الاعتصام بالله سبيل النجاة

أنور بن أهل الله

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي لا ينسي من ذكره، والحمد لله الذي لا يخيب من دعاه، والحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، والحمد لله من اعتصم به نجاه، والحمد لله من وثق به لم يكله إلي غيره، والحمد لله الذي من استغاث به أغاثه، والحمد لله الذي من فوض الأمر إليه كفاه ووقاه، والحمد لله الذي هو يقيننا ورجاؤنا حين تنقطع الحيل وتقطع الأسباب، والحمد لله هو ثقتنا حين تسوء الظنون بأعمالنا، ثم الصلاة والسلام علي نبي الهدي ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم وعلي آله وأصحابه وأحبابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة تتحدث عن الاعتصام بالله جل وعلا وقد أشار إليّ والدي وأستاذي وشيخي -حفظه الله وأمد الله عمره في طاعة الله- أن أكتب هذه الرسالة مستعينًا بالله تعالي، ومما لاريب فيه أن الاعتصام بالله هو سبيل نجاة العبد في دنياه وأخراه، فقد قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وأما الاعتصام به: فهو التوكل عليه والامتناع به والاحتماء به وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه ويعصمه ويدفع عنه فإن ثمرة الاعتصام به: هو الدفع عن العبد والله يدافع عن الذين آمنوا فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ويحميه منه فيدفع عنه الشبهات والشهوات وكيد عدوه الظاهر والباطن وشر نفسه" (¬1). والحقيقة التي نغفل عنها أن هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان ولذلك تجد أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين هم صفوة الخلق قد ابتلوا فيها والعاقل لا يغتر بنعيمها، ويفوض أموره كلها إلي الله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالي هو الواحد الأحد الذي بيده مقاليد السماوات والأرض فهو وحده سبحانه قادر علي رفع البلاء وقادر علي دفع الضر? ¬

_ (¬1) مدارج السالكين لابن القيم 462.

وما علي العبد إلا أن يعبده سبحانه حق العبادة، وأن يعتصم به وحده في سائر أحواله في السراء والضراء، فهو سبحانه ناصر الضعيف ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، سبحانه [إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] (يس 82). ما بين طرفة عين وانتباهها ... يغير الله من حال إلي حال ومن تأمل كتاب الله جل وعلا يرى آيات عديدة كلها فيها الأمر للعبد أن يفوض أمره إليه، فالله جل جلاله حسبه؛ قال تعالى [أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (¬1)] وقال تعالى: [قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلُونَ (¬2)] وقال تعالى-[يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ] (¬3) وقال تعالى: [الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (¬4)] وقال تعالى: [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ] (¬5) فهذه آيات فيها بيان من الله جل وعلا أن العبد لا منجاة إلا بالاعتصام به وحده؛ قال وهب بن منبه: قرأت في الكتاب الأول: إن الله يقول: (بعزتي إنه من اعتصم بي فإن كادته السماوات ومن فيهن والأرض بمن فيها فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء فأكله إلي نفسه (¬6) وقد اشتملت هذه الرسالة علي فصول وذلك علي النحو التالي. الفصل الأول: وفيه المطالب التالية: المطلب الأول: الاعتصام لغة واصطلاحا المطلب الثاني: أنواع الاعتصام ? المطب الثالث: حقيقة الاعتصام بالله? المطلب الرابع: من هوا لله عز وجل الذي نعتصم به? الفصل الثاني: الاعتصام بالله عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ¬

_ (¬1) سورة الزمر-36 (¬2) سورة الزمر-38 (¬3) سورة الأنفال-63 (¬4) سورة آل عمران - 173 (¬5) سورة النمل - 62 (¬6) تفسير ابن كثير- 6/ 2633

الفصل الأول

الفصل الثالث: الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله عليهم- الفصل الرابع: الاعتصام بالله عند الصالحين من عباد الله تعالى? الفصل الخامس: الاعتصام بالله عند الصالحات من إماء الله تعالى? الفصل السادس: وفيه المطالب التالية: المطلب الأول: ثمرات الاعتصام بالله تعالى? المطلب الثاني: حال من اعتصم بغير الله عز وجل? المطلب الثالث: هل حققنا الاعتصام بالله؟ وهكذا تنتهي هذه الرسالة، وأسأل الله جل جلاله أن يتقبل مني هذاالعمل المتواضع وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتي وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل وأن ينتفع الناس وأن يزيدهم إيمانًا واعتصامًا بالله عز وجل وخشية وقربًا إلي الله جل وعلا. أنوار بن أهل الله بن أنوار الله 14/ 1/1431هـ الفصل الأول الاعتصام لغة: الاستمساك بالشئ والامتناع به ? اعتصم بالله أي امتنع بلطفه واعتصم بكذا واستعصم به إذا تقوي به وامتنع (¬1) ? واصطلاحا: هو التوكل علي الله وحده والاحتماء به وحده والالتجاء إليه وحده والاستعانة به وحده والثقة فيه وحده جل وعلا. الاعتصام نوعان: الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله? قال ابن القيم -رحمه الله-: " ومدار سعادة العبد بهذين الاعتصامين إذ لا نجاة للعبد إلا أن يتمسك بهما". فلنشرع هنا في بيان هذين الاعتصامين: فأما الاعتصام بحبل الله فقد ذكر في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (¬2). ولقد اختلف المفسرون في معني قوله تعالى: "بحبل الله" فقال ابن عباس -رضي الله عنه: بدين الله ? وقال ابن مسعود -رضي الله عنه: بالجماعة? وقال مجاهد -رحمه الله- بكتاب الله ? وقال مقاتل -رحمه الله- بأمر الله وطاعته (¬3) ? وأما الاعتصام بالله فقد ذكر في قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (¬4) ¬

_ (¬1) مختار الصحاح -184 - مادة: ع- ص- م? (¬2) آل عمران - 103 (¬3) انظر تفسير ابن كثير- 2/ 743 - (¬4) سورة الحج - 78 -

حقيقة الاعتصام بالله تعالى:

قال ابن كثير -رحمه الله- قوله تعالى -واعتصموا بالله- أي اعتضدوا بالله واستعينوا به وتوكلوا عليه وتأيدوا به? وقوله تعالى: -هو مولاكم- أي حافظكم وناصركم ومظفركم علي أعدائكم (¬1) ? وقال الإمام الشوكاني -رحمه الله- قوله تعالى -واعتصموا بالله- أي اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون والتجؤوا إليه في جميع أموركم دقيقها وجليلها (¬2) ? وقال وهيب بن الورد -رحمه الله-: يقول الله تعالى: ابن آدم اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق وإذا ظلمت فأجر وارض بنصرتي فإن نصرتي خير لك من نصرتك لنفسك (¬3) ? وحديثنا في هذه الرسالة عن هذا الاعتصام الذي نحن بحاجة ماسة إليه فلا نجاة لنا إلا بالاعتصام به وحده جل وعلا. حقيقة الاعتصام بالله تعالى: إن هذه الحقيقة تتلخص في أمر واحد ألا وهو: أن يلجأ العبد الفقير إلي الله وحده وأن يتوكل عليه وحده وأن يعتصم به وحده وأن يفوض الأمر إليه وحده وأن يحتمي به وحده وأن يثق فيه وحده وأن يستعين به وحده وأن يستغيث به وحده جل وعلا في كل أمر من أموره وشأن من شؤونه? من هو الله الذي يعتصم العبد به؟ ¬

_ (¬1) ابن كثير- 5/ 2415 - (¬2) فتح القدير للشوكاني- 3/ 641 - (¬3) ابن كثير- 5/ 2415 -

نقول بتوفيق الله: إن الله هو علم لذات الباري جل جلاله الذي شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته وأقرت له بالألوهية جميع مصنوعاته، فهو الله الذي لاإله إلا هو، واحد لا شريك له، ولا شئ مثله، ولا شئ يعجزه، ولا إله غيره، قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، له الحمد وله الثناء وله الكبرياء، خالق كل شئ ومليكه، سبحانه لا شريك له في ألوهيته كما لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته، فسبحانه وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وسبحان من سبحت له السماوات وأفلاكها والأرض وسكانها والبحار وحيتانها والنجوم والجبال الشجر والدواب والآكام والرمال وكل رطب ويابس وكل حي وميت، وهو سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء وأعز من كل شيء وأقدر من كل شيء وأعلم من كل شيء وأحكم من كل شيء، بصير بكل شيء، سميع لكل شيء، رقيب علي ضمائر خلقه، يرى أفعالهم وحركاتهم، ويشاهد بواطنهم كما يشاهد ظواهرهم ?

عليم بكل شيء، لا يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، والخلق مقهورون تحت قبضته، وهو رب العالمين وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأقدر القادرين وأحكم الحاكمين، الذي له الخلق والأمر، فالأمر أمره والكون كونه والخلق خلقه، ولا إله غيره والكل عبيد له، يأمر وينهى، ويسمع ويبصر، ويرضى ويبغض، ويتأذى ويفرح، ويحب ويسخط، ويعطي ويمنع، وينفع ويضر، ويحيي ويميت، ويثيب ويعاقب، يجيب دعوة المضطرين من عباده، ويغيث ملهوفهم، ويعين محتاجهم، ويجير كسيرهم، ويغني فقيرهم، ويعز ذليلهم، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وكل شئ إليه فقير، إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون؛ يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. وله الجمال والجلال والكمال والعزة والسلطان، يرحم إذا استرحم، ويغفر إذا استغفر، ويعطي إذا سُئل، ويجيب إذا دُعي، ويغفر إذا أخطأ العبد، ويقبل التوبة لمن تاب، ويسقي العباد إذا استسقوا، ويستر من استتر، يكرم من يشاء ويهين من يشاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويعفو عمن يشاء ويعذب من يشاء (كل يوم هو في شأن) من شأنه يغفر ذنبا ويكشف كربا ويرفع أقواما ويضع آخرين؛ فالله هو الاسم الذي ما ذكر في قليل إلا كثره، وما ذكر في هم إلا فرّجه، وما ذكر في غم إلا أزاله، وما ذكر في ضر إلا كشفه، وما ذكر في فقر إلا أغناه، وما ذكر في شدة إلا نحاها، وما ذكر في عسر إلا يسره، وما ذكر في قحط إلا أخصبه، وما ذكر في مرض إلا شفاه، وما دعاه مظلوم إلا نصره، من توكل عليه نجاه، ومن توثق به وقاه، ومن دعاه أجابه، ومن استنصر به نصره، ومن استغاث به أغاثه، ومن ألجأ إليه أمره كفاه، فنعم الله ويا سبحان الله، لا نحصي ثناء كما أثنى على نفسه جل جلاله - قال تعالى:

الفصل الثاني الاعتصام بالله عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-

(وَلَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (¬1) ? الفصل الثاني الاعتصام بالله عند الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- 1 - الاعتصام بالله عند آدم -عليه السلام- اعتصم بالله آدم - عليه السلام - لما أكل من الشجرة وأيقن أن لا نجاة له إلا بالاعتصام به وحده والتوبة إليه وحده، قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) (¬2) وعن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ذاق آدم من الشجرة فر هاربًا فتعلقت شجرة بشعره فنودي: يا آدم، أفرارًا مني؟ قال: بل حياءً منك، قال: يا آدم اخرج من جواري، فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقًا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين (¬3)». والكلمات التي تلقاهاآدم -عليه السلام- موضحة ومبينة في كتاب الله تعالى ? قال الله عز وجل: - قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (¬4) ? وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (فتلقى آدم من ربه كلمات) قال: قال آدم: يا رب، ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى، وعطست فقلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، وكتبت عليّ أن أعمل هذا؟ قيل: بلى، قال: أرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم (¬5) ¬

_ (¬1) سورة لقمان-27 (¬2) سورة البقرة- (¬3) رواه الحاكم في مستدركه? انظر تفسير ابن كثير-1/ 2430 - (¬4) سورة الأعراف-23 - (¬5) تفسير ابن كثير-1/ 245 -

2 - الاعتصام بالله عند نوح -عليه السلام-

وعن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم قال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سُؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي، أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي قال: فأوحى الله إليه: إنك قد دعوتني بدعاء استجبتُ لك فيه ولمن يدعوني به وفرجت همومه وغمومه، ونزعت فقره من بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر، وأتته الدنيا وهي كارهة وإن لم يردها (¬1) فلتأمل كيف أن الله قبل توبة آدم -عليه السلام- لما اعتصم به وتيقن أن لا منجاة له إلا بالاعتصام به وحده سبحانه، فتاب إليه فقبل الله توبته وأعلى درجته، وكيف أن الله لعن إبليس لما استكبر وأبي وحلت عليه لعنة الله إلي يوم الدين، لأنه حاد عن جناب رب العالمين واستكبر عن العبودية له سبحانه وتعالى ? 2 - الاعتصام بالله عند نوح -عليه السلام- واعتصم بالله نبي الله نوح -عليه السلام- لما كذبه قومه وصدوا عن دين الله وقالوا عنه بأنه مجنون وهو الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ. (¬2) فتوجه إلي الله داعيا أن ينصره على قومه. قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) (¬3) فهل ترك ربه؟ كلا! قال تعالى: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى المَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) (¬4) ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في معجمه الكبير، انظر تفسير ابن كثير-1/ 246 - (¬2) سورة العنكبوت-14 - (¬3) سورة القمر-10 (¬4) - سورة القمر-14 -

3 - الاعتصام بالله عند إبراهيم -عليه السلام-:

قال ابن كثير -رحمه الله- في قوله تعالى -إني مغلوب- أي ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم (¬1) ? وقال جل وعلا: وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) (¬2) قال ابن كثير -رحمه الله- يخبر تعالى عن استجابته لعبده ورسوله نوح -عليه السلام- حين دعا على قومه لما كذبوه ? (¬3) وقوله تعالى: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ - أي نجيناه وخلصناه? فلما اعتصم بالله وحده نبي الله نوح -عليه السلام- ودعا ربه استجاب الله دعوته ولبى ندأه وأهلك قومه? 3 - الاعتصام بالله عند إبراهيم -عليه السلام-: واعتصم بالله خليل الله ونبيه إبراهيم -عليه السلام- لما ألقي في النار وذلك لما دحضت حجة قومه وبان عجزهم وظهر الحق واندفع الباطل فقالوا "حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (¬4) " فأضرموا له نارا عظيمة فكان لها شرر عظيم ولهب مرتفع لم توقد قط نار مثلها ولكن نبي الله إبراهيم -عليه السلام- كانت ثقته بربه: حسبي الله ونعم الوكيل. فعن ابن عباس: {حسبنا الله ونعم الوكيل}. قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا [إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم] [فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل]. وفي رواية لَهُ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ -عليه الصلاة والسلام- حِينَ ألْقِيَ في النَّار: حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ (¬5). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ألقي إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك" (¬6). ¬

_ (¬1) ابن كثير 7/ 3353 - (¬2) سورة الأنبياء- (¬3) ابن كثير 5/ 2326 - (¬4) سورة الأنبياء -68 - (¬5) رواه البخاري ? انظر رياض الصالحين -40 (¬6) تفسير ابن كثير -5/ 2324 -

4 - الاعتصام بالله عند يونس -عليه السلام-

ويروي أنه لما جعلوا يوثقونه قال: "لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك - (¬1) " ذكربعض السلف أنه عرض له جبريل -عليه السلام- وهو في الهواء فقال: ألك حاجة فقال: أما إليك فلا (¬2) ? نعم حاجته إلي الله عز وجل الذي يقول للشئ كن فيكون فكان أمر الله إلي النار -قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (¬3) - فكان النار المحرقة بردا وسلاما على إبراهيم -عليه السلام- فسبحان من نجاه وسبحان من وقاه، وما ذاك إلا لما اعتصم بربه وحده دون غيره، فلا نجاة للمرء إلا بالاعتصام به وحده جل جلاله? 4 - الاعتصام بالله عند يونس -عليه السلام- واعتصم بالله نبي الله يونس -عليه السلام- وقد أرسله الله تعالى إلي أهل قرية -نينوى- وهي قرية في أرض الموصل بأرض العراق، فدعاهم إلي الله عز وجل، فأبوا عليه وتمادوا في كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم ? ثم ركب سفينة مع قوم، فلجّجت بهم وخافوا أن تغرق بهم، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس -عليه السلام- فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضا فأبوا، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضا، فقام يونس -عليه السلام- وتجرد من ثيابه، ثم ألقي نفسه بالبحر، وقد أرسل الله تعالى إليه حوتا يشق البحار، فجاء فالتقمه، وأوحى الله إلي ذلك الحوت ألا يأكل له لحما ولا يهشم له عظما، فإن يونس ليس لك رزقا، وإنما بطنك يكون له سجنا. (¬4) فما كان منه إلا أن نادى ربه في ظلمات ثلاث: ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، واعتصم بربه بهذا الدعاء كما قال جل وعلا: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (¬5) ? ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير -5/ 2324 - (¬2) تفسير ابن كثير -5/ 2324 - (¬3) سورة الأنبياء -69 - (¬4) تفسير ابن كثير -6/ 2328 - (¬5) سورة الأنبياء - 87 -

5 - الاعتصام بالله عند زكريا -عليه السلام-

وعن أنس رضي الله عنه: أن يونس حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات وهو في بطن الحوت قال: اللهم {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} فأقبلت هذه الدعوات تحف العرش فقالت الملائكة: يا رب صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة! فقال: أما تعرفون ذاك؟ قالوا: لا يا ربنا ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوه مجابة؟! قال: نعم. قالوا: يا رب، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عليه اليقطينة. (¬1). وقال عوف الأعرابي: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه ثم نادى يا رب اتخذت لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد (¬2). وهكذا نجى الله نبيه يونس -عليه السلام- وأخرجه من بطن الحوت؛ قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ. (¬3) وذلك لما اعتصم بربه والتجأ إليه وناداه وحده سبحانه وتعالى? 5 - الاعتصام بالله عند زكريا -عليه السلام- واعتصم بالله نبي الله زكريا -عليه السلام- حين طلب أن يهبه الله ولدا يكون من بعده نبيا وقد بلغ به العمر عتيا ¬

_ (¬1) الدر المنثور -5/ 668 - ابن كثير - 6/ 2238. (¬2) الطبري 17/ 81 - ابن كثير -5/ 2338. (¬3) سورة الأنبياء

6 - الاعتصام بالله عند أيوب - عليه السلام:

قال تعالى: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. (¬1) - فلبي الله ندأه وأجاب دعوته وأعطاه ما تمناه ووهبه ما أراد? قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ. (¬2) - قال تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ المَلَأِكَةُ وَهُوَ قَأِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) (¬3). هكذا أعطى الله مراد نبيه زكريا-عليه السلام- ووهبه ذرية صالحة لما اعتصم به ودعاه وحده جل وعلا 6 - الاعتصام بالله عند أيوب - عليه السلام: واعتصم بالله نبي الله أيوب -عليه السلام- وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شئ كثير وأولاد كثيرة ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره ثم ابتلي في جسده، يقال بالجذام في سائر بدنه حتي عافه الجليس فكان -عليه السلام- غاية في الصبر وبه يضرب المثل فقد مكث في بلائه ثمانية عشر عاما. قال يزيد بن ميسرة لما ابتلى الله أيوب بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق له شيء أحسن الذكر ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي قد أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك فأخذت ذلك كله مني وفرغت قلبي ليس يحول بيني وبينك شيء، لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني قال: فلقي إبليس من ذلك منكرا. (¬4) ورغم هذا البلاء العظيم ظل يدعو ربه ويناجي خالقه قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) - (¬5) ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء. (¬2) سورة الأنبياء. (¬3) آل عمران? (¬4) ابن كثير -52331. (¬5) سورة الأنبياء.

7 - الاعتصام بالله عند موسى -عليه السلام-:

الذي جعل أيوب -عليه السلام- يصبر كل هذه المدة إنه الاعتصام بالله وحسن الظن بالله عز وجل، فلبى الله ندائه واستجاب دعوته. قال تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) - (¬1). قال ابن عباس رضي الله عنهما: ورُدَّ عليه ماله وولده عيانًا ومثلهم معهم، وقال وهب بن منبه: أوحى الله إلى أيوب: قد رردت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم، فاغتسل بهذا الماء، فإن فيه شفاءك. (¬2) فلما كان اعتصامه بالله كبيرًا كان عطاؤه عظيمًا 7 - الاعتصام بالله عند موسى -عليه السلام-: واعتصم بالله نبي الله وكليمه موسى -عليه السلام- لما خرج فرعون في جحفل عظيم وجمع كبير من الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء والجنود خلف موسى -عليه السلام- وقومه من بني إسرائيل ? ولما رأي كل من الفريقين صاحبه فعند ذلك فزع أصحاب موسى -عليه السلام- ودبَّ الوهن في قلوبهم وضعُفَ يقينهم بالله جل وعلا، فقد قالوا كما قال تعالى: قال أصحاب موسى إنا لمدركون (¬3) - فلقد صار أمامهم البحر، وفرعون قد أدركهم بجنوده أي لهالكون لا محالة، فالبحر من أمامنا والعدو خلفنا، ولكن نبي الله موسى -عليه السلام- كان اعتصامه بربه عظيما وثقته بمالكه جل وعلا كبيرا، فرد عليهم بجواب واحد قاطع كما قال تعالى: قال كلا إن معي ربي سيهدين (¬4) - أي لا يصل إليكم شئ مما تحذرون، فإن الله هو الذي أمرني أن أسيرها هُنا بكم وهو لا يخلف الميعاد? وأمر الله نبيه موسى -عليه السلام- بأن يضرب البحر بعصاه، فانفلق البحر باثني عشر طريقا بأمر الله جل وعلا قال تعالى: فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) - (¬5) ? ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء? (¬2) ابن كثير -5/ 2233. (¬3) سورة الشعراء -61. (¬4) سورة الشعراء -62. (¬5) سورة الشعراء -63.

8 - الاعتصام بالله عند هود -عليه السلام-:

قال ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام لما انتهى إلى البحر قال: يا من كان قبل كل شيء والمكون لكل شيء والكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجًا فأوحى الله تعالى إليه "أن أضرب بعصاك البحر". فتأمل -رعاك الله- كيف أن الله نجى نبيه موسى -عليه السلام- وأصحابه وأغرق فرعون وقومه. 8 - الاعتصام بالله عند هود -عليه السلام-: واعتصم بالله نبي الله هود -عليه السلام- وتوكل عليه لما دعا قومه إلى الله عز وجل إلا أنهم أصروا على كفرهم وألحوا على جحودهم بالله عز وجل كما ذكر الله في كتابه الكريم: قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ- (¬1) ? فكان جواب نبي الله هود -عليه السلام- وكله يقين بالله جل وعلا وثقة به وحده، كما قال تعالى: قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) - (¬2) فقوله تعالى: "فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ" أي احتالوا على ضري ثم لا تنظرون أي لا تؤخرون ولا تمهلون? يقول الشيخ أبو بكر الجزائري علم من أعلام النبوة إذ لا يقدر فرد أن يقول لأمة بكاملها: افعلي بي من الشر والأذي ما تستطيعين إلا أن يكون نبيا عالما بقدرة الله تعالى على حفظه وحمايته (¬3) - وقال ابن كثير -رحمه الله- وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاء هم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام، التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر، ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده، الذي ما من شيء إلا تحت قهره وسلطانه، فلا إله إلا هو ولا رب سواه. (¬4) ¬

_ (¬1) سورة هود. (¬2) سورة هود. (¬3) أيسر التفاسير للجزائري 2/ 549. (¬4) ابن كثير 4/ 1797 .............

9 - الاعتصام بالله عند يعقوب -عليه السلام-:

هكذا كان اعتصام نبي الله هود -عليه السلام- بربه جل وعلا مهما كاد له قومه وأرادوا إيذائه إلا أن الله حاميه وحافظه؛ فينبغي للمؤمن أن يكون اعتصامه بربه هكذا. 9 - الاعتصام بالله عند يعقوب -عليه السلام-: واعتصم بالله نبي الله يعقوب -عليه السلام- لما فقد فلذة كبده يوسف -عليه السلام- سنين مديدة حتي قال بحزن كما قال تعالى: يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) (¬1) فقال له بنوه كما قال تعالى: قَالُوا تاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الهَالِكِينَ (85) (¬2) ? فكان جواب نبي الله يعقوب -عليه السلام- كما قال تعالى: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) (¬3) ? فتأمل كيف اعتصم بربه وبث همه وحزنه إلى خالقه جل وعلا، فرد الله عليه ابنه يوسف -عليه السلام- وأقر عينيه برؤيته? 10 - الاعتصام بالله عند سيد المرسلين وخاتم النبيين - صلي الله عليه وسلم: واعتصم بالله نبي الهدي ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله - صلي الله عليه وسلم- في حياته كلها وقد اخترت ثلاثة من المواقف لنبينا الكريم - صلي الله عليه وسلم - سألاً جل وعلا أن يرزقنا الاعتصام به في كل شأن من شؤون حياتنا ? الموقف الأول: ¬

_ (¬1) سورة يوسف. (¬2) سورة يوسف. (¬3) سورة يوسف.

عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَأِلَةُ فِى وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَىَّ سَيْفِى وَأَنَا نَأِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِى يَدِهِ صَلْتًا». فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى فَقُلْتُ «اللَّهُ». ثَلاَثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ. في رواية قال جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني؟ قال (لا). قال فمن يمنعك مني؟ قال (الله). وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في "صحيحه"، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: (اللهُ). قَالَ: فَسَقَطَ السيفُ مِنْ يَدهِ، فَأخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّيْفَ، فَقَالَ: (مَنْ يَمْنَعُكَ مني؟). فَقَالَ: كُنْ خَيرَ آخِذٍ. فَقَالَ: (تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وَأَنِّي رَسُول الله؟) قَالَ: لاَ، وَلَكنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبيلَهُ، فَأَتَى أصْحَابَهُ، فَقَالَ: جئتُكُمْ مِنْ عنْد خَيْرِ النَّاسِ (¬1). ¬

_ (¬1) متفق عليه.

فههنا يتضح لنا جليا كيف اعتصم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بربه وقد وقف الأعرابي بسيفه - صلي الله عليه وسلم - ليقتله وأصحابه نائمون ولكنه - صلي الله عليه وسلم - رد عليه بقوله: الله ? فكأن لفظ الجلالة زلزل قلب الأعرابي حتي سقط السيف من يده فالحافظ هو الله والمحيي هو الله والمميت هو الله ونعم بالله جل وعلا. الموقف الثاني: لما هاجر النبي - صلي الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة مكث في غار ثور ثلاثة أيام ليستخفي هو وصاحبه أبو بكر -رضي الله عنه - من أعين المشركين، ولكنهم تتبّعوا آثار النبي - صلي الله عليه وسلم- وصاحبه حتي وصلوا إلى الغار، ولكن الله أعمي أبصارهم ونجى نبيه - صلي الله عليه وسلم. فعن أبي بكر -رضي الله عنهم - قَالَ: نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا، فقلتُ: يَا رسولَ الله، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا) (¬1). ولقد سطّر الله هذه الحادثة في كتابه الكريم "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا" (¬2). وهكذا حفظ الله نبيه وصاحبه ورد كيد الكافرين ودحر شرهم? الموقف الثالث: وهذا المشهد من المشاهد العظيمة لنبينا - صلي الله عليه وسلم - وذلك في غزوة بدر الكبري. وتلك الغزوة كانت عظيمة في الإسلام لأنها كانت أول لقاء بين المسلمين والمشركين وهي الفرقان كما ذكر في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ. (¬3) - ¬

_ (¬1) متفق عليه. (¬2) سورة التوبة - 40. (¬3) 58? سورة الأنفال - 41.

الفصل الثالث الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-

وظل نبينا - صلي الله عليه وسلم - يناشد ربه ما وعده من النصرويقول: "اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك" حتى إذا حَمِيَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك. (¬1). وبعد هذا التضرع العجيب والابتهال العظيم والاعتصام الكبير بالله جل وعلا جاء النصر المبين والفتح العظيم، ونصر الله نبيه - صلي الله عليه وسلم - أصحابه وخذل الله الكافرين والمشركين. ويالله ولهذا الاعتصام به جل وعلاه حتي سقط ردائه- صلي الله عليه وسلم - فلبى الله ندائه وأجاب دعوته وقبل ابتهاله. وهكذا المؤمن يعتصم بربه في كل الأمور فيرى الخير العميم والنصرالعظيم والفتح المبين من عنده سبحانه وتعالى. الفصل الثالث الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- الموقف الأول: ¬

_ (¬1) - الرحيق المختوم - 217 - انظر تفسير ابن كثير أيضا - 4/ 1550 .............

1 - أخرج ابن عبد الحكم عن زيد بن أسلم قال: لما أبطأ على عمر بن الخطاب فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص، أما بعد فقد عجبت لإبطأكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، وأمُر الناس أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة، ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم، فلما أتى عمروًا الكتابُ جمع الناس وقرأه عليهم، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبون إلى الله ويسألونه النصر ففتح الله عليهم (¬1) فليتأمل كيف أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل وأن يرفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل وأن يطلب النصر من عنده. فكان النصر حليفهم والفتح نصيبهم والظفر حظهم باعتصامهم بالله وبفضل الله عليهم. الموقف الثاني: ذكر في الكنز - 3/ 145 - في خلافة عمر -رضي الله عنه- عن عياض الأشعري قال شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة وخالد بن الوليد وعياض -رضي الله عنهم- فقال عمر إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة. قال فكتبنا إليه إنه قد جاش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا وأحضر جندًا الله عز وجل، فاستنصروه فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد نُصِر يوم بدر في أقل من عِدتكم فإذا أتاكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني. (¬2) ¬

_ (¬1) جامع الأحاديث - رقم الحديث - 31236 - حياة الصحابة للشيخ يوسف الكاندهلوي 3/ 432. (¬2) مسند أحمد 1/ 355 .......

وههنا يتضح جليا أن عمر -رضي الله تعالى - أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل قائلا "وإني أدلكم على من هو أعز نصرا وأحضر جندا الله عز وجل". فنعم الله فإنه من استنصره نصره ومن سأله أعطاه ومن استغاث به أغاثه ومن فوض أمره إليه كفاه. (¬1) - الموقف الثالث: أخرج ابن سعد عن ثُمامة بن عبد الله قال: جاء أنساً رضي الله عنه أكّارُ بستانِه في الصيف، فشكى العطش، فدعا بماء فتوضأ وصلى، ثم قال: هل ترى شيئاً؟ فقال: ما أرى شيئاً، قال: فدخل فصلى ثم قال في الثالثة -أو في الرابعة-: انظر، قال: أرى مثل جناح الطير من السحاب، قال: فجعل يصلي ويدعو فقال له أكاره: قد استوت السماء ومطرت، فقال: اركب الفرس الذي بعث به بشر بن شَفاف فانظر أين بلغ المطر؟ قال: فركبه فنظر، قال: فإذا المطر لم يجاوز بستانه. (¬2). وهنا كيف اعتصم أنس -رضي الله عنه- بربه فظل يصلي يطلب من ربه وينادي مولاه حتي جاءه الغيث وهطل عليه المطر وارتوت أرضه بالماء. الموقف الرابع: ¬

_ (¬1) حياة الصحابة 3/ 432. (¬2) حياة الصحابة-3/ 297 ...................

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فعقبه لصٌّ مقنع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فذرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ (¬1). فهذا الصحابي الجليل لما اعتصم بالله ودعاه من شر هذا اللص أنقذه الله من الهلاك بملك أيَّدَه من السماء. الموقف الخامس: أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن خوات بن جبير -رضي الله عنه- أصاب الناسَ قحط شديد على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فخرج عمر بالناس يصلي بهم ركعتين ثم بسط يده فقال اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك، قال فما برح من مكانه حتى مطروا، فبينا هم كذلك إذا الأعراب قدموا المدينة، فأتوا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقالوا يا أمير المؤمنين بينا نحن بوادينا في يوم كذا في ساعة كذا إذ أظلنا بغمام وسمعنا فيها صوتا: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص. (¬2). فانظر -رعاك الله- كيف اعتصم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بربه فاستغاث به واستسقاه فنزل الغيث وعم الخير واستبشر الجميع بفضل المولى القدير. الموقف السادس: ¬

_ (¬1) الإصابة 4/ 182. حياة الصحابة 3/ 98. (¬2) حياة الصحابة 3/ 388.

الفصل الرابع الاعتصام بالله عند الصالحين من عباد الله تعالى:

وأخرج البيهقي عن أنس -رضي الله عنه- قال: ثم جهز عمر بن الخطاب جيشًا واستعمل عليه العلاء بن الحضرمي، قال أنس: وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد نفد الماء عندهم، والحر شديد، ثم مد يده إلى السماء وما نرى في السماء شيئًا قال: فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا، وأنشأ سحابًا، فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا، وسقينا، واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا على، يا عظيم، يا حليم، يا كريم، وفي رواية -يا أرحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا حي يا قيوم ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا- ثم قال: أجيزوا باسم الله، قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدو غيلة، فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، (¬1). نعم لقد اعتصم العلاء الحضرمي -رضي الله عنه- بربه فدعاه واستغاث به فأنزل عليه الغيث ثم دعاه مرة ثانية فمشوا على البحر. إنه اعتصام عظيم برب عظيم كريم الذي إذا سئل أعطى وإذا دعي أجاب. الموقف السابع: وأخرج الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - سرية وأمر عليهم عاصم بن ثابت -رضي الله عنه- الحديث بطوله في قصة خبيب بن عدي -رضي الله عنه- وفيه أن عاصمًا قال: لا أنزل في ذمة مشرك وكان قد عاهد الله أن لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك فأرسلت قريش ليؤتوا بشيء من جسده، وكان قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عز وجل عليه مثل الظلة من الدبر، فحمته من منهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئًا. لذلك يقال: "حمي الدبر" (¬2). وهنا حفظ الله عبده عاصمًا -رضي الله عنه- وقد عاهد ربه واعتصم به أن لا يمسه مشرك أو هو يمس مشركا فنجاه الله ميتا أن يأخذوا من جسده شيئاً. الفصل الرابع الاعتصام بالله عند الصالحين من عباد الله تعالى: الموقف الأول: ¬

_ (¬1) حياة الصحابة 3/ 381. (¬2) حياة الصحابة 3/ 377 .............

1 - بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف بها، إذ رجعت حصاة منها فصارت في أذنه، فجهد بكل حيلة، فلم يقدر على إخراجها، فبقيت الحصاة في أذنه دهرًا تؤلمه، فبينما هو ذات يوم جالس، إذ سمع قارئاً يقرأ: "أم من يجيب المضطّر إذا دعاه ويكشف السوء ... الآية"، فقال الرجل: يا رب أنت المجيب، وأنا المضطر، فاكشف ضر ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال. فهذا الرجل جعل اعتصامه بالله وسؤاله لله وبث ألمه لله ففرج الله عنه وكشف الله كربته. الموقف الثاني: 2 - لما أخذ أبو جعفر المنصور إسماعيل بن أمية، أمر به إلى السجن، فمر على حائط مكتوب عليه: يا وليي في نعمتي، ويا صاحبي في وحدتي، ويا عدتي في كربتي، قال: فلم يزل يدعو بها حتى خلى سبيله، فمر على ذلك المكان فلم ير شيئًا مكتوبا عليه. (¬1) لو تأملت هذا الدعاء لرأيت فيه الاعتصام بالله جل وعلا والتجرد عن كل ما سواه. الموقف الثالث: وأحزن عبيد الله الأسناني بأمر ضاق به ذرعا فأتي يحيى بن خالد الأزرق وكان مستجاب الدعوة فرآه مكروبًا فقال: ما شأنك؟ قلتُ دُفعت إلى كيت وكيت -من المصائب والأحزان فقال استعن بالله واصبر فقلت: ادع الله. فحرك شفتيه فانصرفت وقد آتاني الله فرجا (¬2). هنا أمره بالاعتصام والصبر والاستعانة بالله جل وعلا. الموقف الرابع: دخل الحسن البصري على الحجاج بواسط، فرأى قصره فقال: الحمد لله! أن هؤلاء الملوك - يرون في أنفسهم عبراً، وإنا لنرى فيهم عبراً، يعمد أحدهم إلى قصره فيشيده، وفرس يتخذه، وقد صف به ذباب طمع وفراش نار، ثم يقول: ألا فانظروا ما صنعت، فقد رأينا -يا عدو الله- ما صنعت، فماذا يا أفسق الفاسقين، ويا أفجر الفاجرين، أما أهل السماء فمقتوك. وأما أهل الأرض فلعنوك، ثم خرج وهو يقول: إنما أخذ الله الميثاق على العلماء، ليبيننه للناس، ولا يكتمونه. فتغيظ الحجاج عليه غيظًا شديدًا، وقال: يا أهل الشام، هذا عبيد أهل البصرة يدخل علي فيشتمني في وجهي فلا يكون له مغير ولا نكير، والله لأقتلنه. ¬

_ (¬1) الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي البصري -21. (¬2) الفرج بعد الشدة - 48 .......

فمضى أهل الشام إلى الحسن، فحملوه إلى الحجاج، وعرف الحسن ما قاله، فكان طول طريقه يحرك شفتيه. فلما دخل، وجد السيف والنطع بين يديه وهو متغيظ، فلما رآه كلمه بكلام غليظ، فرفق به الحسن، ووعظه. فأمر الحجاج بالسيف والنطع فرفعا، ثم لم يزل الحسن يمر في كلامه، حتي دعا الحجاج بالطعام، فأكلا، وبالوضوء فتوضأ، وصرفه مكرمًا. وقال صالح بن مسمار: فقيل للحسن: بم كنت تحرك شفتيك؟ قال: قلت: يا غياثي عند دعوتي، ويا عدتي في ملمتي، ويا ربي عند كربتي ويا صاحبي في شدتي، ويا وليي في نعمتي، ويا إلهي، وإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى، ويا رب النبيين كلهم أجمعين، قال صالح: فما دعونا بها في شدة إلا فرج عنا. ويتضح هنا أن الحسن البصري -رحمه الله- كان من أولئك الذين يخافون الله وحده ويعتصمون به وحده ويستغيثون به وحده جل وعلا. الموقف الخامس: وعن أبي سلمة عبيد الله بن منصور قال: جرت على رجل شرة هاضته (¬1) فلج في الدعاء إلى الله تعالى ذات ليلة فهتف به هاتف: يا هذا قل يا سامع كل صوت ويا بارئ النفوس بعد الموت ويا من لا تغشاه الظلمات ويا من لا يشغله شئ عن شئ قال: فدعا بها ففرج عنه (¬2). الموقف السادس: عن إسحاق العدواني، قال: زحف إلينا ابن ادمهومرد عند مدينة الكرج في ثمانين فيلاً، فكادت تنقض الصفوف والخيول، فكرب لذلك محمد بن القاسم الثقفي، فنادى عمران بن النعمان أمير أهل حمص، وأمر الجنود، فنهضوا، فما استطاعوا، فلما أعيته الأمور، نادى مرارًا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فكف الفيلة بذلك، وسلط الله عليها الحر، فأنضجتها، ففزعت إلى الماء، فما استطاع سواقها، ولا أصحابها، حسبها، فكان الفتح من عند الله تعالى. (¬3). وهنا اعتصم محمد بن قاسم -رحمه الله- بالله جل وعلا وفوض أمره إليه وأن استمداد القوة إنما من الله وحده وتجرد عن قوته وقوة جنوده إلى الله عز وجل فكان النصر العظيم. الموقف السابع: ¬

_ (¬1) كسرته. (¬2) الفرج بعد الشدة-53. (¬3) الفرج بعد الشدة-53.

الفصل الخامس الاعتصام بالله عند الصالحات من إماء الله تعالى -:

وكان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقي العدو أو ناهض حصنًا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله وإنه ناهض يوما حصنا فانهزم الروم فقالها المسلمون أي قالوا -لا حول ولا قوة إلا بالله- فانصرع الحصن وفتح الله على المسلمين. (¬1) الموقف الثامن: عن عبد الله بن جعفر: أن رجلاً أصابه مرض شديد، منعه من الطعام والشراب والنوم، فبينا هو ذات ليل، إذا سمع صوتًا، فإذا هو يسمع كلاما، فوعاه، فبرأ من مكانه: اللهم أنا عبدك، ولك أملي، فاجعل الشفاء في جسدي، واليقين في قلبي، والنور في بصري، وذكرك في الليل والنهار ما بقيت في لساني، وارزقني منك رزقاً غير ممنوع ولا محظور. (¬2). فهذا الدعاء فيه أن الاعتصام بالله هو النجاة وفيه سعادة المرء في دنياه وأخراه. الموقف التاسع: إن رجلاً وفد على هشام بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد رأيت في طريقي عجبًا. قال: وما هو؟ قال: بينما أنا أسير بين جبلي طي، إذ نظرت فإذا عن يميني أسد كالبغل، وعن يساري ثعبان كالحبل مقبلان نحوي. ورفعت رأسي إلى السماء، وقلت: يا دافع المكروه قد تراهما ... فنجّني يا ربّ من أذاهما ومن أذى من كادني سواهما ... لا تجعلن شلوى (¬3) من قراهما قال: فقربا مني، حتى وصلا إلي، فتشمماني، حتى لم أشك في الموت، ثم صدرا عني، فنجوت. ولله الحمد. (¬4). نجا لما اعتصم بربه وتيقن أنه لا ينجو في هذا الموقف المهلك إلا بتضرعه إلى الله عز وجل والله يقول: أمن يجيب المضطر إذا دعاه (¬5). الفصل الخامس الاعتصام بالله عند الصالحات من إماء الله تعالى -: الموقف الأول: اعتصم بالله سارة -رضي الله عنها- زوجة إبراهيم -عليه السلام- لما ذهب إبراهيم -عليه السلام- إلى أرض مصر. ¬

_ (¬1) الفرج بعد الشدة-54. (¬2) الفرج بعد الشدة- 59. (¬3) أي لقمة. (¬4) الفرج بعد الشدة- 65. (¬5) سورة النمل -62.

فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعى إلى آلهتهم (إنى سقيم) وقوله (فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة إنها أختي. قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس. قال فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك؟ قال أختي. قال أرسل بها. قال فأرسل بها إليه وقال لها لا تكذبي قولي فإنى قد أخبرته أنك أختي، ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك. قال فلما دخلت إليه قام إليها. قال فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر. قال فغط {أي كبس وعصر حتي كاد أن يختنق} حتى ركض برجله». قال: فقال في الثالثة أو الرابعة "ما أرسلتم إلي إلا شيطانًا، ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر" - قال- فرجعت فقالت لإبراهيم أشعرت أن الله عز وجل رد كيد الكافر وأخدم وليدة». (¬1). وهنا يتضح جليًا هذا الاعتصام الذي اعتصمت به سارة -رضي الله عنها- بربها حتي رد الله عنها كيد هذا الكافر وشر هذا الجبار. الموقف الثاني: واعتصم بالله هاجر -رضي الله عنها- أم إسماعيل وزوجة إبراهيم -عليهما السلام- وذلك لما أتى بها إبراهيم -عليه السلام- وبوليدها إسماعيل -عليه السلام- بمكة وليس يومئذ أحد بها وليس بها ماء ولا شجر ولا أنس ولا أنيس، فوضعهما هناك ممتثلاً بأمر الله جل وعلا ثم مضى إبراهيم منطلقًا فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شئ، فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا، قال: نعم. قالت إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال ¬

_ (¬1) رواه البخاري وأحمد - انظر البداية والنهاية لابن كثير -1/ 216.

[رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] {إبراهيم:37}. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى -أو قال يتلبط- فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى من أحد، فلم تر أحدًا فهبطت من الصفا. حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدًا، فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلذلك سعى الناس بينهما". فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه، تريد نفسها. ثم تسمعت فسمعت أيضًا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه -أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا، فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافي الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. (¬1). اعتصمت بربها بقولها: إذن لا يضيعها - فما ضيعها ربها بل أتم عليها النعمة وعلي ولدها إسماعيل -عليه السلام-. الموقف الثالث: واعتصمت بالله آسية بنت مزاحم زوجة فرعون لما أسلمت ودخلت في دين الله وآمنت بموسي -عليه السلام- وأوذيت في سبيل دينها حتي عذبت وقتلت -رضي الله عنها- ¬

_ (¬1) رواه البخاري عن ابن عباس-انظر البداية والنهاية-1/ 221/222 -

قال أبو جعفر الرازي عن ابن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون فوقع المشط من يدها فقالت: تعس من كفر بالله، فقالت لها ابنة فرعون: ولك رب غير أبي؟ قالت: ربي ورب أبيك ورب كل شئ الله، فلطمتها بنت فرعون وضربتها، وأخبرت أباها فأرسل إليها فرعون، فقال: تعبدين ربًا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك ورب كل شئ الله، وإياه أعبد، فعذبها فرعون وأوتد لها أوتادًا، فشد رجليها ويديها، وأرسل عليها الحيات، وكانت كذلك فأتى عليها يومًا فقال لها: ما أنت منتهية؟ فقالت له: ربي وربك ورب كل شيء الله فقال لها: إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي، فقالت له: إقض ما أنت قاض، فذبح ابنها في فيها وإن روح ابنها بشّرها فقال لها: أبشري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا فصبرت، ثم إن فرعون أتاها يومًا آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له مثل ذلك فذبح ابنها الآخر في فيها فبشرها روحه أيضًا: اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا قال: وسمعت امرأة فرعون كلامَ روح ابنها الأكبر ثم الأصغر فآمنت امرأة فرعون وقبض الله روح امرأة خازن فرعون وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها لامرأة فرعون، حتي رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا فأطلع الله فرعون على إيمانها، فقال للملأ: ما تعلمون في آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها فقال لهم: إنها تعبد غيري فقالوا له: اقتلها فأوتد لها أوتادًا فشد يديها ورجليها، فدعت آسية ربها فقالت: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) (¬1). فوافق ذلك أن حضرها فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها نعذبها وهي تضحك فقبض الله روحها -رضي الله عنها- (¬2). الموقف الرابع: ¬

_ (¬1) سورة التحريم. (¬2) تفسير ابن كثير 8/ 3573.

واعتصمت بالله أم موسى واسمها -أيارخا- وقيل -أياذخت- فلقد ألقى الله في خلدها وروعها أن تلقي بابنها في نهر النيل وألا تخافي ولا تخزني فإنه إن ذهب سيرده الله إليها وإن الله سيجعله نبيًا مرسلاً فكانت تصنع ما أمرت به، فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب مع النيل فمر على دار فرعون فالتقطوه ليكون لهم عدوًا وحزنًا. قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ (7) (¬1). فرد الله إليها وليدها كما وعدها ربها: قال تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13) (¬2). الموقف الخامس: واعتصمت بالله أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في حادثة الإفك، تلك الحادثة التي زلزلت وطعنت في عرض رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حتي قال لها النبي - صلي الله عليه وسلم - أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه، وحينئذ قلص دمعها وقالت: والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف قال: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. ثم تحولت واضطجعت ونزل الوحي ساعته فسري عن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما والله فقد برأك فقالت أمها: قومي إليه فقالت عائشة -رضي الله عنها- والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله. (¬3). لقد كانت حادثة الإفك محنة عظيمة على عائشة -رضي الله عنها- لكنها صبرت واعتصمت بربها ووكلت أمرها إليه فبرأها الله وطهرها ممن أرادوا الطعن في عرضها. الموقف السادس: ¬

_ (¬1) سورة القصص. (¬2) سورة القصص. (¬3) الرحيق المختوم 232. انظر أيضًا صحيح البخاري وزاد المعاد.

أخبرنا الصولي قال أخبرنا البر القاضي قال: رأيت امرأة بالبادية، وقد جاء البرد فذهب بزرع كان لها، فجاء الناس يعزونها، فرفعت رأسها إلى السماء، وقالت: اللهم أنت المأمول لأحسن الخلف، وبيدك العوض عما تلف، فافعل ما أنت أهله، فإن أرزاقنا عليك، وآمالنا منصرفة إليك. قال: فلم أبرح حتى مر رجل من الأملاك، فحدث بما كان لها، فوهب لها خمسمأة دينار. (¬1). لقد أحسنت الظن بالله معتصمة بربها مع دعاء وتضرع ففرج الله عنها. الموقف السابع: ذكر المدايني في كتابه: قال أبو سعيد، وأنا أحسبه الأصمعي: نزلت يوما بحي من كليب مجديين، قد توالت عليهم سنون، موَّتت الماشية، ومنعت الأرض خروج نباتها، وأمسكت السماء قطرها، فجعلت أنظر إلى السحابة ترتفع من ناحية القبلة سوداء متقاربة، حتى تطبق الأرض، ويشرف لها الحي ويرفعون أصواتهم بالتكبير. فلما كثر ذلك، خرجت عجوز منهم فعلت شرفًا، ثم نادت بأعلى صوتها: يا ذا العرش، اصنع كيف شئت فإن أرزاقنا عليك. فما نزلت من موضعها، حتى تغيمت السماء، فمطرت مطرًا كاد أن يغرقهم، وأنا حاضر. (¬2). الموقف الثامن: قال المدايني في كتابه، إن أعرابية كانت تخدم نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت كثيرًا ما تتمثل بهذا البيت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربّنا ... ألا إنه من ظلمة الكفر أنجاني فقيل لها: إنك لتكثرين التمثل بهذا البيت، وإنا نظنه لأمر، فما هو؟ قالت: أجل، كنت عسيفة {أجيرة} على قوم من البادية. فجاءت جارية منهن فاختطفت وشاحَها عقابٌ {نوع من الطيور الجارحة} ونحن لا ندري. فقلت: إن الوشاح أنت صاحبته فحلفت واعتذرت فأبين قبول قولي واستدعين الرجال فجاؤا وفتشوني فلم يجدوا شيئًا، فلما خفت الشر رفعت رأسي إلى السماء فقلت: "يا رب أغثني" فمرت العقاب فطرحته بيننا، فندموا، وقالوا: ظلمنا المسكينة، وجعلوا يعتذرون إلى، فما وقعت في كربة إلا ذكرت ذلك، وهو يوم الوشاح، (¬3). الموقف التاسع: ¬

_ (¬1) الفرج بعد الشدة-41. (¬2) الفرج بعد الشدة-56. (¬3) الفرج بعد الشدة -59.

الفصل السادس

قال عبيد الله بن محمد القرشي: كانت امرأة من عباد أهل البصرة، وكان لها أولاد فأصابها مطر في بعض الليل فوكف عليها البيت، فجعلت تنقل أولادها من موضع إلى موضع، فلا يزداد الوكف إلا شدة. فلما أذلقها ذلك قالت: يا رفيق ارفق بي. قال: فما أصابها من ذلك المطر قطرة واحدة. (¬1). الموقف العاشر: قال الأصمعي: خرجت أعرابية إلى منى فقطع بها الطريق فقالت: يا رب أخذت وأعطيت وأنعمت وسلبت وكل ذلك منك عدل وفضل والذي عظم على الخلائق أمرك لا بسطت لساني بمسألة أحد غيرك ولا بذلت رغبتي إلا إليك يا قرة أعين السائلين أغثني بجود منك أتبحبح في فراديس نعمته وأتقلب في راووق نضرته، احملني من الرُجلة (¬2)، وأغنني من العَيلة (¬3)، وأسدل عليَّ سترك الذي لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح إنك سميع الدعاء. (¬4)، فما أكرم هذا الإنسان لما ينزل بحاجته إلى ربه ويعتصم به وحده ويدعوه وحده. فهذه الأعرابية قد فقدت كل شئ إلا أن العجب من استغاثتها بربهاوتمسكها بخالقها وحسن ظنها بمعبودها جل وعلا، فنعم بالله فهو نعم المولي ونعم النصير. الفصل السادس المطلب الأول: ثمرات الاعتصام بالله: إن للاعتصام بالله ثمرات عظيمة يجنيها العبد ويري خيرها وبرها في حياته ويعيش أثرها في كل أموره فمن هذه الثمرات: 1 - أن الله تعالى يكرم من اعتصم به ويدخله في رحمته ويزيده فضلا من عنده. قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) (¬5). 2 - أن الله تعالى يتولي من اعتصم به وينصره ويؤيده. قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) (¬6). ¬

_ (¬1) صفة الصفوة 4/ 51. (¬2) المشي راجلاً. (¬3) العيلة هو الفقر. (¬4) العقد الفريد 3/ 4722. (¬5) سورة النساء. (¬6) سورة الحج.

المطلب الثاني: حال من اعتصم بغير الله:

3 - أن الاعتصام بالله صفة من صفات المؤمنين قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) (¬1). 4 - أن المعتصم بالله يعيش عزيزًا كريمًا لأنه أنزل حاجته إلى ربه الذي بيده العزة ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين. (¬2). 5 - أن المعتصم بالله لا يفزع إذا فزع الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ولا يشينه أمر إذا شان الأمور الناسَ. 6 - الاعتصام بالله نجاة للعبد في دنياه وآخراه فمن اعتصم بالله نجاه من كل شدة وخلصه من كل كربة ووقاه من كل محنة. المطلب الثاني: حال من اعتصم بغير الله: إن الاعتصام بغير الله هلاك وخسران في هذه الدنيا والآخرة، إذ لا نجاة للعبد إلا بالاعتصام به وحده، فمن اعتصم بغيره ذل وضل وقل ولقد أحسن بعضهم إذ قال: "من اعتصم بماله قل ومن اعتصم بالله لا قل ولا ضل ولا ذل". نَعَم من اعتصم بغير الله عاش ذليلاً حقيرًا متشتتًا متبعثرًا، ولقد ضرب الله في كتابه أمثلة فيها بيان حال من اعتصم بغيره. المثال الأول: ابن نوح -عليه السلام- الذي اعتصم بغير الله. قال تعالى: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ (43) (¬3). قال ابن كثير -رحمه الله- هذا هو الابن الرابع واسمه يام، وكان كافرًا، دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون، ولكنه اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال، وليس شئ يعصم من أمر الله (¬4). فلما ظن أن المخلوق الذي هو الجبل سينجيه خذله الجبل وجاء أمر الله فهلك. المثال الثاني: ¬

_ (¬1) سورة النساء. (¬2) سورة المنافقين 8. (¬3) سورة هود. (¬4) تفسير ابن كثير 4/ 1792.

ذكر الله تعالى حال المنافقين الذين اضطربت أحوالهم وتشتت أوضاعهم فهم في ذبذبة عجيبة وتردد غريب بين أهل الإيمان وأهل الكفر وذلك لما فقدوا الإيمان بالله واعتصموا بغيره. قال تعالى: إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) (¬1). المثال الثالث: لقد ذكر الله تعالى واضحًا جليًا حال أولئك الذين ضلوا السبيل وأضاعوا الطريق وآمنوا بغيره واعتصموا بدونه. فقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ (42) (¬2). هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجون نصرهم ورزقهم ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئًا، فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فإنه متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها. (¬3). المثال الرابع: في قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) (¬4). دلالة واضحة ومثال عجيب أن هولاء الذين يعتصمون بغير الله أو يدعون غير الله لفي ضلال كبير، ¬

_ (¬1) سورة النساء. (¬2) سورة العنكبوت. (¬3) تفسير ابن كثير 6/ 2696. (¬4) سورة الرعد.

المطلب الثالث: هل حققنا الاعتصام بالله عز وجل؟

قال على بن أبي طالب -رضي الله عنه- كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده، وهو لا يناله أبدًا بيده، فكيف يبلغ فاه؟ (¬1). فهذا حال أولئك الذين انفصمت عُراهم عن الله جل وعلا فلا ينتفعون أبدًا لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة. المطلب الثالث: هل حققنا الاعتصام بالله عز وجل؟ هذا سؤال مؤلم جدًا لأن الأمة الإسلامية حالها يندي لها الجبين ويتقطع لها الوصال ويتمزق لها الفؤاد. فإن الصفوف متبعثرة والقلوب متنافرة، والأوضاع مقلوبة والأحوال مرزية. لا يعلم بذلك إلا الله جل وعلا، ولقد جربتِ الاعتصامَ بالغرب الكافر تارة فلم تفلح، وبالشرق الملحد تارة فلم تفلح، وذهبت يمنة ويسرة وتعلقت بالجهات والدويلات فلم تقدم شيئًا، ولو أنها حققتِ الاعتصامَ بالله جل وعلا بكلمة واحدة وصف واحد لرأت عجبًا ولجاءهم النصر المبين والفتح العظيم. إن الأمة الإسلامية لما كانت يدًا واحدة ودولة واحدة حينها رأت النصر المبين ورأت الفتح العظيم وتراجعت دولة الكفر وتقدمت دولة الإسلام، وكانت الرايات ترفرف وهي رايات العزو التمكين في كل مكان. هذا على مستوي الأمة. وإن نظرنا على مستوي الفرد فنرى الاعتصام بغير الله لمنتشر بين الأفراد. فهذا يعتصم بعقله وذاك بماله والثالث برئاسته والرابع بأملاكه وقوته والخامس بأعوانه وحاشيته. ونسوا أن الله على كل شئ قدير. وإنَّ طلبَ المرإ لغير الله ذلٌّ ما بعده ذل والاعتصام لغيره هلاك وخسران مبين. والحقيقة أننا إذا أردنا النصر والتمكين والعز والمجد والفخار فلا يمكن تحصيله إلا بالاعتصام بالله جل وعلا سواء على مستوى الأمة كلها أو علي مستوى الأفراد والآحاد. الخاتمة الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلي آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1) تفسير ابن كثير - 4/ 1887.

فإني أحمد الله سبحانه وتعالى أن وفقني لإتمام هذه الرسالة. وقبل أن أختم خاتمتي هذه أذكر نفسي وأحبابي بهذا الحديث العظيم الذي فيه بيان للاعتصام بالله جل وعلا فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف النبي - صلي الله عليه وسلم - يومًا فقال: «يا غلام إنى أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». رواه الترمذي. وفي رواية غير الترمذي [احفظ الله تجده أمامك، تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرًا]. فلا والله لا نجاة لنا إلا بالاعتصام به وحده سبحانه وتعالى. وفي الختام أقول إن كان صوابًا فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان. وصلى الله على سيدنا محمد وعلي آله وسلم. أنور بن أهل الله بن أنوار الله 14/ 1/1431هـ

§1/1