الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب

اليَفُرَني، محمد بن عبد الحق

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم قال الشيخ، الإمام، العلم، العالم، أبو عبد الله محمد بن الفقيه الحاج أبي محمدٍ عبد الحق بن سليمان رحمه الله تعالى: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة على محمدٍ خاتم النبيين. هذا وعزمي في كتابي هذا على اقتضاب ما تضمنه كتاب "المختار الجامع .. " من غريب "الموطأ" وإعرابه خاصةً؛ ليكون كالمعتد لطالبه، وكالمقتضب لمريده، فأعفيه من مشقة الطلب، وأخلصه من عبء تصفح ما ليس له في تصفحه أربٌ، ورتبته على الأبواب ترتيب الكتاب، وجعلته لقارئه إن أراد تطريزه يطرزه بهذا الاسم الواقع عليه "الاقتضاب" وأقترح عليه اقتراح المسدي يداً إليه أن يجتهد في الدعاء مع إخوانه الصلحاء في أن يستعملنا جميعاً في ما يُدني إلى الله تعالى، ويقربنا منه، ويزلفنا لديه، وأن يتغمدنا برحمته ورضوانه ومغفرته، إذا صرنا إليه. والله أسأل أن يجيب فيه ومنه، في صالح هذا الدعاء، وأن يجمعنا جميعاً في دار الكرامة والبقاء في محل إخوان الصفا. آمين.

[كتاب وقوت الصلاة]

[كتاب وقوت الصلاة] (وقوت الصلاة) قال المؤلف رضي الله عنه: اتفق أهل اللغة على أن "أفعالاً" جمع القلة، وفعولاً: جمع الكثرة، وفعل مالك كذلك، فإنه يقال: إنه أدخل تحت الترجمة: ثلاثة عشر وقتاً، وكل وقتٍ منها ينفرد عن صاحبه بحكمٍ. - وقوله: "والشمس في حجرتها، قبل أن تظهر" [2] أي: تعلو وتصير على ظهر الحجرة، قال الله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، وقال النابغة:

* وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا* أي: مرتقى وعلواً، وقيل: معناه: أن يخرج الظل من قاعة حجرتها ويذهب. وكل شيءٍ خرج، فقد ظهر، وأنشدوا: * وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها* أي: ذاهبٌ، والمعنيان كالمتحدين. والحجرة: الدار، وكل ما أحاط به حائطٌ فهو حجرةٌ، من حجرت، أي: منعت. - وقوله: "بهذا أُمرت" [1]. يروى بضم التاء وفتحها، فبالضم معناه:

أُمرت أن أبلغه وأبينه لك، وبالفتح- وهي رواية ابن وضاحٍ- أي: أمرت أن تصلي فيه، وشرع الصلاة فيه لأمتك. - وقوله: "إن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". ذهب بعض المفسرين إلى أن "الفاء" هنا بمعنى الواو؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصلياً معه وإذا حملت الفاء على حقيقتها وجب أن يكون مصلياً بعده، والصحيح أن الفاء على بابها للتعقيب، ومعناه: أن يكون جبريل كلما فعل جزءاً من الصلاة فعله النبي صلى الله عليه وسلم بعده، وهذه سنتها، وهذا أوضح من أن تكون الفاء بمعنى الواو؛ لأن العطف بالواو تحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قبل جبريل، و"الفاء" لا تحتمل ذلك، فهي أبعد من الاحتمال، وأبلغ في البيان. - وقوله: "أو إن جبريل". رويناه بفتح "إن"، وكسرها، والكسر أظهر؛ لأنه استفهامٌ مستأنفٌ، إلا أنه ورد بالواو ليرد الكلام على كلام عروة، لأنها من حروف الرد، والفتح على تقدير: أوعلمت، أو أوحدثت أن جبريل نزل؟ ويأتي زيادة معنى في هذا.

- وقوله - في الحديث الثاني-: "صلى الصبح حين طلع الفجر" [3]. الفجر: هو أول بياض النهار الظاهر في الأفق الشرقي المستطير المنير المنتشر، تسميه العرب: الخيط الأبيض، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} أي: بياض النهار من سواد الليل، قال أبو دؤاد الإيادي: فلما أضاءت لنا سدفة ... ولاح لنا الصبح خيطاً أنارا وقال آخر: قد كاد يبدو أو بدت تباشره وسدف الليل البهيم ساترة

وسمته أيضاً: الصديع، ومنه قولهم: انصدع الفجر، قال بشرُ بن أبي خازمٍ، أو عمرو بن معدي كربٍ: به السرحان/ مفترشاً يديه ... كأنه بياض لبيه الصديع وشبهه الشماخ بمفرق الرأس لمن فرق شعره، فقال: 2/أ إذا ما الليل كان الصبح فيه ... أشق كمفرق الرأس الدهين و [يقولون] للأمر الواضح: "هذا كفلق الصبح" و"تباشير الصبح"،

و"كانبلاج الفجر". - ومعنى "أسفر": بدا وتبين؛ ومنه قول العرب: سفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفت عنه، وأسفرا الصبح: أضاء. - وقوله: "حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر". تحقيق هذا اللفظ على أصل موضوعه من كلام العرب، يقتضي أن وقت طلوع الفجر: هو كان وقت فعل الصلاة، وذلك غير جائزٍ، ولا بد أن يتقدم طلوع الفجر ابتداء الصلاة، لا أن هذا اللفظ قد يستعمل في كلام العرب بمعنى المبالغة، تقول: جلست حين جلس زيدٌ، فيقتضي ذلك أن جلوسكما كان في وقتٍ واحدٍ، غير أن ابتداء جلوس زيدٍ قد تقدم؛ فعلى هذا يصح قوله صلى الله عليه وسلم:

"صلى الصبح حين طلع الفجر". - وقوله: "هأنذا يا رسول الله". قال سيبويه: وكذلك هأنذا، وهانحن أُولاء، وها هو ذاك، وها هما ذانك: [هاهم أولئك] وها أنتما ذان، وها أنت ذا، وها أنتم أولاء، وها أنتن أولاء [وها هن أولئك] وإنما استعملت هذه الحروف- ههنا - لأنك لا تقدر على شيءٍ من الحروف التي تكون علامةً في الفعل، ولا على الإضمار الذي في فعل. وزعم الخليل: أن "ها"هنا، هي التي مع ذا إذا قلت هذا، وإنما أرادوا أن يقولوا: هذا أنت، ولكنهم جعلوا "أنت" بين "ها" و"ذا"، وأرادوا أن يقولوا: أنا هذا، وهذا أنا، فقدموا "ها" وصارت "أنا" بينهما. وزعم أبو الخطاب: أن العرب الموثوق بهم يقولون: هذا أنا، وأنا هذا، ومثل ما قال الخليل في هذا قول الشاعر وهو لبيدٌ:

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا كأنه أراد أن يقول: وهذا لي، فصير الواو بين "ها" و"ذا". وزعم أن مثل ذلك، إي: ها الله ذا، إنما هو هذا. وقد يكون "ها" في ها أنت ذا غير مقدمةٍ، ولكنها تكون [للتنبيه] بمنزلتها في هذا، يدلك على ذلك قوله [عز وجل]: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ}، فلو كانت "ها" هاهنا هي التي تكون أولاً إذا قلت هؤلاء لم تُعد هاهنا بعد أنتم. وحدثنا يونس أيضاً - تصديقاً لقول أبي الخطاب-: أن العرب تقول: هذا أنت تقول: كذا وكذا، لم يرد بقوله: "هذا أنت" أن تعرفه نفسه، كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره، هذا محالٌ، ولكنه أراد أن ينبهه، كأنه قال: الحاضر عندنا أنت، أو الحاضر القائل كذا وكذا أنت. وإن شئت لم تقدم "ها" في هذا الباب، قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} هذا كله كلام سيبويه. وقال السيرافي: وإنما كقول

القائل: ها أنذا؛ إذا طلب رجلٌ لم يُدر أحاضرٌ هو أم غائبٌ؛ فقال المطلوب: ها أنذا، أي: الحارض عندك أنا، وإنما يقع جواباً، ويقول القائل: أين من يقوم بالأمر؟ فيقول له الآخر ها أنذا، أو ها أنت ذا، أي: أنا في الموضع الذي التمست فيه [من التمست] أو أنت في ذلك الموضع وهو مقتضى الحديث. وأكثر ما يأتي في كلام العرب هذا بتقديم "ها" والفصل بينها وبين "ذا" بالضمير المنفصل. والذي حكاه أبو الخطاب عن العرب الموثوق بهم، من قولهم: هذا أنا، وأنا هذا، هو في معنى ها أنا ذا، ولو قلت: هذا أنت والإشارة إلى غير المخاطب جاز، ومعناه: هذا مثلك، كما تقول: زيدٌ عمرو، على معنى: زيدٌ مثل عمرو. والذي حكاه يونس عن العرب: هذا أنت تقول كذا وكذا، هو مثل قوله [تعالى]: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}. - وقوله: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح" [4]. على معنى التأكيد، و"إن" مخففةٌ من الثقيلة المؤكدة، واللازم لازمةٌ لخبرها؛ ليفرق بينها وبين التي بمعنى "ما"، فإذا قلت: إن زيدٌ لقائمٌ، فهي تأكيدٌ/ 2/ب إن زيدٌ قائمٌ - وأسقطت اللام- فهي نفيٌ بمعنى ما زيدٌ قائمٌ. والكوفيون يجيزون

أن تكون نفياً وإن كانت اللام في خبرها، ويجعلون اللام بمعنى "إلا" الموجبة، كأنه قال: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يصلي، وتقدير الكلام على مذهب سيبويه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} في قراءة من رفع الفعل، وفتح اللام. - والغلس": ظلمة آخر الليل، والغلس والغبش سواءٌ، إلا أن الغلس لا يكون إلا في آخر الليل؛ وقد يكون الغبش في أوله، وفي آخره. وأما الغبس بالباء والسين فغلطٌ عندهم. - وقوله في الحديث الآخر: "متلففاتٍ" وروي: "متلفعاتٍ" بالعين، والمعنى متقاربٌ، إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس، قال ابن [قيس] الرقيات:

لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ ... ولم تُسق دعد في العلب وقال ابن حبيب: لا يكون الالتفاع إلا بتغطية الرأس. قال عبيد بن الأبرص: كيف يرجون سقوطي بعدها ... لفع الرأس بياضٌ وصلع فاللفاع: ما التفع، واللحاف: ما التحف. - و"المروط": أكسية صوفٍ أو خز مربعةٌ، وقيل: سداها شعرٌ؛

وعلى هذا جاء تفسيرها في هذا الحديث، وأما قول امرئ القيس: * على إثرينا ذيل مرطٍ مرحل* فالمرط هنا من خز. - وقوله في الحديث الآخر: "من أدرك ركعةً من الصبح". الإدراك: درك الحاجة، والظفر بها، والحصول عليها، ومنه قولهم: أدرك ثأره. ولفظ الإدراك هنا: بين متمكنٌ على المذهبين جميعاً: مذهب من شذ وحمله على العموم، ومذهب من حمله على وقت الضرورة. - وقوله في الحديث الآخر: "فمن حفظها وحافظ عليها" [6]. حفظها؛ أي: قام برعايتها وأوقاتها، وغير ذلك. وحافظ عليها؛ أي: أدام الحفظ لها. - و"الفيء": هو الظل الذي تفيء عليه الشمس بعد الزوال، ثم ترجع. قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: ترجع فما كان قبل الزوال من

الظل فليس بفيء. - و"الفرسخ": ثلاثة أميالٍ، والميل: عشر غلاءٍ. - و"الغلوة" مائتا ذراع، ففي الميل: ألف باعٍ، وهي ألفا ذراعٍ، قاله ابن حبيبٍ. قال أبو الوليد: ومعناه عندي أبواع الدواب. وأما باع الإنسان وهو طول ذراعيه، وعرض صدره فأربعة أذرع، وهو القامة. [قال أبو عمر]: واختلفوا في "الميل" وأصح ما قيل فيه: ثلاثة آلاف ذراعٍ، وخمسمائة ذراعٍ.

- وقوله: "فهو لما سواها أضيع" على مثال: أفعل في المفاضلة من الرباعي، وهو قليلٌ، واللغة المشهورة في ذلك: وهو لما سواها أشد تضييعاً؛ لأن الفعل الزائد على ثلاثة أحرفٍ لا يبنى منه أفعل. وحكى السيرافي: أن بعض النحاة قال: إن سيبويه يرى الباب في الرباعي فيما يجوز فيه التعجب والمفاضلة بأفعل، فيقال: ما أيسر زيداً من اليسار، وما أعدمه من العدم، وما أشرفه من الشرف، وما أفرط جهله، وزيدٌ أفلس من عمرو، وقال ذو الرمة: وما شنتا خرقاء واهيتا الكلا ... سقى بهما ساقٍ ولما تبللا بأضيع من عينيك للدمع كلما ... تعرفت ريعاً أو تذكرت منزلاً وقد جاء كثيراً في الكلام والشعر. ويحتمل أن تكون اللام في قوله: "لما سواها

"أضيع" بمعنى "في"، كقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} معناه: في يوم الجمع، حكاه ابن النحاس، ويكون معنى ذلك أنه ضائعٌ لعمله في تركه للصلاة، وأنه أضيع في غيرها، لا ينتفع بعلمه. - وقوله في حديث عمر: "إذا زاغت الشمس" أي: مالت، وأقل الزيغ كيفما تصرف في لسان العرب: الميل، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. - وقوله: "باديةٌ مشتبكةٌ" [7] استعارةٌ، والاشتباك والتشبيك معروف. - وقوله في الحديث الآخر: "بغبشٍ، يعني الغلس" [9]. والصحيح أن "الغبش" بالشين والسين معاً معناهما متقارب، وهو اختلاط/ 3/أالنور بالظلمة، أي: بقايا ظلمة الليل، وهو الغلس خلاف ما تقدم عن أبي عمر. يقال: غبس الليل وأغبس، وغبش وأغبش. وقال الأخفش: الغبس: النور المختلط بالظلمة، ويكون في أول الليل وآخره، والغبش بقية الليل، وقال الأزهري:

الغبس قبل الغبش، والغلس باللام بعد الغبش؛ وهي كلها في آخر الليل، ويجوز الغبس - بالمعجمة- في أول الليل. - "قباء" يُمد ويقصر، والمد أشهر، فعلى لغة المد يجوز صرفه وترك

صرفه، والصرف أفصح، فصرفه على تذكير الموضع، وترك صرفه على تأنيث البقعة. و"قباء": موضع بني عمرو بن عوفٍ، قال ابن الزبعري: حين حطت بقباءٍ بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل قال البكري: وقباء: موضع آخر في طريق مكة من البصرة. قال الشيخ- وفقه الله-: ومما تشتمل عليه هذه الأحاديث المتقدمة: "اشتقاق الصبح" من الصباحة، وهي الحسن، والجمال، سمي بذلك لإشراقه، ويجوز أن يكون من قولهم: شيءٌ أصبح؛ إذا كان فيه بياضٌ وحمرةٌ.

و"اشتقاق الفجر": من تفجر الماء، وظهوره من الأرض؛ شبه انصداعه في الظلام بانفجار الماء. و"الظهر" و"الظهيرة" - في اللغة-: ساعة الزوال حين يقوى سلطان الشمس، فسميت صلاة الظهر؛ لأنا تصلى في ذلك الوقت. وقيل: لأنها أول صلاةٍ أظهرت. و"العصر": العشي، وبه سميت الصلاة في المشهور من أقوال العلماء. وروي عن [سعيد] بن جبير، وأبي قلابة [أنهما قالا:] أنها سميت عصراً لتعصر؛ أي: تؤخر. والأول [هو] المعروف. ويقال للصبح والعصر جميعاً: العصران.

(وقت الجمعة)

ومنه قوله عليه السلام: "حافظوا على العصرين"؛ لأن الغداة والعشي يقال لهما: العصران، ويقال أيضاً لليل والنهار: العصران. - ومعنى: "غربت الشمس" [9]: بعدت فلم تدركها الأبصار، ومنه سمي الغريب؛ لبعده عن أهله، وسمي الليل عشاءٌ؛ لأنه يُعشي العيون فلا ترى شيئاً إلا على ضعفٍ من النظر. و"العتمة": من الليل قدر ثلثه، وبذلك سميت الصلاة، وقيل: سميت عتمة لتأخرها. (وقت الجمعة) - قوله: "كنت أرى طنفسة" [13]. الطنافس: هي البسط كلها، واحدتها طنفسة، كذلك رويناه على ما حدثني به الأستاذ العلامة أبو علي حسن بن

عبد الله القيسي، عن الفقيه الحافظ الزاهد أبي جعفر بن غزلون، عن أبي الوليد الباجي؛ قال أبو الوليد: ووقع في كتابي مقيداً: طنفسةٌ. بالكسر، وطنفسةٌ بالضم. وقال أبو علي: "طنفسةٌ" بالفتح لا غير. قال الشيخ- أيده الله بتوفيقه-: ثلاث لغاتٍ فيها معروفاتٍ، الفتح فيهما، والكسر فيهما، وكسر الطاء وفتح الفاء. وعرض الغالب منها والأكثر من جنسها ذراعان. - وقوله: "فنقيل قائلة الضحاء" [الضحاء]- بفتح الضاد والمد-: حر الشمس، و"الضحى"- بالضم والقصر-: ارتفاعها عند طلوعها، قاله البوني.

وقال أبو علي في "المقصور والممدود": بعض اللغويين يجعل الضحاء والضحى وقتاً واحداً، مثل: النعماء والنعمى، وبعضهم يجعل الضحى: من حين تطلع الشمس إلى أن يرتفع النهار، وتبيض الشمس جداً، ثم بعد ذلك الضحاء إلى قريبٍ من نصف النهار، وبعضهم يجعل الضحى: حين تطلع الشمس، والضحاء: إذا ارتفعت. - وقوله: "صلى الجمعة" [13، 14]. قال اللحياني: يقال: جمعة- بفتح الميم وضمها- مثل رجل هُزْأةٌ وهُزَأَةٌ، فتكون جمعة يجتمع إليها، وجمعةً سبب اجتماع الناس إليها.

- و"مللٌ": يميل يسرةً عن الطريق إلى مكة. وبمللٍ آبار كثيرةٌ: بئر مروان، وبئر عثمان، وبئر المهدي، وبر المخلوع، وبئر الواثق، وبئر السدرة. وكان كُثيرُ عزة يقول: إنما سميت مللاً لتملل الناس فيها: تصرف إذا ذهبت به إلى المكان، ولا تصرف إذا ذهبت به إلى البقعة. - و"التهجير" [14]: السير في الهاجرة؛ وهي القائلة. يُقال: هجر تهجيراً 3/ب، فهو مهجرٌ ومُهجرٌ. وهجر النهار تهجيراً: اشتد حره.

(ما جاء في دلوك الشمس)

(ما جاء في دلوك الشمس) ""الميل" [19]- بسكون الياء-: فيما ليس بخلقةٍ ثابتةٍ، يقال: مالت الشمس ميلاً؛ وقال تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}. و"الميل"- بفتح الياء- في الخلق والأجسام، يقال: في أنفه، وفي الحائط ميلٌ. - و"الغسق" [20] مطلقاً: الظلمة. و"غسق الليل" مضافاً؛ إذا غاب الشفق. - و"الدلوك"- أيضاً- أصله: الميل. (جامع الوقت) - قوله: "كأنما وُتر أهله وماله". معناه: أصيب بأهله وماله. وهذه الكلمة في اللغة مأخوذةٌ من الوتر والترة [: الطلب بالدم]؛ وهو أن يجني الرجل على الآخر [جنايةً] في أهلٍ أو مالٍ فيطلبه بها حتى، يأخذ منه

مثلها. قال أعرابي: كأنما الذئب إذ يعدو على غنمي ... في الصبح طالب وتر كان فاثأراً و (وتر)، فعلٌ استعمل على وجهين: يتعدى في أحدهما إلى مفعولين، وفي الثاني: إلى واحدٍ؛ فمن تعديته إلى مفعولين قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}؛ وهو المذكور في هذا الحديث؛ ولذلك نقول: الصواب نصب الأهل والمال، هكذا رويناه في "الموطأ" وغيره، والرفع ساقطٌ، وبينهما في المعنى كثيرٌ. والمتعدي إلى واحدٍ، قولهم: وترت الرجل؛ إذا أصبته بوترٍ.

-[قوله: "فقال عمر طففت"] ابن السيد: والمشهور في "التطفيف" إنما هو النقصان. قال: فإن قيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ...} الآية: تدل على أنه زيادةٌ ونُقصانٍ؟ فالجواب: أن الزيادة التي يأخذونها لأنفسهم ترجع بالنقصان على من يعاملهم، وتعود بالنقصان عليهم آخراً. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: [التطفيف- في لسان العرب-: إنما هو الزيادة على العدل، والنقصان منه؛ وذلك ذمٌ، قال الله تعالى]: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}. - وقوله: "فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً" [23]. السهو: الذهول عن الشيء، تقدمه ذكرٌ أو لم يتقدمه، فأما النسيان فلا بد أن يتقدمه الذكر، وقد قيل: إنهما متداخلان، وأن معناهما واحدٌ. - "الشفق" في اللغة: اسمٌ للبياض والحمرة جميعاً اللذين ليسا بناصعٍ ولا فاقعٍ.

(النوم عن الصلاة)

(النوم عن الصلاة) - (القفول) [25]: الرجوع من السفر، ولا يقال: قفل إذا سافر مبتدئاً، قال صاحب "العين": قفل الجيش قفولاً وقفلاً: رجعوا، وقفلتهم أنا، وهو القفول، وهم القفل. ويمكن أن يكون فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزع الاستنجاد والاستصراخ، لا فزع الذعر. - و"السرى": مشي الليل وسيره؛ وهي لفظةٌ مؤنثةٌ، وتذكر، وسرى وأسرى لغتان، قرئ بهما. ولا يقال لمشي غير الليل: سرى، ومنه المثل: "عند الصباح يحمد القوم السرى".

- و"التعريس" النزول آخر الليل، ولا تسمي العرب نزول أول الليل تعريساً. - وقوله: "إكلأ لنا الصبح". أي: ارقب لنا الصبح، واحفظ علينا وقت صلاتنا. يقال: كلأه الله كلاء. وأصل الكلأ الحفظ والمنع والرعاية، وهي لفظةٌ مهموزةٌ، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ}، أي: يحفظكم، ومنه قول ابن هرمة.

إن سليمى والله يكلؤها ... ضنت بشيءٍ ما كان يرزؤها - و"القتد": من أدوات الرحل، والجمع، أقتادٌ وقتودٌ؛ ومنه قوله: "اقتادوا" أي: أثيروا جمالكم برواحلها وامشوا قليلاً، والجمال إذا كان عليها الأوقار فهي الرواحل. -[وقوله تعالى]: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} الأليق به المعنى، ويحتمل: لأجل ذكري، لأن تذكرني فيها، ولأن أذكرك بها. - وقوله في الحديث الآخر: "يهدئه" [26]. أي: يسكنه؛ من أهدأت الصبي: إذا ضربت بيدك عليه رويداً لينام. ورويناه بتشديد الدال، ويجوز تخفيفها، وهما لغتان: هدأت الصبي وأهدأته، كما يقال: كرمت الرجل، وأكرمته. - وقوله: "وقد رأى من فزعهم". تقديره - على مذهب الأخفش-:

(النهي عن الصلاة بالهاجرة)

وقد رأى فزعهم، و"من" زائدةٌ؛ لأنه يجيز زيادة "من" في الكلام الواجب. وسيبويه: لا يجيز زيادة "من" إلا في النفي والاستفهام، كقولك: ما جاءني من رجلٍ، وهل خرج من رجلٍ؟ فيكون تقدير الحديث- على مذهب سيبويه-: 4/ 1/ وقد رأى ما عظم عليه من فزعهم، أو رأى من فزعهم ما عظم عليه وتقديره: فزع إليها- إذا كان الفزع بمعنى الذعر-: فزع مما فاته من القيام بحقها؛ وثاب إليها، وإذا كان بمعنى. الاستصراخ أي: رجع إليها. (النهي عن الصلاة بالهاجرة) - "الفيح" [27]: سطوع الحر في شدة القيظ وانتشاره. وأصله في كلامهم: السعة؛ ومنه قولهم: أرض فيحاءُ، أي: واسعةٌ كذلك قال صاحب "العين" وغيره من أهل العلم بلسان العرب. - وقوله: "أبردوا عن الصلاة" كلامٌ قلقٌ في الظاهر، ونظامه البين: أبردوا الصلاة، يقال: أبرد الرجل؛ إذا دخل زمان البرد، أو مكانه، ولكنه

مجازٌ عبر فيه بأحد قسمي المجاز، وهو التسبيب، حسب ما يبين في الأصول، فكنى عن الشيء بثمرته؛ وهو التأخير، وكأنه قال، تأخروا عن الصلاة، صيانةً لها عن أن يُراد بها التأخير لفظاً، فكيف فعلاً؟ وقد قال عليه السلام لعمر: "أخر عني يا عمر" يعني: نفسه. - وقوله: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب:، أكل بعضي بعضاً". حمله جماعةٌ: على الحقيقة، وحمله جماعةٌ: على المجاز. فالذين حملوه على الحقيقة قالوا: أنطقها الله الذي أنطق كل شيءٍ، وأنطق في القيامة الأيدي، والأرجل، والجلود، وأخبر عن شهادتها، وأخبر في الدنيا عن النمل بقولها، وعن الجبال بتسبيحها، فقال [تعالى]: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} أي: سبحي معه؛ و [بقوله تعالى]: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}، و [بقوله تعالى]: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}

و [بقوله تعالى]: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} و [بقوله تعالى]: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}. وقيل [الجلود هنا]: الفروج كنى عنها بالجلود، وقال [تعالى]- عن جهنم-: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، وقال [تعالى]- عنها-: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، وقال [تعالى]- عن السماء والأرض-: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}، وهو في القرآن كثيرٌ، وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً، قالوا: يا رسول الله، أو لجهنم عينان؟ قال: أما سمعتم الله يقول: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، وفي الخبر الصحيح- عن يوم القيامة-: "فيخرج عنقٌ من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم" يعني يفصلهم عن الخلق في المعرفة، كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وحملوا بكاء السماء والأرض، وانفطار السماء، وانشقاق الأرض، وهبوط الحجارة من خشية الله، كل ذلك، وما كان مثله على الحقيقة، وكذلك إرادة الجدار الانقضاض.

واحتجوا على صحة ما ذهبوا إليه من الحقيقة في ذلك بقوله تعالى: {يَقُصُّ الْحَقَّ}، وبقوله [تعالى]: {وَالْحَقَّ أَقُولُ}. وأما الذين حملوا ذلك كله، وما كان مثله على المجاز؛ فقالوا: أما قوله [تعالى]: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}، و [قوله تعالى]: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} فهذا تعظيمٌ من الله تعالى لشأنها. وقالوا: وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اشتكت النار إلى ربها": من باب قول عنترة في فرسه: * وشكا إلي بعبرةٍ ونحمحم* وقول الآخر:

شكا إلي جملي طول السرى ... صبراً جميلاً فكلانا مبتلى فهذا مجازٌ. قالوا: وكذلك القول والنطق في ذلك كله مجازٌ، كقول الأعرابي: امتلأ الحوض وقال: قطني مهلاً رويداً قد ملأت بطني وكقول ذي الرمة: فقالت لي العينان سمعاً وطاعةً ... وحدرتا مثل الجمان المنظم

وكقول الحارثي: يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل وقال غيره: رب قومٍ غيروا من عيشهم ... في نعيمٍ وسرورٍ وغدق سكت الدهر زماناً عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق وقال غ يره: وعظتك أحداثٌ صمت ... ونعتك أزمنةٌ خفت وتكلمت عن أوجهٍ ... تبلى وعن صورٍ سبت وأرتك قبرك في القبو ... ر وأنت حيٌّ لم تمت وهذا كثيرٌ في أشعارهم، 4/ ب وقالوا: هذا كله على المجاز والتمثيل،

(النهي عن دخول المسجد بريح الثوم)

والمعنى في ذلك: أنها لو كانت ممن ينطق لكان نطقها هذا وفعلها، وذكروا قول حسان: لوان اللؤم ينسب كان عبداً ... قبيح الوجه أعور من ثقيف وسئل أبو العباس محمد بن يزيد النحوي عن قول الملك: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} وهم الملائكة لا أزواج لهم، فقال: نحن طول النهار نفعل مثل هذا، نقول: ضرب زيدٌ عمراً، وإنما هذا تقديريٌ؛ كأن المعنى إذا وقع فكيف الحكم فيه؟ وذكروا قول عدي بن زيدٍ العبادي للنعمان بن المندر: أتدري ما تقول هذه الشجرة أيها الملك؟ قال: وما تقول؟ قال: تقول: رب ركبٍ قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال (النهي عن دخول المسجد بريح الثوم) - في بعض روايات هذا الحديث: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة" [30].

الخُبث في اللغة: عبارة عن كل ما لا يلائم الحاستين من الشم والذوق، ويستعار في غير ذلك. والخبث في الشريعة: عبارةٌ في الأ"عمة عن المحرم. وهو معنى قوله [تعالى]: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أي: يحرم عليكم المحرمات، أي: يبينها؛ وقد قال غير مالكٍ من العلماء: معنى الخبائث - هاهنا-: كل مستكرهٍ، وموضع الكلام عليه غير هذا الموضع. - وقوله: "فلا يقرب مساجدنا؛ يؤذينا بريح الثوم". كذا الرواية: "يؤذينا" بإثبات الياء، وهو الصحيح. ولا يجوز في مثل هذا الجزم، على جواب النهي في قول سيبويه وأصحابه. وكان الكسائي يجيز فيه الجزم، وهو غلط؛ لأنه يصير تباعدهم عن المسجد سبباً لإذايته لهم بريح الثوم. وقوله:

"يؤذينا" يجوز أن يكون في موضع رفعٍ على خبر مبتدأٍ مضمرٍ، كأنه قال: فهو يؤذينا، ويجوز أن يكون ف يموضع نصب على الحال من الضمير في "يقرب" كأنه قال: مؤذياً لنا. - وقوله: "جبذ الثوب" جبذاً، وجذب جذباً بمعنى واحدٍ. - وقوله: "حتى ينزعه عن فيه". المشهور في هذه اللفظة هذا، وهو أن يستعمل في حال الإضافة بحرف اللين، فيقال: فوه في الرفع، وفاه في النصب، وفيه في الخفض، وربما استعملوه في حال الإضافة بالميم. قال الراجز: * يصبح ظمآن وفي البحر فمه* ويستعمل في حال إفرادها بالميم؛ فيقال: فمٌ، ومن العرب من يضم الفاء، ومنهم من يكسرها.

[كتاب الطهارة]

[كتاب الطهارة] (العمل في الوضوء) "الاستنثار" [1] دفع الماء بريح الخياشيم، و"الاستنشاق": جذبه به. وقيل: الاستنثار: أخذ الماء بالأنف، وهو مشتق من النثرة، وهي الأنف. كأن معناه: أخذ الماء بالنثرة، فهو على هذا بمنزلة الاستنشاق سواء. والقول الأول أشبه بالاستنثار المذكور في الحديث في الوضوء؛ لأنه قد جاء في حديث أبي هريرة: "إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمناخره من الماء ثم لينثر" ولأن الاستنثار: استفعالٌ؛ من قولهم: نثرت الشيء نثراً، إذا رميته متفرقاً، ويقال: نثر واستنثر بمعنى واحدٍ.

و"الوضوء"- بضم الواو-: وهو الفعل، وبفتحها: الماء، وحكي عن الخليل: الفتح فيهما، والأول قولٌ مشهورٌ عن الكوفيين، وأما سيبويه وأصحابه فقالوا: ما حكي عن الخليل، وذكروا أن المصادر حكمها أن تجيء على فعولٍ - بضم الفاء- كالقعود، والجلوس، والأسماء بالفتح إلا أشياء شذت من المصادر فجاءت مفتوحة الأوائل، وهي الوضوء والطهور، والوقود، والولوع والقبول، [والوزوع]، كما شذت أشياء من الأسماء، فجاءت بالضم، كالسدوس، وهو الطيلسان. وقال الأصمعي: الوضوء

- بضم الواو- ليس من كلام العرب، وإنما هو قياس قاسه النحويون، واشتقاقه من الوضاءة؛ وهو الحسن والنظافة. وأصل "المضمضة": الغسل، يقال: مضمض إناه، ومصمصه؛ إذا غسله؛ ويقال: تمضمض النوم في عينيه؛ إذا بدا. - و"الاستجمار" [2] هو إزالة نجو الأذى من المخرج بالماء، أو بالأحجار. يقال: استجمر الرجل: إذا تمسح بها، سمي بذلك؛ لأنه يتعلق بالأحجار، وهي الجمار. وقال القاضي أبو الحسن: يجوز أن يقال: أخذ من 5/أ/ الاستجمار بالبخور الذي يطيب الرائحة، وهذا يزيل الرائحة القبيحة.

والجمار عند العرب: الحجارة الصغار، وبه سميت حجار مكة. - قوله: "ويلٌ للأعقاب من النار" [6]. العَقِبُ والعَقْبُ وَالعُقْبُ: مؤخر القدم، وعقبته: ضربته عقبه، وعقب كل شيءٍ: آخره، وكذلك عاقبته وعاقبه، وكل شيءٍ جاء بعد شيءٍ فهو عقبه، والمعقب: الذي يتبع عقب الإنسان في حق، والعقب: ولد الرجل، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: "العاقب". والألف واللام في قوله: "ويلٌ للأعقاب" يحتمل أن تكون للعهد، وأن يريد به الأعقاب التي لا ينالها الوضوء، ويبعد أن يريد به الجنس؛ لأن ذلك يخرجه عن أن يكون وعيداً لمن أخل ببعض الوضوء. - وقوله: "لما تحت إزاره" يحتمل أن تكون اللام بمعنى "في" وكنى عن موضع الحدث [بما تحت الإزار؛ لأن الوضوء لو أطلق لكان الأظهر حمله على الوضوء الرافع للحدث] فبين أن المراد به الاستنجاء.

(وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة)

(وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة) وقع في بعض الروايات: "إذا نام أحدكم مضطجعاً" [10]. وفي بعضها: "مضجعاً" بضادٍ معجمةٍ، وهما لغتان، وقد حكيت لغةٌ ثالثةٌ: "مطجعٌ" بطاءٍ غير معجمةٍ، وحكيت لغةٌ رابعةٌ - شاذةٌ-: "ملطجعٌ" باللام وبالطاء غير معجمةٍ. - وقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} تأويله: إذا أردتم القيام إلى الصلاة، فترك ذكر الإرادة، وهي السبب، واكتفى بذكر المسبب عنها، وهو القيام، ونظيره قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}؛ لأن الاستعاذة إنما تكون قبل القراءة؛ وعلى نحوه تأولوا قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَاسُنَا} المعنى: أردنا إهلاكها؛ لأن مجيء البأس إنما يكون قبل الإهلاك، وقال ابن جني: معنى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}: إذا تأهبتم ونظرتم في أمرها، وليس يُراد بالقيام هنا المثول الذي

(الطهور للوضوء)

هو نظير القعود، إنما هو من قولهم: قمت بالأمر: إذا توليته ونظرت فيه، وهذان التأويلان خلاف ما قاله زيد بن أسلم. (الطهور للوضوء) هذه الترجمة تحتمل أربعة وجوه: أحدها: أن تكون الطاء من "الطهور"، والواو من "الوضوء" مرفوعتين. والثاني: أن تكونا منصوبتين. والثالث: أن تكون الطاء مرفوعةً، والواو منصوبةً. والرابع: بعكسه، وهو حرفٌ لم تضبطه الرواة. وقد اختلف أرباب اللغة في معناهما على هذا الضبط اختلافاً كثيراً. والأشهر أن يكون الفعول بضم الفاء للفعل، وبفتحها للمفعول به، وهي الآلة. فالطهور والوضوء- بفتح الطاء والواو للماء، وبضمهما للفعل-، فعلى هذا يكون مساق الترجمة، الطهور - بفتح الطاء، والوضوء- بضم الواو.

وقال ابن السيد: فأما الطهور فمفتوح الطاء، سواءٌ أردت به المصدر أو الماء. - وقوله: "هو الطهور ماؤه" [12]. يقال: ماءٌ طهورٌ، أي: يتطهر به، كما يقال: وضوءٌ للماء الذي يتوضأ به، وكل طهور طاهرٌ، وليس كل طاهرٍ طهوراً. - وقوله: "الحل ميتته" يقال: حلٌ وحلالٌ، كما يقال في ضده: حرمٌ وحرامٌ. ويقال في الحيوان: ميتةٌ بالهاء، وفي الأرض: ميتٌ بغير هاءٍ، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} بالهاء، وقال [تعالى]: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}. - وقوله: "إنها ليست بنجسٍ" [13]. يقال لكل مستقذرٍ: نجسٌ، فإذا ذكرت الرجس قلت: نجسٌ رجسٌ - بكسر النون وسكون الجيم-. - وقوله: "إنما هي من الطوافين عليكم" أبو الهيثم: الطائف: الخادم الذي يخدمك برفقٍ وعنايةٍ، وجمعه: الطوافون، وقال الفراء: في قوله تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} إنما هم خدمكم.

(ما لا يجب منه الوضوء)

- ومعنى: "أصغى لها الإناء": أماله، وكل شيءٍ أملته [فقد] أصغيته. - وقوله: "خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص" [14]. الركب: جمع راكبٍ، وأكثر ما يستعمل في الإبل، وهو عند سيبويه اسمٌ للجمع: وعند الأخفش جمعٌ، ودليل صحة قول سيبويه 5/ب/ قولهم في تصغيره: ركيبٌ، والأركوب والركاب: لمن ركب الدواب، والركاب: لمن ركب السفن، والركاب: الإبل تحمل القوم. - و"الحوض": مجتمع الماء. - وقوله: "إن كان الرجال والنساء" [15]. على معنى التأكيد، و"إن" مخففةٌ من الثقيلة المؤكدة، وتقدم. (ما لا يجب منه الوضوء) قال الخليل: "القلس" [17، 18]: ما خرج من الحلق وليس بقيءٍ، وهو

(ترك الوضوء مما مست النار)

بسكون اللام مصدر، فإذا أردت اسم الشيء الخارج قلت: قلسٌ بفتح اللام، كالهدم في المصدر، والهدم ف يالشيء المهدوم. - فأما "القيء" [18] فيكون المصدر، ويكون الشيء الذي يُتقيأ، وهذه من تسميته بفعله الذي يفعله، كقولهم للعين: طرفٌ، ولحظٌ، وللأذن: سمعٌ، وإنما هي في الحقيقة مصادر؛ من قولك: طرف، ولحظ، وسمع، وقد قلس يقلس، والسحابة تقلس بالندى. وذكر الباجي: القلس: ماءٌ أو طعامٌ يسيرٌ يخرج إلى الفم، وقال أبو حنيفة: هو أول القيء. (ترك الوضوء مما مست النار) - "أبان بن عثمان" [22]. إن جعلت همزته أصليةً وألفه زائدةً،

(جامع الوضوء)

كأنه مشتق من أبنت الرجل تأبيناً: إذا مدحته بعد موته، أو من أبنته: إذا اتهمته بسوءٍ. فهو مصروفٌ؛ لأن وزنه فعالٍ بمنزلة أداءٍ، وإن جعلته فعلاً ماضياً سمي به حكيته إن اعتقدت أن فيه ضميراً فاعلاً، وأجريته مجرى ما لا ينصرف، وإن اعتقدت أن لا ضمير فيه صرفته. - و"السويق" [20]: طعامٌ يتخذ من قمحٍ أو شعيرٍ يدق حتى يكون شبه الدقيق، فإذا احتيج إلى أكله خلط بماءٍ أو لبنٍ، أو رُبٍّ أو نحوه، وقال قومٌ: هو الكعك. - وقوله: "فأمر به فثري" أي: بل؛ لما لحقه من اليبس والقدم، يقال: ثرى التراب يثريه تثريةً، ويقال: ثر المكان، أي: رشه. (جامع الوضوء) - "الاستطابة" [27]: هي الاستجمار والتنظيف، وإزالة الأذى عن المخرج بالأحجار أو بالماء؛ مأخوذٌ من التطيب، يقال منه: استطاب الرجل وأطاب: إذا استنجى، ويقال: رجلٌ مطيبٌ: إذا فعل ذلك، قال الأعشى: يا رخماً قاظ على مطلوب يعجل كف الخارئ المطيب

قاظ: أقام في القيظ في اليوم الصائف، والاستطابة والاستجمار: اسمان لمعنىً واحدٍ. - وقوله: "أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجارٍ؟ " تقدم معنى هذه الواو في الحديث الأول في "أو أن جبريل"؛ وهي عند سيبويه وأصحابه: واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام، فأحدثت في الكلام ضرباً من التقرير. وقد تكون للاستفهام الذي لا تقرير فيه، وقد تحدث في الكلام معنى التوبيخ، كقوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} وقد تستعمل على وجهين؛ أحدهما: تقرير المخبر عن بعض ما أخبر به. والثاني: عطف كلام المخاطب على كلام المتكلم، وزعم بعض النحويين أن الواو في هذه المواضع زائدةٌ، وزعم بعضهم أنها "أو" حركت واوها، ولا وجه لدخول "أو" هنا. - وقوله: "خرج إلى المقبرة" [28]. أي: موضع دفن الموتى، قال

الفراء: واحد المقابر مَقْبَرَةٌ، ومَقْبُرَةٌ. وبعض أهل الحجاز يقولون: مقبرةٌ بكسر الباء. وقد سمعت: مشرقةٌ ومَشْرَقَةٌ. - وقوله: "دار قوم مؤمنين". كنى بالدار عن العمرة لها، وذلك كثيرٌ في فصاحة العرب، تعبر بالمنزل عن أهله. - وقوله: "إنا إن شاء الله بكم لاحقون" قد تكون "إلا" الاستثناء في الواجبات التي لا بد من وقوعها لغة للعرب، ليس على سبيل الشك، ألا ترى إلى قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ}، والشك لا سبيل إلى إضافته إلى الله تعالى. - وقوله: "وأنا فرطهم على الحوض". الفرط: المتقدم الماشي من أمامٍ إلى الماء، قاله أبو عبيدٍ وغيره [قال ابن وهبٍ: أي: أنا أمامهم وهم

ورائي يتبعوني، واستشهد أبو عبيدٍ] بقول الشاعر: فأثار فارطهم غطاطاً جثماً ... أصواته كتراطن الفرس وقال القطامي: واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراطٌ لوراد وقال لبيدٌ: فوردنا قبل فراطٍ القطا ... إن من وردى 6/أ/ تغليس النهل ويقال: فرطت القوم؛ إذا قدمتهم لترتاد لهم الماء، وتهيء لهم الرشاء، وافترط فلانٌ ابناً، أي: تقدم له ابنٌ، وفي حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع ابنه إبراهيم في حجره، وهو يجود بنفسه، فقال: لولا أنه موعد صدقٍ، ووعدٌ جامعٌ، وأن الماضي فرط الباقي". وقال ابن هرمة: ذهب الذين أحبهم فرطاً ... وبقيت كالمقبور في خلف ومن كل مطوي على حنق ... متكلفٍ يكفى ولا يكفي

وقال غيره: ومنهلٍ وردته التقاطاً لم ألق إذ وردته فرطا إلا القطا أوابداً غطاطا الأوابد: الطير التي لا تبرح شتاءً ولا صيفاً من بلدانها، والقواطع: التي تقطع من بلدٍ إلى بلد في زمنٍ بعد زمنٍ. والأوابد - أيضاً-: الإبل إذا توحش منها شيءٌ، والأوابد أيضاً: الدواهي واحدتها آبدة، [يقال منه: جاء فلانٌ بآبدة]. وقال الخليل: الغطاط: طيرٌ يشبه القطا.

- ومعنى: "فليذادن": يبعدن ويطردن، قال زهيرٌ: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه ... يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم وقال الراجز: يا أخوي نهنها أو ذودا إني أرى حوضكما مورودا - وقوله: "فلا يذادن" على النهي، أي: لا يفعل أحدٌ فعلاً يكون سبب طرده عن حوضي. - وقوله: "غرا محجلين". الغرة: بياضٌ في الوجه، وأصله في الجبهة للفرس فهو الدرهم، والتحجيل في اليدين والرجلين. - وقوله: "في خيلٍ دهمٍ بهمٍ". أصل الدهمة: السواد؛ ومنه الأدهم من الخيل، والبهيم اللون الواحد لا شية فيها، ومنه الحديث: "يحشر الناس يوم

القيامة عراةً حفاةً بهماً" يقول: ليس فيهم شيءٌ من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا، من العمى والعرج وغيره، وإنما هي أجسادٌ مصححةٌ؛ لخلود الأبد، والبهيم يوصف به الحيوان والليل. - وقوله: "ألا هلم" هذا على اللغة الحجازية الفصيحة، لا يلحقون "هلم" ضمير الاثنين ولا الجماعة ولا المؤنث، ويدعونها مفردةً؛ لأنها مركبةٌ من كلمتين، وهما "ها" التي للتنبيه، و"لم" التي للأمر، فغلب عليها معنى الحرف، قال الله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}. وبنو تميمٍ يلحقونها الضمير، فيجرونها مجرى الفعل. - وأما قوله: "فسحقاً" فمعناه: فبعداً، والسحق والبعد، والإسحاق والإبعاد، والسحيق، والبعيد سواء، وكذلك النأي والبُعد [لفظتان] بمعنى واحدٍ، إلا أن سحقاً وبعداً هكذا إنما يجيء بمعنى الدعاء [على الإنسان] كما يقال:

أبعده الله، وقاتله الله، ومحقه الله، وأسحقه الله أيضاً، ومنه قوله تعالى: {فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}. - وقوله في الحديث الآخر: "جلس على المقاعد" [29]. المقاعد: موضعٌ عند باب المسجد بالمدينة. وقال [ابن] حبيبٍ: قال مالكٌ: المقاعدُ؛ الدكاكين عند دار عثمان. وقال الداودي: هو الدرج، [وقيل] بل كانت حجارةً بقرب دار عثمان يقعد عليها مع الناس؛ وكل مكانٍ قعد فيه يقال: مقعدٌ، أي شيءٍ كان، فإن كان يقام فيه على الأقدام يقال له: مقامٌ، وجمعه مقاوم، وقد يقال

للمقام مقعدٌ- أيضاً- قال الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}. - وقوله: "فآذنه بصلاة العصر" أي: أعلمه. - وقوله: "وزلفاً من الليل" هي الساعات، واحدتها: زلفةٌ، سميت بذلك لأن بعضها يقرب من بعضٍ، من قولك: أزلفت إليه، إذا قربت منه، ومنه: الزلفى إلى الله، أي: القربى والوسيلة، ومنه اشتقاق المزدلفة. وقوله في الحديث الآخر: "من تحت أشفار عينيه" [30]. الأشفار: حروف الأجفان وأطرافها، التي ينبت عليها الشعر، واحدها: شفرٌ وشفرٌ. هذا هو الأصل. وشفر كل شيءٍ: حرفه، وكذلك شفيره. ومنه؛ قيل: شفر الرحم، وشفير الوادي. وقد يُسمى الشعر النابت على الشفر شفراً بمنبته، على مذهب العرب في تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسببٍ، كقولهم 6/ب/ للمرأة: ظعينةٌ، وإنما [الظعينة] هو الهودج الذي يُظعن بها فيه. وقيل: بل الظعينة: المرأة المظعون بها، ويسمى الهودج باسمها، فالظاهر منه حديث

الصنابحي: أنه أراد بالأشفار الشعر، لا حروف الأجفان. - وقوله في الحديث الآخر: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله" [35] فيه استعمال الشرب في كل حيوانٍ، وفي كل ألفاظ هذا الحديث سوى هذا: "إذا ولغ الكلب" هو المشهور في اللغة وقد تقدم أن الوضوء بالفتح: الماء، وبالضم: المصدر. والعرب تسمي الشيء باسم ما قرب منه، فلذلك يسمى الماء: وضوءاً. - وقوله: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر" [32]. المعنى: وقد حانت، ولا بد من تقدير "قد" هنا؛ لأن الجملة في موضع الحال، والماضي لا يصلح أن يقع حالاً إلا أن يكون معه "قد" مظهرةً أو مضمرةً، ولهذا قيل- في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} -: أن المعنى: قد حصرت.

(ما جاء في المسح على الخفين)

- "الخطوة" [33]. - بفتح الخاء وضمها-: المصدر؛ من خطوت؛ وهي المرة الواحدة؛ من الخطو. وفرق الفراء بينهما، فقال: الخطوة- بالفتح- المصدر، - وبالضم-: ما بين القدمين. و"السعي": في الكلام: المشي سريعاً [أو غير سريعٍ]. وقول عمر: وهذا وامضوا إلى ذكر الله، لو قال: فاسعوا لسعيت، حتى يسقط ردائي، يمكن أن تكون لغة عمر وقومه؛ لأن العرب تختلف لغاتهم. - وقوله: "استقيموا ولن تحصوا". الإحصاء- هنا- بمعنى القدرة والطاقة، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}، وقوله: "من أحصاها دخل الجنة" وحقيقة الإحصاء: إحاطة العلم بالشيء، حتى لا يشذ عنه منه شيءٌ؛ وذلك مما يشق ويتعذر في أكثر الأمور، فضرب مثلاً في عدم الطاقة والعجز عن الشيء. (ما جاء في المسح على الخفين) سميت "غزوة تبوك" بعين تبوك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجلين

اللذين سبقا إليها، وجعلا يدخلان فيها سهمين، ليكثر ماؤها، فسبهما، وقال: "ما زلتما تبوكانها منذ اليوم". والبوك: كالنقش، والحفر في الشيء. وهذا فيه نظرٌ. و"الخف": هو كل ساترٍ من جلدٍ مخروزٍ يكون على الرجل تمكن متابعة المشي عليه؛ وهو الذي تتعلق به الرخصة. وأشار صاحب "العين" إلى أنه سمي خفاً؛ لأنه يتخففه الإنسان. - وقوله: "قال عمر: نعم". يقال: نعم ونعم، وقرئ بهما، وكان من لغة عمر "نعم"؛ لأن الرواة رووا: "أن أعرابيةً وقفت عليه، وأنشدت:

(ما جاء في الرعاف)

يا عمر الخير رزقت الجنة اكس بناتي وأمهنه الشعر، فقال عمر: "نَعِمْ نَعِمْ". و"الغائط": المكان المنخفض من الأرض، وجمعه: غيطان؛ وكان أحدهم إذا أراد قضاء حاجته أتى غائطاً، فسمي الحدث غائطاً لذلك، واشتق منه: تغوط الرجل؛ وغاط من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسببٍ. (ما جاء في الرعاف) يقال: رعفت أرعف- بالضم والفتح في المضارع-: أي: سال الدم من منخرفي بطبيعته. وأصل "الرعاف": التقدم؛ ومنه قيل: فرس فلانٍ يرعف الخيل؛ إذا تقدمها، فكأن الدم هاهنا: تقدم إلى الأنف، وأسرع الخروج منها، فسمي رعافاً، ورعفت أرعف- بالضم فيهما- أيضاً لغةٌ. ابن القوطية: والفتح أفصح.

(العمل فيمن غلبه الدم)

ويقال في المصدر: رعفا - بسكون العين-، ورعافاً؛ وهو المشهور، وحكي في الماضي - أيضاً-: رعف- بالكسر-، ولا يقال: رعف- على ما لم يسم فاعله-. ومسألة رعف كانت سبب قراءة سيبويه على الخليل وبراعته؛ لأن حماد بن سلمة لحنه في "رعف" فخجل، وقال: سأقرأ علماً لا تلحنني فيه، فنهض إلى الخليل، وشكا إليه، فقال له: "رعف"- بالفتح- الفصيحة، ورعف- بالضم- غير فصيحةٍ، فلازمه. وكان الأصمعي لا يجيز غير "رعف" بفتح العين، ويدل على صحته قولهم 7/أ/: في المصدر: رعافٌ، وفعالٌ لا يكون إلا من الفعل المفتوح العين، كالنباح. (العمل فيمن غلبه الدم) - قوله: "من الليلة التي طعن فهيا" [51]. يجوز في "من" وجهان؛ أحدهما: أن يدخل "صبحاً" من الليلة، فحذف بعض الكلام اختصاراً، كما تقول: اشتريت من الثياب، تريد ثوباً من الثياب، ونحوه قول

(الوضوء من المذي)

النابغة: * كأنك من جمال بني أقيشٍ* أراد: جملاً من جمال بني أقيشٍ، ويقوي هذا التأويل قوله: "فأيقظ عمر لصلاة الصبح". والوجه الثاني: أن يريد في الليلة، فوضع "من" موضع "في"، كما فعل امرؤ القيس في قوله: * ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال* ومعنى: "يثعب": ينفجر، وانثعب الماء: انفجر، وثعبته [وثعبت الماء وأثعبه] ثعباً: فجرته، وماءٌ ثعبٌ وثعبٌ؛ وقد انثعب، قاله صاحب "العين". (الوضوء من المذي) قال مالكٌ: الودي يكون من الحمام يأتي أثر البول، أبيض خاثراً، قال:

والمذي: يكون معه شهوةٌ؛ وهو رقيقٌ إلى الصفرة، يكون عند ملاعبة الرجل أهله، وعند حدوث الشهوة. وفي "الغريب المصنف" عن الأموي قال: مذيت وأمذيت، وهو المذي، والمني، والوذي، مشدداتٍ. وقال أبو عبيدٍ: وغيره يُخفف المذي، والودي، قال: والصواب عندنا: أن المني وحده مشددٌ، والآخران بالتخفيف. وفي "الجمهرة" قال: والمذي: الماء الذي يخرج عند الإنعاظ، وليس بالذي يخرج يوجب الغسل، قال ابن دريد: وربما قيل: المذي مشدداً، ولم يذكر الودي. في "العين": المذي: أرق ما يكون من النطقة، والفعل: أمذيت [إمذاءً] ويقال: أمذيت

فرسي، ومذيته: أرسلته يرعى. والمذاء: أن تجمع بين رجالٍ ونساءٍ، وتخليهم يلاعب بعضهم بعضاً. وفيه أيضاً: الودي: الماء الذي يخرج رقيقاً أبيض على أثر البول. قال أبو عمر: وفي بعض نسخ "العين": وديٌ مشددٌ، وفي بعضها مخففٌ. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: في نسختي العتيقة، التي عاناها ابن التياني بالتخفيف فقط. وحكى المطرز عن ابن الأعرابي قال: يقال: هو

"المذيُ" مثل الرمي، والمذي مثل العمى، ويقال: مذى وأمذى وتمذى، والأولى أفصح. وحكى في "الودي" كل ذلك بعينه. وحكى "المني" مثل الشقي، والمني مثل العمي. ومنى وأمنى ومنى. وحكى صاحب "الكامل" ودى وأودى، وحكاه أيضاً الزجاج؛ فأما رواية من يروى من الفقهاء: الوذي- بالذال المعجمة- فتصحيفٌ، وحكاه الأبهري، ولا يدرى من أين نقله. و"المني" مشتقٌ من قولهم: منى الشيء: إذا قدره وهيأه لأن يكون منه المولود، ويسمى المذي لبياضه شبه بالعسل الماذي الأبيض. والودي من قولهم: ودى الشيء: إذا سال، ومنه الوادي. - وقوله: "مثل الخزريزة" [54]. كذا رويناه مصغراً؛ وهو تصغير

(الرخصة في ترك الوضوء من المذي)

خرزةٍ. وهي حجرٌ فيه سوادٌ وبياضٌ، وتسمى الودعة، والودعة، وقد رواه قومٌ: "الخرزة" مكبراً. (الرخصة في ترك الوضوء من المذي) يقال: "رخصةٌ" بضم الخاء، و"رخصةٌ" بسكونها، حكاه يعقوب وغيره. وقوله: "واله" مفتوح الهاء؛ من قولهم: لهيت عنه، ألهى على مثال: رضيت أرضى: إذا غفلت عنه، وفي الحديث: "إذا استأثر الله بشيءٍ فاله عنه" أما اللعب فيقال منه: لهوت ألهو على مثال دعوت أدعو، واسم الفاعل من كل واحدٍ منهما: لاهٍ. (الوضوء من قبلة الرجل امرأته) - قوله: "من قبلة الرجل امرأته" كان الوجه أن يقول: "من تقبيل الرجل امرأته؛ لأن التقبيل مصدرٌ يعمل عمل الفعل، 7/ب/ والقبلة اسمٌ لا يعمل شيئاً، لكن العرب ربما أجروا الأسماء في بعض المواضع مجرى المصادر، قال تعالى: {يُمَتِّعكُم مَتَاعاً حَسَناً} فوضع المتاع موضع التمتيع، وكذلك أجروا العطاء مجرى الإعطاء في قول القطامي:

(العمل في غسل الجنابة)

أكفراً بعد رد الموت عني ... وبعد عطائك المائة الرتاعا (العمل في غسل الجنابة) تقدم الفرق بين الغَسْلِ والغُسلِ، وأن الغسل بالفتح: المصدر والغسل بالضم: اسم الماء، وقد أولع الفقهاء بإيقاع الغسل المضموم على فعل الغاسل، ولا وجه له. - وأما الجنابة فأصلها البعد عن الطهارة، والمشهور من فعلها أجنب، وحكى أبو إسحاق جنب وأجنب، على مثال خطئ وأخطأ. و (غرفاتٌ)، و (حفناتٌ) مفتوحة الفاء والراء، قياسه في العربية: أن كل ما كان على "فعلةٍ" مصدراً"، أو اسماً غير مصدرٍ، يجمع على فعلاتٍ- مفتوحة العين-، قال تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}، وقال حسان: * لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى*

فإذا كانت "فعلةٌ" صفةً [فتجمع على] فعلاتٍ ساكنة العين، نحو صعبةٍ، وصعباتٍ، فإذا كانت العين واواً، أو ياءً سكنت، واستوى فيه الصفة والاسم، نحو روضةٍ وروضاتٍ، وغيبةٍ وغيباتٍ؛ قال تعالى: {فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ}، وإنما سكنوهما كراهية أن يحركوهما فيقلبا ألفاً. أبو عمر: "الفرق" [68] بتحريك الراء، وكذلك قال أحمد بن يحيى ثعلبٌ "فرقٌ" بفتح الراء، ولا تقل "فرقٌ". قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: يقال: فَرْقٌ وفَرَقٌ، وفي رواية يحيى ابن يحيى وغيره بإسكانها، وكذلك تقيد في كتاب "العين" في نسختي. قال الخليل: هو مكيالٌ. وقال ثعلبٌ: الفرق: اثنا عشر مدًّا. وقال أبو الهيثم: هو إناءٌ يأخذ ستة عشر رطلاً، وذلك ثلاثة أصوعٍ. قال ابن وهبٍ:

الفرق: مكيالٌ من خشبٍ، كان ابن شهاب يقول: إنه يسع خمسة أقساطٍ بأقساط بني أمية. قال أبو عمر: لا أدري ما أراد ابن شهاب بالقسط، ولا ما كان مقداره عندهم. أما العرب فالقسط عندهم: الحصة والمقدار، وكذلك فسره محمد بن عيسى الأعشى: ثلاثة أصوعٍ، قال: وهي خمسة أقساطٍ، قال: وفي الخمسة الأقساط: اثنا عشر مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن مزينٍ: قال عيسى بن دينارٍ: قال لي ابن القاسم وسفيان بن عيينة: الفرق يحمل ثلاثة أصوعٍ، وقال أبو داود: سمعت ابن حنبل يقول: الفرق: ستة عشر رطلاً. وقال الأثرم: سمعت ابن حنبل

يسأل عن الفرق، فقال: ثلاثة أصوع، وهذا كله بعضه قريبٌ من بعضٍ. وقد روي عن مجاهد: ما يخالف ذلك. روى موسى الجهني، عن مجاهد أنه أُتي بقدحٍ حزرته ثمانية أرطالٍ، فقال: حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بمثل هذا. - وقول عائشة- رضي الله عنها-: "لتحفن على رأسها" [70]. الحفن: أخذ الشيء بالراحة، واحتفنت: أخذت بحفني. - وقولها: "ولتضغث رأسها بيديها". أي: تخلطه؛ لأن الضغث في اللغة: الحزمة من الشيء، كالبقل وما أشبهه، ومنه قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ

(واجب الغسل إذا التقى الختانان)

ضِغْثًا}، ومنه [قوله تعالى]: {أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ}. (واجب الغسل إذا التقى الختانان) - "الختانان" [71]. هما موضع القطع من فرجي الزوجين في ختان الذكر، وخفاض الأنثى. - و"الفروج" [72]- بضم الفاء لا غير- الفتيُّ من ذكور الدجاج. و"الفروج": القباء- بفتح الفاء وتشديد الراء وتخفيفها معاً. وذكر المازري في "التلقيح": ويقولون: فروجٌ - بضم الفاء-، والصواب فتحها، وكذلك كل ما كان مثله على وزن فعلول إلا سبوحاً وقدوساً وذروحاً، فإن الضم فيهن أعدل وأعرف.

- وقوله: "ثم يكسل" [74]. يقال: أكسل الرجل إذا جامع /أ، ثم أدركه فتورٌ فلا يُنزل، في حديث آخر: "ليس في الإكسال طهور". المشهور أكسل، فأما الكسل عن الأمر منه: كسل يكسل كعلم يعلم، قال العجاج: *عن كسلاتي والحصان يكسل* وحكى يعقوب في "الألفاظ": أن رؤبة كان ينشده: "يكسل" بفتح الياء والسين، وقول العجاج: "عن كسلاتي" يدل على ذلك؛ لأن المصدر لا يجيء على فعلاتٍ إلا من الأفعال الثلاثية. - وقوله: "إن أُبي بن كعبٍ نزع عن ذلك قبل يموت". كذا رويناه، وروي أيضاً: "قبل أن يموت". والعرب ربما حذفت "أن" الناصبة، ورفعت الفعل. قال الله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} وربما حذفوا "أن" وتركوا الفعل منصوباً، وإنما يجيء ذلك في الشعر.

(إعادة الجنب الصلاة)

(إعادة الجنب الصلاة) - قوله: "ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا" [79]. يقال: مَكَثَ ومكُثَ - بفتح الكاف وضمها- مكثاً: احتبس وأقام، ومكث أيضاً: رزن في أموره ولم يعجل فيها. - و"زييد بن الصلت" [80]- بياءين معجمتين - تصغير زيدٍ، يجوز فيه ضم الزاي وكسرها، والأصل الضم، وإنما يكسر أول المصغر في نحو هذا؛ إذا كان ثاني الكلمة ياءً، نحو شييخ في تصغير شيخٍ، وبييتٍ في تصغير بيتٍ؛ وقد تفعل العرب مثل هذا في الجمع إذا كان على فعولٍ، وثاني الكلمة ياءً، نحو بيوتٍ وشيوخٍ، وجيوبٍ وعيوبٍ، وبالوجهين القراءة في القرآن.

- وقوله: "عرس ببعض الطريق" [83]. "التعريس": نزول المسافر آخر الليل للراحة، يقال: عرس تعريساً، كما يقال: مزق الثوب تمزيقاً، و"المعرس": الموضع الذي يعرس فيه، قال امرؤ القيس: * وجدت مقيلاً عندهم ومعرساً* - وقوله: "وأنضح ما لم أر" "النضح" هاهنا- لا محالة - الرش، بدليل قوله: "وأنضح ما لم أر" فجعل النضح غير الغسل، وهو الظاهر في النضح في اللغة، وإن كان قد يعبر في مواضع بالنضح عن الغسل على حسب ما يفهمه السامع. و"النضخ"- بالخاء المعجمة- أكثر من النضح؛ لأن النضح كالرش، والنضخ- بالمعجمة- كالبلل، قال الله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}. - و"جرفٌ" الوادي معروفٌ، وهو هنا: موضعٌ على ميلٍ من

(غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل)

المدينة، وهناك كان المسلمون يعسكرون إذا أرادوا الغزو. (غسل المرأة إذا رأت في المنام مثل ما يرى الرجل) - قولها: "أفٍّ لك! " [84]. يقال: لكل ما يضجر منه ويستثقل. والأف والتف بمعنىً واحدٍ. وقيل: الأف: وسخ الأذن، والتف: وسخ الأظفار. وقال الأزهري: و"التف- أيضاً-: الشيء الحقير، وفيها عشرُ لغاتٍ: أُفٍّ، وأُفِّ، وأُفُّ، وأُفاً، وأفٍّ، وأُفٌّ، وإف- بكسر الهمزة-، وأف بضم الهمزة وتسكين الفاء، وأفةً، وإفا يمال. هكذا رويناه في "ألغريبين" بسندنا فيه، و"أُف" عند النحويين اسمٌ للفعل بمنزلة "صه" و"مه"، وترك التنوين فيه عندهم علم التعريف، وتنوينه علم التنكير، وليس التنوين فيه كالتنوين في زيدٍ

وعمرو ورجلٍ وفرسٍ؛ لأنه مبني في حال تنوينه، كبنائه في حال حذف التنوين منه، قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}. - وقوله: "تربت يمينك" فيه قولان: أحدهما: أن يكون أراد استغنت يداك، كأنه يعرض لها بالجهل لما أنكرت ما لا ينبغي أن ينكر، كأنه خاطبها بالضد تنبيهاً، كما قيل في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} وكما يقال: لمن كف عن السؤال عما لا يعلم: أما أنت 8/ب/ فاستغنيت عن أن تسأل عن مثل هذا، أي: لو أنصفت نفسك ونصحت لسألت. - وقال عيسى بن دينار: ما أراه أراد بك لك إلا خيراً. وما الإتراب إلا الغنى، فرأى أن ترب من الإتراب، وليس منه سبيلٌ. وقال ابن نافعٍ: معناه ضعف عقلك: أتجهلين هذا؟! وقد قيل: إن معناه: افتقرت يداك من العلم، أي: إذا جهلت مثل هذا فقد قل حظك من العلم، وهو معنى قول ابن كيسان.

وقال الأصمعي: معناه: الحض على تعلم مثل هذا. وقال أبو عمر: معناه أصابها التراب، ولم يدع عليها بالفقر. وقال الداودي: وقد قال قومٌ: إنه "ثربت" بالثاء، أي استغنت، من الثرب الذي هو الشحم، وقال: هي لغةٌ للقبط صيروا الثاء تاءً، كما أبدلوا من الثاء فاءً. وهذا كله عند من قال هذا القول، فراراً من الدعاء على عائشة تصريحاً؛ فإن ذلك غير ممكنٍ من النبي عليه السلام عندهم، فأنكر أكثر أهل العلم باللغة والمعاني أن تكون هذه اللفظة بمعنى الاستغناء، وقالوا: لو كانت بمعنى الاستغناء لقال: أتربت يمينك؛ لأن الفعل منه رباعيٌ، يقال: أترب الرجل: إذا استغنى، وترب: إذا افتقر، فيلصق بالتراب، يقال رجلٌ متربٌ: غنيٌ، وتربٌ: فقير لصق بالتراب. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: قد قال صاحب "الأفعال": وقد قيل: رجل تاربٌ ومتربٌ: إذا كان غنياً، وهو محتملٌ، والأظهر أن النبي

(جامع غسل الجنابة)

صلى الله عليه وسلم خاطبها على عادة العرب في تخاطبها، وهم يستعملون هذه اللفظة عند الإنكار لمن لا يريدون فقره، وأن معناه: افتقرت يداك، مثل: "قاتله الله"، و"هوت أمه"، و"ثكلت أمه"، و"عقرى وحلقى"، و"لليدين وللفم". وقد يقال للشاعر إذا أجاد: قاتله الله، وأخزاه الله، ومنه الحديث: "ويل أمه مسعر حربٍ". - و"الشِّبه والشَّبه" لغتان، مثل القِتبُ والقَتَبُ، والمِثْلُ والمَثَل. (جامع غسل الجنابة) - قوله: "يغتسل بفضل المرأة" [86]. المشهور في البقية من الماء وغيره أن يقال: فضلةٌ، ويحتمل هنا: أن يكون جمع فضلةٍ، كتوبةٍ وتوبٍ؛ قال الله تعالى: {وَقَابِلِ التَّوْبِ}. ويقال: أفضلت من الشيء إفضالاً؛ إذا تركت منه فضلةً. فإن نسبت الفعل إلى الشيء الفاضل ففيه ثلاث لغاتٍ، أفصحها: فضل يفضل، على مثال: قتل يقتل، وفضل يفضل على مثال: جهل يجهل. وفضل يفضل- بكسر الضاد من الماضي وضمها من المستقبل- وهي لغةٌ شاذةٌ. - و"الخمرة" [88]. يعني هذه السجادة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه حر وجهه في سجوده، من حصيرٍ، أو نسيجةٍ من خوصٍ، أو سعفٍ، وسميت خمرةً؛ لأنها تخمر وجه الأرض؛ أي: تستره.

(التيمم)

(التيمم) - "البيداء" [89]. هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة. "ذات الجيش": موضعٌ بقرب المدينة يأتي. و"البيداء": المفازة، والجع: بيدٌ، ويمكن أن يكون سمي هذا الموضع بذاك، وسميت البيداء؛ لأنها تتبيد من سلكها؛ أي: تهلكه، وهي أحد الأسماء التي جاءت على فعلاء ولا أفعل لها، كالصحراء، والطرفاء. و"العقد" قلادة درٍ كان فيها، أو جزعٍ. وروي: أن القلادة كانت من جزع ظفار، و"ظفار" على مثال حذام، مدينة اليمن.

و"التيمم" معناه في اللغة: القصد مجملاً. ومعناه في الشريعة: القصد إلى الصعيد خاصةً للطهارة للصلاة عند عدم الماء، ونظيره من الألفاظ المنقولة عن أبوابها إلى غيرها المخرجة عن عمومها إلى أمورٍ جعلت خاصةً بها: الفقه، والطب، والنحو. - وقولها: "فبعثنا البعير" أي: حركناه وأقمناه من مبركه، قال تعالى: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}. - وقول مالكٍ: "يؤمهم غيره أحب إليّ" كذا الرواية، وكان الوجه: أن يؤمهم؛ لتكون "أن" مع الفعل بتأويل 9/أ/ المصدر، وتكون في موضع الابتداء، و"أحب" خبره، كما قال تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}؛ ولكن العرب قد يحذفون "أن" في بعض المواضع، ويرفعون الفعل، كقوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}، أراد: أن أعبد، وكقول مالكٍ هذا

(العمل في التيمم)

قولهم في المثل: "تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه". فمن النحويين من يرى أن الفعل المضارع أشار إليه في هذا الموضع، وأخبر عنه، لما بينه وبين الاسم من المضارعة، ومنهم من ينكر هذا ولا يجيزه إلا بـ"أن". والأجود أن يكون قول مالكٍ: "يؤمهم غيره" إخباراً معناه معنى الأمر، كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} ويكون قوله: "أحب إلي" مرفوعاً، على خبر مبتدأٍ محذوفٍ، كأنه قال: ليؤمهم غيره فذلك أحب إلي، وهذا أحسن من حمله على الشذوذ. (العمل في التيمم) - قوله: "حتى إذا كانا بالمربد" [90]. "المربد": محبسٌ يحبس فيه الإبل والغنم، وبه سمي مربد البصرة، كان سوق الإبل، والربد:

(تيمم الجنب)

الحبس، ومنه الحديث "أنه تيمم بمربد الغنم أو النعم" و"المربد"- أيضاً- كالجرين، وهو الموضع الذي يُلقى فيه التمر بعد الجداد قبل أن يوضع في الأوعية، وينقل إلى البيوت، ومنه الحديث الآخر: "حتى يقوم أبو لبابة بسد ثعلب مربده بإزاره". وهو في حديث مالكٍ، موضعٌ بطرف المدينة. (تيمم الجنب) - قوله: "فلم يجد ... إلا تراب سبخةٍ" [92]. السبخة: أرضٌ ذات ملحٍ ونوءٍ؛ وقد سبخت الأرض وأسبخت. - وقوله: "سباخاً كان أو غيره" كذا الرواية، وكان الوجه: أو غيرها؛ لأن السباخ مؤنثةٌ، وهي جمع سبخةٍ، ولكنه ذكر الضمير على معنى الجمع، كما قال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}. (ما يحل للرجل من امرأته وهي حائضٌ) - في بعض النسخ: "كانت مضجعةً" [94]، وفي بعضها: "مضجعةً

بضادٍ مشددةٍ، والأفصح بالضاد والطاء معاً، ويقال- أيضاً-: اظجع بالظاء، وتقدم. - وقوله: "لعلك نفست" "لعل" - هاهنا- بمعنى الظن والتوقع. والمعنى: أظنك نفست، ومعنى نفست، أي: أصبت بالدم، قال الشاعر: تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل وقد يكون أصله من تنفست القوس؛ إذا تصدعت. والنفس: اسمٌ من أسماء الدم، سمي نفساً؛ لأنه يوجد بوجود النفس، ويعدم بعدمها، على عادتهم في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسببٍ. قال النخعي: كل ما ليس له نفسٌ سائلةٌ يموت في الماء لا يفسده؛ يعني دماً سائلاً. يقال: نفست المرأة، ونفست؛ إذا ولدت؛ فإذا حاضت

قلت: نفست- بفتح النون لا غير- هذا الذي حكاه الخطابي، وصاحب "الغريبين". وحكى أبو عبيدٍ: نفست المرأة، ونفست بمعنى واحدٍ. وحكى صاحب "الأفعال": نفست المرأة، ونفست: حاضت. وحكى ابن الأعرابي: امرأة نفساء- بضم النون وفتح الفاء- ونفساء- بفتح النون والفاء- وحكى اللحياني: نفساء- بفتح النون وسكون الفاء-، وقد نفست

(طهر الحائض)

نفاسةً- بفتح النون-، ونفاسةً- بكسرها- والنون من الماضي مفتوحةً، والفاء مكسورةً. ونفست [على] ما لم يسم فاعله نفاساً بكسر النون، وجمع نفساء نفاسٌ مثل كلابٍ، ونفاسٌ كصرارٍ، ونفسٌ كرسلٍ، ونفاسٌ - بضم النون وتخفيف الفاء-. (طهر الحائض) - من روى: "بالدرجة" [97]. بضم الدال وإسكان الراء، فهو على تأنيث الدرج، وكان الأخفش يرويه: "الدرجة" ويقول: هو جمع: درجٍ 9/ب/ مثل خرجةٍ وخرجٍ، وترسةٍ وتُرسٍ. و"الكرسف": القطن؛ لأنه أفضل ما استبرئ به الرحم لنقائه، وبياضه، وتنشيفه للرطوبات، فيظهر فيه من آثار الدم ما لا يظهر في غيره. - وقولها: "حتى ترين القصة البيضاء" معناه: أن تخرج القطنة أو الخرقة التي يحتشى بها، كأنها قصةٌ لا تخالطها صفرةٌ. وقيل: إن القصة كالخيط الأبيض تخرج بعد انقطاع الدم كله، شبه بياضه بالقص وهو الجص، ومنه

(جامع الحيضة)

الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تقصيص القبور"، ويروى: "عن تجصيص القبور" يريد: تلبيسها بالجص. (جامع الحيضة) - قوله عليه السلام: "فلتقرصه" [103]. مأخوذٌ من القرص بالأصابع، وهو معلومٌ. ويروى: "فلتقرصه" على التكثير والمبالغة. وقال أبو عبيدٍ: معنى فلتقرصه: فلتقطعه، وكل مقطعٍ فهو مقرصٌ، ومنه قرصت العجين. والمراد بذلك في الحديث: غسل الدم من الثوب إذا أصابه، أي: تفركه وتحته وتزيله بظفرها، ثم تجمع عليه أصابعها، فتغسل موضعه بالماء. - وقوله: "ثم لتنضحه بالماء" يريد: ولتغسله، والظاهر أن النضح هنا: الغسل، وهو المعروف من اللسان العربي، أن يراد بالنصح: الغسل بالماء.

(المستحاضة)

(المستحاضة) - قوله: "إنما ذلك عرقٌ" [104]. يعني: عرقاً انفجر دماً، ليس بدم الحيض. ويقال: استحيضت المرأة على صيغة ما لم يسم فاعله، وهذا أحد الأفعال التي صيغت للمفعول، ولم تصغ للفاعل، كقوله: نفست المرأة، ونتجت الناقة. واستحيضت فعلٌ بني من الحيض، وزيدت فيه الزوائد للمبالغة [كما] قالوا: قر في مكانه، فإذا بالغوا فيه قالوا: استقر، وكذلك الزوائد تدخل الأفعال لمعانٍ زائدةٍ في أكثر أحوالها، يقال: حلا الشيء فإذا أفرط في الحلاوة قالوا: احلولى، وأعشبت الأرض واعشوشبت، وخشن الشيء واخشوشن. - وقوله: "تهراق الدماء" [105]. يريد: أنها من كثرة الدم بها كانت كأنها تهريقه. ويجوز في "تهراق" فتح الهاء وتسكينها، فمن جعله من قولهم: هراق الماء، حرك الهاء، ومن جعله من قولهم: إهراق الماء سكن، والهاء [عند] من أسكنها عوضٌ من ذهاب حركة عين الفعل من أراق، ومن فتحها فهي عنده بدلٌ من الهمزة في أراق، والأصل أراق، ثم تبدل الهمزة

(ما جاء في بول الصبي)

هاءً، فيقال: هراق. و"الدماء" نصبٌ على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز عند الكوفيين. وفيه وجهٌ آخر: وهو أن تكون الدماء مفعولةً بـ"تهراق"؛ لأن معناه: تهريق الدماء، لكنهم عدلوا بالكلمة إلى زون ما في معناها، وهي في معنى تستحاض. (ما جاء في بول الصبي) - قوله: "فنضحه ولم يغسله" [110]. النضح في هذا الموضع: صب الماء، وهو معروفٌ في اللسان العربي، بدليل قوله عليه السلام: "إني لأعرف قريةً ينضح البحر بناحيتها، أو قال: بحائطها، أو سورها، لو جاءهم رسولٌ لي ما رموه بسهمٍ ولا حجرٍ" وفي حديثٍ آخر: "إني لأعلم أرضاً، يقال لها: عمان ينضح بناحيتها البحر، بها حي من الغر، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهمٍ ولا حجرٍ" وقد يكون النضخ في اللسان العربي أيضاً: الرش، وهذا أو ذاك معروفان. (ما جاء في البول قائماً) - الذنوب" [111]: الدلو إذا ملئت، ولا يقال لها فارغةً ذنوب، ثم

(ما جاء في السواك)

يضرب الذنوب مثلاً للنصيب والحظ، وإن لم يكن هناك دلوٌ؛ قال تعالى: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ}. (ما جاء في السواك) - يقال: مسواكٌ وسواكٌ، ويجمع: مساويكٌ، وسوكٌ - بضم الواو من غير همزٍ- وتسكن الواو كراهةً للضم فيها، ومن العرب من يهمزها، لانضمامها، ويقال: استاك 10/أ/، واستن بالسواك، وساك به فاه، وشاصه يشوصه شوصاً، وماصه يموصه موصاً.

[كتاب الصلاة]

[كتاب الصلاة] (ما جاء في النداء للصلاة) - قوله: "ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه" [3]: أي يقترعوا، والهاء في "عليه" عائدةٌ على الصف الأول، لا على النداء؛ وهو حق الكلام أن يرد الضمير منه إلى أقرب مذكورٍ، ولا يرد إلى غير ذلك إلا بدليلٍ، وقد قيل: إنه ينصرف إلى النداء أيضاً، والوجه فيه: أن يكون مما اكتفى فيه بأحد الضميرين اختصاراً، فيكون مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وكذلك قوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}. - و"التهجير": البدار إلى الصلاة في أول وقتها، ولا يكون ذلك إلا في

[صلاة] الظهر؛ لأن معنى التهجير: السير في الهاجرة، وهي القائلة. - وقوله: "ولو حبواً" يقال: حبا الصبي حبواً: إذا زحف على الأرض، وحبت الناقة تحبو؛ إذا عرقبت فتحاملت على قوائمها الثلاث. - وأما اللفظ بـ"التثويب" [4]. فمأخوذٌ من ثاب الشيء يثوب: إذا رجع، كأن المقيم إلى الصلاة عاد إلى معنى الأذان فأثابه، يقال: ثوب الداعي؛ إذا كرر دعاءه إلى الحرب، قال حسان بن ثابتٍ: في فتيةٍ كسيوف الهند أوجههم ... لا ينكلون إذا ما ثوب الداعي وقال آخر:

فخيرٌ نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا ويقال: ثاب إلى الرجل عقله، وثاب إلى المريض جسمه، أي: عاد إلى حاله، قال عبد المطلب بن هاشمٍ، وهو بالمدينة عند أخواله بني النجار: فحنت ناقتي فعرفت أني ... غريبٌ حين ثاب إلى عقلي وقال الشاعر: لو رأينا التأكيد خطة عجزٍ ... ما شفعنا الأذان بالتثويب - وقوله: "حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى" [6]. يروى: "يظل" بالظاء، مشالةً، وبالضاد بفتحها وكسرها. ويروى - أيضاً- بفتح "أن" وكسرها، من "أن يدري" فمن روى "يظل" بالظاء، فمعناه: حتى يصير الرجل لا يدري كم صلى؟ وقيل: "يظل هاهنا: بمعنى: يبقى لا يدري كم صلى، وأنشدوا: ظللت ردائي فوق رأسي قاعداً ... أعد الحصا ما تنقضي عبراتي ولا تقول العرب "ظل" إلا لكل عملٍ يكون بالنهار، كما لا يقولون "بات" إلا

بالليل، وربما جاء "ظل" في الليل في أشعارهم، قال عنترة: ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنار به كريم المأكل ومن روى: "يضل" بالضاد، فيقال: ضللت يا رجل، وضللت بفتح اللام الأولى وكسرها، والفتح أفصح، تَضِلُّ وَتَضَلُّ - بكسر الضاد وفتحها، والفتح أفصح- ضلالاً؛ إذا جار عن دينٍ أو طريقٍ، وفي القرآن: {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}. وضللت الشيء وضللته: نسيته، وضللته وضللته: لم أهتد له، وضل الشي يَضِلُّ ويضلُّ؛ إذا خفا وغاب. وقريء: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} بفتح اللام، وكسرها، وفسر: إذا غبنا فيها وخفينا. وفي الحديث: "أن رجلاً قال لبنيه: إذا مت فأحرقوني، فإذا صرت حمماً، فذروني في اليم لعلي أضل الله" أي: لعلي أخفى عليه، وأغيب عنه. ورواية "أن" بالفتح من "أن يدري" عند أكثرهم، فتكون حينئذٍ بمعنى لا يدري، هذا قول أبي عمر بن عبد البر، ووهم فيه لأن

المفتوحة لا تكون نفياً، قال: وكذلك رواه جماعةٌ من الرواة عن مالكٍ بهذا اللفظ "حتى لا يدري كم صلى". وحكى أبو إسحاق 10/ب/ الزجاج في "المعاني" عن بعض النحويين في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} معنى "أن" هنا "لا"؛ وإنما المعنى: ألا يؤتى أحدٌ. قال: لأن "لا" تحذف"؛ لأن في الكلام دليلاً عليها؛ قال الله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي: ألا تضلوا. ومن رواها: أن يدري كم صلى؟ " فمعناه: ما يدري ما صلى؟ و"أن" بمعنى "ما" كثيرٌ. قال الشيخ: والذي يقتضيه النظر أن من رواها بالظاء مشالةً كسر الألف من "أن" وهي بمعنى الجحد؛ أي: يظل لا يدري كم صلى؟ وأن من رواها بالضاد فتح الألف من "أن"، وكانت مع الفعل بتأويل المصدر، أي: حتى يجهل الرجل دراية ما صلى؛ وكذلك رويناه: "يظل" بالظاء، بمعنى: يقيم ويصير، و"الرجل" مرفوعٌ به، و"إن" مكسورة الهمزة، وهي حرف نفي بمعنى "ما" والجملة في موضع نصبٍ. وتقدم غلط أبي عمر في تقديره "أن" بمعنى "ما"، وأن أكثرهم يفتحها، والوجه في هذه الرواية: أن تفتح الياء الثانية من الضلال الذي يراد به الحيرة. كما يقال: ضل عن الطريق، فتكون "أن" في

موضع نصبٍ بسقوط الجار. ويجوز أن يكون من الضلال الذي يراد به الخطأ؛ كقوله تعالى: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}، فتكون الضاد مكسورةً، وتكون "أن" في موضع نصبٍ على المفعول الصحيح؛ لأن "ضل" [التي] بمعنى أخطأ لا يحتاج في تعديها إلى حرف جر، ويدل عليه قول طرفة: وكيف يضل القصد والحق واضحٌ ... وللحق بين الصالحين سبيل - وقوله: "ساعتان يفتح لهما أبواب السماء" [7]. يحتمل أن يريد تفتح فيهما، ويحتمل أن تفتح أبواب السماء من أجل فضلهما. - وقول مالكٍ: "ذلك مجزئٌ عنهم" كذا الرواية، والمشهور: أن يقال: أجزأني الشيء يجزئني بالهمز؛ أي: كفاني، وجزى عني يجزي - بغير همزٍ - أي: قضى عني، فيعدى الأول بغير حرف جرٍّ، قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا

(قدر السحور من النداء)

تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}، واسم الفاعل منه جازٍ، قال تعالى: {وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}، وكان القياس أن يقال: ذلك جازٍ عنهم غير مهموزٍ، والذي روي عن مالكٍ لغةٌ، ولكنها غير مشهورةٍ. - وقوله: "قبل أن يحل الوقت" الوجه فيه: كسر الحاء، وكذا رويناه؛ لأن معناه: يجب ويحضر، قال تعالى: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، وهكذا مستقبل حل ضد حرم، وحل من إحرامه؛ فإذا كان من الحلول بالمكان قيل: يحل - بضم الحاء-. و"البقيع" [9]: موضعٌ فيه أروم شجرٍ من ضروبٍ شتى؛ وأصله من البقع تخالف اللون، وكذلك كان موضع بقيع الغرقد بالمدينة، والغرقد: شجر العوسج، كانت تنبت هناك، فبقي الاسم لازماً للموضع، وذهب الشجر. (قدر السحور من النداء) - قال مالكٌ: "قدر السحور من النداء" وهو لفظٌ مشكلٌ، وأراد أن بين قرب وقت السحور من وقت نداء الصبح المحقق لها، ويعرف أن السنة تأخير السحور، وتقدير الكلام: قدر وقت السحور من وقت النداء، وبينه تمام

(افتتاح الصلاة)

الحديث الذي ذكر مالكٌ أطرافه، ونصه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بلالا ينادي بليلٍ، ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" ولم يكن بين نداءيهما إلا أن ينزل هذا، ويصعد هذا. (افتتاح الصلاة) - قوله: "رفع يديه حذو منكبيه" [16]. أصل المحاذاة: المقابلة؛ ومنه: حذاء منكبيه/، و"حذو أذنيه" و"حاذوا بالمناكب" أي: قابلوا بعضها بعضاً. يقال: جلست حذوه، وحذاءه، وحذوته بمعنى واحدٍ. - وقوله: "إني لأشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" [19]. التقدير: صلاةً بصلاةٍ، فحذف التمييز لدلالة ما في الكلام عليه، كما يقول القائل: مالي ألف درهمٍ، فكم مالك؟ يريد فكم درهماً مالك؟ وروي من غير طريق مالكٍ: "إني لأشبهكم صلاةً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهذا كلامٌ مجاز فيه. - وقول مالكٍ: "يبتدئ صلاته أحب إلي" [22]. كان الوجه أن يقول: "أن يبتدئ صلاته" كقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}؛ وقد تقدم نحوه.

(القراءة في المغرب والعشاء)

(القراءة في المغرب والعشاء) - سمي "المفصل" [25] من القرآن مفصلاً؛ لكثرة الفصول الواقعة بين السور بالبسملة، وهي من سورة ق إلى آخر القرآن. - وقول الصنابحي: "حتى إن ثيابه لتكاد أن تمس ثيابه" كذا وقع في نسخ "الموطأ" وأهل النحو لا يجيزون دخول "أن" في خبر كاد إلا في الشعر. (العمل في القراءة) - "القسي" [28] بفتح القاف وتشديد السين: ثيابٌ مضلعةٌ بالحرير، تنسب إلى موضع تعمل فيه، يقال له: قس: قريةٌ من قرى مصر، مما يلي الفرما، يلبسها الأمراء ونساؤهم. قال النميري:

(القراءة في الصبح)

فأدنين حتى جاوز الركب دونها ... حجاباً من القسي والحبرات و"البلاط": موضعٌ بالمدينة مبلطٌ بالحجارة بين المسجد السوق. (القراءة في الصبح) - قوله: "قال: أجل" [34]. "أجل" بمعنى نعم، وأجنك بمعنى أجل إنك، هكذا اختصره الزبيدي من "العين". وأما الخليل فلم يذكر "أجل" بمعنى "نعم" قال: وتقول ذلك أجل كذا وكذا، ولا فعل له، وأجنك بمعنى من أجل أنك، خففت الهمزة ثم أدغمت اللام في النون، كما قال: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} معناه [والله أعلم]: لكن أنا. وفي الحديث: "أجنك من

(ما جاء في أم القرآن)

أصحاب محمدٍ" معناه: من أجل أنك، ومثله: لهنك من رجلٍ لعاقلٍ؛ أي: والله إنك لعاقلٌ. (ما جاء في أم القرآن) - أولى ما قيل في "السبع المثاني" [37]: أنها فاتحة الكتاب؛ لأن القول به أرفع ما روي فيه، وهو مخرجٌ في التفسير المسند، وروي عن ابن عباسٍ، قيل لها ذلك؛ لأنها تثني في كل ركعةٍ، وقال بذلك جماعةٌ من أهل العلم بتأويل القرآن؛ منهم قتادة، ذكره عبد الرزاق، عن معمرٍ،

(القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه بالقراءة)

عنه. وقد روي عن ابن عباس أيضاً في السبع المثاني: أنها السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، [والأنفال] وبراءة. وهو قول مجاهدٍ، وابن جبيرٍ؛ لأنها تثنى فيها حدود القرآن والفرائض. والقول الأول أثبتت عن ابن عباسٍ، وهو الصحيح؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. (القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه بالقراءة) - "الخداج" [39]: النقصان والفساد؛ من قولهم: أخدجت الناقة، وخدجت؛ إذا ولدت قبل تمام وقتها، وقبل تمام الخلق؛ وذلك نتاجٌ

فاسدٌ، هذا قول أبي زيدٍ وأبي عبيدة. قال أبو عمر: وأما نحويو أهل البصرة فيقولون: هذا اسمٌ خرج على المصدر، وقال صاحب "الأفعال": والأصمعي ينكر ذلك، ويقول: ثم اتفقا: خدجت الحامل خداجاً: ألقت ولدها قبل تمام الحول- وإن تم خلقه- فهي خادجٌ، والولد مخدوجٌ وخديجٌ، وبه سمي الرجل خديجاً، والمرأة خديجة، وأخدجت: ألقته ناقص الخلق، وإذا تم حملها فهي مخدوجٌ، والولد مخدجٌ، والمصدر الإخداجُ. وفي حديث عليٍّ في ذي الثدية 11/ب/، إنه مدج اليد" أي: ناقصها، وأخدج الصلاة: نقصها فهي خداجٌ، وأخدجت الزند: لم تور، وأخدجتها أنا: قدحتها فلم تور. أبو عمر: وهذا كله قول الخليل، والأصمعي، وأبي حاتمٍ. قال الشيخ وفقه الله: قول الخليل في "العين": خدجت الناقة فهي خادجٌ، وأخدجت فهي مخدجٌ: إذا ألقت ولدها قبل استبانة خلقه، والولد خداجٌ، ويقال: خدجت: إذا ألقته دماً، فتأمل نقل أبي عمر عنه. - وقول مالكٍ: "وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك" [42]. على

التقديم والتأخير، أي: وذلك أحب ما سمعت في ذلك إلي. و"الدين" بالكسر: الحساب، والجزاء، والحكم، والسيرة، والملك، والسلطان، والطاعة، والتوحيد، والعبادة، والعادة، والتدبير. ومعنى "مجدني عبدي" أي: عظمني، وأصله السعة، والمجيد: العظيم، وقيل: الكريم، وقيل: المقتدر على الإنعام. - وقوله: "فهؤلاء لعبدي" فيه دليل مقنعٌ من دلائل النحو على أن قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ...} إلى آخر السورة ثلاث آياتٍ، ولا يمكن ذلك إلا بأن تكون {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آيةً؛ لأن هؤلاء، إنما يقال للجمع، ولو كان هذا الكلام آيتين على مذهب الشافعي لقال: فهاتان لعبدي، على أن للشافعي أن يقول: إن العرب قد تخرج التثنية مخرج الجمع، فيقولون: رجلٌ عظيم المناكب، وكقول الشماخ:

(ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه)

أقامت على ربعيهما جارتا صفاً ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه) - قوله: "مالي أنازع القرآن" [44] وقد يقال: هذا اللفظ لمعانٍ؛ أحبها أن يعاتب الإنسان نفسه، فيقول: مالي فعلت كذا، وقد يقول ذلك بمعنى التثريب والذم لمن فعل ما لا يجب، فيقول: ما لي أؤذى، ومالي أمنع حقي. وقد يقول ذلك إذا أنكر أمراً غاب عنه سببه، فيقول: مالي لم أدرك أمر كذا، ومالي توقفت عن أمر كذا، ومعنى ذلك في الحديث: ما الذي ظهر من إباحتي لكم القراءة معي في الصلاة، فتنازعوني القراءة فيها، ومعنى منازعتهم له: ألا يفردوه بالقراءة، والتنازع يكون بمعنيين، أحدهما: بمعنى التجاذب. والثاني: بمعنى المعاطاة، قال تعالى: {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَاسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَاثِيمٌ}. - وقوله عليه السلام: "آنفاً" [44]. بالمد والقصر، وبالمد قيدناه، أي: قريباً، أو الساعة. وقيل: في أول وقتٍ كنا فيه، وكله من الاستئناف والقرب. (ما جاء في التأمين خلف الإمام) - قوله: "إذا أمن الإمام" [44]. قيل: معناه بلغ موضع التأمين، كقولهم: أحرم: إذا بلغ الموضع الحرام، وأنجد: إذا بلغ موضع العلو، وعليه أثبتت رواية المصريين عن مالكٍ "أن الإمام لا يؤمن" ومعنى "آمين": اللهم

استجب لنا واسمع دعاءنا، واهدنا سبيل من أنعمت عليه ورضيت عنه. وهي كلمةٌ عبرانية معربة، مبنية على الفتح للياء التي قبل نونها. وقيل: معناها: أشهد الله. وقيل: بل معناها كذلك فعل الله. واختار أبو علي الفارسي فيه: أن يكون اسماً من أسماء الفعل، نحو: "صه" و"مه"، واحتج بأنه جاء مبنياً كأسماء الأفعال، وليس في أسماء الله تعالى شيءٌ مبنيٌ، قال: فأما ما حكاه سيبويه من قولهم: لهي أبوك، يريدون: لله أبوك، وإنما يبنى لتضمنه معنى حرف التعريف، كما بني أمس، قال أبو علي: وأما من روى: أنه اسمٌ من أسماء الله تعالى، فتأويله: أنه لما تضمن الضمير المرفوع كان ذلك الضمير مصروفاً إلى الله تعالى، لا للكلمة، وفيها لغتان: المد والقصر، وحكى الداودي لغةً ثالثةً: "آمين" بالمد والتشديد، وذكر أنها شاذةٌ، وذكر ثعلبٌ: أنه خطأٌ، وذكر أبو محمد بن درستويه: أن القصر ليس بمعروفٍ

في الاستعمال، وإنما قصره الشاعر في قوله: تباعد مني فطحلٌ وابن أمه ... أمين فزاد الله ما بيننا بعداً للضرورة إن كان قصره. وقد روي: * آمين زاد الله ما بيننا بعدا* بالمد. ولم يرو واحدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "فقولوا آمين" إلا بالمد. وأما غيره: فجعل البيت شاهداً في قصرها، وقال الشاعر في المد: * ويرحم الله عبداً قال آميناً* والشواهد 12/أ/ فيه كثيرةٌ. - وأما قوله: "سمع الله لمن حمده" [47]. فيحتمل أن يكون خبراً عن فضل الله تعالى، ويحتمل أن يكون دعاءً إلى الله، وإن جاء بلفظ الخبر، وهو

(العمل في الجلوس في الصلاة)

أظهر ويكون معنى سمعه، أي: يثيبه ويتقبله منه. - وقول المأموم: "ربنا ولك الحمد": جوابٌ لهذا الدعاء وامتثالٌ لمقتضاه، ويأتي الكلام على معن الواو في "ولك الحمد". - وقوله في الحديث الثاني: "إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ... " [45]. يقتضي في ظاهره أن من حكم الصلاة القراءة بأم القرآن؛ ولذلك كانت الصلاة معرفةً بها، وغير خاليةٍ منها، حتى صار لقراءتها، وانتهائها أحكامٌ في الصلاة للأئمة والمأمومين، ولو كان الإمام ربما تركه، وقرأ بغيرها لقيل: إن قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: "آمين" لأن "إذا" تستعمل فيما لا بد من وقوعه؛ يقال: إذا طلع الفجر فصل، ولا يقال: إن طلع الفجر فصل؛ لأن "إن" إنما تستعمل فيما يشك في وقوعه، فيقال: إن جاء زيدٌ فأعطه درهماً، وانت شاكٌ في مجيئه، هذا ظاهر الاستعمال في كلام العرب. (العمل في الجلوس في الصلاة) - قوله: "وأنا أعبث بالحصباء" [48]. الحصباء: الحصى، ومنه قيل لرمي الجمار: المحصب. و"المعاوي" منسوبٌ إلى بني معاوية، حذفت الياء الأصلية في النسب، كراهةً لاجتماع ثلاث ياءاتٍ.

- قوله: "وأنا يومئذٍ حديث السن" [51]. هو الصواب بالياء على مثال ظريفٍ، فإذا لم يذكروا السن قالوا: حدثٌ. - وقوله: "إن رجلي لا تحملانني". كذا رويناه بنونين الأولى علامة الرفع، والثانية نون الضمير التي تسمى نون الوقاية. وفي بعض الروايات: "لا تحملاني" بنون واحدةٍ، وهو جائزٌ في العربية، حذف الواحدة؛ كراهيةً لاجتماع النونين، كما حذفت في قوله تعالى: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ} والوجه أن تكون المحذوفة هي نون الضمير، والمبقاة هي علامة الرفع، ومثله قوله: أبالموت الذي لا بد أني ... ملاقٍ لا أباك تخوفيني

(التشهد في الصلاة)

(التشهد في الصلاة) سمي التشهد في الصلاة تشهداً؛ لما فيه من الشهادة بالوحدانية والنبوة. وفي قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله" وجهان: أحدهما: أعلم بذلك؛ ومنه قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. والثانية: أتيقن تيقن من شاهد الحقيقة، ووقف عليها؛ لأن الشهادة في اللغة معناها: الحضور. و"التحيات" [53]. جمع تحيةٍ، والتحية: الملك، والتحية: الملك، والتحية: السلام، أبو عمر: وقيل: التحية: العظمة لله. و"الزاكيات": ما زكا من الأعمال؛ أي: نما. - و"الطيبات" من الأقوال والأعمال: الزاكيات. و"الصلوات": من الألفاظ المشتركة على ما تقدم في صدر الكتاب، فتطلق على الصلاة المعهودة في الشرع. وتطلق على الدعاء؛ قال

تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}، وقال عليه السلام: "من دُعي إلى وليمةٍ فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليصل" أي: فليدع لهم. وتطلق على الرحمة: قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ} والصلاة منه تعالى: رحمةٌ، ومن ملائكته: دعاءٌ. و"السلام": قال ابن الأنباري عن قوم: السلام من أسماء الله تعالى، قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} فمعنى السلام عليكم: الله عليكم؛ أي: على حفظكم. وقال قومٌ: السلام لعباده. وقال قومٌ: معناه: ذو السلام، فحذف المضاف، وأقام السلام مقامه. والسلام: التسليم؛ أي: التحية. يقال: سلم سلاماً، وتسليماً، ومعناها معنى الدعاء في وقوعها من المسلم. وقال قومٌ: معناها السلامة عليكم. والسلام: جمع سلامةٍ.

(ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام)

"والنبي" يهمز ولا يهمز؛ فمن همزه؛ جعله من أنبأ ينبئ، إذا أخبر فهو فعيلٌ بمعنى مفعولٍ. ومن لم يهمزه: احتمل التسهيل، والأظهر: أن يكون مشتقاً من النبوة؛ وهي المرتفع من الأرض. (ما يفعل من رفع رأسه قبل الإمام) - قوله: "ناصيته بيد شبطانٍ" [57]. مجازٌ واتساعٌ في الكلام، كما يقول الإنسان لأمر يضبطه: هو في قبضتي وفي يدي، وإنما يعني به: أنه قد ملك تصريفه لوسوسته في صدره، وتقليبه فيما يريد منه. (ما يفعل من سلم من ركعتين ساهياً) - قوله: "أقصرت الصلاة؟ " [58]. الصواب تخفيف الصاد؛ قال تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} 12/ب/ ولا وجه للتشديد هنا؛ لأن الفعل إذا كان يستعمل مخففاً ومشدداً؛ فالمراد بالتشديد تكثير الفعل، وتكرر وقوعه،

(إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته)

نحو ضرب وضرب، وليس للتكثير في هذا الموضع وجه. (إتمام المصلي ما ذكر إذا شك في صلاته) الترغيم والإرغام [62]. الإذلال؛ ومنه: أرغم الله أنفه. وقوله: "فليتوخ ... " قال صاحب "العين": التوخي: أن تتيمم أمراً فتقصد قصده. قال: وتقول: وخى يوخي توخية؛ وهو من قولك: توخيت أمر كذا وكذا، أي: تيممته من دون ما سواه؛ وإذا قلت: وخيت عديت الفعل إلى غيره. (من قام بعد الإتمام أو في الركعتين) قوله: "ونظرنا تسليمه" أي: انتظرنا، يقال: نظرت الشيء نظراً: انتظرته، هذه هي اللغة الفصيحة، وفي القرآن: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَاتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ}؛ وقال امرؤ القيس: فإنكما إن تنظراني ساعة ... من الدهر تنفعني لدى أم جندب

وقال الحطيئة: وقد نظرتكم أعشاء صادرة ... للخمس طال بها حوزي وتنساسي وقال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} موصولة، وقال الشاعر: فبينا نحن ننظره أتانا ... معلق شكوة وزناد راعي وقال الفراء: قد تقول العرب: أنظرني، وهم يريدون: انتظرني قليلاً،

واحتج في ذلك: بأن يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة قرأوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} بفتح الألف والقطع، وأنشد لعمرو بن كلثوم: أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا قال: فمعنى أنظرنا: انتظرنا قليلاً، كما تقول للرجل: اسمع مني حتى أخبرك، وتقول: أنظرني استمع إلي، قال تعالى: {لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا}. وقوله: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" [66] وقد روي مثله في حديث داود ابن الحصين، وفي أحاديث أخر، والمشهور فيه: أن يقال: صلى

(النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها)

بنا؛ لأنه إذا قال: فعلت له كذا وكذا، فالمفهوم منه أنه كفاه ذلك الأمر وتولاه دونه، وإنما جاز استعمال اللام في هذا الموضع؛ لأن الإمام يحتمل عن المأموم كثيراً من أمور الصلاة مما كان يلزمه فعله لو صلى وحده، ويكفيه ذلك؛ فاللام على هذا دخلت لمعنى لا يوجد في الباء، وهذا أحسن من أن يقال: إنها بدل من الباء، كما يبدل بعض حروف الجر من بعض. (النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها) "الخميصة": كساء صوف رقيق يكون له في الأغلب علم، وكانت من لباس أشراف العرب، وقد يكون العلم فيها أحمر وأصفر وأخضر. وقوله: "كاد يفتنني" دليل على أن الفتنة لم تقع و"كاد" في اللغة: توجب القرب، وتمنع الوقوع؛ ولهذا قال بعض العلماء: لا يخطف البرق بصر أحد؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}.

و"الأنبجاني" [68]: كساء صوف غليظ لا أعلام فيه، إن أردت الثوب والكساء ذكرت، وإن أردت الرقعة والخميصة أنثت. قال ثعلب: يقال: أنبجانية- بفتح الباء وكسرها-، وكلما كثر والتف [من الشعر] يقال: شاة إنبجانية؛ أي: كثيرة الصوف ملتفة. وقال أبو محمد بن السيد: وأما ما وقع في بعض نسخ "الموطأ": "إنبجانية"- بكسر الهمزة والباء، فلا أعرف أحداً من اللغويين حكاه، ولا أبعد أن تكون لغة؛ لأن هذه الكلمة شذت في النسب عن القياس؛ لأنها منسوبة إلى "منبج"، والقياس فيه: منبجية. وقال ابن قتيبة: إنما هو منبجاني، ولا يقال: أنبجانين إنما هو منسوب إلى "منبج" وفتحت باؤه في النسب؛ لأنه خرج مخرج منظراني، ومخبراني. وغير ابن قتيبة يقول: جائز أن تقول: أنبجاني، كما جاء في الحديث؛ لأنها رواية عرب فصحاء، ومن الأنساب ما لا يجري على قياس، وإنما هو مسموع، هذا لو صح أنه منسوب إلى "منبج"، وإنما النسب إلى "منبج" منبجي، فالذي قاله

ثعلب إذًا أظهر. وقوله: "فطار دبسي" [69]. "الدبسي": طائر يشبه اليمامة. وقيل: إنه اليمامة نفسها، وهو الحمام على الحقيقة والقماري، وأما التي تستفرخ في البيوت فدواجن. وقوله: "فطفق/13/أيتردد" [69] كقوله: جعل يتردد، يقال: طفق يطفق، وطفق يطفق؛ وقال صاحب "العين": طفق- بالفتح- لغة رديئة. وقال صاحب "الأفعال": طفق بالشيء طفوقاً: أدام فعله ليلاً ونهاراً، وفي القرآن:

{فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ (33)}. وقوله: "لقد أصابتني في مالي هذا فتنة" [69]. أصل الفتنة في الكلام: الاختبار، قال الله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}، أي: اختبرناك اختباراً؛ إلا أنه إذا أطلق فإنما يستعمل غالباً فيمن أخرجه الاختبار إلى غير الحق، يقال: فلان مفتون، أي: اختبر فوجد على غير الحق، فمعناه في هذا الحديث: اختبرت في هذا المال فشغلني عن الصلاة. وتكون الفتنة بمعنى المميلة عن الحق، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ومعناه في هذا الحديث: أصابني من بهجة هذا المال ما أمالني عن الإقبال على صلاتي. وتكون الفتنة- أيضاً-: الإحراق، يقال: فتنت الرغيف في النار: إذا أحرقته، قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} أي: يحرقون. والفتنة تتصرف في اللغة على ستة معان. أحدها: الاختبار. والثاني: التعذيب. والثالث: الاستذلال. والرابع: الإشراك. والخامس: العبرة والعظة. والسادس: الحرج.

واللغة المشهورة: فتنت الرجل، وأهل نجد يقولون: أفتنت. وقوله: "بالقف" [70]. القف: ما صلب من الأرض واجتمع، وأصل القفوف: الاجتماع، ومنه: قف شعري: إذا اجتمع وتقبض. ويقال: "ثمر" كجمل، و"ثمر" كعنق، و"ثمر"، وقد قيل: إنه جمع الجمع. وقوله: "قد ذللت". قال ابن مزين: معناه أن النخل تجمع عراجينها بحبل أو شيء فتبرز الثمرة فتبين للخرص. والأظهر وهو الذي رواه أبو الوليد

الباجي: أن معناه مالت الثمرة بعراجينها لما عظمت وبلغت حد النضج، وثقلت فبرزت وصارت كالطوق للنخلة، وهو معنى قوله تعالى: {قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14)} أي: سخرت وأدنيت وقربت ثمارها؛ فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع. وقوله: "فسمي ذلك المال، الخمسين". يروى: "الخمسين" بالرفع والنصب؛ فمن رفع أجراه على البدل من المال، كما يؤكد الناس بأجمعين، وكقولهم: ضرب زيد الظهر والبطن، ومطر الناس السهل والجبل؛ ومن نصب أوصل الفعل إليه؛ والرفع فيه أجود. قال الشيخ- وفقه الله-: وكنت قيدت في حين قراءتي "الموطأ" على شيخي الأستاذ العلامة، أبي علي، عن ابن غزلون: أن "الخمسين" بالنصب في أصل أبي الوليد؛ فالصواب: "الخمسون" على الحكاية. وقال ابن السيد: والوجه: رفع المال، ونصب "الخمسين" ورفع "الخمسين" ونصب المال؛ كما يقال: أعطي زيد درهماً، وأعطي درهم زيداً. قال: وأما من رواه برفع المال، وروى "الخمسون" بالواو فليس له وجه، إلا أن يكون على معنى

الحكاية؛ كأن ذلك المال سمي الخمسون.

[كتاب السهو]

[كتاب السهو] (العمل في السهو) قوله: "فلبس عليه" [1] أي: خلط عليه- بالتخفيف- وتشدد. قال صاحب "العين": واللبس: اختلاط الأمور الملتبسة، قال تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)} أي: لشبهنا وخلطنا عليهم ما يخلطون، ويشبهون على أنفسهم، حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي؟ وقرأ الأزهري: {وَلَلَبَسْنَا} بالتشديد على التكرير؛ وفيه: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)} يقال: لبست عليهم الأمر ألبسه لبساً، ولبست الثوب ألبسه لبساً، ولبس الحياء لباساً: استتر به، وفي القرآن: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى}. وفسر الحياء، ويمكن أن يختار في "لبس" في الحديث التشديد على التكرير،

لاسيما من حمله على المستنكح. وقوله: "أهم في صلاتي" [3]. أي: أغلط، يقال: وهم الرجل- بكسر الهاء- يوهم- بفتحها-: إذا غلط، وأوهم في كلامه أو كتابه: أسقط، ووهمت إلى الشيء- بفتح الهاء- وهماً بسكونها: ذهبت إليه وهمي، في حديث ابن عباس: "وهم في تزويج ميمونة".

[كتاب الجمعة]

[كتاب الجمعة] (العمل في غسل الجمعة) تقدم أنه يقال: الجمعة والجمعة بإسكان الميم. وقوله: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة" [1]. يحتمل أن يريد غسلاً على صفة/ 13/ب غسل الجنابة. ويكون على مذهبنا على صفة غسلها في الهيئة لا في الوجوب. ويحتمل أن يريد به الغسل لجنابته، فقد روي عن ابن [أبي] زيد: أن معنى ما روي عنه عليه السلام: "من غسل واغتسل" أوجب على غيره الغسل بالجماع. وقوله: "أية ساعة هذه؟! ". ظاهره الاستفهام، ومعناه التوبيخ والإنكار، وهذا معروف في اللسان. و"البدنة": الناقة والبقرة تهدى إلى مكة، وهي هنا: الناقة خاصة؛

(ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب)

من بدنت وبدنت بدناً وبداناً؛ إذا سمنت؛ سميت بذلك لأنها تبدن. و"البدانة": السمن، وجمعها: بدن، كما يقال: ثمرة وثمر. وقول عمر: "الوضوء أيضاً؟ " الرواية بالرفع على لفظ الخبر، والصواب: "الوضوء؟ " بالمد على لفظ الاستفهام؛ لأنه توبيخ، فهو مثل قوله [تعالى]: {أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} ومجازه في العربية مبتدأ محذوف الخبر، كأنه قال: الوضوء أيضاً مما فعلت؟ ولو نصب لكان جائزاً كأنه قال: أتخيرت الوضوء؟. وأما قول مالك: "من اغتسل [يوم الجمعة] معجلاً أو مؤخراً" [5]. فإنه يجوز فيه الفتح والكسر، فالفتح على الصفة لمصدر محذوف تقديره: اغتسالاً معجلاً أو مؤخراً، ومن كسر جعلهما حالين من ضمير الفاعل في "اغتسل". (ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب) اللغو: رديء الكلام، وما لا خير فيه منه، بمعنى قد لغوت، أي:

جئت بالباطل. قال قتادة في قوله تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72)} قال: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم. وقال أبو عبيد: اللغو: كل شيء من الكلام ليس بفحش، والفحش أشد من اللغو، واللغو والهجر في القول سواء. واللغو واللغا لغتان، قال العجاج: عن اللغا ورفث التكلم وقوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} أي: كلاماً مطرحاً، يقال: لغا الإنسان: إذا تكلم بالمطرح، وألغى: أسقط، وأنشد: كما ألغيت في الدية الحوارا ويقال: لغا يلغو لغواً، وألغا، ولغى يلغى لغاً، ثلاث لغات: إذا أخطأ.

وقوله: {وَالْغَوْا فِيهِ}، {وَالْغَوْا} قرئ بهما، أي: تكلموا بما لا محصول له، وفي الحديث: "من [قال لصاحبه والإمام يخطب: صه] فقد لغا" يعني في الصلاة يوم الجمعة، أي: تكلم. وقيل: لغا عن الصواب، أي: مال عنه، وقال النضر: أي: خاب. قال: وألغيته: خيبته، ولغا الكلام لغا، وألغى: صار لغواً، ولغا في اليمين لغاً، وألغى: حلف على شيء يظنه كما حلف عليه وليس كذلك. وقوله: "وحاذوا بالمناكب" تقديره: وحاذوا المناكب بالمناكب، فحذف. وقوله: "فشمته رجل إلى جنبه" [10]. قال أبو عبيد: يقال: شمت العاطس، وسمت- بالشين والسين-: إذا دعا له بالخير، والشين أعلى اللغتين. وقال أبو بكر: يقال: شمت فلاناً، وسمت عليه؛ إذا دعوت له. وكل داع بالخير فهو مشمت ومسمت. وقال أحمد بن يحيى: الأصل فيه الشين من

(ما جاء في السعي يوم الجمعة)

السمت، وهو القصد والهدى. ومنه الحديث في تزويج فاطمة: "أنه عليه السلام دعا لهما، وسمت عليهما، ثم خرج". (ما جاء في السعي يوم الجمعة) السعي إذا كان بمعنى العدو، أو بمعنى المضي فإنه يتعدى إلى الغاية بـ "إلى"، يقال: سعى إلى غاية كذا وكذا، أي: جرى إليها، ومشى إليها، فإذا كان بمعنى العمل فإنه لا يتعدى بـ "إلى"، وإنما يتعدى باللام؛ فيقول: سعيت لكذا وكذا، وسعيت لفلان، قال تعالى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وإنما تعدى السعي إلى الجمعة بـ "إلى"؛ لأنه بمعنى المضي. و"السعي" في اللغة: الإسراع والجري- معروف في لسان العرب- كما أنه معروف فيه أنه العمل، وهو في القرآن كثير، كقوله: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19)} وقال: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} وقال: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وقال زهير بن أبي سلمى: سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم ... فلم يفعلوا أو لم يليموا ولم يألوا

(ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة)

(ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة) قوله: "وهو قائم يصلي" [15]. يحتمل القيام المعروف، ويحتمل أن تكون المواظبة على الشيء، لا الوقوف، من قوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} أي: مواظباً، قال الأعشى: يقوم على الوغم من قومه ... فيعفوا إذا شاء أو ينتقم لم يرد بـ "يقوم" ههنا: الوقوف/ 14/أ، إنما أراد المطالبة بالذحل، والمطالبة على طلب الوتر حتى يدركه. وقوله: "أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقللها". أي: يصغر مدتها، وإن كانت في ذاتها عظيمة المقدار. والقلة تتصرف في كلام العرب على أربعة معان: أحدها: ضد الكثرة، كقوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}. والثاني: أن تكون بمعنى الحقارة والصغر، وتكون الكثرة بمعنى الجلالة والعظم.

والثالث: أن تكون بمعنى الفقر، يقال: هو يشكو القلة. والرابع: أن تكون بمعنى النفي، يقال: قل رجل يقول كذا إلا زيد، أي: ما يقول ذلك إلا زيد. وقوله: "وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة" فالإصاخة: الاستماع، وهو ههنا: استماع حذر وإشفاق، خشية الفجاءة والبغتة، وأصله الاستماع، قال الأعشى: وحديثها كالقطر يسمعه ... راعي سنين تتابعت جدبا فأصاخ يرجو أن يكون حياً ... ويقول من فرح أياربا وقال أمية بن أبي الصلت: وهم عند ربي ينظرون قضاءه ... يصيخون بالأسماع للوحي ركد وقال غيره- يصف ثوراً برياً يستمع صوت قانص-: ويصيخ أحياناً كما استـ ... ـمع المضل لصوت ناشد وقال غيره:

كم من مصيخ إلى أوتار غانية ... ناحت عليه وقد كانت تغنيه والمضل: الذي أضل شيئاً، والناشد: الطالب. يقال منه: نشدت الناقة أنشدها: إذا طلبتها، والمنشد: المعرف بالضالة، وقيل: الدال عليها، والمعنى متقارب. وإن جعلت الواو في قوله: "إلا وهي مصيخة" زائدة، على مذهب من يجيز زيادتها، كانت الجملة في موضع خبر المبتدأ، وعلى مذهب من لا يجيز زيادتها، هي مسألة من العربية مشكلة؛ لأن قوله: "من دابة" مجرور في موضع رفع بالابتداء، فإن جعلت قوله: "وهي مصيخة" في موضع خبره كان خطأ؛ لأن الجمل الواقعة موقع خبر المبتدأ لا يجوز دخول الواو عليها، وإن جعلتها في موضع الحال بقي المبتدأ بغير خبر، ولم يكن في الكلام عامل يعمل في الحال. والوجه في ذلك: أن تجعل خبر المبتدأ محذوفاً، والجملة التي بعد "إلا" في موضع نصب على الحال من الضمير الذي في الخبر، ويكون الخبر المقدر هو العامل في هذه الحال. وكأنه قال: ما من دابة موجودة إلا وهي مصيخة. و"التوراة": مشتقة من ورى الزند يري؛ إذا خرجت منه النار؛ لأنها نور، ووزنها عند البصريين: فوعلة، والتاء بدل من واو وأصلها: وورية، ووزنها عند الكوفيين: تفعلة، والتاء عندهم زائدة، والألف منها منقلبة عن ياء.

و"إيلياء": اسم بيت المقدس، ويمد ويقصر، ويكسر همز أوله ويفتح، ففيه إذاً أربع لغات. وقوله: "إلا الجن والإنس" استثنى هذين النوعين من كل دابة؛ فهو استثناء من الجنس؛ لأن اسم الدابة واقع على كل ما دب ودرج. وقول عبد الله بن سلام: "كذب كعب". يعني أنه أخبر بالشيء على غير ما هو به، سواء إن تعمد ذلك أو لم يتعمده. وقال بعض الناس: الكذب: إنما هو أن يتعمد الإخبار عن المخبر عنه على ما ليس به، وليس ذلك بصحيح. قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى ...} إلى قوله: {كَاذِبِينَ (39) ...}، فأخبر أنهم يعلمون إذا بعثوا بعد الموت أنهم كانوا كاذبين في قولهم: {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}؛ وإن كانوا في حال قولهم ذلك يعتقدون أنهم صادقون. ففي الحديث: [كذب كعب أي:] غلط كعب، وذلك معروف للعرب في أشعارها، ومخاطباتها؛ فمن ذلك قول

أبي طالب: كذبتم- وبيت الله- يبزى محمد ... ولما نقاتل دونه وتناضل يبزى: يسلب ويغلب عليه، فهذا من باب الغلط فيما يظن، لا [من] باب الكذب ضد الصدق، ومثله قول زفر بن الحارث الكلابي: كذبتم- وبيت الله- لا تقتلونهم ... ولما يكن يوم أغر محجل وقال بعض الشعراء من همدان:

(الهيئة وتخطي الرقاب، واستقبال الإمام يوم الجمعة)

كذبتم- وبيت الله- لا تأخذونها ... مراغمة ما دام للسيف قائم 14/ب/ ومثل هذا قول عبادة: كذب أبو محمد. و"الطور": اسم جبل، وهو واقع في كلام العرب على كل جبل، إلا في الشرع: يطلق على جبل بعينه؛ وهو الذي كلم فيه موسى عليه السلام؛ وهو الذي عناه أبو هريرة. وقول أبي هريرة: "أخبرني بها ولا تضن علي" بمعنى لا تبخل علي، قال الله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)} أي: ببخيل، ومن قرأ: {بظنين} بالظاء مشالة، أي: بمتهم. (الهيئة وتخطي الرقاب، واستقبال الإمام يوم الجمعة) "المهنة": الخدمة- بفتح الميم-. قال الأصمعي: ولا يقال بالكسر، وأجاز الكسائي فيها الكسر، مثل: الخدمة والجلسة، والركبة للهيئة. ومعنى:

(القراءة في صلاة الجمعة)

ثوبي مهنته، أي: ثوبي بذلته. يقال منه: امتهنني القوم؛ أي: ابتذلوني. و"الحرام": المحرم، وجمعه حرم، قال الله تعالى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}. و"الحرة": كل أرض سوداء الحجارة، كأنها محرقة، وجمعها: حراث، وحرار، وحرون، وإحرون. (القراءة في صلاة الجمعة) معنى "الطبع على القلب": أن يجعل بمنزلة المختوم عليه، لا يصل إليه شيء من الخير.

[كتاب الصلاة في رمضان]

[كتاب الصلاة في رمضان] (الترغيب في الصلاة في رمضان) "القابلة": الليلة المقبلة، وكذلك العام القابل. و"العزيمة" هنا: عبارة عن الأمر المؤكد. ويقال: عزم فلان على الأمر: إذا قصده قصداً مؤكداً بليغاً، قال تعالى: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)} أي: قصداً بليغاً، وسمي بعض الرسل {أُوْلُوا الْعَزْمِ}؛ لتأكيد قصدهم في طلب الحق، وهي في لسان جملة الشرع: عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى، ويمكن أن يكون قصد أبي هريرة أحد المعنيين اللغوي والشرعي؛ إذ يحتملهما لفظه. (ما جاء في قيام رمضان) "الأوزاع" [2]. هم الجماعات المتفرقون. وقد يقال لهم: عزون، قال تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)} أي: مسرعين {عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ

الشِّمَالِ عِزِينَ (37)} أي: جماعات متفرقة، واحدته: عزة، والأصل: عزوة، من عزاه يعزوه: إذا أضافه إلى غيره، وجاز جمعه بالواو والنون؛ لأنه عوض مما حذف، وفي حديث جابر بن سمرة قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن متفرقون، فقال: ما لي أراكم عزين". وفيها وجوه لأهل التفسير متقاربة، وفي الحديث نفسه ما يدل على تفسير الأوزاع؛ لأنهم كانوا يصلون متفرقين. قوله: "يصلي الرجل لنفسه ... ويصلي بصلاته الرهط" [3]. يحتمل معنيين: أحدهما: يصلي رجل لنفسه، ويصلي آخر ومعه الرهط يصلون، فالضمير في قوله: "بصلاته" راجع إلى غير مذكور، يدل عليه قوله: "الرجل"؛ فتكون الألف واللام في قوله: "الرجل" ليست للعهد؛ وإنما هي للجنس. والوجه الثاني: أن يريد أن الرجل يصلي لنفسه، ويصلي بصلاة الرجل الرهط، فيصلح أن تكون الألف واللام على هذا التأويل للجنس، ويصلح أن تكون للعهد، ويقتضي أن يكون المأموم يصح أن يقتدي بالمصلي وإن لم يقصد المصلي ذلك. وقوله: "نعمت البدعة هذه" البدعة في لسان العرب: اختراع ما لم يكن وابتداؤه، فما كان من ذلك مخالفاً للسنة، فتلك بدعة لا خير فيها؛ وما كان لا يخالف أصل السنة، فتلك: نعمت البدعة، كما قال عمر.

قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: أخبرني الأستاذ أبو علي، عن ابن غزلون، عن أبي الوليد، قال: هكذا وقعت هذه اللفظ فيما رأيت من النسخ بالهاء، وذلك وجه الصواب، على أصول الكوفيين. وأما البصريون فإنما تكون عندهم: "نعمت" بالتاء الممدودة؛ لأن "نعم" عندهم فعل، فلا يتصل به إلا تاء التأنيث، دون هائه. وقال ثعلب: يقال: إن فعلت كذا فبها ونعمت، بالتاء، والعامة تقول: فبها ونعمه، وتقف بالهاء. قال ابن درستويه: ينبغي أن يكون ذلك عند ثعلب هو الصواب، وأن تكون التاء خطأ؛ لأن الكوفيين يزعمون أنهما اسمان، والأسماء تدخل فيها هذه الهاء بدل تاء التأنيث. و"المئون" [4]. من السور: ما ولي السبع الطوال. سميت بذلك؛ لأن كل سورة تزيد على مائة آية أو تقاربها. قوله: "وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر" بزوغ الفجر: هي أوائله، وأول ما يبدو منه، ويتفرع، يعني: أنهم كانوا لا يقضون صلاتهم لطول القيام/ 15/أإلا قرب الفجر.

[كتاب صلاة الليل]

[كتاب صلاة الليل] (ما جاء في صلاة الليل) قولها: "والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح" [2]. تريد حينئذ، بدليل أن المصابيح لا تتخذ في الأيام، وإنما تتخذ في الليالي، وهذا مشهور في لسان العرب، يعبر باليوم عن الحين، وهو أشهر من أن يحتاج فيه إلى استشهاد. وقوله: "إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد" [3]. النعاس- هنا-: النوم اليسير؛ ولذلك لا ينقض الصلاة، فلا ينقض الوضوء، والدليل على ذلك قول الشاعر:

(صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر)

وسنان أقصده النعاس فرنقت ... في عينه سنة وليس بنائم و"الملل" [4] هنا في حق العبد: السامة والعجز عن الفعل، إلا أنه لما كان معنى الأمرين الترك وصف تركه بالملل على معنى المقابلة، وجاء هذا الحديث على المعروف من لغة العرب؛ فإنهم كانوا إذا وضعوا لفظاً بإزاء لفظ جواباً له، أو جزاء ذكروه بمثل لفظه، وإن كان مخالفاً في معناه؛ وهو في القرآن كثير. (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر) قوله: "فاضطجعت في عرض الوسادة" [11]. الوسادة: هي الفراش الذي ينام عليه. وكان اضطجاع ابن عباس في عرضها عند رؤوسهما، أو عند أرجليهما. وقال الداودي: الوسادة: ما يضعون رؤوسهم عليه للنوم. "فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله رؤوسهما في طولها، ووضع ابن عباس رأسه في عرضها". والعرض- بالضم- هو الجانب، يريد: الجانب الضيق منها. ووقف أبو الوليد الباجي في قوله: "في الوسادة" قال: لأنه لا يصح

الاضطجاع فيها. وفي حديث عدي بن حاتم لما تأول قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} على أن وضع معه عند نومه خيطين؛ أبيض وأسود؛ ليتبينهما سحراً، فقال له عليه السلام: "إن وسادك لطويل عريض" يعني: إن كان يسع، فيحتمل الوساد- هنا-: الفراش؛ ويحتمل ما يوضع الرأس عليه. على أنه تأوله الخطابي، وصاحب "الغريبين": على أنه كنى عن النوم بالوسادة؛ لأن النائم يتوسد، كما يكنى بالثياب عن البدن؛ لأن الإنسان يلبسها. قالا: وفيه وجه آخر؛ وهو أن يكون أراد بالوساد: موضع الوساد من رأسه وعنقه، قال: ويدل على هذا رواية أخرى جاءت لهذا

الحديث أنه قال: "إنك لعريض القفا" كناية عن السمن الذي يزيل الفطنة. قال: ويحتمل أن يكون أراد من أكل مع الصبح في صومه أصبح عريض القفا؛ لأن الصوم لا ينهكه، ولا يؤثر فيه. و"الشن": القربة الخلق، والإداوة الخلق، يقال لكل واحد منهما: شنة، وشن، وجمعه: شنان، ومنه الحديث: "قرسوا الماء في الشنان" وهي أشد تبريداً للماء. وقوله: "فأحسن الوضوء" يقال: أحسن فلان كذا، بمعنيين: أحدهما: أنه أتى به على أكمل هيأته. والثاني: أنه علم كيف يأتي به، يقال: فلان يحسن صنعة كذا؛ أي يعلم كيف يصنع. وقوله: "فتوضأ منها" كذا الرواية، والوجه "منه"؛ لأن الشن مذكر، ولكنه أنث الضمير على معنى القربة؛ وروى عبيد الله "معلقة".

(الأمر بالوتر)

وقوله: "فتوسدت عتبته" [12]. العتبة: موضع الباب. و"الفسطاط" نوع من القباب. و [أما] الفساطيط: فجمع المصدر؛ وكل مجتمع فسطاط. والخبر بالتفسير الأول أشبه. وفيه لغات ست: فسطاط، وفسطاط، وفسطاط، وفسطاط، وفستاط، وفستاط. (الأمر بالوتر) "فرحت إلى عبادة بن الصامت ... وهو رائح إلى المسجد" [17]. أي: تخففت. وفي الحديث: "من راح إلى الجمعة" أي: من خف إليها؛ ولم يرد رواح آخر النهار. ويقال: تروح القوم وراحوا: إذا ساروا أي وقت كان. ويقال: رحنا وتروحنا: إذا سرنا عشياً، والرواح: من كون زوال الشمس إلى الليل. وتقدم معنى قوله: "كذب أو محمد" عند قول ابن سلام: "كذب كعب"، وهو بمعنى غلط ووهم، ومضت الشواهد عليه. وقوله: "أليس لك في رسول الله أسوة؟ " الأسوة: ما يتأسى به، وهو بمعنى القدوة. وقوله: "استخفافاً بحقهن" [14]. ينتصب على وجهين: أحدهما: أن يكون مصدراً وقع موقع الحال، كأنه قال: لم يضيع منهن

شيئاً مستخفاً بحقهن، فيكون من باب قولهم: جئته ركضاً وعدواً، أو راكضاً وعادياً. والثاني: أن يكون مفعولاً من أجله. وقوله: "والسماء مغيمة" [19]. ويروى: "مغيمة"/ بفتح الغين وتشديد الياء. يقال: أغامت السماء، وغامت، وغيمت، وتغيمت.

[كتاب صلاة الجماعة]

[كتاب صلاة الجماعة] (فضل الجماعة على صلاة الفذ) قوله: "مرماتين" [3]. هي حديدة كالسنان، يكومون كوماً من تراب، ويقيمون هذه على أذرع، ويرمونه بها فأيهم أثبتها فيه غلب، وعلى هذا لا يجوز إلا الكسر في الميم. ويقال لها- فيما زعم بعضهم-: المداحي. وقيل: هما سهمان. وقال أبو عبيد- حاكياً عن غيره-: هما ما بين

(ما جاء في العتمة والصبح)

ظلفي الشاة، قال: ولا أدري ما هو، ولا ما وجهه، إلا أن هذا تفسيره. ويروى بفتح الميم وكسرها، واحدها: مرماة، مثل مدحاة ومذكاة، فعلى هذا الميم أصلية. وقال الداودي: هما بضعتا لحم. وقوله: "إلا صلاة المكتوبة" [4]. من رواة هكذا، فقياسه عند البصريين: أن يكون أراد: إلا صلاة الفريضة المكتوبة، فحذف الموصوف، وأقام صفته مقامه؛ ولذلك يقولون في قوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)} إن معناه: وحب النبت الحصيد، وكذلك قوله [تعالى]: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أي: ولدار الحياة الآخرة؛ كراهية أن يضيفوا الموصوف إلى صفته، وهو خطأ في القياس. (ما جاء في العتمة والصبح) "المطعون" [6]. الذي أصابه الطاعون، وهي قروح في المغابن وغيرها لا يلبث صاحبها، وتعم غالباً إذا ظهرت، وهو رجز عذاب أرسله الله على بعض الأمم السالفة، وكان أصاب أهل الشام، حين خرج عمر، فبلغ

سرغ، وفيه مات أبو عبيدة بن الجراح. ويقال له: طاعون عمواس. و"المبطون": هو صاحب الإسهال. وقيل: صاحب الاستسقاء. ويقال: بطن؛ إذا أصابه داء في بطنه، إسهال أو غيره. ويقال: بطن الرجل لما لم يسم فاعله؛ صار مبطوناً. و"الغرق"، ووقع في البخاري: "الغريق" بالياء، وكلاهما صحيح. يقال: لمن غرق: غرق؛ فإذا مات غرقاً فهو غريق. وقال بعضهم: يقال لمن غلبه الماء، ولما يغرق بعد: غرق، فإذا مات غرقاً فهو غريق. وهو اختلاف لفظ. وأما صاحب "العين" فقال: رجل غرق، وغريق، ولم يفرق. ومنه: "أدعوك دعاء الغرق"؛ أي: الذي يخشى الغرق ويتوقعه. ومنه: اغرورقت عيناه بالدموع ولم تفض.

(إعادة الصلاة مع الإمام)

و"صاحب الهدم": هو الذي مات تحت الهدم- بفتح الدال-: وهو ما انهدم، ومثله: انحرق. ومن رواه: "وصاحب الهدم" بالإسكان، فهو اسم الفعل. (إعادة الصلاة مع الإمام) الإسلام- في وضع اللغة-: الاستسلام. والإيمان: التصديق. قوله: "فإن له سهم جمع" [11]. قال ابن وهب: يضعف له الأجر. وقال الأخفش: الجمع: الجيش؛ قال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)}، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} يعني: الجيشين. قال: وسهم الجمع: هو السهم من الغنيمة. أبو عمر: تأويل ابن وهب عندي أشبه وأصوب، ويشهد لتأويل ابن وهب: ما روي عن المنذر بن الزبير: أنه أوصى، فقال: لفلان كذا، ولفلان كذا، ولفلان سهم جمع. قال مصعب بن عبد الله: فسألت

عبد الله بن المنذر بن الزبير: ما يعني بسهم جمع؟ قال: نصيب رجلين، وهو المعروف عن فصحاء العرب. وقال أبو الوليد: ويحتمل أن ثوابه مثل سهم الجماعة من الأجر. ويحتمل أن يريد- أيضاً-: مثل سهم من يبيت بالمزدلفة في الحج؛ لأن جمعا اسم المزدلفة، وأيام جمع: أيام منى. وحكي لسحنون فلم يعجبه. ويحتمل أن له سهم الجمع بين الصلاتين، صلاة الفذ، وصلاة الجماعة. وقال الداودي: يروى: "فإن له سهماً جمعاً"- بالتنوين- أي

(صلاة الإمام وهو جالس)

يضاعف له الأجر مرتين. والصحيح من الرواية والمعنى ما تقدم. وقوله: "ألست برجل مسلم؟ " يحتمل الاستفهام والتوبيخ، وهو الأظهر، أنه ذهب إلى توبيخه على ترك الصلاة مع الجماعة، ولا يقتضي قوله: أن من لم يصل ليس بمسلم، وإنما ذلك كما يقول القائل- لمن علم أنه قرشي: ما لك لا تكون كريماً، ألست بقرشي، لا يريد نفيه عن قريش، وإنما أراد توبيخه على ترك أخلاق قريش. (صلاة الإمام وهو جالس) قوله: "فجحش شقه" [16]. هو بمعنى: خدش، وقيل: الجحش: فوق الخدش، وحسبك أنه لم يقدر من أجله أن يصلي قائماً. قال الخليل: هو الخدش أو أكثر. /16/أ وقوله: "فصلى صلاة من الصلوات" يحتمل أن تكون الألف واللام للعهد، ويحتمل أن تكون للجنس، فإذا كانت للعهد، فيرجع إلى الصلاة المفروضة ويحتمل أن يرجع إلى الصلوات التي صلاها بهم، وإن كانت للجنس، فتكون بمعنى التأكيد، تفيد ما يفيد قوله: "صلى".

(فضل صلاة القائم على صلاة القاعد)

وقوله: "ربنا لك الحمد". كذا رواه يحيى، وعند غيره بالواو. واختلفت فيه الروايات في "الصحيحين" وكلاهما صحيح، فعلى حذف الواو يكون اعترافاً بالحمد مجرداً، ويوافق قول من قال: إن "سمع الله لمن حمده" خبر، وبإثبات الواو يجمع معنيين: الدعاء والاعتراف، أي: ربنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيانا لهذا، ويوافق قول من قال: "سمع الله لمن حمده" بمعنى الدعاء. وقوله: "فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت" [18]. كلام فيه حذف، واختصار، ومعناه: ابق كما أنت، ولا يجيزه سيبويه، وأجازه الفارسي، وأن تكون "ما" هنا بمعنى "الذي" وأن تكون كافة كالتي في قوله تعالى: {اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وخبر المبتدأ في الوجهين محذوف تقديره: كما أنت عليه. (فضل صلاة القائم على صلاة القاعد) "الوباء" [20]: المرض العام في جهة، المفضي إلى الموت غالباً. ويقال: هو سرعة الموت وكثرته في الناس، ويقال منه: وبئت الأرض توبأ، فهي موبوءة، ووبيئة؛ على مثال مريضة؛ إذا كثر مرضها، ومعنى وبئت: جعل فيها الوباء؛ فخرج الفعل على مثال جعل. ويقال- أيضاً-: وبئت- بكسر الباء- وأوبأت، ثم حكي عن الأصمعي: تيبأ، وتوبأ، وتابأ، وتيبأ، وأوبأت- أيضاً- فهي موبئة، وحكى صاحب "الأفعال": وبئت، قال: لا أعرف إلا

وبئت فهي موبوءة. وقال صاحب "العين": أرض وبئة، وموبئة، وقد وبأت، وأوبأت. و"الوعك" [20]- بفتح العين وسكونها- قال أبو حاتم: "الوعك": الحمى. وقال غيره: هو ألم التعب. وقال ابن السكيت: وعكة الشيء: دفعته وشدته. وقال غيره: هو إرعاد الحمى، وتحريكها إياه. وقال الأصمعي: الوعك: شدة الحر، فكأنه حر الحمى. وقوله: "وهم يصلون في سبحتهم" قيل: إنها صلاة النافلة؛ وسبحة الضحى: صلاة الضحى. واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، أي: نافلة. وقد قيل: إن السبحة: الصلاة. وسميت الصلاة: سبحة وتسبيحاً؛ لما فيها من تعظيم الله تعالى وتنزيهه؛ قال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143)} أي: المصلين.

(ما جاء في صلاة القاعد في النافلة)

فإذا كان لفظ السبحة واقعاً على الفريضة والنافلة جاز أن يراد بالحديث: الأمران، أو أحدهما. (ما جاء في صلاة القاعد في النافلة) "قط" [21]- بتشديد الطاء-: إذا كانت ظرفاً زمنياً، بمعنى الدهر، وقد تخفف الطاء، وقد تضم قافها، والمشهور الأول، فإذا خففت الطاء، وفتحت القاف وكسرتها، كانت بمعنى: حسبي وكفاني. وبمعنى التقليل أيضاً، في

(الصلاة الوسطى)

الحديث في صفة النار: "فتقول: قط قط، وقط قط". ويروى: "قطني قطني، وقطي قطي"، والكل بمعنى: حسبي وكفاني. و"الترتيل": التمهل والترسل الذي يقع معه التدبير. (الصلاة الوسطى) "وسط" في تركيب لسان العرب: عبارة عن أحد معنيين؛ إما عن الغاية في الجيد؛ وإما عن معنى يكون ذا طرفين، نسبته إلى الطرفين جهتيهما سواء. وذلك يكون بالعدد، والزمان، والمكان؛ فيمكن في "الصلاة الوسطى" [25]؛ لأنها أفضل الصلوات، وأعظمها أجراً؛ ولذلك خصصت بالمحافظة عليها بعد إجمالها؛ أو لأنها وسط بين صلاتي ليل، وصلاتي نهار على من جعلها الصبح، أو العصر، أو لأنها في وسط النهار لمن جعلها الظهر، أو لأنها وسط ما بين الليل والنهار، على أنها الصبح، أو لأنها خمس صلوات؛ فكل واحدة منها وسطى. وجاء في بعض الروايات: "صلاة الوسطى" على الإضافة، إضافة الشيء إلى جنسه، وتقدم. وقوله: "وصلاة العصر" هذه الواو تسمى الفاصلة؛ لأنها فصلت بين الوسطى وبين صلاة العصر، ولا خلاف بين رواة "الموطأ" في إثبات الواو، وقد روي بغير الواو في غيره. وروي أيضاً: "ألا وهي صلاة العصر" هذا نقل

عياض. وقد أشار الخطابي به: إلى من ذهب إلى أنها الصبح، فيحتمل أنه تأول أن المراد بالعصر هنا الصبح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة العصر". وقال أبو عمر: لم يختلف في/ 16/ب حديث عائشة في ثبوت الواو، وإنما الاختلاف في حديث حفصة. وقد قال بعض من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى: صلاة العصر: إن دخول الواو هنا وخروجها وثبوتها، وسقوطها سواء، والمعنى فيه: والصلاة الوسطى صلاة العصر، واحتج فيه برواية من رواه كذلك بغير واو، والرواية به، والحجة له من جهة العربية في "التمهيد"، واستشهد قائله بقول

(الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد)

الشاعر: إلى الملك القرم وابن الهما ... م وليث الكتيبة في المزدحم يريد: القرم ابن الهمام ليث الكتيبة، قال: ومنه قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} وقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} والواو في هذين الموضعين لا توجب أن يكون النخل والرمان غير الفاكهة؛ ولا جبريل وميكال غير الملائكة، وقال: إنه على طريق التفضيل والإكبار، وقد خولف فيما ادعاه من ذلك، والمعروف في اللسان العربي أن قوله: "الصلاة الوسطى، وصلاة العصر" توجب أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر. و"القنوت" في كلام العرب: السكوت، والقنوت: الطاعة، والقنوت: الدعاء. (الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد) قوله: "مشتملاً به" [29]. قال الأخفش: "الاشتمال أن يلتف

الرجل في رداء واحد، أو بكسائه من رأسه إلى قدميه يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر. و"التوشح": هو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر، من تحت يده اليسرى، فيلقيه على الأيمن، ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر، قال: فهذا هو التوشح الذي جاء عنه عليه السلام "أنه صلى في ثوب واحد متوشحاً به" أبو الوليد: والاشتمال على أضراب: أحدها: "التوشح" وهو المذكور في الحديث المباح في الصلاة. قال [الشيخ]- وفقه الله تعالى-: وهو الذي ذكره الأخفش، وإن كان انتقده عليه أبو الوليد بوجه لا يصح. قال: والثاني "اشتمال الصماء" وهو الذي ورد المنع منه في الصلاة، وأنكره صلى الله عليه وسلم على جابر، وهو أن يشتمل بالثوب على منكبيه، وتكون يداه تحت الثوب؛ لأنه إن أتاه ما يتوقاه لم يمكنه إخراج يده بسرعة، وفي الصلاة لا يباشر الأرض بيديه للسجود، أو يخرج لذلك يديه فتبدو عورته. والضرب الثالث من الاشتمال: هو "الاضطباع" وهو أن يأخذ الثوب من تحت يده اليمنى فيرده إلى كتفه اليسرى، وباقي الثوب من الجانب الآخر فوق يده اليسرى؛ وذلك أنه لا يمكنه إخراج يده اليسرى للسجود ولا لغيره؛ إذا

(الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار)

لحقه ما يلحقه في [اشتمال] الصماء. و"المشجب" [31]: عود ترفع عليه الثياب، وهو الشجاب أيضاً. (الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار) "الدرع" [35]: القميص، ودرع المرأة مذكر وقد يؤنث، ودرع الحديد مؤنث وقد يذكر. و"الخمار": ما تخمر به المرأة رأسها وعنقها سوى وجهها، وهو الذي تسميه العامة: المقنع، وأصل التخمير: التغطية والستر، وقال صاحب العين: المنطق والمنطقة: ما شددت به وسطك، والنطاق: إزار فيه تكة تنتطق به المرأة. وقيل: المنطق: هو النطاق، وهو أن تشد المرأة وسطها على ثوبها حزاماً، ثم ترسل الأعلى على الأسفل. وقال سحنون: المنطق: الإزار تشده على وسطها، واختلف لم سميت أسماء ذات النطاقين؟ فأشهرهما: أن أحدهما، هو نطاق المرأة المعروف. والآخر: الذي كانت ترفع فيه طعام

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاده، كما وقع في "مسلم". وزاد تفسيراً في "البخاري": أنها شقت نطاقها فصنعت سفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فشدته بنصفه، وانتطقت بالآخر. وقيل: بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "قد أعطاك الله بهما نطاقين في الجنة". وقيل: بل لأنها كانت تطارق نطاقاً على نطاق تستراً، والذي فسرت به خبرها أولاً. وقال أبو عمر: المنطق- ههنا-: الحقو، وهو الإزار والسراويل.

[كتاب قصر الصلاة في السفر]

[كتاب قصر الصلاة في السفر] 17/أ/ (الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر) تقدم من شرح لفظ "تبوك". وقوله: "حتى" يضحى النهار" [2] وقال ابن عباس: وكلاهما صحيح. يقال: ضحي الشيء ضحى، وضحى: أصابه حر الشمس يضحو ضحواً وضحواً، ويضحى ضحياً، وفرق صاحب "العين" بين ضحى وضحي، فجعل ضحي: أصابته الشمس، وضحى برز للشمس، وتبعه على هذا صاحب "الأفعال" وذلك قريب، وضحي الشيء ضحواً: ظهر واضحاً، صار في ضحى النهار. وقوله: "والعين تبص". من البصيص، وهو البريق ولمعان خروج الماء القليل ونشعه، يقال: بص الشيء يبص بصيصاً، وبض يبض وبيضاً: برق- وبالضاد المعجمة-: القطر والسيلان. وقيل: البض: الرشح. يقال منه:

(قصر الصلاة في السفر)

بض، وضب؛ وهو من المقلوب، ويقال: ما بض بقطرة، قال حميد ابن ثور: منعمة لو يصبح الذر سارياً ... على جلدها بضت مدارجه دما وقوله: "وقد مليء جناناً" [2] سميت الجنة؛ لأن أشجارها تستر أرضها، أو داخلها، وجمعها: جنات، وجنان. والعامة يحسبونه واحداً، ويجمعونه: أجنة، وهو لحن. (قصر الصلاة في السفر) "ذات الجيش" و"العقيق": موضعان. ذكر القعنبي على ما حكى عنه علي بن عبد العزيز: أن ذات الجيش من المدينة على بريد. وذكر مطرف:

أن العقيق من المدينة على ثلاثة أميال. وقال يحيى بن يحيى: بين ذات الجيش والعقيق ميلان. وفي تفسير ابن المواز، عن ابن وهب: بينهما خمسة أميال. وروي عنه: ستة. وقال عيسى عن ابن القاسم: عشرة أميال. وذكر الأثرم، عن القعنبي: بينهما اثنا عشر ميلاً. وقال ابن وضاح: بينهما سبعة أميال. وفي العقيق قصر عروة بن الزبير، وكان هذا الموضع قد أقطعه مروان عبد الله بن عياش بن علقمة، من بني عامر بن لؤي، فاشتراه منه عروة، فذاك مال عروة، وهناك قصره قصر العقيق، وبئره المنسوبة إليه، وهي سقايته، التي يقول فيها الشاعر: كفنوني إن مت في درع أروى ... واستقوا لي من بئر عروة مائي

(ما يجب فيه قصر الصلاة)

وفيه يقول عروة: بنيناه فأحسنا بناه ... بحمد الله في خير العقيق (ما يجب فيه قصر الصلاة) "ذو الحليفة" [10]: تصغير حلفة؛ وهي ماء بين بني جشم بن بكر من هوازن، وبين بني خفاجة العقيليين رهط توبة، بينه وبين المدينة ستة أميال. وقيل: سبعة. وهو كان منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من المدينة لحج، أو عمرة، فكان ينزل تحت شجرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة اليوم، وإذا قدم راجعاً هبط بطن الوادي، فإذا ظهر من بطن الوادي أناخ بالبطحاء، التي على شفير الدار المشرفة، فعرس حتى يصبح، فيصلي الصبح، فدخل السيل بالبطحاء، حتى دفن ذلك المكان الذي كان يعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. فالمسجد الأكبر الذي يحرم الناس منه هو "مسجد الشجرة"، والآخر يساره: مسجد المعرس.

و"ريم" [11].- بكسر أوله-: من بلاد مزينة، قال كثير: عرفت الدار قد أقوت بريم ... إلى لأي فمدفع ذي يدوم "لأي" و"يدوم": واديان من بلاد مزينة، يدفعان في العقيق، ثم يلتقي وادي العقيق، ووادي ريم. وهو الذي ذكره ابن أذينة أيضاً، فقال: لسعدي موحشاً طلل قديم ... بريم ربما أبكاك ريم وهما إذا التقيا دفعا في الخليقة، خليقة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش، وفيها مزارع، ونخل، وقصور من آل الزبير، وآل عمر، وآل أبي طالب. و"ذات النصب" [12]- بضم أوله وثانيه: موضع كانت فيه أنصاب في الجاهلية، بينه وبين المدينة أربعة برد، كما ذكر مالك. و"الطائف" [15] سميت بالحائط/ الذي حولها، وهي بالغور لتثقيف، وأطافوه بها، تحصيناً لها، وكان اسمها وج، قال أمية بن

أبي الصلت: نحن بنينا طائفاً حصيناً نقارع الأبطال عن بنينا و"عسفان"- بضم أوله، وإسكان ثانيه: قرية جامعة، لبني المصطلق، من خزاعة؛ كثيرة الآبار والحياض، وقع ذكرها في الحديث كثيراً، قال ابن مقبل- في قتل عثمان بعسفان-: [فعسفان] إلا أن كل ثنية ... بعسفان يأويها مع الليل مقنب و"جدة"- بضم أوله-: ساحل مكة. سميت بذلك؛ لأنها حاضرة البحر. و"الجدة" من البحر والنهر: ما ولي البر. وأصل الجدة: الطريقة الممتدة.

(صلاة المسافر إذا أجمع مكثا)

(صلاة المسافر إذا أجمع مكثاً) أجمع الصائم الصيام، والمسافر مكثاً [16]، أي: عزم عليه ونواه. وأجمعت صدقه، أي: عزمت عليه واعتقدته. وقال نفطويه: أجمعت أمري، واجتمعت عليه، بمعنى عزمت. وقال أبو الهيثم اللغوي: أجمع أمره [أي]: جعله جميعاً بعد أن كان متفرقاً. وقال صاحب "العين": أجمعت المسير، واجتمعت عليه. (صلاة النافلة في السفر بالنهار) يحتمل قوله- من جهة اللفظ-: "يصلي على راحلته حيث توجهت به" [26]. إلى حيث توجهت به، ويحتمل: "يصلي على راحلته": وهي حيث توجهت به، إلا أنه ينحرف إلى القبلة، فعلى التأويل الأول؛ يتعلق قوله: "حيث توجهت به" بقوله: "يصلي". وعلى التأويل الثاني؛ يتعلق بقوله: "على راحلته".

(صلاة الضحى)

(صلاة الضحى) تقدم في صدر الكتاب الفرق بين الضحى والضحاء. وقوله: "ثمان ركعات" [27]. بالنون، و"ثماني ركعات" بالياء، وهما لغتان، وإثبات الياء أفصح وأقيس؛ لأن الياء إنما تخذف في مثل هذا في حال الرفع والخفض، وتثبت في حال النصب، إلا أن ثعلباً حكى أنها لغة؛ وأنشد: لها ثنايا أربع حسان وأربع فثغرها ثمان و"مرحباً" [28]. كلمة تقال عند المبرة للقادم، ولمن يسر برؤيته، والاجتماع به. وهو منصوب بفعل لا يظهر، أي: صادفت رحباً، أي: سعة. وقيل: بل انتصب على المصدر، أي: رحب الله بك مرحباً، فوضع المرحب موضع الترحيب، وهو مذهب الفراء، ومكان رحب ورحيب: واسع، والجمع: رحاب، ومنه: "مرحباً بأم هانئ". ويروى: "مرحباً يا م هانئ" والرحب والتسهيل مما يستدل به على فرح المزور بالزائر، وفرح المقصود بالقاصد، وهذا معلوم عندهم، وهو كثير في أشعارهم، قال شاعرهم- وهو عمرو بن الأهتم- وأحسن:

فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فهذا مبيت صالح وصديق وقولها: "زعم ابن أمي، علي" [28] الزعم- في كلام العرب-: قول يخالطه ظن واعتقاد؛ فربما كان حقاً، وربما كان باطلاً. وكانوا يسمون كل شقيق: بابن أمي، دون ابن أبي، عند الدعاء لهم،

والخبر عنهم؛ ليدلوا بذلك على قرب المحل [من القلب] والمنزلة من النفس؛ إذ جمعهم بطن واحد، وبه نطق القرآن في قوله [تعالى]: {يَبْنَؤُمَّ لا تَاخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَاسِي}، و [قوله تعالى]: {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي}. و"الجوار"- بضم الجيم، وكسرها: الذمام والعهد والتأمين؛ ومنه [قوله تعالى]: {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} أي: مجير مؤمن. ويقال لكل واحد من المجير والمستجير: جار، ومنه قول أم هانئ: "أجرته". وتقدم شرح "السبحة". وقولها: "لو نشر لي أبواي" [30]. يروى؛ "نشر" مركباً لما لم يسم فاعله، وهو الأشهر، و"نشر"- بفتح النون والشين. يقال: نشر الرجل نشوراً؛ إذا حيي، حكاه صاحب "العين" ونشره

(جامع سبحة الضحى)

الله، وأنشره، ومنه قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً} أي: نحييها. وقرأ الحسن: {كَيْفَ نُنشِزُهَا} من النشر عن الطي. يقال: نشرت الثوب وغيره نشراً، والنشر: القوم المتفرقون. وقال بعض الشارحين: "لو نشر لي أبواي" اللذان يلزمني برهما، والقيام بحقهما ما شغلني ذلك عن هذه الصلاة. (جامع سبحة الضحى) قوله: "قوموا فلأصلي لكم" [31]. هذه اللام لام الأمر/17/ب، وتدخل على الزوائد الأربع، [فدخولها على الألف]، قال الشاعر: وجدت أمن الناس قيس بن عثعث ... فإياه فيما نابني فلأحمدي ودخولها على النون، قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، و [دخولها] على الياء، قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} و [أما] دخولها على التاء فقليل: "لتأخذوا مصافكم" كأنهم استغنوا بقولهم: اضرب، عن لتضرب. ابن السيد: ويجوز أن تنصب الياء على معنى "كي". ولا يصح

ذلك، على أن تجعل اللام متعلقة بـ "قوموا"؛ لأن دخول الفاء يمنع من ذلك؛ ألا ترى أنه لا يجوز: جئت فلأكرمك؛ ولكن تعلقه بفعل محذوف دل عليه ما في الكلام، [كأنه] قال: قوموا فلأصلي لكم أمرتكم بالقيام، فيكون كقوله تعالى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، كأنه قال: ولكن ليطمئن قلبي سألتك أن تريني إحياء الموتى. وقول أنس: "قد اسود، من طول ما لبس" [31]. سمى الجلوس عليه لبساً مجازاً، وفي القرآن: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} فسر أنه الحياء؛ لأنه يستتر به، كأنه استعارة، بسب المشابهة في الاستتار، فكذلك الحصير يتوقى به ألم البرد، والحر، كالثوب؛ فهو نوع من الاستتار، وهذا النوع أحد أنواع المجاز؛ وهي ثلاثة: الأول: ما استعير للشيء بسبب المشابهة في خاصية مشهورة، كقولهم للشجاع: أسد، وللبليد: حمار، فمنه هذا.

والنوعان الآخران: الزيادة، والنقصان؛ فالزيادة: كالكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والنقصان: كقوله [تعالى]: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ}، أي: أهل القرية. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: ونسوق علامات المجاز؛ ليتبين تحقيق ما قلناه، فنقول: يعرف المجاز بأحد علامات أربع: [العلامة] الأولى: أن الحقيقة جارية على العموم في نظائرها، إذ قولنا: عالم، لما صدق على ذي علم واحد صدق على كل ذي علم، كقولنا: عالم بالكتاب، وعالم بالسنة، وعالم بالنحو، وعالم بالطب، وكذلك لابس؛ لما صدق على ذي لبسة واحدة من الثياب، صدق على كل ذي لبسة منها، فقيل لابس طيلسان، ولابس درع، ولابس رداء، ولا يقال: لابس حصير، ولا لبس الحصير. [العلامة] الثانية: أن يعرف بامتناع الاشتقاق عليه؛ إذ الأمر إذا استعمل في حقيقة، اشتق منه اسم الأمر، وإذا استعمل في الشأن لم يشتق منه اسم الأمر، وكذلك لا يقال فيمن جلس على الحصير: لابس. العلامة الثالثة: أن تختلف صيغ الجمع على الاسم، فتعلم أنه مجاز في أحدها. [العلامة] الرابعة: أن الحقيقي له تعلق بالغير، فإذا استعمل فيما لا تعلق له بمتعلق كالقدرة إذا أريد بها الصفة كان لها مقدور، وإن أريد بها المقدور كالنبات العجيب الحسن؛ إذ يقال: نظر إلى قدرة الله تعالى، أي: إلى عجائب

(التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي)

الله تعالى في عجائب مقدوراته، فلا متعلق له؛ إذ النبات لا مقدور له. وأما "يرفا" [32]. فالرواية ترك الهمز، وذكر ابن دريد أنه مهموز. (التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي) قوله: "ليدرأه" [33]. أي: يدفعه، درأته: دفعته، وداريته: لا ينته، وأصله الهمز، ودريته- بغير همز: ختلته، وخدعته. وقوله: "فليقاتله" أي: فليدافعه، وليمانعه، وأحسبه كلاماً خرج على التغليظ. أبو الوليد: يحتمل أن يريد به فليلعنه؛ فإن المقاتلة في اللغة والشرع بمعنى اللعن، قال الله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وقال [تعالى]: {قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)} قيل: لعنهم الله تعالى. ويحتمل: "فليقاتله": فليؤاخذه على ذلك بعد تمام صلاته، ويؤنبه على فعله. وقيل:

(الرخصة في المرور بين يدي المصلي)

فليدفعه دفعاً أشد- من الدرء- منكراً عليه، ومغلظاً له، و [قد] يسمى ذلك مقاتلة على سبيل المبالغة. وقوله: "فإنما هو شيطان" لما أراد أنه يفعل فعل الشيطان في الشغل عن الصلاة، والقطع عن العبادة، جعل له مثلاً؛ إذ ليس الشيطان آدمياً، ولا الآدمي شيطاناً، فكان تقدير الكلام: فإنما هو شيطان شغلاً عن الصلاة، وقطعاً؛ كما يقال: زيد البدر، وعمرو الأسد، إفراطاً. قوله: "فإنما هو شيطان"؛ أي: قد بعد في فعله عن الخير، من قول العرب: نوى شطون أي: بعيدة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه رأى رجلاً يتبع حمامة/ 18/أ، فقال: شيطان يتبع شيطانة" لأنه كان نهى عن اللعب بالحمام وتطييرها. (الرخصة في المرور بين يدي المصلي) الرخصة- في الشرع- بمعنى الإباحة للضرورة، أو للحاجة، وتقدم طرف من هذا. وقد تستعمل في إباحة نوع من جنس ممنوع، والترجمة تحتمل معنيين؛ أحدهما: أن تكون الألف واللام لاستغراق جنس المصلي، وتكون الرخصة تناولت بعض أحواله، وهو أن يكون مأموماً. وتحتمل أن تكون الألف واللام للعهد؛ فتكون الإباحة تناولت مصلياً معهوداً تقدم ذكره وهو المأموم.

و"الأتان" [38]: اسم يقع على الأنثى من الحمير، دون الذكر، ويقال: للذكر: العير، والمسحل، ومن قال للأنثى أتانة فقد أخطأ. قوله: "وأنا يومئذ". العرب تستعمل اليوم، وهم لا يريدون به يوماً واحداً، معناه: وأنا في تلك المرة، ومثله قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وإن كان كلام ابن عمر فيه ظاهره خلافه. ومعنى "ناهزت": قاربت، وأصلها أن يتقارب الشيئان، حتى يناطح كل واحد منهما الآخر، وصبي ناهز: قارب الفطام. ومنه، قيل: نهزة؛ في الشيء إذا أمكن أخذه. وقوله: "ترتع" أي: تسرح، يقال: رتعت الماشية ترتع رتوعاً: سرحت في المرعى، و"ترتع" في موضع نصب على الحال، وتسمى حالاً مقدرة؛ لأنه لا يرسلها في حال رتوعها، إنما أرسلها قبله، ونحوه قوله تعالى: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً}. ويجوز أن يريد "لترتع" أو كي ترتع،

(مسح الحصباء في الصلاة)

فلما حذف الناصب رفع، مثل قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}. (مسح الحصباء في الصلاة) قال بعض اللغويين: "هوى" [42] من فوق إلى أسفل. و"أهوى": من أسفل إلى فوق، واحتج بقوله تعالى: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)}. وهو غلط؛ لأن معنى: "أهوى" في الآية أسقط وأهلك، فهو منقول من قولك: هوى الشيء وأهويته، كما يقال: هلك وأهلكته. والصحيح: أنه يقال: هوى وأهوى بمعنى، أي: مال، يقال: هويت إليه بالسيف، وأهويت، ويروى بيت زهير على الوجهين:

(وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة)

أهوى لها أسفع الخدين مطرد ... ريش القوائم لم تنصب له الشرك و"النعم" [43]. الإبل خاصة، وقيل: الإبل والغنم، والمراد به- ههنا-: الإبل خاصة، و"حمرها"- عند العرب- أفضلها وأرفعها، أي: لو كانت له حمر النعم فتصدق بها، لكان إقباله على صلاته وخشوعه أفضل، ذهب إلى معنى هذا التفسير أبو عبيد، وقال غيره: معناه: أن إقباله على صلاته وخشوعه، وإ، قل عمله أفضل مقتني وأجل استفادة من حمر النعم. (وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة) قوله: "إذا لم تستحي فافعل ما شئت" [46]. يقتضي التهديد والذم على قلة الحياء، وهو أمر بمعنى الخبر، أي: من لم يكن له حياء يحجره عن محارم الله، فسواء عليه فعل الكبائر منها والصغائر، ومن هذا المعنى حديث المغيرة بن شعبة عنه عليه السلام أنه قال: "من باع الخمر فليشقص الخنازير" فليس بإباحة، لكنه تقريع وتوبيخ، ومنه قول عمر: "من استطاع إلى الحج سبيلاً، ولم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً". ومعنى: "ولم يحج" أي: ولم ير الحج واجباً، ومن ذلك حديث أبي هريرة: "من وجد سعة ولم يضح فلا يشهد مصلانا" يقول: من ترك السنة في الضحية مع السعة، فلا يرغب

في الصلاة معنا. ومنه قول الشاعر: إذا لم تخش عاقبة الليالي ... ولم تستحي فافعل ما تشاء فلا والله ما في العيش خير ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياء وقال أبو دلف العجلي: إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً ... وتستحيي مخلوقاً فما شئت فاصنع ونحو منه قوله عليه السلام: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" أي: من كذب علي تبوأ. وكما أن الأمر قد يرد بلفظ الخبر؛ من نحو قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ}، وكذلك قد يرد الخبر بلفظ الأمر: في نحو

قولهم: أحسن، يريد: في التعجب. وقد قيل معنى حديث الباب: افعل ما شئت مما لا تستحي من فعله، أي: ما حل لك، وأبيح فافعله،/ 18/ب ولا تستحي منه. قال أبو عبيد: ذهب إليه جرير بن عبد الحميد، وهو معنى صحيح. ومعناه: أن يريد الرجل أن يعمل الخير، فيدعه حياء من الناس، كأنه يخاف، مذهب الرياء. وقال: وهو شبيه بالحديث الآخر: "إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي، فقال: إنك ترائي، فزدها طولاً" وقال أبو عمر- في هذا القول الثاني-: إنه تأويل ضعيف، قال: والأول أولى عند العلماء بالسنة، واللسان العربي. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: مال إليه أبو عمر؛ لظهوره عند أكثر الناس، وإلا فالثاني تأويل حسن متوجه.

(القنوت في الصبح)

وقوله: "والاستيناء بالسحور" يعني تأخيره إلى آخر الوقت الذي يحمد فيه الأكل. وقوله: "لا أعلم إلا أنه ينمى" [47] أي: يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: نميت الحديث؛ إذا حدثت به على جهة الخير والصلاح ونميته- بالتشديد- إذا حدثت به على جهة الشر والفساد. (القنوت في الصبح) تقدم شرح القنوت، وذكر ابن الأنباري: أن القنوت على أربعة أقسام: [القنوت] الطاعة، قال الله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}. و [القنوت] القيام: روي عنه عليه السلام: "أنه سئل: أي الصلاة أفضل؟ فقال: طول القنوت ... ". والقنوت: السكوت، قال تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)}. والقنوت: الأخذ في الدعاء. زاد غيره وجهاً خامساً؛ أن القنوت:

(النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته)

الصلاة؛ قال: ومنه قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً} أي: مصل، وهذي ترجع إلى ما تقدم؛ لأنه سمى الصلاة قنوتاً؛ لما فيها من القيام؛ ومنه قوله عليه السلام: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم". (النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته) قوله: "فذهب لحاجته" [49]. استعمال هذه اللفظة على هذه الصفة يراد به: ما يحتاج الإنسان إليه من الغائط والبول، وإن كان لفظ الحاجة واقعاً على كل ما يحتاج إليه، إلا أن عرف اللغة جرى باستعماله على هذا الوجه فيما ذكرنا، ويدل على ما كانت العرب عليه في مخاطباتها من البعد عن الفحش، والبذاءة، وسفه القول. ولهذا قالوا لموضع حاجة الإنسان: الخلاء، والمذهب، والغائط، والمخرج، والكنيف، والحش، والمرحاض، والمرفق، فراراً عن التصريح باسمه. وقوله: "وهو ضام بين وركيه" [50]. أي: يبلغ به الحقن أن يضم وركيه من شدته. وقوله عليه السلام: "إذا أراد أحدكم" أي: احتاج، فأتى بلفظ الإرادة مكان الحاجة.

(انتظار الصلاة والمشي إليها)

(انتظار الصلاة والمشي إليها) معنى: "الملائكة تصلي على أحدكم" [51]. يريد: تدعو له، وتترحم عليه، وبين في الحديث معناه: "اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" وللصلاة في كلام العرب وجوه، تقدم بعضها صدر الكتاب. وقال ابن الأنباري: الصلاة في كلام العرب على ثلاثة أقسام: الصلاة [تكون] المعروفة التي فيها الركوع والسجود، كما قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}. ومنه قول الأعشى: يراوح من صلوات المليـ ... ـك طوراً سجوداً وطوراً حؤارا الحؤار- ههنا-: الرجوع إلى القيام والقعود، ومنه قولهم: البكرة تدور على المحور، ومنه: "نعوذ بالله من الحور بعد الكور".

و"الصلاة": الترحم من الله تعالى، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}. وقال كعب بن مالك: صلى الإله عليهم من فتية ... وسقى عظامهم الغمام المسبل وقال آخر: صلى على يحيى وأشياعه ... رب كريم وشفيع مطاع ومنه الحديث: "اللهم صل على آل أبي أوفى" والصلاة: الدعاء؛ ومنه الصلاة على الميت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليصل" أي: فليدع. وقوله: "إسباغ الوضوء على المكاره" [55] الإسباغ: الإكمال

(الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة في الصلاة)

والإتمام، ومنه؛ قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} أي: أتمها وأكملها/ 19/أ. و"إسباغ الوضوء": أن تأتي بالماء على كل عضو يلزمك غسله مع إمرار اليد؛ فإذا كملته فقد توضأت مرة. و"المكاره" قيل: إنه شدة البرد، وكل حال يكره الإنسان فيها نفسه على الوضوء؛ من شدة برد، وألم جسم، وقلة ماء، وحاجة إلى النوم، وعجلة تحفز إلى أمر مهم، فهي من المكاره، ومنه: دفع تكسيل الشيطان له عنه. و"الرباط"- ههنا-: ملازمة المسجد لانتظار الصلاة، وهو معروف لغة، وفي "العين": الرباط: ملازمة الثغور، والرباط: ملازمة الصلاة. (الالتفات والتصفيق في الصلاة عند الحاجة في الصلاة) "التصفيق": ضرب الكف على الكف. و"صفحته" ما انبسط منه، ومنه: المصافحة: ضرب الكف على الكف عند اللقاء، فكأنه لما التقيا الصفحان قيل: مصافحة، ومن الناس من أجازه، ومنهم من كرهه، والصحيح: إجازته. و"التصفيق"- أيضاً-: ضرب اليد على اليد، ومنه: صفقة البيع؛ لعملهم ذلك عند تمامه، ومنه: إنما التصفيق للنساء، ومنه: أعطاه صفقة يده أي: عهده، ومنه قوله: "الشهر كذا، وصفق بيديه مرتين".

(ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم)

والألف واللام في قوله: "في الصف" للعهد. يريد الصف الأول. (ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) [تأتي] الصلاة في كلام العرب لمعان كما تقدم. والصلاة التي أمر بها- ههنا-: هي الدعاء. إنما سألوه صلى الله عليه وسلم عن صفة الصلاة، ولم يسألوه عن جنس الصلاة عليه؛ لأنهم لا يؤمرون بالرحمة، وإنما يؤمرون بالدعاء، والدعاء بألفاظ كثيرة، فسألوه: هل لذلك صفة تختص به؟ فأعلمهم بالصفة المشروعة المخصوصة به؛ أن يدعو الله تعالى أن يصلي عليه. وقيل: في قوله عليه السلام: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" صلاة الله، وملائكته عليه مما تضمنته الآية. والأظهر أنها الصلاة المعهودة. فإن قيل: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}: الصلاة من الله مغفرة، ومن الملائكة استغفار، وهما معنيان مختلفان والاسم مشترك، وقد ذكر مرة واحدة، وأريد به المعنيان جميعاً؟ وكذلك قوله: {أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} وسجود الناس غير سجود الشجر، والدواب، بل هو في السجود مجاز؟. قلنا: اللفظ المشترك لا يمكن دعوى الاشتراك فيه؛ لأنه لم يوضع

للجمع، مثل القرء: للطهر والحيض، والجارية: للسفينة والأمة، والمشتري: للكوكب، وقابل البيع، والعرب ما وضعت هذه الألفاظ، لتستعمل في مسمياتها إلا على سبيل البدل، أما على سبيل الجمع فلا، نعم نسبة المشترك إلى مسمياته متشابه، لكن تشابه نسبة كل واحد من آحاده، وتشابه نسبة كل واحد من آحاد العموم على الجمع، وتشابه نسبة المفهوم في السكوت عن الجميع، لا في الدلالة، وتشابه نسبة الفعل في أماكن وقوعه على كل وجه، والوهم سابق إلى التسوية بين المتشابهات، وهو غفلة عن تفصيل التشابه. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: ونرجع إلى الانفصال عن الآية، ونقول: نتسلق إلى فتح هذا الباب في معنيين يتعلق أحدهما بالآخر؛ فإن طلب المغفرة يتعلق بالمغفرة، لكن الأظهر عندنا أن هذا إنما أطلق على المعنيين بإزاء معنى واحد مشترك بين المعنيين؛ وهو العناية بأمر النبي [صلى الله عليه وسلم]، لشرفه، وخدمته. والعناية من الله: المغفرة، ومن الملائكة: استغفار ودعاء؛ ومن الأمة: دعاء وصلوات، وكذلك العذر عن السجود. وقوله: "اللهم صل على محمد، وأزواجه، وذريته" [66]. الأزواج معروفات. والذرية: من كانت للنبي عليه السلام، ولادة من ولده، وولد ولده، ممن تبعه وأطاعه. وأصل الذرية: النسل، مأخوذ من ذرأهم الله؛ أي: خلقهم قال ابن دريد: ذر الله الخلق: ذرأهم، كان أصله الهمز، فتركت

العرب همزه، /19/ب وكذلك الذرية. وقال الزبيدي: أصله: النشر، من ذر، قال غيره: أصله من الذر، فعلية منه؛ لأن الله تعالى خلقهم أولاً أمثال الذر، فلا أصل له في الهمز. و"الآل" يقع على ذات الشيء، كما قيل: "مزامير آل داود" يريد: مزامير داود. فإن كان يبعد هنا، تأويله في آل محمد للتكرار، ويقع على ما يضاف إليه. وقيل: الوجه في آل محمد: أنهم أمته. وقيل: هو نفسه في حديث الصلاة عليه. وقيل: آله: قرابته. وقيل: إنه هو المراد في تحريم الصدقة عليه وعليهم، وهم قرابته الأدنون إليه، أو عشيرته، أو بنو هاشم فحسب، أو بنو هاشم وبنو المطلب فحسب؛ على ما وقع في ذلك من الخلاف بين الفقهاء. ومنه الحديث: "من آل محمد؟ قال: عباس، وعقيل، وجعفر، وعلي" ويكون الآل: أتباع الرجل على ما هو عليه. فيحتمل أن يريد: أتباعه من ذريته، ويحتمل أن يريد أتباعه من كل من اتبعه. وإلى هذا ذهب مالك، واحتج بقوله تعالى:

{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} والأظهر أن "الآل" الأتباع من الرهط والعشيرة. وقوله: "وبارك على محمد" البركة- في كلام العرب-: النماء والزيادة، والتكثير من الله تعالى للخير، فيحتمل أن يريد به تكثير الثواب لهم، ورفع درجاتهم قال: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} ويحتمل أن يريد به تكثير عددهم، مع توفيقهم، وقد قال ابن الأنباري: إن معنى تبارك اسمه: تقدس؛ أي: تطهر. فعلى هذا يحتمل أن يكون معنى: "بارك عليهم" طهرهم، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: ويقال- أيضاً-: في قوله: "تبارك اسمه" إنه من البقاء والدوام، وقيل: من الجلال والعظمة، ونفى المحققون أن يتأول في وصفه معنى الزيادة؛ لأنه ينبئ عن النقصان. وقيل: باسمه وذكره تنال الزيادة والبركة. وقوله: "فيصلي على النبي، وعلى أبي بكر وعمر" [68]. معناه: عند من خصص الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر. كما رواه بعضهم، ولكنه ألحق الثاني بالأول لفظاً، كما قال الشاعر:

(العمل في جامع الصلاة)

علفتها تبناً وماء بارداً وكما قال الآخر: ورأيت زوجك في الوغى ... متقلداً سيفاً ورمحاً (العمل في جامع الصلاة) تقدم الكلام في "قباء"، أول الكتاب. وهي على ثلاثة أميال من المدينة؛ وأصله: اسم بئر هنالك، وألفه واو، وتقدم أنه يمد، ويقصر، ويصرف، ولا يصرف، وأنكر البكري القصر فيه، ولم يحك فيه أبو علي:

سوى المد، وقال الخليل: هو مقصور، قال: وهو قرية بالمدينة، ويدل على أنه ممدود، قول ابن الزبعرى: حين ألقت بقباء بركها ... واستحر القتل في عبد الأشل وقول أبي قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة: ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... فباء وهل زال العقيق وحاضره وقوله: "وأسوأ السرقة" [72] بفتح الراء جمع: سارق، ككافر وكفرة، وظالم وظلمة. وتقديره: وأسوأ السرقة فعلاً. ومن رواه: بكسر الراء، وهي روايتنا في "الموطأ"؛ فعلى تقدي رمضاف محذوف، كأنه قال: وأسوأ السرقة الذي؛ فيكون نحواً من قوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} أراد: حج أشهر،

(باب من ذكر صلاة في صلاة)

أو أشهر الحج أشهر، وقوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}. وقوله: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم" [73]. من قال: إنه أراد الفريضة، فـ "من" للتبعيض. ومن قال: إنه أراد: النوافل، جاز أن تكون زائدة، وجاز أن تكون للتبعيض. أومأ وأومى، وومأ وومى: ثلاثياً ورباعياً، ومهموزاً، وغير مهموز. وقد حكي: أوبأ- بالباء-. وقال بعضهم: أومأ- بالميم-: إذا أشار إلى قدام، وأوبأ؛ إذا أشار إلى خلف. قال الفرزدق: ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أوبأنا إلى الناس وقفوا (باب من ذكر صلاة في صلاة) "عطن الإبل" [79]. موضع بروكها عند سقيها؛ لتعاد إلى الشرب؛

(جامع الصلاة)

لأن لها في سقيها شربتين، ترد الماء فيهما مرتين، فموضع بروكها بين الشربتين هو عطنها، وقد يكون العطن عند غير الماء، والجمع: أعطان. وعطنت/ 20/أالإبل تعطن عطوناً، وأعطنتها: إذا حبستها عن الماء، والمعطن مثله. وفي حديث الاستسقاء: "حتى ضرب الناس بعطن" أي: رووا، وأرووا إبلهم، وأبركوها، وضربوا لها عطناً. أبو عمر: موضع بروكها: عطنها، لا موضع مبيتها، وموضع مبيتها: هو مراحها، كما أن مراح الغنم: هو موضع مقيلها وموضع مبيتها. قال غيره: مراح الغنم: موضع مبيتها، وقيل: مسيرها إلى البيت. (جامع الصلاة) قوله: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار". كذا رواه المحدثون، وهي لغة لبعض العرب، يلحقون الفعل علامة التثنية والجمع، إذا تقدم على الفاعل، كما يلحقونه علامة التأنيث، واللغة الفصيحة: الإفراد، وقد تأول بعض العلماء قوله [تعالى]: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} على هذه اللغة؛ وأنشدوا: يلومونني في اشتراء النخـ ... ـيل أهلي وكلهم يعذل

والتعاقب والمعاقبة: المداولة، وإنما يكون التعاقب بين طائفتين، أو بين رجلين، مرة هذا ومرة هذا، ومنه قولهم: الأمير يعقب الجيوش والبعوث، أي: يرسل هؤلاء وقتاً، شهراً أو شهوراً، وهؤلاء مثل ذلك بعدهم، ليرد هؤلاء، فهذا هو التعاقب. ومعنى: "يعرج الذين باتوا فيكم" [82]، أي: يصعدون. وكل من صعد شيئاً فقد عرج؛ ولذلك قيل للدرج: المعارج؛ و [قوله تعالى] {ذِي الْمَعَارِجِ (3)}: معارج الملائكة. وقيل: ذي الفواضل العالية. والمعراج: الدرج. وقيل: سلم تعرج فيه الأرواح. وقيل: هو أحسن شيء لا تتمالك النفوس إذا رأته أن تخرج. وقوله: "إنكن لأنتن صواحب يوسف" يحتمل أن يريد به امرأة العزيز، فأتى بلفظ الجمع، على معنى الجنس، كما يقال: فلان يميل إلى النساء، ولعله إنما يميل إلى امرأة واحدة منهن. ويحتمل أن يريد اللائي {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً}. وقوله: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس". هذا كلام أكثر ما تستعمله العرب بالتثنية، فيقولون: فلان بين ظهري القوم؛ وبين

ظهرانيهم، بنون مفتوحة، وإنما خصصوا الظهر دون البطن؛ لأن الظهر المعونة، يقال: فلان يأوي إلى ظهر، أي: إلى أعوان وأنصار، وثنوه؛ لأن المعونة تكون بالنفوس والأموال. وقال الأصمعي وغيره: يقال: بين ظهريهم وظهرانيهم، ومعناه: بينهم وبين أظهرهم. قال غيره: العرب تضع الاثنين موضع الجملة. و"الوثن" [85]: الصنم، وجمعه: أوثان، ووثن، كما يقال في جمع الأسد: آساد، وأسد، وتهمز الواو أيضاً؛ لانضمامها فيقال: أثن، وقرأ القراء: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً}. وقوله: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقياً في المسجد" [87]. كذا رواه المحدثون، وأنكره بعض الناس؛ لأنه إنما يقال: "اسنلقى" بالنون؛ إذا رقد

على قفاه، ولا يقال: استلقى، فمن قاله فإنما وجهه: أن يكون بمعنى: ألقى، ومجيء استفعل بمعنى أفعل قليل لم يوجد إلا في ألفاظ نادرة، منها: قوله- عز وجل-: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} أي: أوقد، وكقول كعب الغنوي: وداع دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقوله: "إنك في زمان كثير" [88]. في الخفض في جميعها؛ على الوصف للزمان، وبالرفع على الابتداء. و"سيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه" بالرفع. وقوله: "يبدون أعمالهم قبل أهوائهم" كذا الرواية في الموضعين بغير همز؛ والقياس "يبدؤن" بالهمز، ولكنه سهلن ونقلت ضمة الهمزة إلى

ما قبلها، وجاء على لغة من يبدل الهمزة ياء مخففة، كقوله في قرأت: قريت، وفي أخطأت: أخطيت، وأكثر ما يجيء في الشعر، كقول زهير: جري متى يظلم يعاقب/ 20/ب بظلمه ... سريعاً، وإن لا يبد بالظلم يظلم والقياس: يبدأ- بالهمز-. وقوله: "كمثل نهر عذب غمر" [91]. الغمر: الماء الكثير الذي يغمر من دخل فيه، أي: يغطيه. و"الدرن": الوسخ، والرواية: "يبقي" بالباء، أي: يترك، وتروى بإسكان الباء وبفتحها، وتشديد القاف. و"اللغط" و"اللغط" بإسكان الغين وفتحها؛ الكلام المختلط، يقال: لغط القوم لغطاً، ولغيطاً، وألغطوا، ومن كلام العرب: "الغلط تحت اللغط".

(جامع الترغيب في الصلاة)

(جامع الترغيب في الصلاة) قوله: "ثائر الرأس" [94] أي: قائم الشعر غير مترجل، يقال: ثار شعره. قوله: "فإذا هو يسأل عن الإسلام" أي: عن فرائض الإسلام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ودليله قوله في الجواب: "خمس صلوات" وليس هذا جواب من قال: "ما الإسلام؟ " وإنما هو جواب من قال: ما فرائض الإسلام؟. ويروى: "إلا أن تطوع"- بتخفيف الطاء، وتشديدها-، والأصل: "تتطوع" فمن خفف الطاء حذف أحد التاءين، ومن شددها أدغم فيها كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} أصله: المتطوعين. وقوله: "أفلح" أي: فاز بالبقاء الدائم في الخير والنعيم وهي الجنة والفلاح، وفي كلام العرب: البقاء، ومنه: "حي على الفلاح" قال الأضبط بن قريع:

والصبح والمسي لا فلاح معه أي: لا بقاء معه، وقال آخر: لو كان حي مدرك الفلاح أدركه ملاعب الرماح وقال لبيد: ولقد أفلح من كان عقل وقوله: "إن صدق". استعمله صلى الله عليه وسلم في الخبر عن المستقبل، وقد قال ابن قتيبة: إن الكذب في مخالفة الخبر عن الماضي، والخلف في مخالفته في

المستقبل، ويجب عليه أن يكون الصدق في الخبر عن الماضي، والوفاء في الخبر عن المستقبل، وهذا الحديث دليل على خلاف قوله. وقوله: "يعقد الشيطان على قافية [رأس] أحدكم" [95]. فالقافية: مؤخر الرأس، وهو القذال؛ لأنها تقفو الإنسان، أي: تتبعه، وقافية كل شيء: آخره، ومنه قيل في أسمائه عليه السلام: "المقفى"؛ لأنه آخر الأنبياء، ومنه قوافي الشعر؛ لأنها آخر البيت. أما "عقد الشيطان" فلا يوصل إلى كيفيته، والظن به أنه مجاز، كناية عن حبس الشيطان، وتثبيطه للإنسان عن قيام الليل. والعرب تسمي الحبس عن الأمور والالتواء تعقيداً، ومنه: عقد الساحر؛ إنما هو تحيير المسحور وصرفه عما كان يفعله، ومنه تعقيد الأيمان؛ إنما هو تأكيدها حتى لا يجد الحالف منها مخرجاً، قال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ}. وخص الثلاث؛ لأنه يحبسه عن ذكر الله تعالى، وعن الوضوء، وعن الصلاة. وتستعمل الثلاث كثيراً في تأكيد الشيء وإثباته، وخص مؤخر الرأس، لأنه موضع الذكر، ومن فساده يكون النسيان؛ لأن الدماغ- فيما ذكره المتقدمون- ثلاثة أقسام: المقدمة: مكان القوة المتخيلة، وأوسطه: مكان الفكرة، وآخره: مكان الذاكرة.

[كتاب العيدين]

[كتاب العيدين] (العمل في غسل العيدين) "العيد": اسم الفعل، من عاد يعود عوداً [1] سمي به تفاؤلاً؛ لأن يعود، كما سميت القافلة في ابتداء خروجها إلى السفر بذلك، تفاؤلاً بعودتها. (الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين) قول عمر: "يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم" [5] كلام فيه حذف، تقديره: أحدهما يوم فطركم، فحذف؛ لأن قوله: "والآخر" دل عليه؛ لأن الآخر لا يستعمل إلا بعد أول يتقدم ذكره؛ ونظيره قول عبيد: جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه تقديره: عودين، عوداً من نشم، وآخر من ثمامة؛ لأنك إن عطفت "آخر" على عودين كانت ثلاثة، وقال أصحاب المعاني: إنما هي عودان.

وقوله: "يوم تأكلون فيه" الصواب: "يوم" بالتنوين، وكذا رويناه. وقوله: "تأكلون فيه" في موضع الصفة لليوم، كما أن/ 21/أالجملة المذكورة بعد اليوم من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} في موضع الصفة لـ "يوماً". ومن روى: "يوم تأكلون" بلا تنوين فقد أخطأ؛ لأن "اليوم" يكون مضافاً إلى الجملة، ولا يجوز في هذا الموضع؛ لأن في الجملة ضميراً يعود إلى اليوم، فإذا أضافه إلى ما فيه ضميره، كان بمنزلة: مررت برجل حسن وجهه، فأضاف الشيء إلى نفسه. و"العالية": هي العوالي، وهي منازل حوالي المدينة. قال مالك: بين أبعد العوالي وبين المدينة ثلاثة أميال، سميت العوالي؛ لإشراف مواضعها.

[كتاب صلاة الخوف]

[كتاب صلاة الخوف] (صلاة الخوف) كانت غزوة ذات الرقاع في السنة الخامسة من الهجرة. و"ذات الرقاع" [1] جبل فيه ألوان مختلفة، حمر وسود وبيض؛ فلذلك سميت "ذات الرقاع" [وقيل:] للرايات المختلفة الألوان. وقيل: سميت بذلك؛ لأن قوماً كثيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشوا حتى تفطرت أقدامهم بالدم، وكانوا يشدون عليها الخرق. وقيل: "ذات الرقاع": شجرة نزلوا تحتها. وقوله: "وصفت طائفة وجاه العدو". أي: اصطفت؛ وهذا الفعل أحد الأفعال التي جاءت بلفظ واحد، قبل النقل وبعده؛ لأنه يقال: صف القوم؛ إذا صاروا صفاً، وصففتهم أنا أصفهم، ولم يقولوا: أصففتهم، و"وجاه العدو": المكان المقابل لوجوههم.

يقال: جلست وجاهه- بالواو-، وتجاهة- بالتاء- ومواجهته، والمواجهة: مصدر أجري مجرى الظروف، وأما الوجاه والتجاة فظرفان صحيحان. وقوله: "صلوا رجالاً" [3] أي: رجالة، واحدهم: رجل- بفتح الراء، وكسر الجيم- وقالوا- أيضاً-: رجل- بكسر الراء والجيم-، وقرئ بهما في قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} وقالوا- أيضاً- للذي يمشي على قدميه: رجل، بلفظ الرجل الذي يراد به الإنسان، وبه فسر قول الهذلي: أقول لما أتاني ثم مصرعه ... لا يبعد الرمح ذو النصلين والرجل

[كتاب صلاة الكسوف]

[كتاب صلاة الكسوف] (العمل في صلاة الكسوف) الخسوف والكسوف سواء، يكونان في الشمس والقمر جميعاً، ولا وجه لقول من فرق بينهما. وروي ذلك عن جماعة من السلف وأهل اللغة، منهم عروة بن الزبير، قالوا: الخسوف في الشمس، والكسوف في القمر. وقد سوى مالك [رحمه الله] بينهما في هذا الباب؛ لأنه ذكر في الترجمة الكسوف، وخرج الحديث الذي أورده فيه بالخاء، لكن الاشتقاق يوجب أن يكون الخسوف أشد من الكسوف؛ لأن الخسوف: الغؤور، وأصل الكسوف: التغير، وتصريف الفعل منهما بالفتح في الماضي، والكسر في المستقبل، وهما من الأفعال التي إذا نقلت عن فاعلها لم تدخل عليها أداة النقل، كما تدخل الأفعال في نحو قولك: دخل وأدخلته، لكنك تقول: كسفت الشمس،

وكسفها الله، وخسفت الشمس، وخسفها الله، ولهذا جاز في الحديث هنا: "لا يخسفان" و"لا يخسفان" [1] بفتح الياء وكسر السين، وبضم الياء وفتح السين، ولهذا قالوا: شمس كاسفة، ومكسوفة، وخاسفة، ومخسوفة، قال جرير: والشمس كاسفة ليست بطالعة وقوله: "ما من أحد أغير من الله" يجوز في "أغير" الرفع والنصب، فإن جعلت "ما" تميمية رفعت، وإن جعلتها حجازية نصبت، و"من" زائدة مؤكدة في الوجهين، ويجوز إذا فتحت الراء من "أغير" [أن] تكون في موضع خفض على الصفة لـ "أحد" على اللفظ، وكذلك يجوز إذا رفعت أن تكون صفة لـ "أحد" على الموضع، والخبر محذوف في الوجهين تقديره: ما من أحد أغير من الله موجوداً. وقوله: "تكعكعت" [2]. أي: تأخرت، يقال: كع الرجل،

وتكعكع، وكاع: إذا ارتدع عن الشيء وجبن عنه، وأنكر الأصمعي: كاع. وقوله: "فلم أر كاليوم منظراً" كلام تستعمله العرب، يقولون: ما رأيت كاليوم رجلاً قط، والرجل والمنظر لا يصح أن يشبها باليوم. وتلخيص معناه: ما رأيت كرجل [أراه] اليوم رجلاً، وكذلك: فلم أر كمنظر اليوم منظراً، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل/ 21/ب والمنظر إلى اليوم؛ لوقوعهما فيه، كماي ضاف الشيء إلى ما يتصل به. وفي المنظر وجهان: يحتمل [أن يريد] الشيء المنظور إليه، فيكون من المصادر التي توضع موضع المفعولات، كقولهم: درهم ضرب الأمير [يريد المكان]. ويحتمل أن [يريد المكان] المنظور [إليه]. وقوله: "فرأيت أكثر أهلها النساء" هذا مما يحتج به من يرى الرؤية هنا رؤية علم؛ لأنه عداها إلى مفعولين، ورؤية لاعين إنما تتعدى إلى واحد، والذي عليه أهل السنة أنها رؤية عين. ويصح ذلك على وجهين: أحدهما: أن تكون الرؤية- هنا- بمعنى الظن والحسبان، لا بمعنى العلم؛ لأن رؤية القلب تنقسم ثلاثة أقسام: تكون بمعنى العلم، وتكون بمعنى

الظن والحسبان، فتتعدى في هذين الوجهين إلى مفعولين؛ وتكون بمعنى الاعتقاد، فتتعدى إلى واحد، وشاهده قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6)} أي: يظنونه بعيداً، ونعلمه قريباً. والرؤية بمعنى الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رأي مالك وأبي حنيفة، والظن لائق بهذا الحديث جداً. والثاني: أن تكون رؤية عين، وتجعل "النساء" بدلاً من "أكثر"؛ فيكون كقولك: رأيت أخاك زيداً، وأنت تريد: رؤية العين، إلا أن قولك: رأيت أخاك لا يتم الكلام إذا كان للمخاطب أخوان، حتى تقول: زيداً أو عمراً ونحوه، والبدل يحتاج إلى المبدل منه، كاحتياج المفعول الأول إلى الثاني مما يتعدى إلى مفعولين. وأما رواية يحيى: "ويكفرن العشير"- بالواو-. فإنه أثبت لهن الكفر بالله، وبالعشير معاً؛ لأنه كلام حذف منه المعطوف عليه اختصاراً. وتقديره: يكفرن بالله، ويكفرن بالعشير، والعرب تفعل ذلك، فيقول القائل منهم لصاحبه: مرحباً، ويقول الآخر: وبك أهلاً، يريدون: وبك مرحباً وأهلاً.

هذا ما يقتضيه اللسان، وتأويله في الكتاب "الكبير" ورواية غير يحيى ضد رواية يحيى؛ لأنه لم يثبت لهن الكفر إلا بالعشير. والعشير- هنا-: الزوج، وكل من يعاشرك فهو عشير، قال تعالى: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}، وقال الشاعر: وتلك التي لم يشكها في خليفة ... عشير وهل يشكو الكريم عشير وقال آخر: سلا هل قلاني من عشير صحبته ... وهل ذم رجلي في الرفاق دخيل وقال مجاهد: العشير في الآية: الوثن، يريد: أنه يقوم لهم مقام العشير. وقال صاحب "العين": يقال: هذا عشيرك وشعيرك على القلب. ويحتمل أني كون بمعنى معاشر ومعاشر؛ لأن المعاشرة لا تصح إلا من اثنين، وكذلك كل فعل كان بمعنى مفاعل، كجليس وأكيل وشريب؛ ومنه

(ما جاء في صلاة الكسوف)

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)} أي: محاسبا. وقوله عليه السلام: "عائذاً بالله من ذلك". في نصبه ثلاثة أوجه: أحدها: على الحال المؤكدة النائبة مناب المصدر السادة مسده، والعامل فيه محذوف، كأنه قال: أعوذ بالله عائذاً، ولم يذكر الفعل؛ لأن الحال نائبة عنه. والثاني: يكون مصدراً جاء على مثال فاعل، كقولهم: عوفي عافية: والأول: مذهب سيبويه. والثاني: مذهب المبرد. والثالث- وهو رأي [بعض] الكوفيين: انتصب لوقوعه موقع الفعل المضارع؛ وزعم [هؤلاء]: أن وقوع اسم الفاعل موقع الفعل المضارع يوجب له النصب؛ كما أن وقوع المضارع موقع اسم الفاعل يوجب له الرفع. وذكر سيبويه- أن من العرب-: من يرفع، فيقول: "عائذ بالله": على أن خبر المبتدأ مضمر، أي: أنا عائذ بالله. والنصب أكثر في كلام العرب، وكذلك وقعت الرواية في "الموطأ". (ما جاء في صلاة الكسوف) قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: قوله: "فقلت: آية" [4]. روايتنا:

بالرفع، على خبر ابتداء مضمر، ولو نصب لجاز، على معنى: أرى آية. وقولها: "فأشارت برأسها أن نعم". "أن" هذه هي التي تسمى: العبارة، تفسر ما قبلها، وتعبر عن المعنى الذي قصد به، كقوله تعالى: {وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا} ولا تقع "أن" هذه إلا بعد كلام معناه كمعنى الأول. وأهل الكوفة يقدرون معها حرف الجر. وقولها: "حتى تجلاني الغشي" أي: /22/أغطاني وغلبني، وأصله تجللني بثلاث لا مات، فاستثقل اجتماعهن، فأبدل من اللام الثالثة ياء، وانقلبت ألفاً؛ لتحريكها وانفتاح ما قبلها. و"الغشي"- ساكن الشين- مصدر غشي عليه، وكان قياسه أن تقول: غشو- بالواو-. وقولها: "فحمد الله وأثنى عليه" كلام مختصر، وحذف منه ما لا يتم إلا به. تقديره: حمد الله وأثنى عليه، حين فرغ من الصلاة، كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون سلام عليكم. وقولها: "مثل أو قريباً من فتنة الدجال" التقدير: مثل فتنة الدجال، أو قريباً من فتنة الدجال؛ فحذف المضاف إليه لذلك، ولم ينون "مثلاً"؛ ونحوه

قول العرب: "قطع الله يد ورجل من قاله"، أراد: يد من قاله ورجل من قاله. و"الدجال"- عند العرب-: الكذاب. يقال: دجل يدجل. و"الدجال": المموه والمحسن للباطل. و"إن" في قوله: "إن كنت لمؤمناً" عند البصريين مخففة من الشديدة، ويلزمها اللام في الخبر؛ فرقاً بينها وبين "إن" النافية. و"الفتنة" تقدمت، و"المنافق": كل من أظهر الإيمان واعتقد الكفر. و"المرتاب": الشاك، وإنما سمي الملكان: الفتانان؛ منكراً ونكيراً؛ لأن العبد ينكر ما يسألانه عنه، وينكر الملكان عليه ما يقوله؛ فنكير: فعيل بمعنى مفعل، أي: منكر، كما يقال: عذاب أليم، وداء وجيع؛ لأن كل واحد من السائل والمسئول: فاعل من جهة، ومفعول من جهة.

[كتاب الاستسقاء]

[كتاب الاستسقاء] (ما جاء في الاستسقاء) [قوله:] "اللهم اسق عبادك" [2]. موصولة الألف ومقطوعته، الأول: من سقيت، والثاني: من أسقيت. واختلف أهل اللغة فيهما: هل هما بمعنى واحد، أم بمعنيين؟ فقال- من فرق بينهما-: يقال: سقيت الرجل: إذا ناولته الماء، وسقيت الأرض: إذا أرسلت فيها الماء، فإذا قلت: أسقيت الرجل- بالألف- فمعناه: جعلت له سقياً، وهو الذي يسقى به، وأسقيته- أيضاً-: دعوت له بالسقيا، وهو كثير في الشعر، وحكى بعضهم: سقى، وأسقى بمعنى واحد.

وقوله: "وبهيمتك" اسم مفرد يراد به النوع كله، قال تعالى: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا}، و [قال تعالى]: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}. وقوله: "وأحيي بلدك الميت" يجوز بتشديد الياء، وتخفيفها، قال الله تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}. "وتقطعت السبل ... وانقطعت". وبالنون أكثر استعمالاً في هذا الموضع، أي: ضعفت الإبل؛ لقلة الكلأ عن أن يسافر بها، ويحتمل أن يريد: أنها لا تجد من الكلأ ما تبلغ به في أسفارها. وقوله عليه السلام: "اللهم ظهور الجبال" منصوب بفعل مضمر دل عليه فحوى الكلام، كأنه قال: اخصص به ظهور الجبال، وأمطر ظهور الجبال، كما يقول المؤذن: "الصلاة رحمكم الله" أي: عليكم الصلاة، وإنما يضمر فيه فعل يدل عليه الحال المشاهدة، وبساط الكلام، وإلا، لم يجز. و"الآكام": الكدا، واحدتها: أكمة، مثل: رقبة ورقاب، وعقبة

(الاستمطار بالنجوم)

وعقاب. وقد يجمع على آكام، مثل: آجام. و"ومنابت الشجر" حيث ترعى البهائم. "فانجابت عن المدينة انجياب الثوب" انفرجت، وهو انفعلت؛ من قولك: جبت القميص؛ إذا فتحت جيبه، وجبت الشيء؛ إذا خرقته. (الاستمطار بالنجوم) "الحديبية" [4]: موضع معروف في آخر الحل وأول الحرم. وفيه كان صلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وفيه كانت بيعة الرضوان، تحت الشجرة، وهو غير مشدد الياء، كذا قيده أبو علي القالي، والفقهاء يروونه بتشديد الياء، وقد روي عن الكسائي، وكان الأصمعي ينكره. والسماء: المطر. وهي استعارة حسنة معروفة للعرب. تقول: ما زلنا نطأ السماء، حتى أتيناكم، يعنون موقع الغيث، وسمي سماء؛ لأنه ينزل من السماء، على مذهبهم في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له، أو كان منه بسبب، قال حسان:

يعفيها الروامس والسماء وقال معود الحكماء: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا وقال أبو عبيدة: يقال في الرحمة: مطرنا بغير ألف، وفي العذاب: أمطرنا بالألف، واحتج بقوله تعالى: {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ} وأجاز غيره: أمطرنا/ 22/ب في كل شيء، واحتج بقوله تعالى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}. و"النوء" في كلام العرب واحد أنواء النجوم، وبعضهم يجعله الطالع، وأكثرهم يجعله الساقط، وقد تسمى منازل القمر كلها أنواء. وقوله: "إذا أنشأت بحرية" [5] تروى بالرفع والنصب؛ فمن رفعها

جعله فاعلاً، ومن نصبها فعلى الحال، والفاعل مضمر تقديره: إذا أنشأت السحابة بحرية، والعرب تضمر الفاعل، وإن لم يجر له ذكر، إذا كان في فحوى الكلام ما يدل عليه، فيقولون: هبت شمالاً، وهبت جنوباً، يريدون: هبت الريح، وهو في الشعر كثير، ومعنى أنشأت: ابتدأت وأقبلت، ومنه قيل: أنشأ الشاعر يقول، وقد قيل: أنشأت: ظهرت وارتفعت، ومنه قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ (24)}. أي: السفن الظاهرة في البحر كالجبال الظاهرة في الأرض، وقال صاحب "الأفعال": نشأ السحاب نشأ: ارتفع، وأنشأ السحاب يمطر: بدأ، وهو الأظهر، و"البحرية": تظهر من جهة البحر، وناحية البحر من الدينة الغرب، والشام من المدينة في ناحية الشمال. ومعنى "تشاءمت": أخذت نحو الشأم، وإذا كانت كذلك فهي أكثر لمائها؛ لأن الجنوب تسوقها، والجنوب أحد الرياح للمطر بالحجاز. وقوله: "فتلك عين غديقة" العين: مطر أيام لا يقلع، والعين- أيضاً-: ناحية القبلة. ويقال: العين: ما عن يمين قبلة العراق. (ع) و"غديقة": تصغير غدقة، فالغدقة: الكثيرة الماء، قال

تعالى: {مَاءً غَدَقاً (16)}. وقال سحنون- في كتاب "التفسير"- لابنه: معنى ذلك أنها بمنزلة ما يفور من العين. وقال ابن الأنباري: الغدق: المطر الكثير القطر. وقد يكون التصغير أريد به التعظيم، كما قال عمر في ابن مسعود: "كنيف مليء علماً"، وقيل: إن قول عمر كان لصغر قده، ولطافة جسمه. وقال غيره: "غديقة"- مفتوحة الغين، مكسورة الدال- على مثال طريقة، قال: والفقهاء يروونه: "غديقة"- بضم الغين، وفتح الدال- على لفظ التصغير، ولا يعرف ذلك اللغويون. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وقال الباجي، فيما أخبرنا به أستاذي أبو علي [عن] ابن غزلون، عنه: أهل بلدنا يروون: "غديقة" على التصغير،

وقد حدثنا به: أبو عبد الله الصوري الحافظ، وضبطه [بخطه] "غديقة" [بفتح الغين]، وقال: هكذا حدثني به عبد الغني [الحافظ]، عن حمزة [بن محمد] الكناني [الحافظ].

[كتاب القبلة]

[كتاب القبلة] (النهي عن استقبال القبلة والإنسان يريد حاجته) "الكرابيس" [1]. جمع كرباس؛ وهو المرحاض الذي له قناة قائمة، مثل: سربال وسرابيل. وقد قيل: إنها المراحيض جملة، وسمي كرباساً؛ لتطبيق بعضه فوق بعضن مشتق من قولهم: تكربس الشيء: إذا تلبد وتظاهر؛ لما يتكربس فيها ويعلوها من الأقذار، والياء زائدة، ومنه سميت الكراسة. وأما "المرحاض" فمشتق من قولهم: رحضت الشيء؛ إذا غسلته، ويقال للإناء الذي يتوضأ فيه ويغسل فيه: مرحضة و"الكنيف" من كنفت الشيء؛ إذا سترته، ومنه قيل للترس: كنيف. ويقال للكنيف: حش، وخلاء، وميضأة، ومذهب. وسمي خلاء؛ لأن الإنسان يخلو فيه لحاجته.

(الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط)

وسمي مذهباً؛ لأنه يذهب إليه عند حاجته. وسمي ميضأة؛ لأنه يتوضأ منه؛ أي: يتطهر، ويتنظف، وهو مشتق من الوضاءة، وهي النظافة. وفي تسميتهم "حشا" قولان: أحدهما: أن الحش: المخرج، والمحشة: الدبر، وفي الحديث: "محاش النساء [عليكم] حرام". فسمى به لأنه مكان تكشف فيه الأدبار. والثاني: أن الحش: البستان، وكانوا قبل أن يحدث الكنيف، يقضون حوائجهم في البساتين، فكثر حتى صار اسماً للموضع الذي يغاط فيه. ووقع في بعض النسخ: "إذا ذهب أحدكم الغائط، أو البول" [1] بالنصب دون لام، والقياس اللام. ومن نصب أراد: اللام وحذفها، وهذا نحو مما يحكى عن العرب: ذهبت الشام. و"الغائط": المكان المنخفض. وسمي الحدث غائطاً؛ لأنهم كانوا يقضون [حوائجهم] فيه. وقوله: /23/أ "فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه" [24]. دليل على أن القبل يسمى فرجاً، وأن الدبر يسمى فرجاً. (الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط) "اللبنة"- بفتح اللام، وكسر الباء: الطوبة، والآجر. وكل شيء

(النهي عن البصاق في القبلة)

ربعته من حجر ونحوه فقد لبنته، والجمع: لبن كذلك، ويقال: لبنة بكسر اللام وتسكين الباء، وجمعها: لبن ولبن، كما يقال في جمع سدرة: سدر وسدر. (النهي عن البصاق في القبلة) يقال: بصاق، وبساق، وبزاق [4، 5]- بالصاد، والسين، والزاي-. وقد بصق، وبسق، وبزق، فأما بسقت النخلة إذا ارتفعت فلم يحك فيها أحد لغة غير السين، على أنهم قد قالوا: كل سين وقع بعدها حرف من حروف الاستعلاء جاز أن تنقلب صاداً. و"النخامة" و"النخاعة" بالعين غير معجمة سواء، وقيل: النخاعة- بالعين- من الفم، وبالميم من الأنف، و"المخاط": ما يخرج من الأنف. (ما جاء في القبلة) أكثر الروايات: "فاستقبلوها" [6]. على لفظ الخبر، وقد رواها بعضهم على لفظ الأمر.

[كتاب القرآن]

[كتاب القرآن] (الأمر بالوضوء من مس الذكر) أخبئه المصحف [1]: أغشيته التي يستر فيها. وفي الحديث قول هند: "أهل خباء، أو أخباء". على الشك في مسلم في (كتاب الإيمان)، ومثله في (النذور) من البخاري. وهو جمع خباء، من خبأت؛ لأنه يختبأ فيه، ويستتر. (ما جاء في تحزيب القرآن) "حزب" موضوع عند العرب لجمع المفترق، وضم المنتشر، فالحزب: كل مجموع من مفترق قبله، وبذلك سمي الحزب، الذي هو الجزأين من القرآن. (ما جاء في القرآن) قوله: "ثم لببته بردائه" [5]. التلبيب: أن تضع في عنق الرجل ثوباً، وتقبض عليه، ويكون التلبيب- أيضاً-: أن تقبض على مكان لبته، وتضغطه. واللبب واللبة: وسط الصدر، ويقال: لكل من جمع ثيابه وتحزم لشر أو

حرب: قد تلبب. قال المنخل اليشكري: واستلئموا وتلببوا ... إن التلبب للمغير وقوله: "إنما مثل صاحب القرآن" تستعمل هذه اللفظة على وجوه: أحدها بمعنى: المصاحبة والموافقة؛ تقول: هذا صاحب النبي: لمن صحبه وتابعه. وتستعمل بمعنى: الملك كقولك صاحب الدار، وصاحب الدابة، أي: مالكها. وتستعمل بمعنى: العمل يقال: هذا صاحب هذه الصناعة، أي: الذي عملها. فيحتمل- هنا- صاحب القرآن: الذي يصحبه ويألف قراءته. ويحتمل الذي يقرؤه، فيكون معناه: صاحب القراءة. و"الوحي" في كلام العرب: الإخبار في السر، ومنه سمي ما يأتي به الأنبياء: وحياً. والوحي: الكتب، يقال: وحا يحي وحياً: إذا كتب. والوحي: الإلهام،

من قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} والوحي في الحديث: ما يأتيه على ألسنة الملائكة المرسلين. و"صلصلة الجرس": صوته. والجرس: الجلجل، وأجرست الجرس: صوت به، و"الجرس": الصوت، جرست الكلام: تكلمت به، ويقال: صلصلة الطست، وصلصلة الجرس، وصلصلة الفخار؛ وذلك إذا توهمت فيه ترجيعاً، فإذا امتد صوته فهو صليل. وقوله: "فيفصم عني". أي: يزول وينفرج، ويذهب، وكل عقدة حللتها، فقد فصمتها، قال تعالى: {فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا} و"انفصام العروة": أن تنفك عن موضعها، وأصل "الفصم" عند العرب: أن تفك الخلخال ولا يبين كسره، فإذا كسرته فقد قصمته- بالقاف-. قال ذو الرمة: كأنه دملج من فضة نبه ... في ملعب من عذارى الحي مفصوم هذا قول بعض اللغويين. وقال بعضهم: انفصم الشيء، وانقصم- بالفاء والقاف: إذا انكسر، وقد فصمته وقصمته. / 23/ب

ويقال: تفصد العرق يتفصد: إذا سال؛ وكذلك الماء. وقوله: "وقد وعيت ما قال" يقال: وعيت الكلام أعيه وعياً؛ إذا فهمته، ومعناه: أن تجمعه في قلبك حتى لا يشذ منه شيء، كما تجمع الشيء في الوعاء. فأما المال والمتاع فيقال فيهما: أوعيت- بالألف- أوعي إيعاء، واسم الفاعل من الأول: واع، ومن الثاني: موع. وقوله: "وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً" منصوب على الحال الموطئة. ومعنى ذلك: أن الحال يكون صفة مشتقة من فعل، كقائم، وذاهب ونحوه، فلما كان الرجل اسماً جامداً ليس مشتقاً من فعل يأول منه تأويلاً يصلحه ويهيئه لأن يكون حالاً، كما يتأول في قولهم: هذا خاتم حديداً أنه رديء، وفي قولهم: [هذا] باب ساجاً أنه بمعنى صليب، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رجلاً" بمعنى محسوس، أو مرئي. ويجوز أن يكون أراد مثل رجل، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. وقوله: "هل ترى بما أقول بأساً؟ " [8]. يمكن أن تكون الباء بمعنى "في" كما تقول: زيد بتلمسان وفي تلمسان، أو تقدر: هل ترى بأساً برؤيتك

ما أقول، فلا تكون الباء مبدلة مثل قول العرب: رأيت بزيد الأسد؛ أي: رأيت الأسد برؤيتي إياه، والعرب تسمي كل أمر يشق ويكره سماعه أو مباشرته بأساً، ولذلك قيل للحرب: بأس و [قوله تعالى]: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} وللمبتلى: بائس. وقوله: "والدماء" يروى بكسر الدال والمد: وهو قسم بدماء الذبائح التي كانوا يذبحونها للأصنام. ويروى- بضم الدال ولاقصر-، وكلاهما صحيح، وهو قسم بالأصنام بعينها، وهو جمع دمية، هي صور تصنع من الحجارة. وقوله: "نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم" [9]، أي: ألححت عليه، ومنه قولهم: عطاء غير منزور، أي: بغير إلحاح، واشتقاقه من قولهم: نزر الشيء نزارة؛ إذا قل، قال ذو الرمة: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر أي: لا قليل ولا كثير. ويقال: نزرت البئر: إذا أكثرت الاستسقاء منها، حتى يقل ماؤها. فمعناه: أنه سأله، حتى قطع عليه كلامه، وتبرم به. و"عمر" منادى مفرد، أراد: يا عمر، فحذف حرف النداء اختصاراً، كما قال تعالى:

{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}. ومعنى: "ثكلتك أمك": فقدتك، يقال لأمه الثكل والثكل: إذا دعي عليه بالهلاك، ويقال: ثكلت، وأثكلت. وقوله: "نشبت أن سمعت صارخاً" يستعمل هذا الكلام في الأمر الذي يفجأك قبل أن تنشب في غيره. تقديره: فما نشبت في أمر حتى سمعت صارخاً، أو إلى أن سمعت، وحقيقته: إلى وقت أن سمعت، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. و"الحناجر" [10] جمع: حنجرة؛ وهي رأس الغلصمة من الحلق، قال تعالى: {وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} وأما الحلوق بأعيانها فيقال لها: الحناجير- بالياء- واحدها: حنجور- وربما حذفوا الياء، وأكثر ما يأتي في الشعر، قال النابغة: قبل استقاء الحناجر

ويقال: مرق السهم من الرمية: إذا خرقها وتجاوزها، ويقال: مرق الرجل من الدين، ومن الطاعة. و"الرمية": كل ما رمي من صيد وغيره، ويقال لها: مرمية- أيضاً- مثل: قتيلة ومقتولة، قال الشاعر: والنفس موقوفة والموت غايتها ... نصب الرمية للأحداث ترميها ولا يقال: لها رمية إلا قبل أن ترمى، فإذا رميت قيل: رمي، بغير هاء، وتقول العرب: "بئس الرمية الأرنب". و"النصل": الشفرة. و"القدح": السهم. و"الفوق": الموضع الذي يوضع منه على الوتر عند الرمي، وجمعه: أفواق/ 24/أ. و"التماري": الشك في الشيء، ومثله الامتراء والمرية والمرية- بضم الميم-، والفعل: يماري تمارياً، وامترى امتراءً. ويقال: "مكث" [11]- بالفتح- فهو ماكث، ومكث- بالضم- فهو مكيث.

(ما جاء في سجود القرآن)

(ما جاء في سجود القرآن) قوله: "على رسلكم" [16] بفتح الراء، وكسرها، فبالكسر معناه: التؤدة، وبالفتح: اللين والرفق، وأصله: السير اللين، يقال: ترسل الرجل فهي مشيه وكلامه: إذا لم يعجل، والترسيل والترسل واحد، وفي الحديث: "كان في كلامه ترسيل وترتيل"، والرسل من القول: اللين الخفيض، قال الأعشى: فقال للملك أطلق منهم مائة ... رسلاً من القول [...] مخفوضاً وفي "العين": الرسل والترسل: السكون، والرسل: ذوات اللبن. (ما جاء في قراءة قل هو الله أحد ...) "الفرق" [18] الفزع، ومنه: "فرقت أن يفوتني الغداء" بكسر الراء أي: خشيت. وقوله: "يتقالها" [17] أي: يراها قليلة. (ما جاء في ذكر الله [تبارك و] تعالى) "العدل" [20]: ما عادل الشيء وكافأه من غير جنسه- بفتح العين- فإن كان من جنسه فهو عدل. وقيل: هما لغتان، وهو قول البصريين، ونحوه عن ثعلب. و"زبد البحر" [21]: رغوة غثائه عند تموجه واضطرابه.

(ما جاء في الدعاء)

(ما جاء في الدعاء) قوله: "فأريد أن أختبئ دعوتي" [26] يقال: خبأت الشيء أخبؤه خبأ، واختبأته اختباءً: إذا سترته ورفعته؛ وهو كقوله: قهرته واقتهرته، ويكون "اختبأ" في موضع آخر يتعدى إلى مفعول، اختبأت من الشيء: استترت. و"شفاعة" مفعول من أجله مثل: جئتك مخافة من عقوبتك. قوله: "فالق الإصباح" [27] أي: صادعه، فلقت الشيء فلقاً: إذا صدعته وشققته، و"الفلق"- بفتح اللام-: الشيء المفلوق، ويسمى الصبح فلقاً؛ لأنه إنما يكون عن انصداع الظلام وانفراجه، ومنه قيل: انصدع الفجر، وقريب من هذا تسميتهم له فجراً، شبهوا ظهور الضياء في ظلام الليل بانفجار الماء، وسمي صبحاً؛ لإشراقه وضيائه. وقوله: "وجاعل الليل سكناً" الجعل- في كلام العرب- على معنيين: أحدها: بمعنى الخلق، ويتعدى إلى مفعول واحد؛ وذلك كقوله

تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}. والثاني: بمعنى: الحكم والتسمية، ويتعدى إلى مفعولين، وقد يكون بمعنى الخلق، ويتعدى إلى مفعولين، والذي بمعنى التسمية قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي: سموهم ووصفوهم بأنهم إناث. والثاني من الخلق: قولهم: الحمد لله الذي جعلني مسلماً أي: خلقني. فقوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} يحتمل الوجهين، و"السكن": ما سكنت إليه نفسك أنساً به، وصف الليل به؛ لأن كل شيء يسكن فيه عن الحركة. وقوله: "والشمس والقمر حسباناً"، أي: يجريان بحساب مقدر، لا زيادة فيه ولا نقص، وقد يكون حسبان جمع حساب، مثل شهاب وشهبان. و"فالق الإصباح" منصوب عند سيبويه على النداء، ولا يجوز عنده أن يكون صفة لقوله: "اللهم"؛ لأن "اللهم" لما كان لا يستعمل إلا في النداء، أشبه الأصوات التي لا توصف. وأبو العباس المبرد يجيز أن يكون صفة. وقوله: "ليعزم المسألة" [28] أي: لينفذها ويمضيها، و"الحزم"

بالحاء: صحة الرأي وحسن التدبير، ومن الأمثال: "قد أحزم لو أعزم"، أي: يظهر لي وجه الصواب في الأمر، ولكني لا أنفذ ما أراه. وقوله: "ما لم يعجل فيقول" [29]. منصوب على جواب النفي، أجريت "لم"- حين كان معناها النفي- مجرى "ما" في قولهم: ما أنت بصاحبي فأنصرك. وقوله: "ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا" [30]. كذا رويناه، وهو الوجه، ورواه بعضهم: "إلى سماء الدنيا" فيكون من باب قولهم: صلاة الأولى/ 24/ب ومسجد الجامع. وقوله: "من يدعني فأستجب له" من جزم هذه الأفعال الثلاثة جعل "من" شرطاً، ورفع ما بعد الفاء، كما رفع في قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}. ومن روى: "من يدعوني؟ " فأثبت الواو، وجعل "من" استفهاماً، ورفع الأفعال الثلاثة، ونصب ما بعد الفاء، على جواب الاستفهام. وقول عائشة: "ففقدته من الليل" [31].

وقول ابن عباس: "كان إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل" [34]. "من" هنا، بمعنى "في"، وتقدم. و"المسيح الدجال" [33]- بالحاء غير معجمة- على لفظ المسيح عيسى لا فرق بينهما في اللفظ، وإنما يفترقان في المعنى والاشتقاق. أما عيسى عليه السلام ففي اشتقاقه أقوال: قال ابن عباس: سمي مسيحاً؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برئ. وقال النخعي: المسيح: الصديق. وقال أبو عبيد: أظن الكلمة عبرانية، أو سريانية مشيحاً فعرب. وروي عن ابن عباس- أيضاً-: أنه سمي به؛ لأنه كان أمسح الرجل، أي: لا أخمص لقدمه؛ وهو ما يتجافى عن الأرض من وسطها. وقيل: سمي مسيحاً؛ لأنه خرج من بطن أمه كأنه ممسوح بالدهن. وقيل: المسيح: الجميل الوجه، يقال: على وجهه مسحة من جمال، ومنه قوله عليه السلام في جرير بن عبد الله البجلي: "عليه مسحة ملك" وكان

جميلاً. وقال ذو الرمة: على وجه مي مسحة من ملاحة وقال ثعلب: سمي بذلك: لأنه كان يمسح الأرض، أي: يقطعها. وأما الدجال" فقيل له: مسيح؛ لأنه أعور إحدى العينين. قال الخليل: يقال: رجل مسيح الوجه وممسوح: إذا لم يبق على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب، وجاء في الحديث: "أنه ممسوح العين اليمنى" وفي بعضه: "اليسرى". وأما "الدجال"- في اللغة-: فالكذاب المموه. قيل: اشتقاقه من غطيت الشيء وسترته، أي: ستر الحق، ومنه سميت دجلة، كأنها حين فاضت على الأرض سترت مكانها منه. وقيل: هو من قولهم: دجل في الأرض؛ ضرب فيها وطافها. وقيل: هو من دجلت البعير؛ إذا طليته بالقطران، كأنه يغم الناس بشره، فكأن الدجال يقوى بالباطل ويحسنه حتى يظن أنه حق. وقوله: "أنت نور السماوات والأرض" قيل: معناه: ونور السماوات والأرض. وروي عن ابن عباس: هادي السماوات والأرض. وقال ابن عرفة أي: منيرهما، كما يقال: فلان عون بمعنى معين. وقوله: "أنت قيام السموات والأرض". يقال: قيام وقيوم. قال

(النهي عن الصلاة بعد الظهر وبعد العصر)

ابن عباس: القيوم: الذي لا يزول. وقال مجاهد: القائم على كل شيء. و"الرب" ينقسم ثلاثة أقسام؛ المالك، والسيد، والمطاع. والرب: المصلح؛ من قولهم: رب الشيء: أصلحه. وقوله عليه السلام: "وإليك أنبت" [35]. الإنابة: الرجوع إلى الله تعالى، والاستعاذة به. و"الهرج": الفتنة والقتل، قال ابن الرقيات: ليت شعري أأول الهرج هذا ... أم زمان من فتنة غير هرج ويقال: عام سنة، أي: عام جدب. (النهي عن الصلاة بعد الظهر وبعد العصر) "قرن الشيطان" [44]. قيل: إنه على الحقيقة، وأنها تغرب وتطلع على قرن الشيطان، ويدل على صحته وأنه على ظاهره قوله: "فإذا استوت

قارنها، فإذا ارتفعت فارقها". وقيل: إنه على المجاز، واتساع الكلام، وأنه هنا: أمته والمتبعون رأيه، من أهل الضلال والكفر. وقيل: قوته وانتشاره وتسلطه. و"حاجب الشمس" [45] هو حرفها الأعلى من قرصها. وحواجبها: نواحيها. وقيل: سمي بذلك؛ لأنه أول ما يبدو منها، كحاجب الإنسان، وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولاً، ولا يسمى جميع نواحيها حاجباً، وقال القتيبي: قرن الشمس: أعلاها، وحواجبها: نواحيها، والأول أصوب.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز (غسل الميت) "الجنازة": لفظ يطلق على الميت، ويطلق على الأعواد التي يحمل فيها/25/أ. ويقال بفتح الجيم وكسرها. ويروى عن ابن الأعرابي أنه قال: إذا فتحت، فهو الميت، وإذا كسرت، فهي الأعواد، ولعله أخذ ذلك من هيئة الحال، وليس كما زعم علماؤنا أنهما لغتان، وإنما الجنازة: الميت نفسه، فإن سميت به الأعواد، فهو مجاز. والدليل عليه الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعت الجنازة على السرير، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، ح.

و"السدر": شجر النبق؛ وهو ثلاثة أنواع؛ ما كان على الماء قيل له: عبري- بالباء والميم-، وما كان برياً، قيل له: ضال. وما توسط بينهما قيل له: أشكل؛ لأنه لم يستحق أن يسمى عبرياً، ولا ضالاً، فأشكل أمره. وقوله: "واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور". شك من المحدث، وليس بتخيير؛ لأن المعنى عليهما واحد؛ لأنه إذا قال: اجعلن في الآخرة كافوراً، فقد فهم منه أنه أراد شيئاً منه. و"الحقو" الإزار. وأصل الحقو: الخصر فسمي به إذ كان يشد عليه، من تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، ويجمع على أحق، في العدد القليل، فإذا أردت الكثير قلت: حقاء، على مثال دلاء، وحقي، مثل دلي. والحقو في لغة هذيل مكسور الحاء. ومعنى "أشعرنها إياه" اجعلنه شعاراً، وهو ما يلي الجسم من الثياب، والدثار: ما علا منها.

(ما جاء في كفن الميت)

(ما جاء في كفن الميت) "سحولية" [5، 6]- بفتح السين-: هي ثياب من قطن، كانت تعمل بموضع باليمن يعرف بسحولا. وقال بعضهم: سحول، وهو المعروف. وقال القتيبي: سحول- بالضم- جمع: سحل، وهو ثوب أبيض، فيكون على هذا سحولية. ووقع في كتاب مسلم من رواية السمرقندي: "أثواب سحول". فمن فتح السين أضاف الأثواب، وأراد: الموضع؛ ومن ضمها نون وأراد: صفة الأثواب، أراد أنها قطن، أو بيض. وأما "السحل" فاختلف فيه، فقال قوم: هو ثوب لا يبرم غزله؛ أي: لا يفتل طاقتين. يقال: سحلوا الثوب؛ إذا لم يفتلوا سداه، وهو السحيل أيضاً، قال زهير: على كل حال من سحيل ومبرم

وقال قوم: هو الثوب الأبيض من القطن، واحتج بقول المتلمس: ريع يلوح كأنه سحل و"الريع": المرتفع من الأرض؛ فقيل: السحولية: منسوبة إلى سحول، بلد باليمن. وقيل: منسوبة إلى القطن؛ لأن السحول ثياب القطن؛ ويرجعان إلى معنى واحد؛ لأن ثياب اليمن إنما هي من القطن. وقوله: "مشق" [6]. "المشق"- بكسر الميم-: المغرة. ومنه قول جابر: "يلبس في الإحرام الممشق" إنما هو مدرة وليس بطيب.

وقوله: "إنما هو للمهلة". رويناه- بالفتح والكسر والضم-، إلا أن رواية يحيى بالكسر. قال الأصمعي:- بالفتح- هو الصديد. وحكى الخليل: فيه الكسر. وقال ابن هشام:- بالضم-، قال: وهو الصديد. ورواه أبو عبيد: إنما هو المهل والتراب، وقال: المهل في هذا الحديث: الصديد والقيح. وفسره أبو عمرو وأبو عبيدة: القيح والصديد. وأنكر الأنباري- كسر الميم-. وقال أبو عمرو: لا وجه للكسر غير الصديد، وقال: ومن ضم الميم: شبه الصديد بعكر الزيت، وهو المهل والمهلة.

ابن السيد: فإذا حذفت تاء التأنيث، قلت: المهل بالضم لا غير. و"المهل"- في غير هذا-: كل شيء أذيب من جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس. و"المهل"؛ دردي الزيت؛ وبهذين التأويلين فسر قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)}. و"المهل"- أيضاً-: [ما] يتساقط عن الخبزة من الرماد إذا أخرجت من التنور. قال: وحكى صاحب "العين" أنه يقال لخثارة الزيت: مهل بالضم والكسر، ومهلة- بالكسر فقط- وبالهاء. قال: أكثر رواة "الموطأ" على كسر الميم، ورواية يحيى بالضم، ويجوز أن تجعل المهلة القطعة من المهل، كما قالوا: بسرة للواحدة من البسر، وهو التمر إذا عظم، ودرة للواحدة من الدر، والصحيح من رواية يحيى ما تقدم لنا.

(المشي أمام الجنازة)

(المشي أمام الجنازة) تقدم شرح الجنازة، وقال صاحب/ 25/ب ["العين"]: الجنازة- بالفتح-: الميت، وبكسرها: خشب السرير. وعن ابن الأعرابي: أنه قال: الجنازة- بالكسر-: النعش إذا كان عليه الميت، ولا يقال له: دون ميت الجنازة. وقال الدينوري- في كتاب "لحن العامة"-: الجنازة- بالكسر-: السرير، ولا يقال للميت: جنازة، وأنكر فتح الجيم، واضطرب فيه كلام ابن قتيبة، والصحيح أنهما لغتان. وقوله: "والخلفاء هلم جرا" [8] أي: لم يزل عليه أمرهم يتوالى

وينجر إلى يومنا هذا. وأصل استعمال هذه الكلمة في الأمر بالسير على سكون وترفق واتصال. يقال للرجل: هلم جرا، أي: أقبل في سكون ولا تجهد نفسك، وتقدير الكلام عليه: "هلم" وبالإفراد لغة أهل الحجاز، وجاء القرآن بها. و"الجر": سير لين تمشي فيه الإبل وهي ترعى. و"جرا" عند البصريين مصدر وقع موقع الحال، كأنه قال: هلم جارين، كما يقال: جاء زيد مشياً، أي: ماشياً. و [عند] الكوفيين يجعلونه مصدراً محمولاً على المعنى؛ لأن في هلم معنى جروا، فكأنه قال: جروا جراً، كما يقال: قعد زيد جلوساً؛ لأن قعد بمعنى جلس. قال ابن الأنباري: فانتصب جراً على المصدر، أي: جر جراً، أو على الحال، أو على التمييز. وقال ابن السيد البطليوسي: زعم بعضهم أنه منصوب على التمييز، وهو خطأ. ومن روى "الخلفاء" بالنصب عطفهم على الأسماء المنصوبة، ومن رفع عطف على الضمير في "يمشون" ويجوز عطفهم على موضع الأسماء المنصوبة؛ لأنها مرفوعة الموضع، وفي جواز ذلك بين النحويين خلاف. وقوله: "رأى عمر يقدم الناس" [9]. من رواه بفتح الياء، وضم الدال، فمعناه: يتقدم، ومن رواه بضم الياء، وفتح القاف، وكسر الدال

(النهي أن تتبع الجنازة بالنار)

وتشديدها، احتمل تأويلين: أحدهما: أنه كان يأمر الناس بالتقدم. والثاني: أنه كان يتقدم الناس؛ لأنه يقال: قدم الرجل بمعنى تقدم، قال تعالى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}. ومنه: جاء مقدمة الناس- بكسر الدال- وتقدم شرح "البقيع" ويقال اشتقاقه من قولهم: ما أدري أين يقع؛ أي: أين ذهب؛ لأن المدفون لا يعلم ما صارت إليه حاله، ويجوز أن يكون مشتقاً من قولهم: بقعته الباقعة، أي: دهته الداهية. (النهي أن تتبع الجنازة بالنار) يقال: أجمرت [12]. إجماراً، وجمرته تجميراً؛ إذا بخرته بالمجمر، واشتقاقه من الجمر، ويقال للذي يصنع ذلك: مجمر ومجمر. وقالوا- أيضاً-: رجل جامر، على معنى النسب، كما قالوا لصاحب الدرع والرمح دارع ورامح. ويقال لطيب الميت "حنوط"، و"حناط"، و"حناط" والكسر أكثر، والفعل منه: حنطته بالتخفيف والتشديد، قال الشاعر: أحنطته يا نصر بالكافور ... ورفقته للمنزل المهجور ومن روى "مت"- بضم الميم-، فهو من مات يموت، ومن روى "مت"

(التكبير على الجنازة)

- بكسر الميم-، فهو من مات يمات، على مثال خاف يخاف. ومنهم من يقول: مت- بكسر الميم-، فإذا صار إلى المستقبل قال: تموت- بالواو-. (التكبير على الجنازة) "النجاشي" [14] تشدد الياء في آخر النجاشي وتسكن، فيقال: النجاشي والنجاشي. النجاشي: ملك الحبشة- بفتح النون، وكسرها، وكثير من اللغويين ينكر كسرها. وكان اسمه: أصحمة، وهو عطية بالعربية، وكل ملك للحبشة يقال له: نجاشي، كما أن [كل] ملك للفرس يقال له: كسرى، وكل ملك للترك يقال له: خاقان. وكل ملك للروم يقال له: هرقل، وكل ملك لليمن يقال له: تبع، وكل ملك على مصر [يقال له] فرعون. ويقال: نعيت الميت أنعاه نعياناً- بضم النون-؛ إذا شهرت موته، وأعلمت به. وقوله: "فأخرج بجنازتها ليلاً" [15]. كذا جاءت الرواية، والوجه: "فخرج"؛ لأنه لا يجوز اجتماع الهمزة والباء في نقل الفعل، لا يقال: أدخل

بزيد الدار، وإنما يقال: دخل بزيد الدار، وأدخل زيد الدار، وأنكروا قراءة أبي جعفر: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} بضم الياء، ولم يجيزوها إلا على زيادة الباء، كزيادتها في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (79)}. فعلى هذا يحمل قوله: "فأخرج بجنازتها". ويجوز فيه أن يكون المفعول الذي لم يسم فاعله مضمراً، كأنه قال: فأخرج الناس بجنازتها، أو أخرج النعش بجنازتها. وقوله: "فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم"./26/أ "أصبح"- هنا- تامة لا خبر لها؛ لأن معناها دخل في الصباح، كما يقال: أمسى القوم دخلوا في المساء، وأظلموا دخلوا في الظلام، قال تعالى: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}. وقوله: "عن الرجل يدرك بعض التكبير" [16] هذه المسألة تنازع فيها البصريون والكوفيون: فأما الكوفيون فيجعلون: "يدرك" صلة للرجل، كأنه قال: الذي يدرك، ويجيزون أن يوصل كل ما فيه ألف ولام، كما يوصل "الذي". وأما البصريون فإنهم لا يجيزون الصلة إلا في الألف واللام الداخلين على أسماء الفاعلين والمفعولين، كالضارب والمضروب، ويتأول على

(الصلاة على الجنائز في المسجد)

هذا: "عن الرجل يدرك" أن الرجل- ههنا- لا يراد به رجل معين، فجرى مجرى النكرة، فصار "يدرك" في موضع الصفة. (الصلاة على الجنائز في المسجد) قولها: "ما أسرع الناس" [22]. بالنصب على التعجب، أي: ما أسرعهم إلى الإنكار والطعن، وهو قول ابن وهب. وبالرفع على من جعله من النسيان وهو قول مالك يعني نسوا السنة، فالناس فاعلون بفعل مضمر تقديره: ما أسرع ما نسي الناس، وكذا جاء بهذا اللفظ في رواية القعنبي في "الموطأ". وفي كتاب مسلم في رواية العذري: والوجه النصب على التأويلين، أي: ما أسرع نسيانهم. (جامع الصلاة على الجنائز) قوله: "الرجال والنساء" [24] بالرفع، والخفض جائز على البدل من الجنائز، وأما الرفع فعلى أن يجعل "الرجال" مبتدأ، و"النساء" عطفاً

عليهم، ويضمر الخبر، كأنه قال: الرجال والنساء مجموعون، أو مقرونون، فحذف، ودلت عليه الواو بما فيها من معنى "مع" وهذا نحو ما حكاه سيبويه، من قولهم: أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته. والكوفيون لا يضمرون في مثل هذا خبراً؛ ولكنهم يجعلون الواو تنوب مناب "مع"، وتغني عن الخبر. وقوله: "كان يقول لا يصلي الرجل على الجنازة" [26] كذا الرواية: "لا يصلي" بإثبات الياء، فلزم أن يكون خبراً لا نهياً، وتكون "لا" بمعنى "ليس" وفيه وإن كان إخباراً، معنى النهي، كما أن قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}. فيه معنى الأمر، وإن كان خرج مخرج الإخبار. ويجوز أن يكون معناه: ليس يعد الرجل مصلياً على الجنازة حتى يكون طاهراً، وإلا فصلاته لا تعد صلاة، فإذا تؤول هذا التأويل كان إخباراً محضاً. والعرب تجعل كل فعل وقع على غير ما يجب كالمعدوم الذي لم يكن، فيقولون للرجل: قمت ولم تقم، أي: قيامك كلا قيام؛ وعلى هذا تأول بعض المفسرين [قوله تعالى]: {يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35)} أي: لا ينطقون نطقاً ينتفعون به، فنطقهم كلا نطق، وعلى هذا يوجه قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ

(ما جاء في دفن الميت)

وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} أي: لولا أن الله أعانك لكان رميك كلا رمي، ولم يبلغ ما بلغ. و"الزناء" يمد ويقصر؛ فمن نسبه إلى أحد الزانيين قصره، ومن نسبه إلى الزانيين جميعاً مده؛ لأنه فعل من اثنين، كقوله: رامى يرامي، مراماة، ورماء. (ما جاء في دفن الميت) "الأفذاذ" [27] الأفراد، واحدهم: فذ، وفاذ، وتقدم "البقيع". "فسمعوا صوتاً يقول: لا تنزعوا القميص" كلام خرج مخرج مجازات العرب؛ لأن الصوت لا يقول، وإنما يقول صاحب الصوت، كما قال تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)}، وإنما الكذب والخطأ لصاحب الناصية، وحسن ههنا؛ لأن صاحب الصوت لم يكن محسوساً، وإنما سمع الصوت ففهم منه غرض المتكلم به، فصار كأنه القائل. ويقال: لحدت وألحدت [28] فأنا لاحد وملحد، فيجوز أحدهما يلحد، ويلحد- بفتح الياء والحاء، وبضم الياء وكسر الحاء، ويقال للقبر: ملحد، إن جعلته من لحد، وملحد، إن جعلته من ألحد؛ كما يقال: مدخل

ومخرج، من دخل وخرج، ومدخل ومخرج- بالضم-؛ إذا جعلتهما من أدخل وأخرج. ومعنى اللحد/ 26/ب أن يمال إلى أحد شقي القبر، إذا لم يشق فيه. ومنه: ألحد الرجل في الدين؛ إذا انحرف عن طريق الحق، وعدل عنه، فإذا لم يكن فيه ميل إلى أحد الشقين فهو الضريح. يقال: ضرحت أضرح: وهو مشتق من قولهم: ضرحته الدابة برجلها؛ إذا دفعته عن نفسها، كأن جانبي القبر ضرحاً المدفون أن يميل إلى واحد منهما، فصار في وسطه. وقوله: "فأيهما جاء أول" كذا الرواية- بضم اللام-، وهو ظرف بني على الضم- حين قطع عن الإضافة، كما قال تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}. ويجوز فيه النصب والتنوين؛ إذا اعتقدت فيه التنكير، ولم تجعله معرفة؛ فتقول: جاءني أولاً، قال ابن أوس: لعمرك لا أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول و"الكرازين" [29]: الفؤوس والمساحي، واحدها: كرزن وكرزين.

(الوقوف للجنازة ..)

و"العقيق" [30]: واد بالحجاز، وتقدم. (الوقوف للجنازة ..) يروى: "يضجع عليها" [34]، وكذا رويناه. ويروى: "يضطجع" وهو سواء. وقوله: "إنما نهي عن القعود على القبور [فيما نرى] للمذاهب" هذه كناية عن مواضع الحدث والبول. يقال: لموضع ذلك: المقعد، والمجلس، والمذهب، والخلاء، والمتوضأ والمرحاض، والحش، والكنيف، والغائط، والمستراح. (النهي عن البكاء على الميت) يجوز "يسكتهن" [36]- بالتخفيف-. من أسكت، وبالتشديد من سكت. والعرب تستعمله بمعنيين. أحدهما: ضد الكلام، وهو المشهور. والثاني: بمعنى: السكون، وترك القلق والحركة، قال تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} وكلاهما يليق بهذا الحديث.

و"الاسترجاع": يكون بمعنيين: أحدهما: أن يقول: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}. والثاني: ترديد الكلام مرة بعد مرة على جهة التلهف. ويقال: وجب الرجل وجوباً؛ إذا مات، وهو مشتق من وجب الحائط: سقط، ووجبت الشمس: غابت؛ قال الله تعالى: {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}. وقولها: "إن كنت لأرجو أن تكون شهيداً"، "إن"- ههنا- عند سيبويه، مخففة من الثقيلة، دخلت اللام في خبرها فرقاً بينها وبين النافية، ولا يجوز عنده إذا جاءت بعدها هذه اللام أن تكون نافية كما تقدم، ويجيز الكوفيون كونها نافية بمعنى "ما" وتكون اللام بمعنى "إلا" كأنها قالت: ما كنت إلا أرجو، ومثله قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}. ويقال: "جهاز" و"جهاز" وهو ما يتجهز به الرجل لسفره. "والمطعون": الذي يصيبه الطاعون، وفعله طعن، لما لم يسم فاعله. و"ذات الجنب": الشوصة، وقيل: إنها في الجانب الآخر من موضع

الشوصة، يقال منه: رجل جنب- بكسر النون وفتح الجيم-. و"الحرق": المحترق بالنار. "والذي يموت تحت الهدم" الهدم: ما يسقط من الشيء المنهدم، من مدر وحجارة ونحوه، فإذا أردت المصدر سكنت الدال، وتقدم. "والمرأة تموت بجمع" وبجمع. يقال: بالضم والكسر، ورواه عبيد الله بالفتح. قال ابن السيد وهو خطأ. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: بل هو صحيح، والثلاث اللغات فيه مشهورات، ومعناه: أن تموت وولدها في بطنها، ويقال للتي لم تفضض: جمع وجمع، قال ابن السيد: وتأول قوم الحديث على هذا، وليس بصحيح، وقال مالك- فيما رواه عنه علي بن زياد-: هو أن تموت المرأة وولدها في جوفها، قال: فقلت له: فإذا ولدت وقد ماتت من نفاسه، أترجو

(الحسبة في المصيبة)

يا أبا عبد الله أن تكون من أهل [هذا] الحديث، قال: أرجوه. وقول عائشة: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن" خرج مخرج الإيجاب، ومعناه الدعاء، كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ}. (الحسبة في المصيبة) قوله: "فتمسه النار" [38].- و"فيحتسبهم": منصوبان على جواب النفي، ومن رفعهما [فقد] أخطأ. ويحتمل قوله: "إلا تحلة القسم" أن يكون استثناء منقطعاً، بمعنى: لكن تحلة القسم، وهو معروف لغة، وإذا كان كذلك فيكون معناه: لا تمسه النار أصلاً/ 27/أ، ويكون كلاماً تاماً ثم ابتدأ: إلا تحلة القسم؛ أي: لكن تحلة القسم، لابد منها في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} وهو الجواز على الصراط والرؤية، ولا يكون فيه مسيس يؤذي، ويكون كقول بعض العلماء

في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} لكن ما ذكيتم، من غير ما ذكر في غير هذه الآية ذكاة تامة، وظاهره إذا كان استثناء متصلاً يرد ورود الدخول؛ لأن المسيس في اللغة: المماسة، وتقديره: فتمسه النار إلا مسيس تحلة القسم، وتحلة اليمين: تحليلها، يقال: حللته عن يمينه تحليلاً وتحلة، وتحلل هو: إذا خرج عما أقسم عليه باستثناء يستثنيه، أو يفعل ما أقسم على أنه سيمضيه. والجنة [39] الستر، ويقال للدرع: جنة؛ لأنها وقاية للابسها. و"حامة الرجل" [40] قرابته. ورأى عمر أعرابياً يطوف بالبيت، وهو حامل امرأته، فسأله عنها، فكان من قوله: "إنها أكول قامة، ما تبقي لنا حامة"

(جامع الحسبة في المصيبة)

قامة، أي: تقم كل شيء، ولا تبقي لنا أحداً ممن تجرم بنا من حامتنا إلا شادته. (جامع الحسبة في المصيبة) قوله: "حين أعاروكيه زماناً" [43] ثبت في روايتي: "أعاروكيه"- بالياء- وكذا يأتي في النخل، من قول أبي بكر لعائشة: "فلو كنت جددتيه واحتزتيه". وهي لغة لبعض العرب، يقولون للمرأة: أنت رميتيه، وضربتيه، والمال وهبتيه، ولا تركتيه، يشبعون الكسرة فيتولد منها الياء، كما يفعلون في الضمة، والإشباع إنما يكون في الضرورة، كما قال: ألم يأتيك ... و ... أدنو فأنظور

وأكثر العرب تحذف هذا الياء، وهي اللغة الفصيحة المشهورة، كما قال: وإن دماً لو تعلمين جنيته ... على الحي جاني مثله غير سالم وقال آخر في اللغة الثانية: رميتيه فأصميت ... وما أخطأت الرمية بسهمين مليحين ... أعارتكيهما الظبية قال سيبويه: واعلم أن ناساً من العرب: يلحقون الكاف التي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفاً في التذكير، وياء في التأنيث؛ لأنه أشد توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث، كما فعلوا ذلك حين أبدلوا مكانها الشين في التأنيث، وأرادوا في الوقف بيان الهاء، إذا أضمرت المذكر؛ لأن الهاء خفية، فإذا ألحق الألف بين أن الهاء قد لحقت، وإنما فعلوا هذا مع

الهاء؛ لأنها مهموسة، وهي علامة الإضمار، كما أن الهاء علامة إضمار، فلما كانت الهاء يلحقها حرف مد ألحقوا الكاف معها حرف مد، وجعلوها إذا التقيا سواء، وذلك قولك: أعطيكيها وأعطيكيه للمؤنث، وتقول [في التذكير]: أعطيكاه وأعطيكاها. قال السيرافي- في قوله: لأنه أشد توكيداً في الفصل- يريد: أن زيادة الألف والياء على الكاف أشد توكيداً في الفصل بين المؤنث والمذكر؛ ولأنك تقول- فيمن لا يريد التوكيد: أعطيتكه للمذكر، وأعطيتكه للمؤنث، فيكون الفصل بينهما الفتحة والكسرة، فإذا قلت للمذكر: أعطيتكاه، وللمؤنث: أعطيتكيه، كان الفصل بينهما بالحركة والحرف، كما كان ذلك بالشين، وشبهوا إلحاق الألف والياء بالكاف على حركة الكاف، كما تلحق الواو والياء والألف بالهاء، كقولك: غلامها، وهذا غلامهو، ومررت بغلامي؛ لأن الكاف والهاء لا يشتركان في أنهما للضمير، ويشتركان في أنهما مهموسان، فلا ينكر حمل أحدهما على

(ما جاء في الاختفاء؛ وهو النباش)

الآخر، للشركة مع ما تقدم من التعليل. قال سيبويه: وحدثني الخليل: أن ناساً يقولون: ضربتيه، فيلحقون الياء، وهذه قليلة، وأجود اللغتين، وأكثرها ألا يلحق حرف المد في الكاف، وإنما لزم [ذلك] في الهاء في التذكير، كما لحقت الألف في التأنيث، والكاف والتاء لم يفعل ذلك بهما، وإنما فعلوا ذلك بالهاء لخفائها وخفتها؛ لأنها نحو الألف. قال السيرافي: يريد أن الأجود ألا يزاد على الكاف ألف ولا ياء، وإنما يزاد على الهاء؛ لأنها خفية لشبهها بالألف، فاحتملت الزيادة لذلك، /27/ب وقد تقدم ما يغني عن ذكر شرحه. (ما جاء في الاختفاء؛ وهو النباش) قال الشيخ- أيده الله تعالى بتوفيقه-: هكذا روايتي في الاختفاء، وهو النباش، ويبعد؛ لأن الاختفاء فعل للنباش. ورواية أبي عمر: "باب في المختفي وهو النباش" وهو الأصوب، ويمكن أن يكون ما ثبت في روايتنا

(جامع الجنائز)

"في الاختفاء، وهو النباش" وهكذا رأيته في كتاب مقيداً؛ لأن الاختفاء هو: النبش. و"النباش" وأصله الإظهار والاستخراج. وخفيت الشيء: أظهرته؛ وأخفيته: سترته. وقيل: هما بمعنى، وهما من الأضداد، أخفيت: أظهرت وسترت. قال عياض: وقد يكون [عندي] على أصله؛ لاختفائه بفعله عن عيون الناس، أو لإخراجه ما قد أخفي في بطن الأرض. قال الأصمعي: أهل المدينة يسمون النباش: المختفي، وقرئت: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} و"أخفيها"، فأخفيها، معناه: أخفيها من نفسي، وأخفيها: أظهرها. (جامع الجنائز) "وألحقني بالرفيق الأعلى" [46]. هو اسم واحد يراد به: الجمع،

كما قال تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69)}؛ وربما جاء فعيل ومفعول ويراد بهما الجمع، ويقال للمذكر والمؤنث بلفظ واحد، قال الله تعالى: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً (101)}. وقوله: "اللهم الرفيق الأعلى" الرواية بالنصب، والعامل فيه مضمر؛ كأنه قيل له: ما تختار؟ فقال: أختار الرفيق الأعلى. وقوله: "إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار" [47]. كلام فيه حذف واختصار، وتقديره: إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمقعده من مقاعد أهل النار. ومن روى: "حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة" جاز أن تكون الهاء للمقعد، وهو الوجه، وجاز أن تعود على الله، وفيه بعد. ويقال: "عجب وعجم الذنب" [48]: وهو العظم الذي أسفل فقار الظهر،

مكان الذنب من الحيوان، ويقال لطرفه: العصعص. و"النسمة" [49]: الروح، وأصل النسمة: الإنسان. وإنما قيل للروح: نسمة؛ لأن حياة الإنسان بروحه، والدليل عليه قوله: "من أعتق نسمة مؤمنة". وقوله: "لا، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة". ومن روى: "تعلق"- بضم اللام- وهو المشهور- فمعناه: تأكل وتتناول. يقال: ما ذقت علاقاً، ولا علوقاً، أي: ما ذقت طعاماً، وقيل: نشم. ومن رواه [تعلق] بالفتح. فمعناه: تتعلق وتلزم ثمارها، وتقع عليها، وتأوي إليها وقيل: هما سواء. وقد روي: "تسرح"، وهذا يشهد لضم اللام، ومن رواه بالتاء، عنى: النسمة، ويحتمل أن يرجع على الطير، على أن تكون جمعاً، ويكون ذكر النسمة؛ لأنه أراد الجنس، لا الواحد. وقد يكون التذكير والتأنيث جميعاً للروح؛ لأن الروح يذكر ويؤنث. وقوله: "حتى يرجعه [الله] إلى جسده" يقال: رجعت الشيء، وأرجعته؛ إذا رددته، قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}. وقوله: "ثم اذروا نصفه في البر" [51]. يقال: ذروت الشيء في الريح، وأذريته، وذريت- بالتشديد- إذا بددته وفرقته. وقيل: إذا طرحته

مقابل الريح؛ ومثله النسف. وذرت الريح الشيء، وأذرته، وقال قوم: معنى أذرته: قلعته من أصله، وذرته: طيرته. وقوله: "لئن قدر الله عليه" [51]. قيل: أراد: لئن قدر الله علي، والتخفيف والتشديد في هذه اللفظة سواء في اللغة، وتمامه في "الكبير". و"الفطرة" [52]- في كلام العرب-: الخلقة، يقال: فطر الله الخلق بمعنى خلقهم، وهي- في الشرع-: الحالة التي خلقوا عليها من الإيمان والمعرفة به، والإقرار بالربوبية. وقال الجوهري: معناه: على فطرة أبيه، والخلاف فيه في "الكبير" أيضاً. و"البهيمة الجمعاء": التامة الخلق المجتمعة، التي لم ينقص من خلقها شيء. و"الجدعاء": المقطوعة الأذن. يريد: لا جدعاء فيها من أصل الخلقة؛ وإنما تجدع بعد ذلك، ويغير خلقها، ويستعمل الجدع- أيضاً- في الأنف. و"نصب الدنيا" [54]: تعبها وشقاؤها، ويقال: "نصب" بكسر الصاد/ 28/أ- ينصب- بفتحها.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة (ما يجب فيه الزكاة) الزكاة والصدقة: اسمان لما يخرجه الناس من أموالهم في وجوه البر، فرضاً كان أو تطوعاً، غير أن الأغلب والأكثر أن يقال: لما أخرج من الذهب والفضة والحبوب: زكاة، ولما أخرج من الحيوان، كالإبل والبقر الغنم: صدقة، وقد جرت عادة الناس أن يسموا ما كان فرضاً زكاة، وما كان تطوعاً صدقة. و"الزكاة"- في كلام العرب-: هي النماء؛ لأن ما يخرج على هذا الوجه يطهر الله به الأموال وينميها، يقال: زكا الزرع: إذا كثر ريعه. والزكاة: اسم مشترك، يقال على النماء والطهارة بمعنيين مختلفين. واشتقاق الصدقة من الصدق، ويحتمل أن تكون مشتقة من قولهم: حمل على قرنه في الحرب، فصدق؛ إذا حقق الحملة ولم يرجع، ويقال من هذا: رجل صادق النظر، أي: شديد النظر، وصادق اللقاء، أي: شديد

اللقاء، فيكون على هذا: المعطي أقدم على الإعطاء ولم يخف الفقر، كما يخافه الفقير؛ ولأجل هذا جعلوا الجود نوعاً من الشجاعة والبخل نوعاً من الجبن، حتى ذكره ابن الرواسي وغيره في شعره. و"الوسق" [1].- بفتح الواو-: ستون صاعاً. والوسق- أيضاً-: وقر البعير. يقال: أوسقته؛ إذا أوقرته، و"الوسق" بكسر الواو: العدل. واشتقاق "الوسق" من قولهم: وسقت الشيء وسقاً؛ إذا ضممت بعضه إلى بعض، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)} أي: ضم وجمع. قال ابن السيد: "الذود"- من الإبل-: ما بين الثلاث إلى العشرة،

وأكثر ما تستعمل في الإناث، وزعم الفراء: أن الذود يقع على الواحد، وهو غير معروف، بل قولهم: ثلاث ذود، وخمس ذود، من أدل دليل على أنه لا يكون للواحد؛ لأن ما دون العشرة لا يضاف إلى واحد، ألا ترى أنه لا يقال: خمسة ثوب، ولا أربع دراهم. أبو عمر: "الذود": واحد من الإبل، كأنه يقول: ليس فيما دون خمس من الإبل، أو خمس نوق صدقة، ومنه قيل: "الذود إلى الذود إبل". وقد قيل: "الذود" القطعة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشرة، والأول أكثر عند أهل

اللغة وأشهر. قال الحطيئة: ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد عال الزمان على عيالي أي: مال عليهم. والأكثر عند أهل اللغة أن الذود من الثلاثة إلى العشرة، وقال أبو حاتم: وتركوا القياس في الجميع، فقالوا: ثلاث ذود، لثلاث من الإبل؛ وأربع ذود، وعشر ذود، كما قالوا: ثلاثمائة، وأربعمائة على غير قياس، والقياس: ثلاث مئين ومئات، ولا يكادون يقولون ذلك. وقال ابن قتيبة: ذهب قوم إلى أن الذود واحد، وذهب آخرون: إلى أنه جمع، واختار قول من قال: إنه جمع، واحتج له بأنه لا يقال: خمس ذود، كما لا يقال: خمس ثوب. أبو عمر: ليس قوله بشيء؛ لأنه لا يقال: خمس ثوب، ولا خمس ثوب، وقد كان بعض الشيوخ لا يرويه إلا ذود خمس على التنوين، لا على الإضافة، وعلى هذا يصح ما قاله أهل اللغة، وهذا إن تصور له ههنا، فلا يتصور في قوله: أعطانا خمس ذود. قال عياض: قال غير واحد: ومقتضى لفظ الأحاديث إطلاقه على الواحد، وليس فيه دليل على ما قالوا، وإنما هو لفظ

الجمع، كما قالوا: ثلاثة رهط ونفر ونسوة، ولم يقولوه لواحد منهما، واشتقاقه مؤيد قول أهل اللغة؛ لأنه من ذاد يذود، إذا دفع، وكأنه مصدر سمي به؛ لأن الواحد من الإبل لا كلفة على الراعي فيه، فكذلك الاثنان، فإذا بلغت ثلاثة وأكثر تصاولت وتزاحمت على الماء، فاحتاج الراعي أن يذود بعضها عن بعض. و"الأوقية" [2]: مشتقة من الأوق؛ وهو الثقل، يقال: ألقى عليه أوقه. ويقال في جميعها: أواقي- بالتشديد- وأواق- بالتخفيف-. و"الورق"- بكسر الراء-: المال من الفضة، وبفتحها: المال من الغنم والإبل. قال العجاج: إياك أدعو فتقبل ملقي فاغفر خطاياي وثمر ورقي المال من الفضة:/ 28/ب رقة على مثال عدة، وجمعه: رقون، وقيل: الورق والرقة: الدراهم خاصة، وقيل: الورق: المصكوك خاصة، والرقة: الفضة كيف ما

كانت. وقيل: الورق والرقة سواء، يقعان على مصكوك، وغير مصكوك، وإنما الرقة منقوصة ورقة، من الورق. وقوله: "إنما الصدقة في الحرث، والعين، والماشية" [3]. "العين": المال الناض من الذهب والفضة، وسمي عيناً؛ لأنه أفضل المال وخيره، وعين كل شيء خياره، ومنه فلان عين قومه: إذا كان سيدهم. وأما "الحرث" فإنما هو مصدر من قولهم: حرثت أحرث حرثاً، ثم سمي الشيء المحروث حرثاً مجازاً، كما أن العدل مصدر عدل يعدل، ثم يقال للرجل العادل: عدل، والحرث مشتق من قولهم: أحرثت الدابة؛ إذا أضعفتها بطول السفر؛ لأن الذي يخرق الأرض يوهنها ويذهب شدتها وصلابتها، وسمي الكسب حرثاً واحتراثاً، ومنه قول عبد الله بن عمر: "واحرث لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". و"الماشية": اسم يوقعونه على المال من الحيوان، واشتقاقه من مشى الشيء، إذا نهض، يراد به نماؤه ونماء مثله، يقال: مشى المال، وأمشى الرجل؛ إذا كثرت ماشيته، قال النابغة الذبياني:

(الزكاة في العين من الذهب والورق)

وكل فتى وإن أمشى وأثرى ... ستخلجه عن الدنيا منون (الزكاة في العين من الذهب والورق) "أعطيات" [4]. جمع: أعطية، وأعطية جمع: عطاء، فهي جمع الجمع، والعطاء يكون اسماً للشيء المعطى، يقال: قبض الرجل عطاءه، ويكون مصدراً بمعنى الإعطاء، وإنما يأتي ذلك في الشعر، كقول القطامي: وبعد عطائك المائة الرتاعا والمراد به في هذا الحديث: الشيء المعطى بعينه. وقوله: "وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار" [7]. كلام فيه حذف وتقديره: ثمانية دراهم منها بدينار، ولابد من هذا التقدير؛ ليعود من الجملة عائد على المبتدأ، ونظيره قول العرب: "الشاء شاة بدرهم" معناه: شاة منها. وقوله: "من يوم زكيت". يجوز في "يوم" النصب والخفض، فمن نصبه: بناه على الفتح؛ لإضافته إلى الجملة. ومن خفض أعربه بما يستحقه في نفسه من الإعراب، ونظيره قوله تعالى: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ}، و {يَوْمِئِذٍ} ومن خفض اليوم ونونه فقال: "من يوم زكيت"، لزمه أن يقدر في الكلام ضميراً محذوفاً يعود إلى اليوم، تقديره: زكيت فيه؛ لأن قوله: "زكيت" صفة

(الزكاة في المعادن)

لليوم، فيلزم أن يكون فيه [ضمير] عائد إلى الموصوف، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، فكذلك قوله في هذا الباب: "من يوم بلغت" يجوز فيه ما جاز في قوله: " [من يوم] زكيت"، وكذلك قوله: "من يوم يقبضه" و"من يوم أفادها". وقوله: "ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه". كلام- أيضاً- فيه حذف واختصار، تقديره: فلا زكاة عليه فيها. (الزكاة في المعادن) "المعدن"- بفتح الميم وكسر الدال-، ومن فتح الدال أو كسر الميم فقد أخطأ؛ لأنه مفعل من عدن بالمكان يعدن عدناً وعدوناً؛ إذا أقام به، كالمضرب، من ضرب يضرب. سمي معدناً؛ لإقامة الجواهر وثباتها به، أو لعمارة الناس إياه، ومنه قيل لموضع الوحش الذي تألفه وتسكنه: معدن. و"القبلية" [8]- بفتح القاف والباء-: موضع. وفي غير رواية مالك: "معادن القبلية، جلسيها وغوريها" الجلسي

(زكاة الركاز)

- ساكن اللام- ما ولي نجداً، والغوري: ما ولي تهامة، يقال لنجد: جلس، ولتهامة: الغور. ويقال: جلس يجلس؛ إذا أتى نجداً. وقوله: "قطع لبلال بن الحارث" [8]. يقال: قطع السلطان لفلان كذا، وأقطعه كذا، فتكون الهمزة معاقبة للام، والأشهر قطعه. و"الفرع": موضع يجوز فيه ضم الراء وتسكينها، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون جمع فروع، وهو الصعود في الأرض، فيكون بمنزلة رسول، ورسل. ويجوز أن يكون جمع فارع، وهو الموضع المشرف، فيكون/ 29/أكقولهم: بازل وبزل، وأن يكون جمع الفرعة، وهي رأس الجبل، جمع على فراع، كما قالوا: أكمة وإكام، ثم جمع فراع على فرع، كما قالوا: كتاب وكتب، وحمار وحمر. و"النيل": العطاء. (زكاة الركاز) لما ذكر مالك هذا الحديث في كتاب "العقول" بتمامه، وفيه "جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار" أردنا تقديم شرح هذه الألفاظ:

(ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر)

فـ "العجماء"- عند العرب-: كل بهيمة، وسبع، وحيوان غير ناطق مفصح. قال الشاعر- يصف كلباً: يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلاً ... يكلمه من فمه وهو أعجم وقال حميد بن ثور- يصف حمامة-: ولم أر محزوناً له مثل صوتها ... ولا عربياً شاقه صوت أعجما قال ابن جريج: الجبار في كلام أهل تهامة: الهدر، وقال أهل اللغة: الجبار: الهدر الذي لا يجب فيه شيء، وجرح العجماء: جنايتها، وتقدم في "الركاز". (ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر) "اليتيم" [10]: هو الذي مات أبوه واحتاج إلى الولاية عليه، يقال: امرأة مؤتمة، أي: ذات أيتام، وهذا في بني آدم، وأما في سائر الحيوان فاليتم من قبل الأم، يقال: يتم ييتم، ويتم ييتم يتماً ويتماً، فهو يتيم، ثم يجمع

(زكاة الميراث)

على أيتام، وهو قليل في جمع فعيل، وكذلك يتامى، وقال صاحب "العين": يتيم ويتامى كأسير وأسارى، قال: واليتامى جمع يتيم ويتيمة، ومثله المساكين: جمع المسكين والمسكينة، ثم هذا الاسم يلزمه إلى البلوغ، ثم لا يتم بعد الاحتلام، وأما قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} فإنما ذلك للزوم الاسم إياهم قبل البلوغ، أي: الذين كانوا يتامى. وقوله: "في حجرها"- بالفتح لا غير- ومعناه: في حضانتها وتربيتها، وتحت نظرها، ومنعها مما يجب المنع منه، و"الحجر": المنع، يقال: فلان في حجر فلان؛ إذا كان مانعاً له من التصرف. (زكاة الميراث) قوله: "إن الرجل إذا هلك ولم يؤد زكاة ماله، إني أرى أن يؤخذ ... " [16]. كان الوجه أن يقال: فإني أرى أن يؤخذ؛ لتكون الفاء جواب "إذا"، كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} ولكن كذا رواه جميع الرواة؟!. وقوله: "وتبدى على الوصايا" يقال: بدأت- بالتشديد-، فإذا جئت

(الزكاة في الدين)

بالباء، قلت: بدأت به- مخفف- كما يقال: سيرته وسرت به، ولا يجتمع التشديد والباء؛ لأنهما متعاقبان، ويجوز "بدأت" بالتخفيف دون باء. ويقال: أوصى ووصى؛ وهما لغتان. وقوله: "من يوم باعه" يجوز فتح الميم، وكسرها من غير تنوين، و"اليوم" في كلا الوجهين مضاف إلى الجملة، فإن خفضته ونونته جاز، لكن لابد من تقدير محذوف، كأنه قال: من يوم باعه فيه؛ لأن الجملة حينئذ صفة لليوم، فيلزم أن يكون فيها ضمير عائد على الموصوف، ونظيره قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} أي: لا تجزي فيه، وتقدم هذا. (الزكاة في الدين) قوله: "فإن كان ضماراً" قال مالك: هو المحبوس عن صاحبه، وقال الخليل:

(زكاة العروض)

الضمار: هو الذي لا يرجى عوده. وقيل: الغائب. وفي "الجمهرة": المال الضمار: وهو خلاف العيان. وقال أبو عبيد: هو الغائب الذي لا يرجى، وإذا رجي فليس بضمار، وأضمرت الشيء: إذا غيبته. أبو عمر: الضمار: الغائب عن صاحبه، الذي لا يقدر على أخذه، أو لا يعرف موضعه، ولا يرجوه، وقد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر وفسر فيه الضمار، وذكر أبو عمر وغيره، عن ابن عيينة، عن عمرو بن ميمون، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران: "أن انظر أموال بني أبي عائشة التي كان قد أخذها الوليد بن عبد الملك، فردها عليهم، وخذ زكاتها، لما مضى من السنين" قال: ثم أردفه بكتاب آخر "لا تأخذ منها إلا زكاة واحدة، فإنه كان مالاً ضماراً" والضمار الذي لا يدري صاحبه أيخرج أم لا، وهذا التفسير جاء في الحديث، وهو عندهم أصح وأولى. (زكاة العروض) العروض من المال: ما ليس بنقد، واشتقاقه من قولهم: عارضت الشيء بالشيء: إذا قابلته به، ويجوز/ 29/ب أن يكون مشتقاً من قولهم: عرض لي

(ما جاء في الكنز)

الأمر يعرض؛ لأن السلع سبب توصل إلى النماء، فهو كالشيء الذي يعرض والمراد غيره. ومعنى: "جواز مصر" أنه كان لا يجوزها إلا برقعته. وإدارة التجارة: تصريفها ومعالجتها، ابتغاء لنيل المنفعة منها. و"الجداد" مصدر جددت التمر: إذا قطعته. و"النض" و"الناض" المال الصامت من الدراهم والدنانير، واشتقاقه من قولهم: نض الماء ينض: إذا خرج من حجر، وذلك الماء النض والنضيض. ويقال: فلان يستنض معروف فلان، أي: يستخرجه الشيء بعد الشيء. و"التنضيض": القليل من المطر، وجمعه: أنضة ونضائض. (ما جاء في الكنز) "الشجاع" [22]: الحية الذكر، وقيل: بل كل حية، وقيل: الشجاع منها: الذي يواثب الفارس يكون في الصحارى، قال الشماخ: فأطرق إطراق الشجاع وقد جرى ... على حد نابيه الزعاف المسيم وقال المتلمس: فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغاً لنابيه الشجاع لصمما

وتكسر الشين وتضم، والجمع: شجعان- بالضم والكسر أيضاً-، وأشجعة، ويقال لها- أيضاً: أشجع، وضبط بالرفع والنصب، والرفع رواية الطرابلسي في "الموطأ"، والنصب كأنه مفعول ثان، والأول الكثير الرفع وهو أظهر، ويكون "مثل" بمعنى صير وجعل كنزه بهذه الصفة- كما جاء في حديث آخر: "يجيء كنز أحدكم شجاعاً". ومعنى "أقرع": قد تمعط شعر فروة رأسه لكثرة سمه، والأقرع: الذي لا شعر له على رأسه، وفي الحديث: "قرع أهل المسجد، حين أصيب أصحاب أهل النهر" أي: قل أهله، كما يقرع الرأس إذا قل شعره، وقيل: هو الذي برأسه بياض، وقيل: كلما كثر سمه ابيض رأسه. وقوله: "زبيبتان" قيل: زيادتان في جانبي شدقه من السم، كما تكون [في] الإنسان من كثرة الكلام، وقال الداودي: هما نابان يخرجان من فيه.

(صدقة الماشية)

وقيل: هما نقطتان سوداوان فوق عينيه، وهي علامة نكارته، ولا يعرفه أهل اللغة. وقيل: "الزبيبتان" نكتتان على شفتيه، والأول أكثر. (صدقة الماشية) إذا وضعت الناقة قيل لولدها: سليل قبل أن يعلم أذكر هو أو أنثى، ويقال له إذا كان ذكراً: "سقب"، وأمه: مسقب، ويقال للأنثى: حائل، وأمها: [أم] حائل، فإن وضعته في أول زمن النتاج فهو "ربع" ويسمى في جميع هذه الأحوال "حوار" فإذا دخل في السنة الثانية وفصل عن أمه فهو "فصيل" وهو "ابن مخاض"؛ لأن أمه فيها من المخاض، وهن من الحوامل قد مخض بطنها أي: تحرك فينسب إليها، فإذا دخل في الرابعة فهو "حق" لاستحقاقه أن يحمل عليه، فإذا دخل في الخامسة فهو "جذع" وهو أعلى سن تجب فيه الزكاة، فإذا دخل في السادسة وألقى ثنيته فهو "ثني" فإذا دخل في السابعة وألقى رباعيته فهو "رباع" فإذا دخل في الثامنة وألقى السن الذي بعد الرباعية فهو "سديس" و"سدس"، فإذا دخل في التاسعة وفطر نابه وخرج فهو "بازل" والبازل في الإبل كالقارح في

الخيل، فإذا أتى عليه عام بعد ذلك فهو "مخلف" وليس له اسم بعد ذلك، ولكن يقال: مخلف عام، ومخلف عامين، فما زاد، ثم لا يزال كذلك حتى يكون "عوداً" إذا أهرم. فإذا أردت المؤنث من هذه الأسماء في الأسنان كلها زدت هاء التأنيث، فقلت: ابنة مخاض، وابنة لبون، وحقة، وجذعة، وثنية، ورباعية مخففة الياء. وأما السديس والسدس والمخلف فإنهما سواء في المذكر والمؤنث، لا تدخل فيهما الهاء. و"الطروقة": التي يطرقها الفحل، يقال: طرق الفحل الناقة يطرقها طرقاً، أي: ضربها وهي تلقح، وهذه هي التي أكملت الثلاث سنين، ودخلت في الرابعة/ 30/أولا يلقح الذكر حتى يكون ثنياً، وهو الذي يدخل في السنة السادسة. وقوله: "فابن لبون ذكر" وإن كان الابن لا يكون إلا ذكراً، فيحتمل أن يريد به البيان؛ لأن الحيوان ما يطلق على الذكر والأنثى منه لفظ ابن، كابن عرس، وابن آوى، وابن قترة، فبين بقوله: "ذكر"؛ لئلا يلحقه السامع بما ذكرنا، ويحتمل أن يريد به مجرد التأكيد؛ لاختلاف اللفظ، كقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)}. ويحتمل أن الولد يقع على الذكر والأنثى، ثم قد يوضع الابن موضع الولد، فيعبر به عن الذكر والأنثى، فعينه بذكر؛ ليزول الالتباس. و"السائمة" اسم يقع على ما يسرح من الماشية ويرعى، و"السوم":

الذهاب في كل وجه، يقال: سام [الجراد] يسوم. و"التيس": الذكر من المعز، وهو الذي لم يبلغ حد الفحولة، فلا منفعة فيه لضراب، ولا لدر، ولا نسل. "التيس" عند العرب: كل ما ينزو على الغنم من ذكور الضأن كان أو من المعز. و"الهرمة": التي قد أضر بها الكبر، وبلغت منه حداً لا يكون فيها در ولا نسل. و"العوار"- بضم العين وفتحها-: العيب. والعرب تسمي الشيء إذا استقبحته أعور؛ ولذلك قالوا للكلمة القبيحة: عوراء. وقال ابن حبيب: العوار- بالفتح-: العيب، وهو الذي في الحديث، وأما برفع العين، فمن العور، وقيل بالعكس. و"السوية": العدل والإنصاف، وهي مشتقة من الاستواء. و"الرقة"- كما تقدم، بكسر الراء وتخفيف القاف: الورق بعينه، وأصلها: ورقة، حذفت منها الواو، كما حذفت من عدة جهة، وزنة. وحكى عبد الوهاب: أن من الأصحاب من قال: هو اسم للذهب والورق، والأول

(ما جاء في [صدقة] البقر)

أظهر. ويقال: ربع وعشر- بالتسكين والضم-، وكذلك يفعل بالثلث، فما فوقه من الأجزاء إلى العشر. (ما جاء في [صدقة] البقر) يقال لولد البقرة أول سنة: "تبيع" و"تبع"- بكسر التاء وسكون الباء- لبني كلاب؛ وإنما يقال له: تبيع؛ لأنه لا يقوى على اتباع أمه. أبو الوليد: وإنما يكون كذلك إذا دخل في السنة الثانية، وقال ابن حبيب: التبيع: هو الجذع من البقر، وهو ابن سنتين، وقال ابن نافع: التبيع: هو الجذع من البقر، وهو الذي أوفى سنتين، ودخل في الثالثة، فإذا دخل في الثالثة فهو "جذع" فإذا دخل في الرابعة فهو "ثني". و"المسنة" قال عبد الوهاب: هي التي دخلت في السنة الثالثة. وقال

ابن حبيب وابن المواز: هي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، فإذا دخل في الرابعة فهو "رباع" فإذا دخل في الخامسة فهو "سديس" فإذا دخل في السادسة فهو "صالغ" و"سالغ"- بالصاد والسين-. وأولاد المعز كذلك، لا فرق بينهما إلا في السنة الأولى، فإن ولد الضأن في أول سنة يقال له: "حمل"، وولد المعز [في] أول سنة: "جدي"، ثم تنقلها في الأسنان كنقل أولاد البقر. وفي كتاب "العين": التبيع: الفحل من أولاد البقر. وفي "الضأن" لغات: يقال: ضأن- بسكون الهمزة وبفتحها- وضئين- بفتح الضاد وبكسرها- وأضؤن، وأضآن، والواحدة منها: ضائنة. ويقال: "معز"- بسكون العين، وفتحها- ومعزاء، وأمعوز، ومعيز، والذكر: ماعز، والأنثى: ماعزة. وقوله: "غنم على راعيين" معناه: مقسومة على راعيين، فلذلك جاز استعمال "على" في هذا الموضع، ويجوز أن يكون "على"- هنا- بمعنى: "عند"، كما تقول: على فلان دين، ويجوز أن تكون بمعنى: "مع". وقوله: "فإن كانت الضأن هي أكثر" يجوز في "أكثر" النصب، على أن

تكون "هي" فصلاً، ويجوز الرفع على الابتداء والخبر، ونظيره قوله: "وإن كانت العراب هي أكثر". وقوله: "فإن استوى الضأن والمعز، أخذ [الشاة] من أيتهما شاء". إنما ثنى الضمير، وإن كان ما قبله جمعاً، حملاً على معنى الصنفين، أو النوعين؛ وكذلك قوله في "الإبل العراب والبخت يجمعان" إنما هو محمول على المعنى، وهذا كما قالت العرب: إبلان؛ ذهبوا إلى القطيعين. و"الإبل العراب": هي العربية. و"البخت": إبل بجهة خراسان، يزعمون أنها تولدت بين الإبل العراب و"الفوالج"، و"الفوالج": إبل لكل واحد منها سنامان، واحدها: فالج، وواحد البخت: بختي. وأما "الجواميس" فإنها نوع من البقر في ناحية مصر تعوم في النيل،/ 30/ب وتخرج إلى البر، ولكل بقرة منها قرن واحد، والواحد منها: جاموس. وقوله: "من يوم أفادها" يجوز فتح الميم "من يوم" وكسرها بغير تنوين؛ ويجوز أن تنون مع الكسر، وتجعل موضع "أفادها" موضع الصفة لليوم، ويقدر ضمير محذوف، كأنه قال: من يوم أفادها فيه، وتقدم مثل هذا في مواضع. وقوله: "هذا أحب ما سمعت إلي في هذا" يحتمل معنيين؛ أحدهما: أنه يحب هذا القول دون غيره من الأقوال، وعلى هذا يقال: زيد

(صدقة الخلطاء)

أحق بماله من غيره، وإن كان لا حق لغيره فيه، وعلى هذا المعنى بيت حسان: أتهجوه ولست له بند ... فسركما لخيركما الفداء فقال: "شركما" ولا شر في النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: "لخيركما" ولا خير في هاجي النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل: أن يريد: أن سائر الأقوال لها عنده وجه ودليل صحيح يقتضي محبته لها لأجل ذلك الدليل، إلا أن دليل هذ القول أبين وأرجح، فيكون "أفعل" على بابه في المشاركة. و"النواضح من الإبل" هي التي يستقى عليها الماء من الآبار لسقي الأرض والنخل. و"البقر السواني": التي تسنو بالسانية؛ لسقي الأرض والنخل أيضاً. (صدقة الخلطاء) "الخليط" المخالط، وهو فعيل بمعنى مفاعل، وكذلك الشريك بمعنى: مشارك، كما قال تعالى: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86)} أي: محاسباً. ويقال: فلان جليسي، وأكيلي، وشريبي، أي: مجالسي، وكل من خالطك في أي شيء كان فهو خليط، قال زهير: إن الخليط أجدوا البين فانفرقا

(ما جاء فيما يعتد به من السخل [في الصدقة])

و"المراح"- بضم الميم وفتحها-: الموضع الذي تروح إليه الإبل، فمن فتح جعله من راح يروح، ومن ضم جعله من أراح الرجل الإبل وغيرها يريحها: إذا ردها من المرعى، ويكون مصدراً، ويكون اسم المكان الذي تروح فيه الماشية. وقوله: "أربعون شاة فصاعداً". أي: زائداً على ذلك، ولا يجوز فيه غير النصب، ولا يستعمل بالواو، وإنما يستعمل بالفاء، أو بـ "ثم". ومعنى: "أظلهما المصدق": غشيهما أو فاجأهما وأصله: أن يقرب الشيء من الشيء حتى يقع ظله عليه. (ما جاء فيما يعتد به من السخل [في الصدقة]) "السخلة" ولد الشاة والماعز حين تضعه أمه ذكراً كان أو أنثى، وهو البهمة أيضاً، وجمعه: سخل، وسخال، وسخلات. وجمع بهمة: بهم، وبهام، وبهمات، وأصله: كلما استبهم عن الكلام، وباب مبهم: مسدود. و"الأكولة"- بفتح الهمزة-: الكثيرة الأكل، فعولة بمعنى فاعلة. وقيل: هي المتخذة للأكل لا للنسل، تسمن لتؤكل وليست بسائمة: فعولة

بمعنى مفعولة. وقال السلمي فيها قولاً، يعني به الفحول، قال: وسمعت أن الأكولة: الرباعية، قال: وهي عندي أحسن ما قيل؛ لقول عمر أول الحديث: "خذ منهم الجذعة والثنية فإنه عدل بين أعلا المال وأسفله". وقال شمر: الأكولة من الغنم: الخصي/ والهرمة، والعاقر؛ كأنه يريد: التي لا تراد إلا للذبح. ورواه بعض المحدثين: "الأكيلة"، وهو خطأ؛ وإنما الأكيلة المأكولة. يقال: هذه أكيلة السبع، وأكيلة الأسد، وليست الأكيلة، مما تسمن لتؤكل. و"الربى": القريبة العهد بالولادة فهي تربي ولدها. وقيل: لا يقال ذلك إلا للنعجة خاصة. وقيل: إنما يقال في الناقة والبقر والمعز، ولا يقال في النعجة، وقيل: الربى: هي التي يحمل عليها الراعي أداته، والأول أعرف، وجمعها: رباب- بضم الراء- فأما الرباب- بكسر الراء- فإنها المدة التي يقع عليها هذا الاسم، وذلك ما بين ولادتها إلى تمام خمس عشرة ليلة، يقال: هي في ربابها. و"الماخض": الحامل التي/ 31/أشارفت الولادة. و"المخاض"- بفتح الميم، وكسرها: وجع الولادة، فإذا أردت الإبل الحوامل قلت: مخاض بالفتح لا غير. وزعم الأصمعي: أن واحدة المخاض: خلفة، من غير لفظها،

وهو غير صحيح. و"الغذاء" جمع غذي، وهو الصغير الذي يغذى باللبن، وهو بمعنى مغذو، كما قالوا: قتيل بمعنى مقتول، قال الشاعر: غذي بهم ولقماناً وذا جدن وفي قوله: "غذاء" شذوذ عما جرى الاستعمال به، وذلك أن فعيلاً إنما يجمع على فعال إذا كان بمعنى فاعل، نحو كريم وكرام، وظريف وظراف، فإذا كان بمعنى مفعول لم يجمع على فعال، لا يقال: قتيل وقتال، ولا جريح وجراح، إنما يقال: قتيل وقتلى، وجريح وجرحى. وقد جاء من ذلك شيء

(النهي عن التضيق على الناس [في الصدقة])

قليل شذ، وهو قولهم: فصيل وفصال، وسيف صقيل، وسيوف صقال. والوجه: أنهم جعلوه غذياً بمعنى مغتذ، وفصيلاً بمعنى منفصل عن الضرع، وصقيلاً بمعنى منصقل. وقوله: "فكان يعد على الناس بالسحل" هذه الباء التي تنوب مناب واو الحال، في قولهم: جاء زيد بثيابه؛ أي: وثيابه عليه، والتقدير: يعد الغنم والسحل فيها. ومنهم من يرى الباء في مثله زائدة، فيقدره يعد على الناس السخل و [قوله تعالى] {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} نظيره [قوله تعالى]: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} و [قوله تعالى] {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} و [قوله تعالى] {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (79)}. (النهي عن التضيق على الناس [في الصدقة]) "الشاة الحافل": التي امتلأ ضرعها من اللبن فعظم لذلك، ومنه

قيل: مجلس حافل ومحتفل، وكان الوجه أن يقال: حافلة- بالهاء- ولكنه جاء على معنى النسب، أي: ذات حفل، ولم يبن على الفعل كما قالوا: امرأة حاسر، وعاشق، وناقة ضامر، فإذا بنوه على الفعل قالوا: حافلة، وحاسرة، وعاشقة، وضامرة، قال ذو الرمة: ولو أن لقمان الحكيم تعرضت ... لعينيه مي حاسراً كاد يبرق و"الحزرات": خيار المال، والواحدة: حزرة، ويقال- أيضاً-: "حرزات" بتأخير الزاي، والأول أكثر، وهو مشتق من حزرت الشيء: قدرته؛ كأن صاحبها لا يزال يحزرها في نفسه. وقيل: لأن نفس الإنسان تشفق عليها، وتتوجع لأخذها، وهي مشتقة من حزر اللبن؛ إذا اشتدت حموضته، وحزر القوم؛ إذا مات خيارهم، وكذلك قال ابن بكير عن الليث: الحزرات: وجع القلب، وأنشد الأصمعي: والحزرات حزرات النفس والثاني: مشتق من الإحراز؛ كأن صاحبها يحرزها، أي: يحفظها ويمنعها.

(آخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها)

ومعنى: "نكبوا": اعدلوا وميلوا؛ من قولهم: نكب عن الطريق- بالتخفيف والتشديد-؛ إذا انحرف، وقالوا- أيضاً- نكب- بكسر الكاف- نكباً، قال ذو الرمة: هيف يمانية في قدها نكب وأصله: من عطف منكبه عما لا يعتمده. وأراد بالطعام- هنا-: اللبن، أي: اتركوا ذات اللبن، وخذوا الجذعة والثنية، وكذا فسره أبو قرة عن مالك. (آخذ الصدقة ومن يجوز له أخذها) "الغارم": المدان، وأصله اللزوم، يقال: غريم؛ لمن له الدين، ولمن عليه الدين؛ لأن من عليه الدين هو لازم له، ولمن له الدين؛ لأنه يلزم من عليه الدين.

قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الحق- أيده الله تعالى بتوفيقه-: ولما كان هذا الباب كالتفسير لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...} الآية. قلنا: اختلف العلماء وأهل اللغة في الفقير والمسكين؛ فقال قوم: هما سواء. وقيل: بل الفقير غير المسكين واستدلوا بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فلو كانا سواء لاكتفى بذكر الواحد عن ذكر الثاني، ولكان عطف الشيء على نفسه، ولا يجوز. واختلف الذين قالوا: إن أحدهما غير الآخر، فروي في كل ذلك عن المفسرين والفقهاء أقوال لا يقوم على شيء منها دليل من كلام العرب، وإنما تؤخذ منهم اتباعاً، فروي عن قتادة أنه قال: الفقير: المحتاج الذي به زمانة، والمسكين: المحتاج الذي ليس به زمانة. وروي عن مجاهد والزهري أنهما قالا: الفقير: الذي لا يسأل الناس، والمسكين: الذي يسأل./31/ب وروي عن الضحاك أنه قال: الفقراء: من المهاجرين، والمساكين: من الأعراب.

وروي عن ابن عباس أنه قال: الفقراء: من المسلمين، والمساكين: من أهل الذمة. ومجاز قول ابن عباس والضحاك- إن صح عنهما هذا- من الألفاظ التي تصرفت فيها الشريعة، كالأيمان، والصلاة، والوضوء، والأذان. وقول قتادة: الفقير: المحتاج الذي به زمانة، والمسكين: المحتاج الذي لا زمانة به، مخالف للقرآن والإجماع، وكلام العرب. أما القرآن فقوله تعالى: {إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}، ولم يكن من ذوي الزمانة، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} وفيهم الصحيح والزمن، وقال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}، [وقوله تعالى]: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. والإجماع على أن للمكفر أن يطعم عشرة من ذوي الحاجة ممن يسأل، وممن لا يسأل من ذوي الزمانة وغيرهم، فلا وجه لتخصيص ذي الزمانة. وأما مخالفته لكلام العرب، فإن العرب تجعل كل محتاج إلى شيء فقيراً إليه، ولا يختصون زمناً من غير زمن، لا يعلم في ذلك خلاف، وهو كثير في أشعارها. ومما يدل- أيضاً- على بطلانه أن الذين فضلوا الفقير على الغني، إنما استحسنوا قلة المال الذي لا يشغل عن الطاعة،

ولم يستحسن واحد منهم الزمانة في الأجسام، بل استعاذوا بالله منها، وكأن قائل هذا القول صدر منه من غير تأمل، وغره قول أهل اللغة: إن الفقير: المكسور الفقار؛ وإنما أرادوا تشبيهه بمن انكسر فقاره، ولم يريدوا أنه مكسور على الحقيقة. وما روي عن مجاهد والزهري من أن الفقير: الذي لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل، غلط أيضاً، يبطله ما تقدم؛ فلا وجه لاعتباره: الصحة والزمانة، والسؤال وغير السؤال في الفرق بينهما، وإنما ينبغي أن يعتبر أيهما أحسن أو أسوأ حالاً، وهو أمر تنازع فيه الناس، فقال قوم: الفقير أحسن حالاً من المسكين، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أكثر المالكية، وممن ذهب إليه يونس بن حبيب، ويعقوب، وابن قتيبة، قالوا: الفقير: الذي له البلغة من العيش، واحتجوا ببيت الراعي: أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد فجعل له حلوبة، وجعلها وفقاً لعياله، أي: قوتاً لا فضل فيه، واحتجوا على أن المسكين الذي لا شيء له بقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} أي: قد لصق بالتراب، واحتجوا بأنه مشتق من السكون، وأنه بني على زنة "مفعيل" للمبالغة، أرادوا أنه قد حل محل الميت الذي لا حراك له. واحتج يونس بأن قال: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله، بل

مسكين. وقال آخرون: المسكين: هو الذي له البلغة من العيش، والفقير: هو الذي لا شيء له، وهو قول الأصمعي، وأبي جعفر، وأحمد بن عبيد، وابن الأنباري، وقول الكوفيين من الفقهاء، ذكره عنهم الطحاوي، وهو أحد قولي الشافعي، وأكثر أصحابه. واحتجوا بأشياء، منها: قوله تعالى: {أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} فجعل لهم سفينة، وقاسها أن الفقير في اللغة المكسور الفقار، ومن تأول القولين جميعاً وجد الأول أصحهما وأثبتهما، ولا حجة لهؤلاء؛ لأن قوله: {أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} يحتمل تأويلين: أحدهما: أنه ليس فيه دلالة على أنها كانت ملكاً لهم، وليس من شرط الإضافة أن يراد بها الملك في كل موضع، والعرب تضيف الشيء إلى الشيء وتنسبه إليه؛ لما بينهما من الملابسة والمجاورة، يقولون: هذا الباب للدار، وهذه الدابة لفلان السايس، فيجوز أن الله تعالى نسبها إليهم؛ لأنهم كانوا يتولون أمرها، وقد قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)}، ولا مقام لله

تعالى، ولا هو من صفاته، وإنما هو للعبد بين يديه، وإنما المعنى مقامه بين يدي، أو عندي. والتأويل الثاني: أن يكون الله سماهم مساكين على جهة الترحم الذي تستعمله العرب في قولهم: مررت بزيد المسكين، يسمونه مسكيناً إشفاقاً وتحنناً، وليس مسكيناً حقيقة، ويبينه ما روي من قوله عليه السلام: "مسكين مسكين رجل لا أهل له". ولم يقع الخلاف في المسكين الذي يستعمل مجازاً، ولا على وجه التمثيل، إنما وقع في المسكين على الحقيقة؛ فلذلك لم يكن في الآية حجة. وأما احتجاجهم بأن الفقير المكسور الفقار، فلا حجة فيه لوجهين: أحدهما: أنه تمثيل وليس بحقيقة. والثاني: أنه يجوز/ 32/أأن يكون مشتقاً من فقرت أنف البعير: إذا حززته بحديدة، ثم وضعت على موضع الحز الحديدة، وعليه وتر ملوي؛ لتذلله وتروضه، فيكون سمي الفقير؛ لأن الدهر أذله، وفعل به ما فعل بالبعير الصعب. وقال أبو الحسن الأخفش: الفقير: مشتق من قولهم: فقرت له فقيرة من المال؛ أي: أعطيته. واعترض القائلون بأن المسكين أحسن حالاً من الفقير في بيت الراعي، فقالوا: لما وصفه بأن له حلوبة، دل على أن يكون فقيراً، ليس كذلك، وهو فاسد؛ لأن أقل ما يلزم منه أن الفقير يقع على من له حلوبة، وعلى من لا حلوبة له؛ فلذلك وصفه للبيان، وفيه خلاف لما ادعوه من أن الفقير إنما يخص لمن لا شيء له، وإنما احتاج الراعي إلى أن يبين أن الفقير الذي كان

بهذه الصفة جار عليه الصديق فكيف غيره؟! لأنه شكى إلى عبد الملك بن مروان عماله، ووصف جورهم، وكذلك وصف المسكين في الآية بأنه ذو متربة ليس يوجب أن يكون ثم مسكين آخر له بلغة من العيش؛ لأن الصفة في كلام العرب على ضربين: أحدهما: يراد به الفرق بين الموصوفين إذا التبسا، كقوله: مررت بزيد العاقل، إذا كان المخاطب يعلم رجلين، أحدهما عاقل، والآخر أحمق يسمى كل واحد منهما زيداً. والضرب الثاني: يراد به المدح أو الذم أو الترحم، والتحقيق من غير أن يكون هناك موصوف آخر مخالف له في الصفة، كقولك لمن تخاطبه: مررت بأبيك العاقل، أو الأحمق، وكقوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}، وكقوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)}، وكقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}، فليس المراد بهذه الصفات موصوفين يوصفون بخلافها، فكذلك قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}، إنما هي في صفة

(ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها)

قصد بها التحنن والرحمة، وذكر شقوته؛ لأن ثم مسكيناً آخر بخلاف حاله. (ما جاء في أخذ الصدقات والتشديد فيها) "العقال" [30] واحد العقل التي تعقل بها الإبل. قال الليث: وخرج كلامه على التقليل والمبالغة. وقال أبو عبيد: العقال: صدقة عام. وروي أن معاوية بعث عمرو بن عتبة بن أبي سفيان، وهو ابن أخيه ساعياً على كلب، فأساء فيهم السيرة، فقال شاعرهم عمرو بن العداء الكلبي: سعى عقالاً فلم يترك لنا سبداً ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين

(زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب)

وقال مالك، وروى عيسى، عن ابن القاسم؛ أنه قال: العقال: القلوص، ورواه ابن القاسم، وابن وهب، عن مالك. وقيل: العقال: إذا أخذ المصدق الصدقة من عين الشيء المزكى دون عوضه، فإذا أخذ الثمن قيل: أخذ نقداً، قاله المبرد. وقيل: العقال: ما وجبت فيه بنت مخاض. وقيل: العقال: كل أخذ من الأصناف؛ من الأنعام والثمار، والحب والغنم والإبل خاصة؛ فإذا قيل: الأنعام دخلت فيه البقر والغنم. وقيل: هما لفظان بمعنى واحد على الجميع، وتقدم. (زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب) يقال لما كان من سقي السماء: "غذي" و"عثري" ويقال له أيضاً: "العثير" لأنه يصنع له شبه الساقية يجتمع فيها ماء المطر إلى أصوله يسمى "العاثور". وحكى ابن المرابط: عثرياً- بسكون الثاء- والأول أعرف. ويقال لما كان من الأنهار والعيون: "غيل وسيح". وقال يحيى بن آدم: الغيل: السيل دون السيل الكثير. ولما يشرب من عروقه من ثرى الأرض ونداها، ورطوبتها "بعل" وقال الكسائي: البعل: هو الغذاء بعينه، ونص حديث بشر بن سعيد يوجب

أن يكون البعل ما لا تسقيه السماء ولا العيون؛ لأنه قال: "فيما سقت السماء والعيون، والبعل العشر" فجعل ما سقت السماء والعيون صنفاً واحداً، وجعل البعل صنفاً آخر؛ وكذلك حكى أبو عبيد، عن الأصمعي أن البعل: ما شرب بعروقه من الأرض، لا من سقي سماء ولا غيرها، يريد: يستحلب من رطوبة الثرى. وحكى أبو عمر: أن هذا قول أبي عبيد نفسه، وحكاه أبو الوليد عن أبي داود، ونص كلام أبي داود فيه: البعل: ما شرب بعروقه/ 32/ب ولم يتعن في سقيه، وفيه يقول النابغة: من الواردات الماء بالقاع تستقي ... بأعجارها قبل استقاء الحناجر وقال عبد الله بن رواحة: هنالك لا أبالي نخل سقي ... ولا بعل وإن عظم الإتاء يعني الغلة. وحكى أبو عمر، عن النضر بن شميل، البعل: ماء المطر. قال: وهذا يتصرف على ثلاثة أوجه: بعل، وغذي، وسقي؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر". فما سقته السماء: غذي،

وعثري، وما سقت الأنهار، والعيون: غيل وسيح وسقي، والبعل: ما شرب بعروقه من ثرى الأرض، وكذلك حكى أبو الوليد عن ابن حبيب: البعل: ما شرب بعروقه [من ثرى الأرض] من غير سقي سماء، ولا غيرها. قال: وهذا شيء لا أراه إلا بمصر؛ لأنها على كل حال مأخذ سقي النيل. و"السقي"- بفتح السين- مصدر سقيت، و"السقي" بكسر السين: الماء الذي يسقى به. وأما "النضح"- بالحاء غير معجمة-: فهي السقي بالسواني، والدوالي، وهي الخطارات. يقال: نضح ينضح فهو ناضح، ومنه قيل للبعير الذي يخرج الماء من البئر ناضح. و"الغرب" الدلو العظيمة. ويقال: "عشر" و"عشر" بضم

الشين وتسكينها، و"عشير" وكذلك جميع الأجزاء من الثلاثة إلى العشرة، إلا الربع، فإنهم قالوا: ربع وربع، ولم يقولوا: ربيع. و"الجعرور" و"مصران الفارة" و"عذق بن حبيق": أنواع من التمر الذي في الحجاز، حكاه أبو حنيفة عن أبي نصر. وحكى المطرز أنه يقال: خبيق- بالخاء والحاء-. و"العذق"- بالفتح-: النخلة، و"العذق"- بالكسر-: كباستها، و"الكباسة": العنقود من التمر خاصة. و"البردي": نوع من تمر الحجاز، لا يعد في الجيد، ولا في الدنيء. وأما "البرني"- بالنون وفتح الباء- فمن أصناف التمر الجيدة المختارة. ويقال: خرصت النخل وغيره أخرصه خرصاً وخرصاً. وقال بعض اللغويين: بفتح الخاء، المصدر، وبكسرها المخروص نفسه، كما يقال: الرعي المصدر من رعى، والرعي- بالكسر- النبات الذي يرعى. ومعنى الخرص- في اللغة-: التقدير والتخمين الذي ليس معه يقين. ومنه؛ قيل: خرص الرجل يخرص: إذا قال بالظن، وكذب.

و"الرطب"- بضم الراء، وفتح الطاء-: التمر الذي أدرك، وصلح للأكل. يقال منه: أرطب النخل فهو مرطب. قال امرؤ القيس: عثاكيل تمر من سميحة مرطب وأما "الرطب"- بضم الراء وتسكين الطاء-: فإنه النبات الأخضر قبل أن يجف. وأما "الرطب"- بفتح الراء، وتسكين الطاء: فهو ضد اليابس من كل شيء، وهو ما ذكر مالك في قوله: "فأما ما لا يؤكل رطباً". وقوله: "وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطباً" فهذا مضموم الراء مفتوح الطاء. و"الثمر"- بالثاء مثلثة، وفتح الميم-: اسم واقع على حمل كل شيء من الشجر نخلة كانت أو غيرها. يقال: شجر مثمر؛ إذا طلع ثمره، وشجر ثامر؛ إذا نضج ثمره. وأما "التمر"- بالتاء باثنتين، وسكون الميم- فإنما هو حمل النخلة خاصة، وأكثر ما يقع عليه الاسم بعد جفافه ويبسه، ويقال: تمرته، وأتمرته: إذا أطعمته. و"الجداد"- بفتح الجيم وكسرها-: صرام النخل، يقال: جددته أجده، وقد أجد التمر؛ إذا حان أن يجد. وقول مالك: فأما ما لا يؤكل رطباً، وإنما يؤكل بعد حصاده" كذا وقع في جميع نسخ "الموطأ"، وتفقدته في كل نسخة وقعت بيدي، فوجدته كذا، وهو كلام وقع في بعض ألفاظه تكرير؛ لأنه كرر، وإنما على أهلها مرتين، وكان الوجه إسقاط

(زكاة الحبوب والزيتون)

الثاني من اللفظين؛ لأن الأول يغني عنه، لكن العرب تكرر اللفظ المستغنى عنه توكيداً وتشديداً للمعنى، كقوله تعالى: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}، وقوله [تعالى]: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا}، وفي هذا الكلام- أيضاً- شيء آخر، وهو أنه حمل بعض الضمائر على لفظ "ما" من قوله: "فأما ما لا يؤكل" فذكرها، وحمل بعضها على المعنى فأنثها، وذلك كثير في الكلام. ويقال: "حصاد" و"حصاد"- بفتح الحاء وكسرها-. (زكاة الحبوب والزيتون) 33/أ/ قال أبو حنيفة: في "الذرة" منها أبيض، ومنها أسود؛ وهي التي تسمى الجاورس الهندي، وقيل: الجاورس: الدخن وفي "الأرز" لغات: أرز- بضم الهمزة-، وأرز- بفتحها-، ورز، على مثال: بر، ورتز، على مثال عنق، هكذا قيده ابن السيد، والصواب: رتز- بالإسكان، وزاد غيره لغتين: أرز وأرز، مثل أشد وعتل. و"اللوبياء" ممدودة، لا يجوز فيه القصر، ويسمى: الدجر- بضم

(ما لا زكاة فيه من الثمار)

الدال، وكسرها. و"الأكمام": الأغشية التي يكون فيها الزرع والثمر، واحدها: كم، قال تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} ويقال: الأكمة- أيضاً- والكمائم، واحدها: كمام- بكسر الكاف-، ويقال: تمر مكمم؛ إذا كان في غشائه ولم يخرج منه. والكافور مثل الكمام. و"الحائط": البستان الذي حوله بنيان من الوصول إلى ما فيه، سمي بذلك؛ لأنه يحوط ما تضمنه، وجمعه: حوائط وحيطان، وسمي- أيضاً-: الحديقة لإحداقه بما فيه من الثمر، وغيره. (ما لا زكاة فيه من الثمار) "القطنية" لغة شامية مكسورة القاف مشددة الياء، وهي من الأسماء التي جاءت على صورة المنسوب ولم تنسب إلى شيء، نحو قولهم: كرسي، وجمل جلنزي للشديد، واشتقاقها من قطن بالمكان؛ إذا عمره. وتسمى الخلفة- بالخاء معجمة مكسورة-؛ لأنها تستخلف من الحنطة والشعير، وهي أصناف كثيرة تأتي.

(ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول)

(ما لا زكاة فيه من الفواكه والقضب والبقول) قوله: "ليس في شيء من الفواكه [كلها] صدقة؛ الرمان والفرسك" [كلام] فيه نظر؛ لأنه خرج مخرج العموم، فيلزم من كلامه: ألا يكون النخل والعنب من الفاكهة؛ وهو رأي قوم، قالوا: لا تسمى النخل فاكهة؛ لقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}، فكان يجب لمالك إن رأى هذا ألا يذكر الرمان في هذا الباب؛ لأنه خرج عن الفاكهة كخروج النخل، وإن كان اعتقد أن إفراد النخل والرمان في هذه [الآية] لا يوجب خروجهما عن الفاكهة، مثل قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، وإنما المراد بإفراد ما جاء من نحو هذه الإشادة بذكره، فقد كان يجب عليه ألا يقول: ليس في شيء من الفواكه صدقة؛ لأن في النخل صدقة، وهي من بعض الفواكه، فينبغي أن يخرج قوله: "ليس في شيء من الفواكه صدقة" مخرج العموم، والمراد به الخصوص، وتكون "من" في الترجمة في قوله: "من الفواكه" لبيان الجنس لا للتبعيض؛ لأنه يوجب أن يكون في بعض القضب والبقول زكاة، كما في بعض الفواكه. والصحيح أن الفاكهة: اسم يقع على كل ثمرة يتنعم بأكلها، ما خلا الحبوب التي تتخذ أقواتاً والبقول؛ لأنها مشتقة من قولهم: فاكهت الرجل؛ إذا مازحته، ورجل فاكه، وفكه؛ إذا كان في نعمة من العيش، قال

(ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل)

تعالى: {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ}. و"الفرسك": الخوخ، و"القضب": الرطبة، وسمي أيضاً الفصفصة، وأصلها بالفارسية: إسبست. و"البقل": اسم يقع على كل عشبة تنبت من بذر، ولا يخرج من أرومة باقية، كذا قال أبو حنيفة. وفي "العين" البقل من النبات ما ليس بشجر دق، ولا شجر جل، وفرق بين البقل والشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق، والشجر يبقى له سوق وإن دقت. (ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل) "البراذين": خيل غير عراب، ولا عتاق، سميت بذلك؛ من البرذنة، وهي الثقالة، يقال: برذن الرجل: إذا ثقل. (جزية أهل الكتاب [والمجوس]) قوله: "ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير" [43]: أي جعل وصير؛ فلذلك تعدى إلى مفعولين، كقوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ

الْقَرْيَةِ}، ومن ذهب إلى أن {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} بدل من مثل، ذهب إلى مثله في هذا الحديث، فجعل "أربعة دنانير" بدلاً من "الجزية". و"الظهر": الإبل التي تحمل الأثقال؛ وهو اسم للجمع، يقال: ظهر البعير ظهارة؛ إذا قوي على الحمل، فهو ظهير، وأراد بالظهر هنا: الإبل التي حمى لها عمر الحمى. وقوله: "وهي عمياء". فيه حذف، كأنه قال: ادفعها إليهم وهي/ 33/ب عمياء. وقوله: "يقطرونها بالإبل". أي: يقودونها معها، والقطر الناحية، والعود. والقطار من الإبل: الجماعات تسير، يقال: قطر في الأرض قطوراً إذا ذهب. و"النعم" تقدم أنه اسم يقع على الإبل، ولا يقع على البقر ولا المعز، ولا الضأن؛ ولكن إذا اختلطت بالإبل قيل لجميعها: نعم. و"وسم الجزية" يريد: علامتها، يقال: وسمته وسماً: إذا كويته. والميسم: أثر الكي، وجمعه: مواسم، والميسم: المكوى. و"الجزية": مشتقة من قولك: جزيته عن كذا أجزيه؛ إذا كافأته؛ لأنها مكافأة يكافئون بها عن إقرارهم على أحوالهم، وترك حربهم. و"الجزور": الناقة التي تنحر، فأما الجزارة فإنما هي من لحم الغنم. والوجه في قوله: "فدعا عليه المهاجرين": فدعا إليه؛ لأنه إنما يقال:

(عشور أهل الذمة)

دعوته إلى الطعام؛ وإنما جاز؛ لأن معناه: دعاهم للاجتماع عليه. (عشور أهل الذمة) "العشور"- بضم العين- جمع عشر، كما يقال: برد، وبرود، وجند وجنود. ويقال: عشرت الدراهم- بتخفيف الشين- عشوراً؛ إذا كانت عشرة، وأخذت منها درهماً فصارت تسعة، وعشرتها تعشيراً- بالتشديد- إذا كانت أقل من عشرة فزدت فيها حتى بلغت عشرة. قال الخليل: والعشور: نقصان، والتعشير تمام. ويقال: عشرت القوم- بالتخفيف- إذا أخذت عشر أموالهم، وعشرتهم- أيضاً-؛ إذا صرت لهم عاشراً، ويختلفان في الفعل المضارع، فتقول في مضارع الأول: أعشرهم- بضم الشين-، وفي مضارع الثاني: أعشر- بكسر الشين-. و"النبط": جنس من العجم يسكنون الشام والعراق، ومنزلتهم بالشام والعراق منزلة القبط بمصر، يقال لهم أيضاً: نبيط، وسموا نبطاً ونبيطاً لإنباطهم المياه. (اشتراء الصدقة والعود فيها) "الفرس العتيق" [49] المتناهي في الفراهة والجودة، قال صاحب "العين": عتقت الفرس تعتق: إذا سبقت وفرس عتيق: رائع، ويقال: لكل متناه في الجودة: عتيق. واختلف: لم سميت الكعبة بالبيت العتيق؟ هل

(من تجب عليه زكاة الفطر)

لهذا؟ أو لغيره، من أنه أعتق من الجبابرة، أو أعتق من الغرق، أو لقدمه. وكذلك اختلفوا: لم سمي أبو بكر عتيقاً؟ هل لحسن وجهه؟ أو لقدمه في الخير، أو لعتقه من النار، أو لشرفه، أو لغير ذلك. وقوله: "كالكلب يعود في قيئه". العودة تكون بمعنى: الصيرورة إلى حالة أخرى، وإن لم يكن عليها من قبل، كما قال تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} ولم يكن في ملة قط. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "أعدت فتاناً يا معاذ" أي: صرت. وقد يكون العود بمعنى الرجوع إلى حالة قد كان عليها العائد من قبل، كقوله: عدت إلى مكاني، ومعاد الآخرة، و [قوله تعالى:] {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}. والأشبه هنا: الرجوع إلى حالة قد كان عليها العائد، وإن كان يحتمل أن يعود إلى حالة أخرى أشد، وهو تضاعف مقت رذيلة البخل، كما تضاعفت الكراهية والمقت في أكل الكلب قيئه بعد أن تغير وصار نجساً، وفي "الكبير" زيادة على هذا. (من تجب عليه زكاة الفطر) قوله: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" أي: قدرها وبينها؛ وهو

مذهب أهل الحجاز والبصرة، ومنه [قوله تعالى]: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}. وفرض الحاكم النفقة، أي: قدرهان وقيل: معنى فرض زكاة الفطر: ألزمها وأوجبها، وهو مذهب أكثر المالكية وأهل العراق. وفرق بعضهم بين فرض وفرض، فقال: فرض- بالتشديد- بين وفصل، وفرض: ألزم، فعلى هذا التأويل يؤول قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}. وقوله: "من رمضان" و"من المسلمين". "من"- ههنا- من حروف الجر؛ وهي ثمانية عشر حرفاً، وعملها واحد، ومعانيها مختلفة. ولـ "من" خمسة معان: ابتداء الغاية، والتبعيض، والتبيين، والزيادة للتأكيد، فابتداء الغاية في المكان مع الفاعل، وانتهاء الغاية مع المفعول من نحو نظرت من داري الهلال من خلل السحاب، والتبعيض في الأجناس، مثل: أكلت من الرغيف. والتبيين/ 34/أفي الصفات، ويحسن مكانها "الذي". أو صفة مثل [قوله تعالى]: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ}. والزيادة- بثلاث شرائط-، مع النكرات العامة في غير الواجب، وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}. أحسن ما قيل فيها: أن الأولى ابتداء غاية؛ لأنها مع مكان، والثانية تبعيض؛ لأنه يحسن مكانها البعض، والثالثة تبيين؛ لأنه يحسن مكانها

(مكيلة زكاة الفطر)

الصفة، والأوليان متعلقتان بـ {وَيُنَزِّلُ}، والثالثة متعلقة باستقرار محذوف. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: فإذا قدمنا هذا بين أيدينا فيمكن أن نقول: اختلف الأصحاب في تأويل: "من رمضان"؛ فقال بعضهم: إن ابتداء الفطر من آخر أيام رمضان؛ لأنه في أول زمن من شوال، وهذا القول يقتضي أن تكون "من" لابتداء الغاية، فاسبرها على شرطها المتقدم، وما أراه يتحقق هذا مع أنك قرأت أو صليت مثلاً من الظهر إلى العصر، لكن أشار سيبويه إلى أن ما وقع مثل هذا ينزل منزلة الأماكن، فقال: وتقول: إذا كتبت كتاباً من فلان إلى فلان، فهذه الأسماء سواء إلا ما كن بمنزلتها، فكذلك الحديث. وقال بعضهم: هو يوم الفطر؛ لأنه هو الفطر من رمضان؛ لأنه لا ينافي صوم ما بعده. وهذا القول يقتضي أن تكون "من" للتبيين، فاسبرها- أيضاً- على شرطها المتقدم، و"من" في قوله: "من المسلمين" للتبيين؛ لأنه قيد الحكم بهذه الصفة، فيقتضي اختصاصه بهم. (مكيلة زكاة الفطر) "الأقط"- بكسر القاف-: جبن اللبن مستخرج زبده. ويقال: أقط،

(كتاب الصيام)

بسكون القاف، وهي لغة تميم. وقوله: "صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر" "أو"- ههنا-: على قول جماعة من الأصحاب لا يصح أن تكون للتخيير، وإنما هي للتقسيم؛ ولو كانت للتخيير لاقتضى أنه يخرج الشعير من قوته أو قوت غيره من التمر مع وجوده، ولا يقولونه، فتقديره على قولهم صاعاً من تمر على من ذلك قوته (كذا؟)، وعلى قول مخالفهم يصح أن تكون للتخيير. وقوله: "على كل حر أو عبد" ذهب بعض الأصحاب إلى أن "على"- ههنا- بمنزلة "عن". (كتاب الصيام) (ما جاء في رؤية الهلال للصيام والفطر في رمضان) الصيام- في كلام العرب-: الإمساك، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26)} وكذلك هو في الشريعة، إلا

أنه واقع فيها على إمساك مخصوص، في وقت مخصوص، عن أشياء مخصوصة، هي الطعام، والجماع، على وجه مخصوص؛ إذ الشريعة سلكت سبيل اللغة في تخصيص المسمى ببعض متناولاته التي يعطيها اشتقاقه، كالقار، ورسو الدابة، وأمثالها، وتقدم صدر الكتاب "الكبير" في هذا ما فيه كفاية. و"الفطر": ابتداء بالأول، واستئناف حال أخرى غير الصوم، وكل شيء ابتدأته فقد فطرته، ومنه [قوله تعالى]: {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} أي: مبتدئها، وهو قول الأعرابي- المختصم إلى ابن عباس في بئر-: أنا فطرتها. وموضوعه هنا: قطع الصوم الشرعي بالأكل والشرب، وقد يستعمل في كل ما يقطع الصوم ويمنعه من الجماع والإنزال وغيره على سبيل المجاز والاتساع. ورمضان: هو شهر الصوم، ومأخوذ من رمض الصائم يرمض؛ إذا حر جوفه من شدة العطش. و"الرمضاء": شدة الحر، ورمضت الجارة: حميت من الحر، ورمضت قدماه كذلك، ورمضت الأمر، ومن الأمر رمضاً: إذا عرضت منه حرقة غيظ؛ وإنما سمي بذلك، وإن كان قد يكون في البرد؛ لأن التسمية وقعت أولاً في وقت الحر، ثم لزمته التسمية ولم تنتقل بانتقاله،

كما سمي سائر الشهور لمعان وقعت في وقت التسمية ثم لزمت. وقوله- في الترجمة-: "للصيام والفطر في رمضان" الفطر لا يكون في رمضان، وإنما تكون رئية الهلال في زمن رمضان، والصوم في رمضان، ورؤية الهلال في الأغلب في غيره. قال الشيخ- وفقه الله-: ولعل "في" بمعنى "من" فيكون التقدير: ما جاء في رؤية الهلال لصيام رمضان والفطر منه، فيكون التبويب على مقتضى الحديث. وقوله: "فإن غم عليكم" [1]. أي: منعكم من رؤيته سحاب أو غيره، من قولهم: غممت الشيء: إذا سترته. "فاقدروا له" [1]- بالوصل وكسر الدال وضمها-. يقال: قدرت الأمر كذا،/ 34/ب أقدر: إذا نظرت فيه ودبرته. أي: قدروا له عدد ثلاثين حتى تكملوها بينة. قوله: "فأكملوا العدة ثلاثين" [3]. هذا قول الجمهور. وقيل: قدروا له منازل القمر، وأن ذلك يدلكم على أن الشهر تسع وعشرون يوماً. وقال ابن سريج الشافعي: هذا خطاب لمن خصه الله بهذا العلم من حساب

(ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم)

القمر والنجوم، أي: يحمل على حسابها، "وأكملوا العدة" خطاب للعامة التي لم تعن به، ولم يوافقه الناس عليه. وقال أبو عمر: قال ابن قتيبة: "فاقدروا له، أي: فقدروا المسير والمنازل، قال: وليس هذا من شأن ابن قتيبة، ولا هو ممن يعرج عليه في هذا الباب، وكذلك قال فيه أبو المعالي، والقتبي ولاج فيما لا يحسن. (ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم) قوله: "فوجد من ذلك وجداً شديداً" [13]. "الوجد": ما يجلبه الرجل في نفسه من الحزن، أو الغضب. يقال: وجد يجد: إذا حزن، ووجد يجد؛ إذا غضب، ويختلفان في المصدر، فيقال في الحزن: وجداً، وفي الغضب: موجدة. ووقع في بعض نسخ الموطأ: "ألا أخبرتها" بغير ياء، وفي بعضها: "أخبرتيها" [بالياء]، وهي لغة لبني عامر يشبعون كسرة المؤنث، فيحدث بعدها ياء، وكذلك الكاف، وتقدم في هذا ما فيه كفاية.

(ما جاء في التشديد في القبلة للصائم)

وقولها: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه" [14] "إن" ههنا عند البصريين مخففة من الثقيلة، واللام لام التأكيد، وهي لازمة عندهم لخبر "إن" إذا خففت فرقاً بينها وبين "إن" النافية. وأجاز الكوفيون أن تكون التي للنفي بمعنى "ما"، وتكون اللام بمعنى "إلا" التي للإيجاب، و [قد] تقدم. ووقع في بعض النسخ من "الموطأ": "أن عائشة بنت طلحة أخبرته: إنما هي قالت عند عائشة" [16]. وهي رواية عبيد الله، وفي بعض النسخ: "كانت". ومعنى "قالت" رقدت في القائلة. (ما جاء في التشديد في القبلة للصائم) روى مالك في حديث عائشة: "وأيكما أملك لنفسه" ورواه غيره: "لإربه"، وكذلك في كتاب "البخاري" و"مسلم". وذكر عياض: أنه في رواية يحيى، وأن ابن وضاح أصلحه: "لإربه" وبكسر الهمزة رويناه، وفسره: لحاجته. وقيل: لعقله، وقيل: لعضوه، قال أبو عبيد والخطابي: كذا يقوله أكثر الرواة، و"الإرب": العضو، وإنما هو لإربه، أو لإربته، أي: حاجته، قالوا: والإرب- أيضاً-: الحاجة. قال الخطابي: والأول أظهر، وقال ابن السيد: المشهور في الحاجة:

(ما جاء في الصيام في السفر)

أرب- بفتح الهمزة والراء- وأما الإرب فإنه الدهاء والعقل، قال: ومن رواه هكذا في حديث عائشة جعله جمع إربة، كسدرة وسدر. والإربة: الحاجة، قال الله تعالى: {غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} ويمكن أن يكون لغة في الإرب، كما قالوا: مثل ومثل وشبه وشبه. (ما جاء في الصيام في السفر) "الكديد"- بفتح أوله وكسر ثانيه بعده ياء ودال مهملة: موضع بين مكة والمدينة، بين منزلتي "أمج" و"عسفان". وقال ابن السيد: بين "عسفان" و"قديد": عين جارية عليها نخل كثير لابن محرز المكي. وأصل الكديد: الأرض الصلبة، قال امرؤ القيس: أثرن غباراً بالكديد المركل

وبالكديد قتل نبيشة بن حبيب السلمي ربيعة بن مكدم، وحمى فيه ربيعة ظعن بني كنانة ميتاً، حتى فتن نبيشة. وكذلك كراع الغميم- بالغين معجمة وفتحها-. وقال ابن حبيب: الغميم بجانب المراض، والمراض: بين رابغ والجحفة. وأصل الكراع: ما استطال من الحرة. وكراع كل شيء: طرفه، والغميم: النبت الذي يكثر حتى يغم الأرض. ويروى "العميم"- بالعين غير معجمة-، و"العرج"- بفتح أوله وإسكان ثانيه، قال ابن وضاح: على رأس ثلاث مراحل من المدينة، وهي قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، بينها وبين الرويثة أربعة عشر ميلاً، وبين الرويثة والمدينة أحد وعشرون فرسخاً. ووادي العرج: يسمى المنبجس، فيه عين عن يسار

(ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان)

الطريق في شعب بين جبلين، وعلى ثلاثة أميال منها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعى مسجد العرج، و"العرج": بلاد أسلم. و"العرج" [أيضاً] موضع بالطائف، وإليه ينسب العرجي الشاعر. (ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان) قوله: "يعلم أنه داخل المدينة" [27] كذا الرواية بالتنوين والنصب، ويجوز ترك التنوين والخفض، وقرأ القراء بالوجهين: {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}، و {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}. وقوله: "يعلم أنه داخل أهله المدينة" هكذا رويناه، وفي بعض/ 35/أالنسخ: "داخل على أهله" والقياس في "داخل" أن يتعدى بحرف الجر، فإن

(كفاره من أفطر في رمضان)

كان مذكوراً مع الأمكنة تعدى بـ "في" كقوله: دخلت في البيت، وإن كان مذكوراً مع غير الأمكنة تعدى بـ "على" و"إلى" كقوله: دخلت على الملك وإلى الملك، وقد عدته العرب إلى الأمكنة بغير حرف فقالوا: دخلت البيت، وفي ذلك خلاف بين النحويين. وأما ما سوى الأمكنة فلا يتعدى إليها إلا بحرف. (كفاره من أفطر في رمضان) "العرق"- بفتح الراء-: المكتل العظيم، وهو الزنبيل، والزنبيل يسع من خمسة عشر إلى عشرين صاعاً، ويقال: عرق أيضاً، والأشهر الفتح. وقال أبو الوليد: قال بعض رواة "الموطأ" "عرق" بالإسكان وهو عندي وهم، وإنما العرق: العظم الذي عليه لحم. (ع) أكثرهم يرويه بسكون الراء، والصواب عند أهل اللغة الفتح، وزعم ابن حبيب أنه رواه

مطرف، عن مالك بتحريك الراء. وسمي عرقاً؛ لأنه يعمل عرقة عرقة، ثم يضم بعضه إلى بعض. والعرقة: الطريقة العريضة المستطيلة؛ ولذلك قيل لدرة المؤدب عرقة، ويقال للطير المصطفة في السماء عرقة، وكذلك الخيل إذا اصطفت، وكل شيء استطال في سعة فهو عرقة وعرق، يقال: بني من الحائط عرقاً، وهي التي تسمى طابية. والعرقة: طرة تنسج وتخاط على طرف الشقة. والعرقة: النسع. ومن روى: "ما أحد أحوج"- وهي رواية ابن وضاح- جاز رفع "أحوج" على اللغة التميمية، وجاز نصبه على اللغة الحجازية. وأما قوله: "هلك الأبعد"، ولم يقل: هلكت؛ فإنه أخرج نفسه مخرج من يخاطبه ويكلمه، ويخبر عنه على معنى المبالغة، كما يقول القائل- وهو يعنف نفسه: أولى لك يا فاسق، ولقد جئت بعار يا غدار. هذا تأويل ابن السيد. وقال أبو الوليد: كنى المحدث عنه بلفظ الأبعد على عادة العرب إذا حكت عن من أخبر عن نفسه بما لا يجمل، وخاطبت به غيرها. وأراد بالأبعد- هنا-: البعيد عن النجاة، أو البعيد عن الصلاح. ويجوز أن يكون من قولهم: بعد يبعد إذا هلك، وهذا كقول العرب: أخزى الله الأبعد منا، أي:

(صوم عاشوراء)

أحزى الله أبعدنا عن الصلاح. ابن السيد: فأما الذي تستعمله الناس عند محادثة بعضهم بعضاً من قولهم: فعل الأبعد كذا، فليس من هذا؛ لأن هذا إنما يستعمل على جهة توقير المخاطب، فهو موافق له من بعض وجوهه، ومخالف من بعض وجوهه. (صوم عاشوراء) "عاشوراء": اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية، قاله ابن دريد، قال: وليس في كلامهم: فاعولاء. وحكي عن [ابن] الأعرابي: أنه سمع خابوراء، ولم يثبته ابن دريد، [ولا عرفه] وحكى أبو عمرو الشيباني: القصر في عاشوراء. وعاشوراء: اسم الليلة العاشرة من المحرم، وإليها أضيف اليوم، فقيل: يوم عاشوراء. وقال صاحب "العين": عاشوراء: اليوم العاشر من المحرم. قال: وقال بعضهم: هو اليوم التاسع من المحرم، ومن أنكره قال: لو كان التاسع لكان يقال له: التاسوعاء؛ ولقائل أن يقول: إنما قيل: يوم

عاشوراء، وإن كان تاسعاً؛ لأن الغرض في الصوم اليوم العاشر، وإنما يصام اليوم التاسع من أجله؛ فلما كان العاشر هو المقصود غلب على التاسع اسمه، وقد جاء ذلك مبيناً في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- في يوم عاشوراء-: "صوموه وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، ولا تتشبهوا باليهود"، وحكى ابن العربي: أن أبا عمر الزاهد قال في كتاب "يوم وليلة": العرب في أشهرها تقدم النهار إليها قبل الليل، وتجعل الليل المستقبلة لليوم الماضي. فعلى هذا يخرج الحديث الصحيح: "أصبح يوم التاسع صائماً"، وما حكاه صاحب "العين" يوجب ألا يقال: يوم عاشوراء؛ لأن فيه إضافة الشيء إلى اسمه؛ وذلك مخالف للحديث. وقد جاء في حديث ابن أبي ذئب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأصومن عاشوراء يوم التاسع" فأضاف اليوم [إلى] التاسع وهو هو، والكوفيون يجيزون مثله، وعليه تأولوا قوله تعالى: {وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)}، وما ورد عن العرب من قولهم: مسجد الجامع. والبصريون يتأولونه على

(ما يفعل المريض في صيامه)

حذف الموصوف، وإقامة صفته مقامه؛ كأنه قيل: حب النبت الحصيد،/ 35/ب ومسجد اليوم الجامع، فعلى مثل هذا التقدير ينبغي أن يقدر ما ورد في هذه الأحاديث، كأنه قيل: وقت اليوم العاشر، ووقت اليوم التاسع، أو مسافة اليوم العاشر، ونحو ذلك، فالعرب توقع اليوم على المدة التي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وتوقعه أيضاً على وقت من الزمان، ويجوز أن يكون التقدير: لأصومن سحابة اليوم العاشر، وسحابة اليوم التاسع؛ لأن العرب تقول: عانده سحابة يوم، أي: مدته ومسافته. (ما يفعل المريض في صيامه) قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وقع في نسختي في "الموطأ" بتقييدي على الأستاذ العلامة: "وبلغ منه، وما أعلم الله بعذر ذلك من العبيد" وأراه مغيراً؛ لأن مقصد مالك أن يبين أن تعداد المرض الذي يبيح ذلك لا يستطاع أن يعدد بنفسه، فهو على هذا: "وبلغ منه ما الله أعلم بعذر ذلك من العبيد" ولذلك قال: "ومن ذلك ما لا تبلغ صفته". (ما جاء في قضاء رمضان والكفارات) قوله: "ذات يوم" [44]، وفي الحديث: "ذات ليلة" و"يصلح ذات بينهم"، فذات الشيء: نفسه وحقيقته، أي: الذي هو، وكذا "ذا" لمن تشير إليه، و"ذاك"، و"ذي" للمؤنث، كل ذلك إشارة إلى إثبات حقيقة المشار إليه

نفسه. وقد استعمل المتكلمون "الذات" بالألف واللام، فغلطهم في ذلك أكثر النحاة، وقالوا: لا يجوز أن تدخل على "ذي" الألف واللام؛ لأنها من المبهمات. وأجاز بعض النحاة الذات؛ لأنها كناية عن النفس وحقيقة الشيء، أو عن الخلق والصفات، وجاء في الشعر. وأما استعمال البخاري لها فعلى ما تقدم من التفسير، من أن المراد بها الشيء نفسه على ما استعمله المتكلمون في حق الله تعالى، ألا تراه كيف قال: ما جاء في الذات والنعوت؟ يريد الصفات ففرق في العبارة بينهما على طريقة المتكلمين. وقد استعملت العرب: "ذات ليلة" و"ذات يوم" بالتاء وبغير التاء، وقالوا: "ذا يوم"، و"ذا ليلة"، و"ذات يوم"، و"ذات ليلة"، وهو كناية عن يوم أو ليلة، كأنه قال: رأيته وقتاً وزوماناً الذي هو يوم أو ليلة؛ وأما على التأنيث فإنه كأنه قال: رأيته مدة التي هي يوم أو ليلة ونحوها. قال أبو حاتم: كأنهم أضمروا مؤنثاً، وكذلك قولهم: قليل ذات اليد؛ أي: النفقة أو الدنانير أو الدراهم التي هي ذات اليد، أو ملك اليد. وقوله: "أفطر ذات يوم" فائدته كفائدة القول أنه أفطر يوماً، غير أن في ذكر الذات مع اليوم فائدة، ليست في اليوم وحده؛ وذلك أن اليوم يستعمل ظرفاً وغير ظرف، ويستعار فيقع على غير اليوم المعهود، فإذا أرادوا أن يحققوا فيه معنى الظرف، ويدفعوا عنه الاتساع والمجاز زادوا عليه الذات؛ لأن ذات كل شيء حقيقته، فإذا قال: "ذات يوم" فكأنه قال: يوماً على الحقيقة. وقوله: "يا أمير المؤمنين، أطلعت الشمس" في روايتي:

"أطلعت"، ورأيت في غيرها: "اطلعت" بالتشديد، ويقال: اطلعت الشمس، وأطلعت، وأطلعت، وطلعت بمعنى واحد. وقوله: "الخطب أيسر" في بعض الروايات يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: أيسر من غيره. والآخر: أن يكون بمعنى يسير، لا يراد به المفاضلة، كقوله: الله أكبر؛ أي: كبير، وفسره مالك بأنه يريد القضاء، وفسره غيره أنه يريد: سقوط الإثم عنه بالاجتهاد. ومعنى: "ذرعه القيء": غلبه بسرعة، والموت الذريع: القاسي الكثير، والأكل الذريع: المسرع. وقوله: "وأن يواتر". المواترة: المتابعة، واشتقاقها من الوتر؛ وهو الفرد، ويراد بها مجيء واحد بعد واحد. وقوله: "أمتتابعات أم يقطعها؟ ". قال الشيخ- وفقه الله-: وقع عندي وفي أكثر النسخ "أو يقطعها"، والوجه: "أم"؛ لأنها عديلة لألف الاستفهام، وعطف قوله: "أم يقطعها" على الفعل المحذوف العامل في "متتابعات"، كأنه قال: أيصومها متتابعات أم يقطعها. ومن رواه بالرفع جعله خبر مبتدأ مضمر قال: هي متتابعات، وعطف "يقطعها" على المعنى، كأنه

(قضاء التطوع)

قال: أيتابعها أم يقطعها، وقد يعطف الفعل المضارع على اسم الفاعل، لما بينهما من المناسبة، كقوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً}، ورمبا عطفوا الفعل على المصدر، كقول امرئ القيس: فدمعهما سكب وسح وديمة ... ورش وتوكاف وتنهملان وقوله: "فتدفع دفعة من دم عبيط". "الدفعة"/ 36/أ- بفتح الدال- المصدر من دفع، و"الدفعة"- بالضم- اسم لما يدفع مرة واحدة، كما قالوا: الحسوة، والحسوة، والغرفة والغرفة. و"العبيط": الطري. يقال: لحم عبيط، واعتبط الفتى؛ إذا مات شاباً، قال الشاعر: من لم يمت عبطة يمت هرماً ... فالموت كأس والمرء ذائقها واعتبطت الناقة: نحرت من غير علة. (قضاء التطوع) قول عائشة في حفصة: "وكانت بنت أبيها" [50]. أي:

مثله لا تبالي بقول الحق، ولا تتوقف عن السؤال عن دينها، كما كان عمر. والعرب تقول للرجل: إن كنت ابن أبيك فستنتصر، أي: إن كنت شبيهه في شجاعته، وعزة نفسه. وقوله: "من الأعمال [الصالحة: الصلاة والصيام والحج] " يجوز خفضها على البدل من الأعمال؛ ويجوز رفعها على إضمار مبتدأ، والعرب تفسر مثل هذا بالبدل والقطع. ووقع في بعض النسخ: "حتى يتم سبعه" وفي روايتنا: "سبوعه". والوجه فيه: أن يكون جمع: سبع كبرد وبرود، وجند وجنود، ومن قال: إنه أراد الأسبوع فهو خطأ، إنما يقال: طاف بالبيت أسبوعاً، كذا ذكره اللغويون، وأنكروا قول عامة أهل المشرق سبوعاً في هذا المعنى، وليس يبعد أن يكون الراوي استعمله على لغة العامة، كما يستعمل الفقهاء ألفاظاً كثيرة، لا تجوز عند أهل العلم من اللغويين، كما قال: في باب العمل في صدقة عامين، إذا

اجتمعتا يأخذ المصدق من الخمس ذود الصدقتين، وإنما الوجه من خمس الذود، أو من الخمس الذود؛ وقد مضت من ذلك ألفاظ كثيرة، وسترى غيرها فيما يستقبل إن شاء الله تعالى. وقوله: "يرجع حلالاً من الطريق". يقال: رجل حلال، أي: محل، وحرام، أي: محرم، وسيأتي في كتاب "الحج" [إن شاء الله]. وقوله: "وكل أحد دخل في [نافلة] ". كذا الرواية، وليس يجيز سيبويه وأصحابه وقوع أحد الذي يراد به العموم في الإيجاب، إنما هو عندهم من الألفاظ التي خص بها النفي، يقال: ما جاء أحد، ولا يجوز: جاء أحد. والوجه أن يجعل أحد في هذا الموضع الذي هو يراد به معنى الواحد، فإن أحد الذي بهذه الصفة يستعمل في النفي والإيجاب، كقوله [تعالى]: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، وقوله {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}، وهذا هو المستعمل في قولهم: أحد عشر، وأحد وعشرون، وعليه قول ذي الرمة:

(فدية من أفطر في رمضان من علة)

فقد بهرت فلا تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا فأحد الأول هو الذي يراد به العموم؛ والثاني الذي يراد به معنى واحد. (فدية من أفطر في رمضان من علة) يقال: كبر الرجل- بكسر الباء: إذا أسن، هذا قول ابن السيد. وقال عياض: وكبر أيضاً لغة فيه، قال: ويقال: كبر الصبي، وكبر يكبر، و [كبر] يكبر. وقوله: "وأحب إلي أن يفعله" كذا الرواية، وكان الوجه أن يقول: والأحب، لأن أفعل الذي للمفاضلة إنما يستعمل بغير ألف ولام إذا كان مضافاً، كقولك: أحسن الناس، أو كانت معه "من" كقولك: زيد أحسن من عمرو، فإذا لم يكن كذلك، فلابد من الألف واللام. والوجه في هذا أن يجعل "أحب" لغير المفاضلة، كأنه قال: وحبيب إلي ألا تفعل. وقد تقدم أن "أفعل" قد تجيء لغير المفاضلة، كقولنا في الأذان: الله أكبر، أي: كبير، وكقول قوم نوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا}؛ أي: الأراذل الذين كانوا فينا، ولو أرادوا المفاضلة

(جامع الصيام)

لجعلوا لأنفسهم حظاً من الرذالة؟!. (جامع الصيام) تقدم أن الصيام في اللغة: الإمساك مطلقاً، والاستشهاد بقوله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26)} فسمى الإمساك عن الكلام صوماً. والصوم أيضاً- في اللسان-: الصبر. قال ابن الأنباري: وإنما سمي الصوم صبراً؛ لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والشهوات، وقال: [قال] صلى الله عليه وسلم: "من صام شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر كله" يعني بشهر الصبر: شهر رمضان. وقد يسمى الصائم: سائحاً، ومنه قوله تعالى: {السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ} يعني الصائمين؛ ومنه قوله تعالى: {قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} وللصوم وجوه في لسان العرب. وتقدم أنه في الشريعة: الإمساك عن الأكل والشرب والجماع هذا فرضه عند جميع الأمة، وسنته: اجتناب قول الزور واللغو والرفث. وقوله: "جنة": أي: ستر من النار ومانع/ 36/ب [من الآثام]. والإمام جنة

لمن خلفه في الصلاة، وجنة لمن في نظره. والجنة: الدرع والمجن: الترس. وروي عن عثمان بن أبي العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيام جنة يستجن بها العبد من النار". و"الرفث": قبيح الكلام، كالشتم، والخنا، والغيبة، والجفاء. قال الراجز: عن اللغا ورفث التكلم يقال: رفث- بالفتح-[ورفث بالكسر] يرفث ويرفث رفثاً- بالسكون

في المصدر والاسم بالفتح، ورفث- أيضاً بالكسر- يرفث. قال ابن سراج: وقد روي: "فلم يرفث" بكسر الفاء. ويقال: رفث أيضاً- بالضم، ويقال: أرفث رباعياً، فهي أربع لغات: إذا أفحش في كلامه. والرفث- أيضاً: الجماع، وذكر الجماع أيضاً، والتحدث به. وقيل- أيضاً-: هو مذاكرة ذلك مع النساء. وقد اختلف في معنى قوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} على التفاسير المتقدمة. وقال [الأزهري]: هي كلمة لكل ما يريد الرجل من المرأة. والجهل: ضد العلم، يتعدى بغير حرف جر، والجهل ضد الحلم، يتعدى بحرف الجر، تقول العرب: جهل علي فلان، بمعنى: تعدى، فيعدونه بحرف الجر، قال الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقوله: "فإن امرؤ قاتله". يحتمل أن يكون على ظاهره، ويحتمل أن يريد المخاصمة، ووصفه ههنا بأنه مشاتم ومقاتل، وإن كان هذا لا يستعمل إلا من فعل اثنين، يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن يريد: فإن امرؤ أراد أن يشاتمه أو يقاتله، فيمتنع من ذلك، وليقل إني صائم. والثاني: أن لفظ المفاعلة، وإن كانت أظهر في فعل الاثنين إلا أنه قد يستعمل في فعل الواحد، فيقال: سافر الرجل، وعالج الطبيب المريض. والثالث: أن يراد أنه إن وجدت المشاتمة والمقاتلة منهما جميعاً فليذكر نفسه الصائم بصومه، ولا يستدم المقاتلة والمشاتمة. وقوله: "لخلوف فم الصائم أطيب" الخلوف: تغير رائحة في الصائم. يقال: خلف فوه؛ إذا تغير، يخلف خلوفاً، ومنه حديث علي- وسئل عن قبلة الصائم-، فقال: "ما أربك إلى خلوف فمها؟ "، ويقال: نومة الضحى مخلفة للفم، أي: مغيرة. وصفدت الشياطين": غلت وأوثقت بالأصفاد؛ وهي الأغلال. يقال: صفدته- مخفف ومثقل-، ويقال: الأصفاد: القيود، الواحد: صفد.

[كتاب] الاعتكاف

[كتاب] الاعتكاف العكوف: في اللغة والقرآن: الإقامة على الشيء والملازمة له، يقال: فلان عاكف على أمر كذا: إذا لازمه، ويقال: عكف عكوفاً واعتكف، قال تعالى: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)}، وقال [تعالى]: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ}، وقال [تعالى]: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}، وقال الراجز: باتت تبيا حوضه عكوفا فجرت الشريعة على عادتها في قصر اللفظ المشترك على بعض متناولاته، وتخصيص العام ببعض محتملاته، كما فعلت اللغة، فصار في الشريعة: عبارة عن ملازمة المسجد للعبادة.

(قضاء الاعتكاف)

(قضاء الاعتكاف) قوله: "البر تقولون بهن؟ " [7]. أي: أطلب البر، وخالص العمل لله تظنون بهن؟. قال الشيخ- وفقه الله-: والذي تقيد في تكابي بخطي: "آلبر" بالرفع، قال سيبويه، وأنشد: أجهالاً تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا وإن شئت رفعت بما نصبت فتجعله حكاية، يعني إن شئت حكيت بعد القول في الاستفهام، ولم تجعله في مذهب (تظن) فقلت: أتقول زيد منطلق؛ على أنه وإن توجد هذا في البيت، فلا يتوجه في الحديث؛ لأن "تقول" فيه لا تظهر، إلا أنه

(النكاح في الاعتكاف)

في مذهب "ظن" فقط. ويقال: بررت بالعبادة، أي: طلبت البر بها. والبر: الطاعة لله. والبر: اسم جامع للخير، ومنه قوله: "إن الصدق يهدي إلى البر". وقيل: البر: الجنة في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وحج مبرور، أي: خالص لا يخالطه مأثم، و"صدق وبر" تأكيد أي: صدق في قوله، وبر في فعله. (النكاح في الاعتكاف) قوله: "تنكح نكاح الخطبة" يعني التكلم في ذلك وطلبه وعقده بما خف، ومنه قوله: "لا يخطبن أحد على خطبة أخيه" أي: لا يتكلمن أحدكم في ذلك ولا يطلبنه، قال: وذلك إذا كان من جهة المرأة وأوليائها. وقال الهروي: قوله تعالى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ/ 37/أالنِّسَاءِ}، الخطبة من الرجال، والاختطاب من ولي المرأة. وفي "العين": خطب المرأة واختطبها خطبة؛ وأما الخطبة فعند العقد، كسائر الخطب على المنابر وغيرها. (ما جاء في ليلة القدر) "ليلة القدر" [10]. قيل: سميت بذلك لعظم شأنها وفضلها، أي:

ذات القدر العظيم، كما قال تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}، ويراد به الشرف كقولهم: لفلان قدر في الناس، أي: مزية وشرف. وقيل: القدر: الزيادة في المقدار، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}، والبركة- هنا-: النماء والزيادة. وقيل: ليلة القدر: ليلة الحكم والتقدير، سميت بذلك؛ لأن الله تعالى يقدر فيها ويفصل كل ما يكون من السنة إلى السنة القابلة، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}، و [قال تعالى]: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} يقال: قدرت الشيء- بالتخفيف-، وقدرته- بالتشديد- ومصدر قدرت- بالتخفيف- قدر وقدر- بالسكون والحركة- ومصدر قدرت- المشدد- تقدير. ويجوز أن يكون القدر- بالسكون- المصدر، والقدر- بالتحريك- الاسم. وأما قوله: "يعتكف العشر الوسط" [9] فيمن رواه هكذا، وهو الوجه فهي جمع الوسطى، كما قالوا الكبرى والكبر، والوسط- بضم الواو

والسين- رواه [أبو الوليد] الباجي جمع: واسط، كبازل وبزل، ويصح إسكان السين وضم الواو، ككبير وكبر، ويجوز فتحهما معاً، فيكون واحداً، ويكون جمعاً أيضاً لوسط، هذا قول عياض، وقال غيره: يحتمل أن يكون جمع: أوسطاء، وهو جمع: وسيط، هذا كما يقال: كبير وأكبراء، وكبر، ويحتمل أن يكون اسماً لجميع الوقت على التوحيد، كما يقال: وسط الدار، ووسط الوقت والشهر، ومن قال: الوسطى، كما وقع في كتاب مسلم، فعلى أنه أجرى جماعة من لا يعقل مجرى الواحد ممن يعقل، كما قالوا: الجمال الخيل أقبلت، وعلى هذا التأويل تتوجه رواية من روى: "العشر الأوسط". وأما قوله: "حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين" ونحو هذا مما وقع في هذا الباب، فالقياس أن يقال: ليلة أحد وعشرين؛ لأنه إنما أراد: ليلة اليوم الحادي والعشرين؛ واليوم مذكر، وإنما غلط من غلط في هذا؛ لأنهم سمعوا أن التاريخ يغلب فيه المؤنث على المذكر، فلم يفرقوا بين ما يغلب فيه وما لا يغلب، وإنما يغلب المؤنث على المذكر في هذا الباب إذا اختلطا كقولك: كتبت إليك لإحدى عشرة ليلة خلت؛ وأما إذا قصدت إلى اليوم بعينه فلا يجوز إلا التذكير.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وقد رأيتني أسجد" لا يجيز سيبويه تعدي فعل ضمير الفاعل المتصل إلى ضمير نفسه المتصل إلا في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين مما هو داخل على مبتدأ وخبر، نحو ظننتني خارجاً، وحسبتني ذاهباً، ولا يجيز ضربتني، إنما يجيز ضربت نفسي، وإنما جاز ذلك في الرؤية- ههنا-؛ لأنها كانت في اليوم فجرى مجرى رؤية العلم لمضارعتها لها. و"الوتر"- بفتح الواو وكسرها-: الفرد، وقرئ: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)}؛ وأما الوتر: الذي هو الدحل، فأكثر اللغويين يقول: هو مكسور لا غير، ومنهم من أجاز فيه الوجهين جميعاً. وقوله: "وكان المسجد على عريش"، ويروى: "على عرش"، وهما في هذا الموضع سواء، وحقيقة "العريش": أنه المعروش، وحقيقة العرش: أنه المصدر؛ من قولك: عرشت الكرم وغيره، ثم سمي العروش عرشاً بالمصدر مبالغة، كما يقال: رجل عدل. وقال بعضهم: العرش كالسرير، والعريش كالمظلة. وقال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عروشاً؛

لأنها عيدان تنصب للتظليل، ويقال لها: عرش، فمن قال: عرش فواحدها: عريش، مثل: سبيل وسبل. ومن قال: عروش، فواحدها عرش مثل فلس وفلوس، وإنما أراد أن سققه كان كالعريش معمولاً بالجرائد من غير طين، فلما نزل عليه المطر وكف، أي: قطر، فيقال: وكف البيت يكف: إذا نزل فيه نقطة نقطة من المطر. وقوله: "تحروا ليلة القدر" [10]. معناه: انظروا والتمسوا، والمتحري: قاصد طريق الصواب، والتحري: الطلب للصواب. و"الشاسع" [12]: البعيد. يقال: شسع يشسع شسوعاً. وقوله: "فمرني ليلة أنزل لها" [4]./37/ب يجوز في "أنزل" الجزم، على جواب الرغبة والطلب، كأنه قال: مرني فإن أمرتني أنزل. ويجوز فيه الرفع، وكذلك رويناه، وموضعه موضع خفض على الصفة لليلة، ونظير الجزم قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا}، ونظير الرفع قوله تعالى: {ذَرْهُمْ

فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}؛ إلا أن {يَلْعَبُونَ} - ههنا- في موضع نصب على الحال. و"أنزل" في الحديث في موضع خفض على الصفة لليلة، ويجوز أن يكون تقديره: فإني أنزل، فيكون في موضع رفع على خبر مبتدأ مضمر. ومعنى "تلاحى" [13]: تشاتم وتساب؛ والاسم: اللحاء، وقيل: الملاحاة: المراء. وقوله: "رفعت" أي: رفع علمها، كقوله: {وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ}، نسب السؤال إليها، حتى قامت مقام من يسأل، وكذا لما حذف العلم وأقيم الضمير مقامه أسند إلى ضمير الرفع الذي كان مسنداً إلى العلم. وقوله: "أرى رؤياكم قد تواطأت" [14]. قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الحق- أيده الله بتوفيقه-: كذا رويناه بغير همزة، والوجه الهمز، ولكنه جائز على لغة من يقول: قريت وأخطيت، وأكثر ما يجري في الشعر، قال حسان: نوليها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء

(كتاب الحج)

(كتاب الحج) الحج في اللغة: القصد، وخص هنا بقصد البيت على ما قدمناه في تخصيص التسمية ببعض المسميات، وتقدم أن الغسل- بفتح الغين-: هو الاغتسال، والغسل- بالضم-: هو الماء الذي يغتسل به، والغسل- بكسر الغين-: الشيء الذي يغسل به الرأس وغيره. وتقدم التعريف بـ "الأبواء"، وبـ "ذي الحليفة"، وأنها تصغير حلفة، وهي ماء بين بني جشم بن بكر بن هوازن وبين خفاجة رهط توبة، بينه وبين المدينة ستة أو سبعة أميال. (غسل المحرم) "الأبواء" [4]- بفتح أوله ومد آخره-: قرية جامعة.

و"الأبواء": الأخلاط من الناس، وقال كثير: إنما سميت الأبواء للوباء الذي بها، ولا يصح هذا إلا على القلب، وعلى خمسة أميال منها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالأبواء توفيت أمه صلى الله عليه وسلم. وقوله: "بين القرنين" القرنان: منارتان تبتيان على رأس البئر من حجارة، تعرض عليهما خشبة تسمى النعامة، تعلق فيها البكرة. ومعنى: "طأطأة": أماله وخفضه. وقول أبي أيوب: "من هذا" إنما سأل الذي كان يصب الماء على رأسه، فلذلك لم يقل من أنت؟ فبادر عبد الله بن حنين بالجواب، إما لأن المسئول لم يعرفه فعرفه بنفسه، وإما لأنه توقع ألا يعرف المسئول. و"الشعث" [5]: أن يتلبد الشعر، ويتسخ لعدم الغسل والتسريح.

و"ذو طوى"- مقصور، مفتوح الأول منون: وهو واد بمكة، [كذا] قال الأصمعي، ومنهم من يكسر الطاء ومنهم من يضمها، والفتح أشهر، ووقع في كتاب أبي زيد الأنصاري بالمد، فأنكره ابن دريد وأصلحه، وقال: إنما الممدود الذي في طريق الطائف، وأما المذكور في القرآن فيقرأ بالضم والكسر؛ فمن ضمه فهو: واد في أصل الطور جهة الشام، وهو غير هذين، فمن قرأه منوناً وصرفه جعله اسماً غير معدول سمي به مذكراً فانصرف، نحو نغر وصرد. وقال أبو عمر الزاهد: سئل محمد بن يزيد- وأنا أسمع- عن طوى، اسم واد، أيصرف؟ قال: نعم؛ لأن إحدى العلتين قد انخرمت عنه، ومن منعه الصرف جعله معدولاً عن طاو مثل: زفر وعمر، أو ذهب به إلى البقعة المشتملة على الوادي، كما قال تعالى: {فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ}. ومن قرأ: طوى بالكسر والتنوين جاز أن يكون

لغة ثانية، وجاز أن يكون معناه المقدس مرتينن كما قال عدي بن زيد العبادي: أعاذل إن اللوم في غير كنهه ... علي طوى من غيك المتردد وقوله: " [بين] الثنيتين" [6]. الثنية: الطريق في الجبل. و"الغسول" [7]- بفتح الغين دون ألف- على مثال رسول: ما يغسل به الرأس والثوب، ونحوهما. و"التفث": الأخذ من الشارب، وقص الأظفار، ونتف الإبطين، والاستحداد، وفسره مالك: بأنه حلاق الشعر، ولبس الثياب، وشبهه./ 38/أوقال أبو عبيد نحوه. قال ابن شميل: هو في كلام العرب: إذهاب الشعث.

(ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام)

وقال [الأزهري]: لا نعرفه في كلام العرب إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير. و"اللبس"- بضم اللام-: مصدر لبست الثوب؛ واللبس- بكسرها-: اللباس بعينه. يقال: لبس ولباس، كما يقال: حرم وحرام، وحل وحلال، ومنه قيل: لبس الكعبة؛ لما عليها من الثياب، ولبس الهودج. (ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام) قوله: "إلا أحداً لا يجد نعلين" [8]. وقع في بعض النسخ- منها روايتنا-: "إلا أحد"، وفي بعضها: "إلا أحداً"- بالنصب-؛ وهو لفظ مستكرة في كل رواية؛ لأنك إذا رفعته لزمك أن تبدله من الضمير الذي في "تلبسوا"، وضمير المخاطب لا يجوز أن يبدل منه الظاهر إلا أن يكون بدل بعض من كل، أو بدل اشتمال، فلا يجوز أن يقال: ادخلوا الزيدون، ولا يقال: لا يقوموا غلمان عمرو؛ على أن الأخفش قد قال في قوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا}: إن {الذين} بدل من الضمير في {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وهذا عند جميع أصحابه خطأ. ومجاز هذا الرواية: أن يكون

"أحد" بدل من الضمير في قوله: "لا تلبسوا" حملاً على معنى الكلام، لا على لفظه؛ لأنه إذا قال: "لا تلبسوا" ففيه معنى لا يلبس أحد، وضمير الغائب يجوز أن يبدل منه الظاهر. وأما من روى: "إلا أحداً" بالنصب؛ فالوجه فيه: أن يكون "أحد" ههنا هو الذي بمعنى واحد، المستعمل في قولهم: أحد عشر [وقوله تعالى]: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}؛ لأن أحداً هذا يقع في الإيجاب والنفي، كما تقدم الفرق. قال الشيخ- وفقه الله-: ووقع في روايتنا: "فليلبس" بلامين، وهو الوجه، وفي بعضها: "فيلبس" بلام واحدة؛ وذلك خطأ؛ لأن لام الأمر لا يجوز إسقاطها إلا في ضرورة الشعر. و"الورس": شبه الزعفران ونباته، مثل نبات السمسم، فإذا جف عند إدراكه وبلوغه غايته تشققت أغشيته، فينتفض فيسقط منها الورس، وذكر أبو حنيفة أنه لا يكون بغير اليمن. أبو عمر: هو ما بين الصفرة والحمرة، ورائحته طيبة.

ووقع في بعض النسخ: "سراويلاً" مصروف، وفي روايتنا غير مصروف، وكلاهما جائز، وهذه مسألة نحوية مختلف فيها، ليس هذا موضع بسطها؛ وترك صرفه ابن مقبل، في قوله: كأنه ... فتى فارسي في سراويل رامح فدل على مذهب سيبويه، وأكثر النحويين أنه عجمي، ووقع في كلام العرب فوافق بناؤه بناء ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فأجري مجرى ذلك، وينبغي على مذهب الأخفش: أن ينصرف إذا لم يكن جمعاً، ومن الناس من يجعل سراويل جمعاً لسروالة، ويكون جمعاً لقطع الخرق، وأنشد: عليه من اللوم سروالة وقد ذكر هذا أبو العباس، واعتمد عليه. قال السيرافي: والذي عندي: أن سروالة لغة في سراويل، والدليل

(لبس الثياب المصبغة في الإحرام)

عليه أن الشاعر لم يرد: عليه من اللوم قطعة من خرق السراويل. (لبس الثياب المصبغة في الإحرام) قوله: "إنما هو مدر" [10]. "المدر": الطين اليابس، ويعني به- ههنا-: الأحمر منه، وهو المغرة. (لبس المحرم المنطقة) تقدم أن اللبس- بضم اللام- مصدر لبست الثوب. و"المنطقة" [12]: ما ينتطق به، أي: يشد على الوسط، وتقدم. وقوله: "إذا [جعل طرفيها جميعاً سيوراً] " [13] السير: الشراك، والجمع: سيور، وكذلك في بعض الروايات. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وفي روايتنا: "سيورة" وهما واحد. (تخمير المحرم وجهه) "العرج" [13]- بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده الجيم: قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، وعلى ثلاثة أميال منها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يدعى مسجد العرج. والعرج، من بلاد أسلم، وإليها ينسب العرجي الشاعر،

وتقدم. "والذقن": منبت اللحية. و"الجحفة" [14]: قرية جامعة بها مسجد، وسميت بذلك؛ لأن السيول أجحفتها، وكان اسمها: مهيعة، وبين الجحفة والبحر نحو ستة أميال، و"غدير خم" على ثلاثة أميال من الجحفة، يسرة عن الطريق، وهذا الغدير تصب/ 38/ب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهي الغيضة التي تسمى: خم، وفي غدير خم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ما قال، وذلك منصرفه من حجة الوداع، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل الشام من الجحفة". و"حرم" محرمون، واحدهم: حرام. و"النقاب": ما يستر به الوجه، وهو ما وضع على المحجر، فإن قرب من العينين حتى لا تبدو أجفانهما، فتلك "الوصوصة" ويقال لذلك: البرقع: الوصواص، فإن أنزل إلى طرف الأنف فهو "اللفام"- بالفاء-، فإن أنزل إلى الفم فهو "اللثام"- بالثاء".

(ما جاء في الطيب في الحج)

(ما جاء في الطيب في الحج) وقع في رواية: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يفيض" و"الحرم"- بضم الحاء-: الإحرام. ورواه قاسم في "الدلائل": "لحرمه"- بكسر الحاء-، وأنكر الضم، وقال: إنما الوجه: "لحرمه"، كما يقال: "لحله"، والذي قاله غير معروف، إنما المعروف الضم، وكذا حكى أهل اللغة: فأما "الحرم"- بكسر الحاء-: فهو الحرام، وقرئ: {وحرم على قرية أهلكناها}. و"الشجرة" [التي] بها يحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وبويع تحتها بيعة الرضوان،

(مواقيت الإهلال)

وبها يعرس من حج، وسلك ذلك الطريق. والبيداء: مشرفة على الشجرة غرباً على طريق مكة. وقوله: "لترجعن فلتغسلنه" قالوا- في تفسيره-: فلتغسلنه أم حبيبة، وتقدم زييد. و"التلبيد": أن يظفر رأسه بصمغ وغاسول يلصق، فيقتل قمله، ولا يتشعث، ويعمل في الإحرام. و"الشربة"، كما قال مالك: حفير تكون في أسفل النخل يملأ ماء، فيكون ريها، وجمعه: شربات، قال زهير: يخرجن من شربات ماؤها طحل (مواقيت الإهلال) أصل "الإهلال": رفع الصوت، يقال: أهل الرجل، قال الخليل: كانوا أكثر ما يحرمون إذا أهلوا؛ فلذلك قيل: أهل بحجة، أو بعمرة. وتقدم

التعريف بـ "ذي الحليفة" و"الجحفة". و"قرن" غير مضاف، وهو أيضاً: "قرن المنازل"، و"قرن الثعالب" وهو ميقات نجد تلقاء مكة على يوم وليلة منها وأصله: الجبل الصغير المستطيل المنقطع عن الجبل الكبير، ورواه بعضهم بفتح الراء، وهو غلط، إنما "قرن": قبيلة من اليمن، وعن القابسي: من قال: "قرن"- بالإسكان- أراد: الجبل المشرف على الموضع، ومن قال: "قرن"- بالفتح- أراد الطريق الذي يفترق منه، فإنه موضع فيه طرق مفترقة. و"يلملم"- بفتح أوله وثانيه-: جبل على ليلتين من مكة من جبال

تهامة، وأهله كنانة تنحدر أوديته إلى البحر، وهو في طريق اليمن إلى مكة، وهو ميقات من حج من هناك، ويقال: "ألملم"- بالهمزة- وهو الأصل، والياء بدل من الهمزة. وقال يعقوب: يلملم وألملم: واد من أودية اليمن. ويقال: يرمرم- بالراء-: وهما جبلان، من صرفهما ذهب إلى الجبل والموضع، ومن منعهما الصرف ذهب إلى البقعة والأكمة، ويجوز الصرف وإن ذهب به إلى البقعة لسكون أوسطه. و"الفرع": على الطريق من مكة إلى المدينة، وهو بضم أوله وثانيه، وبالعين المهملة، حجازي، وهو بأعالي المدينة، ومن أعمالها الواسعة، والصفراء وأعمالهما من الفرع. ومنضافة إليها، وفيه مسجد للنبي

صلى الله عليه وسلم ومنابر وقرى كثيرة. ابن السيد: ويقال: الفرع والفرع- بضم الراء وسكونها؛ فمن ضم فقياسه أنه جمع الفرعة- وهي رأس الجبل- على فراع، ثم جمع فراعاً على فرع، ومن سكن الراء جاز أن يكون على تخفيف الراء، وجاز أن يكون جمع: فرع، وهي الهضبة المرتفعة. و"إيلياء": مدينة بيت المقدس. حكى البكري فيها ثلاث لغات: مد آخرها، وقصره، وقصر أولها إليا، وقيل: معناه بيت الله. و"الجعرانة" أهل الحديث يشددونه، وأهل الإتقان والأدب

(العمل في الإهلال)

يخطئونهم، ويخففونه، وكلاهما صواب، وقال البكري: بالتشديد يقوله العراقيون، والحجازيون يخففون، وكذلك الحديبية، الحجازيون يخففون الياء، والعراقيون يثقلونها، ذكر ذلك علي [بن] المديني/ 39/أفي كتاب "العلل والشواهد"، ومذهب الأصمعي تخفيف "الجعرانة" وسمع من العرب من يثقلها، وبالتخفيف قيدها الخطابي، وبه قرأها المتقنون؛ وهي ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أدنى، وبها قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، ومنها أحرم بعمرته في وجهته تلك. (العمل في الإهلال) معنى "التلبية": قول القائل: "لبيك"، واشتقاقها من قولهم: ألب بالمكان: إذا لزمه ولم يفارقه، فإذا قال: لبيك فمعناه: لزوماً لطاعتك بعد

لزوم، وإجابة بعد إجابة. ومعنى "سعديك": مساعدة لك [بعد مساعدة]، كما قالوا: حنانيك. أبو عمر، وقيل: معناه: أسعدنا بسعادة بعد سعادة، وإسعاد بعد إسعاد، ونصب على المصدر، هذا مذهب سيبويه؛ ومذهب يونس: أنه اسم غير مثنى، وأن ألفه انقلبت ياء؛ لاتصالها بالضمير، مثل: لدي وعلي، وأصله: لببت، من لب بالمكان، وألب به، وقيل: معناه: قرباً منك وطاعة لك، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث ياءات فأبدلوا الثالثة كما قالوا: تظنيت من تظننت. قال الحربي: الإلباب: القرب، وقيل: الطاعة والخضوع، من قولهم: أنا ملب بين يديك، أي: خاضع، وقيل: اتجاهي إليك وقصدي، من قولهم: داري تلب دارك، أي: تواجهها، وقيل: محبتي لك تلب، من قولهم: امرأة

لبة: إذا اشتد حبها لولدها، وقيل: إخلاصي لك يلب، من قولهم: حسب لباب، أي: محض. وقيل: هو نوع من التثنية يراد به الجمع؛ لأن القائل: لبيك وسعديك ليس مراده أنه مجيب من دعاه فيسعده مرتين فقط، وإنما يريد: أنك إذا طلبت مني إجابة واحدة أجبتك مرتين، امتثالاً لأمرك، والغرض من التثنية هنا أنه تكرر له الإجابة والمساعدة متى شاء، وكذلك: "حنانيك" ليس مراده أن يرحمه مرتين، وإنما يرغب في أن يوالي عليه رحمته. وقوله: "لبيك إن الحمد والنعمة لك" يجوز فتح الهمزة وكسرها، وبالوجهين جاءت روايتنا. قال الخطابي: الفتح رواية العامة، يعني رواية الأكثر، فمن فتح، فمعناه: لبيك لأن الحمد والنعمة لك، وتسمى هذه اللام المقدرة لام العلة والسبب، كما تقول: زرتك طمعاً في معروفك، أي: لهذه العلة، ولا تعلق للتلبية بهذا إلا على بعد وتخريج، ومن كسر الهمزة استأنف، وهو أبلغ في المعنى؛ لأنه يوجب الحمد والنعمة لله على كل حال. قال ثعلب: من فتح الهمزة خص، ومن كسر عم، قال: وهو الأوجه، وقال أبو الوليد: قال قوم: إن كسر الهمزة أبلغ في المدح، وليس ذلك بين؛ لأن كسرها إنما يقتضي الإخبار بأن الحمد والنعمة له، وأنه ابتداء كلام، وفتحها يقتضي أن

تكون التلبية له، من أجل أن الحمد والنعمة له، وليس يبين في أحد اللفظين مزية مدح. قال الشيخ- وفقه الله وسدده-: يريد أبو الوليد أنه لما كانت التلبية له من أجل أن الحمد والنعمة له، والحمد والنعمة عامان [دائمان] سرمدان، لم يبين في أحد اللفظين مزية مدح؛ لاختصاص العموم به. وقوله: "الرغباء" من ضم الراء قصر، ومن فتحها مد، وهما لغتان، مثل النعمى والنعماء، والبؤسى والبأساء، والمد أكثر عن شيوخنا. وقال بعض أهل العلم من اللغويين: يقال: رغبى- بالفتح مع القصر أيضاً-، مثل شكوى، حكى ذلك القالي، ومعناه كله الطلب والمسألة. قال شمر: رغب النفس ورغبها: سعة أملها وطلبها الكثير. ويقال: رغب- بضم الراء- رغبة، لا غير. و"البيداء": هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة، وهي أقرب إلى مكة من ذي الحليفة. وتقدم أن البيداء: الفلاة، سميت بذلك؛

لأنها تبيد من سلكها، أي: تهلكه. وقوله: "الركنين اليمانيين" [30] اللغة الفصيحة: تخفيف الياء، يقال: رجل يمان، منقوص، مثل: جوار وقاض، والأصل عند النحويين يمني خففت ياء النسب، وعوضت الألف منها. ومن العرب من يشدد الياء ويجعل الألف زائدة لغير العوض، قال الشاعر: بكل يماني إذا هز صمما و"النعال/ 39/ب السبتية" و"السبت": كل جلد مدبوغ، قاله أبو عمرو الشيباني، وقال أبو زيد: السبت: جلود البقر خاصة سواء دبغت أو لم تدبغ. وقال الخليل: هي جلود البقر المدبوغة بالقرظ. وقال ابن وهب: هي السيور التي لا شعر عليها، أي لون كانت، ومن أي جلد كانت، وبأي دباغ دبغت، وهو ظاهر قول أبي عمر في هذا الكتاب؛ وهي مأخوذة من السبت؛ وهو الحلق.

(إفراد الحج)

سبت: حلق. قال بعضهم: فعلى هذا ينبغي أن يقال: سبتية- بفتح السين- ولم يرو إلا بالكسر. قال الأزهري: كأنها من تسبتت بالدباغ؛ أي: لانت. وقال الداودي: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السبت. (إفراد الحج) تقدم أن "الحج" معناه- في اللغة-: القصد إلى الشيء، وكثرة التردد إليه. ومنه سميت المحجة؛ إنما تأويلها: الموضع الذي يختلف الناس إليه، ويترددون عليه، قال المخبل السعدي: يحجون سب الزبرقان المزعفرا وتقول العرب: جاء الحاج والناج والداج، فالحاج: الحجاج: الذين لهم نية

(القران في الحج)

في الحج، والناج: الذين حجوا رياء بلا نية، والداج: الذين يدجون على آثارهم، ويمشون معهم، من عبد وكري، ونحوهم ممن خرج ليلقاهم. و"العمرة": مأخوذة من الاعتمار: وهي الزيارة، وكل زائر معتمر، ومنه قيل: دار معمورة، قال أعشى باهلة: وراكب جاء من تثليث معتمر والحجاج ثلاثة أصناف: مفرد، ومعتمر، وقارن، وهو الذي قرن الحج بالعمرة. ويقال للمعتمر: متمتع وسيأتي. ويقال: حل من إحرامه وأحل. ويقال: حجر الإنسان، وحجره- بالفتح والكسر-. (القران في الحج) "السقيا" [40]: موضع، وردت الرواية به معرفاً بالألف واللام،

وقال أبو علي القالي في "المقصور والممدود": سقيا- بغير ألف ولام-، وذكر ابن حبيب: أنه موضع من بلاد عذرة، يقال له: سقيا الجزل، وهي قرية من قرى وادي القرى. ابن السيد: ولا أعلم أهو هذا الذي ذكر في هذا الموضع، أم غيره. وقال البكري: وهي بضم أولها، وإسكان ثانيها، بالياء أخت الواو مقصورة: قرية جامعة، قال: وهي في طريق مكة من المدينة. وقال كثير: إنما سميت السقيا؛ لما سقيت من الماء العذب، وهي كثيرة الآبار والعيون والبرك، وكثير منها صدقات للحسن بن زيد.

...................................................................................................

وقوله: "وهو ينجع بكرات". يقال: نجع البعير ينجعه، وأنجعه ينجعه: إذا ألقمه النجوع- بفتح النون-: وهو دقيق يعجن بورق الشجر المدقوق، وتنجعه الإبل لقماً. وفي روايتنا: "ينخع"- بالخاء- وهو وهم. و"الخبط"- بفتح الخاء والباء: ما يسقط من ورق الشجر إذا خبط، فإذا أردت المصدر سكنت الباء. و"البكرات"- مفتوحة الباء- جمع: بكرة، وهي الصغيرة من الإبل، والذكر: بكر. و"الهدي": ما يهدى إلى مكة لينحر. ويقال له: هدي أيضاً- بكسر

(قطع التلبية)

الدال وتشديد الياء-، وقرئ بهما جميعاً [قوله تعالى]: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، و {الهدي} وقال قوم: الهدي واحد، والهدي الجمع، كما يقال: عبد وعبيد، وكلب وكليب. وقيل: الهدي- بسكون الدال-: جمع: هدية، كتمرة وتمر، ونخلة ونخل. ويقال: من الهدي؛ هديت الهدي، وهديت المرأة إلى زوجها؛ وقد قيل: أهديت، وأما من الهدية فأهديت، ومن البيان والهدى: هديت. (قطع التلبية) سميت "منى" [43]. لما فيها من إراقة الدم. يقال: منى الله عليك بكذا وكذا، أي: قدره وقضاه. ويقال: للقضاء: المنى- بفتح الميم، ومنه: اشتق المني؛ لأن الله قدر خلق الحيوان منه، ومنه فلان يتمنى كذا؛ لأنه يقدر أموراً يطمع في كونها. وسميت "عرفة"؛ لخضوع الناس واعترافهم بذنوبهم، وقيل: بل لصبرهم على القيام والدعاء، والعارف: الصابر قال النابغة: على عارفات للطعان عوابس ... بهن كلوم بين دام وجالب

[وقيل]: مشتقة من العرف وهو الطيب، ومنه قوله تعالى: {عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} أي: طيبها لهم. وسميت بذلك؛ لأن منى ينحر فيها الإبل، فيكثر فيها الدماء والأقذار/ 40/أ؛ وعرفة طيبة طاهرة من ذلك كله. وقيل: بل كانوا يستعملون الطيب في الموسم. وفي الخبر: "أن آدم أهبط بالهند، وحواء بجدة، فطلب آدم حواء، فاجتمعا بمكان آخر، فسمي جمعاً، فازدلفت إليه، أي: تقربت، فسمي المكان المزدلفة، وتعارفا بمكان آخر فسمي عرفة. وعن ابن عباس: إنما سميت عرفات؛ لأن جبريل عليه السلام كان يقول لإبراهيم عليه السلام: هذا موضع كذا، فيقول إبراهيم: قد عرفت. وهذا القول يتضمن أنها إنما جمعت لتكريره قد عرفت قد عرفت. وأما أهل اللغة فقالوا: سميت "مزدلفة"؛ لأن الناس يزدلفون فيها؛ أي: يقرب بعضهم من بعض. ومعنى ازدلف: قرب، ومنه [قوله تعالى]: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ

لِلْمُتَّقِينَ (90)} أي: قربت وأدنيت، ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)}، ومنه [قوله تعالى]: {وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ} أي: ساعة بعد ساعة، وقال أبو عبيدة: ومنه المزدلفة أي: منزلة بعد منزلة، وقيل: لأنها تزدلف بالعبد إلى الجنة، أي: تقربه منها، وقيل: لقرب أهلها إلى منازلهم بعد الإفاضة، [أصله] مفتعلة أبدلت التاء دالاً. ومعنى "زاغت الشمس": مالت للغروب، وتقدم. و"نمرة"- بفتح النون وكسر الميم-: موضع من مواضع مواقف عرفة. و"الأراك": موضع من مواقف عرفة من ناحية الشام. و"نمرة" من مواقف عرفة مما يلي اليمن، سمي بذلك؛ لأنه منبت الأراك، ويقال له: ذو الأراك، ونعمان الأراك. وقال البكري: "نعمان"- بفتح أوله وإسكان ثانيه-: وادي عرفة دونها، إلى منى. قال الشاعر: أما والراقصات غداة جمع ... ومن صلى بنعمان الأراك

(إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم)

(إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم) قوله: "شعثاً" [49]. يقال: شعر شعث، ورجل شعث وأشعث، وامرأة شعثة وشعثاء، وكله تلبد الشعر المغبر. وقوله: "طاف سبعاًن وطاف سبعاً"، وبالوجهين وقع في الحديث، و"السبع" إنما هو جزء من سبعة؛ والمعروف في اللغة أنك إذا ضممت أدخلت الواو، وهو جمع: سبع، مثل ضرب وضروب. وقوله: "جوف مكة" هو من استعارة العرب أطراف الحيوان لغير الحيوان، كقولهم: بطن الوادي، وكبد السماء، وجناح الطريق، وأنف الجبل، وتفرقوا بين سمع الأرض وبصرها. ويفارق المستعار المنقول والمشترك: بأن المنقول أن ينقل الاسم عن موضعه إلى معنى آخر، ويجعل اسماً ثابتاً دائماً عليه، ويستعمل أيضاً في الأول، فيصير مشتركاً بينهما كاسم الصلاة والحج، ولفظ الكافر والفاسق. وهذا يفارق المستعار، فإنه ليس ثابتاً في [المنقول] المستعار [إليه] دائماً، ويفارق المخصوص باسم المشترك؛ بأن المشترك: هو الذي يوضع بالموضع الأول مشتركاً للمعنيين، لا على أنه استحقه أحد المسميين ثم نقل عنه إلى غيره؛ إذ ليس شيء من ينبوع الماء والدينار، وقرص الشمس والعضو الباصر سبق إلى استحقاق اسم العين. وأما المستعار فهو: أن يكون اسماً دالاً على ذات شيء بالوضع ودائماً من أول الوضع إلى الآن،

([ما لا يوجب] الإحرام من تقليد الهدي)

ولكن يلقب به في بعض الأحوال شيء آخر؛ لمناسبة الأول على وجه من وجوه المناسبات من غير أن يجعل راتباً للثاني، ولا ثابتاً عليه، ولا منقولاً إليه، كلفظ الأم يستعار للأرض، والألفاظ المتقدمة. ([ما لا يوجب] الإحرام من تقليد الهدي) قوله: "بدعة ورب الكعبة" [53]. كل ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو بدعة؛ لأن البدعة: فعل ما لم يسبق إليه، فما وفاق أصل السنة بقياس عليها فهو محمود، كقول عمر: نعمت البدعة هذه، وما خالف أصول السنن فهو ضلالة/ 40/ب [ومنه كل بدعة ضلالة]؛ وهو الذي أراد ابن الزبير بقوله ههنا. و"تقلد الهدي" [أن] تعلق نعل أو جلد أو شبهه مما يكون علامة على أنه هدي، وقلادة البعير: ما يربط في عنقه من وبر أو حبل أو غيره، و"الأقاليد" جمع: إقليد، وهو المفتاح في لغة أهل اليمن، و {مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ}:

قيل: مفاتيحها. وقيل: خزائنها. و"إشعار الهدي": تعليمها بعلامة بشق جلد سنامها عرضاً من الجانب الأيمن، فيدمى جنبها، فيعلم أنها هدي عند الحجازيين، وأما العراقيون فالإشعار عندهم: هو تقليدها بقلادة. و"شعائر الحج" واحدتها: شعيرة، ويقال: شعارة، وهي أموره ونماسكه، ومعناه: علاماته، وقيل: الشعائر: الذبائح، قال الزجاج: هو

(العمرة في أشهر الحج)

من قولهم: شعرت به، أي: علمت. وقال الأزهري: الشعائر: المعالم. (العمرة في أشهر الحج) "عام القضية" و"عمرة القضية"، و"قاضاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم". كله من القضاء؛ وهو الفصل، يريد: ما قاضاهم به من المصالحة. والقضية: اسم [ذلك] الفعل. وفي كتاب "العين": قاضاهم: عاوضهم، فيحتمل أن تكون سميت بذلك؛ لأنها قضاء عن التي صد عنها، وهي لا تلزم شرعاً، لكنه لما اعتمرها بعد التي صد عنها، فكأنها عوض منها. وقيل: سميت أيضاً عمرة القضاء؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً عليها، لا لأنه قضى العمرة التي صد عنها، فإنها لم تكن فسدت، بل كانت عمرة تامة متصلة. ويقال لها: عمرة القصاص، وهو أولى؛ لقوله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}، وتقدم

(قطع التلبية في العمرة)

"الحديبية" و"الجعرانة". (قطع التلبية في العمرة) "التنعيم" على لفظ المصدر، من نعمته تنعيماً، وهو بين مر وسرف، بينه وبين مكة فرسخان. ومن التنعيم يحرم من أراد العمرة؛ وهو الذي أمر صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر أن تعمر منه عائشة، وإنما سمي التنعيم؛ لأن الجبل الذي عن يمينه يقال له: نعيم، والذي عن يساره يقال له: ناعم، والوادي نعمان. (ما جاء في التمتع) قوله: "أنشأ الحج" [64] أي: ابتدأه، وكذلك أنشأ يحدث،

(ما لا يجب فيه التمتع)

ونشأت سحابة، كل ذلك بمعنى الابتداء. ونشأ الصبي: نبت، [وقوله تعالى]: {أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}: ابتدأ خلقها. وقوله: "وعليه ما استيسر من الهدي" [62] أي: ما تيسر وسهل، يقال: يسرت الغنم: إذا تهيأت للولادة، وقوله تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)} أي: للأمر السهل الذي لا يقدر عليه أحد إلا المؤمنون. (ما لا يجب فيه التمتع) "الرباط": ملازمة الثغر للجهاد، وقيل: معناه: إن هذا يربط صاحبه عن المعاصي ويعقله عنها، فهو كمن ربط وعقل. (جامع ما جاء في العمرة) قوله: "العمرة إلى العمرة" [65]. يحتمل أن تكون "إلى" ههنا بمعنى "مع" كقوله تعالى: {وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} فيكون تقديره: والعمرة مع العمرة تكفير لما بينهما. و"ما" من ألفاظ العموم، فيقتضي من جهة اللفظ تكفير

لجميع ما يقع بينهما إلا ما خصه الدليل. وقوله: "والحج المبرور". أي: الخالص الذي لا يخالطه مأثم، و"البر": الطاعة لله تعالى، وبرت يمينه: صدقت، وأبرها الله: أمضاها، وبر الله حجه وعمله. و"المبرور" على مثال: مفعول من البر يحتمل [أن يريد] صاحبه لموقعه على وجه البر، والأصل ألا يتعدى إلا بحرف جر، إلا أن يريد بمبرور وصف المصدر، فيتعدى حينئذ إليه؛ لأن كل ما لا يتعدى من الأفعال فإنه يتعدى إلى المصدر. وقوله: "فاعترض لي" [66]. أي: حيل بيني وبين مرادي من ذلك على ما تقدم من قصتها، وأصله الظهور والبدو، يقال: من هذا كله: عرض يعرض، وعرض يعرض لغتان صحيحتان، ويقال أيضاً: تعرض واعترض، وأعرض، وأنكر بعضهم عرض، بكسر الراء، إلا في عرضت له الغول. قال أبو زيد: ويقال أيضاً فيه بالفتح.

(نكاح المحرم)

(نكاح المحرم) تقدم أن "أبان" إن جعلت همزته أصلية، وألفه زائدة، كأنه من أبنت، فهو مصروف؛ لأن وزنه فعال، وإن جعلته [فعلاً] ماضياً سمي به بنيته إن اعتقدت أن فيه ضميراً فاعلاً، وأجريته مجرى ما لا ينصرف، وإن اعتقدت أنه لا ضمير فيه. (حجامة المحرم) قوله: "بلحيي جمل"- بفتح أوله وإسكان ثانيه- على لفظ لحي الرأس، مضاف إلى جمل، واحد الجمال: ماء، وهي أيضاً: بئر جمل، التي ورد ذكرها في حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة، قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر جمل، فلقيه رجل، فسلم عليه" وقيل: بئر جمل: ماء آخر بالمدينة/ 41/أ.

(ما يجوز للمحرم أكله من الصيد)

(ما يجوز للمحرم أكله من الصيد) يقال: تخلف [76]. الرجل عن أصحابه يتخلف تخلفاً؛ إذا تأخر، واشتقاقه من الخلف، يراد به أنه بقي خلفهم. وقوله: "شد على الحمار" أي: حمل عليه، كما يشد على الفارس قرنه، والمراد: أنه حقق الحملة، ولم يكن فيها. و"الطعمة" بضم الطاء، الرزق، وما يطعمه الرجل. و"الطعمة"- بكسر الطاء-: الهيئة والحال في الأكل. "والطعمة" أيضاً: المكسب، يقال: فلان حسن الطعمة، وخبيث الطعمة. و"الطعمة" بفتح الطاء المرة الواحدة؛ من الطعم؛ وهو الرزق والأكل. و"الصفيف" [77]: القديد، كما قال مالك، قال امرؤ القيس: صفيف شواء أو قدير معجل و"الروحاء"- بفتح أوله وبالحاء المهملة ممدود-: قرية جامعة لمزينة، على ليلتين من المدينة، بينهما أحد وأربعون ميلاً، والنسبة إليها: روحاني على غير قياس، وقد قيل: روحاوي، على القياس. وقال كثير: سميت

الروحاء؛ لانفتاحها ورواحها، وبالروحاء قبر يزعمون أنه قبر مضر بن نزار. و"الأثاية" بضم الهمزة وكسرها، وبالياء أخت الواو في آخرها: بئر دون العرج بميلين، عليها مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم، وبالأثاية النبات، وشجر أراك، وهناك منتهى حد الحجاز. و"العرج" بسكون الراء: موضع بين مكة والمدينة، وتقدم. و"الظبي الحاقف": الذي انضم إلى حقف من الرمل يستظل به ذكره الأخفش، أحمد بن عمران. وقال أبو عبيد: الحاقف: المنحني، وكل منحن محقوقف، وأنشدوا: سماؤة الهلال حتى احقوقفا وليس له فعل ثلاثي يستعمل، إنما يقال: احقوقف، فكأنه جاء على حذف الزيادة، أو على معنى النسب، كما قالوا: رجل رامح، ودارع، وناشب؛ أي ذو رمح وذو درع وذو نشاب، ولا فعل لشيء منها.

و"الرفاق": الجماعة من الناس يجتمعون في المأكل والنزول في التعاون على العمل. وقوله: "لا يريبه أحد". كذا الرواية والتقدير: لئلا يريبه، فلما حذفت "أن" الناصبة اختصاراً ارتفع الفعل، ونظيره قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)}، أراد: أن أعبد، ونحوه. ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلد ويروى: "حتى يجاوزه" على الإفراد، و"يجاوزوه" على الجمع. و"الربذة"

بفتح أوله وثانيه، وبالذال المعجمة، تقدم؛ وهي التي بين المدينة ونجد؛ وهي التي جعلها عمر حمى لإبل الصدقة، وكان بريداً في بريد، ثم تزيدت الولاة في الحمى أضعافاً، ثم أبيحت الأحماء في أيام المهدي، فلم يحمها أحد بعد ذلك. ووقع في نسخ "الموطأ": "يتواعده" بالألف، والمعروف في مثل هذا "يتوعده" بتشديد العين، وإسقاط الألف، وأما "تواعده" فالمشهور فيه أن يستعمل في القوم يعدب عضهم بعضاً، لأمر يريدونه كما قال النميري: تواعد اللبين الخليط لينبتوا ولم يسمع تعدي تفاعل إلى مفعول إلا في ألفاظ محفوظة ليس هذا منها. وقوله: "وجدوا ناساً أحلة يأكلونه" الواحد: حلال، يقال: رجل حلال من الحل، ورجل حرام من الإحرام، وهما اسمان غير جاريين على الفعل؛ لأن الفعل من الحل حل فهو حال، وأحل فهو محل؛ والفعل من

الحرام أحرم فهو محرم، وليس الباب في اسم الفاعل من فعل وأفعل أن يجيء على فعال، وإنما هي صفة بنيت على غير فعل، كما قالوا: رجل جواد، وامرأة صناع، وكان أهل الحجاز يسمون الحجاج المحل؛ لإحلاله الكعبة، وقتاله ابن الزبير فيها، وكان أهل الشام يسمون ابن الزبير محلاً لمقامه فيها؛ وأن أصحابه كانوا أحرقوا بعضها بنار، كانوا استضاؤوا بها؛ ولأجل ذلك قال خالد ابن يزيد بن معاوية في رملة بنت الزبير: ألا من لقلب معنى غزل ... بذكر المحلة أخت المحل ويقال في جمع الحرام: أحرمة، في العدد القليل، وحرم في الكثير، قال تعالى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} و"الرجل" القطعة من الجراد

(ما لا [يحل] للمحرم أكله من الصيد)

ينثره، أي: يطرحه. و"النثرة": ما يلقيه الإنسان من أنفه عند الامتخاط والعطاس، يقال: منه نثر ينثر نثراً. (ما لا [يحل] للمحرم أكله من الصيد) تقدم التعريف/ 41/ب بالأبواء، والعرج. و"ودان" [84] بفتح أوله، وتشديد ثانيه على وزن: فعلان؛ قرية من أمهات القرى بجهة مكة وقال أبو الفتح: ودان [فعلان]، من الود، فلا ينصرف للتعريف، وزيادة الألف والنون، أو فعال: من ودن: إذا لان، فلا ينصرف للتعريف والتأنيث. و"حرم" جمع: حرام، وهو المحرم. ويقال: "يوم صائف" [84] إذا كان في أيام الصيف، ولا فعل له، وإنما هو من باب قولهم: رجل دارع وتامر، ونحوه مما أخذ من غير الفعل. و"القطيفة": كساء له خمل. و"الأرجوان": الشديد الحمرة، ولا يقال لغير الحمرة، و"البهرمان"

دونه في الحمرة، وفي "العين": البهرمان: ضرب من العصفر، فإذا اشتدت حمرة الثوب وأفرطت قيل: ثوب مفدم، ومفدم، وفدم. وقوله: "عائشة، فإن تحلج في نفسك شيء" [85]. كذا رواه كافة رواة "الموطأ"، وكان عبيد الله وابن وضاح يرويانه بخاء معجمة، قال ابن السيد: وليس بمعروف. قال الأصمعي في "البارع": وحكى عنه الهروي الوجهين،

(ما يقتل المحرم من الدواب)

وعن غيره: وله وجه من الاشتقاق، لأن أهل اللغة حكوا: يتحلج هذا في صدري: أي لا أشك فيه، بالحاء غير معجمة. وحكوا: اختلج في صدري الهم، أي: اضطرب وتحرك، بالخاء معجمة. وخالجه الهم، أي: نازعه وجاذبه، وهو راجع إلى ذلك المعنى؛ لأن الشك في الشيء اضطراب ومنازعة، فكلا الروايتين صحيحة. ويقال: "أرخصت له في الشيء، ورخصت"، والأول أكثر في الاستعمال. وقوله: "وهو يعلم، أن من أجله صيد" تقديره: أنه، فحذف الهاء اختصاراً، ومضى القول في مثله. (ما يقتل المحرم من الدواب) قوله: "خمس من الدواب" اسم وقع في كلام العرب على كل ما دب ودرج، إلا أنه يستعمل في عرف اللغة في نوع من الحيوان، وقد يستعمل على أصلها مع القرائن التي تبين المراد بها؛ وقد بين عليه السلام جنسها ونوعها؛ فلذلك جاز أن يوقع عليها اسم الدواب. و"الحدأة" لا يقال إلا بكسر الحاء، وقد جاء "الحداء" وهو جمع: حدأة أو مذكرها، وجاء: "الحديا"، على وزن الثريا والحميا، في آخر

حديث السوداء، وفي بعضها "الحدياة"، بتاء بغير همر، وفي بعضها "الحدية" كأنه تصغير. قال ثابت: وصواب تصغيره: الحديئة، كالتميرة. قال ثابت: وإن شئت ألقيت حركة الهمزة على الياء، وشددتها، فقلت: الحدية على مثال: عليه. قال: وإن شئت قلت: الحديا والحدي، وفي التأنيث حدية قال الأصمعي: الحديأة تصغير: حدأة، وجمعها: حداء مثل لباء، قال غيره: وحدآن أيضاً، وفي الحديث: "لا بأس بقتل الحدو والإفعو" قال الأزهري: هي لغة فيهما وقال ابن سراج: بل هي على مذهب الوقف، على هذه اللغة قلب الألف واواً على لغة من قال: حدى، وكذلك إفعى وذكر الزبيدي "الفأرة": الحيوان في المهموز، وكذلك ذكر فأرة المسك، وهي نافقته. ويقال: سميت بذلك؛ لفوران ريحها، وعلى هذا لا تهمز. و"الكلب العقور": كل سبع يعقر، أو جارح يعقر ويفترس، والعقر: الجرح.

(ما يجوز للمحرم أن يفعله)

وقوله: "خمس فواسق" الفسق في كلام العرب: الخروج: يقال: فسقت التمرة؛ إذا خرجت من قشرتها، وفسق الرجل؛ إذا خرج عما أمر به من الطاعة وقويم الطريق. وقال القاضي أبو الحسن: إنما سماها فواسق؛ لخروجها عما عليه سائر الحيوان، لما فيها من الضرر الذي لا يمكن الاحتراز منه، ولا يكاد أن تعري هي عنه. و"الفهد": دويبة كثيرة النوم، لينة المس كثيرة السكون والحركة. ومنه: حديث أم زرع: "وإذا دخل فهد" أي: كالفهد في تغافله، وكثرة نومه وقيل: بل معناه وثب علي وثب الفهد؛ وهو سريع الوثب ويصطاد به. (ما يجوز للمحرم أن يفعله) "يقرد بعيراً له" [92] يريد: أنه كان يزيل عنه القراد، ويلقيها في الطين؛ لئلا ترجع إلى البعير، وليكون أعون له على قتلها ويروى: "تقرد" وبالوجهين ضبطناه. وذلك "بالسقيا" وهي قرية جامعة كثيرة الآبار، والعيون، والبرك، تقدم ذكرها. وقوله: "يكره للمحرم أن ينزع حلمة أو قراداً". الحلم: كبير/ 42/أ

(الحج عمن يحج عنه)

القراد، أو نوع منه، واحدته حلمة، وحلمة الثدي: رأسه الذي يمتصه الرضيع من ثدي أمه. (الحج عمن يحج عنه) "الردف" [97]: ما تبع الشيء، و"الرديف": الذي تردفه، والجمع: الردفاء: والرداف: موضع ركب الرديف. وبرذون لا يردف ولا يرادف. والردف: الكفل، وردف له أمر عظيم، قال تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} أي: دنا لكم. وقيل: جاء بعدكم. ويقال: درفته: ركبت خلفه، وأردفته: أركبته خلفي. و"الشق"- هنا-: الناحية، أو الجانب. و"الشق"- أيضاً-: المشقة، قال تعالى: {إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ}. و"الشق" [الشقيق]، والشق- بالفتح- مصدر شققت: وهو صدع غير بائن. (ما جاء فيمن أحصر بعدو) - جعل مالك- رحمه الله تعالى- "الإحصار" [100] من المرض والعدو؛ لأنه قال في ترجمة الباب الأول: "ما جاء فيمن أحصر بعدو"، وقال في ترجمة الثاني: "ما جاء فيمن أحصر بغير عدو".

والمشهور عند أهل اللغة، الخليل وغيره: أن يقال للرجل الذي يمنعه الخوف أو المرض من التصرف: أحصر فهو محصر، وللرجل يحبسه العدو: حصر فهو محصور. وعلى هذا خرج قول ابن عباس: "لا حصر إلا حصر العدو"، ولم يقل: لا إحصار. أبو عمر ابن عبد البر. وقال جماعة أهل اللغة: حصر وأحصر بمعنى واحد في المرض والعدو، واحتج من قال بهذا بقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}، وإنما نزلت هذه الآية بالحديبية، وكان حبسهم يومئذ بالعدو. وقال الفراء: لو قيل في الذي قد منعه المرض والخوف: حصر، لأنه بمنزلة الذي قد حبس لجاز، ولو قيل للذي حبسه العدو: أحصر لجاز أن تجعل حابسه [بمنزلة] المرض والخوف اللذين يمنعانه من التصرف. وقال أبو إسحق الزجاج: والحق في هذا ما عليه أهل اللغة؛ لأن الرجل إذا امتنع من التصرف فقد حبس نفسه، فكأن المرض أحبسه، أي: جعله يحبس نفسه. وأهل المدينة يجعلون الإحصار من عدو.

وهو قول ابن عمر في قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}، وأهل اللغة يجعلونه من العدو والمرض جميعاً. قال النحاس: القول في الآية على مذهب ابن عمر؛ لأنه يقال: أقتلت الرجل، أي: عرضته للقتل، وأقبره: جعل له قبراً، فأحصرته على هذا: عرضته للحصر، كما يقال: أحبسته، أي: عرضته للحبس، وأحصر أي: أصيب بما كان سبباً للحصر؛ وهو فوت الحج. وتقدم أنه يقال: حل من إحرامه وأحل. وقال الأصمعي: "الحديبية"- بتخفيف الياء- ويقول: التشديد خطأ، ورويت عن الكسائي بالتشديد، وتقدم. وكذلك تقدم أنه يقال: "هدي" و"هدي"- بكسر الدال وتشديد الياء-. وقوله: "ثم نفذ" [99]. أي: مضى وتخلص؛ ونفذ أمره: إذا امتثل؛ ومنه أنفذ بسلام؛ أي: انفصل وامض مسلماً. وقوله؛ "فينفذهم البصر" في الصحيح- بضم الياء-، رواه بعضهم؛ أي: يجز بهم ويتجاوزهم، ورواه

(ما جاء فيمن أحصر بغير عدو)

الكافة- بفتحها-؛ أي: يحيط بهم الرائي، لا يخفى منهم شيء لاستواء الأرض؛ أي: ليس فيها حيث يستتر أحد عن الرائي، وهو أولى من قول أبي عبيد: يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه؛ إذ رؤيته تعالى محيطة بهم في كل حال في الصعيد المستوي وغيره، وفي القرآن: {إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا} ونفد- بدال غير معجمة، وكسر الفاء-: فني، وفي القرآن: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}. قوله: "ورأى ذلك مجزياً عنه". أي: مغنياً عنه وكافياً، والأشهر فيه أن يقال: أجزأني يجزئني: إذا كفاك وأغناك، وجزى عني يجزي: إذا قضى، وذكر أول الكتاب. (ما جاء فيمن أحصر بغير عدو) قوله: "عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، والناس" [102] كذا الرواية، وهذا من التخصيص بالذكر الذي يراد به التشريف والتنويه، كقوله تعالى:

{مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، ومضى الكلام فيه. ويقال: أرخصت له في الشيء إرخاصاً، ورخصت ترخيصاً. وقوله: "أن يحلا بعمرة، ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجان عاماً قابلاً، [103] / 42/ب ويهديان" كذا الرواية: "يرجعان" و"يحجان"، و"يهديان" بالنون على القطع مما قبلها والابتداء، كأنه قال: ثم هما يرجعان، فأضمر مبتدأ، ثم جعل هذا الكلام خبراً عنه، والنصب فيما كان داخلاً في الكلام الأول مشاركاً له في العامل هو الوجه، فإذا خالفه كان الرفع لا غير، كقول أبي النجم: يريد أن يعربه فيعجمه [فرفع] لأنه يريد الإعراب، ولا يريد الإعجام، فخالف ما قبله، فلم يصح

(ما جاء في بناء الكعبة)

عطف عليه. و"البطن المتحرق": الذي أصابته الهيضة. وروى عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وضاح: "امرأة تطلق"- بفتح التاء وضم اللام- وروى غيرهما: "تطلق"- بضم التاء وفتح اللام- على صيغة ما لم يسم فاعله، وهو الصحيح المعروف؛ لأنه إنما يقال: طلقت المرأة بضم الطاء وكسر اللام: إذا أصابها وجع الولادة، ولا يقال: طلقت تطلق إلا من الطلاق. وقوله: "وأصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف" كلام فيه حذف، وتقديره: لا يقدر على أن يحضر مع الناس من أجله أو بسببه. (ما جاء في بناء الكعبة) روى يحيى: "ألم تر" [104]. من غير ياء، وذلك غلط. وروى سائر الرواة: "ألم تري" بالياء، وهو الصواب. وقوله: "اقتصروا [على] قواعد إبراهيم". أي: قصروا عنها، وقواعد البنيان: أساسه، واحدتها: قاعدة. أما [قوله تعالى]: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ}: هن اللواتي قعدن عن الحيض فواحدهن: قاعد [بغير

هاء]. والكوفيون يعللون هذا؛ بأن يقولوا: لما كان القعود- الذي هو الجلوس- يشترك فيه المذكر والمؤنث، فصل بينهما بالهاء، فقيل للرجل: قاعد، وللمرأة: قاعدة، ولما كان القعود عن الحيض لا حظ فيه للمذكر لم يحتج إلى فرق، وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنا قد وجدنا صفات لا تخفى يشترك فيها المذكر والمؤنث ولم يفرق بينهما بالهاء، كقولهم: رجل عاشق، وامرأة عاشق، ورجل حاسر الرأس، وامرأة حاسر، والقول فيه عند البصريين أن ما جاء منها بالهاء فهو مبني على الفعل، وما جاء بغير هاء، فهو بمعنى النسب، فإذا قالوا: امرأة عاشقة بنوها من عشقت، فأثبتت الصفات كما لحقت تاء التأنيث فعلها، ومن قال امرأة عاشق، فالمعنى: ذات عشق. وقوله: "لولا حدثان قومك بالكفر". جواب "لولا" محذوف تقديره: لفعلت، ووقع في رواية القعنبي غير محذوف كما ينبغي، وكذا حديث الأسود بن يزيد: "لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية". جواب "لولا"

أيضاً فيه محذوف، أراد لفعلت، ويجوز أن يكون التقدير لحاولت أن أدخل. والجواب في حديث عروة ظاهر؛ لأنه قال: "لولا أن قومك حدث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم". و"حدث" جمع "حديث" كما يقال: قضيب وقضب: على أن هذا الجمع إنما جاء في الأسماء لا في الصفات، وقد جاء في الصفات، قالوا: كريم وكرم. وقول ابن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه سولم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم". كان الوجه فما أرى بالفاء؛ لأنه جواب الشرط؛ ولكن العرب تترك الفاء في مثل هذا في موضعين؛ أحدهما: اضطرار الشعر والآخر: على تشبيه "إن" بـ "لو" [التي] للجزاء، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} وأكثر ما يجيء ذلك مع الأفعال الماضية؛ لأن "لو" للدلالة على امتناع الشيء لامتناع غيره؛ إنما يدخل على الماضي. ويجوز في "أرى" ضم الهمزة وفتحها. و"حجر الكعبة" [105].- مكسور الحاء-: المدار بالبيت، وقال صاحب "العين": هو الحطيم، حطيم مكة مما يلي الشعب. وأما حجر الإنسان ففيه لغتان: الفتح والكسر، ولا يعلم أحد حكى في "حجر الكعبة" الفتح، والقياس يوجبه.

(الرمل في الطواف)

(الرمل في الطواف) "الرمل": سير سريع كالخبب، ودون الهرولة يحرك به الماشي منكبيه. أبو الوليد؛ ولا يحسر عن منكبيه ولا يخرجهما/43/أ. وقال الجوهري؛ الرمل: أن يثب في مشيه وثباً يهز منكبيه، وليس بالتوتب الشديد. و"الأشواط" جمع شوط، وهو الطلق، والمراد به- ههنا-: الأطواف، والأطواف: جمع طوف، وهو مصدر بمعنى الطواف، جمع لاختلاف أنواعه؛ لأن منه ما يرمل فيه، ومنه ما لا يرمل فيه، وإذا ذهب بالمصدر هذا المذهب جمع. وأما قوله: "عن عروة أنه كان يقول في طوافه: اللهم لا إله إلا أنت فإن الرواية وردت: "اللهم" بالألف واللام. والوجه فيه: إسقاط الألف واللام، وأن يقال: لا هم؛ لأنهما بيتان من مشطور الرجز، على مذهب

(الاستلام في الطواف)

الأخفش، وبيتان من السريع على مذهب الخليل، ولا تخرجه الزيادة التي في أوله عن أن يكون شعراً مخزوماً، ومعنى البيت المخزوم عند العروضيين: أن يكون في أوله زيادة لا يتزن البيت إلا بإسقاطها، كقول طرفة: هل تذكرون إذ نقاتلكم ... لا يضر معدماً عدمه. فهذا البيت لا يتزن إلا بإسقاط "هل" من أوله. فإن كان في أول البيت نقصان سموه مخروماً- براء غير معجمة- كقول امرئ القيس: دع عنك نهباً صيح في حجراته (الاستلام في الطواف) للعرب في "الاستلام" لغتان، أكثرهم يقول: استلمت الحجر بغير همز، ومنهم من يقول: استلأمت بالهمز، قال الفرزدق: يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم وأكثر اللغويين يقولون: استلمت- بغير همز- وهو القياس، والهمز عندهم

غلط وشذوذ؛ لأنه افتعلت من السلمة، وهي الصخرة، وجمعها: سلام، قال ذو الرمة: جوانبه من بصرة وسلام وقال بعض اللغويين: استلأمت بالهمز ليس بغلط، ولكنه مما زيدت فيه الهمزة متوسطة، كقولهم للريح: شمال، وشمأل، وهم يقولون في تصريف الفعل منها: شملت الريح تشمل، فلا يهمزون. وقال بعضهم: استلأمت- بالهمز- استفعلت، من لا أمت بين الشيئين: إذا جمعت بينهما، أرادوا بذلك اجتماع الكف مع الشيء الملموس، فالهمزة على هذا أصل والسين زائدة، والسين في القول الأول أصل الفعل؛ لأن وزنه افتعلت، وهذا قول يروى عن ابن الأعرابي. وقد تقدم أن الأفصح في "اليماني" أن تخفف الياء ولا تشدد، وإن من العرب من يشددها، وأنشد في ذلك: بكل يماني إذا هز صمما

(ركعتا الطواف)

(ركعتا الطواف) في بعض النسخ: "لا يجمع بين السبعين" [116]- بفتح السين-، وكذلك [في] كل سبع، وفي بعضها بضم السين، فمن فتح- وهو الوجه- جعله جمعاً؛ إذ هو مشتمل على هذا العدد، وجاء هكذا بغيرها على معنى الطوفات، أو لأنه على المعنى الذي في الجمع؛ إذ كانت الأطواف تذكر وتؤنث، ومن ضم السين جعله اسماً مفرداً بمعنى الأسبوع؛ إذ هو جزء من سبعة. وقوله: "من ركوع تلك السبوع" الوجه في السبوع- ههنا- أن يراد به جمع سبع كفلس وفلوس، أو جمع: سبع كبرد وبرود. قال الأصمعي: جمع السبع أسبع، والمعروف في اللغة أنك إذا ضممت أدخلت الواو، فأما الأسبوع فلا يكون إلا بالهمز، ولا يجوز فيه سبوع، والأسبوع: اسم مفرد يراد به الجمع وليس بجمع. والوجه في "الأطواف" أن يكون جمع طوف، وهو مصدر بمعنى الطواف، يقال: طاف

(الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف)

طوفاً، وطوافاً، وطوفاناً، قال الحطيئة: وما المرء إلا بالتقلب والطوف وقد يجوز أن يكون جمع طواف على حذف الزيادة، كما قالوا: غثاء وأغثاء، لما يحمله السيل. (الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف) قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: ثبت في كتابي: "بذي طوى" [117] غير مصروف، وتقدم الوجهان فيه، وأن بالتنوين قرأ الكوفيون وابن عامر، وأن المبرد سئل عن طوى اسم واد يصرف؟ قال: نعم؛ لأن إحدى العلتين انخرمت عنه/ 43/ب. (وداع البيت) التوديع: المصدر، والوداع: اسم وضع موضع المصدر، كما

وضع المتاع موضع التمتع في قوله تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً} ومنه وضعهم العطاء موضع الإعطاء في قول القطامي: وبعد عطائك المائة الرتاعا ويقال: "نسك" [121]- بضم السين وتسكينها-، والأصل الضم، ثم يخفف؛ لثقل اجتماع الضمتين. وقوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ}: أي: معالمه التي ندب إليها، وأمر أن يقام بحقها، واحدتها: شعيرة، كالصفا والمروة، والبدن المهداة إلى البيت، والمراد بها- هنا-: البدن، والخلاف فيها في "الكبير"، وهي مشتقة من أشعرت بالشيء، أي: أعلمت به، وتقدم إشعار البدن؛ وهو أن يطعن في سنامها وتدمى، ويعلق عليها نعل؛ ليعلم أنها بدنة. و"محل" مفعل من حل الشيء: إذا وجب، وفيه لغتان؛ فتح الحاء وكسرها. وسمي البيت عتيقاً؛ لأنه أعتق من الجبابرة. وقيل: إنه أعتق منه

الغرق أيام الطوفان. وقيل: العتيق: القديم، وتقدم كل هذا، وذهب إلى هذا القول الأخير الحسن، واستدل عليه بقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}. و"مر الظهران"- مفتوح الظاء، وقال كثير: "مر ظهران" بغير ألف ولام: موضع بينه وبين مكة ستة عشر، وقيل: ثمانية عشر ميلاً. قال كثير عزة: سميت مراً لمرارتها. وقال أبو غسان: سميت بذلك؛ لأن في بطن الوادي بين مر ونخلة كتاباً بعرق من الأرض أبيض هجاء مر، إلا أن الميم غير موصولة بالراء. ومعنى "الإفاضة" [122]: الدفع من عرفات. يقال: أفاض البعير بجرته: إذا دفع بها، وأفاض بالقداح عند الميسر. ووقع في بعض الروايات: "فقد قضى حجه"، وكذا رواه ابن

(جامع الطواف)

وضاح. وفي بعضها: "فقد قضى الله حجه"- بنصب الهاء من اسم الله-. ومعناه: أدى إلى الله تعالى ما عليه من فرض الحج؛ كما يقال: قضيت الرجل دينه. وفي بعضها: "فقد قضى الله حجه"- برفع الهاء من المكتوبة-. أي: أعانه وأتمه. وقوله: "فيرجع فيطوف" الوجه فيهما الرفع، على معنى: فهو يرجع ويطوف. (جامع الطواف) وقع في أكثر روايات "الموطأ": "هرقت الدماء" [124]- بضم الهاء وكسر الراء-، على صيغة ما لم يسم فاعله، وذلك خطأ، والصواب: فتح الهاء والراء، والأصل: أرقت، فأبدلوا من الهمزة هاء، وفيه لغتان: هرقت وأهرقت، وتقدم في قوله: "تهراق الدماء" زيادة على هذا. وقوله: "ركضة من الشيطان" استعارة، وأصل الركض: الدفع. وقوله: "استثفري": مأخوذة من قولهم: استثفر السبع: إذا ضم ذنبه إلى فخذيه، وكذلك الكلب، فشبه الثوب الذي تضعه على فرجها وتدخله بين فخذيها بذلك. وقال الخليل: الاستثفار: أن يدخل الكلب ذنبه بين

(البدء بالصفا في السعي)

فخذيه حتى يلزقه ببطنه، واستثفر الرجل بإزاره: لواه على فخذيه، ثم أخرجه من بينهما. ووقع في بعض نسخ "الموطأ": "مراهقاً" [125]- بفتح الهاء-، وفي بعضها بكسرها، والوجه فيه الكسر. والمراهق: المقارب للأمر المشرف عليه. ومنه يقال للصبي: قد راهق الحلم، والمراد به هنا: هو الذي يفوته الوقوف بعرفة، يتوقع ذلك. (البدء بالصفا في السعي) "الصفا" [126].- في اللغة-: جمع صفاة، وهي الصخرة الملساء، وكذلك الصفو والصفوان. و"المروة" جمعها: مرو: حجارة شديدة الصلابة، سمي المكان بهما؛ لما فيهما من الحجارة. وفي هذا الحديث دليل على أن الواو قد توجب ترتيباً، وهي مسألة خلاف، وقد تقدمت في "الوضوء" من هذا الديوان، وأن الذي عليه أكثر العلماء أن الواو لا توجب تعقيباً، ولا تقتضي ترتيباً [وهو مذهب سيبويه وسائر نحاة البصرة]؛ ودليلهم قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فبدأ بالحج قبل العمرة، وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل أن

يحج، وكذلك قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}، وجائز تقديم الدية على الرقبة، وكذلك [قوله تعالى]: {اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}، ومثله كثير في القرآن. قالوا: فإنما يعطي معنى الجمع، لا معنى الترتيب. وقد روي عن علي وابن مسعود: "ما أبالي بأي أعضائي بدأت في الوضوء إذا أتممت وضوئي". وقال الشافعي وابن حنبل/ 44/أوإسحق: الواو توجب الرتبة والجمع جميعاً، وحكوه عن الكسائي نحوي الكوفة؛ لأن الواو إذا كانت توجب الرتبة أحياناً، ولا توجبها أحياناً لم يكن بد من بيان مراد الله تعالى فيها، وقد بينه عليه السلام بفعله مذ بعثه الله تعالى إلى أن مات، لم ينقل عنه قط أنه توضأ على غير الترتيب، فصار ذلك بياناً لمراد الله تعالى كسائر بيانه للمجملات المفروضات، وما نسبوه إلى الكسائي غير مشهور، والمعروف عند جميع أهل العربية أن الواو إنما توجب التسوية

(جامع السعي)

خاصة إلا أن تقترن بها قرينة تبين المراد بها والغرض منها. وما احتجوا به من قوله: "نبدأ بما بدأ الله به" [فـ] حجة عليهم؛ لأن الواو لو كانت توجب الترتيب لم يحتج إلى أن يبينه لهم؛ لأنهم أهل اللسان. (جامع السعي) يقال: رجل "حديث السن" [129 ي، فإذا لم يذكر السن، قلت: حدث، وتقدم. و"كلا": كلمة معناها: الزجر والردع؛ وقيل [هي] بمعنى "لا" والمعنى الأول أشهر وأظهر؛ لأن فيه معنى وزيادة. و"الجناح": الإثم، مشتق من قولهم: جنح عن الشيء: إذا مال عنه في شق، سمي به؛ لأنه مال وانحرف عن الطاعة، ومنه اشتق جناح الطائر، وجناح الطريق. وتقدم أن الإهلال: رفع الصوت بالتكبير. و"مناة": صنم كان في الجاهلية يعبدونه، وكان حجراً في أصل الجبل الذي ينحدر منه إلى قديد.

ومعنى: "حذو قديد": قبالته. يقال: جلست حذوه وحذاءه، وحذوه- بكسر الحاء-، وحذوته- بضمها-. وسميت "مناة"؛ لما كان يمنى عندها من الدم، أي: يسأل، وبذلك سمي منى مكة. ويجوز أن تكون مشتقة من قولهم: منى الله عليك بكذا، أي: قضى وحكم. سموها بذلك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها رب يضر وينفع، ويعطي ويمنع، وأنثوها على معنى المبالغة فيما تمنى به من الأمور؛ أي: تقضى وتحكم، كما قالوا: رجل نكحة؛ إذا أفرط في النكاح. و"قديد": قرية جامعة كثيرة المياه والبساتين، وبينها وبين الكديد ستة عشر ميلاً، الكديد أقرب إلى مكة. وسميت قديداً؛ لتقدد السيول بها، وهي لخزاعة، وصغروه؛ لأنهم شبهوه بالقديد، وهو الشراك الصغير، وفي الكتب القديمة: أن قديداً هو الوادي الذي وقعت فيه الريح لسليمان عليه السلام، وأنه هو الذي أتي فيه بصاحبة سبأ. وقوله: "وكانوا يتحرجون" أي: يرون فيه حرجاً؛ وهو الإثم، وأصل الحرج: الشجر يكثر بالموضع ويلتف، فيضيق عن السلوك فيه، ومن نشب فيه صعب عليه التخلص منه. [واحدتها حرجة، فشبه الإثم، به؛ لأنه يعلق بصاحبه ويضيق عليه وجه التخلص منه]. وسمي الورع من الرجال متحرجاً؛ لأنه

(صيام يوم عرفة)

يضيق على نفسه المذاهب، ولا يذهب كل مذهب، كما يفعله الفاسق. وقوله: "عن الرجل يلقاه الرجل" [130]. [يلقى] عند الكوفيين صلة للرجل؛ لأنهم يجيزون وصل ما فيه الألف واللام وإن لم يكن جارياً على فعل، وهو في موضع نصب على الحال عند البصريين، وتقدم، وكذلك تقدم معنى السعي أيضاً. وقوله: "ليرجع فليطف بالبيت ثم ليسع" [131] كذا وقع في أكثر النسخ باللام والجزم؛ لأنها لام الأمر؛ وهو الصواب. ووقع في بعضها: "ثم يسعى" بغير لام ولا جزم، والقول فيه- إن صح أنه مروي-: أنه مبني على مبتدأ مضمر، كأنه قال: ثم هو يسعى، والوجه هو الأول. (صيام يوم عرفة) قوله: "تماروا عندها" [132]. التماري له معنيان؛ أحدهما: الشك [في الشيء]؛ والآخر: الجدل فيه والتنازع، وحديث الباب يحتمل المعنيين معاً. وقوله: "ولقد رأيتها يوم عرفة يدفع الإمام ثم تقف" [133]. موضع

الجملة التي هي "يدفع الإمام" موضع نصب على الحال من الضمير في "رأيتها". فإن قيل: كيف يجوز أن تكون حالاً من الهاء، وليس فيها ضمير يرجع إلى صاحب الحال، وحكم الحال أن يكون فيها ضمير يرجع إلى من هي له، وإلا لم تصح، ولو قال قائل: رأيت زيداً يخرج عمرو لم يصح حتى يقول إليه، أو في حاجته؟ فالجواب: أنه إنما جاز؛ لأن قوله: "ثم تقف" فيه ضمير يعود إلى الهاء؛ وهو معطوف على "يدفع". وإنما يجوز هذا عند النحويين: إذا كان المعطوف والمعطوف عليه من جملة واحدة، فإذا كان الكلام جملتين لم يكن بد من ضمير في كل واحدة منهما تجيز النحاة: زيد يخرج عمرو وأبوه، ولا يجيزون: زيد يخرج عمرو ويخرج أبوه؛ لأنك لما كررت القول صار الكلام جملتين، واحتيج إلى عائد من كل واحدة منهما، والمبتدأ في هذا كالحال، وكذلك الصفة. فإن قلت: زيد عمرو يخرج أبوه إليه، وجعلت الهاء في "إليه" عائدة إلى عمرو جاز؛ لأن الضمير العائد إلى عمرو صير الكلام كالجملة الواحدة، ولذلك ينبغي أن يقدر/ 44/ب الحديث يدفع الإمام، ثم تقف عند دفعه. وقوله: "يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض" أي: يخلو من الناس. والعرب تسمي النقي بياضاً، وإن كان لا بياض هنالك، فلذلك قالوا لمن يصفونه بالنقاء من الحيوان أبيض، ويقولون: لما لا نبات فيه من الأرض

(ما جاء في صيام [أيام] منى)

بياض، ولما فيه النبات سواد، فيقولون: لك سواد الأرض وبياضها، مع الطريق إذا كثر سلوكه اتسع وابيض، فإذا سلكه الناس، وتزاحموا فيه خفي بياضه، فإذا جاوزوه ظهر بياضه، قال الراجز: وطرق مثل ملاء النساج (ما جاء في صيام [أيام] منى) "أيام منى": هي أيام التشريق، وسميت بذلك؛ لأن الذبح يجب فيها بعد أن تشرق الشمس. وقيل: لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي. وهي تذكر وتؤنث على المكان وعلى معنى البقعة، وتقدم أنه مشتق من: منيت الدم [أي:] صببته. قال العرجي [في تأنيثها]: ليومنا بمنى إذ نحن ننزلها ... أسر من يومنا بالعرج أو ملل

(ما يجوز من الهدي)

قال ابن الأنباري: وتكتب في الوجهين جميعاً بالياء. (ما يجوز من الهدي) تقدم أنه يقال- لما يهدى إلى مكة: هدي، وهدي- بكسر الدال وتشديد الياء، وقرئ بهما. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: الهدي: جمع هدية، كتمر وتمرة، قال الشاعر: حلفت برب الراقصات إلى منى ... وكل هدي بالمشاعر ينحر و"البدنة" [129]: اسم يقع على الناقة والبقرة المهداتين إلى البيت، وجمعها: بدن- بضم الدال وتسكينها- مثل ثمرة وثمر، وقد قيل: إن البدن والثمر: جمع الجمع، جمعوا بدنة وثمرة على بدن وثمر، كشجرة وشجر، ثم جمعوا بدناً وثمراً على بدن وثمر، كما قالوا: أسد وأسد. وقول: "ويلك" [139]: مخرجه مخرج الدعاء عليه، إذ أبى من ركوبها في أول مرة؛ وقد كان عليه السلام علم أنها بدنة، فكأنه قال: الويل لك في مراجعتك إياي فيما لا تعرف وأعرف. وكان الأصمعي يقول: "ويل" كلمة عذاب، و"ويح" كلمة رحمة. وقال سيبويه: ويح: زجر لمن أشرف على

هلكة، و"ويل" لمن وقع فيها. وقيل: الويل: الحزن. وقيل: المشقة من العذاب. وقال الفراء: الأصل [في الويل:] وي: حزن، فوصلتها العرب باللام، وقدروها منه، فأعربوها. وقال الخليل: وي: كلمة تعجب. و"اللبة" [140]: النحر. و"البخت": إبل خراسانية تتردد بين العربية والفالج. و"الفالج": نوع من الإبل له سنامان. وأما "البختية"- على رواية عبيد الله- فهي العتيقة التي أنجب بها أبوها. ويقال: "نتجت الناقة" [143]- على صيغة ما لم يسم فاعله-: إذا ولدت، وأنتجت: إذا حان [نتاجها]. ونتجها صاحبها [إذا تولى أمر نتاجها]، هذا قول جمهور اللغويين، قالت هند بنت النعمان بن بشير: فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى و"المحمل"- بكسر الميم الأولى وفتح الثانية.

(العمل في الهدي حين يساق)

و"الفادح" [144]: المثقل المعيي. (العمل في الهدي حين يساق) تقدم أن "الإشعار" [145] أن يطعن الهدي في أصل سنامه؛ ليكون علامة أنه هدي. وقال بعضهم: إشعارها: تقليدها، وكلا التفسيرين محتمل؛ لأن الإشعار- في اللغة: العلامة. يقال: أشعر الرجل نفسه في الحرب: إذا أعلم نفسه بعلامة يعرف بها، ويكون ذلك بكلام يتكلم به، مثل أن يقول: "يا لربيعة" ويكون أيضاً بزي يتزيا به. وكان شعار أبي دجانة يوم أحد ريش نعامة غرزها في عمامته. و"السنام" [146]: حدبة البعير، وكل مرتفع فهو متسنم. و"القباطي": الثياب البيض من الكتان تتخذ بمصر، واحدتها:

قبطية، وينسب إليها قبطي- بضم القاف-. وأما قبط مصر، وهم عجمها- فبالكسر- وأصل نسبة هذه الثياب إليهم، فلما ألزمت الثياب هذا الاسم فرقوا بين النسبتين، فقالوا: في الإنسان قبطي- بالكسر- وفي الثوب: قبطي- بالضم-. وقال أبو الوليد: القباطي: ثياب بيض. و"الأنماط": ثياب ديباج./45/أو"الحلل": ثياب مزدوجة. والمعروف أن النمط: ظهارة فراش، وهو أيضاً: ما يغشى به الهودج، لكن الأليق بحديث ابن عمر ما ذكره الباجي. وتجليل الشيء: تغطيته وستره، ويقال لما تستر به الدابة: جلال وجل، فمن قال: جلال فجمعه: أجله، ومن قال جل، قال: فالجمع أجلال وجلال، فالجلال يكون واحداً، ويكون جمعاً وهو جمع في قوله: "ما كان عبد الله يصنع بجلال بدنه". وقال أبو عبيد: الحلل: برود اليمن، وقال بعضهم: لا يقال لها حلة حتى تكون جديدة يحلها عن طيها. والأشهر أن الحلة: ثوبان غير لفقين، رداء وإزار، سمي بذلك؛ لأن كل واحد

(العمل في الهدي إذا عطب وضل)

[منهما] يحل على الآخر. قال الخليل: ولا يقال: حلة لثوب واحد. ومما يدل على أنها ثوبان قوله في الحديث: "رأى رجلاً عليه حلة ائتزر بأحدهما وارتدى بالأخرى". ويدل على أنها واحدة قوله في الحديث الآخر: "رأى حلة سيراء". (العمل في الهدي إذا عطب وضل) قوله: "كيف أصنع بما عطب من الهدي؟ " [148]. يحتمل أن تكون الألف واللام لاستغراق الجنس، أو للعهد؛ فيكون سؤالاً عن جميع الجنس، أو عن هدي معهود، وهو الذي بعث به صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر، ولا يمتنع أن تكون الألف واللام في "الهدي". الأول للعهد، وفي الثاني لجواب التي للجنس؛ وذلك بأن يسأله عن حكم ذلك الهدي، فيخبره عن حكم سائر الهدايا؛ ليبين للناس ويعلمهم حكم جميع الهدي. وقوله: "خل بينها وبين الناس يأكلونها" هكذا الرواية بالنون، ولو حذفت لجاز، فالحذف على جواب الأمر، وإثباتها على أن تجعل في موضع الحال، وجاء الوجهان جميعاً في كتاب الله تعالى، كما تقدم في الإثبات:

(هدي المحرم إذا أصاب أهله)

{ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)}، وفي الحذف: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا}. والرواية أيضاً: "لا يأكل صاحب الهدي من الجزاء والنسك" [150]. برفع الفعل على معنى ليس يأكل، ولو جزم على معنى النهي لكان حسناً، وفيه- وإن كان مرفوعاً- معنى النهي مضمناً، كما أن قوله تعالى: {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى (77)} إخبار في اللفظ، وفيه من تضمن معنى النهي مثل ما في قراءة من جزم، وقرأ {لا تخف}. ويقال: "نسك" و"نسك" وهي: الذبيحة التي يتقرب بها خاصة. (هدي المحرم إذا أصاب أهله) "الوجه" [51]. كل ما يتوجه الإنسان إليه، وسمي بذلك؛ لأنه

يواجه الإنسان ويقابله. كمقابلة الوجه للوجه. وقوله: "ثم عليهما حج قابل" و"من عام قابل" يجوز تنوين العام، وترك تنوينه، فمن نونه جعل القابل صفة له، ومعناه كمعنى مقبل؛ لأنه يقال: قبل وأقبل، ودبر وأدبر. ومن لم ينون العام وأضاف فوجهه عند البصريين: أنه أراد: من عام وقت قابل، أو من [زمان] قابل أو نحوه، ثم حذف الموصوف وأقام صفته مقامه، على نحو قوله تعالى: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ} أراد: الحياة الآخرة، وقولهم: مسجد الجامع؛ أي: مسجد اليوم الجامع. والكوفيون يجيزون في مثل هذا إضافة الموصوف إلى صفته، وتقدم ذلك، ومما جاء على الإضافة قول الراعي: إذا العام أجلى عن شتات من النوى ... أملت اجتماع الحي في عام قابل وقوله: "ما ترون في رجل وقع بامرأته" [152]. تستعمل العرب الوقوع في كل شيء يباشره الرجل، ويسقط فيه مما فيه تأثير، فيقال: وقع بالمرأة: إذا جامعها، ووقع بالرجل: إذا شتمه، ووقع بالقوم: إذا نكأ فيهم وقتل وسبى، ويقال أيضاً: أوقع، وفي الحديث: "فأوقع الحجاج بخالد، فقال: كان الأمر

(هدي من فاته الحج)

لآبائه، فعجز عنه" أي: سبه وتنقصه، ولم يرد أنه قتله، قال النابغة: وأنت بأمر لا محالة واقع فهذا المعاقبة والقتل. و"الماء الدافق": المندفع. يقال: دفق الماء واندفق،/45/ب ودفقه الرجل، ولم يقولوا فيه: أدفق، فاستوى فيه النقل وغير النقل، كما قالوا: غاض الماء، وغضته، ونزح ونزحته، وما لم نذكره في هذا الباب فإنه تقدم. (هدي من فاته الحج) "النازية" [153]. على وزن فاعلة؛ من نزا ينزو، وهي عين بين بني خفاف وبين الأنصار، تضاروها فسدوها، بعد أن قتل في شأنها ناس كثير، وكانت عيناً ثرة، وطلبها السلطان مراراً بالثمن الجزل فأبوا عليه.

(هدي من أصاب أهله قبل أن يفيض)

(هدي من أصاب أهله قبل أن يفيض) إفاضة الحاج من منى إلى عرفة، ثمن منها إلى المزدلفة، أي: اندفاعهم بسرعة وكثرة، وطواف الإفاضة: هو الذي يكون إثر الإفاضة من منى إلى مكة يوم النحر، أي: إسراعهم وشدة دفعهم، ومنه حديث: "مفاض ومستفاض" ومنه [قوله تعالى]: {تُفِيضُونَ فِيهِ}. (ما استيسر من الهدي) "الصفة" [161] و"صفة المسجد" و"أصحاب الصفة": [الصفة] هي مثل الظلة والسقيفة: يؤوى إليها. قال الحربي: هو موضع مظلل من المسجد يأوي إليه المساكين. وقيل: سموا أصحاب الصفة؛ لأنهم كانوا يصفون على باب المسجد؛ لأنهم غرباء لا مأوى لهم. و"المقصان" على التثنية لأنهما اثنان، وأصله من قص: قطع، ومنه: "قص الله بها خطاياه" أي: نقص وأخذ، ومنه: القصاص، وهو الأخذ؛ لأنه يأخذ منه حقه، وأصله في الجرح يقطع كما يقطع جارحة. و"القرون"- هنا-: الصفائر.

(جامع الهدي)

(جامع الهَدْي) قوله: "قد ضفر رأسه" [162]: أي: لوى شعره، ويروى بالتخفيف والتشديد، والتشديد أبلغ في المعنى، وهي روايتنا، ويقال للناصية: ضفيرة، وجمعها: ضفائر، وكان القياس أن يقال: ضفير بغير هاء، لأن فعيلاً إذا كان صفة للمؤنث بمعنى مفعول كان بغير هاء، كقولهم: امرأة قتيل، وناقة كسير، ولكنهم جعلوها اسماً للناصية على حد وجه الصفة، فخرجت مخرج النطيحة والذبيحة. وتقدم أنه يقال في النسبة إلى اليمن: يمني، وهو القياس، ويمان منقوص، ويماني، وهي أقل اللغات. قوله: "خذ ما تطاير من شعرك" أي: ما ارتفع وخرج عن موضعه وحده، ومنه قيل: تطاير الغبار، وطار الرجل يطير: إذا غضب فاستحقه الغضب وأزعجه. (ع) يروى: "ما هديه" و"ما هديه" وهو الأولى؛ لأنه ما يهدى إلى الله. وقوله: "لا يشترك الرجل وامرأته" كذا رويناه بالرفع على معنى الخبر المتضمن لمعنى الأمر كما تقدم، ولو جزم على التصريح بلفظ النهي لكان أجود.

(الوقوف بعرفة والمزدلفة)

(الوقوف بعرفة والمزدلفة) يروى: "عرنة" [167] بضم العين والراء، وبفتح الراء وحدها. قال البكري: والفقهاء يقولون: عرنة، بضم [الراء]، وذلك خطأ. و"عرنة"، موضع الممر في عرفة، والوادي إلى قبله المسجد إلى مكة إلى العلم الموضوع للحرم قاله ابن وهب، عن ابن عيينة، وقال ابن حبيب: "عرنة" ليست من عرفة إنما هي من الحرم، وعرنة خارجة من الحرم، والموقف خارج من الحرم، وداخلة في الحل. و"بطن عرنة": هو بطن الوادي الذي فيه مسجد عرفة، هي مسائل يسيل فيها الماء إذا كان المطر، يقال لها: الحبال: وهي ثلاثة: أقصاها مما يلي الموقف. قال ابن المواز: حائط مسجد عرفة القبلي على حد عرنة، ولو سقط ما سقط إلا فيها. قال: وكتب إلي

أصبغ: أن المسجد من بطن عرنة، فمن وقف في المسجد فلا حج له. و"محسر" بكسر السين: بين يدي موقف المزدلفة مما يلي منى، وهو ما انحط من المسيل الذي عند المشعر الحرام عند النخيلات، وهو/ 46/أمسير قدر رمية بحجر بين المزدلفة ومنى، فإذا انصببت من المزدلفة فإنما تنصب فيه. ويقال: إن عرنة هو الوادي المعروف بوادي عرنة، وبطن محسر بطن الوادي، ومسيل الماء. وقال الشافعي: وادي عرنة من

عرفة إلى الحبال المقابلة على عرفة كلها مما يلي حوائط بني عامر بطريق حضن، فإذا جاوزت ذلك فليس بعرفة. و"المزدلفة": مما يلي عرفة إلى وادي محسر عن اليمين، وعن الشمال، والمأزمان ليسا عندهم من عرفة، وإنما هو ما بين عرفة والمزدلفة، وقد ذكرها كثير في قوله: فقد حلفت جهراً بما نحرت له ... قريش غداة المأزمين وصلت وقال أهل اللغة: هما مضيقا جبلي منى. وقال ابن شعبان: عرفة كل سهل وجبل أشرف وأقبل على الموقف فيما بين التلعة إلى أن يفضي السالك إلى طريق نعمان، وكذلك ما أقبل من كبكب، وهو جبل مشرف، وكذلك نعمان،

ولإشرافه سمي نعمان السحاب، وإنما قيل: من مزدلفة والمزدلفة، فاستعملت تارة اسماً علماً، وتارة صفة؛ لأنها صفة في الأصل، ثم نقلت إلى أن سمي بها الموضع، فجرت مجرى قولهم في الأعلام: عباس والعباس وحسن، والحسن، وهو باب من العربية مشهور، وقد تقدم لم سميت "المزدلفة" و"عرفة" و"منى" بهذه الأسماء. وأما "محسر" فاشتقاقهم له من قولهم: حسرت البعير وحسرته- في التخفيف والتشديد-: إذا مشيت به حتى يهزل ويضعف، فكأنه سمي بذلك؛ لأنه يهزل الإبل ويضعفها إذا سارت فيه، كما قالوا: للفلاة مهلكة، ومسافة، فاشتقوا لها اسماً من الهلاك، والسواف، وهو شبيه الطاعون يقع في الإبل، قال عروة بن الورد: فيمسي طليحاً كالبعير المحسر وقول ابن الزبير: "إلا بطن عرنة" و"إلا بطن محسر" الأظهر أن تكون عرنة من عرفة، ومحسر من المزدلفة؛ ولذلك استثناهما من جملة ما أباح الوقوف به، فيكون استثناء من الجنس، وقد يجوز أن يكون استثناء من غير

(السير في الدفعة)

الجنس، فيكون عرنة من غير عرفة، ومحسر ليس من المزدلفة، ومعناه على هذا: أن بطن عرنة- على قربه من عرفة لا يجوز الوقوف به، تحديداً لمكان الوقوف، وأن ما قرب من عرفة من مجرى عرفة. و"قزح": موضع [قريب] من المزدلفة؛ وهو غير مصروف، بمنزلة عمر وقثم، وكأنه معدول عن قازح، مشتق من قولهم: قزحت القدر؛ إذا جعلت فيها الأقزاح وهي التوابل. ومن قولهم: قزحت الحديث: إذا زينته، ويقال: مليح قزيح، ومنه اشتق: قوس قزح؛ لما فيه من الألوان المختلفة، ويقال: إن قزح: اسم شيطان، والقزح: الطرائق، كأن هذا الموضع سمي قزح؛ لأن الألوان المختلفة فيه، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)}. (السير في الدفعة) "العنق" [17]. سير سهل في سرعة ليس بالشديد. ويروى: "فجوة" و"فرجة" وهما سواء في اللغة.

و"الفجوة": السعة من الأرض، و"الفجوة": المتسع من الأرض يخرج إليه من ضيق، وفرجة، أي: سعة من الأرض. و"الفرجة": الخلل بين الشيئين، وجمعها: فرج، ويقال: فرج في الواحد، وجمعه. فروج، وكذلك قوله: في حديث الغار: "ففرج لنا منه فرجة". بالضم من السعة؛ وأما من الراحة فالفرج، ويقال فيه: فرجة، ومنه قوله: فرجة كحل العقال ويروى: أن أبا عمرو بن العلاء، حين كان فاراً من الحجاج، [لما طلبه]

ليقتله، لقي أعرابياً، وهو ينشد هذا البيت: ربما تكره النفوس من الأمـ ... ـر له فرجة كحل العقال فقال- له مستفهماً-: فرجة أو فرجة؟ فقال الأعرابي: الفرجة- بالفتح- في الأمر، والفرجة، بالضم، في الحائط، ثم قال له: ما الأمر؟ فقال له الأعرابي: مات الحجاج. قال أبو عمرو بن العلاء: فما أدري بأيهما كنت أشد فرحاً، أبموت الحجاج، أم بالمسألة؟ وقوله:/46/ب "نص". أي: دفع في سيره وأسرع، و"النص": منتهى الغاية في كل شيء، وأصله في اللغة: الدفع والظهور. يقال: نصت الظبية رأسها؛ إذا رفعته، وسمي الكرسي منصة؛ إذ تظهر عليه العروس. ومنه: نصت الناقة فهي سيرها، قال الشاعر: ألست الذي كلفتها سير ليلة ... من أهل منى نصاً إلى أهل يثرب وقال اللهبي:

ورب بيداء وإبل داج ... قطعته بالنص والإدلاج وقال صالح بن عبد القدوس: ونص الحديث إلى أهله ... فإن الوثيقة في نصه أي: ارفعه إلى أهله، وانسبه إليهم. وقال أبو عبيد: النص: التحريك الذي يستخرج به من الدابة أقصى سيرها؛ قال الراجز: تقطع الأرض بسير نص قال الشيخ وفقه الله: وأما النص في الشريعة فللفقهاء في العبارة عنه تنازع اصطلاحي، وهو وإن كان ليس هذا موضع ذكره، فلتطابقهما يجب أن نخوض فيه خوضاً يليق:

فإن لايكنها أو تكنه فإنه ... أخوها غذته أمه بلبانها فنقول: اللفظ الدال الذي ليس بمجمل إما أن يكون نصاً، أو يكون ظاهراً، فالنص: هو الذي لا يحتمل التأويل، والظاهر: هو الذي يحتمله، فهذا القدر معروف، وبقي عليك الآن أن تعرف اختلاف التعارف في إطلاق لفظ النص، وأن تعرف حده، وحد الظاهر. فنقول: النص: اسم مشترك يطلق في تعارف العلماء، على ثلاثة أوجه: الأول: ما أطلقه الشافعي رحمه الله فإنه سمى الظاهر نصاً، وهو مطابق اللغة، فلا مانع منه في الشرع، وتقدم آنفاً معناه في اللغة، وأنه بمعنى الظهور، ومنه حديث الباب، فعلى هذا: حده الظاهر؛ وهو اللفظ الذي يغلب على الظن فهم معنى منه بغير قطع، فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى ظاهر. ونص الثاني- وهو الأشهر-: ما لا يتطرق إليه احتمال، لا على قرب ولا على بعد، كالخمسة مثلاً، فإنه نص في معناه لا يحتمل الستة ولا الأربعة، ولفظ الفرس لا يحتمل الحمار ولا البعير، وكل ما كانت دلالته على معناه في

(ما جاء في النحر في الحج)

هذه الدرجة سمي بالإضافة إلى معناه نصاً في طرفي الإثبات، والنفي في إثبات المسمى، ونفي ما لا ينطلق عليه الاسم، فعلى هذا حده: اللفظ الذي يفهم منه على القطع معنى، فهو بالإضافة إلى معناه المقطوع به نص، ويجوز أن يكون اللفظ الواحد نصاً وظاهراً ومجملاً، لكن بالإضافة على ثلاثة معان لا إلى معنى واحد. الثالث: التعبير بالنص عما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعتضد بدليل؛ أما الاحتمال الذي لا يعضده دليل فلا يخرج اللفظ عن كونه نصاً، فكان شرط النص بالوضع الثاني ألا يتطرق إليه احتمال أصلاً، وبالوضع الثالث لا يتطرق إليه احتمال مخصوص وهو المعتضد بدليل، ولا حجة في إطلاق اسم النص على هذه المعاني الثلاثة، لكن الإطلاق الثاني أوجه وأشهر، وعن الاشتباه بالظاهر أبعد. (ما جاء في النحر في الحج) "الفجاج": جمع: فج، وهو الطريق الواسع، وكل منخرق بين جبلين فج، ومنه قوله تعالى: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} أي: طريق واسع غير

(العمل في النحر)

غامض، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك" وهو هنا مثل لاستقامة أدائه، وحسن هديه، وأنها بعيدة عن الباطل، وزيغ الشيطان وقد يكون بمعنى الاستعادة للهيبة والرهبة وهو دليل بساط الحديث، وأن الشيطان يهابه، ويهرب منه فرقاً متى لقيه، ويجمع أيضاً فج على فجوج، قال بعض المتأخرين من أهل عصرنا وإن لم يكن حجة: تطاولت الغرائق في المروج ... ووعوعت الذئاب على الفروج 47/أ/ فقل للأعور الدجال هذا ... أوانك إن عزمت على الخروج (العمل في النحر) "المحل" [118]. بكسر الحاء وفتحها: موضع الحلول. ومنه: "بلغت محلها" أي موضعها ومستحقها، قال تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33)} و"الجزور" ما يجزر وينحر من الإبل خاصة وجمعه جزر، ويجمع: جزائر أيضاً والجزرة من سائر الأنعام الإبل وغيرها وقيل: بل تختص بالغنم. فقول ابن عمر: "من نذر جزوراً" كأنه لفظ مختص بغير الهدي من جهة عرف الشرع، ولذلك فرق بينهما، ولا ينطلق على الهدي من هذه الجهة؛ لأنه إذا قال: جزور فإنه أراد إطعام لحمه مساكين موضعه أو غيره،

(الحلاق)

وإن كان لا يمتنع لغة واشتقاقاً أن يطلق على الهدي؛ لأنه أيضاً مما يجزر. (الحلاق) فسر مالك: "التفث": بأنه حلاق الشعر، ولبس الثياب وشبهه. وقال أبو عبيدة نحوه، وقال ابن شميل: هو في كلام العرب: إذهاب الشعث، وقال الأزهري: ما يعرف في كلام العرب إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير. (التقصير) قوله: "بالجلمين" يعني: المقصين، وهكذا يقال مثنى. و"الشعب" ما انفرج بين الجبلين ومنه: "يتبع بها شعب الجبال" وهي فجوجها أيضاً، ومنه: "في شعب من الشعاب يعبد ربه" و"لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً"، قال يعقوب الشعب: الطريق في الجبل.

(التلبيد)

(التلبيد) " [ضفر] رأسه"، هو أن يدخل جملته بعضها في بعض، كما يفعل بالحبل؛ فإذا كان ذا جمة [ضفره]؛ ليمنعه ذلك من الشعث. وروي: "تشبهوا" "تشبهوا"، بضم التاء وفتحها، وهو الصحيح، بمعنى: تتشبهوا، ومن ضم أراد: لا تشبهوا علينا فتفعلوا أفعالاً تشبه التلبيد الذي سنة فاعله أن يحلق. و"العقص" لي خصلات الشعر بعضه على بعض، وضفره، ثم يرسل، وكل خصلة عقيصة، وزاد بعضهم: ويكون رقاقاً من كل جانب أمثال الأصابع. وقيل: العقص: لي الشعر على الرأس، ويدخل أطرافه في أصوله؛ لئلا يشعث. وتقدم أن التلبيد: جمع الشعر بما يلزق بعضه إلى بعض من خطمي، أو صمغ، أو شبهه، ليتصل بعضه ببعض، فلا يشعث ويقمل [في] الإحرام.

(الصلاة في البيت، وقصر الصلاة، وتعجيل الخطبة بعرفة)

(الصلاة في البيت، وقصر الصلاة، وتعجيل الخطبة بعرفة) قوله: "على ستة أعمدة" [193] وهي الخشب التي ترفع بها البيوت، واحدها: عماد وعمود، ويجمع على عمد وعمد ومنه: "رفيع العماد" لأن بيوت السادة عالية متسعة. و"السرادق" [194]: الخباء وشبهه؛ وأصله: كل ما أحاط بالشيء ودار به، قال الله تعالى: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وقيل: ما يدار حول الخباء. [كالظلة ونحوها]. وقوله: "الرواح": جاء على أن راح يستعمل في معنى سار أي وقت كان، ومنه: "فرحت إليه"، و"رائح إلى المسجد". و"الرواح إن كنت تريد السنة"، و"رحت أحصر" كله بمعنى الذهاب والسير، وإن كان يحتمل؛ لأن مجيئه كان عند زوال الشمس، والروحة من زوال الشمس إلى الليل، والغدوة ما قبلها، ومنه: "راح" و"غدا" حيثما وجد.

(صلاة منى)

(صلاة منى) "شطر" وشطير، مثل نصف ونصيف، إلا ما كان من شطر البيت والمسجد الحرام؛ فهو ناحية البيت، والمسجد الحرام، وشطر كلمة: نصف كلمة، و"الطهور شطر الإيمان" نصفه، واختلف في كيفية هذا التشطير؛ والأليق: ما أشار إليه أبو حامد؛ وهو أن الغاية القصوى: عمران القلب بالأخلاق المحمودة، والعقائد المشروعة، ولن يتصف بها ما لم يتنظف عن نقائصها، من العقائد الفاسدة، والرذائل المذمومة، فتطهيره أحد الشطرين؛ وهو الشطر الأول الذي هو شرط في الثاني، فكأن الطهور شطر الإيمان بهذا المعنى، وكذلك تطهير الجوارح عن المناهي،/ 47/ب أحد الشطرين، وعمارتها بالطاعات الشطر الثاني. وبسط هذا، وتتميمه في "الإحياء"، فعليك به ترشد. وقوله: "إنا قوم سفر" [202] جمع: سافر، كركب وراكب، إلا أنهم لم يتكلموا بسافر، والفعل من سافر، أيضاً شاذ في الأفعال مما وقع في باب فاعل من فعل، وأكثر هذا المثل أن يكون من اثنين.

(تكبير أيام التشريق)

وقوله: عن عمر: "ولم يبلغنا أنه قال لهم شيئاً" والضمير راجع إلى أهل مكة؛ لأنهم هم الذين جرى ذكرهم، وأما أهل منى فلم يجر لهم ذكر، ولا لها أهل؛ لأنها ليست بلد استيطان وإقامة، وإن نسب إليها أحد فإنما ينسب إليها من يقوم حواليها من الأعراب المتنقلين. (تكبير أيام التشريق) وقوله: "ثم خرج الثانية" [205] يحتمل تأويلين؛ أحدهما: أن يريد ثم خرج الخرجة الثانية، فيكون صفة لظرف محذوف، وإن شئت لمصدر محذوف؛ لأن المرة يراد بها تارة الظرف، وتارة المصدر. وتقدم أن معنى "زاغت الشمس" مالت، وكل ميل عن الاعتدال يسمي زيغاً، قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}. و"الأيام المعدودات" أيام التشريق، على ذلك جمهور الفقهاء؛ وهي الأيام الثلاثة التابعة ليوم النحر؛ وسميت معدودات؛ لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} لأنها إذا زيد عليها في البقاء بمكة كانت حصراً؛ لقوله عليه السلام: "لا يبقين مهاجر بمكة بعد قضاء نسكه فوق

ثلاثة". وقيل: سميت بذلك لقلتها، وهي أيام الرمي، وتسمى أيضاً أيام منى: أيام التشريق، وسميت بذلك؛ لأن لحوم الأضاحي تشرق بها وهو قول قتادة، وقيل: لأنهم كانوا ينحرون الهدي، ولا يضحون إلا بعد شروق الشمس؛ أي طلوعها وهذا مذهب من لا يجز الذبح بالليل، منهم مالك. يقال: شرقت الشمس- بفتح الراء- إذا طلعت، وأشرقت: أضاءت وصفت، وشرقت- بكسر الراء- إذا تهيأت للمغيب. وقيل: سميت بذلك؛ لبروزهم وخروجهم من الأبنية للحج روي عن أبي جعفر محمد بن علي، ومنه قيل لمصلى الناس يوم العيد: المشرق. قال العجاج: لاهم رب البيت والمشرق إياك أدعو فتقبل ملقي وقيل سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يقولون في الجاهلية "أشرق ثبير كيما نغير"

(صلاة المعرس والمحصب)

ولا يصح، ولا يعرفه أهل العلم باللسان؛ لأنهم كانوا يقولونه في الجاهلية، عند وقوفهم بعرفة، ويعنون بالإغارة: الإفاضة، يقال: أغار في عدوه؛ إذا أسرع وتقدم. (صلاة المعرس والمحصب) " [المعرس] " [206]: موضع التعريس؛ وهو أن ينزل المسافر نزله خفيفة ثم يرحل، وأكثر ما يستعمل إذا نزل في آخر الليل، وربما استعمل في أي وقت كان، وقولها في الحديث: "معرسين في نحر الظهيرة" يدل عليه، وهو قول الخليل، ويدل عليه قول زهير: أثافي سفعاً في معرس مرجل ... ونؤيا كجدم الحوض لم يتثلم ويدل على استعماله في آخر الليل قول الراجز: لا تهمي الليلة بالتعريس و"المحصب": موضع التحصيب؛ وهو الرمي بالحصا؛ وهي الحجارة،

ويقال: أحصب الحمار؛ إذا عدا يطير الحصباء في عدوه والتحصيب والحصبة، والمحصب أيضاً المبيت بالمحصب، موضع بين مكة ومنى، وهو خيف بني كنانة، وهو الأبطح، وليس من سنن الحج، والدليل أن المحصب: هو خيف منى، والخيف: الوادي. قال الشافعي رحمه الله- وهو مكي عالم بمكة وأحوازها، ومنى وأقطارها-: يا راكباً قف بالمحصب من منى ... فاهتف بقاطن خيفها والناهض وقال عمر بن أبي ربيعة: نظرت إليها بالمحصب من منى ... ولي نظر لولا التحرج عارم وقال الفرزدق:

(رمي الجمار)

هم سمعوا يوم المحصب من منى ... ندائي وقد لفت رفاق المواسم وروى ابن المواز عن مالك: أن المحصب: موضع بأعلى مكة، خارج منها، متصل بالجبانة التي بطريق منى، وهو الذي يقال له: الأبطح. ومعنى "قفل": رجع، [ورحل، يقال] قفل المسافر قفلاً- بفتح القاف- وقفولاً، ولا يقال ذلك/ 48/أإلا في الرجوع، وكذلك لا يقال أقفلت، ويحمل ما روي عن مالك على معنى: أردنا القفول. و"البطحاء" الأرض السهلة البسيطة فمن أراد الأرض والبقعة قال: بطحاء، ومن أراد المكان قال: أبطح، وهما صفتان جرتا مجرى الأسماء. (رمي الجمار) "الجمار" [124]: الأحجار الصغيرة، ومنه قيل: استجمر الرجل؛ إذا استنجى بالأحجار. ويقال: عدا الفرس فأجمر؛ إذا طير

الحجارة في عدوه. وجمر الحجاج؛ إذا رموا الجمار، كما يقال: حصبوا: إذا رموا الحصباء؛ وهي الحجارة الصغار أيضاً. قال عمر بن أبي ربيعة: فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليا لي الحج أقلتن ذا هوى أقلتن: أهلكن، ومنه: "إن المسافر ومتاعه، لعلي قلت" ويروى: "أقتلن" أي: عرضن للقتل. ويروى: "أفتن" من الفتنة. قال الشيخ- وفقه الله-: الأولى بصناعة الشعر، وجزالة اللفظ، وجودة المعنى: "أفلتن- بالفاء-؛ إذ هو المستغرب للشاعر بحياة من ينجو من ذلك الموضع. وقوله: "حتى يمل القائم" [211]. رويناه برفع "القائم"، ووقع في بعض الروايات: "حتى يمل القائم"- بضم الياء، وكسر الميم، ونصب

القائم- وهو الأليق، أي: يجعله أن يمل الوقوف. وقوله: "عند الجمرتين الأوليين" [212]. كذا الصواب، تثنية الأولى مقصورة، وهي تأنيث الأول، وترويه العامة: "الأولتين" وهو خطأ؛ لأنه لا يقال في تأنيث أول: أولة، كما لا يقال في تأنيث أحمر: أحمرة، ولا في تأنيث الأحسن: الأحسنة. و"الخذف" [214]- بالخاء معجمة-: الرمي بالحجارة. وأما الحذف- بالحاء غير معجمة- فالرمي بالحصى. وقيل: الحذف: الرمي إلى ناحية الجانب. وقد أولعت العامة بقولهم: "غربت الشمس" بضم الراء، وهو خطأ، والصواب فتحها، وتقدم. وقوله: "فلا ينفرن" يجوز كسر الفاء وضمها، وهنا لغتان. ويقال: نفر الحاج ينفر نفراً [بسكون الفاء ونفراً]- بفتحها-، ونفوراً، ونفيراً، فأما النفر: القوم فبفتح الفاء لا غير، فمن اللغويين من يراه اسماً للجمع، ومنهم من يجعله جمع نافر، كما قالوا: حارس وحرس، وغائب وغيب. ويرى أصحاب الاشتقاق أنه إنما قيل لهم: نفر؛ لأنهم ينفرون في الأمور، أي:

(الرخصة في رمي الجمار)

ينهضون فيها. ومعنى "يتحرى" [216]: يقصد، تحريت الرجل، أي: قصدت حراه، أي: فناءه وجهته، ثم استعمل في قصد الشيء، وإن لم يكن له حرى، وصار كالمثل. ويجوز أن يكون مشتقاً من الحرى؛ وهو الجهد والتعب، كما قال الأعشى: إن من عضت الكلاب عصاه ... ثم أثرى فبالحرى أن يجودا أي: لا يجود إلا بعد جهد ومشقة؛ لأنه قد قاسى الفقر، وعلم قدر المال، وشدة حاجة الإنسان إليه، فيكون معنى تحرى الشيء: بلغ فيه جهده. وقوله: "ويهريق دماً" يجوز فتح الهاء وتسكينها. ومعنى: "يتعمد": يقصد. (الرخصة في رمي الجمار) يقال: رخصة [219]- بسكون الخاء وضمها، ولا يجوز فتحها، وتقدم، والفعل منه: أرخص إرخاصاً، ورخص ترخيصاً، وهما منقولان بالهمزة والتشديد؛ من قولهم: رخص الشيء: إذا قلت قيمته. وقوله: "فيما نرى" من جعله من رأيت فتح النون، ومن جعله من

(الإفاضة)

أرأيت ضمها. وقوله: "نفست بالمزدلفة" [220]. هو اللغة الفصيحة- بضم النون وكسر الفاء-. وحكى ابن الأعرابي: "نفست"- بفتح النون وكسر الفاء، وحكاهما جميعاً اللحياني، وحكى في مصدر المصوغ لما لم يسم فاعله: نفاساً- بكسر النون-، وفي مصدر الثاني نفاسة- بفتح النون وكسرها- ونفساً- بفتح النون وكسرها-، ونفساً- بفتح النون والفاء. ويقال: امرأة نفساء- بضم النون وفتح الفاء- ونفساء- بفتحهما، ونفساء- بفتح النون وسكون الفاء-، والجمع: نفاس على مثال سياط، ونفاس على مثال صوال، ونفس على مثال رسل. وحكاه سيبويه في الجمع: نفاس- بضم النون وتخفيف الفاء-، وتقدم الفرق بين نفساء ونفساء من النفاس والحيض. (الإفاضة) قول عمر: "ثم حلق رأسه أو قصر، ونحر هدياً" قدم الحلاق في

(دخول الحائض مكة)

اللفظ على النحر، والنحر مقدم في الرتبة؛ لأن الواو لا تقتضي رتبة، وتقدم أول الكتاب/ 48/ب الاختلاف فيها. (دخول الحائض مكة) تقدم أن التنعيم على لفظ المصدر؛ من نعمته تنعيماً، بينه وبين مكة فرسخان، وأنه سمي بذلك؛ لأن الجبل الذي عن يمينه [يقال له] نعيم، والذي عن يساره يقال له: ناعم، والوادي: نعمان؛ ومن التنعيم يعتمر من أراد العمرة. (إفاضة الحائض) قوله: "أحابستنا هي؟ " [225]. الهمزة- هنا- ليست للاستفهام المحضن ولكنها على معنى الإنكار والإشفاق من شيء يتوقع، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر: "لعلها تحبسنا"؛ فهذا توقع بين وإشفاق. وقلنا: إنه بمعنى الإنكار؛ لأنه خرج مخرج التبرم والغضب، وتوضيحه: أن بعضهم روى هذا الحديث، فقال: "عقرى حلقى ما أراها إلا حابستنا". وهكذا يرويه المحدثون على مثال سكرى وغضبى، وأنكره بعض اللغويين، وقال:

الصواب: عقراً وحلقاً بالتنوين؛ ومعناه: عقرها الله وحلقها، أي: أصابها بوجع في حلقها. ويجوز أن يريد الحلق الذي هو الاستئصال والذهاب، ومنه قيل للمنية: حلاق على مثال حذام، مبنية على الكسر؛ [لأنها] تأتي على كل شيء. ومنه قيل: سنة حالقة؛ إذا لم تبق شيئاً، وهذا من الدعاء الذي لا يراد به وقوع المكروه؛ وإنما هو كلام تستعمله العرب على معنيين؛ أحدهما عند التبرم والضجر، ومنه الحديث، وتقدم في قوله: "أف لك"، والآخر: في معنى استعظام الشيء، والإفراط في إحسانه، كما يقال: أخزاه الله ما أشعره، وقاتله الله ما أفصحه، والقصائد المستحنة يقال لها: المخزية. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه بدعاء لا يستحقه فاجعل دعائي عليه رحمة له" ومجاز رواية من روى: "عقرى وحلقى" على مثال سكرى وغضبى، أنهما اسمان مقصوران، كما قالوا: امرأة خزيا وغيرى، فيكونان في موضع نصب بفعل مضمر، كأنه قال: اللهم اجعلها عقرى، أو في موضع رفع على خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال: هي عقرى وحلقى، ويجوز أن يكونا مصدرين بمنزلة النجوى والدعوى أو اسمين وضعا موضع المصدر، كقول الشاعر: أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله من سفه وعار فوضع الحافرة موضع الرجوع، كأنه قال: أرجوعاً إلى الصبا بعد ما شبت،

(فدية ما أصيب من الطير والوحش)

وإذا أمكن هذا التأويل لم يكن لإنكار من أنكرهما معنى. وقوله: "فلا إذاً": كلام فيه اختصار، تقديره: فلا تحبسنا إذاً، فحذف الفعل لدلالة ما تقدم من الخبر عليه. و"الكري" [229]: المكاري، ويجوز أن يكون فعيلاً بمعنى مفاعل كما قالوا: جليس بمعنى مجالس، ويجوز أن يكون بمعنى مفعل كما قالوا: عذاب أليم بمعنى مؤلم، ودواء وجيع بمعنى موجع. (فدية ما أصيب من الطير والوحش) [قال ابن قتيبة:] يقال لولد الماعزة حين تضعه أمه ذكراً كان أو أنثى: سخلة وبهمة [230]، فإذا بلغ أربعة أشهر، وفصل عن أمه فهو جفر، والأنثى: جفرة، وعريض، وعتود، إذا رعى وقوي، وجمعه: عرضان، وعدان، وأعتدة، وهو في كل ذلك جدي، والأنثى عناق. وقد قال بعض الفقهاء المالكيين: هي العنز الثنية، وهذا غير معروف عند اللغويين. أبو عمر: فلو كانت العناق عنزاً ثنية كما زعم بعض أصحابنا لقال عمر في الغزال واليربوع والأرنب: عنز، وقضى عمر هنا في الأرنب بعناق، ورواه عنه أبو عبيد، ولكن

العنز عند أهل العلم من المعز: ما قد ولد أو ولد مثله. والجفرة- عند أهل العلم بالقرآن والسنة، وأهل اللغة: من ولد المعز ما أكل واستغنى عن الرضاع. و"العناق" قيل: [هي] دون الجفرة. وقيل: فوق الجفرة، ولا خلاف أنه من ولد المعز. وأما "اليربوع": فإنها دويبة لها أربع قوائم وذنب، أقل من الأرنب، تجتر كما تجتر الشاة، وهي من ذوات الكرش، ويداها أقصر من رجليها، فإذا مشت مشت على أربع، وإذا عدت عدت على رجليها فقط، ولذلك قال الشاعر: وذو أربع لم يعد إلا على الشطر وذكروا أنها تصنع جحراً/ 49/أله أربعة أبواب، تظهر منها الثلاثة، وتخفي الرابع ولا تنفذه، فإذا أخذت عليها الأبواب الثلاثة، ولم تجد مخرجاً ضربت برأسها الباب الرابع الذي لم تنفذه، وخرجت منه، ويقال: لتلك الأبواب النافقاء، والراهطاء، والراماء، والقاصعاء، والنافقاء: هو الباب الذي تخفيه، ومنه اشتق المنافق؛ لأنه يكيد المسلمين، ويخفي ما هو عليه، ويقال: نفق اليربوع؛ إذا خرج من النافقاء.

وأما "الضبع": فنوع من السباع يقال للأنثى منه: ضبع، وللذكر: ضبعان، وجمعهما: ضباع. وفي بعض اللغات: ضبع وضبعانة للأنثى، والضباع يقع للذكور والإناث؛ فإذا أردت جمع الأنثى خاصة قلت: أضبع، وإذا أردت جمع الذكر خاصة قلت: ضباعين. هذا قول ابن السيد، وقال غيره: أما الجمع فضباع، وأضبع لا غير، فمن قال: إن الضبع لا يقع إلا على الأنثى قال: إن هذا مما غلب فيه المؤنث على المذكر إذ لم يسمع منه ضباعين، وهو القياس، كسراحين. وقال أبو علي الفارسي: وقالوا للذكر: ضبعان، وللمؤنث: ضبع، وإذا ثنوا قالوا: ضبعان. فغلب المؤنث على المذكر في التثنية، ولم يقولوا: ضبعانان، هكذا قال أبو الحسن، وحكى أبو زيد: ضبعانان، قال: وهي الضباع للذكارة. وقوله: "نستبق إلى ثغرة ثنية" [231] الثنية: الطريق في الجبل، وثغرتها: فرجتها وثلمتها؛ ولذلك شبهت ثغرة الصدر، وهي الهزمة بين

(فدية من حلق قبل أن ينحر)

الترقوتين، ويقال للثغر الذي يتقى منه العدو ثغرة أيضاً. وأما قول قبيصة بن جابر في حديث معمر لا في رواية "الموطأ". "فرميته فأصبت حششاءه، فركب ردعه". فإن الحششاء هو العظم الناتيء خلف الأذن. وفيه لغتان: حششاء على وزن نفساء، غير مصروف، وحشاء مصروف على وزن: شلاء هكذا قال أبو عبيد. وفي "العين": الحششاوان: العظمان الناتئان خلف الأذن والردع: الدم. ومعنى "ركب ردعه": سقط فاندقت عنقه. وقوله- في حديث الباب-: "يودي" [234]: أي: يعطي ديته. يقال: وديت أدي مثل وفيت أفي. (فدية من حلق قبل أن ينحر) قوله عليه السلام: "لعلك [آذاك] هوامك" [238]. "لعل" هنا

بمعنى: التوقع لأمر يمكن أن يكون وألا يكون، وليست للرجاء؛ لأنه لا معنى له [ها] هنا، وإنما هو كقولك للرجل [المتشوق]: مالك لعلك تخاف شيئاً، ولعل طالباً يطلبك. وقوله: "آذاك" الصواب فيه مد الهمزة، وقد أولعت العامة بترك المد؛ يتوهمون أنه فعل ثلاثي بمنزلة أذى، ويطردون قياسهم في فعل ما لم يسم فاعله، فيقولون: أذى، ويطردون قياسهم في فعل ما لم يسم فاعله، فيقولون: أديت على مثال: أتيت، ويروي كثير من خواصهم قول امرئ القيس: وإذا أذيت ببلدة ودعتها بضم الهمزة وهو خطأ، وإنما هو فعل رباعي، فيقال لما لم يسم فاعله: أوذيت، كما قال تعالى: {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ}. والصواب في بيت امرئ القيس: "أذيت"- بفتح الهمزة؛ لأنه يقال: أذي أذى، كعمي عمى، وأذيته أنا، وذكره اللغويون في لحن العامة، ولكثرته على ألسنة العامة غلط فيه

بعض القراء فقرأ: {فَإِذَا أذِيَ فِي اللَّهِ}. ويقال: للقمل والبراغيث وكل ما يدب على الأرض من الحشرات: هوام، واحدها: هامة، سميت بذلك لهميمها وهو دبيبها، يقال: همت تهم هماً وهميماً، قال الهذلي: مدارج شبثان لهن هميم وقوله: "بسوق البرم" [239]- بضم الباء وفتح الراء- يعنون: سوق الفخارين، أي: حيث تبتاع هذه القدور؛ لأن البرم: القدور، واحدتها: برمة. وقول مالك: "يضع فديته حيث [ما شاء] النسك، أو الصيام، أو الصدقة". يجزو فيها النصب على الفدية، والرفع على إضمار مبتدأ. وقوله: "فليطعم حفنة من طعام" الصواب فتح الحاء،/ 49/ب قد أولعت العامة بكسرها، وإنما يصح الكسر إذا أريدت هيئة الحفن، فتكون كالجلسة،

(ما يفعل من نسي من نسكه شيئا)

ولا وجه لذلك ههنا؛ لأنه أراد: ما يملأ كفه مرة واحدة. (ما يفعل من نسي من نسكه شيئاً) فحوى الراوي- وهو أيوب- يشعر بالفرق بين الترك والنسيان، فكذلك هو؛ لأن الترك مع القصد، والنسيان بخلافه، وإن كان قد تؤول في قوله صلى الله عليه وسلم: "أنسى أو أنسى" لأن أنسى- هنا- بمعنى أترك قصداً مني لتركه، لكونه لا يضر تركه في الشرع، أو أنسي عمل على نسيانه، فأري وجه الحكمة والسنة في جبره وتلافيه، وتقدم من هذا المعنى طرف. وأن النسيان في كلام العرب قد يكون الترك عمداً، أو يكون ضد الذكر، قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} أي: تركوا طاعة الله، والإيمان بإجابة رسوله، فتركهم الله. (جامع الحج) "الحرج" [242]: الإثم، وأصله: الضيق. يقال: حرج صدره يحرج حرجاً فهو حرج، قال تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}. والحرج: الشجر يشتبك ويتضايق حتى يتعذر السلوك فيه والخروج منه. فشبه الإثم بالذي يعلق بالإنسان فلا يتخلص منه.

ومعنى "قفل" [243]: رجع، وتقدم. و"الشرف": الموضع المشرف، وبه سمي المجد شرفاً. وقوله: "آيبون": راجعون، والآيبون: الراجعون من سفرهم. يقال: آب يؤوب إياباً، قال تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)}. و"المحفة" [244]: شبه الهودج إلا أنها مكشوفة غير مستورة، وهي مكسورة الميم، أجريت مجرى الآلات كالمخدة والمسلة. وقوله: "فأخذت بضبعي" الضبعان: العضدان. وقيل: وسط العضدين. وقيل: باطن الساعد، واحدهما: ضبع على مثال: ربع. وقوله: "هو فيه أصغر" [245] من الصغار. و"أدحر": أبعد، يقال: دحرته دحراً، ودحوراً، قال تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً}. قوله: "وما ذاك إلا لما رأى من تنزل رحمة الله" كذا الرواية، وكان الوجه أن يقال: "لما يرى" وكذا وقع في غير "الموطأ" لأنه لا يخبر عن شيء قد انقضى ومضى، وإنما يخبر أن ذلك حاله في كل أيام عرفة. والعرب قد تضع الماضي مكان المستقبل، والمستقبل مكان الماضي إذا كان المعنى مفهوماً، ودخل على الفعل ما يغيره عن حاله، وتقدم.

وقوله: "أما إنه" يجوز كسر "إن" على الاستئناف، وتجعل "أما" استفتاح كلام مثل "ألا"؛ ويجوز فتحها، وتجعلها في تأويل المصدر ويكون موضعها رفعاً على الابتداء، وخبره في "أما" و"أما" ههنا جارية مجرى الظرف عند سيبويه، كما تقول: أحقاً أنك ذاهب، وانتصاب حق عنده على الظرف، كأنه قال: أفي حق ذهابك؟ وليس من الظروف المعروفة، وأجاز غير سيبويه أن يكون حقاً مصدراً، كأنه قال: أحق حقاً ذهابك. ومعنى: "يزع الملائكة" [246] يهيؤها للحرب، و"الوازع": الذي يقدم العسكر، فيأمر من تقدم بالرجوع، ومن تأخر بالتقدم، وهو مثل الشرطي، والعرب تقول: وزعته عن الشيء بمعنى كففته ومنعته، ومنه قول عثمان: "ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن". ومنه ما يروى عن الحسن: "لابد للناس من وزعة"، ومنه قول عبد الشارق الجهني:

فجاءوا عارضاً برداً وجئنا ... كمثل السيل نركب وازعينا وقال الشاعر- أيضاً-: ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى ... من الناس إلا وافر العقل كامله وقوله: "بين الأخشبين" [249]. وهما جبلان تحت العقبة التي بمنى فوق المسجد. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في مكة: "لا تزول حتى تزول أخشباها" وقال الأصمعي: الأخشب: الجبل، وأنشد: تحسب فوق الشول منه أخشبا وفي الأخشبين يقول العامري- في بيعة ابن الزبير-:

نبايع بين الأخشبين وإنما ... يدل الله بين الأخشبين نبايع ويقال: أخشب وخشباء على التأنيث، قال كعب بن مالك: واستخفت من فوقها الخشباء و"السرح": شجر يطول ويرتفع، واحدته: سرحة، ويقال: هي [الآلاء].

ومعنى "نفح بيده" أشار بها، ودفعها كأنه يقول: رمى بيده المشرق، أي: مدها، ولعله أراد البعد عن الموضع الذي كان به يقال: نفح الطيب، ونفحت الريح، ونفح الجرح بالدم: إذا دفع به. ومعنى "سر تحتها" ولدوا/ 50/أتحتها، فقطعت هناك سررهم قال الأصمعي: يقال: تعلمت العلم قبل أن يقطع سرك وسرارك. وهو ما تقطعه القابلة من بطن المولود عند ولادته، ولا يقال: تقطع سرتك؛ لأن السرة هي التي تبقى بعد القطع وقال الكسائي: قطع سره وسرره، بالضم فيهما. وذكر ثعلب في "نوادره" سر بالكسر، لا غير، ويسمى هذا الوادي: السرر، بكسر السين وضمها، فمن كسرها سماه بالذي يقطع من بطن المولود، ومن ضم سماه بالذي يبقى قال السكري: السرر على أربعة أميال من مكة

عن يمين الجبل، وكان عبد الصمد [بن] علي قد بنى عليه مسجداً وقد قيل: معنى سروا تحتها: بشروا بالنبوة فسروا بذلك. وقال ابن وضاح: من قال السرر بالضم، أراد: قطعت تحتها سررهم، ومن قال بالكسر أراد أنهم بشروا، وهذا الشيء غير معروف، وإنما الوجه ما تقدم. وقوله: "هل نزعك" [252]. أي: هل حركك وأخرجك، من قولهم: نزع للرحلة إلى بلده؛ إذا حن إليه. وكذلك الجمل وغيره. قال ذو الرمة: كما حن مقرون الوظيفين نازع وقوله: "فأتنف العمل" أي: استأنفه. و"الانقصاف" التزاحم، وكذلك التضاغط: واشتقاقه من قصفت العود: كسرته، كأن الناس يكسر بعضهم بعضاً؛ لشدة ازدحامهم. وقوله: "أو يصنع ذلك أحد؟ " [253]. الهمزة همزة التقرير

(حج المرأة بغير ذي محرم)

والاستفهام دخلت على واو العطف كالتي في قوله تعالى: {الم (1)} والكسائي يقول: هي "أو" حركت واوها، وتقدم ذكرها. ويقال: احتش الرجل لدابته، وحش: إذا جمع لها الحشيش، وهو ما يبس من النبت، وما كان من المرعى أخضر قيل له: الخلاء، وزعم قوم أن الحشيش يقع على المرعى كله رطبه ويابسه، وهو غير صحيح؛ لأن الاشتقاق يبطله، وذلك أن العرب إنما تستعمل هذه اللفظة في معنى اليبس، يقال: حشت يده: إذا يبست، ويقال للجنين إذا يبس في بطن أمه: حشيش. (حج المرأة بغير ذي محرم) الصرورة [254]. الذي لم يحج بعد، وكذلك المرأة بلفظ واحد، ولا صرورة في الإسلام، أي: لا تبتل، ولا ترك نكاح.

كتاب الجهاد

[بسم الله الرحمن الرحيم] [صلى الله على محمد] كتاب الجهاد (الترغيب في الجهاد) -[قوله]: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله" [2]. أي: تضمن، يقال: فلان كفيل بكذا، وكافل وضمين وضامن وجميل وجامل. و"السبيل": الطريق، وأضاف السبيل إلى الله- وإن كان كل شيء له- على معنى التشريف له، والترغيب فيه. ومعنى: "تصديق كلماته": تصديقه بوعد الله، وإيعاده، رغبة في نيل الآخرة، والقربة، لئلا يكون جهاده ابتغاء لغنيمة ينالها، ومحبة في درجة من الدنيا يسعى لها، وأن ذلك يحبط أجره. - وقوله: "من أجر أو غنيمة". "أو" بمعنى الواو. يريد مع الذي يسأل منهما، فإن أصاب غنيمة فله أجر وغنيمة، وإن لم يصب الغنيمة فله الأجر على

كل حال، كقول جرير: نال الخلافة أو كانت [له] قدر ... كما أتى ربه موسى على قدر ويقال: مسكن ومسكن- بكسر الكاف وفتحها. - و"الطيل" و"الطول" [3]: الحبل الذي تطول به الدابة، مكسور الأول، وقل ما يأتي في الأفعال، وأما في الأسماء فكثير، كالشسع والضلع والنطع، وسرر الصبي، والعامة تقول: طوال بالألف، وهو خطأ، قال طرفة: لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه في اليد - ويروى: "كان له حسنات" و"كانت" وهي رواية يحيى، فمن قال: "كان" ذكر الضمير حملاً على لفظ "ما" في قوله: "فما أصاب"، ومن قال: "كانت" أنث الضمير حملاً على معنى "ما" دون لفظها، وعلى هذا قرأ القراء [قوله

تعالى]: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ}، {وَمَنْ تَقْنَتْ}. - وقوله: "فاستنت شرفاً أو شرفين". الاستنان: المرح والنشاط واللعب. والاستنان 50/ب/- أيضاً-: الإسراع. ومن أمثال العرب: "استنت الفصال حتى القرعى" يضرب مثلاً للضعيف يدخل نفسه بين الأشياء. والقرعى من الفصال: التي أصابها القرع، وهو جرب يصيبها، فتسقط أوبارها، قال أعشى همدان:

لا تيأسن على شيء فكل فتى ... إلى منيته يستن في عنق - و"الشرف": الموضع المرتفع من الأرض، وهو موضوع ههنا موضع الطلق، ولذلك ثناه، كما يقال: جرى الفرس طلقاً أو طلقتين، وليس المراد أنها صعدت مكانين مشرفين. ويقال: نهر ونهر. وقوله: "تغنياً" أي: استغناء. يقال: غني الرجل غنى، وتغنى تغنياً، واستغنى استغناء، وتغانى تغانياً، قال الأعشى: عفيف المباح طويل التغن وقال آخر: ونحن إذا متنا أشد تغانيا

- وقوله: "ولم ينس حق الله [في رقابها] " [أي: ظهورها، وإنما أراد: ولم ينس حق الله فيها] فذكر الرقاب، وهو يريد: ذواتها، كما قال تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)}، [وقال تعالى]: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}. وقد يجعلون العنق في مثل هذا كالرقبة، كما جاء في الحديث: "فقد خلع ربقة الإسلام [من] عنقه". والعرب تستعمل ذكر الرقبة في موضع الملك للشيء، والتكفل به؛ لأن من شأن الأسير أن يغل في رقبته، فيملك، ولأنهم يشبهون ما التزمه الإنسان بما يقلده في عنقه، فيقولون: هذا أمر مقيد ومطوق بعنقك، ومعصوب برأسك، قال الشاعر: فاذهب بها فاذهب بها ... طوقتها طوق الحمامة وهذا المعنى أراد الآخر بقوله: إن لي حاجة إليك فقالت ... بين أذني وعاتقي ما تريد

وقال كثير: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكاً ... عتقت بضحكته رقاب المال فإن قيل: ذكر رقابها وهو يريد ذواتها كلها، فقد دخلت ظهورها في ذلك، فما الوجه في ذكر الظهر؟ قيل: يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون ذكر الظهور تتميماً للمعنى؛ لأن العرب تشبه الحق الملتزم بما يتقلد في العنق، وبما يعصب به الرأس، وبما يحمل على الظهر، فيقولون: أثقلت ظهري ببرك، أي: حملتني براً أعجز عن النهوض به. والوجه الثاني: أنه أفرد ظهورها بالذكر تنويهاً وتشريفاً لها؛ لأن الخيل، وإن كان لها حقوق، فأجلها: ركوب ظهورها، والغزو عليها، وتقدم مراراً أن العرب إذا أرادت تشريف شيء جعلت له ذكراً تخصه به، كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}. - وقوله: "ونواء لأهل الإسلام" يقال: ناوأت الرجل مناوأة ونواء؛ إذا عاديته وغالبته. وسمي مناوءة ونواء؛ لأن كل واحد من المتعاديين ينوء إلى صاحبه، أي: ينهض إلى حربه في بطء وتثاقل، قال بشر بن أبي خازم: بلت قتيبة في النواء بفارس ... لا طائش رعش ولا وقاف

وقال أعشى باهلة: إما يصبك عدو في مناوأة ... فاصبر فقد كنت تستعلي وتنتصر وقال أوس بن حجر: إذا أنت ناوأت الرجال ولم تنؤ ... بقرنين غرتك القرون الأوائل - و"الفاذة" و"الفذة" سواء؛ وهي المنفردة، وكذلك الفاذ والفذ: الشاذ المنفرد، ومنه قوله عليه السلام: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ" فأرد أن هذه الآية جمعت جملة الخير والشر منفردة في عمومها، لا آية أعم منها،

(النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو)

على اختصارها، اجتمع فيها ما هو مفرق في غيرها من الآيات؛ ولذلك سماها: جماعة. - "المنشط" [5]: النشاط، و"المكره": الكراهية. ويقال: أمر مكره؛ أي: مكروه، وصف بالمصدر للمبالغة، قال الراجز: أوغلتها ومكره إيغالها - وقوله: "وأن لا ننازع الأمر أهله". المنازعة: المغالبة والمجاذبة؛ وسميت منازعة؛ لأن كل واحد من المتنازعين يروم انتزاع ما في يد صاحبه، ولأن نفسه تنازعه إليه. - وقوله: "لن يغلب عسر يسرين" [6] 51/أ/ أراد معنى قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)}. قال أبو عبيد وغيره: إن النكرة إذا ثنيت كانت اثنين، فالأول غير الثاني، فقوله: {يُسْراً} و {يُسْراً}: يسران، والعسر والعسر واحد كأنه جاء للتأكيد، فاقتضى استغراق الجنس الألف واللام؛ لأنه معرفة. (النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو) - قوله: "برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق" [8]. أي: كشفت أمرنا وأظهرته، حتى شق علينا ذلك، يقال: برح به الأمر تبريحاً: إذا شق عليه، وأجهده، ولقيت منه البرح والبرحاء والتبريح، والبرحين والبرحين.

- وقوله: "فأرفع السيف عليها، ثم أذكر [نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم] فأكف". كان القياس أن يقول: فرفعت، ثم ذكرت، فكففت، فيأتي بالماضي، لأنه عطف على ماض، ولكنه أراد أن يخبر بالحال التي كان عليها معها، فلذلك أتى بالمضارع، ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. ويجوز أن يريد بقوله: "فأرفع عليها": فكنت أرفع، وكنت أذكر، وكنت أكف، فيحمله على إضمار "كان". وهذا رأي الكسائي، وعليه كان يتأول قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} أي: ما كانت تتلوه، وسيبويه وأصحابه لا يرون هذا، وتقدم ذكره، وربما وضعت العرب الماضي موضع المستقبل، والمستقبل موضع الماضي، وعطفت بعضها على بعض. - وقوله: "فحصوا عن أوساط رؤوسهم" [11] يريد: حلقوا الشعر عنها، حتى بدا بياض جلودها. والعرب تشبه رأس الأصلع الذي أفرط صلعه بأفحوص القطاة؛ وذلك أن القطاة تفحص في الأرض فتبيض على غير عش. ويجوز: "ولا تخربن" و"لا تخربن" [10] بالتشديد والتخفيف، وكذلك: "ولا تحرقن"

(ما جاء في الوفاء بالأمان)

و"لا تحرقن". ويقال: "مأكلة ومأكلة"- بفتح الكاف وضمها-، وجمعها: مآكل، وبفتح الكاف روايتي؛ وكذلك ذكر عياض أنه قيده في "الموطأ"؛ أي: لتأكلوه، قال: ويجوز بالضم. ويقال: "ولا تغلل" بإظهار التضعيف، ولو أدغم لكان جائزاً؛ وهي الخيانة، وكل خيانة غلول، لكنه صار في عرف الشرع لخيانة المغانم خاصة. ويقال: غل وأغل [ويأتي في فصل [المعنى] الفرق بين السرية والجيش أن السرية من يدخل دار الحرب مستخفياً، والجيش: من يدخلها معلناً] ويقال: مثلت به أمثل مثلاً، على مثال: قتلت أقتل قتلاً، ومثلت أمثل تمثيلاً- بالتشديد-؛ إذا أردت تكثير الفعل والتشديد أشهر. (ما جاء في الوفاء بالأمان) - "مطرس" [12]: لفظة فارسية. تقول الفرس: مطرس: أي لا تخف. - وقوله؛ "ما ختر قوم بالعهد": أي غدروا ونقضوا. و"الختر": أسوأ الغدر، ومنه قوله تعالى: {كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}. وقال ابن عرفة: الختر: الفساد، يكون ذلك في الغدر وغيره. يقال: ختره الشراب؛ إذا أفسد نفسه.

(العمل فيمن أعطى شيئا في سبيل الله)

(العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله) الجهاز- بفتح الجيم-: هو اسم للشيء المعد لما يصلح في السفر للغزو أو الحج أو التجارة أو غيره. ومنهم من أجاز كسر الجيم، ومنهم من منعه، وفي الحديث: "فأمر بجهازه فأخرج". يعني رحله ومتاع سفره، من فراش وغيره. - و"وادي القرى" [13]: من عمل المدينة، ولا أدري أهو الذي أراد الشاعر بقوله: تحملن من وادي القرى لنيئة ... شطون النوى تزداد نأياً وتترح (جامع النفل في الغزو) النفل يستعمل على وجهين؛ أحدهما: مال الغنيمة، وهو المراد بقوله [تعالى]: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ}، وهو المراد بقول لبيد: إن تقوى ربنا خير نفل

والثاني: ما يعطيه الإمام من يشاء من الخمس، يقال: نفل الإمام فلاناً تنفيلاً، والاسم النفل، واشتقاقهما معاً من النافلة؛ وهي كل عطية لا تلزم، فسمي ما يعطيه الإمام نفلاً؛ لأنه فضل يتفضل به على من أراد من عسكره، وسميت الغنيمة نفلاً؛ لأنها لم تحل لأحد قبل هذه الأمة 51/ب/ فهي مما تفضل الله به عليها، وواحد أنفال الغنائم والعطايا: نفل- بالفتح- ونافلة الصلاة: واحدتها نفل بالإسكان. - و"سهمان" [15]. جمع: سهم؛ وهو النصيب والحظ. ويجمع- أيضاً- على أسهم وسهام، وإنما يسمى النصيب سهماً؛ لأنهم يتقارعون على الشيء بالسهام، فسميت الأنصباء بأسمائها على مذهبهم في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب. - و"البعير": اسم يقع على الذكر والأنثى من الإبل. وجمعه: بعر وأبعرة وبعران، وأكثر ما يكون للذكر. وحكى أبو حاتم: أن بعض العرب قال: صرعتني بعيري، وأنشد: لا تشربن لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار

(ما لا يجوز فيه الخمس)

(ما لا يجوز فيه الخمس) - "لفظهم البحر" أي: رمى بهم. لفظت الشيء ألفظه: رميت به، واللفظ: الكلام يلفظ به، ولفظ: مات. ويروى: "أو عطبوا أو عطشوا" أولى؛ ليختلف معنى اللفظتين بدخول "أو" بينهما. (ما يجوز للمسلمين أكله قبل الخمس) - "المقاسم" جمع مقسم، وهو المصدر بمعنى القسم، كما يقال: مضرب بمعنى الضرب، وجمع لاختلاف أحوال القسم، كما قالوا: التجارب والمناكح. - و"التافه" الحقير اليسير الذي لا خطر له. (ما يرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو) - يقال: "أبق العبد" [17]. ويأبق- بكسر الباء من الفعل المضارع، وضمها-. - ويقال: عار الفرس يعير عياراً، فهو عائر؛ إذا أفلت فذهب على وجهه، قال الشاعر:

ترى الجون ذا الشمراخ والورد يبتغي ... ليالي عشراً وسطنا وهو عائر وقصيدة عائرة: سائرة. وقال البخاري: عار الفرس مشتق من العير؛ وهو حمار الوحش، يريد أنه فعل مثل فعله في النفار والفرار. وقال ابن دريد في "جمهرته": عار الفرس يعير عيراً؛ إذا انطلق من مربطه فذهب على وجهه، وكذلك البعير. وقال الحربي: هو من عار يعير؛ إذا تحير والفرس إذا أفلت ذهب متحيراً يميناً وشمالاً ذاهباً وراجعاً، وتقدم "المقاسم". و"فديت" الرجل أفديه فداء، ويقال: أفدى وفدى وفادى، فأما فادى: فأعطى رجلاً، وأخذ رجلاً، وأما فدى: فأعطى مالاً وأخذ رجلاً، وأما أفدى فأخذ مالاً وأعطى رجلاً. و"المكافأة" المساواة، يقال: تكافأ القوم؛ إذا تساووا والزوج كفء المرأة، أي: مثلها، وهو كفؤك وكفؤك وكفاؤك، أي: مساويك، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: "كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ". قال ابن قتيبة، أي: إذا أنعم

(ما جاء في السلب في النفل)

على رجل نعمة فكأفأه بالثناء عليه قبل ثناءه، وإذا أثنى عليه قبل أن ينعم عليه لم يقبله. وغلطه فيه ابن الأنباري، قال: لأنه لا ينفك أحد من إنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان بعث رحمة للعالمين، قال: وإنما معناه: أنه لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه، لا من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. وفيه قول ثالث: "إلا من مكافئ" أي: مقارب في مدحه غير مجاوز به حده، ولا مقصر به عما رفعه الله إليه. (ما جاء في السلب في النفل) - قوله: "ما جاء في السلب في النفل". كلام فيه اختصار، والوجه إليه: أن يكون أراد: ما جاء في كون السلب في النفل، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. - و"سلب [ذلك] القتيل" [18]. ما أخذ عنه من لباس، وآلة حرب وسلب الشاة: جلدها إذا انسلخ، كله- بفتح اللام، والمراد بالنفل- هنا- ما ينفله الإمام المقاتل. - و"الجوله": الاضطراب والروغان والفرار. وهو- هنا-: النفور والانكشاف والزوال عن مواقفهم؛ ومنه: "فاجتالتهم من دينهم" أي: استخفتهم 52/أ/ فذهبت بهم وساقتهم إلى ما يريدون منهم. - وقوله: "وجدت منها ريح الموت". والموت ليس له ريح في الحقيقة،

ولكنه مثل لما يحس منه ويستشعر، كما يقال: ذاق الموت، وإنما الذوق لما يكون له طعم، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، وقال الراجز: لقد وجدت الموت قبل ذوقه وقال غيره: وشممت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدد - وقوله: "ما بال الناس؟ فقال: أمر الله". كلام مختصر، تقديره: ما بال الناس منهزمين؟ وجواب عمر مختصر أيضاً، تقديره: ذلك أمر الله. - وقوله: "لاها الله إذاً" كذا رويناه بقصرها، و"إذا" قال إسماعيل القاضي، عن المازني: إن الرواية خطأ، وهو كذلك؛ إذ لا وجه لـ "إذاً" في

هذا الموضع، قال: وصوابه: "لاها الله ذا"، و"لاهاء الله ذا"، و"ذا" صلة في الكلام، وقاله أبو زيد. وقال أبو حاتم: يقال في القسم: لاها الله ذا. والعرب تقول: لاهاء الله ذا بالهمز، والقياس: ترك الهمزة. والمعنى: لاها الله ذا ما أقسم به، فأدخل اسم الله بين "ها" و"ذا". وقال الخليل: "ها" بتفخيم الألف تنبيه، والألف حرف هجاء، ومن النحويين من يقدر الأمر ذا، فهو على القول الأول مبتدأ محذوف الخبر، وعلى القول الثاني خبر مبتدأ مضمر، قال زهير: تعلمن [ها] لعمر الله ذا قسما البيت - وقوله: "فاشتريت [به] مخرفاً". المخرف: النخل، وقال ابن بكير: المخرف: الأرض يزدرعها، وقال الأصمعي: المخارف واحدها:

مخرف، وهو جني النخل؛ لأنه يخترف، أي: يجنى. ومنه قول عائد المريض: "في مخرفة الجنة"- بفتح الميم والراء- وفي رواية: "في خرفة الجنة"، وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جناها. وقيل: المخرفة: سكة بين صفين من نخل يخترف من أيها شاء، أي: يجني. وقيل: المخرفة: الطريق؛ أي: على طريق تؤديه إلى الجنة، وكله راجع إلى قوله صلى الله عليه وسلم جناها، وهو أصح وأثبت. - وقوله: "تأثلته في الإسلام" أي: اتخذته أصل مال، والأثلة، والأثلة- بتسكين الثاء وفتحها-: أصل كل شيء، قال الأعشى: ألست منتهياً عن نحت أثلتنا وقال امرؤ القيس: ولكنما أسعى لمجد مؤتل - ووقع في رواية يحيى: "حتى كاد أن يحرجه" [19]. والصواب:

(ما جاء في إعطاء النفل [من] الخمس)

"كاد يحرجه"؛ لأن "كاد" لا تدخل "أن" في خبرها إلا في ضرورة الشعر. - وقوله: "أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ". كلام فيه اختصار، والتقدير: مثله مثل صبيغ، فحذف المبتدأ لما في الكلام من الدليل عليه، ويقال: مثل ومثل. (ما جاء في إعطاء النفل [من] الخمس) - قوله: "موقوت" [20]. أي: مقدر محدود. والمواقيت كلها حدود للعبادات؛ ويكون وقت بمعنى: أوجب، ومنه [قوله تعالى]: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً (103)}. - وقوله: "وذلك أحسن ما سمعت". وهذا القول أحب إلي من الآخر، ليس معناه: أن هذا أولى أن يؤخذ به، كما يقال: إقامة الحقوق أولى من تضييعها. (القسم للخيل في الغزو) تقدم أن "البراذين": خيل غير عراب، ولا عتاق. سميت بذلك من البرذنة؛

وهي الثقالة، يقال: برذن الرجل؛ إذا ثقل. وقال ابن حبيب: البراذين: هي العظام، يريد: الجافية الخلقة الغليظة الأعضاء؛ لأن العراب أضمر وأرق أعضاء. - والهجين من الخيل: هو الذي أبوه عربي وأمه غير عربية، وقد يستعمل ذلك في غير الخيل، والمقرف بعكسه، ومنه قول هند: وإن يك إقراف فمن جهة الفحل و {رِبَاطِ الْخَيْلِ} 52/ب/ [الواحد] ربيط، وربطها: حبسها وإعدادها لما يراد له من جهاد. وفي قراءة عبد الله: {ومن ربط الخيل}. يقال: رباط، وأربطة، ثم ربط. و"القوة"- هنا-: السلاح والخيل والعدة. وروي مرفوعاً: "أنه الرمي". ومعنى: "ترهبون": تخيفون. الرهب والرهب، [الخوف يقال: أرهبته واسترهبته بمعنى، ومنه قوله تعالى: {اسْتَرْهَبُوهُمْ} أي: أخافوهم] واستدعوا رهبتهم.

(ما جاء في الغلول)

(ما جاء في الغلول) - "الغلول" [22] الخيانة في الغنيمة، والفعل منه: غل يغل، مثل رد يرد، فإذا أردت الانطواء على العداوة قلت: غل يغل- بكسر العين-. قال ابن قتيبة: سمي غلولاً؛ لأن من أخذه كأنه يغله في متاعه، أي: يدخله في أضعافه. ومنه سمي الماء الجاري بين الشجر: غللاً. وقرأت القراء: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} - بفتح الياء وضم الغين-؛ يخون أصحابه، ويستأثر عليهم، وقرأت- أيضاً-: {يُغَلَّ} - بضم الياء وفتح الغين-. وفيه ثلاثة أوجه:؛ أحدها: أن يخان، والثاني: أن يوجد غالاً، من قولهم: أغللت الرجل؛ إذا وجدته يغل، كما يقال: أذممته وأحمدته؛ إذا وجدته مذموماً ومحموداً.

والثالث: أن ينسب إلى الغلول؛ وهذا الوجه أنكره أكثر أهل اللغة، وفيه نظر؛ لأن باب النسب إنما يكون بفعل، كقولهم: فسقته، وفجرته: إذا نسبته إلى ذلك، فكاني نبغي أن يقال: يغلل، ولكن العرب استعملت أفعل بمعنى النسب، وإن كان قليلاً، قالوا: أكذبت الرجل؛ إذا نسبته إلى الكذب. - ويقال: "الجعرانة" و"الجعرانة" [22]- بالتشديد والتخفيف، كذا يرويه المحدثون، وأنكر الأصمعي التشديد، وكذلك حكى القالي في "البارع". - و"السمر": شجر طويل له شوك، وهو من أنواع العضاه، وهو كثير بتهامة، ولذلك شبه به الإبل لكثرته وطوله، وشبهت العرب الإبل بها، وبالنخيل والأثل، وكذلك يشبهون بها الجيوش، وسائر أنواع الشجر؛ لالتفافها وكثرة عددها. - وقوله: "ثم لا تجدوني بخيلاً" يحتمل أن تكون "ثم"- هنا- بمعنى الواو، وهو الأظهر. ويحتمل أن تكون على بابها في الترتيب والمهلة. ومعناه: إني أقسم عليكم جميعه ثم لا تجدوني بعد هذا بخيلاً بما يكون

لي منعه وصرفه إلى سواكم. ومن روى: "ثم لا تجدونني بخيلاً" بنونين، فهو القياس؛ لأنه موضع رفع، والنون في الأفعال المضارعة لا تسقط إلا لنصب أو جزم. ومن روى ذلك بنون واحدة، فحذف تخفيفاً؛ لاجتماع النونين على قراءة من قرأ: {أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ}، واختلف النحاة في النون المحذوفة، فمنهم من يراها الأولى، ومنهم من يراها الثانية، وهو الوجه والصواب، وعلى هذا جاء قول عمرو بن معدي كرب: يسوء الفاليات إذا فليني - وقوله: "أدوا الخائط والمخيط". ويروى: "الخائط والخياط"، وذكر أبو زيد الأنصاري أن الخياط: المخيط الذي يخاط به، قال: وجمعه: خيط

- بضم الخاء والياء-. قال الهروي: هو هنا: الخيط؛ لذكره مع [الإبرة، والمخيط الإبرة، ويقال للإبرة أيضاً] المخيط- بكسر الميم- وقال الفراء: يقال: خياط ومخيط، كما يقال: لحاف وملحف، وقناع ومقنع، وإزار ومئزر [وقرام] ومقرم. وقوله هذا خرج على التقليل؛ ليكون ما فوقه أحرى بالدخول في معناه، كما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)}. - وقوله: " [فإن الغلول] عار ونار وشنار". فالشنار: ما يشين الإنسان، وهو نحو العار. قال القطامي: ونحن رعية وهم رعاة ... ولولا رعيهم شنع الشنار المعيب الذي فيه نار. وقوله: "نار" يحتمل أن يريد النار بعينها لما أدى إلى النار، وكان سبباً لها، سماه باسمها على مذهب العرب في تسميتهم الشيء

باسم الشيء إذا كان سبباً له، أو مسبباً عنه، وتقدم مراراً مثله، كقوله تعالى: {مَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ} ولم يأكلوا النار بعينها، وإنما أكلوا ما يؤدي إليها. ويحتمل أن يريد بالنار في الحديث: السمة التي يوسم بها البعير إذا كوي، وسميت السمة ناراً؛ لأنها أثرها 53/أ/ عند الكي. والعرب تشبه العار بالوسم والكي، ولذلك قال تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}: أي: سنشهره بعار لا يمكنه إخفاؤه، كما لا يخفى الكي على الخرطوم، ومنه قول جرير: أعياش قد ذاق القيون مواسمي ... وأوقدت ناري فادن دونك فاصطلي وقال الراجز في السمة:

نجار كل إبل نجارها ونار إبل المسلمين نارها وقال الراجز: قد سقيت آبالهم بالنار والنار قد تشفي من الأوار أي: عرف وسمهم، فلم يمنعوا سقي إبلهم. - وقوله: "وبرة من بعير" وبرة- بتحريك الباء، ومن سكنها أخطأ-. وقوله: "أو شيئاً" عطف على "وبرة". أي: تناول وبرة، أو شيئاً يشبه الوبرة، هكذا رويناه، ووقع في بعض النسخ: "أو شاء" يريد: جمع شاة بالخفض عطفاً على بعير، وهو تصحيف؛ إذ لا وجه لذكر الشاء هنا؛ لأن الوبر لا توصف به الشاء، وإنما توصف به الإبل. - و"الخرز" [32]: حجارة مجزعة بسواد وبياض تنظم نظم العقود ويقال لها: الجزع- بفتح الجيم وسكون الزاي-. - وقوله: "في بردعة رجل" [24] أي: فراشه المبطن. وأولع قوم من المبرسمين: بكسر الباء، وربما احتج بعضهم بأنها آلة، والآلة مكسورة

الأول. وإنما قال أهل اللغة: الآلة مكسورة الأول، إذا كان أولها ميماً نحو: مروحة، ومقدحة، ومكنسة، إلا أشياء شذت كمغزل، ومدهن، ومسعط، مما لم يكن أوله ميماً فخارج عن هذا الباب، وإلا فيلزم أن يكسر أول آلة وأداة، نحو الدواء، والجلم، والحلقة، والقلم، والفأس، والقدوم، والقدح، والقلة، والكأس، فليس يجوز كسر البردعة إلا إن كان اللغويون حكوه، وأما بهذا القياس فلا. - وقوله: "إلا الأموال؛ الثياب والمتاع" [25]. فيه أن بعض العرب، وهم دوس قبيل أبي هريرة: لا تسمى العين مالاً، وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع، والعروض، وعند غيرهم: المال الصامت من الذهب والورق، والمعروف من كلام العرب: أن كل ما تمول وتملك فهو مال، وهذا الاستثناء ليس هو من الجنس على لغة دوس؛ لأنه استثنى الأموال التي هي المتاع والثياب مما ليس بمال؛ وهي الذهب والورق. ويحتمل أن يكون اسم المال واقعاً على الكل فيكون قوله: "فلم نغنم ذهباً ولا ورقاً" بمعنى أنه لم يغنم من المال ما هذه صفته، ثم استثنى من ذلك فقال: إلا الأموال التي هي الثياب والمتاع، فيكون استثناء من الجنس. - والسهم العائر": الذي لا يدرى من رماه، من قولهم: عار الفرس: أفلت.

(الشهداء في سبيل الله)

- وقوله: "كلا": [كلا] كلمة معناها: الردع والزجر. - و"الشملة": كساء يشتمل به. وقيل: إنما هو شملة إذا كان له هدب. وقال ابن دريد: هو كساء يؤتزر به. و"الشراك": ما تشد به النعل. و"الختر" و"الختر": الغدر. (الشهداء في سبيل الله) - قول أبي هريرة: " [ثلاثاً: أشهد بالله] " [27]. أي: لقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ثلاثاً، أي: كرر ذكر تمني القتل والإحياء ثلاث مرات؛ فيكون العامل في ثلاث فعلاً محذوفاً، ويحتمل أن يكون أراد: المحدث أن أبا هريرة كان يقول: أشهد الله ثلاث مرات، فيكون العامل في "ثلاث" على هذا القول الظاهر في الحديث المنسوب إلى أبي هريرة. ولفظ: "الضحك" [28]- هنا- مجاز، أعني في قوله: "يضحك الله

إلى رجلين: يقتل أحدهما الآخر". - وقوله: "لا يكلم أحد" [29]. "الكلم": الجرح صغيراً كان أو كبيراً، وجمعه: كلام وكلوم، قال جرير: تواصت من تكرمها قريش ... برد الخيل دامية الكلوم - وقوله: "يثعب دماً". أي: ينفجر ويندفع يقال: ثعبت الماء أثعبه، وماء ثعب وثعب- بفتح العين وسكونها-، وقد أثعب. - وقوله: "أيكفر الله عني خطاياي؟ " [31]. الياء مفتوحة، كقوله [تعالى]: {وَمَحْيَاي}، و {عَصَايَ}، وكذلك ياء المتكلم إذا وقعت بعد ألف فهي مفتوحة أبداً. - وقوله: "أنا شهيد عليهم" [32]. أي: لهم، وقد يكون "عليهم" بمعنى "لهم" في اللسان العربي، ويكون "لهم" بمعنى "عليهم"، أي: أنا شهيد لهم بأنهم {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} من الإيمان به، والجهاد في سبيله وطاعته، 53/ب/ وطاعة رسوله. ومعنى "شهيد" في حديث: "يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دماً": فعيل بمعنى فاعل؛ لأنه يأتي شاهده معه، على هذا أدخله مالك،

(ما تكون [فيه] الشهادة)

وأدخل أيضاً في شهداء أحد: "هؤلاء أشهد عليهم" فيكون شهيد فيهم فعيل بمعنى مفعول. - و"المضجع" [33]: المرقد، المشهور فيه فتح الجيم. وقد حكي فيه الكسر، وهو شاذ. ويقال: بقعة من الأرض، وبقعة- بضم الباء وفتحها-. (ما تكون [فيه] الشهادة) - "الجبن" [35]: ضد الجرأة؛ وهي الجسارة، الواحد: جرئ، والجمع جرآء، على وزن علماء. ومنه الحديث: "وقومه جراء عليه". أي: جسراء متسلطون غير هائبين له، ومثله: "إنك عليه لجريء"، و"عجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم" و"ما الذي جرأ أصحابك"؛ يعني علياً، كله مهموز. و"الجرأة": الشجاعة، حدها: ثبوت القلب عند حلول المصائب.

(العمل في غسل الشهداء)

و"الغريزة": الجبلة والطبيعة التي يخلق الله عليها العبد من غير اكتساب، و"الحتف": الموت، ومات حتف أنفه، أي: على فراشه. كأن أنفه أماته بانقطاع النفس عنه. إن الجبان حتفه من فوقه أي من السماء مكتوب في اللوح. وقيل: إنه شديد الفزع يخشى الحتف يقع عليه من فوقه، كقوله [تعالى]: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ}. (العمل في غسل الشهداء) - قوله: "في المعترك" [37] كذا للكافة، وعند المهلب: "في المعرك" ومعارك الحرب: مواضع القتال؛ لتعارك الأقران هناك،

(ما يكره من الرجعة في الشيء في سبيل الله)

وتصارعهم. و"السوق معركة الشيطان"؛ لأن الشيطان يصرع الناس فيها، ويشغلهم بها عن ذكر الله. ومنه: "معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين". (ما يكره من الرجعة في الشيء في سبيل الله) - قوله: "نشدتك الله" [38]، وناشدتك، وأنشدك. معناه كله: سألتك الله وبالله. وقيل: ذكرتك بالله. وقيل: معناه: سألتك الله برفع صوتي وإنشادي لك بذلك، النشيد: الصوت، وإنشاد الضالة: تعريفها، ونشدتها: طلبتها، وأصله رفع الصوت، وإنشاد الشعر منه، وحكى الحربي بين أهل اللغة اختلافاً في الناشد والمنشد؛ منهم من يقول كما تقدم، ومنهم من يعكسه، ولكل حجة من الحديث والشعر. - وقوله: "احملني وسحيماً". عرض بأنه اسم رجل، وكذلك هو. وأراد: "الزق": السحمة السواد، والسحام: السواد، وابن السحماء صفة أمه؛ لأنها كانت سوداء، والأسحم: الأسود من كل شيء، وسحيم- أيضاً-:

(الترغيب في الجهاد)

من أسماء الكلاب. (الترغيب في الجهاد) - قوله: "وكانت أم حرام تحت عبادة" [39]. هذه كلمة من المجاز تستعملها العرب في كل ما سفل عن غيره، وانحط عن مرتبته، بمكان كان ذلك، أو بغير مكان. وقيل ذلك للمرأة؛ لأن الرجل يعلوها، وتسمى مركباً له، وفراشاً، ومطية، وذلك كثير في أشعارهم. وثبج كل شيء: ظهره، وقيل: وسطه. والثبج: ما بين الكتفين. وسميت السرية [40] سرية؛ لأنها تسري بالليل؛ وهي فعيلة بمعنى فاعلة. - وقوله: "فأقره مني السلام" [41] كذلك الرواية، والوجه: "فأقرئه" بالهمز. قال أبو حاتم: اقرأ عليه السلام، وأقرئه الكتاب، ولا يقال: أقرئه السلام، إلا في لغة سوء؛ إلا إذا كان مكتوباً فيقال ذلك، أي: اجعله يقرؤه، كما يقال: أقره الكتاب.

- وقوله: "تنفق فيه الكريمة" [43]. الكريمة- هنا-: كل ما يكرم على الإنسان من ماله، ويحتمل الكثير منه، أو الحلال [منه] والأول أظهر، ولقد [أحسن] القائل: وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من رب بهن ضنين وكذلك يقال: فلان كريم قومه؛ إذا كان أشرفهم، ومنه قول النبي عليه السلام: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" وقال زهير: وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي 54/أ/ ... وما إن تقي نفسي كرائم ماليا يقول: إن بذلت ما أضن به من مالي لم يق نفس من الموت، وكذلك نفسي لا تقدر أن تقي ما يكرم عليها من مالها، فنفسي ومالي كلاهما معرض للهلاك. - و"مياسرة الشريك": موافقته ومساهلته، وترك مشاحته، يقال: ياسرت الرجل مياسرة ويساراً- بكسر الياء-؛ لأنه مصدر بمعنى المياسر، ومن فتحها أخطأ.

(ما جاء في الخيل والمسابقة بينهما)

(ما جاء في الخيل والمسابقة بينهما) - وقع في بعض النسخ: "من الحفيا" [45] بالقصر. وضبطه البكري، فقال: بفتح أوله وبالياء أخت الواو ممدود على مثال: علياء. وقال ابن السيد: ولم أر فيه ضبطاً لأحد ممن تكلم في المقصور والممدود. وقال غيره: "الحفياء": تمد وتقصر. قال: وضبطه بعضهم: بضم الحاء والقصر، وهو خطأ. - ويقال: ضمرت الفرس، وأضمرته؛ وهو الذي يسمن أولاً، ثم يقصر بعد ذلك على قوته، ويحبس في بيت، ويعرق ليصلب لحمه، ويذهب رهله ورخاوته. والأمد والمدى: الغاية. و"ثنية الوداع": ثنية بمكة دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح، وإماء مكة يصفقن ويغنين:

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع - و"الثنية": الطريق في الجبل. - و"الرهان" و"المراهنة" [46]: المسابقة؛ وسمي رهاناً، لما يوضع فيها من الرهان، يقال: أرهنت في المخاطرة- بالألف، فإذا أردت غير المخاطرة قلت: رهنت الرهن، وأرهنت، وكان الأصمعي ينكر أرهنت، فاحتج عليه بقول الشاعر: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنتهم مالكاً فقال الأصمعي: ليست الرواية هكذا؛ وإنما الرواية: "وأرهنهم مالكاً". يريد أنه فعل مستقبل في موضع الحال؛ أي: نجوت وهذه حالي، كما تقول: قمت

إليه وأصك عينيه، والراهن: دافع الرهن، والمرتهن: آخذه. - ويقال: سبق يسبق سبقاً.- بسكون الباء من المصدر-، فإذا أردت الخطر قلت: سبق، ففتحت الباء، قال رؤبة: تضميرك السابق يطوى للسبق وأما السباق- بكسر السين-، والمسابقة: ففعل المتسابقين. - والمكاتل [48]. جمع: مكتل، وهو القفة الكبيرة. وقال صاحب "العين": المكتل: الزنبيل. - و"الخميس": الجيش، سمي بذلك؛ لأنه مقسوم خمسة أقسام، مقدمة، وساقة، وميمنة، وميسرة، وقلب، هذا قول الأزهري. وقيل: سمي خميساً؛ لأنه يخمس الغنائم، والأول أظهر؛ لأن الخمس لم يكن في الجاهلية. - وساحة القوم، وباحتهم: فناؤهم، وجمعه: ساح، وباح، وساحات وباحات. - و"باب الريان" [49]: من الري؛ وهو استيفاء الشرب، حتى يمتليء

(إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه)

محله من الجسم امتلاء لا يحتمل زيادة، خص به الصائمون لعطشهم في الدنيا، ومنه: يبلغ مني الري حتى ... إني أرى الري (إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه) - "الجزية": خراج الأرض، والجمع: جزى، وهي بمعنى النيابة والقضاء، ومنه: "لن تجزي عن أحد بعدك" أي: لن تنوبن ولا يقضي ما يجب عليه من الضحية- غير مهموز-. قال الهروي: فإن أردت معنى الكفاية قلت: [جزأ] الله عني [مهموزاً] وأجزأ، وإلى هذا ذهب بعضهم؛ وأن جزى وأجزى بمعنى قضى. وقال آخرون: أجزيت عنك: قضيت، وأجزيت: كفيت. وأخذ البلاد عنوة، أي: غلبة وقهراً وذلة. ومنه [قوله تعالى]: {وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} ويقال: عنا يعنو، وعني يعني.

(الدفن في قبر واحد من ضرورة)

(الدفن في قبر واحد من ضرورة) - قوله: "من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي، أي: عدة" [50]. "الوأي": التعريض بالعدة من غير تصريح بالوعد. وقيل: الوأي: هي العدة المضمونة. - و"الحفنة": أخذ ملء اليدين من المحفون، وفي حديث أبي بكر: 54/ب/ "إنما نحن حفنة من حفنات الله" قال القتيبي: الحفنة والحثية شيء واحد. يقال: حفن للقوم المال وحثا لهم: إذا أعطى كل واحد منهم حفنة أو حثوة. وأراد أبو بكر: إنا على كثرتنا يوم القيامة قليل عند الله كالحفنة. - وقوله: "فأميطت يداه" [49]. أي: نحيت. وفي الحديث: "أمط عنا يدك"، وفيه: "أدناها إماطة الأذى عن الطريق" أي: تنحيته. وقال أبو عبيد

عن الكسائي: مطت عنه، وأمطت: نحيت، وكذلك مطت أنا وأمطت غيري، [وأنكر الأصمعي ذلك، وقال: مطت عنه وأمطت نحيت، وكذلك مطت وأمطت غيري].

كتاب الضحايا

كتاب الضحايا (ما ينهى عنه من الضحايا) - قوله: "البين ظلعها" [1] الرواية بفتح اللام. وقال ابن السيد: "الظلع" بالظاء ساكن اللام، لا يجوز غيره. وإنما قاله؛ لأن الظلع [- بالفتح-]: داء في قوائم الدابة تغمز منه، والظلع- بالإسكان-: العرج. ومنه قولهم: "اربع على ظلعك" قل كثير: وكنت كذات الظلع لما تحاملت ... على ظلعها بعد العثار استقلت - ويقال: ظلع- بالكسر-؛ إذا كان غير خلفة، فإن كان خلقة قيل: ظلع

بالفتح، على مثال عرج وعرج في الحالين. ويقال: رجل ظالع، أي: مائل مذنب؛ وهو مأخوذ من ظلع الدابة. وحكى ابن الأنباري: ضالع- بضاد-، أي: مائل مذنب، وذكر اختلاف أهل اللغة في الظلع الذي هو العرج: هل هو بظاء أو بضاد، ويقال من ذلك للذكر والأنثى ظالع بغير هاء. - وقوله: "البين عورها". يريد الذي ذهب بصر إحدى عينيها. يقال: عارت العين تعار، وعورت: إذا ذهب بصرها. وعين عوراء، ولا يقال: عمياء. - وقوله: "لا تنقي" يريد: أنها عديمة النقي، وهو المخ، وإنما يعدم المخ عند إفراط الهزال، فيصير المخ ذائباً كأنه ماء. يقال: عند إفراط الهزال: مخ رار ورير، بكسر الراء، ورير بفتحهما، ومن لغة أحاديث الصحابة مما ليس في الباب لمالك ويأتي. قوله: "أن تشرف العين والأذن" فيحتمل تأويلين؛ أحدهما: النظر إليهما. من قولهم: استشرفت الشيء؛ إذا نظرت إليه متثبتاً متعرفاً، كما قال: فيا عجباً للناس يستشرفونني ... كأن لم يروا بعدي محباً ولا قبلي والآخر: أن يكون من قولهم: استشرفت الشيء؛ إذا اتخذته شريفاً، كما

يقال: استكرمته واستصفيته: إذا اتخذته كريماً وصفياً. و"المقابلة": التي تشق أذنها، ثم يقبل ذلك المشقوق حتىي سترخي، ويترك معلقاً قدام الأذن، فإن علق خلف الأذن فهي "المدابرة"، ويقال لتلك الجلدة المعلقة: الإقبالة والإدبارة، وهو المراد بقولهم في المثل: "ما يعرف قبيلاً من دبير" في بعض الأقوال. وقال أبو عمر: المقابلة عند أهل الفقه وعند أهل اللغة: ما قطع طرف أذنها؛ والمدابرة: ما قطع من جانبي الأذن. وقال أبو الوليد في المقابلة: التي يقطع طرف أذنها. و"المدابرة": التي يقطع مؤخر أذنها. و"الشرقاء": المشقوقة الأذن طولاً. و"الجذماء": المشقوقة الأذن عرضاً. و"الخرقاء": التي في أذنها خرق، أي: ثقب. و"الجدعاء" والجدع: يستعمل في الأذن، ويستعمل في الأنف. وقوله: "التي لم تسن" [2] هكذا رويناه، ورواه أبو عمر: "التي لم تسنن" بفتح النون تبعاً لابن قتيبة، وفسره فقال: قال ابن قتيبة: هي التي لم

تنبت أسنانها، كأنها لم تعط أسناناً، كما تقول: لم تلبن؛ أي لم تعط لبناً، ولم تسمن، ولم تعسل، كذلك قال. ويقال: سنت البدنة؛ أي: نبتت أسنانها، وسنها الله. وقال الأزهري: وهم ابن قتيبة في الرواية؛ وإنما المحفوظ عن أهل الثبت والضبط: لم تسنن- بكسر النون-. والصواب من العربية: لم تسن ولم تسنن، وأراد أبو عمر أنه لا يضحى بأضحية إذا لم تثن، فإذا أثنت 55/أ/ فقد أسنت، وأدنى الإسنان الإثناء. وقول القتيبي: سنت الناقة، وسنها الله، غير صحيح، لا يقوله ذوو المعرفة بكلام العرب، وكذلك قوله: لم تلبن، ولم تسمن، ومعناهما: لم تطعم سمناً، ولم تسق لبناً. أبو عمر: وقال غير ابن قتيبة: التي لم تسنن: التي لم تبدل أسنانها، وهذا يشبه مذهب ابن عمر؛ لأنه كان يقول في الضحايا: والبدن: الثني فما فوقها، ولم يجوز غيره الجذع من الضأن وغيره، قال: وهذا خلاف الآثار المرفوعة، وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم.

(ما يستحب من الضحايا)

(ما يستحب من الضحايا) في "الأضحية" أربع لغات: أضحية- بضم الهمزة- وإضحية- بكسرها-، وضحية، وجمعها: ضحايا، كما تقول: هدية وهدايا، وأضحاة [وأضحى]، كما تقول: أرطاة وأرطى، وبها سمي يوم الأضحى وجاء في بعض الحديث: "على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة" [العتيرة] ذبح كان يذبح في رجب، وكانوا يسمونها في الجاهلية: الرجبية، و"الفحيل": الفحل الذكر من الغنم والإبل، قال الراعي- يصف إبلاً-: كانت نجائب منذر ومحرق ... أماتهن وطرقهن فحيلاً وكل ذكر فحل حتى من النخل، إلا أن الأشهر فيها: فحال، وكبش فحيل: عظيم الخلق؛ وهو المراد في حديث الضحية، وأما في غيره فالمنجب في ضرابه، وبه سمي الأول؛ لشبهه به في عظمه. قال ابن دريد: فحل فحيل: إذا كان نجيباً كريماً. و"الأقرن": الذي له قرون، وضده الأجم. (ادخار لحوم الأضاحي) في حديث عبد الله بن واقد: "بعد ثلاث" [6، 7]، وكذلك في حديث

جابر، وفي بعضها: "ثلاثة أيام". فإذا ذكرت الأيام، فالواجب إثبات الهاء في ثلاثة؛ وإذا لم تذكرها فالواجب إسقاطها؛ لأنهم يغلبون الليلة على اليوم في التاريخ، ونحوه إذا جمعوا بينهما. - وقول عائشة: "دف ناس"، وقوله عليه السلام: "إنما نهيتكم من أجل الدافة" فالدفيف: مشي ضعيف [في جماعة] من ثقل لا يستطيع [على] النهوض، أو من مرض، أو عارض. يقال: دف يدف دفيفاً، وهو بالدال غير معجمة، ودف الطائر إذا صار مع الأرض؛ قال الشاعر: ولكن الجناح إذا أصيبت ... قوادمها تدف على الإكام - وقوله: "حضرة الأضحى" [7]. أي: وقت حضوره، ثم حذف الظرف، وأقام الحضرة مقامه، وهكذا قولهم: جئته غروب الشمس؛ أي: وقت غروبها. "ويجملون منها الودك" أي: يذيبون، يقال: جملت الشحم وأجملته، ويقال للودك: جميل، ومنه قيل: رجل جميل الوجه؛ يريدون أن ماء السمن تجري في وجهه. - و"الأسقية": الزقاق، واحدها: سقاء. - و"الهجر" [8] بضم الهاء: الكلام القبيح. يقال منه: أهرج الرجل إهجاراً: إذا قال الفحش. والهجر- بالفتح-: الهذيان؛ منه: هجر الرجل

(الشركة في الضحايا، وعن كم تذبح البقرة والبدنة)

يهجر هجراً؛ إذا هذى، وكلمة هاجرة، أي: فاسدة. (الشركة في الضحايا، وعن كم تذبح البقرة والبدنة) - قوله في الباب: "وعن كم تذبح البقرة والبدنة؟ " يريد: وتنحر البدنة، فعطف تذكية البدن على تذكية البقر بلفظ الذبح، لما كان المعنى واحد في التذكية، كقوله: يا ليت زوجك قد غدا ... متقلداً سيفاً ورمحا وتقدم. (الضحية عما في بطن المرأة) - الأضحى يومان" [12]. أي: أيام الأضحى، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، ولذلك قال: "بعد يوم الأضحى". والأضحى: جمع أضحاة، كأرطاة وأرطى. والضحية: واحدة الضحايا، كهدية وهدايا، وتقدم أن فيه 55/ب/ أربع لغات.

كتاب الذبائح

كتاب الذبائح (ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة) - "اللقحة" [3]- بكسر اللام-، وقد يقال: بفتحها، وجمعها: لقاح، بالكسر لا غير؛ وهي ذوات الدر من الإبل، يقال لها ذلك بعد الولادة بشهر وشهرين وثلاثة. ثم [هي] لبون. واللقحة: اسم [لها] في تلك الحال، لا صفة، فلا يقال: ناقة لقحة، ولكن يقال: هذه لقحة، فإن أرادوا الوصف قالوا: ناقة: لقوح، ولاقح؛ وقد يقال لهن ذلك وهن حوامل لم يضعن بعد. وقد جاء في الحديث: اللقحة في الغنم والبقر، كما جاءت في الإبل.

- وقوله: "فذكاها بشظاظ". وفي غيره: "فنحرها بشظاظ"، وفي غيره على ما يأتي: "فأخذ وتداً فوجأ به في لبتها". قال ابن قتيبة: هو عود يجعل في عروة الجوالق، وكذلك قال ابن حبيب: هو العود الذي يجمع به بين عروتي الغرارتين على ظهر الدابة، واستشهد بقول أمية: مجال العروتين من الشظاظ وقال أبو عمر: قال أهل اللغة: هو العود الحديد الطرف. وقال غيرهم: الشظاظ: فلقة العود. قال الشيخ- وفقه الله-: وهذا كله صحيح؛ ففي النحر يتهيأ بعود الجوالق إذا كان محدود الطرف؛ وفي الشاة لا يتهيأ إلا بفلقة عود محدود الجهات، يتمكن الذبح به. - و"سلع" [4]- بسكون اللام-: جبيل بسوق المدينة، ووقع عند

بعضهم- بفتح اللام وسكونها-، وذكر أنه رواه بعضهم بغين معجمة، وهذا كله خطأ؛ وإنما قيده البكري بفتح السين، وإسكان اللام، والعين المهملة، على أن أبا عمر قال: يروى بتسكين اللام وتحريكها، وأكثر الرواة يحركونها بالفتح، قال: وأظن الشاعر في قوله: إن بالشعب الذي دون سلع ... لفتيلاً دمه ما يطل خفف الحركة وهو جائز في العربية، والأصح ما تقدم. وقوله: "ما فرى الأوداج" [6] أي: قطعها وشقها، كذا روايتنا فيه. وقيل: بل هو في كلام العرب: أفرى؛ إذا شقها، وأخرج ما فيها، وقتل صاحبها، فكأنه من الإفساد، والرواية صحيحة؛ لأن الذكاة إصلاح

(ما يكره من الذبيحة في الذكاة)

لا إفساد. وقيل: فرى المزادة: خرزها، كأنه يريد قطعها للخرز. وأفرى الجرح: إذا بطه. - وقوله: "إذا بضع": أي: قطع، ومنه "الباضعة" من الشجاج؛ وهي التي خرقت في اللحم، أي: قطعته. والبضاعة: قطعة من المال تبضع للتجار؛ أي: تقطع من جملته. (ما يكره من الذبيحة في الذكاة) - قوله: "تردت" [7] أي: سقطت؛ وهو مشتق من قولهم: رديته بالحجر: إذا رميته، ومنه قول سلمة: "فما زلت أرديهم". أي: أرميهم بالحجارة، والمرادة- بكسر الميم-: الحجارة ترادمت بنفسها؛ ويجوز أن يكون من الردى؛ وهو الهلاك، ومنه: "تردى من حالق" أي: ألقى بنفسه. وفي الحديث: "تردى عليها" أي: تدلى. - وقوله: "ونفسها يجري": يروى بفتح الفاء وتسكينها، وقال عياض: بفتح الفاء من غير خلاف؛ فمن فتح: أراد التنفس، ومن سكن: أراد الدم، والعرب تسمي الدم نفساً، وتقدم؛ لأنه لا يوجد في الحيوان إلا مع

(ذكاة ما في بطن الذبيحة)

[وجود] النفس التي بها الحياة، وهذا من تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب. وفي الحديث: "كل ما ليس له نفس سائلة لا ينجس" ومنه قيل: نفست المرأة؛ لسيلان الدم منها، ويسمون الماء نفساً؛ لأن به حياة النفس، قال الراجز: أتجعل النفس التي تدير في جلد شاة ثم لا تسير ومعنى: "تطرف": تحرك طرفها، وهو عينها وأجفانها. (ذكاة ما في بطن الذبيحة) جاء في أكثر الأحاديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" [9]. فالحنفية ترجح فتح "ذكاة" الثانية على مذهبها في أنه يذكى مثل ذكاة 56/أ/ أمه؛ فيكون انتصابه على المصدر المشبه به، وغيرهم من المالكية والشافعية: يرجح الرفع؛ لإسقاطهم ذكاته.

كتاب الصيد

كتاب الصيد (ترك أكل ما قتل المعراض والحجر) قال الشيخ رحمه الله: وقع في روايتنا، وفي غيرها: "رميت طيرين بحجر"، والصواب: "طائرين"؛ لأن الواحد: طائر، والجمع: طير، بمنزلة راكب وركب، وراحل ورحل، ولا يصح أن يقال: طيران، إلا أن يراد صنفان من الطير، أو جماعتان، فذلك جائز، كما قال الأجدع [الهمداني]:

خيلان من قومي ومن أعدائهم ... خفضوا أسنتهم وكل ناع - وقوله: "بقدوم" [1]، العامة يقولون: قدوم- بالتشديد-، وهو خطأ، والصواب: بالتخفيف، وجمعه: قدم، مثل رسول ورسل، قال الأعشى: حولين تضرب فيه القدم - وقوله: "أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل المعراض والبندقة" [2]. كلام فيه حذف واختصار، وإنما أراد: ما لم يذك، ترك ذكر التذكية إيجازاً، وكذلك حديث عدي بن حاتم: "وما أصاب بعرضه فلا يؤكل فإنه وقيذ": أي: فلا يؤكل إذا لم تدرك ذكاته، وقد تقدم مراراً أن العرب تحذف بعض الكلام اتكالاً على فهم السامع. وأما "المعراض": فإنه سهم لا ريش عليه ترمى به الأغراض، ويتعلم به الرمي، وجمعه: معاريض. وقيل: هي خشبة محدودة الطرف. وقيل: بل فيه حديدة. قال الشاعر: معاريض يتلوها قتاب كأنها ... معاريض تتلوها سهام نوافذ

(ما جاء في صيد المعلمات)

فالمعاريض الأول: الكلام الذي يعرض به. والبندقة والمخذفة: هو رمي الصيد بالحجر الصغير وشبهه إذا كان بين إصبعين فهو حذف، وإن كان بعصى مجوفة ينفخ فيها فهو صيد البندقة. و"البندقة" غالباً تصنع من فخار مطبوخ ومن طين غير مطبوخ، وقال الأصمعي وابن الأعرابي: يقال: خزق السهم يخزق خزوقاً وخسق يخسق خسوقاً؛ إذا نفذ. وفي المثل: "أنفذ من خازق ومن خاسق"، ويقال في مصدرها: خزقاً وخسقاً. وقال الخليل: الخسق: ما يثبت، والخزق: ما ينفذ. - وقوله: "وبلغ المقاتل أن يؤكل". "أن" وما بعدها من الفعل في موضع خفض على البدل من "ما" تقدير الكلام: لا أرى بأساً بأكل ما أصاب المعراض. (ما جاء في صيد المعلمات) - قول ابن عمر- في الكلب المعلم-: "كل ما أمسك عليك إن قتل، أو لم يقتل" [5]. وقوله: "وإن أكل، وإن لم يأكل" [6]. كذا وقع في نسخ "الموطأ" التي رأيناها: "وإن أكل" بالواو. وهذا يوجب أن يكون عبد الله قالهما معاً، يريد: أنه قال: كل ما أمسك عليك إن قتل أو لم يقتل، وإن أكل

وإن لم يأكل. ووجدت في كتاب الداودي في "شرح الموطأ": "أكل أو لم يأكل" فسقوط الواو من هذه الرواية يقتضي أنه قال: "أكل أول م يأكل" مكان: "قتل أو لم يقتل". يريد: أن نافعاً اختلفت روايته عن ابن عمر؛ فذكر عنه مرة: "إن قتل وإن لم يقتل"، وذكر عنه مرة: "وإن أكل، وإن لم يأكل"، وسقطت "إن" في الموضعين من رواية الداودي، وأما على روايتنا المشهورة عندنا فتكون "إن" في الموضعين شرطاً لم يؤت له بجواب؛ لأن ما قبلها سد مسد جوابها، ومن شأن الشرط إذا تقدمه كلام يغني عن جوابه أن يحذف، كقوله: أنا أشكرك إن أحسنت إلي. وفي حديث عبد الله هذا إشكال؛ لأنه ليس جميع ما يمسكه الكلب يؤكل؛ ولكنه ينقسم ثلاثة أقسام؛ ولأجل ذلك قال النحويون المحققون في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}: إن "من" هنا لا تكون زائدة؛ لأنها إنما تزاد لمعنى العموم مع النفي، وإنما ينبغي أن تكون للتبعيض، ولبيان الجنس الذي أمرنا بأكله؛ لأن صيد الجوارح جنسان: أحدهما: مباح أكله، وهو ما أمسكته علينا، وضرب محظور أكله؛ 56/ب/ وهو ما لم يمسكه علينا. وقوله- أيضاً-: "قتل أو لم يقتل" يجب أن يكون فيه محذوف يتممه، كأنه قال: قتل أو لم يقتل إذا ذكيته ما لم يقتل، فإن لم يقدر هنا الشرط مضمناً فيه كان قد أباح أكل ما يخلصه الصائد من الجوارح، وبه حياة وتربص به حتى يموت.

- وفي "البازي" لغات ثلاث [8]. يقال: باز على مثال: دار، ومال، وباز منقوص على مثال قاض، وبازي- مشدد الياء- واشتقاقه من قولهم: بزيته؛ إذا قهرته، قال معن بن أوس: فإني أخوك الدائم العهد لم أحل ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل - و"الصقر"- بالصاد والسين-: يقع على الجوارح من الطير، وقيل: هو طائر معروف شهم يصيد، قال العجاج: كما هو البازي من الصقور واشتقاقه من قولهم: صقرت الحجر؛ إذا ضربته بالمعول، ويقال للمعول: صاقور، فسمي صقراً؛ لأنه ينقض على الصيد فيخطفه، ولذلك سموه بالمصدر من صقرت الحجر مبالغة في معناه. - و"التربص": الانتظار والمكث. و"الضرو": الضاري من الكلاب المعتادة الصيد، والجمع: ضراء. وقد ضريت ضرواة، والإناء الضاري: المعتاد بالتخمير. وكذلك قوله في اللحم: له ضراوة، أي: عادة. والضواري: المواشي المعتادة الرعي لزروع الناس.

(ما جاء في صيد البحر)

(ما جاء في صيد البحر) - "لفظه البحر" [9]. أي: رمى به، من لفظت الشيء- بفتح الفاء- ألفظه: رميت به: ولفظ: مات. واللفظ: الكلام يلفظ به، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}. - وقوله: "تموت صرداً" [10]. أي: برداً، من صرد صرداً، وقوم صرداء، ويوم صرد: شديد البرد، والاسم: الصرد. - و"الجار" [12] ساحل المدينة: قرية كثيرة الأهل والقصور على ساحل البحر ترفأ إليه السفن، قال الشاعر: أليلتنا بالجار والعيس بالفلا ... معلقة أعضادها بالحقائب (تحريم أكل كل ذي ناب من السباع) - قوله: "ذي ناب من السباع" [13]. الناب: السن التي خلف الرباعية،

(ما يكره من أكل الدواب)

والجمع: أنياب والناب: الناقة المسنة التي طال نابها، وذلك من علامة هرمها، والناب: سيد القوم، وإنما اختص هذا النوع من الحيوان من بين سائره بهذه التسمية، وإن كان أكثره له ناب؛ لأن به تغلب على ما يفترسه، وبه يقطعه ليزدرده، وغناؤه عنده أكثر من غنائه عند غيره، ولذلك اختصه الله بذكره، فخص لهذا بهذه التسمية. (ما يكره من أكل الدواب) - قوله: "البائس: الفقير" [15]. ليس فيه خلاف، وربما عبروا عنه بالمسكين، والمعنى واحد، وهو الذي تباءس من ضر الفقر، وهو البؤس. والبؤس والبأس؛ وقد بؤس بؤساً وبؤساً. - وقوله: "المعتر": الزائر، قد قيل ما قال. وقيل: المعتر: الذي يعتريك، ويتعرض لك لتعطيه، ولا يفصح بالسؤال. ويقال: عراه يعروه: إذا قصده طالباً لحاجته. وقيل: "القانع": الفقير، وقد قيل: القانع: السائل، قال الشماخ: لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع أي: السؤال. يقال منه: قنع قنوعاً- بالفتح-: إذا سأل، وقنع- بالكسر- قناعة؛ إذا رضي بما أعطي. وأصل هذا كله الفقر والمسكنة، وضعف الحال.

(ما جاء في جلود الميتة)

(ما جاء في جلود الميتة) الميتة: اسم واقع على كل ما فات من غير ذكاة. وهو اسم يقع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد، فإذا أجري مجرى الصفة، ولم يجعل اسماً قلت للمذكر ميت بغير هاء، وللمؤنث ميتة بالهاء. وأما الأرض فيقال فيها: أرض ميت، بغير هاء، كما يقال: مكان ميت، قال تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} وتقدم. وزعم قوم: أن الميت بالتخفيف: ما قد مات، وأن الميت بالتشديد: ما سيموت في المستقبل؛ وهذا غير صحيح. ويدل على فساده شيئان: /57/أ. أحدهما: أن "ميتاً" مخفف من ميت لا خلاف فيه، والتخفيف لا يخرجه عن معناه الذي كان وضع له قبل أن يخفف، كما أنك إذا خففت هيناً وليناً، فقلت: هين، ولين، لم يخرجا بذلك عما كانا عليه. والآخر: أنا قد وجدناهما يقعان بمعنى واحد في قوله: ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء وقال:

إذا ما مات ميت من تميم البيت وأما قول من زعم أن "الإهاب" [17] إنما يكون للإبل والبقر والغنم، وأما غيرها فإنما يقال فيها جلد، فإنه يحكم على اللغة بغير دليل؛ لأن أهل اللغة قالوا في كتبهم: إن الإهاب الجلد، ولم يخصوا شيئاً من شيء، وهما اسمان مستعملان في كل حيوان. قال الشماخ- يرثي عمر بن الخطاب-

رضي الله عنه-: جزيت عن الإسلام خيراً وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق وأنشد قطرب: لأنت غربال الإهاب وأنشد أيضاً: كأن جلدي وقد مر السهيم به ... إهاب شيهم بالبيداء منبوذ وجاء في الحديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قال: لو كتب القرآن في إهاب، ثم وضع في النار لما احترق" والكتاب لا يخص بجلود ما ذكروه دون غيرها- لأن الكتاب قد يكون في جلود الغزلان. وقد قالت عائشة في أبيها: "وحقن الدماء في أهبتها" تريد بذلك: أجسام الناس وجلودهم. وهذا كله على أنه اسم لكل جلد، وجمع الإهاب: الأهبة، والأهب والأهب.

[كتاب العقيقة]

[كتاب العقيقة] (ما جاء في العقيقة) زعم أبو عبيد عن الأصمعي وغيره: أن أصل العقيقة: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، قال: وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة؛ لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح، قال: ولهذا قيل في الحديث: "وأميطوا عنه الأذى" يعني بالأذى: ذلك الشعر، وهذا مما تقدم من أنهم ربما سموا الشيء باسم الشيء إذا كان معه، أو من سببه، فسميت الشاة عقيقة بعقيقة الشعر، وكذلك كل مولود من البهائم؛ فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة، قال زهير- يذكر حمار وحش-: أذلك أم أقب [البطن] جأب ... عليه من عقيقته عفاء

(العمل في العقيقة)

يعني صغار الوبر. قال أبو عبيد: العقة والعقيقة في الناس والحمر، ولم يسمع في غير ذلك، وأنكر ابن حنبل تفسير أبي عبيد هذا، وما ذكره عن الأصمعي وغيره. قال: إنما العقيقة الذبح نفسه؛ وهو قطع الأوداج والحلقوم، قال: ولا وجه لما قال أبو عبيد. واحتج بعض المتأخرين لابن حنبل بأن قال ما قاله معروف في اللغة؛ لأنه يقال: عق: إذا قطع، ومنه يقال: عق والديه؛ إذا قطع رحمهما. (العمل في العقيقة) - النسيكة: الذبيحة، وجمعها: نسك؛ وهو كل ما يتقرب به إلى الله تعالى. ومنه قوله: "خير نسيكتك"- بفتح النون وكسر السين- والمنسك: موضع الذبح ومنه [قوله تعالى]: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً}: موضع متعبدات الحج.

[كتاب النذور]

[كتاب النذور] (ما يجب من النذور في المشي) النذور: جمع نذر، والنذر في اللغة: الأصل: من قولك: نذرت الشيء على نفسي- بفتح الذال- أنذر وأنذر- بضم الذال وكسرها-، ثم سمي ما يجعل الإنسان على نفسه نذراً، كما قيل: الحلوف للمحلوف، والكسب للمكسوب، وهما في الأصل مصدران، من حلف وكسب، واشتقاق النذر من قولك: أنذرت الرجل بالأمر؛ إذا أعلمته به؛ ليستعد له ويتأهب؛ لأن الناذر يعلم بأنه قد أوجب الأمر على نفسه، وتأهب لقضائه، ومن هذا قالوا: نذرت بالشيء- بكسر الذال-؛ إذا علمته فأخذت 57/ب/ أهبتك له. والنذر: لفظة من الألفاظ التي أقرها الإسلام على معناها في الجاهلية؛ لأن العرب كانت تستعمل النذور، وتلتزم الوفاء بها، وذكرته كثيراً في أشعارها. وتقدم أن "قباء" [2] يجوز فيها الصرف بمعنى المكان، وتركه بمعنى البقعة.

(ما جاء فيمن نذر مشيا إلى بيت الله)

"و"الجرو" [3] من القثاء الصغير منه، وقيل: الطويل منه، وقيل: الواحد منه؛ لقوله في الحديث: "فكسرته"، وهذا يدل على كبره. ويقال: قثاء وقثاء- بكسر القاف وضمها- وقرأ يحيى بن يعمر [قوله تعالى]: {وَقِثَّائِهَا} بضم القاف. - وقوله: "لجرو قثاء في يده" كلام فيه اختصار، والتقدير: مشير لجرو قثاء في يده، فاللام متعلقة بما دل عليه لفظة "هذا" من معنى الإشارة. (ما جاء فيمن نذر مشياً إلى بيت الله) يقال: عجز الرجل- بالفتح- يعجز- بالكسر- ولا يقال بالعكس إلا أن تعظم عجيزته، وقد ذكرها بعض اللغويين في لحن العامة. وقول يحيى: "وسمعت مالكاً يقول وقرأ عليه"، معطوف على ما تقدم من كلام ابن عمر؛ والعرب تستعمله إذا أراد المخاطب أن يزيد في كلام المخبر ما أغفله، أو ما يرى أنه يجب أن يزاد فيه مثل أن يقول: سأكسو زيداً إذا جاءني، فيقول السامع: فأرى أن تحمله على فرس. - وقوله: "فأصابتني خاصرة" كذا رويناه بخاء معجمة وصاد غير معجمة، يريد: علة عرضت له في خصره، وهو مأخوذ من قولهم: خصرت

الرجل؛ إذا ضربته في خصره، كما يقال: بطنته؛ إذا ضربته في بطنه، وصدرته؛ إذا ضربته في صدره، أو يكون أصابه برد في أطرافه، وهو الخصر الذي هو برد الأطراف. ووقع في بعض روايات "الموطأ": "حاصرة" بحاء غير معجمة، كأنه أراد علة حصرته عن السفر، أي: منعته. وكان القياس على هذا أن يقال: محصرة؛ لأن المشهور أن يقال: أحصره المرض- بالألف- ولا يقال: حصره، إلا في العدو، قال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}. فإن صحت هذه الرواية فمجازها على وجهين: أحدهما: أن يكون حصر وأحصر لغتين. والثاني: أن يكون على معنى النسب كما قالوا: أمحل البلد فهو ماحل، وأورس الشجر فهو وارس؛ والقياس: مورس وممحل؛ ومنه قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، وكان القياس: ملاقح؛ ومنه قول الحارث بن نهيك:

ليبك يزيد ضارع لخصومه ... ومختبط مما تطيح الطوائح - وقوله: "وعليه هدي بدنة أو بقرة [أو شاة] إن لم يجد إلا هي"، كذا وقع في جميع نسخ هذا الكتاب التي وقعت إلينا أو رويناها، وهو غلط؛ لأن "هي" من ضمائر الرفع والصواب: إلا إياها. - وقوله: "أنا أحملك إلى بيت الله". وقوله: "إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة ... " إلى آخر كلامه؛ فإن هذه لفظة مشتركة تحتمل التأويل وقد تأولها مالك أحسن تأويل؛ لأن العرب تقول: حملت الشيء؛ إذا وضعته فوق ظهرك أو رأسك، كما يقال: حملت الدابة الحمل، وحملت المرأة الولد. ويروى أن أعرابياً كان يطوف بأمه، ويقول: أحمل أمي وهي الحمالة. ويقولون أيضاً: حملت الرجل: إذا أعطيته ما يركبه، ومنه يقال: حمل السلطان فلاناً على فرس. ويقولون أيضاً: حملت الرجل: إذا آويته إلى نفسك، وتكفلت له جميع ما يحتاج إليه، وحملته: إذا كفيته أمر ما يريد أن

(ما لا يجوز من النذر في معصية الله)

يحمله. فإن أردت أنك أعنته على حمله قلت: أحملته بقطع الألف. (ما لا يجوز من النذر في معصية الله) - الكفارة: مشتقة من كفرت الشيء؛ إذا سترته وغطيته، وسميت بذلك؛ لأنها تذهب الإثم من الحالف، وتقيه من عذاب الله تعالى، وبقيت فعالة للمبالغة، كما يقال ضراب/58 للمبالغة في الضرب، وقتال للمبالغة في القتل. وكان القياس أن يقال لها: مكفرة؛ لأن الفعل منها كفر تكفيراً، ولكنها جاءت على حذف الزيادة، كما قيل: دراك الوتر؛ وهو من أدرك. قال أبو قيس بن رفاعة: وصاحب الوتر ليس الدهر مدركه ... عندي وإني لدراك بأوتاري وجاء بلفظ التأنيث؛ لأنهم ذهبوا بها إلى معنى الحسنة التي من شأنها أن تذهب السيئة، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. (اللغو في اليمين) لغو الكلام: ما لا محصول له؛ لأن الآذان تمجه، ولا تريد سماعه، وسميت اليمين التي لا كفارة فيها لغواً؛ لأنها لا يعقد الحالف عليها نية؛ لأنها مطرحة لا يلتفت إليها. وكل شيء اطرح فهو لغو؛ إما لأنه لم يعقد اليمين بها، أو لأنه لم يقصد الحنث في أول اللغو. واللغاء: أصوات الطير ولغطها. يقال:

لغوت ألغو لغواً، ولغوت ألغى لغواً، ولغيت ألغي لغاً، ولغيت أيضاً، وألغيت في يميني، والشيء: طرحته، وألغيت: أتيت بلغو. ويقال: ألغيت أيضاً: إذا جعلت خلافك يلغو. وتقدم الكلام فيه. وأما تسميتهم اليمين المحلوف بها يميناً؛ فإنه من باب التدريج، ومعناه: أن ينقل الشيء من حال إلى حال، وتدرج من مرتبة إلى مرتبة، كقولهم للنبات ندى، فإنه عن الندى يكون، ثم سموا الشجر ندى؛ لأنه عن النبات يكون، فكذلك اليمين؛ إنما أصلها اليد، ثم سميت القوة يميناً؛ لأن قوة كل شيء في ميامنه، ثم سمي الحلف على الشيء يميناً؛ لأن الحالف يستعين بها على ما يريد، وعلى معنى القوة أول المفسرون، قوله تعالى: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}، وعليه تؤول قول الشماخ:

إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين وأما الحلف فمشتق من قولهم: سنان حليف: إذا كان حديداً، أو رجل حليف اللسان. سميت اليمين بذلك؛ لأنها تعرض عن حدة الأخلاق، وثوران الغضب، وسميت قسماً؛ لأن الحالف كثيراً ما يحاول منها تحسين الشيء وتزيينه، فهي مشتقة من قولهم: رجل مقسم؛ إذا كان جميلاً، ووجه مقسم، والقسام: الحسن، قال بشر: يسن على ملاغيها القسام وقال علباء بن أرقم اليشكري:

(ما لا تجب فيه الكفارة من الأيمان)

ويوماً توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم وسميت اليمين التي يقتطع بها الرجل حق أخيه غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، كما يغمس الشيء في الماء. وبنيت على فعول لمبالغتها في الغمس. واليمين المعقدة: ضد اللغو؛ سميت بذلك؛ لأن الحالف أبرمها، وعقد عليها نيته، فشبه ذلك بعقد الحبل والخيط. قال جرير: ولا خير في مال عليه ألية ... ولا في يمين عقدت بالمآثم (ما لا تجب فيه الكفارة من الأيمان) - الاستثناء [10]: استفعال من قولهم: ثنيت الشيء؛ إذا عطفته، سمي بذلك؛ لأن الحالف عقد على نفسه بيمينه أمراً أوجبه، ثم عطف عليه

(ما تجب فيه الكفارة من الأيمان)

فحله وحده. وحقيقته وشرطه في الكتاب "الكبير". وأما "الحنث" فأصله الذنب العظيم، يقال: بلغ الغلام الحنث: إذا بلغ المبلغ الذي يؤخذ فيه بما أذنب، فمعنى قولهم: حنث في يمينه؛ أتى ذنباً ينقضه ما كان عقده على نفسه. والفعل منه: حنث يحنث على مثال: علم يعلم. - و"الثنيا" والثنوى، بمعنى الاستثناء، إذا ضممت أولها فهي بالياء، وإذا فتحت أولها فهي بالواو. - و"النسق": المتتابع بعضه في إثر بعض؛ إذا أردت المصدر سكنت السين، وإذا أردت الاسم فتحت السين، وربما فتحوا السين في المصدر. ويقال: نسقت الشيء إلى الشيء؛ إذا عطفته عليه، ويسمى باب العطف باب النسق. - وقوله: "مضمراً على الشرك" من فتح/ 58/ب الميم فمعناه: مطوياً على الشرك؛ ومن كسرها فمعناه: منطوياً على الشرك. (ما تجب فيه الكفارة من الأيمان) - قوله: "فرأى خيراً منها". كذا وقع في الحديث أبي هريرة، ووقع في حديث أبي موسى: "أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني والله، إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" ووقع في حديث عبد الله بن سمرة: "فإذا حلفت على يمين، ورأيت غيرها خيراً منها فأت الذي

هو خير وكفر عن يمينك" فجاء "رأى" في هذين الحديثين معدى إلى مفعولين، وفي حديث أبي هريرة معدى إلى مفعول واحد، فيجب أن تكون الرؤية في حديثهما رؤية علم، وفي حديث أبي هريرة رؤية اعتقاد؛ لأن رؤية العلم تتعدى إلى مفعولين، ورؤية الاعتقاد تتعدى إلى مفعول واحد، كقولك: فلان يرى مذهب مالك: أي يعتقد، وعليه تأولوا قول الراجز: لا بأس بالفارس أن يكرا إذا رأى ذلك أو يفرا وقد يمكن أن أحد المفعولين سقط من حديث أبي هريرة؛ لأن المحدثين قد يسقطون ألفاظاً من الحديث كثيرة؛ ويدل على ذلك أن مسلماً أخرجه عن زهير بن حرب بسنده: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه". - وقوله: "والله لا أنقصه". هو مفتوح الهمزة مضموم القاف؛ إذ فعله الماضي نقص، قال الله تعالى: {نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3)}، والعامة تقول: أنقص ينقص، وهو خطأ. - وقوله: "أنت الطلاق" والوجه: "أنت طالق"؛ ولكن العرب يضعون المصادر موضع أسماء الفاعلين والمفعولين مبالغة في المعاني، فيقولون: رجل عدل ورجل صوم؛ أي: عادل، وصائم؛ لكثرتهما منه، ونحوه قول

الشاعر: فأنت طلاق والطلاق عزيمة ... ثلاث ومن يخرق أعق وأظلم - وقوله: "إن كسوتك هذا الثوب ولا أذنت لك إلى المسجد" كذا الرواية، والصواب: "وأذنت لك"، ولا وجه لدخول "لا" في هذا الموضع إلا وجه الزيادة، كالتي في قوله تعالى: {لئلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، وقوله [تعالى]: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}. - وقوله: "وكان ذلك لا يضر بزوجها". هذا الفعل إذا كان رباعياً بالهمزة عدي بالباء، فقيل: أضر به، ومعناه: ألصق به الداء، وإذا كان ثلاثياً

(العمل في كفارة الأيمان)

عدي بغير حرف جر، فقيل: ضره يضره، قال الشاعر: أضر به نعم ونعم قديماً ... على ما كان من مال وآل (العمل في كفارة الأيمان) - يقال: وكدت اليمين توكيداً، وأكدتها تأكيداً. - والمد الأصغر: هو مد النبي صلى الله عليه وسلم، والمد الأعظم: مد هشام، وفيه من مد النبي صلى الله عليه وسلم مد وثلثان، وهشام هذا هو هشام بن إسماعيل المخزومي، وكان عاملاً لبني مروان على المدينة؛ وتقدم هذا في باب (الزكاة). - ويقال: كسوة وكسوة- بكسر الكاف وضمها-. وأما قوله: كساهم ثوباً ثوباً، وكساهن ثوبين ثوبين فمسألتان من النحو فيهما غموض؛ لأن المفعول الثاني لكسوت جاء هنا منفصلاً، كما جاءت في الحال منفصلة، فيما حكاه سيبويه من قولهم: بينتت له حسابه باباً باباً، ولقيت القوم رجلاً رجلاً إلا أن معناه منوعاً هذا التنويع، ومرتباً هذا الترتيب، وكما ناب الاسمان معاً

(جامع الأيمان)

مناب خبر المبتدأ المفرد في قولهم: هذا حلو حامض، ولو أدخلت على هذه المسألة ظننت لقلت: ظننت هذا حلواً حامضاً، فكانا جميعاً نائبين مناب المفعول الثاني، كما نابا جميعاً مناب الخبر، وكذلك لو قلت: كان/ 59/أهذا حلواً حامضاً، وإن هذا لحلو حامض. (جامع الأيمان) - "الرتاج" [17]. والرتج: الباب، وقيل: هو الباب المغلق. ورتجه وأرتجه: أوثق إغلاقه. وأبى الأصمعي: إلا أرتجه، ورتج في منطقه رتجاً وأرتج عليه: استغلق عليه الكلام، وأصله من ذلك الباب يرتج؛ أي: يغلق؛ ومنه أرتج عليه في كلامه.

[كتاب] الأشربة

[كتاب] الأشربة (الحد في الخمر) المشهور عند العرب أن الخمر: اسم واقع على عصير العنب الذي يغلي ويقذف الزبد بغير نار، وأما المطبوخ من عصير العنب فإنما كانوا يسمونه طلاء، ألا ترى إلى قول [عبيد بن الأبرص:] هي الخمر يكنونها بالطلا ... كما الذئب يكنى أبا جعدة وكانوا يسمون ما اتخذ من التمر: "الفضيخ" و"السكر" و"الكسيس"، وما اتخذ من الشعير: "الجعة"، وما اتخذ من الذرة "المزر" و"السكركة" ونحو ذلك؛ ويوقعون على جميعها: اسم "النبيذ" وكانوا ربما سموا هذه الأصناف كلها

خمراً؛ إذ كانت نائبة مناب الخمر، وسادة مسدها، وكان معنى الخمر موجوداً فيها كلها، وكان منهم من لا يسميها خمراً. قال: لنا العين تجري من كسيس ومن خمر فجعل الكسيس غير الخمر، ومن الدليل عليه اتفاق الفقهاء على أن الخمر المعصور من العنب التي تغلي بغير نار حرام قليلها وكثيرها، واختلافهم في غيرها مما يسمى الخمر. فلو اعتقد أن وقوع اسم الخمر على الجميع وقوعاً واحداً لم يختلفوا فيما كان على غير الصفة المتفق عليها، وكذلك- أيضاً- يدل عليه أن المتشددين في الأنبذة الذين أجروها مجرى واحداً يكفرون من استحل الخمر المتفق عليها ولا يكفرون من استحل نبيذ العسل ونحوه، فدل على أن وقوع اسم الخمر عليها وقوعاً مختلفاً فيه، فلما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ...} الآية. احتمل الخمر المشهور التي لا يختلف في تسميتها بذلك دون غيرها، واحتمل جميع ما يقع عليه هذا الاسم، فأوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الإيهام بأن قال: "كل مسكر خمر" أي: حكمه حكم الخمر؛ ولهذا احتاج إلى أن يقال: الخمر يكون من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير، ولو كان مشهوراً أنها تسمى الخمر لم يحتج لهذا، ولكان في قوله تعالى

كفاية، كما أنه لما قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} احتمل أن يريد كل ميتة، وكل دم على العموم، واحتمل كونه خصوصاً في بعض الميتات والدماء، فأوضحه صلى الله عليه وسلم بأن قال: "أحلت لكم ميتاتان ودمان". وهذه الآية عكس آية الخمر؛ لأنه خصص في هذه الآية ما يحتمل أن يكون عموماً، وعمم في آية الخمر ما يحتمل أن يكون خصوصاً. وتسلقنا في هذا إلى ما ليس منه لتعلقه، فالعلوم آخذ بعضها برقاب بعض. وقال قوم: سموا الخمر من العنب خمراً؛ لأنها تخامر العقل، وسمي النبيذ خمراً؛ لتحقق ذلك المعنى فيه قياساً عليه، حتى يدخله في عموم قوله: حرمت عليكم الخمر لعينها. وهذا غير مرضي؛ لأن العرب- إن عرفتنا بتوقيفها-: أنا وضعنا الاسم للمسكر المعتصر من العنب خاصة، فوضعه لغيره تقول عليهم، واقتراح، فلا يكون لغتهم، بل يكون وضعها من جهتنا. وإن عرفتنا أنها وضعته: لكل ما يخامر العقل كيف كان، فاسم الخمر ثابت للنبيذ؛ لتوقيفهم لا بقياسنا. كما أنهم عرفونا أن كل مصدر فله فاعل، فإذا سمينا فاعل الضرب ضارباً كان ذلك عن توقيف، لا عن قياس، وإن سكتوا عن الأمرين احتمل أن يكون الخمر ما يعتصر من العنب خاصة، واحتمل غيره، فلم نتحكم عليهم ونقول: لغتكم هذه. وقد اختلف أهل اللغة في اشتقاق اسم الخمر على ألفاظ قريبة المعاني متداخلة كلها موجودة المعنى في الخمر. فقال بعضهم: سميت خمراً؛ لأنها تخمر العقل، أي: تغطيه وتستره، وكل شيء غطى شيئاً فقد خمره؛ ومنه حديث أبي حميد

(ما ينهى أن ينبذ فيه)

الساعدي: "أنه جاء بقدح من لبن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم/ 59/ب: "ألا خمرته، ولو أن تعرض عليه عوداً" ومن ذلك خمار المرأة؛ لأنه يغطي رأسها. ومن ذلك الخمر الشجر الملتف؛ لأنه يغطي ما تحته. وقال آخرون: إنما سميت خمراً؛ لأنها تركت حتى أدركت، كما يقال: خمر الرأي واختمر، أي: ترك حتى يتبين فيه الوجه. ويقال: اختمر العجين؛ أي: بلغ إدراكه. وقال بعضهم: إنما سميت خمراً من المخامرة، التي هي المخالطة؛ لأنها تخالط العقل، ومنه دخلت في خمار الناس، أي: اختلطت بهم. وهذا الوجه يقرب من المعنى الأول، والثلاثة الأوجه كلها موجودة في الخمر؛ لأنها تركت حتى أدركت الغليان، وحد الإسكار؛ وهي مخالطة العقل، وربما غلبت عليه، وغطته. وقد روينا عن عمر أنه قال: "الخمر ما خمرته". (ما ينهى أن ينبذ فيه) - روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتبذ في الدباء، والمزفت، والحنتم، والنقير". فالدباء: جمع دباءة، وهو القرع- ساكن الراء-. والمزفت:

المطلي بالزفت- بكسر الزاي-؛ وهو القار. والحنتم: فسره أبو هريرة: بأنه الجرار الخضر، وقيل: [هو] الأبيض، وقيل: الأبيض والأخضر، وقيل: هو ما طلي بالحنتم المعمول من الزجاج وغيره. وقيل: هو الفخار كله. وقيل: هي جرار يحمل فيها الخمر من مصر والشام، وقيل: هي جرار مصراة بالخمر، وقيل: هي جرار تعمل من طين قد عجن بشعر ودم، وهو قول عطاء، فنهي عنها؛ لنجاستها. و"النقير": هي النخلة تنقر؛ أي: يحفر في جوفها أو جنبها، ويلقى فيها الماء والتمر للانتباذ، وقد فسره في الحديث فقال: "هي النخلة تنسج نسجاً، وتنقر نقر" أي: تنشر ويحفر جوفها.

(ما يكره أن ينبذ جميعا)

(ما يكره أن ينبذ جميعاً) قوله: "نهى أن ينتبذ" [7]. [النبذ] أصله: الطرح والرمي والترك؛ لأن النبيذ: فعيل بمعنى مفعول، يطرح ويرمى عليه الماء، قال القطامي: فهن ينبذن من قول يضيق به ... مواضع الماء من ذي الغلة الصادي ومنه المنبوذ: اللقيط، وقيل: المنبوذ: ما طرح صغيراً أول ما ولد، واللقيط: ما التقط صغيراً في الشدائد والخلاء وشبهه، وقيل: اللقيط: إذا أخذ، والمنبوذ ما دام مطروحاً، ولا يسمى لقيطاً إلا بعد أخذه. وقال مالك: لا أعلم المنبوذ إلا ولد زناً. - و"الزهو" [8]: ابتداء صلاح التمر وطيبه. يقال: زهت وأزهت، وأنكر بعضهم: زهت. وقال ابن الأعرابي: زهت: ظهرت، وأزهت: احمرت واصفرت، وهو الزهو والزهو. وجاء في الحديث: "حتى تزهي، وحتى يزهو البسر". - "البسر": ما قد أزهى من ماء التمر، ولم يبد فيه إرطاب. والرطب: ما قد جاوز حد البسر إلى الإرطاب.

(تحريم الخمر)

(تحريم الخمر) - تقدم أن البتع: شراب العسل، والغبيراء: الأسكركة، والسكركة؛ وهو خمر الذرة. وفي حديث أبي موسى: أو خمر الحبشة الأسكركة وهو الأرز. أبو عمر: قد قيل في الأسكركة: إنه نبيذ الذرة. وما في حديث أبي موسى أصح. وفي الحديث: "إياكم والغبيراء فإنها خمر الأعاجم" قال أبو عبيد: هي ضرب من الشراب تتخذه الحبشة من الذرة، وهي تسكر، ويقال لها: السكركة. وقال صاحب "العين": الغبيراء: فاكهة. (جامع تحريم الخمر) - الرايية" [12]: القربة الكبيرة التي تروي، وهي المزادة. وقال يعقوب: الراوية: البعير، ووعاء الماء: مزادة، سميت بذلك لزيادة جلد ثالث فيها على جلدين. والظاهر مما في الحديث: "فأمر بروايته فأنيخت": أنها البعير، ويحتمل أن يريد المزادتين سماهما بالبعير الذي هو الراوية بحمله إياها. ويحتمل أن يسمى البعير راوية؛ لأنه يسقى عليه بالراوية، كما يسمى

ناضحاً؛ لنضحه الماء. وقال أبو الوليد الباجي: الراوية: هي الدابة التي تروي، غير أنه قد يسمى الظرف [الذي يحمل فيه الماء أو الخمر] راوية، بمعنى تسمية الشيء باسم ما جاوره أو قاربه، وهذا نحو ما تقدم. - و"الفضيخ": بسر يشرخ وينبذ حتى يسكر في سرعة. وقال أبو عمر: الفضيخ: نبيذ البسر وحده. في الأثر: "أنه يلقى عليه الماء والتمر،/ 60/ب وينبذ بالماء" وعليه يدل الحديث. و"الجرار": أواني الخزف. وفي الحديث: "سئل عن نبيذ الجر" وفسره فيه كل شيء يصنع من المدر، والمراد به: الجرار الضارية. - و"المهراس": هو الحجر الذي يهرس به الشيء، وما يحتاج إلى تهريسه، أي: يدق. - و"الوباء": المرض العام في جهة، المفضي إلى الموت غالباً. يقال منه: وبئت الأرض توبأ فهي موبوءة ووبيئة، على مثال مريضة: إذا كثر مرضها. ويقال أيضاً: وبئت تيبأ، وأوبأت فهي موبئة. - وقوله: "رجل من أهل الأرض" يريد ممن نشأ فيها. - وقوله: "يتمطط"، التمطي: التمدد. يقال: مططت الشيء ومددته بمعنى. وقيل: من المطا: وهو الظهر هذا قول الأصمعي؛ وكأن التمطي:

مد المطا. وقيل- أيضاً-: مطوت بمعنى مددت، وهذا يدل على أن الطاء غير مبدلة من الدال. قال بعض المتأخرين: وعندي أنها غير مبدلة إنما يقال: مط ومد لغتان، ثم أبدل من الطاء في تمطي ياء، أصله تمططت، اجتمعت ثلاث طاءات، كما قالوا: تظنى وتقضى من تظنن وتفضض، ومط الشيء: مده. وقوله في الطلاء: يتمطط، أي: يتمدد لا ينقطع بعضه من بعض لالتحامه. و"الطلاء": قطران يطلى به الإبل الجربة، ومثله العصير إذا طبخ حتى يثخن ويخثر. - وقوله: "فإنها رجس" [15] أي: قذر، وفي رواية: "إنها ركس" والمعنى واحد، أي: قد أركست في النجاسة بعد الطهارة. وقد جاء الرجس بمعنى المأثم، والكفر، والشك، وهو قوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ}. وقيل: نحوه في قوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)} من جميع هذه الخبائث. وقد يجيء بمعنى العذاب أو العمل الذي يوجبه، قال تعالى: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (100)}. وقيل: يعني اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة.

كتاب النكاح

كتاب النكاح (ما جاء في خطبة النساء) قال كثير من اللغويين: خطبت المرأة خطبة- بكسر الخاء-، وخطبت على المنبر خطبة- بضم الخاء-. وقال أبو العباس ثعلب: الخطبة- بالكسر- المصدر، والخطبة- بالضم-: اسم ما يخطب به. وقال ابن

درستويه: الخطبة، والخطبة: اسمان لا مصدران، ولكنهما وضعا موضع المصدر، ولو استعمل مصدرهما على القياس لخرج مصدر ما لا يتعدى منهما على فعول، فقيل: خطب خطوباً، ولكان مصدر المتعدي منهما على فعل ساكن العين؛ كقولك: خطبت المرأة خطباً؛ ولكن ترك استعمال ذلك؛ لئلا يلبس بغيره، ووضع غيره في موضعه يغني عنه، ولا يلتبس بشيء. قال: والخطبة- بالكسر-: اسم ما يخطب به في النكاح خاصة، والخطبة- بالضم-: ما يخطب به في كل شيء. قال: ودليل ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم قالوا: "كان يعلمنا خطبة النكاح والحاجة" كذا روي بضم الخاء. وقال أبو إسحق الزجاج: الخطبة: فيما له أول وآخر، يريد: أن الخطبة- بكسر الخاء-: واقع على ما يجري من المراجعة، والمحاولة للنكاح؛ لأنه أمر غير مقدر، ولا يتعين له أول ولا آخر، ويدل على قوله قوله عليه السلام: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" ولم يعن بالخطبة الكلام المؤلف، وإنما أراد: ما يتراجع به من القول عند محاولة ذلك. - وقوله: "ولم تركن إليه" [2]. يجوز فيه فتح الكاف وضمها، وهما لغتان. يقال: ركن إلى الدنيا، وإلى الشيء. و"ركن"- بكسر الكاف وفتحها- ركوناً، قال: وفي القرآن: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ وهي

اللغة العالية، وفي الحديث: "رحم الله لوطاً، إن كان ليأوي إلى ركن شديد" يريد: الله- سبحانه وتعالى- وأصله الركن من الجبل يركن إليه، وهو الناحية منه، فترحم عليه لسهوه عن التوكل على الله، والاستناد إليه. وأما/ 60/ب التعريض في النكاح فإنه مشتق من أحد شيئين: يجوز أن يكون من قولهم: عرضت الشيء: إذا وضعته، وتعرضت الدابة في المشي: إذا أخذت يميناً وشمالاً، وتركت السلوك على استقامة. قال عبد الله ذو البجادين: يخاطب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحدو بها: تعرضي مدارجاً وسومي تعرض الجوزاء للنجوم هذا أبو القاسم فاستقيمي فمعنى التعريض للمرأة على هذا أن يعدل عما يريده، ولا يقصد قصده. والوجه الثاني: أن يكون مشتقاً من عرض الشيء، وهو جانبه. يقال:

(استئذان البكر والأيم في أنفسهما)

أعرض الشيء إذا بدا لك عرضه، ولم يظهر جميعه. فيكون معنى التعريض: أن يظهر بعض ما يريده. وكان الوجه أن يقال: "فتركن" بنصب النون، و"يتفقا" بحذف النون؛ لأنه معطوف على قوله: "أن يخطب"؛ ولكن الرواية وردت هكذا بالرفع على القطع مما قبله. (استئذان البكر والأيم في أنفسهما) "الأيم": التي مات زوجها أو طلقها، وقد آمت تئيم، وبعضهم يقول: تيأم، ولم يعرفه أبو مروان بن سراج، وقال: الأشبه تآم، تأيمت حفصة؛ أي: مات زوجها خنيس. وقد يقال ذلك في الرجال أيضاً،

وأكثره في النساء، ولذلك لم يقل فيهن: أيمة بالهاء؛ لاختصاصهن بهذه الصفة، على أن أبا عبيدة قد حكى أنه يقال: امرأة أيمة، وقد استعمل الأيم فيمن لا زوج لها بكراً أو ثيباً، قال الشاعر: فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ... وإن كنتت أفتى منكم أتأيم وقال أمية بن أبي الصلت: لله دربني [على] ... من أيم منهم وناكح وفي الحديث: "أعوذ بالله من بوار الأيم" وهذا كله يدل على أن الأيم: من لا زوج لها، ثيباً كانت أو بكراً. وقال إسماعيل القاضي: الأيم:

(ما جاء في الصداق والحباء)

التي لا زوج لها بالغاً كانت أو غير بالغ، بكراً أو ثيباً. - وقوله: "حتى [تدخل بيتها و] يعرف من حالها" على مذهب سيبويه: أنها لا تزاد "من" في الواجب، فيكون فيه حذف، أي: حتى يعرف من حالها الرشد أو نحوه. وعلى مذهب الأخفش: "من" زائدة، وتقدم في (الصلاة) في قوله: "وقد رأى من فزعهم". (ما جاء في الصداق والحباء) في "الصداق" خمس لغات؛ صداق بفتح الصاد، وصداق بكسرها، وصدقة بفتح الصاد وضم الدال، وصدقة بفتح الصاد وتسكين الدال، وصدقة بضم الصاد وتسكين الدال، واشتقاقه من قولهم: رمح صدق: إذا كان شديداً صليباً، ورجل صدق النظر، وصدق اللقاء؛ سمي بذلك لأن به ينعقد النكاح ويكمل أمره، ومنه اشتق الصدق في الحديث؛ لأن الصادق على ثبات من أمره واستحكام وقوة، [و] الكاذب بضده؛ ولذلك قيل: حمل الفارس على قرنه فصدق: إذا حقق الحملة ولم يرجع، وحمل عليه فكذب: إذا جبن ولم يحقق و"الحباء": العطاء الذي لا يخص به واحد دون آخر ممدود، قال

ابن حلزة: وولدنا عمرو بن أم أناس ... من قريب لما أتانا الحباء - وقوله: "فالتمس شيئاً" [8]. أي: اطلبه، ومنه: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً" أي: يطلبه، ومنه: "التمست عقدي" أي: طلبته. - وقوله: "سورة كذا وسورة كذا". يجوز في "سورة" التنوين، ويجعل "كذا" كناية عن صفة، ويجوز ترك التنوين، ويجعل "كذا" كناية عن المضاف، كما يقال: سورة البقرة، وسورة النساء، وهذا هو الوجه، وهكذا قرأته. - وقوله: "لسور سماها". كلام فيه اختصار، كأنه أراد: قال ذلك لسور سماها. - و"العشيرة": القبيلة، سميت بذلك لمعاشرة بعضهم لبعض. وقولهم: فلان عشير فلان، أي: معاشره، كما يقال: جليس بمعنى مجالس، ونديم بمعنى منادم. - وقوله: "فابتغت أمها صداقها"/ 61/أمعناه: طلبت. يقال: بغيت الشيء أبغيه بغاء- بضم الباء من المصدر-؛ إذا طلبته، فإن أكثرت من طلبه قلت:

(إرخاء الستور)

ابتغيت ابتغاء. - وروى يحيى: "من كان أباً وغيرهم"، وروى غيره "أو غيره" بإفراد الضمير، وهو الوجه؛ لأنه يعود على "أب". وذهب يحيى به إلى الأب وغيره، فلذلك جمع الضمير، أو جعل الأب بمعنى الآباء، كما قال تعالى: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً (101)}. والأشبه أن يكون غلطاً وقع في روايته، كما غلط في قوله: "فلزوجها شطر الحباء"، فرواه: "شرط الحباء" على أنه في كتابي من رواية يحيى مصلح "شطر الحباء". أبو عمر: والصواب رواية غير يحيى شطر، وكذا رواه ابن وضاح. - وقوله: "أو كان في ولاية أبيه" الأفصح الفتح والكسر لغة، ولذلك قرأت القراء [قوله تعالى]: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، و {وِلَايَتَهُمْ} فأما الولاية التي يراد بها الرئاسة فبالكسر لا غير. (إرخاء الستور) إرخاء الستر: كناية عن الخلوة. يريد إذا خلا الرجل بامرأته، وانفرد بها سواء كان له ستر أو لم يكن، أو أرخاه، أو لم يرخه.

(المقام عند الأيم والبكر)

(المقام عند الأيم والبكر) - قوله: "ليس بك على أهلك هوان". من الكناية الحسنة، والتعريض المليح، وعنى بـ "أهلك" نفسه صلى الله عليه وسلم، يريد: إنها ليست بهينة عليه، بل يريد إكرامها لولا حق سائر الزوجات. (ما لا يجوز من الشرط في النكاح) - قوله: "ولا أتسرر" [16]. من التسرر والتسري. وأصله من السر؛ وهو الجماع. ويقال له: الاستسرار، ومنه السرية من التسري. و"السراري": جمع سرية. (نكاح المحلل وما أشبهه) - قوله: "فاعترض عنها" [17]. يقال: اعترض الرجل عن أهله؛ إذا عجز عن نكاحها، كما يعترض إذا أراد شيئاً، فيحال بينه وبينه. ويقال من هذا المعنى "عن" على صيغة ما لم يسم فاعله. ورجل عنين. ويقال منه: أكسل على مثال أكرم، فإن كان عجزاً عن غير جماع قيل: كسل على مثال عمل، قال

العجاج: عن كسلاتي والحصان يكسل وذكر أبو عبيد: أن رؤبة كان ينشد: "يكسل" بفتح الياء والسين، وتقدم أول الكتاب دون تفرقة. - وقولها: "مثل الهدبة" فيها ثلاث لغات: هدبة- بتسكين الدال-، وهدبة"- بضمها- وهدابة: وهو الخيط الذي يترك في طرف الثوب، ثم يفتل، ويقع عليه اسم الهدب مفتولاً، وغير مفتول. ويقال: هدبت الثوب؛ إذا فتلت هدبة، قال امرؤ القيس: كمشي العذارى في الملاء المهذب شبهت ذكره في لينه بالهدبة؛ ولذلك تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كقول بعض المعرضين في نفسه:

(ما لا يجمع بينه من النساء)

ينام على كف الفتاة وتارة ... له حركات ما يحس بها الكف كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضعف ووقع في بعض نسخ "الموطأ": "لا يحل لزوجها الأول" و"هل يحل لزوجها الأول أن يراجعها؟ " [19]. بالياء فيهما على لفظ التذكير، وهو الوجه؛ لأنه فعل المراجعة و"أن يراجعها" في موضع رفع به على البدل منه، كأنه قال: لا يحل لزوجها الأول مراجعتها. ووقع في بعض النسخ: "تحل" بالتاء فيهما على لفظ التأنيث، وهو أيضاً صحيح، ويلزم على هذه الرواية أن يضمر في "تحل" ضميراً يرجع إلى المرأة، ويجعل "أن يراجعها" في موضع رفع على البدل منه. ونظيره قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} قرئ بالياء وبالتاء على هذين المعنيين. (ما لا يجمع بينه من النساء) - "الوليدة" [21] لغة وعرفاً: الأمة، والمولدة: الجارية تولد بين

(ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته)

العرب. وفي حديث شريح: "أن رجلاً اشترى جارية، وشرط أنها مولدة، فوجدها تليدة". قال القتبي؛ التليدة: التي ولدت ببلاد العجم، وحملت فنشأت ببلاد العرب، قال: والمولدة: التي ولدت في بلاد الإسلام. وقال ابن شميل: التليد والمولد واحد، وهما اللذان ولدا عندك، وقال غيره: إنما سمي مولداً؛ لأنه يربى تربية الأولاد، ويعلم الأدب؛ والمولد/ 61/ب من الكلام: ما استحدث ولم يكن في القدم. (ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته) قول زيد: "الأم مبهمة" [22] وضع هنا "مبهمة" موضع مطلقة، أي: غير مقيدة بصفة؛ ولهذا قال: "ليس فيها شرط"؛ لأن التقييد بمعنى الشرط، ولا يصح أن يكون في مقابلة المقيد إلا المطلق، اللهم إلا إن أراد أنه بمعنى أبهمت الأمر، أي: أغلقته فلم تظهره، واستبهم الأمر: إذا اشتبه، وعلى أنه ليس هذا موضع الإغلاق؛ لأنه لو كانت عنده كذلك ما فصل، فلم يبق إلا أنه وضع الإبهام موضع الإطلاق. والله أعلم. (جامع ما لا يجوز من النكاح) للشغار في اللغة معنى، وذلك أنه مأخوذ من شغر الكلب؛ إذا رفع رجله ليبول، وزعموا أنه لا يكون ذلك منه إلا في مفارقته حال الصغر إلى حال

(نكاح الأمة على الحرة)

يمكن منه فيها طلب الوثوب على الأنثى للنسل، وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال، يقال منه: شغر الكلب شغراً؛ إذا رفع رجله فبال أو لم يبل، ويقال: شغرت المرأة شغراً وأشغرتها، حكاه ابن دريد إذا رفعت رجلها للنكاح؛ فهذا معنى الشغار في اللغة، وأما معناه في الشريعة: فعلى ما فسره مالك، وأصح ما قيل في اشتقاق الشغار: أنه النكاح الخالي عن الصداق من قولهم: بلد شاغر: إذا كان خالياً. - و"المخفقة" [27]: الدرة. ولا يقال: خفق إلا في الضرب بالشيء العريض. والخفق: الحركة، والخفقة في النوم كالسنة. وأصله: ميل الرأس واضطرابه. (نكاح الأمة على الحرة) قال أكثر أهل العلم: "الطول" هنا: المال، ومعناه: وجود صداق حرة في ملكه. وأصله: المقدرة والبسطة والفضل، يقال: طال عليهم يطول طولاً: إذا فضل، ومنه قوله [تعالى]: {ذِي الطَّوْلِ} أي: ذي الغنى والفضل، يقال: لفلان على فلان طول؛ أي: فضل، ويقال: فلان طويل اليد والباع؛ إذا كان كريماً.

(ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين)

وتفسير مالك: {العَنَتَ} كذلك في تفسير الآية: هو الهلاك، وقيل: الفجور، وحكاه صاحب "العين" يريد الهلاك من الزنا، وأن يحمله الشبق على الفجور، ويرجع إلى الهلاك في الدين، وأصله: المشقة. [يقال]: عقبة عنوت، أي: شاقة المصعد. وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وتكليف المشقة، وقد عنت وأعنته، وتعنتته. (ما جاء في كراهية إصابة الأختين بملك اليمين) - قوله: "ما أحب أن أخبرهما" [33]. يريد: أطأهما، ومنه قيل: للحراث: الخبير؛ ومنه قيل: للمزارعة على الجزء: مخابرة. وقال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}. ويروى: "أختبرهما"، وهما كناية عن الوطء. والخبر والخبر: الأرض اللينة. وقيل: سميت من خيبر؛ لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على الجزء من ثمارها، فقيل: خابرهم، ثم تنازعوا فنهوا عنها، ثم جازت بعد،

(النهي [عن] أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه)

هذا قول ابن الأعرابي، وغيره يأباه، ويقول: إنها لفظة مستعملة. وجاء في مسلم: "نهي عن الخبر" كذا رويناه. ويروى أيضاً بضم الخاء وكسرها. قال عياض: وبالفتح هو في "العين". قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وإنما وقع في نسختي العتيقة منه بالكسر، والخبرة: النصيب، قال الشاعر: إذا ما جعلت الشاة للناس خبرة ... فشأنك إني ذاهب لشئوني (النهي [عن] أن يصيب الرجل أمة كانت لأبيه) وقع في الرواية: "رأيت جارية لي متكشفاً عنها" [37]. وكان الوجه أن يقول: "متكشفاً عنها ثوبها" أو نحوه. قال ابن السيد: وأظنه نقصاناً وقع في الخط من غير أن يكون ذلك في أصل الحديث، وإن كان الحديث وقع في أصله هكذا فينبغي أن تفتح الشين، فتكون بمنزلة قول القائل: انكشف الثوب عن زيد، ثم يحذف الثوب الفاعل، وتقول: انكشف عن زيد، وتقيم المصدر مقام الفاعل، كأنك قلت: انكشف الانكشاف،/ 62/أويجعل المجرور في موضع رفع، كما في قوله تعالى: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}.

(ما جاء في الإحصان)

(ما جاء في الإحصان) أصل "الإحصان" [39]. المنع: حيث وردت معانيه، فلذلك ما يأتي بمعنى العفة، والنكاح، والإسلام، والحرية؛ لأن لكل واحدة من هذه الخصال تمنع الإنسان من الفاحشة، وكلها في القرآن إلا الإحصان بمعنى الإسلام. يقال: أحصن فهو محصن، وأحصن فهو محصن، والمرأة محصنة؛ وهي التي قد أحصنها زوجها، ومحصنة وهي التي أحصنت نفسها، ويجوز محصن، وامرأة حصان الفرج: بينة الحصانة والحصن، وقد حصنت عن الريبة، وفرس حصان بين التحصن: إذا كان منجباً، والحصان: الفحل. (نكاح المتعة) - "متعة النساء" [41]. نكاحهن إلى أجل، و"متعة الحج" جمع الملبي بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سفر واحد، ومنه: "نهي عن المتعتين" وكلاهما بضم الميم؛ إلا أن أبا علي حكى عن الخليل: كسر ميم متعة الحج.

وثم متعة ثالثة: وهي ما يعطي المطلق زوجته المطلقة قبل الدخول، وبعد الفرض. والمتاع: كل ما انتفع به الإنسان، ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} أي: انتفعتم به من وطئهن؛ ولما كان المتاع يكثر ويقل قال [تعالى]: {وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80)}، أي: مدة؛ وقال: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً}. - و"الحمر الأنسية"- بفتح النون وفتح الهمزة- كذا ذكره البخاري، عن ابن أبي أويس، وكذا قيده الأصيلي، وابن السكن وأبو ذر،

(نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله)

وأكثر روايات الشيوخ فيه بكسر الهمزة، وسكون النون، وكلاهما صحيح؛ لأن الأنس- بفتح النون-: هم جماعة الناس، وكذلك الإنس. قال الخليل: والجانب الإنسي والأنسي، وهو الجانب الأيمن. قال ابن عرفة في قوله تعالى: {إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} أي: رأيت. قال: وسمي الإنس إنساً؛ لأنهم يؤنسون، أي: يرون، وقال غيره: آنست وأحسست ووجدت بمعنى واحد. (نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله) - قوله: "إن هذا وهب بن عمير جاءني" [44]. يجوز رفع وهب على خبر "إن" ونصبه على البدل من هذا، وعلى عطف البيان ويكون "جاءني" هو الخبر. - وقوله: "وإلا سيرتني شهرين". يعني يسير فيهما آمناً، وهو كقوله [تعالى]: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} أي: سيروا واذهبوا آمنين. - وقوله: "فشهد حنين" كذا الرواية غير مصروف، وذهب به إلى

الأرض والبقعة، ومن صرفه ذهب به إلى الموضع، وهو الأشهر، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ}، وقال العباس بن مرداس: شهدن مع النبي مسومات ... حنيناً وهي دامية الحوامي وأداة الحرب: ما يتقوى به عليها من آلتها، والجمع: أدوات. ورجل مود: كامل الأداة، وفلان مؤد، أي: ذو قوة على الأمر، وفي الحديث: "من قبل المشرق جيش آدى شيء" أي: أقوى شيء. - ووقع في رواية يحيى: "ثم رجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر"، ولا معنى لذكر الرجوع هنا. وروى غيره: "ثم خرج" وهو الصحيح. قال ابن السيد: وأظنه: "زحف" بالحاء غير معجمة، والفاء فصحف. ومعناه: نهض إلى القتال، يقال: زحف القوم بعضهم ببعض. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: كأن الزحف إنما يستعمل في ما قرب.

- وقوله: "ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم. ليس بمنزلة قوله: ما عاقبت زيداً حتى استحق العقاب؛ لأن هذا يوجب أن يكون إسلام صفوان سبباً موجباً للتفريق بينه وبين امرأته، كما كان استحقاق زيد العقاب سبباً موجباً لعقابه، لكنه بمنزلة قولك: لا تقمه من موضعه حتى يقوم على اختياره، معناه: اتركه حتى يقوم على اختياره، ولـ "حتى" معان تشكل، منها قول الشاعر: لا يسلمون الغداة جارهم ... حتى يزل الشراك عن قدمه فإن جعلته بمنزلة قول القائل: لا تبدأه حتى يبدأك. كان معناه: إذا زال الشراك عن قدمه أسلموه، ولم يرد الشاعر هذا، وإنما أراد أنهم لا يسلمونه حتى يبلغ الإسلام منه هذا المبلغ، ولكنهم يتداركونه قبل أن ينتهي إلى هذه الحال. فهذا معنى ثالث لـ "حتى" ولها معنى رابع- وهو أغرابها-، وهو استعمالها بمعنى/ 52/ب الحين، كقوله عليه السلام: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وإنما جاز وقوعها موقع الحين؛ لأنها تستعمل في الزمان، كقوله:

جلست حتى الظهر، أي: حتى هذا الحين، فلما كانت تستعمل في الحين الذي ينتهي إليه الفعل سدت مسده، فكأنه قال: لا يمل عند الغاية التي يقع عندها الملل منكم، ونظيره قول [الشنفري]: لا يمل الشر حتى تملوا ولها معنى خامس: تكون فيه بمعنى "كي" كقوله: صليت حتى يغفر الله لي. - و"الهجرة" [45]- بكسر الهاء-: هيئة الهجر، بمنزلة الجلسة والركبة، وسميت هجرة؛ لأن المهاجر كان يهجر قومه، وكذلك سميت مهاجرة ومراغمة؛ لأن المفاعلة إنما تكون من اثنين فصاعداً. وأما توجيهه صلى الله عليه وسلم بردائه إلى صفوان فإنه أمر كانت العرب تفعله في الجاهلية، كان أحدهم إذا أراد إجارة رجل، أو تأنيسه، أو أن يعلم أنه في كنفه ألقى عليه رداءه، أو ثوباً من ثيابه؛ ولذلك قال أبو خراش:

(ما جاء في الوليمة)

ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... خلا أنه قد سل عن ماجد محض فلما كان أمراً معروفاً عند العرب بعث إليه بردائه؛ ليؤمنه، ويطيب نفسه مما جرت به عادتهم. (ما جاء في الوليمة) - قوله: "زنة نواة من ذهب" [47]. هي خمسة دراهم قاله ابن وهب وأكثر أهل العلم. وقيل: اسم لما زنته خمسة درهم، فيقال له: نواة، كما يقال للعشرين والأربعين: أوقية. وقال كراع: النش نصف الشيء. وقيل: كانت قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم. وقال ابن حنبل: وزنها ثلاثة دراهم وثلث، وقد قيل: إن النواة المذكورة في هذا نواة التمر، أراد وزنها من الذهب. ومالك وأصحابه أعلم بهذا من غيرهم؛ لأن أهل كل بلد أعلم

بعرف بلدهم في التخاطب وفي التحاور. وقال بعض أصحاب مالك: وزن النواة بالمدينة: ربع دينار. قال: وذلك معروف عندهم، واحتج بما روي في هذا الحديث عن أنس: "أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة أنصارية وأصدقها زنة نواة من ذهب؛ ثلاثة دراهم وربع". - و"الصفرة" يحتمل أن تكون صفرة زعفران أو غيره، استعمل على وجه الصبغ للثياب، أو للجسد، وظاهره أن أثر الصفرة كان بجسده، وإنما يحتمل الثياب إذا استعمل اللفظ على سبيل المجاز والاتساع، كما يقال: أصاب فلان الطين والمطر، وإنما أصاب ذلك ثيابه. ويحتمل أن يكون صفرة طيب له لون قد تطيب به عبد الرحمن، وبقيت من لونه على جسده أو ثيابه بقية. - و"الوليمة" قال صاحب "العين": هي طعام العرس. وقد أولم؛ إذا أطعم. وقال غيره: طعام الوليمة: هو طعام العرس والإملاك خاصة، وأنشد ثعلب لبعض الأعراب:

(جامع النكاح)

كل الطعام تشتهي ربيعه الخرص والإعذار والنقيعه الخرص والخرصة: الطعام الذي يصنع للنفساء- بالسين والصاد-، والإعذار: الذي يصنع للختان، والنقيعة: الذي يصنع للقادم من سفر، والوكيرة: الذي يصنع عند بناء الدار، والمأدبة: كل ما دعي إليه من الطعام- بفتح الدال وضمها-. - و"الدباء" [51]: هو القرع- ساكن الراء- والجمع: دباءة. (جامع النكاح) - "الناصية" [52]. مقدم شعر الرأس. - و"ذروة الشيء" [53]. أعلاه، عز الذرى: أي بيض الأسنمة وأطولها ذرى، أي: أسنمها، وسنام البعير: حدبته. وجمل مسنم: عظيم السنام.

- وقوله: "فذكر أنها [قد] كانت أحدثت". فيه وجهان: أحدهما: أن يكون كناية عن قوله: زنت، كما يكنى عن اللفظ الهجين بما هو أحسن منه، مما يؤدي معناه، كقوله تعالى: {يَاكُلانِ الطَّعَامَ}، وذلك كثير. والوجه الآخر: أن يريد أحدثت حدثاً، فحذف المفعول، وهو راجع أيضاً إلى المعنى الأول؛ لأن الحدث كناية عن الزنا. - وقوله: "فضربه أو كاد أن يضربه". كذا وقع في بعض نسخ "الموطأ"، والنحويون لا يجيزون ذكر "أن" مع "كاد" إلا في ضرورة شعر، والصواب: "أو كاد يضربه" كما وقع/ 63/أفي روايتنا، وكذا وجد في كتاب أبي عمر. - وقوله: "فآثر الشابة عليها" [57]. أي: فضلها. ويقال: أثرة على مثال: غرفة، وإثرة على مثال: كسرة، وأثرة على مثال: سحرة. - ومعنى: "فناشدته الطلاق" أي: سألته وطلبت منه أن يطلقها. ومنه: ناشدتك الله، ونشدتك الله، أي: سألتك بالله.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق (ما جاء في البتة) - قال الشيخ العالم أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن سليمان- أيده الله بتوفيقه-: في روايتي: "وسبعة وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً" [1]. وصوابه: "وسبع وتسعون"؛ لأن عدة المذكر ما بين الثلاثة إلى العشرة بهاء، وعدد المؤنث بغير هاء. - و"البتة" [4]. في الطلاق مشتقة من قولهم: بت الحبل: إذا قطعه، وانبت ما بين القوم، أي: انقطع، وسكران ما يبت أمراً، أي: لا يفصله، ويقال: بت الحاكم على الرجل القضاء، وأبته: إذا فصله، والبتة مصدر لا يستعمل إلا بالألف واللام عند سيبويه وأصحابه، وزعم الفراء: أنه يستعمل

(ما جاء في الخلية والبرية)

معرفاً ومنكراً. واشتقاقه أنه بمعنى الانقطاع يقوي قول من يرى أن البتة تحرم المرأة كما يحرم الثلاث من جهة اللغة. - ويجوز: ثمان تطليقات"، و"ثماني" بالياء وغير الياء، وهما لغتان، وتقدم. - وقوله: "ومن لبس على نفسه لبساً" أي: خلط وأبهم، يقال: لبس يلبس- بتخفيف الباء وفتحها من الماضي، وكسرها من المستقبل-، والمصدر: لبس- بفتح اللام وتسكين الباء- فإذا أردت الاسم قلت: لبس- بفتح الباء- كما يقال: الهدم بتسكين الدال للمصدر، والهدم- بفتحها- للشيء المنهدم، وتقدم. ويقال من لباس الثوب: لبس يلبس على مثال: علم يعلم. والمصدر بضم اللام. - وقوله: "لا تلبسوا على أنفسكم، ونتحمله عنكم" كذا الرواية، وكان الوجه: "لا تلبسون" بالنون على معنى النفي؛ لأن قوله: "ونتحمله عنكم" يمنع أن يكون مجزوماً على النهي، وإنما هو بمنزلة قول القائل: لا يسعني شيء ويعجز عنك، أي: لا يسعني شيء، ويكون منه أن يعجز عنك، ولا تلبسون على أنفسكم، ويكون منا أن نتحمله عنكم. (ما جاء في الخلية والبرية) - قوله: "أسألك برب هذه البنية" [5]. هكذا رواه قوم "البنية" على ما

حكاه أبو الوليد. وهو اسم واقع على كل مبني، ولكنه خص البيت بالإشارة إليه، كما لو قال: ورب هذا البناء. ويروى: "رب هذه البنية" على مثال: فعيلة. قال ابن السكيت: البنية: الكعبة، يقال: ورب هذه البنية ما كان كذا وكذا. وما حكاه ابن السكيت ذكره صاحب "العين". - وقولهم: "حبلك على غاربك" هي استعارة للطلاق، كحل العقال للذهاب، أي: أنت مطلقة كالناقة إذا طرح رسنها على ظهرها أو ذروتها، وتركت تذهب فتفزع ولا ترعى، إذا لم تره في الأرض. و"الغارب": أعلى الظهر، وأعلى المرج. وقال ابن الأنباري: الغارب من البعير: أسفل السنام؛ وهو ما انحدر من العنق. و"الحبل"- هنا-: الحبل المعروف، ويقال له أيضاً: المحبل، ويحتمل أن يكون الحبل هنا: الاتصال، فيكون كناية عن عصمة الزوجية وملكه لها. وقال أبو العباس: كانت العرب في الجاهلية يطلقون نساءهم بهذا الكلام، ومعناه: أمرك بيدك فاصنعي ما شئت، فقد انقطع سببك من سببي.

(ما يجب فهي تطليقة واحدة من التمليك)

- وقولهم: "أنت خلية" أي: منفردة مني. ومنه الحديث: "ولست لك بمخلية"، أي: منفردة. يقال: أخل أمرك، وأخل به؛ أي: انفرد به. و"الخلية" ناقة خلت عن ولدها، وربت غيره. و"الخلية" السفينة دون ملاح. - و"أنت برية" أي: منفصلة عني، ومنه: برئت منه الذمة، ومنه البراءة في الطلاق، وبارأت المرأة، أي: صالحتها على الطلاق. ومنه أبرأت الرجل من الآمر./ 63/ب. (ما يجب فهي تطليقة واحدة من التمليك) حكى صاحب "الفصيح" في باب فعلت- بفتح العين- دمعت عيني تدمع. وقال صاحب "الأفعال": دمعت العين دمعاً، ودمعت- بفتح الميم وكسرها: جرى ماؤها. وكذلك دمعت الشجة: جرى دمها، باللغتين. وقال

الكسائي وأبو زيد: دمعت عينه- بالفتح- لا غير. وقال الأصمعي: دمعت عينه- بالكسر-. وقال الخليل: دمعت العين دمعاً ودمعاناً ودموعاً، وامرأة دمعة: سريعة البكاء. وكل فعل كان ماضيه بالفتح فالمضارع بالكسر والضم جميعاً، كعكف يعكف ويعكف؛ إذا لزم مكاناً، أو بأحدهما نحو ضرب يضرب، وقتل يقتل؛ فإذا كان في الفعل حرف من حروف الحلق جاز أن يجيء المضارع والماضي كلاهما بالفتح نحو ذهب يذهب، وسحر يسحر. وحروف الحلق ستة؛ الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين والخاء. وكل ما كان ماضيه بالضم فالمضارع بالضم أيضاً، كظرف يظرف، وشرف يشرف. وكل ما كان ماضيه بالكسر فالمضارع مفتوح، إلا أربعة أحرف، فجاءت في الماضي والمستقبل بالكسر: حسب يحسب، ونعم ينعم، وبئس يبئس، ويئس ييئس، فقس جميع الأفعال مع فعل الباب على ما مضى لك. ومن بديع لغة العرب قولهم: "بفيه الحجر": إذا صدر منه كلام ينكره السامع، فيخصون الدعاء بالموضع الذي جرى منه الخنى خاصة، فإذا لم يختص ذلك بعضو منه قالوا: "له الحجر" و"للعاهر الحجر"، ويحتمل بعد تقرير الشرع قوله صلى الله عليه وسلم: "وللعاهر الحجر" الحقيقة؛ إذ ذاك حكمه، والمجاز يريد: الخيبة، ويؤخذ حكمه من حيث تقرر.

(ما لا يبين من التمليك)

(ما لا يبين من التمليك) - قوله: "خطبت على عبد الرحمن" [14]. كذا الرواية، ومجازه في العربية على وجهين: أحدهما: أن يريد منه: خطبت على لسان عبد الرحمن، كما يقال: تكلم فلان على لسان فلان؛ فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. والآخر: أن يكون "على" بمعنى اللام، كما قال الراعي: رعته أشهرا وخلا عليها ... فطار الني فيها واستغارا - وقوله: "مثلي يفتات عليه" [15]. زعم ابن السكيت: أنه إنما يقال: إفتأت عليه- بالهمز، ولا يقال بغير همز، وليس قوله بصحيح، ولأنه لو كان مهموزاً كما زعم لم يمتنع من أن تخفف همزته، كما يخفف كل مهموز، فكيف وقولهم افتات بغير همز صحيح؟ على أن لا يكون له أصل في الهمز، ولكن يكون افتعل من فات الأمر يفوت. وفي "العين": أمر لا يفتات، أي: لا يفوت. وكان الوجه: أمثلي يصنع هذا به؟ أمثلي يفتات عليه؟ لأن الإنكار بغير الهمزة التي لفظها لفظ همزة الاستفهام، ولا يحذفونها إلا مع "أم" في المشهور من كلامهم؛ لأن "أم" تدل عليها، وربما حذفوها دون ذكر "أم" اتكالاً على فهم

المخاطب، قول الشاعر: أفرح أن أرزأ الكرام وأن ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا - وقوله: "قضيتيه". تقدم الكلام على أمثاله، وأن فيه لغتين: قضيته،

(الإيلاء)

وقضيتيه، على إشباع الكسرة، فتتولد الياء عنها، وعليه قول الشاعر: رميتيه فأصميت ... وما أخطأت الرمية (الإيلاء) - "الإيلاء": مصدر أليت أولى إيلاء، وألية. و"الألية": اليمين، وجمعها: الألايا، قال كثير- يمدح عمر بن عبد العزيز-: قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن ندرت منه الألية برت وقال الأعشى- يمدح نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم- وشرف وكرم: فآليت لا أرثي لها من كلالة ... ولا من وجاً حتى تلاقي محمداً نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد وأنجدا يقال: آلى فهو مول، والمفعول مولى عليه، وائتلى وتألى ويقال: ألية على مثال منية، والوة/ 64/أوإلوة وألوة- بفتح الهمزة وكسرها وضمها-، وإذا عدي عدي بـ "على"، كما يعدى القسم والحلف، وإذا عدي إلى المحلوف به عدي

بالباء، وكذلك القسم والحلف. فإن قيل: قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، فعداه بـ "من". قيل: هذا يحتمل أوجهاً: أحدها: أن يكون بمعنى "على" كما جاءت "على" بمعنى "من" في قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)} والوجه الثاني: أن يكون تقديره: للذين يؤلون لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر؛ فتكون "من" متعلقة بالاستقرار الذي دلت عليه اللام، لا بإيلاء. والوجه الثالث: أن يحمل على المعنى "في" لأنه إذا آلى أن يطأها، فقد انفصل منها، وتبرأ، فيكون بمنزلة قوله: إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها فعدى الرضى بـ "على"؛ لأنه بمعنى الإقبال، لأنه إذا رضي عنه أقبل عليه. - و"الفيء": الرجوع. ويقال: فاء يفيء. قال تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى

(ظهار الحر)

أَمْرِ اللَّهِ}. - ويقال: رجعة ورجعة، من فتح ذهب إلى المصدر، ومن كسر ذهب إلى الهيئة. - و"السجن"- بفتح السين- المصدر، والسجن- بكسر السين-: اسم البيت الذي يسجن فيه، والوجه هنا فتح السين، وكذا تقيد في روايتي، فإن كسرت لم يمتنع. (ظهار الحر) - يقال: ظاهر الرجل من امرأته، وتظاهر، وتظهر، بمعنى واحد. - ومعنى قولهم: "أنت علي كظهر أمي" [23]: أي: ركوبك للنكاح علي حرام كركوب أمي للنكاح، فأقام الظهر مقام الركوب، وخصه دون البطن؛ لأنه موضع الركوب في البهائم، والمرأة مركوبة إذا غشيت، فهي استعارة لطيفة. و"ما" من قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} مع الفعل الذي بعدها في تقدير المصدر، كأنه قال: ثم يعودون للقول، كما يقال: أعجبني ما فعلت؛ أي: أعجبني فعلك، فلما كان التقدير هكذا جعل داود ومن

تابعه من أهل الظاهر العودة إنما هي القول، وقد تابعه على هذا القول الفراء في بعض الروايات عنه. وهذا القول بعيد عن الصواب، ويدل على ذلك أن آية الظهار إنما نزلت في تظاهر أوس بن الصامت من امرأته خولة، ولم يرو أحد كما علمناه أن الظهار كان مرتين، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله هل ظاهر ثم عاد لقول الظهار مرة أخرى؟ ولا يصح في تأويل الآية إلا [على] ما قاله مالك والشافعي، ومن رأى رأيهما أن المراد العود إلى الوطء، أو الإمساك، والعزيمة على ذلك. فإن قيل: لا يصح هذا إلا على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، فيكون التقدير: ثم يعودون لوطء القول أو لإمساك القول، والقول لا يوصف بالوطء. فجوابنا: أنه لا خلاف بين البصريين من النحويين والكوفيين: أن العرب تقيم الصمدر مقام المفعول تارة، ومقام الفاعل تارة، فيقولون: درهم ضرب بلد كذا، وثوب نسج اليمن، ورجل رضى، والمعنى: منسوج ومضروب ومرضي. وكذلك يقولون: رجل عدل: أي: عادل، وصوم: أي: صائم، وهو كثير جداً، وإذا صح هذا كان القول في الآية واقعاً موقع المفعول، وكان التقدير: ثم يعودون لوطء المقول فيه الظهار، أو الإمساك المقول فيه الظهار.

وفيه وجه آخر: وهو: أن العرب قد تستعمل "ما" لمن يعقل، كقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، وقد حكي عن العرب: "سبحان ما سبح الرعد بحمده"، فيكون التقدير على هذا: ثم يعودون لمن قالوا فيه الظهار، أي: لوطئه أو إمساكه على ما تقدم من الحذف، فيصبح تأويل الآية على أساليب كلام العرب، وأيده حديث أوس فلم يرو فيه أحد من الرواة عودة إلى القول، فسقط ما قاله داود. واللام فيما قلناه متعلقة بـ {يَعُودُونَ}. وقال الأخفش: هي متعلقة بالتحرير، وفي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: فعليهم تحرير رقبة للفظهم بالظهار، ثم يعودون للوطء. وقال الزجاج: المعنى: ثم يعودون العودة التي من أجل القول، فلتلك العودة تلزم الكفارة، لا لكل عودة. وقال ثعلب:/ 64/ب المعنى: ثم يعودون لبعض ما قالوا، أي: ما عقدوه على أنفسهم من الحلف. وهذه الأقوال كلها مخالفة لقول داود والفراء؛ على أنه قد روي عن الفراء: أن اللام بمعنى "عن". والمعنى: ثم يرجعون عما قالوا، ويريدون الوطء، وهذا شبيه بما قاله غيره من أن المراد العودة إلى الوطء.

(ما جاء في الخيار)

(ما جاء في الخيار) - "الأدم" [25]. يكون واحداً، ويكون جمعاً؛ فمن جعله واحداً جمعه على آدام، كقولك: جمل وأجمال، هذا في الجمع القليل، فإن أراد الكثير قال: إدام، ومن جعل الأدم جمعاً فواحده إدام، وأصل الدال في هذا الوجه الضم، ثم يخفف، كما يقال في جمع حمار حمر وحمر. فأما قول النابغة: إني أيمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسو الجفنة الأدما فالوجه فيه: أن يكون جمع إدام، ويجوز أن يكون واحداً يراد به الجنس، وحرك الدال لإقامة الوزن، وغير منكر أن يكون ضم الدال لغة. واشتقاقه من قولهم: أدمت الشيئين؛ إذا خلطتهما. يقال: أدم الله بينهما، وآدم، أي: لأم وجمع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة، وقد قال له: إني خطبت امرأة: "لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما". وقال بعض الرجاز: والبيض لا يؤدمن إلا مؤدماً يعني بالبيض: النساء، أي: لا يحببن إلا محبباً. - وقوله: "أدم من أدم البيت". الوجه أن يكون الأدم الأول هو الذي يراد

(ما جاء في الخلع)

به الواحد، وجاز أن يوقع عليه التبعيض؛ لأنه جنس، والأجناس والأنواع تسمى بالأسماء المفردة، ويسمى كل جنس منها باسم الجنس أو النوع، كقولهم: لكل جزء من الماء ماء، ولكل جزء من العسل عسل، وتقدم. - وقوله: "تعتق" [26] التاء الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، ولك أن تضم الأولى، وتفتح الثانية. يقال: عتق العبد يعتق، والفرق بين المولاة والأمة في الكتاب "الكبير". - و"زبراء" [27]. ممدودة، كأنها تأنيث الأزبر، وهو العظيم الزبرة، والزبرة: ما أشرف من الكتفين ومن قصرها، فقد أخطأ. - وقوله: "فعتقت" التاء مفتوحة، ولا يجوز ضمها إذا أريد بها العتق من العبودية، وإذا أردت القدم والجودة فالتاء مضمومة. - وقوله: "لم أخيرك إلا واحدة" [30]. أي: في واحدة، فلما حذف حرف الجر نصب، كقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} أي: من قومه. (ما جاء في الخلع) - "الخلع"- بضم الخاء-: انخلاع المرأة من زوجها، وما سواه: خلع

- بفتح الخاء-، ومن العلماء من يجعل الخلع والصلح والفدية سواء، ومنهم من يفرق بينها فيجعل الخلع: أخذ جميع ما أعطاها، والصلح: أخذ البعض، والفدية: أخذ الأكثر أو الأقل، وحكي عن مالك: أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها، والمقتدية: هي التي افتدت ببعض مالها؛ والمبارئة: هي التي بارأت زوجها قبل أن يدخل بها، قال: وكله تطليقة بائنة. أبو عمر: وقد يدخل عند غيره من أهل العلم بعض هذه الألفاظ على بعض، فيقال: مختلعة، وإن دفعت بعض مالها. وهذا توجبه اللغة. - وأما: "لا أنا ولا ثابت بن قيس" [31] فكلام محذوف تقديره: لا أنا صاحبة ثابت بن قيس، ولا ثابت بن قيس صاحبي، فحذفت خبر المبتدأين، وعطفت جملة على جملة. وتستعمله العرب في التبري من الشيء، والانتفاء منه، لا أنا ولا زيد، يريدون، لا أنا صاحب زيد، ولا زيد صاحبي، وربما أظهروا الأخبار كما قال الله تعالى: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}. وقد يجوز أن تكون "لا" هذه هي التي تستعمل بمعنى "ليس"، ويرتفع ما بعدها بها، ويكون خبرها محذوفاً، وهذا على مذهب الكوفيين؛ لأنهم يجيزون في "لا" التي بمعنى "ليس" أن تعمل في النكرة والمعرفة، ولا يجيزه البصريون إلا في النكرة، كما قال

سعد بن مالك: /65/أ

(طلاق المختلعة)

من صد عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (طلاق المختلعة) - "القرء" [33]. في كلام العرب معناه: "الوقت"؛ فلذلك صلح للطهر والحيض معاً، ويدل عليه قول الشاعر:

إذا هبت لقارئها الرياح وقد حكى ابن السكيت وغيره من اللغويين: أن العرب تقول: أقرأت المرأة؛ إذا طهرت، وأقرأت: إذا حاضت، فلذلك وقع الخلاف فيه، فذهب فقهاء الحجاز إلى أنه الطهر، وذهب العراقيون إلى أنه الحيض. ولكل واحد من القولين شاهدان من الحديث واللغة؛ أما حجة الحجازيين من الأثر؛ فما روي عن عمر، وعثمان، وعائشة، وزيد بن ثابت: أنهم قالوا: الأقراء: الأطهار، وحجتهم من اللغة قول الأعشى: مورثة مالاً وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكاً وحجة العراقيين من الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: "اقعدي عن الصلاة أيام أقرائك" وحجتهم من اللغة قول الراجز: له قرء كقرء الحائض

(ما جاء في اللعان)

وقد احتج بعض الحجازيين لقولهم، بقوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}؛ لأن الحيض مؤنثة، ولا حجة فيه؛ لأنه لا ينكر أن يكون القرء لفظ مذكر يعني به المؤنث، ويكون تذكير ثلاثة حملاً على اللفظ دون المعنى، كما تقول العرب: جاءتني ثلاثة أشخص، وهم يعنون نساء، والعرب تحمل الكلام تارة على اللفظ، وتارة على المعنى، ألا ترى إلى قراءة القراء: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} بكسر الكاف وفتحها. (ما جاء في اللعان) اللعان: المباعدة، لعنه الله، أي: أبعده، واللعن: البعد. ورجل لعنة: يلعن الناس، ولعنة- بالإسكان-: يلعنه الناس. - وقوله: "أتقتله فيقتلونه؟ " [34]. كذا روي في الموضعين بإثبات النون، وكان الأجود: أن تحذف وينصب على جواب الاستفهام، غير أن العرب ربما رفعت الأجوبة وقطعتها مما قبلها، كما قال جميل:

ألم تسأل الربع القواء فينطق - وقوله: "حتى كبر على عاصم" كبر الأمر- بالضم-: أي: عظم، قال تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}. وأما كبر الصبي يكبر، وكبر يكبر، وكبر الشيخ: زادت سنه وعلت- بالكسر-، وكبر أيضاً لغة فيه، وتقدم. - وقوله: "وسط الناس". روا بعضهم بإسكان السين، وبعضهم بفتحها. قال ابن دريد: وسط الدار ووسطها سواء. وقال ثعلب: جلس وسط الدار والقوم، واحتجم وسط قفاه. وحكى ثعلب عن المفضل: أن الوسط- بالإسكان-: اسم لما يتبعض، كقولك: جلست وسط القوم؛ لأن الجمع لا يفترق، وجلست وسط- بفتح السين- هذا الذي حكاه صاعد، وعابه، وكذلك عاب قول ابن دريد، واختار قول البصريين أن الوسط بالتحريك: اسم للمكان، وبالإسكان: ظرف يقال: ضربت وسطه، ونزلت في وسط الدار، وزيد وسط القوم.

- وقوله: "قد نزل فيك وفي صاحبتك". هكذا الرواية، أراد: قد نزل فيك وفي صاحبتك حكم أو قرآن، فترك ذكر الفاعل اختصاراً؛ لما فهم المعنى، كما قال تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} يعني: الشمس، والعرب تقول: هبت جنوباً، وهبت شمالاً، فلا يذكرون الريح اختصاراً، وإنما يكون هذا فيما لا إشكال فيه، وإنما حسن الحذف في هذا الحديث؛ لأن عويمراً سأل كيف الحكم في الرجل إذا وجد مع امرأته رجلاً؟. فكان سؤاله عن الحكم بمنزلة تقدم ما يعود عليه الضمير، فكانه قال: قد نزل الحكم الذي قد سألت عنه. والضمير العائد وما يعود عليه قد يكونان في كلامين، كما يكون في كلام العرب واحد، كقول القائل: هل جاء زيد؟ فيقول له المجيب: نعم، وفعل كذا وكذا؟. - وقول عويمر: "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" معناه: إن أمسكتها فقد كذبت عليها/ 65/ب، فقدم ذكر الكذب، وكان حكمه التأخير، كما قال الشاعر:

(طلاق البكر)

شربت دماً إن لم أرعك بحرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر - وقوله: "فراقاً باتاً". يريد: قاطعاً للعصمة، يقال: بت الحبل؛ إذا قطعه قطعاً مستأصلاً. ومنه: البتة في الطلاق التي تنقطع به العصمة. وتقدم أنه يقال: "رجعة ورجعة". وإن من فتح أراد المرة الواحدة، من الرجوع، كالضربة والقتلة، ومن كسر الراء أراد هيئة الرجوع، وكلاهما مصدر غير أن أحدهما يدل على المقدار، والآخر على الهيئة والصفة. (طلاق البكر) - قوله: "قد [جاءتك] معضلة" [39]. أي: مسألة ضيقة المخرج،

(طلاق المريض)

والعضل: المنع، منع الرجل وليته من التزويج، ومنه [قوله تعالى] {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ}، وأصله: التضييق والمنع، يقال منه: عضل يعضل ويعضل، وعضل، والداء العضال، قال مالك: هو الهلاك في الدين، وأصله: التشديد، وقال صاحب "العين": الداء العضال: المعيي، وعضلت عليه: ضيقت، وعضل بهم الفضاء: ضاق بهم، وعضلت المرأة بولدها: عسر عليها الولادة، وأعضلت أيضاً فهي معضل، وكذلك الدجاجة ببيضتها، وأعضله الأمر: غلبه، وأراد بالبكر في قوله: "طلاق البكر": التي لم يدخل بها زوجها ثيباً كانت أو بكراً، ومستعمله في اللغة: أن البكر من النساء التي لم تمسس، وكذلك حكى صاحب "العين" لكن اعتبرها ههنا بالإضافة إلى مطلقها. وبكر كل شيء: أوله. (طلاق المريض) تقدم أن أصل البت: القطع، ومنه البتة في الطلاق، وبت القاضي الحكم.

(ما جاء في متعة الطلاق)

(ما جاء في متعة الطلاق) متعة الطلاق: ما يعطي المطلق زوجته المطلقة قبل الدخول، وبعد الفراق يمتعها به، وذلك راجع إلى المنفعة، وقيل ذلك في قوله تعالى: {مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33)}. وثم متعتان أخروان: إحداهما: متعة النساء: نكاحهن إلى أجل قد يستحب. والأخرى: متعة الحج: جمع الملبي بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سفر واحد، وهي باقية غير منسوخة، وكان عمر ينهى عنها؛ لفضل الإفراد عنده. ومنه: "نهى عن المتمتعين"، وكلاهما بضم الميم، إلا أن أبا علي حكى عن الخليل كسر متعة الحج. (ما جاء في الأقراء في عدة الطلاق وطلاق الحائض) تقدم طرف من الكلام على القرء، وأشبعنا القول فيه في الكتاب "الكبير". - وقوله: "انتقلت حفصة" [54]. أي: نقلتها، يعني حولتها من موضعها. وفي حديث أم زرع: "ولا سمين وينتقل" أي: ينقله الناس إلى بيوتهم فيأكلونه. يقال: نقل الشيء نقلاً: حوله من موضعه. ونقل الكلام: بلغه عن

(عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه)

قائله، ونقل الثوب: رقعه. ونقل المكان- بكسر القاف- نقلاً: كثر نقله؛ وهو صغار الحجارة. (عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه) - قوله: "من أدبار البيوت" [65]، أي: من ظهورها، ومنه قوله تعالى: {فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (15)} أي: الظهور. ومنه الحديث: "لا تدابرو" أي: [لا] تقاطعوا. ويقال: تدابر القوم: إذا أدبر كل واحد منهم عن صاحبه. (ما جاء في نفقة المطلقة) قوله: "تلك امرأة يغشاها أصحابي" [67]. أي: يزورونها ويأتونها، ومعنى الغشيان: الإلمام والورود. يقال: فلان يغشاه الأضياف، وغشيتهم الخيل، أي: أحاطت بهم، قال حسان بن ثابت يمدح بني جفنة،- وزعم قوم أنه أمدح بيت قالته العرب-: يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل - و"الصعلوك": الفقير. وكانت العرب تسمي الذين يعيشون من الإغارة من غير أن تكون لهم أموال يرجعون إليها صعاليك، ويقال: تصعلك الرجل./ 66/أ. وأما قوله: "المبتوتة" فكلام فيه مجاز. وإنما الوجه أن يقال:

المبتوتة طلاقها؛ لأن المعروف أن يقال: بت طلاق المرأة وأبته، ولا يقال: بت المرأة، إلا على معنى بت طلاق المرأة، فيحذف المضاف، ويقام المضاف إليه مقامه، فعلى هذا يقال للمرأة مبتوتة. - وأما قوله عليه السلام "فلا يضع عصاه عن عاتقه" ففيه تأويلان: أحدهما: أن يريد أه شديد على أهله كثير التأديب لهم، فجعله لكثرة تأديبه لهم كأن عصاه أبداً على عاتقه، وإن كان قد يضعها، فهو قدي نام ويصلي ويأكل ويشرب؛ مبالغة في المعنى لما كان يكثر ضرب النساء نسبه إلى ذلك على ما قالت الحكماء: من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه. ولم يرد بالعصا هنا التي يضرب بها، وإنما أراد الأدب باللسان واليد، وبما يحسن الأدب بمثله. وقد روي عنه عليه السلام: "لا ترفع عصام عن أهلك وأخفهم في الله" ومن هذا قالت العرب: في الوالي: فلان لين العصا، وفلان شديد العصا. قالمعن بن أوس- يصف راعي إبله-: عليها حفيظ فارع لين العصا ... يساجلها جماته وتساجله والعرب تسمي الطاعة والألفة والجماعة: العصا. تقول: "عصا الإسلام"،

و"عصا السلطان"، ومنه: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيف مهند ومنه قول: صلة بن أشيم: "إياك وقتيل العصا". يقول: إياك أن تقتل، أو تقتل قتيلاً إذا انشقت العصا، والعرب تسمي قرار الظاعن، وقرار الأمر واستواءه عصى فإذا استغنى المسافر عن الظعن قالوا: قد ألقى عصاه، قال الشاعر:

فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر وهو معنى التأويل الثاني من تأويل حديث الباب، إذ يحتمل أن يريد صلى الله عليه وسلم أنه كثير السفر؛ لأن المسافر يمسك العصا بيده، ويستعملها في سفره؛ ومن شأن المسافر، إذا أراد أن ينزل في الموضع رمى العصا من يده وقال زهير: فملا وردن الماء زرقاً جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم وهذا الوجه وإن كان معروفاً من فعل العرب، وقد فسرت الناس به حديث فاطمة، فليس له عندي مدخل في هذا الحديث، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم الوجه الأول من التأديب والشدة، ويدل عليه أن بعض رواة هذا الحديث روى أنه قال: "أما أبو جهم فأخاف عليك قساقسته". و"القسقاسة": العصا، وسميت قسقاسته؛ لأن الإنسان يقس بها الدابة؛ أي: يسوقها، وصحفه قاسم فقال: "قشقاشة" بالشين المعجمة.

(جامع عدة الطلاق)

- وأما معاوية فرجل أخلق" الأخلق: الذي لا مال له، اشتق من قولهم: رجل أخلق إذا كان أملس، لا شعر عليه، وصخرة خلقاء، وقول العرب: "فلان صلب العصا" و"ضعيف العصا". يستعملونه على معان مختلفة، فربما أرادوا: شدة الخلق وقوة البنية، وربما أرادوا به الصبر على مقارعة الخطوب وقلة الاكتراث من النوائب، وقد نبه الشاعر عليه بقوله: إذا قناة امرئ أزرى بها خور ... هز ابن سعد قناة صلبة العود (جامع عدة الطلاق) - قوله: "ثم رفعتها حيضتها" [70]. مجاز؛ لأنها إذا ارتفعت حيضتها فقد قصرتها عن الخروج عن عدتها، وعن ارتفاع مواقعها، فكأنها منعتها هي بنفسها، ورفعتها عما يباح لها بعد الخروج من العدة. - وقوله: "قبل أن تحل" [71]. يقال: حل يحل- بالكسر-: إذا خرج من أمر محظور عليه، وهو ضد حرم يحرم. (ما جاء في الحكمين) قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [72]. أي: خلاف بينهما، والشقاق: العداوة والخلاف، ومنه قوله تعالى: {فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)}.

(يمين الرجل بطلاق ما لم ينكح)

(يمين الرجل بطلاق ما لم ينكح) - قوله: "ثم أثم" [73]. أي: حنث فتحمل الإثم. يقال: آثمه الله يأثمه؛ إذا جازاه جزاء إثمه وأنشد: فهل/ 66/ب يأثمني الله في أن ذكرتها ... وعللت أصحابي بها ليلة النفر أي: هل يجازيني الله جزاء إثمي. - وقوله: "أنت الطلاق". أي: ذات طلاق. قال أبو علي الفارسي: ومن الاتساع والحذف، قولهم في صريح الطلاق: أنت واحدة، أي: أنت ذو تطليقة واحدة، فحذف المضاف والمضاف إليه، وأقيمت صفة المضاف إليه مقام الاسم، ونظيره قولهم: أنت الطلاق، وقولهم: هو ابن اللؤم، قيل معناه: أي: ذي اللؤم، والأظهر أنهم قصدوا المبالعة في الذم، وفي الفراق حتى أوقعوه موقع اللؤم، وأوقعوها موقع الطلاق. وطلاق المرأة بمعنيين: أحدهما: حل عقدة النكاح. والآخر: بمعنى الترك والإرسال، يقال: طلقت القوم: إذا تركتهم، وطلقت الإبل إلى الماء، وأطلقتها: أرسلتها. - وقوله: "فحنث" يقال: حنث في يمينه: إذا أثم. وقيل في قوله تعالى: {الْحِنثِ الْعَظِيمِ (46)}: اليمين الفاجرة.

(عدة المتوفى عنها زوجها)

(عدة المتوفى عنها زوجها) - قوله: "فقال ابن عباس: آخر الأجلين" [83]. تقديره: حلها آخر الأجلين، فحذف المبتدأ اختصاراً، كقوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ} أي: هذا بلاغ.- وقوله: "فحطت إلى الشاب" معناه: مالت إليه وانجذبت. قال عمرو بن الأهتم: ذريني وحطي في هواي فإنني ... على الحسب العالي الرفيع شفيق وتقدم معنى لم تحل، وأنه يقال: حل يحل؛ إذا خرج من أمر محظور عليه. ويقال للحاج إذا خرج من إحرامه: حل يحل وأحل يحل، ولا يقال: حل يحل- بضم الحاء في المستقبل-، إلا إذا كان بمعنى النزول. - وقوله: "وكان أهلها غيباً". وفي حديث آخر: "وإن نفرنا غيب" جمع غائب، وتقيد في كتابي "غيب"، وكذا طبطه الأصيلي، وضبطه غيره: "غيب" وهو القياس؛ لأن فاعلاً متى كان صفة لمذكر فإنه يجمع على فعال وفعل، نحو شاهد وشهاد وشهد، والمعتل العين يجري هذا المجرى، مثل: قائم وقوام وقوم، وصائم وصوام وصوم. قال سيبويه: وغائب وغياب وغيب، إلا أنه

يجوز في المعتل من هذا ثلاثة أوجه يوجبها التصريف، مثل: صوم وصيم وصيم، والأحسن فيه الألف؛ لاجتماع الأمثال، ولا يجمع فاعل الذي هو صفة للمذكر على فواعل إلا شاذاً لا يقاس عليه، وذلك قولهم: فارس وفوارس، وهالك وهوالك، وناكس ونواكس؛ وقد وجد غير ذلك في كلام العرب. قال عتيبة بن الحارث: أحامي عن ذمار بني أبيكم ... ومثلي في غوائبكم قليل وقال جزء بن سعد المخاطب لما بلغه ذلك: نعم. وفي شواهدنا. وإنما هو جمع شاهد وغائب من الناس. وقد ذكر أبو العباس المبرد أنه الأصل، وأنه في الشعر شائع جائز، وأنشد قول الفرزدق:

(مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل)

خضع الرقاب نواكس الأبصار ويكون غيباً على رواية من رواه في حديث الباب: اسم جمع، كالنفر والسمر، قال سيبويه في باب أسماء الجموع، ومثل ذلك: غائب وغيب، وخادم وخدم، فإنما الخدم هنا كالأدم. - ويقال: "نفست المرأة" على صيغة ما لم يسم فاعله. تنفس، فهذه اللغة المشهورة الفصيحة. وحكى ابن الأعرابي: أنه يقال: نفست- بفتح النون وكسر الفاء-، وليس ذلك بمعروف، إنما المشهور الأول، هذا قول ابن السيد، وتقدم لنا أول الكتاب أنه يقال- على ما حكاه الخطابي وصاحب "الغريبين"-: نفست المرأة، ونفست: حاضت، ونحوه حكى أبو عبيد. (مقام المتوفى عنها زوجها في بيتها حتى تحل) قال ابن السيد: "القدوم"- بفتح القاف والتشديد- موضع، ووقع في

بعض النسخ- بضم القاف-، وذلك خطأ، وكذلك من رواه بفتح القاف والتخفيف، ومثله الذي في حديث إبراهيم عليه السلام. وقال البكري: قدوم- بضم أوله، على وزن فعول- ثنية بالسراة. قال: والمحدثون يقولون: قدوم- بتشديد ثانية-. وفي حديث إبراهيم: "اختتن بالقدوم" ورواه أبو الزناد: "بالقدوم" مخففاً،/67/أوهو قول أكثر اللغويين، وقال محمد بن جعفر اللغوي: قدوم: موضع، معرفة لا تدخل عليه الألف واللام، هكذا ذكره بالتشديد، قال: ومن روى في حديث إبراهيم: "بالقدوم" مخففاً، فإنما يعني الذي ينجر به. وقال عياض: قوله: "حتى إذا كان بطرف القدوم" روي بفتح القاف وضمها، وتخفيف الدال وتشديدها، وبالفتح مع التشديد أكثر، قال: وقوله: "اختتن إبراهيم بالقدوم" بالتخفيف، وفتح القاف: هي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النجار المعروفة، والآلة مخففة لا خلاف في تخفيفها، وحكى الباجي التشديد، وقال: هو موضع، وقال ابن دريد: قدوم: ثنية بالسراة، وضبطه الأصيلي والقابسي في حديث قتيبة في "البخاري" بالتشديد. قال الأصيلي:

(ما جاء في الإحداد)

وكذا قرأها علينا أبو زيد المروزي، وأنكر يعقوب بن [أبي] شيبة فيه التشديد، وحكى البخاري- عن شعيب- فيه التخفيف. - وقولها: "فلما كان عثمان بن عفان" [87]. كلام فيه مجاز، وتقديره: فلما كنا زمن عثمان، فهو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. - و"قناة" [88]: اسم واد بناحية أحد؛ وهو علم غير مصروف، وفي الحديث: "فسال الوادي قناة شهراً" بالرفع وترك الصرف، وهو بدل من الوادي، وترويه الفقهاء بالنصب والتنوين، ويتوهمونه قناة من القنوات وهو غلط. - وقوله: "تنتوي حيث انتوى أهلها" [89]. أي: تذهب حيث ذهبوا، وتقيم حيث أقاموا، وهو تفتعل من النوى، وهو ما ينويه الإنسان من السفر. (ما جاء في الإحداد) - قولها: "فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره" [10]. يروى بالخفض على البدل من الطيب، وبالرفع على خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال: هو خلوق، والخلوق: ضرب من الطيب، ويقال: هو طيب يخلط بالزعفران. ويقال: هو الذي يستعمل في الأعراس، يقال: تخلق الرجل.

- ويقال: حدت المرأة على زوجها. [102]. تحد حداداً وأحدت تحد إحداداً، فهي حاد ومحد؛ إذا تركت الزينة ولبست السواد، ولم يعرف الأصمعي إلا أحدت [فهي محد]. - وقولها: "أفتكحلهما؟ " [103] بالتاء وتثنية الضمير، والهاء على هذا عائدة على العينين، أي: أفتكحل ابنتي عينيها؟. ويقال: "بعرة وبعرة" بتسكين العين وفتحها، وكذلك يقال في الجميع: بعر وبعر. ووقع في بعض الروايات: "أو طير"، والصواب: "أو طائر"؛ لأن الطير إنما يقال للجميع لا للواحد. - و"الحفش": البيت الصغير، كذلك قال الخليل. وأصل الحفش: الدرج شبه به البيت الصغير في صغره وضيقه. قال أبو عبيد:

الحفش: الدرج، وجمعه: أحفاش. وقال الشافعي: هو البيت [الذليل] القريب السمك. وقيل: الحفش: شبه القفة يصنع من خوص تجمع فيه المرأة غزلها وسقطها كالدرج. - وقوله: "فتفتض به". قال ابن قتيبة: هو من فضضت الشيء؛ إذا كسرته وفرقته؛ ومنه: فض خاتم الكتاب، ومنه قوله تعالى: {لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. فأرادت أنها تكون في عدة من زوجها، فتكسر ما كانت فيه، وتخرج منه بالدابة. قال: وبعضهم يرويه: "فتقتض"- بالقاف-، والصواب ما رواه مالك، كذلك رأيت الحجازيين جميعاً يروونه، وسألناهم عن ذلك الاقتضاض كيف هو؟ فذكر عن رجل منهم نحواً مما في "الموطأ" إلا أنه قال: ثم تقتض بطائر تمسح به قبلها وتنبذه، فلا يكاد يعيش، أي: يموت بقبح ريحها وقذارتها؛ لأنها كانت تقيم حولاً لا تغتسل، ولا تمس طيباً، فيكثر عليها

الوسخ، وتشتد رائحة العرق، فقلما تتمسح بشيء إلا مات. وقال قوم: "تفتض" بالفاء؛ من الفضض؛ وهو الماء العذب. يقال: افتضضت بالماء؛ إذا اغتسلت به. فمعنى "تفتض به": تغتسل وتستنقي، كما يغتسل بالماء. أبو الوليد: ويبعد هذا في شيء من الحيوان؛ لأنه لا يتأتى به هذا، وإنما يتأتى به ما وصفه مالك أو ابن وهب. وقال غيره: هو الاغتسال بالماء العذب؛ لأنه أشد في الإنقاء من غيره، بدليل قوله عليه السلام: "أرأيت لو كان بباب أحدكم نهر عذب" (ح). وقال الخليل: الفضض: ماء عذب. فالمعنى: أنها تتمسح به كالنشرة، ثم تغتسل بعد، وتستنقي وتتنظف بالماء العذب، /67/ب حتى تصير كالفضة. وقال ابن وهب: معناه: تمسح بيدها عليه، أو على ظهرها. ومن روى: "تقتض"- بالقاف- فمعناه نحو معنى "تفتض" بالفاء؛ لأنه يقال:

قضضت الشيء وفضضته بمعنى واحد. ورواه أبو سلمة الخزاعي عن مالك: "فتقتص" بصاد غير معجمة وقاف، ذكره الدارقطني، وذكر أيضاً أن الشافعي رواه كذلك عن مالك، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ"، وقال: معناه تجعل أصابعها على الطائر، كما قرئ: {فقبصت قبصة} قال النحاس: وخالفه أصحاب مالك أجمعون، فقالوا: "تفتض"، وهو على تفسير مالك كذا يجب أن يكون، وهو مشتق من افتض القوم: إذا تفرقوا، فمعنى تفتض: تزول؛ لأنها لا تزول إلا بهذا. ورواه قوم: "فتقبض به"، والقبض بالكف كلها، والقبص- بالصاد غير معجمة-: بأطراف الأصابع. - وقوله: "اكتحلي بكحل الجلاء" [105]. قال أبو علي البغدادي: الجلاء: كحل يكحل به البصر فيجلوه؛ إذا فتحت الجيم منه قصر، وإذا كسرت

مد، قال: وقيل: هو الإثمد، وقال أبو عمرو: كحل الجلاء: هو الصبر ههنا، وهو مما يجلو البصر فيقويه، أو يجلو الوجه فيحسنه. قال ابن السيد: وذكر صاحب "العين": إن الجلاء: الإثمد، وذلك غير صحيح، ولا هو المراد بهذا الحديث؛ لأن الإثمد تتزين به النساء، وإنما الجلاء: كحل يحك على حجر، ويؤخذ ما تحلل منه فيكتحل به، وفيه حدة وألم، ويدل على أنه يؤلم العين، وليس الإثمد قول الهذلي: وأكحلك بالصاب أو بالجلا ... ففقح بكحلك أو غمض ألا ترى أنه قد قرنه بالصاب؛ وهو الصبر. وقيل: هو شجر له لبن يحرق العين إذا أصابها منه شيء، فملا قرن به الجلاء دل على أنه مثله، ومعنى ففقح: افتح عينيك. وقوله: "حتى كادت عيناها ترمصان" [107]. الرواية بالصاد غير معجمة، وفتح الميم وضمها، كذا قيدناه، أي: يصير فيهما الرمص، وهو القذى الأبيض الذي تقذفه العين. وقال صاحب "الأفعال": رمصت العين- بكسر الميم- رمصاً: أوجعها القذى. ورواه قوم بالضاد معجمة، وكذا رواه الطباع عن مالك، كأنه ذهب إلى ما يصيب العين من الوجع والحرقة؛ وهو

مأخوذ من قولهم: رمضت قدماه: إذا احترقتا من المشي على الرمضاء؛ ويشبهه في معناه قول الشاعر: فكأن في العينين حب قرنفل ... أو سنبلاً كحلت به فانهلت ويقال: شيرق- بالقاف-، وشيرج- بالجيم-: وهو دهن السمسم، وهي لفظة عجمية معربة. و"العصب": برود تصنع باليمن. و"السدر": شجر النبق، فما نبت منه في البر فهو الضال، وما نبت على الأنهار فهو العبري، وما توسط بين ذلك سمي أشكلاً.

(كتاب الرضاعة)

(كتاب الرضاعة) يقال: الرضاعة والرضاعة، والرضاع والرضاع بالفتح والكسر، والفعل: رضع يرضع، على مثال: علم يعلم. في لغة قيس، وغيرهم تقول: رضع يرضع على مثال ضرب يضرب، فإذا أردت اللؤم قلت: رضع يرضع، على مثال: قبح يقبح قباحة، مثل لؤم يلؤم. وقال الأصمعي: إنما يقال: رضع في مقابلة لؤم، فإذا أفرد قيل: رضع ورضع كالماص من الثدي. - وقوله: "أراه فلاناً- لعم لحفصة من الرضاعة" [1]. ليس جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كلامه: "أراه فلاناً"، وقوله: "لعم لحفصة" تفسير لفلان، ومعناه يعني عماً لحفصة؛ وقد ذكرنا هذه اللام فيما مضى، وإنما

تستعمل بمعنى يريد ويعني، ويفسر بها المبهم. وكذلك قوله: "لو كان فلان حياً، لعمها من الرضاعة" إنما أراد يعني عمها من الرضاعة. - وقوله: "اللقاح واحد" [5]. هو مفتوح اللام مصدر لقحت الأنثى لقاحاً، ومن كسرها فقد أخطأ. إنما اللقاح بالكسر جمع لقحة، هذا قول ابن السيد، وتبع الحربي على إنكار الكسر. وقال عياض: اللقاح واحد بفتح اللام، ومنهم من يكسرها، قال الهروي: ويحتمل/ 68/أاللقاح في هذا الحديث بمعنى الإلقاح، يقال: ألقح الفحل الناقة إلقاحاً ولقاحاً، كما تقول: أعطى إعطاء وعطاء، فاستعير لبني آدم. - وقوله: "أرضعيه عشر رضعات" [7]. الضاد من "رضعات" مفتوحة؛ لأن "فعلة" إذا كانت اسماً أو مصدراً فعينها مفتوحة في الجمع المسلم، كضربات وحفنات وركعات، قال تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فإذا كانت صفة كانت ساكنة العين كقوله: امرأة ضخمة، ونساء ضخمات، وتقدم هذا بأوعب من هذا. ورواه بعض الفقهاء "رضاعات" جعلها جمع رضاعة، والمعروف الأول. - وقوله: "ثم مرضت" يروى: "مرضت" بإضافة المرض إلى سالم،

(ما جاء في الرضاعة بعد الكبر)

ويروى: "مرضت" بإضافة المرض إلى أم كلثوم وهو الأظهر؛ لأن مرض سالم لم يكن يمنعها من ذلك، فإن منعها في وقت من الأوقات، إلا أن يبعد مكانه ويتعذر تكراره عليها. - وقوله: "لا رضاعة إلا ما كان في المهد" [11] معناه: لا رضاعة محرمة، فحذف الصفة لما فهم المعنى، وعلم أنه يريد: ففي الرضاع المحرم خاصة، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع بعد فصال" و"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". وتقدم هذا المعنى بأوعب من هذا. وقوله: "والرضاعة قليلها وكثيرها إذا كان في الحولين يحرم" كان الوجه أن يقول: يحرمان، ولكنه أخبر عن أحدهما اختصاراً، وحذف خبر الآخر، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}، ولم يقل يرضوهما. ومن روى: "تحرم" بالتاء على التأنيث جعله خبراً عن الرضاعة، وكان على معنى التقديم والتأخير، كأنه قال: والرضاعة كلها تحرم قليلها وكثيرها، فأخبر عن المبدل منه، وترك البدل. (ما جاء في الرضاعة بعد الكبر) - قولها: "وأنا فضل" [12]. قال الخليل: رجل متفضل وفضل: إذا توشح بثوب مخالف بين طرفيه على عاتقه، قال: ويقال: امرأة فضل، وثوب

فضل. فمعناه: أنه كان يدخل عليها، وهي منكشف بعضها جالسة كيف أمكنها. وقال ابن وهب: "فضل" مكشوفة الرأس والصدر، وقيل: الفضل: التي عليها الثوب الواحد، ولا إزار تحته، وهذا أصح؛ لأن انكشاف الصدر لا يجوز أن يضاف إلى ذوي الدين عند ذي محرم ولا غيره؛ لأن الحرة عورة مجمع على ذلك منها إلا وجهها وكفيها. قال امرؤ القيس: تقول وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى الستر إلا لبسة المتفضل - ومصصت الشيء، وامتصصته مصاً: شربته شرباً رفيقاً. - و"الحبر": العالم، حيث وقع بفتح الحاء وكسرها. وأنكر أبو الهيثم الكسر. و"الحبر": الذي يكتب به، مكسور الأول. قيل: وبه سمي كعب الحبر، حكاه أبو عبيد، قال: لأنه كان صاحب كتب. وقال غيره: كعب

(جامع ما جاء في الرضاعة)

الأحبار: كعب العلماء، واحدهم حبر، وقال ابن قتيبة: وحبر العرب: ابن عباس. (جامع ما جاء في الرضاعة) - "الغيلة والغيلة" [16] المصدر، والغيلة: الهيئة. والغيلة: في القتل بالكسر فقط، ومعناها: أن ترضع المرأة وهي حامل، أو يطؤها الرجل وهي ترضع، قال ابن حبيب: عزل عنها أن لم يعزل. وقال غيره: إنما حقيقة الغيلة: الوطء مع الإنزال، إلا أن يريد ابن حبيب: أن الرجل إذا لم ينزل وأنزلت المرأة، أن ماءها يغير اللبن، يحتمل يغيل اللبن؛ أي: يكثره إذا كان له تأثير بالتكثير جاز أن يكون له تأثير بالتغيير. يقال: قد غال الرجل ولده إغالة وغيلاً. والاسم منه الغيلة، والولد مغال ومغيل، والمرأة المغيلة: التي ترضع ولدها وهي توطأ، وعلى هذا التفسير- أعني تفسير مالك- أكثر الناس. وقال الأخفش:

الغيلة والغيل سواء؛ وهي أن تلد المرأة فيغشاها زوجها، وهي ترضع، فتحمل من ذلك الوطء؛ لأنها إذا حملت فسد اللبن على الطفل المرضع، ويفسد به جسمه وقوته حتى كان ذلك في عقله، قال: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليدرك الفارس فيدغثره عن فرسه، أو قال:/ 68/ب عن سرجه". أي: يضعف فيسقط عن السرج، قال الشاعر: فوارس لم يغالوا في رضاع ... فتنبو في أكفهم السيوف وقال أبو عمر: وقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى ذكرت أن فارس والروم تفعل ذلك، فلا يضر أولادهم" يرد كل ما قاله الأخفش، وحكاه عن العرب، وذلك من تكاذيبهم وظنونهم، ولو كان ذلك حقاً لنهى عنه صلى الله عليه وسلم على جهة الإرشاد، فإنه كان حريصاً على نفع المسلمين رءوفاً. وقال بعض أهل اللغة: الغيل نفسه: الرضاع. وحكى ابن أبي زمنين: أن الغيلة هنا الضرر، يقال: خفت غائلة كذا؛ أي: خفت ضرره.

(كتاب البيوع)

(كتاب البيوع) (ما يكره من بيع العربان) - في "العربان" [1] خمس لغات: عربان كقربان، وعربون كعصفور، وبالهمز فيهما أربان وأربون، ويقال: عربون كزرجون. ويقال: عربت في السلعة وأعربت فيها: إذا دفعت العربان، وكان هذا يدل على أن النون زائدة. قال الأصمعي: هو أعجمي عربته العرب. - و"السلعة"- مكسورة السين- وجمعها: سلع، ككسرة وكسر، ومن قال: سلاع بالألف [فقد] أخطأ؛ وإنما يقال: سلعة- بفتح السين- للغدة التي

تكون في العنق، وجمعها سلاع وسلعات، كما يقال في جمع الجفنة: جفان وجفنات. ويقال: أسلع الرجل يسلع إسلاعاً: إذا كثرت عنده السلع وهو اسم يقع على كل ما تجربه. - وقوله: "وذلك فيما نرى والله أعلم" يجوز فيه ضم النون وفتحها، فمن جعله من أريت ضم، ومن جعله من رأيت فتح. - ووقع في روايتنا: "فما أعطيتك لك باطل" بالرفع، وفي بعضها: "باطلاً" بالنصب، وكلاهما جائز. فمن رفعه جعله خبر المبتدأ الذي هو "ما"، ومن نصبه جعله حالاً، وجعل "لك" هو الخبر، كما تقول: المال لك موهوب وموهوباً. - وقوله: "فلا يأخذن منه اثنين بواحد" يجوز تشديد النون من "يأخذن" وتخفيفها. -[وقوله]: "أذكر هو أو أنثى، أحسن أو قبيح" إلى آخره كذا الرواية. وكان الوجه أن يكون "أم" مذكورة في جميعها مع ألف الاستفهام. فيقال: أناقص أم تام، أحي أم ميت، وهذا موضع من العربية يغمض ويطول الكلام فيه، فندعه؛ لأنا لسنا بصدد كتاب نحو. وقوله: "أن يقيله" ربما فتحت العامة الياء، وهو خطأ. والصواب ضمها، وقد حكي: "قلته البيع" وهو شبيه بالغلط، وإنما المشهور "أقلته"،

وإنما يقال: ["قلت"]: إذا نمت في القائلة، هذا نقل ابن السيد. وقال أبو إسحق الزجاج: يقال: أقلت الرجل في البيع وقلته. وقال صاحب "الأفعال": قلته البيع وأقلته. هذا قول أبي زيد وأبي عبيد. - وقوله: "قبل أن يحل" يقال: حل الشيء يحل- بكسر الحاء-: إذا وجب ولزم، كما قال تعالى: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، ولا يقال: حل يحل إلا في النزول. - وقوله: "فصار أن رجعت إليه سلعته" الوجه: فتح الهمزة من "أن" ولا يجوز كسرها؛ لأنه لا وجه للشرط هنا، وإنما "أن" المفتوحة التي تجعل مع الفعل كالمصدر في نحو قولك: أعجبني أن تقوم، أي: أعجبني قيامك، وهي هنا في موضع نصب [على] خبر "صار" كأنه قال: فصار البيع رجوع سلعته إليه، أي: حصل من هذه الصفقة رجوع سلعته، وإعطاء صاحبه إياه ثلاثين ديناراً.

(ما جاء في الشرط في مال المملوك)

(ما جاء في الشرط في مال المملوك) - "العرض" [2]: ما عدا العين، قاله أبو زيد. وقال الأصمعي: ما كان من المال غير نقد. وقال أبو عبيد: ما عدا الحيوان، والعقار، والمكيل، والموزون. و"أفلس الرجل": قل ماله- بفتح الهمزة واللام- وأصله من الفلس، أي: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دنانير، فهو مفلس. وفي رواية السمرقندي: فلس، وليس بشيء، وكذا تقوله الفقهاء. ومن روى: "إلا أن يشترط المبتاع" بلا هاء الضمير، فهو حجة لمن قال: يشترط من ماله ما شاء. ومن روى: "يشترطه" بالهاء، فهو حجة لمن قال: لا يجوز أن يستثني نصفه، ولا جزءاً منه، على ما بين في "الكبير".

(العيب في الرقيق)

(ما جاء في العهدة) / 69/أ "عهدة الرقيق" [3]: المدة التي يكون فيها من ضمان بائعه. وقد تسمى وثيقة الشراء عهدة، ويحتمل أن تكون مشتقة من قولهم: في هذا الشيء عهدة: إذا كان فيه فساد لم يحكم، ولم يستوثق منه. ويحتمل أن تشتق من العهد، والمعهد؛ وهو الموثق، ومن تعهد الشيء وتعاهده؛ وهو تفقده والاحتفاظ به، ومنه قيل للذمي الذي أعطي الأمان واستوثق لنفسه: معاهد ومعاهد، فإذا أسلم ذهب عنه هذا الاسم؛ لأنه لحق بالمسلمين. وقال الخليل: العهدة: كتاب الشراء. (العيب في الرقيق) الرقيق: اسم يقع على العبيد المسترقين، واحدهم وجمعهم، مذكرهم ومؤنثهم، حسنهم وقبيحهم، يقال منه: رق الرجل رقاً فهو رقيق، كما يقال من العتق: عتق الرجل فهو عتيق، إذا لم يجر على الفعل، فإذا جرى على الفعل قيل: عاتق، وكذلك كان يجب في اسم الفاعل من رق إذا جرى على فعله: راق، ولكنه غير مستعمل، وإنما يقال: رقيق للواحد والجميع، وربما جمع

فقيل: أرقاء، ونظير الرقيق في كونه واحداً مرة، وجمعاً مرة، قولهم: الصديق والرفيق، قال تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69)}. - وقوله: "باعني عبداً" [4]. معناه: باع مني، ولكن العرب تترك ذكر "من" اختصاراً، وهو أكثر كلامها، ومثله قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً}، وقال جرير:

قالوا نبيعكه بيعاً فقلت لهم ... بيعوا الموالي واستحيوا من العرب - وقوله: "بخير النظرين" أي: هو عند اختياره لنفسه، ونظره لها بخير النظرين عنده في الأمرين الخير منهما. - وقوله: "فيؤاجره": الوجه فيه الهمز، وأكثر اللغويين ينكر ترك الهمز؛ لأنه يفاعل من الأجر. وحكى الأخفش: أن تخفيف الهمزة لغة لبعض العرب.

(ما جاء في ثمر المال يباع أصله)

- و"الغلة" بفتح الغين. يقال منه: أغلت الأرض فهي مغلة، قال الراجز: قد جاء سيل جاد من أمرله يحرد حرد الجنة المغلة أي: يقصد قصد الجنة، المغلة: ذات الغلة، وهو الشاهد، وإن كان يروى "الحية" بالحاء، فيكون المغلة ذات الغل. - وقوله: "تلك الرقيق". كذا الرواية بلفظ التأنيث، وهو محمول على معنى الجماعة، ولو حمل على معنى الجمع لقيل: "ذلك الرقيق" كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلئِكَةُ}، وقرئ: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ}. (ما جاء في ثمر المال يباع أصله) - يقال: أبر النخل. [9]. يأبره ويأبره أبراً وأباراً، وأبره تأبيراً؛ إذا ذكره ولقحه. والأبر: لقاح النخل. والتلقيح: أن يؤخذ طلع ذكر النخل فيعلق

(النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها)

بين طلع الإناث. أبو عمر: ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن التلقيح: هو أن يأخذ طلع ذكور النخل فيدخلها بين ظهراني طلع الإناث. ويقال: أبرتها فائتبرت وتأبرت. ويقال: ائتبرت غيري؛ إذا سألته أن يأبر لك نخلك. وأبرت الزرع: أصلحته، والآبر: العامل، والمؤتبر: رب الزرع، والمأبور: الزرع والنخل الذي قد لقح، ومنه الحديث: "خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة" أراد: خير المال نتاج أو زرع. وقال ابن حبيب: التأبير: أن ينشق الطلع عن الثمرة. (النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها) - "الخربز" [13]. نوع من البطيخ، ومنهم من يجعل كل بطيخ خربزاً وكلام مالك يقتضي أنه ليس البطيخ نفسه، ولو كان عنده نوعاً واحداً لم يعطف أحدهما على الآخر، ولاكتفى بذكر الواحد من ذكر الثاني. ويقال: طبيخ وبطيخ، وهو مكسور الأول لا يفتح.

- ويقال: "قثاء"- بالكسر- و"قثاء" بالضم. [وقرأ] يحيى بن يعمر {وَقِثَّائِهَا} بالضم. - ويقال: "جزر وجزر" بكسر الجيم وفتحها؛ وهو الإسفنارية، ويسمى أيضاً الاصطفلين، وهي لغة شامية. - وقوله: "حتى تزهي، وحتى تزهو" [11] جاء اللفظان في الحديث، أي: تصير زهواً، وهو ابتداء إرطابها وطيبها. يقال: زهت وأزهت. وأنكر بعضهم: زهت. وقال ابن الأعرابي: زهت [الثمرة: إذا] ظهرت،

(ما جاء في بيع العرية)

وأزهت: احمرت أو اصفرت، وهو الزهو والزهو/ 69/ب [معاً بالفتح والضم]. فإن قيل: قولهم: "وما تزهي؟ " وهي لفظة عربية، فكيف تخفى على من معه صلى الله عليه وسلم؟. فالجواب: أنه يحتمل معنيين: أحدهما: أن تكون لغة لبعض العرب دون بعض، فسأل عنها من ليست من لغته. الثاني: أن تكون لفظة مستعارة من حسنها في ذلك الوقت وجمال منظرها، كما قال عليه السلام يوم حنين: "الآن حمي الوطيس" وغير ذلك من الألفاظ المستعارة، فكأنه قال: حتى تحسن الثمرة، فاحتاج السائل أن يسأل عن جنس الحسن الذي يبيح بيعها، فأخبره: أن تناهي حسنها بحمرتها. (ما جاء في بيع العرية) واحد العرايا: عرية، فعيلة بمعنى مفعولة، من عراه يعروه: إذا

التمس معروفه. وتحتمل أن تكون من عري يعرى، كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت، أي حلت وخرجت، وهي فعيلة بمعنى فاعلة، ويقال هو عرو من هذا، أي: خلو منه. وقال الخليل: العرية من النخل التي تعرى عن المساومة عند بيع النخل، والفعل الإعراء وهو أن يجعل ثمرتها لمحتاج، وكانت العرب تمتدح بها، قال بعض شعراء الأنصار يصف نخلة:

وليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين المواحل والسنهاء من النخل التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل، والرجبية: التي تميل فتدعم من تحتها، وكلاهما عيب، وفيه زيادةث بتت في "الكبير". وقوله: "أرخص في بيع العرايا بخرصها" [14]. يحتمل أن يريد: أرخص في بيع ثمر العرايا، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وهو كثير في كلامهم. ويحتمل أن يسمى الثمر عرايا؛ لما بينها وبين النخل التي هي حقيقة العرايا من التعليق، فيكون من تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان مجاوراً له، ولو كانت صفة للمبيع لما صح هذا القول؛ لأن الهاء في قوله "بخرصها" يرجع إلى غير مذكور ولا معهود، كما لا يجوز أن تقول: منع من بيع المزابنة بخرصها، لما كانت المزابنة صفة للمبيع، ويجوز أن تقول: أرخص في بيع العجوة بخرصها، لما كانت العجوة صفة للمبيع ويقال: خرصت النخلة إذا حزرت ثمرها؛ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن، لا بإحاطة. وأصل

(الجائحة في بيع الثمار والزرع)

الخرص: الكذب، يقال: خرص وأخرص وتخرص: إذا كذب وافترى؛ ومنه قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)} يعني الكذابين الذين يقولون على الله خرصاً وظناً ما لا يعلمون، وكل من قال بالظن فهو خارص. (الجائحة في بيع الثمار والزرع) أصل "الجائحة" [16] المصيبة تصيبه، يقال: أصابته جائحة، أي: مصيبة اجتاحت ماله؛ أي: استأصلته، ومنه جائحة الثمار، ومنه الحديث "اجتاح أصله" أي: استأصله الهلاك، ومنه كذلك: فأهلكهم واجتاحهم، أي: استأصلهم، وثم مزيد في "الكبير". - وقوله: "تألى أن لا يفعل خيراً" أي: حلف والألية: اليمين. يقال: آليت وائتليت وتأليت [وألوة وألوة] وإلوة كلها لغات فيها، ولم يعرف الأصمعي كسر الهمزة في أوله. (ما يجوز من استثناء الثمر) - "الأفراق" [18]. بفتح أوله، وبالراء المهملة والقاف، على وزن أفعال، كذلك ذكر البكري، كأنه جمع فرق؛ وبفتح الهمزة عند سائر

(ما يكره من بيع الثمر)

شيوخنا وضبطه بعضهم "الإفراق" بالكسر: وهو اسم موضع من أموال المدينة فيه حوائط نخل. (ما يكره من بيع الثمر) لثمر النخل درجات وطبقات سبع، يكون طلعاً، ثم إغريضاً، ثم بلحاً، ثم زهواً، ثم بسراً، ثم رطباً، ثم تمراً. فأول ما يطلع يكون طلعاً، ثم يتفتح الجف عنه ويبيض فيكون إغريضاً، ثم يذهب عنه بياض الإغريض ويعظم حبه، وتعلوه خضرة، فيكون عند ذلك بلحاً، ثم تعلو تلك الخضرة حمرة فعند ذلك يكون زهواً، ثم تعلو تلك الحمرة صفرة فعند ذلك يكون بسراً، ثم تعلو تلك الصفرة دكنة وتلين وينضج فعند ذلك يكون رطباً، ثم يذبل لليبس ويتشنج فعند ذلك يكون تمراً. - و"الجمع": خلط التمر الذي يجمع فيه الطيب والرديء. - و"الجنيب": المتخير الذي قد نقي عنه،/ 70/أحشفه ورديئه. وحكى أبو الوليد الباجي، عن أبي الطاهر المصري: "الجنيب" الذي

ليس فيه خلط، و"الجمع" المختلط. وقال كراع في "المنظم": الجنيب من التمر: هو المتين. - و"البيضاء بالسلت" جاء في حديث سفيان "أنها الشعير" وقال الداودي: هو الأبيض من القمح، وقال الخطابي هو الرطب من السلت كرهه من باب الرطب باليابس من جنسه. ويدل على صحة قول الداودي قول مالك في "الموطأ": الحنطة كلها البيضاء والسمراء والشعير. فجعلها غير الشعير؛ وهي المحمولة، وهي حنطة الحجاز. قال أبو الوليد: "البيضاء" هي المحمولة، وهو نوع من الحنطة تكون

(ما جاء في المزابنة والمحاقلة)

بمصر، والسمراء: نوع آخر يكون بالشام، وهي أفضل جودة من المحمولة. - "الرطب" من التمر: ما تناهى طيبه بضم الراء، وفتح الطاء، والرطب- بضم الراء، وسكون الطاء- النبات الأخضر خاصة، والرطب- بفتح الراء، وسكون الطاء- ضد اليابس من كل شيء. - وقوله- في حديث سعد-: "أيتهما أفضل؟ " أراد أيتهما أكثر في الكيل أو الوزن، وتمامه في "الكبير". (ما جاء في المزابنة والمحاقلة) - "المزابنة والزبن" [23]. بيع معلوم بمجهول من جنسه، أو بيع مجهول بمجهول من جنسه، مأخوذ من الزبن؛ وهو الدفع لأن كل واحد منهما يدفع صاحبه عن الربح عليه، ويريده لنفسه. وقال بعض المتأخرين وعندي أن الزبن: هو الغبن، وبيع المزابنة: بيع المغابنة في الجنس الذي يجوز فيه الغبن والزيادة؛ لكون ذلك رباً وغرراً، وإن كان في غير الجنس؛ لأن طلب المغابنة، وبناء البيع عليه غرر، وقد نهي عن ذلك، وكذلك قال ابن حبيب:

الزبن والزبان: الحظر [المخاطرة]. - و"المحاقلة" [24]. كراء الأرض بالحنطة كما ذكر، وإكراؤها بجزء مما يخرج منها. وقيل: بيع الزرع قبل طيبه، أو بيعه في سنبله بالبر وهو من الحقل، وهو الفدان. ومنه: "تحقل على أربعاء لها"؛ أي تزرع [على جداول]، والمحاقل: المزارع. وقيل: الحقل: الزرع ما دام أخضر. وقيل: أصلها: أن يأخذ أحدهما حقلاً من الأرض بحقل له آخر؛ لأنها مفاعلة وهذا ضعيف. وقيل: المحاقلة: بيع الزرع بالحنطة كيلاً، كالمزابنة في الثمار. وبهذا فسر في حديث جابر في "صحيح مسلم". - و"الجزاف" [25]. بكسر الجيم: بيع الشيء بغير وزن ولا كيل؛ وهو المجازفة أيضاً. - و"المصبر": المضموم المحبوس. وأصل الصبر: الحبس، ويمين الصبر: هي التي تلزم، ويحبس عليها حالفها. وصبر البهائم: حبسها للرعي، وهي المصبورة، وكأنه من الصبر، أي كلف أن يصبر على هذا، ويلتزمه.

- و"الخبط" ورق السمر، واختبط: ضرب بالعصا ليسقط. - و"القضب" هو الفصفصة الرطبة وكل نبت اقتضب وأكل رطباً فهو قضب. - وتقدم "الكرسف": وهو القطن، والقز: رديء الحرير. - وقوله: "ظهارة قلنسوة" أي ما يعلو ويظهر منها، والقلنسوة معلومة إذا فتحت القاف ضممت السين كان بالواو، وإن ضممت القاف كسرت السين كان بالياء. ويقال: قلنساة، وهي مشتقة من قلنس الشيء؛ إذا غطاه، النون

(جامع بيع الثمر)

زائدة، قاله ابن دريد وقال ابن الأنباري: فيها سبع لغات، فزاد قليسنة، وقلينسة، وقليسوة، وقلساة، ثلاثة مصغرة، وهي التي بالياء، وما عداها مكبر. - و"الذرع" الكيل بالذراع، ويمكن أن يكون أصله السرعة، فكأنه يسرع في كيله؛ ومنه الأكل الذريع، والسير: إذا كان كثيراً. - و"الإمام يؤتم به". أراد هنا: ما يحتذى عليه. (جامع بيع الثمر) - قوله "بمنزلة راوية" [26]. إنما تستعمل في الماء؛ وهي القربة الكبيرة التي يروى [ما فيها]. وقال يعقوب الراوية: البعير [وقال] الثعالبي: الراوية، إذا كانت تحمل على الإبل. فلعل استعمالها هنا بدل الحميت. والمسأد وعاء

الزيت؟ لأنهم يحملونها على البعير لعظمها، وعليه يدل سياق كلامه. - وتقدم الفرق بين "الرطب" و"الرطب" و"الرطب". ويقال: جنيت/ 70/ب الثمر واستجنيته بمعنى، إلا أن استجنيته يراد به التكثير، وأكثر ما يقال استجنيته بمعنى سألته أن يجني الثمر، أو يبيح لي أن أجنيه. وكان الأصمعي لا يهمز "الكالي" ويحتج بقول الشاعر: وإذا تباشرك الهمو ... م فإنها كال وناجز وأما أبو عبيدة فكان يهمز، ويحتج بقول الراجز: وعينه كالكاليء الضمار والذي قاله أبو عبيدة الصحيح، والبيت الذي أنشده الأصمعي لا حجة فيه؛ لأنه جاء على لغة من يخفف الهمزة. ويدل على همزه قول العرب: تكلأت كلاءة إذا أخذت بالنسيئة وقولهم: كلأك الله؛ أي: حفظك، وكلأ الشيء: إذا بلغ غايته ومنه قول

الشاعر: فكيف التصابي بعد ما كلأ العمر - و"النظرة": التأخير- بفتح النون وكسر الظاء- وقد تقدم أنه يقال: "ضمن" الشيء يضمنه بكسر الميم في الماضي وفتحها في المستقبل. - و"العجوة" قالوا إنه التمر الأسود. - و"الكبيس": تمر فيه شدة وصلابة، وتقدمت إشارة إلى أصناف التمر. وجعل مالك: "العذق" نوعاً من التمر، والمشهور أن "العذق" بفتح العين النخلة نفسها، و"العذق" بكسر العين: العنقود منها، والذي أراد مالك هنا: نوع من التمر يقال له عذق بن الحبيق، وتقدم في الزكاة. وتقدم أن "الصبرة": الكدس من التمر والطعام ونحوها، وجمعها: صبر، وصبار، كما يقال: برمة وبرم وبرام. - وقوله: "إن كان أخذ ثلثي ديناره رطباً". كذا الرواية، وأصله أن يقال: بثلثي ثم يحذف حرف الجر اختصاراً، كما قالوا: أمرتك الخير، وأمرتك بالخير. وقد قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أراد: بما تؤمر به، وكذلك قوله: "وإن كان أخذ ثلاثة أرباع دينار رطباً".

- و"الرَّاحلة" الناقة التي يسافر عليها، سميت راحلة؛ لأنها ترحل بصاحبها وقيل: سميت راحلة، لأنها يرحل عليها، أو لأنها ترحل؛ أي يوضع عليها الرحل، والرحل للناقة كالسرج للفرس، وكان الوجه أن يقال لها: مرحولة، أو مرحول عليها، لكنه جاء على معنى النسب، كما قيل: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)}. - و"الكراء" ممدود وفعله كارى يكاري مكاراة وكراء؛ إذا كان من اثنين، فإن نسب الفعل إلى واحد قيل: أكرى يكري. - وقوله: "في راحلتك فلانة". كذا الرواية، والمعروف أن يقال في الكناية عمن يعقل: فلان وفلانة- بغير ألف ولام- وإذا كنى عن البهائم قيل: الفلان والفلانة بالألف واللام يقال: ركبت الفلان: إذا كنيت عن جمل، أو فرس، وحلبت الفلانة: إذا كنيت عن ناقة أو شاة، هذا قول الأصمعي وغيره. - ويقال: نقدته الثمن أنقده نقداً، على مثال: رزقته أرزقه رزقاً. - وقوله: "فإن حدث بها حدث" الدال مفتوحة، ولا يقال بضمها إلا إذا ذكر معه "قدم" فإنه يقال منه: اخذ منه ما قدم وما حدث للإتباع، كما يقال: أتى بالغدايا والعشايا، ولا يجمع "غدوة" على غدايا إلا إذا ذكرت مع العشايا.

(بيع الفاكهة)

- وقوله: "يكون ضامناً على صاحبه". الضامن هنا: الثابت وقيل: معناه مضمون، كما قيل ماء دافق: بمعنى مدفوق. (بيع الفاكهة) تقدم "الخربز" صنف [معروف] من البطيخ أملس مدور الأرؤس منقط، كأنه الأخضر من الحنظل، رقيق الجلد، وهو البطيخ السندي. - و"الجزر" الإسفنارية، أهل الحجاز يسمونه الجزر. - و"الأترج" بضم الهمزة وشد الجيم، ويقال أيضاً أترنج، وبالوجهين روي في "الموطأ" وحكى أبو زيد: ترنجة لغة ثالثة، والأول أفصح، وهي هذه المعروفة الطيبة الرائحة التي تؤكل. (بيع الذهب بالورق عيناً وتبراً) - قوله: "ولا تشفوا بعضها على بعض" [30] يقال: شففت/ 71/أالشيء: إذا فضلته عليه وشف الشيء على الشيء: إذا زاد عليه، ولهذا على هذا شفوف، أي: مزية وفضل. ويقال للربح والسلعة شف- بكسر الشين-؛ وقد شف في سلعته شفاً- بفتح الشين- إذا ربح. وقد يستعمل الشف أيضاً بمعنى النقصان،

فهو من الأضداد وقد جرت عادة العامة أن يقولوا: "آنية" للواحدة من الظروف، وهو خطأ، وإنما الآنية جمع واحدها: إناء، وأواون جمع الجمع، وفي حديث أبي ذر: "قلت يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: "والذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء في الليلة المضحية". - و"الناجز" الحاضر. -[وقوله: باع سقاية من ذهب]، وذكر ابن وهب "أن السقاية التي باعها معاوية بأكثر من وزنها كانت قلادة، فيها خرز وذهب وورق" وهذا غلط؛ لأن القلادة لا تسمى سقاية عند اللغويين، وإنما السقاية شيء من الفضة مستطيل يشبه المكوك، كان يصنع للملوك من الذهب والفضة ويشربون به الخمر، ويسمى الصواع، وبهذا فسر المفسرون السقاية المذكورة في القرآن، وإنما موضع الغلط في أن السقاية ترصع بالجوهر ونحوه من الأحجار، فلذلك توهموا أنها كانت قلادة. - وقول أبي الدرداء: "من يعذرني من معاوية"؟ يحتمل أمرين: أحدهما: من يأتي بعذر منه فيما قال أقبله، والآخر: من يقيم عذري فيما أرومه

من مقاطعته ومهاجرته، وعلى هذين المعنيين تقوله العرب، وكذلك قال علي- رضي الله عنه- للأشعث بن قيس، حين أتى يوم جمعة وهو يخطب، فوجد الموالي قد سبقوه إلى مقدمة الصفوف، فعظم ذلك عليه، وقال: يا أمير المؤمنين، غلبتنا هذه الحمراء على قربك، فغضب، وركض المنبر برجله، وقال: من يعذرني من هؤلاء الضياطرة، يتمرغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار، حتى إذا سمع النداء أقبل، ويهجر قوم للذكر، فيأمرونني أن أطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين. ويقال أيضاً فيه: من غذيري من فلان. - و"الرماء" [34]. هو الربا بعينه، غير أن الراء إذا فتحت منه، ومد قيل: بالميم والباء جميعاً، وإذا كسر أوله وقصر كان بالياء لا غير. وقال

(ما جاء في الصرف)

عياض في الرماء: منهم من يقصره، ويكسر أوله، ويفتح، ويقال: أرقى على الشيء، وأربى، وأردى: إذا زاد. - ومعنى "استنظرك" [35] سألك أن تنظره، أي تؤخره. - و"يلج" يدخل. يقال: ولج في الشيء يلج ولوجاً فهو والج. - وقوله: "ولا يباع كاليء بناجز" [36]. كذا الرواية بالرفع، على وجه الإخبار، لا على النهي، وفيه وإن كان إخباراً معنى النهي، كقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79)}، وكما في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، وإن كان لفظه لفظ الإخبار، و"الكاليء"- مهموز- المؤخر، وتقدم. (ما جاء في الصرف) - "الصرف" [38]. كلمة لم تأت بهذا البناء في كتاب الله تعالى، ولا جاءت على لسان رسوله [صلى الله عليه وسلم]، إلا أنها عربية فصيحة جاء لفظ الفعل منها في حديث طلحة، و"الصرف في لسان العرب: بيع النقدين بعضهما ببعض.

- وقوله: "اصطرف" هو افتعل من الصرف، وأصله اصترف، كرة اجتماع الصاد والتاء؛ لما بينهما من الاختلاف، فأبدلت طاء، لأنها موافقة للصاد في الاستيعلاء، وللتاء في المخرج. - وقوله: "حتى يأتيني خازني من الغابة". كلام حذف بعضه اختصاراً؛ لفهم المراد به، والتقدير: أنظرني حتى يأتي خازني. والعرب تحذف بعض/ 71/ب الكلام إذا كان في الباقي دليل عليه، كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ} والتقدير: فحلق ففدية؛ لأن الفدية إنما تجب بالحلق، وكذلك قوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أراد: وإن من أهل الكتاب أحداً إلا ليؤمنن به قبل موته. و"الغابة" من أموال عوالي المدينة، وهو المذكور في حديث السباق من الغابة إلى موضع كذا، ومن أثل الغابة، وقد صحفه بعضهم فقال: الغاية، وكذا غلط بعض الشارحين في تفسيره، فقال: الغابة: موضع الشجر التي ليست بمربوبة لاحتطاب الناس ومنافعهم، فغلط من وجهين؛ وإنما الغابة في اللغة: الشجر الملتف، والأجم من الشجر وشبهها.

- وقوله: "إلا ها وها". قال ابن السيد: هكذا الرواية بغير همز. قال الشيخ- وفقه الله-: وكذلك رويته، وقال عياض: "إلا هاء وهاء" هكذا رويناه؛ وهو قول أكثر أهل اللغة؛ ومن أهل الحديث من يرويه: "ها وها" مقصوراً، وأهل العربية أكثرهم ينكره، وحكى بعضهم القصر. قال: ومعنى الكلمة: هاك، أبدلت الكاف همزة، وألقيت حركتها عليها عند من مد، أو هاء عند من قصر، أي: خذ، كأن كل واحد منهما يقوله لصاحبه. وقيل: معناه هاك وهات، أي خذ وأعط. وقال الخليل: هي كلمة تستعمل عند المناولة، ويقال للمؤنث على هذا [هاء] بكسر الهمزة، كما يقال: هاك. وقال ابن السيد: أصله "هاء"- بالهمز- ثم خففت الهمزة فانقلبت ألفاً؛ لانفتاح ما قبلها؛ وهي لغة لبعض العرب يقولون: "هـء" بالهمز والتسكين على مثال "خف"، ويقولون للاثنين: "هاءا" على مثال "خافا"، وللجميع: "هاؤا" على مثال: "خافوا"، وللمرأة: "هائي" على مثال: "خافي"، وللمرأتين كالرجلين، وللجميع: "هاءوا" على مثال: "خافوا"، وللنساء: "هئن" على مثال: "طئن" كما يقال: "طؤا"، وللمرأة "هئي" على مثال "طئي"، وللنساء "هأن" على مثال

"طأن". ومنهم من يقول: "هاء"، فيفتح الهمزة ويمد على مثال: "هاك"، وللاثنين: "هاؤما" على مثال: "هاكما"، وللرجال: "هاؤموا" على مثال: "هاكموا"، وللمرأة: "هاء" بهمزة مكسورة على مثال "هاك"، و"هاؤما" للاثنين، وللنساء: "هاؤن" على مثال: "هاكن"، وهذا أفصح اللغات؛ لأنها اللغة التي نزل بها القرآن، قال تعالى: {هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)} فينبغي أن يقال على هذه اللغة: إلا هاء وهاء. وكذلك قال ابن ثابت في "غريبه" وزاد غيره: "هاء" بالكسر الذكر والأنثى سواء، إلا أنك تزيد للأنثى ياء، فتقول: "هائي"، على مثال: "هاتي" للمؤنث، كأنها صرفت تصريف فعل معتل اللام، مثل "راعى"، وزاد "هاك" ممدودة وبعد الهمزة كاف، ويكسر للمؤنث، وزاد أيضاً "هاء" مهموز مقصور ساكن الهمزة للذكر والأنثى، والواحد وغيره سواء. قال السيرافي كأنهم جعلوه صوتاً، مثل صه. - و"الزائف". الرديء من الدراهم، أو الناقص الصرف منها على أمثاله، ويقال له: زيف أيضاً، وجمع زائف: زيف، كقولك: شاهد وشهد،

(المراطلة)

وجمع زيف زيوف، كبيت وبيوت. (المراطلة) كل مستدير لا استطالة فيه. "كفة" [39] بكسر الكاف نحو كفة الميزان، وكفة الصائد، وهي حبالته؛ لأنه يديرها، وكل مستدير في استطالة "كفة" بضم الكاف- نحو كفة الثوب، وكفة الرمل. و"الذريعة": السبب الذي يتوصل به إلى الشيء. وأصل الذريعة: أن يرسل بعيراً يرعى مع الوحش، فإذا أنست به استتر الصائد وراءه، ورمى الوحش، وجمعها: ذرائع وذرع. قال الشاعر: وللمنية أسباب تقربها ... كما تقرب للوحشية الذرع - وقوله: "يعطيه الذهب العتق الجياد". يروى: "العتق" بضم العين والتاء مخففة؛ لأنه جمع عتيق، كما يقال: قضيب وقضب، ورغيف ورغف، ورواه قوم: "العتق، بكسر التاء وفتحها، جعلوه جمعاً، وذلك غير معروف./ 72/أو"الذهب" يذكر ويؤنث، ويكون واحداً اسماً للجنس، ويكون جمع ذهبة. وفي الحديث: "إن علياً وجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة من اليمن". وقال النابغة: والنظم في سلك يزين نحرها ... ذهب توقد كالشهاب الموقد

(العينة وما يشبهها)

يروى: "توقد- بفتح الدال، وتوقد بضمها؛ فمن فتح ذكر الذهب، ومن ضم أنث؛ لأنه أراد تتوقد، فحذف إحدى التاءين استثقالاً، لاجتماعهما. ويقال: "مثل" بكسر الميم وإسكان الثاء، ومثل بفتح الميم، وجمعهما معاً: أمثال. وقد ذكرنا "العجوة" و"الكبيس" قبل. و"الحشف" رديء التمر. تقول العرب في أمثالها: "أحشفاً وسوء كيلة" وأصله: أن رجلاً ابتاع من تمار تمراً فأعطاه حشفاً، وكان كيلاً ناقصاً، فقال: أتجمع علي التمر الرديء، والكيل الناقص، وصار مثلاً لمن يجمع خلتين مكروهتين. (العينة وما يشبهها) أصل "عينة" فعلة من العون. - و"الجار" [44] بالراء المهملة: هو ساحل المدينة، وهي قرية كبيرة القصور، كثيرة الأهل، على شاطئ البحر، فيما يوازي المدينة، مرفأ السفن من مصر وأرض الحبشة، ومن البحرين والصين، وسكان الجار تجار.

و"الجار" أيضاً: موضع آخر باليمن. و"الصكوك" الرقاع مكتوب فيها أعطيات الطعام وغيرها مما يعطيه الأمراء الناس. و"الأدم" تقدم، ويكون واحداً، ويكون جمعاً، فمن سكن الدال، فهو واحد، وجمعه: آدام، مثل قفل وأقفال، ومن ضم الدال جعله جمع إدام، كما يقال: حمار وحمر، ويجوز ايضاً إذا كان جمعاً أن تسكن داله تخفيفاً، واشتقاقه من قولهم: أدمت الشيء بالشيء؛ إذا خلطته يقال: أدم الله ما بينهما يأدم أدماً، وآدم يؤدم، أي: لاءم وحبب بعضهما إلى بعض. وفي الحديث: "أن المغيرة بن شعبة خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي: يوفق ويجمع. "والجبن" الذي يؤكل. قال ابن قتيبة: بضم الباء ولا تشدد النون، وإنما شددها بعض الرجاز، وذكره في باب ما جاء مسكناً والعامة تحركه، ولا مدخل له فيه وإنما كان ينبغي أن يذكره في باب: ما جاء مخففاً والعامة

تشدده. وقد حكى يونس في "نوادره" أنه يثقل ويخفف ويسكن ثانيه، والراجز الذي عناه ابن قتيبة هو القائل: أقمر ملوم عظيم الفك كأنه في العين دون شك جبنة من جبن بعلبك يصف فرج امرأة، وقال غيره: فإن الجبن على أنه ... ثقيل وخيم يشهي الطعاما ذكره سيبويه فيما جاء من الأبنية على فعل، وكذلك قيده ابن التياني في نسختي من كتاب "العين" بخطه. و"الشيرق" و"الشيرج" تقدم، وهو دهن السمسم، وتقدم "الصبر".

(السلفة في الطعام)

(السلفة في الطعام) السلف: اسم مشترك يقع على السلم، فيقال: أسلف في كذا وسلف، كما يقال: أسلم وسلم. ويقال: السلفة لما سلف، ولا يقال: السلمة، ويكون السلف أيضاً والإسلاف بمعنى الإقراض، وكلاهما راجع إلى معنى التقدم؛ لأنه قدم شيئاً. وسلف الرجل: متقدم آبائه، وأسلفت: قدمت، كما نقص السلم عائد إلى معنى التخلي عن الشيء والترك له. وقال أبو عمر: "إنما استعمل مالك هنا لفظة السلف دون السلم، لما روي عن عمر: إنه كره أن يقال: أسلمت في كذا، وقال: "إنما الإسلام لله رب العالمين" وليس في كراهيته هذا منع من أن يقال، وإنما هو استحسان لذلك، وفي استعمال مالك له دليل على أنه نظر إلى قول عمر؛ لأن الشيء إذا عبر عنه بعبارتين مختلفتين جاز للمتكلم استعمال أيتهما شاء؛ وقد استعمل مالك وأصحابه لفظة السلم في كلامهم في غير هذا الموضع. - ويقال: أنظرتك بالشيء والدين:/ 72/ب أخرتك، من النظرة، وأدخله صاحب "الأفعال" فيما جاء على أفعل. "والعجوة" التمر الأسود. وتقدم أن "الجمع": خلط التمر الذي يجتمع فيه الجيد والرديء.

(بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما)

(بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما) تقدم الأدم. ومعنى "يتحرى" [52]: يقصد. - وقوله: "من التمر الذي يباع صاعان من كبيس". ويروى: "صاعان" بالرفع على الابتداء، ويروى: "صاعين" بالنصب "صاعاً" وانتصابه على معنى الحال، كأنه قال: مسعراً هذا السعر. وتقدم ذكر "الكبيس" و"الحشف"، و"العجوة"، والصبرة". - و"الصاع": مكيال يسع أربعة أمداد. ويقال: صاع [وصوع] وصواع، ويجمع على أصوع وصيعان؛ وفيه خمسة أرطال وثلث، هذا قول أهل الحجاز؛ وهو الصحيح وجاء في كثير من الروايات: "آصع" والصواب: أصوع. (الحكرة والتربص) تقدم أن "الذهب" [56]. يذكر ويؤنث، ويكون واحداً اسماً للجنس، ويكون جمع ذهبة، فإذا كان جمعاً فيكون أذهاباً جمع الجمع. - وقوله: "على عمود كبده" كنى بالعمود عن الظهر، جعله كالخشبة التي ترفع البيت، فكأنه عمود البدن، يعني على تعب ومشقة ويروى: "على عمود بطنه" لأن الظهر يمسك البطن ويقويه، فهو كالعمود له، ويمكن على بعد

(ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه)

أن يريد: ظهر دابته؛ لأنه صاحبها. وذكر مال لفظة: "الحكرة والتربص" جميعاً؛ لأن حكمهما يختلف، أما الاحتكار: فهو ضم الطعام وجمعه؛ وأما التربص: فهو انتظار الغلاء به لاسيما والحكرة: جائزة، والتربص: حرام، فلما تغايرت الحكرة، والتربص لفظاً ومعنى وحكماً جعلهما مالك لفظتين. (ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه) - "البعير" [59]. يقع على الذكر من الإبل، وعلى الأنثى [عن الأصمعي] يقال: حلبت بعيري، قال الشاعر: لا تشربن لبن البعير وعندنا ... عرق الزجاجة واكف المعصار و"عصيفير" تصغير: عصفور، ويمكن أن يكون استعير له لخفته. - و"الربذة" [60]. بفتح أوله وثانيه، وبالذال المعجمة التي جعلها عمر حمى لإبل الصدقة، وكان بريداً في بريد، وبالربذة مات أبو ذر، كما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم. و"الراحلة": الجمل الذي يسافر عليه، سمي بذلك؛ لأنه يرحل بصاحبه، ويقع على الذكر والأنثى. و"الحمولة" [61] بفتح الحاء: الإبل

(ما لا يجوز من بيع الحيوان)

التي تطيق الحمل على ظهورها؛ والفرش: الصغار التي لا تطيق الحمل، قال تعالى: {وَمِنْ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً}. فأما "الحمولة" بضم الحاء فهي ما يحمل على ظهورها من الأمتعة، يقال: جاءت الحمولة على الحمولة. و"الحاشية" صغار الإبل وضعافها. و"النعم": الإبل خالصة كانت، أو مختلطة بالشاء والبقر، ولا يقال للشاء ولا للبقر إذا انفردت نعم. و"الرحلة" بضم الراء: الطاقة على السفر؛ وهي المذكورة في هذا الباب. وتكون الرحلة أيضاً: الوجه الذي يقصده، تقول: رحلتي موضع كذا، وحكى قوم: الرحلة كالرحلة، وأما الرحلة- بكسر الراء- فإنها الارتحال، ولا معنى لها في هذا الباب. (ما لا يجوز من بيع الحيوان) "الملاقيح" هي الأجنة التي تكون في بطون إناث الإبل، الواحدة: ملقوحة. و"المضامين" ما في أصلاب الفحول. و"حبل الحبلة" ولد ذلك

الجنين الذي في بطن الناقة؛ وهو نتاج النتاج، وهو قول أبي عبيد، وكان أهل الجاهلية يبيعون الجنين/ 73/أفي بطن الناقة، ويبيعون ما يضرب الفحل في عام وأعوام، ويبيعون ولد الجنين الذي في بطن الناقة، وجاء تفسيره في سياق الحديث، فإن لم يكن مرفوعاً فهو من قول ابن عمر، وحسبك بتأويل من روى الحديث، وعلم مخرجه. وقال أبو الوليد: الحبلة: هو الحمل، والحبلة: الجنين. وروي عن مالك: الملاقيح: ما في ظهور الجمال، والمضامين: ما

في بطون الإناث، وهو مقلوب. وقال أبو الوليد: قول مالك أظهر على أنه قد اختلف فيه، وتفسير ابن المسيب في "الموطأ" يدل على ما يدل عليه ترجمة الباب. ونحو ما في "الموطأ" يدل على ما قال أبو عبيد: المضامين: ما في البطون، وهي الأجنة، والملاقيح: ما في أصلاب الفحول وهو قول ابن المسيب هنا، واستشهد أبو عبيد بقول الشاعر: ملقوحة في بطن ناب حامل لأن البيت الذي استشهد به "ملقوحة" كان وجه ما استشهد به: مضمونة في بطن ناب حامل

(بيع الحيوان باللحم)

وذكر المزني، عن ابن شهاب شاهداً: بأن الملاقيح: ما في البطون لبعض الأعراب. منيتني ملاقحاً في أبطن تنتج ما تلقح بعد أزمن أي: الأمرين كان، فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك كله لا يجوز في بيوع الأعيان، ولا في بيوع أي الآجال. (بيع الحيوان باللحم) - أصل "الميسر" [65]. في كلام العرب، هو الذي ذكره الله في الجزور خاصة، ثم قاس العلماء عليه: أن الجاهلية كانوا يجزئون الجزور أجزاء،

ويضربون عليها بالقداح، وكانت القداح عشرة وروي عن ابن عمر وغيره: أن الميسر: هو القمار. وقال مالك: الميسر: ميسران؛ ميسر اللهو، وميسر

(ما جاء في [ثمن] الكلب)

القمار؛ فمن ميسر اللهو: النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه. وقال علي- رضي الله عنه-: الشطرنج: ميسر العجم، وكل ما قومر به؛ فهو ميسر عند مالك وابن المسيب وابن سيرين وغيرهم من العلماء. (ما جاء في [ثمن] الكلب) - "البغي" [68]: الزانية، والبغاء: الزنا، قال تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28)} [وقوله تعالى]: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}، وكان يجب أن يقال: بغية، بالهاء؛ لأن فعيلاً إذا وصف به المؤنث وهو في معنى فاعلة كان بالهاء، يقال: امرأة رحيمة وعليمة، وإنما تأتي بغير هاء [إذا كانت] بمعنى

مفعول. يقال: امرأة قتيل وجريح، فالوجه في بغي أن يجعل وزنه فعولاً، لا فعيلاً؛ لأن فعيلاً إذا كان بمعنى فاعل استعمل في المؤنث بغير هاء، كقولهم: امرأة صبور وشكور، وإذا كان بمعنى مفعول بالهاء، كقولهم: ناقة حمولة وركوبة، أي: محمول عليها ومركوبة، ولهذا حمل النحويون قوله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً (28)} على أنه فعول، لا فعيل قالوا: وأصله بغوي، قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكسر ما قبل الياء، وهذا أولى من حمله على الشذور، وعلى أن هذا الباب قد شذت منه أشياء أجريت مجرى الأسماء، كالنطيحة والذبيحة والفريسة، وكقول زهير: متى تبعثوها تبعثوها ذميمة - و"الزنا" يمد ويقصر، فمن قصر نسبه إلى كل واحد من الزانيين على

انفراده، وجعله مصدر زنا يزني زناً؛ ومن مده نسبه إليهما معاً، فجعله مصدر زانى يزاني مزاناة، وزناءً وقد ذكرناه فيما مضى. - و"الحلوان": يستعمل في كلام العرب على أربعة معان: أحدها: أجرة الكاهن على كهانته، وهو المراد في هذا الباب. والثاني: أن "الحلوان": الرشوة التي يرشى بها الإنسان كاهناً كان أو غير كاهن. والثالث: أن "الحلوان": العطية رشوة كانت أو غير رشوة. يقال: حلوت الرجل أحلوه حلواناً، وعلى هذا هو في أصل اللغة قال أوس بن حجر، يهجو الحكم بن مروان بن زنباع العبسي: كأني حلوت الشعر يوم مدحته ... صفا صخرة صماء يبس بلالها وقال آخر:

(السلف وبيع العروض بعضها ببعض)

فمن رجل أحلوه رحلي وناقتي ... يبلغ عني الشعر إذ مات قائله والرابع: أن "الحلوان":/ 73/ب ما يأخذه الرجل من مهر ابنته، قالت امرأة من العرب تمدح زوجها: لا يأخذ الحلوان من بناتيا واشتقاقها كلها من الحلاوة. و"الحلوان"- أيضاً-: الشيء الحلو. يقال: حلو وحلوان، ويقال: رشوة- بكسر الراء-، ورشوة بضمها، ورشوة بفتحها؛ وهي العطية بغير عوض. واشتقاقها من الرشاء؛ وهو الحبل الذي يستقى به الماء من البئر، أرادوا: أن الراشي يتوصل بها إلى ما يريد من المرتشي، كما يتوصل بالحبل إلى الماء. وفي بعض نسخ "الموطأ": "على أن يتكاهن"، وفي بعضها: "على أن يتكهن" وهما سواء. (السلف وبيع العروض بعضها ببعض) - "الشطوي" [69]: ضرب من ثياب الكتان تعمل بأرض يقال لها:

"شطا". - و"الكتان" مفتوح الكاف، وكسرها خطأ. - و"القصبية": ثياب كتان ناعمة رقاق، واحدها: قصبي، ويقال: قصبت الثوب تقصيباً: إذا طويته. - و"الإتريبي": ثياب تعمل بقرية من قرى مصر يقال لها: "إتريب". - و"القسي": ثياب مضلعة بالحرير تعمل بقرية يقال لها: "القس"، مما يلي خور الفرما، وقيل: بالصعيد من قرى مصر، وتقدم. والفقهاء يروونه بتخفيف القاف والسين، وبكسر القاف، وهو غلط، وقد بينه النميري الثقفي بقوله:

فأدنين لما قمن يحجبن دونها ... حجاباً من القسي والحبرات - و"الزيقة"- مكسورة الزاي، مفتوحة الياء: ثياب تعمل بالصعيد غلاظ رديئة، واحدها: زيق [وزيقة]، كديك وديكة، وفيل وفيلة. و"الزيق"- أيضاً-: طوق القميص. ويقال: تزيقت المرأة: إذا تزينت، وتزيقت: إذا لبست الزيق. - و"الشقائق": أزر صفيقة من رديء الثياب. و"الهروية": ثياب تعمل بهراة صفر، يقال: هريت الثوب، إذا صبغته بالصفرة، وكان سادة العرب يتعممون بالعمائم المهراة. - و"المروية": ثياب تصنع بمرو، يلبسها خاصة الناس. - و"القوهية": ثياب بيض، قال ذو الرمة: ... ... كأن رءوسها ... من الخز والقوهي بيض المقانع - وقال يعقوب: يقال: ثوب "فرقبي" و"ترقبي"، وفي كتاب

(السلفة في العروض)

"العين": قرقبي- بقافين- وقال: إنه ثوب من الكتان الأبيض. (السلفة في العروض) - اختلفت المالكية في "السبائب" [70]. فروي عن ابن وهب: أنها العمائم، وروي عن ابن بكير: أنها المقانع، وروي عن ابن وضاح- وعزاه أبو عمر لمالك-: أنها غلائل يمانية، وقال أبو عمر: وقيل: شقائق الكتان وغيره. وقيل: الملاحف. وقال أهل اللغة، منهم صاحب "العين": السب- بكسر السين-: الثوب الرقيق، والسب: العمامة. وسب المرأة: خمارها. ومن قال السبائب: شقق الكتان، فواحدتها سبيبة، قال الشاعر: أقول وما يدري أناس غدوا به ... إلى اللحد ماذا أدرجوا في السبائب - ويقال: "صنف" من المتاع، و"صنف"- بفتح الصاد وكسرها-. - ويقال: "محل" الأجل، و"محل" الأجل- بكسر الحاء وفتحها-، كما يقال: هو محل أجر، وقرأ القراء: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} {مَحَلَّهُ}، وتقدم

(بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن)

قوله: "فيما نرى"، و"نرى"، وأكثر ما في هذا الباب قد مضى تفسيره. (بيع النحاس والحديد وما أشبههما مما يوزن) - "الصفر" [71]: النحاس المصنوع الأصفر. - و"الشبه": نوع منه، يقال له: اللاطون، وفيه لغتان، يقال: شبه- بفتح الشين والباء؛ وشبه- بكسر الشين وسكون الباء. قال المرار الأسدي- يصف ناقة-: تدين لمزرور إلى جنب حلقة ... من الشبه سواها برفق طبيبها معنى تدين: تخطع وتذل، والمزرور: الزمام. /74/أ - و"الآنك": الأسرب، ويقال: الأسرف أيضاً، وهو القزدير، وقال الخليل: الآنك: الأسرب، والقطعة منه آنكة. - و"القضب"- بفتح القاف وسكون الضاد-: نبات تعلفه الخيل والإبل، يسمى الفصافص، واحدها: فصفصة- بكسر الفاءين-، وهي كلمة فارسية

(النهي عن بيعتين في بيعة)

عربتها العرب. وأصلها بالفارسية: اسفست. - و"الكرسف": القطن، وتقدم، قال طرفة: وجاءت بصراد كأن صقيعه ... خلال الديار والمبارك كرسف - و"العصفر": نوار معلوم، وصبغ معروف. - وأما "النوى" فنوى التمر، ترضخ بالمراضخ فتعلفه الإبل. - و"الخبط"- بفتح الخاء والباء- ورق الشجر يضرب بالعصا فيسقط، ويجمع ويدق، وتعلفه الإبل. و"الكتم": شجر يخضب به الشيب. قال أبو عمر: مع الحناء. و"الحصباء": الحصى الصغار. و"القصة": الجيار الذي تبيض به الحيطان والقبور. وجاء مالك- رحمه الله تعالى- بـ "فهو" في قوله: "فهو رباً" في الموضعين آخر الباب في غير موضع الربط. (النهي عن بيعتين في بيعة) - "البيع" من الأضداد، يقال: بعت الشيء: إذا اشتريته، وبعته: إذا

(بيع الغرر)

أخرجته من يدك. و"البعير" [73] تقدم أنه اسم يقع على الجمل والناقة، ومنزلته في الإبل منزلة الإنسان في بني آدم، ومنزلة الفرس في الخيل. وقد تقدم أن "السلعة" مكسورة السين، لا يجوز فتحها، وجمعها: سلع بمنزلة كسرة وكسر. - وكذلك تقدم تفسير "العجوة"، وجميع ما لم نذكره في هذا الباب. (بيع الغرر) - يقال: "عمد" [75] الرجل- بفتح الميم- يعمد في المستقبل- بكسر الميم: إذا قصد. ويقال: "أبق الغلام"- بفتح الباء- يأبق- بكسر الباء وضمها- في المستقبل. و"البان": شجرة لها ثمر يعصر، فيخرج من دهن، فيطيب بأشياء توضع فيه، فيصير باناً، وسمي هذا الدهن السليخة؛ لأنه انسلخ عن ثمرته؛ فلذلك كره، وكان بمنزلة زيت الزيتون، فإذا طيب ودخلته صنعة جاز؛ لأنه يحول عن حال السليخة، وفي بعض النسخ: "نفتن"- بضم النون-، والصحيح بالفتح. و"النشيش": صوت الغليان، وصوت الشيء على النار. قيل لبعض الطفيليين: ما أحسن الغناء؟ قال: نشيش المقلي. وفي بعض النسخ: "أجره بقدر ما عالج من ذلك" وفي بعضها: "أجرة ما عالج". - وقوله: "ويبت بيعها". يقال: بت البيع يبته بكسر الباء، وضمها في المستقبل، وأبته يبته؛ إذا أمضاه وفصل فيه.

(الملامسة والمنابذة)

(الملامسة والمنابذة) - "الساج" [76]، والساجة: الطيلسان الخشن. وفي ["العين"]: الطيلسان الضخم، وقد اختلف في ضبط اللام منه بالفتح والكسر والضم وهو أقل. و"الجراب": وعاء من جلد. و"الثوب القبطي"- بضم القاف-؛ وهي ثياب تعمل بمصر، ويجمع: قباطي، وأما قبط مصر؛ وهم عجمها- فبالكسر- وأصل هذه الثياب إليهم، فلما ألزمت الثياب هذا الاسم فرقوا بين النسبين فقالوا في الإنسان بالكسر، وفي الثوب بالضم. و"البرنامج" مفتوح الميم، وهو فارسي معرب؛ وهو نحو الفهرسة. وقال بعضهم: الفتح في الميم أكثر؛ وهو زمام تسمية متاع التجار، يكتبون فيه الأعدال والصفات والأثمان. (بيع المرابحة) - "البز" [77]: ضرب من الثياب. و"البز" و"البزة" في غير هذا:

(البيع على البرنامج)

السلاح. و"البزة" أيضاً: الشارة الحسنة. و"السمسار": الذي يبيع البز للناس، وجمعه: سماسرة. (البيع على البرنامج) - قوله: "البز أو الرقيق" [78]: هما منصوبان على البدل من السلعة. - ويقال: "ربحت" الرجل في السلعة- بتشديد الباء-، وأربحته أربحه إرباحاً، هذا أفصل اللغتين. وتقدم أن "البرنامج"/ 74/ب مفتوح الميم، نحو الفهرسة. - وقوله: "ويحضره السوام" جمع: سائم، وهو اسم فاعل من سامه بالسلعة يسومه، كما يقال: صائم وصوام، وقائم وقوام. - وقوله: "ملحفة بصرية" يجوز فيها كسر الباء وفتحها، والفتح أقيس. - و"الريطة": الملحفة، وقال غيره: الريطة والرائطة: كل ثوب يكون لفقين، وقيل: كل ثوب رقيق لين. وأكثر كلام العرب: ريطة، ولم يجز البصريون: رائطة، وأجازها الكوفيون، واختلف فيها، رواة "الموطأ". - و"السابرية": الرقيقة؛ وهي منسوبة إلى سابور على غير قياس، فيما زعم بعض اللغويين، ويستعمل أيضاً في درع الحديد إذا كانت لطيفة غير

(بيع الخيار)

خشنة. قال دريد بن الصمة: فقلت لهم ظنوا بألقي مدجج ... سراتهم بالسابري المسرد كذا رواه بعضهم، والأشهر "بالفارسي". قال ابن السكيت: السابري: من الثياب الرقيق الذي لا يستر العاري، ولا المكتسي. (بيع الخيار) - "المتبايعان" [79] و"البيعان" سواء؛ وهما البائع والمشتري، وإنما قيل لهما ذلك؛ لأن العرب تستعمل البيع بمعنى الشراء، كما يستعملون الشراء أيضاً بمعنى البيع، فكل واحد منهما يسمى باسم صاحبه؛ فمن البيع الذي يراد به الشراء قول النابغة: وقارفت وهي لم تجرب وباع لها ... من الفصافص بالنمي سفسير ومن الشراء الذي يراد به البيع قول ابن مفرغ الحميري:

(ما جاء في الربا في الدين)

وشريت برداً ولولا ما تكنفني ... من الحوادث ما فارقته أبداً وبرد: اسم غلام كان له فباعه من دين لزمه. - و"المواجبة" [80] مفاعلة، من وجب الشيء؛ إذا لزم، ومعناها: أن توجب الشيء على صاحبك، ويوجبه عليك. (ما جاء في الربا في الدين) - يقال: "نقدت" [81] الرجل أنقده- بفتح القاف في الماضي، وضمها في المستقبل-: إذا أعطيته النقد. - وقوله: "ولا توكله" [82] أي: لا تطعمه غيرك. - وقوله: "أتقضي أم تربي؟ " [83]. معناه: أتعطي ما عليك من الدين، أم تزيدني فيه، فأنظرك به؟ يقال: أربى الرجل يربي إرباء، فهو بضم الياء، قال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} واشتقاقه من ربت الدابة تربو: إذا انتفخ جوفها عند الجري. وكل شيء زاد على قدره الذي كان عليه فقد ربا. ومنه قيل للكدية: ربوة؛ لارتفاعها وزيادتها على ما حولها من الأرض.

(جامع الدين والحول)

- وقوله: "بعد محله" يجوز فيه فتح الحاء، وكسرها، وبهما قرأت القراء؛ وهذا إذا كان بمعنى الوجوب ففعله: حل يحل بكسر الحاء من المضارع، فإذا كان بمعنى النزول فهو: محل مفتوح لا غير، والفعل منه حل يحل- بضم الحاء في المضارع-. وأما قولهم: فلان محل أجر، فهو يرجع إلى معنى الوجوب، إذ معناه: أنه موضع يجب فيه الأجر. ودار نخلة: موضع سوق بالمدينة، وهي دار يكون فيها البزازون صفاً. (جامع الدين والحول) - "الحول"- مكسور الحاء-: الاستحالة بالدين، سمي حولاً لتحول صاحب الدين من رجل إلى آخر. والحول: التحول، يقال: حال عن الشيء حولاً، قال تعالى: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً (108)}. - وقوله: "مطل الغني ظلم" أصل الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه الذي يجب أن يكون به، ومنه قالوا: "من أشبه أباه

فما ظلم" أي: لم يضع الشبه غير موضعه، ثم يتنوع أنواعاً يرجع إلى هذا المعنى، فيقال: ظلمت الجزور؛ إذا نحرتها من غير علة، وظلمت الأرض؛ أي: حفرت/ 75/أفيها، ولم يكن موضع حفر، وبذلك فسر بيت النابغة: والنؤي كالحوض بالظلومة الجلد ويقال: المظلومة: الأرض التي أصاب المطر ما حولها ولم يصبها، ويقال: ظلمت الطريق؛ إذا عدلت عنه يميناً وشمالاً، ولم تلزم محجته، وظلمت السقاء؛ إذا سقيت من لبنه قبل أن يصير رائباً، ولبن مظلوم وظليم. ويسمى الشرك بالله ظلماً؛ لأنه وضع للربوبية غير موضعها، قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)}، وقال [تعالى]: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ

نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19)}، وقال [تعالى]: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، أي: بشرك. ويسمى النقصان ظلماً، كقوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً}. ومنه يقال ظلمه حقه، ويكون الظلم: الجحد، قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا [بها] آية من آيات الله تعالى، وكذا قوله [تعالى]: {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}، أي: يجحدون. - وقوله: "إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" أي: إذا أحيل فليستحل. يقال: أتبعت الرجل فلاناً: إذا جعلته أن يتبعه. ووقع في بعض النسخ: "فليتبع"- بفتح الباء وتسكين التاء-. وفي بعضها: "فليتبع"- بتشديد التاء وكسر الباء- وكلاهما جائز. - ومعنى "آويت" [85]: ضممت، وهو ممدود غير مقصور، وإن كان جاء القصر في المعدى أو غير المعدى، والمد في كل واحد منهما، لكن المد في المعدى أشهر، والقصر في اللازم أشهر، "ومن أوى إلى الله آواه الله". - وأصل: "الرحل": سرج الناقة والجمل. ثم يسمى الموضع الذي ينزل فيه ويحط رحله فيه: رحلاً، على مذهبهم في تسمية الشيء باسم الشيء

إذا كان منه بسبب. - وفي بعض النسخ: "إما لسوق يرجو نفاقه"، وفي بعضها: "نفاقها"، وكلاهما صحيح؛ لأن السوق يذكر ويؤنث، والأشهر التأنيث؛ ولذلك قالوا: سوق نافقة، وسوق كاسدة، وأنشد الفراء في التذكير: بسوق كثير ربحه وأعاصره وتقدم: "محل الأجل" و"الذريعة" و"العينة". - و"الدخلة" و"الدلسة" سواء، وكلاهما مضموم الأول، ساكن الثاني، وإذا لم يرد بالدخلة الدلسة وأريد به باطن الشيء لم يضم أولهما، ولكن يقولون: هو عالم بدخلة أمرك- مفتوحة الدال مكسورة الخاء-، ثم يسكنون الخاء، ويتركون الدال مفتوحة، ومنهم من يسكن الخاء، ويلقي كسرتها على الدال، ومنهم من يقول: بداخلة أمرك، وفيه لغات أخر تركناها إذ

(ما جاء في الشرك والتولية)

لم يكن كتابنا هذا كتاب لغة. (ما جاء في الشرك والتولية) - "الوضيعة" [86]: النقص والخسارة. يقال: وضع الرجل في البيع، على صيغة فعل ما لم يسم فاعله: إذا خدع. - وقوله: "فبت به" أي: انفصل به وجازه. يقال: بتت البيع عليه، وابتته: إذا أنفذته وفصلت فيه. ومعنى: "العهدة": ما يقع في ذلك من الكتاب والتنازع والرد بالعيب. - وقوله: "أشركني بنصف هذه السلعة". الباء- ههنا- بمعنى "في" كما يقال: زيد بالكوفة، وفي الكوفة. (ما جاء في إفلاس الغريم) - يقال: أفلس الرجل [87] إفلاساً، فإذا أردت أنه نسب إلى ذلك قلت: فلس تفليساً، كما يقال: سرق الرجل، إذا نسب إلى السرقة، وقرأ بعض القراء [قوله تعالى]: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ}، إلا أن قولهم: فلس الرجل

- بالتشديد- شاذ؛ لأن فعل المشدد لا يبنى إلا من الأفعال الثلاثية، كما يقال: ضرب وقتل، ومجازه: أنه جاء على حذف الزيادة، ونحو منه قولهم: لآل لبائع اللؤلؤ، ومن قال: الفلس،/ 75/ب وفلس الرجل في هذا المعنى فقد أخطأ. - و"الأسوة"- بكسر الهمزة، وضمها-: القدوة. ويقال: "بقعة من الأرض وبقعة"- بضم الباء وفتحها-. ويقال: "تباعة وتبعة [88] بكسر الباء. - وقوله: "يحاص بحقه" مشدودة الصاد، أي: يأخذ حصته. يقال: حاصصت الرجل محاصة وحصاصاً. - وقوله: "فيعطونه حقه كاملاً ويمسكون" ذلك ما ثبت في الروايات بالنون، وليس بمعطوف على قوله: "إلا أن يرغب"، ولو كان كذلك لحذف، ولكنه كلام مستأنف، كأنه قال: فهم يعطونه، ونظيره قول أبي النجم: يريد أن يعربه فيعجمه

(ما يجوز من السلف)

(ما يجوز من السلف) - "البكر" [89]: الفتي من الإبل. وقوله: "جملاً خياراً" أي: مختاراً. ويقال: ناقة خيار، وجمل خيار، والجمع: خيار أيضاً. - و"رباعياً"، وفي رواية: "رباع"، وهو الذي سقطت رباعيتاه من أسنانه، ورباعية للأنثى، ورباع للذكر، فإذا نصبته قلت: رباعياً، والرباعية من الأسنان: هي التي سنها بعد الثنية؛ وهي أربع محيطات بالثنايا؛ اثنان من فوق، واثنان من أسفل، وهو مخفف الياء، ولا يجوز تشديدها. - وقوله: "دراهم خيراً منها" [90]. قال ابن وضاح: أراد أكثر منها، حكى ذلك عن بعض أهل المدينة، وليس في لفظ الحديث ما يقتضي هذا، وإنما معناه أفضل، والفضل يكون بكثرة، وبغير كثرة. و"الوأي": الوعد. (ما لا يجوز من السلف) - قول عمر: "فأين الحمال"؟ [91]. يريد: منفعة الحمل وكفايته. ورواه بعض شيوخنا: "فأين الحمل". وصحت الروايتان، وفسر الأصل: يريد حملانه. وقد فسره بعضهم: بالحمل الذي هو الضمان، والحمال أيضاً: الدية. و"الوليدة": الأمة، وهي كناية عما ولد من الإماء في ملك الرجل.

(ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة)

(ما ينهى عنه من المساومة والمبايعة) - قوله: "لا تلقوا الركبان" [96]. نهى أن تتلقى السلع التي يهبط بها إلى الأسواق، فتشترى قبل بلوغها. - و"المناجشة": أن يدس الرجل إلى الرجل؛ ليعطيه عطاء لا يريد شراءها به؛ ليغتر به من أراد شراءها من الناس. وقيل: النجش: التنفير، وقيل: المدح لسلعته لينفر عن غيرها؟ والأول في البيع أشهر. وقال أهل اللغة: النجش: الاستثارة، ولذلك يقال للحراث: ناجش. - وقوله: "ولا يبيع بعضكم على بيع بعض". أي: لا يشتري بعضكم على شراء بعض. والعرب تقول: بعت الشيء في معنى اشتريته، واشتريت

الشيء في معنى بعته على ما تقدم، قال تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ} أي: باعوا أنفسهم، وقال [تعالى]: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ}؛ أي: باعوه. هذا في شريت بمعنى: بعت. وأما بعت بمعنى شريت فقول طرفة: ويأتيك بالأنباء من لم تبع له ... بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد أي: لم تشتر له زاداً؛ لأنه لا يصح أن يقع النهي في الحديث على البائع؛ لأنه لا يبيع أحد على بيع بائع، إنما يشتري مشتر على شراء مشتر، وقد تقدم نحوه. روى أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي زيد، قال أبو عبيد: وليس للحديث وجه غير هذا عندي؛ لأن البائع لا يكاد يدخل على البائع، قال الحطيئة:

وبعت لذبيان العلاء بمالكا وهو قول ابن حبيب. - وقوله: "ولا يبع حاضر لباد". المراد به أهل البوادي والبراري، أراد أن يصيب الناس بعضهم من بعض، والشراء للبادي كالبيع له. - وقوله:/76/أ "ولا تصروا الإبل والغنم" المصراة من الإبل والبقر والغنم: التي قد صر لبنها في ضرعها أياماً، أي: حبس حتى اجتمع فعظم بذلك ضرعها، فيحسب المشتري أن ذلك حالها في حلابها كل يوم، وأصل التصرية: حبس الماء وجمعه. والعرب تقول: صريت الماء وصريته، ومنه سميت المصراة كأنها مياه اجتمعت، وليس المصراة من الصرار، ولو كانت منه لكانت مصرورة. وقد سميت المصراة: المحفلة أيضاً؛ لأن اللبن أحفل في ضرعها، فصارت بذلك فيما ترى حافلاً وليست محافل، والحافل: العظيمة الضرع الكثيرة اللبن، ومنه يقال: احتفل القوم: إذا اجتمعوا وكثروا،

ومجلس حافل: إذا كثر أهله. وضبطه: لا تصروا، من صرى يصري: إذا جمع، وهو تفسير مالك والكافة من الفقهاء وأهل اللغة، وبعض الرواة يقولون: لا تصروا، وهو خطأ على هذا التفسير؛ لأنه يخرج على ما فسره بالربط والشد من صر يصر، ويقال منه: المصرورة، وهو تفسير الشافعي، فهذه الكلمة كأن ما يحبسه فيها ربط أخلافها. قال أبو عمر: من قال: لا تصروا فقد أخطأ، ولو كانت كذلك لكانت مصرورة، وبعضهم يقول: تصروا الإبل، وهو أيضاً لا يصح إلا على التفسير الآخر من الصر. وكان ابن عتاب

(جامع البيوع)

على ما حدثني به غير واحد عنه، يقول عن أبيه: اجعلوا أصلكم في هذا الحرف قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}. (جامع البيوع) - "الخلابة" [98]: الخداع. وفي حديث آخر: "إن كان خلبها" أي: خدعها. - و"الشارد" [100]: الهارب الذاهب على وجهه. ومنه سمي الطريد شريداً. - ويقال: "أجعلت له جعلاً؟ " وجعلت ثلاثي ورباعي، والاسم منه: الجعالة والجعال، وما يوجد من ذكر الجعل والجعالة والجعالات والجعائل في الجهاد جمع: جعيلة، وهو ما يجعله القاعد للخارج عنه من أهل ديوانه.

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية (الترغيب في القضاء بالحق) الترغيب: مصدر ولابد له من فاعل ومفعول؛ لكونه من الأفعال المتعدية، والفاعل والمفعول هما مضمران، فيكون تقديره: الترغيب للقضاء، والمفعول كذلك أيضاً تقديره: للناس، فيكون مجموع تقديرهما: الترغيب للقضاة في القضاء بالحق للناس. - وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر" [1]. مجازه: أنه قاله على جهة التواضع، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}. والعرب تستعمل إنما في تقليل الشيء وتحقيره، إما على وجه التواضع، وإما على جهة الذم، فالتواضع نحو ما ذكرنا، ونظيره قول المغيرة بن حبناء:

وإنما أنا إنسان أعيش كما ... عاشت رجال وعاشت قبلها أمم وأما الذم نحو رجل تسمعه يمدح نفسه، بأنه يهب الهبات، ويعطي العطيات، فتقول له: إنما وهبت درهماً، تحقر ما فعل، ولا تعتده شيئاً. ويستعمل أيضاً في رد الشيء إلى حقيقته إذا وصف بصفات لا يليق به، كقول القائل: زيد كريم وشجاع وعالم، فيقول: إنما هو كريم، أي: هذه صفته الصحيحة المعلومة، ومنه قوله [تعالى]: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، وعبر عنها الأصوليون بالحصر، وذكر الكوفيون، أنها تكون بمعنى النفي، واحتجوا بقول الفرزدق: أنا الضامن الراعي عليهم وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي - وقوله: "ألحن بحجته" أي: أفطن وأحذق، واللحن- بفتح الحاء-:

الفطنة والحذق، وربما أسكنوا الحاء، وفعلها لحن يلحن، فهو لحن، على مثال: حذر يحذر فهو حذر، والمشهور/ 76/ب في الخطأ: لحن- بتسكين الحاء-، وربما فتحوها، والفعل منها لحن- بفتح الحاء- فهو لاحن. ويقال: فلان ألحن من فلان، فيحتمل ذلك تأويلين: أحدهما: أن يراد: أنه أفطن، ويحتمل أن يراد: أنه أكثر خطأ منه. ويروى أن معاوية سأل الناس، فقال: كيف ابن زياد فيكم؟ فقالوا: ظريف، على أنه يلحن، فقال معاوية: ذلك أظرف له. ذهبوا إلى اللحن الذي هو الخطأ، وذهب هو إلى اللحن الذي هو الفطنة. واللحن أيضاً: اللغة، ذكره الأصمعي وأبو زيد، ومنه قول عمر: "تعلموا الفرائض والسنة واللحن، كما تعلموا القرآن" فاللحن: اللغة. - وقوله: "فلعل بعضكم أن يكون" هكذا الرواية، والوجه إسقاط "أن"؛ لأن "لعل" لا يدخل في خبرها "أن" إلا في الشعر على وجه التشبيه لها بـ "عسى" وتقدم، و"لعل" في هذا الحديث بمعنى التوقع لأمر يخشى أن يقع،

وليست للرجاء والطمع؛ لأنه لا مدخل لذلك هنا، وإنما هي بمنزلة الرجل يقول: رأيت من الأمير جفوة، فتقول له: لعله قد اتصل به عنك أمر كرهه. - وقوله- في غير "الموطأ"-: "فليأخذها أو ليدعها" لفظ خرج مخرج الأمر، ومعناه: الوعيد والتهديد، كما يقول القائل للرجل إذا هدده: افعل هذا وستعلم، ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} فهذا وعيد وليس بإباحة. - وقوله: "فإنما أقطع له قطعة من النار" لما كان يؤديه إلى النار صار كأنه نار، وكما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً}، وكما قال عليه السلام: "الذي يشرب في إناء فضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم"، وقد يوصف الشيء بما يؤول إليه، ويكون سبباً له، ولذلك يوصف الشجاع بالموت، قال الشاعر:

(في الشهادات)

وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا ... قولاً يبرئكم إني أنا الموت (في الشهادات) - وقوله: "ما له رأس ولا ذنب" [4]. قال الشيخ- وفقه الله-: أظنهم أرادوا به أن الطرفين هي حدود الأشياء، وما ليس له طرفان فهو مشكل معضل، فلذلك ضربوا به المثل في هذا الموضع، وفي الكتاب "الكبير" تمام هذا المعنى. - وقوله: "لا تجوز شهادة خصم". الخصم هذا يحتمل أن يكون المخاصم، ويحتمل أن يكون الوكيل، وتمامه أيضاً في "الكبير". - وقوله: "ولا ظنين" أي: متهم في دينه. ومنه الحديث الآخر: "ولا ظنين في ولاء" وهو الذي ينتمي إلى غير مواليه، فلا تقبل شهادته، وكان نقش خاتم بعضهم: طينة خير من ظنة. يقول: لأن تختم خير من أن تتهم. (القضاء في شهادة المحدود) - قوله: "الذي يجلد الحد ثم تاب وأصلح" كذا الرواية، وكان الوجه: ثم يتوب ويصلح. وقد ذكر فيما تقدم أن العرب ربما عطفت الماضي على المستقبل، والمستقبل على الماضي، وعلى هذا تأول النحويون قول العرب: سرت حتى أدخلها- بالرفع- أن معناه: سرت فدخلت، وقوله تعالى:

(القضاء باليمين مع الشاهد)

{وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} فيمن رفع، أن معناه: فقال الرسول، وكذلك قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في بعض الأقوال. وقد تعطف العرب الفعل الماضي على اسم الفاعل، وهو أشد من هذا في نحو قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}، وعطفوا اسم الفاعل على الفعل المضارع، وعطفوا الفعل على المصدر في نحو قول امرئ القيس: فدمعها سكب وسح وديمة ... ورش وتوكاف وتنهملان/ 77/أ وكذلك قوله: "وهو أحب ما سمعت [إلي في ذلك] ". وإنما كان الوجه أن يقول: "وهو أحب ما سمعت في ذلك إلي" لئلا يحول بين الصلة والموصول مما ليس من الصلة، لكنه كلام فيه تسامح. (القضاء باليمين مع الشاهد) - يقال: نكل عن الأمر ينكل- بفتح الكاف من الماضي، وضمها من المستقبل-، هذا هو المشهور والفصيح، وحكى قوم: أنه يقال: نكل- بكسر

الكاف-، وفي المضارع ينكل- بفتح الكاف-، وذلك غير معروف، وأكثر اللغويين يجعلها من لحن العامة. - و"العتاقة" [7].- مفتوحة العين-، وتقدم. - و"الفرية"- مكسورة الفاء-: وهي الكذب. - وقوله: "فإن العبد جاء بشاهد" العبد مرفوع لا يجوز غير ذلك؛ وعلى أن روايتي المقيدة في كتابي: "وإن العبد إذا جاء بشاهد"، وذلك بمنزلة قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}، وارتفاع هذا وشبهه عند البصريين بفعل مضمر، مثل الفعل الذي ظهر بعده، كأنه قال: فإن جاء العبد جاء، وإن استجارك أحد استجارك، ولا يجيزون فيه الابتداء؛ لأن الشرط حكمه أن يكون بالأفعال، والكوفيون يجيزون فيه الابتداء. - وقوله: "وإن زنى وقد أحصن" الرواية بفتح الهمزة والصاد، ويجوز ضم الهمزة، وكسر الصاد، وكذلك قرأت القراء [قوله تعالى]: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}، وقرأوا [قوله تعالى]: {وَالْمُحْصَنَتُ}، {وَالْمُحْصِنَاتُ}

(ما جاء في شهادة الصبيان)

بفتح الصاد وكسرها. - وقوله: "فإذا أقر بهذا فليقرر باليمين مع الشاهد" يجوز: "فليقرره باليمين مع الشاهد، و"فليقر"، وموقع الحجة حيث تقع كمسقط الرأس. (ما جاء في شهادة الصبيان) - قوله: "أو يخببوا" أي: يشوشوا ويردوا عما عندهم من شهادة الحق. والتخبيب: إفساد الرجل عبداً أو أمة لغيره. يقال: خببها، والرجل الخب: الفاجر. ومنه قول عمر: "لست بخب والخب لا يخدعني". وقد خب يخب خباً، وهو بين الخب. (ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم) - قوله: "على منبري" [10]. قال مالك: يريد عند منبري. - وقوله: "تبوأ مقعده من النار" أي: قعد مقعده من النار، أخبر بالمال عن الحال، أو بالمسبب عن السبب.

(كتاب الرهون)

(كتاب الرهون) (ما لا يجوز من غلق الرهن) اتفق المشهورون من الفقهاء أهل الرأي والحديث على أن معنى قوله عليه السلام: "لا يغلق الرهن" [13]: ما فسره به مالك في الباب، فمعنى الترجمة: أنه لا يجوز أن يعقد الرهن على وجه يؤول إلى المنع من فكه. وأما أهل اللغة فلم يفسروه بهذا التفسير، ولا شرطوا فيه أن يقول الراهن للمرتهن هذا القول، وإنما غلق الرهن عندهم على معنيين: أحدهما: أن يأبى المرتهن من رده الرهن على الراهن، وذلك إذا كان في الرهن فضل عن قيمة الدين. والثاني: أن يأبى الراهن أن يفكه إذا علم أن الرهن أنقص قيمة من الدين. واشتقاقه من قولهم: أغلقت الباب، وغلق: إذا نشب، فمن المعنى الأول قول زهير: وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا أراد: أنها ملكت قلبه ولم تصرفه عليه، فشبهه بغلق الرهن، وليس للشرط ههنا الذي شرطه/ 77/ب الفقهاء في الغلق معنى، وكذلك قول ابن دارة:

ومن يك رهناً للحوادث يغلق ألا ترى أنه ليس في هذا شرط من الراهن والمرتهن، وإنما المراد به تعذر تخلصه، وامتناع فكه، فهذا أحد المعنيين، وهو أن يمتنع المرتهن من رده على الراهن. وأما المعنى الآخر: وهو امتناع الراهن من فكه إذا كان أنقص قيمة من الدين، فنحو ما قاله أهل اللغة في قول العرب: "أهون من قعيس على عمته" فإنهم قالوا في تفسيره: إن قعيساً رهنته عمته في حزمة بقل، وأبت أن تفكه، وقالت: غلق الرهن. وأما قول من زعم أن غلق الرهن: ضياعه، فلا أعرف

ذلك محكياً عن إمام من أئمة اللغويين. وقال أبو عبيد: لا يجوز في كلام العرب أن يقال في الرهن إذا ضاع: قد غلق، إنما يقال: قد غلق إذا استحقه المرتهن، فذهب به. والرواية: "لا يغلق الرهن"- بضم القاف- على لفظ الإخبار، بمعنى ليس يغلق الرهن، وفيه- وإن كان ظاهره الإخبار- معنى النهي، كما في قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} لفظه لفظ الخبر، ومعناه الأمر. يقال: رهنت الشيء وأرهنته، وكان الأصمعي ينكر أرهنت، ويقول: لا يقال: أرهنت إلا بمعنى أسلمت، وبمعنى: أدمت، فاحتج عليه بقول ابن همام السلولي: فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنتهم مالكاً فقال: ليست الرواية هكذا، وإنما قال الشاعر: نجوت وأرهنهم مالكاً كما تقول: وابيت إليه، وأصك عينيه، يريد أنه فعل مضارع مبني على مبتدأ، والجملة في موضع الحال، كأنه قال: نجوت وأنا أرهنهم مالكاً، أي نجوت وهذه حالي، وأنشد أيضاً غير الأصمعي لدكين الراجز:

(القضاء فيمن ارتد عن الإسلام)

لم أر بؤساً مثل هذا العام أرهنت فيه للشقا خيتامي (القضاء فيمن ارتد عن الإسلام) تقدم أن قوله: "فيما نرى" [15] يجوز فيه فتح النون، إن جعلته من رأيت، ويجوز ضم النون على صيغة ما لم يسم فاعله، إن جعلته من أريت. - وقوله: "فإن تاب، وإلا قتل" جملتان عطفت إحداهما على الأخرى، وحذف جواب الشرط من الجملة الأولى، وحذف الشرط من الجملة الثانية، وتقديره: فإن تاب قبلت توبته، وإلا يتب قتل. والعرب تستعمل مثل هذا الحذف إذا فهم السامع ما يريدون، وإذا كان في اللفظ دليل على ما يحذفون. والعرب قد تحذف الشرط [وحده] أو الجواب وحده، ثقة بفهم المخاطب،

فمما حذف منه الجواب وحده قول الربيع بن ضبع الفزاري: أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا أراد: إن نفر لم يملك رأسه، فحذف؛ لأنه قد تقدم ذكر الملك، وأغناه عن إعادته، ومثله قولهم: أنا أشكرك إن أحسنت إلي، ومما حذف منه الشرط وحده قول القائل: اصبر وإلا اصنع ما بدا لك. - وقول عمر: "هل كان فيكم من مغربة خبر؟ " [16]. فربما غلط في هذه الكلمة بعضهم فينونون "مغربة" ويرفعون "خبراً"، وهذا يروى عن عبيد الله. والصواب ترك التنوين من "مغربة" وإضافتها إلى خبر، ويجوز كسر

الراء من "مغربة" وفتحها، كذا حكى أبو عبيد في شرح "غريب الحديث". وقال الأموي: بفتح الراء، وغيره بكسرها، قال فيما يرى من الغرب، وهو البعد، ومنه قيل: "شأو مغرب" ومغرب، أي: هل عندكم خبر عن حادث يستغرب؟ وقيل: معناه/ 78/أهل من خبر جديد جاء من بلد بعيد؟ و"من" زائدة، كما يقال: هل في الدار من رجل؟. ويقال: غرب الرجل، إذا بعد، وذكره صاحب "الأفعال" بالتخفيف، فقال: غرب الرجل غرباً، وغربة: بعد. وأغرب الرجل، إذا أتى بغريب من قول أو فعل. وأصله من قولهم: غرب وشرق: إذا سار إلى الغرب والشرق، ثم قيل لكل شيء أبعد الذهاب في الأرض وانتشر: غرب، وإن لم يذهب إلى الغرب.

(القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلا)

وقال ابن حبيب: وهي "مغربة"- بتخفيف الراء- ومعنى مغربة خبر غريبة خبر، من الخبر الغريب، وهو الحادث المجهول، وليست بتشديد الراء، كما يقول من لا يعرف؛ لأن المغربة بالتشديد: التي تنحو ناحية المغرب، كما تقول مشرقة، وهي التي تنحو ناحية المشرق. قال: وهكذا حدثنيها مطرف وابن الماجشون عن مالك بالتخفيف وفسرها، كما تقدم. وأما ضبطه فقال أبو عبيد ما تقدم. وبالكسر رواه شيوخ "الموطأ" وكذلك روته الكافة بفتح الغين. قال الشيخ- وفقه الله-: رويناه من طريق المهلب بإسكانه، وأما الإعراب فعلى الإضافة، رويناه عن شيوخنا في "الموطأ" وكذلك تقيد في كتابي، وحكى عياض: أن بعضهم أجاز نصب "خبر" على المفعول من معنى الفعل في "مغربة". (القضاء فيمن وجد مع امرأته رجلاً) - قوله: "أنا أبو حسن" [18]. مما تستعمله العرب من الاعتزاء عند

(القضاء في المنبوذ)

إصابة ظنها. - وقوله: "فليعط برمته" مثل، أي: فليسلمه إلى أولياء القتيل يقتلونه. وقيل: يسلم إليهم بحبل في عنقه للقصاص. يقولون في المثل: "ادفعه إليه برمته" واصله: أن رجلاً دفع إليه رجال بعيراً بحبل في عنقه، والرمة: الحبل البالي، فقيل ذلك لكل من دفع شيئاً بجملته، ولم يحبس منه شيئاً. فمعناه: ادفعه إليه كله، وهذا المعنى الذي أراد الأعشى في قوله للخمار: فقلت له هذه هاتها ... بأدماء في حبل مقتادها أي: بعني هذه الخمر بناقة برمتها. (القضاء في المنبوذ) - "المنبوذ" [19]: المطروح، قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} الآية. في عرف اللغة مستعمل فيمن طرح من الأطفال على وجه الاستسرار به. - و"العريف" القيم بأمر القوم، وهو من رؤساء الأجناد؛ لأنه يتعرف أحوال الجيش. وفي رواية سفيان بن عيينة في هذا الحديث من قول عمر، على ما ثبت في "الكبير":

"عسى الغوير أبؤساً" وذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"، وذكر أنه مثل تتمثل به العرب إذا خافت شراً وتوقعته وظنته، وذكر في أصله عن الأصمعي، وعن ابن الكلبي خبرين مختلفين: أحدهما عن ابن الكلبي: أن أول من تكلم بهذا المثل الزباء؛ إذ بعثت قصيراً اللخمي، وكان يطلبها بدم جذيمة الأبرش، فكادها وخبأ لها الرجال في صناديق، أو غرائر، فلما أحست بذلك، حين سألت عنه، وقيل لها: أخذ الغوير، قالت: "عسى الغوير أبؤساً". قال: والغوير: ماء لكلب موضع معروف من جهة السماوة وذكر عن الأصمعي: أنه غار أصيب فيه قوم بأن انهار عليهم أو قتلوا فيه، والغوير: تصغير غار، والأبؤس: جمع البأس، فصار هذا الكلام مثلاً لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر. قال أبو عبيد: وقول ابن/ 78/ب الكلبي أشبه عندي بالصواب. وأما انتصاب "أبؤساً" فمن النحويين من يرى أن "عسى" في هذا الموضع أجريت مجرى "كان" وهو مذهب سيبويه، وقال قوم: نصب "أبؤساً" على خبر "كان"

مضمرة، كأنه قال: عسى الغوير أن يكون أبؤساً، وهو قول الكسائي، وقال ابن كيسان: معناه: عسى الغوير أني بأس بأساً بعد بأس، يذهب إلى انتصابه انتصاب المصادر. وقال قوم: معناه أن يحدث أبؤساً، فهو مفعول عندهم بفعل مضمر. وقال قوم: معناه أن يأتي بأبؤس، فلما حذف حرف الجر نصب، واحتجوا بقول الكميت: قالوا أساء بنو كرز فقلت لهم ... عسى الغوير بأبآس وأغوار قال الشيخ- وفقه الله-: ورأيت أو رويت- وغالب ظني أني تلقيت عن أستاذي العلامة أبي علي-: أن المثل قالته الزباء، وكانت قد اتخذت نفقاً من قصرها إلى قصر أختها؛ لتنجو منه- حين حذرت من سقوط دم الأبرش- بالأرض، وأعلمت أنه يؤخذ بثأره عند ذلك وكان، فلما خرج عليها عمرو أصحابه، قصدت على النفق، وقالت: عسى الغوير، فوجدت عمراً على بابه مصلتاً سيفه، وكانت عندها صفته فعرفته، وقالت: "أبؤساً". فيكون على هذا تقديره: عسى الغوير [أن يكون] موضع نجاتي، ثم قالت: "أبؤساً": أي: وجدت عنده أبؤساً، أو نحو هذا. - وأما قول عمر- رضي الله عنه-: "أكذلك؟ ". فإنه مبتدأ محذوف الخبر اختصاراً؛ والمعنى أكذلك هو، وهذا تقدير منه للعريف على ما وصفه به من العفة.

(القضاء بإلحاق الولد بأبيه)

(القضاء بإلحاق الولد بأبيه) - يقال: "زمعة" [20]- بسكون الميم-، وزمعة- بفتحها-. وأسند في "التمهيد" عن عبد الملك بن هشام النحوي قال: هو زمعة بالفتح. قال الشيخ- وفقه الله-: ورأيت في "تنبيهات الرقشي" صوابه: زمعة، سمي بواحد الزمعات، وهي الشعرات المتعلقة بأنف الأرنب. - وقوله: "فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه سولم" معناه: ساق بعضهما بعضاً. - وقوله: "هو لك يا عبد بن زمعة" يجوز في "عبد" الضم والفتح، وأما "ابن" فمنصوب لا غير على حد قول العرب: يا زيد بن عمرو. - وقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". العاهر: الزاني، العهر: الزنا. يقال: عهر الرجل: إذا زنا، يعهر، وتعيهرت المرأة، وعيهرت، وذلك يكون في الحرة والأمة معاً، كما يكون الزنا بهما معاً. وأما المساعاة، فلا يكون إلا في الإماء خاصة، ولا تستعمل في الحرائر. يقال: ساعى الأمة يساعيها مساعاة وسعاء، واشتقاقه من السعي، أي: سعى إليها، وسعت إليه. و"الحجر"

مثل مضروب للخيبة في قطع الرجاء، كما يقال: "ترباً له وجندلاً". والعرب تكني عن المرأة بالفراش واللباس والمضجع والمركب والمطية، وذلك كله على التمثيل والتشبيه، وتذكره في أشعارها كثيراً، قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}. - ويقال: مكث، ومكث [21]. كما تقدم، بفتح الكاف وضمها، والضم أشهر، وجميع القراء عليه في قوله: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} إلا عاصماً وحده. واسم الفاعل من المضموم مكيث، ومن المفتوح ماكث. - وقول المرأة: "فأهريقت عليه الدماء فحش ولدها في/ 79/أبطنها". فإن الفقهاء يروون: "أهريقت" بضم الهمزة وكسر الراء، ويروون: "حش" بضم الحاء، وذلك خطأ؛ وإنما الوجه: "فأهراقت" بفتح الهمزة، و"حش" بفتح الحاء؛ لأن "أهراق" لا تتعدى على مفعولين، وإنما يتعدى إلى واحد. يقال: أراق الماء وأهراقه وهراقه، ثلاث لغات؛ فإذا صرف إلى صيغة ما لم يسم فاعله قيل: أريق الماء، وهريق الماء، وأهريق الماء. والوجه لمن روى: "أهريقت" أن يرفع الدماء، ولا وجه لرويته غير هذا. ومعنى "حش": يبس، يقال حش النبت فهو حشيش وحاش: إذا يبس، وألقت الناقة ولداً حشيشاً،

وقال صاحب "العين": حش الولد في البطن؛ إذا يبس والمرأة محش. -وقوله: "أما إنه لم يبلغني عنكما إلا خيراً" "ما" ههنا مخففة الميم، والنحويون يجيزون فتح الهمزة من "أن" في هذا الموضع وكسرها، وتقدم. - وقوله: "كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم" معناه: يلصقهم. يقال: لاط الشيء بالشيء: إذا لصق، وألطته أنا إلاطة. ومنه قيل: لاط حبه بقلبي يليط ويلوط، أي: تعلق، وهو أليط بقلبي منك وألوط. وكان الفراء لا يجيز هو ألوط- بالواو- إلا من اللياطة. - وأما قول المرأة: "كان هذا لأحد الرجلين" [22] فتقديره: كان هذا يأتيني، وأشارت لأحد الرجلين، واللام- ههنا- بمعنى "إلى" وتقدم مثله، وهو كلام أخرج الراوي بعضه على حكاية قولها عن نفسها، وبعضه على جهة الإخبار عنها، ولو أخرج الكلام كله على حكاية قولها لقال: كان هذا لأحد الرجلين يأتيني وأنا في إبل لأهلي، فلا يفارقني، حتى يظن وتظن أنه قد استمر بي حبل، ثم انصرف عني، فأهرقت عليه دماً، ثم خلف علي هذا، تعني الآخر، فلا أدري من أيهما هو؟. فأخرج الداودي الكلام كله مخرج

(القضاء في ميراث الولد المستلحق)

الإخبار عنها، ولم يحك من كلامها شيئاً غير قولها: "يأتيني وحده"، وكان الوجه أن يقول: يأتيها، فيكون الكلام كله إخباراً عنها لا حكاية، أو يقول ما ذكرناه، فيكون الكلام كله حكاية. ويروى: "حبل، وحمل" وهما سواء. - و"القائف": هو الذي يعرف الأشياء، وهي في حديث العرنيين الذين يميز الآثار. (القضاء في ميراث الولد المستلحق) - قال الشيخ- وفقه الله-: وقع في بعض روايات "الموطأ" خلاف في ترجمة هذا الباب، فوقع في أكثرها "القضاء في ميراث الولد المستلحق"، وهذا بين لا إشكال فيه، ووقع في الأصل المقروء على عبيد الله بن يحيى وابن وضاح: "القضاء في ميراث ولد المستلحق" بإسقاط الألف واللام من "الولد"، وإضافته إلى المستلحق، وهو جائز على مذهب الكوفيين؛ لأنهم يجيزون إضافة الموصوف إلى الصفة، في نحو قولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ولا مخرج له إلا على هذا، وعلى أن يجعل "المستلحق" مصدراً، بمعنى الاستلحاق؛ لأن المصادر قد تجيء على مثال المفعولات، كقولهم: سرحته تسريحاً ومسرحاً، ومزقت الشيء تمزيقاً ممزقاً. وهذا قياس مستمر في كل فعل، إلا في الفعل الثاني، فإن فيه خلافاً، قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ}، وقال: {وَلَقَدْ

(القضاء في أمهات الأولاد)

بَوأنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ}،/ 79/ب وقال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي* البيت (القضاء في أمهات الأولاد) "أمهات الأولاد": كلمة مخصوصة بالإماء إذا ولدن. يقال زوجة وأم ولد، وأمة، فتكون الأمة أمة حتى تلد، فإذا ولدت صارت أم ولد، بل تكون أم ولد بالحمل إجماعاً. - و"يلم" [24] أي: يجامعها، وكذلك جاء في حديث السبايا، وأصله من ألم بالشيء، وهو الواقع فيه من غير اعتياد ولا إصرار. واختلف في "اللمم" وأولى ما قيل فيه: أن يأتي بالذنب يبدؤه ثم يعاوده. - وقوله: "ضمن سيدها ما بينها وبين قيمتها". الضمير في قوله "بينها" راجع إلى الجناية، وفي قوله: أم الولد الجانية، يريد: أنه يلزمه أن يفتديها بالأقل من أرش جنايتها أو قيمتها.

(القضاء في عمارة الموات)

(القضاء في عمارة الموات) - عمارة الأرض- مكسورة العين- وفتحها خطأ. والموات- بفتح الميم لا غير-: الأرض التي لا عمارة فيها. والموات- بضم الميم-: الطاعون وكثرة الموت، وقد حكي في الطاعون: موات- بالفتح- وليس بمشهور، ويقال- أيضاً- للأرض التي لا عمارة فيها: موتان- بفتح الميم، وتسكين الواو- أيضاً. ومنه الحديث: "موتان الأرض لله ولرسوله". و"الموتان"- بضم الميم وسكون الواو-: الطاعون، مثل الموات ويقال: وقع في الناس موتان وموات، ويقال: أرض ميت، مسكنة الياء دون هاء، قال تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}، وما مات من الحيوان دون ذكاة فهو ميتة بالهاء، قال تعالى: {إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً}. فأما الميت والميتة- بتشديد الياء- فيصلحان في كل شيء من حيوان وغيره، وما كان منها للمذكر أسقطت منه الهاء، وما كان للمؤنث أثبتت فيه، وكذلك مائت ومائتة. وقد زعم قوم أن الميت- الساكن الياء- يستعمل فيما مات وقضى نحبه، وأن الميت- المشدد الياء- يستعمل فيما لم يمت بعد، وهو متهيئ لأن يموت، واحتج بقوله

تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} أي: إنك ستموت ويموتون. وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: أن ميتاً وميتاً ليس بينهنا أكثر من تخفيف، كما يقال: هين وهين، ولين ولين، فكما أن التخفيف في هين ولين لم يحدث فيهما معنى زائداً على معناهما في حال التشديد، فكذلك ميت وميت. والوجه الثاني: أن العرب لم تجعل بينهما فرقاً في الاستعمال، ومن أبين ما جاء فيه قول الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيباً ... كاسفاً باله قليل الرجاء البيتين، فسوى بينهما في الاستعمال. - وأما قوله: "ليس لعرق ظالم حق" فالرواية المشهورة تنوين "عرق"، "ظالم" صفة له، وكذلك تقيد في كتابي: أي: لعرق ذي ظلم فيه، هذا على النعت. ويدل عليه قوله في التفسير: والعرق الظالم: كل ما احتفر أو أخذ أو

(القضاء في المياه)

غرس بغير حق. ورواه بعضهم: "لعرق ظالم" بإضاف عرق إلى ظالم، وقال: العرق: الأصل، ومعناه: ليس لأصل يوصله ظالم في أرض غيره حق يستوجبه. وهذا الذي قال: هو الأصل والمراد به، فإن نون وجعل "ظالم" صفة له [على] هذا المعنى، كما قال تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)}، فنسب الكذب والخطأ إلى الناصية، وإنما الكاذب والخاطئ صاحبها، ونحوه قول الهذلي: حملت به في ليلة مزؤودة (القضاء في المياه) - مهزور"/ 80/أ [28] على لفظ مهزول، إلا أن الراء المهملة بدل من اللام: واد من أودية المدينة، قال أبو عبيد: هو وادي بني قريظة. - و"مذينب": تصغير مذنب؛ واد بالمدينة، والمذنب: مسيل

(القضاء في المرفق)

الماء: ويقال: مذينيب، وكذا رويناه، وقيل: "مهروز" موضع سوق المدينة كان تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان، وأقطع مروان فدك. - "ونقع البئر" [30]: الماء المجتمع فيها. والنقيع: البئر الكثيرة الماء، والجمع؛ أنقعة، ونقع الماء في المنقعة ينقع نقوعاً. (القضاء في المرفق) - "الضرر" [33] والضير والضر والضرار: كل ذلك بمعنى. ومنه الحديث: "لا ضرر ولا ضرار" قيل: هما بمعنى على التأكيد. وقال الخشني:

الضرر: ما تضر به صاحبك، بما تنتفع به أنت، والضرار: أن تضره من غير أن تنفع نفسك. أبو عمر: وهذا وجه حسن، ومتى قرن بالنفع لم يكن فيه إلا الضر أو الضرر. وقيل: بل هما بمعنى القتل والقتال، كأنه قال: لا يضر أحد ابتداء ولا يضاره إن ضاره، وليصبر، وهي مفاعلة، وإن انتصر فلا يتعدى ونحو هذا. وقال ابن حبيب: الضرر عند أهل العربية: الاسم، والضرار: الفعل، قال: والمعنى: ولا يدخل على أحد ضراراً بحال. - وقوله: "لارمين بها بين أكتافكم" [32]. بالتاء، كذا للكافة، لأصرخن بينكم وأرمينكم بتوبيخي بها، كما يرمى بالشيء بين الكتفين؛ لأنهم طأطؤوا رءوسهم، حين سمعوا حديث "غرز الخشبة"، على ما وقع في الترمذي: فقال لهم ما قال ذكره الترمذي، وكذا وقع في "الصحيحين"، وروي من طريق أبي الأصبغ بن سهل في "الموطأ" بالنون. قال الجياني: وهي رواية يحيى،

(القضاء في قسم الأموال)

وقال أبو عمر: اختلف شيوخنا في ذلك، ورجح رواية التاء، وقال: هو الأكثر. قال عياض: وهو الذي يقتضيه الحديث، على ما رواه الترمذي. و"الخليج": نهر يخرج من جنب نهر، كأنه جذب منه واقتطع. والخلج: الجذب، وخليجا الوادي: جانباه. - و"العريض"- بضم أوله- كأنه تصغير عرض- وادي اليمامة-، موضع من أرجاء المدينة فيه أصول نخل وله حرة نسبت إليه. - و"ربيع لعبد الرحمن بن عوف" [34] كذا للكافة، أي: جدول، وعند ابن المرابط "ربيع" مصغراً، والأول أصوب، قال عياض: وقد يكون الربيع هنا: القسم من المال. (القضاء في قسم الأموال) - "العالية والسافلة" [36]: جهتان بالمدينة، إحداهما علت، والأخرى

(القضاء في الضواري والحريسة)

سفلت. وأشار بالأموال إلى الأرضين وما فيها من الشجر، وإن كان اسم المال واقعاً على كل ما يتمول من حيوان وعرض وعين وغير ذلك؛ إلا أن عرف أهل المدينة كان في ذلك الزمان إطلاق اسم الأموال على الأرض وما فيها من الننخيل والأعناب. - و"النضح": الاستقاء بالسواني، وما في معناها مما يستقى بالدلو ونحوه، وهو هنا الأرض التي تسقى كذلك. و"النواضح": الإبل التي يستقى عليها؛ لنضحها الماء باستقائها وصبها إياه. و"العين" أيضاً: ما يسقى بالعين من غير نضح، وهو السيح، وهو الماء الذي يسقى به من غير تكلف مؤونة. (القضاء في الضواري والحريسة) - "الضواري": يريد ما ضريت واعتادت أكل زرع الناس وأذيتهم بذلك، وتسمى "العوادي". وفي "كتاب مسلم": الأكلب ضارية. - و"الحريسة": الماشية المحروسة في المرعى، وحريسة: فعيلة بمعنى مفعولة، ويحتمل حريسة: [التي] يحترس منها، ويحتمل التي تحرس، ويكون/ 80/ب معنى حافظها، وهو الأظهر. وفي الحديث: "حريسة جبل" أي: فإنها وإن حرست بالجبل فلا قطع فيها. والألف واللام في الحوائط المواشي في الحديث للعهد على ما تكرر بيانه في "الكبير". - وقوله: "ضامن على أهلها" [37]. ضامن هنا بمعنى مضمون.

(القضاء فيمن أصاب شيئا من البهائم)

(القضاء فيمن أصاب شيئاً من البهائم) صال الفحل: حمل، وفي "العين": فحل صؤول؛ إذا حمل على العانة. (القضاء فيما يعطى العمال) - قوله: "فيخطئ به" [40]. على حذف المفعول، تقديره: فيخطئ به صاحبه، أو نحو هذا. (القضاء في الحمالة والحول) - "الحمالة": الضمان، والحميل: الضامن، والحوالة معلومة، وهي تحول من له عليك دين عنك إلى غريم لك عليه دين، وهي مستثناة من الدين بالدين. و"الحول": التحول. يقال: حال من مكانه حولاً، وعادني حبها عوداً. وقيل في قوله تعالى: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً (108)} أي: تحولاً. وقيل: حيلة، فيكون معناه، أي: لا يحتالون منزلاً عنها. وفي "العين": حال الشيء حولاً وحؤولاً: إذا تغير وتحول عن حاله.

(القضاء فيمن ابتاع ثوبا وبه عيب)

(القضاء فيمن ابتاع ثوباً وبه عيب) - "الحرق"- بفتح الراء- في الثوب: الأثر من دق القصار أو الكماد، فإذا كان من النار فهو "حرق"- بتسكن الراء-، والشاهد على حرق الدق قول الشاعر: شيب تقنعه كيما تغر به ... كبيعك الثوب مطوياً على حرق والشاهد على حرق النار قول الشاعر: من جالس القين لم تعدم ملابسه ... حرقاً وإن لم يكن حرق فتدخين - وقوله: "فهو رد على البائع" [32]. القياس: فهو مردود، ولكنه مما وضع فيه المصدر موضع المفعول كما قالوا: درهم ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن، بمعنى مضروب ومنسوج. - و"العوار والعوار" [38]- بالفتح والضم-: العيب والفساد. ويقال: غرم يغرم، على مثال ضرب يضرب، وغرم يغرم، على مثال علم يعلم. - و"الصبغ"- بفتح الصاد-: المصدر، و"الصبغ" بكسرها: اسم ما يصبغ به. (ما لا يجوز من النحل) قال صاحب "العين": النحل والنحلة: العطاء بلا استعاضة، أي:

العطية التي لا يطلب عليها مكافأة، إذا أدخلت عليها تاء التأنيث كسرت النون، وإذا حذفتها ضممت النون، وهما جميعاً مصدران، وإنما قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أي: هبة من الله، وفريضة على الأزواج. وقال أبو عبيدة: نحلة، أي: عن طيب نفس منكم، وأما قوله عليه السلام: "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ " فإنه يجوز رفع "كل" لاشتغال الفعل عنه بالضمير، ويجوز نصبه بإضمار فعل يفسره الفعل الظاهر بعده، كأنه قال: أنحلت كل ولد نحلته؟ والاختيار فيه النصب؛ لأن الاستفهام بالفعل أولى، إذا دخل على جملة فيها فعل واسم ما لم يعرض عارض يمنع من ذلك. - وأما قوله: "فارجعه" [39] فإن "رجع" فعل استعمل متعدياً وغير متعد، فإن أريد به معنى الانصراف جرى مجرى الانصراف في أنه لا يتعدى إلا بحرف جر، كقوله: رجع زيد إلى المدينة، وإن أريد معنى الرد جرى مجرى الرد في التعدي، فتقول: رجعت إليه حقه، قال تعالى- في الذي لا

يتعدى: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ}. وقال [تعالى]- في المتعدي-: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}. - قوله: "كان نحلها جاد عشرين وسقاً" [40]. أراد حائطاً أو نخلاً يجد منها عشرين/ 81/أوسقاً، أي: يصرم، وهذا كلام خرج مخرج مجازات العرب؛ لأن الحائط والنخل يجد منهما التمر ولا يجدان، فهما في الحقيقة مجدودان لا جادان، وله تأويلان: أحدهما: أن الحائط والنخل لما كانا ينبتان التمر ويعطيانه جاز أن يؤتى بهما على لفظ الفاعل، كما قالوا: هذه الأرض تعطي من الزرع كذا وكذا. والثاني: أن العرب قد تأتي بالمفعول على صيغة الفاعل على معنى النسب، كقولهم: ليل نائم، وإنما ينام فيه، ونهار صائم، وإنما يصام فيه. وقال عيسى بن دينار: معناه جداد عشرين وسقاً من تمر نخله إذا جد. وقال ثابت: قوله: "جاد عشرين وسقاً" يعني أن ذلك يجد منها ويصرم. قال الأصمعي: هذه أرض جاد مائة وسق، يريد أن ذلك يجد منها، فعلى تفسير عيسى قوله: جاد عشرين وسقاً. صفة للتمر الموهوب فتقديره: وهبها عشرين وسقاً. وعلى تفسير ثابت قوله: "جاد عشرين وسقاً" صفة للنخل التي وهبها ثمرتها، فمعناه، وهبها ثمرة نخل يجد منها عشرين وسقاً.

- و"الغابة"- هنا-: موضع، وهما غابتان؛ الغابة العليا، والغابة السفلى، والأشهر في الغابة: أنها شجر يشتبك، فتألفه الأسود والسباع، وتفسير "الوسق" في "الزكاة". - وقوله: "فلو كنت جددتيه واختزنتيه" كذا الرواية بإثبات الياء بعد التاء، وهي لغة لبعض العرب، يقولون للمرأة: أنت رميتيه، وأكثر العرب يحذفها، وهي اللغة الفصيحة المشهورة، وقد تقدمت الشواهد على اللغتين، وبسط معنى لغة الإثبات من كلام سيبويه والسيرافي في كتابنا هذا ما فيه كفاية. - قوله: "وإنما هما أخواك وأختاك". فثنى الضمير ولم يتقدم شيء مثنى يعود عليه، وإنما تقدم ذكر الوارث، وإنما جاز ذلك؛ لأن الوارث لفظ مفرد يراد به الواحد، وما تجاوز الواحد من الاثنين والجميع، فحمل الإضمار على المعنى، كما يتأول قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ}، فثنى الضمير ولم يتقدم مثنى يعود عليه من حيث كانت الكلالة تعود على الواحد والاثنين والجميع. - وقوله: "ذو بطن بنت خارجة" "ذو" هذه التي بمعنى صاحب، كقوله: هو ذو مال، وذو علم، أي: صاحب علم. وحكي عن ابن وضاح أنه يتأول

(ما [لا] يجوز من العطية)

"ذو" هنا بمعنى "الذي"، وهو غلط؛ لأن "ذو" هذه لا يجوز إضافتها. (ما [لا] يجوز من العطية) - قوله: "ثم نكل الذي أعطاها" [34] أي: امتنع من إعطائها، وأصل النكال: الامتناع، ومنه: النكال الذي هو العقوبة؛ لأنها تنكل الجاني عن فعل ما جنى، أي: تمنعه. (الاعتصار في الصدقة) الاعتصار في الصدقة. [36]: الرجوع فيها وردها إلى نفسه وروي عن سعيد بن جبير وأبي قلابة: أن العصر سميت عصراً؛ لأنها تعصر، أي: تؤخر، و"النحل" تقدم. (القضاء في العمرى) - معنى "العمرى" [42]. أن يقول الرجل للرجل: هذه الدار لك عمرك، أو هذه الدار لك عمري، مشتقة من العمر، وكذل غير الدار من الأملاك، وفي

معناها "الرقبى" وهو أن يقول: إن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك فهي لك، واشتقاقها من المراقبة؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه. وقياس "العمرى" و"الرقبى" على قول مالك ومن ذهب مذهبه أن يكونا مصدرين بمنزلة "الرجعى"، من قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)} فـ "العمرى" مصدر عمر و"الرقبى" مصدر رقب، وإنما لزم أن يكونا مصدرين في قول مالك؛ لأن المعمر والمرقب عنده لا يملك بالإعمار والإرقاب/ 81/ب ذات الشيء ورقبته، وإنما له الانتفاع به فقط، ويجب أن يكونا اسمين للشيء المعمر والمرقب، على مذهب من يرى أنهما يوجبان ملك رقبة الشيء، والوجهان معاً جائزان في كلام العرب؛ لأن "فعلى" يكون عندهم مصدراً كـ "الرجعى" ويكون اسماً كـ "البهمى" ويجب أن تكون "العمرى" و"الرقبى" من الأسماء التي تسمى بالمصادر، كتسميتهم الرجل زيداً أو علاء. - وأما قوله: "ورث حفصة دارها" [45]. فالمعنى ورث من حفصة، فلما سقط الجار تعدى الفعل فنصب، تقول العرب: ورثت منه مالاً، وورثته مالاً، واخترت من الرجال زيداً، واخترت الرجال زيداً، قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} أي: من قومه وقال أبو الحجناء:

ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن أي: وما ورثت منك. وقالت زينب بنت الطثرية ترثي أخاها:

(القضاء في اللقطة)

مضى وورثناه دريس مفاضة ... وأبيض هندياً طوالاً حمائله - قوله: "وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت" [45]. كان الوجه أن تقول: قد أسكنتها، أو أسكنت بنت زيد بن الخطاب دارها، ونحوه، ولكنه ترك المفعول اختصاراً؛ لما فهم من المعنى، قال النابغة الجعدي: حتى لحقنا به تعدي فوارسنا ... كأننا رعن قف ترفع الآلآ أراد: تعدي فوارسنا الخيل. - ويقال: "مسكن" و"مسكن"- بفتح الكاف وكسرها-. (القضاء في اللقطة) ذكر أكثر اللغويين: أن "اللقطة" [46]- مفتوحة القاف-، وهي لفظة شذت عن القياس؛ لأن "فعلة" إنما تحرك العين منها في المشهور إذا وصف بها الفاعل، فإذا وصف بها المفعول سكنت عينها، فيقال: رجل لعنة وسببة وضحكة؛ إذا كان يلعن الناس ويسبهم ويضحكهم، فإن كان هو الذي يلعن ويسب ويضحك منه، سكنت العين، فقلت: لعنة وسبة وضحكة، فيجب على

هذا أن يقال: لقطة- بفتح القاف- للملتقط، ولقطة- بسكون القاف للشيء الملتقط؛ وقد جاء بها بعض اللغويين على القياس، والأول هو المشهور. - وأما "الضالة" فاسم واقع على [كل ما] تلف وغاب لا يختص بها حيوان من غيره، تقول العرب: ضل الشيء في التراب، وضل الماء في اللبن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة: "إن أمكم أضلت قلادتها". ويقال: ضل المشط في الشعر: إذا غاب فيه؛ لكثرته وتلففه، قال امرأ القيس: تضل المدارى في مثنى ومرسل ويقال: ضل الميت في الأرض وأضللته، إذا دفنته، قال تعالى: {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ}، وقال النابغة:

فأب مضلوه بعين جلية * البيت وأما "العفاص" فهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد كان، أو خرقة، أو غير ذلك. ويقال للجلد الذي يدخل فيه رأس القارورة: عفاص؛ لأنه كالوعاء، وليس كالصمام، فالصمام الذي يدخل فيه فم القارورة، فيكون سداداً لها، ولذلك يقال: صم الكوة بحجر، أي: سدها، فالصمام والسداد جميعاً عكس العفاص. - وأما "الوكاء": فهو الخيط الذي يشد به. يقال: أوكيت الإناء، وأوكيت الزق:/ 82/أإذا شددت فاه بخيط. ومنه حديث علي- رضي الله عنه-: "العين وكاء السه" ويروى: "وكاء السته" والسه والسته جميعاً: الاست، ومعناه: أن الإنسان ما دام مستيقظاً أمكنه الامتناع من خروج الريح منه، فعينه لاسته مثل الوكاء للزق، فإذا نام خرجت منه الريح، ويقال: عفصت [القارورة]

عفصاً؛ إذا شددت العفاص عليها، وإن أردت أنك جعلت لها عفاصاً قلت: أعفصتها إعفاصاً. وقوله صلى الله عليه وسلم: "عرفها سنة" أي: أعلم الناس أنها عندك. والوجه فيه: أن يعدى بحرف الجر، فيقال: عرفت زيداً بكذا، ثم يحذف حرف الجر تخفيفاً، فيقال: عرفت زيداً كذا. فتقديره: عرف بها، وهو نحو قولهم: أمرتك الخير؛ أي: أمرتك بالخير. وأما قوله: "لك، أو لأخيك، أو للذئب" فكلام حذف بعضه اختصاراً، فتقديره: هي لك ملك، خبر مبتدأ مضمر، وقد ذكرنا أن هذه اللام بمعنى الملك، ومعنى غير الملك. - وقوله: "معها سقاؤها وحذاؤها". يريد أنها تقوى على ورود الماء، وتصبر على العطش أياماً كثيرة، فشبهها بالمسافر الذي معه سقاء يتزود فيه الماء. وعنى بحذائها: أخفافها، أراد أنها تقوى على السير وقطع الفلوات. - وقوله: "ما لك ولها" كلام مختصر معناه: مالك والتعرض لها؟ وكذلك قوله: "فشأنك بها" تقديره: عليك شأنك، أو الزم شأنك، ونحوه من الأضامين التي تليق بمعنى الكلام، فهو منصوب بالعامل المضمر. وللعرب في هذه اللفظة ثلاثة لغات: منهم من يقول: شأنك وكذا، بالواو، ومنهم من يقول: شأنك بكذا، ومنهم من يقتصر على ذكر الشأن، فيقول: شأنك كذا، بغير واو أو باء.

(القضاء في الضوال)

(القضاء في الضوال) - "الحرة" [49]: كل أرض ذات حجارة سود، وذلك لشدة حرها، ووهج الشمس فيها، وجمعها: حرار، وحرات، وإحرين، وإحرون في الرفع. - و"عقله". أي: منعه من الذهاب بعقال شده به، كما يفعل بالإبل خاصة، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤوي الضالة إلا ضال". وليس المراد بالضلال المذكور في هذين الحديثين: الضلال الذي هو نقيض الهدى والإيمان، وإنما المراد به الضلال الذي بمعنى الخطأ، كما يقال: ضل عن الطريق، وقال تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى (52)}، و [قوله تعالى]: {إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)}. وكل ما خالف طريق الاستقامة فالعرب تسميه ضلالاً. وقال ابن الأعرابي: "الإبل المؤبلة" [51]: المتخذة للنسل، لا للتجارة ولا للعمل. ويقال: هي الكثيرة المهملة، وهي الأوابل أيضاً، قال النابغة:

(صدقة الحي على الميت)

ظلت أقاطيع أنعام مئبلة ... لدى صليب على الزوراء منصوب (صدقة الحي على الميت) - قوله: "افتلتت نفسها" [57] أي: اختلست منها نفسها، وماتت فجأة، قال الشاعر: سبقت منيته المشيـ ... ـب وكان ميتته افتلاتاً وقال أبو بكر بن شاذان: سألت أبا زيد النحوي عن قول عمر "كانت بيعة

أبي بكر فلتة، وقى الله شرها" فقال: أراد كانت فجأة، وأنشد: وكان ميتته افتلاتاً وتقول العرب- إذا رأت الهلال بغير قصد إلى ذلك: رأيت الهلال فلتة. وقال خالد بن يزيد: فإن تفتلتها والخلافة تفتلت ... بأكرم علقى منبر وسرير و"نفسها" نصب/ 82/ب على المفعول الثاني، وهو أكثر الروايات، ويروى برفع السين أيضاً. قال الخطابي: يعني أخذت نفسها فجاءة. وبالوجهين قيده جماعة من شيوخنا. وذكر القتيبي: اقتلتت- بالقاف- وهي كلمة تقال لمن مات فجاءة، والأول المشهور.

[كتاب الوصايا]

[كتاب الوصايا] (الأمر بالوصية) الوصية- في اللغة-: عبارة عن كل قول يلقيه أحدهما إلى الآخر ليعمل به، وهو مخصوص في الغائب والميت، من جملة ما يلقى من قول. - وقوله صلى الله عليه وسلم: "له شيء يوصى فيه" [1]. كذا الرواية، وأكثر ما تقول العرب: أوصى بكذا، فيعدون هذا الفعل بالباء، كما قال الراجز:

هناك أوصيني ولا توصي بيه ومن قال: "يبيت في كذا" فله وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: أوقعت الوصية فيه، فيكون "في" على وجهها. والآخر: أن يكون بدلاً من الباء، كما يقال: بتلمسان، وفي تلمسان، وكذلك اتفقت الروايات في هذا الحديث على إسقاط "أن" ورفع "يبيت" وكان الوجه أن يبيت ولكن العرب قد تحذف "أن" من مثل هذا، وترفع الفعل، وعليه تؤول قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونَنِي أَعْبُدُ}، وعليه جاء قول طرفة: ألا أيهذا الزاجري احضر الوغى * البيت وربما حذفوا وتركوا الفعل منصوباً، وذلك [لا يكون] إلا في ضرورة الشعر، كقوله: ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله ففي هذا البيت وجهان من الشذوذ والضرورة.

(جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه)

أحدهما: إدخال "أن" في خبر "كاد". والثاني: حذفها وإبقاء عملها. - و"العتاقة" مفتوحة العين، وكسرها خطأ. (جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه) - "اليفاع" [2]: هو الغلام ابن عشر سنين، أو اثنتي عشرة سنة، رواه عيسى عن ابن القاسم، عن مالك. وفي "العين": اليفاع: المشرف من الأرض، وغلام يفعة ويافع: إذا شب، وجمعه: الأيفاع، وقد أيفع، أي: شب. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وكأن الغلام اليفاع أشرف على الاحتلام. يقال: أيفع وهو يافع، ولا يقال: موفع، ويقال: الغلام الأيفع، ويجمع على أيفاع، الواحد يفع، ويفعة جمع على غير قياس، فمن قال: يافع ثنى وجمع، ومن قال: يفعة الواحد والاثنان والجماعة سواء. (القضاء في الوصية في الثلث لا يتعدى) - في رواية يحيى: "والثلث كثير" [4]. وفي رواية غيره: "كبير" بالباء، وكلاهما جائز. - وقوله: "فالشطر" الرواية بالرفع، وهو مبتدأ خبره مضمر، كأنه قال: فالشطر أتصدق به، وكذلك "الثلث" ويبعد أن يكون خبر المبتدأ مضمراً؛ لدخول الفاء عليه، وهو مع ذلك جائز، فيكون بمنزلة قول القائل: أزيد قائم؟

فيقول المجيب: لا، فيقول: فقاعد؛ أي: فهو قاعد، ولو نصب ناصب "الشطر" و"الثلث" على معنى فأعطي الشطر وأعطي الثلث لكان جائزاً. - وقوله: "أن تذر ورثتك أغنياء" "أن" مفتوحة الهمزة، و"تذر" منصوب بها، وهي في موضع رفع و"خير" خبره، بمنزلة قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}. و"العالة": الفقراء، واحدهم: عائل، كما تقول: بائع وباعة، وصائغ وصاغة، وفعله عال يعيل، فإذا أردت الجور قلت: عال يعول، وإذا أردت كثرة العيال قلت: أعال يعيل، فمن الجور قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3)} ومن الفقر قول الشاعر: وما يدري الفقير متى غناه ... وما /81/أيدري الغني متى يعيل؟ - ومعنى "يتكففون": يسألون الناس بأكفهم. - وأما قوله: "إنك إن تخلف" فإن الفقهاء يروونه "أن" ويتوهمونها "أن" الناصبة للأفعال، ولا وجه لـ "أن" هذه في هذا الموضع. وقوله: "إلا ازددت به درجة" يبطل ذلك؛ لأن "إلا" التي للإيجاب لا يجوز دخولها إلا بعد كلام منفي. والصواب "لن" باللام، وكذلك رواه ابن وضاح، ولا يصح دخول "إن" في هذا الموضع إلا على حيلة؛ وذلك أن تكسر همزتها وتجعلها بمعنى

"ما" النافية؛ لإتيان الإيجاب بعدها، وترفع "تخلف" و"تعمل" كأنه قال: ما تخلف، فتعمل إلا ازددت، كما تقول: إن زيد إلا قائم، وقوله تعالى: {إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20)}. - وأما قوله: "ولعلك أن تخلف". فالوجه إسقاط "أن" ورفع الفعل، كما قال تعالى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1)}، ولكن الفقهاء رووه بزيادة "أن" وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لعل أحدكم ألحن بحجته من الآخر". وأكثر ما يستعمل هذا في الشعر، ومجازه عند النحويين على تشبيه "لعل" بـ "عسى"؛ لأنها مثلها في الطمع، وحكم "عسى" أن يستعمل بـ "أن" كقوله تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَاتِيَ بِالْفَتْحِ} ثم إنهم قد يحذفون "أن" من خبر "عسى" تشبيهاً لها بـ "لعل" ويزيدونها في خبر "لعل" تشبيهاً لها بـ "عسى" فالشاهد على إسقاطها من خبر "عسى" قول هدبة بن خشرم:

عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب والشاهد على زيادتها في خبر "لعل" قول متمم بن نويرة: لعلك يوماً أن تلم ملمة ... عليك من اللائي يدعنك أجدعا - و"الهجرة"- في كلام العرب-: هيئة الهجران، كما أن الجلسة هيئة الجلوس، والركبة: هيئة الركوب، فإذا أردت المصدر الذي ليس بهيئة قلت: هجرة وهجران، وإذا أردت المرة الواحدة قلت: هجرة- بفتح الهاء- كما تقول: ضربة وقتلة للمرة الواحدة من الضرب والقتل، فإذا جعلتها فعلاً من اثنين فما زاد قلت: هاجر الرجل صاحبه مهاجرة. وأما "الهجرة" المستعملة في الشريعة فهي مكسورة الهاء، لا يجوز فيها غير ذلك؛ لأن المهاجر كان يراد به أن يهجر وطنه وقومه، وينفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويستمر على ذلك، والفعل إذا استمر ودام صار خلقاً وهيئة، فلذلك لم يجز فيها فتح الهاء. وسميت "هجرة"؛ لأن الرجل كان يهجر أهله ووطنه، ويلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم. وسميت

"مهاجرة"؛ لأن الرجل المؤمن كان يهجره قومه، كما يهجرهم هو، فجاءت على مثال المفاعلة التي تكون من اثنين فصاعداً، ولهذا المعنى سميت مراغمة؛ لأن المؤمن كان يراغم قومه بتركه إياهم، قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً}، وقال الشاعر: بعيد المراغم والمذهب فهذا أصل المهاجرة والهجرة في لغة العرب. وأما "الشريعة" فاستعملت فيها على وجوه مختلفة توهم التناقص، كنحو ما روي عنه عليه السلام أنه قال يوم فتح مكة: "لا هجرة ولكن جهاد ونية". وفي حديث آخر: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة"، و"لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار"، فلأجل هذا وجراءه وجب تبيين وجه الهجرة المستعملة في الشريعة، وهي تنقسم خمسة/ 83/ب أقسام: أولها: الهجرة الأولى إلى بلاد الحبشة في صدر الإسلام قبل خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. والثانية: من مكة إلى المدينة عند استدعاء الأنصار إياه، وهي الهجرة المذكورة في حديث سعد، وكانت مفترضة على أهل مكة، وبها جرى التاريخ

المستعمل في أيام عمر إلى يومنا هذا، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "لا هجرة ولكن جهاد ونية". والهجرة الثالثة: هجرة المعاصي، وترك ما خالف الحق، داخل في هذه الهجرة، ومنها قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)}. والهجرة الرابعة: هجرة الكافر من بلد الحرب إذا أسلم، فعليه الخروج إلى بلد المسلمين فرضاً لازماً؛ لقوله عليه السلام: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك". والهجرة الخامسة: أن ينفر المسلمون لقتال المشركين؛ لأنهم يهجرون أوطانهم للجهاد. ومنه الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" وهو معنى قوله: "إذا استنفرتم فانفروا". قال الشيخ- وفقه الله-: تغلغل القول بنا وطاش سهم المقال بما اعترض عن الغرض، فلنكتف ولنرجع، ولنكر إلى ما كنا بصدده ونقول: - وأما قوله: "لكن البائس سعد بن خولة" فكلام فيه حذف واختصار، ويلزم أن يكون في الكلام نفي مقدر؛ لأن "لكن" إنما يأتي استدراكاً بعد النفي في قول عامة النحويين، فإذا لم يكن النفي ملفوظاً به كان مقدراً، ولأجله قيل في قوله عز وجل: {لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ} إن في الكلام نفياً مقدراً، كأن المشركين قالوا: ما نشهد بأنه أنزل إليك شيء، فقال: لكن الله

يشهد إن كنتم لا تشهدون أنتم، فوجه هذا الحديث: أن سعداً لما خاف أن يموت بمكة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن مما تخافه، فإنك لا تموت بمكة، لكن البائس سعد بن خولة هو الذي ينبغي أن يحزن له"، ففي الكلام حذفان: حذف في أوله، وحذف في آخره، ولو روي: "سعد بن خولة" بالنصب لكان جائزاً، ويكون خبر "لكن" محذوفاً لدلاله الكلام عليه، والعرب تحذف خبر "لكن" تارة إذا فهم المعنى كقول الفرزدق: ولكن زنجياً عظيم المشافر وذكر سيبويه: أن من العرب من ينصب "زنجياً" بـ "لكن" ويضمر خبرها، كأنه قال: ولكن زنجياً عظيم المشافر لا يعرف قرابتي، وذكر أن منهم من يرفع فيقول: ولكن زنجي، ويضمر اسم "لكن" كأنه قال: ولكنك زنجي. وكذلك يفعلون بأخوات "لكن". ومجاز من روى "لكن البائس

(أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم)

سعد" فرفع سعداً، أن يكون التقدير: لكن البائس سعد؛ لأنه مات في الأرض التي هاجر منها. والبائس: الذي يتبين عليه أثر البؤس من شدة الفقر. (أمر الحامل والمريض والذي يحضر القتال في أموالهم) - قوله في الآية: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} يعني المني {فَمَرَّتْ}: أي: استمرت بذلك الحمل الخفيف إلى أن ثقل. وقيل: المعنى فاستمر بها، فهو من المقلوب. وقيل: شكت فيه لخفته، وهذا على قراءة من قرأ: {فَمَرَتْ} بالتخفيف {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً} أي: غلاماً سوياً، وقيل: بشراً سوياً، والضمير في {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} قيل: يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم وقيل: راجع إلى حواء وآدم، وقال عكرمة: لم يخص آدم وحواء، وإنما أراد نسلهما، فالتثنية يراد بها الإنسان الذكر والأنثى. وقيل: المراد/ 84/أمن أول القصة إلى قوله: {لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (189)}: آدم وحواء، وما بعده يراد به الذكر والأنثى من ولد آدم، يدل عليه قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)} والانتقال عنه مثل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً

(الوصية للوارث والحيازة)

وَنَذِيراً (8)}، ثم قال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9)} ومثله كثير. (الوصية للوارث والحيازة) العرب تسمي المال خيراً؛ لما فيه من الخير لمن استعمله في وجوهه، ومنه [قوله تعالى]: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً}، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} أي: لا يفتر عن طلب المال وما يصلح دنياه. ومنه قوله تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} يعني الخيل، والعرب أيضاً تسمي الخيل: الخير؛ لما فيها من الخير. (ما جاء في المؤنث من الرجال ومن أحق بالولد) "هيت": اسم المؤنث، كلمة معناها: الاستدعاء، بمعنى: هلم، سمي بذلك إشارة إلى أنه يستدعى للفجور، كما فعلت امرأة العزيز حين استدعت يوسف عليه السلام إلى نفسها. يقال منه: هيت الرجل تهييتاً؛ إذا دعي إلى أي شيء كان، ويقال: هيت وهيت- بكسر الهاء وفتحها-. - و"المخنث" [5] هو المؤنث من الرجال، وإن لم يعرف فيه الفاحشة،

وهو مأخوذ من تثني الشيء وتكسره. - و"بادنة بنت غيلان" بالنون، كذا الرواية المشهورة عند أهل اللغة، وهي الضخمة البدن، إشارة إلى سمنها. ورواه قوم: "بادية" بالياء، كأنها مشتقة من بدا يبدو؛ إذا ظهر، والمشهور الأول. وفي بعض روايات هذا الحديث: "فإنها هيفاء، شموع نجلاء" الهيفاء: الضامرة الخصرين، والشموع: الكثيرة المزاح والدعابة، والمشمعة: الفكاهة. وفي "العين": الشموع: الجارية اللعوب؛ وقد شمعت تشمع. والنجلاء: العظيمة شق العينين، ومنه: طعنة نجلاء، وفيها: "إذا تكلمت تغنت"، يريد: أن كلامها يشبه الغناء، لحسن نغمتها، وحلاوة منطقها.

- وقوله: "تقبل بأربع وتدبر بثمان" [5]. يقول: إذا أقبلت عليك رأيت في بطنها أربع عكن، وإذا أدبرت عنك رأيت بهذه العكن الأربع ثمانية أطراف لكل عكنة طرفان؛ لأن العكن أحاطت بالجنبين، حتى لحقت بالمتن من مؤخرها، فالناظر إليها من أمام يرى أربعة غضون، والناظر إليها من خلف يرى ثمانية، واستشهد بعضهم عليه بقول النابغة- في قوائم ناقته-: على قصبات بينما هن أربع ... أنخن لتعريس فعدن ثمانياً وكان يجب أن يقول: ثمانية؛ لأن الطرف مذكر، ولكنه أنث على لفظ الجمع، كما يقال: كتب لفلان ثلاث سجلات، فيؤنث والواحد سجل مذكر؛ لأن الجمع مؤنث، وكذلك الأطراف. أبو الوليد: أراد العكن واحدتها عكنة، وهي مؤنثة، فلذلك أتى بلفظ العدد على التأنيث. - ومن روى: "لا يدخل هذا عليكن" فهو بين، ومن روى: "عليكم"

(العيب في السلعة وضمانها)

فالوجه فيه: أن يكون نهيه عاماً لنسائه، ولغيرهن من كل من له أهل ألا يدخل مخنث على أهله، فلما اشتمل نهيه صلى الله عليه وسلم على الرجال والنساء غلب المذكر على المؤنث. (العيب في السلعة وضمانها) تقدير الترجمة: العيب محدث بالسلعة/ 84/ب بعد ابتياع المبتاع لها بيعاً فاسداً يجب رده، وضمان ذلك العيب، وما يحدث فيها من نقص وهلاك، وهو من المشتري الذي قبضها، وكذلك ما يحدث فيها من زيادة ونماء فكله للمشتري. (جامع القضاء وكراهيته) قول أبي الدرداء: "هلم إلى الأرض المقدسة": أي المطهرة، والمقدس- في كلام العرب-: المطهر، وإنما أراد موضعاً من الشام يسمى القدس، ومنه سمي مسجد إيلياء: البيت المقدس، أي: المطهر، ومعناه: أنه مطهر مما كان في غيره من المواضع، من الكفر، وكأن ذلك في وقت من الأوقات، فلزمه اسم الوصف بذلك، ويحتمل أن يكون معنى تقديسها وتطهيرها أن من فيها مطهر من الذنوب والخطايا، فيكون المعنى المقدس

أهلها. ويدل على صحة هذا التأويل قول سلمان الفارسي: "إن الأرض لا تقدس أحداً"، وإنما أراد تطهره من ذنوبه، وإنما يقدسه عمله، فيكون على هذا التأويل: إنما وصف أهل بيت المقدس بذلك في وقت عملوا فيه بطاعة الله تعالى، وكان كثير منهم أنبياء، وسائرهم أتباع الأنبياء، ولعله كان ذلك في وقت أمروا كما أمر المسلمون بالهجرة إلى المدينة، فكان سكناها في ذلك الوقت يقدس أهلها، ويطهرهم من الذنوب. و"نعما لك": مبالغة من "نعم" وعند بعضهم: "نعمى لك"- بضم النون وسكون العين- ومعناه: مسرة لك وقرة عين. - وقوله: "إن الأسيفع، أسيفع جهينة" قيل: إن ذلك الرجل كان اسمه الأسيفع، وقال ابن مزين عن ابن وهب، وابن نافع: هو لقب لزمه. وقال أيضاً عن ابن وهب: هو تصغير أسفع؛ وهو الضارب إلى السواد، وقال: إنه وصف بذلك للونه. وقال القتيبي: الأسفع: الذي أصاب خده لون مخالف لسائر لونه من سواد. وقيل: إنه الذي يعلو وجهه حمرة تنحو إلى السواد. - وقوله: "ادان معرضاً". يقال: إدان فهو مدان: إذا اشترى بالدين، ويقال: دان وادان واستدان، وإذا أعطى بالدين قيل: أدان. وأما المعرض

فقال أبو عبيد: هو الذي يعترض الناس فيستدين ممن أمكنه. وقال شمر: المعرض- ههنا- بمعنى المعترض، قال: ومن جعله بمعنى الممكن على ما فسره أبو عبيد فهو بعيد؛ لأن معرضاً منصوب على الحال لقولك: "إدان"، فإذا فسر أنه من يمكنه، فالمعرض هو الذي يعرض؛ لأنه هو الممكن. وقال أبو عبيد: ويروى "معرض "بالرفع". وقال ابن شميل: "ادان معرضاً" معناه يعرض إذا قيل له لا تستدن فلا يقبل. وروى أبو حاتم، عن الأصمعي أنه قال: معناه أخذ الدين ولم يبال أن لا يؤديه. وقال القتيبي أي: استدان معرضاً عن الأداء، وهو قول أبي حاتم. وقال ابن وهب معنى: "ادان معرضاً": أي اغترف الدين ماله فأعرض بأموال الناس مستهلكاً لها متهاوناً.

- قوله: "فأصبح قد رين له". قال الهروي: معناه أحاط الدين بماله، رين به، ورين عليه، وريم عليه واحد، ومعناه: مات. وقال أبو زيد: رين بالرجل ريناً: إذا وقع في أمر لا يستطيع الخروج منه، وقال ابن مزين: وقال ابن نافع، وابن وهب: قد شهر به، قال يحيى؟ وقال غيره: قد أحيط به، وقال في قوله تعالى: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} يقول: طبع على قلوبهم، وأحاط بهم سوء أعمالهم. وقال العتابي [عن ابن] الأعرابي: رين به: انقطع، وقال السلمي: رين به: تحير، وقال/ 85/أسابق البربري: وترك الهوى المري فاعلم سعادة ... وطاعته رين على القلب رائن وهذه المعاني متقاربة.

(ما جاء فيما أفسد العبيد أو جرحوا)

- وقوله: "وآخره حرب"- بتحريك الراء-. الحرب: السلب، ورجل محروب، وحريب بمعنى مسلوب، يريد: أن آخره أن يسلب ماله، وما يضن به من عقار وحيوان وغير ذلك، قال أمية بن أبي الصلت في الحريب: قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... ردوه رب صواهل وقيان (ما جاء فيما أفسد العبيد أو جرحوا) - "حريسة": فعيلة بمعنى مفعولة، وبعضهم يجعلها السرقة نفسها. وقال أبو عبيدة: هي التي تحرس، أي: تسرق. (ما يجوز من النحل) - قوله: "ما يجوز من النحل" ويروى: "من النحل": جمع نحلة. يقال: نحلته أنحله نحله نحلاً، ومن القول الثاني: نحلاً- بالفتح-، والنحل والنحلة: العطاء بلا استعاضة.

[كتاب] المساقاة

([كتاب] المساقاة) - "فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم" يروى بفتح الحاء، وتسكين اللام، ويروى بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء، وتقدم. والحلي الثاني: يراد به النوع، والأول يراد به جزء من النوع؛ لأن النوع يسمى كل جزء منه باسم جملته، وكذلك الجنس، فيقال لكل جزء من الماء ماء، ولكل جزء من الطعام طعام ونحوه. و"القسم" بفتح القاف مصدر قسمت، والقسم- بالكسر-: الجزء من الشيء المقسوم. - وفي رواية عبيد الله: "يا معشر اليهود"، وفي رواية غيره: "يا معشر يهود" غير مصروف، وكلاهما جائز، من جعله اسماً علماً للأمة والفرقة لم يصرفه، ومن جعله جمع: يهودي نون وصرف. - وقوله: "وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم". معناه: أجور وأميل عن سبيل الحق، قال تعالى: {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}.

- ويقال: "رشوة"، و"رشوة" و"رشوة". واشتقاقها من الرشاء؛ وهو الذي يستقى به الماء؛ لأن الذي يعطيها يصل بها إلى ما يريد، كما يصل بالرشاء إلى الماء، وتقدم هذا. - و"السحت": اسم يعم الحرام كله، وقال جماعة أهل التفسير في قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قالوا: السحت: الرشوة في الحكم، وقيل: السحت: كل ما لا يحل كسبه، وهو مثل الأول، واشتقاقه من قولهم: سحته الله وأسحته؛ إذا استأصله، ولم يبق منه بقية، قال الله تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} سمي سحتاً لأنه يهلك صاحبه وماله. - وقول اليهود: "بهذا قامت السموات والأرض" أي: العدل الذي فعلته؛ وإنما قالوه على وجه الهزء بابن رواحة، إنهم إنما كانوا يعتقدون أن أخذ أموالهم من أيديهم ظلم، وغصب من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو اعتقدوا أن فعله عدل وأمر وارد من الله تعالى لم يكفروا به، هذا تأويل ابن السيد، والأظهر خلافه. وإنما حاربوه على امتناعه من الرشوة، والرشوة عندهم حرام لا تحل، ولولا أن السحت محرم عليهم في كتابهم ما عيرهم الله في القرآن بأكله، والسحت محرم عند جميع أهل الكتاب، ولقد أحسن منصور الفقيه رحمه الله في

قوله: إذا رشوة من باب بيت تقحمت ... لتدخل فيه والأمانة فيه سعت هرباً وولت كأنها ... حليم تنحى من جوار سفيه وفي معناه: إذا حلت الخمر في دار قوم ... فقد رحل الدين عن دارهم 85/ب/ فما وفقوا عند إيرادهم ... ولا سددوا عند إصدارهم وفي رفع أصواتهم بالغنا ... ء دليل على حط أقدارهم - وقول مالك رحمه الله: "لم يعلق الآخر من النفقة شيء": أي: لم يلزمه، ومنه: علقت بعلم القرآن، أي: كلفت به ولزمته، ومنه: "وقلبه معلق بالمسجد" أي: قد ربط به حباً. - و"الحائط": اسم كانوا يوقعونه على البستان، كأنه يحوط صاحبه

ويحفظه، ويجوز أن يسمى حائطاً لما حوله من الحائط الذي يحفظه، فيكون من تسميته الشيء ببعض أجزائه، كقولهم للرجل الذي يتطلع لأصحابه عين، وللذي يتسمع الأخبار: أذن. - وقوله: "السنة في المساقاة التي تجوز لرب المال". يعني لرب النخل، والعرب تسمي النخل المال، وتسمي الإبل المال، وكذلك الغنم وأشباهه من الحيوان والعروض. ألا ترى قول أبي هريرة وتقدم: "لم نصب يوم خيبر ذهباً ولا فضة، وإنما أصبنا الأموال" يعني الإبل والغنم والثياب وشبهه. - و"المقارض"- بكسر الراء- الفاعل، وبفتحها: المفعول، وكل واحد من المقارضين: مقارض ومقارض؛ لأنه يقارض صاحبه ويقارضهن فهو فاعل، ومفعول، وكذلك المساقي بكسر القاف وفتحها على مثال ذلك. - وقوله: "يأبرها": يجوز فيه ضم الباء وكسرها لغتان. يقال: أبرت النخل آبره، وأبرته أبراً: إذا لقحته وأصلحته، وكذلك الزرع، قال الحارث بن وعلة:

إن يأبروا نخلاً لغيرهم ... والشيء تحقره وقد ينمي - وقوله: "شد الحظار". من رواه بالسين غير معجمة؛ وهو ابن نافع، فمعناه: سد الثلمة التي يدخل منها؛ ومن رواه بالشين المعجمة وهو مطرف، وابن الماجشون، وابن وهب وابن القاسم، فمعناه: تحظير الزروب التي حول النخل والشجر. يقال: حظرت البستان حظراً وتحظيراً: إذا جعلت حوله مانعاً يمنع من الوصول إليه. والحظيرة: الجنة المحظورة، والحظار: حائط الحظيرة. - و"خم العين": كنسها وإخراج ما فيها من الحمأة والزبل. يقال: خممت البيت وقممته وسفرته: إذا كنسته. ويقال للمكنسة: المخمة، والمقمة والمسفرة، ويقال لما يرمى من الزبل: الكناسة والخمامة، والقمامة، والسفارة، ويقال: بيت مخموم ومقموم ومسفور، أي: مكنوس، ويقال: رجل مخموم القلب، أي: نقي القلب من الغل والحسد، وجاء في الحديث- في صفة قلب المؤمن-: "والسرو والكنس" أيضاً، ومنه اشتق السري من الرجال، أرادوا به: خالص النسب من كل ما يعيبه.

وحكى أبو الوليد أنه روي في "سرو الشرب" أنه جلب الماء الذي يسقى به [من مستقره إلى الأصل الذي يستقى به]، و"الشرب"- مفتوحة الشين والراء: جمع شربة كذلك؛ وهي أحواض تصنع حول النخل والشجر وتملأ ماء، فتكون [منها] رير النخل والشجر، قال زهير: تخرجن من شربات ماؤها طحل ... على الجذوع يخفن الغم والغرقا - وقوله: "وقطع الجريد": هي جمع: جريدة، ويجمع على جرائد أيضاً؛ وهي أغصان النخل. "وجد التمر" وجداده: صرامه وهو قطافه. وقال أبو عمر: جد التمر: جمعه، وهو مثل حصاد الزرع، وقطاف العنب. و"الظفيرة" و"المسناة" و"العرمة" بمعنى واحد، وهي السد. و"الفرسك" الخوخ/ 86/أ. و"الأرض البيضاء": التي لا نبات فيها، والعرب تقول: لك سواد الأرض وبياضها، أي؛ ما فيها نبات وما لا نبات فيها، والخضرة عندهم جارية مجرى السواد؛ لأن الشيء إذا اشتدت خضرته قارب السواد؛ ولذلك قالوا لليل الأسود: أخضر، قال ذو الرمة: قد أعسف النازح المجهول معسفه ... في ظل أخضر يدعو هامة البوم

(الشرط في الرقيق في المساقاة)

أي: في ستر ليل أسود. و"الكراء" ممدود؛ لأنه مصدر كارى يكاري مكاراة وكراء، كما يقال؛ رامى يرامي مراماة ورماء. ولا يصلح قصره إلا أن تجعله كروة؛ وهي أجرة المكاري. يقال: أعطي الكري كروته، ولا مدخل له في هذا الباب. ويقال: اكتريت الشيء من غيره، وتكاريته أنا. و"الورق": الفضة- بكسر الراء- ويقال لها: رقة أيضاً، وتقدم بسط القول فيها في "الزكاة". (الشرط في الرقيق في المساقاة) - وقع في بعض الروايات: "إن أحسن ما سمع في عمل الرقيق" ويعتقد قوم أنه غلط. قال الشيخ- وفقه الله-: وليس عندي غلطاً، ولكن مجازه على وجهين: أحدهما: أن يكون "عمل" جمع عامل، كما قالوا: حارس، وحرس وغائب وغيب؛ وهو في الحقيقة اسم للجمع.

والثاني: أن يكون مما وضع فيه المصدر موضع الاسم، والمصدر إذا وضع موضع الاسم كان للواحد والاثنين والجميع، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، قال تعالى: {إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68)} أي: أضيافي. وقال زهير: هم بيننا فهم رضى وهم عدل - ويعني بـ "النضح" الاستقاء من البئر بالإبل والدواب النواضح وهي السواني، واحدها: ناضح، قال العباس بن مرداس: أراك إذا قد صرت للقوم ناضحاً ... يقال له بالنضح أدبر وأقبل - وقوله: "بعين واثنة" أي: غزيرة، وفسره في "الموطأ" وبالتاء مثناة عند الأصيلي وابن عتاب والطلمنكي، ولغيرهم بثاء مثلثة، والرواية المشهورة

[كتاب] كراء الأرض

عن يحيى بالتاء مثناة بنقطتين، وبالوجهين قرأها ابن بكير. يقال في اللغة: وتن يتن: دام. وقال ابن دريد: وثن- بالمثلثة مثل وتن، وليس بثبت، وقال صاحب "الغريبين": الواتن: الدائم. وفي الحديث: "أما تيماء فعين جارية، وأما خيبر فماء واتن". ([كتاب] كراء الأرض) يقال للأرض التي تزرع: مزرعة- بفتح الراء- ومزرعة بضمها،

وزراعة، واسم البذر الذي يبذر فيها الزريعة، بتخفيف الراء، وجمعها: زرايع، ونظيرها سفينة وسفاين قال الفرزدق: ودونه من الشام زراعاتها وقصورها

كتاب القراض

كتاب القراض (ما جاء في القراض) أهل الحجاز يسمونه: القراض، وأهل العراق لا يقولون: قراضاً بتة، وليس عندهم كتاب قراض، وإنما يقولون: مضاربة، وكتاب المضاربة، أخذوا ذلك من قوله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ}، وقوله [عز وجل]: {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ}، وفي قول الصحابة لعمر: "لو جعلته قراضاً"، ولم يقولوا مضاربة دليل على أنها لغتهم، وأنه المعروف عندهم. قيل في الأول: إنه مأخوذ من القرض؛ وهو القطع، كأنه قطع للعامل جزءاً من ماله، أو قطعه كله للعامل عن نفسه، وقيل: هو/ 86/ب مأخوذ من المساواة. يقال: قارض فلان فلاناً: إذا ساواه. وفي حديث أبي الدرداء: "قارض الناس ما قارضوك، فإنهم إن تركتهم لم يتركوك". وقيل في المضاربة: إنها مأخوذة من الضرب؛

أي ضرب معه في سهمه الذي في الرمح. - و"الجيش": العسكر، وسمي بذلك لكثرة حركته، من قولهم: جاشت القدر عند الغليان: إذا فارت، وجاش صدره، وجاشت نفسه: إذا همت بالخروج. قال ابن الإطنابة: وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي - وقوله: "فلما قفلا" أي: رجعا من السفر، يقال: قفل الجند يقفلون قفولاً وقفلاً، ولا يقال للرفقة قافلة حتى ترجع من السفر، وأما إذا رجعت فيقال لها: ناهضة. - ومعنى "رحب": توسع لهما في البر، ويحتمل أن يكون قال لهما: مرحباً وسهلاً، كما يقال للزائر. ومعنى قولهم: مرحباً: لقيت رحباً؛ أي

سعة. ومعنى: "سهلاً": لقيت أمراً سهلاً، ولم تجد أمراً صعباً. - وقوله: "متاعاً من متاع العراق" إنما جاز أن يبعض المتاع؛ لأنه اسم للجنس كله، ويقال لكل نوع منه، وكل صنف، وكل جزء: متاع، كما يقال للنوع كله، [كما يقال: الماء للجنس]، ويقال لكل قطعة منه: ماء، وهكذا جميع الأجناس والأنواع يسمى كل جزء منها باسم جملتها. - وقوله: "لو أقدر لكما على أمر" معناه: لو أقدر لكما على أمر لفعلته، فحذف جواب "لو" لما في الكلام من الدليل عليه. ورواه ابن وضاح: "لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت" فأظهر الجواب على ما يجب، ونظير حذف الجواب هنا قول عمر لأبي عبيدة بن الجراح: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة" ويأتي في موضعه [إن شاء الله]. - وأما رواية ابن وضاح: "فقال عمر: قال: أبنا أمير المؤمنين" فمعناه: فقال عمر: قال أبو موسى، وبه يتتم الكلام، وهو ساقط من رواية يحيى مراد في التقدير؛ وقد ذكرنا مراراً أن العرب تحذف القول من كلامها وهي تريده، كما قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ}. - ومن روى: "فأربحا"- بفتح الهمزة والباء- فمعناه: صادفا ربحاً كثيراً، وهو من باب قولهم: أجدبت الأرض، أي: وجدتها جدبة، وأيبستها،

(ما لا يجوز من الشرط في القراض)

أي: وجدتها يابسة النبات، وأهيجتها، أي: وجدتها هائجة النبات، قال رؤبة: وأهيج الخلصاء من ذات البرق ومن روى: "فأربحا"- بضم الهمزة وكسر الباء- فمعناه: أعطيا الربح، من قولهم: أربحت الرجل في السلعة: إذا أعطيته الربح فيها. (ما لا يجوز من الشرط في القراض) - تقدم أن "الكراء" ممدود مصدر من كارى يكاري، فإن جعلتها جمع: كروة- مكسورة الكاف- قلت كرى مقصور. والكروة: ما يعطى المكارى من حقه الذي كوري به. - وقوله: "ولا مرفق" فيه لغتان: فتح الميم وكسر الفاء، وكسر الميم وفتح الفاء، وباللغتين جميعاً قرأ القراء قوله تعالى: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً} وتجوز اللغتان في مرفق الإنسان أيضاً. - و"الإجارة"- مكسورة الهمزة-، فإذا قلت: أجرة ضممت الهمزة، فإذا قلت: أجر فذكرته فتحت الهمزة، وكان مصدر أجرته مقصور الهمزة، فإن قلت: آجرتته فمددت الهمزة قلت في المصدر: مؤاجرة.

(الكراء في القراض)

- وقوله: "فإذا وفر المال" معناه: كمل ولم ينقص منه شيء، وهذا الفعل من الأفعال التي تكون قبل النقل وبعده ثلاثية لا تدخلها همزة النقل. يقال: وفر الشيء ووفرته أنا، ومنه قيل: شيء وافر وموفور./ 87/أ - و"الوضيعة": الخسارة والنقص، والفعل منها: وضع الرجل، على صيغة فعل ما لم يسم فاعله، كما يقال: غبن وخدع ووكس، فكلها سواء. - ويجوز فتح الراء من "المقارض" وهو الوجه الذي رويناه ويجوز كسره؛ لأنه فعل من اثنين، وكل واحد منهما مقارض لصاحبه، وصاحبه مقارض له، بمنزلة المجالس والمشارب. (الكراء في القراض) - قوله: "فبار عليه": أي كسد. يقال: بارت السوق: كسدت، ورجل جائر بائر. (التعدي في القراض) - وقع في بعض الروايات: "فإن كان فضلاً بعد وفاء المال" بالنصب،

(ما يجوز من النفقة في القراض)

وفي بعضها: "فضل" بالرفع، والوجه الرفع، و"كان" هنا تامة لا خبر لها، كالتي في قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}. - و"النماء": الزيادة ممدود، والفعل منه نمى ينمي، وهي اللغة الفصيحة، ونما ينمو، ويروى بيت الراجز على وجهين: يا حب ليلى لا تغير وازدد وانم كما ينمي الخضاب في اليد وانم كما ينمو ... - وفي بعض النسخ: "إن شاء شركة في السلعة" وفي بعضها: "أشركه" وهما جائزان، يقال: شركت الرجل- بكسر الراء- وأشركت غيري. (ما يجوز من النفقة في القراض) - قوله: "فإذا شخص فيه العامل" أي: خرج من موضع إلى موضع، وهو مفتوح الخاء، وكسرها خطأ، والشخوص: ضد الهبوط، وليس يقال:

(ما لا يجوز من النفقة في القراض)

شخص بالكسر إلا في عظم الشخص، وهو الجسم، وما سواه مفتوح. - وقوله: "فإن كان إنما يتجر في المال". كذا في بعض النسخ بسكون التاء وضم الجيم، وفي بعضها: "يتجر" بتشديد التاء وكسر الجيم، وهما سواء. - وتقدم أنه يقال: "كسوة" و"كسوة". (ما لا يجوز من النفقة في القراض) تقدم أن "مكافئ" مهموز، ويجوز تخفيف الهمزة، وكذلك هو في بعض النسخ، قال الشاعر- يصف إبلاً-: هجان يكافأ فيها الصديـ ... ـق ويدرك فيها المنى الراغب - وفي بعض النسخ: "فإن حلله ذلك"، وفي بعضها: "فإن حل له ذلك" وكلاهما صحيح جائز، والأصل أن يكون باللام، وتحذف تخفيفاً، كما يقال: كلته الطعام، ووزنته الداراهم، والأصل: كلت له، ووزنت له، قال

(المحاسبة في القراض)

تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}. (المحاسبة في القراض) - في بعض النسخ: "فأدركوه ببلد غائب" بالخفض على الصفة للبلد، وفي بعضها: "غائباً" بالنصب على الحال من الضمير في "أدركوه". - وقوله: "عرض مربح" يمكن أن يكون بمعنى ذي ربح، ومثله: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} أي: ذات انفطار. ويمكن أن يكون بمعنى يجعل صاحبه يربح. - ووقع في بعض الروايات: "فأرادوا أن يباع لهم العرض فيأخذون حصته من الربح". وكان الوجه: "فيأخذوا" بإسقاط النون، ووجه إثبات النون أن يجعل خبر مبتدأ مضمر، كأنه قال: فهم يأخذون. وإنما يحسن مثل هذا، إذا كان الفعل الثاني مخالفاً للأول، وغير داخل في معناه، كما قال الشاعر: على الحكم المأتي يوماً إذا قضى ... قضيته أن لا يجوز ويقصد فهو لا يحسن فيه إلا الرفع. - وقوله: "حتى يحضر صاحب المال فيأخذ ماله، ثم يقتسمان الربح". كذا الرواية برفع: "يأخذ" و"يقسمان" على إضمار مبتدأ، كأنه قال: هو يأخذهما، ثم هما يقتسمان، والنصب/ 87/ب جائز.

(جامع ما جاء في القراض)

- وأما قوله: "حتى يستوفي صاحب المال رأس ماله، ثم يقتسمان ما بقي بينهما". بإثبات النون ههنا، فالرفع هو الوجه، وكذلك قوله بعد ذلك: "ثم يقتسمان الربح بينهما، ثم يرد إليه الماء إن شاء، أو يحبسه" الرفع في هذا كله لا يجوز غيره. - وقوله: "مخافة أن يكون قد نقص فيه". وكان الوجه: قد نقص منه؛ لأن هذا الفعل يتعدى بـ "من"، لا بـ "في"، كقوله تعالى: {أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3)}، ولكنه كلام محمول على المعنى؛ لأن المعنى: أحدث فيه نقصاً، كما قال الشاعر: إذا رضيت علي بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها فحمله على المعنى [لأنها] إذا رضيت عليه أقبلت بودها عليه، فأجرى الرضا مجرى الإقبال إذ كان بمعناه. (جامع ما جاء في القراض) - "خلق الثوب" [16] بفتح اللام وضمها وكسرها، أي: بلي، وخلق الشيء خلوقة، فهو خلق، وثوب أخلاق، وثياب خلقان. ومعنى: "تافهاً": أي حقيراً يسيراً. وفي "المختصر": تفه تفهاً

وتفوهاً؛ إذا قل وخس. و"الخطب": الأمر، وجمعه: خطوب. - و"الشاذكونة"- بكسر الذال-: فراش النوم المعلوم.

كتاب الشفعة

كتاب الشفعة (ما تقع فيه الشفعة) - سميت شفعة؛ لأن الرجل كان في الجاهلية إذا أراد بيع منزل، أو حائط أتى الجار أو الشريك أو الصاحب، فيستشفع إليه فيما باع بقوم يشفعون له؛ ليخصه بذلك دون غيره، فسميت بذلك شفعة، وسمى صاحبها شفيعاً، ومعناه أنه مشفوع له، كما يقال: قتيل بمعنى مقتول، وجريج بمعنى مجروح. وقد يكون شفيع في غير هذا الموضع بمعنى شافع؛ لأن "فعيلاً" قد يكون بمعنى فاعل، كما يقال: عليم بمعنى عالم، كما قال تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100)}، وكما قال قيس بن ذريح: فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع

- و"الشقص": النصيب والقطعة من الشيء، كما يقال: القسم للجزء من الشيء المقسوم. وفي الحديث: "من باع الخمر فليشقص الخنازير" أي: ليفصلها كما يفصل الجزار اللحم. - وقوله: "على قدر حصصهم". يجوز فيه فتح الدال وتسكينها، وكذلك قرأت القراء: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} بالوجهين جميعاً. - وقوله: "إن كان قليلاً فقليلاً، وإن كان كثيراً فبقدره". وفي بعض الروايات: "وإن كان كثيراً فكثيراً". كذا رويناه بالنصب، وكذا رأيته في سائر النسخ، وهو صحيح، وتقديره في العربية: إن كان النصيب قليلاً فيكونا المأخوذ قليلاً، وإن كان النصيب كثيراً فيكون المأخوذ كثيراً، ولو رفع رافع القليل الثاني، والكثير الثاني كان جائز، وارتفاعهما على إضمار مبتدأ كأنه قال: إن كان النصيب قليلاً فالمأخوذ بالشفعة قليل، وإن [كان النصيب] كثيراً فالمأخوذ كثير. - و"تشاحوا": تفاعلوا من الشح. - ووقع في نسخ "الموطأ": "فسلم بعض من له الشفعة للبائع". وهو غلط، وإنما الصواب للمشتري، ولا وجه لذكر البائع هنا، إلا أن [يراد به] المشتري؛ لأن العرب تقول: بعت الشيء: إذا اشتريته، وتقدم فيما مضى.

(ما لا تقع فيه الشفعة)

وبيت النابغة: وفارقت وهي لم تحرب وباع لها* البيت - ووقع في بعض النسخ: "وشركاؤه غيب" بفتح الغين والياء/ 88/أخفيفة، وفي بعضها: "غيب" بضم الغين وتشديد الياء، وكلاهما صحيح. - وقوله: "حتى يقدموا" مفتوح الدال لا يجوز غيره. - وقوله: "فسلم بعض من له فيها الشفعة". ومفعول "سلم" محذوف للعلم به، أراد: سلم حصته، أو نصيبه ونحوه، والعرب تحذف المفعول اختصاراً إذا لم يكن في حذفه إشكال، كقول النابغة الجعدي: حتى لحقنا بهم تعدو فوارسنا ... كأننا رعن قف يرفع الآلآ أراد تعدي فوارسنا الخيل، فحذف الخيل حين علم ما أراد. (ما لا تقع فيه الشفعة) - قوله: "ولا [في] فحل النخل" [4]. كذا الرواية، وكان الأصمعي يقول: إنما يقال: فحال النخل ولا يقال: فحل إلا للحيوان، وهذا غير

صحيح على الإطلاق، وإنما يجب أن نقول: أكثر ما يقال في النخل فحال، وفحل قليل، وأنشد يعقوب: إذ ظن أهل النخل بالفحول - وفي بعض النسخ: "ولا في طريق صلح القسم فيه". وفي بعضها: "فيها" وكلاهما جائز؛ لأن الطريق يذكر ويؤنث، ويقال: "صلح" بفتح اللام، و"صلح" بضمها، والفتح أفصح. - و"عرصة الدار" مفتوحة العين ولا تكسر، وقد أولعت العامة بكسرها،

وسميت عرصة؛ لأن الصبيان يعرصون فيها، أي: يلعبون. - و"الغلة": مفتوحة الغين والعامة تكسرها. - وقوله: "إلى يوم يثبت حق الآخر" يجوز "يوم" بالنصب، و"يوم" بالخفض، وتقدم. ويقال: ضمن الشيء يضمنه- بكسر الميم- من الماضي، وفتحها من المستقبل. و"العمارة" بكسر العين ولا تفتح.

كتاب العتاقة

كتاب العتاقة - يقال للتخلص من العبودية والرق: عتق- بكسر العين-، وعتاق وعتاقة- بفتح العين-، والفعل: عتق- بفتح التاء- من الماضي، وأما المستقبل فيجوز فيه ضم التاء وكسرها. ويقال في الحسن والجمال: عتق وعتاقة، كما قيل في الرق، ولم يقولوا: عتاق بغير هاء، والفعل منه عتق يعتق- بضم التاء-، ويقال في القدم: عتق وعتق- بكسر العين وضمها من الماضي وضمها من المستقبل. - و"الولاء" [1] ممدود، مفتوح الواو، ولا يجوز غيره، والقصر خطأ. قال الحارث بن حلزة اليشكري:

(من أعتق رقيقا لا يملك مالا غيرهم)

زعموا أن من ضرب العيـ ... ـر موال لنا وأنا الولاء وأصل "الشرك": أن يكون مصدراً، من شركته في الأمر أشركه- بكسر الراء- في الماضي، وفتحها في المستقبل، ثم سمي الشيء المشترك فيه شركاً، كما تسمى الأسماء بالمصادر. و"الشقص"- بكسر الشين وتسكين القاف-: النصيب من الشيء، وتقدم. و"بت الشيء" يبته ويبته- بكسر الباء وضمها. (من أعتق رقيقاً لا يملك مالاً غيرهم) - قوله: "فأعتق ثلث تلك العبيد" [3] كذا الرواية، وفيه شيئان متضادان: أحدهما: أنه أنث الإشارة على معنى الجماعة، كما قال تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا}، وأفرد الخطاب بالكاف، وهو معنى الجمع، كما قال تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)}، والمخاطبون بالكاف والميم في قوله: "عنكم" و"لعلكم" هم المخاطبون بقوله: "ذلك" بأعيانهم، فكان يقول "ذلكم"، كما قال في موضع آخر: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}، ولكن العرب تفعل هذا بذلك خصوصاً دون غيره. وعلى هذا المعنى قال: "فأمر أبان بن عثمان بتلك الرقيق فقسمت". فإن قيل: فلعله أراد

نساء، فلذلك أنث. قيل: يمنع من هذا التوهم قوله:/ 88/ب "ثم أسهم على أيهم"، فذكر الضمير، ولم يقل: على أيتهن، وكذلك قال: "فيعتقون" ولم يقل: فيعتقن، وفي هذا أيضاً شيء آخر يسأل عنه، وهو أن الإشارة بـ "تلك" و"ذلك" ونحوهما إنما تكون إلى مشاهد بعيد، فكيف جازت الإشارة هنا لغائبين؟ وذلك أن العرب تجري الشيء إذا جرى ذكره في لفظ المتكلم مجرى ما قد حضر شخصه، وكذلك قال المفسرون في قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ}: إن الإشارة وقعت إلى الكتاب الذي كانوا وعدوا به في كتب الله القديمة، وقد قال الله تعالى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}، فأجري ما جرى ذكره في الكلام مجرى الحاضر، ويجوز أن يكون أيضاً على معنى الحكاية، وعليه تأوله الفارسي. وقد يشار أيضاً إلى الشيء المتوقع المنتظر إذا قرب من الحضور، فيجرى مجرى الحاضر، فيقال: هذا الشاء، وهذا الأمير قادم، ويقول الكاتب في الوثائق: "هذا ما شهد عليه الشهود"، وهذه كلها مجازات في كلام العرب. - وقوله أيضاً في حديث ربيعة: "فأعتق رقيقاً له كلهم" طريف؛ لأن النحويين لا يجيزون: رأيت قوماً كلهم، لأن التأكيد بـ "كلهم"، و"أجمعين"

(مال العبد إذا أعتق)

إنما يكون للمعارف، وأجاز الكوفيون تأكيد النكرة إذا كانت معروفة المقدار، كقولك: قبضت درهماً كله، وقبضت درهمين كلهما، ولم يجيزوا قبضت دراهم كلها؛ لأنها مجهولة المقدار، وهذا كله خطأ عند البصريين لا يجيزون شيئاً منه، فالوجه في هذا الحديث: أن يجعل كلهم بدلاً من الرقيق لا تأكيداً؛ لأن "كلاً" قد يستعمل في كلام العرب غير تابع لما قبله على معنى التأكيد، فيقال: كل القوم ذاهبون، ويقال: جاءني كل القوم، فيستعمل اسماً غير تابع يبدأ به، ويلي العوامل قال تعالى: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}، وقال: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)}. ولو قال قائل: إن كلهم في الحديث تأكيد لرقيق كان ذلك جائزاً؛ لأن قوله: "له" في موضع الصفة لرقيق، والنكرة إذا وصفت قربت من المعرفة، لكان قد قال قولاً ولكنه مستكرة، فالوجه فيه حمله على ما قلناه أولاً. (مال العبد إذا أعتق) - قوله: "ومما يبين ذلك أن العبد" [5]. "أن" بدل من ذلك. (عتق أمهات الأولاد وجامع القضاء في العتاقة) - قوله: "وهو يستمتع منها" [6] كذا الرواية، وكان الأظهر أن يقال: "يستمتع بها"، ومن قال: "يستمتع منها" فهو جائز أيضاً، على معنى ينال

(ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة)

متعتها منها. - ووقع في بعض النسخ: "ولا تجوز عتاقة المولى عليه ماله" [7]. وسقط ذكر "المال" من بعض النسخ، وكلاهما صحيح، فمن ذكر المال فمعناه: المحجور عليه ماله. يقال: حجر على الرجل ماله؛ إذا منع منه. (ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة) - قوله: "فأسفت عليها" [8]. الأسف على معنيين، يكون الحزن المفرط، ويكون الغضب، قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أي: أغضبونا، فإن جعلت الأسف ههنا بمعنى الحزن كان الضمير في "عليها" يرجع إلى الشاة، وإن جعلته بمعنى الغضب كان الضمير عائداً إلى الجارية. - وقوله: "وكنت من بني آدم". هذا كلام طريف يعترض عليه، فيقال: حكم الأخبار أن تفيد فائدة يمكن أن يجهلها المخاطب، وليس/ 89/أيشك أحد في أنه من بني آدم، وفي تخصيصه أنه كذلك فيما مضى إشكال أيضاً؛ لأنه من بني آدم في الماضي والحال والمستقبل. والجواب: أن هذا من الأشياء التي يوضع السبب فيها مكان المسبب، وإنما أراد أنه اعتراه الطيش وضيق الصدر، كما يعتري الناس، فذكر البشرية التي هي سبب النقصان، والمانعة من الكمال،

(فضل [عتق] الرقاب وعتق الزانية وابن زنا)

واكتفى بها عن المسبب، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر"، وإنما ذكر الماضي؛ لأنه أراد حرجت وغضبت لأني من بني آدم، فذكر الماضي من الكون؛ لأنه سبب لوقوع أمر قد مضى، وقد يجيء لما لا فائدة فيه إذا جعل مقدمة لشيء فيه فائدة. - وتقدم أنه يقال: "المقبري" و"المقبري" [10] إذ يقال: مقبرة، ومقبرة، وحكى بعضهم: مقبرة. - وقوله: "ذلك يجزئ عنه". الوجه فيه فتح الياء، وترك الهمزة؛ لأنه يقال: جزى عني الشيء يجزي: إذا قضى عنك، فإذا أردت معنى الكفاية قلت: أجزأ عنك. (فضل [عتق] الرقاب وعتق الزانية وابن زناً) - قوله: "أغلاها ثمناً" [15] يروى بالغين معجمة وغير معجمة، ومعناها

(مصير الولاء لمن أعتق)

متقارب؛ لأن الأغلى لا يكون- على الأكثر- إلا على الأعلى. (مصير الولاء لمن أعتق) - تقدم أول الكتاب أن "الولاء" مفتوح الواو وممدود، ولا يجوز غيره، والاستشهاد ببيت الحارث بن حلزة فيه: وأنى الولاء - وقوله: "واشترطي لهم الولاء" [17] هكذا رواه جمهور الرواة، ورواه الشافعي عن مالك على ما ذكره الطحاوي: "واشرطي" ومعناه على الوجهين: أظهري لهم حكم الولاء، وعرفيهم أن الولاء لمن أعتق؛ لأن الإشراط هو الإظهار في كلام العرب، قال أوس بن حجر: فأشراط فيها نفسه وهو معصم ... وألقى بأسباب له وتوكلا يعني أظهر نفسه لما حاول أن يفعل. ومنه أشراط الساعة: ظهور أعلامها. وقيل: اشرطي لهم الولاء، أي: اشرطي عليهم، كقوله عز وجل: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا} أي: فعليها، وكقوله تعالى:

(جر العبد الولاء إذا أعتق)

{لَهُمْ اللَّعْنَةُ} أي: عليهم اللعنة، وقوله تعالى: {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)}. قال الشيخ- وفقه الله-: وهذا لا يظهر لما يأتي، ويجوز أن يكون معناه الوعيد والتهاون لمن خالف ما أمر به، كقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ ..} الآية، ثم قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)} تهاوناً بفعل من فعل عنه، وتحذيراً من مواقعة مثل ذلك. - وقوله: "نبيعكيها" [18]. تقدم في "الجنائز" أن بعض العرب يزيد ياء بعد الكاف، وقال سيبويه، لأنه أشد توكيداً في الفصل بين المذكر والمؤنث، فانظره هناك مجوداً مستوفى. (جر العبد الولاء إذا أعتق) - "الجريرة" [21] الجناية حيث وقعت، أي: ما جر عليهم من تباعة. - و"العقل": الدية وأروش الجنايات، وبه سميت العاقلة لالتزامهم إياه

(ميراث الولاء)

عن وليهم؛ لأنهم كانوا يعقلون إبل الدية على باب أولياء المقتول./89/ب (ميراث الولاء) - وقوله: "ورجل لعلة" [22]. أي: من أم أخرى، وبنو العلات: بنو أمهات شتى. - وقوله: "أحرزت ما كان أبي أحرزه" يعني من الولاء؛ أي: أحرزه وانفرد به. والحرز: ما أحرزت من شيء. - و"أبان" تقدم الكلام عليه أول الكتاب. - وقوله: "شرع سواء". أي: مثلان، كما قال: سواء. - قال الشيخ- وفقه الله-: وبفتح الراء تقيد في كتابي، وكذلك قيده عياض، وقيده التياني في نسختي من "العين": شرع وشرع بالتثقيل والتخفيف، وكذا نص عليه صاحب "العين"، فقال: يثقل ويخفف. (ميراث السائبة وولاء من أعتق اليهودي والنصراني) - قوله: "ميراث السائبة": هو العبد يعتق سائبة، وأصله من قوله تعالى: {وَلا سَائِبَةٍ} كانوا إذا نذروا نذراً قالوا: ناقتي سائبة، فتسرح لا

تمنع من مرعى ولا ماء، ولا ينتفع بها، وقيل: كانت الناقة إذا تابعت بين اثنتى عشرة أنثى ليس بينهن ذكر سيبت، فلم تركب ولم تحلب ولم تنحر ولم يجز وبرها.

كتاب المكاتب

كتاب المكاتب (القضاء في المكاتب) من الناس من يقول: الكتابة- بفتح الكاف- يجعلها بمنزلة العتاقة والقطاعة، ويجعل الكتابة- بكسر الكاف-: صناعة الكتاب، ومنهم من يكسر الكاف. - وقوله: "وله جارية بها حبل منه" [3]. الحبل: اسم للجنين، ومنه قوله: "وسقطان الحبل"، وهو أيضاً مصدر حبلت تحبل حبلاً، والمعدى الإحبال، ومنه: "بيع حبل الحبلة"- بفتح الباء فيهما-، وقيل: في الأول بسكون الباء، والفتح فيهما أبين. وفسره ابن عمر: بأنه البيع إلى أن تنتج الناقة، ثم ينتج نتاجها. (الحمالة في الكتابة) - وقع في بعض النسخ: "أن العبيد إذا كاتبوها جميعاً" [4]. وفي بعضها: "إذا كوتبوا"، والمعنى يرجع إلى شيء واحد؛ لأن المكاتبة فعل لا يقع من

واحد، إنما يقع من اثنين فصاعداً، فالعبيد مكاتبون ومكاتبون، وكذلك سيدهم مكاتب ومكاتب. - و"حملاء": جمع حميل، وهو الكفيل. - و"عجزت" بفتح الجيم، وكسرها خطأ، إنما يقال: عجز- بكسر الجيم-: إذا عظمت عجيزته؛ وهي الكفل، فأما العجز عن الشيء والكسل فإنما يقال فيه: عجز يعجز- بفتح الجيم من الماضي وضمها من المضارع. - "ورق يرق" على مثال فر يفر. - وقوله: "لم ينبغ لسيده أن يحمل له الكتابة" كذا وقع في بعض النسخ، وفي بعضها: "يتحمل" وهما سواء. يقال: تحملت بالشيء، كقولك: تكفلت، وحملت به، كقولك: كفلت، ومنه قيل: حميل وحامل، كما قيل: كفيل وكافل، وتقدم القول في الكتابة وأن منهم من يفتح الكاف، ومنهم من يكسرها. - وقوله: "فتحمل السيد المكاتب بها" أي: تكفل، ويروى: "فيتحمل" كقوله: "فيتكفل". - وقوله: "لم يحاص الغرماء سيده". هو يفاعل من الحصة، وهي النصيب، وأصله يحاصص، فأدغمت إحدى الصادين في الثانية، فصارت

(القطاعة في الكتابة)

صاداً شديدة كقوله تعالى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} يقال: حاصصت الرجل محاصة وحصاصاً. (القطاعة في الكتابة) - "القطاعة"/ 90/أذلك خلافاً، وأما الخلاف ففي الكتابة على ما تقدم. - و"الورق" [5] بكسر الراء: المال من الدراهم، فإن كان من الحيوان فهو ورق- بفتح الراء-. - وقوله: "ثم جاز ذلك" وقع في بعض النسخ بالحاء غير معجمة، وهي رواية ابن وضاح، أي: قبض ذلك. ووقع في بعضها: "جاز" بالجيم، أي: نفذ وتم. - وقوله: "تفضله" الرواية هكذا بتشديد الضاد، وكذا "يبدأ" بتشديد الدال. (جراح المكاتب) - "الجرح" [6]- بفتح الجيم-: الاسم، ويجمع الجرح على جراح وجروح وأجراح، ويقال أيضاً: جراحة، فتلحق تاء التأنيث علامة لأبنية الجماعة، كما قالوا: فحالة وجمالة، وتجمع جراحة على جراحات، كما

قالوا: جمالة وجمالات، وقرئ [قوله تعالى]: {كَأَنَّهُ جِمَلَتٌ صُفْرٌ (33)} و {جِمَالاتٌ}. وزعم سيبويه: أنه لا يقال: أجراح، وأجاز ذلك غيره، وأنشد لعبدة بن الطبيب: مجرحات بأجراح ومقتول وفي تسميتهم الدية عقلاً قولان: قال قوم سميت بذلك؛ لأن الإبل

كانت تجمع وتعقل بفناء ولي المقتول، أي: تشد قوائمها بالعقال، والعقل في الحقيقة إنما هو مصدر من عقلت البعير وغيره عقلاً، ثم سمي المعقول عقلاً بالمصدر، كما قالوا: درهم ضرب الأمير، وضرب بلد كذا، أي: مضروب، وثوب نسج اليمن، أي: منسوجه، ثم سمي ما يؤخذ مكان الإبل من ذهب ودراهم عقلاً على مذهبهم في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، وتقدم منه شيء، فهذا قول. وقال قوم: سميت الدية عقلاً؛ لأنها تعقل الأيدي، أي: تكفها عن الاستطالة والتعدي؛ ففي هذا القول مجاز واحد، وهو تسمية ما ليس بمصدر بالمصدر. وفي القول الأول مجازان: أحدهما هذا، والثاني: نقل الاسم عما يعقل إلى ما لا يعقل، والعقل في هذا القول مصدر وقع موقع المفعول، كالقسم والضرب. ويسمى ما دون الدية مما يؤخذ على الجراحات أرشاً، واشتقاقه من أرشت الشر بين القوم تأريشاً: إذا هيجته. - وقوله: "فإن [هو] عجز عن أداء عقل [ذلك] الجرح" "أداء" مفتوح الهمزة ممدود، وليس بمصدر في الحقيقة، ولكنه اسم موضوع موضعه، وإنما المصدر التأدية، قال زهير: فلا ينجيكم إلا الأداء

(سعي المكاتب)

وتقدم أن الصواب: عتق العبد يعتق. - وقوله: "أو معضوب الجسد" يقال: عضبت الشيء عضباً، فأنا عاضب وهو معضوب: إذا قطعته، ومنه قيل: سيف عضب، ويستعمل ذلك في القرن إذا كسر، فإن نسبت ذلك إلى الشيء المنقطع أو المنكسر قيل: عضب يعضب عضباً، بكسر الضاد من الفعل الماضي وفتحها من الفعل المضارع والمصدر، ومنه قيل: كبش أعضب، وشاة عضباء: إذا انكسرت قرونها. (سعي المكاتب) - "الرحم" [8]: النسب، والاتصال الذي يجمعه: رحم والدة، فسمي المعنى باسم ذلك المحل؛ تقريباً للأفهام، واستعارة جارية في فصيح الكلام. يقال: رحم، ورحم، ورحم، ومنه قوله عليه السلام: "الرحم معلقة بالعرش" وليست بجسم فيصح منها القيام والتعلق والكلام، وإنما هي استعارة، وتقريب على ما تقدم، ليفهم الخلق عظيم حقها، ووجوب صلة المتصفين بها، وعظم الإثم في قطعها. (عتق المكاتب إذا أدى ما عليه قبل محله) "محل" الشيء و""محله"- بكسر الحاء وفتحها-: وقته الذي يجب فيه وكذلك موضعه. يقال: هذا محل آخر، ومحل آخر، وقرأت/ 90/ب القراء: {حَتَّى

(ميراث المكاتب إذا عتق)

يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} و {مَحَلَّهُ} وتقدم. وكذلك تقدم: "فرافصة" وذكر ابن قتيبة أنه مضموم الفاء، قال: ولا يجوز فتحها، وحكى ابن أبو حاتم السجستاني الفرافصة- بفتح الفاء-: اسم رجل، وبضمها: الأسد، وحكى أبو علي البغدادي، عن أبي بكر بن الأنباري، عن أبيه، عن أشياخه قالوا: كل ما في العرب: فرافصة- بضم الفاء- إلا فرافصة أبا نائلة امرأة عثمان بن عفان، فإنه بفتح الفاء. (ميراث المكاتب إذا عتق) - "السوية" [10]. والسواء: اسمان للاستواء، وليسا بمصدرين، إنما المصدر: الاستواء، ويسمى الشيء المستوي؛ ولذلك قالوا للعدل والإنصاف: سوية وسواء، قال الشاعر: ألا إن السوية أن تضاموا

(الشرط في المكاتب)

وقال زهير: أرونا سنة لا عيب فيها ... يسوي بيننا فيها السواء ويقال لوسط الشيء: سواء؛ لأنه عادل بين الطرفين ويقال للبرذعة: سوية؛ لأنها تسوي الحمل على الظهر، ويستعمل "سواء" أيضاً بمعنى "غير" لأن اعتدال كل موجود إنما يكون بأن يكون له غير، إذ كانت الوحدانية المحضة إنما هي لله عز وجل. - و"العصبة": جمع عاصب، كما يقال: كافر وكفرة وأصل العصب: ضم الشيء من جوانبه وحصره، سموا بذلك لإحاطتهم بالإنسان. يقال: عصبت به القوم: إذا اجتمعوا حوله. - و"الولاء" من العتق، والموالاة ممدود، ولا يجوز قصره وتقدم. (الشرط في المكاتب) تقدم أنه يقال: "ضحية" مشددة، و"أضحية" كذلك، ويقال: أضحاة أيضاً، والجمع أضحى منون، مثل أرطاة وارطى، وأضاح مثل جوار، وضحية وضحايا مثل هدية وهدايا.

(ولاء المكاتب إذا أعتق)

وأصل "المحو": محو الكتاب يقال: محوت الكتاب أمحوه ومحيته أمحاه: إذ أذهبت خطه وأزلته. - و"يجحف بماله" أي: يستأصله، وأجحف بهم الدهر: أي: استأصلهم بالهلاك، ومنه: سيل الجحاف، وبه سمي الجحفة. (ولاء المكاتب إذا أعتق) - "قوله: ويشح الآخر" [12]. الشح: هو البخل وشدة الحرص، ورجل شحيح وشحاح، وشححت أنا أشح وأشح شحاً بالفتح، والاسم الشح بالضم، وقيل: الشح عام كالجنس، والبخل خاص في أفراد الأمور كالنوع له. (ما لا يجوز من عتق المكاتب) - وقوله: "فليس مؤامراتهم بشيء" [13] أي: مشاورتهم، وفي الحديث- في المخطوبة-: "فآمرت نفسها"، بالمد أي: شاورتها ومنه قول عمر هنا: "أنا في أمر أأتمره" أي: أشاور نفسي فيه. - وقوله: "فيعمد السيد" أي: يقصد، يقال: عمدت بفتح الميم، أعمد

(جامع ما جاء في عتق المكاتب وأم ولده)

بكسرها: قصدت، وعمده الحب والحزن: ذله فواده. (جامع ما جاء في عتق المكاتب وأم ولده) - وقوله: "ينفذ ذلك عليه" [14] أي: يمضي، نفذ أمره: إذا مضى وامتثل وفي الحديث: "فينفذهم البصر" بضم الياء رواه بعضهم، أي: يخرقهم ويتجاوزهم، ورواه الكافة بفتحها؛ أي: يحيط بهم الرائي لا يخفى عليه منهم شيء: لاستواء الأرض؛ أي: ليس فيها، حيث يستتر أحد عن الرائي، وهو أول من قول أبي عبيد: يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه؛ إذ رؤية الله محيطة بهم في كل حال في الصعيد المستوي، وفي غيره، يقال: نفذه بصره: إذا بلغه وجاوزه. (الوصية في المكاتب) - قوله:/ 91/أ "فأوصى له سيده بالمائة الدرهم" [15]. كذا الرواية، وهي لغة لبعض العرب يجرون باب العدد مجرى باب الحسن الوجه، فيدخلون الألف واللام على الاسمين جميعاً، واللغة الفصيحة إدخال الألف واللام على الثاني دون الأول؛ فأما من أدخلها على الاسم الأول دون الثاني فإنه خطأ لا يجوز، ومضى نحوها، وقد أولعت العامة، فيقولون: المائة

درهم، والثوب خز ونحوه. - وقوله: "ضمنوه" الميم مكسورة لا يجوز فتحها. يقال: ضمن يضمن على مثال سمع يسمع. - وقوله: "فجعل لتلك الألف التي من أول [الكتابة] حصتها" كذا الرواية لم تختلف في ذلك النسخ، والأشهر في الألف التذكير، ويجوز تأنيثه على المعنى إذا عبر به عن مؤنث، والتذكير لغة في القرآن، قال تعالى: {بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} فذكر وجمع، وتقدم أن "الأداء" مخفف الدال مفتوح الهمزة.

كتاب المدبر

(كتاب المدبر) - "المدبر": ما أعتق عن دبر، ومعناه: تأخير عتقه عن حياة المدبر؛ ومنه الحديث: "حتى يدبرنا" أي نتقدمه ويبقى خلفنا، ويقال: دبره يدبره ويدبرهم: إذا بقي بعده. و"الوليد" [1]: كناية عما ولد من الإماء في ملك الرجل. (جامع ما جاء في التدبير) - وقع في بعض النسخ: "عجلني العتق" بالنون، وكذا رويته من طريق أبي الوليد وفي بعضها: "عجل لي" باللام، وكذا رويناه من طريق أبي عمر، والأصل اللام، وإنما تحذف مجازاً وتخفيفاً، وهذا كقولهم: زن لي درهماً، ثم يحذفون اللام، ومثله: كل لي قفيزاً وكلني، قال تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}. - وقوله: "يثبت له العتق، وصارت الخمسون ديناراً [ديناً عليه، وجازت

(بيع المدبر)

شهادته] وتثبت حرمته"، كذا الرواية، وكان الوجه أن تجعل الألفاظ كلها بلفظ الفعل المضارع، أو بلفظ الفعل الماضي، ولكن العرب ربما استعملت أحدهما مكان الآخر، وتقدم ذلك. - وقوله: "حتى يؤيس من المال الغائب" [2] كذا وقع في الرواية لجماعة من الرواة، وهو الصحيح، ووقع في بعض الروايات: "حتى يتبين"، وهكذا رواه ابن وضاح، وكذا وجد في كتاب أبي عمر، وكذا قيدته في كتابي والوجه في هذه الرواية أن تجعل "من" زائدة على مذهب الأخفش والكسائي؛ لأنهما حكيا: أن "من" تزاد في الكلام الواجب، وذلك خطأ عند سيبويه وأصحابه، وإنما تزاد "من" عندهم في النفي، كقوله: ما جاءني من رجل، وأظنه تصحيفاً وقع في الكتاب، من بعض الرواة من يؤيس، ولعله كان: "حتى يتبين أمر المال الغائب" فسقطت الألف. (بيع المدبر) - قوله: "فإن رهق سيده دين" [6] أي: لزمه أداؤه، وضيق عليه؛ ومنه: "فلما رهقوه": أي غشوه. قيل: ولا يستعمل إلا في المكروه. وذكر

(جراح المدبر)

صاحب "الأفعال" فيما جاء على فعل- بالكسر- رهق الرجل، ما يكره: غشيه، ورهقت القبلة، أي: دنوت منها في الصلاة. وقال ابن الأعرابي: رهقته وأرهقته بمعنى: دنوت منه، وقال أبو زيد: أرهقنا نحن: أرناها، ورهقت الصلاة: إذا حانت. (جراح المدبر) - قوله: "يقاصه" [7]. هو يفاعله من القصاص. وأصله: يقاصصه، فأدغمت الصاد الأولى في الثانية. يقال: قاصصته أقاصه مقاصة وقصاصاً. - و"الموضحة" من الشجاج: هي التي توضح عن العظم، أي: تظهر وضحه؛ وهو بياضه. (جراح أم الولد) / 91/ب - قوله: "إن عقل ذلك الجرح ضامن على سيدها" [8]. أي: واجب عليه ولازم له وهو مأخوذ من ضمان الشيء؛ لأن من ضمن شيئاً لزمه، فاستعمال الضمان بمعنى اللزوم والوجوب. ويجوز أن يكون مأخوذاً من قولهم: رجل ضمن على أصحابه وضامن: إذا كان كلاً عليهم.

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض (ميراث الصلب) ميراث الصلب: كلمة بديعة، مالك أول من تلقفها من القرآن في قوله [تعالى]: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} فذكر قرابة الأب التي هي الأصل، وبدأ بها؛ لأنها أصل الولادة، فيها تجتمع، وعنها تفترق، فإذا خرجت عنها، وانفصلت منها، تنزلت في منازل التطوير، وتغيرت بأحكام التقدير، وتفصلت بأحكام التدبير، حتى تعود خلقاً سوياً من السلالة إلى استواء الخلقة، فهاتان الحالتان هما أخص الأحوال بالإنسان فوجب أن تقع البداية بهما. وقول مالك: "الأطرف هو الأبعد" من طرف الشيء: الذي هو آخره، كأنه آخر العصبة. (ميراث الأخوة للأب والأم) - قوله: "دنيا" أراد: الأدنين في النسب، وإذا كسر أوله جاز فيه التنوين، وغير التنوين، فإن ضم أوله لم يجز تنوينه، وأصله من دنا يدنو، فقلبت الواو ياء لكسرة الدال، ولم يعتد بالساكن.

(ميراث الإخوة للأب)

ومنه الحديث: "الجمرة الدنيا" بالكسر والضم: القريبة الدنو إلى منى. و"الدنيا" اسم لهذه الحياة؛ لدنوها من أهلها، وبعد الآخرة منها، إذ لم تحق بعد، وسماء الدنيا لقربها من ساكني الأرض. وتأتي "الكلالة". (ميراث الإخوة للأب) - قوله: "تتمة الثلثين". تتمة الشيء وتمته: تمامه، وانتصابه انتصاب المصدر. (ميراث الجد) - قوله: "وذلك مما لم يقض فيه إلا الأمراء". قال الشيخ- وفقه الله-: كذا ثبت في كتابي، و"ما" على هذا بمعنى "الذي" وتحريره: أن يكون تقديره: وذلك ما لم يقض فيه، ورأيته في رواية أبي عمر، وفي نسختي من "المنتقى": "وذلك ما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء" وهذا صحيح. - وقوله: "يعادون الجد بإخوتهم" [3]. ومثله في الحديث: "وإن ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة" يفاعلون من العدد.

(ميراث الكلالة)

(ميراث الكلالة) - اختلف الناس في "الكلالة" فذهب قوم إلى أنه الميت الذي لا ولد له، وقال قوم: الورثة الذين ليس فيهم أب ولا ولد، وقال قوم: هو المال الذي يقتسمه من ليس بولد ولا والد، وقال قوم: هي الوراثة التي لا ولد فيها. وهذه الأقوال كلها يحتملها المعنى؛ لأن الكلالة في الأصل مصدر، وأنه مشتق من قولهم: تكلل الشيء حول الشيء: إذا أحاط به، وتكلل السحاب: إذا تراكم، جاز أن يوصف بالكلالة الميت والورثة، أما الميت فاخترته عن ذهاب طرفيه

المحيطين به، وهما الاب والابن، ولإحاطة الورثة به كالإكليل، وأما الورثة فلإحاطتهم به، فالورثة محيطون، والميت محاط به، فهو من باب المصادر التي يوصف بها الفاعل تارة، والمفعول تارة، وجاز أيضاً أن يوصف بهما المال المحاط به، والورثة المحيطة بالمال، وفي "الكبير" زيادة في هذا المعنى. وأما إعراب قوله [تعالى]: {يُورَثُ كَلالَةً} فمن فتح الراء، واعتقد أن الكلالة الميت، فإن انتصابها على الحال/ 92/أو"كان" تامة لا خبر لها بمعنى وقع ووجد، ويجوز أن تكون الناقصة المحتاجة إلى الخبر، وينتصب الكلالة على خبرها، وجاز أن يخبر عن النكرة؛ لأنه قد وصفها بقوله "يورث"، ولما في الإخبار من الإفادة. والوجه أن تكون التامة، ولا وجه عندي ههنا للناقصة، وإن اعتقد أن الكلالة الورثة نصبها على الحال أيضاً، ولا يصح إلا على حذف مضاف، كأنه قال: ذا كلالة، وقيل: هو خبر "كان" على حذف المضاف أيضاً، ومن جعل الكلالة المال نصبها على أنه مفعول ثان لـ "يورث" كما تقول: ورث زيد مالاً، وذكر قوم: أنه تمييز وليس بشيء، ومن اعتقد أن الكلالة: الوراثة فهي نعت لمصدر محذوف كأنه قال: وراثة كلالة، أي: يورث بالوراثة التي يقال لها: الكلالة، كما يقال: قتل غيلة، كأنه قال: وإن كان رجل موروث كلالة. أبو عمر: وقال أهل اللغة: هو مصدر مأخوذ من تكلله النسب أي:

أحاط به. وأما من قرأ: {يُورَثُ} - بكسر الراء مخففة أو مشددة- فالكلالة في قراءته: هي الورثة أو المال، ويجوز أيضاً أن يكون نعتاً لمصدر محذوف، كأنه قال: يورث توريثاً كلالة، وينبغي أن تكون "كان" في هذه الوجوه كلها هي التامة دون الناقصة. - وأما قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} ففيه إشكال؛ لأن القائل لو قال: كان الزيدان اثنين لم يجز باتفاق، إذ لا فائدة في الخبر، وسبيل الخبر أن يكون فيه فائدة، فيستفيدها السامع، وكذلك لو قلت: الزيدان كانا اثنين؛ لأن الضمير وذكرك لفظ التثنية قد أغناك عن الآية، ففي هذه ثلاثة أقوال: أحدها: قول الأخفض، وهو أنه كلام حمل على المعنى كأنه قال: فإن كان من ترك اثنين، و"من" يسوغ معها ذكر الاثنين؛ لأنه لفظ مفرد يعبر به عن الواحد والاثنين والجميع، فإذا وقع الضمير موقع "من" جرى مجراها في جواز الإخبار عنها بالاثنين، كما جرى "يذر" بمعنى "يدع" حين كان بمعناه.

والقول الآخر قاله الفارسي قال: إنما أجاز لأنه يفيد العدد مجرداً من الصغر والكبر، فيوجب الميراث للكبار والصغار معاً، فصار مفيداً من هذا الوجه. والقول الثالث: أن يكون من الأشياء التي جاءت على أصولها المرفوضة، كقوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ}، وذلك [أن] حكم الأعداد فيما دون العشرة أن تضاف إلى المعدودات مثل: ثلاثة رجال، وأربعة أثواب، فكان القياس على هذا أن يقال إثنى رجال وواحد رجال، وإنما رفض ذلك؛ لأنك تجد لفظة تجمع العدد والمعدودات، فتغنيك عن إضافتهما إلى الآخر، وهو قولك: رجلان ورجل، وليس كذلك ما فوق الاثنين، ألا ترى أنك إذا قلت: "ثلاثة" لم يعلم المعدود ما هو، وإذا قلت: "رجال" لم يعلم عددهم ما هو؟ فأنت مضطر إلى ذكر العدد والمعدود، فلذلك قيل: كان الرجال ثلاثة، ولم يقل: كان الرجال اثنين، ولا الرجال كانا اثنين، فإذا استعمل شيء من ذلك كان استعمالاً للأصل المفروض، وأكثر ما يجيء في الشعر كقوله:

(ما جاء في العمة)

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل فإن قلت: كيف يحمل القرآن على هذا، وإنما هو شيء يجيء في الشعر؟ فالجواب: إنا قد وجدنا في القرآن أشياء جاءت على الأصول المفروضة، كقوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ} فغير منكر أن/ 92/ب يكون هذا كذلك، وأيضاً فإن في الآية ما سهل ذلك وسوغه، وذلك أن "الكلالة" التي تقدم ذكرها لفظة تقع للواحد والاثنين والجميع والمذكر والمؤنث على هيئة واحدة، فصارت بمنزلة "من" و"ما" وهذا يئول إلى معنى قول الأخفض، وقد استعمل مالك ألفاظاً تشبه الآية فيما تقدم، كقوله في ميراث الأخوة للأم: "فإن كانا اثنين فلكل واحد منهما السدس" وكقوله- في باب ميراث الإخوة للأم والأب-: "فإن كانا اثنين فما فوق ذلك فرض لهن الثلثان". فهذا كله شبيه بقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ} محمول على المعنى كأنه قال: فإن كان الإخوة اثنين، وإن كان من ترك اثنين، ويجوز ذلك، وهو كلام فيه مجاز واتساع. (ما جاء في العمة) - "التور" [8]- بالتاء-: تكرر في الأحاديث، وهو مثل القدر من حجارة. (ميراث أهل الملل) - "الشعب" [11]: شعب بني هاشم أولاً، ثم أخرجتهم قريش مع بني

(من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك)

المطلب بن عبد مناف. والشعب في لسان العرب: ما انفرج بين جبلين ونحوهما، ومن شعاب مكة أزقتها وأرباضها؛ لأنها بين آطام وجبال وأودية. (من جهل أمره بالقتل أو غير ذلك) - "يوم الجمل" [15] يوم الوقعة التي كانت بين علي وعائشة، وسمي بالجمل الذي ركبته، وكان اسمه عسكراً. - و"يوم صفين": يوم الوقعة التي كانت بين علي ومعاوية، وصفين- بكسر أوله وثانيه وتشديده-: موضع معروف بالشام التي كانت فيه الحرب بين أمير المؤمني علي- رضي الله عنه- وبين معاوية [رضي الله عنه]. ويقال أيضاً: صفون، كما يقال: قنسرون وماردون، والأغلب على صفين التأنيث. وقيل لأبي وائل شقيق بن سلمة: أشهدت صفين؟ قال: نعم، وبئست الصفون. - و"حرة بني بياضة" بالمدينة في نقيع الخضمات، وفيها أوقع يزيد بن معاوية بأهل المدينة. - و"الحرة": أرضون ذات حجارة محرقة، والجمع: حرار والأحرون، وكذلك هذا الموضع وما حوله من المدينة.

(ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا)

- و"قديد"- بضم أوله- على لفظ التصغير: قرية جامعة كثيرة المياه والبساتين. روى ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صام حتى أتى قديداً، ثم أفطر حتى أتى مكة". والرواية الصحيحة: "حتى بلغ الكديد، ثم أفطر" و"قديد": من أعمال الفرع، والفرع: حجازي من أعمال المدينة، ومن أشرف ولايتها، وبين قديد والكديد ستة عشر ميلاً، الكديد أقرب إلى مكة، وسميت قديداً لتقدد السيول بها، أي: تقطعها، وهي لخزاعة، وبقديد كانت وقعة الخارجي الذي يقال له: طالب الحق مع أهل المدينة، فقالت المدنية ترثيهم: يا ويلتا ويلاً ليه ... أفنت قديد رجاليه وهناك مات القاسم بـ ... ـن محمد حتف أنفيه وفي الكتب القديمة: أن قديداً هو الوادي الذي وقفت فيه الريح لسليمان، وأنه هو الذي أتى بصاحبة سبأ، وتقدم. (ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا) أصل اللعن: البعد، و"الملاعنة" [16] يجوز أن تكون فاعلة ومفعولة؛ لأن كل واحد منهما يلاعن صاحبه. وتقدم أن "الزنا" [يمد ويقصر] من مده فهو من زانى يزاني، ومن قصره فهو من زنى يزني.

[كتاب العقول]

[كتاب العقول] (ذكر العقول) - أوعي جدعاً" [1]: استؤصل قطعاً، ويحتمل/ 93/أأن يكون معنى قوله: "أوعي جدعاً" أي: استوعب منه بالقطع ما سمي جدعاً. ومن ذلك: وعيت الكلام، إذا استوفيت معناه، وبالوجهين روي. - و"المأمومة" من الجراح: التي تخرق إلى أم الدماغ. - و"الجائفة": التي تصل إلى الجوف. - و"الموضحة": التي توضح عن العظم، أي: تكشفه. وتأتي "الشجاج" بشرح أسمائها في بابها بحول الله. (العمل في الدية) - "العمود" [2] والعماد: الخشبة التي يرفع بها البيوت، وتجمع على عمد وعمد. أضافهم إلى موضع سكناهم، وهي البيوت التي تعمد، ومن

(ما جاء في دية العبد إذا قبلت ودية المجنون)

ذلك: "رفيع العماد"؛ لأن بيوت السادة عالية الأسمكة. (ما جاء في دية العبد إذا قبلت ودية المجنون) يقال لولد الناقة أول سنة: حوار، ويقال له في الثانية: ابن مخاض، سمي بذلك؛ لأن أمه من المخاض وهي الإبل الحوامل، واحدها: خلفة من غير لفظها، ولا يقال: مخاضة. ويقال له في السنة الثالثة: ابن لبون، سمي بذلك؛ لأن أمه ذات لبن، قال جرير: وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البزل القناعيس ومعنى لز: شد. والقرن: الحبل الذي يقرن به البعيران أو الثوران. والبزل: الجمال المسنة، واحدها: بازل. والقناعيس: العظام، واحدها: قنعاس، وإذا دخل في السنة الرابعة فهو حق، سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل عليه ويركب، والأنثى حقة؛ فإذا دخل في السنة الخامسة فهو جذع، والأنثى جذعة، والجمع

(ما جاء في دية الخطأ في القتل)

جذاع وجذعان، ثم يلقي ثنيته في السادسة فهو ثني، ثم يلقي رباعيته في السابعة، فهو رباع. ثم يلقي التي بعد الرباعية فهو سديس وسدس، وذلك في الثامنة، وجمع سدس: أسداس، وجمع سديس: سدس- بضم الدالة وتسكينها-. ثم يفطر نابه في التاسعة فهو بازل، والبازل في الإبل مثل القارح في الخيل. فإذا أتى عليه عام بعد ذلك فهو مخلف، وليس له اسم بعد ذلك، ولكن يقال: مخلف عام، ومخلف عامين فما زاد، ثم لا يزال كذلك حتى يهرم فيسمى عوداً، قال الراجز: عود على عود على عود خلق أي: شيخ مسن، على جمل مسن، على طريق قد طال مسلكها، فجعله كالشيخ لذلك. - وقوله: "خمس وعشرون بنت مخاض" وكذلك "بنت لبون" و"حقة"، و"جذعة" كلها منصوبة على التمييز. (ما جاء في دية الخطأ في القتل) - قوله: "فنزي منها" [4]. وفي بعض النسخ: "فنزا منها" فإن قوماً من أهل اللغة يرون أنه تصحيف، ويقولون: إنما هو "فنزف منها" أي: جرى منها دم كثير، ضعفه ابن السيد، [وقال:] ويجوز عندي أن لا يكون تصحيفاً؛

(ما جاء في عقل الجراح في الخطأ)

لأنه يقال: نزا ينزو نزواً: إذا وثب، وقصعة نازية ونزية: إذا [كان] لها جوف كبير، ويقال: نزا السعر ينزو: إذا ارتفع وتجاوز حده، فيكون المراد: أن الإصبع ورمت وانتفخت انتفاخاً مفرطاً. وقد قيل: إنه من النزاء، وهي علة تأخذ المعز فتبول الدم، ويسمى النقاز أيضاً. وقال عياض: فنزى من جرحه، أي: فسال دمه حتى مات، ومنه: "فنزي من ضربة فيموت". وقوله: "خافوا وتحرجوا" أي: خافوا الحرج، وهو الإثم، وأصله التضييق. - وقوله: "ابن لبون ذكراً" وتقدم في "الزكاة". قيل: إنه على التأكيد، وقيل: تنبيهاً على بعض الذكورية في الزكاة مع ارتفاع السن، وقيل: لأن الولد يقع على الذكر والأنثى، ثم قد يوضع الابن موضع الولد، فيعبر عنه عن الذكر والأنثى، فعينه بذكر ليزول الالتباس، وقيل: إن ابناً يقال: لذكر بعض الحيوان وأنثاه، كابن آوى وابن قترة، وابن عرس، فرفع الإشكال بذكر الذكورية/ 93/ب. (ما جاء في عقل الجراح في الخطأ) - على "عثل": أي: أثر وشين، وأصله: الفساد. ويقال: "عثم" بالميم، وسكون الثاء بخلاف الأول، وبالميم أشهر في الأثر الشين.

(ما جاء في عقل المرأة)

- و"برأ" أي: صح. يقال: برأت من المرض، وتميم يقولون: برئت- بالكسر-، وحكي: برؤ- بالضم-، والأصح: بري بغير همز على لغة من ترك الهمز تسهيلاً. وأمام ن الدين فبرئ- بالكسر- لا غير. و"الشين": ضد الزين. ومنه الحديث، في صفته صلى الله عليه وسلم: "ما شانه الله ببيضاء". و"المنقلة" من الشجاج التي تطير فراش العظم منها مع الدواء. و"الحشفة": رأس الذكر. (ما جاء في عقل المرأة) - قوله: "تعاقل المرأة الرجل" أي: توازنه وتماثله في العقل فيما جني عليها ممن هو "ثلث الدية" أعني ديته. والعقل: الدية، وأرش الجنايات؛ وبه سميت العاقلة؛ لالتزامهم إياه عن وليهم، فهم كانوا يعقلون إبل الدية على باب المقتول على ما تقدم. (عقل الجنين) - قوله: "بغرة عبد أو وليدة" [5]. العبد والوليدة: تفسير للغرة، وإنما سمي كل واحد منهما غرة؛ لأنه جمال لمولاه وزين له، فشبه بغرة الفرس، ويجوز أن يكون من قولهم: فلان غرير بهذا الأمر، أي: كفيل به؛

لأن كل واحد منهما يتكفل بأمور مولاه. و"الغرة": النسمة كيف كانت، وقال بعضهم: الغرة- عند العرب-: أنفس شيء يملك؛ لأن الإنسان من أحسن الصور. وقال أبو عمرو: ومعناها الأبيض، ولذلك سميت غرة فلا يؤخذ منها السود، وقال: ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائداً على محض العبد والأمة لما ذكرها، ولقال عبد أو أمة. وقيل: أراد بالغرة: الخيار منه. قال الشيخ- وفقه الله-: وضبطناه على غير واحد بالتنوين على بدل ما بعدها منها، ولكن المحدثين يروونه على الإضافة، والأول الصواب؛ لأنه تبيين الغرة ما هي. - ويروى: "مثل ذلك بطل" من البطلان. ويروى "يطل" من قولهم: طل دمه فهو مطلول: إذا لم يكن فيه قود ولا عقل، ولا يقال: طل- بفتح الطاء-، وحكاه صاحب "الأفعال". فإن قيل: لم أنكر النبي صلى الله عليه وسلم السجع، وتلك عادة العرب في كلامها، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكثره مسجع، والعرب تعد ذلك من محاسن كلامها؟ قيل: إنما كره سجعه لما فيه من التكلف الظاهر، وليس كل سجع مستحسناً؛ لأن المتكلف يتكلف المعاني من أجله، فتأتي معانيه قلقة، وألفاظه مشتركة، والحسن الطبع إنما همته وغرضه إقامة المعاني، فإن اتفق له السجع أتى به، فكان زائداً في حسن ألفاظه، فإن رأى فيه

(ما فيه الدية كاملة)

كلفة تركها، فيجيء سجعه تابعاً لمعانيه، وهكذا سجع الكهان أكثره متكلف. وقول حمل بن مالك: "ما لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل". فمعناه: ما لم يشرب ولم يأكل ولم ينطق ولم يستهل، والعرب تصل "لا" بالفعل الماضي، فينوب ذلك مناب وصل "لم" بالفعل المستقبل، ومثله قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31)} أي: لم يصدق ولم يصل، وقال أبو خراش الهذلي: إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألماً أراد: أي عبد لك لم يذنب. - وقوله: "حتى يزايل بطن أمه" الصواب فيه ترك الهمزة، ومن همزه فقد أخطأ؛ لأن ياءه أصلية، إنما تهمز الياء الزائدة، والمنقلبة من حرف زائد. - وقوله: "ونرى أن في جنين الأمة" من جعله من رأى فتح النون، ومن جعله من أرى ضم النون وتقدم. (ما فيه الدية كاملة) - "اصطلمتا" أي: استؤصلتا بالقطع/ 94/أ. والطاء مبدلة من تاء افتعل،

(ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها)

ومثله: "من اصطبح سبع تمرات" و"اضطجع". (ما جاء في عقل العين إذا ذهب بصرها) - "العين القائمة": هي القائمة الصورة التي صورتها صورة العين الصحيحة، غير أن صاحبها لا يرى بها شيئاً. واستعار لها الإطفاء المستعمل من النور في النار والمصباح؛ لأن النور يطلق على العين حقيقة ومجازاً لما ذهب نورها: أي: بصرها، وبقيت قائمة لم يتغير شكلها، ولا صفتها. - و"طفئت" للطرابلسي، ولغيره: "إذا أطفئت" وكذلك تقيد في كتابي. وعينه طافئة- يهمز، ولا يهمز-. ويقال: شترت العين تشتر شتراً- بكسر التاء من الماضي وفتحها من المستقبل والمصدر- إذا نسبت الاشتقاق إليها، فإن نسبته إلى إنسان فعل بها ذلك قلت: شترها يشترها شتراً- فتحت التاء من الماضي وكسرتها من المستقبل، وأسكنتها من المصدر- ويقال في الأول: عين شتراء، وجفن أشتر. ومن الوجه الثاني: عين مشتورة. - و"حجاج العين": العظم الذي عليه الحاجب، ويقال: هو العظم

(ما جاء في عقل الشجاج)

المستدير حول العين، ويقال: بفتح الحاء وكسرها، وجمعها: أحجة، ورجل محجوج: إذا أصيب حجاجه. (ما جاء في عقل الشجاج) - اللحي واللحى: عظم الأسنان التي تنبت عليه اللحية. - و"الدامية" من الشجاج: أولها، وهي التي تدمي الجلد. - و"الخارصة": التي تقطع اللحم، والسمحاق تكشطه. و"الباضعة": التي تبضع اللحم. و"المتلاحمة": التي تقطع اللحم في عدة مواضع. و"الملطاء": التي يبقى بينها وبين انكشاف العظم ستر رقيق.

(ما جاء في عقل الأصابع)

- و"الموضحة": التي توضح عن العظم. - و"الهاشمة": التي تهشم العظم. - و"المنقلة": التي تطير فراش العظم منها مع الدواء. - و"المأمومة": تخرق إلى أم الدماغ. - و"الجائفة": التي تصل إلى الجوف. (ما جاء في عقل الأصابع) - "الأنملة": التي فيها الظفر من الأصابع. كذا ذكره صاحب "العين"، وهو خلاف ما ثبت في "الموطأ" والمتعارف.

(جامع عقل الأسنان)

(جامع عقل الأسنان) - "الترقوة"- بفتح التاء وضم القاف-: كل واحد من العظمين اللذين بين ثغرة النحر والعاتق. ومنه: "ولا يجاوز تراقيهم". (العمل في عقل الأسنان) - قول مروان: "أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟ " [9]. يبين أن الأضراس عنده: ما داخل الفم خلا اسم السن واقع على الأضراس وغيرها، وإنما خص بعضها باسم يخصها، فمقدم الفم يقال له: الثنايا، ومؤخره يقال له: الأضراس، سميت باسم فعلها. (ما جاء في دية جراح العبد) - تقدم أن "العثل": الأثر والشين بفتح الثاء، وأصله: الفساد، وأنه يقال: "عثم" بالميم وسكون الثاء بخلاف الأول. (ما جاء في دية أهل الذمة) - "قتل الغيلة": أن يقتل في خفية ومخادعة وحيلة، وهو هنا: المحاربة.

(ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله)

(ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله) - قوله [تعالى]: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} العافي عند مالك: هو القاتل، والمعفو له: ولي الدم. وعفى بمعنى يسر، والأخ: القاتل، و"من": اسم ولي الدم في موضع مجز، ولذلك كان نكرة، وليس هو دية مقاومة، وإنما هو ما بذله القاتل فرضي به الولي. - وقوله: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أي: ليتبع ولي الدم ما بذل له بالمعروف، وليؤد القاتل المعفو عنه ما اتفقا عليه بإحسان، وقاله ابن عباس وقتادة ومجاهد وغيرهم، ومذهب ابن المسيب والشافعي/ 94/ب وابن حنبل وغيرهم: أن العافي: ولي المقتول والمعفو له القاتل، وعفي بمعنى ترك، من قولهم: عفت الديار: أي: تركت حتى درست. و"من" اسم القاتل، والهاء في "عفي له" وفي "أخيه" يعود على "من" والأخ: ولي المقتول، و"شيء" يراد به الدم.

(ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه)

(ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه) - قوله: "عن عمر نشد الناس". النشد: الصوت، وأصله: رفعه، وإنشاد الشعر منه وحكى الحربي بين أهل اللغة اختلافاً في الناشد والمنشد، وقولهم: نشدتك الله، وناشدتك، وأنشدك معناه كله: سألتك الله، وقيل: ذكرتك بالله، وقيل: سألتك الله برفع صوتي وإنشادي لك بذلك. - وحذفه بالسيف، وخذفه بعصى، أي: رماه به إلى جانب، والحذف: الرمي إلى ناحية الجانب. - وقوله: "فنزي [في] جرحه": أي: سال دمه حتى مات. ومنه: "فينزى من حر ضربه فيموت"، وفي اشتقاقه في اللغة بعد، كما تقدم. يقال: إنه من النزى والنزاء، والنقاز: علة تأخذ المعز فينزل الدم فتموت. - وقوله: "هأنذا" تقدم في صدر كتابنا هذا معناه من كلام سيبويه وابن السيرافي، وأن ابن السيرافي قال: إنما يقول القائل: هأنذا إذا طلب رجل لم

يدر أحاضر هو أم غائب فقال المطلوب: هأنذا إذاً، أي: الحاضر عندك أنا، وإنما يقع جواباً، أي: أنا في الموضع الذي ألتمس فيه. وإن أردت مزيداً على هذا فاطلبه هناك، وتقدم التعريف بقديد. - وأما قوله: "كنا أهل ثمة ورمه" [11] فقيل: كنا أهل حضانته وتربيته. وقيل: أهل قليله وكثيره. وقيل: أهل خيره وشره، والمعنى قريب من السواء؛ لأن الثم في كلام العرب: الرطب، والرم: اليابس. وقد روي بضم الراء والثاء، والأكثر الفتح فيهما. قال أبو عبيد: المحدثون يروونهما بالضم، والوجه عندي الفتح. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: بضم الثاء والراء ضبطناه، ووقع عند الجياني وغيره: بالفتح فيهما، وعند ابن المرابط: بفتح الراء وضم الثاء. قال أبو عبيد: والثم: إصلاح الشيء وإحكامه. وقال غيره: الثم: الرم. وفي "العين": الرم: الإصلاح، وثممت الشيء: أحكمته. ومعنى "على عممه": على غاية استوائه وكماله، وتمام شبابه. ورواه أبو عبيد: "عممه" بضم العين والميم وشد الثانية، وكذا لابن المرابط،

(جامع العقل)

ورواه بعضهم: "عممه" بتخفيف الميم، وعند سائر الرواة: "عممه" بفتح العين والميم، وكذلك تقيد عندي، وكله صحيح، ومن العمم تمام الشباب. يقال: نخل عم، إذا طال واستوى، ويقال أيضاً: نخل عميم وشجر عميم، أي: طويل تام، وكذلك امرأة عميمة، أي: تامة الطول حسنة. ابن حبيب: هو تمثيل، إذ كانوا أهل تربيته وحضانته؛ لأنهم هم الذين كانوا احتضنوه وكفلوه وولوه؛ لأنه كان ابن أختهم، قال: وقد يقال في الثم: الثمام أيضاً، وليس الثمام الذي هو من شجر الصحارى، ولكن الثمام من الثم، وهو الرطب من النبات كله أي نبات كان، الذي استقل من الأرض وتم نباته إلا أنه رطب لم ييبس، فإذا يبس فهو رم ورمام، ثم إذا تكسر وتحطم كان حطاماً. (جامع العقل) - تقدم "جرح العجماء جبار" وإنما سميت عجماء؛ لأنها لا تتكلم، قال حميد بن ثور: ولم أر محزوناً له مثل صوتها ... ولا عربياً شاقه صوت أعجما - و"الجبار": الهدر الذي لا طلب فيه، ولا قود، ولا دية، وتقدم ما معنى "فصاعداً" ووجه انتصابه. - وقوله: "إلا أن ترمح الدابة": هو أن تركض برجلها. - و"ترقى في النخلة": تصعد- بكسر القاف وفتحها في المستقبل-

(ما جاء في قتل الغيلة والسحر)

والماضي منه/ 95/أرقي- بفتح القاف وكسرها أيضاً، وكسرها أفصح-، والهمزة مع فتح القاف لغة لطيئ قليلة. وقوله: "على عاقلة الذي جبذه" فإنه بالذال المعجمة. يقال: جبذ الشيء وجذبه بمعنى واحد. - وقوله: "كانوا أهل ديوان أو مقطعين" [12]. مفتوح الطاء، والمقطعون: الذين لا ديوان لهم. يقال: رجل مقطع، وهو الذي يفرض لنظرائه ولا يفرض له، وأهل الديوان: هم الذين يرزقون من بيت المال. - و"الفرية" مكسورة الفاء ساكنة العين، وجمعها: فرى كلحية ولحاً. - وفي بعض نسخ "الموطأ": "ظهراني قوم"، وفي بعضها: "ظهري" وتقدم معنى هذه التثنية، وأن كليهما جائز. - ويقال: "لطخته" [بشيء] خفيف غير مشدد، ولطخته بالحاء والخاء. (ما جاء في قتل الغيلة والسحر) - الغيلة: الغدر والمكر. يقال: غاله يغوله، واغتاله يغتاله. قال أبو الوليد: وأصحابنا يوردونه على وجهين: [أحدهما] التي على وجه التحيل والخديعة.

والثاني: على وجه القصد الذي لا يجوز عليه الخطأ. - ومعنى "تمالأ": تعاون واجتمع. يقال: تمالأ القوم على الأمر تمالؤا، ومنه قيل للجماعة ملأ؛ لأن بعضهم يعين بعضاً ويعضده. - و"صنعاء" ممدود: مدينة من بلاد اليمن معروفة، وإنما خصها بالذكر؛ لأنها كانت موضع نزول النازلة التي استفتي فيها والنسب إليها: صنعاوي، ولا يجوز قصرها إلا في ضرورة الشعر، كقوله: لابد من صنعا وإن طال السفر وكان أول من نزلها صنعاء بن أزال بن يعبر بن عابر، فسميت [به]، وقيل: إن الحبشة لما دخلتها، فرأتها مبنية بالحجارة قالت: صنعة [صنعة]، وتفسيره بلسانهم حصينة. [فسميت بذلك]. قال الهمداني: قد كانت في

(ما يجب فيه العمد)

الجاهلية تسمى أزال، قال: وأما أول من نزلها وأسسها وأسس قصبتها: غمدان بن سام بن نوح، وفيها تعرف [ذريته] إلى اليوم. (ما يجب فيه العمد) - كان الأصمعي لا يجيز "فاضت نفسه"، ولا فاض الرجل ويقول: إنما الصواب: فاظ الرجل- بالظاء-: إذا مات، واحتج عليه بعض أصحابه بقول الراجز: ففقئت عين وفاضت نفس

فقال: ليست الرواية هكذا، وإنما الرواية: ففقئت عين وطن الظرس قال: وإنما الحجة قول رؤبة: لا يدفنون منهم من فاظا وأجاز غير الأصمعي: "فاضت نفسه" بالظاء والضاد، وأنشد:

كادت النفس أن تفيض عليه ... إذ ثوى حشو ريطة وبرود وقال المبرد: أخبرني التوزي، عن أبي عبيدة أنه قال: كل العرب يقولون: فاضت نفسه [بالضاد إلا بني ضبة فإنهم يقولون فاظت نفسه بالظاء، وقال:]

(ما جاء في دية السائبة وجنايته)

وقيس تقول: فاضت نفسه، واختلف أهل اللغة في هذا، فمنهم من يكتبه بظاء، ومنهم من يكتبه بضاد، ومنهم من يقول: متى ذكرت النفس فبالضاد كفيض غيرها، ومتى قيل: فاظ فلان ولم تذكر النفس فبالظاء، هذا قول أبي عمرو بن العلاء. قال الشيخ- وفقه الله-: الأصوب أن يقال: فاظ الميت، لا تذكر نفسه، وفاضت نفس الميت؛ إذ معنى تفيض نفسه أي: تخرج، وأصله ما يخرج من فيه من رغوة عند الموت. - و"النائرة": الفتنة والإحنة، شبهت بالنار الهائجة، ولتشبيههما إياها بالنار قالوا: طفئت النائرة، واشتعلت النائرة، كما يقال في النار بعينها، ويسمون الحرب أيضاً ناراً، كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}. وأما قوله: "فينزي" فتقدم شرحه. (ما جاء في دية السائبة وجنايته) - "السائبة": هو العبد يعتق سائبة، يقول له مالكه: أنت سائبة، يريد بذلك عتقه، وأن لا ولاء له عليه، أو أعتقتك سائبة والعتق على هذا ماض بإجماع. وإنما اختلف الفقهاء في ولائه، وفي كراهة هذا الشرط وإباحته، والجمهور على/ 95/ب كراهته، وعلى أن ولاءه للمسلمين، كأنه قصد عتقه عنهم.

- و"الأرقم": الحية الذكر العادي على الناس. - وقوله: "إن يترك يلقم، وإن يقتل ينقم". يقول: من تركه ممن يراه ولم يقتله التقمه، ومن قتله مات، كأنه ذهب إلى مثل حديث الأنصاري الذي قتل الحية فمات بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي في "الجامع"، ويقال: لقم يلقم، ونقم ينقم.

كتاب القسامة

كتاب القسامة (تبدية أهل الدم في القسامة) - "القسامة"- مخففة السين- وأولعت العامة بالتشديد، وحقيقتها أنها الأيمان. يقال: قتل فلان بالقسامة، أي: بالأيمان، ثم يسمى القوم المقسمون قسامة، فيقال: جاءت قسامة من بني فلان، وكأنها مصدر رسمي به، كما يقال: ماء غور، أي: غائر، ورجل عدل، أي: عادل، وهو من المصادر الشاذة جاءت على تصريف أفعالها؛ لأن الفعل أقسم يقسم إقساماً، و"فعالة" إنما تكون من الأفعال الثلاثية، كالسفاهة والصرامة، فمنزلة القسامة من الإقسام كمنزلة العطاء من الإعطاء، فإنه جاء على حذف الزيادة. و"الفقير": اسم يقع على كل حفرة تحفر في الأرض [مثل البئر والعين ونحوهما]. والفقرة والفقرة: اسم يقع على كل حفرة تحفر في الأرض يغرس فيها فسيل النخل، ويقال لها: فقير أيضاً، وهي بمعنى مفقورة، كما يقال: امرأة قتيل بمعنى مقتولة.

- وقوله: "فأتى يهود" يجوز فيه الصرف على أن يكون جمع يهودي، ويجوز ترك الصرف على أن يريد به الأمة [والقبيلة]. - وقوله: "وإما أن يؤذنوا بحرب" رواه عبيد الله: بكسر الذال، والوجه فتحها؛ لأنه من قولك: أذنت غيري بالأمر أوذنه: إذا أعلمته، وأوذن هو بالأمر: إذا أعلم به، فإذا كنت أنت العالم به قلت: أذنت به آذن، مثل علمت أعلم. فأما قوله: "وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم؟ " على الشك من الراوي، فالصحيح: "دم صاحبكم" لأنه كذا وقع في حديث لابن أبي ليلى من غير شك. والصاحب- ههنا- أشبه؛ لأنه أراد القتيل الذي قتل؛ وأما من روى: "قاتلكم" فينبغي أن يريد دم الذي قتل صاحبكم، وكاني جب أن يقول: دم قاتل صاحبكم، فيضيف القاتل إلى صاحبهم المقتول لا إليهم، ولكنهم لما كانوا طالبين للقاتل أضافه إليهم لذلك، كأنه قال: القاتل الذي تطلبونه. والعرب قد تضيف الشيء إلى الشيء، وإن لم يكن له، إذا كانت بينهما ملابسة وعلقة، كقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} ولا مقام لله تعالى، وإنما معناه: مقامه بين يدي وقد يحتمل أيضاً أن يريد بصاحبكم: القاتل، كما يقول

الرجل للحاكم: هذا صاحبي فأنصفني منه، أي: هذا الجاني علي، والذي أطلبه، وليس يريد أنه صديقه. و"اللوث": الشبهة في دعوى الدم، من لاث به الناس: استداروا حوله، كأنه تعصبت به الشبهة. - وقوله: "إلا أن ينكل أحد" معناه: يجبن ويتأخر عن اليمين، وهو مضموم الكاف، والماضي منه: نكل- مفتوح الكاف-، هذه اللغة الفصيحة، وحكى بعض اللغويين: نكل- بكسر الكاف- وفي المستقبل ينكل بفتحها. - وقول مالك: "يحلف من ولاة الدم خمسون". تكون "من" للتبعيض أو للجنس، كما تقرر في "الكبير". - وقوله: "وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان [في الحقوق] أن الرجل". الرواية: "فرق" بتشديد الراء، وهو فعل ماض، و"أن الرجل" في موضع رفع به، وقوم يسكنون الراء من "فرق" ويرفعونه ويضيفونه إلى "بين"، فيكون "بين" على هذا اسماً ظرفاً، ويرتفع "فرق" بالابتداء، و"أن الرجل" خبره، فيكون مثل قول الشاعر:

(الميراث في القسامة)

يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم - ويجوز "يبدؤن" و"يبدؤن" بالتخفيف والتشديد، والرواية/ 96/أعن مالك بالتشديد، ويدل عليه قوله هنا: "إن المبدئين بالقسامة أهل الدم"، فهذا لا يكون إلا على قول من يشدد، ولو كان على قول من يخفف لقال: إن المبدأ بهم. (الميراث في القسامة) - قوله: "غيب": جمع غائب، كذا ضبطه الأصيلي، وضبطه غيره: "غيب" وكذا تقيد في كتابي وتقدم.

[كتاب الحدود]

[كتاب الحدود] (ما جاء في الرجم) - قوله: "فرفع يده فإذا فيها آية الرجم" كذا الرواية. وكان الوجه: فإذا تحتها، أي: تحت يده، ومن رواه كذا فالهاء عائدة على التوراة، ويجوز أن تعود على اليد، كأنه قال: فإذا في موضع يده، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. - وقوله: "فرأيت الرجل يجنئ على المرأة" كذا الرواية. والوجه: "يجنأ" بالهمزة وفتح النون: أي: يميل وينحني. يقال: جنيء الرجل يجنأ فهو أجنأ: إذا احدودب، كذا قال الزبيدي. وقال صاحب "الأفعال": جنئ يجنأ، وكذلك هدئ يهدأ فهو أهدأ، قال الراجز: أجنأ يمشي مشية الظليم

ويروى: "أهدأ". فإن قيل: فهلا وجهته على تخفيف الهمزة ولم تجعله غلطاً؟ قيل: القياس إذا خففت الهمزة وقبلها فتحة أن تجعل ألفاً، كقولك في قرا يقرا فكذلك إذا خففت يجنأ، القياس أن يقال: يجنا بالألف لا بالياء، ورواه بعضهم: "يحنأ" بحاء غير معجمة جعله من قولهم: حنيت عليه: إذا عطفت، أو من حنيت ظهري أحنيه وحنوته. ورواه بعضهم: "يجانئ عليها" ومن قال: "يجنئ" يخرج على معنى يكلف ذلك ظهره ويفعله به، جنى يجنا، تعدية جنا الرجل يجنا: إذا صار كذلك. قال الأصمعي: أجنأت الترس: جعلته مجنأ، أي: محدودباً، وهذا مثله. - وقوله: "إن الأخر زنى": صوابه بكسر الخاء وترك المد، كذا حكاه أهل اللغة، ومعناه: الأردأ والبائس الشقي، قاله توبيخاً لنفسه، وكذلك رووا قول قيس بن عاصم المنقري: "إياكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل"

أي: أردؤه وشره. ورواه بعضهم بالمد قال: ومعناه أن الرجل إذا تعود المسألة لم يتعرض ليكسب شيئاً، ولا ليحترف في صناعة. وقال أبو الوليد: المشهور في كلام العرب: أن الأخر كناية يكني بها الإنسان عن نفسه وعن المخاطب إذا أخبر من يخاطب، أو يخاطب بما يستقبح. وما حكاه الرواة من قول ماعز يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون ماعز قال: إني زنيت، فاستقبح الراوي أن يؤدي اللفظ بعينه، ويحتمل أن يكون ماعز هو الذي نطق به، وأخرج نفسه مخرج من يخبر عن غيره وهو يريد نفسه، والأول أشبه وأليق بالاعتراف على نفسه. - وأما قوله عليه السلام: "لو سترته برداءك" فإنه لم يرد الرداء الملبوس، وإنما هو مثل مضروب للوقاية والستر، والأصل فيه أن الرجل كان إذا أجار رجلاً ألقى عليه رداءه وغيره من ثيابه، فضرب ذلك مثلاً لمن وقى رجلاً وحفظه، وإن لم يكن هناك رداء حقيقة، قال أبو خراش: ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... خلا أنه قد سل عن ماجد محض ونظيره استعمالهم اللحاف بمعنى النعمة إذ كان الضيف من شأنه أن يلحف به. أبو الوليد:

ذكر الرداء على وجه المبالغة بمعنى أنه لو لم تجد السبيل إلى ستره إلا بأن تستره بردائك ممن تشهد عليه لكان أفضل مما أتاه، وتسبب إلى إقامة الحد عليه. - وأما قول مالك: "العسيف الأجير" فهو كما قال عنه أهل العلم باللغة، وقد يكون العسيف: العبد، ويكون السائل، قال المرار- يصف كلباً-: ألف الناس فما ينبحهم ... من عسيف يبتغي الخير وحر

يعني من عبد وحر. وقال أبو عمرو/ 96/ب الشيباني: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه نهى عن قتل العسفاء والوصفاء في سرية بعثها". قال: العسفاء: الأجراء؛ وهو كما قال مالك، وقد يكون العسيف: الأسيف، وهو الحزين. - واشتقاق "المحصن" من الحصانة، وقولهم: بناء حصين؛ لأنه يحفظ ما داخله، ومنه سمي الحصن حصناً، ويقال: رجل محصن- بفتح الصاد-، ومحصن- بكسرها-، فإذا فتحوها جعلوا غيره هو الذي أحصنه، وإذا كسروها أرادوا أنه أحصن نفسه بالنكاح؛ ولذلك قرأت القراء: {وَالْمُحْصَنَاتُ} بفتح [الصاد] وكسرها. - وقوله: "فأبت أن تنزع" [8] يقال: نزعت عن الشيء نزوعاً، إذا تركته وأعرضت عنه، فإن حننت إليه، وذهبت نحوه قلت: نازعت إليه منازعة ونزاعاً. - وقوله: "وتمت على الاعتراف": أي: مضت عليه وعزمت. يقال: تم الرجل على الشيء: إذا ثابر عليه، وبلغ غايته.

- وقوله: "أناخ بالأبطح وكوم كومة" [10]. الأبطح: المكان السهل النمبطح، والكومة- بفتح الكاف وضمها- الكدية من التراب، أو الرمل أو نحوهما، وقد كومته تكويماً. - وقوله: "واستلقى" كذا الرواية، وأكثر ما يستعمل في هذا المعنى: اسلنقى، وأكثر اللغويين يقول: اسلنقى خطأ، وليس هو بخطأ، ولكنه قليل الاستعمال. وقد حكى ابن الأعرابي أنه قال لأعرابي: أتعود إلى البادية؟ فقال: أما ما دام السعدان مسلنقياً فلا. أراد أنه لا يرجع إلى البادية أبداً، كما أن السعدان لا يكون إلا مسلنقياً على الأرض؛ لأنه لا يرتفع. وقد فرق قوم بين اسلنقى واستلقى، فقالوا: إذا رقد على ظهره قيل: اسلنقى، فإذا رمى بنفسه إلى الأرض كيف ما كان قيل: استلقى، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب، واستوقد بمعنى أوقد، قال تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ} وتقدم هذا. - وقوله: "وضرب بإحدى يديه على الأخرى" كانت العرب تفعله إذا أراد أحدهم أن ينبه غيره، أو يستدعي إقباله عليه، وربما فعله إذا صاح على شيء، أو تعجب من شيء، وتمامه في "الكبير" كتاب "الحدود".

(ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا)

(ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا) - قوله: "بسوط [جديد] لم تقع ثمرته" [12]. أراد لم يمتهن ولم يلن، والثمرة: الطرف، وإذا ركب [كثيراً] بالسوط ذهب طرفه. تقول العرب: ثمرة السوط وذباب السيف. قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: ما زال عصياننا لله يسلمنا ... حتى دفعنا إلى يحيى ودينار إلى عليجين لم تقطع ثمارها ... قد طال ما سجدا للشمس والنار ثمارها: يعني القلفة، وكذلك قال صاحب "العين". - وقوله: "قد آن لكم أن تنتهوا". آن وحان: جاء وقته، وكذلك قول علي: "أما آن للرجل أن يعرف منزله" و"قد آن أن ترسلوا لهذا الأسد

(جامع ما جاء في حد الزنا)

الضارب بذنبه" يعني: لسانه. ومعناه كله حان، ويحين: يأتي حينه واوانه ووقته. ومنه [قوله تعالى]: {أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} يقال: أنى يأنى، وآن يئين، ونال وأنال، كله بمعنى واحد، وروي في حديث علي: "أما نال للرجل أن يعرف منزله". - وقوله: "من يبد لنا صفحته" أي: ما انكشف ولم يستتر، وأصله من صفحة الوجه، وصفح الكف، وصفحته: ما انبسط منه، وصفحتا السيف: وجهاه العريضان، وصفحة العنق وصفحه: جانبه. - و"فدك" بفتح أوله وثانيه-: قرية معروفة بينها وبين المدينة يومان، وحصنها/ 97/أيقال له: الشمروخ، وأكثر أهلها أشجع. (جامع ما جاء في حد الزنا) - "الضفير": الحبل، أراد التقليل للثمن، وقد جاء مفسراً: "فبيعوها ولو بحبل". - وقوله: "من تلك الرقيق" [15]. كذا وقع، والصواب: "من ذلك" وتقدم. (ما جاء في القذف والنفي والتعريض) التعريض: أن يذكر الرجل شيئاً ويري [بأن] مراده شيء

آخر. وهو مشتق من قولهم: عرضت الشيء: إذا وسعته وجعلت له عرضاً، أي: اتساعاً؛ لأن المعرض يأتي بكلام يتسع فيه التأويل، ويمكن أن يكون مشتقاً من قولهم: تعرض الرجل في سيره: إذا عدل عن الطريق، وأخذ يميناً وشمالاً، وتعرض الشيء: إذا اضطرب ولمي ستقم. وذهب قوم إلى انه مشتق من المعراض: وهو سهم لا نصل له ولا ريش، يرمى به الأغراض. ويؤيد هذا [القول]: تسميتهم الأقوال التي هذه سبيلها معاريض. وفي الحديث: "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" والتعريض نوعان: أحدهما: أن ينفي الرجل عن نفسه أمراً وغرضه أن يثبته لآخر، كنحو ما حكاه مالك في "الموطأ" و [نحوه] قول الشاعر:

ولا عيب فينا غير عرق لمعشر ... كرام وإنا لا نخط على النمل قال أصحاب المعاني: هذا تعريض برجل كان أخواله مجوساً والنمل قروح تخرج في الجنب، تزعم المجوس أن ولد الرجل إذا كان من أخته، ثم خط على النملة شفي صاحبها. وأما النوع الثاني: فإنه يكون بالألفاظ المشتركة التي تقع على معان مختلفة، فيوهم المتكلم أنه يريد معنى من المعاني، وغرضه معنى آخر، وهذا يسمى اللحن واللغز، كقول القائل: والله ما أخذت له غفارة يوهم الغفارة الملبوسة، ومراده السحابة التي تكون فوق سحابة أخرى، وكقوله: والله ما عندي خرج، والخرج: الوادي الذي لا منفذ له. - وأما قوله: "والخلفاء هلم جرا" [17]. فإن هذه كلمة تستعملها العرب في الشيء الذي يستمر ويتصل. ومعنى "هلم" أقبل، والجر: سير في رفق وسكون لا تكلف فيه. يقال: جررت الإبل، إذا رفقت بها في المشي،

(ما لا حد فيه)

وتركتها ترعى في النبات في سيرها، فإذا قال الرجل لصاحبه: هلم جرا، فمعناه: أقبل جاراً الأمر مترفقاً به. فأصله: أن يستعمل في الأمر بالتمادي، ثم يستعمل في الخبر الذي ليس بأمر. ألا ترى إلى أن قوله: "أدركت عمر وعثمان والخلفاء هلم جراً" إخبار لا معنى فيه للأمر، وإنما معناه: أدركتهم جارين لهذا الحكم، مستمرين عليه، وإذا استمروا عليه فكأن المتقدم منهم يأمر المتأخر الذي يجيء بعده ويخلفه بأن يمتثل ذلك ولا يغيره، فهو كلام محمول على المعاني. - وقوله: "لأبوأن على نفسي" [18]. معناه: لأعترفن. يقال: باء فلان بذنبه: إذا اعترف به، وألقى بيده. (ما لا حد فيه) - قوله: "أو لأرمينك بأحجارك" [20]. أراد الرجم، وأضافها إليه؛ لأنه كان يكون المرجوم بها، أو لأنه كان السبب في أن يرجم بها. (ما يجب فيه القطع) - "المجن" [22]: الترس، سمي بذلك؛ لأنه يجن الذي تحته: أي: يستره. يقال: جنه الليل وأجنه: إذا ستره.

- و"الحريسة": الشاة تحرس في الجبل، وتقدم ذكرها. - و"المراح"- بضم الميم-: الموضع الذي تراح إليه الإبل من المرعى، أي: ترد إذا أقبل الليل. يقال: راحت الإبل وأراحها الراعي، فإن جعلت المراح من راح يروح فتحت الميم، وإن جعلته من أراحها الراعي ضممت الميم، ومثله المقام، إن جعلته من قام/ 97/ب يقوم فتحت الميم كما قال تعالى: {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}، وإن جعلته من أقام يقيم ضممت الميم، كما قال تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66)}. و"الجرين": شبه الأندر، وجمعه: جرن، ويقال له: المربد والجوخان والمسطح. ويقال: "أترجة [23]. والجمع: أترج، ولا يقال: ترنجة. هذا قول الأصمعي، وكان يحتج بقول علقمة:

تحملن أترجة نضخ العبير بها ... كأن تطيابها في الأنف مشموم ووقع هنافي كتابي "أترنجة"، وتقدم أن الأفصح أترجة. وقول عائشة: "ما طال علي ولا نسيت: القطع في ربع دينار" [24]. معناه: ما طال علي الأمر، فتركت ذكر الفاعل اختصاراً للعلم به، كما قال تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} أي: توارت الشمس. وأنشد أبو علي في أماليه: سقى دمنتين ليس لي بهما عهد

أراد: سقى الله أو سقى الغيث. وقال الأخفش: إذا قلت عجبت من ضرب زيداً، فالفاعل محذوف للعلم به، ولا يقال: إنه مضمر؛ لأن المصادر لا يضمر فيها الأجناس، ومثله قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً}. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: ويتوجه عندي فيه: أن يكون تقديره: ما طال علي وما نسيت قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: "القطع في ربع دينار" فيكون رفعه على الحكاية، كما قال: سمعت الناس ينتجعون غيثاً * البيت ويكون أبلغ، لأنه يشعر بتكرار هذا اللفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا على ما يقتضيه احتمال الكلام [لا] على القطع بأنه من كلام الرسول عليه لاسلام. - وقوله: "ومعها مولاتان" [25] أي: معتقتان. قال أبو الوليد: ولا

يسمى من فيه بقية رق مولى حتى يعتق. - وقوله: "ببرد مراجل". المراجل: ثياب موشاة، ويقال: من هذا برد ممرجل، قال العجاج: بشية كشية الممرجل وكان أبو حاتم يقول: لا يقال للثوب برد حتى يكون فيه وشي، وأجازه غيره، ويدل على صحة قول أبي حاتم قول امرئ القيس: على لاحب كالبرد ذي الحبرات - وقوله: "أو فروة"- الفروة لغة في الفرو، والأكثر في الاستعمال فرو، بغيرهاء، كما قال عنترة:

(جامع القطع)

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم - وقول عائشة: "فصاعداً" هو منصوب عند النحويين على الحال، والعامل فيه مضمر، كأنها قالت: فما زاد صاعداً. - وقول مالك: "وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك" فيه تقديم وتأخير، وتقديره: وهذا أحب ما سمعت في ذلك إلي. (جامع القطع) - قوله: "ثم [يستعدى] عليه" [30] أي: يطلب الإنصاف منه، وأخذ الحق. يقال: استعديت السلطان على فلان، واستأديته، ويقال: أعدني عليه، وآذني، أي: قوني وأعني. - وقوله: "أخذ [ناساً] في حرابة" [31]. وقع في بعض النسخ- بالخاء المعجمة-، والخرابة: سرقة الإبل خاصة. يقال: رجل خارب، وقوم خراب، قال الراجز:

والخارب اللص يحب الخاربا والأول هو الوجه. - و"الصندوق": التابوت. - و"المكتل"- بكسر الميم-: شبه القفة. - و"الغلق": ما يغلق به الباب، ويسمى الباب أيضاً غلقاً، قال الشاعر: ثم التفت إليها وهي حانية ... مثل الرتاج إذا ما لزه الغلق - وأما "حريسة الجبل" فقال أبو عبيد: بعضهم يجعلها السرقة نفسها. يقال: حرس يحرس حرساً: إذا سرق، ويكون المعنى: أنه ليس فميا يسرق من الماشية [بالجبل] قطع حتى يؤويها المراح، قال أبو عبيد: وفيها تفسير

(ما لا قطع فيه)

آخر: وهو أن تكون الحريسة هي المحروسة،/ 98/أفيقال: ليس فيما يحرس في الجبل قطع؛ لأنه ليس بموضع حرز وإن حرس. (ما لا قطع فيه) - "الودي" [32]: فسيل النخل، واحدته: ودية؛ وهي النخلة الصغيرة ويجمع وداياً. - و"الكثر" هو جمار النخل، كما ذكر مالك، وهو كلام الانصار، وهو يؤكل عندهم، كما تؤكل الثمار. "المعلق": ما كان من الثمار في رؤوس الأشجار لم يجده ربه، ولم يؤو إلى جرين، ولا يبدر ولا أندر، ولا مربد، وإنما هو قائم متعلق بين الأشجار. - و"الاختلاس": هو أخذ الشيء بسرعة واختطاف على سبيل المخاتلة.

[كتاب] الجامع

[كتاب] الجامع (الدعاء للمدينة وأهلها) مرجع دعائه صلى الله عليه وسلم ومحصوله: أن يبارك لهم فيما يكيلونه، لا في الكيل وحده، وإن كان يحتمل على ظاهر العموم أن يكون في الطعام والظروف، لكنه صلى الله عليه وسلم لما أوتي جوامع الكلم صار يستعمل الألفاظ على أحسن مجاريها، وأبلغ أماليها عند العرب ومعانيها، ومن شأن العرب أن تعدل [عن] التصريح بذكر الشيء إلى ما يشير إليه، ويدل عليه، ويرون ذلك أبلغ في المعنى، وأسوغ في الفحوى، ويعتقدون أنه من محاسن كلامهم في نثرهم ونظمهم، فيقول أحدهم لصاحبه: فدى لك ثوبي، وفدى لك ردائي، وليس الغرض تفديته بالثوب والرداء، وإنما الغرض تفديته بما يشتمل عليه الثوب، والرداء من النفس والذات. ويقولون: فلان عفيف الإزار، ونقي الثوب،

وطاهر الجيب، قال رؤبة: وقد أرى واسع جيب الكم أي: واسع الصدر، رضي البال، ونحوه قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)}، وإنما الكاذب والخاطئ صاحب الناصية، فهذا وجه من التأويل. وفيه وجه آخر: وهو أن الأشياء التي تكال إذا بورك فيها رخصت أسعارها، فابتاع المشتري بدرهمه كيلين وثلاثة، مكان الكيل الواحد الذي كان يأخذه به، فتضاعف الأكيال تضاعف الأشياء المكيلة، فلما كانت الأكيال متعلقة بالمكيل صار الدعاء للأكيال دعاء للمكيل. وقد توهم قوم من ظاهر دعائه صلى الله عليه وسلم أنه دعاء بالبركة في المكيال، ولم يدع بالبركة في الميزان، وكأنه تعلق بقوله المكيال يخص مكيال المدينة، والوزن وزن أهل مكة، وهو جهل

بالحديث وباللغة. أما الجهل بالحديث فإنه قال: "اللهم بارك لنا في مدينتنا" ولم يخص شيئاً مما في المدينة دون شيء. وقد روى بعضهم: الميزان ميزان المدينة، والمكيال مكيال مكة، ذكره أبو عبيد. وأما الجهل باللغة فإن العرب تقول: كلت الطعام، فيستعملون هذه اللفظة في الموزون، كما يستعملونها في المكيل، ولهذا سميت دراهم المدينة الكيل، فقيل: بعت الثوب بعشرة دراهم كيلاً، وبعشرين درهماً كيلاً، والعشرة الدراهم الكيل هي أحد عشر درهماً من الدراهم الوازنة، وأربعة عشرة درهماً من الدراهم الدخل، والعشرون درهماً من الدراهم الوازنة، وأربعة عشر درهماً من الدراهم الدخل، والعشرون درهماً كيلاً هي اثنان وعشرون درهماً وازنة وثمانية وعشرون درهماً دخلاً، والمكيال يكون المقدار الذي يكال به، وليس في قوله صلى الله عليه وسلم: الوزن وزن أهل مكة، ما ينفي الوزن عن أهل المدينة، كما أن نسبة المكيال إلى أهل المدينة لا نفي فيه، وان أهل مكة لا مكيال لهم، ولكنه نسب كل بلد منها إلى ما هو الأغلب عليه، وكان الأغلب على [أهل] مكة التجارة، ولم تكن بلد زرع وثمار كما كانت المدينة، فكان الوزن أخص بهم، والكيل أخص بالمدينة. قال أبو عبيد: هذا الحديث أصل لكل شيء من الكيل والوزن إنما يأتم الناس فيهما بأهل مكة وأهل المدينة، وإن/ 98/ب تغير في ذلك في سائر الأمصار، فلو أسلم رجل تمراً في حنطة لم يصح؛ لأنه كيل في كيل، وكذلك

السمن إذا أسلمه فيما يوزن لم يصح؛ لأنه وزن في وزن. قال: والذي يعرف به أصل الكيل والوزن أن كل ما لزمه اسم المكوك والقفيز والصاع فهو كيل، وكل ما لزمه الأرطال والأواقي فهو وزن. ألا تسمع إلى حديث عمر حين قال في [عام] الرمادة، وكان يأكل الخبز بالزيت فقرقر بطنه، فقال: "قرقر ما شئت ولا يزال هذا دأبك ما دام السمن يباع بالأواقي". قال: فهذا يبين أن السمن في الأصل وزن إلا أن يريد بالأرطال المكاييل، فإن المكيال قد يسمى رطلاً. ودعاء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ما حكاه الله تعالى عنه في سورة "البقرة" وسورة "إبراهيم": {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً [وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ]}، {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ...} الآية. وأما الفائدة في ذكر الصاع والمد، وهما داخلان في المكيال، فإن العرب إذا أرادت المبالغة في العناية بالشيء جعلت له لفظاً يختص به، فيكون ذلك أبلغ في المعنى، فيقول القائل: أبلغ إخواني عني السلام وفلاناً وفلاناً، وتقدم نحو هذا، والاستشهاد عليه من قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}، وقوله [تعالى]: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)}

(ماجاء في سكنى المدينة والخروج منها)

وغير ذلك، وتقدم أيضاً فرق ما بين التمر والثمر، والرواية هنا التمر، وكذا قيدته، والصواب الثمر. (ماجاء في سكنى المدينة والخروج منها) - قوله: "اقعدي لكع" [3]. غلط من الراوي؛ لأن "لكعاً" إنما يقال للرجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع". وأما المرأة فإنما يقال لها: "لكاع"، فالصواب: "اقعدي لكاع" وهو مبني على الكسر مثل: حذام وقطام. واللكع: الخسيس من الرجال، والغالب على هاتين اللفظتين ألا يستعملا إلا في النداء إلا أن يضطر شاعر إلى ذلك، كما قال الحطيئة: أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع وقد جاء في غير النداء، كما قال صلى الله عليه وسلم فيما تقدم أيضاً.

- و"اللأواء": الشدة، وأصلها الهمز، ثم تخفف، ويقال لها أيضاً: لولاء- باللام- والأول أشهر. و"الجهد"- بفتح الجيم-: النصب والمشقة، والجهد- بضم الجيم-: الطاقة، ومنهم من يجعلهما بمعنى واحد، ويحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} قرئ بالفتح والضم. - وقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا كنت له شهيداً": أي: شاهداً لما يصبر عليه من ضيق المدينة ووبائها وشظف عيشها. - وقوله: "أو شفيعاً" الأشبه بـ "أو" في هذا الحديث أن يكون بمعنى الواو، قال الشاعر: نال الخلافة أو كانت على قدر ... كما أتى ربه موسى على قدر

- ووقع في بعض الروايات: "ينصع طيبها" [4] بالتشديد، وفي بعضها: "طيبها"- بكسر الطاء- ومعنى ينصع: يخلص، وكل شيء من الألوان يخلص من أن يشوبه لون آخر فهو ناصع، فلذلك يقال: أبيض ناصع، وأسود ناصع. وفي كتاب الجوهري: ينصع: أي ينقى ويطهر. - و"الكير": زق الحداد الذي ينفخ به، والكور- بالضم-: الفرق المبني من الطين الذي ينفخ فيه بالكير. - وخبث الفضة والذهب ونحوهما: ما يخرج منها عند التخلص من الرديء الذي لا خير فيه، وفيه لغتان: "خبث"- بضم الخاء وتسكين الباء-، و"خبث" بفتحهما، وروايتنا بالفتح. - "تأكل القرى" [5] وصفها بذلك؛ لأن الله تعالى فتح عليه وعلى أصحابه منها البلاد. والعرب تستعمل الأكل مجازاً على ثلاثة معان: أحدها: الهلاك والتلف، كنحو ما ورد في هذا الحديث، ومنه قول الممزق العبدي لعمرو بن هند:

فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي ... وإلا فأدركني ولما أمزق / 99/أ والمعنى الثاني: السلب، كما يقال: أكلت القافلة. والمعنى الثالث: الغيبة والوقوع في الأعراض، قال تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً}. وكانت المدينة تسمى في القديم "يثرب" و"إثرب" و"طيبة" و [طابة]. وأما المدينة فاسم إسلامي سماها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار علماً لها، ومنزلته من الأسماء الأعلام منزلة السماك والدبران، والعباس والحارث مما جعل علماً وفيه الألف واللام، ولا يقال المدينة على الإطلاق لغيرها، إنما يقال مدينة كذا. - وقوله عليه السلام: "تنفي الناس" كلام خرج مخرج العموم، وهو مخصوص فيمن خرج منها في عهده وحياته من المنافقين الذين لم يصبروا على لأوائها وجهدها معه صلى الله عليه وسلم. وكذلك قوله: "لا يخرج أحد منها رغبة عنها" [6]؛ لأنه قد خرج منها

جماعة من الصحابة، ولم يبدلها الله خيراً منهم. - وقوله: "يبسون" [7]. رواه يحيى وابن بكير وابن القاسم: "يبسون" بفتح الياء وكسر الباء وضمها، وفسره ابن بكير فقال [معناه]: يسيرون، من قوله تعالى: {وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5)}. وقال ابن القاسم، ورواه عن مالك: معناه يدعون. ورواه قوم: "يبسون"- بضم الياء- ويجعلون من قولهم: أبسست بالناقة؛ إذا دعوتها لتحلب، وكذلك رواية ابن وهب ومطرف. والعرب تقول: "لا أفعل ذلك ما أبس عبد بناقة"، ويقال: بسست الناقة بساً، وأبسستها: إذا زجرتها لتسوقها، وقال الخليل: بس: زجر للبغل والحمار، يقال: بس بس. يقال منه: بسست وأبسست، فيجوز ان يكون معنى فيبسون: يزجرون دوابهم ويسوقونها، وهو من بعض أعلام نبوته عليه السلام. - ومعنى "يغذي" [8]: يبول دفعة [بعد دفعة]. قال أبو عبيد: ومنه البعير يغذي، ومنه غذى العرق والزق، قال الشاعر:

(ما جاء في تحريم المدينة)

وطعن كفم الزق ... غذى والزق ملأن يروى بالذال معجمة. وسميت الطير والسباع "عوافي"؛ لأنها تعفو الشيء، أي: تقصده وتأتيه، يقال: عفاه يعفوه عفواً فهو عاف، واعتفاه يعتفيه اعتفاءً فهو معتف. ومنه قيل للسائل الطالب: عاف، ومنه قول امرئ القيس: عليه عواف من نسور وعقبان وقول الأعشى: يطيف العفاة بأبوابه ... كطوف النصارى ببيت الوثن وكلام عمر بن عبد العزيز خرج مخرج المشفق، وإن كان يعلم عند الرجوع إلى اليقين أنه ليس منهم. (ما جاء في تحريم المدينة) - قوله: "طلع له أحد" [10] معناه: بدا له.

- وقوله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبل يحبنا ونحبه" تقدمت إشارة إلى معناه أول الكتاب. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: وها نحن نلقي إليك ألقية حسنة في هذا الباب فنقول: للعلماء فيه ثلاثة أقوال، أما المنكرون للمجاز فجعلوا المحبة التي نسبها إلى الجبل حقيقة، وقالوا: ليس ينكر في قدرة الله تعالى أن يخلق في الجبل محبة، كما خلق في الجذع حنيناً إلى النبي عليه السلام. وأما القائلون بالمجاز، وهم الجمهور من أهل اللغة والتفسير فقالوا فيه قولين: أحدهما: أنه نسب المحبة إلى أحد، وهو يريد الأنصار، كما تقول العرب: فداك ثوبي، وإنما يريدون ما يشتمل عليه الثوب من الذات، وحكي عن سيبويه أن العرب تقول: جاءت اليمامة، واليمامة لا تجيء، وإنما يجيء أهلها. والقول الآخر: أن يكون المعنى: أن الجبال لو كانت ممن تحب لأحبنا هذا الجبل، كما تقول العرب دورنا تتناظر، أي: لو كان لها أعين لنظر بعضها إلى بعضن ومخرج هذا مخرج الاعتبار، كما قال: هلا وقفت على الجنان، فقلت: من شق أنهارك وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حواراً/ 99/ب أجابتك اعتباراً، وهذا هو لسان الحال كما تقدم لنا، وتمامه في "الكبير".

(ما جاء في وباء المدينة)

- وقوله عليه السلام: "ما بين لابتيها" فاللابة: الحرة، وفيها لغتان: لابة ولوبة، وجمعها: لاب ولوب، وهي أرض سوداء الحجارة الجرد، وقال ابن نافع: اللابتان: إحداهما: التي ينزل بها الحاج إذا رجعوا من مكة، وهي بطريق المدينة. والأخرى: مما يليها من شرقي المدينة، هي أيضاً في أقصى العمران، وفي قبلي المدينة حرةث الثة، وفي جوفها حرة رابعة. فقوله عليه السلام: "ما بين لابتي المدينة" يدخل فيها ما بين الحرة الشرقية والغربية، وما بين الحرة القبلية والجوفية. - و"الأسواف" [13] على وزن أفعال: موضع بناحية البقيع من المدينة، وهو من حرمها، وهو موضع صدقة زيد بن ثابت وماله. - و"النهس": يقال: إنه اليمامة، ويقال: إنه الصرد، وقيل: إنه يشبه الصرد، وهو أصغر منه مثل القطامي، والباشق. (ما جاء في وباء المدينة) - "الوعك" [14]: إزعاج الحمى المريض، وتحريكها إياه. يقال:

وعكته الحمى وعكاً. و"العقيرة": الصوت. و"الإذخر": مكانه ومنبته بمكة. وأما "الجليل" فنبت لا يختص بمكة دون غيرها. (ع): همانبتان من الكلأ يكونان بمكة وأوديتها لا يوجدان بغيرها، والجليل هو الثمام بعينه، يسميه أهل الحجاز الجليل، وغيرهم يسميه الثمام كذا قال أبو نصر: ولاي كاد يوجد من الإذخر واحدة على حدة، وإنما تراها مع إذخرة أخرى، ولذلك قال الهذلي: وأخو الأباة إذا رأى خلانه ... صرعى شفاعاً حوله كالإذخر أراد أن كل صريع من القتلى معه صريع آخر كالإذخر الذي لا تنبت منه واحدة إلا ومعها أخرى. ويروى: بفخ وحولي إذخر وجليل

- و"فخ" بخاء معجمة: واد بمكة، وهو الذي ذكره النميري في قوله: مررن بفخ ثم رحن عشية ... يلبين للرحمن معتجرات وقال آخر: ماذا بفخ من الإشراق والطيب ... ومن جوار نقيات رعابيب وقال الفاكهي- في "أخبار مكة"-: فخ الوادي: الذي في أصل الثنية البيضاء إلى بلدح. أبو عمر: هو قرب ذي طوى، وقيل: إنه وادي عرفات، والأول أكثر. - و"شامة وطفيل": جبلان بمكة بينهما وبين مكة نحو من ثلاثين ميلاً فيما ذكر الفاكهي، وهو غير مصروف للتأنيث والتعريف، ولكن الشاعر صرفه ضرورة، ويقال: شابة- بالباء- وشامة- بالميم-، وهو الذي ذكره أبو ذؤيب

الهذلي في شعره. و"مجنة"- بالجيم-: موضع بمكة غير مصروف صرفه الشاعر أيضاً ضرورة. - وأما قوله- أعني-: "عامر بن فهيرة" في رواية أخرى: قد رأيت الموت قبل ذوقه فالوجه فيه: "لقد رأيت" باللام، ولكن الرواية هكذا وردت بحذف جزء من أول البيت لا يتم الوزن إلا به، كقول امرئ القيس: دع عنك نهباً صيح في حجراته وهذا الرجز ليس لعامر بن فهيرة، وإنما تمثل به، والرجز لعمرو بن

أمامة أخي عمرو بن هند، وكان نزل بواد، فطوقوه بالليل فقتلوه، فقال- وهو يقاتلهم-: لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه كل امرئ مقاتل عن طوقه كالثور يحمي جلده بروقه والموت أدنى من بنات طوقه ويروى: "لقد حسوت الموت" في هذه القصة. قال طرفة لعمرو بن هند شعره، يحضه على عزو مراد والإيقاع بهم. ومعنى: إن الجبان حتفه من فوقه أي: موته بقدر من الله وقضاء، فحذره لا ينجيه. وتقدم لنا وجه آخر في معناه، وهو أن معنى "من فوقه": أنه الغالب على ما تقتضيه حالة الجبان. ومعنى: كل امرئ مقاتل عن طوقه أي: كل إنسان يدافع عن نفسه بقدر طاقته. و"الطوق": لغة في الطاقة.

وأما قوله: والموت أدنى من بنات طوقه فالطوق هنا: طوق الثوب المعروف، وبنات الطوق: هي الأوداج. والعرب/ 100/أتقول: "هو أقرب إليه من بنات طوقه"، و"هو أقرب إليه من حبل وريده"، قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)}. - وأما قوله: "وانقل حماها إلى لاجحفة" فاختلف في روايته فقيل أيضاً: "إلى مهيعة" "إلى خم" ومعيهة: هي الجحفة بعينها. وخم: موضع قريب من الجحفة، وفيه غدير يقال له: خم، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي قوله المشهور، وتقدم، ومن دعوته صلى الله عليه وسلم صارت الجحفة وبيئة، قل مني شرب من خم إلا خم. وكانت هذه المواضع من بلاد المشركين، فلذلك دعا بنقل الحمى إليها. - وقول: "على أنقاب المدينة ملائكة" [16]. والأنقاب: الطرق في الجبال، واحدها نقب، والأشهر في جمعه نقاب؛ لأن فعلاً لا يجمع على

(ما جاء في اليهود)

أفعال إلا نادراً. قال ابن الأيهم التغلبي: وتراهن شزباً كالسعالي ... يتطلعن من ثغور النقاب وقال ابن نافع والأعمش: هي الفجاج التي حولها خارجاً منها. (ما جاء في اليهود) - "جزيرة العرب": اختلف في تحديدها، فذكر أحمد بن المعذل، حدثني يعقوب بن محمد الزهري، قال: قال المغيرة بن عبد الرحمن: جزيرة العرب: مكة والمدينة واليمن مدنها وقرياهتا. وقال الأصمعي: هي من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، قال: فأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطوال الشام، أي: نواحيها. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جزيرة العرب: ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن في الطول،

قال: وأما العرض في بين رمل [يبرين] إلى منقطع السماوة. والحفر- بفتح الفاء-: الشيء المحفور، وإذا أردت المصدر سكنت الفاء. وكان مالك يجعل جزيرة العرب: المدينة ومكة واليمامة واليمن وروي عنه أيضاً أنه قال: جزيرة العرب: منبت العرب. وكان الشافعي يخرج اليمن من جزيرة العرب، وهذا خطأ، ولا أعلم لم فعله، وهو مخالف لما عليه الفقهاء وأهل اللغة، والذي قاله اللغويون والمؤرخون في تحديد جزيرة العرب أصح مما قاله الفقهاء؛ لأنهم لم يحدوها بحد يستوفي جميعها، وقد روي عن مالك ما تقدم عنه من قوله الأول، وزادوا: كل بلد لم تملكه فارس والروم ولم تغلب عليه فهو جزيرة العرب: [لإحاطة] البحر والأنهار بها، وهذا أحسن قول قاله الفقهاء فيها. - وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود والنصارى" ففيه تأويلان لأهل اللغة: أحدهما: أن معناه قتلهم الله وأهلكهم، وليس فيه على التأويل أكثر من استعمال "فاعل" للواحد، كقولهم: طارقت النعل، وعافاك الله، والأكثر في "فاعل" أن يستعمل للاثنين فصاعداً. والتأويل الثاني: أن معناه: لعن الله اليهود، ففيه على هذا أمران: أحدهما: استعمال "فاعل" للواحد. والثاني: إخراج المقاتلة عن بابها إلى باب آخر مما يتعلق بها؛ لأن أصل المقاتلة إنما هي المحاربة والمنافرة، ثم

استعملت بمعنى اللعن؛ لأن اللعن معناه: الإبعاد، والمقاتلة لا تكون إلا عن مباعدة ومنافرة فبعضها عائد إلى بعض في المعنى. - وقوله: "ففحص عن ذلك" معناه: كشف وبحث، ومنه سمي الفحص من الأرض فحصاً لانكشافه. - و"الثلج"- بفتح اللام- مصدر، ثلجت نفسي: إذا سكنت إلى الشيء، ووثقت به. ويقال أيضاً: ثلجت نفسي بالشيء، إذا سرت به؛ وإنما سمي السرور بالشيء والسكون إليه ثلجاً؛ لأن المهتم بالشيء المكترث له تعتريه حدة في مزاجه [...] وحرقة في نفسه، فإذا وصل إلى ما يريد ذهبت تلك الحرقة، فزالت تلك اللوعة، [ولأجله قيل] /100/ب: التاعت نفسي من كذا: احترقت. وقالوا في ضد ذلك: يا بردها على الفؤاد، ووجد فلان برد اليقين. - و"الورق" [19]- بكسر الراء-: المال من الدراهم، فإن كان من حيوان كالإبل والغنم والبقر فهو بفتح الراء، وتقدم. و"أقتاب" جمع قتب،- وهو نحو البرذعة- للبعير. ويقال: جلوت القوم عن القوم، وأجليتهم: إذا طردتهم.

(جامع ما جاء في أمر المدينة)

(جامع ما جاء في أمر المدينة) - تقدم من الكلام على قوله: "هذا جبل يحبنا ونحبه" [20] ما فيه كفاية. قال الشيخ- وفقه الله-: وثبت في كتابي: "أنت القائل لمكة خير من المدينة؟ " [21]. وكثيراً ما يحذفون همزة الاستفهام، وهي ههنا بمعنى التوبيخ، وإن كان الأولى إثباتها، وسئل مالك عن مكة وبكة، فقال: بكة: موضع البيت، ومكة غير ذلك، يريد القرية. (ما جاء في الطاعون) - قوله: "حتى إذا كان بسرغ" [22]. هو موضع بينه وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة، فيما ذكر ابن وضاح وغيره. وذكر البكري: أنها مدينة بالشام افتتحها أبو عبيدة بن الجراح هي، واليرموك، والجابية، والرمادة متصلة. ويروى بالعين والغين، وفتح الراء وتسكينها. وقال ابن حبيب: قال مالك: "هي قرية" بوادي تبوك في طريق الشام. وقيل: هي من أدنى الشام إلى الحجاز. - وتقدم أن "الوباء" هو الطاعون؛ وهو مرض يعم الكثير من الناس في جهة، دون غيرها يخالف المعتاد من أحوال الناس وأمراضهم، ويكون مرضهم

غالباً مرضاً واحداً، بخلاف سائر الأوقات، فإن أمراض الناس مختلفة. - و"المهاجرون الأولون" كل من هاجر قبل الفتح وصلى إلى القبلتين. والرواية: "ادع" بإسقاط الواو في الأول، ووقع في الموضعين الأخيرين: "ادعوا" قالوا: وهذا ما ذكر ابن السيد. قال الشيخ- وفقه الله-: والذي وقع في كتابي هذا "ادع" بإسقاط الواو في الكل، قال: فيذهب كثير من الناس إلى أن الصواب إسقاط الواو من المواضع الثلاثة؛ لأن المأمور بالدعاء إنما كان عبد الله بن عباس. وقوله بإثر ذلك: "فدعوهم" يدل على أن الأمر بالدعاء إنما كان لجماعة، ولو كان لواحد لقال: فدعاهم، أو قال: فدعوتهم، وممكن أن يكون عمر أمر من كان بحضرته بالدعاء، فتسرع ابن عباس إلى الدعاء، كما يقول الملك: افعلوا كذا، فربما بادر إليه واحد، وربما بادر إليه جماعة. - وقول: "مشيخة من قريش" في هذه اللفظة لغتان: "مشيخة"- بتسكين الشين وفتح الياء-، و"مشيخة"- بكسر الشين وتسكين الياء-. وكان ابن دريد يستضعف مشيخة المفتوحة الياء؛ لأنها جاءت على غير القياس المطرد

في نظامها، والقياس مشاخة، كما قالوا: مثابة ومنارة، ونظيرها في الشذوذ قراءة من قرأ [قوله تعالى]: {لَمَثُوبَةٌ}، وقولهم في اسم الرجل: مكوزة. - وقول أبي عبيدة: "أفراراً من قدر الله؟ " معناه: أنفر فراراً، وهذه الألف تسمى ألف الإنكار، وألف التوبيخ، كما يقال للرجل القائم: أقياماً والناس قعود؟. - وقول عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة". جواب "لو" محذوف، ويحتمل وجهين: - أحدهما: أن يكون التقدير: لو غيرك قالها لأدبته. والثاني: أن يريد لو غيرك قالها لعذرته على جهله، وأما أنت فغير معذور في أن تجهل أن الصواب الرجوع. - وقوله: "الطاعون رجز" [23]. الرجز هنا: العذاب، ويستعمل أيضاً لمعان أخر لا تليق بهذا الموضع. - وقوله: "فلا تخرجوا فراراً منه" [12]. "فراراً" ينتصب على وجهين: أحدهما: أن تكون مفعولاً من أجله، كأنه قال: لا تخرجوا للفرار، ومن أجل الفرار. والثاني:/ 101/أأن يكون مصدراً وقع موقع الحال، كقولهم: جئته ركضاً،

أي: راكضاً، وأخذت العلم عنه سمعاً وسماعاً، أي: سامعاً، وكأنه قال: لا تخرجوا فارين، فالنهي إذاً إنما وقع عن الخروج على جهة الفرار، فإنه كان خروجاً على غير جهة الفرار لم يكن فيه حرج على الخارج. وهذه الرواية أصح رواية وردت في هذا الحديث، وقد اضطربت الروايات فيه، فذكر مالك أن أبا النضر كان يروي: "لا يخرجكم إلا فرار منه" بزيادة "إلا" ورفع الفرار أيضاً. وروى بعضهم: "لا يحرجكم الإفرار منه" فأدخل لام التعريف على فرار ورفعه. فأما رواية أبي النضر فلا تصح على ظاهرها؛ لأنك إن جعلته كلاماً منقطعاً من الحديث لم يصح له معنى ولا إعراب، وإن وصلته بالحديث صار التقدير: وغذا وقع وأنتم بها فلا يخرجكم إلا فرار منه. وهذا لا يصح له معنى ولا إعراب، سواء رفعت الفرار أو نصبته، ولا تصح هذه الرواية إلا على أن يكون سقط من الحديث شيء أفسد سقوطه المعنى والإعراب، فكأن الحديث- والله أعلم- إنما كان وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا إلا إذا كان لا يخرجكم إلا فراراً منه؛ فإذا زيدت في الحديث هذه [الزيادة] صح معنى

الحديث، وجاز حينئذ رفع الفرار ونصبه. أما رفعه فعلى أنه فاعل لـ "يخرجكم"، وأما نصبه فعلى أن يضمر في "يخرجكم" ضمير فاعل يرجع إلى الطاعون، كأنه قال: إذا كان لا يخرجكم الطاعون إلا فراراً منه، فتنصب "فراراً" على أنه مفعول من أجله، أو على أنه مصدر في موضع الحال، كما تقدم. وذكر أبو عمر: أن جماعة من أهل العلم تجعل رواية أبي النضر "إلا فراراً منه" غلطاً، كما تقدم. وقال لي جماعة من أهل العلم بالنحو [وتصاريفه]: أن دخول "إلا" في هذا الموضع لإيجاب بعض ما نفي من الجملة، وساق التأويل المتقدم آنفاً. أي: إذا كان خروجكم فراراً من الطاعون فلا تخرجوا منها، وفي ذلك إباحة الخروج من موضعه؛ إذا لم يكن قصداً إلى الفرار منه. وقد ذكرنا مراراً: أن الرواة ربما أسقطوا ألفاظاً من الأحاديث فأفسدوها، كنحو الحديث الذي يرويه جماعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال- وذكر سنة مائة-: "لا يبقى على ظهرها يومئذ نفس منفوسة منكم" فأسقط الراوي "منكم" فأفسد الحديث، حتى طعن فيه الملحدون على الإسلام، وقالوا: هذا كذب، ومثله الحديث المتقدم: "إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً" أسقط بعض الرواة "له" فأخل الحديث. وأما رواية من روى: "إلا فرار منه" فالوجه فيه: أن يقال: فر الرجل من الأمير يفر فراراً، وأفررته أنا: أي جعلته أن يفر، كما يقال: خرج وأخرجته، ودخل وأدخلته، فمن رواه

هكذا احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون التقدير: أي لا يخرجنكم إفرار الطاعون إياكم، أي: لا يحملنكم الطاعون على الفرار منه، كما تقول: لا يحملنك إفرار الناس إياك على الفرار، و"لا" في ههذ الرواية نهي ولا نفي. - وأما "ركبة" [26] علىل فظ ركبة الساق، فإنه موضع بين مكة والطائف، وقيل: موضع بشق اليمن، وقال أبو داود في كتاب "الشهادات": موضع بالطائف، وقال غيره: "ركبة": واد من أودية الطائف، وقال محمد بن عيسى: هي أرض صحراء، وبه من أرض بني عامر، وقال الزبير: "ركبة" لبني ضمرة كانوا يتحلسون إليها في الصيف، ويعودون إلى تهامة في الشتاء بذات كنيف؟!

[كتاب القدر]

[كتاب القدر] (النهي عن القول بالقدر) - قوله: "حتى العجز والكيس" [4]. يجوز فيهما الخفض على الغاية، والرفع بالعطف على "كل". (جامع ما جاء في أهل القدر) - روى غير مالك: "لتكتفئ ما في صحفتها" [7]. ومعناه كمعنى: "تستفرغ"؛ لأنه يقال: كفأت الإناء، وأكفأته واكتفأته؛ إذا قلبته. وهذا كلام خرج مخرج التمثيل والاستعارة،/ 101/ب والمعنى: لا تسأل المرأة زوجها طلاق أختها لتستجر حظها منه إلى نفسها، وتنفرد به دونها، وليس هناك صحفة في الحقيقة، وإنما هو مجاز على مذهب العرب، كما قال:

يا جفنة بإزاء الحوض قد كفئت ... ومنطقاً مثل وشي اليمنة الحبرة وقال آخر: فإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد - وقوله: "ولا ينفع ذا الجد منه الجد" [8]. المشهور فيه فتح الجيم، الجد: الحظ والسعد، ومعناه: أن من كان سعيداً في الدنيا جليل القدر فيها، لم ينتفع بذلك يوم القيامة إنما ينتفع بما قدمه من العمل الصالح؛ لأن الدنيا بالأموال، والآخرة بالأعمال. ورواه بعض المحدثين بكسر الجيم، وأنكر ذلك أبو عبيد، واحتج بقوله عليه السلام: "وإذا أصحاب الجد محبوسون"

وقال: قد أمر الله بالجد في العمل فكيف لا ينفع ذلك؟ وليس المراد في هذه الرواية ما ذهب إليه أبو عبيد؛ وإنما المعنى: أن الإنسان لا يقدر على أداء حق الله عليه، وإن جد في العمل إلا أن تدركه رحمة الله وعفوه. ويوضح هذا قوله عليه السلام: "لن يدخل الجنة أحد بعملز قيل: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته". وكان عبد الملك بن حبيب يقول: معناه لا ينفع أحداً اجتهاده في طلب الرزق، وإنما له ما قسم له. (ع): هذا أيضاً وجه حسن محتمل غير مدفوع. وكان ابن حبيب ينكر فتح الجيم. قال ابن السيد: وذلك شيء ظريف؛ لأن الأشهر في الحديث فتح الجيم، ومعناه صحيح، والذي فسر به رواية من رواه بالكسر ليس بصحيح عند التأمل، ولو أراد الجد في طلب الرزق لقال: "فيه"، ولم يقل "منه" وقد روي: "منك الجد" بالكاف، وهذا يبعده عن تفسيره، وإنما الوجه في كسر الجيم ما ذكرناه، وهو الذي فسره الناس به. - وأما قوله: "لا يعجل شيء أناه وقدره" [9] فإن يحيى رواه: "يعجل" بفتح الياء والجيم وكسر الهمزة من "أناه". ومعنى "يعجل" على هذه الرواية:

يسبق، ويتقدم، من قوله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}. - و"الأنا": الوقت، مثل قوله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}. والمعنى: لا يسبق شيء وقته الذي قدر الله تعالى كونه فيه. ورواه قوم: "لا يعجل شيء آناه وقدره" فضموا الياء وشددوا الجيم وفتحوا همزة "أناه" ومدوها، واعتقدوا في "آنى" أنه فعل ماض، من قول العرب: أنيت الشيء إيناء: إذا أخرته، كما قال الحطيئة: وآنيت العشاء إلى سهيل ... أو الشعري فطال بي الأناء ومعناه على هذا أنه لا يقدر أحد على تعجيل شيء أخره الله تعالى، كما لا يستطيع على تأخير شيء قدمه الله. وفي بعض النسخ: "لا يعجل شيئاً" بنصب "شيء"، وضم الياء، وكسر الجيم، وفتح الهمزة من "آناه" ومدها، وذكروا أنها رواية القعنبي؛ و"أناه" في هذه الرواية أيضاً فعل ماض، وفي "يعجل" ضمير فاعل يرجع إلى الله

تعالى. ومعناه على هذه الرواية: أن الله تعالى قد وقت للأشياء مواقيت، فهو تعالى لا يقدم منها شيئاً قبل وقته، ولا يؤخره عن وقته. وفي بعض الروايات: "لا يعجل شيء" بالرفع، وضم الياء، وكسر الجيم، وتسكين العين، وكسر الهمزة من "إناه" فالإنا في هذه الرواية اسم لا فعل، وتفسيره كتفسير من فتح الياء والجيم، وفي "الكبير" زيادة على هذا. - وقوله: "سمع الله لمن دعاه". معناه: استجاب الله لمن دعاه، فيحتمل أن يردي به الخبر، ويحتمل أن يريد به الدعاء. - وقوله: "ليس وراء الله مرمى". يريد: ليس وراء الله غاية يرقى إليها: أي: يقصد بدعاء وأمل ورجاء. يقال: هذه الغاية التي يرمى إليها: أي: يقصد، شبهت بغاية السهام التي ترمى ويقصد بها.

[كتاب حسن الخلق]

[كتاب حسن الخلق] (ما جاء في حسن الخلق) - "الغرز" [1] للرحل كالركاب للسرج. - وقوله: "حسن خلقك للناس/ 102/أ [يا] معاذ بن جبل". يجوز في "ابن" الرفع على الإتباع والنصب على الموضع. - وقوله: "إلا أن تنتهك حرمة الله" [2]. الانتهاك: الاستباحة لما لا يحل بنوع من الاستهزاء، وقلة المبالاة. ونهكتهم الحرب: أثرت فيهم، ونهك الرجل المرض: أضعفه وذهب بلحمه، وفي كتاب "الفصيح": وأنهكه السير، ورده علي بن حمزة، وقال: إنما يقال: نهكه.

(ما جاء في الحياء)

- وقولها: "فلم أنشب أن سمعت" [4]، وكذلك: "ثم لم ننشب" بفتح الشين فيهما. أي: لم أمكث ولم أحدث شيئاً حتى فعل كذا. وأصله من الحبس، أي: لم يمنعه مانع، ولا شغله أمر آخر غيره. - و"الظمأ" [6] مهموز: العطش، ومنه: {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119)}. - وقوله: "فإنها هي الحالقة" [7] أي: المهلكة المستأصلة للدين، كحلاق الشعر. يقال: تحالق القوم: إذا قتل بعضهم بعضاً، وقيل: المراد به هنا: قطيعة الرحم. (ما جاء في الحياء) - إنما صار "الحياء من الإيمان" [10] المكتسب، وهو جبلة لما يفيده من الكف عما لا يحسن، فعبر عنه بفائدته على أحد قسمي المجاز. (ما جاء في الغضب) - قوله: "ليس الشديد بالصرعة" [12]. بفتح الراء، وهو الذي يصرع الرجال بقوته. والصرعة- بتسكين الراء-: الضعيف الذي يصرعه كل من

(ما جاء في المهاجرة)

باطشه، والعرب تستعمل "فعلة" المتحركة العين في صفة الفاعل، والساكنة في صفة المفعول، فيقولون: رجل لعنة، إذا كان يلعن الناس، ولعنة، إذا كان هو الملعون، وكذلك سببة وسبة، وسخرة وسخرة وضحكة وضحكة، وفي الكتاب العزيز [قوله تعالى]: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}، ومعنى الحديث: أن قوة النفس أحسن من قوة الجسم، وقد أكثر الشعراء من هذا المعنى، فمنه قول أبي تمام يمدح المأمون وأحسن: والصبر بالأرواح يعرف فضله ... صبر الملوك وليس بالأجسام و"ليس" في قوله: "ليس الشديد بالصرعة" نفي أن يسمى الصرعة من الرجال شديداً، وإنما معناه: أن المالك لنفسه أحرى بأن يسمى شديداً، وإن كان الصرعة يسمى بذلك، وتمامه في "الكبير". (ما جاء في المهاجرة) - في رواية يحيى: "يهاجر أخاه" [13]، وفي رواية غيره: "يهجر"

و"يهاجر" فعل لا يكون إلا من اثنين فصاعداً، والهجر فعل الواحد، ومنه سمي المهاجرون؛ لأنهم هجروا قومهم وهجرهم قومهم، وقد يستعمل الاهتجار بمعنى المهاجرة، ويقال: اهتجر الرجلان اهتجاراً، كما تقول: اقتتلا اقتتالاً. قال عبد الرحمن بن حسان: بلينا بهجران ولم أر مثلنا ... من الناس إنسانين يهتجران - و"الإعراض": أن يميل عنه بوجهه، ويصعر خده ولا يوليه [دبره]، قال: إذا أبصرتني أعرضت عني ... كأن الشمس من قبلي تدور و"التدابر" [14]. التقاطع، وسمي تدابراً؛ لأن كل إنسان من المتقاطعين يعرض عن صاحبه ويوليه دبره. - وقوله: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" [15]. معناهما متقاربان، ولذلك زعم قوم أنهما سواء، وليسا بسواء في الحقيقة. و"التحسس"- بالحاء-: التسمع لحس الشيء وحركته. و"التجسس"- بالجيم-: تعرف الأخبار

والبحث عنها. - و"التصافح" [16] أن يضع الرجل صفحة كفه في صفحة كف صاحبه، ويكون بمعانقة، وبغير معانقة. و"الغل": العداوة والحقد. - وقوله: "فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً" [17]. الوجه نصبه على الاستثناء، ووقع في أكثر الموطآت: "إلا رجل" بالرفع، وهو خطأ، لا وجه له، ولو خفضه خافض على الصفة لـ "كل"، أو على البدل منه [وجعل] "إلا" بمعنى "غير" لكان غير ممتنع، فيكون كقوله: وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان وكذا قيدته في كتابي، وكذلك "إلا" بمعنى غير هذا حكمه. - و"الشحناء" [17]: العداوة/ 102/ب. - وأما رواية من روى: "أركوا هذين" فمعناه: أخروا، ومعناه كمعنى

أرجو. يقال: أرجأت الأمر- بالهمز- وأرجيته، بغير همز. ومنهم من يقول: أركيت. وكأن صاحب هذه اللغة الثغ اللسان فصير الجيم كافاً، كما صيرها بعض اللثغ قافاً، فقال: اللقام، وهو يريد اللجام. وحكى اللغويون: أركنته هذا، أي: ألزمته إياه، فيكون المعنى على هذا: ألزموا هذين ذنوبهما. - "حتى يفيئا" أي: يرجعا إلى ما كانا عليه من المودة، قال الله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، وقال: {فَإِنْ فَاءُوا} أي: رجعوا.

[كتاب اللباس]

[كتاب اللباس] (ما جاء في لبس الثياب للجمال بها) - "الجرو والقثاء" [1]: الصحيحة وتقدم، وقيل: المستطيلة، وقيل: الصغيرة، وقال أبو عبيد: الجرو: صغير القثاء والرمان، وجمعه: أجراء، وجمع الجمع أجر. وقيل: الأجر في جمع جرو نفسه، والجراء جمع الجمع. - وقوله: "يرعى ظهرنا": هي دواب السفر الحاملة الأثقال وغيرها؛ ومنه: "مصيخ على ظهر". قيل: على سفر راكباً الظهر، وهي دواب السفر. - وقوله: "بردان قد خلقا". البرد- من غير هاء-: ثوب من عصب اليمن ووشيه، وجمعه: برود بزيادة واو على وزن فعول، والبردة- بالهاء-: كساء مخطط، وجمعه: برود أيضاً. و"خلقا"- بفتح اللام وضمها

(ما يكره للنساء لبسه من الثياب)

وكسرها- أي: بليا وتمزقا، وقال: "أخلقا" أيضاً. - أما "العيبة" فعيبة الثياب التي يضع فيها الإنسان حر متاعه. ومنه: "الأنصار كرشي وعيبتي". - وأما قول عمر: "جمع رجل عليه ثيابه" [3] فلفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، كأنه قال: ليجمع الرجل عليه ثيابه، أي: ليلبس جميع ثيابه في الموضع الذي يحتاج فيه إلى التجمل، كصلاة الجمعة والعيدين، والمحافل التي يجتمع فيها الناس. ونظيره قول الخطيب والواعظ: اتقى عبد ربه ونصح لنفسه، أي: ليتق عبد ربه، ولينصح لنفسه، ونحوه قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} إنما هو أمر بالإرضاع، وإن كان ظاهره ظاهر الإخبار، وكذلك قولهم: غفر الله لزيد، ورحمك الله، ليس إخباراً بحصول المغفرة والرحمة إنما هو دعاء. (ما يكره للنساء لبسه من الثياب) - "الكاسيات العاريات" [7]: النساء اللواتي يلبسن الثياب الرقاق، فهن كاسيات؛ لما عليهن من الثياب، وهن عاريات؛ لأن ما وراء الثياب يبدو لمن تأمله كما يبدو جسم العريان الذي لا يلبس شيئاً.

- وأما "المائلات" فهن اللواتي إذا مشين ملن في أعطافهن ويتبخترن في مشيهن، ولذلك شبهت القدود بالأغصان، قال: ميالة مثل القضيب اليانع وقال امرؤ القيس: هصرت بغصن ذي شماريخ ميال - و"المميلات": المصبيات اللواتي يملن إليهن قلوب الرجال، ويجوز أن يكن اللواتي يتبرجن فيملن الخمر عن رءوسهن، لتظهر وجوههن وشعورهن؛ لأن المرأة الجميلة تتعرض لأن يرى حسنها، وتنكشف، قال عمر ابن أبي ربيعة: فلما تلاقينا وسلمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنعا وفيه قول آخر وهو أشبهها بالحديث، وذلك بأن يجعل المميلات من المشطة الميلاء؛ وهي مشطة معروفة عندهم كن يملن فها العقاص، وهي النواصي. ومنه أن امرأة استأذنت على ابن عباس، وقالت: جئت أسأله عن

ميل رأسي، تريد ما ذكرناه من المشطة الميلاء. وقال أبو عمرك يعني بالمائلات: المائلات عن الحق، وبالمميلات اللواتي يملن قلوب/ 103/أأزواجهن إلى هوائهن. قال ابن السيد: ولا أدري من أين نقل هذا التفسير فإني لم أره لغيره. قال الشيخ- وفقه الله-: والعجب منه في هذه المقالة، فما كان أولاه باستحسان هذا التفسير، ومن هو غيره الذي يأتي بأحسن منه، لاسيما تفسير "المميلات" فقوله وقول غيره فيه سواء، وأظنه لم يقف على ما نقله أبو الوليد في هذا المعنى، فقد حكى في "المزنية" عن عيسى بن دينار، عن ابن القاسم أن معناه: مائلات عن الحق مميلات عنه. قال وقاله مالك في "العتبية". ورواه يحيى بن يحيى عن [ابن] نافع، زاد في "العتبية" ابن القاسم: "لمن أطاعهن من الأزواج". قال: وقال ابن حبيب: معناه يتمايلن في مشيتهن ويتبخترن، حتى يفتن من مررن به. قال: وقول ابن القاسم وابن نافع أظهر؛ لأن التمايل في المشي إنما يقال فيه متمايلات، فهذا أبو الوليد زيف خلاف مقالة

(ما جاء في إسبال الرجل ثوبه)

[أبي] عمر. - و"صواحب الحجر" [8] يعني نساءه صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهن. والحجر: جمع حجرة، وهي بيوت أزواجه. (ما جاء في إسبال الرجل ثوبه) - يقال: خيلاء [9]- بضم الخاء-، وخيلاء- بكسرها- وخال ومخيلة، كل ذلك بمعنى التكبر. قال العجاج: والخال ثوب من ثياب الجهال - والمرح والبطر [10] مثله، قال ابن أحمر: ولا أرخي من المرح الإزارا وعلى أن [أصل] البطر له في اللغة وجوه: أحدها: كفر النعمة، وهو الذي يشبه المعنى المقصود إليه بهذا الحديث. وقد يكون بمعنى الدهش. - و"الإزرة"- بكسر الهمزة-: هيئة الأتزار، كما يقال: الجلسة لهيئة الجلسو، والركبة لهيئة الركوب.

(ما جاء في الانتعال)

- وقوله: "ما أسفل من ذلك ففي النار" [12] "أسفل" منصوب على الظرف بمنزلة قوله تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}، ولو قيل: ما سفل من ذلك بإسقاط الهمزة، أو ما انتفل من ذلك بالنون لكان وجهاً، ولكن الرواية هي الأولى. - وقوله: "ما أسفل من ذلك" إنما أراد ما تحت ذلك من الجسم، وكذلك قوله: "فضل الإزار في النار" إنما أراد ما تحت الفضل، أو صاحب الفضل، وهو نحو قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} كما تقدم، إذ الناصية لا تكذب ولا تخطئ، إنما الكاذب الخاطئ صاحبها. وكأن الإزار إنما خص في هذا الموضع بالذكر؛ لأنه هو الذي يلي الأرض من الثياب، وأما القميص والرداء والعمامة ونحوها، فالغالب [عليها] أن لا تبلغ الأرض، فإذا بلغت كان حكمها حكم الإزار، كما قال: "الذي يجر ثوبه". (ما جاء في الانتعال) - "جميعاً" [14]. أراد القدمين وهما لم يتقدم لهما ذكر، ولو أراد

(ما جاء في لبس الثياب)

النعلين لقال: لينتعلهما جميعاً، أو ليحتف منهما جميعاً، وهذا مشهور في لغة العرب، ومتكرر في القرآن كثير أن يأتي بضمير لم يتقدم ذكره لما يدل عليه فحوى الخطاب. ومن ضم الطاء من {طُوىً (12)} جعله اسم الوادي، ومن كسرها ففيه قولان: قيل: هي لغة في "طوى" المضموم. وقيل: معناه المقدس مرتين، واحتجوا بقول عدي بن زيد: أعاذل إن اللوم في غير كنهه ... علي طوى من غيك المتردد ويروى: "علي ثنى" ومعناه كمعنى طوى وتقدم. - وقوله: "كانتا نعلي موسى" [16]. كذا الرواية، والوجه: "ما كانت" ولكنه جاء على لغة من يلحق الفعل ضمير الاثنين والجميع في حال تقدمه على الفاعل، كما يلحقها في حال تأخره، وهي لغة غير فصيحة. (ما جاء في لبس الثياب) - "الملابسة والمنابذة" [17] تقدم ذكرهما في "البيوع" وكذلك تقدم "الاحتباء" و"الاشتمال" في "الصلاة" إلا أن الاشتمال الموصوف هنا/ 103/ب هو

الصماء؛ لأنها لبسة لا انفتاح فيها كأنه لفظ مأخوذ من الصمم الذي لا انفتاح به. ومنه الأصم: الذي لا انفتاح في سمعه، ويقال للغريضة التي لم تتفق سهامها وانعاجت: صماء؛ لأنها لا انفتاح فيها للاختصار. وجاء تفسير الصماء في حديث مرفوع، ويأتي تمام قول أهل اللغة فيما بعد. - و"الحلة" [18] عندهم: ثوبان اثنان، ولا يقع اسم الحلة إلا على ثوبين، سمياً بذلك؛ لأن كلاً منهما يحل على الآخر. وذكر أبو عبيد: أن "السيراء": ضرب من الثياب المخططة، ويقال: إنها ثياب مضلعة بالقز، وكذلك فسرها ابن شهاب، وقال الطوسي: هي ضرب من البرود، ويقال لها: "أمرعت فانزل" ومعنى أمرعت: وجدت مكاناً ممرعاً، أي: مخصباً، شبهوا الثوب لما فيه من الألوان المختلفة بالمكان المخصب الذي فيه أنواع

النور والزهر، قال الشاعر: وما شئت من خز وأمرعت فانزل واختلف اللغويون والفقهاء في "السيراء" هل هو حرير وحده، أو بعضه حرير وبعضه غير حرير؟ فكان الخليل يقول: ليس بحرير محض، وأكثر الناس على أنه حرير محض، ورويناه عن ابن شهاب أنه قال: السيراء المضلع بالقز. وقوله: "حلة سيراء" يجوز حذف التنوين من "حلة" وإضافتها إلى "سيراء"، ويجوز تنوين الحلة، ويجعل "سيراء" صفة لها، وإن شئت تمييزاً وتفسيراً، كما تقول: لبست ثوب خز بالخفض، وثوباً خزا بالنصب، وهذا قياس مستمر في جميع الأجناس، قال: دع عنك لومي إنه إغراء ... بالقلب حيث الحلة السيراء - و"الخلاق": الحظ والنصيب. - وقوله: "وقد رقع بين كتفيه برقع" [19]، ويروى: "برقاع". "بين" في هذا الموضع: اسم للفرجة المنفرجة من الكتف إلى الكتف، وليست

بظرف، وانتصابها انتصاب المفعول به، كما تقول: سددت بين الحائطين، وهوم اسم يجري بوجوه الإعراب، قال أبو الأسود: وجلدة بين العين والأنف سالم

[كتاب] صفة النبي صلى الله عليه وسلم

([كتاب] صفة النبي صلى الله عليه وسلم) -["ليس بالطويل البائن"] [1]. "البائن": هو المفرط الطول المتفاوت البين، والبون: البعد، وهو في أشعارهم كثير. وقال الأخفش: البائن: هو الذي يضطرب من طوله، وهو عيب في الرجال والنساء. أبو الوليد: ويحتمل عندي: أن يراد به: وصفه بغير الطول، فقال: إنه لم يكن ممن تبين بالطول حتى يوصف به، ولكنه كان من طول القامة ما لا يبين به، ولم يكن أيضاً ممن يوصف بقصر. - و"الأمهق": الشديد البياض الذي لا يخالطه حمرة، يخالطه الناظر إليه برصاً. - و"الآدم": فوق الأسمر يعلوه سواد قليل. وهو من الإبل الأبيض

(صفة عيسى بن مريم [عليه السلام] والدجال)

اللون، ومن الظباء الأسود الظهر، الأبيض البطن. - و"الجعد": القطط الشديد الجعودة الذي صار لشدة الجعودة كالمحترق، وكشعور السودان. يقال: رجل جعد، وامرأة جعدة. - و"السبط": ضده، وهو المسترسل الشعر الذي ليس فيه تكسير. فهو دهره، كأنه قد رجل شعره بالمشط. ويقال: سبط وسبطر، فاقتضى ذلك أن يكون ما بين الأمرين، وهي الصفة الحسنة. (صفة عيسى بن مريم [عليه السلام] والدجال) - قوله: "أراني الليلة عند الكعبة" [2]. كلام فيه اختصار، والتقدير: كنت أراني، كما قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي: ما كانت تتلوا، وهذا مذهب الكسائي، والبصريون لا يجيزون هذا، ويذهبون فيه إلى أنها حال محكية تقديره على مذهبهم: كأني الآن أرى

نفسي عند الكعبة، كما يقول القائل: كأني أنظر/ 104/أإلى كذا، يريد أنه على هذه الصفة في حاله التي يخبر فيها بما رآه. - وتقدم "الآدم" من الرجال، ومن الإبل، ومن الظباء، وجاء هنا أن عيسى آدم، وفي غيره: أنه إلى الحمرة والبياض، وليس فيه تعارض؛ لأن الأدمة قد تكون يسيرة، فلا يخرج اللون بها عن البياض خروجاً كثيراً، وقد يكون البياض خالصاً، وقد يكون غير خالص. - و"اللمة": كالجمة، وهي أكمل من الوفرة، والوفرة: ما يبلغ الأذنين من شعر الرأس. - وأما قوله: "ثم أنا برجل" فإن هذه المسألة من مسائل النحو المشكلة، تقول العرب: خرجت فإذا زيد يأكل، وخرجت فإذا بزيد يأكل، فيذكرون الباء تارة، ويحذفونها تارة، فإذا ذكروا بعد إذا ضمير متكلم أو مخاطب أو غائب، لم يكن بد من ذكر الباء، يقولون: خرجت فإذا أنا بزيد يأكل، وخرج عمرو فإذا هو بخالد ينتظره، فيجب أن ينظر في هذه الباء بما تتعلق في المسألتين، ولم لم يكن بد من الباء مع ذكر الضمائر؟ وهل الباء في هذه المسائل بمنزلتها في قولهم: خرجت فإذا زيد بالفرس واقفاً، وهذه المسائل لا تليق إلا بكتب النحو المبسوطة، فلذلك تركتها.

- وقوله: "كأنها عنبة طافية" قال عيسى بن دينار: شبهها بحبة عنب قد فضخت فذهب ماؤها، فصارت طافية. وقال غيره- وهو الأظهر-: طافية، أي: ممتلئة تكاد تتفقأ، وكذلك عينه قد ظهرت كما يظهر الشيء فوق الماء، فيكون معنى الطافية: أنها علت على ما يجاورها من الجسم، وقد أولعت العامة من الفقهاء بأن يقولوا: "المسيح الدجال" فيكسرون الميم ويشددون السين، ومنهم من يجعل المسيح- بخاء معجمة-، ويجعلونه بمعنى ممسوخ، وهذا كله خطأ إنما المسيح [على] لفظ المسيح عيسى بن مريم، هذا قول ابن السيد. وقال الجوهري: سمي الدجال مسيحاً بالتخفيف، من سياحته، وبالتثقيل؛ لأنه ممسوح العين. وللمسيح عشرة معان: الأول: أنه مسيح الهدى، اسم علم، كما أن مسيح الضلالة اسم علم، كزيد، لا من الزيادة. الثاني: مسيح: فعيل، من مسح الأرض، ومثله في الاشتقاق والاسم

الدجال؛ إلا أنه يفرق بينهما الهدى والضلالة والصالح والطالح، والصادق والكذاب، والدجال والنبي، والأعور والسليم. الثالث: مسيح: فعيل بمعنى مفعول، كأنه مسح بالبركة. والرابع: مسيح لحسن وجهه، تقول العرب: عليه مسحة جمال. الخامس: مسيح: فعيل بمعنى مفعول، مسحه يحيى بن زكريا إذ ولد. السادس: فعيل بمعنى فاعل، كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ. السابع: كان لا يمسح طائراً يخلقه، ولا ميتاً إلا حيي. الثامن: مسيح: صديق. التاسع: معرب من مشيخ، كما عرب موسى من موشى. العاشر: لأنه كان ممسوح الرجل ليس لرجله أخمص، والأخمص: ما لا يمس الأرض من باطن الرجل. والأصل فيه مسيح على وزن مفعل، فأسكنت الياء، ونقلت حركتها إلى السين؛ لاستثقالهم الكسر على الياء، وفي هذه الأسماء تداخل، وبعضها لا تعضده اللغة. - وأما "الدجال": فقد تقدم فيه وجهان، والثالث: أنه ممسوح العين- في رواية حذيفة- الشمال، خرجه مسلم، وفي حديث الكل اليمنى، وكلاهما صحيح؛ لأن التغير علامة الحدوث، والثبوت علامة القدم فيأتي عوره وتغيره دليلاً على دليل، ونقصاناً على نقصان. وأما [معنى] "الدجال"

(ما جاء في السنة في الفطرة)

فقيل: لأنه يموه على الناس. ومنه: بعير مدجل: إذا طلي بالقطران. وقيل: لعظم أمره وتفاقم خطبه. ومنه: رفقة دجالة، إذا كانت كثيرة، ومنه في [سمي] دجلة، لكثرها في الأنهار. (ما جاء في السنة في الفطرة) - "الفطرة" [3]: هي أصل الخلقة وابتداء النشأة، لكن يعبر بها عن الدين والإسلام؛ لأن الإسلام/ 104/ ب يسمى فطرة أيضاً، كما يسمى ابتداء الخلقة، وكل شيء بدأته فقد فطرته. يقال: فطرت البئر: إذا ابتدأت حفرها، ولها أسماء تقدمت في "الكبير"، والمراد بها ههنا: الخصال التي يكمل بها المرء حتى يكون على أفضل الصفات. - وقوله: "أول الناس رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ " [4]. معناه: أنه قال: أول [ما] شاب، وسأل عن الشيب، ولم يكن قبله أحد سأل عنه، وبسطه في "الكبير". - وقول مالك: "وهو الإطار". قال أبو عبيد: هو ما بين قص الشارب وطرف الشفة المحيط بالفم، وكل محيط بشيء فهو إطار. ومنه: إطار

(النهي عن الأكل بالشمال)

الغربال، وهو الدائر [به]. (النهي عن الأكل بالشمال) - تقدم أن "اشتمال الصماء" [5] هو أن يشتمل الرجل بثوبه، فيجلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانباً يخرج منه يده. ومعنى قول العرب: اشتمل الصماء: اشتمل الاشتمالة الصماء، فالصماء صفة لمصدر محذوف، ونظيره قولهم: "رجع القهقرى" تقديره: رجع الرجعة القهقرى، و"قعد القرفصاء" أي: قعد القعدة القرفصاء. فأهل العربية يقولون فيها: إنها مصادر، وإنما حقيقتها أنها نعوت لمصادر محذوفة، وتقدم أيضاً اشتقاق الصماء من قولهم: صممت الكوة: إذا سددتها، وكذلك صممت القارورة، ويقال لما يشد به الصمام، فشبه اشتمال الصماء بالشيء المشدود [ومنه] الصمم في الأذن. ومنه قيل للداهية [العظيمة] صمام وصماء. يراد أن أبواب الحيل والصلاح التي يتوصل بها إلى معاينة الأمور، قد سدتها لبشاعتها، فلم تدع منها باباً يوصل منه إليها.

(ما جاء في المساكين)

(ما جاء في المساكين) - لم يرد بقوله: "ليس المسكين بهذا الطواف" [7] نفي هذا الاسم عنه، وإنما المعنى: أن الذي لا يسأل الناس أحق بهذا الاسم من سواه، كما يقول القائل: ليس العالم الذي يعلم النحو إنما العالم الذي يعلم الفقه، أي: هذا أحق بهذا الاسم منه. ونظيره قوله: "ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا تصرعه الرجال: فقال: ليس ذلك، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب". وكذلك قوله: "ليس البر الصيام في السفر" أي: ليس كل البر. وكذلك: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} أي: ليس فعل ذلك، وإن كان براً يبلغ بر من آمن بالله، وآتى المال، ولهذا نظائر كثيرة في الحديث، وفي كلام العربن وروى يحيى بن يحيى: "فما المسكين"، وروى غيره: "فمن المسكين" وهو الأحسن؛ لأن "من" مخصوصة بالاستفهام عمن يعقل، وأما "ما" فالغالب عليها الاستفهام عما لا يعقل، وقد يستفهم بها عن الأجناس والأنواع ممن يعقل وعن الصفات. أما الأجناس والأنواع فنحو قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. وأما الصفات فنحو قول القائل: ما زيد؟ فيقال: ظريف عاقل، ويستفهم أيضاً عن ماهية كل شيء وهي حقيقته،

(ما جاء في معى الكافر)

ولا مدخل لهذا في صناعة النحو، فلذلك ندعه. ويحتمل "فما المسكين" وجهين: أحدهما: أنه أراد فما الحال أو الصفة التي يكون بها المسكين مسكيناً؟. والآخر: أنها بمعنى "من" كقوله [تعالى]: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} وقوله [تعالى]: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3)}. واختلف الناس في المسكين والفقير، وتقدم في "الزكاة". - و"الظلف" [8]: الظفر من ذوي الأظلاف. (ما جاء في معى الكافر) - "معى" [9] مقصور مثل غنى وسوى ومنى: واحد الأمعاء، وهما معيان. - و"ضافه" [10] نزل به وطلب ضيافته. يقال: ضفت الرجل: طلبت ضيافته ونزلت به، وأضفته: أنزلته للضيافة، وضيفته أيضاً بمعنى، وقيل: ضيفته: أنزلته منزلة الأضياف/ 105/أ. - وقوله: "فشرب حلابها". قيل: الحلاب: المحلوب وهو اللبن، كالخراف لما يخترف، وقيل: الحلاب إنما هو إناء يملأ قدر حلبة ناقة، ويقال له المحلب أيضاً، أي: شرب ما يملأ هذا الإناء الذي تحلب فيه هذه الشاة.

(النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب)

وقال أبو عبيدة: إنما يقال في اللبن: الإحلابة. ويحتمل أن الإشارة بالألف واللام في الكافر والمؤمن إلى ذلك الرجل بعينه، وإنما تحملنا على هذا التأويل؛ لأن المعاينة تدفع أن يكون هذا عموماً في كل كافر ومؤمن، ومن كلام العرب الإتيان بلفظ العموم، والمراد به الخصوص، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} وهذه الإشارة لرجل واحد. (النهي عن الشراب في آنية الفضة والنفخ في الشراب) - قوله: "إنما يجرجر في بطن نار جهنم" [11] يجوز فيه رفع النار ونصبها، فمن رفعها فعلى خبر "إن" ويجعل "ما" بمعنى "الذي" كأنه قال: الذي يجرجر في بطنه نار جهنم، ومن نصب "النار" جعل "ما" صلة لـ "إن"، وهي التي تكف "إن" عن العمل، ونصب النار بـ "يجرجر" ونظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} قرئ برفع الكيد ونصبه على الوجهين، ويجب إذا جعلت "ما" بمعنى "الذي" إن تكتب منفصلة من "إن" هذا قول ابن السيد. وقال غيره: من نصب جعل الجرجرة بمعنى الصب. أي: إنما يصب في بطنه نار جهنم، ومن رفع جعلها بمعنى الصوت، أي: إنما يصوت في بطنه نار جهنم. والجرجرة:

الصوت المتردد في الحلق، وقد يصح النصب على هذا أيضاً إذا عدي الفعل، وإليه ذهب الأزهري، ووقع في بعض طرق مسلم: "كأنما يجرجر في بطنه ناراً من نار جهنم" وهذا يقوي رواية النصب. وأراد هنا بالجرجرة: صوت الماء في حلق الشارب، أو في الإناء عند خروجه إلى فمه. ويقال: جرجر الجمل جرجرة: إذا ردد هديره في حلقه، قال امرؤ القيس: إذا سافه العود [النباطي] جرجرا وقال الراجز:

(ما جاء في شرب الرجل وهو قائم)

وهو إذا جرجر بعد الهب جرجر في حنجرة كالحب والحب: الخابية. - وقوله: "في آنية الفضة" هي جمع إناء، والعامة يرون أنها واحدة، وذلك غلط كما يقال: إزار وآزرة، وخمارة وأخمرة، ويوضحه قوله في صفة الحوض: "آنيته مثل نجوم السماء" والعرب تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه، فتسمي العصير خمراً إذا أريد به الخمر، وتسمي الشدة موتاً لما كانت تؤول إليه، فتسمى شربه في آنية الفضة بما يئول إليه، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً}. - وقوله: "وأبن القدح" أي: أبعده عن فيك. والبين والبون: البعد. - و"القذاة": ما سقط في إناء الشارب من عود، أو ورقة أو ريشة، وجمعه قذى، مثل حصاة وحصى. (ما جاء في شرب الرجل وهو قائم) قال ابن قتيبة في الأحاديث التي وردت في النهي عن الشرب قائماً،

(السنة في الشرب ومناولته عن اليمين)

وفي إباحته: ليس ههنا تناقض؛ لأنه نهى في آخر الحديث من أن يشرب الرجل، أو يأكل ماشياً. يريد أن يكون أكله وشربه على طمأنينة، ولا يشرب إذا كان مستعجلاً في سفر أو حاجة، فيناله من ذلك شرق أو تعقد الماء في صدره. والعرب تقول: قم في حاجتنا، لا يريدون أن يقف حسب، وإنما يريدون: امش في حاجتنا اسع، ومنه قول الأعشى: يقوم على الوغم في قومه ... فيعفو إذا شاء أو ينتقم يريد بقوله: "يقوم على الوغم": أنه يطالب بالذحل، ويسعى في ذلك حتى/ 105/ب يدركه، ولم يرد أنه يقوم من غير أن يمشي، ومنه قوله تعالى: {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} يريد ما دمت مواظباً بالاختلاف والاقتضاء والمطالبة، ولم يرد القيام وحده، هذا كله كلامه. (السنة في الشرب ومناولته عن اليمين) - "شيب بماء" [17]: أي خلط ومزج. والشوب: الخلط، والأشواب: الأخلاط. - وقوله: "لا أوثر بنصيبي منك أحداً" [18] أي: لا أفضل، ومنه: "فآثر الأنصار المهاجرين" أي: فضلوهم. والإيثار: التقديم.

(جامع ما جاء في الطعام والشراب)

- "وتله في يده" أي: دفعه إليه، وبرئ منه، [قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)}]. (جامع ما جاء في الطعام والشراب) - وقع في بعض الروايات: "فأدمته" [19] بقصر الألف وفي بعضها بالمد، وهما لغتان. ويقال لما يؤتدم به: إدام وأدم، وقد يكون الأدم جمع إدام، ويكون أصله: أدماً- بضم الدال، ثم سكن تخفيفاً- كما يقال في عنق عنق. قال النابغة الذبياني: إني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنى الأيادي وأكسوا الجفنة الأدما وفي الحديث: "نعم الإدام الخل" وقيل: جمعه: أدم- بضم الدال- ويقال للواحد أيضاً: أدم- بضم الهمزة وسكون الدال- ويجمع: إدام، ويدل على [أن] الأدم يكون واحداً حديثه صلى الله عليه وسلم: "إن سيد أدم الدنيا والآخرة اللحم"، وقال: "نعم الأدم الخل"، وحديث عمر: "أنه نهى عن جمع أدمين في أدم" واشتقاقه من أدمت الشيء بالشيء، إذا قرنته به، وخلطته، وأدم الله بين الرجلين وآدم إذا حبب بعضهما إلى بعض. وفي الحديث: "أن المغيرة بن شعبة استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة، فقال: لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي: يوفق،

وقال الراجز: والبيض لا يؤدمن إلا مؤدماً أي: إلا محبباً، وتقدم. وقول أنس: "فقمت عليهم". ليس من القيام الذي هو ضد القعود، لكنه من القيام الذي هو ضد المشي. يقال: قام الرجل: إذا وقف ولم ينهض، وقامت الدابة: إذا وقفت من الإعياء، وقامت الشمس نصف النهار: إذا خيل إليك أنها وقفت قبل الزوال عن كبد السماء. قال تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} أي: وقفوا. - ومعنى: "أوكوا" [21]- في الحديث الآخر-: شدوه بالوكاء، وهو الخيط الذي يشد به الزق. وتقول العرب- لمن يجني على نفسه جناية، ثم يشكو ما أصابه: "يداك أوكتا وفوك نفخ". وأصله: أن رجلاً نفخ زقاً، وشد فمه بوكاء؛ ليجوز به البحر مع قوم قد فعلوا مثل ذلك، فلما أمعن في البحر انحل الوكاء، فأيقن بالعطب، فاستغاث ببعض أصحابه، فقال له هذه المقالة. ومعنى: "أكفئوا الإناء": اقلبوه على فيه. يقال: كفأت الإناء أكفؤه

فهو مكفوء: إذا قلبته، قال ابن هرمة: عندي لهذا الزمان آنية ... أملؤها مرة وأكفؤها - ومعنى: "خمروا": غطوا واستروا. - و"أطفئوا المصباح" مهموز أيضاً، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} قال ابن هرمة: جررت في غايتي وشائعتي ... موقد نار الوغى ومطفئها - و"الغلق": ما يغلق به الباب، قال أبو شجرة السلمي: ثم التفت إليها وهي جاثية ... مثل الرتاج إذا ما لزه الغلق - و"الفويسقة": الفأرة، وسئل أبو سعيد الخدري: "لم قيل للفأرة

فويسقة؟ فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ، وقد أخذت فتيلة لتحرق بها البيت، فسماها بذلك؛/ 106/ألأذاها للناس". - وقوله: "تضرم على الناس" أي: تشعل النار على الناس. - وقوله: "فليقل خيراً أو ليصمت" [22]. أي: يقول خيراً، أو يسكت عن شر، ويحتمل أن تكون "أو" ههنا بمعنى الواو، أي: يقول خيراً أو يصمت عن شر، وقيل ذلك في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)}. - وقوله في الحديث الآخر: "جائزته يوم وليلة" قيل: ما يجوز به، ويكفيه في سفره في يوم وليلة يستقبلها بعد ضيافته. والجائزة: العطية، والجيزة: ما يجوز به المسافر. وقيل: "جائزته يوم وليلة": حقه إذا اجتاز به ثلاثة أيام: إذا قصده. - وقوله: "ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه" "الثواء": الإقامة. يقال: ثوى يثوي فهو ثاو، وأثوى يثوي فهو مثو، قال الحار بن حلزة- في ثوى-: آذنتنا ببيتها أسماء ... رب ثاو يمل منها الثواء وقال الأعشى- في أثوى-:

أثوى وقصرا ليله ليزودا ... ومضى وأخلف من قتيلة موعداً ومعنى "يحرجه": يغيظه، أي: حتى يضيق عليه. والحرج: الضيق في لغة القرآن. - و"لهث الكلب" [23]- بفتح الهاء وكسرها-: إذا أخرج لسانه من شدة العطش والحر، واللهاث- بضم اللام-: العطش، واللهث: شدة تواتر النفس من التعب أو غيره. وقوله: "في كل [ذاتي كبد رطبة أجر" أي: ذو كبد حية؛ لأن الميت إذا مات جفت جوارحه، والحي يحتاج إلى ترطيب كبده من العطش، [لتقيه] الحرارة الموجبة له. - وشرح مالك "الظرب" [24]. والمشهور في "الظرب": أنه الحجر الناتئ المحدد، كذا قال صاحب "العين" قال: هو ما كان من الحجارة أصله ثابت في جبل، أو أرض حزنة، وكان طرفها الناتئ محدداً، وهو مفتوح الظاء مكسور الراء، ثم تخفف الكسرة فتلقى على ظائه، وتبقى الراء ساكنة، فيقال: ظرب، وجمعه: ظراب. وجاء في بعض الحديث: "أن هذا الحوت يسمى العنبر".

- والرواية: "يا نساء المؤمنات" [25]. بنصب النساء، وإضافتهن إلى المؤمنات، وهو على هذه الرواية من باب قولهم: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، وقد مضى الكلام فيه في أول هذا الكتاب، فغنينا عن إعادته في هذا الموضع، ولأبي الوليد في الكتاب "الكبير" تأويله، وهو ما جله؟! ورأيت من منع تقدم هذه الرواية؛ لأن النساء أعم من المؤمنات، والمؤمنات بعض النساء، ولا يضاف الشيء إلى بعضه. قال: وقد يجوز هذا عندي على وجه، وهو أن يوصفن بأنهن نساء، على معنى المدح والثناء، فتقول لمن تمدحه من النساء: هي نساء، بمعنى: أنهن على المحمود من أحوال النساء في الخير والستر والعفاف، كما تقول: يا رجل، فكأنه قال: يا فاضلات المؤمنات من النساء. قال غيره: وإنما الوجه فيه: يا نساء المؤمنات، برفع "النساء" على أنهن منادى مفرد، وبرفع "المؤمنات" على الصفة لهن على اللفظ، ويجوز نصب "المؤمنات" أيضاً على أن تكون صفة لهن على الموضع، وهذا كقولهم: يا زيد العاقل، والعاقل، ويا عمرو الراكب والراكب، قال جرير: فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا

- وقال صاحب "العين": "الكراع" من الإنسان [ما دون الركبة]، ومن الدواب، وسائر المواشي: ما دون الكعب، والكراع مؤنثة عند سيبويه، وكان حكمه على هذا أن تكون محرفة، إلا أن الرواية هكذا وردت في "الموطأ": "وغيرها". وقال ابن الأنباري: وبعض العرب يذكرها. فيحتمل أن يكون هذا على تلك اللغة. - ولفظة "قاتل" في قوله: "قاتل الله/ 106/ب اليهود" [26]. وإن كان أصله أن يكون الفعل من اثنين، ولذلك يقال: تلاعن الزوجان، إذا وجدت الملاعنة من كل واحد منهما، فقد تجيء في كلام العرب المفاعلة من الواحد، يقال: قاتله الله بمعنى: فعل الله به ذلك، ومنه سافر الرجل، وعالجت المريض. - وأما "القراح" [27] فهو الصافي الذي لا يشوبه شيء لم يمزج بعسل، ولا زبيب، ولا تمر، ولا غير ذلك مما تصنع منه الأشربة. - وذات الدر" [28]: ذات اللبن تدر به. - و"وضر الصحفة" [29]: ما يتعلق بها من ودك الطعام المتغير قدماً.

- و"المقفر": هو المرمل، والمرمل: الذي لا زاد له ولا قوت معه، ويقال: أقفر الرجل، وطعام قفار، وعفار: إذا لم يكن فيه أدم. - وقوله: "حتى يحيى الناس" أبو عمر: الرواية بضم الياء، والمعنى: حتى يصيب الناس الحيا بالمطر الخصب، ويصيروا من أهله، ويغاثوا ويخصبوا، والحيا: الخصب والغيث. تقول العرب: قد أحيا القوم: إذا أصابهم الحيا بالمطر. وقال ابن السيد: وضده أهزل القوم فهم مهزولون إذا جدبوا فهزلت أموالهم. قال: والفقهاء يروونه: "يحيا الناس من أول ما يحيون" بفتح الياءات، وإنما الوجه ما ذكرته لك. - و"الحشف" [30]: ردئ التمر المسوس الليابس. ومن أمثال العرب فيمن باع شيئاً رديئاً، وكال كيل سوء: "أحشفاً وسوء كيلة" بكسر الكاف. - و"القفعة": شبه القفة. أبو عمر: "القفعة" عندهم: ظرف يعمل من الحلفاء، وشبهها مستطيل، كالذي يحمل فيه عندنا التراب والزبل على الدواب، و"القفة" عندهم: التي لها منها غطاء، وأما عندنا فالقفة مدورة لا

غطاء لها، وقال الأعشى: هي قفة أكبر من المكتل. قال: وأهل العراق يسمونها "جلة". قال ابن مزين: وأهل مصر يسمونها: "الزنبيل". - وروي: "الرغام" [31] بغين معجمة، و"الرعام" بعين غير معجمة: المخاط، وبالغين معجمة: التراب، والأشبه أن يكونا لغتين في المخاط، وأما التراب فالمشهور فيه رغام بفتح الراء. - ومعنى: "يوشك": يقرب. يقال: أمر وشيك، أي: قريب. - و"الثلة"- بفتح الثاء-: الغنم، ولا يقال للمعز إذا انفردت ثلة، فإذا خالطتها الغنم قيل للجميع: ثلة. وأما الثلة- بضم الثاء- فإنما هي الجماعة من الناس. و"أطب مراحها" أي: بالكنس وإبعاد الطين منه، وإزاحة الوسخ عنه. ومراح الإبل والغنم: المكان الذي تروح إليه من المرعى. - ومعنى: "يبغي ضالتها": يطلب ما ضل منها وشرد، حتى يضربه. - ومعنى: "تهنأ جرباها" [33]: يطليها بالقطران. يقال: هنأت البعير

أهنؤه. والهناء: القطران، قال زهير: وقد يشفي من الجرب الهناء وقال دريد بن الصمة في الخنساء- ونظر إليها تهنأ الجرباء من إبلها-: ما إن رأيت ولا سمعت به ... في الناس هانئ أينق جرب متبذلاً تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب - وقوله: "وتليط حوضها"، وروي: "تلوط": أي: تصلح الحوض بسد المواضع التي يخرج منها الماء، قال الشاعر: وليطت حياض الموت وسط العشائر - و"الناهك": المفرط. يقال: نهكته عقوبة: إذا بالغت في ذلك، ونهكته ضرباً، قال:

(ما جاء في لبس الخاتم)

وأحلب الثرة الصفي ولا ... أنهك أحلاف غيرها حلبا ويقال: حلبت الناقة وغيرها حلباً وحلباً- بتسكين اللام وفتحها-، فإذا أردت اللبن المحلوب فتحت اللام لا غير. (ما جاء في لبس الخاتم) - "نبذه" [37] أي: طرحه، ومنه "بيع المنابذة" وهو نبذ الحصاة، أي: طرحها من يده، فإذا وقعت وجب/ 107/أالبيع، ومنه: "النهي عن بيع الحصاة". وفي "الخاتم" أربع لغات: خاتم، وخاتم، وخاتام، وخيتام. (ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق) - "الجرس": الجلجل، وأصله: صوت متدارك. ويقال: جرس وجرس،

وكذلك قيدناه في قوله: "لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس" بإسكان الراء. وفي "البخاري": الجرس والجرس واحد، وهو الصوت الخفي، وهذا صحيح، واختار ابن الأنباري الفتح إذا لم يتقدمه حس، وإن تقدمه حس فالكسر، وقال: هذا كلام فصحاء العرب. - وقوله: "قلادة من وتر" [39] كذا عند يحيى وابن القاسم والقعنبي، وهو وتر القسي، وعند مطرف: "وبر" جمع وبرة. وحكى بعضهم أنه رواية يحيى، وعند ابن بكير: "من وبر أو وتر" على الشك منه، وفي نسخة عنه: "قلادة إلا قطعت" ولم يذكر وبراً ولا وتراً. "قلدوا الخيل ولا تقلدوها الأوتار" يعني الذحول، أي: لا تطلبوها عليها كما كانت الجاهلية تفعل. وقيل: لا تقلدوها أوتار القسي فتختنق بها متى رعت فتعلقت ببعض الشجر، وهذا تأويل محمد بن الحسن، وقيل: معناه للعين، وهذا تأويل مالك في حديث الباب.

[كتاب العين]

[كتاب العين] (الوضوء من العين) - "الخرار" [1]: موضع بالمدينة، وقيل: واد من أوديتها، وهو على وزن فعال. قال البكري: هو ماء لبني زهير وبني بدر من بني ضمرة. وقال الزبير: وهو وادي الحجاز، وقال السكوني: موضع غدير خم، يقال له: الخرار، سمي خراراً لخرير مائه، وهو صوته. يقال: سمعت خرير الماء وأليله [وقسيبهي، أي: صوت جريانه. - ويقال: "عنت الرجل" بعيني أعينه عيناً فأنا عاين، وهو معيون ومعين، قال عباس بن مرداس:

قد كان قومك يحسبونك سيداً ... وأخال أنك سيد معيون - و"الوعك"- بفتح العين وسكونها- وتقدم معنى "وعك"، وأن أبا حاتم قال: الوعك: الحمى، وقال غيره: ألم التعب، وقال الأصمعي: شدة الحر. - وأما قوله: "ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة" [2]. فكلام فيه إشكال من طريق النحو؛ لأن للقائل أن يقول ما وجه دخول كاف التشبيه على اليوم، وعلى أي شيء عطف قوله: "ولا جلد مخبأة؟ " فالجواب أن يقال: هو كلام وقع فيه حذف واختصار، وتقديره: ما رأيت يوماً كاليوم جلد رجل، ولا جلد مخبأة، فحذف الموصوف الذي هو اليوم المشبه باليوم، وحذف المعطوف عليه لما فهم الكلام، وفي الكلام تقديم وتأخير، كأنه قال: ما رأيت جلد رجل ولا جلد مخبأة يوماً كاليوم، والعرب قد يحذفون المعطوف عليه، كما

يحذفون الموصوف، فيقول القائل: هل جاء زيد؟ فيقول له المجيب: نعم وعمرو، أي: نعم جاء زيد وعمرو. ويقول الرجل لصاحبه: مرحباً، فيرد عليه، وبك وأهلاً، معناه: وبك مرحباً وأهلاً. - و"المخبأة" مهموز، من خبأت الشيء: إذا سترته، وهي المحرزة المكنونة التي لا تراها العيون، ولا تبرز للشمس فتغيرها. قال عبيد الله بن قيس الرقيات: ذكرتني المخبآت لدى الحجـ ... ـر ينازعنني سجوف الحجال - و"لبط": صرع وسقط. يقال منه: لبط به يلبط لبطاً فهو ملبوط. واللبط- بسكون الباء-: اللصوق بالأرض. وقال ابن وهب: لبط: وعك، وقال الأخفش: يقال: لبط به ولبج به: إذا سقط إلى الأرض من خبل أو سكر أو إعياء وغير ذلك. - وقال ابن وهب في قوله: "داخلة إزاره": هو الحقو يجعل من تحت

(الرقية من العين)

الإزار في حقوه، وهو طرف الإزار، ثم يشد عليه الإزار، قال: وهذا قول مالك وفسره ابن حبيب بنحو ذلك ايضاً. قال:/107/ب "داخلة الإزار": هو الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولاً على حقوه الأيمن. وقال الأخفش: "داخلة إزاره": الجانب الأيسر من الإزار الذي تعطفه إلى يمينك ثم تشد الإزار. وقال أبو عبيد: طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده، وهو يلي الجانب الأيمن من الرجل؛ لأن المؤتزر إنما يبدأ بجانبه الأيمن، فذلك الطرف يباشر جسده فهو الذي يغسل. أبو عمر: الإزار المئزر عندنا، فما التصق منه بخصره وسرته فهو داخلة إزاره. (الرقية من العين) - قوله: "مالي أراكما ضارعين" [3]. أي: ضعيفين ناحلين، والأشهر فيه: ضرع، وللضرع في اللغة وجوه، منها: الضعيف. قال صاحب كتاب "العين": الضرع: الصغير الضعيف. قال: والضرع والضراعة أيضاً: التذلل. يقال: ضرع يضرع وأضرعته الحاجة. وأما "الحاضن" فهو الذي يضم الشيء إلى نفسه ويستره ويكنفه، وأصله: من الحضن والمحتضن، وهو ما دون الإبط إلى الكشح. تقول العرب: الحمامة تحتضن بيضها. (ما جاء في أجر المريض) - "ويحك" [8] فيه قولان:

أحدهما: أنه لم يرد وقوع الويح، ولكنها كلمة كانت جارية على ألسنة العرب يقولونها عند استحثاث الرجل، وعند الإنكار عليه، وهم لا يريدون وقوع المكروه به، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في صفية بنت حيي حين قيل له: إنها حاضت، وذلك يوم النفر، فقال: "عقراً حلقاً ما أراها إلا حابستنا" معناه: عقرها الله عقراً، وحلقها حلقاً، أي: عقر جسدها واصابها بوجع في حلقها. وأهل الحديث يقولون: عقرى حلقى ويجعلونهما اسمين مقصورين، والمعروف عند اللغويين هو الأول، إنما هما مصدران منونان، منصوبان بفعلين مضمرين، كما يقال سقياً ورعياً، فلم يرد صلى الله عليه وسلم وقوع ذلك، وإنما هو كلام خرج مخرج الضجر والتبرم من غير إرادة مكروه بالمقول فيه، ونحوه قوله: "فعليك بذات الدين تربت يداك" و"تربت يمينك ومن أين يكون الشبه؟ ". والقول الثاني: أنه دعاء على وجهه، غير أنه عليه السلام قد تقدم قبل ذلك، فقال: "اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه بدعوة فاجعل دعوتي عليه رحمة له". القول الأول: أشبه بكلام العرب؛ ألا ترى أنهم يقولون: لا أبا لك، ولا أم لك، وأخزاه الله ما أشعره، ولعنه الله ما أفصحه، ولا يراد تحقيق شيء من ذلك. قال كعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه:

(التعوذ والرقية في المرض)

هوت أمه ما يبعث الصبح غازياً ... وماذا يؤدي الليل حين يؤوب ويروى أن سليمان بن عبد الملك سمع أعرابياً في عام مجدب، وهو يقول: رب العباد مالنا ومالكا قد كنت تسقينا فما بدا لكا أمطر علينا الغيث لا أبا لكا فقال سليمان: أشهد أنه لا أبا له، ولا صاحبة ولا ولد، فأخرج كلامه أحسن مخرج، ولم يرد الأعرابي ذلك، وإنماخاطب الأعرابي به الله تعالى، على نحو ما كان يخاطب به صاحبه إذا استحثه وأنكر عليه شيئاً. (التعوذ والرقية في المرض) - "النفث" [10]: نفخ لا بصاق معه، فإن كان معه بصاق فهو تفل. وقيل: التفل: البصاق نفسه. (تعالج المريض) - "الذبحة" [13]: داء في الحلق يخنق صاحبه. وقيل: قرحة تخرج في الحلق. قال الشيخ- وفقه الله تعالى-: داخله، وكذلك قال السلمي يستبطن الحلق فيذبحه.

(الغسل بالماء من الحمى)

- و"اللقوة" [14]- بفتح اللام-: الريح/ 108/أالتي تميل أحد جانبي الفم. وقد لقي الرجل. واللقوة واللقوة: العقاب السريعة الطيران، والجمع: لقاء. - وقوله: "فاحتقن الجرح الدم" [12]. يمكن أن يكون الدم مفعول الجرح. (الغسل بالماء من الحمى) - "الجيب" [15] للثوب، والاجتياب: تقوير موضع دخول رأس الإنسان من الثوب، ويسمى ذلك الموضع المقور جيباً، يقال: جبت الثوب، وأجبته قطعته، فهو من ذوات الواو، وقال ثابت: الاجتياب للثوب: أن يقطع وسطه، ثم يلبس ولا يجيب، فإذا جيبت فهي بقيرة. وقيل: هو من ذوات الياء، وأن ألفه منقلبة عن ياء، إذا استثقلت كسرتها فحذفت، سكنت وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً. - و"الفيح" [16]: سطوع الحر وانتشاره، ويقال: فوح أيضاً. وقد فاح يفيح ويفوح. ويروى: "فابردوها" موصول الألف مضموم الراء، و"أبردوها" مقطوع الألف مكسور الراء، وهما لغتان: بردته بالماء وأبردته. (عيادة المريض والطيرة) - لم يقل أحد في هذا الحديث: "قرت فيه" [17]. غير مالك، والذي

رواه غيره: "حتى إذا قعد استقر فيها"، وروى أيضاً: "حتى يجلس فإذا جلس اغتمس فيها". وفي حديث آخر: "مشى في خرافة الجنة حتى يجلس غمرته". وتأويل قرت فيه في "الكبير" وحاصله: أن معناه ثبتت له من رحمة الله، وهي ثوابه الجزيل، وتجاوزه عن الذنوب. - وقوله: "لا عدوى" [18] أي: لا يعدي شيء شيئاً، ولا سقيم صحيحاً، وكانت العرب تقول ذلك. وأما "الهامة" فعلى ما تقدم منأن العرب كانت تقول: إن عظام الموتى تصير هاماً فتطير، وكانوا يزعمون أيضاً أن الميت إذا قتل فلم يدرك بثأره خرج من رأسه طائر يقال له: هامة، فيصيح على قبره: اسقوني، فإذا قتل قاتله كف عن الصياح، قال:

يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة اسقوني - وأما "الصفر" ففيه أقوال، قال أبو عبيد: سمعت يونس يسأل رؤبة بن العجاج عن الصفر، فقال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، ويقال: إنها تشتد على الإنسان إذا جاع فتؤذيه، قال الأعشى: ولا يعض على شرسوفه الصفر وقال أبو عبيد- في الصفر أيضاً-: يقال: إنها تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه. وهكذا حكى ابن القاسم عن مالك. - و"الممرض": الذي تمرض إبله، و"المصح": ضده. يقال: مرض

الرجل إذا كان المرض في جسمه، فإن كان المرض في إبله أو شائه قيل: أمرض، وكذا يقال: صح، إذا كانت الصحة في جسمه، فإن كانت في إبله أو شاته، قيل: أصح. - وقوله: "إنه أذى" قال أبو عبيد: معنى الأذى عندي: المأثم.

[كتاب الشعر]

[كتاب الشعر] (السنة في الشعر) - "إخفاء الشوارب" [1] عند مالك وأصحابه: الأخذ منها حتى يبدو إطار الشفة، وهو طرفها المحيط بالفم. وأما أبو حنيفة والشافعي وابن حنبل وسائر العراقيين فيرون استئصاله؛ وحجتهم: أن الإحفاء في اللغة معناه: الإفراط، يقال: سأل فأحفى، وفلان حفي بفلان: إذا كان يكثر من بره، وليس هو بلازم؛ لأنه يجوز أن يكون من قولهم: حفيت الدابة وأحفيتها، وحفى السكين، إذا لم يقطع، وأحفيته فهو بمنزلة الشيء الحديد الذي تزال حدته بأن يحفى؛ لأنه ينخس ويؤذي. - وأما قوله: "وإعفاء اللحية" فإن الإعفاء في اللغة لفظة تستعمل بمعنى التكثير والتقليل.

يقال: عفا وبر الناقة: إذا كثر، وكذلك لحمها، وعفا القوم، قال/ 108/ ب تعالى: {حَتَّى عَفَوا} أي: كثروا. ويقال: عفا المنزل: إذا درس وذهبت آثاره، وعليه العفاء، وهو ضد ذلك المعنى الأول، ولما كانت اللفظة مشتركة تحتمل التكثير والتقليل اختلف الناس في إعفاء اللحية. - وقوله: "كان يكره الإخصاء" [4]. كذا الرواية، وهو خطأ؛ لأنه لا يقال: أخصى، إنما يقال: خصى، وفعله: خصيت، ولا يقال أخصيت. - وقوله: "فيه تمام الخلق" كلام لا يصح في ظاهره؛ لأن فيه نقصان الخلق لاتمامه، والوجه فيه: أن يكون على حذف مضاف أراده، وفي تركه تمام الخلق، كقوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ}: أي: على لسان رجل. وإنما جعله ابن عمر من نقصان الخلق، كقوله تعالى: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. - و"القصة" [2] ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، سمي بذلك لأنه يقص. وقال ابن دريد: كل خصلة من الشعر قصة.

(إصلاح الشعر)

- و"سدل" [3]: هو إرسال الشعر على الوجه من غير تفريق، وكذلك السدل في الصلاة: إرخاء الثوب على المنكبين إلى الأرض، دون أن تنضم جوانبه. - وقوله: "ثم فرق"- بالتخفيف أشهر، وقد شدده بعضهم، والمصدر: الفرق بالسكون. وقد انفرق شعره: انقسم في مفرقه، وهو وسط رأسه، وأصله: الفرق بين الشيئين. والمفرق: مكان فرق الشعر من الجبين إلى دائرة وسط الرأس. يقال: بفتح الراء والميم، وكسرهما، وكذلك مفرق الطريق. (إصلاح الشعر) - معنى: "ثائر الرأس" [7]: قائم الشعر. وأصل الكلمة في اللغة: الظهور والخيال، ومنه أخذ الثائر والثورة. والعرب تسمي الشعر الذي على الرأس رأساً؛ لكونه في الرأس، كما يسمون شعر العين شفراً؛ لنباته على الشفر، وهو حرف العين. - وقوله: "كأنه شيطان" لما تصور في نفوس الناس أنه في نهاية القبح صح التشبيه به، وقد قال تعالى- في شجرة الزقوم-: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} على أنه يتصور ويتمثل، كما تمثل إبليس بصورة سراقة بن

(ما يؤمر به من التعوذ)

جعشم، وكان سراقة من أقبح الناس، كما [أن] الملائكة يتمثلون بصورة الحسان من بني آدم، كما كان جبريل يتمثل بدحية، وكان من أجمل الناس. (ما يؤمر به من التعوذ) - همزات الشياطين" [19]: أصله النخس والغمز، وكل شيء دفعته فقد همزته. وفي الحديث: "أما همزه فالموتة" قال أبو عبيد: الموتة: الجنون، ومنه الهماز والمغتاب، وكذلك الهمزة. - و"العفريت" [10]: هو القوي النافر مع خبث ودهاء. يقال: رجل عفر، وعفريت نفريت، وعفارية نفارية. ووقع في نسخ "الموطأ" ورواياهت: "إلا طارق" بالرفع وهو خطأ لا وجه له.

قال الشيخ- وفقه الله-: وفي كتابي: "إلا طارقاً" بإصلاحي. - و"ذرأ وبرأ" [12]. قال أهل اللغة: كرره مع خلق للتأكيد، لما اختلف اللفظ، والذي يظهر أن أصل الخلق: التقدير، وبرأ: أوجدهم على غير مثال، وذرأ: خلقهم متناسلين أمثال الذر، إذ أصل الذرية: النسل، والبارئ: الخالق البرية، يهمز على الأصل، ولا يهمز في الأغلب، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، ويقال: إن من لم يهمز البرية جعلها من البرى، وهو التراب، وقيل: إن البرية: أحد الأسماء التي تركت العرب همزها، وكان أصلها الهمز، ويقال: بريت العود والقلم، إذا قطعته وأصلحته، لكن اختصت هذه اللفظة بخلق الحيوان في عرف الاستعمال، وتقدم أن ابن دريد قال: ذرأ الله الخلق ذرواً، وكان أصله الهمز،/ 109/أوتركت العرب همزه، وكذلك الذرية، وقال الزبيدي: أصله النشر من ذر، وقال غيره: أصله من الذر فعلية، لأن الله خلقهم أولاً كأمثال الذر، فلا أصل له في الهمز.

(ما جاء في المتحابين في الله عز وجل)

(ما جاء في المتحابين في الله عز وجل) - قوله: "المتحابون لجلالي" [13] فيه وجهان: أحدهما: أن يريد بالجلال: العظمة. والثاني: أن يكون أراد المتحابون من أجلي. والعرب تقول: فعلت ذلك لجلالك وجللك، ومن جلالك ومن جللك: أي: من أجلك وسببك، قال جميل: كدت أقضي الغداة من جلله - وقوله: "ثم يضع له القبول في الأرض" [15]. القبول والتقبل، وهو مفتوح القاف، ولا يجوز ضمها: أي: يوضع له المحبة في القلوب والرضى، ومنه [قوله تعالى]: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)} أي: رضيها. قال المطرز: والقبول مصدر لم أسمع غيره بالفتح في المصدر، وقد جاء

مفسراً في رواية القعنبي: فيضع له المحبة في الأرض. - وقوله: "براق الثنايا" [16]. يريد أبيض الثغر حسنه. وقيل: معناه: كثير التبسم طلق الوجه، والأول أظهر. - وقوله: "فأخذ بحبوة ردائي" أي: مجتمع ثوبه الذي يحتبي به، وملتقى طرفيه في صدره. وقوله: "فقال: الله، فقلت: الله؟ ". أرى أن همزة الاستفهام جعلت هنا عوضاً من حرف القسم، كما جعلوها عوضاً في قولهم: أي ها الله لقد كان كذا، ثم حكى قوله: الله على ما هو عليه، كأنه قال: نعم. - و"القصد" [17]: التوسط في الأمور بين الغلو والتقصير. يقال: قصد يقصد، قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}. وقال عليه السلام: "ماعال من اقتصد" وهو الاقتصاد في النفقة، قال امرؤ القيس: جالت لتصرعني فقلت لها اقصدي ... إني امرؤ صرعي عليك حرام و"التؤدة": الرفق والاستيناء في الأمور، ومنه يقال: اتئد في الأمر، أي: توقف. - و"السمت": حسن الهيئة والمنظر في الدين والخير، لا في الجمال واللباس. والسمت أيضاً: القصد، والطريق، والجهة، ومنه سميت القبلة. قال الخطابي: وأصله الطريق المنفاد.

[كتاب] الرؤيا

([كتاب] الرؤيا) تقول: رأيت رؤية: إذا عاينت ببصرك، ورأيت رأياً: إذا اعتقدت شيئاً في قلبك، ورأيت رؤياً: إذا رأيت شيئاً في منامك. وقد تستعمل الرؤيا مصدراً في اليقظة، كما قال الراعي: وكبر للرؤيا فهش فؤاده ... وبشر نفساً كان قبل يلومها والأبيات قبله تدل على أنه رئية اليقظة. - و"الحلم" [4]- بضم اللام-: رؤيا النوم، والفعل منه: حلم- بفتح اللام- والمحتلم والحالم سواء، وهو البالغ من الاحتلام. وفي الحديث: "كان يصبح جنباً من غير حلم" مجزوم اللام أي: لا من حلم المنام، وهو الاحتلام.

(ما جاء في النرد)

(ما جاء في النرد) - "النرد" [6]: أصله بالفارسية: نردشير، وهو اسم فارسي لنوع من الآلات التي يقامر بها، وهي قطع ملونة تكون من خشب النقش، ومن عظم الفيل، فحذف بعض اللفظة لطولها، كما أن البيدق من الشطرنج إنما أصله شهبيدق، وكذلك النأي الذي يزمر به، إنما هو نرمناي، وقد جاء النرد على أصله في بعض الحديث: "من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير". قال الراجز: يا مفنياً لعمره القصير ما بين شطرنج ونردشير واللهو بالمزمر والخمور ألم يعظك واعظ التقبير ويقال للنرد أيضاً: الأرن، والكوبة، والطبل، والكعاب/ 109/ب. وفي حديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء" وقد قيل: إن الكوبة: الطبل.

[كتاب السلام]

[كتاب السلام] (العمل في السلام) - يقال: "السلام عليكم" [2] معرفاً. و"سلام عليم" منكراً، فإذا نكر فهو مصدر، وإذا عرف احتمل أن يكون مصدراً معرفاً، واحتمل أن يكون عبارة عن الله تعالى؛ فإذا كان منكراً كان التقدير: ألقيت عليك سلامة مني، فالق علي سلامة منك، وإذا كان معرفاً احتمل أن يكون فيه هذا المعنى بعينه، واحتمل أن يكون معناه: الله رقيب عليكم. - و"المتجالة": التي بلغت حد التجلي والظهور دون ستر. (ما جاء في السلام على اليهود والنصارى) - "السام" [3]: الموت، بدليل قوله عليه السلام: "في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام" والسام الموت، فيريدون بقولهم: "السام عليكم" سلط الله عليكم الموت والهلاك، ولذلك كان الوجه إسقاط الواو من "عليكم" في

(جامع السلام)

الرد؛ لأن الواو توجب الاشتراك، ويجب أن يعتقد أنها زائدة في رواية من رواها، ولكنها ذكرت لتستعمل في الإلغاز في رد "السلام عليهم" في مثل ما يستعملونه في ابتدائه. (جامع السلام) - قوله: "رأى فرجة" [4]: أي: سعة من الأرض. والفرجة: الخلل بين الشيئين، وجمعها: فرج، وتقدم [لنا] الفرق بين الفرجة في الحائط والفرجة في الأمر، وأن الأولى بضم الفاء، والثانية بفتحها، وحكاية أبي عمر بن العلاء حين فر من الحجاج مع الأعرابي الذي سمعه ينشد: ربما تكره النفوس من الأمـ ... ـر له فرجة كحل العقال فاستفصله فقال له: الفرجة في الحائط والفرجة [في الأمر]، ثم سأله ما الأمر؟ فقال: مات الحجاج، وقال أبو عمرو: ولا أدري بأيهما كنت أشد فرحاً. - وقوله: "فأوى إلى الله" مقصور الألف، أي: لجأ إلى الله. "فآواه الله" ممدود الألف. أي: قبله وأجابه إلى ذلك، هذا هو الأشهر فيما رويناه، وقد جاء المد في كل واحدة منهما، والقصر في كل واحدة منهما، لكن المد في المعدى أشهر، والقصر في اللازم أشهر، قال تعالى: {إِذْ

أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أي: لجئوا إلى الله، وقال [تعالى]: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6)} أي: ضمك إلى كنفه، وفضله، وكذلك [قوله تعالى]: {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}. - "السقط" [6] من كل شيء: رديه وما لا يعتد به، وكذلك السقاطة، والسقاط: هو الذي يبيع سقط المتاع. - وقوله: "ولا صاحب بيعة"- بفتح الباء للكافة، وقيده الجياني وابن عتاب بكسرها. قال الجياني: هي حالة من البيع كالركبة والقعدة. ولا تقف على البيع [بضم الباء وتشديد الياء] جمع: بائع، كذا قال القاضي رحمه الله. - و"الغاديات والرائحات"، ويرى بغير واو، أي: التحيات التي تغدو عليك [وتروح] برحمة الله. وفي "الكبير" مزيد على هذا.

[كتاب الاستئذان]

[كتاب الاستئذان] (باب الاستئذان) - "الاستئذان" [2] الاستفعال من الإذن، أي: طلب له. ولما كان أبو سعيد الخدري لم يرو حديث استئذان عمر عن أبي موسى، وإنما شهد بأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في الكلام مجاز من وجهين؛ لأن تقديره: عن أبي سعيد الخدري، عن قصة أبي موسى، فأحد الوجهين من المجاز، أنه حذف المضاف، وهو القصة. والأمر الثاني: أنه جعل "عن" مكان "في" كأنه قال: في قصة أبي موسى، كما تقول العرب: كلمت الأمير عن فلان، أي: في قصته وأمره. (التشميت في العطاس) - يقال: شمت العاطس تشميتاً، وسمته تسميتاً- بالشين والسين-/110/أ، فمن قال بالسين غير معجمة فهو مشتق من السمت، وهو الوقار والجلالة؛ لأنه

توقير للعاطس، وإكرام له. ومن قال بالشين معجمة فاشتقاقه من قولهم: اشتمتت الإبل: إذا سمنت وحسنت حالها، وهو راجع أيضاً إلى معنى الإجلال والإعظام، وإلى هذا ذهب ابن الأعرابي وأنشد: أرى إبلي بعد اشتمات وغبطة * البيت وقيل: معنى التشميت: إبعاد الشماتة، وهو قول ثعلب؛ لأنه سئل عن معنى التشميت والتسميت، فقال: أما التشميت فمعناه: أبعد الله عنك الشماتة، وجنبك ما يشمت به عليك، وأما التسميت فمعناه: جعلك الله على سمت حسن ونحوه، وقيل: هما بمعنى واحد. قال الخليل: التسميت لغة: في تشميت العاطس؛ لأن العرب قد تبدل الشين من السين، فيقولون: رجل جعسوش [وجعشوش]، وهو الحقير القميء، وجاحشت عن الرجل وجاحست: إذا دافعت عنه، ومنعت منه. و"الضناك": الزكام، وكذلك الخنان. يقال: رجل مضنوك ومزكوم ومخنون، وكذا جاء في الحديث: "فقل: إنك مزكوم". قال النابغة

(ما جاء في الصور)

الجعدي: فمن يك سائلاً عني فإني ... من الشبان أيام الخنان وأيام الخنان: أيام كثر فيها الزكام، فهلك منه خلق كثير (ما جاء في الصور) - "فيه تصاوير أو تماثيل". يحتمل أن يكون على الشك من الراوي؛ لأن التماثيل هي التصاوير، فشك في اللفظ، ويحتمل أن تكون التماثيل: ما قام بنفسه من الصور، والصور واقع على ما قام بنفسه، وعلى ما كان رقماً أو تزويقاً في غيره. ويحتمل أن يكون "أو" بمعنى الواو، فيتعلق النهي بهما. والذي يوجبه نقل أهل اللغة الفرق بينهما على ما يأتي. - و"النمرقة": الوسادة- بضم أولها وكسره-، ويقال: نمروق أيضاً، وقيل المرافق، وقيل: المجالس، ولعله يعني الطنافس.

(ما جاء في أكل الضب)

- و"النمط": واحد الأنماط، وهو ظهر فراش، وهو أيضاً: ما يغشى به الهودج، وهو أيضاً: النوع والصنف، ومنه: "خيركم النمط الأوسط". - ويقال: "كراهة، وكراهية". ويقال: "صور وصور"- بضم الصاد وكسرها-. و"التماثيل": التصاوير ذوات أشخاص وأجرام. (ما جاء في أكل الضب) - الضب: دويبة معروفة بأرض اليمن، وأرض نجد، ولم تكن بالحجاز، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تشبه الجرذون وخلقه، كما قال شاعرهم: له كف إنسان وخلق عضاءة ... وكالقرد والخنزير في المسخ والغضب ومما يدل على أنه موجود ببعض أرض العرب: قول بعض بني تميم:

لكسرى كان أعقل من تميم ... ليالي فر من أكل الضباب ويزعمون أن لذكره ذكرين، وأن للأنثى منه فرجين، وأنشد أبو حاتم عن الأصمعي لامرأة من نساء العرب: وددت بأنه ضب وأني ... ضبيبة كدية وجدا خلاء قال الأصمعي: تمنت أن يكون لها فرجان، ولحليلها ذكران، ليكثر استمتاعها به. - وقوله: "تحضرني من الله حاضرة" يعني الملائكة، كما في الحديث: "مشهودة"، وقال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)}. - و"الضب المحنوذ": المشوي، كما جاء في بعض الأحاديث: "بضبين مشويين"، ومثله [قوله تعالى]: {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}. يقال: حنيذ ومحنوذ، كما يقال: قتيل ومقتول. قيل: على الحجارة المحماة بالنار، وقيل: هو الشواء المغموم، وقيل: هو الشواء الذي يبالغ في نضجه.

(ما جاء في أمر الكلاب)

(ما جاء في أمر الكلاب) وقع في رواية يحيى: "من اقتنى إلا كلباً ضارياً أو كلب ماشية" [13] وهو كلام فيه حذف، وإنما/ 110/ب الوجه فيه: "من اقتنى كلباً إلا كلباً ضارياً" وكذا وقع في غير هذه الرواية. (ما جاء في أمر الغنم) - "الخيلاء" [15]: التكبر، وهي ممدودة، تضم خاؤها وتكسر، وضمها أفصح. - و"الفدادون" قال مالك: هم أهل الجفاء من أهل الوبر، وهم أهل الخيل والإبل. و"أهل الوبر": هم أهل البوادي. وقال الأصمعي: هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم وأموالهم، ومواشيهم، وما يعالجون منها،

وكذلك قال الأحمر. يقال منه: فد الرجل يفد فديداً، إذا اشتد صوته، وأنشد: أنبئت أخوالي بني يزيد ... ظلماً علينا لهم فديد وقال أبو عبيد: الفدادون: المكثرون من الإبل الذين يملك أحدهم المئين منها والألف، يقال له فداد إذا بلغ ذلك. قال أبو عبيد: ومنه الحديث الذي يروى: "أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له: ربما مشيت علي فداداً، ذا مال كبير وذا خيلاء".وقال أبو عمرو الشيباني: يروى "أن الجفاء والقسوة في الفدادين" فيخفف الدال ويكسر النون، ويجعله جمعاً مكسراً، ويرى أنه جمع فدان، مشدد، وهي الثيران التي تحرث، يقول: أصحابها أصحاب جفاء، وليس هذا الذي قاله بمعروف، والذي قاله غيره أشبه بالحديث. قال أبو عبيد: لم تكن العرب تعرف الفدادين، وإنما كانت للروم وأهل الشام، وإنما افتتح الشام بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الأخفش: سموا بذلك من أجل الفدافد، وهي الصحاري والبوادي الخالية، واحدها فدفد، وما تقدم أظهر.

وأما "السكينة" فهي الوقار والتواضع، وهي مشتقة من السكون. قال رسول الله: "وأتوها وعليكم السكينة" وهو اسم يمدح به، ويذم بضده. - ومعنى "يوشك" [16] يقرب. يقال: أمر وشيك، أي: سريع قريب. - ويروى: "شعف الجبال" بفتح الشين والعين، وهي رؤوسها، واحدها شعفة، ونظيرها قولهم: أكمة وأكم، وهكذا رواه أكثر رواة "الموطأ". - وروى بعضهم: "شعاف الجبال" وهما سواء، كما يقال: أكمة وإكام. ورواه قوم: "شعب [الجبال] " بالباء وضم الشين وفتح العين، وهي جمع: شعبة، وهي طرق الجبل. [أبو عمر: هكذا وقع في هذه الرواية: "شعب الجبال" وهو عندهم غلط، وإنما يرويه الناس: "شعف الجبال" وأما الشعب فهو عندهم [ما انفرج من الجبلين] وقد قيل: ما تشعب منها وتوعر]. - و"المشربة"- بفتح الراء وضمها-: الغرفة.

(ما جاء في الفأرة تقع في السمن)

- وأما قولهم: "أطعماتهم" ففيه تسمية اللبن طعاماً. وكل مأكول ومشروب عند العرب فاسم الطعام واقع عليه، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}، وقال الشاعر: هتفت بكل صوتك أطعموني ... شراباً ثم بلت على السرير وجمع طعاماً على أطعمة، ثم جمع أطعمة على أطعمات، كما يقال: أعطيات الجند لرواتبهم، وقالوا: أجهزات لجمع جهاز، وقال الراجز: يبتن يرفلن بأجهزاتها (ما جاء في الفأرة تقع في السمن) - "الفأر" معروف، وذكره الزبيدي في المهموز، والواحدة فأرة، والجمع فئران، وأرض فئرة، ومفأرة: كثيرة الفأر. وسئل بعض الأعراب: أتهمز الفأرة؟ فقال: السنور يهمزها، وذكر الزبيدي: فأرة المسك، وهي نافجته، في المهموز كفأرة الحيوان، وإن كانت سميت بذلك لفوران ريحها، أي: ثورانه، فعلى هذا لا يهمز.

(ما يتقى من الشؤم)

(ما يتقى من الشؤم) - "ذميمة": أي: مذمومة، كقتيل ومقتول، وأصل الذم: اللوم. قال صاحب "العين": ذممته ذماً، يعني لمته ملامة، والذميم: القبيح الوجه. - و"الشؤم" في كلام العرب: النحس، وكذلك قال أهل العلم بتأويل القرآن في قوله عز وجل: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} قالوا: مشائيم. قال أبو عبيدة: نحسات: ذوات نحوس مشائيم. (ما يكره من الأسماء) - قوله: "قال للقحة تحلب". هذه اللام هي التي تستعمل بمعنى "من أجل" كقوله: فعلت ذلك لك، أي: من أجلك، وليست كاللام التي في قول القائل: قلت لك كذا، أو إنما هي بمنزلة اللام في قول العجاج: تسمع للجرع إذا استحيرا للماء في أجوافها خريرا أي: تسمع للماء في أجوافها خريراً من أجل الجرع، والخرير: صوت الماء.

(ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام)

- و"الحرقة": قبيلة من جهينة. و"حرة النار": موضع بناحية خيبر، كذا قال أشهب، قال النابغة: إما عصيت فإني غير منفلت ... مني اللصاب فجنبا حرة النار - و"ذات لظى": اسم من أسماء جهنم، مأخوذ من التلظي، وهو التلهب بسرعة، وشدة حركة. (ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام) - "الناضح" [28]: الجمل الذي يسنى به، وجمعه: نضاح ونواضح. قال العباس بن مرداس: أراك إذا قد صرت للقوم ناضحاً ... يقال له بالغرب أدبر وأقبل ويكون الناضح أيضاً: الرجل الذي يسقي النخل، وعلى هذا قال في التفسير: "يعني رقيقك". [ويجوز] في رواية ابن بكير أن [تفتح] النون، فيكون جمع

(ما جاء في المشرق)

ناضح، وجاء على زنة فعال للمبالغة، كما يقال: ضراب وقتال. ولا يجوز في رواية يحيى غير ضم النون؛ لأنه جمع. وقال عبد الملك بن حبيب: النضاح: الذين يسقون النخل، واحدهم ناضح الغلمان نضاح. - وقوله: "اعلفه": هو موصول الألف؛ لأن فعله علف يعلف. كذا قال الأصمعي، وأنشد: إذا كنت في قوم عداً لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب وكان الأصمعي لا يجيز أعلفت الدابة، وذكر أبو إسحق الزجاج أنها لغة. (ما جاء في المشرق) - "الفتنة" [29] ههنا بمعنى الفتن؛ لأن الواحدة تقوم مقام الجمع في الذكر؛ لأن الألف واللام فيها ليست إشارة إلى معهود، وإنما هما إشارة إلى

الجنس، مثل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} و [قوله تعالى]: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}. وتقدم أن الفتنة لها وجوه في اللغة، منها: العذاب، ومنها الإحراق، ومنها: الحروب التي تقع بين الناس، ومنها: الابتلاء والامتحان على حسب ما تقدم. - وأراد بـ "قرن الشيطان" أمة تعبد الشيطان، كما في قوله: "إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان" إنما أراد أمتين تعبدان الشيطان، ومن عبد غير الله فإنما يعبد الشيطان. ويحتمل أن يريد بقرن الشيطان: حزب الشيطان ومن يعينه دون من يعبده. والقرن من الناس: أهل زمان ما. - وأما قوله: "وبها فسقة الجن" [30]. فيحتمل أن يريد الجنس المعروفين عند العامة، ويحتمل أن يريد: دهاء الرجال، وذوي الفسق منهم، والعرب تسميهم جناً وشياطين، وذلك مذكور في أشعارهم، وقد

(ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك)

تسمى الملائكة أيضاً جناً وجنةً؛ لاستتارهم عن الأبصار، قال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} يعني الملائكة. (ما جاء في قتل الحيات وما يقال في ذلك) - "الجنان" [32]: حيات رقاق خفاف، واحدها: جان، قال تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} وقال ابن عباس: الجنان مسخ الجن، كما مسخت القردة من بني إسرائيل. وقال الخليل: الجنان: الحية. وقال نفطويه: الجنان: الحيات، وأنشد للخطفى جد جرير، واسمه حذيفة: يرفعن في اليل إذا ما أسدفا أعناق جنان وهاماً وجفا وعنقاً باقي الرسيم خيطفا

قال: وبهذه الأبيات سمي الخطفى،/ 111/ب وقال غيره: تبدل حال بعد حال عرفتها ... بنازح جنان بهن وخبل قال ابن أبي ليلى: الجنان: الذين لا يعرضون للناس، والخبل: الذين يخبلون الناس ويؤذونهم. - و"ذو الطفيتين": هو الذي في ظهره خطان أسوادان. وأصل الطفية: خوصة المقل، شبه بها الخط الذي في ظهره. - و"الأبتر" من الحيات المحذوف، ولعله الأفعى، وقد قيل ذلك، ومنه: الأبتر: الذي لا عقب له، وقال النضر بن شميل: الأبتر من الحيات: صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها. وفي أصناف الحيات ما عدوانه أشد من عدوان ذي الطفيتين كابن قترة: حية شبه القضيب من الفضة، وقدرها مقدار شبر، وإذا قرب من الإنسان نزا في الهواء، وسقط عليه. والصل الذي لا تنفع فيه الرقية، والأسود صنف منها عظيم، وله عرف وشعر أسود.

(ما يؤمر به من الكلام في السفر)

(ما يؤمر به من الكلام في السفر) - "الغرز" [34] للناقة مثل الركاب للفرس. ومعنى "ازو لنا الأرض": اطو لنا الأرض، وقرب علينا البعد، وسهل علينا الوعر، ومنه: "زويت لي الأرض" وأصل الانزواء: الانضمام والانقباض. - و"وعثاء السفر": مشقته وصعوبته وخشونته، وأصله من وعث الرمل، وهو الذي تسوخ فيه الأقدام للينه، فيتعذر على الماشي ركوبه، والتخلص منه. - و"كآبة المنقلب": أن يرجع من سفره كئيباً لم يبلغ ما أراده. و"الكآبة": الحزن، والمنقلب مصدر بمعنى الانقلاب، كما يقال: المنطلق بمعنى الانطلاق، قال تعالى: {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)}. -و"سوء المنظر في المال والأهل": أن يرى فيهما أو يمسع ما يسوؤه. - وروي في هذا الحديث زيادة: "ومن الحور بعد الكور". وكان عاصم الأحوال يرويه: "بعد الكون" بالنون، فسئل عن معناه، فقال: ألم تسمع

قولهم: حار بعد ما كان، أي: أنه كان على حال جميلة، فحار عن ذلك، أي: رجع. وهذا تصحيف صحفه، ثم صحف: "وإنما هو الكور" بالراء، كذا رواه الحفاظ من أهل الحديث، وكذا تنطق به العرب لا خلاف في ذلك عند أهل اللغة. والحور: مأخوذ من قولهم: جار عمامته: إذا نقضها وحلها على رأسه، والكور: من قولهم: كار عمامته: إذا أدارها على رأسه، فمعناه: نعوذ بالله من فساد الأمور وانتقاضها بعد صلاحها واستحكامها. ويتصرف ذلك في معان كثيرة، كالضلال بعد الهدى، والفقر بعد الغنى، وكالشر بعد الخير، والنقصان بعد الزيادة، ونحوه من الأحوال المتنقلة إلى أضدادها. - وقوله: "بكلمات الله التامات" صفة يراد بها المدح والثناء، ولا يراد بها الفرق بين موصوفين: أحدهما تام، والآخر ناقص؛ لأن كلمات الله تعالى لا نقص في شيء منها، وإنما هي بمنزلة قوله [تعالى]: {بسم الله الرحمن

(ما جاء في الوحدة في السفر)

الرحيم}، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، و [قوله تعالى]: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}، ونحوها من الصفات التي يراد بها المدح أو الذم، لا الفرق، وتقدم هذا. (ما جاء في الوحدة في السفر) - قوله: "الراكب شيطان" [35]. مجاز، كأنه [قال:] صاحب الشيطان، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه/ 112/أ، أو على جري عادة العرب من أنها كانت تسمي كل من ألف القفار، واعتزل عن الناس والأمصار جنياً، وشيطاناً. أبو عمر: معنى الشيطان ههنا: البعيد من الخير في الإنس، والرفق، وهذا أصل هذه الكلمة في اللغة، من قولهم: نوى شطون، أي: بعيدة. وتقدم أن الركب والأركوب والركبان لمن ركب السفن. (ما يؤمر به من العمل في السفر) "العنف" [38]: الجفاء وهو ضد الرفق. ورجل أعجم: بين العجمة الذي لا يفصح، وكذلك الكلام الأعجم، وكل بهيمة عجماء، وصلاة عجماء: لا يقرأ فيها. قال الهروي: العجماء: البهيمة، سميت بذلك لأنها [لا] تتكلم وكل

(الأمر بالرفق بالمملوك)

ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم ومستعجم. - و"التعريس": أن ينزل المسافر نزلة خفيفة في آخر الليل. - ومعنى "انجوا": فروا وأسرعوا فيه، وفيه زيادة في "الكبير". - و"النقي": المخ، يقال: أنقى العظم: إذا صار فيه مخ. - و"طي الأرض بالليل" إنما ذلك؛ لأن الدابة تنشط للسير باليل، وكذلك الإنسان لحر النهار، وبرد الليل، ولهذا قال النابغة: برد الليل عليه فنسل أي: أسرع. - و"نهمته": شهوته ومراده وما يكفيه. (الأمر بالرفق بالمملوك) - معنى: "عفوا إذ أعفكم الله" أي: اتركوا الكسب الخبيث، وعفوا عنه، إذ وسع الله عليكم وأغناكم، وعليه يدل الحديث، وما قبل الكلام وبعده أنه في باب المطاعم والمال، وقد يحتمل أن يريد: إذا أخرجكم الله من فجور الجاهلية على عفاف الإسلام، فالتزموا العفة في كل شيء. - وقوله: "وعليكم من المطاعم بما طاب" يريد: ما كان منه حلالاً.

(ما جاء في المملوك وهيئته)

(ما جاء في المملوك وهيئته) - في رواية يحيى: "تجوس الناس" بجيم. وفي رواية ابن وهب وابن القاسم: "تحوس" بحاء غير معجمة، وهما لغتان. وقال أبو زيد: سمعت أبا سوارٍ الغنوي يقرأ [قوله تعالى]: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} فقال: جاسوا وحاسوا واحد، معناه: وطئوا، يقال: جاستهم الخيل.

[كتاب الكلام]

[كتاب الكلام] (ما كره من الكلام) - معنى "باء" [1]: احتمل والتزم، ورجع به، قال تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}، وقال [تعالى]: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ}. وأصل البوء: اللزوم. - وقوله: "فهو أهلكهم" [2] يروى برفع الكاف ونصبها، ومعناهما بين. قال ابن القاسم عن مالك: معناه هو أفشلهم وأردؤهم، إذ يقول ذلك بمعنى أنه خير منهم، وبسطه في "الكبير". - وقوله: "فإن الله هو الدهر" [3]. أي: إن الدهر لا يفعل شيئاً، إنما هو مصرف مدبر، والفعل كله إنما هو إلى الله تعالى، وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم؛ لأن العرب كانت تنسب الأفعال إلى الدهر، وتصفه بالجور وقلة العدل، وذلك

كثير في الشعر القديم والحديث. وقد يمكن [أن] يراد بذم الدهر: ذم أهله، كما يقال: ليله قائم، ويومه صائم، فينسب القيام إلى الليل، والصيام إلى النهار، وإنما هو للقائم والصائم، وقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}، و [قوله تعالى]: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)}، وقال جرير: ونمت وما ليل المطي بنائم كما أنه يمكن في قول من يقول: "يا كافر" أن يريد: يا شبيهاً بالكافر في أخلاقه، وأفعاله، من غير تحقيق للكفر عليه. ويدل عليه قولهم للرجل: يا شيطان، وليس المراد أنه شيطان على الحقيقة، فإذا حمل التأويل على هذا لم يكن له مدخل في الحديث. (ما يؤمر به من التحفظ في الكلام) / 112/ب - قوله: "من رضوان الله" [5]. يريد مما يرضاه الله تعالى.

(ما جاء في الغيبة)

(ما جاء في الغيبة) - "الغيبة" [10] والاغتياب- افتعال-: ذكر المسلم في غيبته بما يكره ذكره. - و"البهتان": الباطل، وقد بهته- بتخفيف الهاء-، ومن شددها فقد أخطأ. أي: قلت فيه من الباطل ما حيرته به. يقال: بهت فلان فلاناً فبهت، أي: تحير في كذبه. وقيل: بهته: واجهه بما لم يفعله؛ ومنه قوله: "إن اليهود قوم بهت"- بضم الهاء-. (ما جاء فيما يخاف من اللسان) - روى القعنبي: "ألا تخبرنا" [11] بالرفع، وهمزة مزيدة قبل "لا" وهو الصحيح، والمراد بـ "ألا" هذه عند العرب: العرض والاستدعاء والحث، كقوله: ألا تفعل، ألا تنزل، يحضه على ذلك. ومن حذف الهمزة فالوجه فيه أيضاً أن يرفع الفعل، ويريد معنى العرض بعينه، كما يقال في التقرير: أما ترى، وهي اللغة الفصيحة، وربما حذفوا الهمزة فقالوا: ما ترى، وهي لغة ضعيفة، قال الشاعر: ما ترى أي مارق ... بين سعي ودابق

(ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد)

واستعمله ابن المعتز فقال: ما ترى نعمة السماء على الأر ... ض وشكر الرياض لللأمطار أراد: أما ترى، فعلى هذه اللغة تقول: لا تخبرنا، على معنى: ألا تخبرنا، والأجود فيمن رواه هكذا: أن تكون الأفعال التي ترفع على لفظ الأخبار، والمراد بها الأمر أو الرغبة، كما يقال: يرحم الله زيداً، ويغفر الله لك، فيرفع الفعلان، والمعنى معنى سؤال الرحمة والمغفرة. وروى ابن نافع ومطرف: "ألا تخبرنا" بالتشديد، ومعناهما كمعنى "هلا" والهمزة بدل من الهاء، ومعناهما التخضيض. - وقوله: "ما بين لحييه" قيل: لسانه، وقيل: بطنه، واللحي: عظم الأسنان الذي تنبت عليه اللحية. ومعنى: "يجبذ لسانه" أي: يمده. يقال: جبذ الشيء وجذبه، وهما لغتان، وهو من المقلوب. (ما جاء في مناجاة اثنين دون واحد) - "النجو" [13]: اسم يقوم مقام المصدر، والنجوى: السرار. وقد نجوت فلاناً، أي: ناجيته، ونجوته: إذا استنكهته ونجوت الشيء: إذا

(ما جاء في إضاعة المال)

خلصته، ونجوت الجلد: إذا سلخته، ونجوت العقب: إذا خلصته ونقيته لتفتله وتراً، والنجي: المناجي، وهو مصدر، كالصهيل والنهيق يقع على الواحد والجماعة، كما تقول: رجل عدل وصوم. - ومن روى: "إذا كان ثلاثة" [14] رفع الثلاثة، وجعل "كان" تامة، ومن روى: "إذا كانوا ثلاثة" نصب الثلاثة، وجعل "كان" ناقصة، وكذا كان يرويه ابن وضاح. (ما جاء في إضاعة المال) - قوله: "تعتصموا بحبل الله" [20] أي: تمسكوا. يقال: عصم به واعتصم به، وتمسك واستمسك وامتنع من غيره، والعصمة: المنعة، ومنه يقال للذرقة عصمة. و"الحبل" في كلام العرب يتصرف على وجوه، منها: العهد، وهو الأمان، قال: وإذا تجوزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها والحبل في غير هذا الموضع: المواصلة. و"حبل الله" قيل: القرآن،

(ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة)

وهو الأولى، وقيل: الجماعة، وقال أبو عبيد: الاعتصام بحبل الله: إتباع القرآن وترك الفرقة. - ومعنى "قيل وقال": أحاديث الناس التي يخوضون فيها مما فيه الوزر على قائله، أو ما لا فائدة فيه. ومن روى: "قيل وقال"- بفتح اللامين جعلهما فعلين ماضيين حكاهما. وعبر بـ "قيل" عن كل قول لم يذكر قائله، وعبر بـ "قال" عن [كل] قول ذكر قائله، على معنى قيل كذا، وقال فلان كذا. ومن خفضهما وأعربهما: جعلهما اسمين للقول، كما قال الشاعر:/ 113/أ كريم الفعل في عود وبدء ... نزيه السمع عن قيل وقال قال: وأما قول الآخر: أصبح الدهر وقد ألوى بهم ... غير تقوالك من قيل وقال فإنه يروى: "من قيل" على حكاية الفعل، و"من قيل" على أنه اسم. (ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة) - "استحلوا العقوبة" [23]. أي: استوجبوا أن تحل بهم العقوبة، واستحقوا أن تحل بهم، وكذا رواه القنازعي بالقاف.

(ما جاء في التقى حقيقة)

(ما جاء في التقى حقيقة) - "التقوى": فعلى، من وقي يقي وقاية، وأصله وقوى، أبدلت الواو تاء، كما فعلوا في كثير. والتقى: الذي ترجم به. مالك: هي جمع تقاة، وهي حجاب يجعله العبد بينه وبين الذنب من العزم، قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)} أي: لم يجعل بينه وبين المعصية وقاية في الاحتراز من عدو كان حذر منه. - و"بخ بخ": كلمة تقال عند استعظام الشيء، والتعجب منه، وفيها لغتان: بخ بخ، بتسكين الخاء فيهما جميعاً، وبخ بخ، بكسر الخاء الأولى وتنوينها، وتسكين الثانية للوقف، فإذا وصلت الثانية بكلام كسرتها ونونتها، فقلت: بخ بخ يا هذا، وتنوينها عند النحويين علامة لتنكيرها، وتسكينها

(ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم)

علامة لتعريفها، ويقال: به به في معناها، قال الشاعر: أنا في أكرم سنخ ... بخ وفي أكرم جذل من عزاني قال به به ... سنخ ذا أكرم أصل (ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم) - روى يحيى: "لا يقتسم ورثتي دنانير" وروى غيره: "ديناراً" وهو الصحيح؛ لأنه إنما قصد الإخبار بالأقل مبالغة؛ ليدخل فيها ما فوقه، والواحد في هذا الموضع أعم عند أهل اللغة؛ لأنه يقتضي الجنس والقليل والكثير.

[كتاب جهنم]

[كتاب جهنم] (ما جاء في صفة جهنم) - هكذا روى جميع الرواة: "لهي أسود" [2]، وإنما الوجه: "لهي أشد سواداً"، ونظيره قول عمر: "ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع" على ما تقدم أول الكتاب، والقياس: أشد إضاعة، وأكثر ما يأتي مثل هذا في الشعر، كقول الراجز: جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني بياض وقال ذو الرمة: وما شنتا خرقاء واهيتا الكلا ... سقى بهما ساق ولما تبللا بأضيع من عينيك للدمع كلما ... توهمت ربعاً أو تذكرت منزلاً و"جهنم" اسم معروف عند العرب، ولكنهم يقولون: بئر جهنام: إذا كانت

بعيدة القعر، وقالوا: جهنام في اسم رجل، كأنهم أرادوا أنه بعيد الغور، لا يدرك ما عنده، ولا يستخرج ما في قلبه لدهائه، قال الأعشى: دعوت خليلي مسحلاً ودعوا له ... جهنام جدعاً للهجين المذمم وقد زعم قوم أن "جهنم" مشتقة من التجهم، وهو عبوس الوجه والتقطيب، وهذا يوجب أن تكون النون التي فيها لزيادة فائدة، وأن يكون وزنها فعنلاً، وهذا بناء غير معروف، والذي عليه الجمهور أنه اسم أعجمي معرب.

[كتاب الصدقة]

[كتاب الصدقة] (الترغيب في الصدقة) - "الفلو": هو المهر؛ لأنه يفلى عن أمه، أي: يعزل، وحكي "فلو" وأنكره ابن دريد. - و"بيرحاء": موضع بقرب المسجد، يعرف بقصر بني حديلة، ويقال: بيرحا، وبيرحاء، وبيرحاء، وبيرحاء وبيرحا، ورواية الأندلسيين

والمغاربة بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في الجر مع الإضافة أبداً إلى حا. قال أبو الوليد الباجي: وأنكر أبو ذر الضم والإعراب في الراء، وقال: إنما هي بفتح الراء، وفي كل حال قال: وعليه أدركت أهل العلم بالمشرق، وقال لي أبو عبد الله/ 113/ب الصوري: إنما هي بفتح الباء والراء في كل حال: بيرحا. قال: واتفق هو وأبو ذر وغيرهما من الحفاظ على أن من رفع الراء حال الرفع فقد غلط، قال: واللفظتان اسم للموضع، وليست ببئر مضافة إلى موضع. قال الشيخ- وفقه الله-: وعلى رواية الأندلسيين ضبطنا هذا الحرف من طريق ابن أبي جعفر في "مسلم"، وبكسر الباء وفتح الراء، والقصر في "الموطأ" من طريق ابن عتاب وابن حمدين، وغيرهما، وبضم الراء وفتحها

معاً والقصر، قيده الأصيلي، وقد رواه مسلم من طريق حماد بن سلمة: "بريحا" هكذا ضبطناه عن شيوخنا عن العذري والسمرقندي وغيرهما. وذكرنا فيما تقدم آنفاً "بخ" وأنها كلمة تقال عند تعظيم الأمر، والتعجب منه، وذكرنا ما فيها من اللغات، ومن الشواهد عليه قول الكميت: بخ للوعيد وللرهب - ويروى: "رابح، ورايح" فمن روى "رابح" فمعناه: يعود عليه من هيئة الربح، فيجازى بأضعافه. وكان الوجه أن يقال: مربوح فيه، ولكن العرب أجرت هذه اللفظة مجرى النسب، كما قالوا: عيشة راضية، قال الشاعر: وأن لقاها في المنام وغيره ... وإن لم تجد بالبذل عندي لرابح - وكذلك ذكرنا فيما تقدم: "يا نساء المؤمنات" وأن رفع النساء كما يرفع المنادى المفرد، وأنت مخير في "المؤمنات" إن شئت ضممت التاء، وإن شئت كسرتها، كما يقال: يا زيد الطويل والطويل، فترفع الصفة تارة على لفظ

(ما جاء في التعفف عن المسألة)

"زيد"، وتنصب تارة على موضعه، وذكرنا الوجه في رواية من فتح همزة النساء وأضافهن إلى المؤنمات، وأنه بمنزلة قول العرب: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، فغنينا عن إعادة ذلك. - وتقدم أن "الكراع" من الإنسان، ومن الدواب، وسائر المواشي: ما دون الكعب. - وقوله: "شاة وكفنها" [5]. كانوا يسلخون الشاة، ويلبسونها عجيناً، ثم يعلقونها في البيوت؛ لئلا يسيل من ودكها شيء، وكانوا ربما علقوا الشاة المسلوخة في التنور، دون أن يلبسوها عجيناً، ووضعوا تحتها ثريدة فيقطر فيها شحمها. (ما جاء في التعفف عن المسألة) - روى بعضهم: "ما يكن عندي من خنير" [7]. بالجزم على معنى الشرط، وروى بعضهم: "ما يكون عندي" بالرفع على أن تكون "ما" بمعنى "الذي"، وكلاهما صحيح، إلا أن الشرط ههنا أحسن لمجيء الشروط المذكورة بعده. - وروى يحيى وجماعة: "ليأخذ أحدكم .. فيحتطب" [10]. ورواه ابن بكير، والقعنبي، وابن نافع: "لأن يأخذ" وهو الصحيح، وكذا ثبت في كتابي من رواية يحيى، ومن رواه: "يأخذ" فمجازه أنه أراد: لأن يأخذ، فلما حذف

الناصب رفع الفعل، وربما فعلت العرب مثل ذلك، إلا أنه قليل، ومنه قولهم: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". وإنما الوجه: لأن تسمع، وعليه تأول قوم: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونَنِي أَعْبُدُ}، ومنه قول طرفة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وربما حذفوا "أن" وتركوا الفعل منصوباً، ولا يوجد إلا في الشعر على جهة الضرورة، ولهذا أنشد بعضهم بيت طرفة "أحضر الوغى" بالنصب. - وقوله: "يذكرون من حاجتهم" [11]. يجوز أن تكون "من" ههنا زائدة، كما يقال: ما رأيت من رجل، وما جاءني من واحد، ونحوه قوله عز وجل: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ}. ويجوز أن تكون غير زائدة، ويكون في الكلام محذوف مقدر، كأنه قال: يذكرون ما بهم من حاجتهم ونحوه. - و"عدل الشيء"- بفتح العين-: ما يعادله من غير جنسه،/ 114/أفإذا قلت: عندي عدل ثوبك، فمعناه عندي قيمته. وإذا قلت: عندي عدل ثوبك- بكسر

العين- فمعناه: عندي ثوب مثله، قال تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} وقال الشاعر- في المكسور-: ومن هو في الصلاة حديث نفسي ... وعدل النفس عندي بل يزيد وقيل: هما لغتان، وهو قول البصريين، ونحوه عن ثعلب. - و"الإلحاف": الإلحاح في السؤال، قال تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}. - و"اللقحة"- بكسر اللام-: الناقة ذات اللبن، وقد يقال بفتحها، وجمعها: لقاح، بالكسر لا غير، يقال لها ذلك بعد الولادة بشهر وشهرين وثلاثة، ثم هي لبون، واللقحة اسم لها في تلك الحال لا صفة، فلا يقال: ناقة لقحة، ولكن يقال: هذه لقحة، فإن أرادوا الصفة، قالوا: ناقة لقوح ولاقح، وقد يقال لهن ذلك وهن حوامل لم يضعن بعد. - و"بقيع الغرقد": مقابر أهل المدينة، والغرقد: شجر، وبه سمي بقيعاً؛ لأن البقيع عند العرب: كل موضع فيه أروم شجر من ضروب شتى، وتقدم. وقد توهم قوم أن قوله: "ما نقصت صدقة من مال" [12] من الكلام المقلوب، والمراد: ما نقص مال من صدقة، وهذا غلط عرض لقائله من أجل أنه توهم أن "نقص" لا تتعدى إلى مفعول، وهذه كلمة تغلط فيها العامة،

(ما يكره من الصدقة)

يقولون: نقص الشيء، فإذا أرادوا أن يعدوا إلى مفعول قالوا: أنقصته، كما يقال: قام زيد وأقمته، فإلى هذا المذهب ذهب من حمل الحديث على هذا. والصحيح أنهي قال: نقص الشيء ونقصته أنا، كما يقال: زاد وزدته، قال تعالى: {نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3)}. فمعنى قوله: "لا تنقص صدقة من مال": لا تنقص صدقة مالاً، ودخلت "من" للتبعيض، كما تقول: شربت من الماء. (ما يكره من الصدقة) - الاختلاف في "آل محمد" [13] الذين تحرم عليهم الصدقة في "الكبير". وقد اختلف أصحاب مالك فيه، فقال ابن القاسم: إنما ذلك في بني هاشم، ورواه عبد الملك بن حبيب عن مطرف وابن الماجشون فانظره هناك. - وقوله: "أستحمل عليه أمير المؤمنين" [15]. أي: أسأله أن يحملني. و"البادن": السمين العظيم البدن، قال كثير: رأتني كأشلاء اللجام وبعلها ... من القوم أبزى بادن متباطن ومن رواه: بادياً- بالياء- بدلاً من النون فقد صحف، وكأنه أراد من أهل البادية.

- و"الرفغ"- بالفتح والضم-: باطن الفخذ، وأصله ومجمعه من أسفل البطن، ومنه إذا التقى الرفغان وجب الغسل. ويقال: إن الرفغين: الإبطان. وقيل: أصول المغابن، واصله ما ينطوي من الجسد فكله أرفاغ.

[كتاب العلم]

[كتاب العلم] (ما جاء في طلب العلم) - الهدى والعلم يسميان حياة، وكذلك الإيمان. والضلال والكفر والجهل يسمى كل واحد منهم موتاً، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: ضالاً فهديناه، وجاهلاً فعلمناه، قال تعالى: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وقال [تعالى]: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا}، وتسمي العرب الذكي حياً، والبليد ميتاً. والمشهور أن يقال: أرض ميت، بلا هاء، إذا كانت مجدبة، كما قال تعالى: {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً}. ويقال للحيوان الذي مات بالهاء، كما قال تعالى: {إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً}، وإذا شددت الياء من ميتة كان للمؤنث من الحيوان وغيره. و"الوابل": أعظم المطر.

[كتاب دعوة المظلوم]

[كتاب دعوة المظلوم] (ما يتقى من دعوة المظلوم) - "الحمى": المرعى يحميه السلطان والرجل العزيز، فلا يسرح فيه إلا ماله ومال من يخصه،/ 114/ب وفيه لغتان: المد [والقصر]، والقصر أشهر، قال جرير: أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شيء حميت بمستباح وقال آخر- في المد-: سأحمي حماء الأخضريين إنه ... أبى الناس إلا أن يقولوا ابن أخضرا - و"اضمم جناحاك" استعارة، قال تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ}، وقال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ}. وأصله

استعارة أطراف الحيوان لغير الحيوان، أو لغير جنس ذلك الحيوان. - و"الصريمة" تصغير صرمة وهي القطعة من الإبل لا تجاوز الأربعين، يقال من ذلك: رجل مصرم. - وقوله: "وإياي ونعم ابن عفان" أي: جنبني إدخالها، فلما حذف الفعل أتى بالضمير المنفصل كما قال: "إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب". و"النعم": الإبل، ولا يسمى غيرها نعماً على انفراده، فإذا خالطتها إبل سمي الجميع نعماً. - ووقع في رواية يحيى وأكثر الروايات: "يرجعان" بالنون، وهو ضعيف في العربية، إنما يجيء في الشعر على معنى التقديم والتأخير، كأنه قال: فإنهما يرجعان إن تهلك ماشيتهما، ونحوه قول الراجز: إنك إن يصرع أخوك تصرع تقديره عند سيبويه: إنك تصرع إن يصرع أخوك. ومحمد بن يزيد يقول: المعنى إني صرع أخوك فأنت تصرع وهكذا يكون تقدير حديث عمر على مذهبه: إن تهلك ماشيتهما فإنهما يرجعان. والذي رواه الناس: "يرجعا"

بحذف النون؛ لأنه جواب الشرط، واتفقت الرواية على قوله: "إلى المدينة": إلى زرع المدينة، وكان الوجه: يرجعان في المدينة، أو من المدينة، والذي جاءت به الرواية جائز، على أن يكون المجرور بدلاً من المجرور الأول، و [يقدر] في الكلام ضمير محذوف، كأنه قال: على زرع ونخل بها، فيكون كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}. - و"الكلأ" مهموز مقصور: المرعى والعشب رطباً كان أو يابساً عند أكثرهم. وقال ثعلب: الكلأ: اليابس، ومفهوم الحديث: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" يدل عليه. - ويجوز: "وأيم الله" بوصل الألف، وهو مذهب سيبويه، ويجوز قطع الألف، وهو مذهب الفراء، وهو قسم.

[كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم]

[كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم] (ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم) - قوله: "يحشر الناس على قدمي" ذكر فيه الخطابي تأويلين: أحدهما: أنه أول من يحشر من الخلق، ثم يحشر الناس على قدمه، أي: على أثره قال: ويدل عليه رواية من روى: "يحشر الناس على عقبي". قال: والآخر: أن يكون أراد بقدمه: عهده وزمانه. يقال: ذلك على رجل فلان، وعلى قدم فلان، وعلى حين فلان، أي: في عهده وزمانه. وحكي عن الأصمعي أنه قال: قال سعيد بن المسيب، ذات يوم: إني رأيت موسى عليه السلام يمشي على البحر، حتى صعد إلى قصر، ثم أخذ برجل شيطان فألقاه في البحر، وإني لا أعلم نبياً هلك على رجله من الجبابرة ما هلك على رجل موسى، وأظن هذا قد هلك- يعني عبد الملك بن مروان- فجاء نعيه بعد أربع. قال الأصمعي: على رجل موسى، أي: في زمانه. قال الخطابي:

والمعنى أن شريعته لا تنسخ إلى يوم القيامة، وتحقيق القول على وجهين: أحدهما: أنه أراد: يحشر الناس على أثر قدمي، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه. والثاني: أن يكون سمى أثر قدم قدماً على مذهب العرب في تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب. والعرب تقول: لا تضع قدمك على قدم فلان، أي: لا تتبعه، وقال الراجز: إن قريشاً وهي من خير الأمم لا يضعون قدماً على قدم أي: لا يتبعون الناس، وهم يتبعونهم حقيقة. /115/أ القول الثاني: أن القيامة تكون في زمن نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد استعملته العرب أيضاً بمعنى السبق والقدم، كما استعملته بمعنى الأثر، فقالوا: لفلان قدم، فكأنهم سموا السبق قدماً؛ لأنه يكون بالقدم، كما سموا القوة طرقاً؛ لأنه يكون بالطرق، وهو الشحم، ويحتمل أن يكونوا أرادوا لفلان قدم سابقة، ولم يذكروا الصفة حين فهم المعنى، كما قال تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

وَزْناً (105)} أي: وزناً راجحاً أو نافعاً. وقال أبو عمر: ومعنى "يحشر الناس على قدمي [أي قدامي] وأمامي فكأنهم يجتمعون إليه، وينضمون حوله، ويكونون أمامه ووراءه يوم القيامة. قال الخليل: حشرتهم السنة: إذا ضمتهم على النواحي. قال ع: وفد على قدمي: على سابقتي. وحكى القول الثاني الخطابي، وقال: وذلك من قوله تعالى: {وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}. قال: والقدم السابقة بإخلاص الصدق والطاعة، قال حسان: لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأولنا في طاعة الله تابع وقال ذو الرمة: لكم قدم لا ينكر الناس أنها ... مع الحسب العادي طمت على البحر - وأما "العاقب" فقد جاء عنه عليه السلام في هذا الحديث أنه قال: "وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي". قال أبو عبيد: سألت ابن عيينة عن العاقب فقال: آخر الأنبياء. قال أبو عبيد: وكذلك كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب.

كمل بحمد الله تحصيل الكتاب ظهر يوم السبت في العشر الآخر من شهر جمادي الأولى سنة 1056 سنة ست وخمسين وألف سنة. الحمد لله وحده. بلغ مقابلة على الأم المنسوخ عليها بحسب الطاقة والإمكان في نهار الجمعة ثاني وعشرين من شهر رجب الفرد سنة 1057 وقت تذكير المسبح لصلاة الجمعة المباركة، ونسأل الله الإعانة على فهم معانيه والعمل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنواع طاعات بحق محمد وآله، وكان ذلك بمحروس حكامه المحويت حرسها الله بالشريعة المحمدية. صلاح عبد الله يحيى لطف الله

§1/1