتاب الصلاة، باب فضل صلاة الغداة وصلاة العصر، وأحمد في المسند (4/ 80). (6) في صحيح مسلم ومسند أحمد:" غفرت خطاياه ... ".

مثل زبد البحر «1» " وقوله:" قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله. يبتغي بذلك وجه الله «2» ". ثم قال النصراني:" فقد ظهر أنه لم يوجد فيه شيء من الشروط الأربعة «3» التي ينبغي- ولا بد- أن توجد في النبي". قلت: سرد هذا «4» الخصم هذه الأحاديث، ولم يبين وجه سؤاله منها والذي فهمته من ذلك أنه أوردها إشكالا على وعد النبي أمته على الطاعات المذكورة مغفرة الذنب، ودخول الجنة، والتحريم على النار. إما استبعادا من هذا الخصم لذلك بناء على اعتقاده في المسلمين أنهم عنده كفار، أو على ما صح في السنة من دخول عصاة الأمة النار وإخراجهم بالرحمة والشفاعة، فيكون ذلك تناقضا في الأخبار «5».

_ (1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، حديث: 146، وأبو داود بغير هذا اللفظ في كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، حديث: 1504، والنسائي بنحوه في كتاب السهو، باب نوع آخر من التسبيح بعد الصلاة، وأحمد في المسند (2/ 371، 483) والبخاري بمعناه في كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح (65). (2) طرف من حديث أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت (46)، وفي كتاب التهجد، باب صلاة النوافل جماعة (36)، وفي كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله (6). (3) الصدق والطهارة والإعجاز وحسن الشريعة وكمالها. (4) هذا: سقطت من (أ). (5) قلت: ويجوز أن يكون مراده بذلك ما حكاه الله عنهم في قوله تعالى: وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [سورة البقرة: 111] فاليهود يدعون بأن لا يدخل الجنة إلا من كان يهوديا. والنصارى تقول لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

والجواب: أن هذه الأحاديث صحيحة وأحكامها ثابتة عندنا ولا/ مطعن فيها لطاعن. أما استبعاده لما وعدت به هذه الأمة بناء على سوء اعتقاده فيهم، فلا وجه له «1» إذ لا اعتبار به. إنما الاعتبار بالحجة. ثم هو معارض باستبعاد المسلمين ما يزعم النصارى: أن المسيح وعدهم به في قوله:" من عرفني وآمن بي كان معي عند أبي الذي في السموات «2» " ونحوه. فإن من آمن بالمسيح كإيمان النصارى/ به في أنه: الله، أو ابن الله فهو كافر عند المسلمين، خالد في النار، قد حرم الله عليه الجنة «3». فلم كان اعتبار أحد الاعتقادين أولى من الآخر؟. وأما دعواه التناقض فمردودة بأن هذه ظواهر وعمومات كانت في أول الإسلام وآخره قبل أن يكمل الإسلام وتتم أركانه وشروطه ومتقوماته. ثم لما كمل الإسلام صار غفران الذنوب ودخول الجنة والتحريم على النار متوقفا على كماله وتمامه، فمن أخل بجميع حقيقته كان كافرا، ومن أخل بشيء منه جوزي بحسبه، كما قال الزهري في قوله عليه السّلام «4»:" من قال لا إله إلا الله

_ (1) له: سقطت من (أ). (2) انظر انجيل يوحنا الأصحاح الثاني عشر. (3) قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ومَأْواهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [المائدة: 72] [المائدة: 72]، وقال تعالى: وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ... [التوبة: 30]. (4) «عليه السلام» زيادة من (ش).

حرمه الله على النار) «1»:" كان ذلك فى أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي «2» ". قلت: وقد قال بعض أهل العلم:" إن المراد تحريم الخلود لا تحريم الدخول «3» " جمعا بين الأحاديث. فأما اللفظ الذي ذكره وهو قوله:" من مات

_ (1) فى صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، حديث 53،" ما من عبد شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه على النار" اهـ، وفي صحيح البخاري كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم ... " 49":" ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار" اهـ. (2) وهو مروي عن جماعة منهم ابن المسيب- رحمه الله-[انظر شرح صحيح مسلم 1/ 219] ولكنه مردود بأنه مروي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- وصحبته متأخرة وكانت الفرائض قد فرضت كالصلاة والحج والزكاة لأن إسلامه كان بعد خيبر سنة سبع من الهجرة. [انظر شرح مسلم 1/ 220، وفتح الباري 1/ 226]. (3) انظر شرح صحيح مسلم 1/ 220، وفتح الباري 1/ 226. وقد ذكر العلماء وجوها وتأويلات أخرى غير ما تقدم، منها: أن ذلك خارج مخرج الغالب، إذ الغالب أن الموحد يعمل الطاعة ويجتنب المعصية. ومنها: أن المراد النار التي أعدت للكافرين لا الطبقة التي أفردت لعصاة الموحدين. ومنها: أن المراد بتحريمه على النار حرمة جملته لا تأكل مواضع السجود من المسلم كما ثبت في حديث الشفاعة أن ذلك محرم عليها. وكذا لسانه الناطق بالتوحيد. [فتح الباري 1/ 226 - 227]. قلت: يفسر هذا اللفظ الأحاديث الأخرى المشتملة على الصدق والإخلاص من قائلها. وتحريم النار على قائلها على حسب حاله عند الموت، فإن كان ذلك قبل نزول الفرائض فعلى ظاهر الحديث، وإن كان بعد نزول بعض الفرائض أو الفرائض وكمال الدين، فإن قوله لها لا بد أن يتبعه العمل بمقتضاها. وهو ما كلف به من الدين. والله أعلم بذلك.

لا يشرك بالله شيئا سيدخل الجنة ولم «1» يدخل النار" فهذه الزيادة لا نعرفها في شيء من دواوين «2» السنة، بل الذي صح في السنة: إثبات دخول الجنة لا نفي دخول النار «3»، ولا تنافي/ بينهما لجواز أن يدخل النار بمعصيته «4»، ثم يخرج منها فيدخل الجنة بطاعته «5»، كما تواترت به أحاديث الشفاعة تحقيقا لقول «6» الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «7». على أن هذا اللفظ إن صح وجب تأويله على أنه لم يدخل النار دخول خلود بخلاف المشركين فإنهم يدخلونها دخول خلود، وحينئذ رد الله كيد هذا الخصم، وتبين أن شروط النبوة الأربعة موجودة في محمد- صلى الله عليه وسلم-.

_ (1) في صحيح البخاري: أو لم يدخل ... (2) في (م): من داووين. (3) أخرج البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة حديث: 3222 عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة أو لم يدخل النار. قال: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن. قلت: فلا داعي لانكار هذا اللفظ من الحديث. ويمكن الجمع بين الأحاديث بأنه لا يدخل النار دخول خلود كما سيأتي. والله أعلم. (4) قال الله تعالى: وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ونَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا. [سورة مريم: 71، 72]. (5) في (ش)، (أ): فيدخل النار بطاعته. (6) في (ش)، (أ): لقوله تعالى. (7) سورة الزلزلة: 7 - 8.

[زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك]

[زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك] قال:" وينضم إلى ذلك فى حقه ما روى مسلم من حديث أبي هريرة قال: " زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي «1» " وقال:" جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم «2» - فقال: يا رسول الله: أين أبي؟ قال: «إن أبي وأباك في النار «3»». قلت: ولا محذور في هذا، فإن إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه- كان أبوه كافرا، ولأن من قاعدة الإسلام وغيره من الأديان «4» أن الكفار في النار، وأبوا «5» النبي كانا كافرين فحكم لهما بحكم الله فيهما. وهذا من أكبر الأدلة على صدقه لوجهين: أحدهما: أنه ظهر من قول كفار يدعو إلى الناموس الأعظم، فلو لم يكن صادقا لا تبع دين آبائه كغيره.

_ (1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي- صلى الله عليه وسلم- ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، حديث: 108، والنسائي فى كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك، وابن ماجة في الجنائز، باب ما جاء في زيارة قبور المشركين حديث 1572، وأحمد فى المسند (2/ 441). (2) صلى الله عليه وسلم: ليست فى (م)، (ش). (3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ... ، حديث: 347. (4) في (أ): من الأوثان. (5) في (أ): وأبو.

الثاني: أنه حكم لأبويه بالنار ولجده وعمه وكل قريب له، فلو لم يكن في غاية الصدق والأمانة والعدل حتى أنه يخبر بالحق على نفسه ولها لتعصب لقومه وقال: هم في الجنة ببركتي لاختصاصي عند ربي، وكان يصدق في ذلك كما صدق في غيره. قال: وقال أيضا:" ليت شعري ما فعل أبواي؟ فأنزل عليه «1»: ... ولا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «2». قلت: هذا إن صح فجوابه ما سبق قبله، لكنه لا يصح لسياق «3» الكلام وهو قوله تعالى في سياق ذم اليهود والنصارى والكفار:/ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً ولا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) بضم التاء «4» المثناة من تسأل على ما لم يسم فاعله، فهو معنى قوله: .. ولا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) «5» وقوله: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ولا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) «6» وقوله: ... فَإِنَّما عَلَيْهِ ما

_ (1) أخرجه الطبري في التفسير (1/ 516) من ثلاث طرق مرسلة، وذكر القرطبي في تفسيره (2/ 92) عن ابن عباس ومحمد بن كعب، وابن كثير في تفسيره أيضا (1/ 162) وقد تكلم العلماء في سند هذا الحديث. (2) سورة البقرة، آية: 119. (3) في (أ): اسباق، وفي (ش): لا يصح لنا والكلام. (4) هذه قراءة الجمهور، وقرأ بعضهم ولا تُسْئَلُ بفتح التاء. [انظر كتاب الإقناع في القراءات السبع 2/ 602، وتفسير ابن كثير 1/ 162]. (5) سورة البقرة، آية: 134، 141. (6) سورة سبأ. آية: 25.

[الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يعلم الغيب]

حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ... (54) «1» وقوله: ... إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «2» وقوله: ... ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ... (164) «3» ومعنى ذلك كله: أن عليك إنذارهم وليس عليك شيء من «4» عقابهم، كما قال: ... ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... (52) «5» وهذا عام فى جميع الكفار. نعم. قد قرئ لا تُسْئَلُ على النهي له عن السؤال،/ وهو محتمل لما ذكره هذا الخصم «6». والجواب عنه ما سبق. [الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بدّ أن يعلم الغيب] وذكر النصوص التي تضمنت أنه لا يعلم الغيب كقوله «7»: وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ ... (9) «8» وقوله: ... ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ... (188) «9».

_ (1) سورة النور، آية: 54. (2) سورة الرعد، آية: 7. (3) سورة الأنعام، آية: 164، وسورة الإسراء، آية: 15، وسورة فاطر، آية: 18، وسورة الزمر، آية: 7. (4) «شيء من» ليست في (ش). (5) سورة الأنعام، آية: 52. (6) انظر تفسير الطبري (1/ 515 - 516). وتفسير القرطبي (2/ 92)، وتفسير ابن كثير (1/ 162). (7) في (أ): لقوله. (8) سورة الأحقاف، آية: 9. (9) سورة الأعراف، آية: 188.

قال:" فأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لاجتلب الخير، واجتنب الشر، واستعد لكل أمر بما ينبغي له. وكقوله «1»: ... لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا ... (188) «2» وقوله: ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ... (31) «3» وقوله: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً (21) «4» وقول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون فقد أعظم الفرية على الله «5». والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ... (65) «6». قلت: هذا غير وارد بحمد الله- تعالى- فإن محمدا لم يدع أنه يعلم الغيب كله ولا أنه يعلم ما علم منه بنفسه، بل بإخبار الله له بذلك، كما قال الله سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) «7».

_ (1) في (ش)، (أ): لقوله. (2) سورة الأعراف، آية: 188. (3) سورة هود، آية: 31. (4) سورة الجن. آية: 21. (5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب معنى قول الله: ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 13] حديث: 287، والترمذي بنحوه في تفسير سورة الأنعام، حديث 3068. (6) سورة النمل، آية: 65. (7) سورة الجن. آية: 26.

وأما قول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون" فلا أعرف هذا اللفظ إنما المشهور من رواية الترمذي وغيره أنها قالت:" ومن زعم أن محمدا يعلم ما في غد «1» " والمعنى متقارب، وكلامها محمول على ما ذكرناه من التقييد، أي لا يعلم ما في غد ولا يخبر بما يكون من عند نفسه بل بإخبار الله له وهل كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا عبدا مأمورا «2»؟. ولم يكن إلها معبودا كما اعتقدتم في المسيح، ثم خفي عنكم ما تضمنه اعتقادكم الفاسد، من جهلكم المتزايد، فإن المسيح إن كان يعلم الغيب فكيف لم «3» يعلم أنه يؤخذ فيقتل،/ فيختفي عنهم، لئلا يقع في الصلب والقتل؟. فإن قلتم: كان يعلم ذلك لكن هو سلم نفسه ليفتدي الخلق من العذاب بنفسه. قلنا: نتابعكم على جهلكم في هذا، ونسلمه لكم، لكنه لما بات ليلة في الجبل ساهرا يصلي ويدعو أباه من الموت، ويعبر عنه كأسه.

_ (1) لفظ مسلم في الموضع المشار إليه سابقا:" قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ... " الحديث. (2) قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" [أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها [سورة مريم 16]. وأحمد فى المسند (1/ 23، 24، 55)]. (3) لم: سقطت من (م).

يرد عليكم إذ من يجود بنفسه هذا الجود، كيف يجزع هذا الجزع ويشح بنفسه هذا الشح، ويستسعد بالتلاميذ أن يساهروه، ويسألوا معه تعبير «1» كأس الموت عنه؟. سامحناكم في هذه، لكنه لو كان يعلم الغيب- كما زعمتم- فلا يخلو في سؤاله تعبير كأس الموت عنه، إما أن يكون علم أنه يجاب في سؤاله أو لا يجاب/ والأول باطل لوقوع الأمر بخلافه، فما علم الغيب في هذه القضية «2». والثاني: يوجب أن سؤاله كان عبثا لا يليق برعاع الناس فضلا عن الأنبياء على رأينا فيه. فضلا عن ابن الله أو الله، خالق السموات والأرض على رأيكم الفاسد فيه. ثم نقول لكم: من «3» من الأنبياء/ علم الغيب لذاته؟ آدم لما أخرج من الجنة؟ أو إبراهيم لما امتحن بذبح ولده؟ أو إسحاق لما أوهمه ابنه يعقوب أنه ابنه العيص، فأخذ بكوريته وجعل يخبر «4» في أمره، ويقول:" الصوت صوت يعقوب واللمس لمس العيص" «5»؟ أو يعقوب لما جرى ليوسف ما جرى وهو يظنه ميتا؟ أو موسى لما

_ (1) في (ش): للقضية. (2) في (م): في تعبير. (3) (أ):" لكم من الأنبياء". (4) في (أ):" يخير في أمره". وغير واضحة في (م). وما أثبته من (ش) ولعل الصواب يتحير. (5) في التراجم الحديثة:" عيسو" انظر سفر التكوين الأصحاح السابع والعشرين.

أرسل فرعون الذّبّاحين خلفه «1» ليقتلوه؟ فلو لم يبادر رجل مؤمن فأنذره حتى هرب لفات فيه الفائت. ما أقل عقل هؤلاء القوم الضلال، بل ما أقل من يتعجب من قلة عقولهم بعد ما يعلم منهم ما هم عليه. إنما الأنبياء عبيد الله يعلمهم ما لا يعلمون وما لا يعلمهموه لا يعلموه. قال:" وينضم إلى ذلك وعده للمسلمين يوم أحد بالنصر على عدوهم، فكان بخلاف ما أخبرهم. فقتلوا وهزموا وجرح هو وانكسرت رباعيته، ودخل حلق المغفر «2» في وجهه ثم لما تبين كذبه اعتذر إليهم بقوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وما ضَعُفُوا ومَا اسْتَكانُوا ... (146) «3» الآية. قال:" واعتذاره أقبح من خلف وعده، لأنه باطل. فإن الأنبياء المتقدمين على نوعين: أحدهما: جاءوا باللين والملاطفة والخشوع مثل حزقيال وارمياء وأشعياء ونحوهم لم يحاربوا أحدا، ولا خاصموه، بل أعداؤهم الكفار استضعفوهم فعذبوهم وقتلوهم ولم يقتل/ أحد منهم في حرب ولا قتل معه حبر.

_ (1) خلفه: ليست في (م). (2) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. [انظر لسان العرب 5/ 26، ومختار الصحاح ص 476 - 477]. (3) سورة آل عمران، آية: 146.

الثاني: جاءوا بالتأييد من عند الله، والظهور على الأعداء والقهر لهم فقمعوا المشركين، ولم يقتل أحد منهم في حرب ولا هزم يوما واحدا، ولا قتل معه ربي «1» ولا حبر مثل موسى وداود وسليمان". قال:" وأنت إذا تأملت أحوال/ محمد، علمت أنه ليس من أحد هذين النوعين، لأنه لم يأت بخشوع ولا خضوع فيكون من النوع الأول ولا أيد بمعجزة يقهر بها أعداءه فيكون من النوع الثاني. نعم. هو من النوع الذي حذر عنه سيدنا/ المسيح حيث قال في إنجيله الطاهر:" تحذروا عن الأنبياء الكذابين، الذين يأتونكم في لباس الضأن وهم في الباطن ذئاب خاطفة، ومن ثمراتهم تعرفونهم" «2». قلت: أما خروج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أحد فلم يكن منشرحا له، ولا اختاره بادئ الرأي. وإنما كان رأيه: أن يتحصن في المدينة فإن دخل العدو عليه قاتله بالسلاح والحجارة وإن بقي خارج المدينة بقي بشر، ولم يلق كيدا.

_ (1) الربي كالرباني: جمعه ربيون، والربيون الجماعات الكثيرة، ويقال: عشرة آلاف. ومنه قوله تعالى: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [سورة آل عمران: 146] قال القرطبي- رحمه الله-:" وقد روي عن ابن عباس بفتح الراء منسوب إلى الرب. قال الخليل: الرّبي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء. وهم الربانيون، نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى. [انظر مختار الصحاح ص 228، والمفردات في غريب القرآن ص 184، وتفسير القرطبي 4/ 230، وتفسير ابن عطية 3/ 255 - 256]. وسيأتي زيادة بيان بعد صفحات قليلة. (2) انظر إنجيل متى الأصحاح السابع.

لكن رجالا من المسلمين ممن لم يشهدوا بدرا تأسفوا على فوات حضورها فأشاروا بالخروج إلى أحد وألحوا على ذلك لما أراد الله لهم من الإكرام بالشهادة وتصديقا لرؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث رأى في منامه كأنه في درع حصينة، وكأن في سيفه فلولا، وكأن بقرا تذبح. فأول الدرع الحصينة بالمدينة، والفلول في سيفه بأنه يصاب أصحابه، والبقر بمن قتل من الكفار يومئذ «1». وأما وعده إياهم بالنصر فصحيح. وقد نصروا في أول الحرب وهزم الله الكفار، لكن لما خالف الرماة ما أمرهم به، وتركوا مراكزهم التي «2» وكلوا

_ (1) أخرج الدارمي في كتاب الرؤيا، باب في القمص والبير واللبن ... وغير ذلك في النوم. قال: أخبرنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا ينحر فأولت أن الدرع: المدينة، وأن البقر: نفر والله خير، ولو أقمنا بالمدينة، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم، فقالوا: والله ما دخلت علينا في الجاهلية، أفتدخل علينا في الإسلام، قال: فشأنكم إذا. وقالت الأنصار بعضها لبعض: رددنا على النبي صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاءوا فقالوا: يا رسول الله شأنك فقال: الآن إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن يضعه حتى يقاتل». قلت: ورجاله رجال الصحيح. وقد أخرجه أحمد بنحو هذا اللفظ في المسند (3/ 351)، ورجال إسناده رجال الصحيح أيضا. وأخرج أحمد في المسند (1/ 271) عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: «رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" اهـ. (2) في (م): للتى.

بحفظها وطلبوا «1» الغنيمة من أموال المشركين، عاقبهم الله بالمخالفة فخرج عليهم الكمين فنال منهم ما نال «2». وقد شرح الله هذه القصة في القرآن حيث يقول: ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ - أي تقتلونهم «3» - بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ الآيات «4». فقد صدقهم في/ الوعد لكنهم خالفوا فعوقبوا بذنبهم. ثم يقال: إنما وعدهم بالنصر الكلي ذلك اليوم بشرط أن يسمعوا له ويطيعوا لكنهم خالفوا فانتفى المشروط لانتفاء شرطه. وأما ما أصابه من ذلك في نفسه: فهو كالذي أصاب الأنبياء قبله من القتل والضرب، بل من النشر بالمناشير، كما جرى لجرجيس النبي- عليه السلام «5» -.

_ (1) في (ش)، (أ): فطلبوا. (2) فى (أ): مآبان. (3) انظر تفسير الطبري 4/ 127، وتفسير القرطبي 4/ 235. (4) سورة آل عمران، الآية: 152 - 153. (5) تقدمت الإشارة إلى الرجل الصالح" سرجس" أو جرجيس ص: 374. وأنه أحد من أدرك بعض حواري عيسى- عليه السلام-، ومما ذكره عنه الطبري أنه كان كذلك ثم أوحي إليه فصار نبيا، وذكر كثيرا من قصص تعذيبه وسجنه وصبره على ذلك، وذكر شيئا من معجزاته. [انظر تاريخ الأمم والملوك 2/ 24 - 34] قلت: ولا نبي بعد عيسى عليه السلام لقول محمد صلى الله عليه وسلم: ( ... وليس بينى وبينه نبي) أخرجه البخاري وغيره.

وأما قوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ «1» مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ... (146) فهو إخبار صحيح لكن قوله قاتَلَ مَعَهُ/ رِبِّيُّونَ فيه تقديران مناسبان لسياق القصة. أحدهما: أن الكلام تم على قوله: «قتل» وفيه ضمير النبي، أي كائن. أي كم من نبي قتل، وهو صحيح، فإن الخصم قد اعترف بأن كثيرا من الأنبياء قتلوا كيحيى وزكريا والمسيح- على زعمه- وغيرهم كثير. وقوله: مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ جملة حالية، أي قتل حال كونه ذا أصحاب كثيرين فما أوجب قتله لهم أن تزلزلوا في دينه، بل ثبتوا عليه بعده «2». ووجه مناسبة هذا التقدير: أن الشيطان صاح يوم أحد:" قتل محمد" فاضطربت قلوب أصحابه. وقالوا: عمن عدنا نقاتل؟ ولمن نتبع؟ فعاتبهم الله على هذا «3» بقوله: وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) إلى قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ ... (146) «4» أي ما ضعف أحد بعد نبيه ورجع عن دينه، كما هممتم أنتم أن/ تفعلوا.

_ (1) هذه قراءة جماعة من قراء الحجاز والبصرة. وجميع القراء ما عدا ابن عامر. ورجح ابن جرير هذه القراءة. [انظر كتاب الإقناع في القراءات السبع 2/ 622، وتفسير ابن جرير 4/ 116، وتفسير القرطبي 4/ 229، وتفسير ابن كثير 1/ 410، وتفسير ابن عطية 3/ 251 - 256]. (2) انظر تفسير الطبري 4/ 116، وتفسير القرطبي 4/ 229، وتفسير ابن كثير 1/ 410، وتفسير ابن عطية 3/ 253 - 257. (3) انظر تفسير القرطبي 4/ 228، وتفسير ابن كثير 1/ 409. (4) سورة آل عمران، آية: 144 - 146.

التقدير الثاني: أن" قتل" مسند إلى" ربيون" وهم جمع" ربي" والربي منسوب إلى الربة وهي الجماعة كأنه قال: قتل معه قوم رؤساء ذوو جماعات كالقواد والأمراء «1». وقيل الربيون: الأتقياء العلماء «2»، وهذا مناسب لقوله قبل ذلك: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) «3». ولكونهم وجدوا لما أصابهم يوم أحد من قتل الإخوان والأقارب فكأنه يسليهم بذلك ويأسيهم بمن سبق منهم. ولا شك أن من الأنبياء المتقدمين من كان ذا حروب ومغازى كداود وسليمان وموسى ويوشع بن نون، ولم يزل بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام «4» يكون لهم ملك للحرب، ونبي يعرّفه بأمر الله بالوحي. والجهاد فيهم دائم، وكانوا/ يقدمون التابوت بين أيديهم، وكان من حمله لا يرجع به حتى يفتح عليه أو يقتل «5». وقد غزا يوشع بن نون مدينة الجبارين

_ (1) في (أ): الإسراء. (2) انظر في معنى الوجهين: تفسير الطبري 4/ 116 - 120، وتفسير القرطبي 4/ 228 - 229، وتفسير ابن كثير 1/ 409 - 410، وتفسير ابن عطية 3/ 255 - 256. (3) سورة آل عمران، آية: 142 - 143. (4) «عليه السلام» من (ش). (5) قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ -

ليلة السبت، ثم سأل الله. أن يحبس عليه الشمس حتى يفرغ منهم قبل أن يدخل السبت ففعل «1». وكان غزاة بني إسرائيل أكثرهم أو كثير منهم علماء أتقياء بررة أخيار أحبار لأنهم أوتوا الكتاب والحكم والنبوة وفضلوا على العالمين، كما نص عليه القرآن «2». ومن المحال عادة أن يكون فيهم هذا الجهاد ولا يقتل منهم أحد ومتى ثبت أنه قتل منهم ثلاثة فصاعدا ثبت صحة ما أخبر به محمد- عليه السلام- كيف؟ وقد ثبت أنه قتل منهم في الحروب والمغازي ما لا يحصى كثرة على ما دلت عليه الكتب والتواريخ والسير، وحينئذ انكار هذا الخصم أن يكون قتل مع الأنبياء المحاربين منهم أحد لا/ يسمع. وقد بينا أن الربيين لا يختصون بالأخبار/ والعلماء على القول المذكور أولا، بل عام في غيرهم من المقاتلة. فنقول: إنك ذكرت للأنبياء نوعين، ونحن ذكرنا للآية تقديرين. فتقديرنا الأول «3» يصح في نوع الأنبياء الأول، وتقديرنا الثاني يصح في نوعهم الثانى، وأيضا صح

_ - أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآيات. [سورة البقرة 246 - 251]. (1) انظر تخريج القصة في هامش ص: 254، 282 من هذا الكتاب. (2) كما في سورة البقرة من الآية 246 إلى 251. كما تقدم في الهامش السابق قريبا. (3) في (م): للأول.

[عندكم «1»] في التوراة: أن إبراهيم قاتل الذين أغاروا على أموال لوط، فاستاقوها فتبعهم إبراهيم بعبيده وغلمانه حتى قتلهم واسترد ما أخذوه «2»، على أن الآية قرئت على وجهين: «قتل معه» و «قاتل معه «3»». لكن يقال- لنا «4»: إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف فيلزمكم الجواب عن القراءتين. فنقول: قد دلت القراءتان على أن جمعا كثيرا من الأنبياء قتلوا، وعلى أن جمعا كثيرا منهم قاتل معه أصحابه، وقتل معه أصحابه، وقد بينا صحة ذلك إذ العادة في الغزوات والحروب: أن الناس يقاتلون ويقتلون «5». قوله:" ليس من أحد النوعين. إنما هو رجل هزم وهزم، وأصيب وأصاب". قلنا: قد بينا بما ذكرنا من معجزاته قبل هذا، أنه من الأنبياء. وأنه بما «6» علم من حسن سيرته وآدابه ولينه وتواضعه وخشوعه وتحديه وشجاعته وفصاحته وغير ذلك من أخلاقه الكاملة، وصفاته الجميلة متخلق بأخلاق النوعين من الأنبياء، وأنه اجتمع فيه ما لم يجتمع في واحد منهم.

_ (1) ما بين المعكوفتين زيادة من المحقق ليستقيم المعنى الحق من العبارة. (2) انظر معنى هذه القصة في التراجم الحديثة سفر التكوين الأصحاح الرابع عشر. (3) القراءة الثانية:" قاتل" هي قراءة الكوفيين وابن عامر، والأولى" قتل" قراءة الباقين. [انظر الإقناع في القراءات السبع 2/ 622، وتفسير القرطبي 4/ 229 - 230]. (4) في (أ): أما. (5) انظر تفسير الطبري 4/ 116 - 119، وتفسير القرطبي 4/ 228 - 230، وتفسير ابن كثير 1/ 410. (6) بما: ليست في (أ).

وأنت لو نظرت حق النظر في سيرته لعلمت ذلك لكنك عدو أخذت/ الشبه التي زعمت أن لك فيها متعلقا، وتركت ما عليك فيه المتعلق على عادة الأعداء «1» في إظهار القبيح، وإخفاء المليح. على أنه لا قبيح في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم-. وأما قولك:" هزم وهزم،/ وأصاب وأصيب «2» ": فالنوع الثاني من الأنبياء الذين ذكرتهم. هكذا كانوا. وقد هزمت «3» بنو إسرائيل وأخذ منهم التابوت إلى أرض أعدائهم، حتى رد عليهم في زمن طالوت الملك «4». وأما النوع الأول منهم فكانوا تارة يثبتون، وتارة يهربون، كما كان المسيح يفر من اليهود من مكان إلى مكان «5» لخوفه منهم، حتى كان منه ومنهم ما كان. وقد أخبر الله تعالى بذلك في القرآن حيث يقول: وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ... (140) «6» والله أعلم.

_ (1) في (ش) على العادة من الأعداء. (2) فى (أ): وأصبت. (3) في (ش): هربت. (4) انظر تفسير الطبري 2/ 607، وتفسير القرطبي 3/ 247، وتفسير ابن كثير 1/ 301، عند تفسير قول الله تعالى: وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ... الآية. [سورة البقرة: 248]. (5) «إلى مكان» مكررة في (ش). (6) سورة آل عمران، آية: 140.

ثم يقال له: هل رأيت ملكا يهزم ويهزم ويصيب ويصاب يبقى ناموسه بعده قريب ألف سنة، وهو كلما «1» جاء في رسوخ/ وثبوت؟ هذا عقل فاسد «2». وأما ما حكاه عن سيده المسيح في إنجيله الطاهر: فقد بينا في أول الكتاب: أنه لا حجة فيه، ولعمري أن في الإنجيل الذي يعتمد عليه من التناقض والمحال ما يمنعه أن يتصف بصفة الطهارة وذكر حديث عائشة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله «3». قلت: هذا صحيح، وقد بينا عند قوله تعالى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «4» أن السحر ونحوه جائز على الأنبياء وأنهم معصومون فيما يوحى إليهم، بمعنى أنهم لا يقرون فيه على خطأ «5». وذكر حديث عائشة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت:" فلولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ قبره مسجدا «6» ".

_ (1) وهو كلما: مكررة في (أ). (2) «هذا عقل فاسد» ليست في (ش). (3) انظر تخريجه في هامش ص: 402 من هذا الكتاب. (4) سورة الحج، آية: 52. (5) انظر ص: 401، 402 من هذا الكتاب. (6) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (61)، وباب ما جاء في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر ... (96)، ومسلم في كتاب المساجد، باب النهي عن بناء-

قلت: وهذا صحيح مشهور عنهم. فإنهم لغلوهم في أنبيائهم كما غلوتم في المسيح فجعلتموه إلها، كانوا يتعبدون عند قبور أنبيائهم/، ذلك منهي عنه في دين الإسلام لئلا يصير النبي بالصلاة عنده شبيه المعبود، وإن كانت النية تميز العبادة لمن «1»؟. لكن لمجرد الشبه تكره، وأيضا فإن الأنبياء معظمون، فإذا عبد الله عندهم «2» لم يؤمن أن يجيء من بعد ذلك العصر فتظن العبادة لهم لتعظيمهم «3» في النفوس كما يقال: إن إدريس لما رفع إلى السماء «4» جاء إبليس إلى أخ له فقال له: أصنع لك تمثالا على صورة إدريس تتسلى بها؟ قال: نعم./ فصنع له تمثالا كان يدخل عليه كل يوم يبكي عنده، ويتذكر إدريس به فيحصل «5» له بعض السلوة، وكان التمثال في خزانة لا يدخلها غيره، فلما مات أخو إدريس- أو أنه

_ - المساجد على القبور، حديث 19، وأبو داود بنحوه في كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر (76)، والنسائي بنحوه أيضا في كتاب المساجد، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وفي كتاب الجنائز، باب اتخاذ القبور مساجد، والدارمي بلفظ غير هذا في كتاب الصلاة، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وأحمد في عدة مواضع من المسند منها: (6/ 80، 121، 255). (1) لمن: سقطت من (م). (2) عندهم: سقطت من (أ). (3) في (ش)، (أ): لتعظمهم. (4) قال الله تعالى: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [سورة مريم: 56 - 57] وثبت في حديث الإسراء أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر به وهو في السماء الرابعة. [انظر صحيح البخاري كتاب: بدء الخلق، باب ذكر الملائكة وباب المعراج، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات]. (5) في (ش): فحصل.

كان صاحبه وخليله- جاء من بعده فوجدوا التمثال في الخزانة، فجاءهم إبليس، فقال: أتعرفون هذا التمثال؟ هذا إله إدريس وأخيه فاعبدوه فعبدوه، فكان ذلك أصل الجاهلية الأولى «1». وأما الجاهلية الثانية: فإن البيت الحرام كان عظيما عند أهل مكة، فكانوا إذا سافروا حملوا من حجارة الحرم معهم في أسفارهم يحتمون ويتبركون بها، ثم تدرجوا إلى أن عادوا يضعونها، ويطوفون بها حيث/ حلوا من الأرض، كما يطوفون

_ (1) لم أجد هذه القصة فيما استطعت الاطلاع عليه من المراجع. أما أول شرك حدث من بني آدم، أو أول جاهلية، فإن الله تعالى خلق آدم وبنيه على الفطرة وبقوا عليها عشرة قرون، ثم اختلف الناس كما قال الله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ومَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ... الآية [البقرة: 213] وكان نوح- عليه السلام- أول الرسل، وقد جاء والناس يعبدون الأصنام كما في قوله تعالى: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً (23) وقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح: 21 - 24]. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-: " صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعده، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لحمير؛ لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت". [صحيح البخاري: تفسير سورة نوح]. فالصحيح ما أشارت إليه هذه الأدلة، أما ما ذكر من قصة أخو إدريس- عليه السلام- فلو صحت فإن وقوعها قبل نوح- عليه السلام- على أنه قبله وأنه نبي بعد آدم وشيث- عليهما السلام- وعندئذ فلا إشكال- والله أعلم.

بالبيت، ثم تدرجوا من عصر إلى عصر، حتى عبدوها، ونشأت عبادة الأصنام بهذا السبب، فكان ذلك أصل الجاهلية الأخرى التي أزالها الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم- «1». وذكر قوله- عليه السلام- في مرضه:" ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر. فهذا أوان قطع أبهري «2» ". قلت: قد بينا أن الأنبياء بشر، تجوز عليهم الآفات والموت وأسبابه، وليسوا/ كما يعتقدون في المسيح أنه إله ثم هو مع ذلك قتل وصلب ودفن ولم تنفعه الإلهية. والأبهر: عرق ينزل من الدماغ، فهو في العنق الوريد، وفي الصلب الأبهر، وفي القلب الوتين. ومن أي مواضعه انقطع هلك صاحبه والوريد والوتين مذكوران في القرآن «3».

_ (1) ابتدأت عبادة الأصنام في مكة على أيدي خزاعة التي كان لها الأمر فعبدت الأحجار، وكما في صحيح البخاري. [كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة (70): قال أبو رجا:" كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه أخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ... " الحديث. وقصة عبادة الأحجار مذكورة أيضا في البداية والنهاية 2/ 185، 187 وما بعدها. (2) تقدم ذكر القصة وتخريجها ص: 558 - 559 من هذا الكتاب. (3) قال الله تعالى في سورة ق الآية (16): ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وقال تعالى فى سورة الحاقة الآية (46): ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.

[نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك]

[نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك] وذكر حديث البخاري عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الموت. وفي البيت رجال. قال:" هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" فقال بعضهم: إن «1» رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثر اللغط والاختلاف قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «2»: (قوموا) فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حيل بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب «3».

_ (1) أن: سقطت من (أ)، (ش). (2) صلى الله عليه وسلم: ليست فى (أ)، (ش). (3) أخرجه بألفاظ قريبة منه الإمام البخاري في كتاب العلم، باب كتابة العلم وفي كتاب الجزية، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب (6)، وفي كتاب المرضى، باب قول المريض: قوموا عني (17)، وفي الاعتصام، باب كراهية الاختلاف (26)، وأخرجه مسلم في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، حديث: 22، وقد أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب جوائز الوفد (176) عن ابن عباس. وفي الموضع السابق من الجزية عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. قلت: يا ابن عباس ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه فقال: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا» فتنازعوا. ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له؟ أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. فأمرهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب: وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها" اهـ. قال البخاري- رحمه الله-:" قال سفيان: هذا من قول سليمان" قلت: هو أحد رجال الإسناد وهو سليمان بن أبي مسلم الأحوال الذي سمع الحديث من سعيد بن جبير. وأخرجه مسلم في الموضع السابق بنحو لفظ البخاري هذا" حديث 20".

قلت: لم يوجه سؤاله من هذا الكتاب. وأنا يخطر لي توجيهه من وجهين: أحدهما: القدح «1» في جميع المسلمين. وتقريره: أنه علق عدم ضلالهم على/ كتب الكتاب. ومن المعلوم أن المشروط ينتفي لانتفاء شرطه، والكتاب لم يكتب فنفي الضلال لم يحصل، فيكون الضلال بعده ثابتا، إذ لا واسطة بين النفي والإثبات «2». الثاني: قول القائل:" قد غلبه الوجع" يعني: فهو لا يدري ما يقول وكان هذا القائل عمر بن الخطاب. وفي لفظ الصحيح:" أنه قال «3» إن الرجل تهجر" يعني تخلط في كلامه. لأن الهجر: الكلام الذي لا معنى له «4»، ولا فائدة. والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما:/ أن المراد بالضلال الذي علق نفيه على كتابة الكتاب هو الاختلاف في الإمامة لمن هي بعده «5». بدليل قوله تعالى: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

_ (1) فى (أ): للقدح. (2) هذه هي الشبهة التي يطرحها أعداء الإسلام دائما وخاصة النصارى ويستشهدون بالحديث السابق، وكذلك الرافضة للوصول إلى سب عمر- رضي الله عنه-. [انظر الأجوبة الفاخرة للقرافي ص 344 - 345 بتحقيق المحقق]. (3) فى (أ): إنه يقال. (4) من الهجر: الهذيان، هجر المريض في كلامه هجرا أي: خلط وهذى، واختلف كلامه لأجل ما به من مرض. [انظر لسان العرب 5/ 253 - 254، والمصباح المنير 2/ 779، ومختار الصحاح ص 690، وفتح الباري 8/ 133]. (5) يوضح ذلك ما أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، حديث 11، أنه صلى الله عليه وسلم- قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة:" ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ... (3) «1» وبدليل قوله/ عليه السلام قبل «2» موته:" لقد تركتكم على بيضاء نقية، ليلها كنهارها «3» "، وقوله:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من عاندهم إلى يوم القيامة «4» " في نصوص كثيرة، فنفى ضلال الأمة بعده، فتعين حمل الضلال في هذا الحديث على النزاع في الخلافة «5».

_ (1) سورة المائدة، آية: 3. (2) في (أ): قبيل. (3) طرف من حديث أخرجه ابن ماجه في الباب الأول من المقدمة، حديث: 5، وقد انفرد به عن أبي الدرداء:" ... وأيم الله لقد تركتم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء" وفي سنده:" محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع قال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ ويدلس، رمي بالقدر" ورواه أيضا في باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين ... من المقدمة حديث: 42، عن العرباض بن سارية:" ... قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ... " ورجال سنده رجال الصحيح. وقد أخرجه أحمد في المسند (4/ 126). (4) أخرجه البخاري بألفاظ غير هذا اللفظ في كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (13) وفي كتاب فرض الخمس، باب قول الله: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ [الأنفال: 41] ... (7)، وفي كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ... (10) وفي كتاب التوحيد، باب قوله الله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ [النحل: 40] (29)، وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ... " بألفاظ متعددة. وهو طرف من حديث عند أبي داود في أول الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين، وهو طرف من حديث عند ابن ماجه في الفتن، باب ما يكون من الفتن، حديث 3952، وأخرجه أحمد في المسند (4/ 101). (5) يقول الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي- رحمه الله- في الرد عن هذه الشبهة: " ... ولم يصرح عليه السلام بأن نضل في الدين إذا لم يكتب، ولا أنا نضل في شيء البتة. بل صرح بأنه يكتب ما ينفي معه الضلال، ولا يلزم من عدم سبب معين لنفي الضلال أن يقع الضلال، بل جاز أن ينتفي الضلال بالهداية الإلهية والعناية الربانية، كما إذا قلنا للمسافر: إن أخذت هذا الخفير لا تضل، يحتمل أنه إذا لم يأخذه أن يهتدي من تلقاء نفسه بإلهام ربه أو بسبب آخر، مع أن العلماء قد نقلوا أن ذلك الكتاب كان المقصود به نفي الضلال فيمن يعين للخلافة بعده ... [الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. بتحقيق الباحث ص 345 - 346].

ولا شك أنهم تنازعوها بعده: علي وسعد بن عبادة وأبو بكر «1» فكانت له بمقتضى وعد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:" يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر «2» " وقوله:" الخلافة بعدي ثلاثون ثم يصير ملكا" «3» وكانت أيام أبي بكر من جملة الثلاثين «4».

_ (1) لا أعلم في ذلك نصا صريحا إلا ما ذكر من انحياز علي وطائفة من الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت فاطمة- رضي الله عنها- وانحياز عمر وطائفة أخرى إلى أبي بكر، وانحياز الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاستخلاف سعد بن عبادة، وهذا فيما رواه البخاري في كتاب الحدود، باب رجم الحبلى إذا أحصنت (31) من قول عمر- رضي الله عنه-" وأنه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا عليّ والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، ... " ثم ذكر قصة مبايعة أبي بكر- رضي الله عنه-، والقصة في مسند أحمد (1/ 55 - 56) وسيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 656. (2) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر، حديث: 11، وأحمد في المسند (6/ 44) وتقدم ذكر لفظه عند مسلم في هامش ص: 734. (3) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في الخلفاء، حديث 4646، 4647 بلفظ خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله الملك من يشاء" والترمذي في الفتن باب ما جاء في الخلافة، بلفظ: " الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك ... " وقال: حديث حسن ... ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 220، 221) بلفظ:" الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك ... "،" الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملكا بعد ذلك ... ". (4) يقول القرافي- رحمه الله-:" والخلافة ليست من قواعد الأديان، ولا شرط في صحة الإيمان. مع أنا ما أثبتنا الخلافة بعده- عليه السلام- إلا بنصه، وإيحائه، وذلك في معنى الكتاب، لقوله- عليه السلام-:" الأئمة من قريش" [مسند أحمد 3/ 129] وقد ولينا قرشيا. وبقوله عليه السلام لما وعد المرأة بعده، فقالت له عليه السلام:" فإن لم أجدك"؟ قال لها عليه السلام: " ائت أبا بكر" [مسلم، فضائل الصحابة حديث 10] فصرح بأنه يتولى أعباء المسلمين بعده،-

الوجه الثاني: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- في أيام حياته. إما أن تدعوا أنه كان على هدى أو ضلال؟. فإن قلتم: على هدى، فأمته بعده على ملته وسنته ومنهاجه. وإذا اختلفوا في أمر لجئوا إلى ما أنزل عليه، وإلى ما قاله من السنة، فهم أيضا مهتدون مثله. وإن قلتم على ضلال فأمته- على زعمكم- قد ضلوا عما كان عليه، والضلال عن الضلال هدى، إذ نقيض الضلال الرشاد فهم إذن مهتدون. فعلى التقديرين القدح «1» في أمته لا يتجه من هذا الحديث، والقدح فيه قد سبق جوابه. والجواب عن الثاني: أن عمر- رضي الله عنه- ليس معصوما، فهو وهم في هذا وظن الأمر على خلاف ما هو عليه حيث نسب النبي- صلى الله عليه وسلم «2» - إلى التخليط في الكلام «3» كما وهم في قوله:/" إن محمدا لم يمت،

_ - وهذا هو الخلافة، وما ولينا غير أبي بكر، فما ضللنا والحمد لله في الخلافة ولا في غيرها" [الأجوبة الفاخرة ص: 346 - 347 بتحقيق الباحث] قلت: وقال سفيان بن عيينة في شأن الكتاب:" أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم اختلاف [فتح الباري 1/ 209]. (1) في (أ): للقدح. (2) صلى الله عليه وسلم: ليست في (م). (3) قلت: أجاب العلماء عن قول عمر- رضي الله عنه- بأجوبة منها: 1 - ظهر لعمر مع طائفة أن كتابة الكتاب ليس على الوجوب، إنما هو على الاختيار، وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح، فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه، مع استحضار قول الله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: 28] وقوله: تِبْياناً لِكُلِ -

وإنما ذهب إلى مناجاة ربه بروحه، كما ذهب موسى للمناجاة ببدنه" «1».

_ - شَيْءٍ [النحل: 89] ولهذا قال عمر:" حسبنا كتاب ربنا" ولو كان على الوجوب لما أخر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقد عاش بعد ذلك أياما. (2) - أن عمر خاف أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض سبيلا للمنافقين إلى الطعن في ذلك المكتوب. (3) - أن عمر لو قال ذلك عن شك عرض له لأنكره كبار الصحابة ولنقل إلينا. (4) - يحتمل صدوره عن عمر ومن معه عن دهش وحيرة. كما أصاب كثير منهم عند موته صلى الله عليه وسلم. وهذا ما ذهب إلى الطوفي. (5) - يحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنه اشتد وجعه فأطلق اللازم على الملزوم، لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ عن شدة وجعه. ورجح ابن حجر هذا في الفتح. (6) - وقيل: قال ذلك لإرادة سكوت اللغط ورفع الأصوات عنده، ولئلا يؤذى. (7) - قول عمر:" حسبنا كتاب الله من قوة فقهه ودقيق نظره- رضي الله عنه- لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فاستحقوا العقوبة لكونها منصوصة، وأراد أن لا يفسد باب الاجتهاد. وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر إشارة إلى تصويب رأيه. (8) - أن عمر من أشفق الناس على هذه الأمة فلولا أنه في النصوص ما ينوب عن الكتاب لما أهمله، وهو صلى الله عليه وسلم أشفق منه وعليه التبليغ واجب، فلو كان قد بقي ما يضلنا في ديننا لما تركه عليه السلام لا سيما وقد قال في حجة الوداع:" ألا قد بلغت ألا قد بلغت" والله يقول حينئذ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... وحينئذ يتعين أن ذلك الكتاب كان من باب الاحتياطات التي لا يضر الإخلال بها، فلا يلزم من عدمه مفسدة في شيء من الدين. [انظر فتح الباري 1/ 208 - 209، 8/ 133 - 134، والأجوبة الفاخرة للقرافي ص: 347 بتحقيق الباحث]. (1) أخرج البخاري في فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لو كنت متخذا خليلا"،" ... فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ... والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم" وأخرج ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم. حديث 1627، وأحمد في المسند (3/ 196) وفي (6/ 220)، والدارمي في المقدمة، باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وابن هشام في السيرة المجلد الثاني ص 655: قول عمر:" إن محمدا لم يمت وإنما عرج بروحه كما ذهب موسى أربعين ليلة عن قومه لمناجاة ربه ثم رجع إليهم". ولكن بألفاظ مختلفة.

وأحسب أن عمر عوقب على هذه الكلمة/ عقوبة دائمة «1» من جهة أن الرافضة تعلقت عليه بها ونسبته إلى أنه علم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- إن كتب لهم كتابا نص فيه على عليّ بن أبي طالب" وعلم أنها إن صارت إلى" عليّ" تداولها بنو هاشم فلا تخرج عنهم، فلا تحصل له، وهو كان يرجوها بعد أبي بكر، كما وقع، فصدهم «2» عن كتابة الكتاب حتى مات النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم بادر بالبيعة لأبي بكر مخالسة «3» كما قال:؛ كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها" «4» ثم مات سريعا فتناولها بعده.

_ (1) ليس قول الرافضة ولا من انتقص عمر- رضي الله عنه- عقوبة له دائمة، لأن ذلك لم ينقص من قدر عمر- رضي الله عنه- الذي نزل برأيه القرآن الكريم وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه عدو للشياطين في قوله لعمر: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجّا إلا سلك فجّا غير فجك» [أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر، حديث 22، وأحمد في المسند (1/ 171، 182، 187]. وليس نيل أحد من المنحرفين والضلال الرافضة أو غيرهم من عمر- رضي الله عنه- عقوبة له بل هي عقوبة لهم يستحقون بذلك الخزي والعار في الدنيا والآخرة. ولا يليق بالطوفي أن يعبر عما حدث من الرافضة بهذا الأسلوب. (2) فصدهم: مكررة في (أ). (3) مخالسة: من الخلس وهو الأخذ في نهزة ومخاتلة. والخامس: الذي يأخذ صاحبه على غفلة. [انظر لسان العرب 6/ 65، ومنال الطالب ص 365]. (4) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت (31) في حديث طويل قال عمر:" ... ثم إنه قد بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها. وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير-

فهم يشنعون عليه بذلك، ويتهمونه به، ويسبونه، ويشتمونه لأجله، ولعمري إن هذا شبهة «1». ولكن لما كانت خلافة عمر على السداد والرشاد، وما فيه صلاح البلاد والعباد، وكانت/ أيامه غرة في وجه الدهر، ودولته واسطة في عقد نحر دول العصر لم يضرنا ذلك ولو ثبت تحققه «2».

_ - مشورة المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وأنه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم" الحديث. وأخرجه أيضا الإمام أحمد في المسند (1/ 55 - 56) قال ابن تيمية- رحمه الله-:" ومعنى ذلك أنها وقعت فجأة لم تكن قد استعددنا لها، ولا تهيأنا، لأن أبا بكر كان متعينا لذلك، فلم يكن يحتاج في ذلك إلى أن يجتمع لها الناس إذ كلهم يعلمون أنه أحق بها، وليس بعد أبي بكر من يجتمع الناس على تفضيله واستحقاقه كما اجتمعوا على ذلك في أبي بكر ... " [منهاج السنة 4/ 216 - 217]. (1) قلت: لم تكن بيعة أبي بكر بمبايعة عمر له لوحده، وإنما كان أول من سبق إلى بيعته وإلا فإن إجماع الصحابة العقد على بيعته- رضي الله عن الجميع- لأنه أحق الناس بها، فهو أفضل الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم وهو" ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا" ولو لم يجمع عليه الصحابة ولم ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد له البيعة بالخلافة بمجرد بيعة عمر، وكذلك عمر- رضي الله عنه- نص على خلافته أبو بكر، ثم بايعه المسلمون وأجمعوا على بيعته وخلافته، ولو لم يجمعوا لم تتم البيعة ولا الخلافة لعمر، وكذلك عثمان- رضي الله عنه- أما الكتاب، فقد دلت النصوص على أنه يريد أن ينص على خلافة أبي بكر كما سبق في ذكرنا لبعضها ... أما قول الطوفي:" إن هذا شبهة" فهو كذلك على من أعمى الله بصيرته، ولم يتدبر نصوص الكتاب والسنة يعرف منزلة عمر- رضي الله عنه- التي ترفعه عن أقل مما قاله فيه الرافضة، وموقفه- رضي الله عنه- من مبايعة أبي بكر- رضي الله عنه- يدل على فهمه وسعة أفقه ودقيق نظره وشفقته على أمته، وأنه يريد جمع شملها وعدم تفرقها، وكان بذلك موافقا للنصوص الشرعية وإلا لما أجمع الصحابة على ذلك. وكان الأولى بالطوفي أن يفند شبهة الرافضة هذه فليست مما يحتار في ردها المسلم- والله أعلم-. (2) لو قال الطوفي عفى الله عنا وعنه: إن ذلك دليل على فضل عمر وأهليته للخلافة بعد أبي بكر- رضي الله عنه- إضافة إلى أنه أفضل الأمة بعد أبي بكر، وأن أبا بكر نص على خلافته وأن الإجماع انعقد عليه بعد أبي بكر لكان أحق وأصوب. والله الموفق.

[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك]

[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك] وذكر حديث عائشة «1»: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: (أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟) يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه «2» يكون حيث شاء فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه، فقبضه الله، وإن رأسه لبين سحري «3» ونحري، وخالط ريقي ريقه في آخر أيامه من الدنيا «4» " ولقد اشتد عليه الموت حتى لا أكره شدة الموت لأحد بعده «5» ".

_ (1) كلمة:" عائشة" ليست في (أ). (2) في (أ): أزواجا. (3) سحري: السحر: هو الصدر. [انظر فتح الباري 8/ 139]. (4) هذا الحديث أخرجه البخاري بعدة ألفاظ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (96)، وفي كتاب فرض الخمس، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ... (4)، وفي كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (83)، وفي النكاح، باب إذا استأذن الرجل نساءه أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له (104)، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة، حديث (84)، بلفظ مختصر. (5) هذه الزيادة أخرجها الترمذي فى حديث مستقل بلفظ غير هذا، في كتاب الجنائز، باب ما جاء فى التشديد عند الموت، حديث 979، عن عائشة قالت:" ما أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-"، وفي سنده ضعف. وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز، باب شدة الموت، قالت:" مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" قلت: ورجاله ثقات. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، حديث 1622، بلفظ:" ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-" وأحمد في المسند (6/ 64) بلفظ النسائي، ورجاله ثقات. وروى البخاري فى كتاب المرضى، باب شدة المرض. (2) قالت:" ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-".

قلت: ووجه السؤال فيه من وجهين: أحدهما: أنه لم يغفل عن لذة النكاح التي هي عار عند الخصم حتى في مرض الموت./ الثاني: أن شدة الموت عليه عقوبة، فدل «1» أنه كان يستحقها. قلت: والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أن النكاح قد بينا أنه عبادة وهو من سنن المرسلين، والقول بأنه عار سفه. الثاني: أنه كان يحب عائشة ويألفها أكثر من غيرها، ولهذا كان يقول: (هذا قسمي فيما أملك فهب لي ما لا أملك «2»)، ولا يلزم من ألف الشخص صاحبه أن يكون يستمتع به من جهة اللذة المشهورة، بل يصير الميل إليه خلقا للنفس حتى مع الغفلة عن اللذة.

_ (1) لو كانت العبارة:" فدل على أنه يستحقها" لكانت أوضح وأصح. (2) هكذا لفظه عند المؤلف، ولفظه عند أبي داود في كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء:" اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، وهو عنده موصول ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي في عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض. ورجاله ثقات، والترمذي في النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، وقال:" حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي ... ، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا أن النبي .. ، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة" اهـ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 187) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" اهـ، وألفاظهم نحو لفظ أبي داود.

والجواب عن الثاني: أن لحوق المشاق في الدنيا من أسباب النعم الأخروية، خصوصا شدة الموت فإنه آخر ما يكفر به عن العبد المؤمن ذنوبه إن كان له ذنوب، وإلا رفع به درجات في الجنة، ولهذا يرى غالب المؤمنين أهل بلاء في الدنيا، وغالب/ الكفار أهل عافية. وفي الحديث النبوي الصحيح: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر «1»» وفي المثل العامي:" المؤمن ملقى، والفاجر موقى «2» " ثم لو كان لحوق المشقة في الدنيا عقوبة لوجب أن يكون إلقاء إبراهيم في النار، وعمى إسحاق ويعقوب، وما جرى ليوسف، وحزن أبيه عليه، وبلاء أيوب، وما قاساه موسى وهارون من بني إسرائيل وقوم فرعون، وقتل يحيى وزكريا وغيرهم من الأنبياء، وإهانة اليهود للمسيح، ثم قتله وصلبه «3»، وما جرى لتلاميذه بعده وقتل" جرجيس «4» " أربع مرات ثم يعيش، وحبس يونس في جوف الحوت ونحو ذلك عقوبات في حقهم، واحد لا يقول بذلك.

_ (1) أخرجه بهذا اللفظ الإمام مسلم في أول الزهد، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، حديث 2324، وقال:" هذا حديث صحيح"، وابن ماجه في الزهد، باب مثل الدنيا حديث 4113، وأحمد في المسند (2/ 323، 389، 485). (2) هذا المثل العامي لم أجده فيما بين يدي من المراجع. (3) علي زعم النصارى. (4) انظر فيما حصل لجرجيس. تاريخ الطبري 2/ 24 - 36.

وأما قول عائشة:" خالط/ ريقي ريقه" فليس ذلك بمباشرة استمتاعية، بل لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان مستندا/ إلى صدرها فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة ومعه سواك يستاك به فأتبعه النبي- صلى الله عليه وسلم- بصره، فقالت له عائشة: آخذه لك يا رسول الله، فأومأ برأسه، أي نعم- وكان يحب السواك لأنه كما قال- عليه السلام-: (مطهرة للفم، مرضاة للرب «1») - فأخذته من أخيها فمضغته بفمها حتى لان، ثم أعطته النبي «2» صلى الله عليه وسلم فاستاك به «3». فذلك هو المراد باجتماع ريقهما.

_ (1) قوله: (مطهرة للفم مرضاة للرب) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم (27)، معلقا بصيغة الجزم عن عائشة، والنسائي موصولا في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك وفي سنده من ليس بالقوي، وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب السواك، حديث 289، وفي سنده ضعف، والدارمي في كتاب الوضوء، باب السواك مطهرة للفم، وفي سنده ضعف، وأحمد في المسند (2/ 3، 10) وفي (6/ 47، 62، 124، 238) من طرق كلها عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه، وهما مقبولا الحديث. قلت: ولعل الحديث بمجموع طرقه حسن لغيره. والله أعلم. (2) في (ش): للنبي. (3) قصة دخول عبد الرحمن بالسواك وإعطاء عائشة للنبي- صلى الله عليه وسلم- في آخر أيامه أخرجها البخارى فى المغازي، باب مرض النبي- صلى الله عليه وسلم- ووفاته (83) بلفظين مختلفين، وأحمد في المسند (6/ 48، 200، 274).

خاتمة الكتاب

وهذا آخر ما وجدناه من هذا الكتاب على مصنفه من الله ما يستحقه. واعلم أن كل متناظرين لا تثبت دعوى أحدهما إلا بمقدمات مشتركة بينهما يتفقون عليها تكون بينهما كالحكم. فلمن وافقت تلك المقدمات تثبت دعواه. وإذا عرفت هذا فنحن ليس بيننا وبين النصارى واليهود مقدمات مشتركة إلا العقليات وما تركب منها ومن غيرها. لأن كل واحد من أهل الكتاب والمسلمين يقدح في كتاب الآخر الذي بيده فلا تقوم عليه الحجة به. فلنختم هذا الكتاب بذكر حجج واضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد- عليه السلام-. الحجة الأولى: وهي التي يعتمدها غالب المتكلمين في كتبهم وهي: أن محمدا ادعى النبوة وظهر المعجز على يده وكل من كان كذلك فهو رسول الله حقا، فمحمد رسول الله حقا. أما إنه ادعى النبوة فبالتواتر، وأيضا لو لم يدع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما أن المعجز ظهر على يده، فلما قررناه قبل، وهو أن المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي الخالي عن المعارض، والقرآن الذي أتى به كذلك،/ وإلا لظهر/ معارضه مع توفر الدواعي عليه والاشكالات التي عليه للفلاسفة والبراهمة وغيرهم من منكري النبوءات مشتركة لا نختص نحن بها، والتي عليه لليهود أو النصارى قد أجبنا عنها قبل. وأما أن من ظهر المعجز على وفق دعواه يكون رسول الله. فللقطع بأن

الحجة الثانية

رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق عادته الفلانية لأجلي. مثل أن يقوم عن سريره، أو ينزل عن مركب فيمشي لأجلي،/ أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي. فوجد ذلك من الملك. دل على صدق مدعي الرسالة. وهذا إنما يحتج به على منكري النبوات. أما اليهود والنصارى فيسلمون أن ظهور المعجز يدل على صدق المدعي، وإنما ينازعونا في وجود المعجز. وقد أثبتناه. الحجة الثانية: أن محمدا- عليه السلام- إما ملك ما حق، أو نبي صادق، لكنه ليس ملكا ما حقا فهو نبي صادق. وإنما قلنا إنه إما ملك أو نبي، لأنه لا قائل بقول ثالث إذ الخصم يدعي أنه كان ملكا ذا سيف «1» أقام ناموسه بسيفه، ونحن نقول: كان نبيا صادقا مؤيدا من الله تعالى، فقام ناموسه بالتأييد الإلهي، وإنما قلنا: إنه ليس ملكا كما زعمتم، بل نبي صادق. لأنا علمنا بالاستقراء التام، والتواتر القاطع: أن ملكا من ملوك الدنيا لم يبق ناموسه بعده، بل يتغير بموته. وإنما تبقى نواميس الأنبياء بعدهم، ثم رأينا ناموس محمد باقيا بعده قريب ألف سنة «2»، فعلمنا أنه من الأنبياء لا من الملوك.

_ (1) في (أ): ملكا والسيف أقام .... (2) هذا على المبالغة في زمن الطوفي، وها هو ناموس محمد- صلى الله عليه وسلم- اليوم ما يزال قائما والحمد لله وسيبقى إلى قيام الساعة: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [سورة الحجر: 9]،" ولا تزال طائفة من أمته- صلى الله عليه وسلم- ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى قيام الساعة".

الحجة الثالثة

الحجة الثالثة: أن نبوة محمد- عليه السلام- لازمة لنبوة من قبله من الأنبياء جميعهم/ ثم قد وجد الملزوم الذي هو نبوة الأنبياء قبله، فيجب أن يوجد اللازم، وهو نبوته. وإنما قلنا: إن نبوته لازمة لنبوة من قبله، لأنا أجمعنا على أن المقتضي لنبوتهم إرادة الله، والدليل عليها: ظهور المعجز. لكن إرادة الله «1» خفية عن البشر. لا سبيل إلى معرفتها، فبقي الطريق إلى ثبوت النبوة منحصرا في ظهور المعجز «2»، والمعجز مشترك بينه وبينهم بما قد حققناه غير مرة. وإنما قلنا: إن وجود الملزوم يوجب وجود اللازم للقطع بأن ملزوما لا لازم له محال الوجود.

_ (1) لفظ الجلالة:" الله" ليس في (م). (2) الطريقة المشهورة عند أهل الكلام والنظر واليهود والنصارى أن ثبوت نبوة الأنبياء منحصر في ظهور المعجزات. ولا ريب أنها دليل صحيح لكن دليل نبوة الأنبياء غير محصور في المعجزات، وإنما تعرف بأمور تتلخص فيما يأتي: (1) - المعجزات. (2) - بشارة الأنبياء السابقين بالأنبياء اللاحقين. (3) - النظر في أحوال الأنبياء. (4) - النظر في دعوة الرسل. (5) - نصر الله وتأييده لهم. [انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 158 - 167، والرسل والرسالات للأشقر ص 119 - 120].

الحجة الرابعة

الحجة الرابعة: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- أقر اليهود والنصارى «1» في شريعته بالجزية، مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما «2» كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم/ وأنبيائهم لأنه علم أنهم وإن تصرفوا فيها بالتبديل والتحريف لكنهم «3» لم يحرفوا الجميع، إنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم به: دفع «4» الجزية والصغار عليهم. ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى «5» الأرض منهم على تكذيبهم له، وعدم طاعته لأن هذا شأن الملوك. لا يستبقون من خشوا عاقبته/ خصوصا «6»، ولم يكن يخفى عليه أن جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منها تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس فلما تركهم بالجزية دل على أنه مأمور فيهم من الله بما لا تصبر عليه نفوس البشر. ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من/ تركهم هذه الشبهة ويوهم الناس العدل وأخلاق النبوة.

_ (1) في (أ): والنصراني. (2) في (م): وأما. (3) عبارة (أ):" والتحريف المفهم لم يحرفوا". (4) في (ش)، (م): وضع الجزية. (5) في (م): لا خلاء. (6) في (أ): خضوعا.

لكن الجواب عنها أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يعف عنهم في حياته فقط، ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال: (أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة «1»). وقال (لهم ما لكم وعليهم ما عليكم «2»). وهذا أبو حنيفة- رحمه الله- أول أئمة الإسلام وشيخ السلف يقتل المسلم بالذمي لهذا الحديث، وروى فى مسنده بإسناد متصل أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقاد

_ (1) لم أجده بهذا اللفظ وما وجدت في الموضوع إلا ما رواه أبو داود في الخراج والإمارة ... ، باب في تعشير أهل الذمة ... :" ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". وفيه رجال مجهولون. (2) أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (1103) بلفظ:" لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. يعني أهل الذمة"، وقال:" باطل لا أصل له"، قلت: وليس لأهل الكتاب: اليهود والنصارى، ما للمسلمين وعليهم ما عليهم إلا إذا دخلوا دين الإسلام بدليل ما رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 199، 225) بسند صحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤها وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم)، وأكثره في صحيح البخارى، وفيه:" ... سأل ميمون بن سياه، أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة ما يحرّم دم العبد وماله؟ فقال: من شهد ألا إله إلا الله واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم: له ما للمسلم وعليه ما على المسلم". [كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة]. قلت: وهذان الحديثان دليل على بطلان الحديث السابق- والله أعلم-.

مسلما بكافر «1»، فلولا أنه مأمور فيهم من الله تعالى بالاستبقاء، ولو «2» كان ملكا محضا يحب الرئاسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته. حتى كان المسلمون قد أخلوا منهم الأرض ولم يبق منهم من يورد هذه الشبه على دينه.

_ (1) لم أجده في مسند أبي حنيفة، ولكن وجدت في مصنف ابن أبي شبية (9/ 290)، وسنن البيهقي (8/ 30 - 31)، وسنن الدارقطني (3/ 135) " أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قتل رجلا من أهل القبلة قتل رجلا من أهل الذمة وقال: أنا أحق من وفىّ بالذمة" ولا يصح هذا الحديث عند أحد منهم، أو من علماء الحديث غيرهم. [انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 1/ 471 - 476] ويعارضه أحاديث في بيان أن المسلم لا يقتل بالكافر الذمي أو غيره، ومنها ما أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب العاقلة، باب لا يقتل المسلم بالكافر،" وألا يقتل مسلم بالكافر" وقد أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر، والترمذي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر، والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وابن ماجه في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر، وأحمد في مواضع من المسند منها (1/ 79، 119، 2/ 178) أما قتل الذمي المعاهد فهو إثم كبير كما روى البخاري في الديات، باب إثم من قتل ذميا بغير جرم، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما». فهذا وعيد شديد في قتل المعاهد بدون جرم. (2) لو: ليست في (م).

الحجة الخامسة

الحجة الخامسة: أنه- عليه السلام- قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ... وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1»» «2». وإنما قال ذلك: لأنه علم أنهم حرفوا بعض كتبهم لا كلها فمنع من تصديقهم خشية أن يكون ما قالوه مما حرفوه ومن تكذيبهم خشية أن يكون مما لم يحرفوه. فالأول في غاية الحزم والثاني: فى غاية العدل، ولو لم يكن نبيا مأمورا فيهم بذلك كما في القرآن الكريم «3» وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «4» لأغرى الناس بتكذيب كل ما عندهم وكان ذلك أتم لناموسه وأغض من رءوس أعدائه، لأنا علمنا بالاستقراء من ملوك الدنيا أجمعين أن/ أحدا منهم/ لم يترك من آثار من قبله من الملوك ولا الأنبياء ما يحذر منه على ملكه إلا عجزا. الحجة السادسة: تختص بالنصارى «5»: وتقريرها: أنكم زعمتم: أن المسيح هو الله أو ابن الله، وأنه ظهر إلى العالم/ لينقذ أهل الإثم من إثمهم وخطاياهم وفداهم بنفسه ثم

_ (1) الآية في سورة العنكبوت: 46. (2) أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد بألفاظ مختلفة، وقد سبق تخريجه وبيان ألفاظه ص: 231 من هذا الكتاب. (3) الكريم: ليست في (أ)، وفي (ش): للقرآن الكريم. (4) سورة النجم، آية: 3 - 4. (5) في (أ)، (م): تختص النصارى.

الحجة السابعة

بعد ذلك صعد إلى أبيه، فهو جالس عن يمينه. فإن كان هذا حقا فقد كان يجب عليه وينبغي له أن يقول لأبيه حين ظهر محمد بدعوته: أهلك هذا ولا تدعه يفتن الناس ويضلهم، ثم احتاج: أن أنزل إليهم فاستنقذهم من فتنته. فاقتل «1» واصلب من يأتيه «2»، لأن عندكم أن المسيح كامل العلم والقدرة لا يخفى عنه شيء في ملكه أو ملك «3» أبيه فبالضرورة أنه علم بظهور محمد- عليه السلام- فسكوته عن الإنكار والتغيير بحضرة أبيه يوجب إما التقصير والرضا بالضلال، والراضي بالضلال ضال، أو أن محمدا على طريق الرشد والكمال، وقد خيرناكم بين الأمرين ولا واسطة بين القسمين. الحجة السابعة: جرت عادة الله في خلقه أنه يتداركهم على كل فترة برسول يرشدهم إلى الهدى ويصدهم عن الردى، ولا خلاف «4» أن العرب في جاهليتها لا سيما في أواخرها عند أوان ظهور محمد- عليه السلام-، كانت أحوج الخلق إلى ذلك لما كانت عليه من الظلم والبغي والغارات والقتل «5» بغير حق وسبي الحريم وظلم الغريم، فالعناية الإلهية يستحيل منها عادة إهمالهم على ذلك من غير معلم

_ (1) في (ش)، (م): وأقتل. (2) في (م):" وأقتل وأصلب مرة ثانية لأن عندكم ... ". (3) في (أ): لو ملك. (4) في (أ): فلا خلاف. (5) في (أ): وبالقتل.

يرشدهم ويسددهم كما تقرر هذا أول الكتاب في ضرورة الخلق إلى النبوات،/ وما رأينا أحدا ظهر بناموس قمع تلك الجاهلية وما كانت عليه من المنكرات إلا محمدا- عليه السلام- فدل على أنه هو النبي المبعوث فيها، وإذا ثبتت نبوته بهذا الطريق إلى العرب فالنبي لا يكذب وقد صح عنه بالتواتر أنه قال:" بعثت إلى الناس كافة" «1» " وبعثت إلى الأحمر والأسود «2» " وبهذا يظهر تغفيل من سلّم من اليهود أنه أرسل إلى العرب خاصة «3»، لا إلى غيرهم.

_ (1) طرف من الحديث الذي أخرجه البخاري فى أول باب في التيمم عامة، وفي كتاب الصلاة، باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم-:" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" (56)، وأخرجه النسائي في الغسل، باب التيمم بالصعيد، والدارمي في كتاب الصلاة، باب الأرض كلها طهور ما خلا المقبرة والحمام. (2) طرف من الحديث الذي أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، حديث (3)، عن جابر بلفظ:" كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ... ". (3) هذا ليس خاصا باليهود بل هو من ادعاءات النصارى الذين يؤمنون برسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- لكن يقولون إن رسالته إلى العرب خاصة كما في رسالة بولص الراهب التي وصلت إلى ابن تيمية- رحمه الله- فرد عليها بالجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكما في الرسالة المماثلة التي وصلت إلى الإمام القرافي قبل ابن تيمية فرد عليها بالأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. [انظر الجواب الصحيح 1/ 31 وما بعدها، والأجوبة الفاخرة ص 142 وما بعدها بتحقيق الباحث].

الحجة الثامنة

الحجة الثامنة: لا خلاف عند كل عاقل أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- كان من أعلى الناس همة وأوفرهم حكمة، ولولا ذلك لما انتظم له أمر هذا الناموس، هكذا بعده مدة طويلة مع أنه دعوى عند الخصم لا حجة معه. ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة وهمته تعلو إلى تقرير منصب دائم ورئاسة باقية، أنه يحتاط/ لأمره ويعمل نتائج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله. ويبخس مآله، ومن المعلوم عند كل حكيم/ فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه وينكشف، ويعود سروره شرورا وتدبيره تدميرا «1» خصوصا والمسيح إله النصارى يقول:" ما من مكتوب إلا سيعلن ولا خفي إلا سيظهر" «2» فلو لم يكن محمد على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر. وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة نخشى معرة المآل كما نخشى معرة الحال، فلا يرد علينا من يؤسس «3» رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته ثم لا يبالي ما كان بعد مماته فإن ذلك في غاية/ الخساسة ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.

_ (1) عبارة (أ):" ويعود سروره وتدبيره تدبيرا خصوصا ... ". (2) انظر إنجيل متى الأصحاح العاشر. قلت: وقد قيل:" ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه". [شرح الطحاوية ص 160]. (3) في (ش): يوسوس.

الحجة التاسعة

الحجة التاسعة: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب فمحمد صادق. بيان الملازمة أن المسيح- صلى الله عليه وسلم- قال «1» في الإنجيل:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن" وهذه نكرة في سياق النفي فتقتضي العموم، وأن كل خفي لا بد أن سيظهر، فعدم صدق محمد في دعواه، إما أن كان ظاهرا أو خفيا فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبته أو رغبته فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رهبته أو رغبته بزواله رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق فكيف بهذا الجمع الكبير، والجم «2» الغفير فى أقطار الأرض يختارون ذلك. هذا محال، وإن كان خفيا وجب أن يظهر لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفطرتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون والزجار «3» والمتطيرون وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون. منهم من الأذكياء أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكثيرون لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما هو أخفى من ذلك «4»

_ (1) في (م): وقال. (2) في (م): والجما. (3) الزجر: نوع من الكهانة والعيافة. [انظر لسان العرب 4/ 319]. (4) من ذلك: ليست في (أ).

ويكفيهم أن ابن المقفع «1» فيلسوف العجم شهد لهم بالفضيلة على الروم والفرس وسائر الأمم فيما ذكره أبو حيان التوحيدي «2» في كتاب له. فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد- صلى الله عليه وسلم- «3» لو كان باطلا، فدل على أنهم ما انهرعوا إليه، مع كونه أول الإسلام في نفر قليل ضعيف مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح/ قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح/ كاذبا في قوله:" ما من خفي إلا سيظهر" وأما أن المسيح ليس بكاذب فبالاتفاق/ منا ومنكم، ولو نازعتمونا في صدقه أنتم أو غيركم، لما وافقناكم على ذلك، لأنا نحن أحق به منكم.

_ (1) عبد الله بن المقفع، الكاتب المفوه، أسلم على يد عيسى بن عيسى بن علي عم السفاح والمنصور، وكتب له، وله رسائل وألفاظ طيبة، وكان متهما بالزندقة، وهو الذي صنف كتاب كليلة ودمنة، ويقال بل هو الذي عربها من المجوسية إلى العربية. قتل سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة. [انظر ترجمته في البداية والنهاية 10/ 96، والأعلام 4/ 140، وفي غيرهما]. (2) أبو حيان علي بن محمد بن العباس المعروف بأبي حيان التوحيدي، المتكلم المتصوف أصله من شيراز، وقيل: من نيسابور، وقيل: من واسط، كان إماما في النحو، واللغة والتصوف فقيها مؤرخا صنف البصائر والإشارات وغيرهما قال الذهبي: كان عدوا لله خبيثا سيئ الاعتقاد ودافع عنه السبكي في طبقاته، وابن النجار. مات مستترا نحو سنة أربعمائة للهجرة. [انظر طبقات الشافعية الكبرى 4/ 2 - 3، والأعلام 4/ 326]. (3) صلى الله عليه وسلم: ليست فى (م)، (ش).

الحجة العاشرة

الحجة العاشرة: أن من نظر في دين الإسلام فوجده معظما لجميع «1» الرسل عيسى وموسى وغيرهما بحيث أن من سب أحدا منهم أو تنقصه قتل ورأى اليهود يغضون من المسيح ويفوقون «2» إليه السهام «3» وهم والنصارى ينتقصون محمدا- عليه السلام- علم أن المسلمين أهل حق لا يشوبه تحامل وأن اليهود والنصارى أهل عناد وتجاهل. فإن قالت اليهود: إنما غضضنا من المسيح ومحمد لأنهما كاذبان. قلنا: فالذي ثبت به صدق موسى قد أتى المسيح بما هو أعظم منه فمقتضى التصديق مشترك، فإما أن تصدقوا الاثنين أو تكذبوهما، أما الفرق فهوى وتحامل. وإن قالت النصارى: إنما تنقصنا محمدا لأنه ليس بصادق. قلنا «4»: تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس بصادق. فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله. قلنا: كذلك نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد- عليه السلام-.

_ (1) في (أ): معظم الرسل. (2) أي يضعون السهام فى أوتارها لرميه بها. يقال فوقته تفويقا: عملت له فوقا، وأفقت السهم وأرفقته وأوفقت به، كلاهما على القلب: وضعته في الوتر لأرمي به. [انظر لسان العرب 10/ 320، والمصباح المنير 2/ 582]. (3) في (أ): الإسهام. (4) في (ش): قلت.

فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة بإظهار المعجز ونحن لم يأتنا محمد بمعجز. قلنا «1»: بل جاءكم بمعجزات قد سبق تقريرها ولكن عاندتم أو جهلتم، ولهذا سمى الله تعالى اليهود مغضوبا عليهم والنصارى ضالين لأن تكذيب اليهود عناد وتكذيبكم يغلب عليه الجهل. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم. هذا آخر ما تيسر إيراده في هذا الكتاب وأنا/ أسأل الله الكريم الوهاب أن يجعله لي إلى رحمته وشفاعة نبيه أنجح الوسائل وأقوى الأسباب ويوفقني وسائر المسلمين «2» لما يحبه ويرضاه، ويوقفنا عما يبغضه ويقلاه «3» فإنه لا إله إلا هو «4»، ولا فاعل في الوجود سواه «5». وكان الفراغ من تعليق هذه المسودة صبيحة الاثنين سابع ذي قعدة الحرام سنة سبع وسبعمائة والابتداء فيها يوم الاثنين ثاني عشر شوال من السنة المذكورة بالمدرسة الصالحية من مدينة القاهرة- حماها الله وسائر بلاد الإسلام- على يد العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير سليمان بن عبد القوي البغدادي الطوفي الحنبلي عفا الله عنهم [وعن جميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد سيدنا خاتم

_ (1) في (ش): قلت. (2) في (ش)، (م): المؤمنين. (3) يقلاه: بيغضه. [انظر لسان العرب 5/ 198، المشوف المعلم 2/ 606]. (4) في النسخ الثلاث: إله. (5) إلى هنا انتهت نسخة (ش).

النبيين وسيد المرسلين آمين آمين آمين يا رب العالمين «1»]. ثم أنهاه نظرا وتصحيحا لما وجد فيه من خلل طغيان/ القلم وملحقا به ما خطر له من الفوائد اللائق إلحاقها عشية الأحد عاشر شوال سنة ثمان وسبعمائة هجرية «2». والحمد لله رب العالمين. نجزت هذه المبيضة كتابة من خط مصنفها أمتع الله ببقائه ونفع المسلمين ببركته في السادس من شهر المحرم المبارك من سنة إحدى عشرة وسبعمائة أحسن الله فتحها بخير وعافية. كتبه الفقير الحقير المعترف بالتقصير الراجي عفو الله الكريم الناسخ علي الزعيم. ******

_ (1) ما بين المعكوفتين غير موجود في (م)، وبدله عبارة:" ومن خطه كتب حسن محمد النابلسي الحنبلي وفق الله به آمين ورأيت بخطه أيضا .... (2) إلى هنا الاتفاق بين النسختين أ، م ثم في نسخة (م):" وكان الفراغ من تعليق كتابته يوم الثلاثاء باكر النهار الرابع من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة، بالمدرسة المنصورية، فالحمد لله رب العالمين. اللهم صلي على سيدنا محمد وآله عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وسلم تسليما ... اهـ".

الفهارس

الفهارس 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث والآثار. 3 - فهرس الأشعار. 4 - فهرس الأمثال. 5 - فهرس الألفاظ والمصطلحات الغربية. 6 - فهرس الأعلام. 7 - فهرس الأماكن والمواقع. 8 - فهرس الفرق والأمم. 9 - فهرس المصادر والمراجع. 10 - فهرس الموضوعات.

أولا: فهرس الآيات القرآنية

أولا: فهرس الآيات القرآنية الآية/ رقمها/ الصفحة 1 - سورة البقرة- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ/ 3/ 236 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ / 6 - 7/ 451، 454 - وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا إلى قوله: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ / 23 - 24/ 599، 607، 609 - وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَ إلى قوله: ولَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ/ 35 - 36/ 250 - فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا/ 36/ 400 - وإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ/ 49/ 349 - وإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ / 60/ 472، 597 - وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وباؤُ/ 61/ 349 - أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ / 75/ 330، 231، 327 - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَ / 79/ 338، 443 - أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ / 87/ 492 - وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ / 109/ 10

الآية/ رقمها/ الصفحة- وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ / 111/ 710 - وقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ/ 113/ 231، 337 - إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً ولا تُسْئَلُ / 119/ 715 - ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى / 120/ 10، 25 - نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ / 133/ 319 - ولا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ / 134، 141/ 715 - قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ إِلى / 136/ 230، 231 - قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ/ 144/ 133 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما/ 146/ 292، 293، 327 - ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ/ 179/ 656 - يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ/ 185/ 460 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ / 189/ 260 - وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ / 195/ 463 - ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِ / 197/ 708 - كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً/ 213/ 731 - ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً / 222/ 672 - نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ / 223/ 275، 641، 642، 643،

الآية/ رقمها/ الصحفة- الطَّلاقُ مَرَّتانِ ... إلى قوله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ / 229 - 230/ 644 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... إلى قوله تعالى: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ / 246 - 248/ 725 726، 728 - أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وهِيَ خاوِيَةٌ عَلى / 259/ 229 - وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى / 260/ 309 - لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها/ 286/ 235 2 - سورة آل عمران- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ / 7/ 590 - ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ / 28، 30/ 126، 701 - قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ / 31/ 463 - إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ / 35/ 300 - قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ / 41/ 305 - وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ / 42/ 290 - إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ / 45/ 597 - أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ/ 47/ 308

الآية/ رقمها/ الصفحة- ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ / 49/ 261، 473،// 597 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ/ 64/ 169 - وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ / 78/ 341 - ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ/ 123/ 541 - وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ / 140/ 557، 728 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ إلى قوله: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ / 142 - 143/ 725 - وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ / 144/ 100، 724 - وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ/ 146/ 720، 721،// 724 - ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ ..... إلى قوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ / 152 - 153/ 723 - إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ / 155/ 97 - ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً/ 169/ 437، 559 - ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ / 180/ 482 3 - سورة النساء- وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ... تَعْدِلُوا/ 3/ 198، 593،

الآية/ رقمها/ صحفة- واللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ... إلى قوله:// 622 وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما/ 15 - 16/ 665، 667 - وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً/ 21/ 647 - يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ / 26/ 460 - مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ / 46/ 231، 327 - وما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ / 64/ 461 - كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ / 78/ 452 - ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً/ 87/ 264 - أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ / 88/ 451 - فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ/ 92/ 676 - وفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ / 95/ 92 - ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا/ 122/ 264 - واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا/ 125/ 339، 485 - إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وهُوَ خادِعُهُمْ / 142/ 460 - وبِكُفْرِهِمْ وقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً إلى قوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ / 156 - 158/ 679 - وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ / 157/ 343، 360، 679

الآية/ رقمها/ صفحة- ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً/ 164/ 419، 495 - رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ / 165/ 259، 461 - لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ / 172/ 659 4 - سورة المائدة- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ / 3/ 734 - 735 - وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ / 4/ 688 - ولَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ / 12/ 135، 230 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ / 17/ 245، 264،// 491 - يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ / 19/ 255 - فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا/ 38/ 457 - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 42/ 598 - كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ / 45/ 620 - بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ / 64/ 124، 129 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ / 72/ 245، 264، 491، 492،// 711

الآية/ رقمها/ الصفحة- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ/ 73/ 492، 591 - مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ / 75/ 285، 492 - لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا (إلى قوله): مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ / 82 - 83/ 418 - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ولكِنْ / 89/ 676 - إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ .... إلى قوله: لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ / 112 - 115/ 540 5 - سورة الأنعام- وما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا/ 4/ 538 - ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا/ 9/ 384 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ / 20/ 292، 327 - ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ / 25/ 538 - ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ/ 38/ 737 - ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ/ 34/ 291 - وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ / 38/ 639

الآية/ رقمها/ الصفحة- ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ/ 52/ 366، 716 - وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها/ 97/ 260 - لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ/ 103/ 135، 136 - وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ / 105/ 545 - وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ / 109/ 554 - ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى / 111/ 539 - أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ / 114/ 292، 293 - لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ / 115/ 290، 291،// 294، 295 - وكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها/ 123/ 538 - وإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ / 124/ 538 - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ / 125/ 460 - لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا/ 148/ 455 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 164/ 476، 716 6 - سورة الأعراف- ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ .... إلى قوله: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ / 11 - 27/ 9 - قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها/ 34/ 152

الآية/ رقمها/ الصفحة- كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها/ 38/ 303 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ/ 54/ 133، 504، 505 - هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي / 73/ 472 - قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ/ 109/ 600 - وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ / 117/ 310 - قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا/ 128/ 251 - ولَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ إلى قوله: إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ / 134 - 135/ 261 - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ / 157/ 327، 375 مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ/ 180/ 122 - قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ/ 187/ 520 - قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ/ 188/ 716، 717 7 - سورة الأنفال- وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ / 30/ 346 و460

- اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ / 32/ 555 - وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ / 33/ 555، 556، 557 - فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ (إلى قوله) وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ / 41/ 541، 735 - وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ / 48/ 686 8 - سورة التوبة- فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ / 5/ 96 - فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ / 6/ 131 - وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى / 30/ 264، 591، 592، 711 - اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ / 31/ 330، 591 - 592 - إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ / 40/ 93 - قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا/ 52/ 417 - سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ / 101/ 480 - ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا/ 113/ 118 - فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي / 122/ 152 - 153

9 - سورة يونس- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ / 3/ 290، 505 - هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً/ 5/ 260 - لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ/ 26/ 135، 500 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ / 38/ 599 - وجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ .. إلى قوله: آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ / 91 - 92/ 542 10 - سورة هود- وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ/ 7/ 132، 505 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ / 13/ 599 - ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا/ 27/ 297 - ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ / 31/ 717 - قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ / 43/ 412 11 - سورة يوسف- إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ/ 4/ 316، 324 - ولَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ / 65/ 315 - ولِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ / 72/ 620 - إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ / 95/ 122

- ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً/ 100/ 312، 324، 333، 353 12 - سورة الرعد- إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ/ 7/ 716 - ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ/ 33/ 456 - ولَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهُمْ / 38/ 534 13 - سورة إبراهيم- قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ إلى قوله: عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ / 10 - 11/ 285 - وسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ دائِبَيْنِ / 33/ 374 - يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ / 48/ 491 14 - سورة الحجر- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ / 9/ 290، 296، 435، 486، 746 - إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ / 18/ 174، 549 - نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ / 49/ 263

- ونَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ / 51 - 60/ 410 - وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ / 82/ 539 15 - سورة النحل- ومِنْها جائِرٌ/ 9/ 459 - تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ/ 89/ 737 - إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ / 40/ 735 - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ / 90/ 610 16 - سورة الإسراء- ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 15/ 476، 716 - وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ / 44/ 471 - وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ / 59/ 540، 541، 551، 554 - ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً/ 60/ 452 - ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ/ 82/ 260 - قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ / 85/ 419 - قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ / 88/ 599، 607

- وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ / 90 - 93/ 543، 551، يَنْبُوعاً- إلى قوله: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا/ 554 17 - سورة الكهف/ 28/ 467 - ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا/ 56/ 10 - وما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ / 86/ 10، 360، - حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها/ 361، 364، 429، 692 110/ 264 - قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما// 18 - سورة مريم/ 10/ 307 - آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا/ 16/ 400، 718، - واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ // 730 / 20/ 308 - أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ/ 28/ 300، 302، - يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ// 303 - إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا/ 30/ 417

- واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً/ 56 - 57/ 730 - وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً/ 71 - 72/ 713 19 - سورة طه- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى / 5/ 133 - وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى. (إلى قوله) خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى / 17 - 21/ 310، 312، 472، 597 - ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي / 39/ 190 - إِنْ هذانِ لَساحِرانِ / 63/ 600 - وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا/ 69/ 489 - إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ/ 71/ 600 - ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ / 71/ 367 - ولَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي / 77/ 597 - قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ / 123/ 250 - ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً/ 124/ 480 - ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ / 134/ 259، 480

20 - سورة الأنبياء- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ. (إلى قوله): إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ / 1 - 2/ 297 - لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوَى إلى قوله: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ / 3/ 297 - ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ / 7/ 290، 297 - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ / 18/ 163 - لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ / 23/ 452 - وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ / 30/ 387، 391، 393 - وهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ / 33/ 369 - ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ. إلى قوله: فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ / 51 - 70/ 346 - وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ إلى قوله: وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ / 83 - 84/ 401 - كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ / 104/ 425، 492

21 - سورة الحج- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ / 19/ 92، 566 - وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ / 47/ 520 - وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍ / 52/ 393، 394، 406، 729 - لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ / 53/ 408 - مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ / 78/ 620 22 - سورة المؤمنون- ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. (إلى قوله): فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً/ 12 - 14/ 392 - مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ / 91/ 313 23 - سورة النور- الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما/ 2/ 666، 668 - ولا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ / 22/ 93 - واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ/ 45/ 387، 388، 389، 393 - ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ / 52/ 588

- فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ / 54/ 716 24 - سورة الفرقان- وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ (إلى قوله): قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ/ 4 - 6/ 301 - وقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي فِي الْأَسْواقِ إلى قوله: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً/ 7 - 8/ 542 - تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ (إلى قوله): بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ/ 10 - 11/ 543 - 544 - وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ / 20/ 543 - وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً. (إلى قوله): إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً/ 32 - 33/ 592 - ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ / 33/ 234 - وقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ / 37/ 345 - وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً/ 54/ 387، 390، 392 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما/ 59/ 505 - اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ / 60/ 544

الآية/ رقمها/ الصفحة 25 - سورة الشعراء- قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ / 34/ 600 - أَنْتُمْ وآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ / 76/ 600، 605 - والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ إلى قوله: فَهُوَ يَشْفِينِ / 78 - 80/ 308 26 - سورة النمل- وأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى / 10/ 310 - ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ/ 16/ 92، 411 - وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ/ 23/ 389، 411 - وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ / 44/ 411 - ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ / 50/ 347 - قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ / 65/ 717 27 - سورة القصص- ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً إلى قوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ / 23 - 27/ 325، 333، 334، 335 - وأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى 620 مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ / 31/ 310 - وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ / 38/ 543

- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى إلى قوله: هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ / 48 - 49/ 600 - ولَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ / 51/ 644 - إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ (إلى قوله): فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الْأَرْضَ / 76 - 81/ 346، 543 - تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا/ 83/ 251 - كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ / 88/ 437 28 - سورة العنكبوت- ولا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا/ 46/ 169، 751 - وما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ / 48/ 545 29 - سورة الروم- ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ / 20/ 387، 391، 392 - ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً/ 21/ 624 - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُ / 32/ 89 - ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ / 60/ 228

30 - سورة لقمان- قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا/ 21/ 639 - وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى / 29/ 374 - إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ/ 34/ 520 31 - سورة السجدة- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ... إلى قوله: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والْأَبْصارَ والْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ / 4 - 9/ 253، 505 32 - سورة الأحزاب- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ / 28/ 633 - وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ / 33/ 98 - فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها/ 37/ 527 - تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ/ 51/ 528 33 - سورة سبأ- قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ولا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ / 25/ 715 - إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ/ 46/ 544

34 - سورة فاطر- جاعِلِ الْمَلائِكَةِ/ 1/ 438 - واللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ/ 11/ 387، 391، 392 - وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى / 13/ 374 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 18/ 476، 716 - ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ / 43/ 346، 347 35 - سورة يس- ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ / 12/ 458 - وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ / 35/ 91 - والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها/ 38/ 361، 362، 374 - حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ / 39/ 122، 605 - وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ. (إلى قوله) وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ / 37 - 40/ 362 - إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ / 82/ 360، 364، 460

36 - سورة الصافات- واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ / 96/ 452، 456، 458 - إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ / 102/ 523 37 - سورة ص- ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً/ 34/ 401، 532 - رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي / 35/ 395 - واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ / 41 - 44/ 401 - لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ / 75/ 129 - ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ / 88/ 544 38 - سورة الزمر- وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى / 5/ 374 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 7/ 476، 716 - فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ / 17 - 18/ 242 - أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي / 56/ 130 - اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ/ 62/ 389، 456 - والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ/ 67/ 129، 491

- ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ / 68/ 438 39 - سورة غافر- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ (إلى قوله): الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ/ 5 - 6/ 10 - الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ / 7/ 435 - وقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً. (إلى قوله): وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً/ 36 - 37/ 543 - النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا/ 46/ 480 - 481 40 - سورة فصلت- قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ. إلى قوله: حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ / 9 - 12/ 504 - 505 - فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ/ 13/ 609 - ومِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ/ 37/ 699 - لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ / 42/ 297 - قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وشِفاءٌ/ 44/ 260 41 - سورة الشورى- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ/ 11/ 123، 130، 131، 231

236، 213، 43، 448 - شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي / 13/ 486، 620 42 - سورة الزخرف- وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ / 44/ 299 - وما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها/ 48/ 303 - ولَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ. (إلى قوله): إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ / 46 - 50/ 261 - فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ / 55/ 190 - ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ / 70/ 98 43 - سورة الدخان- يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ / 10/ 490 44 - سورة الجاثية- اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ / 23/ 456 - 457 - 468 45 - سورة الأحقاف- وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ / 9/ 716 - وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ / 11/ 605 - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ/ 25/ 389

- وإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ / 29/ 420 46 - سورة الفتح- يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ / 15/ 439 - لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ / 27/ 607 47 - سورة القتال" محمد"- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ / 19/ 236 - وأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ / 35/ 94 48 - سورة الحجرات- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 9/ 598 49 - سورة ق- ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ/ 16/ 134، 732 - قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ / 27/ 434 - ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما/ 38/ 444، 505 50 - سورة الذاريات- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. (إلى قوله): وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / 24 - 29/ 309 - وفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. (إلى قوله): وهُوَ مُلِيمٌ / 38 - 40/ 346 - وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ / 56/ 233، 458

51 - سورة الطور- أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ / 33 - 34/ 599 52 - سورة النجم- وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى / 3/ 563، 751 - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى / 4/ 544، 751 - ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى / 13/ 695، 717 - هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكى / 43/ 476 - فَاسْجُدُوا لِلَّهِ واعْبُدُوا/ 62/ 397 53 - سورة القمر- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ/ 1/ 257 - اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ .. إلى قوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ/ 1 - 5/ 554 - أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ / 24/ 297 54 - سورة الرحمن- ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ / 27/ 124، 127، 129، 705 - لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌ / 56/ 424، 427

55 - سورة الواقعة- جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ / 24/ 457 - إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً/ 35 - 37/ 425 56 - سورة الحديد- وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ / 4/ 134 - ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا/ 27/ 377 - لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ / 25/ 234 57 - سورة المجادلة- ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ / 7/ 134 58 - سورة الحشر- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ / 2/ 387 - لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ / 8 - 10/ 616 59 - سورة الممتحنة- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 8/ 598 60 - سورة الصف- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا/ 2/ 4630 وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (إلى قوله): ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ

بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ/ 6/ 375، 492، 582 61 - سورة الجمعة- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ / 2/ 288 62 - سورة التغابن- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ / 16/ 235 63 - سورة الطلاق- قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً/ 10/ 298 64 - سورة التحريم- لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ / 1/ 530 - مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ/ 3/ 263 - فَخانَتاهُما/ 10/ 98 - ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها/ 12/ 300 65 - سورة القلم- وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ / 4/ 264 - يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ / 42/ 124، 129 66 - سورة الحاقة- ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ / 46/ 732

67 - سورة نوح- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إِلَّا خَساراً. إلى قوله: ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا/ 21 - 24/ 731 68 - سورة الجن- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ / 1/ 420 - وأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ / 10/ 459 - وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً/ 15/ 99، 598 - قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً/ 21/ 717 - عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً/ 26/ 520، 717 69 - سورة المدثر- ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. (إلى قوله): سَأُصْلِيهِ سَقَرَ/ 11 - 26/ 602 70 - سورة القيامة- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ة/ 22 - 23/ 125، 703 71 - سورة الإنسان- وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً/ 12/ 503 - وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ / 30/ 458، 468

الآية/ رقمها/ الصفحة 72 - سورة النبأ- يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً/ 40/ 503 73 - سورة النازعات - فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى / 24/ 539 74 - سورة عبس - عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى / 1 - 2/ 398 75 - سورة المطففين - كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ / 15/ 135 - هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ / 36/ 457 76 - سورة البروج - فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ/ 16/ 653 - واللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ/ 20/ 705 77 - سورة الطارق - إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وأَكِيدُ كَيْداً/ 15 - 16/ 460 78 - سورة البلد- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِساناً وشَفَتَيْنِ / 8 - 10/ 664

الآية/ رقمها/ الصفحة 79 - سورة الزلزلة- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَنْ يَعْمَلْ .. / 7 - 8/ 713 80 - سورة الكوثر- إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ/ 1/ 617 81 - سورة الكافرون - قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ / 1/ 592 82 - سورة الإخلاص - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ/ 1/ 289

ثانيا: فهرس الأحاديث والآثار

ثانيا: فهرس الأحاديث والآثار الحديث/ الصفحة - آخذه لك يا رسول الله؟ فأومأ برأسه أي: نعم. إلى قوله: فاستاك به 744 - ائت أبا بكر 736 - ائتوني بأعلم رجلين منكم.، فأتوا بابني صوريا 670 - ائتوني بكتف أكتب، لكم كتابا لا تضلوا بعده 733 - أبغض المباح إلى الله الطلاق 645 - أتدري أين تذهب هذه؟ - أي الشمس- قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنما تذهب حتى تسجد 362، 366 - أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنت رسول في الأميين 490 - أتيت بالبراق ... فركبته حتى أتيت بيت المقدس ... (حديث الإسراء والمعراج). 455 - أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس 516 - أحلت لكم الغنائم 254، 282 - أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن 327 - أخبرني جبريل بالحرة قال: بشر أمتك أنه من مات لا

يشرك 708 - ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله 622، 623 - ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. 734 - إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط. 426 - إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا 427 - إذا أكل أحدكم فيأكل بيمينه 426 - إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها 684 - إذا أمن الإمام فأمنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. 707 - إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: (تريدون شيئا أزيدكم؟) ... فيكشف الحجاب، فما أعطوا أحب إليهم من النظر إلى ربهم 500 - إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها 667 - إذا كانت لأحدكم إلى امرأته حاجة فليأتها وإن كانت على التنور. 279 - إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداءك من النار. 485 - إذا وضعتموني على شفير قبري في بيتي فاخرجوا عني فإن

الملائكة تصلي عليّ أولا. 512 - أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش: بين شحمة أذنه وعاتقه 435 - أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال له رسول الله: نعم. 673 - أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له. 321 - أرأيتم ليلتكم هذه؟ على رأس مائة 513 - أرسل الله ملك الموت إلى موسى- عليه السلام- فلما جاءه صكه ففقأ عينه 695 - أسألك بكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو استأثرت 122 - أشهد أنه على الحق 550 - اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح. 672 - أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب 681 - اعلم أن رسول الله ... جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب، ولم ينهنا عنهما 660 - أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. 122 - اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. 666

- اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه 510 - أقاد مسلما بكافر. 749 - 750 - أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. 642، 673 - اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. 109 - اكتبوا لأبي شاة. 107 - الأئمة من قريش 736 - ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم 302 - ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي 610 - ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه ... بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة 749 - ألا قد بلغت 738 - الصقي بالأرض" البغلة؛ 578 - اللهم اغفر لعبد الله بن قيس 674 - اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض. 95 - اللهم إني أسألك علما لا ينسى 394 - اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على رسولك فاردد عليه الشمس .. : رد الشمس لعلي 257 - اللهم علمه تأويل القرآن 364

- اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. 742 - أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله. 96، 749 - أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال:" إنكم لا تدرون في أية البركة". 684 - أنا أولى الناس بابن مريم، إنه لم يكن بيني وبينه نبي. 249 - أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة 566 - أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة 749 - أنا سيد ولد آدم 381 - أناجي من لا تناجون 283 - أنتوضأ بماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. 312 - أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا ألا يخونوا 540 - انشق القمر ونحن مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فصار فرقتين 257، 571 - انطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. إلى قوله: فأنزل الله ... قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ. 420 - أن رجلا أتى امرأته في دبرها، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- وجدا شديدا. فأنزل الله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ... 643 - إن المهاجرين كانوا يجبون نساءهم 642 - أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ. 364

- إنما بعثت معلما. 633 - إنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات 641 - إن آدم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها 241، 277 - إن أبي وأباك في النار. 714 - إن أرواح الشهداء على باب الجنة في أجواف طير خضر. 493 - إن بمكة حجرا يسلم عليّ ليالى بعثت إني أعرفه الآن. 560، 572 - إن بين يدي الساعة كذا بين- أو دجالين كذابين- قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي. 247 إن دانيال دعا ربه عز وجل أن يدفنه مع أمة محمد. 230 - إن ذلك لن يمنع شيئا أراده الله. 664 - إن رؤيا الأنبياء وحي. 323 - إن الشمس لم تحبس إلا ليوشع 254 - إن الشيطان عرض لي الصلاة ليقطعها عليّ فأمكنني الله منه 395 - إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. 432، 693 - إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء حتى يحضره عند أكل طعامه 684

- أن الكلب الأسود شيطان 686 - إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن- أو أقرئك القرآن- قال: الله سماني لك؟ قال: نعم 364 - إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تكلم. 661 - إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله. 260 - إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه 475، 476 - إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب 682 - إنك غليم معلم 366 - إنكم لا تدرون في أية البركة 684، 685 - إن محمدا لم يمت وإنما ذهب إلى مناجاة ربه بروحه كما ذهب موسى للمناجاة ببدنه. 737، 738 - إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام. 521 - إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم. 559 - إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. 329 - إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. 284 - إن المرأة إذا أقبلت أقبل معها شيطان 279 - إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات. 515

- إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن 421 - إنهم ليبكون عليها وإنها تعذب في قبرها. 476 - إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. 516 - إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم أن رسول الله قد أعمر طائفة من أهله في العشر 660 - إنى لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف 518، 520 - إني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا 563 - إني لأراكم من وراء ظهري. 578 - أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها. 279 - أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ 741 - أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: كان فى عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء. 132 - بعثت أنا والساعة كهاتين. 515، 516 - بعثت إلى الناس كافة. 753 - بم أعرف أنك نبي؟ قال: إذا دعوت هذا العذق من هذه النخلة 573 - تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. 199، 664

الحديث الصفحة- تطلع الشمس بين قرني شيطان 429، 688، 691 - تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة 483، 489 - تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى. 396، 399 - ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن خمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث 653 - جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 753 - جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله 666 - حبب إليّ من الدنيا: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة 278، 280، 281 - حتى إذا أبرزنا قال: .. هل من شيء يواريني؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة 574 - الحجر الأسود يمين الله في الأرض 126، 128، 130، 704 - الحرب خدعة 678 - حسبك يا ابن أخي. نشدتك الله والرحم ألا سكت 609 - حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما 707 - خالط ريقى ريقه في آخر أيام الدنيا 527، 744

- الخالة بمنزلة الأم 318 - خذ عليك سلاحك 687 - خذوا عني. قد جعل الله لهم سبيلا الثيب بالثيب 668 - خطب إلى لزق جذع واتخذوا له منبرا فخطب عليه فحن 560، 572 - الخلافة بعدي ثلاثون ثم يصير ملكا 736 - خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار 409 - خيرت بين أن يجعل الله الصفا ذهبا، ثم إن لم يؤمنوا هلكوا 540 - الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر 743 - ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون 531 - رأى ربه في صورة شاب موقر في خضر على رأسه فراش 441 - رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جبريل على صورته وله ستمائة 695 - رد الشمس لعلي 257 - رأيت ربي فى أحسن صورة، ووضع يده بين كتفي 440 - رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم 722 - رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا ينحر، فأولت الدرع 722

- زار النبي قبر أمه فبكي وأبكي من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي 714 - سار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر ... فجاءوا يجبنونه ويجبنهم 567 - ساعد الله أشد وموسى الله أحد 127، 129، 704، 705 - سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا 540 - سبح في يده الحصى 560 - سحر رسول الله رجل من بني زريق يقال له ليبد 402، 403، 491 - سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النجم 397 - سنوا بهم سنة أهل الكتاب 622 - السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 744 - شاهت الوجوه 577 - شهيد البحر مثل شهيد البر والمائد في البحر 474 - الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق 493 - الشونيز دواء من كل داء 522 - صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعده، 731

- صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع 699 - عذاب القبر حق 477 - على يدي دار الحديث: تمتعنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما قام عمر 521 - عليكم بهذه الحبة السوداء 521 - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين 108 - غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ... إلى قومه: فقال للشمس: إنك مأمورة ... فحبست حتى فتح الله عليهم 254، 281 - 282، 726 - غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا 266 - فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا 370 - فالدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها 517 - فدنا رب العزة حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى 440 - فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام 91 فطار العلج بسكين ذات حرفين ... فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه 266 - فقدنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلنا: اغتيل 420

- فلا تفعلوا لو كنت آمرا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن تسجدن لأزواجهن 321 - فهل من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة له 580 - فيأتيهم الجبار فيقول أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا 125 - فيأتيهم الجبار في صورته التي رأوه فيها أول مرة 703 - فيضع الرب قدمه فيها فتقول: قط 126، 440 - قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله دخل الجنة 709، 713 - قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق أمر الحبشة 250 - قالت: وكنت أفركه- أي المني- من ثوب رسول الله 271 - القبر أول منازل الآخرة 517 - القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين 494 - قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله 710 - قد خبأت لك خبأ. فقال ابن صياد: هو الدخ 490 - القدرية شيعة الدجال 89 - قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة 266 - قصة أبي سفيان- رضي الله عنه- مع هرقل في سؤاله له

عن النبي- صلى الله عليه وسلم- 331، 414 - 416 - قصة إسلام سلمان 549 - قصة ادعاء إبراهيم عليه السلام بأن سارة أخته 339 - قصة قتل الأسود العنسي 608، 616 - قصة وفد نجران 329 - قصة ولدي جابر وذبح أحدهما الآخر- وإعادتهما حيين 576 - القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله 523 - قلعت عين قتادة فقال يا رسول الله: إن لي امرأة وأنا أحبها وأخاف أن تبغضني لعوري 261، 576 - قلوب الخلق بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء 126، 128، 703 - 704 - قيدوا العلم بالكتاب. قول لعمر بن الخطاب 108 - كان أملككم لإربه 632 - كأني أنظر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- على المنبر وعليه عمامة 431 - كان في السبي صفية فصارت لدحية ... ثم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- 529 - كل عظم يذكر اسم س الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون

لحما 421 - كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل، وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سرية 275 - كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة ... وهن إحدى عشرة 526 - كان .. يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها 684 - كان يأمرني وأنا حائض فأتزر ويباشرني 527 - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب 271 كان يقبلها- أي عائشة- وهو صائم ويمص لسانها 527 - كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها 739 كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: نِساءَكُمْ ... 641 - كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في مسير فنفدت أزواد القوم ... فدعا عليها ... فقال عند ذلك: (أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله: لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) 579 - كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله 657 - كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه 732 كنا نعزل على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- 662

- كنا نعزل والقرآن ينزل 662 - كنت رجلا مذاء وكنت أستحي أن أسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- 272 - كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ... فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله. 541، 572 - لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. 514 - لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها 427 لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، أولا ترجعوا بعدي ضلالا. 100 - لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط 126، 703 - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من عاندهم إلى يوم القيامة. 735 - لا تشتملوا اشتمال اليهود. 431 - لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم 171، 231، 379، 620، 751 - لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده 400، 718 - لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. 247

- لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري 429 - لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. 644 - لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان. 282 - لا ضر ولا ضرار. 86، 145، 146 - لأطوفن الليل بمائة امرأة تلد كل واحدة غلاما يقاتل 531 - لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه 567 - لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر. 664 - لأقضين بينكما بكتاب الله. أما الوليدة والغنم 667 - لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد 514 - لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم 163 - لا يبيتن أحد عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم. 434 لا يقضي القاضي وهو غضبان. 283 - لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء 485 - لتشد إزارها ثم شأنك بأعلاها 671 - لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 729 - لقد تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها 734 - لقد نطق عن مثل النبوة «خطر» 549

- لكل نبي حواري وحواري الزبير. 376 - لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة 709 - لله تسعة وتسعون اسما 709 لما رأى زينب حاسرة قال: (سبحان مقلب القلوب). 528 - لم يفعل أحدكم فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. 663 - لم يقبر نبي إلا حيث يموت. 511 - لم يكذب إبراهيم- عليه السلام- قط إلا ثلاث كذبات 690 - لهم مالكم وعليهم ما عليكم. 749 - لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا. 639 - لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أتيت مزمارا من مزامير داود. 230 لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته. 613 - لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء- يعني أسارى بدر- لتركتهم له. 610 لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر 738 - لو كنت آمرا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. 321

الحديث/ الصفحة- ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو نمى خيرا. 680 - ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. 528 - ما أكل النبي- صلى الله عليه وسلم- على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق. 268 - ما أكل النبي- صلى الله عليه وسلم- خبزا مرققا ولا شاة مسموطة 267 - ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم. 518 - ما تركناه صدقة. 90، 91 - مات اليوم رجل صالح. 329 - ما زالت أكلة خيبر تعادّني حتى كان هذا أوان قطعت أبهري. 558 - 559، 732 - ما عدا المسيح ما قال هذه. يعني عود في يده. 418 - ما على الأرض نفس منفوسة- يعني اليوم- تأتي عليها مائة سنة. 513 - ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه 511 - ما لي وللدنيا. ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها. 268 - ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه 404، 432 - ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا 483 - ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا 482

- ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أتيت 562 - المسلمون على- أو عند- شروطهم. 648 - ملك الموت: الدنيا بين عينيه كدارة درهم. 694 - من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا 482 من أغبرت قد ماه في سبيل الله حرمه الله على النار. 708 - من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع. إلى قوله: غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى. 707 - من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليقعد في بيته. 283 - من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. 126، 127، 701، 703 - من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. 708 - من دل على دانيال فبشروه بالجنة. 230 - من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم ولكن رأى جبريل فى صورته 694 - ومن زعم أن محمدا يخبر بما يكون فقد أعظم الفرية على الله. 718

- من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين 709 - من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 706 - من صلى البردين دخل الجنة. 709 - من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار. 711 - من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة 750 - من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها. 658 - من نذر أن يطيع الله فليطعه 675 - من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 706 - الميت يعذب ببكاء أهله. 475، 476 - نبع الماء من بين أصابعه 578 - نزلت آيه المتعة في كتاب الله- وأمرنا بها رسول الله 657 - 658 - نزلت الآية في اليتيمة ... فنهوا أن ينكحوهن حتى يقسطوا 594 - هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين 377 - هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام. 546 - هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده 733 - هل تدري أين تغرب هذه؟ 361 - هل لك من أم؟ قال لا. قال: هل لك من خالة .. قال:

قال: نعم. قال: فبرها. 319 - وأدخل أصابعه في صماخ أذنه. 470 - وإذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة 469 - وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك 500 - واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا. 135 - وافقت ربي في ثلاث. قول عمر. 97 - وألا يقتل مسلم بكافر. 750 - والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. 739 - والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. 96 والله لا أحملكم ... وإني والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت 674 - والله ما هو بسحر ولا شعر وكهانة، ولقد سمعنا ذلك كله وما هو بشيء منه 601 - 602 - وإنه أتاني وفد جن نصيبين. 422 - وبعثت إلى الأحمر والأسود. 753 - وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثا ليس بالأغاليط. 267

- ورأيت جبريل- عليه السلام- فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية 695 - وغزا بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان. 580 - وفي بضع أحدكم صدقه ... قال: أرأيتم إن وضعها في حرام 531 - وكان جبريل يأتي ... في صورة دحية الكلبي 529 - ولقد اشتد عليه الموت حتى لا أكره شدة الموت لأحد بعده. 741 - وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل 688 - وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم هم شر شياطين الجن. 403 - ويح عمار تقتله الفئة الباغية. 574 - ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا. 561، 575 - ويلك من يعدل إذا لم أعدل. 574 - يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر ... إلى قول علي: بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس، وانهزم حتى رجع. 567 - يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك 645 - يا عمر: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا لقيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- مني بابني 293 - يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. 118

- يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ... ما تركته 546 - يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج 270 - يحشر الناس حفاة عراه غرلا. 485 - يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير 484 - يحمل السموات على إصبع. 129 - يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة. 124 - يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه 478 -" فإن له معيشة ضنكا" قال: عذاب القبر. 480 - يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد 428 - 429 - يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وأنه ليقيد يومئذ الجماعة من 503 - يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود. 685 - يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة. 440 - ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا. 439

ثالثا: فهرس الأشعار

ثالثا: فهرس الأشعار الأبيات/ الصفحة - حدا باسمك الحادي وناحت حمامة فلم أدر أي الداعيين أجيب 481 - ودع عنك الشرائع لست منها ولو غبرت وجهك بالتراب 449 - إني رأيتك في الهوى ذواقة لا تصبر بن على طعام واحد 424 - حمار في الكتابة يدعيها كدعوى آل حرب في زياد 449 فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد 449 - لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي 655 تناديه باسم الماء وهو كثير 450 - ألذ من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا 56

حدثنا على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محي الشريعة أحمدا 56 - إن ساعدتك سوابق الأقدار فأنخ مطيك في حمى المختار 57 - حنبلي أشعري رافضي إنها إحدى العبر 103، 106 - تمنى ابنتاي أن يعيش أبو هما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر 450 - فقوما فنوحا بالذي تعلمانه ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر 450 وقولا: هو المرء الذي لا صديقه أضاع ولا خان العهود ولا غدر 450 إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر 450 - ومن حذر الأيام ماحز أنفه قصير ورام الموت بالسيف بيهس 240 - أتى عيسى فأبطل شرع موسى وجاء محمد بصلاة خمس 608

وقالوا لا نبي بعد هذا فضل القوم بين غد وأمس 608 ومهما عشت من دنياك هذي فما تخليك من قمر وشمس 608 - وعيروني بذلي في محبتها وبالذي عيروني تم لي الشرف 276 - أمحمد يا خير ضنء كريمة في قومها والفحل فحل معرق 613 ما ظن ضرك لو مننت وربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق 613 أو كنت قابل فدية فلينفق بأعز ما يغلو به ما ينفق 613 - ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك الردى دارا بدارك 180 وتترك ما عنيت به زمانا وتنقل من غناك إلى افتقارك 180 فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك 180

- إن تلق عيبا فلا تعجل بسبك لي إني امرؤ لست معصوما من الزلل 119 - بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما وبالقتل تنجو كل نفس من القتل 656 - ولقد سريت على الظلام بمغشم جلد من الفتيان غير مثقل 398 - روى ألف ألف من أحاديث أسندت وحصلها حفظا بلقب محصل 56 أجاب على تسعين ألف قضية بحدثنا لا من صحائف نقل 56 - وإذا تعسرت الأمور فإنني راج لها بمحمد تسهيلا 188 ابدأ بنفسك فانهها عن غيبها إذا انتهت عنه فأنت حكيم 446، 595 فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى القول منك ويقبل التعليم 595 لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم 446، 595

- قوم إذا دخل الغريب بأرضهم أضحى يفكر في بلاد مقام 57 بثقالة الأخلاق منهم والهواء والماء وهي عناصر الأجسام 57 ووعورة الأرضين فامش وقع ونم كبعير المستعجل التمتام 57 - بجوار قاسيون هم وكأنهم من جرمه خلقوا بغير حمام 57 - بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم 367 - فازورّ من وقع القنا بلبانه وشكا إليّ بعبرة وتحمحم 473 لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي 473 - جد للشوق ولو بطيف كلام ... ... ... - يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان 548 57 - أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان 549

لقد منع السمع عتاة الجن بثاقب بكف ذي سلطان 549 من أجل مبعوث عظيم الشأن تبطل به عبادة الأوثان 549 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا 546 فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منه عيونا 547 ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا 547 وعرضت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا 547 لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا 547 - وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرين 399 - امتلأ الحوض وقال: قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني 474

الأبيات/ الصفحة- كم بين من شك في خلافته وبين من قيل إنه الله 111، 113 ولما بدت حوران والآل دونها نظرت فلم تنظر بعينك منظرا 314 وأنت الذي حببت شعبا إلى بدا إليّ وأوطاني بلاد سواهما 314 قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب 567 إذا الحروب أقبلت تلهب

رابعا: الأمثال

رابعا: الأمثال المثل/ الصفحة - أريها السهى وتريني القمر 239 - حتفها تحمل ضأن بأظلافها 240 - لأمر ما جدع قصير أنفه 240 - مثلي لا يغالط في الحساب 267 - رمتني بدائها وانسلت 447 - وهيهات من دون المراد موانع 292 - أبصر من زرقاء اليمامة 537 - أكذب من مسيلمة 537، 576 - ألستم في الهوى والصفع في القفا 583 - لو وقعت من السماء صفعة ما سقطت إلا على قفاه 583 - والشكول أقارب 687 - إن في المعارضين مندوحة عن الكذب 690 - أوسعتم سبا ورحوا بالإبل 583

خامسا: فهرس الألفاظ والمصطلحات المشروحة

خامسا: فهرس الألفاظ والمصطلحات المشروحة مرتبة على حروف الهجاء «1». الكلمة/ الصفحة آنست 228 الآية 246 الأبهر 559، 732 أتانه 354 اتسى به 416 الأحبار 330 الأخبثان 282 أراح 509 الإرادة 460 أركون العالم 381 أساغ 559 استأنيت 541 الاستبداد 520 استحالة الخلاء 258 الاستحسان 242 الاستصحاب 251 استروحتم 487 استطير 421 استعلن 635 استوسق 250 الأسقف 423 الكلمة الصفحة أسكرجة 268 الاشتراك اللفظي 299 اعتوار اللغات 488 اغتيل 420 الاغضاء 670 الأقانيم 371 أكاسرة 611 الالحاد 37 ألمع 597 الإملال 228 الأناجيل 229 انتصاب النفس 524 انحاش 633 البارقليط 248 بالام 484 بجران الجمل 575 برزنا 574 البرص 524 بشاشة القلوب 416 البطريق 423 بغية 582 البلاغة 588 بلستا 651 البلغة 501 بندقة شمع 696

_ (1) ذكرت الصفحات التي شرحت أو وضحت فيها دون غيرها.

البهق 524 البيع 640 التأميل 680 التأويل 447 الثئاليل 524 التبييت 347 تجشمت 417 التجمل 463 التجوير 459 التحنيط 509 تخليص المعاني ونصوصيتها 228 تذودان 334 ترجي من تشاء 528 ترضى نفسه 623 تزوادنا 579 تستنكف 641، 659 التصبير 509 تعادني 559 تعانى 156، 356 تعاورتها اللغات 486 التعميد عند النصارى 456 تغابي 233 تغيظ 354 تكدر عليه 680 تمحل 487 التمني 407 التواطؤ 299 الجاليق 423 الجب 646 الجبانة 574 الجحش 354 الجرب 580 الجرب 524 الجلحاء 484 الجلف 424 الجنب 130 الحار الغريزي 270 حدا 481 الحرم 335 الحصور 534 الحكايات 412 الحمام 95

الحواريون 376 خبر الواحد 570 الخروف 350 الخشم 358 الخفاش 237 الخضرات 404 خلفات 281 الخيلان 524 الدولاب 696 الدياجر 635 الديارات 640 ربيون 721، 725 الرتق 646 الرتيلا 524 الرصد 369 رعاية الأصلح 254 الرفض 653 رمز عقد بمرة 474 الرمق 501 الرمل 700 الرهبان 377 الروح 434، 437 زائدة الكبد 484 الزبرة 487 الزبيتان 482 الرجر 755 الزركشة 604 الزندقة 37، 356 السام 521 السبط 354 سجال 416 سحرى 741 سخطه 415 السرحة 367 السهى 239 السوداء 358 السوقة 405 السيماء 693 الشبق 282 الشجاع 482 شرته 635 الشعبذة 286

الشرة 635 الشكول 687 الشمامسة 423، 641 الشونيز 522 الصّبر 509، 558 صلفا 424 صماخ الأذن 470 الصمم 358 الصورة 441 الضائنة 350 الضجر 228 ضيق عطن 319 طبائعيا 522 الطور 496 العائرة 449 العذق 573 العصمة 412 العلج 266 علم الهيئة 259 العلة الأولى 238 العليق 694 عماء 132 العمامة 431 عماه 465 العنة 646 عزلا 485 الغسق 634 غية 582 الفشار 406 الفصاحة 588 الفطريات 242 الفلسفة 37، 356 فليجمع خاطره 526 قارف المعاصى 465 القاع 483 القبيلان 494 القدر 251، 455 القديم 122، 605 القرقر 483 القرن 646 قرني شيطان 421

القرناء 484 القسيس 423 القصب 696 القضيب 354 قلف 474 قوانين 262 القيادة 653 القياس 241 قياصر 611 كم مدرعته 310 كنته 280 الكهان 377 الكوة 696 اللئام 227 لا يغالط 267 لهزمتيه 482 ما حل 690 مادّ 415 مارن أنفه 240 المبادى الأولى 237 المتواتر 569 المثلبة 394 مخالسة 739 مخاييس النصارى 274 المدمغ 410 المذبح عند النصارى 456 المذوب 431 المذي 272 مرققا 267 مزامير 230 المستفيض 569 مطران 423 المسامتة 490 المشقة 235 المعجزة 285، 86، 552، 598 المغشم 377 المغفر 720 الملل 228 المناحة 509 مناقضته 227 الميرة 315 ناحت حمامة 481 النبي 263 نطع 579 نمى 680 النواميس 472 نون 484

النيرنجات 286 وجنة ماجد 449 الوطي 268 وهل 476 ويحك 574 الهاجرة 635 هجر «الهجر» 634 الهيولى 441 يأتسي به 416 يستحمله 674 يستخف 228 يستنكفون 659 يقلاه 758 يفوقون إليه السهام 757 يتكفؤها 483 يواريني 574

سادسا: فهرس الأعلام

سادسا: فهرس الأعلام آخاب (248)، 249 آدم عليه السلام ذكر في مواضع كثيرة إبراهيم عليه السلام ذكر في ثلاثين صفحة إبراهيم بن إسحاق الحربي (691) إبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة 512 إبراهيم عطوة 513، 516، 572، 573، 578 إبراهيم بن موسى الشاطبي 236 أبقراط 260 أبو أيوب الأنصاري 662 أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم 518 أبو سفيان بن حرب 331، 414، 415 أبيمالخ (339)، 533، 681 أبي بن كعب 363، (364) إحسان إلهي ظهير 89 أحمد بن إدريس القراقي (41)، 55، 184، 192، 193، 194، 202، 228، 288، 303، 347، 352، 360، 381، 582، 621، 734، 736، 738، 753.

اسم العلم رقم صفحة وروده أحمد أمين 365 أحمد بدوي 43 أحمد البناء 127، 135، 409 أحمد الثالث 203، 204، 208 أحمد حجازي السقا 17، 207، 208، 362 أحمد بن الحسين المتنبّئ 51، 71، 613، 618 أحمد بن الحسين البيهقي (180)، 261، 378، 477، 503، 548، 560، 571، 573، 576، 577، 578، 602، 610، 640، 740. أحمد الخفاجي 257 أحمد بن خليل شهاب الدين السراج (69) أحمد ديدات 10 أحمد شاكر 76 أحمد بن عبد السلام ابن تيمية (64) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. أحمد بن عبد الصمد أبو عبيدة الخزرجي. (184)، 193، 195، 347، 371 أحمد بن عبد الله ابن قتيبة (177)، 689 أحمد بن عبد الله أبو نعيم الأصفهاني 108، 377، 378، 548، 560، 572، 575

أحمد بن عبد الله البكري (178)، 576، 577 أحمد بن عبد الله المعري (608) 613، 614 أحمد بن علي بن إبراهيم" البدوى". (38) أحمد بن علي بن حجر (49)، 50، 52، 57، 58، 60، 76، 79، 81، 112، 113، 154، 155، 156، 157، 254، 267، 518. أحمد بن علي القلانسي (63) أحمد بن علي بن الساعاتي (42) أحمد بن علي المقريزي 35، 40 أحمد بن علي النسائي (61)، 90، 96، 135، 176، 199 أحمد بن محمد بن حنبل (56) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى أبو جعفر الطحاوي: أحمد بن محمد (177)، 257 أحمد بن محمد الميداني 240، 583. أحمد بن محمد بن خلكان 182 أحمد بن مكتوم القيسي 111، 112، 113، 154 أحمد بن يحيى بن الراوندي الإخشيد (101) إدريس عليه السلام 730، 731 ارمياء 229، 247، 266، 276، 328، 466.

أرسطو طاليس (237)، 238، 240، 244، 259، 265، 268، 269، 442، 471، 487، 697. إسحاق بن راهويه 177 إسحاق عليه السلام 319، 337، 339، 379، 385، 410، 508، 533، 635، 681، 719. اسفنديار (612) أسماء بنت عميس 257 أسماء بنت يزيد بن السكن 678 إسماعيل عليه السلام 230، 319، 378، 380، 385 إسماعيل بن أبي حبيش: الملك الصالح (23) إسماعيل بن رافع 135 إسماعيل بن عبد الرحمن السدي 298، 399، 317، (438)، 595 إسماعيل بن العراقي 110 إسماعيل بن علي الطبال 53، 58، (60) إسماعيل بن كثير (134) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى إسماعيل بن محمد مجد الدين 53، (65)، 104 الحراني

إسماعيل بن محمد العجلوني 127، 664، 704 أسيد بن حضير 665 أشعياء 229، 343، 350، 359، 352، 354، 371، 372، 449، 474، 631 أصحمة بن بحر النجاشي 329، 417، 418، 588 أفرايم 321 امرئ القيس 57، 82، 181، (589) أم سليم بنت ملحان 529 أمية بنت أبي الصلت 550 أنيس 666 أم كلثوم: بنت محمد- صلى الله عليه وسلم 90، 94 أم كلثوم بنت عقبة 680 أنس بن مالك 106، 108، 267، 278، 292، 296، 331، 336، 362، 363، 438، 440، 478، 516، 526، (529)، 571، 572، 654، 672، 678، 703، 749 أوبانس الثاني 22

أوريا بن حنان الحثي 532 أيوب عليه السلام 401، 636، 638، 743 أيوب «الراوي» 742 بحيرا الراهب (377)، 549 بختنصر 230، 231، (328)، 360. البراء بن عازب (318) بروكلمان 75، 83 بسام بن نوح 305 بشر بن البراء بن معرور (559)، 561 بشر المريسي 478 بطرس" أحد التلاميذ" 229، 340، 498، 648 بطرس السائح 22 بقطينوس الحكيم 462 بقية بن الوليد 135 بكر بن خنيس 633 بكر بن زياد الباهلي 586 بلقيس 389 بنيامين 313، 315 بولص الراهب 288، 753

تركان الحجة الأتابكية (33) تميمة بنت وهب (644) ثابت بن أسلم البناني (296)، 297 جابر الجعفي 86 جابر بن سمرة (572) جابر بن عبد الله 279، 283، 319، (433)، 434، 435، 576، 610، 635، 641، 657، 660، 662، 671، 678، 684، 685، 695، 722، 753. جالينوس (271) جبريل عليه السلام 276، 311، 386، 412، 372، 529، 695، 696، 709، 713 جرير بن عطية الشاعر (617)، 618 جعفر بن أبي طالب 250، 418، 588 جعفر بن ثعلب كمال الدين الأدفوى. (55)، 113، 114، 157 (361)، 362، 365، 403، 483، جندب بن جنادة أبو ذر 531، 685، 676، 701، 708، 713 جهم بن صفوان 457 حاتم بن عبد الله الطائي 566

الحارث بن ورقاء 583 حبيب بن أوس أبو تمام الطائي 368، (618) حبش بن كوش بن حام 329 الحجاج بن منهال 722 الحجاج بن يوسف 595 حذيفة بن أسيد الأنصاري 515 حذيفة بن اليمان 267، 518، 622 حرقوص 230 حريث بن حسان الشيباني 240 حزقيل النبي (372)، 374 حزقيال" الملك" 229، (372)، 374، 389 حسان بن ثابت 446، 610 الحسن بن زيد بن علي العلوي 586 الحسن بن علي 90، 361، 662 نظام الملك الحسن بن على الطوسي (32) الحسن بن قاسم العلوي 586 الحسن بن قزعة 539 الراغب الحسن بن محمد الأصفهاني 334، 356 حسن بن محمد النابلسي (205)

الحسن بن مسعود اليوسي 239، 655 الحسن بن يسار البصري 84، 316، 317، 319، 363، 552، 596، 666. الحسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي 512 الحسين بن عبد الله ابن سيناء (497)، 501، 503، 584 الحسين بن علي 90، 101، 361، 418 حسين بن محمد الديار بكري (549) الحسين بن يوسف الحلي ابن المطهر (59)، 103، 117 حفصة بنت عمر بن الخطاب (98)، 103، 645 الحكم بن نافع أبو اليمان (413) الخطابي: حمد بن محمد (176)، 429، 527، 573، 632، 683، 687، 692، 697 حماد بن زيد 742 حماد بن سلمة 722، 742 حمزة بن عبد المطلب 566، 609 حمزة الفعر 49، 50، 51 حمزة «القارئ» 361، 364 حنة 301 حواء 624، 639

خارجة بن زيد بن ثابت 357 خارجة بن مصعب (553) خالد بن عبد الله القسري 548 خالد بن مخلد 671 خالد بن الوليد 365، 418، 537، 611 خباب بن الأرت 662 خديجة بنت خويلد 90، 546 خطر بن مالك الثقفي 548 خلف بن موسى 518 خليل بن آبيك الصفدي (112)، 157 خليل الأشرف المملوكي 22 خير الدين الزركلي 78، 80، 82، 134، 265، 523 خنيس بن حذافة السهمي 98 دانيال 230، 343، 350، 354، 631 داود بن على الظاهري 130 داود بن الزبرقان 633 داود عليه السلام 92، 176، 197، 230، 275، 411، 453، 508، 532، 534 دحلان 185

دحية بن خليفة الكلبي (529)، 695 دمشق بن كنعان 507 الديار بكري 174 ذو القرنين (360) راحيل" أم يوسف" 313، 314، 319، 325، 628 ربقة 339، 533 سطيح" ربيع بن ربيعة الأزدي" 377، 548 الربيع 596 الربيع بن سبرة الجهني 657 رحمة الله الهندي 12، (185)، 192، 193، 194، 245 رستم الشديد (612) رضاء الله بن محمد المبارك فوري 436 رفاعة بن سموأل القرظي (644) رقية بنت محمد- صلى الله عليه وسلم 94 رهم بنت الخزرج 446 روبيل بن يعقوب 280، 354، 404، 533، 649، 661 زاهر بن عواض الألمعي 528

زبان بن العلاء أبو عمر 293، (363) الزبير بن العوام 376، 613، 736 زر بن حبيش 361 زرقاء اليمامة 537 زكريا عليه السلام 229، 305، 306، 307، 308، 309، 311، 359، 386، 534، 557، 724، 743 زياد بن أبيه 302، 572 زيد بن أسلم (671) زيد بن ثابت 317، 662، 678 زيد بن حارثة 398، 527، 532 زيد بن الخطاب 176 زيد بن علي بن الحسين (87)، 118 زيد بن عمر وبن نفيل (547) زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم 90 زينب بنت جحش 279، 398، (527)، 528، 532، 533 زينب بن الحرث (558) سابق البربري 446 سابور 326، 335

سارة 311، 321، 339، 378، (379)، 385، 628 سام بن نوح 305 سبرة الجهني 658 سجيم 405، 681 سرجس" جرجيس" (343)، 345، 347، 623، 743 سراقة بن مالك 686 سعد بن أبي وقاص 518، 662 سعد بن أوس 365، 527 سعد بن زيد مناه 446 سعد بن عبادة 184، (673)، 736 أبو سعيد/ سعد بن مالك الخدري 125، 261، 469، 480، (483)، 490، 513، 518، 662، 663، 687، 703 بن كمونة: سعد بن منصور (42) سعيد بن بشير 552 سعيد بن جبير (594)، 733 سعيد بن زربي 552 سعيد بن زيد بن عمرو 547

اسم العلم رقم صفحة وروده سعيد بن المسيب 293، 336، 357، 552، 712 سعيد بن يسار 643 سفيان الثوري 106، 438، 666، 733 سفيان بن عيينة 737 سلمان الفارسي 330، (549)، 615، 707 سليمان بن أبي مسلم الأحول 733 أبو داود- سليمان بن الأشعث (175) ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى سلمة بن الأكوع 579، 671 الطبراني: سليمان بن أحمد 108، 127، 560، 643 سليمان بن حسان ابن جلجل 237، 271 سليمان بن حمزة تقي الدين 54، (63) سليمان عليه السلام 92، 197، 275، 360، 389، 395، 401، 407، 411، 419، 453، 508، 531، 532، 534، 721 سليمان بن يسار 357 سليم بن عامر 494 السموءل بن يحيى المغربي (331)

سنحاريب (389) سهل بن سعد الساعدي (515) سيبويه 54، 69 السيد (329) شراحة الهمدانية (666) شعبة 438 شعيب بن أبي حمزة 396، 413 شعيب عليه السلام 325، 326، 327، 335، 336، 337 شق بن صعب 377، 548 شهيد علي 77، 79، 161، 164، 206 شيبة بن ربيعة 566 شيث عليه السلام 731 صاف بن صياد (490) صالح بن أبي الأخضر 560 صالح بن عبد الله بن حميد 235 صالح المري 523 صالح عليه السلام 297، 347، 472، 539، 556 صدقيا 229

صفوان بن عسال 362 صهيب رضي الله عنه 475 أم المؤمنين صفية بنت حيي (529) الضحاك بن قيس 318 الضحاك المفسر 595 الضحاك الذي ملك الأقاليم 339 ضرار بن عمرو 478 ضرار بن الأزور 611 ضمرة بن حبيب الزبيدي (425)، 427 طالوت 320، 725، 728 الطرماح بن حكيم 446 طريفة بنت الحسين الحميدية 548 الطفيل بن عامر الدوسي 179 طلحة بن الزبير 376، 586 طلق بن علي بن طلق بن عمر 279 طليحة بن خويلد الأسدي 611 الظاهر بيبرس العلائي (26) عائشة بنت أبي بكر (91) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى عاصم بن أبي النجود أبو بكر (361)، 364

العاقب «صاحب نجران» (329) عامر بن ثابت" أبو كبير الهذلى" 567 عامر بن شراحيل الشعبي 302، 421، (433) عباد بن أبي زيد 541 عباد بن بشر 672 عباس العنبري 523 عبادة بن الصامت 86، 667، (668) العباس بن عبد المطلب 92 عبد بن حميد 277، 610 أبو سلمة: عبد الأسد المخزومي 418 عبد الجبار بن أحمد القاضي (186) عبد الحق بن إبراهيم" ابن سبعين" (38) عبد الحق 527 عبد الحق بن غالب ابن عطية (165)، 174، 293، 294، 295، 343، 344، 360، 393، 396، 411، 420، 424، 435، 438، 472، 480، 493، 518، 594، 595، 721، 724 عبد الحي بن أحمد ابن العماد (48)، 50، 154، 155، 157، 267.

عبد الحميد بن سليمان 108. عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 60، (75)، 76، 81، 83، 154، 157، 293، 435، 436، 441، 560، 596، 642، 645، 671، 694، 656. عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله ابن أبي مليكة (512) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق 744 عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة (67) عبد الرحمن بن جبر أبو عبس (707) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 266. عبد الرحمن بن خلدون 259، 295. عبد الرحمن بن زياد 633. عبد الرحمن بن سليمان المفيد (62) عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة (395) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب (48)، 49، 50، 51، 58، 60، 71، 74، 76، 77، 78، 79، 80،

81، 82، 83، 103، 104، 105، 107، 108، 109، 111، 112، 114، 154، 155. عبد الرحمن بن عايش 440 عبد الرحمن بن عبد الله 122 عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (178)، 378، 434، 512، 520، 537. عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي 34، 127، (179 - 180)، 296، 440، 441، 472، 480، 549، 571، 655، 688، 698، 704. عبد الرحمن المتولي النيسابوري 255 عبد الرحمن بن محمد أبو اليمن العليمي (48)، 50، 56. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 105 عبد الرحمن بن محمود القوصي 71 عبد الرحمن بن مسعود الحارثي 54، (55)، 111 عبد الرحمن بن معاوية 423. عبد الرحمن بن ملجم 89. عبد الرحمن بن ناصر السعدي 130، 407، 460، 590

عبد الرزاق عفيفي 115، 263. عبد الرزاق بن همام الصنعاني (174)، 296، 303، 307، 434، 510. عبد السلام بن أحمد المقدسي (655) عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية 52، 62. عبد العزيز بن جريح (510)، 511، 657. عبد العزيز حمد بن معمر (185)، 193، 194، 195، 198، 266. عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد 138، 242. عبد العزيز بن عبد الرحمن" الملك" 115 عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة 242 عبد العزيز بن عبد الله بن باز 115 عبد العظيم بن عبد القوي المنذري 127، 135، 523. عبد الفتاح الشيخ 242. عبد القادر بن أحمد ابن بدران (151). عبد القادر حسين 74 عبد الكريم بن عبد النور القطب الحلبي (156)

عبد الله بن أبي قحافة أبو بكر (88) وفي أكثر من ثلاثين صفحة الصديق أخرى. عبد الله بن أحمد ابن قدامة (141)، 152، 242، 275، 466، 622، 646، 659، 666، 676، 688. عبد الله بن أسعد اليافعي 154، 157. عبد الله بن أم مكتوم 398 عبد الله بن الحارث بن أمية 613. عبد الله بن حبيب السلمي 361. عبد الله بن حميد 105. عبد الله بن الزبير 363. عبد الله بن زياد بن سمعان (336)، 344. عبد الله بن سبأ 447. عبد الله بن سلام (293)، 329، 330، 411. عبد الله بن عامر الأسلمي 528، 658. عبد الله بن عباس (364) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. عبد الله بن عبد العزيز المصلح 173.

عبد الله بن عبد العزيز البكري 576. عبد الله بن عبد الله الترجمان" أنسليم تورميدا" (185)، 191، 193، 194، 331. عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة 475. عبد الله بن عبد المحسن التركي 79، 151. عبد الله بن عمر 48، 96، 97، 129، 268، 277، 296، 318، 426، 428، 475، 476، 514، 516، 521، 571، 595، 645، 671، 695. عبد الله بن عمر أبو زيد اليوسي (151) عبد الله بن عمر النصير الفاروثي 53، (59)، 60. عبد الله بن عمرو بن العاص 108، 327، 494، 503، 523، 774. عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري 230، 362، (674). عبد الله بن كثير القارئ (363). عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان: أبو الشيخ (181)، 435، 436، 694. عبد الله بن محمد بن أبي شيبة 431، 750. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر 744.

عبد الله بن محمد الزريراتي 53، (58). عبد الله بن محمد ابن أبي عتيق (521). عبد الله المستنصر بالله (24). عبد الله بن المؤمل 706. عبد الله بن مسعود 279، 318، 361، 366، 374، 397، 414، 420، 421، 480، 565، 571، 632، 676. عبد الله بن معاوية الجمحي 523. عبد الله بن المقفع (756). عبد الله بن يزيد 742. عبد المؤمن ابن خلف: الحافظ الدمياطي 54، (67). عبد المسيح بن حيان 548. عبد المعطي قلعجي 540. ابن جريج/ عبد الملك بن عبد العزيز (510)، 657. عبد الملك بن مروان 433. عبد الملك بن هشام (178)، 336، 387، 389، 511، 537، 558، 559، 567، 569، 587، 610، 612، 613، 736، 738.

عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب (118)، 364، 546. عبد مناف بن قصي 548. عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي 179، 756. عبلة 181. عبهلة بن كعب العنسي (608)، 611، 616. عبيدة بن الحارث 566، 609. عبيدة بن عمرو 129. عبيد بن عمير 323. عبيد الله بن عبد الله بن عمر 671 عبيد الله بن عبد الله بن عتبة 357، 414. عبيد الله بن يوسف الجبيري 494. عتبة بن ربيعة 566، 606، (609). عثمان بن جني (51)، 52. عثمان بن سعيد الدارمي 598. عثمان بن عفان (94)، 97، 98، 99، 103، 107، 109، 119، 266، 293، 317، 318، 365، 545، 548، 615، 654. عدي بن حاتم 318.

العرباض بن سارية 735. عروة بن الزبير 357. عزرا 231، 337. العز بن عبد السلام 27، 582. عزير 591. عطاء بن أبي رباح 331، 657. عطاء بن يسار 327. عفرون 321. عفير بن معدان 494. عقيلة بنت أبي الحقيق 677. عكرمة (307)، 397، 520، 594. علقمة 421. ابن روزبه: علي بن أبي بكر (61)، 62. علي بن أبي بكر الهيثمي 418، 441، 518، 523. على بن أبى طالب (89) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. علي بن أحمد الواحدي 403، 534. علي بن أحمد بن حزم (186)، 398، 478، 662. أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري 85.

علي بن حسن العسيري 64، 329، 352، 423، 566. علي بن الحسين الشريف المرتضى (101). علي بن عمر الدارقطني 86، 514، 560، 750. علي القاري 257. علي بن محمد ابن الأثير 22، (25)، 156، 228، 267، 372، 516، 517، 548، 601. علي بن محمد" أبو حيان التوحيدي" (756). علي بن محمد الزعيم (204)، 758. علي بن محمد السخاوي (468). علي بن محمد الماوردي (179)، 263، 379، 380، 548، 560، 564. علي بن محمد ابن اللحام 139، 242. علي بن محمد علاء الدين الباجي (42)، 444. علي بن محمد الصرصري 52، (58). علي بن محمد الكناني (49). علي بن المديني 512. علي محي الدين القره داغي 604. عمر بن الحسين الخرقي (50)، 52، 55، 62. عمار بن معاذ الخزرجي الأنصاري 232.

عمار بن ياسر 500، 540، 574، (615). عمر بن الخطاب (88) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عمر سليمان الأشقر 263، 686، 747. عمر بن عبد العزيز 424، 433، 658، 671. مجير الدين" عمر بن عيسى اللمطي" (71). عمر بن محمد الخبازي (151)، 569، 570. عمر بن كرم الدينوري (61). عمران بن حصين (659)، 660، 690. عمران عليه السلام 196، 300، 304، 305، 335. عمرو بن أمية الضمري 386. عمرو بن بحر الجاحظ (184)، 189، 237، 524، 653، 686. عمرو بن العاص 302، 314، (365)، 615، 755 عمرو بن مرة الجهني 659. عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمذاني 318. عمرو بن هشام" أبو جهل" 118، 475، (545)، 555. عمرو بن يحيى 86.

عمرو بن عبد ود العامري 567. عمون 197. عنترة بن عمرو العبسي (181)، 367، 473. عوف بن الربيع" ذو الخمار" (569). عياض بن موسى القاضي 177، 178، 257، 267، 396، 603، 606. عيسى بن عيسى بن علي 756. العيص بن يعقوب 322، 719. غياث بن إبراهيم 553 غيلان بن عقبة" ذو الرمة" 618 غيلان بن منبه 345 فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم (90)، 92. فرعون" الوليد بن مصعب" 325، 346، 349، 389، 472، (539)، 542، 543. فضيل بن عياض 129. قابيل 453. قارون 346. قاسم عبده 28. القاسم بن محمد بن أبي بكر 357.

القاسم بن محمد البرزالي 54، 59، (67). قالون 267. قتادة بن النعمان 261، 267، 576. قتادة بن دعامة السدوسي (292)، 296، 297، 302، 307، 308، 322، 434، 494، 522، 552، 595، 647. قتيلة بنت الحرث (613) القس فندر 12، 185، (192). قصي بن كلاب (536)، 538. قيس بن سعد 321. قيس بن محمد الكندي 494. قيصر 529. قيلة التميمة 240. كسرى 548. كعب الأحبار 281، (365)، 368، 532. كعب بن الأشرف (677) 678، 679، 707. كعب بن زهير 583. كعب بن مالك 580، 678، 684. كنعان بن حام بن نوح 314.

كوبريلي زادة محمد باشا 205. لابن 209، 314، 325. لؤلؤ 614. لاوي بن يعقوب 230، 529. لبيد بن ربيعة 450. لبيد بن الأعصم (402)، 491. لوط عليه السلام 98، 305، 325، 378، 533، 623، 654، 727. لوقا 229، (340) وذكر في مواضع كثيرة أخرى. ليا بنت لابن 318، 628. الليث بن سعد 658. ماروت (276)، 277. ماعز 666. مالك بن أنس 86، 104، (106)، 140، 141، 275، 296، 426، 458، 508، 510، 622، 632، 634، 643، 644، 666، 667، 671، 673، 688.

مالك بن أوس بن الحدثان (92). المتلمس 240. المتوكل بن عبد الله الكناني 446، (595) متى 164، 229، (245) وذكر في مواضع كثيرة غيرها. مجالد بن سعيد (433). مجاهد بن جبر 299، 336، 363، (424)، 427، 434، 520، 596. محمد بن أبي بكر ابن القيم (185)، 248، 257، 332، 381، 411، 434، 437، 442، 478، 493، 524، 527، 664، 683. محمد بن أبي بكر السكاكيني (110). محمد بن أبي الشكر الملك العادل (34). محمد بن أبي الفتح البعلي (66). محمد أبو شامة 184. محمد أبو زهرة 115، 340. محمد بن أحمد السمرقندي (151). محمد بن أحمد القرطبي (42)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.

محمد بن أحمد بن رشد (238)، 259، 372. محمد بن أحمد الذهبي 60، 63، (66) 67، 68، 103، 110، 114، 122، 157، 178، 257، 312، 435، 436، 540، 567، 572، 573، 645، 704، 756. محمد بن أحمد بن العلقمي (24)، 103، 116. محمد بن أحمد بن الحبال (55)، 112. محمد بن أحمد القطيعي (61). الشافعي محمد بن ادريس 35، 104، 106، 271، 331، 458، 634، 640، 666، 688. محمد بن اسحاق ابن منده 598. محمد بن اسحاق 328، 336، 344، 345، 396، 418، 537، 557، 610. محمد بن إسماعيل البخاري (61) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. محمد الأمين الشنقيطي 122، 621. محمد بن جابر بن سيار 279. محمد بن جرير الطبري (173)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.

محمد جمال الدين القاسمي 115، 147، 278، 305، 330، 377، 621، 656. محمد حسين الذهبي 293، 307، 365. محمد بن الحسين الموصلي 53، (60). محمد بن الحنفية 614. محمد بن خالد الفاضل 82. محمد بن دينار 365، 527. محمد رشاد سالم 265. محمد رشيد رضا 278، 365. محمد زاهد الكوثري 265. محمد زغلول 28. محمد بن السائب الكلبي (556). محمد بن سعد «صاحب الطبقات» 261، 329، 345، 396، 512، 528، 536، 549، 559، 561، 580، 595. محمد بن سعود «الأمير» 155، 204، 205. محمد بن سعيد الأبوصيري (43)، 185، 190. محمد سيد كيلاني 43. محمد بن سيرين 431، (654).

اسم العلم رقم صفحة وروده محمد شاكر الكتبي 267. محمد بن صالح بن عثيمين 460، 463. محمد بن عمر بن يحي 528. محمد بن عمر الواقدي 528. محمد الفرت 340. محمود شكري الألوسي 115. محمد بن عبد الرحمن السخاوي 108. محمد بن عبد العزيز المانع 115. محمد بن عبد الكريم الشهرستاني 37، (186)، 261، 372، 447. محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ 185. محمد البريدي 185. محمد بن عبد الله الزركشي 608. محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري 122، 126، 277، 278، 372، 319، 379، 540، 567، 572، 580، 602، 645، 704. محمد بن عبد الله الجياني 310. محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (133). محمد بن عبد الله ابن مالك (66).

اسم العلم رقم صفحة وروده محمد بن عبد الله ابن المظفر (179)، 571. محمد بن عبد الواحد البغدادي 206. محمد بن عبد الوهاب 185. محمد بن علي الشوكاني 130، 276، 296، 316، 363، 367، 373، 374، 388، 391، 503، 554. محمد بن علي الصابوني 412. صدر الدين ابن الوكيل" محمد بن عمر" (71). محمد بن عمر ابن أبي القاسم 53، 62. محمد بن عمر 512. محمد بن عمر الرازي (182)، 278، 324، 372. محمد بن عمر بن يحيى بن حبان 528. محمد بن عمر الواقدي 528، 580، 612، 615. محمد بن عيسى «الترمذي» (76) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع 735. محمد بن فضل الله السديد 70، (72). محمد بن قلاوون الصالحي الملك الناصر (39)، 40.

محمد كرد علي 22. محمد بن كعب القرظي 715. محمد لطفي الصباغ 569. محمد بن محمد الغزالي (142)، 184، 190، 239، 259، 262، 372، 403. محمد بن محمود الشهرزوري 236. محمد محي الدين 446. محمد بن مسلم الزهري 296، 414، 521، 558، 657، 666، 667، 711. محمد بن مسلم بن تدرس (657). محمد بن مسلمة 677، 678. محمد بن مكرم ابن منظور (87)، 641. محمد بن موسى الدميري 653. محمد ناصر الدين الألباني 127، 257، 494، 704، 749، 750. محمد بن نصير 586. محمد بن يزيد ابن ماجه (176) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.

محمد بن يوسف أثير الدين أبي حيان 54، (69)، 71، 165. محمد بن يونس الكديمي 560. محمود حسن زناتي 608. محمود بن عمر الزمخشري (174)، 240، 454، 468، 469، 501، 502. محمود الطحان 569. مرحب اليهودي (567). مرقس 229، (340) وفي مواضع كثيرة أخرى. مروان بن الحكم 615. مروان بن محمد 632 مريم المجدلية 409. مريم عليها السلام ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. مسدد 757. مسطح بن أثالة (93). مسعود بن أحمد سعد الدين الحارثي 36، 54، (68)، 111، 112، 113، 114. مسلم بن الحجاج (175)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.

مسيلمة بن ثمامة الكذاب (537)، 550، 611، 616، 617. مصدع بن أبي يحي 365، 527. مصر بن مصر ايم 314. مصطفى أبو زيد 39، 51، 80، 82، 83، 115، 116. مصطفى مسلم 174. مصعب بن الزبير 318. مصعب بن عمير 566. المطعم بن عدي (610) معاوية بن أبي سفيان (99)، 103، 302، 318، 363، 365، 414، 495، 595، 615. معاذ بن جبل 580. معاذ بن عفراء 545. معاذ بن عمر بن الجموح 545. معبد الجهني 251، 457. معروف الكرخي (698). معقل بن منبه 345. معمر بن راشد الأزدي 296، 303، 307، 434، 558. المغيرة بن شعبة 302، 518، 755.

منصور بن الظاهر المستنصر بالله 24 (25)، 32. ملكا 591. منسا 321. المهلهل الشاعر 589. موآب 197. موسى بن جبير 277. موسى بن عبيد الله بن ميمون (165)، 265، 268. موسى بن عمران عليه السلام ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. ميكائيل عليه السلام 276. ميكائيل بن جزي 336. ميمون بن ساه 749. ناصف اليازجي 614. نافع بن عبد الرحمن 277، (363)، 671. نافع مولى ابن عمر 643. نسطور 591. نصر بن يحيى المتطبب (185)، 191، 192، 194. النضر بن الحارث 301، 555، 556، 607، 612. النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) 37، 106، 271، 331، 634، 667، 676، 688، 749، 750.

نعمان بن محمود ابن الألوسي (49). النعمان بن المنذر 548. نمروذ 360. نوح عليه السلام 10، 98، 275، 297، 345، 556، 565، 731. هاجر 339، 378، 379، 385، 486، 628. هاران 305. هاروت (276)، 277. هارون بن عمران عليه السلام 229، 300، 302، 303، 528، 600، 631، 743. هارون الرشيد 618. هامان 539، (543). هرقل 331، (413)، 414. هشام 516. هشام بن عبد الملك 560. هشام بن يوسف 517. الفرزدق/ همام بن صعصعة (628). همام بن منبه 345.

هند بنت أمية" أم سلمة" 250، 317، 336، (418). هود عليه السلام 412، 505، 579. واصل بن عطاء 84، 87، 457. وثيمة بن موسى الوشاء (180)، 277، 336، 552. ورش 363. ورقة بن نوفل 546. الوليد بن أبي ثور 541. الشرقي الوليد بن الحسين ابن القطامي 336. الوليد بن عبيد البحتري (618). الوليد بن المغيرة (601)، 606، 610. وهب بن منبه 310، 347، 376، 400، 401، 516، 532، 553. يحيى عليه السلام 229، 281، 305، 307، 385، 386، 534، 557، 724، 743. يحيى بن حبش السهروردي 344، 355، 356، 357. يحيى بن سعيد 129. يحيى بن شرف النووي 27، 86، 107، 108، (177)، 267، 271، 272، 281، 537، 634.

يحيي بن عيسى ابن جرالة (182)، 331، 476، 477، 483، 523. يحيى بن معين 176، 413، 438. يثرو (326)، 335، 336. يزيد بن أبي سفيان 414. يزيد بن هارون 37. يعقوب عليه السلام ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. يعقوب البراذعي 591. يعقوب بن اسحاق ابن السكيت 474. يعقيم 301، 304، 305، 335. يعلى بن مرة (574). اليمان بن أخنس الجعفي 61. يوحنا بن زيدي 229، (249) وذكر في مواضع أخرى. يوحنا المعمدان 402، 344. يوسف بن أيوب صلاح الدين (34)، 344. يوسف بن الزكري المزي 54، (65)، 67، 104، 116. يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي (34). يوسف النجار 229، 317، 582.

يوسف عليه السلام 312، 313، 314، 316، 317، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 355، 385، 620، 719، 743. يوشع بن نون 254، 258، 281، 371، 374، 631، 725. يوكابد 196. يونس عليه السلام 135، 290، 398، 500، 505، 743. يهوذا الاسخريوطي (345)، 347. يهوذا هاناسي 338. يهوذا بن يعقوب 280، 354، 404، 533، 627، 661.

(الكنى) اسم العلم رقم صفحة وروده أبو الأسود الدؤلي 446. أبو إلياس 553. أبو أمامة 135، 494. أبو أيوب الأنصاري 329، 363. أبو جعفر المنصور 336، 632، 756. أبو جعفر" القارئ" 363. أبو دجانة 566 أبو الدرداء 735 أبو رجاء 732. أبو الزبير 434، 722. أبو زرعة 135. أبو زرعة الرازي 580. أبو زيد بن أخطب 518. أبو السائب 687. أبو سعد بن أبي طلحة 566. أبو سلمة 122، 336. أبو شاه 107. أبو الطفيل 292.

أبو علي بن أبي هريرة 176 أبو قلابة 742 أبو كريب 173 أبو لؤلؤة المجوسي 88 أبو مسلم الخراساني (632). أبو منصور الخمشادي 640. أبو النضر 643، 657. أبو اليسر 575. أبو يعلى 610. أبو يوسف 37. أم الطفيل (440)، 446.

من نسب إلى أبيه اسم العلم رقم صفحة وروده ابن أبي أمية 118. ابن أبي حاتم 277، 328، 343، 396، 435، 503. ابن أبي الدنيا 230، 694. ابن أبي شيبة 750. ابن أبي العز الحنفي 447. ابن إدريس 302. ابن الأعرابي 176، 527. ابن الأشل" الأمثل" 181، 423، 445، 686، 694. ابن البطريق 340، 371. ابن بطال 683. ابن بطوطة 586. ابن الحاجب 67. ابن حبان 199، 277، 319، 370، 510، 518، 664. ابن خزيمة 370، 704. ابن خلاد 127، 704. ابن الديبع 547.

ابن زمل الجهني 517. ابن زيد 552. ابن الشخير 660. ابن صياد 289. ابن عامر 361، 724، 727. ابن عبد البر 671. ابن عبد القوي 185. ابن عدي 127، 512. 704. ابن العربي 683. ابن عساكر 577. ابن المبارك 106. ابن مردويه 277، 396، 643. ابن مكة 180، 512. ابن المنذر 396، 503. ابن النجار 756. ابن النحاس 55. ابن هبيرة 676. ابن الوردي 423.

الألقاب وما شابهها اسم العلم رقم صفحة وروده الآمدي 441. الأبياري 511. الأخطل 446. الأشرف موسى 33. الأوزاعي 106، 667. البزار 396، 518، 560، 610. التبريزي 81. الثعلبي 403. الجبائي 478. الجويني 372 الحريري 57، 83. الخلال 332. الخليل 721. الخونجي 372. الزوزني 367، 473. السامري 543. السفاح 632، 756. السقا 511.

شلبي 511. الصميري 446. الطيالسي 577. القزويني 653. العجلي 510. العسكري 108. العقيلي 510. القفال الشاشي 172. الكرماني 397. الكسائي 361، 364. المازري 564، 570. المتوكل العباسي 56، 618. المستضيء بأمر الله 179، 180. المقتدي العباسي 182. الملك الصالح نجم الدين أيوب 26. الملك قطز 26. الملك المظفر أسد الدين شيركوه (34). الملك المنصور قلاوون (36). المنصور العباسي 632، 756. النحاس 396.

سابعا: فهرس الأماكن والمواقع والبقاع

سابعا: فهرس الأماكن والمواقع والبقاع آسيا 271 أحد 97، 261، 318، 414، 557، 559، 566، 720، 722، 724. الأحساء 115 أدفو 55 أذربيجان 612 الأردن 305، 339، 681. أرض بني كنعان 305، 314، 378، 410. أرض الروم 591، 640. أرض القبجاق 26. أرض مدين" ماء مدين" 325، 333، 334. أريحا (283). الأزهر 115. استانبول 79، 203، 205، 206، 208. الاسكندرية 55، 68، 336، 340. أسيوط 42. أشبيلية 423. أصبهان 130، 549.

أصفهان 497. إفريقية 22، 39، 69، 329، 423. أفسس 249. الأندلس 22، 32، 39، 165، 180، 295، 423. انطاكية 22، 340. أوربا 22، 28. أورشليم (317)، 338، 496، 550، 675. إيران 535. إيلياء 415، 506. بابل (266)، 276، 340، 379، 389. بادية السماوة 613. بالق 410. بجاية 184. بحر إيجة 249. بحر الروم 305. البحرين 115، 363، 529، 550. بحيرة سارة 548. بحيرة قوم لوط 325.

بخارى 61، 151. بدا 314. بدر 92، 94، 261، 328، 433، 529، (541)، 545، 555، 557، 559، 566، 610، 612، 615، 677، 678، 686، 722. بريدة 115. بست 176 البصرة 99، 178، 184، 292، 529، 572، 618، 658، 724. بعلبك 66، 67، 339. بغداد (331) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. البقيع 91، 106، 366. بلاد الأرمن 39. بلاد الجزيرة 305. بلاد الروم 39، 640. بلاد طيئ 566. بلاد المغرب 36، 42، 43، 173، 177، 295

بلد الخليل 525، 154، 321. بلوط 635. البهنساوية 41. بهشيم 41 بوصير 41 البيت الحرام 38 بيت لحم (313)، 314، 316. بيت المقدس 23، 34، 39، 52، 56، 70، 155، 229، 254، (281)، 313، 321، 328، 389، 415، 495، 506، 668. البيرة 133. بيروت 115. بيهق 180. تبوك 89، 325، 380، 580، 674. تركيا 77، 78، 79، 164. تستر 230. تونس 185. تهامة (376)، 420، 659.

الجامع الأزهر (35). الجامع الأموي (33)، 115. جامع ابن طالون (35). جامع الحاكم (36)، 68. جامع الصارم 72. جامع القرويين 184. الجامع العتيق (35)، 36. الجبيلة 537. جبل أبو قبيس 704. جبل طيئ 305. جبل عوارض 566. جرجانية 174. جزيرة أقور 305. جزر البليار" الشرقية" 185. الجزيرة 23، 67، 314، 336، 421. حزيرة ابن عمر 25. جزيرة العرب 515، 733. جوّا 529. جيحون 174.

اسم المكان أو الموقع رقم صفحة وروده الحارثية 68. الحبشة 94، 250، (329)، 394، 417، 418، 584، 615، 653، 674. الحجاز 52، 56، 69، 174، 182، 325، 376، 510، 643، (659) 724. الحجون 536. الحديبية 318، 574، 615 حراء 421. حران 52، 61، 64، 65، 182، (305)، 314، 379. الحربية 691. الحرم المكي 115. حروراء 99. حلب 26، 61، 65، 66، 67، 71، 77، (356) 423. حلوان 535. حماة 179. حمص 365، 423، 445، 414، 614، 694.

حنين 99، 568، 574، 577. حوران 314، 410، 673. الحيرة 321. خراسان 182، 553. الخزانة التيمورية 154. خسرو جرد 180. الخندق 302، 318، 414، 559، 566، 567، 576، 687. خوارزم 174، 182. خيبر 90، 395، 559، 567، 569، 574، 659، 712. دار الأرقم 94. دار الجيل 59. دار الحديث الأشرفية 65، 68. دار الكتب المصرية القومية بالقاهرة 76، 82، 89، 108، 155. دار المعارف بمصر 238. دارين 363. دبوسية 151. دجلة 305

الدرعية 185. دمشق (507)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. دمياط 36، 55، 67، 71. الدهناء 240. دوما 151. دومة الجندل 731. ديار بكر 549. الديار المصرية 110، 111. رام هرمز 549. رباع الأيتام بالقاهرة 71. رحبة باب العيد (74)، 75. الرقة 165، 305. الرملة 668. الرها (305). رومية 271. الرياض 18، 79، 84، 115، 155، 174، 184، 204، 205، 207. الري 182، 186، 336.

الزاوية التاجية 35. الزاوية الزينية. 35. الزاوية الصاحبية 35. زاوية الشافعي 35. الزاوية العلائية 35. الزاوية الكاملية 35. الزاوية المالكية 35. الزاوية المجدية 35. الزاوية المغنية 35. الزبير 513. ساليم 405. سبأ 731. سرخس 56. سقيفة بني ساعدة 88، 736. سمرقند 151. سهيل 178. سيواس 26. سورية 329، 305، 356. الشام (305) في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.

شعب أبي طالب 364. شقحب 27. شهرستان 186. شيراز 59، 756. صرصر (48)، 51، 52، 58. الصعيد 36، 54، 55، 58، 229. صفد 112. صفين 99، 318، 615. صقلية 179. صنعاء 174. صيدا 23، 249. الطائف 414، 537، 550، 574، 608، 610. طبرستان 173، 182، 586. طوبقبوسراي 203 طبرية 165 طحا 177 طرابلس 87 طور سيناء 338، 496.

طوس 142. طوفى (48) 51، 52، 58، 62. ظاهر حلب 65. الظاهرية 68. عبّادان 535. عدن 154، 608. عرفة 702، 708. العراق 25، 26، 52، 58، 59، 67، 69، 87، 115، 174، 182، 266، 331، 535. العريض 305. العقبة 364، 433، 673. عكاظ 420. عنيزة 115. العوالي (90). عين جالوت 26. العينية 547. غار حراء 547. غرناطة 69، 184.

غزالة 142. فارس 180، 549، 699، 612. فاس 184. فاروث (59). فدان آرام 314. فدك (90). الفرات 22، 26، 305. فرغامس 271. فرنسا 586. الفسطاط 506. فلسطين 112، 165، 281، 305، 321، (339)، 343، 365، 681. القادسية 302، 532. القاهرة (506) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. قبرحنة 34. قبرص 288. قرطبة 165، 184، 186. قرية جاسم 618.

قرية سجيم 405، 681. القسطنطينية 22، 39، 271، 591. القصيم قطر 115. قلعة دمشق 64. قلعة الروم 22. قلعة الشقيف 23 قوص 36، 52، 55، 70، 71، 72، 73، 83، 112، 113، 155، 157، 204. الكرج 39. كرخ 698. الكعبة 53، 549، 601. كنيسة أبي المينا 40. كنيسة البنات 40. كنيسة الحمراء 40. كنيسة الزهري بمصر 40. كنيسة الفهادين 40. كنيسة القمامة 39.

كنيسة المصلبية 39. الكوفة 87، 89، 266، 302، 318، 331، 336، 361، 556، 572، 595، 613. الكويت 250. المدرسة الأتابكية (33). المدرسة الأسدية 33، (34). المدرسة الأصفهانية 34. المدرسة الأوحدية (35). المدرسة الجادلية 35. المدرسة الجوزية (34)، 66، 185. المدرسة السابقية بقوص (72). المدرسة السفينة 33. المدرسة الصالحية 54، 68، 167، 758. المدرسة الصلاحية (34). المدرسة العادلية (34). المدرسة الغزالية 33. المدرسة القيمرية 36.

المدرسة القوصية 33. المدرسة المستنصرية 25، (32)، 42، 53، 59، 60، 61، 62، 63. المدرسة المعظمية 35. مدرسة المقصورة الكبيرة 33. المدرسة المنجائية 33. المدرسة المنصورية (36)، 54، 68، 167، 205، 759. المدرسة الميمونية 35. المدرسة الناصرية (36)، 54. المدرسة النظامية 32. المدينة النبوية ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. مراكش 178. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية 83. المرية 165. مرو 56، 177، 632. المزة 65. المسجد الحرام 510.

مشرعة الجوز 179. مصر (314) وذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. معان 325. المعلاة 48. معهد المخطوطات 208. مغارة عفرون (321). مقالة الضرير 178. مقابر الباب الصغير بدمشق 66. مقبرة إبراهيم 508. مقبرة الإمام أحمد 59، 62. مقبرة الصوفية بدمشق 65. مقبرة القرافة 41، 66، 68. مقدونية 237. مكتبة أحمد الثالث 203، 204، 208. المكتبة الأحمدية بحلب 77، 92. مكتبة الحرم المكي 79. المكتبة السليمانية بتركيا 78، 164، 205، 206. مكتبة شهيد علي 77، 79، 161، 206، 207.

مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة 78. المكتبة العلمية ببريدة 77 مكتبة كوبريلي زادة 205. مكتبة مخطوطات جامعة الإمام 79، 203، 205. مكتبة المعارف بالرياض 248. مكة ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. الموصل 25، 182، 389، 535. ميروقة 185، 331. ناصرة 229. نجران 11، 302، 329. نجد 115، 376، 537، 566، 589، 659. نخلة 420. نصيبين 422. نهاوند 302، 611. نهر الملك 48. النهروان 318، 654. نوى 177. نيسابور 180، 632، 756.

وادي حنيفة 537. وادي السماوة 548. وادي القرى 317. واسط 654، 756. هراة 182. الهند 192، 363. اليرموك 302، 414. اليمامة 99، 537، 545، 546، 549، 550، 615، 617. اليمن 154، 174، 296، 537، 589، 608، 617، 659.

ثامنا: فهرس الفرق والأمم

ثامنا: فهرس الفرق والأمم - آل فرعون 305. - الأباضية 99 - الاتحادية (37)، 84. - الأتراك 14، 29. - الأرثوذكس 22. - الأزارقة 99. - الأشاعرة 16، (85)، 117، 121، 136، 137، 191، 254، 444، 447، 457، 458، 564، 587، 701. - الإفرنج 22، 23، 39. - الأقباط 29. - الأكراد 29. - الإمامية 102، 118، 282. - أهل بابل 276. - أهل الحبشة 584، 643. - أهل الحجاز 275، 510. - أهل الحديث 130. - أهل رومية 340.

- أهل الطائف 550. - أهل العراق 331. - أهل فلسطين 343. - أهل نجد 562. - أهل وحدة الوجود 37، 38. - الأيوبيون 26. - الباطنية 32، 497. - البربر 29. - البكرية (586). - بنو أكل المرار 589. - بنو أسد 589، 611. - بنو أمية 615، 618، 632. - بنو تيم الله 331. - بنو حنيفة 537، 732. - بنو زريق 402. - بنو زهرة بن كلاب 366، 414، 572. - بنو ساعدة 515، 736. - بنو سعد بن لؤي 296. - بنو سلمة 559.

بنو سهل بن هذيل 367. - بنو عامر 658. - بنو العباس 632. - بنو عبد الله بن عطفان 583، 611. - بنو عذرة 536. بنو عوف 293. - بنو غطيف 731. - بنو قريظة 644، 687. - بنو قشير 175. بنو كنانة 536، 609. - بنو كنعان 305. - بنو نبهان 677. - بنو النضير 90، 386، 529، 677، 678. - بنو نوفل 610. - بنو هاشم 109، 632، 739. - بنو يعقوب 319. - البهيسية 99. - التتار 14، 24، 25، 26، 27، 28، 31، 33، 38، 64، 117.

- الثانوية 120. - الثعالبة 99. - ثمود 472، (539)، 609. - الجاحظية 184. - الجبرية (457)، 458، 459. - الجن 420، 422، 425، 426، 427، 432. - الجهمية 121، 126، 132، 181، 439، 457، 500، 519، 564، 598، 611، 704. - الحفصيون 185. - الحلولية (84). - حمير 154، 731. - خزاعة 732. - الخزرج 293، 673. - الخوارج (99)، 107، 572. - الرافضة 59، 84، 88، 89، 91، 92، 98، 102، 105، 107، 110، 114، 115، 116، 117، 118، 257، 659، 734، 739، 740.

- الروم 23، 237، 387، 391، 392، 413، 415، 433، 611، 756. - الزنادقة 29، (37) 181، 498، 499، 598، 613. - الزيادية 99. - الزيدية 116. السبائية 447. - السالمية 564. - السامرة 337. - السلاجقة 22. - الشيعة 37، 59، 87، 88، 90، 92، 93، 95، 97، 98، 100، 101، 102، 103، 104، 107، 109، 118، 211، 275، 447، 519، 586، 614، 659، 660. - الصابئة 305. - الصفرية 99. - الصوفية 37، 38، 43، (84)، 135، 190، 455.

- طيئ 788. - الظاهرية 130. - عاد (539)، 609، 610. العجاردة 99. العرب (587) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. - العلوية (586). - الغساسنة 566. - غطفان 589، 611. - غفار 541. - الفاطميون 30. - الفراعنة 349. - الفرس 255، 331، 549، 564، 611، 612، 756. - الفلاسفة (37) وذكرت في نحو ثلاثين صفحة أخرى. - القبط 539. - القدرية 104، 251، 454، 455، (457)، 459، 468.

- القرامطة 497. - قريش ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. - قضاعة 529، 556. - قوم صالح 297، 347. قوم فرعون 539، 743. - قوم لوط 654. - قوم نوح 12، 297، 731. - الكرامية 564. - الكلابية 564. - كنانة 609. - كلب بن وبرة 529، 556، 731. اللاويون 231. - المانوية 120. - المجسمة 130، 131، 447. - المجوس 347، 348، 353، 431، 455، 622. - المحكمة الأولى 99. - مدين 325، 326، 333، 334. - مراد 731.

- المستشرقون 181 - المشبهة 121. - المعتزلة 37، (84)، 121، 135، 136، 174، 184، 201، 210، 211، 251، 255، 447، 455، 478، 479، 519، 564، 587، - المعطلة 589. - الملاحدة 120، 131. - الملكانية 37، 164. - المماليك 371، (591). - المورمن 27، 29. - النجدات 638. - النسطورية 99. - النصيرية (591). هذيل 586. - همذان 731. - هوازن 497، 731. - يأجوج ومأجوج 609. - يافع 584.

- اليعاقبة" اليعقوبية" 154. 371، (591).

تاسعا: فهرس المراجع والمصادر

تاسعا: فهرس المراجع والمصادر 1 - ابن قدامة وآثاره الأصولية د. عبد العزيز السعيد مطابع الرياض، 1397 هـ. 2 - اتحاف الورى بأخبار أم القرى. النجم عمر بن فهد. تحقيق فهيم شلتوت. ط 1 جامعة أم القرى 1404 هـ. 3 - الإتقان في علوم القرآن. جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. ط 3 مطبعة حجازي بالقاهرة. 4 - اثبات عذاب القبر. أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق د. شرف القضاة، ط 1 دار الفرقان بالأردن، 1403 هـ. 5 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. رسالة ماجستير للباحث. 6 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. ط 1 دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ نشر دار الباز بمكة.

7 - أحكام أهل الذمة. محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية. تحقيق د. صبحي الصالح، ط 3، دار العلم للملايين، 1983 م 8 - الأدب في العصر الأيوبي. محمد زغلول. دار المعارف بمصر 1968 م 9 - أدلة التشريع المختلف فيها. د. عبد العزيز الربيعة. ط 3، مؤسسة الرسالة بسوريا، 1402 هـ. 10 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. عبد الملك بن عبد الله أبو المعالي الجويني. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1405 هـ. 11 - أسباب النزول. علي بن أحمد النيسابوري الواحدي. عالم الكتب، بيروت. 12 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب. يوسف بن عبد الله ابن عبد البر. تحقيق علي البجاوي، مكتبة نهضة مصر بالقاهرة. 13 - أسرار الكنيسة السبعة. الأرشيد ياكون. ط 6، مكتبة المحبة، القاهرة.

14 - الإسلام والحضارة العربية. محمد كرد علي. ط 1، لجنة التأليف والنشر 1355 هـ. 15 - الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية. الطوفي مخطوط. 16 - الإشارات والتنبيهات. أبو علي الحسين بن عبد الله بن سيناء. دار المعارف بمصر 1388 هـ. 17 - الإصابة في تمييز الصحابة. أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. ط 1، سنة 1328 هـ، نشر دار العلوم الحديثة. 18 - أصول الدين. عبد القاهر البغدادي. ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1401 هـ. 19 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. محمد الأمين الشنقيطي. المطابع الأهلية بالرياض 1403 هـ. 20 - إظهار الحق. رحمت الله الهندي. دار التراث العربي بالقاهرة 1398 هـ.

21 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. فخر الدين محمد بن عمر الرازي. دار الكتب العلمية، بيروت، 1402 هـ. 22 - الاعتقاد. أحمد بن الحسين البيهقي. ط 1، عالم الكتب- بيروت، 1403 هـ. 23 - الأعلام" قاموس التراجم". خير الدين الزركلي. ط 5، دار العلم للملايين- بيروت 1980 م. 24 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام. محمد بن أحمد القرطبي. مطابع دار التراث العربي بالقاهرة. 25 - أعلام النبوة. علي بن محمد الماوردي. ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت- 1406 هـ. 26 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان. محمد بن أبي بكر ابن القيم. تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة ببيروت. 27 - إفحام اليهود. السموءل بن يحيى المغربي. تحقيق محمد الشرقاوي، دار الهداية بمصر 1406 هـ.

28 - الإفصاح عن معاني الصحاح. يحي بن محمد ابن هبيرة. المؤسسة السعدية بالرياض 1398 هـ. 29 - أقانيم النصارى. د. أحمد السقا. مطبعة المجد، دار الأنصار بالقاهرة، 1397 هـ. 30 - الإقناع في القراءات السبع. أبو جعفر أحمد بن علي بن الباذش. تحقيق عبد المجيد قطامش، ط 1، دار الفكر بدمشق 1403 هـ، نشر جامعة أم القرى. 31 - الاكسير في قواعد التفسير. سليمان بن عبد القوي الصرصري الطوفي. تحقيق عبد القادر حسين، مكتبة الآداب بالقاهرة 1397 هـ. 32 - إكمال الإعلام بتثليث الكلام. محمد بن عبد الله الجيان، ورواية محمد أبو الفتح البعلي. تحقيق سعد بن حمدان الغامدي، ط 1، مكتبة المدني بجدة 1404 هـ، نشر جامعة أم القرى. 33 - الإمام الطبري مفسرا. د. عبد الله المصلح. مطابع الرياض، نشر كلية الشريعة بالرياض.

34 - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل. أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي. ط مكتبة المحتسب بالأردن، 1973 م، توزيع دار الجيل. 35 - أهل الذمة في مصر في العصور الوسطى. قاسم عبده قاسم. ط 1 بمصر. 36 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون. إسماعيل بن محمد البغدادي. وكالة المعارف استانبول، 1366 هـ. 37 - إيضاح البيان عن معاني أم القرآن. الطوفي. مخطوط. 38 - البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح. زيادة بن يحي النصب. مخطوط. 39 - البداية والنهاية. أبو الفداء إسماعيل ابن كثير. ط 1، مكتبة المعارف، بيروت، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض 1388 هـ. 40 - البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان. عباس السكسكي. دار التراث العربي 1400 هـ.

41 - بصائر ذوي التمييز. الفيروزآبادي. لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة. 42 - البعث والنشور. الحارث بن أسد المحاسبي. ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. 43 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. جلال الدين السيوطى. دار السعادة بالقاهرة، 1326 هـ. 44 - تاج العروس من جواهر القاموس. مرتضى الزبيدي. نشر دار ليبيا- بنغازي. 45 - تاريخ الأمم والملوك. محمد بن جرير الطبري. تحقيق محمد أبو الفضل، ط دار المعارف بالقاهرة. 46 - تاريخ بغداد. أحمد بن علي الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية- بيروت. 47 - تاريخ الثقات. نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. حققه د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1405 هـ.

48 - التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق. سعيد بن البطريق. ط الآباء اليسوعيين- بيروت. 49 - التبشير والاستعمار. مصطفى خالدي وعمر فروخ. المكتبة العصرية ببيروت. 50 - التبصرة والتذكرة. عبد الله بن علي الصميري النحوي. حققه د. فتحي علي الدين، ط 1، دار الفكر بدمشق 1402 هـ، نشر جامعة أم القرى. 51 - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين. أبو المظفر الأسفراييني. مكتبة الخانجي بمصر. 52 - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري. على بن الحسن ابن عساكر الدمشقي. دار الكتاب العربي- بيروت- 1399 هـ. 53 - تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب. عبد الله الترجمان. رسالة ماجستير محمد البريدي. 54 - تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف. يوسف بن عبد الرحمن المزي.

الدار القيمة- بمبئي. 55 - تحقيق تاريخ الأناجيل. د. محمد أبو الغيط الفرت. ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1396 هـ. 56 - التدمرية. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. بتحقيق د. محمد السعوي، ط 1، سنة 1405 هـ. 57 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف. الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. تحقيق محمد محي الدين، ط 1، مطبعة السعادة بمصر، 1379 هـ. 58 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر. الطوفي. مخطوط. 59 - التعليقات على متن الورقات. عبد الرحمن الجطيلي. المكتب الإسلامي. 60 - تفسير القرآن العظيم. إسماعيل بن كثير. ط إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي بالقاهرة. 61 - تفسير سورة الانشقاق. الطوفي.

مخطوط. 62 - تفسير سورة ق. الطوفي. مخطوط. 63 - تفسير سورة القيامة. الطوفي. مخطوط. 64 - تفسير سورة النبأ. الطوفي. مخطوط. 65 - التفسير والمفسرون. د. محمد حسين الذهبي. ط 2، مطبعة السعادة بالقاهرة، 1396 هـ. 66 - تقريب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. ط 2، دار المعرفة- بيروت- 1395 هـ. 67 - تنقيح الأبحاث للملل الثلاث. سعد بن منصور ابن كمونة. المطبعة الفنية بالقاهرة، نشر دار الأنصار بالقاهرة. 68 - تهافت التهافت. محمد بن أحمد ابن رشد.

تحقيق سليمان دنيا، ط 3 ن دار المعارف بمصر. 69 - تهذيب الأسماء واللغات. أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي. ط. ادارة الطباعة المنيرية ونشر دار الكتب العلمية- بيروت. 70 - تهذيب الآثار. ابن جرير الطبري. مطبعة المدني بمصر، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 71 - تهذيب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند، 1325 هـ، نشر دار صادر، بيروت. 72 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. عبد الرحمن بن ناصر السعدي. المطابع الأهلية بالرياض، نشر الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء بالرياض. 73 - تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ط 4، المكتب الإسلامى، 1400 هـ. 74 - تيسير مصطلح الحديث. د. محمود الطحان. ط 1، مطبعة المدينة الرياض، 1396 هـ. 75 - الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي.

ط 3، عن طبعة دار الكتب المصرية، نشر دار القلم بالقاهرة 1386 هـ. 76 - جامع البيان عن تأويل القرآن. ابن جرير الطبري. ط 3، شركة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر، 1388 هـ. 77 - الجامع الصحيح المسند. محمد بن إسماعيل البخاري. ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية. 78 - الجامع الصحيح. أو المسند الصحيح. مسلم بن الحجاج القشيري. تحقيق وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر- بيروت، 1398 هـ. 79 - الجامع الصحيح" سنن الترمذي". محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق أحمد شاكر، وإبراهيم عطوة، المكتبة الإسلامية. 80 - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين. نعمان ابن الألوسي. دار الكتب العلمية- بيروت. 81 - جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام. لأبي زيد القرشي تحقيق د. محمد علي الهاشمي، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401 هـ.

82 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. ابن تيمية رسائل دكتوراه: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز العسكر، د. حمدان الحمدان. 83 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. ابن تيمية مطابع المجد بالرياض. 84 - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع أحمد الهاشمي، ط 12، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت. 84 - الحبائك في أخبار الملائك. جلال الدين السيوطي تحقيق محمد زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، نشر دار الباز بمكة 1405 هـ. 85 - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سير النبي المختار ابن الديبع عبد الرحمن بن علي الشيباني تحقيق عبد الله الأنصاري، مطابع قطر الوطنية. 86 - الحديث النبوي مصطلحه- بلاغته- علومه- كتبه محمد لطفي الصباغ منشورات المكتب الإسلامي 1392 هـ. 87 - الحروب الصليبية وأثرها في الأدب العربي محمد سيد كيلاني دار الكتاب العربي 1949 م.

88 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة جلال الدين السيوطي ط 1، دار إحياء الكتب العربية. 89 - حقيقة مذهب الاتحادية أو وحدة الوجود ابن تيمية إدارة الترجمة والتأليف بفيصل آباد. 90 - حلال العقد في أحكام المعتقد للطوفي مخطوط. 91 - الحماسة أبو تمام حبيب بن أوس الطائي تحقيق د. عبد الله عسيلان، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401 هـ. 92 - الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية د. أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر بالقاهرة. 93 - حياة الصحابة محمد الكاندهلوي ط 2، دار القلم بدمشق، 1403 هـ. 94 - حياة الحيوان كمال الدين الدميري

المكتبة التجارية الكبرى- بيروت. 95 - الحيوان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي- بيروت. 96 - خلق أفعال العباد الإمام البخاري الدار السلفية، 1405 هـ. 97 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدي ط 3، دار المعرفة ببيروت، 1971 م. 98 - الدارس في أخبار المدارس عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي مطبوعات المجمع العلمي- دار الترقي بدمشق، 1367 هـ. 99 - دراسات في أصول الفقه د. عبد الفتاح الشيخ ط 1، دار الاتحاد العربي، 1972 م. 100 - دراسة في الفرق وتاريخ المسلمين" الخوارج والشيعة" أحمد جلي شركة الطباعة السعودية بالرياض، ط 1، مركز الملك فيصل للبحوث بالرياض.

101 - درء تعارض العقل والنقل أحمد بن عبد السلام بن تيمية تحقيق د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 102 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ابن حجر العسقلاني دار الجيل- بيروت. 103 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور جلال الدين السيوطي دار المعرفة- بيروت. 104 - دعوة التوحيد د. محمد خليل هراس ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1406 هـ، توزيع دار الباز بمكة. 105 - دلائل الإعجاز في علم المعاني عبد القاهر الجرجاني تعليق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، 1398 هـ. 106 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ. 107 - دلائل النبوة أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي

تحقيق عامر حسن صبري، ط 1، دار حراء بمكة، 1406 هـ. 108 - دلائل النبوة أبو نعيم أحمد بن عبد الله ط سنة 1397 هـ، توزيع دار المعرفة- بيروت. 109 - الدليل الشافي على المنهل الصافي يوسف بن تغري بردي تحقيق فهيم شلتوت، مكتبة الخانجي، نشر جامعة أم القرى. 110 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي تحقيق د. محمد الأحمدي، دار التراث للطبع بالقاهرة. 111 - ديوان لبيد لبيد بن ربيعة العامري ط. الكويت، 1962 م. 112 - ديوان المتنبّئ بشرح اليازجي أحمد بن الحسين المتنبئ دار صادر- بيروت. 113 - ذيل طبقات الحنابلة عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب دار المعرفة- بيروت. 114 - رحلة ابن بطوطة" تحفة الناظر في غرائب الأمصار" تحقيق د. علي الكتاني، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1395 هـ.

115 - الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل أبو حامد الغزالي تحقيق د. محمد الشرقاوي، ط 1، دار أمية بالرياض 1403 هـ. 116 - رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد عبد العزيز بن راشد ط 2، المكتب الإسلامي 1401 هـ. 117 - الرد على الجهمية والزنادقة أحمد بن محمد بن حنبل تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، دار اللواء بالرياض 1397 هـ. 118 - الرد على الجهمية الحافظ ابن مندة تحقيق د. علي الفقيهي، ط الأولى 1401 هـ. 119 - الرد على المنطقيين أحمد بن عبد السلام ابن تيمية إدارة ترجمان السنة- لاهور، 1396 هـ. 120 - رد مفتريات المبشرين على الإسلام د. عبد الجليل شلبي ط 2، مكتبة المعارف بالرياض، 1406 هـ. 121 - الرسالة المستطرفة محمد الكتاني ط 3، دار الفكر، دمشق.

122 - الرسل والرسالات عمر بن سليمان الأشقر ط 3، مكتبة الفلاح بالكويت، 1405 هـ. 123 - رفع الحرج في الشريعة الإسلامية د. صالح بن عبد الله بن حميد ط 1، 1403 هـ، جامعة أم القرى. 124 - الروح محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية مطبعة المدني- جدة. 125 - الروض الأنف في شرح السيرة النبوية أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي دار المعرفة- بيروت- 1398 هـ. 126 - رياض الصالحين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ط 1397 هـ، إدارة ترجمان السنة- لاهور. 127 - زاد المسير في علم التفسير عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ط 3، الكتب الإسلامي 1404 هـ. 128 - زاد المعاد في هدي خير العباد ابن القيم تحقيق شعيب الأرناءوط، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1399 هـ.

129 - زهر الأكم في الأمثال والحكم الحسن بن مسعود اليوسي تحقيق د. محمد حجي، ود. محمد الأخضر، ط 1، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1401 هـ. 130 - سلسلة الأحاديث الضعيفة محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي. 131 - سنن الدارقطني علي بن عمر الدارقطني دار المحاسن بالقاهرة. 132 - السنن أبو داود سليمان بن الأشعث ط 1، نشر محمد علي السيد. 133 - السنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 134 - السنن الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن طبع بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية- بيروت. 135 - السنن أحمد شعيب النسائي

نشر دار الكتاب العربي- بيروت. 136 - سواد الناظر وشقائق الروض الناضر علاء الدين الكناني رسالة دكتوراه- د. حمزة الفعر. 137 - سير أعلام النبلاء محمد بن أحمد الذهبي تحقيق شعيب الأرناءوط وجماعة، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت 1401 هـ. 138 - السيرة النبوية عبد الملك بن هشام تحقيق مصطفى السقا، والابياري، وشلبي، نشر دار الكنوز الأدبية. 139 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب عبد الحي بن العماد تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة- بيروت. 140 - شذور الذهب يوسف بن هشام تحقيق محمد محي الدين، دار الفكر. 141 - شرح الأربعين النووية الطوفي مخطوط.

142 - شرح التصريح على التوضيح جمال الدين ابن هشام دار إحياء الكتب العربية بمصر. 143 - شرح تنقيح الفصول أحمد القرافي تحقيق طه أسعد، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بمصر 1393 هـ. 144 - شرح روضة الناظر الطوفي مخطوط. 145 - شرح صحيح مسلم أبو زكريا النووي دار الفكر- بيروت. 146 - شرح العقيدة الطحاوية علي بن علي بن أبي العز الحنفي ط 4، المكتب الإسلامي 1391 هـ. 147 - شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد محمد بن صالح بن عثيمين ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ. 148 - شرح المعلقات السبع الحسين بن أحمد الزوزني دار مكتبة الحياة- بيروت.

149 - الشعار على مختار الأشعار الطوفي مخطوط. 150 - شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل أبو المعالي الجويني مكتبة الكليات الأزهرية، 1399 هـ. 151 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى القاضي عياض شركة مصطفى الحلبي بالقاهرة. 152 - الشيعة والتشيع إحسان إلهي ظهير ط 1، 1404 هـ، نشر إدارة ترجمان السنة- لاهور. 153 - الصعقة الغضية على منكري العربية الطوفي مخطوط. 154 - صفة الصفوة جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي تحقيق محمود فاخوري، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1399 هـ. 155 - الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد كمال الدين جعفر الأدفوي تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.

156 - طبقات الأطباء والحكماء أبو داود سليمان بن حسان، ابن جلجل تحقيق فؤاد سيد، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت. 157 - طبقات الحنابلة القاضي محمد بن أبي يعلي دار المعرفة- بيروت. 158 - طبقات الشافعية الكبرى عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ط 2، دار المعرفة- بيروت. 159 - الطبقات الكبرى محمد بن سعد دار صادر- بيروت- 1388 هـ. 160 - عالم الجن والشياطين عمر الأشقر ط 1، سنة 1399 هـ، مكتبة الفلاح بالكويت. 161 - العبر في خبر من غبر محمد الذهبي دائرة المطبوعات- الكويت 1383 هـ. 162 - عجائب المخلوقات والحيوانات للقزويني بهامش حياة الحيوان للدميري.

163 - عصمة الأنبياء الفخر الرازي دار الكتب العلمية- بيروت. 164 - العظمة أبو الشيخ ابن حيان ط 1، تحقيق رضاء الله المبارك فوري. 165 - العقد الفريد أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي تحقيق د. مفيد محمد قميحة، ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1404 هـ. 166 - على التوراة علاء الدين الباجي تحقيق د. أحمد السقا، ط 1، مطبعة الحلبي بالقاهرة 1400 هـ. 167 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية أبو الفرج ابن الجوزي ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 هـ. 168 - علوم الحديث عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح ط 2، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، 1972 م.

169 - غريب الحديث إبراهيم الحربي نشر جامعة أم القرى. 170 - غريب الحديث أحمد بن محمد البستي الخطابي تحقيق عبد الكريم العزباوي، ط دار الفكر بدمشق، نشر جامعة أم القرى. 171 - الغنية في أصول الدين عبد الرحمن المتولي الشافعي ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، 1406 هـ. 172 - الفارق بين المخلوق والخالق عبد الرحمن باجة زادة الموسوعات بالقاهرة. 173 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر العسقلاني ط 1 المكتبة السلفية بالقاهرة. 174 - الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد أحمد عبد الرحمن البناء دار الحديث بالقاهرة. 175 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير محمد بن علي الشوكاني ط 3، دار الفكر- بيروت 1393 هـ.

176 - فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد عبد الرحمن آل الشيخ مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 177 - الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية سليمان بن عمر الجمل مطبعة عيسى الحلبي وشركاه بمصر. 178 - الفرقان بين الحق والباطل ابن تيمية ط. المدني بالقاهرة. 179 - الفرق بين الفرق عبد القاهر البغدادي تحقيق محمد محي الدين، دار المعرفة- بيروت. 180 - الفصل في الملل والنحل أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، ود. عبد الرحمن عميرة، ط 1 مكتبات عكاظ، 1402 هـ. 181 - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة عبد الرحمن عبد الخالق مكتبة ابن تيمية- الكويت 1404 هـ. 182 - فوات الوفيات والذيل عليها محمد بن شاكر الكتبي

تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت. 183 - فهرس الخزانة التيمورية دار الكتب المصرية. 184 - القاموس المحيط مجد الدين الفيروزآبادي دار الفكر للجميع. 185 - قدوة المهتدين إلى مقاصد الدين الطوفي مخطوط. 186 - القرآن والمبشرون محمد عزة دروزة ط 1، المكتب الإسلامي، 1392 هـ. 187 - القيامة الصغرى د. عمر الأشقر ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت 1406 هـ. 188 - القيامة الكبرى د. عمر سليمان الأشقر ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت 1407 هـ. 189 - الكامل في التاريخ عز الدين علي بن محمد ابن الأثير ط 5، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 هـ.

190 - الكتاب المقدس دار الكتاب المقدس في العالم العربي. 191 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم جار الله الزمخشري شركة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر. 192 - كشف الخفاء ومزيل الالباس إسماعيل بن محمد العجلوني ط 3، مؤسسة الرسالة- بيروت 1403 هـ. 193 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون مصطفى حاجي خليفة المطبعة الإسلامية بطهران. 194 - الكواشف الجلية عن معاني الواسطية عبد العزيز السلمان ط 11، مطابع المجد بالرياض 1401 هـ. 195 - كيمياء السعادة أبو حامد الغزالي مكتبة الجندي بالقاهرة. 196 - اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة جلال الدين السيوطي ط 3، دار المعرفة- بيروت 1401 هـ.

197 - لسان العرب جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي دار صادر- بيروت. 198 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية محمد بن أحمد السفاريني المكتب الإسلامي 199 - مباحث في علوم القرآن مناع خليل القطان مؤسسة الرسالة- بيروت. 200 - المباحث المشرقية الفخر الرازي ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدرآباد. 201 - المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين سيف الدين الآمدي القاهرة 1403 هـ. 202 - مجمع الأمثال أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري تحقيق محمد محي الدين، مطبعة السنة المحمدية، 1374 هـ. 203 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد علي بن أبي بكر الهيثمي مؤسسة المعارف- بيروت- 1406 هـ.

204 - مجموع الفتاوى أحمد بن عبد السلام ابن تيمية. جمع عبد الرحمن القاسم ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة، توزيع الملك فهد- حفظه الله-. 205 - محاضرات في النصرانية محمد أبو زهرة ط 4، سنة 1404 هـ، توزيع رئاسة البحوث العلمية بالرياض. 206 - محاسن التأويل. محمد جمال الدين القاسمي. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط 2، دار الفكر- بيروت- 1398 هـ. 207 - المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز. عبد الحق بن غالب ابن عطية. تحقيق المجلس العلمي بفاس، مطابع فضالة بالمغرب 1395 هـ. 208 - مختار الصحاح. محمد بن أبي بكر الرازي. دار الفكر- بيروت- 1401 هـ. 209 - المختار في الرد على النصارى. أبو عثمان الجاحظ. تحقيق د. محمد الشرقاوي، ط 1، دار الصحوة بالقاهرة، 1405 هـ. 210 - المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد. على بن محمد ابن اللحام. تحقيق د. محمد مطهربقا، ط دار الفكر بدمشق 1400 هـ، نشر جامعة أم

القرى. 211 - مختصر سنن أبي داود وتهذيبها. للمنذري وابن القيم. دار المعرفة- بيروت. 212 - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. محمد بن الموصلي. نشر مكتبة الرياض الحديثة". 213 - مختلف الحديث" تأويل مختلف الحديث". ابن قتيبة. صححه محمد النجار، دار الجيل- بيروت، 1393 هـ. 214 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد. عبد القادر بن بدران. تحقيق د. عبد الله التركي، ط مؤسسة الرسالة- بيروت، 1401 هـ. 215 - مذكرة التوحيد. عبد الرزاق عفيفي. ط 1، 1403 هـ، المكتب الإسلامى. 216 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان. عبد الله اليافعي. دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد، وطبعة الأعلمي ببيروت. 217 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع. صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي.

ط 1، دار إحياء الكتب العربية بمصر 1373 هـ. 218 - المستدرك على الصحيحين. الحاكم النيسابوري. دار المعرفة- بيروت. 219 - المستقصى فى أمثال العرب محمود بن عمر الزمخشري. ط 2، دار الكتب العلمية- بيروت 1397 هـ. 220 - المسند. للإمام أحمد بن حنبل. ط 2، 1398 هـ، المكتب الإسلامى- بيروت. 221 - المسيح إنسان أم إله. محمد مجدي مرجان. تهذيب وتحقيق عبد الرحمن دمشقية، مكتبة الحرمين بالرياض. 222 - المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل. عبد الكريم الخطيب. ط 2، دار المعرفة- بيروت 1396 هـ. 223 - مشكل الآثار. أبو جعفر الطحاوي. دار صادر- بيروت. 224 - المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم. أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري. تحقيق ياسين محمد السواس، ط دار الفكر بدمشق 1403 هـ، نشر جامعة

أم القرى. 225 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمد المقري الفيومي. دار الكتب العلمية- بيروت، 1398 هـ. 226 - المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي. د. مصطفى أبو زيد. ط لجنة البيان العربي بالقاهرة سنة 1374 هـ، نشر دار الفكر العربي 227 - المصنف. ابن أبي شيبة. الدار السلفية بالهند. 228 - معارج القبول. حافظ الحكمي. السلفية بالمدينة المنورة. 229 - معالم السنن. الخطابي. على هامش سنن أبي داود. 230 - مع المفسرين والمستشرقين في زواج زينب بنت جحش. د. زاهر عواض الألمعي. مطابع الفرزدق بالرياض، 1403 هـ. 231 - معاول الهدم والتدمير في النصرانية والتبشير. إبراهيم الجبهان.

ط 2، مطابع الريل بالرياض 1398 هـ. 232 - المعجم الفلسفي. جميل صليبا. دار الكتاب اللبناني، 1982 م. 233 - معجم المؤلفين. عمر رضا كحالة. مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي- بيروت. 234 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث. مجموعة من المستشرقين. مكتبة بريل بليدن. 235 - المعجم الوسيط. مجموعة من المؤلفين. ط 2، مطابع دار المعارف بمصر، 1393 هـ. 236 - معركة الوجود بين القرآن والتلمود. د. عبد الستار السعيد. ط 2، مكتبة المنار بالأردن، 1402 هـ. 237 - معنى لا إله إلا الله. بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق علي محي الدين علي القره داغي، ط 3 دار البشائر الإسلامية، لبنان، 1406 هـ.

238 - المغازي. محمد بن عمر بن واقد. تحقيق د. مارسدن جونس، نشر عالم الكتب، بيروت. 239 - المغني في أصول الفقه. عمر بن محمد بن عمر الخبازي. تحقيق د. محمد بقا، ط 1، جامعة أم القرى 1403 هـ. 240 - المغني. ابن قدامة المقدسي. مكتبة الجمهورية العربية بالقاهرة. 241 - مفتاح دار السعادة. ابن القيم. مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 242 - مفتاح كنوز السنة. أ. ى. فنسنك. سهيل كيديمى- لاهور. 243 - مفتريات على الإسلام. أحمد محمد جمال. ط 3، الشعب بالقاهرة، 1395 هـ. 244 - المفردات في غريب القرآن. الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني. تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة- بيروت.

245 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. محمد بن عبد الرحمن السخاوي. ط 1، دار الكتب العلمية 1399 هـ بيروت. 246 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. علي بن إسماعيل الأشعري. ط 3، دار التراث العربي- بيروت. 247 - مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية". أبو عبيدة الخزرجي. تحقيق د. محمد أبو شامة، ط مطبعة المدني بالقاهرة، ونشر مكتبة وهبة بالقاهرة. 248 - المقدمة. عبد الرحمن بن خلدون. ط شركة علاء الدين للطباعة- بيروت، نشر دار احياء التراث العربي ببيروت. 249 - المقنع في فقه الإمام أحمد. ابن قدامة المقدسي. ط 3، مطابع الدجوي بالقاهرة، نشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 250 - الملل والنحل. محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. تحقيق محمد سيد كيلاني، ط 2، دار المعرفة- بيروت 1395 هـ.

251 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف. ابن القيم. تحقيق محمود مهدي الأستانبولي، توزيع رئاسة البحوث والإفتاء. 252 - منال الطالب في شرح طوال الغرائب. مجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير. تحقيق د. محمود الطناحي، مطبعة المدني بمصر، نشر جامعة أم القرى. 253 - مناهل العرفان في علوم القرآن. محمد عبد العظيم الزرقاني. دار إحياء الكتب العربية بمصر. 254 - منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب. عبد العزيز آل معمر. ط 3، دار ثقيف بالطائف، 1400 هـ. 255 - منظومة الأبوصيري. محمد بن سعيد الأبوصيري. تحقيق د. أحمد السقا، ط 1، مطبعة البيان 1399 هـ، مكتبة المدينة المنورة بمصر. 256 - منهاج السنة النبوية. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. نشر مكتبة الرياض الحديثة. 257 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي.

ط 2، عام الكتب- بيروت 1404 هـ. 258 - منهج ودراسات لآيات الصفات. محمد الأمين الشنقيطي. مؤسسة مكة للطباعة، توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 259 - المنقذ من الضلال. أبي حامد الغزالي. مكتبة الجندي بمصر. 260 - الموافقات في أصول الأحكام. إبراهيم بن موسى الشاطبي. دار الفكر- بيروت 1341 هـ. 261 - الموسوعة العربية المسيرة. مجموعة من العلماء. دار الشعب- بالقاهرة. 262 - الموطأ وشرحه تنوير الحوالك. الإمام مالك/ السيوطي. مطبعة الحلبي وأولاده بمصر، 1349 هـ. 263 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" الخطط المقريزية". أحمد بن علي المقريزي. دار صادر- بيروت. 264 - موقف المعتزلة من السنة. د. أبو لبلبة حسين.

ط 1، منشورات دار اللواء بالرياض 1399 هـ. 265 - النبوات. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 266 - النبوة والأنبياء. محمد علي الصابوني. دار النصر بحلب. 267 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. جمال الدين يوسف بن تغري بردي. مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة. 268 - نزهة الأرواح في تاريخ الحكماء والفلاسفة. محمد بن محمود الشهرزوري. ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر آبار، 1396 هـ. 269 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. ابن حجر العسقلاني. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. 270 - نسيم الرياض في شرح القاضي عياض. شهاب الدين أحمد الخفاجي. دار الكتاب العربي- بيروت. 271 - النصرانية والإسلام. محمد الطهطاوي.

دار الأنصار بالقاهرة. 272 - النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية. نصر بن يحي المتطبب، مخطوط. 273 - نظرات في إنجيل برنابا. محمد علي قطب. مكتبة القرآن بالقاهرة. 274 - نهج البلاغة. للرضي أو المرتضى. 275 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار. الشوكاني. دار الفكر- بيروت. 276 - نيل المرام شرح عمدة الأحكام. حسين نورى وعلوي المالكي. مطابع الشمرلي بالقاهرة. 277 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. ابن القيم. ط 1404 هـ، مكتبة المعارف بالرياض. 278 - هداية العارفين. إسماعيل باشا. استانبول 1951 م.

279 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. أحمد بن محمد بن خلكان. حققه د. إحسان عباس، دار صادر- بيروت. 280 - اليهود المغضوب عليهم. محمد عبد العزيز منصور. ط 1، دار الاعتصام بالقاهرة، 1400 هـ. 281 - اليوم الآخر: الجنة والنار. عمر الأشقر. ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت، 1406 هـ.

عاشرا: فهرس الموضوعات

عاشرا: فهرس الموضوعات الموضوع/ الصفحة أولا: المقدمة 9 ثانيا: الدراسة 20 - تعريف موجز بالطوفي وعصره 22 - الفصل الأول: ماله أثر فى حياة الطوفي 22 - الحالة السياسية 23 - الحالة الاجتماعية 29 - الحالة الفكرية والثقافية 32 - الفصل الثاني: حياة الطوفي 46 - اسمه وكنيته ولقبه 48 - مولده 49 - نشأته وأسرته 52 - طلبه للعلم وفقهه 53 - شيوخه 59 - تلامذته 71 - آثاره العلمية 74 - عقيدته ومذهبه 84 - الطوفي وموقفه من الرفض 87 - مذهب الطوفي في الأسماء والصفات 119

- مذهبه في المصلحة المرسلة 137 - خبر الآحاد وموقف الطوفي منه 145 - وفاته 152 - أقوال الناس فيه 154 - التعريف بكتاب الانتصارات الإسلامية 157 - اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي 159 - سبب تأليف الكتاب 160 - منهج الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية 165 - مصادر الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية 170 - مقارنة بين الانتصارات الإسلامية ... وبعض ما ألف في الرد على النصارى 181 - أهمية الكتاب العلمية 199 - وصف النسخ الخطية للكتاب 201 - النسخة المطبوعة وأخطاء د. أحمد السقا فيها 205 - نماذج من النسخ الخطية 211 ثالثا: التحقيق 225 - خطبة الكتاب 227 - سبب تأليف الكتاب 227 - المقدمات الكلية للكتاب 229

- المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب 229 - المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع 233 - المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول 241 - المتنبئون الكذبة والتحذير منهم 244 - حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها 252 - فوائد النبوات ومنفعتها 259 - النبي وشروطه 263 - موقف النصارى من النكاح 268 - فوائد النكاح وفضيلته 270 - الأنبياء والنكاح 275 - ظهور المعجز على يد النبي 285 - موافقة ما يأتي به النبي للفطرة 287 - موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- 288 - امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- 289 - المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم 291 - المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم 296

- الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم 300 - رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أخت هارون" 300 - رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام 305 - رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له 312 - رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج 325 - تناقض كتب النصارى التي بأيديهم 340 - ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام 343 - أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك 360 - البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل 375 - أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك 387 - قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء 393 - تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك 409 - بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام 411

- الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين 420 - تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك 435 - الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه 439 - القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك 451 - تكذيب النصراني للسنة 469 - كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك 469 - عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه 482 - الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره 482 - الإسراء والمعراج 495 - الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه 496 - رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة 500 - البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك 501 - الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام 504

- مكان دفن الأنبياء 508 - علامات الساعة وموقف النصارى منها 513 - منافع الحبة السوداء 521 - طهارة محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلو همته 526 - معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم- وموقف النصراني منها 535 - المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته 585 - نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله 620 - تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية 622 - الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز- إتيان المرأة في دبرها 641 - كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين 644 - نكاح المتعة وموقف الإسلام منه 657 - العزل وإباحته في غير معارضة القدر 662 - حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء 665 - الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض 671 - حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين 674

- متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه 677 - حسن العطاس وكراهة التثاؤب 682 - آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها 684 - حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك 685 - التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب 689 - جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك 691 - النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات 697 - إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه 701 - حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده 706 - زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك 714 - الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بدّ أن يعلم الغيب 716 - نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك 733

- مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك 741 - خاتمة الكتاب بعشر حجج 745 - الحجة الأولى 745 - الحجة الثانية 746 - الحجة الثالثة 747 - الحجة الرابعة 748 - الحجة الخامسة 751 - الحجة السادسة 751 - الحجة السابعة 752 - الحجة الثامنة 754 - الحجة التاسعة 755 - الحجة العاشرة 757 - الفهارس 761 - فهرس الآيات القرآنية 763 - فهرس الأحاديث والآثار 795 - فهرس الأشعار 819 - فهرس الأمثال 826

- فهرس الألفاظ والمصطلحات الغريبة 827 - فهرس الأعلام 833 - الكنى 876 - من نسب إلى أبيه 878 - الألقاب وما شابهها 880 - فهرس الأماكن والمواقع 882 - فهرس الفرق والأمم 900 - فهرس المصادر والمراجع 909 - فهرس الموضوعات 951

§1/1