الاعتقاد للبيهقي

البيهقي، أبو بكر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أخبرنا القاضي الفقيه الإمام العالم الصدر الكبير، شيخ القضاة، بقية المشايخ، الزاهد العابد الورع، جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري أثابه الله الجنة، بقراءتي عليه في يوم الجمعة منتصف رمضان من سنة تسع وستمائة بزاوية الخضر من جامع دمشق. قلت له: أخبرك الشيخ الإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان المرادي قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي قلت للقاضي: وأخبرك أبو عبد الله الفراوي إجازة فأقر به قال: أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي الحافظ قراءة سنة خمسين وأبعمائة قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ كَمَا شَاءَ لِمَا شَاءَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ لِرِسَالَتِهِ وَالدُّعَاءِ لِمَعْرِفَتِهِ وَالتَّمَسُّكِ بِطَاعَتِهِ مَنْ شَاءَ، وَهَدَى إِلَى إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ بِمَا أَقَامَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَأَظْهَرَ مِنَ الْآيَاتِ مَنْ

شَاءَ، وَوَعَدَ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ مَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الثَّوَابِ كَمَا شَاءَ، وَأَوْعَدَ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِي النَّارِ مِنَ الْعِقَابِ كَيْفَ شَاءَ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [سورة: القصص، آية رقم: 68] ، وَقَالَ: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [سورة: الحج، آية رقم: 75] ، وَقَالَ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [سورة: النساء، آية رقم: 163] إِلَى قَوْلِهِ: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [سورة: النساء، آية رقم: 165] ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة: يونس، آية رقم: 25] ، وَقَالَ: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوَا بِمَا عَمِلُوَا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوَا بِالْحُسْنَى} [سورة:] ، وَقَالَ: {وَاتَّقُوَا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة: آل عمران، آية رقم: 132] ، وَقَالَ: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [سورة: الأنعام، آية رقم: 48] ، فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [سورة: الأنعام، آية رقم: 48] . فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى كَافَّةِ رُسُلِهِ، وَخَصَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا بِأَفْضَلِ الصَّلَاةِ وَالتَّحِيَّةِ وَالْبَرَكَةِ، وَآتَاهُ مَا وَعَدَهُ مِنَ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَالرِّفْعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبَعَثَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ

بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخيْرُ الْغَافِرِينَ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي بِتَوْفِيقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صَنَّفْتُ فِيمَا يَفْتَقِرُ أَهْلُ التَّكْلِيفِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فِي أُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ مَا قَدِ انْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ وُفِّقَ لِسَمَاعِهِ وَتَحْصِيلِهِ مِنَ الْعِبَادِ، غَيْرَ أَنَّ جُلَّ مَا يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ ذَلِكَ لِلِاعْتِقَادِ عَلَى السَّدَادِ مُفَرَّقَةٌ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَلَا يَكَادُ يَتَّفِقُ لِجَمَاعَتِهِمُ الْإِتْيَانُ عَلَى جَمْعِهَا وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِهَا، فَأَرَدْتُ وَالْمَشِيئَةُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ أَجْمَعَ كِتَابًا يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ اعْتِقَادُهُ وَالِاعْتِرَافُ بِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَطْرَافِ أَدِلَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شِعَارُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ، فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ وَفِي جَمِيعِ أُمُورِي، وَابْتَدَأْتُ بِهِ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ عَزَّ اسْمُهُ عَلَى إِتْمَامِهِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَجْعَلَنِي وَالنَّاظِرِينَ فِيهِ مِمَّنْ يَخُصُّهُ بِجَمِيلِ إِنْعَامِهِ وَإِكْرَامِهِ، وَجَزِيلِ إِحْسَانِهِ وَامْتِنَانِهِ؛ إِنَّهُ وَلِيُّهُ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللَّهِ

باب أول ما يجب على العبد معرفته والإقرار به قال الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فاعلم أنه لا إله إلا الله، وقال له ولأمته: فاعلموا أن الله مولاكم، وقال: فاعلم أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون، وقال: قولوا آمنا

§بَابُ أَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مَعْرِفَتُهُ وَالْإِقْرَارُ بِهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ، وَقَالَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ} [الأنفال: 40] ، وَقَالَ: {فَاعْلَمْ أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، وَقَالَ: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الْآيَةَ. فَوَجَبَ بِالْآيَاتِ قَبْلَهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمُهُ، وَوَجَبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الِاعْتِرَافُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِمَا عَرَّفَهُ. وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَرَوَاهُ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ -[36]- النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ رِبْعِيٍّ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا قَالَ فِيهِ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ §اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا عَفَّانُ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بمَدِينَةِ السَّلَامِ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو -[37]- عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْعُوِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ حَتَّى يَحْقِنَ بِهِ دَمَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْرِفَةِ الْقَلْبِ وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ حَتَّى يَصِحَّ إِيمَانُهُ، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ شَرْطُ الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ دُخُولَ الْجِنَانِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

باب ذكر بعض ما يستدل به على حدوث العالم، وأن محدثه ومدبره إله واحد قديم لا شريك له ولا شبيه قال الله عز وجل: وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل

§بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُدُوثِ الَعَالَمِ، وَأَنَّ مُحْدِثَهُ وَمُدَبِّرَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ قَدِيمٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، {§وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163] ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: 164] ، إِلَى قَوْلِهِ: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا -[39]- مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ الْمُسَخَّرَاتِ، وَذَكَرَ خَلْقَ الْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ، وَالْأَنهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْمَعَادِنِ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَخْذَ أَحَدِهِمَا مِنَ الْآخَرِ، وَذَكَرَ الْفُلْكَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ حَيَاةُ الْبِلَادِ، وَبهِ وَبِمَا وَضَعَ اللَّهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ تَعَاقُبِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ يَتِمُّ رِزْقُ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ، وَذَكَرَ مَا بَثَّ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ مُخْتَلِفَةِ الصُّوَرِ وَالْأَجْسَادِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْسِنَةِ وَالْأَلْوَانِ، وَذَكَرَ تَصْرِيفَ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِعِ الْحَيَوَانَاتِ، وَمَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ. ثُمَّ أَمَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِالنَّظَرِ فِيهِمَا، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ وَالدَّلَالَاتِ النَّيِّرَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ بِبَصَرِكَ، وَاعْتَبَرْتَهَا بِفِكْرِكَ، وَجَدْتَهُ كَالْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ الْمُعَدِّ فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَاكِنُهُ مِنْ آلَةٍ وَعَتَادٍ، فَالسَّمَاءُ مَرْفُوعةٌ كَالسَّقْفِ، وَالْأَرْضُ مَبْسُوطَةٌ كَالْبِسَاطِ، وَالنُّجُومُ مَنْضُودَةٌ كَالْمَصَابِيحِ، وَالْجَوَاهِرُ مَخْزُونَةٌ كَالذَّخَائِرِ، وَضُرُوبُ النَّبَاتِ مُهَيَّأةٌ لِلمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَآرِبِ، وَصُنُوفُ الْحَيَوَانِ مُسَخَّرَةٌ لِلمَرَاكِبِ مُسْتَعْمَلةٌ فِي الْمَرَافِقِ، وَالْإِنْسَانُ كَالْمُمَلَّكِ لِلْبَيْتِ الْمُخَوَّلِ مَا فِيهِ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ مَخْلُوقٌ بِتَدْبِيرٍ وَتَقْدِيرٍ وَنِظَامٍ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا حَكِيمًا تَامَّ الْقُدْرَةِ بَالِغَ الْحِكْمَةِ، وَهَذَا فِيمَا قَرَأْتُهُ مِنْ كِتَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ -[40]- قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَضَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ خَلْقِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185] يَعْنِي بِالْمَلَكُوتِ الْآيَاتِ، يَقُولُ: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا نَظَرَ تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ؟ حَتَّى يَسْتَدِلُّوا بِكَونِهَا مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَالتَّغَيُّرَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُحْدَثَاتٌ، وَأَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَانِعٍ يَصْنَعُهُ عَلَى هَيْئَةٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ، كَمَا اسْتَدَلَّ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ فَانْقَطَعَ عَنْهَا كُلِّهَا إِلَى رَبٍّ هُوَ خَالِقُهَا وَمُنْشِئُهَا، فَقَالَ: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 75] ، يَعْنِي بِهِ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ، لَمَّا رَأَى {كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76] ، حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: {§لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 77] ، حَتَّى غَابَ، فَلَمَّا غَابَ قَالَ: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77] ، {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} [الأنعام: 78] ، حَتَّى غَابَتْ، فَلَمَّا غَابَتْ {قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 78] الْآيَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَحَثَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَالتَّفَكُّرِ فيهَا، فَقَالَ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] ، يَعْنِي لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى آثَارِ الصَّنْعَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْإِنْسَانِ مِنْ يَدَيْنِ يَبْطُشُ بِهِمَا، وَرِجْلَيْنِ يَمْشِي عَلَيْهِمَا، وَعَيْنٍ يُبْصِرُ بِهَا، وَأُذُنٍ يَسْمَعُ بِهَا، وَلِسَانٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَأَضْرَاسٍ تَحْدُثُ لَهُ عِنْدَ غِنَاهُ عَنِ الرِّضَاعِ، وَحَاجَتِهِ إِلَى الْغِذَاءِ يَطْحَنُ بِهَا الطَّعَامَ، وَمَعِدَةٍ أُعِدَّتْ لِطَبْخِ الْغِذَاءِ، وَكَبِدٍ يَسْلُكُ إِلَيْهَا صَفْوُهُ، وَعُرُوقٍ وَمَعَابِرَ تنْفُذُ فيهَا إِلَى الْأَطْرَافِ، وَأَمْعَاءٍ يُرَسَّبُ إِلَيْهَا تَفْلُ الْغِذَاءِ، وَيَبْرُزُ عَنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ، فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا عَالِمًا قَدِيرًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرْتَفِعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، {§وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] ، قَالَ: سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ

وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، ثنا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ، ثنا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ، يَقُولُ لِرَجُلٍ: تَبَارَكَ مَنْ §خَلَقَكَ فَجَعَلَكَ تُبْصِرُ بِشَحْمٍ، وَتَسْمَعُ بِعَظْمٍ، وَتَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ. قُلْنَا: ثُمَّ إِنَّا رأَيْنَا أَشْيَاءَ مُتَضَادَّةً مِنْ شَأَنِهَا التنَافُرُ وَالتَّبَايُنُ وَالتَّفَاسُدُ مَجْمُوعةً فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَأَبْدَانِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَهِيَ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ، وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ، فَقُلْنَا: إِنَّ جَامِعًا جَمَعَهَا وَقَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَأَقَامَهَا بِلُطْفِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَنَافَرَتْ وَلَتَفَاسَدَتْ، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَجْتَمِعَ الْمُتَضَادَّاتُ، وَالْمُتَنَافِرَاتُ، وَتَتَقَاوَمَ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ يَجْمَعُهَا لَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ الْمَاءُ وَالنَّارُ، وَيَتَقَاوَمَا مِنْ ذَاتِهِمَا مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ يَجْمَعُهَا وَمُقِيمٍ يُقِيمُهَا، وَهَذَا مُحَالٌ لَا يُتَوَهَّمُ، فَثَبَتَ أَنَّ اجْتِمَاعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِجَامِعٍ قَهَرَهَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ وَهُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِقَرِيبٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى حِينَ سَأَلَهُ الْمُرَيْسِيُّ عَنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ فِي مَجْلِسِ الرَّشِيدِ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَبَاختلَافِ الْأَصْوَاتِ، قُلْنَا: وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ تَحَوُّلَ أَنْفُسِنَا مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ وَتَغَيُّرَهَا؛ لِيُسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى خَالِقِهَا وَمُحَوِّلِهَا، فَقَالَ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] ، وَقَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ -[43]- سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 12] ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ رَآهَا مُدَبَّرَةً، وَعَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى مُصَرَّفَةً، كَانَ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ لَحْمًا وَعَظْمًا، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ لِمْ يَنْقِلْ نَفْسَهُ منْ حَالِ النَّقْصِ إِلَى حَالِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْدِثَ لِنَفْسِهِ فِي الْحَالِ الْأَفْضَلِ الَّتِي هِيَ كَمَالُ عَقْلِهِ وَبُلُوغُ أَشُدِّهِ عُضْوًا مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزِيدَ فِي جَوَارِحِهِ جَارِحَةً، فَيَدُلُّهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ نَقْصِهِ وَأَوَانِ ضَعْفِهِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ أَعْجَزُ، وَقَدْ يَرَى نَفْسَهُ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا، وَهُوَ لَمْ يَنْقُلْ نَفْسَهُ مِنْ حَالِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ وَالْهَرَمِ، وَلَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَلَا فِي وُسْعِهِ أَنْ يُزَايِلَ حَالَ الْمَشِيبِ وَيُرَاجِعَ قُوَّةَ الشَّبَابِ، فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَانِعًا صَنَعَهُ، وَنَاقِلًا نَقَلَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لِمْ تَتَبَدَّلْ أَحْوَالُهُ بِلَا نَاقِلٍ وَلَا مُدَبِّرٍ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْفِعْلُ الْمُحْكَمُ الْمُتْقَنُ وَلَا يُوجَدُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِمَّنْ لَا حَيَاةَ لَهُ، وَلَا عِلْمَ، وَلَا قُدْرَةَ، وَلَا إِرَادَةَ، وَلَا سَمْعَ، وَلَا بَصَرَ، وَلَا كَلَامَ. فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ صَانِعَهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ مُرِيدٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ، ثُمَّ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْمصْنُوعِ بِصَانِعٍ وَاحِدٍ، وَعُلُوَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا يَدْخُلُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْخَلْقِ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا -[44]- يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91] ، وَقَالَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ لَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَشْبَهَ شيْئًا مِنَ الْمُحْدَثَاتِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ لَأَشْبَهَهُ فِي الْحُدُوثِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقَدِيمُ مُحْدَثًا، أَوْ يَكُونَ قَدِيمًا مِنْ جِهَةٍ حَدِيثًا مِنْ جِهَةٍ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ يَفْعَلُ مِثْلَهُ، كَالشَّاتِمِ لَا يَكُونُ شَتْمًا وَقَدْ فَعَلَ الشَّتْمَ، وَالْكَاذِبُ لَا يَكُونُ كَذِبًا وَقَدْ فَعَلَ الْكَذِبَ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شَيْئَانِ مِثْلَيْنِ يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ بِأَنْ يَفْعَلَ صَاحِبَهُ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَزِيَّةٌ يَسْتَحِقُّ لِأَجْلِهَا أَنْ يَكُونَ مُحْدِثًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمِثْلَيْنِ فِيمَا تَمَاثَلَا فِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ مُشْبِهًا لِلْأَشْيَاءِ، فهُوَ كَمَا وَصَفَ نفْسَهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، وَقَالَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَا: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {§قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَا سَيُوَرَّثُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ لَا يَمُوتُ وَلَا يُوَرَّثُ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عِدْلٌ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {§وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [النحل: 60] ، قَالَ: يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَفِي قَوْلِهِ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] ، يَقُولُ: هَلْ تَعْلَمُ لِلرَّبِّ مَثَلًا أَوْ شَبِيهًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ طَرِيقَ الِاسْتِدلَالِ بِمُقَدِّمَاتِ النُّبُوَّةِ، وَمُعْجِزَاتِ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ دَلَائِلَهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ لِمَنْ شَاهَدَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ استِفَاضَةِ الْخَبَرِ لِمَنْ غَابَ عَنْهَا، فَلَمَّا ثَبَتَتِ النُّبُوَّةُ صَارَتْ أَصْلًا فِي وُجُوبِ قَبُولِ مَا دَعَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إِيمَانُ أَكْثَرِ الْمُسْتَجِيبِينَ -[46]- لِلرُّسِلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَصُلْبُ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فُتِنَ أَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بأَرْضِ الْحَبَشَةِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَلَّمَهُ جَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَعْنِي النَّجَاشِيَّ، فَقَالَ: كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ , يَعْنِي عَلَى دِينِ أَهْلِ مَكَّةَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا رَسُولًا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شيْئًا، وَنَخْلَعَ مَا يَعْبُدُ قَوْمُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَكُلِّ مَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ، فَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا وَآذَوْنَا، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكُمْ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَقْرَءُونَهُ عَلَيَّ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَرَأَ §كهيعص. فَلَمَّا قَرَأَهَا بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ -[47]- قُلْنَا: فهَؤُلَاءِ مَعَ النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ اسْتَدَلُّوا بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمَا ادَّعَاهُ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَاكْتَفَوْا بِهِ وَآمَنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَكَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ وَحُدُوثُ الْعَالَمِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، ثنا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَيَسأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «صَدَقْتَ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَال: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا، قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهِنَّ، فَلَمَّا مَضَى قَالَ: «§لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» -[48]- قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَهَذَا السَّائِلُ كَانَ قَدْ سَمِعَ بِمُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ مُسْتَفِيضَةً فِي زَمَانِهِ، وَلَعَلَّهُ أَيْضًا مَا كَانَ يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَاقْتَصَرَ فِي إِثْبَاتِ الْخَالِقِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ عَلَى سُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ عَنْهُ، وَقَدْ طَالَبَهُ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى مُعْجِزاتِهِ بِأَنْ يُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَلَمَّا أَرَاهُ وَوَقَفَهُ عَلَيْهِ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، َثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، َثَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّفَّاءُ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، َثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ §لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا الْعِذْقَ، فَجَعَلَ الْعِذْقُ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الْأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقَزُّ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لَهُ: «ارْجِعْ» ، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَآمَنَ بِهِ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، وَرَوَاهُ أَبُو حَيَّانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ

باب ذكر أسماء الله وصفاته عزت أسماؤه وجل ثناؤه قال الله عز وجل: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون، وقال: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى، وقال: هو الله الذي لا إله إلا هو

§بَابُ ذِكْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفاتِهِ عَزَّتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] ، وَقَالَ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّامَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ، وَقَالَ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الحشر: 22] إِلَى قَوْلِهِ: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِحْمَشٍ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا -[50]- وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكَرَابِيسِيُّ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتعَالِ، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّءُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ -[51]-، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ، ثنا أَيُّوبُ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ §لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اللَّهُ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْإِلَهُ، الرَّبُّ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْحَلِيمُ، الْعَلِيمُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاسِعُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَنَّانُ، الْمَنَّانُ، الْبَدِيعُ، الْوَدُودُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْمَجِيدُ، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، النُّورُ، الْبَادِي، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْعَفُوُّ، الْغَفَّارُ، الْوَهَّابُ، الْقَادِرُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْوَكِيلُ، الْكَافِي، الْبَاقِي، الْحَمِيدُ، الْمُغِيثُ، الدَّائِمُ، الْمُتَعَالِي، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمَوْلَى، النَّصِيرُ، الْحَقُّ، الْمُبِينُ، الْبَاعِثُ، الْمُجِيبُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْجَلِيلُ، الصَّادِقُ، الْحَافِظُ، الْمُحِيطُ، الْكَبِيرُ، الْقَرِيبُ، الرَّقِيبُ، الْفَتَّاحُ، التَّوَّابُ، الْقَدِيمُ، الْوِتْرُ، الْفَاطِرُ، الرَّزَّاقُ، الْعَلَّامُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ، الْغَنِيُّ، الْمَلِيكُ، الْمُقْتَدِرُ، الْأَكْرَمُ، الرَّءُوفُ، الْمُدَبِّرُ، الْقَدِيرُ، الْمَالِكُ، الْقَاهِرُ، الْهَادِي، الشَّاكِرُ -[52]-، الْكَرِيمُ، الرَّفِيعُ، الشَّهِيدُ، الْوَاحِدُ، ذُو الطَّوْلِ، ذُو الْمَعَارِجِ، ذُو الْفَضْلِ، الْخَلَّاقُ، الْكَفِيلُ، الْجَمِيلُ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى مَعَ ذِكْرِ الْأَسَامِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَتَفَرَّدَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحُصَيْنِ بْنِ التَّرْجُمَانِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَزعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ ذِكْرَ الْأَسَامِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِكْرِ عدَدِهَا دُونَ تَفْسِيرِ الْعَدَدِ، وَهَذِهِ الْأَسَامِي مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفْرَدَةً نصًّا أَوْ دَلَالَةً، فَذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» لَا يَنْفِي غَيْرَهَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَحْصَى مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ -[53]- وَجَلَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، سَوَاءً أَحْصَاهَا مِمَّا نَقَلْنَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، أَوْ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، أَوْ مِنْ سَائِرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ أَوِ الْإِجْمَاعُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

باب ذكر معاني الأسماء التي رويناها على طريق الإيجاز الله: معناه من له الإلهية، وهي القدرة على اختراع الأعيان، وهذه صفة يستحقها بذاته. الرحمن: من له الرحمة. الرحيم: الراحم، فعيل بمعنى فاعل على المبالغة، وقيل: الرحمن المريد لرزق كل حي في الدنيا،

§بَابُ ذِكْرِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِيجَازِ اللَّهُ: مَعْنَاهُ مَنْ لَهُ الْإِلَهِيَّةُ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى اخْتِرَاعِ الْأَعْيَانِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الرَّحْمَنُ: مَنْ لَهُ الرَّحْمَةُ. الرَّحِيمُ: الرَّاحِمُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: الرَّحْمَنُ الْمُرِيدُ لِرِزْقِ كُلِّ حَيٍّ فِي الدُّنْيَا، وَالرَّحِيمُ الْمُرِيدُ لِإِكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْمَلِكُ: هُوَ التَّامُّ الْمُلْكِ، وَالْمَالِكُ: هُوَ الْخَاصُّ الْمُلْكِ، وَحَقِيقَتُهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْإِيجَادِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْقُدُّوسُ: هُوَ الطَّاهِرُ مِنَ الْعُيُوبِ، الْمُنَزَّهُ عَنِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْدَادِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. السَّلَامُ: هُوَ الَّذِي سَلِمَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَبَرِئَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي سَلِمَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عُقُوبَتِهِ. الْمُؤْمِنُ: هُوَ الَّذِي صَدَّقَ نَفْسَهُ، وَصَدَّقَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَصْدِيقُهُ لِنَفْسِهِ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ، وَتَصْدِيقُهُ لِعِبَادِهِ عِلْمُهُ بأَنَّهُمْ صَادِقُونَ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقِيلَ: الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُؤَمِّنُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عُقوبَتِهِ. الْمُهَيْمِنُ: هُوَ الشَّهِيدُ عَلَى خَلْقِهِ بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَمِينُ، وَقِيلَ: هُوَ الرَّقِيبُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْحَافِظُ لَهُ. الْعَزِيزُ: هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يُغْلَبُ، وَالْمَنِيعُ الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَادِرُ الْقَوِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ. الْجَبَّارُ: هُوَ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي، وَلَا يَجْرِي فِي مُلْكِهِ غَيْرُ مَا أَرَادَ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْمُتَكَبِّرُ: هُوَ الْمُتَعَالِي عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَتَكَبَّرُ عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ إِذَا نَازَعُوهُ الْعَظَمَةَ فَيَقْصِمُهُمْ. الْخَالِقُ: هُوَ الْمُبْدِعُ الْمُخْتَرِعُ لِلْخَلْقِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ. الْبَارِئُ: هُوَ الْخَالِقُ، وَلهُ اخْتِصَاصٌ بِقَلْبِ الْأَعْيَانِ. الْمُصَوِّرُ: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ خَلْقَهُ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ. الْغَفَّارُ: هُوَ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى. الْقَهَّارُ: هُوَ الْقَاهِرُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ الْقَادِرُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي قَهَرَ الْخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ. الْوَهَّابُ: هُوَ الَّذِي يَجُودُ بِالْعَطَاءِ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ استِثَابَةٍ. الرَّزَّاقُ: هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا يُقِيمُهَا مِنْ قُوتِهَا، وَمَا مَكَّنَهَا مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ رُزِقَ لَهَا. الْفَتَّاحُ: هُوَ الْحَاكِمُ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَيَكُونُ الْفَتَّاحُ الَّذِي يَفْتَحُ الْمُنْغَلِقَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ أُمُورِهِمْ دِينًا وَدُنْيَا، وَيَكُونُ بِمَعْنَى النَّاصِرِ. الْعَلِيمُ: هُوَ الْعَالِمُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَالْعِلْمُ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْقَابِضُ الْبَاسِطُ: هُوَ الَّذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَتِّرُهُ، يَبْسُطُهُ بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ، وَقِيلَ: الْقَابِضُ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ بِالْمَوْتِ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَالْبَاسِطُ الَّذِي يَبْسُطُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ. الْخَافِضُ الرَّافِعُ: فَالْخَافِضُ هُوَ الَّذِي يَخْفِضُ مَنْ يَشَاءُ بَانْتِقَامِهِ، وَالرَّافِعُ هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ بِإِنْعَامِهِ. الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ: يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، لَا مُذِلَّ لِمَنْ أَعَزَّهُ، وَلَا مُعِزَّ لِمَنْ أَذَلَّهُ. السَّمِيعُ: مَنْ لَهْ سَمْعٌ يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْمُوعَاتِ، وَالسَّمْعُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْبَصِيرُ: مَنْ لَهُ بَصَرٌ يَرَى بِهِ الْمَرْئِيَّاتِ، وَالْبَصَرُ لَهُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْحَكَمُ: هُوَ الْحَاكِمُ، وَحُكْمُهُ خَبَرُهُ، وَخَبَرُهُ قوْلُهُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْكَلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى حُكْمِهِ لِوَاحِدٍ بِالنِّعْمَةِ وَلْآخَرَ بِالْمِحْنَةِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْعَدْلُ: هُوَ الَّذِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. اللَّطِيفُ: هُوَ الْبَرُّ بِعِبَادِهِ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعَالِمِ بِخَفَايَا الْأُمُورِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. الْخَبِيرُ: هُوَ الْعَالِمُ بِكُنْهِ الشَّيْءِ، الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقِيلَ: الْخَبِيرُ الْمُخْبِرُ، وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ. الْحَلِيمُ: وَهُوَ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، ثُمَّ قَدْ يَعْفُو عَنْهُمْ. الْعَظِيمُ: هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِأَوْصَافِ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، وَالتَّقْدِيسِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْغَفُورُ: هُوَ الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ. الشَّكُورُ: هُوَ الَّذِي يَشْكُرُ الْيَسِيرَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَيُعْطِي عَلَيْهِ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَثُوبَةِ، وَشُكْرُهُ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى ثَنَائِهِ عَلَى عَبْدِهِ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْكَلَامِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ. الْعَلِيُّ: هُوَ الْعَالِي الْقَاهِرُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي عَلَا وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهُ صِفَاتُ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْكَبِيرُ: هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالْجَلَالِ وَكِبَرِ الشَّأْنِ، فَصَغُرَ دُونَ جَلَالِهِ كُلُّ كَبِيرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي كَبُرَ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْحَفِيظُ: هُوَ الْحَافِظُ لِكُلِّ مَا أَرَادَ حِفْظَهُ وَمَنْ أَرَادَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَنْسَى مَا عَلِمَ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ. الْمُقِيتُ: هُوَ الْمُقْتَدِرُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ، وَقِيلَ: الْمُقِيتُ الْحَفِيظُ، وَقِيلَ: هُوَ مُعْطِي الْقُوتِ، فيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ. الْحَسِيبُ: هُوَ الْكَافِي، وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْمُحَاسِبِ. الْجَلِيلُ: هُوَ مِنَ الَجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ، وَمَعْنَاهُ ينْصَرِفُ إِلَى جَلَالِ الْقُدْرَةِ وَعِظَمِ الشَّأْنِ، فهُوَ الْجَلِيلُ الَّذِي يَصْغُرُ دُونَهُ كُلُّ جَلِيلٍ، وَيَتَّضِعُ مَعَهُ كُلُّ رَفِيعٍ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْكَرِيمُ: هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الدَّنَاءَةِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: الْكَرِيمُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْمُحْسِنُ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَالصَّفُوحُ عَنْ حَقٍّ وَجَبَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الرَّقِيبُ: هُوَ الْحَافِظُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ. الْمُجِيبُ: هُوَ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيُغِيثُ الْمَلْهُوفَ إِذَا نَادَاهُ. الْوَاسِعُ: هُوَ الْعَالِمُ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: الْغَنِيُّ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ مَفَاقِرَ الْخَلْقِ. الْحَكِيمُ: هُوَ الْمُحْكِمُ لِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُصِيبِ فِي أَفْعَالِهِ. الْوَدُودُ: هُوَ الَّذِي يَوَدُّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَوَدُّهُ عِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ عِبَادَهُ إِرَادَتُهُ رَحْمَتَهُمْ وَمَدْحَهُمْ، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ إِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يُوِدِّدَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ. الْمَجِيدُ: هُوَ الْجَلِيلُ الرَّفِيعُ الْقَدْرِ، الْمُحْسِنُ الْجَزِيلُ الْبِرِّ، فَالْمَجْدُ فِي اللُّغَةِ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرَفِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى السَّعَةِ، وَهُوَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْبَاعِثُ: هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ عِبَادَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْجَزَاءِ، وَقَدْ يَبْعَثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عِنْدَ السَّقْطَةِ، وَيُنْعِشُهُ عِنْدَ الصَّرْعَةِ. الشَّهِيدُ: هُوَ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَالِمُ الرَّائِي، فَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الرُّؤْيَةِ. الْحَقُّ: هُوَ الْمَوْجُودُ حَقًّا، وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ. الْوَكِيلُ: هُوَ الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِالْأَمْرِ الْمَوْكُولِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَفِيلُ بِالرِّزْقِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْخَلْقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ. الْقَوِيُّ: هُوَ الْقَادِرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَامَّ الْقُدْرَةِ لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ عَجْزٌ فِي حَالَةٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ. الْمَتِينُ: هُوَ الشَّدِيدُ الْقُوَّةِ الَّذِي لَا تَنْقَطِعُ قُوَّتُهُ، وَلَا يَمَسُّهُ فِي أَفْعَالِهِ لُغُوبٌ، وَيَرْجِعُ مَعْنَاهُ أَيْضًا إِلَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ. الْوَلِيُّ:

باب بيان صفة الذات وصفة الفعل قال الله جل ثناؤه: هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارئ المصور

§بَابُ بَيَانِ صِفَةِ الذَّاتِ وَصِفَةِ الْفِعْلِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فأَشَارَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى فَصْلِ أَسْمَاءِ الذَّاتِ مِنْ أَسْمَاءِ الْفِعْلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، إِلَى سَائِرِ مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الذَّاتِ وَأَسْمَاءِ الْفِعْلِ، فلِلَّهِ عَزَّ اسْمُهُ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، وَأَسمَاؤُهُ صِفَاتُهُ، وَصِفَاتُهُ أَوصَافُهُ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا صِفَاتُ ذَاتٍ، وَالْآخَرُ صِفَاتُ فِعْلٍ. فَصِفَاتُ ذَاتِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيمَا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَقْلِيٌّ، وَالْآخَرُ: سَمْعِيٌّ. فَالْعَقْلِيُّ: مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ أَدِلَّةَ الْعُقُولِ مَعَ وُرُودِ السَّمْعِ بِهِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى ذَاتِهِ، كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ

شَيْءٌ، ذَاتٌ، مَوْجُودٌ، قَدِيمٌ، إِلَهٌ، مَلِكٌ، قُدُّوسٌ، جَلِيلٌ، عَظِيمٌ، مُتَكَبِّرٌ، وَالِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاحِدٌ. وَالثَّانِي: مَا يَدُلُّ خَبَرُ الْمُخْبِرِ بِهِ عَنْهُ، وَوصْفُ الْوَاصِفِ لَهُ بِهِ، عَلَى صِفَاتٍ زائِدَاتٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَاتٍ بِهِ، وَهُوَ كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ، عَالِمٌ، قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، بَاقٍ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَوصَافُ عَلَى صِفَاتٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهِ قَائِمَةٍ بِهِ، كَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَبَقَائِهِ. وَالِاسْمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمُسَمَّى لَا يُقَالُ: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا إِنَّهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَأَمَّا السَّمْعِيُّ: فهُوَ مَا كَانَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَقَطْ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ، وَهَذِهِ أَيْضًا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يُقَالُ فيهَا: إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَجُوزُ تكْيِيفُهَا، فَالْوَجْهُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِصُورَةٍ، وَالْيَدَانِ لَهُ صِفَتَانِ وَلَيْسَتَا الْجَارِحَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ لَهُ صِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَطَرِيقُ إِثْبَاتِهَا لَهُ صِفَاتُ ذَاتٍ وَرَدَ خَبَرُ الصَّادِقِ بِهِ

وَأَمَّا صِفَاتُ فِعْلِهِ: فَهِيَ تَسْمِيَاتٌ مُشْتَقَّةٌ مَنْ أَفْعَالِهِ وَرَدَ السَّمْعُ بِهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الَّتِي اشْتُقَّتْ مِنْهَا لَمْ تَكُنْ فِي الْأَزَلِ، وَهُوَ كَوَصْفِ الْوَاصِفِ لَهُ بِأَنَّهُ خَالِقٌ، رَازِقٌ، مُحْيٍ، مُمِيتٌ، مُنْعِمٌ، مُفَضِّلٌ. فَالتَّسْميَةُ فِي هَذَا الْقِسْمِ إِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَهُوَ كَلَامُهُ، لَا يُقَالُ: إِنَّهَا الْمُسَمَّى، وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَإِنْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ مِنَ الْمَخْلُوقِ فَهِيَ فِيهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ لِذَاتِهِ الَّذِي لَهُ صِفَاتُ الذَّاتِ وَصِفَاتُ الْفِعْلِ، فَعَلَى هَذَا الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ، إِجَازَةً، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ زَكَرِيَّا اللَّخْمِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: §إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَاشْهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ

لَا يُقَالُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّهَا أَغْيَارٌ، قَدْ نَقَلْنَا كَلَامَهُ فيهَا فِي موَاضِعَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمَنْ قَالَ بِهَذَا احتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] ، فَأَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى، ثُمَّ قَالَ: {يَا يَحْيَى} [مريم: 12] ، فَخَاطَبَ اسْمَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَحْيَى، وَهُوَ اسْمُهُ وَاسمُهُ هُوَ، وَكَذَلِكَ قَالَ: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً} [يوسف: 40] ، وَأَرَادَ الْمُسَمَّيَاتِ، وَقَالَ: {تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] ، كَمَا قَالَ: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1] ، وَكَمَا قَالَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ» ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ: «تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ، وَقَالَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ: «تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» . قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى تَبَارَكَ: تَعَالَى وَتَعَظَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ تَفَاعَلَ مِنَ الْبرَكَةِ، وَهِيَ الْكَثْرَةُ وَالِاتِّسَاعُ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْكَابُلِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ -[74]- اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَقُلْ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ» . وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحُذَيْفَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا، وَبِاسْمِكَ أَمُوتُ» . كَمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الصَّبَاحِ: «اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا وَبِكَ نمُوتُ»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، يَذْكُرُ عَنْ -[75]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَهُ وَهُوَ يُوعِكُ، فَقَالَ: §أُرْقِيكَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ كُلِّ حَسَدِ حَاسِدٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ، وَاسْمُ اللَّهِ يَشْفِيكَ" قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ كَانَ اسْمُهُ غَيْرَهُ، أَوْ لَا هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ الْقَائِلُ إِذَا قَالَ: عَبَدْتُ اللَّهَ وَاللَّهُ اسْمُهُ أَنْ يَكُونَ عَبَدَ اسْمَهُ، إِمَّا غَيْرُهُ، أَوْ مَا لَا يُقَالُ: إِنَّهُ هُوَ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، وَقَوْلُهُ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا» ، مَعْنَاهُ تَسْمِيَاتُ الْعِبَادِ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ، قَالَ الشَّاعِرُ: [البحر الطويل] إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَامِ هُوَ السَّلَامُ

باب ذكر آيات وأخبار وردت في صفات يستحقها الباري عز وجل بذاته سوى ما ذكرنا في البابين قبله قال الله عز وجل: وهو العلي العظيم، وقال: وهو العلي الكبير، وقال: هو الغني الحميد، وقال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وقال: قل هو الله أحد الله الصمد،

§بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي صِفَاتٍ يَسْتَحِقُّهَا الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ بِذَاتِهِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابَيْنِ قَبْلَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ، وَقَالَ: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] ، وَقَالَ: {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26] ، وَقَالَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] ، وَقَالَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ، وَقَالَ: {هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] ، وَقَالَ: {إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] ، وَقَالَ: {الْكَبِيرُ الْمُتعَالِ} ، وَقَالَ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص: 65] ، وَقَالَ: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال: 40] ، وَقَالَ: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} [الحشر

: 23] ، وَقَالَ: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65] ، وَقَالَ: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139] ، وَقَالَ خَبَرًا عَنْ إِبْلِيسَ: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] ، وَقَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، وَقَالَ: {تَبَارَكَ اسْمُ ربِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] ، وَقَالَ: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الجاثية: 37]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثنا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: انْطَلَقْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ مَعْبَدٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " ثُمَّ §أَقُومُ فِي الرَّابِعَةِ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ لِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيُقَالُ لِي: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، أَوْ لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْكَ، وَعِزَّتِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَعَظَمَتِي»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إِلَّا قَدْرَ مَا يَقُولُ: «§اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَامَ §فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ، وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ. قَالَ: ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرُّكُوعِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ -[79]-. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْ كَمَالِ أَوْصَافِ الْإِلَهِيَّةِ، فَوَجَبَ إِثْبَاتُ كُلِّ مَدْحٍ لَهُ، وَنَفْيُ كُلِّ نَقْصٍ عَنْهُ

باب ذكر آيات وأخبار وردت في صفات زائدات على الذات قائمات به قال الله جل ثناؤه: لا إله إلا هو الحي القيوم، وقال: وعنت الوجوه للحي القيوم، وقال: وتوكل على الحي الذي لا يموت، فهو حي وله حياة يباين بها صفة من ليس بحي، وقال: والله على كل شيء قدير،

§بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي صِفَاتٍ زائِدَاتٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمَاتٍ بِهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، وَقَالَ: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] ، وَقَالَ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] ، فَهُوَ حَيٌّ وَلهُ حَيَاةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] ، وَقَالَ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الأنعام: 65] فُهُوَ قَاِدٌر، وَلَهُ قُدْرَةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِقَادِرٍ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] . وَقَالَ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11] ، وَقَالَ: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] ، فهُوَ عَالِمٌ وَلَهُ عِلْمٌ يُبَايِنُ بِهِ صِفَةَ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ، وَقَالَ: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق

: 12] ، أَيْ عِلْمُهُ أَحَاطَ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا كَمَا قُدْرَتُهُ عَمَّتِ الْمَقْدُورَاتِ كُلَّهَا، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] ، وَقَالَ: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [البقرة: 165] ، وَالْقُوَّةُ: الْقُدْرَةُ، وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14] ، وَقَالَ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، وَقَالَ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] ، وَالْمَشِيئَةُ وَالْإِرَادَةُ عِبَارَتَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، فَهُوَ مُرِيدٌ، وَلَهُ إِرَادَةٌ يُبَايِنُ بِهَا صِفَةَ مَنْ يَكُونُ سَاهِيًا أَوْ مَغْلُوبًا أَوْ مُكْرَهًا، وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] ، وَقَالَ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] ، فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَلَهُ سَمْعٌ وَبَصَرٌ يُدْرِكُ بِأَحَدِهِمَا جَمِيعَ الْمَسْمُوعَاتِ، وَبَالْآخَرِ جَمِيعَ الْمُبْصَرَاتِ، وَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وَقَالَ: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: 144] ، وَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] ، وَقَالَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ، وَلَهُ كَلَامٌ يُبَايِنُ

بِهِ صِفَةَ الْأَخْرَسِ وَالسَّاكِتِ، وَقَالَ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد: 3] ، وَقَالَ: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، وَقِيلَ فِي مَعْنَى {الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] : إِنَّهُ الدَّائِمُ، وَقَالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ} [الرحمن: 27] ، فهُوَ بَاقٍ وَلَهُ بَقَاءٌ، وَمَعْنَى وَصْفِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ فِيمَا لَا يَزَالُ.

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: §«يَا حِيُّ يَا قيُّومُ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «أَعُوذُ بعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ» . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[83]- لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ. وَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ. فَحَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَيَاةِ اللَّهِ وَبِبَقَائِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَّالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأَمْرِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ لَنَا: §" إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَتَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَتُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ الَّذِي تُرِيدُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُهُ شَرًّا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَمَعَادِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ "، أَوْ قَالَ: «فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ» . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَصِفَةِ الْقُدْرَةِ وَاسْتِخَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ -[84]-، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَا يَقُولُ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، وَارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ؛ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، لَا مُكْرِهَ لَهُ " قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ لَهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثنا عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: يَنْتَهِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ إِلَى: {§إِنَّ ربَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْإِرَادَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ مَا أَوْعَدَ عَلَيْهِ عِبَادَهُ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ إِلَى مَشِيئَتِهِ كَمَا قَالَ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: §الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتِ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ تَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {قَدْ سَمِعُ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] ، وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ السَّمْعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ قَالَ، يَعْنِي السَّائِلَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ §تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالرُّؤْيَةُ وَالْبَصَرُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَ بِي مِنْكِ -[86]-، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ "، وَقَالَ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ مَعْنَاهُ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَيَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَأَبِيهِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، حَدَّثَاهُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلًا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ " وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى: «بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ» . وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلَامِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّمَا قَالَ بِكَلِمَاتٍ عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ. وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا» -[87]-. وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سيُكَلِّمُهُ ربُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرهُ

باب ذكر آيات وأخبار وردت في إثبات صفة الوجه واليدين والعين وهذه صفات طريق إثباتها السمع، فنثبتها لورود خبر الصادق بها ولا نكيفها. قال الله تبارك وتعالى: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فأضاف الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه، فقال: ذو

§بَابُ ذِكْرِ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ وَرَدَتْ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ وَهَذِهِ صِفَاتٌ طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا السَّمْعُ، فَنُثْبِتُهَا لِوُرُودِ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ ربِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، فَأَضَافَ الْوَجْهَ إِلَى الذَّاتِ، وَأَضَافَ النَّعْتَ إِلَى الْوَجْهِ، فَقَالَ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ، وَلَوْ كَانَ ذِكْرُ الْوَجْهِ صِلَةً، وَلَمْ يَكُنْ لِلذَّاتِ صِفَةٌ لَقَالَ: «ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ، فَلَمَّا قَالَ: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] عَلِمْنَا أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْوَجْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِلذَّاتِ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنَ الْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقٌ فِي التَّثْنِيَةِ، وَفِي ذَلِكَ مَنْعٌ مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى النِّعْمَةِ أَوِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِتَخْصِيصِ التَّثْنِيَةِ فِي نِعَمِ اللَّهِ، وَلَا فِي قُدْرَتِهِ مَعْنًى يَصِحُّ؛ لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى؛ وَلِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّخْصِيصِ وَتَفْضِيلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى إِبْلِيسَ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْقُدْرَةِ أَوْ عَلَى النِّعْمَةِ يُزِيلُ مَعْنَى التَّفْضِيلِ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ: لِمَا خَلَقْتُ مِنْ يَدِي، كَمَا يُقَالُ صُغْتُ هَذَا الْكُوزَ مِنَ الْفِضَّةِ أَوْ مِنَ النُّحَاسِ، فَلَمَّا قَالَ: {بِيَدَيَّ} [ص: 75] عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى

عَيْنِي} [طه: 39] ، وَقَالَ: {فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: §أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65] قَالَ: هَاتَانِ أَيْسَرُ وَأَهْوَنُ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا "، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ -[90]- الدَّجَّالَ، أَلَا وَإِنَّهُ أَعْورُ، وَإِنَّ ربَّكُمْ لَيْسَ بأَعْورَ» . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي هَذَا نَفْيُ نَقْصِ الْعَوَرِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ , وَإِثْبَاتُ الْعَيْنِ لَهُ صِفَةً، وَعَرَفْنَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَبِدَلَائِلِ الْعَقْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَأَنَّ الْيَدَيْنِ لَيْسَتَا بِجَارِحَتَيْنِ، وَأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِصُورَةٍ؛ وَأَنَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ أَثْبَتْنَاهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِلَا تَشْبِيهٍ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

باب في ذكر صفة الفعل قال الله عز وجل: خالق كل شيء، وقال: وخلق كل شيء فقدره تقديرا، وقال: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وقال: فاطر السماوات والأرض، وقال: وخلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، إلى سائر ما ورد في الكتاب في معنى هذه الآيات

§بَابٌ فِي ذِكْرِ صِفَةِ الْفِعْلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] ، وَقَالَ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تقْدِيرًا} [الفرقان: 2] ، وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] ، وَقَالَ: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14] ، وَقَالَ: {وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، إِلَى سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، ثنا أَبِي، ثنا الْأَعْمَشُ، ثنا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ -[92]- هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ: «§كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قوْلُهُ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرَهُ، لَا الْمَاءُ وَلَا الْعَرْشُ وَلَا غَيْرُهُمَا، وَكُلُّ ذَلِكَ أَغْيَارٌ، وَقَوْلُهُ: «وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» يَعْنِي بِهِ: ثُمَّ خَلَقَ الْمَاءَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ: «ثُمَّ خَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَبِيبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلهُ فَقَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ §الْمَاءِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالتُّرَابِ، قَالَ الرَّجُلُ: مِمَّ خُلِقَ هَؤُلَاءِ؟ فَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] -[93]- قَالَ: فَأَخْبَرَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَاءَ وَالنُّورَ وَالظُّلْمَةَ وَالرِّيحَ وَالتُّرَابَ مِمَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ مَصْدرَ الْجَمِيعِ مِنْهُ، أَيْ مِنْ خَلْقِهِ وَإِبْدَاعِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، فَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، خَلَقَ الْمَاءَ أَوَّلًا، أَوِ الْمَاءَ وَمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَلَا عَلَى مِثَالٍ سَبَقَ، ثُمَّ جَعَلَهُ أَصْلًا لِمَا خَلَقَ بَعْدَهُ، فَهُوَ الْمُبْدِعُ وَهُوَ الْبَارِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا خَالِقَ سِوَاهُ

باب القول في القرآن القرآن كلام الله عز وجل، وكلام الله صفة من صفات ذاته، ولا يجوز أن يكون شيء من صفات ذاته مخلوقا ولا محدثا ولا حادثا، قال الله جل ثناؤه: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون. فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله سبحانه قائلا

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الْقُرْآنِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكلَامُ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مَخْلُوقًا وَلَا مُحْدَثًا وَلَا حَادِثًا، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا لَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا لَهُ كُنْ، وَالْقُرْآنُ قَوْلُهُ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَقُولًا لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُوجِبُ قَوْلًا ثَانِيًا، وَالْقَوْلُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَفِي تَعَلُّقِهِ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ كَالْأَوَّلِ، وَهَذَا يُفْضِي إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهُوَ فَاسدٌ، وَإِذَا فَسَدَ ذَلِكَ فَسَدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ أَمْرًا أَزَلِيًّا مُتعَلِّقًا بِالْمُكَوَّنِ، فِيمَا لَا يَزَالُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةِ غَدٍ، وَغَدٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَمُتَعَلِّقٌ بِمَنْ يُخْلَقُ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا أَنَّ تَعْلِيقَهُ بِهِمْ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي يَصِحُّ فِيمَا بَعْدُ، كَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي التَّكْوِينِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْلُومَاتِ عِنْدَ حُدُوثِهَا، وَسَمْعُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِإِدْرَاكِ الْمَسْمُوعَاتِ عِنْدَ ظُهُورِهَا، وَبَصَرُهُ أَزَلِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بإِدْرَاكِ الْمَرْئِيَّاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ مَعْنًى فِيهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَأَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ مُحْدَثًا؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ} [الرحمن: 2] . فَلمَّا جَمَعَ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ

وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ خَلْقُهُ وَمَصْنُوعُهُ، خَصَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْلِيمِ، وَالْإِنْسَانَ بِالتخْلِيقِ، فَلوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقًا كَالْإِنْسَانِ لَقَالَ: خَلَقَ الْقُرْآنَ وَالْإِنْسَانَ. وَقَالَ: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ بِالْوَاوِ الَّذِي هُوَ حَرْفُ الْفَصْلِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ خَلْقِهِ، وَقَالَ: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] ، يَعْنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ وَمنْ بَعْدِ ذَلِكَ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَقَالَ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171] ، وَقَالَ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68] ، وَالسَّبْقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي سَبْقَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، وَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ قَائِمًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونَ هُوَ بِهِ مُتَكَلِّمًا مُكَلَّمًا دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ، فَلَوْ كَانَ كَلَامُ اللَّهِ لَا يُوجَدُ إِلَّا مَخْلُوقًا فِي شَيْءٍ مَخْلُوقٍ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ هَذِهِ الْوُجُوهِ مَعْنًى لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ وَوُجُودِهِمْ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ مَخْلُوقًا فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا يُوجِبُ إِسقَاطَ مَرْتَبَةِ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ إِذَا زَعَمُوا أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لِمُوسَى خَلَقَهُ فِي شَجَرَةٍ، أَنْ يَكُونَ مَنْ سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ مِنْ نَبِيٍّ أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَفْضَلَ مَرْتَبَةً فِي سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مُوسَى

عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ شَجَرَةٍ، وَأَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ الْيَهُودَ إِذْ سَمِعَتْ كَلَامَ اللَّهِ مِنْ مُوسَى نَبِيِّ اللَّهِ أَفْضَلُ مَرْتَبَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ سَمِعَتْهُ مِنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ سَمِعَهُ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ وَلَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُكَلِّمًا لِمُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا فِي شَجَرَةٍ كَمَا زَعَمُوا لَزِمَهُمْ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ مُتَكَلِّمَةً، وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَخْلُوقًا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ كَلَّمَ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: 14] ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَقَدِ احْتَجَّ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْفُصُولِ وَاحْتَجَّ بِهَا غَيْرُهُ مِنْ سَلَفِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ، إِجَازَةً، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَصْبَهَانِيُّ، بِمَكَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْجَارُودِيَّ، يَقُولُ: ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ابْنَ عُلَيَّةَ فَقَالَ: أَنَا مُخَالِفٌ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَسْتُ أَقُولُ كَمَا يَقُولُ، أَنَا أَقُولُ: §لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَذَاكَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ كَلَامًا أَسْمَعَهُ مُوسَى مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ قُلْنَا: وَلِأَنَّ اللَّهَ قَالَ مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ جَعَلَهُ قَوْلًا

لِلْبَشَرِ، وَهَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِحَارُ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ لِنَفِدَتِ الْبِحَارُ وَتَكَسَّرَتِ الْأَقْلَامُ وَلَمْ يَلْحَقِ الْفَنَاءُ كَلِمَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا لَا يَلْحَقُ الْفَنَاءُ عِلْمَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ مَنْ فَنِيَ كَلَامُهُ لَحِقَتْهُ الْآفَاتُ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّكُوتُ، فَلَمَّا لَمْ يَجْرِ ذَلِكَ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَلَا يَزَالُ مُتَكَلِّمًا، وَقَدْ نَفَى النَّفَادَ عَنْ كَلَامِهِ كَمَا نَفَى الْهَلَاكَ عَنْ وَجْهِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: 19] ، مَعْنَاهُ: قَوْلٌ تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أَوْ نَزَلَ بِهِ رَسُولٌ كَرِيمٌ. فَقَدْ قَالَ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] ، فَأَثْبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَلَامًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكلَامًا لِلَّهِ، دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] مَعْنَاهُ: سَمَّيْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَأَنْزَلْنَاهُ مَعَ الْمَلَكِ الَّذِي أَسْمَعْنَاهُ إِيَّاهُ حَتَّى نَزَلَ بِهِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ لِيَعْقِلُوا مَعْنَاهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] ، يَعْنِي: يَصِفُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَلْقَ. وَقَوْلُهُ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَهُوَ كَلَامُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعْظِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ

الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَا يَأْتِيهِمْ ذِكْرٌ إِلَّا كَانَ مُحْدَثًا، وَإِنَّمَا قَالَ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٌ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرًا غَيْرَ مُحْدَثٍ ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ ذِكْرَ الْقُرْآنِ لَهُمْ وَتِلَاوتَهُ عَلَيْهِمْ وَعِلْمَهُمْ بِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَتْلُوُّ الْمَعْلُومُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَعِلْمَهُ بِهِ وَعِبَادَتَهُ لَهُ مُحْدَثٌ، وَالْمَذْكُورُ الْمَعْلُومُ الْمَعْبُودُ غَيْرُ مُحْدَثٍ، وَحِينَ احْتُجَّ بِهِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَنْزِيلُهُ إِلَيْنَا هُوَ الْمُحْدَثُ لَا الذِّكْرُ نَفْسُهُ مُحْدَثٌ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الَّذِي أَجَابَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْآيَةِ، وَإِتْيَانُهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَالتَّنْزيلُ مُحْدَثٌ، وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ عِيسَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ فَعَلَى مَعْنَى أَنَّهُ صَارَ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَا صَارَ آدَمُ مُكَوَّنًا بِكَلِمَةِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] . وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ» ، وَالْقُرْآنُ فِيمَا كُتِبَ فِي الذِّكْرِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] . وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى قِدَمِ الْقُرْآنِ وَوُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي

أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ -[99]- إِبْرَاهِيمَ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَاريُّ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فَيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ، قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، وَأَعْطَاكَ الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ اللَّهُ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وُجِدَتِ التَّوْرَاةُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا، قَالَ آدَمُ: وَجَدْتَ فِيهَا {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلُومُنِي أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَعْمَلُهُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا التَّارِيخُ يَرْجِعُ إِلَى إِظْهَارِهِ ذَلِكَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ الْآيَةِ دِلَالَةٌ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُقُوعِ الْخَطِيئَةِ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ -[100]-. وَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودٌ فِيمَا لَمْ يَزَلْ، مَوْجُودٌ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَبإِسْمَاعِهِ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ مَتَى شَاءَ، صَارَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا لَهُ بِلَا كَيْفٍ، وَالْمَسْمُوعُ كَلَامُهُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهِ، وَكَلَامُهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا لَا يُشْبِهُ سَائِرُ أَوْصَافِهِ أَوْصَافَ الْمَخْلُوقِينَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ بِبَغْدَادَ، أنا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أنا إِسْرَائِيلُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالْمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ جَعَلَ يَقُولُ: يَا قَوْمِ، §لِمَ تُؤْذُونَنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي "، يَعْنِي الْقُرْآنَ

أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ، ثنا الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ، ثنا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، وَأَبِي، مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَضْجَعَهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي §أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ تَكْشِفُ الْمَغْرَمَ وَالْمَأْثَمَ، اللَّهُمَّ لَا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلَا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ» -[101]- قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَاسْتعَاذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ كَمَا اسْتَعَاذَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَكَمَا أَنَّ وَجْهَهُ الَّذِي اسْتَعَاذَ بِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَاتُهُ الَّتِي اسْتَعَاذَ بِهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَكلَامُ اللَّهِ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهِ عَيْبٌ أَوْ نَقْصٌ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، ثنا حَامِدُ بْنُ مَحْمُودٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْجَرَّاحَ الْكِنْدِيَّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«خِيَارُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَذَاكَ الَّذِي أَجْلَسَنِي هَذَا الْمَجْلِسَ، وَكَانَ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ، قَالَ: وَفَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ الرَّبِّ عَلَى خَلْقِهِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْهُ. قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ: وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْهُ، يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ

وَأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ، ثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ مَسْأَلَتِي -[102]- أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ " قَالَ الْأُسْتَاذُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَمَّا كَانَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنَّهُ قَدِيمٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، كَانَ مِنْ فَضْلِ كَلَامِهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ "

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثنا أَبُو مَعْمَرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ سُرَيْجِ بْنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ نِيَارِ بْنِ مُكْرَمٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] ، فَقَالُوا: كَلَامُكَ هَذَا، أَمْ كَلَامُ صَاحِبِكَ؟ قَالَ: §لَيْسَ بِكلَامِي وَلَا كَلَامِ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَ ابْنٌ لَهُ آيَةً مِنَ الْإِنْجِيلِ، فَضَحِكْتُ، فَقَالَ: §أَتَضْحَكُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافَ، عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نوْفلٍ الْأَشْجَعِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لِخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، فَخَرَجْنَا مَرَّةً مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: يَا هَنَاهُ، §تَقَرَّبْ -[104]- إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، وَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، حَدَّثَنِي أُنَاسٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ §أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ خُرَّزَاذَ، ثنا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «§الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ» وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَيُّوبَ، ثنا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثنا إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: §لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ ربِّنَا، وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَكَّمْتُ مَخْلُوقًا، مَا حَكَّمْتُ إِلَّا الْقُرْآنَ "

وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: صَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى جِنَازَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ رَبَّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ اغْفِرْ لَهُ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ، إِنَّ §الْقُرْآنَ مِنْهُ، إِنَّ الْقُرْآنَ مِنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَرُوبَةَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنَ شَبِيبٍ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مَشْيَخَتَنَا، مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ، وَأنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ فَارِسٍ، وَاللفْظُ لَهُ، أنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مَرْوَانَ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَاهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَدْرَكْتُ مَشْيَخَتَنَا مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يَقُولُونَ: إِنَّ §الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ -[106]- قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَكذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْحكَايَةُ فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ: أَدْرَكْتُ. وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ. وَمَشَايِخُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ أَكَابِرِ التَّابِعينَ، فَهُوَ حِكَايَةُ إِجْمَاعٍ مِنْهُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، ثنا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، ثنا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ الضَّبِّيُّ، عَنْ مَعْبَدٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقُلتُ: إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَنَا عَنِ الْقُرْآنِ، أَمَخْلُوقٌ هُوَ؟ قَالَ: §لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ جَعْفَرٍ، فَهُوَ عَنْ جَعْفَرٍ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرُوِّينَاهُ مِنْ أَوجُهٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَافَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَامِيَ أَئِمَّتِهِمْ وَكُبَرَائِهِمُ الَّذِينَ صَرَّحُوا بِهَذَا وَرَأَوُا اسْتِتَابَةَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَرُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ فَقُلْتُ: أَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَلَا أَنَا أَقُوُلُهُ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو -[108]- جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو يَحْيَى السَّاجِيُّ، إِجَازَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا شُعَيْبٍ الْمِصْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: §«الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ» وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَا نَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِأَلْسِنَتِنَا وَنَسْمَعُهُ بِآذَانِنَا وَنَكْتُبُهُ فِي مَصَاحِفِنَا يُسَمَّى كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِي كِتَابِهِ الْإِبَانَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: مَنْ جَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قَالَ: يَعْنِي الْإِمَامَ - أَنْ يُجِيرَهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُبَلِّغَهُ مَأْمَنَهُ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] . وَقَالَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكلِّمَ رَجُلًا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا: مَنْ قَالَ يَحْنَثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْمُنَافِقِينَ: {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة: 94] ، وَإِنَّمَا نَبَّأَهُمْ مِنْ أَخْبَارِهِمْ بِالْوَحْيِ الَّذِي تَنَزَّلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُخْبِرُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَحْيِ اللَّهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ: إِنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ -[109]- بِالْمُوَاجَهَةِ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَكَرَ بَاقِيَ الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَذَكَرَهُ. فَقَدْ سَمَّى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا مَا نُسَمِّيهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ بِأَنْ أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ يَكُونُ بِالْمُوَاجَهَةِ فِي الْحُكْمِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ قَدْ يَكُونُ بِالرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ كَلَامًا وَتَكْلِيمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: حَدِّثُونَا أَتَقُولُونَ: إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؟ قِيلَ لَهُ: نَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] ، فَالْقُرْآنُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ، وَهُوَ مَتْلُوٌّ بِالْأَلسِنَةِ، قَالَ اللَّهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] ، فَالْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ فِي مَصَاحِفِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِنَا فِي الْحَقِيقَةِ، مَتْلُوٌّ بِأَلْسِنَتِنَا فِي الْحَقِيقَةِ مَسْمُوعٌ لَنَا فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي التَّارِيخِ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ -[110]- أَبِي الْهَيْثَمِ الْمُطَوَّعِيُّ بِبُخَارَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرْبَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي أَبَا قُدَامَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَعْنِي الْقَطَّانَ، يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: §أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثْبَتُ فِي الْمَصَاحِفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] . قَالَ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى تِلْمِيذِهِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلَهُ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَكَرِهَ الْكَلَامَ فِي اللَّفْظِ

وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الْأَدِيبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: §مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، يُرِيدُ بِهِ الْقُرْآنَ، فَهُوَ كَافِرٌ -[111]- قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنَّمَا أُنْكِرُ قَوْلَ مَنْ تَذَرَّعَ بِهَذَا إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَسْتَحِبُّ تَرْكَ الْكَلَامِ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب القول في الاستواء قال الله تبارك وتعالى: الرحمن على العرش استوى، والعرش هو السرير المشهور فيما بين العقلاء، قال الله عز وجل: وكان عرشه على الماء، وقال: وهو رب العرش العظيم، وقال: ذو العرش المجيد، وقال: وترى الملائكة حافين من حول العرش،

§بَابُ الْقَوْلِ فِي الِاسْتِوَاءِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وَالْعَرْشُ هُوَ السَّرِيرُ الْمَشْهُورُ فِيمَا بَيْنَ الْعُقلَاءِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] ، وَقَالَ: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] ، وَقَالَ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] ، وَقَالَ: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] ، وَقَالَ: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر: 7] الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] ، وَقَالَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، وَقَالَ: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: 2] ، وَقَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] ، وَقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] ، وَقَالَ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] ، وَقَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، إِلَى سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] ، وَأَرَادَ مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ، يَعْنِي عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، وَقَالَ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} [التوبة: 2] ، يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، وَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيًّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ: «فَإِنَّ فِي §الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِردَوْسَ؛ فَإِنَّهُ وَسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ -[114]- وَمِنْهُ تَتَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خُلَيٍّ، ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي " قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْأَخْبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا كَتَبْنَا مِنَ الْآيَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا -[115]- كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ، إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بِعِلْمِهِ لَا بِذَاتِهِ، ثُمَّ الْمَذْهبُ الصَّحِيحُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ التَّوْقِيفُ دُونَ التَّكْيِيفِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالُوا: الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ قَدْ نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ فِي غَيْرِ آيَةٍ، وَوَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، فَقَبُولُهُ مِنْ جِهَةِ التَّوْقِيفِ وَاجِبٌ، وَالْبَحْثُ عَنْهُ وَطَلَبُ الْكَيْفِيَّةِ لَهُ غَيْرُ جَائِزٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ زَيْرَكَ الْيَزْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ النَّيْسَابُورِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ يَحْيَى، يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَالِكٌ رَأْسَهُ، حَتَّى عَلَاهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ: §الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا مُبْتَدِعًا، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ الشَّيْخُ: وَعَلَى مِثْلِ هَذَا دَرَجَ أَكْثَرُ عُلَمَائِنَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِوَاءِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنِّزُولِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَقَالَ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي -[117]- فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِيمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَأْوِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَآمَنَ بِهِ وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ وَوَكَلَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَنَفَى الْكَيْفِيَّةَ وَالتَّشْبِيهَ عَنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَآمَنَ بِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَكَلَّمُوا فِيهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَفِي الْجُمْلَةِ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اسْتِوَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِاسْتِوَاءِ اعْتِدَالٍ عَنِ اعْوِجَاجٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ فِي مَكَانٍ، وَلَا مُمَّاسَّةٍ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَكِنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ بِلَا كَيْفٍ بِلَا أَيْنَ، بَائِنٌ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَأَنَّ إِتْيَانَهُ لَيْسَ بِإِتْيَانٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ لَيْسَ بِحَرَكَةٍ، وَأَنَّ نُزُولَهُ لَيْسَ بِنَقْلَةٍ، وَأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَأَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِصُورَةٍ، وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بجَارِحَةٍ، وَأَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَتْ بِحَدَقَةٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ أَوْصَافٌ جَاءَ بِهَا التَّوْقِيفُ، فَقُلْنَا بِهَا وَنَفَيْنَا عَنْهَا التَّكْيِيفَ، فَقَدْ -[118]- قَالَ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وَقَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] ، وَقَالَ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالُوا: §أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، سَمِعْتُ أَبَا يَحْيَى الْبَزَّارَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: §كُلُّ مَا وَصَفُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسيرُهُ تِلَاوَتُهُ وَالسُّكُوتُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِيمَا تَفْسِيرُهُ يُؤَدِّي إِلَى تَكْيِيفٍ، وَتَكْيِيفُهُ يَقْتَضِي تَشْبِيهًا لَهُ بِخَلْقِهِ فِي أَوْصَافِ الْحَدَثِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} . قَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«فَإِذَا رَأَيْتُمُ -[119]- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ الْقَفَّالُ، ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: §لَا يُقَالُ لِلْأَصْلِ لِمَ، وَلَا كَيْفَ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ: الْأَصْلُ كِتَابٌ، أَوْ سُنَّةٌ، أَوْ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِجْمَاعُ النَّاسِ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَهُ

باب القول في إثبات رؤية الله عز وجل في الآخرة بالأبصار قال الله عز وجل: وجوه يومئذ يعني: يوم القيامة، ناضرة يعني: مشرقة، إلى ربها ناظرة، وليس يخلو النظر من وجوه: إما أن يكون الله عز وجل عنى به نظر الاعتبار كقوله: أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت،

§بَابُ الْقَوْلِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [القيامة: 22] يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] يَعْنِي: مُشرِقَةً، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، وَلَيْسَ يَخْلُو النَّظَرُ مِنْ وُجُوهٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِهِ نَظَرَ الِاعْتِبَارِ كَقَوْلِهِ: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] ، أَوْ يَكُونَ عَنَى بِهِ نَظَرَ الِانْتِظَارِ كَقَوْلِهِ: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] ، أَوْ يَكُونَ عَنَى بِهِ نَظَرَ التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ كَقَوْلِهِ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونَ عَنَى الرُّؤْيَةَ كَقَوْلِهِ: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد: 20] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنَى بِقَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة

: 23] نَظَرَ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ اسْتِدْلَالٍ وَاعْتِبَارٍ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارُ اضْطِرَارٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَنَى نَظَرَ الِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ انْتِظَارٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ مَعَهُ تنْغِيصٌ وَتَكْدِيرٌ، وَالْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْبِشَارَةِ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ فِيمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِنَ الْعَيْشِ السَّلِيمِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَهُمْ مُمَكَّنُونَ مِمَّا أَرَادُوا وَقَادِرُونَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَطَرَ بِبَالِهِمْ شَيْءٌ أُتُوا بِهِ مَعَ خُطُورِهِ بِبَالِهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] نَظَرَ الِانْتِظَارِ؛ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ ذِكْرِ الْوُجُوهِ فَمَعْنَاهُ: نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْوَجْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَقَلُّبَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، وَنَظَرُ الِانْتِظَارِ لَا يَكُونُ مَقْرُونًا بِـ «إِلَى» لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا فِي نَظَرِ الِانْتِظَارِ: «إِلَى» ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا قَالَ: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] لَمْ يَقُلْ: «إِلَى» ؛ إِذْ كَانَ مَعْنَاهُ الِانْتِظَارَ، وَقَالَتْ بِلْقِيسُ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهَا {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] ، فَلمَّا أَرَادَتِ الِانْتِظَارَ لَمْ تَقُلْ: «إِلَى» . قُلْنَا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ نَظَرَ التَّعَطُّفِ وَالرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَطَّفُوا عَلَى خَالِقِهِمْ، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ صَحَّ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَقْسَامِ النَّظَرِ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] أَنَّهَا رَائِيَةٌ تَرَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِلَى ثَوَابِ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَى رَبِّهَا} [القيامة: 23] ، وَلَمْ يَقُلْ: إِلَى غَيْرِ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَالْقُرْآنُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُزِيِلَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ، أَلَا تَرَى

أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرونِ} [البقرة: 152] ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ ملَائِكَتِي أَوْ رُسُلِي، ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا هَذَا فِي قَوْلِهِ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] ، فَيَقُولُ: أَرَادَ بِهَا: لَا تُدْرِكُ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهَا لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ هَذَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْكَافرِينَ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] . فَلمَّا عَاقَبَ الْكُفَّارَ بِحَجْبِهِمْ عَنْ رُؤْيَتِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُثِيبُ الْمُؤْمِنِينَ بِرَفْعِ الْحِجَابِ لَهُمْ عَنْ أَعْيُنِهِمْ حَتَّى يَرَوْهُ، وَلمَّا قَالَ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} [القيامة: 22] ، فَقَيَّدَهَا بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَصَفَهَا، فَقَالَ: {نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] ثُمَّ أَثْبَتَ لَهَا الرُّؤْيَةَ فَقَالَ: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ، عَلِمْنَا أَنَّ الْآيَةَ الْأُخْرَى فِي نَفْيِهَا عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَفِي نَفْيِهَا عَنِ الْوُجُوهِ الْبَاسِرَةِ دُونَ الْوُجُوهِ النَّاضِرَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْهُ، ثُمَّ قَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا نَفَى عَنْهُ الْإِدْرَاكَ دُونَ الرُّؤْيَةِ. وَالْإِدْرَاكُ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالْمَرْئِيِّ دُونَ الرُّؤْيَةِ، فَاللَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُرَى بِالْأَبْصَارِ قَوْلُ مُوسَى الْكَلِيمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَبِيٌّ مِنَ

الْأَنْبِيَاءِ، قَدْ أَلْبَسَهُ اللَّهُ جِلبَابَ النَّبِيِّينَ وَعَصَمَهُ مِمَّا عَصَمَ مِنْهُ الْمُرْسَلِينَ، يَسْأَلُ رَبَّهُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ مُسْتَحِيلًا، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ جَائِزَةٌ عَلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، فَلمَّا كَانَ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُستَقِرًّا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَمْرِ الَّذِي لَوْ فَعَلَهُ لَرَآهُ مُوسَى، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرِيَ نَفْسَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ رُؤْيَتُهُ، وَقَوْلُهُ: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] أَرَادَ بِهِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مَا مَضَى مِنَ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: 44] ، وَاللِّقَاءُ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْحَيِّ السَّلِيمِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا رُؤْيَةَ الْعَيْنِ، وَأَهْلُ هَذِهِ التَّحِيَّةِ لَا آفَةَ بِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] ، وَقَالَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] . وَقَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ، وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَانْتَشَرَ عَنْهُ وَعَنْهُمْ إِثْبَاتُ رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ، وَنَحْنُ ذَاكِرُونَ أَقْوَالَ بَعْضِهِمْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، فَقَدْ أَفْرَدْنَا لِإِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ كِتَابًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ -[124]- بِشْرَانَ، فِي آخَرِينَ بِبَغْدَادَ قَالُوا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نُودُوا: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا لَمْ تَرَوْهُ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: فَمَا هُوَ أَلَمْ يُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَيُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ §مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَاهُ هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ وَلَا أَقَرُّ لِأَعْيُنِهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا هُدْبَةُ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّحْمَنِ

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، ثنا الْفَرَّاءُ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ §زِيدُوا النَّظَرَ إِلَى ربِّهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَابَعَهُمَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَرُوِّينَا هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا أَبُو الْأَشْهبِ هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: الْجَنَّةُ {§وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قَالَ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ الزِّيَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ ربِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سَلَمَةُ بْنُ سَابُورَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {§وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] يَعْنِي: حُسْنَهَا {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قَالَ: نَظَرَتْ إِلَى الْخَالِقِ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {§وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] قَالَ: حَسَنَةٌ، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قَالَ: تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ حَسَّنَهَا اللَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَنْضُرَ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ

وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، ثنا أَبُو حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: §الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخَرِ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ -[127]- قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاللِّقَاءُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ لِقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ أَفْرَدَ الْبَعْثَ بِالذِّكْرِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ التَّهَجُّدِ: وَوَعْدُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَسَتَلْقَوْنَ ربَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمُ: اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَفِي الْكِتَابِ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْجِرَاحِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَاسَوَيْهِ، ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ السُّكَّرِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْبَاشَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: §مَنْ أَرَادَ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ خَالِقِهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وَلَا يُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ §سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا «وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الضَّبِّيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ عِنْدَ قَوْلِهِ» وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِيمَا أَمْلَاهُ عَلَيْنَا فِي قَوْلِهِ: لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِضَمِّ التَّاءِ وَتشْدِيدِ الْمِيمِ يُرِيدُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرَى فِي جِهَةٍ كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ فِي جِهَةٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتحِ التَّاءِ لَا تُضَامُونَ لِرُؤْيَتِهِ مِثْلَ مَعْنَاهُ بِضَمِّهَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالِاجْتِمَاعِ فِي جِهَةٍ وَهُوَ دُونَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنَ الضَّيْمِ مَعْنَاهُ: لَا تُظْلَمُونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كَلِّهَا وَهُوَ يَتَعَالَى عَنْ جِهَةٍ، قَالَ: وَالتَّشْبِيهُ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِيَقِينِ الرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّارِمِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، ثنا يُوسُفَ بْنُ مُوسَى، ثنا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ، ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ §سَتَرَوْنَ ربَّكُمْ عِيَانًا

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، ثنا أَبُو سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى ربَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَا، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالَ: قُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَهَلْ §تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهِ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُمَارُونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قوْلُهُ تُمَارُونَ: أَصْلُهُ تَتَمَارُونَ -[130]- فَأُسْقِطَتْ إِحْدَاهُمَا وَهُوَ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهِيَ الشَّكُّ فِي الشَّيْءِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ، يَقُولُ: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِلَا شَكٍّ وَلَا مِرْيَةٍ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِيُّ، ثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْلُهُ «رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ» هُوَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ إِرَادَةِ احْتِجَابِ الْأَعْيُنِ، عَنْ رُؤْيَتِهِ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَ أَوْلِيَائِهِ بِهَا رَفَعَ ذَلِكَ الْحِجَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِخَلْقِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا لِيَرَوهُ بِلَا كَيْفٍ، كَمَا عَرَفُوهُ بِلَا كَيْفٍ، وَقَوْلُهُ «فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ» يَعْنِي: وَالنَّاظِرُونَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ " وَلِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامتِ، وَجَابرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَبُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِّينَا فِي إِثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -[131]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ نَفْيُهَا، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ مُخْتَلِفِينَ لَنُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَيْنَا، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا، وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي رُؤْيَتِهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا نُقِلَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَيْنَا فَلَمَّا نُقِلَتْ رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ عَنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يَعْنِي فِي الْآخِرَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْهُمْ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي الدُّنْيَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ فِي الْآخِرَةِ مُتَّفِقِينَ مُجْتَمِعِينَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بَحْرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ هَرِمٍ الْقُرَشِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {§كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] قَالَ: فَلَمَّا حَجَبَهُمْ فِي السَّخَطِ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ قَالَ: ذَكَرَ إِسْحَاقُ الطَّحَّانُ الْمِصْرِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا تَقُولُ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ؟ فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَسَدٍ اقْضِ عَلَيَّ حَيِيتَ أَوْ مِتَّ أَنَّ §كُلَّ حَدِيثٍ يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَقُولُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنِي

باب القول في الإيمان بالقدر قال الله عز وجل وكل شيء أحصيناه في إمام مبين وقال: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها وقال: يعلم السر وأخفى وقال: إنا كل شيء خلقناه بقدر والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر، يقال: قدرت

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] وَقَالَ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] وَقَالَ: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وَقَالَ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ، يُقَالُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَرْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فَهُوَ قَدَرٌ أَيْ: مَقْدُورٌ وَمُقَدَّرٌ، كَمَا يُقَالُ: هَدَمْتُ الْبِنَاءَ فَهُوَ هَدْمٌ أَيْ: مَهْدُومٌ، وَقَبَضْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ قَبْضٌ أَيْ: مَقْبُوضٌ، فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ هُوَ الْإِيمَانُ بِتَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَكْسَابِ الْخَلْقِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَصُدُورِ جَمِيعِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ، وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثنا -[133]- كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ فَانْطلَقْنَا حُجَّاجًا أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا قَدِمْنَا قُلْنَا: لَوْ لَقِينَا بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي الْقَدَرِ؟ قَالَ: فَوَافَقْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ قَالَ يَحْيَى: فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي يَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ ظَهَرَ قَبْلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَعْرِفُونَ الْعِلْمَ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ أُنُفٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِذَا لَقِيتُمْ أُولَئِكَ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا نَعْرِفُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ السَّبِيلَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: صَدَقْتَ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ -[134]- الْإِيمَانِ مَا الْإِيمَانُ؟ فَقَالَ: الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ مَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَال: الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ فَحَدِّثْنِي عَنِ السَّاعَةِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟ قَال: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاةِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عُمَرُ مَا تُدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ، قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَابْنُ يَعْمَرَ جَالِسَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي سُؤَالِ الرَّجُلِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ فِي جَوَابِهِ قَالَ: أَنْ §تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو ذَرِّ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبَهَانِيُّ الزَّاهِدُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤَدِّبُ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {إِنَّ §الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرٍ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، قَالَ وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ -[136]- حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ أَوِ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدٌ الصَّيْرَفِيُّ، بِمَرْوَ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدُ الْمُقْرِئُ، ثنا حَيَوَةُ، ثنا أَبُو هَانِئٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ

وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ الْهُذَلِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ أَبِي حَفْصَةَ قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لَابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ §أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي

أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا إِبْرَاهِيمُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جِنَازَةٍ فَقَال: §مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 6] قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَوْلُهُ «فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ مُيَسَّرٌ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ الْقَدَرُ بِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَكَوْنِهِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَمَارَةٌ لَهُ لِيَكُونَ رَاجِيًا خَائِفًا

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ثنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: " إِنَّ §أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ -[138]- فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: اكْتُبْ رِزْقَهُ، وَعَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌ هُوَ أَمْ سَعِيدٌ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى، اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي، قَالَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَاهُ أَيْضًا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ نَظِيفٍ الْمِصْرِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمَوْتِ إِملَاءً، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ -[139]-، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّفَّارُ، ثنا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَسْقَلَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ §الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَيْرِ جَامِعُ بْنُ أَحْمَدَ الْوَكِيلُ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَآبَاذِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ فِيهِ: وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، ثنا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، وَكَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا غُلَّامُ أَوْ يَا -[140]- بُنَيَّ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: «§احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَقْضِهِ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَاعْمَلْ لِلَّهِ بِالشُّكْرِ فِي الْيَقِينِ، وَاعْلمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» قَالَ الْأُسْتَاذُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ «جَفَّتِ الصُّحُفُ ورُفِعَتِ الْأَقْلَامُ» وَلهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَدِيثُ «السَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ لَا» يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْمَقَادِيرِ، وَجَرَيَانِ الْقَلَمِ بِمَا يَكُونُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَسْعَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مَنْ جَرَى الْقَلَمُ بِسَعَادَتِهِ وَإِنَّمَا جَرَى الْقَلَمُ بِسَعَادَةِ مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَفِي تَقْدِيرِهِ سَعَادَتُهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: إِنَّ §اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ قبْلَ أَنْ يَكْتُبَ وَكَتَبَ -[141]- قبْلَ أَنْ يَخْلُقَ فَمَضَى الْخَلْقُ عَلَى عِلْمِهِ وَكِتَابِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا خُزَامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَرُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَتُقًى نَتَّقِيهِ هَلْ يَرُدُّ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ §مِنْ قَدَرِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالَّذِي يَشْهَدُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ قوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» فَهُوَ إِذَا تَدَاوَى أَوِ اسْتَرْقَى أَوِ اتَّقَى فَبِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَتَيْسِيرِهِ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ مِنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

باب القول في خلق الأفعال قال الله عز وجل ذلكم الله ربكم خالق كل شيء فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر، وقال: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء فنفى أن يكون خالق غيره ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: 62] فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ وَالْأَفْعَالُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقَالَ: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] فَنَفَى أَنْ يَكُونَ خَالِقٌ غَيْرَهُ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ سِوَاهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، فَلَوْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ لَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقَ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ جَمِيعِهَا، وَهَذَا خِلَافُ الْآيَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ الْأَعْيَانِ وَالنَّاسُ خَالِقِي الْأَفْعَالِ لَكَانَ خَلْقُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ خَلْقِهِ وَلَكَانُوا أَتَمَّ قُوَّةً مِنْهُ وَأَوْلَى بِصِفَةِ الْمَدْحِ مِنْ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ؛ وَلَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] فَأَخْبَرَ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ {§قَالَ أَتعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] قَالَ: الْأَصْنَامُ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا -[143]- تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] قَالَ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ مَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ قُلْنَا: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: 101] فَامْتَدَحَ بِالْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا، فَكَمَا لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَسِرَّهُمْ وَجَهْرَهُمْ خَلَقَهُ وَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ. وَقَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] كَمَا قَالَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44] فَكَمَا كَانَ مُمِيتًا مُحْيِيًا بِأَنْ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ كَانَ مُضْحِكًا مُبْكِيًا بِأَنْ خَلَقَ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ، وَقَدْ يَضْحَكُ الْكَافِرُ سُرُورًا بِقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، وَقَدْ يَبْكِي حُزْنًا بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْهُ كُفْرٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] وَقَالَ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] فَسَلَبَ عَنْهُمْ فِعْلَ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالزَّرْعِ مَعَ مُبَاشَرَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَأَثْبَتَ فِعْلَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرَ فِي وُجُودِهَا بَعْدَ عَدَمِهَا هُوَ إِيجَادُهُ وَخَلْقُهُ، وَإِنَّمَا وُجِدَتْ مِنْ عِبَادِهِ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا خَالِقُنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ خَلْقٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي اخْتَرَعَهَا بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ مِنْ عِبَادِهِ -[144]- كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ أَكْسَابُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ أَوْ بَعْضِهَا عَلَى وُجُوهٍ تُخَالِفُ قَصْدَ مُكْتَسِبِهَا يَدُلُّ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ غَيْرِ مُكْتَسِبِهَا وَهُوَ اللَّهُ ربُّنَا خَلَقَنَا، وَخَلَقَ أَفْعَالَنَا لَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ فِعْلُ الْقَادِرِ الْقَدِيمِ خَلْقٌ وَفِعْلُ الْقَادِرِ الْمُحْدَثِ كَسْبٌ فَتَعَالَى الْقَدِيمُ عَنِ الْكَسْبِ وَجَلَّ وَصَغُرَ الْمُحْدَثُ عَنِ الْخَلْقِ وَذَلَّ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَسْبَ الْعِبَادِ وَخَلْقَهُ كَسْبَهُمْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ هَاهُنَا، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ جَاءَتِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ §اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتُهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا هِشَامٌ، ح وأنا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ الْوَاسِطِيُّ، ثنا الْقَوَارِيرِيُّ، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §الْخَيْرُ وَالشَّرُّ خَلِيقَتَانِ يُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْمُنْكَرَ خَلِيقَتَانِ يُنْصَبَانِ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَيَعِدُ أَهْلَهُ الْخَيْرَ وَيُمَنِّيهِ، وَأَمَّا الْمُنْكَرُ -[145]- فَيَقُولُ إِلَيْكُمْ، وَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُومًا»

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الدَّامَغَانِيُّ نَزِيلُ بَيْهَقَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْجُرْجَانِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو عَمَّارٍ، نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الرَّهَاوِيِّ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْكَلَاعِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَيْرَ وَقَدَّرْتُهُ فَطُوبَى لِمَنْ خَلَقْتُهُ لِلخَيْرِ وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ لَهُ وَأَجْرَيْتُ الْخَيْرَ عَلَى يَدَيْهِ أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الشَّرَّ وَقَدَّرْتُهُ فَوَيْلٌ لِمَنْ خَلَقْتُ الشَّرَّ لَهُ وَخَلَقْتُهُ لِلشَّرِّ وَأَجْرَيْتُ الشَّرَّ عَلَى يَدَيْهِ " وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: الْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ «فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِرْشَادُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَدْحِ لَهُ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إِدْخَالَ شَيْءٍ فِي قُدْرَتِهِ وَنَفْيِ ضِدِّهِ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ» وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ «وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ» وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ " وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَهْدِي قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَيَعْصِمَ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ آخَرِينَ وَمَنْ لَمْ يَهْدِهِ وَلَمْ يَعْصِمْهُ فَقَدْ خَذَلَهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ خَيْرًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ

شُمَيْلٍ يَقُولُ: مَعْنَاهُ الشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: «§وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ» تَفْسِيرُهُ: وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا حَمَّادٌ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، ثنا مُطَرِّفٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: §كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا -[147]- خُلِقَ لَهُ " وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَأَعْلَمَهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعِلْمَ السَّابِقَ فِي أَمْرِهِمْ وَاقِعٌ عَلَى مَعْنَى تَدْبِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُمُ الْعَمَلَ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْخَلْقِ مُيَسَّرٌ لِمَا دُبِّرَ لَهُ فِي الْغَيْبِ فَيَسُوقُهُ الْعَمَلُ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ شَقَاوَةٍ فَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَازَاةِ، فَمَعْنَى الْعَمَلِ التَّعْرِيضُ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَبِهِ وَقَعَتِ الْحُجَّةُ وَعَلَيْهِ دَارَتِ الْمُعَامَلَةُ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: أَعْمَالُنَا أَعْلَامُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. قُلْنَا: وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِذَا خَلَقَ كَسْبَهُ وَيَسَّرَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ عَاقَبَهُ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ظُلْمًا، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِذَا مَكَّنَهُ مِنْهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ غَيْرُهُ ثُمَّ عَاقَبَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالَّذِي هُوَ خَالِقُنَا وَخَالِقُ أَكسَابِنَا لَا آمِرَ فَوْقَهُ وَلَا حَادَّ دُونَهُ وَكُلُّ مَنْ سِوَاهُ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ فَهُوَ يَفْعَلُ فِي مُلْكِهِ مَا يَشَاءُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الْفَقِيهُ الزِّيَادِيُّ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ -[148]-، ثنا أَبُو قِلَابَةَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، (ح) وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدَّيْلِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَالَ فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقَالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ إِلَّا لِأُحْرِزَ عَقْلَكَ، إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فَيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَتَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فَيهِمْ، قَالَ: فَفِيمَ نَعْمَلُ إِذًا؟ قَالَ: §مَنْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَهُ لِوَاحِدَةٍ مِنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ يَسَّرَهُ لَهَا، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، ثنا أَبُو سِنَانٍ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ خَالِدٍ الْحِمْصِيَّ، يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ، قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَأَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ: أَبَا الْمُنْذِرِ، وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُ دِينِي أَوْ أَمْرِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ §لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ لَكَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ وَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ أَخِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَتَسْأَلُهُ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي: لَا عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَتَسْأَلُهُ، فَأَتَيَتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: ائْتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَلْهُ، فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ، فَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: تَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَرَوَاهُ فِي جَامِعِهِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ هَذَا وَرَوَاهُ أَيْضًا كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فِي أَوَّلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُذَيْفَةَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّغَانِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَدِدْتُ أَنِّي أَجِدُ مَنْ أُخَاصِمُ إِلَيْهِ رَبِّي، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَنَا فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُقَدِّرُ عَلَيَّ شَيْئًا وَيُعَذِّبُنِي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -[150]-: نَعَمْ، قَالَ: لِمَ، قَالَ: لِأَنَّهُ §لَا يَظْلِمُكَ، فَقَالَ: صَدَقْتَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، يَقُولُ: لَمْ أُخَاصِمْ بِعَقْلِي كُلِّهِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ غَيْرَ أَصْحَابِ الْقَدَرِ، قُلُتْ أَخْبِرْنِي عَنِ §الظُّلْمِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا هُوَ؟ قَالَ: أَنْ يَأَخُذَ الرَّجُلُ مَا لَيْسَ لَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: الظُّلْمُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ فِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَفْعَلُهُ اللَّهُ إِلَّا وَلَهُ فِعْلُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَاعِلٌ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ وَالْبَهَائِمِ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: 25] فَأَغْرَقَهُمْ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ، وَقَالَ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي تَعْذِيبِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ

باب القول في الهداية والإضلال قال الله عز وجل من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وقال: من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم وقال: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقال معناه في غير آية من كتابه كتبناها في كتاب

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وَقَالَ: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجَعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39] وَقَالَ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] وَقَالَ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ كَتَبْنَاهَا فِي كِتَابِ الْقَدَرِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، نا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ: ثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: §" قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي نِسَاءُ قُرَيْشٍ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] " وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَزْنٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ فِي آخَرِينَ قَالَا، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ، نا بِشْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §" مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَوْلُهُ «بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» أَرَادَ بِهِ كَوْنَ الْقَلْبِ تَحْتَ قُدْرَةِ الرَّحْمَنِ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ربُّنَا عَلَى الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَقُولُونَ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] وَفِيهِ وَفِي السُّنَّةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنْ شَاءَ هَدَاهُمْ وَثَبَّتَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَ قُلُوبَهُمْ وَأَضَلَّهُمْ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ زَيْغِ الْقُلُوبِ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ -[153]- الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ، نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ، نا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ §لَا مَانِعَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَا هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَارَبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَمِنْ شَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ إِلَهَ الْحَقِّ "

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ قَالَ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {§أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة: 74] قَالَ: قَدْ دَعَا اللَّهُ إِلَى تَوْبَتِهِ وَلَكِنْ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ أَنْ يَتُوبَ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قوْلُهُ {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] فَبَدْءُ التَّوْبَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

وَبِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ {§يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] يَقُولُ يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] قَالَ: لَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى كَمَا حِيلَ بَيْنَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي الدُّنْيَا، وَقَوْلُهُ {ربَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] فَاسَتَجَابَ اللَّهُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ فَلَنْ يَنْفَعَهُ الْإِيمَانُ، وَقَوْلُهُ {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] يَقُولُ: أَضْلَلْتَنِي، وَقَوْلُهُ {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 162] يَقُولُ: لَا تَضِلُّونَ أَنْتُمْ وَلَا أُضِلُّ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ قَضَيْتُ لَهُ أَنَّهُ صَالِ الْجَحِيمِ، وَقَوْلُهُ {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: 108] قَالَ: زَيَّنَ لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمُ الَّذِي يَعْمَلُونَ حَتَّى يَمُوتُوا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا} [الأعراف: 179] خَلَقْنَا {مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 38] وَقَوْلُهُ {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29] وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَدَأَ خَلْقَ ابْنِ آدَمَ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا كَمَا قَالَ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: 2] ثُمَّ يُعِيدُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا بَدَأَ خَلْقَهُمْ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17] يَقُولُ: بَيَّنَّا لَهُمْ، وَقَوْلُهُ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا -[155]- إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] يَقُولُ: أَمَرَ، وَقَوْلُهُ {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78] يَقُولُ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَمَّا الْحَسَنَةُ فَأَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ، وَأَمَّا السَّيِّئَةُ فَابْتَلَاكَ اللَّهُ بِهَا. قَوْلُهُ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] قَالَ: الْحَسَنَةُ مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا أَصَابَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَتْحِ، وَالسَّيِّئَةُ مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ شُجَّ فِي وَجْهِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، هَذَا كُلُّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أَيْ: مَا خَلَقْتُ مَنْ يَعْبُدُنِي إِلَّا لِيَعْبُدَنِي، وَفِي قَوْلِهِ {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] قَالَ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ يُسَبِّحُ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أَيْ: إِلَّا لِآمُرَ أَهْلَ التَّكْلِيفِ مِنْهُمْ بِعِبَادَتِي وَقِيلَ: إِلَّا لِتَكُونُوا لِي عِبَادًا، كَقَوْلِهِ {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]

باب القول في وقوع أفعال العبد بمشيئة الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى وما تشاءون إلا أن يشاء الله فأخبر أنا لا نشاء شيئا إلا أن يكون الله قد شاء وقال: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا وقال: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها وقال: ما كانوا ليؤمنوا

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي وُقُوعِ أَفْعَالِ الْعَبْدِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَأَخْبَرَ أَنَّا لَا نَشَاءُ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] وَقَالَ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] وَقَالَ: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111] وَقَالَ: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125] وَقَالَ: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ كَثِيرَةٌ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِي كِتَابِ الْقَدَرِ

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ قَالَ: أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ، نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ -[157]- عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، قَالَ، نا شُعْبَةُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فَلَانٌ "

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «§الْمَشِيئَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ لَهُ دُونَ خَلْقِهِ وَأَنَّ مَشِيئَتَهُمْ لَا تَكُونُ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ح وأنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ، أنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لِلْإِسْلَامِ مِنْ مُنْتهًى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ "

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُحَمَّدَابَاذِيُّ قَالَ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، قَالَ، أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ، أنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَا يُخْتَمُ لَهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلَا سَيِّئًا، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ قَبْلَ -[158]- مَوْتِهِ زَمَانًا مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّءٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ لَدَخَلَ النَّارَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ، نا عَبْدُ الرَّزَّاقُ، قَالَ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَالِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغُرَّتُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكَ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا "

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرَقِيِّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى -[159]- الذُّهْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: §لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى لَمْ يَخْلُقْ إِبْلِيسَ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَصَّلَهَا، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ خَبَرٌ مَرْفُوعٌ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَوْصِلِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاستَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكذَا وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ اللَّوَّ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشَّعْبِيُّ قَالَ، أنا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، قَالَ، أنا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ، نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يَقُولُ: §لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ

قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَبَا بَكْرٍ §لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ لَا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {§وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة: 41] يَقُولُ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ ضَلَالَتَهُ فَلَنْ تُغْنِيَ عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: 7] يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ فَيَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وَهُمْ عِبَادُهُ الْمُخْلِصُونَ الَّذِينَ قَالَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] فَأَلْزَمَهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَبَّبَهَا إِلَيْهِمْ وَفِي قَوْلِهِ {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] يَقُولُ سَلَّطْنَا شِرَارَهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 123] وَفِي قَوْلِهِ {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66] يَقُولُ أَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ؟ وَقَالَ: مَنْ أَعْمَيْنَاهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَفِي قَوْلِهِ {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] يَقُولُ: مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْإِيمَانَ آمَنَ وَمَنْ شَاءَ لَهُ الْكُفْرَ كَفَرَ، وَهُوَ قوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148] قَالَ: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام: 148] ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ -[161]- شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: 107] وَقَالَ: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] يَقُولُ اللَّهُ: لَوْ شِئْتُ لَجَمَعْتُهُمْ عَلَى الْهُدَى أَجْمَعِينَ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى {جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس: 8] وَقَوْلُهُ تَعَالَى {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف: 28] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] ، وَنحْوُ هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ وَيُبَايِعُوهُ عَلَى الْهُدَى، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاوَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ» ، وَهَذَا كَلَامٌ أَخَذَتْهُ الصَّحَابَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[162]-، وَأَخَذَهُ التَّابِعُونَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَزَلْ يَأْخُذُهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَنَفَى أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ كَسْبًا يَنْفَعُهُ أَوْ يَضُرُّهُ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ، أنا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَطَّارُ قَالَ، نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: §سُئِلَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقَدَرِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ: [البحر المتقارب] مَا شِئْتَ كَانَ وَإِنْ لَمْ أَشَأْ ... وَمَا شِئْتُ إِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ خَلَقْتَ الْعِبَادَ عَلَى مَا عَلِمْ ... تَ فَفِي الْعِلْمِ يَجْرِي الْفَتَى وَالْمُسِنْ عَلَى ذَا مَنَنْتَ وَهَذَا خَذَلْتَ ... وَهَذَا أَعَنْتَ وَذَا لَمْ تُعِنْ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَمِنْهُمْ سَعِيدٌ ... وَمِنْهُمْ قَبِيحٌ وَمِنْهُمْ حَسَنْ وَعَلَى نَحْوِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ لِلَّهِ، وَوُقُوعِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ دَرَجَ أَعْلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَحَكَيْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَهُوَ فِيمَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ -[163]- الْمُزَكِّي يَقُولُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ، نا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِصْمَةَ يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ §مَنْ أَهْلُ الْجَمَاعَةِ؟ قَالَ: مَنْ فَضَّلَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَحَبَّ عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ وَآمَنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ، وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يُكَفِّرْ مُؤْمِنًا بِذَنْبٍ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي اللَّهِ بِشَيْءٍ

باب القول في الأطفال أنهم يولدون على فطرة الإسلام

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْأَطْفَالِ أَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاتَجُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّ مِنْ جَدْعَاءَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ «آخِرُ هَذَا الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ بَيَانُ حُكْمِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَغْدَادِيِّ -[165]- عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يُفْصِحُوا بِالْقَوْلِ فَيَخْتَارُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، الْإِيمَانَ أَوِ الْكُفْرَ لَا حُكْمَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا الْحُكْمُ لَهُمْ بِآبَائِهِمْ، فَمَنْ كَانَ آبَاؤُهُمْ يَوْمَ يُولَدُونَ فَهُمْ بِحَالِهِمْ إِمَّا مُؤْمِنٌ فَعَلَى إِيمَانِهِ وَإِمَّا كَافِرٌ فَعَلَى كُفِرِهِ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا مَا رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ» فَأَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَبَيَانُهُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَحُكْمُهُمْ فِي الدُّنْيَا فِي النِّكَاحِ وَالْمَوَارِيثِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حُكْمُ آبَائِهِمْ حَتَّى يُعْرِبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَحَدِهِمَا، وَحُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَوْكُولٌ إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيهِمْ. وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يَدُلُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُذَكِّرِ قَالَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الزَّاهِدُ قَالَ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُؤَدِّبُ قَالَ، نا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، §طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يَدْرِهِ، فَقَال: أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا خَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ " فَهَذَا الْحَدِيثُ يَمْنَعُ مَنْ قَطَعَ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ -[166]- وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ أَنَّهُ طُبِعَ كَافِرًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. وَقَدْ رُوِّينَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْقَدَرِ أَخْبَارًا فِي أَنَّ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ وَأَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَأَخبَارًا غَيْرَ قَوِيَّةٍ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ خُدَّامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُمْ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ أَوِ الشَّقَاوَةَ، وَقَدْ قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّغَانِيُّ، بِمَكَّةَ قَالَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ، أنا الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) قَالَ: §اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ مَعَهُ فِي دَرَجَتِهِ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ قَرَأَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَأَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يَقُولُ: وَمَا نَقَصْنَاهُمْ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سُمَاعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ قَالَ، نا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى -[167]- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) يَعْنِي: بِإِيمَانٍ §فَأَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبْنَاءَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الْجَنَّةَ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي وَلَدِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَجَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِسَعَادَةِ كُلِّ نَسَمَةٍ أَوْ شَقَاوَتِهَا فَمَنَعَ مِنَ الْقَطْعِ بِكَوْنِهِ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بِإِلْحَاقِ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا عَمَلَهُ، فَجَاءَتْ أَخْبَارٌ بِدُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ فَعَلِمْنَا بِهَا جَرَيَانَ الْقَلَمِ بِسَعَادَتِهِمْ، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ» أو قال: «دَعَامِيصُ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعُوا إِلَى آبَائِهِمْ» وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي هَلَكَ ابْنٌ لَهُ قَالَ: فَعَزَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا فُلَانُ أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ تُمَتَّعَ بِهِ عُمْرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ فَذَاكَ لَهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ أَهَذَا لِهَذَا خَاصَّةً أَوْ مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَاكَ لَهُ؟ قَالَ: مَنْ هَلَكَ لَهُ طِفْلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " -[168]- كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَأَسَانِيدُ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهَا ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ الصَّبْرِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ وَافَى أَبَوَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيَلْحَقُ بِالْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتُهُ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَيُسْتَفْتَحُ لَهُ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَيُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ جَرَى لَهُ الْقَلَمُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ مَا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِفَضْلِ نِعْمَتِهِ أَثَابَ النَّاسَ عَلَى الْأَعْمَالِ أَضْعَافَهَا، وَمَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَوَفَّرَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فَقَالَ: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فَلَمَّا مَنَّ عَلَى الذَّرَارِي بِإِدْخَالِهِمْ جَنَّتَهُ بِلَا عَمَلٍ كَانَ أَنْ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ عَمَلَ الْبِرِّ فِي الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُوَافُونَ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنِينَ وَإِلحَاقِ ذُرِّيَّتِهِمْ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَّا أَنَّ الْقَطْعَ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَغَيُّرِ حَالِهِ فِي الْعَاقِبَةِ، وَرُجُوعِهِ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ فَكَذَلِكَ قَطْعُ الْقَوْلِ بِهِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْلُودِينَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ مَتْبُوعِهِ وَبِمَا جَرَى لَهُ بِهِ الْقَلَمُ فِي الْأَزَلِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ، وَكَانَ إِنْكَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَطْعَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -[169]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَنْ أَبِيهَا لِهَذَا الْمَعْنَى، فَنَقُولُ بِمَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَلَا نَقْطَعُ الْقَوْلَ بِهِ فِي آحَادِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الْأُولَى فِي التَّوَقُّفِ فِي أَمْرِهِمْ جَعَلَ امْتِحَانَهُمْ وَامْتِحَانَ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْآخِرَةِ

مُحْتَجًّا بِمَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي يَدُلُّونَ عَلَى اللَّهِ بِحُجَّةٍ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، §فَأَمَّا الْأَصَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا آتَانِي الرَّسُولُ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَرْدًا وَسَلَامًا " وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ

وَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالْمَعْتُوهِ -[170]- وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَتَكَلَّمُونَ بِحُجَّتِهِمْ وَعُذْرِهِمْ فَيَأْتِي عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أُرْسِلُ إِلَى النَّاسِ رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمُ ادْخُلُوا هَذِهِ النَّارَ فَأَمَّا مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةَ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا مِنْهَا فَرَرْنَا، وَأَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَدْخُلُوهَا فَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلُ هَؤُلَاءِ النَّارَ، فَيَقُولُ لِلَّذِينَ كَانُوا لَمْ يُطِيعُوهُ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا النَّارَ فَعَصَيْتُمُونِي وَقَدْ عَايَنْتُمُونِي فَأَنْتُمْ لِرُسُلِي كُنْتُمْ أَشَدَّ تَكْذِيبًا " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: نا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ قَالَ: نا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، أنا ابْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي شَيْبَانُ، عَنْ لَيْثٍ فَذَكَرَهُ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَنْ قَالَ بِالطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ لَمْ يُوَافِ أَحَدَ أَبَوَيْهِ الْقِيَامَةَ مُؤْمِنًا يُجْعَلُ امْتِحَانُهُ فِي الْآخِرَةِ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مُتَّبِعًا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْجَنَّةِ

باب القول في الآجال والأرزاق

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ

قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَالْأَجَلُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي يَنْقَطِعُ فِيهِ فِعْلُ الْحَيَاةِ كَمَا أَنَّ أَجَلَ الدَّيْنِ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ الدَّيْنُ، وَالْمَقْتُولُ وَالْمَيِّتُ أَجَلُهُمَا عِنْدَ خُرُوجِ رُوُحِهِمَا، وَقَوْلُهُ {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31] يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ {وَيُؤخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسمًّى} [إبراهيم: 10] يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: بِغَيْرِ عُقُوبَةٍ وَ {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} [نوح: 4] قَالَ: الْمَوْتُ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا أَرَادَ مُسمًّى عِنْدَكُمْ، وَمِثْلُهُ قوْلُهُ {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] يَعْنِي: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ فِي مَعْرِفَتِكُمْ وَهَذَا فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ قَالَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، عَنِ الْفَرَّاءِ فَذَكَرَهُ §وَقَالَ فِي الرِّزْقِ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ لَيْسُوا بِآكِلِينَ حَلَالًا فَلَوْ كَانَ لَمْ يَرْزُقْهُمُ الْحَرَامَ كَانَ لَمْ يَرْزُقْ أَكْثَرَ الْأَنَامِ لِأَكْلِهِمُ الْحَرَامَ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا يُغَذِّي بِهِ الْحَيَوَانَ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ فَهُوَ رِزْقُهُ، فَدَخَلَ فِيهِ مَا يَأْكُلُهُ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمَا يَأْكُلُهُ الْأَطْفَالُ مِنْ لَبَنٍ لَا يَمْلِكُونَهُ، وَغَيْرُهُ مِمَّا يَأْكُلُ الْبَهَائِمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِلْكٌ

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْحُسَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، قَالَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" يُوَكَّلُ الْمُوكَّلُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَمَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ مَاذَا أَشَقِيٌّ هُوَ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَكْتُبَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيَكْتُبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَعُمْرُهُ ثُمَّ تُرْفَعُ الصُّحُفُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ "

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، نا أَبُو الْمُثَنَّى، قَالَ، نا مُسَدَّدٌ، قَالَ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ §وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، عَلَقَةٌ يَا رَبِّ، مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهُ قَالَ: رَبِّ، أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى، شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ ذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ قَالَ، أنا -[173]- أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، قَالَ: ثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ، أنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ §دَعَوْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَعْلُومَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ وَآثَارٍ مَبْلُوغَةٍ لَا يُعَجَّلُ شَيْءٌ مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهَا، وَلَا يُؤَخَّرُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ حِلِّهَا فَلَوْ دَعَوْتِ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ أَوْ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ أَوْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارٍ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا أَوْ لَكَانَ أَفْضَلَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْقَى فِي رَوْعِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب القول في الإيمان قال الله تعالى إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فأخبر أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال التي بعضها

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أَوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي بَعْضُهَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ وَبَعْضُهَا بِاللِّسَانِ وَبَعْضُهَا بِهِمَا وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَبَعْضُهَا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَبِالْمَالِ، وَفِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا لَمْ يَذْكُرُهُ، وَأَخْبَرَ بِزِيَادَةِ إِيمَانِهِمْ بِتِلَاوَةِ آيَاتِهِ عَلَيْهِمْ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَمَا نَبَّهَ بِهَا عَلَيْهِ مِنْ جَوَامِعِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَإِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ قَبِلَ النُّقْصَانَ، وَبهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ يَجْمَعُ الطَّاعَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَأَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: 1 - فَقِسْمٌ يَكْفُرُ بِتَرْكِهِ، وَهُوَ اعْتِقَادُ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِقْرَارُ بِمَا اعْتَقَدَهُ. 2 - وَقِسْمٌ يَفْسُقُ بِتَرْكِهِ أَوْ يَعْصِي وَلَا يَكْفُرُ بِهِ إِذَا لَمْ يَجْحَدْهُ وَهُوَ

مَفْرُوضُ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَاجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ. 3 - وَقِسْمٌ يَكُونُ بِتَرْكِهِ مُخْطِئًا لِلْأَفْضَلِ غَيْرَ فَاسِقٍ وَلَا كَافِرٍ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِبَادَاتِ تَطَوُّعًا وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَسْمِيَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ إِيمَانًا: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَمِيعُ ذَلِكَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَكُلُّ طَاعَةٍ تَصْدِيقٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُطِيعُ مَنْ لَا يُثْبِتُهُ وَلَا يُثْبِتُ أَمْرَهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الِاعْتِقَادُ دُونَ الْإِقْرَارِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِسَائِرِ الطَّاعَاتِ إِيمَانٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَكُونُ التَّصْدِيقُ بِاللَّهِ إِثْبَاتَهُ وَالِاعْتِرَافَ بِوُجُودِهِ، وَالتَّصْدِيقُ لَهُ قَبُولَ شَرَائِعِهِ وَاتِّبَاعَ فَرَائِضِهِ عَلَى أَنَّهَا صَوَابٌ وَحِكْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَكَذَلِكَ التَّصْدِيقُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّصْدِيقُ لَهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا بَيَانَهُ وَدَلِيلَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا طَرَفًا مِنْ ذَلِكَ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا أَبُو عَامِرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §أَرَأَيْتَ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ أَتَمُّ مِنْهُ -[176]-، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى صَلَاتَهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِيمَانًا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورَ إِيمَانًا فَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ»

حَدَّثَنَاهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ، قَالَ، ثنا عَفَّانُ، قَالَ: نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: §«الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ» وَسَمَّى فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، وَإِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَصومَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ، وَإِعَطَاءَ الْخُمُسِ إِيمَانًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُرْفِيُّ، قَالَ: نا أَبُو قِلَابَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو زَيْدٍ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: ثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضَّبْعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَرْحبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ الْخَزَايَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ §بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَعْمَلُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَتَصُومُوا رَمَضَانَ وَتَحُجُّوا الْبَيْتَ، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ -[177]- الْغَنَائِمِ " وَسَمَّى شُعَبَ الدِّينِ كَلَّهَا إِيمَانًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ قَالَ: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: نا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِيُّ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضلُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: نا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ -[178]- سُئِلَ §أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا؟ قَالَ: رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ قَدْ كُفِيَ النَّاسُ شَرَّهُ "

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبَزَّارُ بِبَغْدَادَ قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ، بِمَكَّةَ قَالَ: نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَوْلُهُ «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا» أَرَادَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ «مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا» جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهَذَا لَفْظٌ سَائِغٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ، وَمُرَادُهُمْ بِهِ: مِنْ أَكْمَلِ وَمِنْ أَفْضَلِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: نا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §«مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ -[179]- الْإِيمَانَ» وَرَوَاهُ سَهْلُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ «وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: نا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضعفُ الْإِيمَانِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ حِمِّشَاذٍ الْعَدْلُ قَالَ: نا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ الْمُجَوِّزُ قَالَ: نا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: نا قَتَادَةُ قَالَ: نا أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَزِنُ بُرَّةً "

وَرَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ

مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنَ الْإِيمَانِ» وَالْأَحَادِيثُ فِي تَسْمِيَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إِيمَانًا وَأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عِبَارَتَانِ عَنْ دِينٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ حَقِيقَةً وَلَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ سِوَى مَا ذَكَرْنَا كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا كِفَايَةٌ، وَقَدْ رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، ثُمَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَعُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ، وَجُنْدُبٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَمِنَ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ، عَنْ جَمَاعَةٍ يَكْثُرُ تَعْدَادُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَوَيْهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سِنَانٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا أَبُو سِنَانٍ الرَّازِيًّ قَالَ: نا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالَا، نا أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ، مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ» تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا -[181]- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ بأَسَدِ أَبَادَ قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْأَحَدِ قَالَ: ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: §الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ -[182]-. قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ فَقَدْ كَانَ يَسْتَثْنِي جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَإِنَّمَا رَجَعَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ إِلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ وَإِلَى بَقَائِهِمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَأَمَّا أَصْلُ الْإِيمَانِ فَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ فِي وُجُودِهِ فِي الْحَالِ، وَبِأَنَّ تَغَيُّرَ حَالِ إِنْسَانٍ فِي الْإِيمَانِ لَمْ يَمْنَعْ كَوْنَهُ مَوْصُوفًا بِهِ فِي الْحَالِ قَبْلِ التَّغْيِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ شَادِلَ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْمُقْرِئُ الزَّاهِدُ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْحِمْصيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ: §الْإِيمَانُ إِيمَانَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 3] فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ -[183]- فَلَمْ يَتَوقَّفِ الْحَسَنُ فِي أَصْلِ إِيمَانِهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا تَوقَّفَ فِي كَمَالِهِ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِقَوْلِهِ {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4]

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْمِهْرَجَانِيُّ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيَّ، وَسَعِيدَ بْنَ يَعْقُوبَ، قَالَا: نا الْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: قَدْ §خَالَفْنَا الْمُرْجِئَةَ فِي ثَلَاثٍ، نَحْنُ نَقُولُ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَهُمْ يَقُولُونَ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ: يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: أَهْلُ الْقِبْلَةِ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُمْ يَقُولُونَ نَحْنُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنُونَ فَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَعْنِي فِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُ الْعَبْدِ ثُمَّ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُ فَنَكِلُ الْأَمْرَ فِيمَا لَا نَعْلَمُهُ إِلَى عَالِمِهِ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَنَسْتَثْنِي عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَنَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتْنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ. وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي جَرَيَانِ الْقَلَمِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَرُجُوعُ كُلِّ -[184]- إِنسَانٍ إِلَى مَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ فَمَوْتُهُ عَلَيْهِ مَانِعَةٌ مِنْ قَطْعِ الْقَوْلِ بِمَا يَكُونُ فِي الْعَاقِبَةِ حَامِلَةٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَى الْخَوْفِ مِنْ تَبَدُّلِ الْحَالَةِ، وَاللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَائِينِيُّ بِهَا قَالَ: أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: نا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، وَهُدْبَةُ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ §الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَمَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَاتَ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ. وَشَوَاهِدُ هَذَا الْحَدِيثِ كَثِيرَةٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ» -[185]- وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ قَالَ: " فَقَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ»

باب القول في مرتكبي الكبائر قال الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء يعني: ما دون الشرك لمن يشاء بلا عقوبة، وقد يعاقب بعضهم على ما اقترف من الذنوب ثم يعفو عنه ويدخل الجنة بإيمانه؛ لقوله إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا وقوله إن

§بَابُ الْقَوْلِ فِي مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] يَعْنِي: مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ بِلَا عُقُوبَةٍ، وَقَدْ يُعَاقِبُ بَعْضَهُمْ عَلَى مَا اقْتَرَفَ مِنَ الذُّنُوبِ ثُمَّ يَعْفُو عَنْهُ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بإِيمَانِهِ؛ لِقَوْلِهِ {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] وَقَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ، أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: §بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ، وَقَالَ -[187]-: فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ،: أَنَّ رَجُلًا، مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمَخْدِجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا، بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ، قَالَ الْمَخْدِجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْتُ لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَقَالَ عُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §«صَلَوَاتٌ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهَا لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهَا شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخلَهُ الْجَنَّةَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ بِالْكُوفَةِ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[188]- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ، الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ، وَلَا نُخْرِجُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ» . قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ شَوَاهِدُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ مَنْ مَضَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ وَصِيَّتِهِ: وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ قَرَارٍ وَجَزَاءٍ بِمَا عَمِلَ فِي الدُّنيَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ إِنْ لَمْ يُعْفِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَإِلَى مِثْلِ هَذَا ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَقَالُوا فِي آيَاتِ الْوَعِيدِ: إِنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ جَزَائِهِ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ فَعَلَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، فِي -[189]- قَوْلِهِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] قَالَ §هِيَ جَزَاؤُهُ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ جَزَائِهِ فَعَلَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْدَانَ الْفَارِسِيُّ، فِي آخَرِينَ قَالُوا، أنا أَبُو عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، أنا أَبُو مُسْلِمٍ ثنا الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ، ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ قَالَ: فَغَضِبَ مُحَمَّدٌ وَقَالَ: §أَيْنَ أَنْتَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرِكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] قُمْ عَنِّي، اخْرُجْ عَنِّي، قَالَ: فَأُخْرِجَ

وَرَوَى حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ الْمِنْقَرِيُّ، ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: §مَازِلْنَا نُمْسِكُ، عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ حَتَّى سَمِعْنَا مِنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» وَأَنَّهُ قَالَ «إِنِّي ادَّخَرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: فَأَمْسَكْنَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا كَانَ فِي أَنْفُسِنَا وَنَطَقْنَا بِهِ وَرَجَوْنَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا شَيْبَانُ، ثنا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ الْمِنْقَرِيُّ فَذَكَرَهُ وَرَوَى فِيهِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا يَكُونُ شَاهِدًا لِرِوَايَةِ حَرْبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُؤَمَّلِ، ثنا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ ارْجُ اللَّهَ رَجَاءً لَا تَأْمَنُ فِيهِ مَكْرَهُ، وَخَفِ اللَّهَ مَخَافَةً لَا تَيْأَسُ فِيهَا مِنْ رَحْمَتِهِ. قَالَ: يَا أَبَتَاهُ، وَكَيْفَ أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لِي قَلْبٌ وَاحِدٌ؟ قَالَ: §الْمُؤْمِنُ كَذَا لَهُ قَلْبَانِ قَ‍لْبٌ يَرْجُو بِهِ، وَقَلْبٌ يَخَافُ بِهِ

باب القول في الشفاعة وبطلان قول من قال بتخليد المؤمنين في النار قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقال: ولسوف يعطيك ربك فترضى وقال: وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها

§بَابٌ الْقَوْلُ فِي الشَّفَاعَةِ وَبُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ الْمُؤْمِنِينَ فِي النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وَقَالَ: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] وَقَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ قَالُوا: أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَنَا أَوَّلُ شَفِيعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَعَهُ مُصَدِّقٌ غَيْرُ وَاحِدٍ»

حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ قَالُوا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§أَنَا قَائِدُ الْمُرْسَلِينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ §لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً قَدْ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي» . وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، ثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " §يُجْمَعُ -[193]- الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهُمُّونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا يُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَليلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى رَوْحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيَأَتُونَنِي فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ الثَّانِيَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيَأْذَنُ لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَانِيًا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ثُمَّ أَحُدُّ لَهُمْ حَدًّا ثَالِثًا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى أَرْجِعَ فَأَقُولُ: يَارَبِّ مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلودُ أَوْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ. وَرَوَى حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ بِطُولِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً» . قَالَ هِشَامٌ: ذَرَّةً، وَقَالَ شُعْبَةُ: دُرَّةً. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: رِوَايَةُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ أَصَحُّ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ

أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: ثنا مُسَدَّدٌ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، ثنا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: §«يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ»

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَا: ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ بِأُذُنَيَّ، هَاتَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ §يُخْرِجُ قَوْمًا مِنَ النَّارِ فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ» وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَزَادَ فِيهِ «بِالشَّفَاعَةِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحَافِظُ بِهَمْدَانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكَسَائِيُّ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ، قَالَ: كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ وَكُنْتُ رَجُلًا شَابًّا قَالَ: فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ، ثُمَّ نَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا إِلَى سَارِيَةٍ وَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ قَالَ: قُلْتُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ، وَاللَّهُ يَقُولُ {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وَ {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] وَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: أَيْ بُنَيَّ، أَتَقْرأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهُوَ §الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ مِنَ النَّارِ، قَالَ -[196]-: ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ حَفِظْتَ ذَاكَ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا، قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ قَالَ: فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ الْبِيضُ قَالَ: فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا: وَيْحَكُمْ تَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجِعْنَا فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ " قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَبْقَى فِي النَّارِ وَمَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، ثنا أَبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنَّ أُنَاسًا تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ قَالَ: فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ "

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي قَالَا -[197]-: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، §هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ الرُّؤْيَةِ كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَذَكَرَ قِصَّةَ الْمُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَسُجُودَ مَنْ سَجَدَ قَالَ: ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، قُلْنَا: وَمَا الْجِسْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا؟ قَالَ: دَحْضٌ مَزِلَّةٌ لَهُ كَلَالِيبُ وَخَطَاطِيفُ وَحَسَكٌ يَكُونُ بِنَجْدٍ عَقِيفًا يُقَالُ لَهُ السَّعْدَانُ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، وَكَالطَّيْرِ وَكَالطَّرْفِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ، وَكَالرَّاكِبِ، فَمُرْسَلٌ، وَمَخْدُوشٌ وَمُكَرْدَسٌ ". قَالَ أَبُو حَامِدٍ: إِنَّمَا هُوَ مُكَرْدَسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَحَدُكُمْ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ يَرَاهُ مُمْضِيًا لَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِخْوَانِهِمْ إِذَا هُمْ رَأَوْا وَقَدْ خَلَصُوا مِنَ النَّارِ يَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا وَيُجَاهِدُونَ مَعَنَا قَدْ أَخَذَتْهُمُ النَّارُ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ صُورَتَهُ فَأَخْرِجُوهُ وَيَحْرُمُ صُورَتَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَجِدُونَ الرَّجُلَ قَدْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيهِ وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِلَى حِقْوِهِ فَيُخْرِجُونَ مِنْهَا بَشَرًا كَثِيرًا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلَّمُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ قِيرَاطٍ خَيْرًا فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ بَشَرًا كَثِيرًا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَتَكَلَّمُونَ فَلَا يَزَالُ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ: اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَأَخْرِجُوهُ " -[198]-. وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُوا فَاقْرَءُوا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا، فَيَقُولُ: هَلْ بَقِيَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؟ فَيَقُولُ: قَدْ شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، فَهَلْ بَقِيَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ؟ قَالَ: فَيَأْخُذُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ قَالَ فَيُخْرِجُ قَوْمًا قَدْ عَادُوا حُمَمَةً لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ عَمَلَ خَيْرٍ قَطُّ، قَالَ: فَيُطْرَحُونَ فِي نَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهْرُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِيهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَوْهَا وَمَا يَلِيهَا مِنَ الظِّلِّ أُصَيْفِرٌ، وَمَا يَلِيهَا مِنَ الشَّمْسِ أُخَيْضِرٌ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ فِي الْمَاشِيَةِ؟ قَالَ: فَيَنْبُتُونَ كَذَلِكَ فَيَخْرُجُونَ أَمْثَالَ اللُّؤْلُؤِ فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ ثُمَّ يُرْسَلُونَ فِي الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا فَلَكُمْ مَا أَخَذْتُمْ فَيَأْخُذُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُونَ: لَوْ يُعْطِينَا اللَّهُ مَا أَخَذْنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنِّي أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذْتُمْ، فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا وَمَا أَفْضَلُ مِمَّا أَخَذْنَا؟ فَيَقُولُ: رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ "

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ قَدِ احْتَرَقُوا فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَنْضُرُونَ كَمَا يَنْضُرُ الْعُودُ فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ حِينًا فَيُقَالُ لَهُمْ: تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ فَيَقُولُونَ -[199]-: أَنْ يُرْفَعَ عَنَّا هَذَا الِاسْمُ، قَالَ: فَيُرْفَعُ عَنْهُمْ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآدَمِيُّ بِمَكَّةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ، أنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ، قَالَ: فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ «. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الرُّؤْيَةِ ثُمَّ قَالَ» يُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَلَهُ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ قَالَ: فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ قَالَ: فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتَحَشُوا، قَالَ: فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءٍ يُقَالُ -[200]- لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَالَ: وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ قَشَّبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِيَ عَنِ النَّارِ قَالَ: فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلَا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَيُعْطِي اللَّهَ مِنَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، قَالَ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا دَنَا مِنْهَا انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَلمَّا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، أَوَ لَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَموَاثِيقَكَ أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ قِيلَ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا تَمَنَّ مِنْ كَذَا، قَالَ: فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِي فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، قَالَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ «هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ -[201]-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ «وَمِثْلُهُ مَعَهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو بَكْرٍ الْجَارُودِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ §«أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي يَوْمًا أَوْ خَافَنِي فِي مَقَامٍ»

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي وَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِّينَا فِي هَذَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْإِمَامُ، أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدُ أَبَاذِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا جَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخًلَا كَرِيمًا} [النساء: 31]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُرْهَانَ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ قَالُوا: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ نُعْمَانَ بْنِ قُرَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ شَطْرُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى، أَتَرَوْنَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ لَا -[203]- وَلَكِنَّهَا لِلْمُذْنِبِينَ الْمُتَلَوِّثِينَ الْخَطَّائِينَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَبُو الْأَشْعَثِ، ثنا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ، حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا، يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِيمَنْ تُصِيبُهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ §اللَّهَ يُغْنِي الْمُؤْمِنِينَ عَنْ شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الشَّفَاعَةَ لِلْمُذْنِبِينَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ "

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {§وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] يَقُولُ الَّذِينَ ارْتَضَاهُمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«يَرِدُ النَّاسُ -[204]- النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْعِ الْبَرْقِ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ ثُمَّ كَشَدِّ الرِّجَالِ ثُمَّ كَمَشْيِهِمْ»

وَرَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ {§وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] قَالَ: الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ

وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: §الْوُرُودُ الدُّخُولُ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] وَبِقَوْلِهِ {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود: 98]

وَرُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §الْوُرُودُ الدُّخُولُ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ وَفِي كِتَابِ الْبَعْثِ مَعَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ

باب الإيمان بما أخبر عنه، رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملائكة الله وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والحساب والميزان والجنة والنار وأنهما مخلوقتان معدتان لأهلهما وبما أخبر عنه من حوضه ومن أشراط الساعة قبل قيامها قال الله عز وجل آمن الرسول بما أنزل إليه

§بَابٌ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ مُعَدَّتَانِ لِأَهْلِهِمَا وَبِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ حَوْضِهِ ومِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ قَبْلَ قِيَامِهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285] وَقَالَ: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] وَقَالَ: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 5] وَقَالَ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7] وَقَالَ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] وَقَالَ: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ

مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 8] وَالْآيَاتُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ وَقَالَ فِي الْجَنَّةِ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وَقَالَ فِي النَّارِ {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] وَالْمُعَدَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْلُوقَةً مَوْجُودَةً، وَقَالَ فِي الْجَنَّةِ {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] وَالْمَعْدُومُ لَا عَرْضَ لَهُ، وَقَالَ فِي الْحَوْضِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَقَالَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبُحْتُرِيِّ الرَّزَّازُ قَالَا، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي (ح) ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْإِسْفَرَائِينِيُّ قَالَا، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنْ لَيْسَ قَدَرٌ، قَالَ: فَهَلْ عِنْدَنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَأَبْلِغْهُمْ عَنِّي إِذَا لَقِيتَهُمْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَرِيءٌ إِلَى اللَّهِ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ بُرَآءُ مِنْهُ، سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ سَحْنَاءُ سَفَرٍ، وَلَيْسَ مِنْ -[207]- أَهْلِ الْبَادِيَةِ، يَتَخَطَّى حَتَّى وَرَكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، §مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتِ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ» ، قَالَ: فَإِنْ فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْمِيزَانِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْمَلَ لِلَّهِ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَأَنَا مُحْسِنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِأَشْرَاطِهَا» ، قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: " إِذَا رَأَيْتَ الْعَالَةَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبِنَاءِ، وَكَانُوا مُلُوكًا قَالَ: مَا الْعَالَةُ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ؟ قَالَ: الْعَرِيبُ، قَالَ: وَإِذَا رَأَيْتَ الْأَمَةَ تَلِدُ رَبَّتَهَا وَربَّهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ نَهَضَ فَوَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَىَّ بِالرَّجُلِ» . قَالَ: فَطَلَبْنَاهُ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ فَخُذُوا عَنْهُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا شُبِّهَ عَلَيَّ مُنْذُ أَتَاني غَيْرَ مَرَّتِي هَذِهِ مَا عَرَفْتُهُ حَتَّى وَلَّى» قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْلَامًا، وَسَمَّاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ إِيمَانًا، وَفِي -[208]- الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَسَّرَ الْإِيمَانَ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِمَا هُوَ أَمَارَةٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ صَرِيحِهِ يَتَنَاوَلُ أَمَارَتَهُ، وَاسْمُ أَمَارَتِهِ يَتَنَاوَلُ صَرِيحَهُ، وَهَذَا كَمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ إِحْسَانًا، وَالْإِحْسَانُ الَّذِي فَسَّرَهُ بِالْإِخلَاصِ وَالْيَقِينِ يَكُونُ إِيمَانًا، وَقَوْلُهُ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «تَلِدُ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَربَّهَا» يُرِيدُ بِهِ اتِّسَاعَ الْإِسْلَامِ وَكَثْرَةَ السَّبَايَا حَتَّى يَسْتَوْلِدَ النَّاسُ الْجَوَارِيَ فَتَلِدَ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا ابْنَةً أَوِ ابْنًا فَيَكُونَ وَلَدَهَا فِي مَعْنَى سَيِّدِهَا إِذْ هُوَ وَلَدُ مَوْلَاهَا، وَبَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّسَاعُ شَرِيعَتِهِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ آخَرُ ثُمَّ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ

وَرُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ §قَالَ فِي الْإِيمَانِ «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِالْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْقَدَرِ كُلِّهِ»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ -[209]- عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا أُمَيَّةُ بْنُ بَسْطَامٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ الشَّيْخُ: وَنَعْتَقِدُ فِيمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يُنْسَخْ رَسْمُهُ فِي حَيَاتِهِ وَأَنَّهُ بَقِيَ فِي أُمَّتِهِ مَحْفُوظًا لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ كَمَا وَعَدَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] وَهُوَ كَمَا قَالَ: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ: فَلَا يَزِيدُ فِيهِ بَاطِلًا وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ حَقًّا

حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، ثنا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، ثنا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«يَقُومُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا عُثْمَانُ بْنُ -[210]- الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ» قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: ذَاكَ الْعَرْضُ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: أنا يُونُسُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: عَنْ يُونُسَ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَعَنْ أَبِيهَا، أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ موَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَمْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ: {هَاؤُمُ اقْرءُوا كِتَابِيَهْ} حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثنا عِمَارَةُ -[211]-، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» . قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَالْإِيمَانُ بِالْمِيزَانِ وَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ كَيْفِيَّةُ الْوَزْنِ فَقَدْ قِيلَ: تُوضَعُ صُحُفُ الْحَسَنَاتِ فِي إِحْدَى كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، وَصُحُفُ السَّيِّئَاتِ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى ثُمَّ تُوزَنُ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْسَامًا مُقَدَّرَةً بِعَدَدِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى ثُمَّ تُوزَنُ كَمَا تُوزَنُ الْأَجْسَامُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا وَرَدَ بِهِ خَبَرُ الصَّادِقُ نُؤْمِنُ بِهِ وَنَحْمِلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: §أَعَدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ثُمَّ قَرَأَ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُرْهَانَ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي -[212]- الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ §لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ، ثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، ثنا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ أَتَيْتُ عَلَى نَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعَطَاكَ رَبُّكَ فَأَهْوَى الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ مِسْكًا أَذْفَرَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الشَّرَقِيِّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَرْزَةَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: إِنَّ مُحَمَّدَكُمْ هَذَا لَدَحْدَاحٌ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ يَعُدُّونَ صُحْبَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارًا، قَالُوا: إِنَّ الْأَمِيرَ، إِنَّمَا دَعَاكَ لِيَسْأَلَكَ عَنِ الْحَوْضِ، فَقَالَ: عَنْ أَيِّ بَالِهِ؟ قَالَ: أَحَقٌّ هُوَ؟ قَالَ: §نَعَمْ، فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْهُ

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ الْمُزَكِّي، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ، آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ "

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا -[214]- أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْقُوبَ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّكَ تَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ إِلَى كَذَا وَكذَا، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أُحَدِّثَكُمْ بِشَيْءٍ إِنَّمَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ بَعْدَ قَلِيلٍ أَمْرًا عَظِيمًا فَكَانَ حَرِيقُ الْبَيْتِ، قَالَ شُعْبَةُ هَذَا أَوْ نَحْوَهُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيمْكُثُ فَيهِمْ أَرْبَعِينَ لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَلْبَثُ النَّاسُ بَعْدَهُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ كَانَ فِي كَبَدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ، فَيَأْمُرُهُمْ بِالْأَوْثَانِ، فَيَعْبُدُونَهَا وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارَّةٌ أَرْزَاقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا صَغَا لِيتًا يعني: وَرَفَعَ لِيتًا، وَرَفَعَ بُنْدَارٌ إِحْدَى مَ‍نْكِبَيْهِ وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَهُ، فَيُصْعَقُ ثُمَّ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا صُعِقَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ أَوْ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ، أَوِ الظُّلَلُ النُّعْمَانُ الشَّاكُّ فَيَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] ثُمَّ يُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَيُقَالُ كَمْ؟ فَيُقَالُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ -[215]- قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي شُعْبَةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرَّاتٍ، وَعَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَقَطَ مِنْ كِتَابِي «وَرَفَعَ لَيْتًا» وَاللَّيْتُ مَجْرَى الْقُرْطِ مِنَ الْعُنُقِ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: " اسْتيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، §وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً بأُصْبُعَيْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ " قَالَ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي كِتَابِ الْبَعْثِ قِصَّةَ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهَلَاكِهِمْ، وَقِيَامِ السَّاعَةِ مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ وَغَيْرِهِ

حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَرَوِيُّ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §«لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبي»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَا: أنا يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا فِطْرٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا»

قَالَ: وَحَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِطْرٌ: أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §«لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدنيَا إِلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا» وَرَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ فِيهِ «يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»

وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْمُحَارِبيُّ بِالْكُوفَةِ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أنا سُفْيَانُ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: §مَضَتِ الْآيَاتُ غَيْرَ أَرْبَعٍ: طُلُوعُ -[217]- الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَيَأْجُوجُ، وَمَأْجُوجُ، قَالَ: وَبِهَا يُخْتَمُ الْأَعْمَالُ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعْنِي بِهِ الْآيَاتِ الْكِبَارَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «§كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ» لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ، وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، (ح) ، وَأَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزْدَادَ الْجَوْسَقَانِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمُؤَدِّبُ، قَالَا: ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أنا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: " أَمَا مَرَرْتَ بوَادٍ لَكَ مَحْلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ مَحْلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ -[218]- قَالَ: بَلَى، قَالَ: كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَذَلِكَ آيَتُهُ فِي خَلْقِهِ «لَفْظً حَدِيثِ الْمُؤَدِّبِ، وَفِي رِوَايَةِ الصَّغَانِيِّ بِوَادِي أَهْلِكَ مَحْلًا، وَلَمْ يَقُلْ» يَهْتَزُّ ". قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6] وَآيَاتُ الْقُرْآنِ فِي الْإِعَادَةِ كَثِيرَةٌ

باب الإيمان بعذاب القبر نعوذ بالله من عذاب القبر ومن عذاب النار قال الله عز وجل الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون وما بعدها في الآية، قال مجاهد: ذاك عند الموت، وقال في الكفار

§بَابُ الْإِيمَانِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] وَمَا بَعْدَهَا فِي الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ذَاكَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَقَالَ فِي الْكُفَّارِ {وَلوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال: 50] أَيْ: وَيَقُولُونَ لَهُمْ هَذَا تَعْرِيفًا إِيَّاهُمْ أَنَّهُمْ يَقْدَمُونَ عَلَى عَذَابِ الْحَرِيقِ، وَقَالَ: {وَلوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَونَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَ‍سْتَكْبِرُونَ} فَدَلَّتِ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يُعَنَّفُ عَلَيْهِمْ فِي نَزْعِ أَرْوَاحِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُخْبَرُونَ بِمَا هُمْ قَادِمُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ الْهُونِ خِلَافَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كَانُوا يُوعَدُونَ

، وَقَالَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46] وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَعْنَاهُ قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، وَقَالَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا الْحَوْضِيُّ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" الْمُؤْمِنُ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَرَفَ مُحَمَّدًا فِي قَبْرِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ أنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسيُّ، ثنا شُعْبَةُ فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ §الْمُسْلِمَ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ فَشَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا مَالِكُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ -[221]- عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ §الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَتَقُولُ الصَّلَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ فَتَقُولُ الزَّكَاةُ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَيَقُولُ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ: مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ، فَيُقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ قَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ قَدْ دَنَتْ لِلْغُرُوبِ ـ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّي، فَيَقُولُونَ: إِنَّكَ سَتَفْعَلُ، أَخْبِرْنَا عَمَّا نَسْأَلُكَ عَنْهُ، قَالَ: عَمَّ تَسْأَلُونِي؟ قَالُوا مَاذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي فِيكُمْ، وَبِمَاذَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ فِيهَا، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوَّرُ لَهُ وَيُعَادُ الْجَسَدُ كَمَا بُدِئَ وَيُجْعَلُ نَسَمَةً مِنَ النَّسَمِ الطَّيِّبِ وَهِيَ طَائِرٌ تَعَلَّقَ فِي شَجَرَةِ الْجَنَّةِ ". قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: فَيَنَامُ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27] وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَلمْ يُوجَدْ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمِينِهِ فَلمْ يُوجَدْ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَسَارِهِ فَلمْ يُوجَدْ شَيْءٌ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَلمْ يُوجَدْ شَيْءٌ، فَيُقَالُ -[222]- لَهُ: اجْلِسْ فَيَجْلِسُ خَائِفًا مَرْعُوبًا، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتُكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ، أَيُّ رَجُلٍ هُوَ؟ وَمَاذَا تَقُولُ فِيهِ؟ وَمَاذَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: أَيُّ رَجُلٍ؟ فَيُقَالُ: الَّذِي فِيكُمْ، فَلَا يَهْتدِي لَاسْمِهِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: مَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ قَالُوا قَوْلًا فَقُلْتُ كَمَا قَالَ النَّاسُ، فَيُقَالُ لَهُ: عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: ذَلِكَ مَقْعَدُكَ مِنَ النَّارِ وَمَا أَوْعَدَ اللَّهُ لَكَ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: ذَلِكَ كَانَ مَقْعَدَكَ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَوْ أَطَعْتَهُ فَيَزْدَادُ حَسْرَةُ وَثُبُورًا، ثُمَّ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]

وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَزَادَ فِيهِ فِي الْمُؤْمِنِ " ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ قِبَلِ النَّارِ فَيُقَالُ: §انْظُرْ إِلَى مَنْزِلِكَ وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ لَوْ عَصَيْتَ فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، ثنا -[223]- مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهُوَيْهِ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا مُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدِ عَنْ أَبِي سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §" يَا عُمَرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كُنْتَ فِي أَرْبَعٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي ذِرَاعَيْنِ فَرَأَيْتَ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ؟ قَالَ: فَتَّانَا الْقَبْرِ أَبْصَارُهُمَا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَأَصْوَاتُهُمَا كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنًى مَا اسْتَطَاعُوا رَفْعَهَا هِيَ أَهْوَنُ عَلَيْهِمَا مِنْ عَصَايَ هَذِهِ، فَامْتَحَنَاكَ فَإِنْ تَعَايَيْتَ أَوْ تَلَوَّيْتَ ضَرَبَاكَ بِهَا ضَرْبَةً تَصِيرُ بِهَا رَمَادًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنِّي عَلَى حَالَتِي هَذِهِ، قَالَ: نَعَمْ، أَرْجُو أَكْفِيكَهُمَا " غَرِيبٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ مُفُضَّلٌ

هَذَا وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ -[224]- النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا فِي قِصَّةِ عُمَرَ، وَقَالَ: §«ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ وَشِبْرٍ» وَلَمْ يَذْكُرِ الْمِرْزَبَّةَ

وَرُوِّينَا فِي، حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ عَذَابِ الْقبْرِ قَالَ: §فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِعَادَةُ الرُّوحِ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ، وَسُؤَالُ جُزْءٍ وَاحِدٍ وَتعْذِيبُ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي تَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ اسْتِحَالَةُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ، وَهُوَ كَمَا شَاءَ اللَّهُ وَلِمَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَالْأَخْبَارُ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَهَا كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا وَرَدَ فِيهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، " أَنَّ يَهُودِيَّةً، دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ لَهَا عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ» ، قَالَتْ عَائِشَةُ: §فَمَا سَمِعْتُهُ يُصلِّي صَلَاةً بَعْدُ إِلَّا تَعَوَّذَ فِيهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ جَمِيعًا، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانَ يَعْنِي ابْنَ عَطِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيَدْعُ بِأَرْبَعٍ، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أنا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنِّي §أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ". قَالَ الشَّيْخُ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْفَقِيهِ أَبِي مَنْصُورٍ الْحَمْشَاذِيِّ فِيمَا ذَكَرَ سَمَاعَهُ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُوسَى عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ مَشِيئَةَ الْعِبَادِ هِيَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ خَلْقٌ -[226]- مِنَ اللَّهِ فِعْلٌ لِلْعِبَادِ، وَإِنَّ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ وَمُسَاءَلَةَ أَهْلِ الْقُبُورِ حَقٌّ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَنُ وَظَهَرَتْ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ

باب الاعتصام بالسنة واجتناب البدعة قال الله عز وجل لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وقال: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول

§بَابُ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فَيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] ، وَقَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ، مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: §الْحِكْمَةُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ رُوِّينَاهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَقَوْلُهُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} [النساء: 59] قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي إِنِ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِلَى مَا قَالَ اللَّهُ وَالرَّسُولُ وَرُوِّينَا عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ -[228]- الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ إِذَا قُبِضَ إِلَى سُنَّتِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، ثنا جَدِّي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدَّيْلِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: إِنَّ §الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تَحَاقَرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمُونَ إِخَوَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لَامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا تَظْلِمُوا وَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ سَالْمٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: مَا أَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ , نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ»

وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ , وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَصْدَقُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ " أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ , حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى , حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِرِ، فَذَكَرَهُ

أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ , حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ , عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو , عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَد‍ِّعٍ فَأَوْصِنَا، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا -[230]- بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ , حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ , أَخْبرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَلَهُ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الشَّعْرَانِيُّ , ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، بِبَغْدَادَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي رِوَايَةِ الْحُرْفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §مَنْ أَحْيَا سُنَّةً مِنْ سُنَّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فَإِنَّ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِ النَّاسِ شَيْئًا، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ إِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِ النَّاسِ شَيْئًا

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْإِسْفَرَايِينِيُّ، أنا أَبُو بَحْرٍ الْبَرْبَهَارِيُّ , حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , ثنا الْحُمَيْدِيُّ , ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , أنا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ , ثنا الْقَاسِمُ بْنُ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيُّ , عَنْ رَجُلٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، أَتَى أَبَا ذَرٍّ بِمِنًى فَسَمِعَهُ يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نُغْلَبَ عَلَى أَنْ §نَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَنُعَلِّمَ النَّاسَ السُّنَنَ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِذَا لَزِمَ اتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَنَّ وَكَانَ لُزُومُهُ فَرْضًا بَاقِيًا فَلَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا وَلَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا بِقُبُولِ خَبَرِ الصَّادقِ عَنْهُ لَزِمَ قُبُولُهُ لِيُمْكِنَنَا مُتَابَعَتَهُ وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِتَعْلِيمَهَا وَالدُّعَاءِ إِلَيْهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي , ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ مُخَارِقٍ , عَنْ طَارِقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: §إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , وَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أَمِّهِ، وَإِنَّ السَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مُخْتَصَرًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوَ، ثنا أَبُو الْمُوَجِّهِ الْفَزَارِيُّ , حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى , ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو , حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَرُوِيَ مَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْمُومَ مَا خُولِفَ فِيهِ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَذَلِكَ كَخِلَافِ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] وَقَدْ جَاءَ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُؤْيَتِهِ وَشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَنْ نَفَاهُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَانَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَةِ، وَرَدُّ مَنْ رَدَّ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ جَهَالَةٌ مِنْهُ بِلُزُومِهِ اتِّبَاعَ مَا بَلَغَهُ مِنْهُ، وَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ غَيْرُ سَائِغٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ الظَّاهِرِ إِلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ ذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ أُرِيدَ بِمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالَّذِي يُؤَكِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو -[234]- بْنِ عَوْفٍ: إِلَّا وَاحِدَةً الْإِسْلَامُ وَجَمَاعَتُهُمْ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِلَّا وَاحِدَةً، مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي. وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ عَلَى مَسَائِلِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خِلَافُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَأَمَّا مَسَائِلُ الْفُرُوعِ فَمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ وَلَا نَصُّ سُنَّةٍ فَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى بَعْضِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهِ، فَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُمْ فِيهِ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ لَهُمْ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَبَالَاجْتِهَادِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَجَعَلَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ أَجْرَيْنِ وَلِلْمُخْطِئِ مِنْهُمْ أَجْرًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ عَلَى مَا يُحْتَمَلُ مِنَ الَاجْتِهَادِ، وَرَفَعَ عَنْهُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو الْأَزْهَرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ فَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ كَانَ لَهُ أَجْرٌ. قَالَ الشَّيْخُ: فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاخْتِلَافِ غَيْرُ مَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى وَذَمَّهُ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رُوِّينَا، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجْعَلُ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مَعْنَى الْمُجْتَمِعِينَ حَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَدَّى مَا كُلِّفَ مِنَ الَاجْتِهَادِ وَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً قَائِمَةً بَلَغَتْهُ وَلَا إِجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا صَحِيحًا عِنْدَهُ، إِنَّمَا نَظَرَ فِي الْقِيَاسِ فَأَدَّاهُ إِلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ -[235]- صَاحِبَهُ، كَمَا أَدَّاهُ التَّوَجُّهُ إِلَى الْبَيْتِ بِدَلَائِلِ النُّجُومِ وَغَيْرِهَا إِلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إِلَيْهِ صَاحِبَهُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَكُونُ مُؤَدِّيًا فِي الظَّاهِرِ مَا كُلِّفَ وَيَرْفَعُ عَنْهُ إِثْمَ مَا غَابَ عَنْهُ أَوْ أَخْطَأَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ أَوِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَوِ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ إِذْ لَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ الْغَيْبِ، فَمَنْ سَلَكَ مِنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ سَبِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ كَانُوا كَالْفِرْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ أَخَذَ بِوَثِيقَةٍ فِيمَا يَرَى فِيمَا تَبِعَ فِيهِ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا تَخْلِيدُ مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي النَّارِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَجْرَاهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ النَّارِ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ مَجْرَى الْفُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ بِالنَّارِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ دُونَ الْأَبَدِ، وَاحْتَجَّ فِي تَرْكِ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تفْتَرِقُ أُمَّتِي» , فَجَعَلَ الْجَمِيعَ مَعَ افْتِرَاقِهِمْ مِنْ أُمَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

باب النهي عن مجالسة أهل البدع ومكالمتهم

§بَابُ النَّهْيِ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُكَالَمَتِهِمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ , ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ الْهُذَلِيِّ , عَنْ حَكِيمِ بْنِ شَرِيكٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ , عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: حَدَّثَنِي بِمِنًى , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ -[237]- عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ. وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا سُمُّوا قَدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَدَرَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَنَفَوْهُ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَنَفَوْا عَنْهُ خَلْقَ أَفْعَالِهِمْ وَأَثْبَتُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَصَارُوا بِإِضَافَةِ بَعْضِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ مُضَاهِينَ لِلْمَجُوسِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَأَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطَّابَرَانِيُّ بِهَا أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ إِمْلَاءً، ثنا هَارُونُ بْنُ مُوسَى , ثنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ , (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَيْهَقِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ , ثنا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ , ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ , عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الدِّمَشْقِيِّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُصَيْنٍ , عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا وَفِي أُمَّتِهِ قَدَرِيَّةٌ وَمُرْجِئَةٌ يُشَوِّشُونَ عَلَيْهِ أَمْرَ أُمَّتِهِ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ لَعَنَ الْقَدَرِيَّةَ وَالْمُرْجِئَةَ عَلَى لِسَانِ سَبْعِينَ نَبِيًّا -[238]-. وَرَوَاهُ أَيْضًا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوٍ مِنْ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ , ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ , ثنا سُوَيْدٌ، فَذَكَرَهُ.

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الطُّوسِيُّ، ثنا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ , ثنا أَبُو مُوسَى هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ كَثِيرٍ الزَّاهِدُ، ثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ، وَعَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَا، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ نِزَارٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ: الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ سَأَلْتُ وَكِيعًا عَنِ الْمُرْجِئَةِ فَقَالَ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ. هَذَا يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ نِزَارِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: §لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُونَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ , ثنا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: §لَا تُجَالِسُوا مَفْتُونًا فَإِنَّهُ لَنْ يُخْطِئَكَ مِنْهُ إِحْدَى خَصْلَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَفْتِنَكَ فَتُتَابِعَهُ , أَوْ يُؤْذِيَكَ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّابُونِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: §الْمِرَاءُ فِي الْعِلْمِ يُقْسِي الْقَلْبَ , وَيُورِثُ الضَّغَائِنَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَصَمَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: §لَأَنْ يَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْهَوَى

باب: ما على الوالي من مراعاة أمر الرعية

§بَابٌ: مَا عَلَى الْوَالِي مِنْ مُرَاعَاةِ أَمْرِ الرَّعِيَّةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ , ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ، عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ , فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بحَدِيثٍ لَوْلَا أَنِّي فِي الْمَوْتِ لَمْ أُحَدِّثْكَ بِهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: §مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ , ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَلَا يَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ

أنا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا الْقَعْنَبِيُّ فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا §كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ -[241]- سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

وَرَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُوصِيهُ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَظِّمَ كَبِيرَهُمْ وَيَرْحَمَ صَغِيرَهُمْ وَيُوَقِّرَ عَالِمَهُمْ وَأَنْ لَا يَضْرِبَهُمْ فَيَذِلَّهُمْ وَلَا يُوحِشَهُمْ فَيُكَفِّرَهُمْ وَأَنْ لَا يَخْصِيَهُمْ فَيَنْقَطِعَ نَسْلَهُمْ وَأَنْ لَا يَغْلِقَ بَابَهُ دُونَهُمْ فَيَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، ثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ فَذَكَرَهُ وَقَدْ رُوِيَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَخْبَارٍ مُتَفَرِّقَةٍ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

باب طاعة الولاة ولزوم الجماعة وإنكار المنكر بلسانه أو كراهيته بقلبه والصبر على ما يصيبه من سلطانه قال الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، قال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين

§بَابُ طَاعَةِ الْوُلَاةِ وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْكَارُ الْمُنْكِرِ بِلِسَانِهِ أَوْ كَرَاهِيَتُهُ بِقَلْبِهِ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ سُلْطَانِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، قَالَ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ §وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ أَخْبَرَنِيهِ يَعْلَى بْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَالَوَيْهِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ , وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِي الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُثَنَّى , ثنا مُسَدَّدٌ , ثنا يَحْيَى , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ , حَدَّثَنِي نَافِعٌ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ , ثنا مُسَدَّدٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَعْنِيُّ، قَالَا، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ , عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ أَنْكَرَ - قَالَ -[244]- مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ الْحَسَنُ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ، قَالَ هِشَامٌ بِلِسَانِهِ - فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَقْتُلُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ دَاوُدَ: أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: لَا، مَا صَلَّوْا وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ الضَّبِّيُّ , ثنا ابْنُ حَسَّانَ , ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ. قَالَ الْحَسَنُ: فَمَنْ أَنْكَرَ بِلِسَانِهِ فَقَدْ بَرِئَ وَقَدْ ذَهَبَ زَمَانُ هَذِهِ وَمَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ جَاءَ زَمَانُ هَذِهِ وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ , ثُمَّ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَكَرِهَ بِقَلْبِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، ثنا الْحَسَنُ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مِحْصَنٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: §سَيَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمرَاءُ بَعْدِي تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا مَا صَلَّوْا» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي مَنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَكَرِهَ بِقَلْبِهِ

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ , ثنا تَمْتَامٌ، مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنْ صَالِحِ -[245]- بْنِ كَيْسَانَ , عَنِ الْحَارِثِ الْخَطْمِيِّ , عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ , عَنْ أَبِي رَافِعٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِهَا §ثُمَّ يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ , ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، وَعَارِمُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُسَدَّدٌ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنِ الْجَعْدُ أَبِي عُثْمَانَ , ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ , عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، §ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخلَاصُ الْعَمَلِ -[246]- لِلَّهِ، وَمنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مَنْ وَرَاءَهُمْ "

باب معرفة جمل ما كلف المؤمنون أن يعقلوه ويعملوه ويعطوا من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه وما حرم عليهم منه قال الله جل ثناؤه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وقال: فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقال: وأتموا الحج والعمرة لله وعلقه بالاستطاعة في آية أخرى وهي

§بَابُ مَعْرِفَةِ جُمَلِ مَا كُلِّفَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَعْقِلُوهُ وَيَعْمَلُوهُ وَيُعْطُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَموَالِهِمْ وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْهُ وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَعلَّقَهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْبُلُوغُ وَالزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَتَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ، وَأَمَرَ بِالْجِهَادِ وَحَضَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ بِهِ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، وَحَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَالرِّبَا وَالْقَتْلَ وَالظُّلْمَ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ، يُحَدِّثُ طَاوُسًا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَغْزُو؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " §بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ -[248]- الزَّكَاةِ وَالْحَجِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ "

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، إِمْلَاءً بِبَغْدَادَ، ثنا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِيُّ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِيُّ , عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ , عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ , ثنا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَبْدِيُّ , سَمِعْتُ ابْنَ الْخَصَاصِيَةِ، يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَايِعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُصَلِّي الْخَمْسَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، §أَمَّا اثْنَتَانِ فَلَا أُطِيقُهُمَا، أَمَّا الزَّكَاةُ فَمَا لِي إِلَّا عَشْرٌ ذُودٌ هُنَّ رَسَلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهنَّ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وَلَّى فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ فَأَخَافُ إِذَا حَضَرَنِي قِتَالٌ كَرِهْتُ وَجَشِعَتْ نَفْسِي، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكهَا ثُمَّ قَالَ: «لَا صَدَقَةَ وَلَا جِهَادَ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبَايِعُكَ فَبَايِعْنِي عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ , ثنا حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو يَعْنِي الرَّبَالِيَّ , ثنا بَهْزُ بْنَ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ , ثنا شُعْبَةُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ، عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ §أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ -[249]- أَرَبٌ مَا لَهُ» فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذَرْهَا» قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلتِهِ "

حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَلُّوَيْهِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ , ثنا أَبُو الْوَلِيدِ , ثنا شُعْبَةُ , قَالَ الْوَلِيدُ بْنِ الْعَيْزَارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي صَاحِبُ، هَذِهِ الدَّارِ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . قَالَ وَحَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي

أَخْبرَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ -[250]- اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ §الْكبَائِرِ فَقَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَوْ قَالَ قَوْلُ الزُّورِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ , عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ , عَنْ أَبِي الْغَيْثِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «§اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§لَا يَسْرِقُ سَارِقٌ وَهُوَ حِينَ يَسْرِقُ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَزْنِي زَانٍ وَهُوَ حِينَ يَزْنِي مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْحُدُودَ أَحَدُكُمْ - يَعْنِي الْخَمْرَ - وَهُوَ حِينَ يَشْرَبُهَا مُؤْمِنٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِبُ أَحَدُكُمْ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَعْيُنَهُمْ فِيهَا وَهُوَ حِينَ يَنْتَهِبُهَا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَغِلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغِلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ -[251]- فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ» قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَفعَالَ لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ مَنْ يَكُونُ مُؤْمِنًا مُسْتَكْمِلَ الْإِيمَانِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: مِنَ اللَّهِ الْقَوْلُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانُوا يُجْرُونَ الْأَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَتْ تَعْظِيمًا لِحُرُمَاتِ اللَّهِ وَلَا يَعُدُّونَ الذُّنُوبَ شِرْكًا وَلَا كُفْرًا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، يَعْنِي ابْنَ خَلَّادٍ النَّصِيبِيَّ , ثنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ , (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الصَّوَّافِ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ , ثنا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ، يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «§أَلَا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالُوا: شَهْرُنَا هَذَا، قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟» قَالُوا: بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ: «أَتَعْلَمُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ؟» قَالُوا: يَوْمُنَا هَذَا، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي -[252]- بلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ - ثلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ - أَلَا نَعَمْ»

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ , ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ , ثنا جَرِيرٌ , أَخْبَرَنَا سُهَيْلٌ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أنا الشَّافِعِيُّ , أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ , عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلكِتَابِهِ وَلنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمينَ وَعَامَّتِهِمْ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ , أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ الْهَمْدَانِيُّ , حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ , عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَوْلُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا -[253]-، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: §" بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يُدَانُ لَكَ بِهِ فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكَ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ كَأَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا مَا يَنُوبُ الْعِبَادَ مِنْ فُرُوعِ الْفرَائِضِ وَمَا يَخُصُّ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا فَمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ وَلَا فِي أَكْثَرِهِ نَصُّ سُنَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ سُنَّةٌ فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَخْبَارِ الْخَاصَّةِ وَمَا كَانَ مِنْهُ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَيَسْتَدْرِكُ قِيَاسًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذِهِ دَرَجَةٌ مِنَ الْعِلْمِ لَيْسَ يَبْلُغُهَا الْعَامَّةُ، وَإِذَا قَامَ بِهَا مِنْ خَاصَّتِهِمْ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَرَكَهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِروا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وَجَعَلَ مِثَالَ ذَلِكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَدَفْنِهَا وَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الْكِفَايَاتِ. وَهُوَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، عَنِ الشَّافِعِيِّ فَذَكَرهُ قَالَ الشَّيْخُ: وَإِذَا عَرَفَ الْعَبْدُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ -[254]- مُوَافَقَةَ الْأَمْرِ فِيمَا تَعَبَّدَهُ بِهِ وَيُخْلِصُ لَهُ النِّيَّةَ فِيمَا يَعْملُهُ مَنَ الْعِبَادَاتِ وَيَدَعُهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ حَتَّى يَكُونَ مُطِيعًا لِلْأَمْرِ مُمْتَثِلًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لَكلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهِ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «§إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَذَكَرَهُ

باب القول في إثبات نبوة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب، سماه الله محمدا وأحمد صلى الله عليه وسلم وسماه أسماء أخر ذكرناها في كتاب الدلائل، ودلائل النبوة

§بَابُ الْقَوْلِ فِي إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، سَمَّاهُ اللَّهُ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّاهُ أَسْمَاءً أُخَرَ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ، وَدَلَائِلُ النُّبُوَّةِ كَثِيرَةٌ وَالْأَخْبَارُ بِظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ نَاطِقَةٌ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ فِي آحَادِ أَعْيَانِهَا غَيْرَ مُتوَاتِرَةٍ فَفِي جِنْسِهَا مُتوَاتِرَةٌ مُتظَاهِرَةٌ مِنْ طرِيقِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا مُشَاكِلٌ لِصَاحِبِهِ فِي أَنَّهُ أَمْرٌ مُزْعِجٌ لِلخَوَاطِرِ نَاقِضٌ لِلْعَادَاتِ. وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّوَاتُرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَا الْحُجَّةَ وَيَنْقَطِعُ بِهَا الْعُذْرُ وَقَدْ جَمَعْنَاهَا فِي كِتَابٍ مَعَ بَيَانِ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَحْوَالُ صَاحِبِ الْمُعْجِزَةِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِينَ جُزْءًا، وَنَحْنُ نُشِيرُهَا هنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَدَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ إِلَى مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ عَلَى طرِيقِ الَاخْتِصَارِ. فَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ مَا

وَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ ذِكْرِهِ وَنَعْتِهِ وَخُرُوجِهِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَدْ حَرَّفُوهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: §إِنَّا لَنَجِدُ صِفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُهُ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُجْزِي بِالسَّيْئَةِ مِثْلَهَا وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَتَجَاوَزُ وَلَنْ أَقْبِضَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْمِلَّةَ الْمُتَعَوِّجَةَ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَهذَانِ عَالِمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ شَهِدَا بِبَعْضِ مَا وَجَدَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا شَوَاهِدُ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ، وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَبْتَغِي الدِّينَ حَتَّى أَتَى عَلَى شَيْخٍ بِالْجَزِيرَةِ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي خَرَجَ لَهُ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ نَبِيٌّ وَهُوَ خَارِجٌ قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ وَآمِنْ بِهِ. وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ -[257]-. وَمِنْ دَلَائِلِ مَا حَدَثَ بَيْنَ يَدَيْ أَيَّامِ مَوْلِدِهِ وَمَبْعَثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَكْوَانِ الْعَجِيبَةِ الْقَادِحَةِ فِي سُلْطَانِ أُمَّةِ الْكُفْرِ وَالْمُوهِنَةِ لَكلِمَتِهِمُ الْمُؤَيِّدَةِ لِشَأْنِ الْعَرَبِ الْمُنَوِّهَةِ بِذِكْرِهِمْ كَأَمْرِ الْفِيلِ وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِحِزْبِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ وَمِنْهَا خُمُودُ نَارِ فَارِسَ وَسُقُوطِ شُرُفَاتِ إِيوَانِ كِسْرَى وَغَيْضِ مَاءِ بُحَيْرَةِ سَاوَةَ وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا سَمِعُوهُ مِنَ الْهَوَاتِفِ الصَّارِخَةِ بِنُعُوتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَالرُّمُوزِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِبَيَانِ شَأْنِهِ وَمِنْهَا انْتِكَاسُ الْأَصْنَامِ الْمَعْبُودَةِ وَخُرُورُهَا لِوَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ دَافِعٍ لَهَا عَنْ أَمْكِنَتِهَا يُرَى أَوْ يَظْهَرُ إِلَى سَائِرِ مَا رُوِيَ وَنُقِلَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ ظُهُورِ الْعَجَائِبِ فِي وِلَادَتِهِ وَأَيَّامِ حَضَانَتِهِ وَبَعْدَهَا إِلَى أَنْ بُعِثَ نَبِيَّا وَبَعْدَ مَا بُعِثَ وَهِيَ فِي كِتَابِ (الدَّلَائِلِ) مَذْكُورَةٌ يَتْبَعُ بَعْضَهَا بَعْضًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِيمَا قَرَأْتُ مِنْ كِتَابِهِ وَمِنْ دَلْائِلِ نُبُوَّتِهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ يَتِيمًا ضَعِيفًا عَائِلًا فَقِيرًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَسْتَمِيلُ بِهِ الْقُلُوبَ وَلَا لَهُ قُوَّةٌ يَقْهَرُ بِهَا الرِّجَالَ وَلَا كَانَ فِي إِرْثِ مَلِكٍ فَتَثُوبُ إِلَيْهِ الْأَمَالُ طَمَعًا فِي دَرَكِ الْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَعَوْدِ الْمُلْكِ الْمَورُوثِ وَلَا كَانَ لَهُ أَنْصَارٌ وَأَعْوَانٌ يُطَابِقُونَهُ عَلَى الرَّأْيِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَالدِّينِ الَّذِي دَعَى إِلَيْهِ فَخَرَجَ عَلَى هَذَا الْحَالِ إِلَى الْعَرَبِ قَاطِبَةً وَإِلَى الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ كَافَّةً وَحِيدًا طَرِيدًا مَهْجُورًا مَحْقُورًا وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَعْظِيمِ الْأَزْلَامِ مُقِيمُونَ عَلَى عِبَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْحَمِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالتَّعَادِي وَالتَّبَاغِي وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ وَاسْتِبَاحَةِ الْحَرَامِ لَا يَجْمَعُهُمْ أُلْفَةُ دِينٍ وَلَا تَمْنَعُهُمْ دَعْوَةُ إِمَامٍ وَلَا يَكُفُّهُمْ طَاعَةُ مَلِكٍ وَلَا يَحْجِزُهُمْ عَنْ سُوءِ أَفْعَالِهِمْ نَظَرٌ فِي عَاقِبَةٍ وَلَا خَوْفُ عُقُوبَةٍ أَوْ لَائِمَةٍ فَأَلَّفَ قُلُوبَهَا وَجَمَعَ كَلِمَتَهَا حَتَّى اتْفَقَتِ الْأَرَاءُ وَتَنَاصَرَتِ الْقُلُوبُ وَتَرَافَدَتِ الْأَيْدِي وَصَارُوا إِلْبًا وَاحِدًا فِي نُصْرَتِهِ وَعُنُقًا وَاحِدًا إِلَى طَاعَتِهِ وَهَجَرُوا بِلَادَهُمْ وَأَوْطَانَهُمْ وَجَفُوا قَوْمَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي مَحَبَّتِهِ وَنَبَذُوا الْأَصْنَامَ الْمَعْبُودَةَ وَتَرَكُوا السِّفَاحَ وَكَانَ مُقْتَضَى شَهَوَاتِهِمْ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَكَانَ وَفْقَ طِبَاعِهِمْ وَالرِّبَا وَكَانَ مُعْظَمُ أَمْوَالِهِمْ وَبَذَلُوا مُهَجَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ فِي نُصْرَتِهِ وَنَصَبُوا وُجُوهَهُمْ لِوَقْعِ السُّيُوفِ بِهَا فِي إِعْزَازِ كَلِمَتِهِ بِلَا دُنْيَا بَسَطَهَا لَهُمْ وَلَا أَمَالٍ أَفَاضَهَا عَلَيْهِمْ وَلَا عِوَضٍ فِي الْعَاجِلِ أَطْمَعَهُمْ فِي نَيْلِهِ مِنْ مَالٍ يَحُوزُونَهُ أَوْ مُلْكٍ أَوْ شَرَفٍ فِي الدُّنْيَا يُحْرِزُونَهُ بَلْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْمُلْكَ مِنْهُمْ سَوِيَّةً، الْغَنِيَّ فَقِيرًا، وَالشَّريِفَ أُسْوَةً بِالْوَضِيعِ، فَهَلْ تَلْتَئِمُ مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورُ أَوْ يَتَّفِقُ مَجْمُوعُهَا لِأَحَدٍ هَذَا سَبِيلُهُ مِنْ قِبَلِ الِاخْتِيَارِ الْعَقْلِيِّ أَوِ التَّدْبِيرِ الْفِكْرِيِّ أَوْ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ أَوْ مِنْ بَابِ الْكَوْنِ وَالَاتِّفَاقِ لَا وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَسَخَّرَ لَهُ هَذِهِ الْأُمُورَ مَا يَرْتَابُ عَاقِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ إِلَهِيٌّ وَشَيْءٌ غَالِبٌ سَمَاوِيٌّ نَاقِضٌ لِلْعَادَاتِ، يَعْجَزُ عَنْ بُلُوغِهِ قُوَى الْبَشَرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: وَقَدِ انْتَظَمَ جُمْلَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] -[258]- قَالَ: وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَخُطُّ كِتَابًا بِيَدِهِ وَلَا يَقْرَؤُهُ، وُلِدَ فِي قَوْمٍ أُمَّيِّينَ وَنَشَأَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فِي بَلَدٍ لَيْسَ بِهَا عَالِمٌ يَعْرِفُ أَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُنَجِّمٌ يَتَعَاطَى عِلْمَ الْكَوَائِنِ وَلَا مُهَنْدِسٌ يَعْرِفُ التَّقْدِيرَ وَلَا فَيْلَسُوفٌ يُبْصِرُ الطَّبَائِعَ وَلَا مُتَكَلِّمٌ يَهْتَدِي لِرُسُومِ الْجَدَلِ وَوُجُوهِ الْمُحَاجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَمْ يَخْرُجْ فِي سَفَرٍ ضَارِبًا إِلَى عَالِمٍ فَيَعْكُفُ عَلَيْهِ وَيَأَخُذُ مِنْهُ هَذِهِ الْعُلُومَ، وَكُلُّ هَذَا مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِهِ مَشْهُورٌ عِنْدَ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ وَالْخِبْرَةِ بِشَأْنِهِ، يَعْرِفُهُ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ وَالْخَاصُّ وَالْعَالِمُ مِنْهُمْ فَجَاءَهُمْ بِأَخْبَارِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ مَعَالِمُ تِلْكَ الْكُتُبِ وَدَرَسَتْ وَحُرِّفَتْ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَا وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِصَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا إِلَّا الْقَلِيلُ، ثُمَّ حَاجَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ بِمَا لَوِ احْتَشَدَ لَهُ حُذَّاقُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَهَابِذَةُ الْمُحَصِّلِينَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُمْ نَقْضُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] فَفِيهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا اقْتَصَصْنَا مِنْ حَالِهِ وَوَصَفْنَا مِنْ أَمْرِهِ فِي أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَلَمْ يُعْرَفْ بِدَرْسِ الْكُتُبِ وَطَلَبِ الْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِهِ دَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ أَمْرِهِ وَصِدْقِ دَعْوَاهُ، وَمِنْ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَنَّهُ تَحَدَّى الْخَلْقَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْإِعْجَازِ وَدَعَاهُمْ إِلَى مُعَارَضَتِهِ وَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فَنَكَلُوا عَنْهُ وَعَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ -[259]- مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِعْجَازُهُ مِنْ جِهَةِ الْبَلَاغَةِ وَحُسْنِ اللَّفْظِ دُونَ النَّظْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِعْجَازُهُ فِي نَظْمِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَكَلَّمَتْ بأَلْفَاظِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِعْجَازُهُ فِي إِخْبَارِهِ عَنِ الْحَوَادِثِ وَإِنْذَارِهِ بِالْكوَائِنِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَوُقُوعِهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَنْبَأَ عَنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِعْجَازُهُ فِي أَنَّ اللَّهَ أَعْجَزَ النَّاسَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَصَرَفَ الْهِمَمَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ مَعَ وَقُوعِ التَّحَدِّي وَتَ‍وَفُّرِ الدَّوَاعِي إِلَيْهِ لِتَكُونَ آيَةً لِلنُّبُوَّةِ وَعلَامَةً لِصِدْقِهِ فِي دَعْوَاهُ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلمَاءِ إِلَى إِثْبَاتِ الْإِعْجَازِ لِلْقُرْآنِ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَلَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ , ثنا أَبُو نُعَيْمٍ , ثنا إِسْرَائِيلُ , عَنْ سِمَاكٍ , عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقَتْلَى - يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ - قِيلَ لَهُ: عَلَيْكَ بِالْعِيرِ لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَكَ قَالَ: لِمَ، قَالَ: لِأَنَّ §اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ أَنْجَزَ لَكَ مَا وَعَدَكَ قَالَ الشَّيْخُ: وَحِينَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ» فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهُوَ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] فَتَلَا مَا كَانَ قَدْ نَزَلَ مِنْ إِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ وَقَالَ تَعَالَى {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَطَقَتْ بِهَا الْآيَةُ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَكَانَ مَا وَعَدَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْفَتْحِ الْقَرِيبِ وَهُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ، وَقِيلَ: الصُّلْحُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَالَ: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 18] قِيلَ: فَتْحُ خَيْبَرَ {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: 21] قِيلَ: هُوَ مَا أَصَابُوا بَعْدَهُ، وَقَالَ تَعَالَى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33] وَقَدْ وَقَعَ الظُّهُورُ وَالْغَلَبَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لَكلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنَ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ §جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ فَقَهرَ رَسُولُ اللَّهِ الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] فَوَعَدَهُمْ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ وَغَلَبَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ ظُهُورَهُمْ وَاستِخْلَافَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَتَمْكِينَهُمْ مِنَ الْقِيَامِ بِأُمُورِ دِينِهِمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَتَبْدِيلِهِمْ مِنَ الْخَوْفِ بِالْأَمْنِ، فَفَعَلَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ جَمِيعَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ وَفي -[265]- ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِهِ فِي دَعْوَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلَهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ , ثنا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِيُّ , ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ , عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَآوَاهُمُ الْأَنْصَارُ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ، عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَانُوا لَا يَبِيتُونَ إِلَّا بِالسِّلَاحِ وَلَا يُصْبِحُونَ إِلَّا فِيهِ فَقَالُوا: §تَرَوْنَ أَنَّا نَعِيشُ حَتَّى نَبِيتَ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ لَا نَخَافُ إِلَّا اللَّهَ فَنَزَلَتْ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي: بِالنِّعْمَةِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ قَالَ الشَّيْخُ: وَفِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُعَذَّبِينَ بِمَكَّةَ حينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَمَا ظُلِمُوا فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، يَعْنِي بِهَا الرِّزْقَ الْوَاسِعَ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا أَعْطَى الرَّجُلَ عَطَاءَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُ: خُذْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ هَذَا مَا وَعَدَكَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا ادَّخَرَ لَكَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ -[266]-، وَحِينَ امْتَنَعَ أَبُو لَهَبٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ فَمَاتَ أَبُو لَهَبٍ عَلَى شِرْكِهِ وَصَلِيَ النَّارَ بِكُفْرِهِ وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ وَأَبُو لَهَبٍ حَيٌّ فَلَمْ يُمْكِنْهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى تَكْذِيبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقْضِ كَلِمَتِهِ أَنْ يُظْهِرَ الْإِسْلَامَ لِيُشَكِّكَ النَّاسَ فِي النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيمَا أَخْبَرَهُمْ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ هَذِهِ الْأُمُورُ عَلَى الَاتِّفَاقِ وَتَسْتَمِرَّ عَلَى الصِّدْقِ فَلَا يَخْتَلِفُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. وَأَمَّا الصَّرْفَةُ وَالتَّعْجِيزُ مَعَ تَوَهُّمِ الْقُدْرَةِ مِنْهُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشُكَّ فِيهِ عَاقِلٌ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهِ لَبَادَرُوا إِلَيْهِ مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَتِهِ وَنَقْضِ كَلِمَتِهِ، وَلَمَا خَرَجُوا فِي أَمْرِهِ إِلَى نَصْبِ الْقِتَالِ وَالتَّغْرِيرِ بِالْأَنْفُسِ وَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ وَمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطَانِ وَلَكَانَ ذَلِكَ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْخُطُوبِ وَمُقَاسَاةِ هَذِهِ الشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوهُ دَلَّ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَسَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ رَجُلٍ عَاقِلٍ اشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ وَبِحَضْرَتِهِ مَاءٌ فَجَعَلَ يَتَلَوَّى مِنْ شِدَّةِ الظَّمَأِ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ فَلَا يَشُكُّ شَاكٌّ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ شُرْبِهِ أَوْ مَمْنوعٌ لِسَبَبٍ يَعُوقُهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ اخْتِيَارًا مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي لَهُ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ مِنْهُ إِلَيْهِ وَهَذَا بَيِّنٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَمِنْ دَلَائِلِ صِدْقِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عُقَلَاءِ الرِّجَالِ عِنْدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَدْ قَطَعَ الْقَوْلَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِ مَا تَحَدَّاهُمْ بِهِ فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلنْ تَفْعَلُوا فَلَوْلَا عِلْمُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ خِلَافٌ وَإِلَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ -[267]- عَقْلُهُ فِي أَنْ يَقْطَعَ الْقَوْلَ فِي شَيْءٍ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَهُوَ بِعَرَضِ أَنْ يَكُونَ. وَقَدْ رُوِّينَا فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَإِقرَارِهِمْ بِإِعْجَازِهِ مَا يَكْشِفُ عَنْ جُمْلَةٍ مِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهَا وَنَحْنُ نَقْتَصِرُ هَاهُنَا عَلَى

مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ - وَكَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَلَا أَقُومُ إِلَى هَذَا فَأُكَلِّمُهُ فَأَعْرِضُ عَلَيْهِ أَمُورًا لَعَلَّهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهَا بَعْضَهَا وَيَكُفَّ عَنَّا؟ قَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، فَقَامَ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِيمَا قَالَ لَهُ عُتْبَةُ وَفِيمَا عَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ وَالْمُلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا فَرَغَ عُتْبَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي، قَالَ: أَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 2] " فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ " قَالَ: سَمِعْتُ، قال: فَأَنْتَ وَذَاكَ، فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصحَابِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ §جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ قَالُوا مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا -[268]- السِّحْرِ وَلَا الْكَهَانَةِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعلُوهَا بِي خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَوَاللَّهِ لِيكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ

وَرُوِّينَا هَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفيهُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِيمَا حَكَى عُتْبَةُ لِأَصحَابِهِ قَالَ: §فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاللَّهِ مَا هُوَ سِحْرٌ وَلَا شِعْرٌ وَلَا كَهَانَةٌ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 2] حَتَّى بَلَغَ {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ

وَرُوِّينَا عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسلًا فِي قِصَّةِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] قَالَ: أَعِدْ، فَأَعَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَاللَّهِ §إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ، وَقَالَ لِقَوْمِهِ: وَاللَّهِ مَا فَيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعَلَى وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي قِصَّةِ دُخُولِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّجَاشِيِّ وَقَوْلِهِ لِلنَّجَاشِيِّ: §بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَعَفَافَهُ وَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلَا لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ. وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى فِي مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَةٌ وَهِيَ فِي كِتَابِ (دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ) مَكْتُوبَةٌ، وَالْمَعْرِفُةُ بِهَا لِمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَأَنْعَمَ النَّظَرَ فِيهَا حَاصِلَةٌ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الدَّلَائِلِ أَطْرَافُهَا وَمِنَ الْآيَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ مَا يَكُونُ بُلْغَةً لِمَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِهَا فَمِنْهَا مَا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ , ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا شَيْبَانُ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا هُشَيْمٌ، ثنا مُغِيرَةُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: §انْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ فَقَالَ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ: هَذَا سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ انْظُرُوا السُّفَّارَ فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ -[270]- بِهِ، قَالَ: فَسُئِلَ السُّفَّارُ وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَالُوا: رَأَيْنَا

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفَضْلِ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ , ثنا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ حَنَّ الْجِذْعَ فَأَتَاهُ فَالْتَزَمَهُ وَحَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، ثنا أَبُو حَفْصِ بْنِ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَهُ فَسَكَنَ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ , أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خنْبٍ الْبُخَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذيُّ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: أَخْبرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: كَانَ الْمَسْجِدُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ §فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ كَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ

وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ فِي -[271]- آخِرِهِ: «فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، §كَانَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسْكَتُ كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا»

وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعَدِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ حَنِينِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ؟» فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَرَقُّوا مِنْ حَنِينِهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ "

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §«لَوْ لِمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

وَفِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي حَدِيثِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَلَمَّا قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْبَرِ §خَارَ الْجِذْعُ كَخُوَارِ الثَّوْرِ حَتَّى ارْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِخُوَارِهِ

وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمَّا فَقَدَتْهُ - تَعْنِي الْخَشَبَةَ - §خَارَتْ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَأَمْرُ الْحَنَانَةِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعَلَامِ الْبَاهِرَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَرِوَايَةُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكَلُّفِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبرَنِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ , قَالَ: قَالَ أَبِي: قَالَ عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: §مَا أَعْطَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيًّا مَا أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ أَعْطَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى، فَقَالَ -[272]-: أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَلَمَّا هُيِّئَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ، فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَاكَ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَبْدِيُّ , ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ , ثنا إِسْرَائِيلُ , عَنْ مَنْصُورٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ " إِنَّكُمْ §تَعُدُّونَ الْآيَاتِ عَذَابًا وَكُنَّا نَعُدُّهَا بَرَكَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ، وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ السَّمَاءِ» حَتَّى تَوَضَّأْنَا كُلُّنَا

وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ §تَسْبِيحَ الْحَصَيَاتِ فِي كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ، وَمِنْهَا مَا

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ , قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَذَكَرَ عَطَشًا أَصَابَهُمْ قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فِي تَوْرٍ فَوَضَعَ يَدَهُ -[273]- فِيهُ §فَجَعَلَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ، قَالَ: فَشَرِبْنَا وَوَسِعَنَا وَكَفَانَا قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَنْتُمْ؟ قَالَ لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ كَفَانَا، كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ وَابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ وَفيهُ مِنَ الزِّيَادَةِ «فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا» وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ «فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا» ، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا آلُو مَا جَعَلْتُ فِي بَطْنِي مِنْهُ وَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ

وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ» فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا، وَجَعَلْتُ لَا هَمَّ لِي إِلَّا مَا أَجْعَلُ فِي بَطْنِي مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالْبَرَكَةِ مِنَ اللَّهِ»

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: §فَرَأَيْتُ الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ قَالَ: فَأَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: الْوَضُوءُ الْمُبَارَكُ وَهَذَا يَكُونُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَشْهَدِ الْحُدَيْبِيَةَ وَرَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ , أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُثَنَّى , ثنا مُسَدَّدٌ , ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ -[274]- رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ: §فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ أَنَسٌ: فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ وَرَوَاهُ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ يَتَوَضَّأُ وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ عَدَدَ الثَّمَانِينَ وَزِيَادَةً، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ آخَرَ سِوَى مَا رَوَاهُ جَابِرٌ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا بِالزَّوْرَاءِ وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فَدَعَا بِقَدَحٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءُ ثلَاثِمِائَةٍ، فَيُشْبهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى

وَفِي حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ: فَتَبَرَّزَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَقَدْ تَلَاحَقَ أَصحَابُهُ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أَخَا صُدَاءَ؟ فَقُلْتُ: لَا إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ، فَفَعَلْتُ فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، قَالَ الصُّدَائِيُّ: §فَرَأَيْتُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ فَهَذَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْ قِصَّةٍ أُخْرَى

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ , أَخْبَرَنَا إِسْرَائيلُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ نَزَلْنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ - وَهِيَ بِئْرٌ - فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ نَزَحُوهَا، فَلَمْ يَدَعُوا فِيهَا قَطْرَةً، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا بِدَلْوٍ فَنَزَعَ مِنْهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ بِفِيهُ §فَمَجَّهُ فِيهَا وَدَعَا اللَّهَ فَكَثُرَ مَاؤُهَا حَتَّى صَدَرْنَا وَرَكَائِبُنَا وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَرَوَاهُ أَيْضًا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَقَدْ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآبَارٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا صُنْعَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , (ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّغَانِيُّ بِمَكَّةَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ , عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَصَابَهُمْ عَطَشٌ شَدِيدٌ فَأَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ أَصحَابِهِ - قَالَ: أَحْسَبُهُ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا - قَالَ إِنَّكمَا سَتَجِدَانِ بِمَكَانِ كَذَا وَكذَا امْرَأَةً مَعَهَا بَعِيرٌ -[276]- عَلَيْهِ مَزَادَتَانِ عَلَى الْبَعِيرِ فَائْتِيَانِي بِهَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْمَرْأَةَ فَوَجَدَاهَا رَكِبَتْ بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ فَقَالَا لَهَا: أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَمَنْ رَسُولُ اللَّهِ؟ أَهَذَا الصَّابِئُ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَجَاءَا بِهَا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُعِلَ فِي إِنَاءٍ مِنْ مَزَادَتَيْهَا شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَفِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ قَالَ: مَا شَاءَ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَعَادَ الْمَاءَ فِي الْمَزَادَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِغِطَاءِ الْمَزَادَتَيْنِ فَفُتِحَتْ ثُمَّ أَمَرُوا النَّاسَ فَمَلئُوا آنِيَتَهُمْ وَأَسْقِيَتَهُمْ فَلَمْ يَدَعُوا يَوْمَئِذٍ إِنَاءً وَلَا سِقَاءً إِلَّا مَلَئُوهُ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: فَكَانَ يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَمْ يَزْدَادَا إِلَّا امْتلَاءً، قَالَ: فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهَا فَبُسِطَ ثُمَّ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَجَاءُوا مِنْ أَزْوَادِهِمْ حَتَّى مَلَأَ لَهَا ثَوْبَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي فَإِنَّا §لَمْ نَأْخُذْ مِنْ مَائِكَ شَيْئًا وَلَكِنَّ اللَّهَ سَقَانَا، قَالَ: فَجَاءَتْ أَهْلَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ فَقَالَتْ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَسْحَرِ النَّاسِ أَوْ إِنَّهُ لِرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: فَجَاءَ أَهْلُ ذَلِكَ الْحِوَاءِ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا يَحْيَى بْنَ أَبِي طَالِبٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أنا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ: فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ فِيهُ فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَمْدًا يَدْعُونَكُمْ هَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَطَاعُوهَا فَجَاءُوا جَمِيعًا فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْجُو إِسْلَامَهُمْ بِمَا أَرَى الْمَرْأَةَ مِنْهُمْ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ فَأَخْبَرَتْهُمْ بِذَلِكَ فَعَلِمُوا تَصْدِيقَهُ فَأَسْلَمُوا

وَحَدِيثُ الْمِيضَأَةِ الَّذِي رَوَاهُ عِمْرَانُ وَأَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: «أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ جَرْعَةٌ، فَقَالَ: ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهَا سَيَكُونُ لَهَا شَأْنٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي سَيْرِهِمْ، فَلَمَّا اشْتَدَّتْ بِهِمُ الظَّهِيرَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا، قَالَ: «لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا قَتَادَةَ، ائْتِنِي بِالْمِيضَأَةِ» فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: حُلَّ لِي غُمَرِي - يَعْنِي قَدَحَهُ - فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَصُبُّ وَيَسْقِي النَّاسَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«أَحْسِنُوا الْمَلْءَ فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ» فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُهُ فَصَبَّ لِي فَقَالَ: «اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ» قُلْتُ: اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّ سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا» فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثلَاثُمِائَةٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ تَصْدِيقُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبَاحٍ فِي رِوَايَتِهِ، وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ فَقَالَ فِيهِ: فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا فِي الْمِيضَأَةِ تَكَالَبُوا عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَحْسِنُوا الْمَلْءَ كُلُّكُمْ سَيُرْوَى

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، ثنا تَمْتَامٌ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا عِكْرِمَةُ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ -[278]- رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَنَا جَهْدٌ شَدِيدٌ حَتَّى هَمَمْنَا أَنْ نَنْحَرَ بَعْضَ ظَهْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«اجْمَعُوا بَعْضَ مَزَاوِدَكُمْ» فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ بِنِطْعٍ فَمُدَّ قَالَ: فَجَاءَ الْقَوْمُ بِشَيْءٍ فِي جُرُبِهِمْ فَنَبَذُوهُ، قَالَ: فَتَطَاوَلَتُ أَحْزِرُهُ حَتَّى كَمْ هُوَ، فَإِذَا هُوَ كَرَبْضَةِ الشَّاةِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا أَجْمَعِينَ، قَالَ: ثُمَّ تَطَاوَلْتُ لَهُ بَعْدَمَا شَبِعَ الْقَوْمُ أَحْزِرُهُ كَمْ هُوَ، فَإِذَا هُوَ كَرَبْضَةِ الشَّاةِ قَالَ فَحَشَوْنَا جُرُبَنَا مِنْهُ ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُطْفَةٍ فِي إِدَاوَةٍ فَصَبَّهَا فِي قَدَحٍ فَرَفَعْنَا مِنْهَا حَتَّى تَطَهَّرَنَا بِأَجْمَعِنَا ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ قَالُوا: هَلْ مِنْ وَضُوءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرَغَ الْوَضُوءُ» . وَرَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَوَضَّأْنَا كُلُّنَا نُدَغْفِقُهُ دَغْفَقَةً أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قِصَّةَ الْأَزْوَادِ وَقَالَ: فَدَعَا عَلَيْهَا حَتَّى مَلَأَ الْقَوْمُ أَزْوِدَتَهُمْ وَرُوِيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيِّ -[279]-، وَعَنْ أَبِي خُنَيْسٍ الْغِفَارِيِّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ , ثنا شَيْبَانُ , عَنْ فِرَاسٍ، قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَحَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَبَاهُ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا فَلَمَّا حَضَرَ جِذَاذُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، قَالَ: «§اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرَةٍ عَلَى حِدَةٍ» فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعَظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ أَصْحَابَكَ» فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلَا أَرْجِعُ إِلَى إِخْوَتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا حَتَّى إِنِّي لِأَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[280]- كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أَخْبرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ , أنا الْقَعْنَبِيُّ، فِيمَا قَرَأَ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ، رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ بِهِ الْجُوعَ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَنَاسٌ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «طَعَامٌ» فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ: «قُومُوا نَنْطَلِقْ» قَالَ: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ» فَجَاءَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[281]- فَفَتَّهُ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَآدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ وَرَوَاهُ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ: ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا، وَرَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ: وَأَكَلَ مِنْهَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَفَضَلَ مِنْهَا فَضْلٌ فَدَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: «كُلِي وَأَطْعِمِي جِيرَانَكِ»

وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَعَنَاقٍ فَدَعَا اللَّهَ عَلَى الْقِدْرِ وَالتَّنُّورِ §فَأَكَلُوا وَهُمْ ثلَاثُمِائَةٍ -[282]- قَالَ: وَأَكَلْنَا وَأَهْدَيْنَا لِجِيرَانِنَا، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ: وَرُبُوُّ الطَّعَامِ بِتَبْرِيكِهِ فِيهِ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَزِيَادَةُ الْمَاءِ بِدُعَائِهِ قَدْ رُوِّينَاهُمَا مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى. وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ فِي الْقَصْعَةِ الَّتِي كَانَتْ تُمَدُّ مِنَ السَّمَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فِيمَا صُنِعَ مِنَ الطَّعَامِ وَفِي الشَّاةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنَ الْأَعْرَابِيِّ -[283]- وَفِي اللَّبَنِ الَّذِي دَعَا عَلَيْهِ أَهْلَ الصُّفَّةِ -[284]- وَفِيمَا خَلَفَ عَلَى عَائِشَةَ مِنَ الشَّعِيرِ وَفِيمَا أَعْطَى الرَّجُلَ مِنَ الشَّعِيرِ وَفِيمَا بَقِيَ عِنْدَ الْمَرْأَةِ مِنَ السَّمْنِ فِي الْعُكَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي سَائِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي مَعْنَاهَا بِأَسَانِيدِهَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ، وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بَرْهَانَ الْغَزَّالُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ , عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا لِعُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْطٍ فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «يَا غُلَامُ هَلْ مِنْ لَبَنٍ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنِّي مُؤْتَمَنٌ، فَقَالَ: §«هَلْ مِنْ شَاةٍ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهَا الْفَحْلُ» فَأَتَيْتُهُ بِشَاةٍ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا فَنَزَلَ لَبَنٌ فَحَلَبَهُ فِي إِنَاءٍ فَشَرِبَ وَسَقَى -[285]- أَبَا بَكْرٍ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: «اقْلِصْ» فَقَلَصَ قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ هَذَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِنَّكَ غُلَيِّمٌ مُعَلَّمٌ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَاصِمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ جَذَعَةٍ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهَا الْفَحْلُ بَعْدُ؟ فَأَتَيْتُهُمَا بِهَا فَاعْتَقَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّرْعَ فَدَعَا فَحَفَلَ الضَّرْعُ وَقَدْ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَصَنَعَ ذَلِكَ بِشَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ حِينَ مَرَّ بِهَا فِي الْهِجْرَةِ حَتَّى قَالَ فِيهَا الْهَاتِفُ الْأَبْيَاتَ الْمَذْكُورَةَ فِي قِصَّتِهَا

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ -[286]- جَعْفَرٍ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَبُو عَمْرٍو الْغُدَانِيُّ (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَارِثِ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهمًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمَا، قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ فَإِذَا صَخْرَةٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا قَالَ: فَسَوَّيْتُهُ , ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْوَةً ثُمَّ قُلْتُ اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاضْطَجَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَيْهِ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا , فَإِذَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أُرِيدُ - يَعْنِي الظِّلَّ - فَسَأَلْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ , فَسَمَّاهُ , فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ , فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ , ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ: هَكَذَا , فَضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ عَلَى الْأُخْرَى , فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَقَدْ رَوَّيْتُ مَعِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ , فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَافَقْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقُلْتُ: §اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ , ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ -[287]- مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ لَقَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» ، فَلَمَّا دَنَا مِنَّا وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قِيدَ رُمْحيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ» ؟ فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي وَلكِنَّنِي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهُمُ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ» ، قَالَ فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا فَوَثَبَ عَنْهَا , ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ , وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا؛ فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ» , وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا وَرَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فِيهِ: وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ , فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُتِينَا، فَقَالَ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا

وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُرَاقَةَ , فَذَكَرَ قِصَّةَ خُرُوجِهِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حَتَّى سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ، §سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ , فَخَرَرْتُ عَنْهَا , ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَاهَا , فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُنِعَ مِنِّي وَأَنَّهُ ظَاهِرٌ -[288]- وَالْأَحَادِيثُ فِي دُعَائِهِ عَلَى آحَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَدُعَائِهِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِسْقَائِهِ، وَدُعَائِهِ بِالْحَبْسِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِيمَا سَأَلَ -[289]- كَثِيرَةٌ , وَهِيَ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ بِأَسَانِيدِهَا مَذْكُورَةٌ

وَمِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ , عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ , عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ الْبَرَازَ تَبَاعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ , فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا بِفَلَاةٍ مِنْ أَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ وَلَا شَجَرٌ، فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ , خُذِ الْإِدَاوَةَ وَانْطَلِقْ بِنَا» ، فَمَلَأْتُ الْإِدَاوَةَ مَاءً وَانْطَلَقْنَا فَمَشَيْنَا حَتَّى لَا نَكَادَ نُرَى فَإِذَا شَجَرَتَانِ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا جَابِرُ، انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ: يَقُولُ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا" , فَفَعَلْتُ , فَزَحَفَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا , فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ , ثُمَّ رَجَعْنَا فَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا فَسِرْنَا فَكَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا , فَإِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ قَدْ عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا صَبِيٌّ تَحْمِلُهُ -[290]-، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يَدَعُهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَنَاوَلَهُ , فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدَّمَةِ الرَّحْلِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» , فَأَعَادَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا رَجِعْنَا , فَكُنَّا بِذَلِكَ الْمَاءِ عَرَضَتْ لَنَا الْمَرْأَةُ مَعَهَا كَبْشَانِ تَقُودُهُمَا وَالصَّبِيُّ تَحْمِلُهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّتِي؛ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا أَحَدَهُمَا مِنْهَا وَرُدُّوا الْآخَرَ» ، ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا , فَجَاءَ جَمَلٌ نَادٍ , فَلَمَّا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ خَرَّ سَاجِدًا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ , مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْجَمَلِ» ؟ فَقَالَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَمَا شَأْنُهُ» ؟ قَالَ: سَنَوْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَمَّا كَبُرَ سِنُّهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ شُحَيْمَةٌ فَأَرَدْنَا نَحْرَهُ لِنَقْسِمَهُ بَيْنَ غِلْمَتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبِيعُونِيهِ» ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ لَكَ، قَالَ: «فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ» -[291]-. وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قِصَّةَ انْقِيَادِ الشَّجَرَتَيْنِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتمَاعِهِمَا حَتَّى اسْتَتَرَ بِهِمَا , ثُمَّ افْتِرَاقِهِمَا وَرَوَى يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ , وَقِيلَ: عَنْهُ دُونَ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ هَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الثَّلَاثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا شَهِدَهُنَّ جَابِرٌ وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ دُعَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِذْقَ وَنُزُولَهُ مِنَ النَّخْلَةِ وَمَشْيَهُ إِلَيْهِ وَرُجُوعَهُ إِلَى مَكَانِهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعَاءَهُ الشَّجَرَةَ وَإِقْبَالَهَا إِلَيْهِ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَشْهَدَهَا ثلَاثًا , فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ , ثُمَّ رَجَعَتْ -[292]- إِلَى مَنْبَتِهَا. وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ حِينَ كَاتَبَ قَوْمَهُ عَلَى كَذَا وَكذَا نَخْلَةً يَغْرِسُهَا لَهُمْ وَيَقُومُ عَلَيْهَا حَتَّى تُطْعَمَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَغَرَسَ النَّخْلَ كُلَّهَا إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا غَيْرُهُ , فَأَطْعَمَ نَخْلَهُ مِنْ سَنَتِهِ إِلَّا تِلْكَ النَّخْلَةِ. وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ إِخْبَارَ الذِّرَاعِ إِيَّاهُ بِأَنَّهَا مَسْمُومَةٌ -[293]-، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ شَهَادَةَ الذِّئْبِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ، وَفِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ شَهَادَةَ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ بَعْدَمَا مَاتَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ -[294]-. وَفِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي شَهَادَةِ الضَّبِّ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ , وَفِي حَدِيثِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ شَهَادَةَ أَخِيهِ بَعْدَمَا مَاتَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ , -[295]- وَفِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ شَهَادَةَ الصَّبِيِّ الَّذِي شَبَّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لِنَبِيِّنَا بِالرِّسَالَةِ , وَفِي حَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ شَهَادَةَ الرَّضِيعِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ، وَفِي قِصَّةِ أُحُدٍ أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ عَسِيبًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ سَيْفُهُ , فَرَجَعَ فِي يَدِ عَبْدِ اللَّهِ سَيْفًا , وَفِي مَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ , ثُمَّ الْوَاقِدِيِّ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ أَنَّ عُكَّاشَةَ بْنِ مُحْصِنٍ انْقَطَعَ سَيْفُهُ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبَيْضُ طَوِيلُ الْقَامَةِ , فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَ , وَفِي كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ فَقَالَ: اضْرِبْ بِهِ؛ فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ جَيِّدٌ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ. وَفِي قِصَّةِ بَدْرٍ - وَقِيلَ -[296]-: أُحُدٍ - عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ , فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ , فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ , فَكَانَ لَا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ. وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ رُمِيَ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَهْمٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ , فَبَصَقَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ فَمَا آذَاهُ، وَبَصَقَ فِي عَيْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ رَمَدٍ كَانَ بِهَا وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ , ثُمَّ لَمْ يَشْكُ عَيْنَيْهِ بَعْدُ , وَلَهُ مِنْ دَعَوَاتِهِ وَاسْتِسْقَائِهِ وَاسْتِشْفَائِهِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ وَدلَالَاتٌ وَاضِحَةٌ، وَمُعْجِزَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى؛ وَإِنَّمَا نُشِيرُ هَاهُنَا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ إِلَى مِقْدَارِ مَا يَتَّضِحُ بِهِ مَا قَصَدْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَوْا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَدِحْيَةُ غَائِبٌ -[297]-، وَرَأَى جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمَاعَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أُمِدَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَرَأَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ أُحُدٍ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بَيَاضٌ يُقَاتِلَانِ عَنْهُ أَشَدَّ الْقِتَالِ مَا رَآهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ وَإِذَا هُمَا مَلَكَانِ. وَأَمَّا إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَوَائِنِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَظُهُورِ صِدْقِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَهِيَ كَثِيرَةٌ وَهِيَ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ مَنْقُولَةٌ، فَإِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ حِينَ كَانَ بِمَكَّةَ بِمَا أَفْسَدَتِ الْأَرَضَةُ مِنْ صَحِيفَةِ قُرَيْشٍ , فَأُتِيَ بِهَا فَوُجِدَتْ كَمَا قَالَ، وَحِينَ أَخْبَرَ عَنْ مَسْرَاهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ , ثُمَّ إِلَى السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَكُذِّبَ فِيهِ؛ أَخْبَرَ عَنْ عِيرِهِمُ الَّتِي رَآهَا فِي طَرِيقِهِ: عَنْ قُدُومِهَا، وَعنْ -[298]- نَبَأِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ , فَكَانَ كَمَا قَالَ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِمَا وَقَعَ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ , وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِمُؤْتَةَ، وَنَعَاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ. وَنَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَأَخْبَرَ عَنْ كِتَابِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَأَخْبَرَ عَنْ أَشْيَاءَ وُجِدَ تَصْدِيقُهُ فِي جَمِيعِهَا، وَرِوَايَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ هَاهُنَا مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ وَوَعَدَ أُمَّتَهُ الْفُتُوحَ الَّتِي وُجِدَتْ بَعْدَهُ وَحَذَّرَهُمُ الْفِتَنَ الَّتِي بَدَتْ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُث

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُطَيْعِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: وَهِيَ §رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قِصَّةَ الْمِعْرَاجِ وَشَقِّ الصَّدْرِ وَصِفَةِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 23] {وَلقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «جِبْرِيلُ لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ -[304]- السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِائَةٍ جَنَاحٍ» ، وَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ {وَلقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 13] قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُ ذَلِكَ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ مَرَّتَيْنِ وَحَمَلَ الْآيَتَيْنِ عَلَى رُؤْيَتِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ أَقَاوِيلَهُمْ وَأَقَاوِيلِ غَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهَا فِي كِتَابِ -[305]- الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَكِتَابِ الرُّؤْيَةِ

فصل: والأنبياء عليهم السلام بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم جماعة منهم ليلة المعراج وأمر بالصلاة عليه والسلام عليه. وأخبر - وخبره صدق - أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا يبلغه , وأن الله حرم

§فَصْلٌ: وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بَعْدَمَا قُبِضُوا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحُهُمْ فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَالشُّهَدَاءِ، وَقَدْ رَأَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ. وَأَخْبَرَ - وَخَبَرُهُ صِدْقٌ - أَنَّ صَلَاتَنَا مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ وَأَنَّ سَلَامَنَا يَبْلُغُهُ , وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تأَكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِإِثْبَاتِ حَيَاتِهِمْ كِتَابًا، فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَكْتُوبًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ نَبِيًّا -[306]- وَرَسُولًا , وَهُوَ بَعْدَمَا قَبَضَهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ وَالَّذِينَ يُبَلِّغُونَ عَنْهُ أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ خُلفَاؤُهُ، فَرِسَالَتُهُ بَاقِيَةٌ وَشَرِيعَتُهُ ظَاهِرَةٌ حَتَّى يأَتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا

باب القول في كرامات الأولياء قال الله عز وجل في قصة مريم عليها السلام كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. وقال في قصة سليمان عليه السلام قال الذي عنده علم من الكتاب أنا

§بَابُ الْقَوْلِ فِي كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] . وَقَالَ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] وَآصَفُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ ظُهُورُ الْكَرَامَاتِ عَلَى الْكَاذِبِينَ , فَأَمَّا عَلَى الصَّادِقِينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ مَنْ صَدَّقَهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ حَكَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي تَرَكَ السِّحْرَ وَتَبِعَ الرَّاهِبَ وَالنَّفَرِ الَّذِينَ آوَوْا عَلَى غَارٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ , فَانْحَطَّتْ

عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ , وَغَيْرِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَقَدْ ظَهَرَ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، ثُمَّ عَلَى الصَّالِحِينَ مِنْ أُمَّتِهِ مَا يُوجِبُ اعْتِقَادَ جَوَازِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ , ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَسِيدِ بْنِ حَارِثَةَ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ عَيْنًا , وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ، وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ , فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدْأَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ , فَنَفَرُوا لَهُمْ بِمِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ , فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ , فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ , فَقَالُوا: انْزِلُوا وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَلَّا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا , فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ §لَا أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ الْيَوْمَ اللَّهُمْ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّكَ السَّلَامَ , فَقَاتَلُوهُمْ , فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ , وَنَزَلَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ , فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ وَكَتَّفُوهُمْ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ أَوَّلُ الْغَدْرِ , فَعَالَجُوهُ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ إِلَى مَكَّةَ , فَبَاعُوهُمَا , وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَاشْتَرَى بَنُو الْحَارِثِ خُبَيْبًا - وَقَدْ كَانَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ - قَالَتِ ابْنَةُ الْحَارِثِ: فَكَانَ خُبَيْبٌ أَسِيرًا عِنْدَنَا , فَوَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ -[309]- أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ مِنْ ثَمَرِهِ , وَإِنْ هُوَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا قَالَتْ: وَاسْتَعَارَ مِنِّي مُوسًى يَسْتَحِدُّ بِهِ لِلْقَتْلِ قَالَتْ: فَأَعَرْتُهُ إِيَّاهُ , وَدَرَجَ ابْنٌ لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ , فَرَأَيْتُهُ يُجْلِسُهُ عَلَى صَدْرِهِ قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ قَالَتْ: فَفَطِنَ لِي فَقَالَ: أَتَحْسَبِينَ أَنِّي قَاتِلُهُ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ قَالَ لَهُمْ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ , فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ بِي جَزَعًا لَزِدْتُ، قَالَتْ: وَكَانَ خُبَيْبٌ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الصَّلَاةَ لِمَنْ قُتِلَ صَبْرًا , ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمْ أَحْصِهِمْ عَدَدًا , وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا , وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا: [البحر الطويل] فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي جَنْبِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمُزَّعِ قَالَ: وَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ لِيُؤْتَوْا مِنْ لَحْمِهِ بِشَيْءٍ , وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ , فَبَعَثَ اللَّهُ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبَيْهَقِيُّ , ثنا جَدِّي ثنا أَبُو ثَابِتٍ , حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ , وَذَكَرَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ , وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ، وَقَالَ فِي الشِّعْرِ: وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ، وَزَادَ وَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ -[310]- يَوْمَ أُصِيبَ فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ. وَذَكَرَ فِي عَاصِمٍ مَا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّبْرِ حَتَّى حَمَتْهُ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي الْمَغَازِي، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَزَادَ: فَلَمَّا حَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ قَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى يُمْسِيَ فَتَذْهَبَ عَنْهُ فَنَأْخُذَهُ , فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ , فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا , فَذَهَبَ بِهِ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدًا لَا يَمَسُّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسُّهُ مُشْرِكٌ أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: يَحْفَظُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُمْ فِي حَيَاتِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ اسْتِجَابَةَ اللَّهِ دُعَاءَ خُبَيْبٍ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُ , فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ غَيْرُ رَجُلٍ لَبَدَ بِالْأَرْضِ حِينَ رَآهُ يَدْعُو، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَرَامَاتٌ ظَهَرَتْ عَلَى مَنْ سُمِّيَ فِيهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا مَعْمَرٌ , عَنْ ثَابِتٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّ , وَرَجُلًا آخَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ تَحَدَّثَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ لَهُمَا حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الظُّلْمَةِ , ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقَلِبَانِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُصَيَّةٌ , §فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلْآخَرِ عَصَاهُ , فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْءِ عَصَاهُ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ. وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَرَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ , -[311]- فَلَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَيْنِ قَالَ: وَمعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَنَّهُمَا أُكْرِمَا بِقَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَضَاءَتْ أَصَابِعُ حَمْزَةَ، وَنُوِّرَ فِي عَصَا أَبِي عِيسَى

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , ثنا مَعْمَرٌ , عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَصَاحِبٌ لَهُ سَرَيَا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ , فَإِذَا طَرْفُ سَوْطِ أَحَدِهِمَا عِنْدَهُ ضَوْءٌ , فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: أَمَا إِنَّا لَوْ حَدَّثْنَا النَّاسَ بِهَذَا كَذَّبُونَا، قَالَ مُطَرِّفٌ: §الْمُكَذِّبُ أَكْذَبُ. يَقُولُ: الْمُكَذِّبُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أَكْذَبُ، وَمُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ عَقِيبَ حَدِيثِ الصَّحَابَةِ لَكوْنِهِ شَبِيهًا بِمَا أُكْرِمُوا بِهِ -[312]-. وَقَدْ رُوِّينَا نُزُولَ الْمَلَائِكَةِ لِلْقُرْآنِ عِنْدَ قِرَاءَةِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ أَتَتْ لِصَوْتِكَ» . وَرُوِّينَا تَسْلِيمَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الْفَقِيهُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , ثنا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: «§مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ بِسَادِسٍ» أَوْ كَمَا قَالَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَأُمِّي وَلَا أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْتِ أَبِي، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءَ , ثُمَّ رَجَعَ , فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ , فَقَالَتْ لَهُ امْرأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ قَالَتْ: عَنْ ضَيْفِكَ؟ قَالَ أَوَمَا عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ وَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ , -[313]- فَغَلَبُوهُمْ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا وَاخْتَبَأْتُ , وَقَالَ: يَا غُنْثَرُ , وَسَبَّ , وَقَالَ: كُلُوا , وَذَكَرَ كَلِمَةً , وَقَالَ: وَاللَّهُ لَا طَعِمْتُهُ أَبَدًا قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ لُقْمَةً إِلَّا وَرَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، قَالَ: وَشَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ , فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ، قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ , فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ , وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ - يَعْنِي يَمِينَهُ - ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ , فَمَضَى الْأَجَلُ , فَعَرَفْنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ أُنَاسٌ، اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ قَالَ: فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ رُوِّينَا كَرَامَاتٍ ظَهَرَتْ عَلَى عِدَّةٍ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ رُوِّينَا فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ كَرَامَاتٍ ظَهَرَتْ عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ وَفَاةِ -[314]- النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعَادَتُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ؛ فَاقْتَصَرْنَا مِنْهَا عَلَى بَعْضِهَا وَفِيهِ كِفَايَةٌ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَقَبِيُّ , ثنا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ الدَّيْرَعَاقُولِيُّ , حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ , ثنا ابْنُ وَهْبٍ , أَخْبرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، بَعَثَ جَيْشًا , وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ قَالَ: فَبَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ قَالَ: §فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا سَارِيَةُ: الْجَبَلَ، يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ، قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ , فَسَأَلَهُ , فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا وَإِنَّ الصَّائِحَ لَيَصِيحُ، يَا سَارِيَةُ: الْجَبَلَ، يَا سَارِيَةُ: الْجَبَلَ، فَشَدَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ , فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: وَحَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَوْجُهٍ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ، وَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَكَأَنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ -[315]- مَلَكًا يُسَدِّدُهُ، وَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ الْقَوْلَ فَنَنْتَظِرُ مَتَى يَقَعُ قَالَ الشَّيْخُ: وَكَيْفَ لَا يَكُونُ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ , فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي جَوَازِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ) ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يُحَدَّثُ؟ قَالَ: تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ، وَذَلِكَ يُوَافِقُ مَا رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُزَيْزٍ الْأَيْلِيُّ , عَنْ سَلَامَةَ بْنِ رَوْحٍ , عَنْ عُقَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«كَمْ مِنْ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» وَإِنَّ الْبَرَاءَ لَقِيَ زَحْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ , فَقَالُوا لَهُ: يَا -[316]- بَرَاءُ، إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَقْسَمْتَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّكَ» , , فَأَقْسِمْ عَلَى رَبِّكَ، قَالَ: أُقْسِمُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ , فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ , ثُمَّ الْتَقَوْا عَلَى قَنْطَرَةِ السُّوسِ , فَأَوْجَعُوا فِي الْمُسْلِمِينَ , فَقَالُوا: أَقْسِمْ يَا بَرَاءُ عَلَى رَبِّكَ. قَالَ: أُقْسِمُ عَلَيْكَ يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ وَرَزَقْتَنِي الشَّهَادَةَ فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , أنا أُسَامَةَ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ , عَنْ سَفِينَةَ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَكِبْتُ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَانْكَسَرَتْ بِي , فَرَكِبْتُ لَوْحًا مِنْهَا فَأَخْرَجَنِي إِلَى أَجَمَةٍ فِيهَا أَسَدٌ إِذْ أَقْبَلَ الْأَسَدُ , فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: §يَا أَبَا الْحَارِثِ، أَنَا سَفِينَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي حَتَّى ضَرَبَنِي بِمَنْكِبِهِ , ثُمَّ مَشَى مَعِي حَتَّى أَقَامَنِي عَلَى الطَّرِيقِ , قَالَ: ثُمَّ هَمْهَمَ وَضَرَبَنِي بِذَنَبِهِ , فَرَأَيْتُ أَنَّهُ يُوَدِّعُنِي. قَالَ الشَّيْخُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَحْشِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ

باب القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ورضي عنهم قال الله تبارك وتعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في

§بَابُ الْقُولِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَرَضِيَ عَنْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءٌ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءٌ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ وَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ , وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ , ثُمَّ وَعَدَهُمُ الْمَغْفِرَةَ وَالْأَجْرَ الْعَظِيمَ فَقَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] وَأَخْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِرِضَاهُ عَنْهُمْ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ , فَقَالَ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بِمَا أَعَدَّ لَهُمْ , فَقَالَ: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100] وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ , فَقَالَ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ

وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران: 159] وَأَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَنْبِيهًا لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْحُكَّامِ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ فِي الْأَحْكَامِ , فَقَالَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] وَنَدَبَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَأَنْ لَا يَجْعَلَ فِي قُلُوبِهِمْ غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا , فَقَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَأَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ عَلَيْهِمْ وَشَبَّهَهُمْ بِالنُّجُومِ , وَنَبَّهَ بِذَلِكَ أُمَّتَهُ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي أُمُورِ دِينِهِمْ كَمَا يَهْتَدُونَ بِالنُّجُومِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فِي مَصَالِحِهِمْ , فَقَالَ مَا

أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، ثنا أَبُو حَامِدِ بْنِ الشَّرْقِيُّ , ثنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ زَاجٌ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ , عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى , عَنِ أَبِي بُرْدَةَ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي مُوسَى -[319]-، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَقُلْنَا: لَوِ انْتَظَرْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ. قَالَ: فَفَعَلْنَا , فَخَرَجَ إِلَيْنَا , فَقَالَ: «مَازِلْتُمْ هَاهُنَا» ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْنَا نُصَلِّي مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ: «أَصَبْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ» , ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ , فَقَالَ: §«النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ , فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى أَهْلَ السَّمَاءِ مَا يُوعَدُونَ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي , فَإِذَا ذَهَبْتُ أَنَا أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» . وَرُوِيَ عَنْهُ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ غَيْرِ قَوِيٍّ , وَفِي حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ أَصْحَابِي كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ؛ مَنْ أَخَذَ بِنَجْمٍ مِنْهَا اهْتَدَى» . وَالَّذِي رُوِّينَاهُ هَاهُنَا مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ يَنْصُرُونَ دِينَهُ وَيأَخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ , فَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُمَّةٍ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ» . ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ بِكَوْنِهِمْ خَيْرَ أُمَّتِهِ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: «خَيْرُ النَّاسِ -[320]- قَرْنِي» ، وَفِي بَعْضِهَا: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ» . وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «أَكْرِمُوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّهُمْ خِيَارُكُمْ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي» وَأَمَرَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَنَهَى عَنْ سَبِّهِمْ , وَأَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يُدْرِكُ مَحَلَّهُمْ وَلَا يَبْلُغُ دَرَجَتَهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمُوَيْهِ الْعَسْكَرِيُّ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ , ثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ , ثنا شُعْبَةُ , عَنِ الْأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ، وَلَا يَبْغُضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»

حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ , حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ , ثنا عُبَيْدَةُ بْنُ أَبِي رَائِطَةَ الْكُوفِيُّ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §«اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي , فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ , وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ , أنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ , ثنا عَفَّانُ , ثنا أَبُو عَوَانَةَ , ثنا الْحُصَيْنُ , عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ , عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَمَا يُدْرِيكَ §لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ , فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ " فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: §«لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» ، قَالَتْ: بَلَى , يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72]

ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا الْمَسْعُودِيُّ , عَنْ عَاصِمٍ , عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى §نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ النَّاسِ , فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَبَعَثَهَ بِرِسَالَتِهِ وَانْتَخَبَهُ بِعِلْمِهِ , ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدَهُ , فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابَهُ , فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ , فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ , أنا زِيَادُ بْنُ الْخَلَيْلِ التُّسْتَرِيُّ , ثنا كَثِيرُ بْنُ يَحْيَى أَبُو مَالِكٍ , ثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بَلْجٍ , -[323]- عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّهُ، فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ قَدْ §رَضِيَ عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَهَلْ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَخِطَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ؟

وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ , ثنا سُفْيَانُ , عَنْ جُوَيْبِرٍ , عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: §أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالِاسْتِغفَارِ لَهُمْ - يَعْنِي لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيُحْدِثُونَ مَا أَحْدَثُوا

حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهرِ بْنِ مَنِيعٍ , ثنا أَبُو أُسَامَةَ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ، قَالَ: سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ §مَقَامَ أَحَدِهِمْ سَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ

باب القول في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأزواجه قال الله عز وجل إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وابتداء الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتخييرهم فلما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لهن ما أعد الله لهن

§بَابُ الْقَوْلِ فِي أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَأَزْوَاجِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وَابْتِدَاءُ الْآيَةَ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخْيِيرِهِمْ فَلَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ كَانَ لَهُنَّ مَا أَعَدَّ اللَّهَ لَهُنَّ مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ ثُمَّ مَيَّزَهُنَّ عَنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي الْعَذَابِ وَالْأَجْرِ ثُمَّ أَبَانَهُنَّ مِنْهُنَّ فَقَالَ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] فَسَاقَ الْكَلَامَ إِلَى قَوْلِهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وَإِنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظِ الذُّكُورِ لِإِدْخَالِ غَيْرِهِنَّ مَعَهُنَّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَضَافَ الْبُيُوتَ إِلَيْهِنَّ بِقَوْلِهِ {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بِيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] وَجَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وَحَرَّمَ نِكَاحَهُنَّ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب

: 53] وَأَنْزَلَ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ مِمَّا رُمِيَتْ بِهِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالِإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ فَهِيَ تُتْلَى فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي صَلوَاتِهِمْ وَفِي مَحَارِيبِهِمْ وَتُكْتَبُ فِي مَصَاحِفِهِمْ وَأَلْوَاحِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَفيهَا بَيَانُ عِفَّتِهَا وَحَصَانَتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَكَبِيرُ إِثْمِ مِنْ رَمَاهَا وَعَظِيمُ عَذَابِهِ وَلَعْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَفَى لَهَا بِذَلِكَ شَرَفًا وَلِمَنْ وَقَعَ فِيهَا عَذَابًا مُعَدًّا وَلَعْنًا مُتَتَابِعًا عَاجِلًا وَآجِلًا

أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ , ثنا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ عَوْنٍ وَيَعْلَى، عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: قَامَ فِينَا ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يأَتِيَ رَسُولُ ربِّي فَأُجِيبُهُ §وَإِنِّي تَارِكٌ فَيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَاسْتَمْسِكوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَخُذُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلَ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: يَا زَيْدُ، مِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: بَلَى إِنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: آلُ عَلِيٍّ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ الْعَبَّاسِ وَآلُ عَقِيلٍ، فَقَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ يُحَرَّمُ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ بَيَّنَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَاسْمُ أَهْلِ الْبَيْتِ لِلنِّسَاءِ تَحْقِيقٌ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلْآلِ، وَاسْمُ الْآلِ لَكلِّ مَنْ يُحَرِّمُ الصَّدَقَةَ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمٍ وَأَولَادِ الْمُطَّلِبِ؛ -[326]- لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لَآلِ مُحَمَّدٍ، وَإِعْطَائِهِ الْخُمُسَ الَّذِي عَوَّضَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدْ يُسَمَّى أَزْوَاجُهُ آلًا بِمَعْنَى التَّشْبِيهُ بِالنَّسَبِ، فَأَرَادَ زَيْدٌ تَخْصِيصَ الْآلِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِالذِّكْرِ، وَلَفْظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِمْ عَامٌّ يَتَنَاولُ الْآلَ وَالْأَزْوَاجَ وَقَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَقَالَ مَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , ثنا حِبَّانُ بْنُ يَسَارٍ الْكِلَابِيُّ , حَدَّثَنِي أَبُو مُطَرِّفٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ , عَنِ الْمُجْمِرِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §مِنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمْ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ -[327]-. قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعَدِيِّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَفْرَدَهُنَّ بِالذِّكْرِ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا أَفْرَدَ الذُّرِّيَةَ عَلَى وَجِهِ التَّأْكِيدِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى التَّعْمِيمِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِيُدْخِلَ فِيهَا غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَةِ مِنْ آلِهِ الَّذِينَ يَقَعُ عَلَيْهِمُ اسْمُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ قَالِا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ , ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ , عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ , عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ §فِي بَيْتِي أُنْزِلَتْ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلِي، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ؟ قَالَ: بَلَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ ثِقَاتٌ رُوَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا يُؤَكِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دُخُولِ آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَعَلَيْنَا مَحَبَّةُ جَمِيعِهِمْ وَمُوَالَاتُهُمْ فِي الدِّينِ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ -[328]- يُوسُفَ الْفَقِيهُ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِميُّ , ثنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرِّيٍّ , ثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي

حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ , ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ , عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , عَنْ أَبِيهِ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا بِالُ رِجَالٍ يَقُولونَ: إِنَّ رَحِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفَعُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَلَى وَاللَّهِ إِنَّ §رَحِمِي مَوْصُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنِّي أَيُّهَا النَّاسُ فَرَطٌ لَكُمْ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ الشَّيْخُ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي فَضَائِلِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِ الْفضائِلِ مَا وَرَدَ فِيهِمْا وَفِيمَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» زَادَ أَحَدُهُمَا فِي رِوَايَتِهِ: «إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَرْيَمَ -[329]- بِنْتِ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ بِنْتِ مُزَاحِمٍ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَمرِيمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» وَقَالَ لَابنتِهِ فَاطِمَةَ: " أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَأَحِبِّي هَذِهِ - يَعْنِي عَائِشَةَ -. وَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِمَشْهَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِمَنْ نَالَ مِنْ عَائِشَةَ: اسْكُتْ مَقْبوحًا مَنْبُوحًا تُؤْذِي حَبِيبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ عَمَّارٌ: إِنَّهَا زَوجَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا -[330]- شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ فَضَائِلِهِمْ مَذْكورٌ فِي كِتَابِ الْفضَائِلِ بِأَسَانِيدِهَا، وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

باب تسمية العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه بالجنة

§بَابُ تَسْمِيَةِ الْعشَرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ بِالْجَنَّةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ , ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْمُثَنَّى , حَدَّثَنِي جَدِّي، رِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ وَعِنْدَهُ أَهْلُ الْكوفَةِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرْوِي عَنْهُ كَذِبًا يَسْأَلُنِي عَنْهُ إِذَا لَقِيتهُ أَنَّهُ قَالَ: §أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ، وَتَاسِعُ الْمُسْلِمِينَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لَسَمَّيْتُهُ " قَالَ: فَرَجَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يُنَاشِدُونَهُ، يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ التَّاسِعُ؟ قَالَ نَشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ وَاللَّهُ عَظِيمٌ، أنا تَاسِعُ الْمُؤْمِنِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَاشِرُ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ يَمِينًا وَاللَّهِ لَمَشْهَدٌ شَهِدَهُ رَجُلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ وَلَوْ عُمِّرَ عُمْرَ نُوحٍ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنَ الْمُقْرِئُ، ثنا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ , ثنا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ , حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ , عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَهُ فِي، نَفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §" عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَعَدَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ وَسَكَتَ عَنِ الْعَاشِرِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا الْأَعْوَرِ وَأَنْتَ الْعَاشِرُ، قَالَ نَشَدْتُمُونِي بِاللَّهِ، تَاللَّهِ أَبُو الْأَعْوَرِ فِي الْجَنَّةِ ". وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ شَهِدَ لِجَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ بِالْجَنَّةِ وَرُوِّينَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ قَوْلَهُ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَفِيمَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

باب تسمية الخلفاء الذين نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافتهم بعده وعلى مدة بقائهم

§بَابُ تَسْمِيَةِ الْخُلَفَاءِ الَّذِينَ نَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافَتِهِمْ بَعْدَهُ وَعَلَى مُدَّةِ بَقَائِهِمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دُرُسْتَوَيْهِ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى , ثنا حَشْرجُ بْنُ نُبَاتَةَ , حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ , عَنْ سَفِينَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَخِلَافَةُ عُمَرَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ فَنَظَرْنَا فَوَجَدْنَاهَا ثلَاثِينَ سَنَةً

تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ بِمِصْرَ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثنا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ، عَنْ سَفِينَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: §خِلَافَةُ النُّبُوَةِ ثلَاثونِ سَنَةً وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ , أنا أَبُو عَمْرِو بْنِ السَّمَّاكِ , ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ , وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى , عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ , (ح) ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ , ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: §اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَشَرَ لَيَالٍ، وَقُتِلَ عُمَرُ يَوْمَ الْأَرْبعَاءِ لِأَرْبعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذي الْحِجَّةِ تَمَامَ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشرِينَ فَكَانَتْ خلَافتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتَةَ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ ذي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثلَاثِينَ فَكَانَتْ خلَافتُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ فَكَانَتْ خِلَافَتُهُ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: إِلَّا شَهْرَيْنِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ , ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي §رَأَيْتُ كَأَنَّ دَلْوًا دُلِّيَ مِنَ السَّمَاءِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ شُرْبًا ضَعِيفًا ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا، فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَشَرِبَ حَتَّى تَضَلَّعَ ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِعَرَاقِيهَا فَانْتَشَطَتْ وَانْتَضَحَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ -[335]-. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ضُعْفُ شُرْبِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِصَرُ مُدَّتِهِ وَالِانتضاحُ مِنْهُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا أَصَابَهُ مِنَ الْمُنَازَعَةِ فِي وِلَايَتِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -، وَشَوَاهِدُ هَذَا الْبَابِ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ وَفِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَةِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أنا إِدْرِيسُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُؤَدِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ -[336]- يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ §يَقُولُ فِي الْخِلَافَةِ وَالتَّفْضِيلِ، نَبْدَأُ بأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا عَرُوبَةَ السُّلَمِيَّ يَقُولُ، سَمِعْتُ الْمَيْمونِيَّ يَقُولُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَقِيلَ: §إِلَى مَا تَذهبُ فِي الْخِلَافَةِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، فَقِيلَ لَهُ: كَأَنَّكَ تَذهبُ إِلَى حَدِيثِ سَفِينَةَ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ سَفِينَةَ وَإِلَى شَيْءٍ آخَرَ، رَأَيْتُ عَلِيًّا فِي زمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لَمْ يَتَسَمَّ بأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُقِمَ الْجُمُعَ وَالْحُدُودَ ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَعَلِمتُ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ

باب تنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلافة أبي بكر الصديق بعده، وبيان ما في الكتاب من الدلالة على صحة إمامته وإمامة من بعده من الخلفاء الراشدين

§بَابُ تَنْبِيهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بَعْدَهُ، وَبَيَانُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ مِنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ , ثنا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ , عَنْ زَائِدَةَ , عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ , عَنْ أَبِي بُرْدَةَ , عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: §مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ مَتَى يَقُومُ مَقَامَكَ لَا يَسْتطِيعُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ: فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ، قَالَ: فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , أنا -[338]- مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ، أَخْبرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتِي قَالَ: §مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا بي إِلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بأَوَّلِ مِنْ يَقُومُ فِي مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثلَاثًا فَقَالَ: «لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا أَبُو الْيَمَانِ , أنا شُعَيْبٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , أَخْبرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ، - وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ §كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفوفٌ فِي الصَّلَاةِ كَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَينَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقُ مُصْحفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحكُ قَالَ: فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ برؤيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ إِرْخَاءِ السِّتْرِ بَعْدَمَا نَظَرَ إِلَيْهِمْ وَأَظْهَروا الْفَرَحَ بِمكَانِهِمْ صُفوفًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوُلَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَنَّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَصَلَّاهَا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا سَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ أَتُمْ -[339]- رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى وَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ. هَكَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهُ وَكذَلِكَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَبِمَعْنَاهُ ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَيَشْهدُ لَهُ مَا

أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْمُؤَذِّنُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَنْبٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّويلِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: §آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ صَلَّى فِي ثوْبٍ وَاحِدٍ مُوشَّحًا بِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي آخَرِينَ قَالُوا، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ , ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبرَنِي يُونُسُ , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ سَعِيدًا، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَيْنَا، أنا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ اسْتحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ §فَلَمْ أَرَ عَبْقرِيًا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ. وَكذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: رُؤْيَا الْأَنبيَاءِ وَحْيٌ، وَقَوْلُهُ «وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ» قِصَرُ مُدَّتِهِ وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ وَشُغْلُهُ بِالْحرْبِ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّزَيُّدِ -[340]- الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ , أنا الرَّبِيعُ، قَالَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَذَكَرَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، فِي الْمُخَرَّجِ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أنا الشَّافِعِيُّ، أنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، (ح) . وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، ثنا جَدِّي، ثنا أَبُو ثَابِتٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ - كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ - قَالَ: §فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَائْتِ أَبَا بَكْرٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ الْمِيضَأَةِ عُمومَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدوا»

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانِ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكِ بْنُ مَخْلَدٍ وَقَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §اقْتَدُوا بِالَّلذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -[341]- وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ هِلَالٍ مَوْلَى رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَرِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ وَرُوِيَ عَنِ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَلَاهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ بِهِ فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهُ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَأَدْفِنَكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ غَيْرَةً: كَأَنِّي بِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ، قَالَ: وَأَنَا وَارَأْسَاهُ ادْعِي لِي أَبَاكَ وَأَخَاكَ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ §وَيأَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ جُلوسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي ابْتدَاءِ مَرَضِهِ وَقَوْلَهُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ» -[342]- وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُعَلَّى: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذِبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي " فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَدلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِيقُ فَنَبَّهُ أُمَّتَهُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ فَضِيلَتِهِ وَسَابِقتِهِ وَحُسْنِ أَثَرِهِ ثُمَّ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، ثُمَّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَبعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ عَلِمَ بإِعْلَامِ اللَّهِ إِيَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَجْتمعِونَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ خِلَافَتَهُ تنعَقِدُ بإِجمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعتِهِ، وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلَهُمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: 55] وَقَالَ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] فَلَّمَا وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ وَالتَّمْكِينِ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ خِلَافَتَهُمْ حَقٌّ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى إِمَامَةِ الصِّدَّيقِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَورَةِ بَرَاءَةَ لِلقَاعِدِينَ عَنْ نُصْرَةِ -[343]- نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَهُ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83] وَقَالَ فِي سَورَةٍ أُخْرَى {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدونَ أَنْ يُبَدِّلوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] يَعْنِي قَوْلَهُ {لَنْ تَخْرُجوا مَعِيَ أَبَدًا} [التوبة: 83] ثُمَّ قَالَ: {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15] وَقَالَ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلونَهُمْ أَوْ يُسْلِمونَ فَإِنْ تُطِيعُوا} [الفتح: 16] الدَّاعِيَ لَكُمْ إِلَى قِتَالِهِمْ {يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [الفتح: 16] يَعْنِي: تُعْرِضُوا عَنْ إِجَابَةِ الدَّاعِي لَكُمْ إِلَى قِتَالِهِمْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] وَهَلِ الدَّاعِي لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ لَهُ {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83] وَقَالَ فِي سَورَةِ الْفَتْحِ {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] فَمَنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ خُرُوجَهُمْ مَعَهُ تَبْدِيلًا لَكلَامِهِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ الَّذِي يَدْعُوهُمْ إِلَى الْقِتَالِ دَاعٍ يَدْعُوهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: 5] هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَكذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ فَارِسُ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَارِسُ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمْ بَنُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ الْيَمَامَةِ فَقَدْ قُتِلُوا فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِيقِ وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ وَبَنِي -[344]- حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ فَارِسَ فَقَدْ قُوتِلُوا أَيَّامَ عُمَرَ وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى قِتَالِ كِسْرَى وَأَهْلِ فَارِسَ، وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ فَإِنَّهُ أَرَادَ تَنْحِيَةَ أَهْلِ الرُّومِ عَنْ أَرْضِ الشَّامِ وَقَدْ قُوتِلُوا فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ تُمْ قِتَالُهُمْ وَتَنْحِيتُهُمْ عَنِ الشَّامِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ مَعَ قِتَالِ فَارِسَ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ إِمَامَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَفِي وُجُوبِ إِمَامَةِ أَحَدِهِمَا وَجُوبُ إِمَامَةِ الْآخَرِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغيرُهُ مِنْ عُلمَائِنَا فِي إِثْبَاتِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] فَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ارْتِدَادِ قَوْمٍ فَوَعَدَ رَسُولَهُ وَوَعْدُهُ صِدْقٌ أَنَّهُ يَأْتِي اللَّهُ بِقوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونهُ أَذَلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهدِونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَلَمَّا وُجِدَ مَا كَانَ فِي عِلْمِهِ فِي ارْتِدَادِ مِنَ ارْتَدَّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجِدَ تَصْدِيقُ وَعْدِهِ بِقِيَامِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بقِتَالَهُمْ فَجَاهَدَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ عَصَاهُ مِنَ الْأَعْرَابِ وَلَمْ يَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ حَتَّى ظَهَرَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ وَصَارَ تَصْدِيقُ وَعْدِهِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً لِلعَالَمِينَ وَدَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ، نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ , عَنْ عَوْفٍ , عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {مِنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ §يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَهْلَ الرِّدَّةِ مِنَ الْعَرَبِ -[345]- حَتَّى رَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكذَلِكَ قَالْهُ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ، وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَهْتُمْ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَامَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا إِلَى سُنَّتِهِ وَمَضَى عَلَى سَبِيلِهِ فَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ أَوْ مِنَ ارْتَدَّ مِنْهُمْ فَعَرضُوا أَنْ يُقيموا الصَّلَاةَ وَلَا يُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ إِلَّا مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِلًا فِي حَيَاتِهِ فَانْتَزَعَ السيُوفَ مِنْ أَغْمَادِهَا وَأَوْقَدَ النِّيرَانَ فِي شُعَلِهَا وَرَكِبَ بأَهْلِ حَقِّ اللَّهِ أَكْتَافَ أَهْلِ الْبَاطِلِ حَتَّى قَرَّرَهُمْ بِالَّذِي نَفَرُوا مِنْهُ وَأَدْخَلَهُمْ مِنَ الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمونِيُّ , ثنا الْفِرْيَابِيُّ , ثنا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ , عَنْ أَبِي الزِّنَادِ , عَنِ الْأَعْرَجِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ §لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتُخْلِفَ مَا عُبِدَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قِيلَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي سَبْعِ مِائَةٍ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي خَشَبٍ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، رُدَّ هَؤُلَاءِ، تُوَجِّهُ هَؤُلَاءِ إِلَى الرُّومِ وَقَدِ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ ‍‍‍ فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ جَرَتِ الْكلَابَ بأَرْجُلِ أَزوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَدَدْتُ جَيْشًا وَجَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَلَلْتُ لِوَاءً عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَّهُ أُسَامَةَ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَبِيلٍ يُرِيدونَ الِارْتِدَادَ إِلَّا قَالُوا: لَوْلَا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ قُوَّةً مَا خَرَجَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ وَلَكِنْ نَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا الرُّومَ فَلَقَوُا الرُّومَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ وَرَجَعُوا سَالْمِينَ فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ

باب اجتماع المسلمين على بيعة أبي بكر الصديق وانقيادهم لإمامته وهو أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي

§بَابُ اجْتمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَانْقيَادِهُمْ لِإِمَامَتِهِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمُقْرِئُ بْنُ الْحِمَامِيِّ بِبَغْدَادَ، نا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ قَالَ: قُرِئَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْهَيْثَمِ وَأَنَا أَسْمعُ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَخْبرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَيُقَطِعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ عَلَى رِسْلَكَ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: §مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ -[347]- اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتونَ} [الزمر: 30] وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الْآيَةُ كُلُّهَا، فَنَشَجَ النَّاسُ يبْكونَ، وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَأْتُ كَلَامًا أَعْجَبَنِي فَخَشِيتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَهُ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ وَأَبْلَغَ، وَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، قَالَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعلُ أَبَدًا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ - يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ هُمْ أَوْسطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعَزُّهُمْ أَحْسَابًا - فَبَايِعُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نبَايِعُكَ أَنْتَ خَيْرُنَا وَسيِّدُنَا وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قِصَّةِ السِّقِيفَةِ بِمَعْنَى مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ وَفيهُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقْدِمَ فَتُضْربَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ إِلَى إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ -[348]- أُؤَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَزَادَ أَيْضًا قَالَ عُمَرُ: فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ حَتَّى أَشْفَقْتُ الِاخْتِلَافَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ بِالتَّمَامِ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خَلِيٍّ , ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , أَخْبرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَتَشَهَّدَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً وَإِنهَا لَمْ تَكُنْ كَمَا قُلْتُ، وَإِنِي وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ الْمَقَالَةَ الَّتِي قُلْتُ لَكُمْ فِي كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا عَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ §رَجَوْتُ أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُدْبِرَنَا - يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ - فَقَالَ عُمَرُ: وَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ، بِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَصِموا بِهِ تَهْتَدوا لِمَا هَدَى اللَّهُ لَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَإِنَّهُ أَحَقُّ الْمُسْلِمِينَ بأَمْرِهِمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ وَقَدْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَكَانَتْ بَيْعَتُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ

أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيُّ الْكُوفِيُّ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ , عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ -[349]- عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ , عَنْ زِرٍّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَلستُمْ تعْلمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: §فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ قَالُوا: نعوذُ بِاللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ , أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حُمَيْرَوَيْهُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ , عنَ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ , عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ , عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ , عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي أَمْرِهِ أَبَا بَكْرٍ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ ثُمَّ فِي وَفَاتِهِ ثُمَّ فِي رُجوعِ النَّاسِ إِلَى أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثُمَّ دَفْنِهِ ثُمَّ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ ثُمَّ فِي أَمْرِهِ بَنِي عَمِّهِ بَغْسِلِهِ ثُمَّ خُرُوجِ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: §مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَخَذَ بيَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ لَهُ مِثْلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لِأَبِي بَكْرٍ قَالَ اللَّهُ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] مِنْ هُمَا؟ {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40] مِنْ صَاحِبُهُ {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] مَنْ كَانَ اللَّهُ مَعَهُمَا، ثُمَّ بَسَطَ يَدَ أَبِي بَكْرٍ وَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ بَيْعَةً حَسَنَةً جَمِيلَةً

وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ الْمُقْرِئُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالِا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ , ثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ , ثنا وُهَيْبٌ , ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ , ثنا أَبُو نَضْرَةَ , عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خُطبَاءُ الْأَنْصَارِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلَّا مِنْكُمْ قَرَنَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَّا -[350]-، فنَرَى أَنْ يَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْكُمْ وَالْآخَرُ مِنَّا، قَالَ: فَتَتَابَعَتْ خُطبَاءُ الْأَنْصَارِ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّ §الْإِمَامَ يَكُونُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: جزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ ثُمَّ قَالَ: أَمَا لَوْ فَعَلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمَا صَافَحْنَاكُمْ ثُمَّ أَخَذَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ ثُمَّ انْطَلَقوا فَلَمَّا قَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ عَلِيًّا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْا بِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنُهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعهُ ثُمَّ لَمْ يَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ فَسَأَلَ عَنْهُ حَتَّى جَاءُوا بِهِ قَالَ: ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَوَارِيُّهُ أَرَدْتَ أَنْ تَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا تَثْرِيبَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعهُ. وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّقَّا الْإِسْفَرَايِينِيُّ، نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالِا: حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا أَبُو هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ، ثنا وُهَيْبٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: صَدَقَ قَائِلُكُمْ أَمَا لَوْ قلتُمْ غَيْرَ هَذَا لَمْ نُتَابِعْكُمْ وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكُمْ فَبَايِعُوهُ وَبَايَعَهُ عُمَرُ وَبَايَعَهُ الْمهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ , ثنا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَيْهَقِيُّ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ , عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ , عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ -[351]- عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ: ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَخَطَبَ النَّاسَ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ - يَعْنِي إِلَى عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَمَنْ تَخَلَّفَ - وَقَالَ: §وَاللَّهِ مَا كُنْتُ حرِيصًا عَلَى الْإِمَارَةِ يَوْمًا وَليلَةً قَطُّ وَلَا كُنْتُ فِيهَا رَاغِبًا وَلَا سَأَلْتُهَا اللَّهَ فِي سِرٍّ وَلَا عَلَانِيَةٍ وَلَكِنِّي أَشْفَقْتُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَمَا لِي فِي الْإِمَارَةِ مِنْ رَاحَةٍ وَلَكِنْ قُلِّدْتُ أَمْرًا عَظِيمًا مَا لِي بِهِ طَاقَةٌ وَلَا يَدَانِ إِلَّا بِتَقْويَةِ اللَّهِ وَلوَدِدْتُ أَنَّ أَقْوَى النَّاسِ مَكَانِي عَلَيْهَا الْيَوْمَ فَقَبِلَ الْمهَاجِرُونَ مِنْهُ مَا قَالَ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ، وَقَالَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ: مَا غَضِبْنَا إِلَّا أَنَّا أُخِّرْنَا عَنِ الْمُشَاوَرَةِ وَإِنَّا نَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَصَاحِبُ الْغَارِ وَثَانِيَ اثْنَيْنِ وَإِنَّا لِنَعْرِفُ شَرَفَهُ وَكِبَرَهُ وَلقَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ بِالنَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ وَكذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَكذَلِكَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي الْمَغَازِي وَقَالَ فِي اعْتِذَارِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِمِّنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعتِهِ: أَمَا وَاللَّهِ مَا حَمَلْنَا عَلَى إِبْرَامِ ذَلِكَ دُونَ مِنْ غَابَ عَنْهُ إِلَّا مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ وَتَفَاقُمَ الْحِدْثَانِ وَإِنْ كُنْتُ لَهَا لَكَارهًا لَوْلَا ذَلِكَ مَا شَهِدَهَا أَحَدٌ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَشْهدَهَا منكَ إِلَّا مِنْ هُوَ بِمِثْلِ مَنْزِلتِكَ ثُمَّ أَشْرفَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَلَا بَيعَةَ لِي فِي عُنُقِهِ وَهُوَ بِالْخِيَارِ مِنْ أَمْرِهِ أَلَا وَأَنْتُمْ بِالْخِيَارِ جَمِيعًا فِي بيْعَتِكُمْ إِيَّايَ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ لَهَا غَيْرِي فَأَنَا أَوَّلُ مِنْ يُبَايِعُهُ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَلِيٌّ مِنْ قَوْلِهِ تَحَلَّلَ عَنْهُ مَا كَانَ قَدْ دَخَلَهُ فَقَالَ: لَا حِلَّ لَا نَرَى لَهَا غَيْرَكَ فَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعَهُ هُوَ وَالنَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَقَالَ جَمِيعُ النَّاسِ مِثْلَ ذَلِكَ فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَقْدَمَهُ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَهُ فَكَانُوا يُسمُّونَهُ -[352]- خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى هَلَكَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ , ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ السَّقِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَيْعَةَ الْعَامَّةِ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ السَّقِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ، وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ §ذَهَبَ فِيمَا خَيَّرَهُمْ فِيهِ مِنْ مُبَايَعَتِهِ مَذْهَبَ التَّوَاضُعِ وَلِيَسْتبرِئَ قُلُوبَهُمْ فِي استخْلَافِهِ حَتَّى إِذَا عَرَفَ مِنْهُمُ الصِّدْقَ سَكَنَ إِلَى اجْتمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَقَدْ صَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى مُبَايَعَتِهِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَا يَجُوزُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَانَ بَاطِنُ عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ فَكَانَ عَلِيٌّ أَكْبَرَ مَحَلًّا وَأَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ خِلَافَ مَا فِي ضَمِيرِهِ وَلَوْ جَازَ هَذَا فِي اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرِ لَمْ يَصِحَّ اجمَاعٌ قَطُّ، وَالِاجْمَاعُ أَحَدُ حُجَجِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ بِالتَّوَهُمْ، وَالَّذِي رَوَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَأَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَحَفِظَهُ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فَرَوَاهُ مُفَصَّلًا وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مُنْقَطِعًا مِنَ الْحَدِيثِ. وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الْموْصولِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ عَلِيًّا بَايَعهُ فِي بَيْعَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي جَرَتْ فِي السَّقِيفَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَهُ بيْعَةَ الْعَامَّةِ، كَمَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ شَجَرَ بَيْنَ فَاطِمَةَ وَأَبِي بَكْرٍ كَلَامٌ بِسبَبِ الْمِيرَاثِ إِذْ

لَمْ تَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ مَا سَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ فَكَانَتْ مَعْذُورَةً فِيمَا طَلَبَتْهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعْذورًا فِيمَا مَنَعَ فَتَخَلَّفَ عَلِيٌّ عَنْ حُضُورِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تُوُفِّيتْ ثُمَّ كَانَ مِنْهُ تَجْديدُ الْبَيْعَةِ وَالْقِيَامُ بوَاجِبَاتِهَا كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قُعُودُ عَلِيٍّ فِي بَيْتِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِإِمَارَتِهِ، فَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ بَايَعَهُ بَعْدُ وَعَظَّمَ حَقَّهُ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَا لَكَانَتْ بَيْعتُهُ آخَرَ خَطَأً وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا بَايَعَهُ ظَاهِرًا وَخَالَفَهُ بَاطِنًا فَقَدْ أَسَاءَ الثَّنَاءَ عَلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ فِيهِ أَقْبَحَ الْقَوْلِ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ فِي إِمَارَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: بَلَى قَالَ: أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَنَحْنُ نَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يَفْعلُ إِلَّا مَا هُوَ حَقٌّ وَلَا يَقُولُ إِلَّا مَا هُوَ صِدْقٌ وَقَدْ فَعَلَ فِي مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ وَمؤازَرَةِ عُمَرَ مَا يَلِيقُ بِفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَسَابِقَتِهِ وَحُسْنِ عَقِيدَتِهِ وَجَمِيلِ نِيَّتِهِ فِي أَدَاءِ النُّصْحِ لِلرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ وَقَالَ فِي فَضْلَهُمَا مَا نَقَلْنَاهُ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مِنْ قَالَ بِخِلَافِ مَا قَالَ وَفَعَلَ. وَقَدْ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى فَاطِمَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَتَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ عَنْهُ فَلَا طَائِلَ لِسَخَطِ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَدَّعِي مُوَالِاةَ أَهْلِ الْبَيْتِ ثُمَّ يَطْعَنُ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهَجِّنُ مِنْ يُوَالِيهِ وَيَرْمِيهُ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ وَاخْتِلَافِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتوفيقُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , ثنا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَتَكِيُّ، بِنَيْسَابُورَ، أنا أَبُو حَمْزَةَ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ , عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: §لَمَّا مرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ -[354]-، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأَذِنُ عَلَيْكَ، فَقَالَتْ: أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعشيرَةَ إِلَّا ابْتغَاءَ مرْضاةِ اللَّهِ وَمرضاةِ رَسُولِهِ وَمرضاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيتْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , ثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ , ثنا ابْنُ دَاوُدَ , عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَمَّا أَنَا §فَلَوْ كُنْتُ مكَانَ أَبِي بَكْرٍ لِحَكَمْتُ بِمِثْلِ مَا حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فِي فَدَكَ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُوَالِاةِ فَلَيْسَ فِيهِ - إِنْ صَحَّ إِسنَادُهُ - نَصٌّ عَلَى وَلَايَةِ عَلِيٍّ بَعْدَهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ طُرُقِهِ فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ مَا دَلَّ عَلَى مَقْصودِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيمَنِ كَثُرَتِ الشَّكَاةُ عَنْهُ وَأَظْهَرُوا بُغْضَهُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَذْكُرَ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَمَحبَّتَهُ إِيَّاهُ وَيَحُثُّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَمُوَالِاتِهِ وَتَرْكِ مُعَادَاتِهِ فَقَالَ: «مِنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيَّهُ» وَفِي بَعْضِ الرُّوَايَاتِ: مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمْ وَالِ مِنْ وَالِاهُ وَعَادِ مِنْ عَادَاهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْإِسْلَامِ وَمَودَّتُهُ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يوَالِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُعَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ «أَنَّهُ لَا يُحِبُّنِي إِلَا -[355]- مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُنِي إِلَّا مُنَافِقٌ» . وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ شَكَا عَلِيًّا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَبْغِضُ عَلِيًّا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: لَا تُبْغِضْهُ وَأَحْبِبْهُ وَازْدَدْ لَهُ حُبًّا، قَالَ بُرَيْدَةُ: فَمَا كَانَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ أَليَّ مِنْ عَلِيٍّ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَجَّاجِيُّ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ يُوسُفَ الشِّكْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: §مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَاءَ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ وَأَمَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِعَلِيٍّ: أَصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، يَقُولُ: وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ , أنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ , أنا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ، وَسَأَلَهُ، رَجُلٌ، أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» ، قَالَ لِي: بَلَى وَاللَّهِ لَوْ يَعْنِي بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِمَارَةَ وَالسُّلْطَانَ لَأَفْصَحَ لَهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا وَلِيُّ أَمْرِكِمْ وَالْقَائِمُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ اختَارَ عَلِيًّا لِهَذَا الْأَمْرِ وَجَعَلَهُ الْقَائمَ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ تَرَكَ عَلِيٌّ مَا أَمَرَ اللَّهُ -[356]- وَرَسُولُهُ لَكانَ عَلِيٌّ أَوَّلَ مِنْ تَرَكَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» وَرَوَاهُ شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْحَسَنِ أَخَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَتَولَّاهُمْ، فَذَكَرَ قِصَّةً ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولونَ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اختَارَ عَلِيًّا لِهَذَا الْأَمْرِ وَللقيَامِ بِهِ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عيهُ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ لِأَعْظَمَ النَّاسِ خَطِيَّةً وَجُرْمًا فِي ذَلِكَ؛ إِذْ تَرَكَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَهُ أَوْ يَعْذِرُ فِيهِ إِلَى النَّاسِ قَالَ: فَقَالَ الرَّافِضِيُّ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: مِنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِمْرَةَ وَالسُّلْطَانَ وَالْقِيَامَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ لِأَفْصَحَ لَهُمْ بِذَلِكَ كَمَا أَفْصَحَ لَهُمْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَلقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا وَلِيُّ أَمْرِكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَمَا كَانَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا شَيْءٌ فَإِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , ثنا شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ , أنا الْفُضَيْلُ بْنُ مرْزُوقٍ، فَذَكَرَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ عَلِيًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بمنْزلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مَعِي» ، فَإِنَّهُ لَا يَعْنِي بِهِ استخلَافَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ استخلَافَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الطُّورِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ -[357]- بهُ الْخِلَافَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى، ثُمَّ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَعَنْ جَمِيعِ مَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ مَا رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ تَنْزِيهِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ كِتْمَانِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكذَلِكَ قَالْهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَإِنَّا رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَقْهورًا وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأُمُورٍ لَمْ يُنَفِّذْهَا فَكَفَى ازْدِرَاءً عَلَى عَلِيٍّ وَمَنْقَصَةً بِأَنْ يَزْعُمَ قَوْمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بأَمْرٍ فَلَمْ يُنَفِّذْهُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , أنا شَبَابَةُ , أنا حَفْصُ بْنُ قَيْسٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، فَذَكَرَهُ، وَقَدِ اعْتَرَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي أَحَاديثَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ كِتَابِ (دَلَائِلِ النُّبُوَةِ) وَفِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا

مِنْهَا مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَرْزُوقٍ، ثنا شَبَابَةُ بْنُ سِوَارٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، ثنا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا، فَقَالَ: §مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفَ، وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خُيْرًا جَمَعَهُمْ عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْرِهِمْ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ , أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ بِهَا، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ , عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَمْ يَعْهَدْ إِلَينَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ -[358]- أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينَ بِجِرَانِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا فَكَانَتْ أُمُورٌ يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ

وَرَوَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا خَطَبَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَمْ يَعْهَدْ إِلَينَا عَهْدًا فِي الْإِمَارَةِ نَأْخُذُ بِهِ وَلَكِنَّهُ رَأْيٌ رَأَيْنَاهُ اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَأَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينَ بِجِرَانِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا سُفْيَانُ فَذَكَرَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو حَامِدِ بْنِ بِلَالٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِي , ثنا الْمُحَارِبِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ , عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ , عَنِ الْحَكَمِ بْنِ جَحْلٍ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: أَلَا §لَا يُفَضِّلْنِي أَحَدٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا أُوتَى بِأَحَدٍ فَضَّلَنِي عَلَيْهِمَا إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، فِي التَّارِيخِ، ثنا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ , عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَا لِي: يَا سَالِمُ §تَوَلَّاهُمَا وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا فَإِنهمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدًى، قَالَ سَالِمُ: وَقَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَا سَالِمُ أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّهُ؟ أَبُو بَكْرٍ جَدٍّي لَا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلَّاهمَا وَأَبْرأُ مِنْ عَدُوِّهِمَا قَالَ أَبُو عِيسَى: وَكَانَتْ أُمُّ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ، أَخْبرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ وَلَدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ

باب استخلاف أبي بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي رضي الله عنه

§بَابُ اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَيْهَقِيُّ قِرَاءَةً بِمدينَةِ تَبْرِيزَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، أنا الشَّيْخُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ §أَفْرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةُ الْمَلِكُ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ، وَالْقَوْمُ فِيهِ زَاهِدُونَ، وَابْنَةُ شُعَيْبٌ فِي مُوسَى فَقَالَتْ لِأَبيهَا: {يَا أَبَتِ اسْتأَجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مِنَ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمينُ} [القصص: 26] وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ تَفَرَّسَ فِي عُمَرَ فَاسْتَخْلَفهُ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ -[360]- سُفْيَانَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْكَعْبِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثنا سُفْيَانُ فَذَكَرَهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو صَادقٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ قَالُوا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبُرُلِّسِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ , عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ خَطَبَ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ كَنْتُمْ §تَصِفُونَ مِنِّي شِدَّةً وَغِلْظَةً وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْتُ عَبْدَهُ وَخَادِمَهُ وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تبَارَكَ وَتَعَالَى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَكُنْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ إِلَّا أَنْ يَغْمِدَنِي أَوْ يَنْهَانِي عَنْ أَمْرٍ فَأَكُفَّ وَإِلَّا أَقَمْتُ عَلَى النَّاسِ لِمَكَانِ لِينِهِ فَلَمْ أَزَلْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَهُوَ عنِّي رَاضٍ، فَالْحمدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَنَا بِهِ أَسْعَدُ، ثُمَّ قُمْتُ ذَلِكَ الْمَقَامِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ، وَكَانَ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فِي كَرَمِهِ وَدَعَتِهِ وَلِينِهِ فَكُنْتُ خَادَمَهُ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخْلِطُ شِدَّتِي بلِينِهِ إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَيَّ فَأَكُفَّ وَإِلَّا خَدَمْتُ فَلَمْ أَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَهُوَ عنِي رَاضٍ، فَالْحمدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَنَا بِهِ أَسْعَدُ ثُمَّ صَارَ أَمْرُكُمْ إِلَيَّ الْيَوْمِ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُولُ قَائِلٌ: كَانَ يَشْددُ عَلَيْنَا وَالْأَمْرُ إِلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ بِهِ إِذَا صَارَ إِلَيْهِ؟ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتمونِي وَقَدْ عَرَفْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَرَفْتُ وَمَا أَصْبَحْتُ نَادِمًا عَلَى شَيْءٍ يَكُونُ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِدَّتِي الَّتِي كَنْتُمْ تَرَوْنَ مِنِّي قَدْ زَادَتْ أَضعَافًا - إِذْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيَّ - عَلَى الظَّالْمِ وَالْمُعتدِي وَالْأَخْذِ لِلْمُسْلِمِينَ لِضعيفِهِمْ مِنْ قَوِّيِهِمْ، وَإِنِي بَعْدَ شِدَّتِي تِلْكَ وَاضِعٌ -[361]- خَدِيَّ بِالْأَرْضِ بأَهْلِ الْكَفَافِ وَالْكَفِّ مِنْكُمْ وَالتَّسْليمِ، وَإِنِي لَا أُبَالِي كَانَ بيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ فِي أَحْسَابِكُمْ أَنْ أَمْشِيَ مَعَهُ إِلَى مِنْ أَحْبَبْتُمْ مِنْكُمْ فَيَنْظُرَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَأَعِينُونِي عَلَى أَنفُسِكُمْ بِكَفِّهَا عنِّي، وَأَعِينُونِي عَلَى نَفْسِي بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِحْضَارِ النَّصِيحَةِ فِيمَا وَلَّانِي اللَّهُ، ثُمَّ نَزَلَ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: فَوَاللَّهِ، لَقَدْ وَفَى بِمَا قَالَ، وَزَادَ فِي مَوْضِعٍ: الشدَّةَ عَلَى أَهْلِ الرِّيبَةِ وَالظَّلَمَةِ، وَالرِّفْقِ بأَهْلِ الْحَقِّ مَنْ كَانُوا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، ثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافُسِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ كَثِيرٍ بَيَّاعِ السَّابِرِي، عَنْ قَيْسٍ الخَارَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ: سَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَثَلَّثَ عُمَرُ ثُمَّ أَصَابَتْنَا فِتْنَةٌ فَهُوَ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ خَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ فِيهِ: يَعْفُو اللَّهُ عَمَّنْ يَشَاءُ

أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ , أنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ جَابِرٍ , ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى , ثنا شِهَابٌ يَعْنِي ابْنَ خِرَاشٍ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ , عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ , عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ضَرَبَ عَلْقَمَةُ هَذَا الْمِنْبَرِ وَقَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذكُرَهُ ثُمَّ قَالَ: §بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا يُفَضِّلونَنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ كُنْتُ تقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ لَعَاقَبْتُ فِيهِ وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْعُقُوبَةَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ، وَمَنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُفْترٍ، عَلَيْهِ مَا عَلَى -[362]- الْمُفْتَرِي، إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَحْدَثْنَا بَعْدَهُمَا أَحْدَاثًا يَفْعلُ اللَّهُ فِيهَا، أَظُنُّهُ قَالَ: مَا أَحَبَّ. وَلِهَذَا شَوَاهِدُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوٍ، ثنا أَبُو الْمُوَجِّهِ , أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ , عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: لَمَّا وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعونَ وَيُصلُّونَ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ أَخَذَ بِمَنْكِبِي فَالْتفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ §مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ منكَ وَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكِ إِنْ كَنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، وَرَوَاهُ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَلِيٍّ مُخْتَصَرًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الدَّامَغَانِيُّ، ثنا أَبُو مُصَعَبٍ الزُّهْرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيًّا أَفْقَهَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ وَهُوَ يَسْأَلُ: §كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْزِلتُهُمَا مِنْهُ السَّاعَةَ وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ فِي الْجَوَابِ: كَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ السَّاعَةَ، هُمَا ضَجِيعَاهُ

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ الْعَدْلُ , ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ , أنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ , عَنْ عَامِرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَسْلَمْتَ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ وَجَاهَدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ §وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خلَافتِكَ اثنَانِ، وَقُتِلْتَ شَهِيدًا، فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هوْلِ الْمَطْلَعِ، زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَوُلِّيتَ فَعَدَلْتَ. وَقَالَ فِيهِ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ مَصَّرَ بِكَ أَمْصَارَ وَدَفَعَ بِكَ النِّفَاقَ وَأَفْشَى بِكَ الرِّزْقَ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مَرَّةً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرَّةً عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ: لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، وَصَحِبْتَ الْمُسْلِمِينَ فَأَحْسَنْتَ صُحبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ

باب استخلاف عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو أبو عبد الله وقيل: أبو عمرو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي

§بَابُ اسْتِخْلَافِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ: أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبرَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ التَّاجِرُ , ثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ , ثنا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحَمْرَانِيُّ , عَنِ الْحُسْنِ، عنِ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا §رَأَيْتُ كَأَنَّ مِيزَانًا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَوُزِنْتَ أَنْتَ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحْتَ أَنْتَ بأَبِي بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ أَبُو بَكْرٍ، وَوُزِنَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَحَ عُمَرُ ثُمَّ رُفِعَ الْميزَانُ فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: أَيُّكُمْ رَأَى رُؤْيَا، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولُ -[365]- اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي سَاءَهُ ذَلِكَ - فَقَالَ: خِلَافَةُ نُبُوَّةِ ثُمَّ يُؤتي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ

وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمَ , ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَرْدِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ , حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَى اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ §أَبَا بَكْرٍ نِيطَ برَسُولِ اللَّهِ وَنِيطَ عُمَرُ بأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بعُمَرَ، قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمنَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: الرَّجُلُ الصَّالِحُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نَوْطِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَهُمْ وُلَاةِ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالِا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدوسٍ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ , ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , ثنا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ حُصَيْنٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مَقْتَلِهِ قَالَ: فَقَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: §مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوِ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، قَالَ: يُشْهِدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ - كَالتَّعْزِيَةِ لَهُ - فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِي لَمْ أَعْزِلْهُ مِنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَقَالَ أَوْصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي فَذَكَرَ وَصِيِّتِهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ بِالْأَنْصَارِ ثُمَّ بأَهْلِ الْأَمْصَارِ ثُمَّ بِالْأَعرَابِ ثُمَّ بأَهْلِ الذِّمَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ دَفْنَهُ ثُمَّ قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دَفْنِهِ وَرَجَعُوَا -[366]- اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، قَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ. وَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ وَلَيَحْرِصَنَّ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ قَالَ: فَأَسْكَتَ الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهِ عَلَى أَنْ لَا آلُو عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ فَقَالَا: نَعَمْ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، فَقَالَ: لَكَ مِنْ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِدَمِ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتُ، وَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَنَا أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لِتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ، وَرَوَاهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَقَالَ: فَلَمَّا اجْتمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِيُّ إِنِي قَدْ نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلونَ بعُثْمَانَ فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا قَالَ: وَأَخَذَ بِيَدِ عُثْمَانَ وَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ وَهَذَا بَعْدَ أَنْ شَاوَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَخْلُو بِهِ رَجُلٌ ذُو رَأْيٍ فَيَعْدِلُ بعُثْمَانَ

حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ , ثنا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ , ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا فِي زمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §لَا نَعْدِلُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا بأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ , أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ , أنا سُفْيَانُ , ثنا جَامعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ , ثنا أَبُو يَعْلَى , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي - يَعْنِي عَلِيًّا - §أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مِنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، قَالَ: ثُمَّ خَشِيتُ أَنْ أَقُولَ ثُمَّ مَنْ؟ فَيَقُولَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ يَا أَبِي؟ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي , ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ أَبِي عُثْمَانَ , عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: §ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ يَسْتَأَذِنُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا عُمَرُ، ثُمَّ اسْتأَذَنَ رَجُلٌ آخَرُ فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ بَلْوًى سَتُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ. قَالَ حَمَّادٌ: فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ وَعَاصِمٌ الْأَحْولٌ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوًا مِنْ هَذَا غَيْرَ أَنَّ عَاصِمًا زَادَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مكَانٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْ كَشَفَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَلَمَّا أَقْبَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهُمَا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ -[368]-، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ , ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ , عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ , عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ أَبِي سَهْلَةَ، مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ادْعُ لِي أَوْ لَيْتَ عندي رَجُلًا مِنْ أَصْحَابي، قَالَتْ: قُلْتُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: عُمَرُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَعُثْمَانُ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَجَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: قُومِي، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ فَلِمَا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ. وَرُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ وَمُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِتْنَةٍ ذَكَرَهَا وَأَشَارَ إِلَى عُثْمَانَ بِأَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا عَلَى الْحَقِّ أَوْ قَالَ عَلَى الْهُدَى، وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ: عَلَيْكُمْ بِالْأَمِيرِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَشَارَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَضَائِلِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَتِهِ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ , ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ , أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ يَحْتَجُّ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، قَالَ: وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ وَاحِدًا §فَاسْتَخْلفُوا أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ ثُمَّ عُمَرُ أَهْلَ الشُّورَى لِيخْتَاروا وَاحِدًا فَاخْتَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[369]- أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَنْجَوَيْهِ الدِّينَوَرِيُّ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِيَادٍ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ

وَكذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ عَنِ الرَّبِيعِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: §أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ

وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: §مَا اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَنِ اخْتَلَفَ مِنْهُمْ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَنَحْنُ لَا نُخَطِّئُ وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا فَعَلُوا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَهَا فِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ، وَرُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَتبَاعِهِمْ نَحْوَ هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ

باب استخلاف أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه

§بَابُ اسْتِخْلَافِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ , ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ , ثنا أَبُو دَاوُدَ , ثنا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ , عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: §خِلَافَةُ النُّبُوَةِ ثلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، ثُمَّ ذَكَرَ سَفِينَةُ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَقَالَ سَعِيدٌ: قُلْتُ لِسفينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً، قَالَ: كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ , ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ , ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ , ثنا جَدِّي , عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بَرَزَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِلنَّاسِ §وَدَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعَهُ النَّاسُ وَلَمْ يَعْدِلوا بِهِ طَلْحَةَ وَلَا غَيْرَهُ وَهَذَا لِأَنَّ سَائِرَ مِنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الشُّورَى كَانُوا قَدْ تَرَكُوا حُقوقَهُمْ عِنْدَ بَيْعَةِ عُثْمَانَ كَمَا مَضَى ذِكْرُهُ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَتْرُكَ حَقَّهُ إِلَّا عَلِيٌّ وَكَانَ قَدْ وَفَّى بِعَهْدِ عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ، ثُمَّ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِهَا مَعَ كَوْنِهِ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا حَتَّى جَرَتْ لَهُ -[371]- بَيْعَةٌ وَبَايَعَهُ مع سَائِرُ النَّاسِ مِنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الشُّورَى

ثنا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ , أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدِينِيُّ , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، فِي مُسنَدِهِ، ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ , ثنا سَالِمٌ الْمُرَادِيُّ أَبُو الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْبَصْرَةَ فِي إِثْرِ طَلْحَةَ وَأَصحَابِهِ قَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّا، وَابْنُ عَبَّادٍ فَقَالَا لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِكَ هَذَا أَوَصِيَّةٌ أَوْصَاكَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ أَمْ رَأْيٌ رَأَيْتُهُ حِينَ تَفَرَّقَتِ الْأُمَّةُ وَاخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهَا؟ فَقَالَ: مَا أَكونُ أَوَّلَ كَاذِبٍ عَلَيْهِ وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتَ فَجْأَةٍ وَلَا قُتِلَ قَتْلًا وَلقَدْ مَكَثَ فِي مَرَضِهِ كُلَّ ذَلِكَ يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فُيُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ فَيَقُولُ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَلقَدْ §تَرَكَنِي وَهُوَ يَرَى مَكَانِي، وَلَوْ عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا لَقُمْتُ بِهِ حَتَّى عَرَّضَتْ فِي ذَلِكَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذْ قَامَ مَقَامَكَ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ لَهَا: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَمْرِهِمْ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ أَمْرَ دِينِهِمْ فَوَلُّوهُ أَمْرَ دُنيَاهِمْ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَبَايَعَتْهُ مَعَهُمْ فَكُنْتُ أَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي وَآخُذُ إِذَا أَعْطَانِي وَكُنْتُ سَوْطًا بَيْنَ يَدَيْهِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فَلَوْ كَانَتْ مُحَابَاةً عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِهِ لِجَعَلَهَا لِوَلَدِهِ فَأَشَارَ بعُمَرَ وَلَمْ يَأْلُ فَبَايَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَبَايَعْتُهُ مَعَهُمْ فَكُنْتُ أَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي وَآخُذُ إِذَا أَعْطَانِي وَكُنْتُ سَوْطًا بَيْنَ يَدَيْهُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَلَوْ كَانَتْ مُحَابَاةً عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِهِ لِجَعَلَهَا لِوَلَدِهِ وَكَرِهَ أَنْ يَنْتَخِبَ مِنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَجُلًا فَيُوَلَّيِهِ أَمْرَ الْأُمَّةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إِسَاءَةٌ لِمَنْ بَعْدَهُ إِلَّا لَحِقَتْ عُمَرَ فِي قَبْرِهِ فَاخْتَارَ مِنَّا سِتَّةً أَنَا فِيهِمْ لِنَخْتَارَ لِلْأُمَّةِ رَجُلًا مِنَّا فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا وَثَبَ -[372]- عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَوَهَبَ لَنَا نَصِيبَهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ نُعْطِيَهُ مَوَاثِيقَنَا عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الْخَمْسَةِ رَجُلًا فُيُوَلِّيهِ أَمْرَ الْأُمَّةِ فَأَعْطَيْنَاهُ مَوَاثِيقَنَا فَأَخَذَ بِيَدِ عُثْمَانَ فَبَايَعَهُ وَلقَدْ عَرَضَ فِي نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا عَهْدِي قَدْ سَبَقَ بَيْعَتِي فَبَايَعْتُ وَسَلَّمْتُ، فَكُنْتُ أَغْزُو إِذَا أَغْزَانِي وَآخُذُ إِذَا أَعْطَانِي فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ نَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا الرِّبْقَةُ الَّتِي كَانَتْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي عُنُقِي قَدِ انْحَلَّتْ وَإِذَا الْعَهْدُ لِعُثْمَانَ قَدْ وَفَيْتُ بِهِ، وَإِذَا أَنَا برَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لِأَحَدٍ عندي دَعْوَى وَلَا طَلَبٌ فَوَثَبَ فِيهَا مِنْ لَيْسَ مِثْلي - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - لَا قَرَابَتُهُ كَقَرَابَتِي وَلَا عِلْمُهُ كَعِلْمِي وَلَا سَابِقَتُهُ كَسَابِقَتِي، وَكُنْتُ أَحَقَّ بِهَا مِنْهُ، قَالِا: صَدَقْتَ، فَأَخْبِرْنَا، عَنْ قِتَالَكَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ - يَعْنِيَانِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ - صَاحِبَاكَ فِي الْهِجْرَةِ وَصَاحبَاكَ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَصَاحبَاكَ فِي الْمَشُورَةِ، قَالَ: بَايَعَانِي بِالْمَدِينَةِ وَخَالَفَانِي بِالْبَصْرَةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ خَلَعَهُ لَقَاتَلْنَاهُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ بَايَعَ عُمَرَ خَلَعَهُ لَقَاتَلْنَاهُ. سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصُّعْلُوكِيَّ وَهُوَ يَذْكُرُ مَا يَجْمَعُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ فَضَائِلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنَاقِبِهِ وَمَزَايَاهُ وَمَحَاسِنِهِ وَدلَالِاتِ صِدْقِهِ وَقوَّةِ دِينِهِ وَصِحَّةِ بَيْعَتِهِ، قَالَ: وَمِنْ كِبَارِهَا أَنَّهُ لَمْ يَدَعْ ذِكْرَ مَا عَرَضَ لَهُ فِيمَا أَجْرَى إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ يسيرًا حَتَّى قَالَ: وَلقَدْ عَرَضَ فِي نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ مَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لَهُ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ شَيْءٌ، وَاخْتَلَفَ لَهُ فِيهِ سِرٌّ وَعَلَنٌ لَبَيَّنَهُ بِصَرِيحٍ أَوْ نَبَّهُ عَلَيْهِ بِتَعْرِيضٍ كَمَا فَعَلَ فِيمَا عَرَضَ لَهُ عِنْدَ فِعْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا فَعَلَ قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَ السَّبَبُ فِي قِتَالِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ عَلِيًّا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ صَوَّرَ لَهُمَا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ رَاضِيًا بِقَتْلِ عُثْمَانَ فَذَهَبَا إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَمَلَاهَا عَلَى الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ -[373]- بِتَخْليَةِ عَلِيٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ فَجَرَى الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْفرِيقَيْنِ حَتَّى اقْتَتَلوا ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَتَابَ أَكْثَرُهُمْ فَكَانَتْ عَائِشَةُ تقَوْلُ: وَدَدْتُ أَنِّي كُنْتُ ثَكَلْتُ عَشَرَةً مِثْلَ وَلَدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَنِّي لَمْ أَسْرِ مَسِيرِي الَّذِي سِرْتُ، وَرُوِيَ أَنَّهَا مَا ذَكَرَتْ مَسِيرَهَا قَطُّ إِلَّا بَكَتْ حَتَّى تَبِلَّ خِمَارَهَا وَتقَوْلُ: يَا لِيتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ إِلَى طَلْحَةَ يَوْمَ الْجَمَلِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ، هَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمْ وَالِ مَنْ وَالِاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تُقَاتِلُنِي؟ قَالَ لَمْ أَذْكُرْ، قَالَ: فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ، ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ حِينَ رُمِيَ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ ثُمَّ قَضَى نَحْبَهُ فَأُخْبِرَ عَلِيٌّ بِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَبَى اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا وَبَيْعَتِي فِي عُنُقِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ رُجوعُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا رَجَعَ جُبْنًا وَلَكِنَّهُ رَجَعَ تَائِبًا وَحِينَ جَاءَ ابْنُ جَرْمُوزٍ قَاتِلُ الزُّبَيْرِ قَالَ: لِيَدْخُلْ قَاتِلُ ابْنِ صَفِيَّةَ النَّارَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَكلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ , أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ , عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي §لَأَرْجُو أَنْ أَكونَ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا -[374]- عَلَى سُرِرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47] وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَرِيئًا مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا أَمَرْتُ وَلَا رَضِيتُ وَلَا شَارَكْتُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، وَلَكِنْ غُلِبْتُ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرِرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، أنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي , ثنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّهُمْ يَقُولُ: §عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ. وَأَمَّا خُرُوجُ مَنْ خَرَجَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ فِي طَلَبِ دَمِ عُثْمَانَ ثُمَّ مُنَازَعَتُهُ إِيَّاهُ فِي الْإِمَارَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُصِيبٍ فِيمَا فَعَلَ، وَاسْتَدْلَلْنَا بِبَرَاءَةِ عَلِيٍّ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ بِمَا جَرَى لَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ ثُمَّ بِمَا كَانَ لَهُ مِنَ السَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْفَضَائِلِ الْكَثِيرَةِ وَالْمنَاقِبِ الْجَمَّةِ الَّتِي هِيَ مَعْلُومَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إِنَّ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ وَنَازَعَهُ كَانَ بَاغِيًا عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِأَنَّ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ تَقْتُلُهُ فَقَتَلَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَرْبِ صِفِّينَ

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْعِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ , ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ , ثنا شُعْبَةُ , عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ , عَنْ أُمِّهِ , عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارٍ: §تَقْتُلكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ

قَالَ الْأَصَمُّ: وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[375]- قَالَ لِعَمَّارٍ: §تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي وَأَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيَّ وَأَبَا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارِميَّ يَقُولونَ: سَمِعْنَا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَقُولُ وَهُوَ - ابْنُ خُزَيْمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ: §خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَاهُمْ بِالْخِلَافَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ الْفَارُوقُ ثُمَّ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهُ وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ نَازَعَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي إِمَارَتِهِ فَهُوَ بَاغٍ، عَلَى هَذَا عَهِدْتُ مشَايِخَنَا وَبهُ قَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ يَعْنِي الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الشَّيْخُ: ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ بِبَغْيِهِ، عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ وَدَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَيَعْنِي بِقِيَامِ السَّاعَةِ انْقِرَاضَ ذَلِكَ الْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَاتَلَهُمْ قِتَالَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فَكَانَ أَصْحَابُهُ لَا يُجِيزُونَ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يَقْتُلونَ مُوَلِّيًا وَلَا يَسْلُبونَ قَتِيلًا

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ كَثِيرَ بْنَ هِشَامٍ حَدَّثَهُمْ، ثنا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، ثنا مَيْمُونُ بْنُ -[376]- مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: §شَهِدْتُ صِفِّينَ فَكَانُوا لَا يُجْهِزونَ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يَقْتُلُونَ مُوَلِّيًا وَلَا يَسْلُبونَ قَتِيلًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِفُرْقَةٍ تَكُونُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ أُمَّتِهِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَقْتُلهَا أُولَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمَنْ نَازَعَهُ وَقَدْ جَعَلَهُمَا جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ هَذِهِ الْمَارِقَةُ وَهِيَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ أُولَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمَارِقَةَ الْخَارِجَةَ وَأَخْبَرَ بِالْمُخْدجِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِمْ فَوَجَدوا بِالصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَ وَوُجِدَ الْمُخَدَّجُ بِالنَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ إِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَوجُودُ تَصْدِيقهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَةِ وَمِمَّا يُؤْثَرُ فِي فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَوْنِهِ مُحِقًّا فِي قِتَالَهُمْ مُصِيبًا فِي قَتْلِ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَحِينَ وُجِدَ الْمُخَدَّجُ سَجَدَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا وُفِّقَ لَهُ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي الْفَضَائِلِ وَهَذَا الْكِتَابُ لَا يَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا

وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا إِسْرَائِيلُ -[377]- أَبُو مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ مَعَهُ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: إِنَّ §ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ سُفْيَانُ: قَوْلُهُ «فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» يُعْجِبُنَا جِدًّا، قَالَ الشَّيْخُ: وَإِنَّمَا أَعْجَبَهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُمَا جَمِيعًا مُسْلِمِينَ، وَهَذَا خَبَرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ وَفَاةِ عَلِيٍّ فِي تَسْلِيمِهِ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ بأَوَّلِنَا وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بآخِرِنَا، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ مَا هُوَ حَقٌّ لَامْرِئٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي بَلْ حَقٌّ لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دمَائِهِمْ بَلْ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةً لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا الَّذِي أَوْدَعْنَاهُ الْكِتَابَ اعْتِقَادُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَقوَالُهُمْ وَقَدْ أَفْرَدْنَا كُلَّ بَابٍ مِنْهَا بِكِتَابٍ يَشْتمِلُ عَلَى شَرْحِهِ مُنَوَّرًا بدَلَائِلِهِ وَحُجُجِهِ، وَاقْتَصَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِهِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى أَطْرَافِ أَدِلَّتِهِ إِرَادَةَ انْتِفَاعِ مَنْ نَظَرَ فِيهِ بِهِ وَاللَّهُ يُوَفِّقُنَا لِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ وَيَجْعَلُ عَاقِبَةَ أُمُورِنَا إِلَى رُشْدٍ وَسَعَادَةٍ بِفَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ إِنَّهُ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ الْوَاسِعُ الْغُفْرَانِ

§1/1