الاختلاط بين الرجال والنساء

سعيد بن وهف القحطاني

تقديم معالي العلامة الدكتور الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للَّه، وبعد: فقد تصفحت الكتاب الذي هو بعنوان: (الاختلاط بين الرجال والنساء) لفضيلة الشيخ الدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني، فوجدته كتاباً وافياً في موضوعه، جيداً في صياغته، وتقاسيمه، وعناوينه، شاملاً لكل أطراف الموضوع، شاملاً لبيان الأدلة، وأقوال العلماء، مما لا يدع مجالاً للتشكيك في هذه المسألة الخطرة التي تنكرها الفطر السليمة، والأخلاق القويمة، لولا ما تلوَّثَتْ به بعض الأفكار من آثار الحضارة الغربية، التي أقحمت المرأة في كل ميدان، مما يحوجها إلى خلع الحجاب؛ لتجاري الوضع السائد؛ لأنها خرجت عن محيط تخصصها إلى مشاركة الرجال، فكان لا بد من بيان الحق، فجزى اللَّه الشيخ سعيداً على ما قام به من مجهود علمي مفيد، قاطعاً لكل لسان يهرف بما لايعرف. وهدى اللَّه المسلمين إلى التمسك بدينهم، وآدابهم، وأخلاقهم، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في 16/ 10/ 1432هـ

المقدمة

المقدمة إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذه رسالة في «الاختلاط بين الرجال والنساء: مفهومه، وأنواعه، وأقسامه، وأحكامه، وأضراره في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة» (¬1)، وقد قسمتها إلى مباحث على النحو الآتي: المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: أنواع الاختلاط وأقسامه، وبداياته. المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية. المبحث الرابع: الأدلة على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن. المبحث الخامس: أضرار الاختلاط ومفاسده. المبحث السادس: شبهات دعاة الاختلاط والرد عليها. ¬

(¬1) أفردت هذه الرسالة من كتابي: «إظهار الحق والصواب في حكم الحجاب»؛ ليسهل الانتفاع بها.

المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب. واللَّه أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً نافعًا، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وينفع به من انتهى إليه، وأن يجعله حجةً لنا، لا حجةً علينا؛ فإنه - عز وجل - خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه وسلّم، على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. المؤلف أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر في عصر يوم السبت الموافق 22/ 8/1432هـ

المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحا

المبحث الأول: تعريف الاختلاط: لغة واصطلاحاً أولاً: الاختلاط لغة: يقال: خَلَطَ الشيء بالشيء يَخْلِطُه خَلْطاً، وخَلَّطَه فاخْتَلَطَ: مَزَجَه، واخْتَلَطا وخالطَ الشيءَ مُخالَطة وخِلاطاً: مازَجَه. والخِلاط: اخْتِلاطُ الإِبِل، والناسِ، والمَواشي، ويقال: ... أَخْلاطٌ من الناس، وخَلِيطٌ، وخُلَيْطى، وخُلَّيْطى: أَي أَوْباشٌ مُجْتَمِعُون مُخْتَلِطُون. وخلَط القومَ خَلْطاً، وخالَطَهم: داخَلَهم. والخَلِطُ: المختلط بالناس المُتَحَبِّبُ، يكون للذي يَتَمَلَّقُهم، ويتحَبَّبُ إِليهم، ويكون للذي يُلْقي نساءَه ومتاعَه بين الناس (¬1). وقال العلامة الفيُّومي - رحمه الله -: «خلطت الشيء بغيره خَلْطًا من باب ضرب: ضممته إليه فَاخْتَلَطَ هو، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في خلط الحيوانات، وقد لا يمكن كَخَلْطِ المائعات فيكون مزجاً ... وقد توسع فيه حتى قيل: رجل خَلِيطٌ إذا اخْتَلَطَ بالناس كثيراً، والجمع: الخُلَطَاءُ» (¬2). وقال ابن فارس - رحمه الله -: «(خلط): الخاء، واللام، والطاء أصل ¬

(¬1) لسان العرب، لابن منظور، مادة (خلط)، 7/ 291 - 295 بتصرف. (¬2) المصباح المنير، 1/ 177.

ثانيا: تعريف الاختلاط المحرم في الاصطلاح:

واحد ... تقول: خلطت الشيء بغيره فاختلط» (¬1). ويقال: خلط الشيء بالشيء: ضمه إليه، قال اللَّه تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2). والخليط: المجاور، والشريك، ومنه قول اللَّه تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (¬3) (¬4). فالاختلاط في اللغة: يطلق على الامتزاج، والاجتماع، والمداخلة بالأبدان، والانضمام والضم، والمجاورة، والاشتراك من الشريك، واللَّه تعالى أعلم. ثانياً: تعريف الاختلاط المحرم في الاصطلاح: 1 - هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم له اجتماعاً يؤدي إلى ريبة (¬5). 2 - وقيل: هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد ¬

(¬1) معجم مقاييس اللغة، ص 327، وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/ 62. (¬2) سورة التوبة، الآية: 102. (¬3) سورة ص، الآية: 24. (¬4) القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 119. (¬5) عودة الحجاب، لمحمد بن إسماعيل المقدم، 3/ 52، وانظر: التبرج لعكاشة الطيبي، ص 68، وتحريم الاختلاط للبداح، ص 9.

يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم: بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو البدن من غير حائل، أو مانع يدفع الريبة والفساد (¬1). 3 - وقيل: الاختلاط هو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد، بحكم العمل، أو البيع، أو الشراء، أو النزهة، أو السفر، أو نحو ذلك (¬2). 4 - وقيل: «هو اختلاط جنسي الذكور والإناث اختلاطاً منظماً، ومقنّناً في مجال العلم، أو العمل، أو نحوهما، بمختلف الوجوه، كالاختلاط في الدراسة الجامعية، أو في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، والشركات، والمعامل وغير ذلك» (¬3). 5 - وقيل: هو: «اجتماع الرجال بالنساء في التعليم، والعمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة، والخاصة، وغيرها» (¬4). 6 - وقيل: «هو اختلاط جنسي الذكور والإناث بمختلف الوجوه، ¬

(¬1) المرجع السابق، 3/ 52، والتبرج لعكاشة الطيبي، ص 68، وتحريم الاختلاط للبداح، ص 9. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، 1/ 420، وعنوان هذا المبحث: «خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله». (¬3) العلاقات الجنسية غير الشرعية، عبد الملك السعدي، ص 312، وانظر: تحريم الاختلاط والرد على من أباحه، للدكتور عبد العزيز البداح، ص 10. (¬4) حراسة الفضيلة، بكر أبو زيد، ص 81، وانظر: تحريم الاختلاط والرد على من أباحه، لعبد العزيز البداح، ص 9.

كالاختلاط في الدراسة الجامعية، أو في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، والمحلات التجارية، والشركات، والمعامل، وغير ذلك» (¬1). 7 - وقيل: الاختلاط: هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم اجتماعاً يؤدي إلى ريبة، والأمر بالقرار في البيت وتحريم الخلوة يعتبران نهياً عنه» (¬2). 8 - وقيل: الاختلاط المحرم: هو اجتماع النساء بالرجال الأجانب اجتماعاً خاصاً أو عاماً يحدث بسببه الافتتان» (¬3). 9 - والتعريف الاصطلاحي المختار للاختلاط المحرم هو: انضمام واجتماع ومداخلة الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم: بالنظر، أو الإشارة، أو الكلام، أو البدن، من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد. واللَّه تعالى أعلم. ويؤخذ من هذا التعريف الاصطلاحي للاختلاط المحرم: أنه كل اجتماع بين الرجال الأجانب والنساء غير المحارم، يحصل به انضمام، أو اجتماع، أو مداخلة بالنظر، أو الإشارة، أو الابتسامة والضحك، أو الكلام المحرم، أو ملامسة الأبدان بالاحتكاك أو ¬

(¬1) التبرج والاختلاط، عثمان بن ناعورة، ص 42، وتحريم الاختلاط، للبداح، ص9. (¬2) المرأة والشريعة الإسلامية، لمحمد الأباصيري، ص 47، وانظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لأبي محمد بن عبد اللَّه الإمام، ص29. (¬3) انظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لأبي محمد بن عبد اللَّه الإمام، ص29.

المصافحة، أو غير ذلك، مثل ما يحصل: في الدراسة الجماعية في الجامعات المختلطة، أو المدارس المختلطة بين الجنسين، وكذا ما يحصل في ميدان العمل بالدوائر الرسمية، أو البيع أو الشراء، أو النزهة أو السفر، أو العمل بالشركات أو المحلات التجارية، أو المستشفيات: والاختلاط بين الأطباء والطبيبات، وبالممرضين والممرضات، ومن ذلك كل طبيب عنده ممرضة، أو طبيبة عندها ممرض، يخلو بها في بعض الأوقات، أو السكرتيرة للطبيب، والسكرتير للطبيبة، أو الاختلاط في المؤتمرات، أو الندوات، أو المحاضرات، أو الاجتماعات، أو الأكل الجماعي في المطاعم، سواء كانت عامة أو خاصة، أو خدمة النساء للرجال الأجانب، وتقديم الأطعمة أو المشروبات مباشرة بدون حجاب، ولا حائل، كما يحصل في الطائرات وغيرها. فهذا هو الاختلاط المحرم الذي لا شك في تحريمه، نسأل اللَّه السلامة والعافية.

المبحث الثاني: أنواع الاختلاط وأقسامه، وبداياته

المبحث الثاني: أنواع الاختلاط وأقسامه، وبداياته أولاً: أنواع الاختلاط المحرم، وصوره على النحو الآتي: 1 - اختلاط الأولاد: الذكور والإناث - ولو كانوا إخوة- في المضاجع بعد التمييز، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» (¬1). 2 - اتخاذ الخدم الرجال، واختلاطهم بالنساء، وحصول الخلوة بهن، رُوِي في بعض الآثار أن فاطمة عليها السلام لما ناوَلَت أحَدَ ابنَيْها بلالًا أو أنسًا قال: «رأيت كفًا» يعني أنه لم يَرَ وجهًا (¬2)، وقد كان أنس - رضي الله عنه - خادمًا خاصّاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يعيش عنده كأحد أهله. 3 - اتخاذ الخادمات اللائي يبقين بدون محارم، وقد تحصل بهن الخلوة. 4 - السماح للخطيبين بالمصاحبة والمخالطة التي تجر إلى الخلوة، ثم ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 495، وأحمد، 11/ 369، برقم 6757، والمستدرك، 1/ 197، والدارقطني، 1/ 230، ومصنف ابن أبي شيبة، 1/ 304، برقم 3482، والسنن الكبرى للبيهقي، 2/ 228، ومسند البزار، 17/ 189، وحسنه النووي في رياض الصالحين، ص 378، وحسن إسناده الألباني، في صحيح أبي داود، 2/ 401، برقم 509. (¬2) تكملة فتح القدير، 8/ 98.

5 - استقبال المرأة أقارب زوجها

إلى ما لا تحمد عقباه، فيقع العبث بأعراض الناس بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا. 5 - استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، وأصدقاءه- في حال غيابه ومجالستهم. 6 - الاختلاط في دور التعليم كالمدارس، والجامعات، والمعاهد، والدروس الخصوصية. 7 - الاختلاط في الوظائف، والأندية، والمواصلات، والأسواق، والمستشفيات، والزيارات بين الجيران، والأعراس، والحفلات. 8 - الخلوة في أي مكان ولو بصفة مؤقتة كالمصاعد، والمكاتب، والعيادات، وغيرها (¬1). ثانياً: أقسام الاختلاط: المباح، والمحرم: له ثلاث حالات: قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات: الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال، وهذا لا إشكال في جوازه. الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه. ¬

(¬1) انظر: عودة الحجاب، لمحمد أحمد المقدم، 3/ 56 - 57.

الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب

الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في: دور العلم، والحوانيت، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك، فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر؛ ولكشف حقيقة هذا القسم فإنَّا نجيب عنه من طريق: مجمل، ومفصل: أما المجمل: فهو أن اللَّه تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ على ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيئ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصَّل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سدَّ الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة. أما الأدلة من الكتاب فستة: ... ». ثم ذكرها - رحمه الله - (¬1)، ثم قال: «وأما ¬

(¬1) الأدلة التي ذكرها: قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ... } [سورة يوسف، الآية: 23]، والثاني قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْضَارِهِمْ ... } [سورة النور، الآيتان: 30 - 31]، قال: والثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ... ، والرابع: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ... } [سورة النور، الآية: 31]، والخامس: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر، الآية: 19]، والدليل السادس: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... } [سورة الأحزاب، الاية: 33].

ثالثا: بدايات الاختلاط في أماكن العمل والتعليم في بلاد المسلمين

الأدلة من السنة، فإننا نكتفي بعشرة أدلة»، ثم ساقها - رحمه الله - (¬1) (¬2). ثالثاً: بدايات الاختلاط في أماكن العمل والتعليم في بلاد المسلمين: لم يكن اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل والتعليم معروفاً في مجتمعات المسلمين، ولم يعرف قبل تمكن الاحتلال الفرنسي والإنجليزي من أرض الإسلام، وقد ذكر صاحب كتاب تاريخ التعليم في العراق 1921 م- 1932 أن أعيان البصرة كتبوا لرئيس مجلس الوزراء في العراق كتاباً يتضمن استنكاراً لما قام به مدير المعارف في وقته من زيارة مدرسة للبنات، واعتبروا ذلك تغريباً وسبيلاً للسفور (¬3). وقد دخل الاختلاط في أماكن التعليم بلاد الإسلام في أول الأمر عن طريق المدارس الأجنبية التي أنشأها المحتل الأجنبي (¬4)، حيث إن أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في الدولة العثمانية في بيروت عام 1830 م، تبع ذلك افتتاح مدارس كثيرة للبنات في مصر والسودان وسوريا والعراق وفلسطين والهند والأفغان، التي بدأت في أول أمرها للبنات، ثم تحولت مختلطة بين الجنسين (¬5). ¬

(¬1) وسأذكرها إن شاء اللَّه في الأدلة على تحريم الاختلاط المحرّم. (¬2) فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مفتي المملكة العربية السعودية في زمنه، ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية، 10/ 35. (¬3) تاريخ التعليم في العراق، ص 121. (¬4) المدارس الأجنبية، بكر أبو زيد، ص 34، والمدارس الأجنبية في الخليج، عبد العزيز البداح، ص 341. (¬5) المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد الصواف، ص 220.

المسار الأول: عن طريق المستغربين

وظهر التيار التغريبي في مصر - أنموذجاً- وجرى على يديه الاختلاط في أماكن العمل والتعليم عن طريق ثلاثة مسارات: المسار الأول: عن طريق المستغربين [كأحمد لطفي السيد الهالك سنة 1382هـ]، وهو أول من أدخل الفتيات المصريات في الجامعات مختلطات بالطلاب سافرات الوجوه، لأوَّل مرة في تاريخ مصر، يناصره في ذلك طه حسين الهالك سنة 1393هـ] (¬1)، الذين أمسكوا بأزمة الجامعة المصرية، فأدخلوا البنات فيها بشكل تدريجي حتى صارت مختلطة بين الطالبات والطلاب، ولما ثار عليهم علماء الأزهر، قال طه حسين قولته الماكرة: «لاأعلم نصاً في كتاب اللَّه أو سنة نبيه يمنع اختلاط الشبان بالشابات لطلب العلم»!!! (¬2). ولما وقعت بعض جرائم الزنا إبان افتتاح الجامعة المصرية قال بكل صراحة: «لا بد من ضحايا» لكنه لم يذكر هذه الضحايا في سبيل ماذا؟!! (¬3). المسار الثاني: كتابات بعض المنتسبين للعلم الذين دعوا إلى الاختلاط بين الرجال والنساء، فكانوا سنداً للمستغربين، وعوناً لهم، كرفاعة الطهطاوي في كتابه «تلخيص الإبريز في تاريخ باريز»، وخير ¬

(¬1) انظر: حراسة الفضيلة، للعلامة بكر أبو زيد، ص 139. (¬2) انظر: طه حسين في ميزان الإسلام، أنور الجندي، ص 61 - 62. (¬3) المرأة المسلمة، وهبي غاوجي، ص 242.

المسار الثالث: نشطت الصحافة في نشر الأفكار المنحرفة

الدين التونسي في كتابه «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك» (¬1)، ومحمد عبده الذي كتب بعض فصول كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين (¬2)، وعبد العزيز جاويش الذي أنشأ مجلة «الهداية»، وهي تستهدف تقريب الدين من الثقافة الغربية الحديثة، وقد نشرت مقالاً لعبد القادر المغربي عن حجاب المرأة دعا فيه إلى السفور والاختلاط، واستشهد فيه - على زعمه - بأحاديث وآثار شرعية!! (¬3). المسار الثالث: نشطت الصحافة في نشر الأفكار المنحرفة المتعلقة بعمل المرأة وتعليمها واختلاطها بالرجال، مستهدفة ذلك الحاجز القوي الذي أقامه الإسلام على أساس المحافظة على العِرض والشرف والخلق، حين دعا إلى حماية كرامة المرأة بالفصل بينها وبين الرجل في المجتمعات ودوائر الأعمال، وفي لقاء البيوت والأسر (¬4). وهكذا انتشر وباء الاختلاط في مجتمعات المسلمين بعد تآزر قوى الظلام (المستغربون، أدعياء العلم، أقلام الصحافة المسمومة) وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل (¬5). ¬

(¬1) الإسلام والحضارة الغربية، محمد حسين، ص 18. (¬2) مؤامرات على الحجاب، البرازي، ص 57. (¬3) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، محمد حسين، ص 357 - 360. (¬4) الصحافة والأقلام المسمومة، أنور الجندي، ص 32 - 33. (¬5) تحريم الاختلاط والرد على من أنكره، لعبد العزيز البداح، ص 52 - 54.

المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية

المبحث الثالث: حكم الاختلاط وتحريم الأسباب الموصلة إليه وبيان عادة الإباحية أولاً: الاختلاط بين النساء والرجال الأجانب محرّم تحريماً مؤكداً؛ لأن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية. كل هذا لحفظ الأعراض، والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساسية في بيتها؛ ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة، والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة. ولهذا فإن أهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: «المدارس الاستعمارية الأجنبية العالمية»، التي فتحت أول ما فتحت في بلاد الإسلام في: (لبنان) كما بينه العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه: «المدارس الاستعمارية

-الأجنبية العالمية- تاريخها ومخاطرها على الأمة الإسلامية» (¬1). وقد عُلِم تاريخيّاً أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها؛ بتضييع مقومات كرامتها، وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي الحكيم. كما عُلِمَ تاريخياً أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة (¬2) اليونان والرومان، وهكذا عواقب الأهواء والمذاهب المضلة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «إن دولة بني أمية كان انقراضها بسبب هذا الجَعْدِ المعطِّل وغيره من الأسباب» (¬3). وقال ابن القيم - رحمه الله - ما مختصره: «فصل: ومن ذلك أن وليّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفُرَج، ومجامع الرجال ... فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (¬4)، ... وفي حديث آخر أنه قال للنساء: «علَيْكُنَّ حافات الطريق» (¬5). ¬

(¬1) انظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص 82. (¬2) المرجع السابق، ص 81 - 82. (¬3) مجموع الفتاوى، 13/ 182. (¬4) البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، برقم 5096، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد اللَّه تعالى بعد الأكل والشرب، برقم 2740. (¬5) أخرجه البيهقي في الشعب، 10/ 240، وفي الآداب له، برقم 668.

ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكنَّ بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة، والرقاق، ومنعهنّ من حديث الرجال في الطرقات، ومنع الرجال من ذلك. وإن رأى وليّ الأمر أن يفسد على المرأة - إذا تجملت وتزينت وخرجت - ثيابها بحبر ونحوه، فقد رخّص في ذلك بعض الفقهاء وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية. وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة؛ بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، واللَّه سائلٌ وليّ الأمر عن ذلك. وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق. فعلى وليِّ الأمر أن يقتدي به في ذلك. وقال الخلال في جامعه: أخبرني محمد بن يحيى الكحال: أنه قال لأبي عبد اللَّه: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صِحْ به، وقد أخبر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أن المرأة إذا تطيَّبت وخرجت من بيتها فهي زانية» (¬1). ¬

(¬1) لم أجد هذا اللفظ، وإنما ما ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اسْتَعْطَرَتِ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ على القوم لِيَجِدُوا رِيحَهَا فهي زَانِيَةٌ». أخرجه أبو داود، برقم 4173، والترمذي، برقم 2786، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، برقم 5126، والحاكم، 2/ 397، وأخرجه أيضًا: أحمد، برقم 19711، وقال محققو المسند: «إسناده جيد»، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 216، برقم 2019، وفي غيره من كتبه.

ويمنع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهدَ عشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان» (¬1). ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، أصل كل بلية وشرّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة (¬2). ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل اللَّه عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية -قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعاً لذلك» انتهى كلامه - رحمه الله - (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب حدثنا محمد بن بشار، 3/ 476، برقم 1173، وابن خزيمة، 1/ 93، 1685، مسند البزار، 5/ 427، برقم 427، والطبراني في المعجم الكبير، 9/ 295، برقم 9481، والمعجم الأوسط، 3/ 189، برقم 2890، ومصنف ابن أبي شيبة 2/ 384، برقم 7698، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/ 303. (¬2) مثل: الإيدز وغيره. (¬3) الطرق الحكمية، لابن القيم، ص 324 - 326، بتصرف، وانظر: حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص 81 - 84.

ثانيا: تحريم الأسباب الموصلة إلى الاختلاط

ثانياً: تحريم الأسباب الموصلة إلى الاختلاط بين النساء والرجال غير المحارم؛ ولهذا قال العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله - بعد أن ساق كلام ابن القيم - رحمه الله - آنف الذكر: «ولهذا حرمت الأسباب المفضية إلى الاختلاط، وهتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ... » (¬1)، ثم ذكر - رحمه الله - الأسباب التي توصل إلى الاختلاط على النحو الآتي: 1 - تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، للأحاديث المستفيضة كثرة وصحة، ومنها: خلوة السائق، والخادم، والطبيب وغيرهم بالمرأة، وقد تنتقل من خلوة إلى أخرى، فيخلو بها الخادم في البيت، والسائق في السيارة، والطبيب في العيادة، وهكذا!!. 2 - تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة. 3 - تحريم النظر العمد من أيٍّ منهما إلى الآخر، بنص القرآن والسنة. 4 - تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء -وهم أقارب الزوج- فكيف بالجلسات العائلية المختلطة، مع ما هن عليه من الزينة، وإبراز المفاتن، والخضوع بالقول، والضحك .. ؟. 5 - تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية، حتى المصافحة للسلام. 6 - تحريم تشبه أحدهما بالآخر (¬2). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة، ص 84. (¬2) المرجع السابق، ص 85.

ثم قال - رحمه الله -: «وشرع لها صلاتها في بيتها، فهي من شعائر البيوت الإسلامية، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت الحديث بذلك. ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة، وأُذِنَ لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية: الأول: أن تؤمن الفتنة بها وعليها. الثاني: أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي. الثالث: أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع. الرابع: أن تخرج تَفِلةً غير متطيبة. الخامس: أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة. السادس: إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها معه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره. السابع: تكون صفوف النساء خلف الرجال. الثامن: خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال. التاسع: إذا نابَ الإمامَ شيء في صلاته سَبَّح رجل، وصفقت امرأة. العاشرة: تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دُورهن، كما في حديث أم سلمة

ثالثا: عادة الإباحية للاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب

- رضي الله عنها -، في صحيح البخاري وغيره. إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال، واللَّه أعلم». (¬1) ثالثاً: عادة الإباحية للاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب، قال العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله -: «ولا بد من التنبيه إلى أن دعاة الإباحية، لهم بدايات تبدو خفيفة، وهي تَحْمِلُ مكايد عظيمة، منها في وضع لبنة الاختلاط، يبدؤون بها من رياض الأطفال، وفي برامج الإعلام، وركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم طاقات -وليس باقات- الزهور من الجنسين في الاحتفالات». ثم قال - رحمه الله -: «إذا كان الاختلاط بين الجنسين في رياض الأطفال مرفوضاً؛ لأنه ليس من عمل المسلمين على مدى تاريخهم الطويل في تعليم أولادهم في الكتاتيب وغيرها؛ ولأنه ذريعة إلى الاختلاط فيما فوقها من مراحل التعليم، فالدعوة إلى الاختلاط في الصفوف الأولى من الدراسة الابتدائية مرفوضة من باب أولى، فاحذروا أن تخدعوا أيها المسلمون!!. وهكذا .. من دواعي كسر حاجز النفرة من الاختلاط، بمثل هذه البدايات، التي يستسهلها كثير من الناس. ¬

(¬1) حراسة الفضيلة، ص 85 - 86، ببعض التصرف.

فليتق اللَّه أهلُ الإسلام في مواليهم، وليحسبوا خطوات السير في حياتهم، وليحفظوا ما استرعاهم اللَّه عليه من رعاياهم، والحذر الحذر من التفريط والاستجابة لفتنة: الاستدراج إلى مدارج الضلالة، وكل امرئٍ حسيب نفسه» (¬1). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة، ص 86 - 87.

المبحث الرابع: الأدلة على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن

المبحث الرابع: الأدلة على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن لما حرَّم الله الزنا حرَّم الأسباب الموصلة إليه؛ ولهذا قال العلامة بكر أبو زيد - رحمه الله -: «قاعدة الشرع المطهّر: أن اللَّه سبحانه إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه، تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه، أو القرب من حماه ... وفاحشة الزنا من أعظم الفواحش، وأقبحها وأشدها خطراً وضرراً، وعاقبةً على ضروريات الدين؛ ولهذا صار تحريم الزنا معلوماً من الدين بالضرورة. قال اللَّه تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (¬1). ولهذا حرِّمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور ووسائله، والتبرج ووسائله، والاختلاط ووسائله، وتشبه المرأة بالرجل، وتشبهها بالكافرات .. وهذا من أسباب الرِّيبة، والفتنة، والفساد» (¬2). أولاً: الأدلة من القرآن العظيم على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن: الدليل الأول: قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (¬3). ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 32. (¬2) حراسة الفضيلة، 49. (¬3) سورة النور، الآيتان: 30 - 31.

الدليل الثاني: قال الله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}

يأمر اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات وجوب غض البصر، وحفظ الفرج عن الزنا، ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، واختلاط النساء بالرجال في أماكن العمل والتعليم من أعظم وسائل وقوع الفاحشة (¬1). وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: « ... فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن؛ لما يؤدي إليه من المفسدة، وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر، والسعي إلى ما هو أسوأ منه» (¬2). الدليل الثاني: قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (¬3). «يقول اللَّه تعالى آمرًا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر النساء المؤمنات خاصة أزواجه وبناته لشرفهن بأن يدنين عليهن جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية (¬4). فلا يتعرض لهن من في قلبه مرض، فإذا كانت الشريعة تأمر المرأة بالحجاب عند خروجها لئلا يتعرض لها ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز، 1/ 421. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم، 10/ 37. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 59. (¬4) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 11/ 242.

الدليل الثالث: قول الله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}

من في قلبه مرض، أفيتصور أن تجيز هذه الشريعة اجتماع الرجال بالنساء السافرات في أماكن العمل والتعليم مع ما يفرضه ذلك على المرأة من التبذل، ومن ثمَّ جرأة الفساق عليها؟!. الدليل الثالث: قول اللَّه تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬1). ومعنى هذه الآية الكريمة الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يعم جميع النساء بالمعنى «فإذا كانت أمهات المؤمنين الطاهرات قد أُمرن بذلك فغَيْرهن من باب أولى؛ ولأنهن القدوة لنساء الأمة» (¬2)، كيف والشريعة جاءت بلزوم النساء بيوتهن، والانطفاف عن الخروج منها إلا لضرورة (¬3)، وإذا كانت الشريعة قد جاءت بمنع المرأة من الخروج من بيتها لغير حاجة درءاً للفتنة، وصيانة للمرأة، فهل يصحّ أن يكون خروجها للعمل والدراسة مع الرجال التي هي مواضع فتنة جائزاً شرعاً؟ ويؤخذ من قوله تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} الأمر بالقرار في البيوت سداً لباب الاختلاط؛ لأنه خروج لغير ضرورة معتبرة فاتح لباب الاختلاط، ويؤخذ من قوله تعالى: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬2) انظر: تحريم الاختلاط للبداح، ص 12، نقله عن صالح الفوزان. (¬3) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 14/ 227.

الدليل الرابع: قول الله تعالى: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب}

الجَاهِلِيَّةِ} أن تبرج المرأة يدعو إلى القرب منها، واللقاء بها، والمحادثة معها، فترك التبرج يحميها من الاختلاط (¬1). الدليل الرابع: قول اللَّه تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (¬2). قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في وقته: «وجه الدلالة أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف - عليه السلام - ظهر منها ما كان كامناً، فطلبت منه أن يوافقها، ولكن أدركه اللَّه برحمته، فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬3)، وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء، اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر، وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه» (¬4). الدليل الخامس: قول اللَّه تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬5). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، ص 114،وانظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 10/ 38 .. (¬2) سورة يوسف، الآية: 23. (¬3) سورة يوسف، الآية: 34. (¬4) فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم، 10/ 36. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 53.

الدليل السادس: قول الله تعالى: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون}

أمر اللَّه تعالى المؤمنين إذا سألوا نساء النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حاجة - ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى - أن يسألوهم من وراء حجاب (¬1)، والأمر بكون سؤالهن من وراء حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز وعدم الاختلاط (¬2). الدليل السادس: قول اللَّه تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (¬3). ففي هذه الآية بيّن جلّ وعلا أن ابنتي شيخ مدين لا تسقيان الماء حتى يصدر الرعاء لئلا يختلطا بالرجال (¬4)، وهذا فيه مدح وثناء على هذا الخُلُق والسلوك كما هو بيِّنٌ من السياق. الدليل السابع: قول الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (¬5). قال السعدي - رحمه الله -: «والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» خصوصاً هذا الأمر الذي في ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 14/ 178. (¬2) فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم، 10/ 244. (¬3) سورة القصص، الآية: 23. (¬4) التفسير الكبير للرازي، 23/ 204. (¬5) سورة الإسراء، الآية: 32.

الدليل الثامن: قول الله تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}

كثير من النفوس أقوى داع إليه» (¬1). وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: «ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب ونضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة وأنجح طريق إلى انتشار الفاحشة وفشو الرَّذيلة بين الجنسين» (¬2). وقال أيضاً: «ومعلوم أن اختلاط الجنسين في الجامعات على الحالات المعهودة في جامعات أوروبا ونحوها أنه فتح للباب على مصراعيه لذريعة الزنا كما هو مشاهد مشاهدة لا يمكن معها الجدال إلا من مكابر» (¬3). الدليل الثامن: قول اللَّه تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (¬4)، قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في وقته: «وجه الدلالة أن اللَّه تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة، فكيف بالاختلاط» (¬5). ثانياً: الأدلة من السنة النبوية المطهرة على تحريم اختلاط النساء بالرجال: الدليل الأول: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا ¬

(¬1) تفسير السعدي، ص 457. (¬2) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 78. (¬3) المصدر السابق، ص 80. (¬4) سورة غافر، الآية: 19. (¬5) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 38.

وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1). فدلّ هذا الحديث العظيم على: أن تفضيل الصفوف الأخيرة مع فوات أجر التقدم (¬2) يدلّ على مشروعية بعد المرأة عن الرجال، وأنها كلما كانت أبعد عنهم كانت أقرب إلى الخير، وكلما قربت منهم كانت أقرب إلى الشر، فدلّ على أن الاختلاط شر، والبعد عنه خير. قال الإمام النووي - رحمه الله -: «وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الرِّجَال؛ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال، وَرُؤْيَتهمْ، وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ، وَسَمَاع كَلَامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ، وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم» (¬3). وقال الشوكاني - رحمه الله -: «قوله: «خير صفوف النساء آخرها» إنما كان خيرها لما في الوقوف فيه من البعد عن مخالطة الرجال» (¬4). وقال السندي - رحمه الله - في حاشيته على سنن النسائي: «أي أقلها أجراً، وفي النساء بالعكس؛ وذلك لأن مقاربة أنفاس الرجال للنساء يخاف منها أن تشوش المرأة على الرجل والرجل على المرأة، ثم ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الصف الأول فالأول ... ، برقم 440. (¬2) فإن الأصل أن المتقدم أعظم أجراً، وله أجر من خلفه؛ لأنهم يقتدون به؛ لما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: «تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللَّه». (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 159. (¬4) نيل الأوطار، 3/ 226.

الدليل الثاني: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -

هذا التفصيل في صفوف الرجال على إطلاقه، وفي صفوف النساء عند الاختلاط بالرجال كذا قيل، ويمكن حمله على إطلاقه؛ لمراعاة الستر. فتأمل واللَّه تعالى أعلم» (¬1). وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعد هذا الحديث: «فإذا كان الشرع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة، مع أنه لم يحصل اختلاط، فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى، فيمنع الاختلاط من باب أولى» (¬2). وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: «ولا ينبغي أن يغرَّنا ما يدعو إليه أهل الشر والفساد من المقلِّدين للكفار من الدعوة إلى اختلاط المرأة بالرجال؛ فإن ذلك من وحي الشيطان والعياذ باللَّه، هو الذي يُزيّن ذلك في قلوبهم، وإلاّ فلا شكَّ أنّ الأمم التي كانت تُقدّم النساء وتجعلهن مع الرجال مختلطات، لا شكَّ أنّها اليوم في ويلات عظيمة من هذا الأمر، يتمنون الخلاص منه، فلا يستطيعون» (¬3). الدليل الثاني: حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي ¬

(¬1) حاشية السندي على سنن النسائي، 2/ 94. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 30. (¬3) شرح رياض الصالحين، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، 3/ 152 - 153.

مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» (¬1). قال في عون المعبود: «(صلاة المرأة في بيتها) أي الداخلاني لكمال سترها (أفضل من صلاتها في حجرتها) أي صحن الدار، قال ابن الملك: أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها، وهي أدنى حالاً من البيت، (وصلاتها في مخدعها) - بضم الميم، وتفتح وتكسر، مع فتح الدال في الكل- وهو البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير، يحفظ فيه الأمتعة النفيسة من الخدع، وهو إخفاء الشيء، أي في خزانتها أفضل من صلاتها في بيتها؛ لأن مبنى أمرها على التستر» (¬2). فإذا فُضِّلَ في حقّ المرأة الصلاة في بيتها بُعداً عن الفتنة، ومخالطة الرجال، فمنعها من الاختلاط بالرجال في أماكن العمل والتعليم من باب أولى. وقال المباركفوري - رحمه الله -: «فائدة: اعلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ومع هذا لو استأذنت للصلاة إلى المسجد لا تُمنع، بل تؤذن لكن لا مطلقاً، بل بشروط قد وردت في الأحاديث. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب التشديدفي خروج النساء إلى المساجد، برقم 570، وابن خزيمة، 3/ 95، برقم 1690، والحاكم، 1/ 209، وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي، 3/ 131، والبزار، 5/ 426، برقم 2060، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 108، برقم 579. (¬2) عون المعبود، 2/ 195.

قال النووي - رحمه الله -: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه»، هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد، لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذةً من الأحاديث، وهي أن لا تكون مطيبةً ولا متزينةً، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابةً ونحوها ممن يفتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها. وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد، ووجدت الشروط المذكورة؛ فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط. انتهى كلام النووي (¬1). وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «قالَ ابن دَقِيق العِيد: هَذا الحَدِيث عامّ فِي النِّساء، إِلاَّ أَنَّ الفُقَهاء خَصُّوهُ بِشُرُوطٍ، مِنها: أَن لا تَتَطَيَّب، وهُو فِي بَعض الرِّوايات: «وليَخرُجنَ تَفِلات» (¬2) أي غَير مُتَطَيِّبات ... ¬

(¬1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 161. (¬2) أخرجه أحمد، 15/ 405، برقم 9645، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، 1/ 210، برقم 565، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 134، برقم 5160، وابن خزيمة، 3/ 90، برقم 1679. والشافعي في مسنده، ص 171، ومعرفة السنن والآثار، 4/ 237، وعبد الرزاق، 3/ 151، برقم 5121، والدارمي، 1/ 98، برقم 1314، وابن الجارود (1/ 91، رقم 332).، وأما حديث زيد بن خالد: فأخرجه أحمد، 36/ 7، برقم 21674، وابن حبان، 5/ 589، برقم 2211، والبزار، 9/ 231، والطبراني، 5/ 248، برقم 5239، والجملة الأولى في الصحيحين: البخاري: كتاب الجمعة، باب حدثنا عبد اللَّه بن محمد، برقم 900، ومسلم، كتاب الأذان، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 442. وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 7/ 212، والإرواء، برقم 515, وصحيح أبي داود، برقم 574.

الدليل الثالث: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -

ولِمُسلِمٍ مِن حَدِيث زَينَب امرَأَة ابن مَسعُود: «إِذا شَهِدَت إِحداكُنَّ المَسجِد فَلا تَمَسَّنَّ طِيبًا» (¬1). قالَ: ويَلحَق بِالطِّيبِ ما فِي مَعناهُ؛ لأَنَّ سَبَب المَنع مِنهُ ما فِيهِ مِن تَحرِيك داعِيَة الشَّهوة كَحُسنِ المَلبَس والحُلِيّ الَّذِي يَظهَر، والزِّينَة الفاخِرَة، وكَذا الاختِلاط بِالرِّجالِ» (¬2). وقال العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: «وَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمُتَطَيِّبَةَ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إِلَى الْمَسْجِدِ; لِأَنَّهَا تُحَرِّكُ شَهْوَةَ الرِّجَالِ بِرِيحِ طِيبِهَا، فَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ أَلْحَقُوا بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ: كَالزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَصَوْتِ الْخَلْخَالِ، وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِجَامِعِ أَنَّ الْجَمِيعَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ بِتَحْرِيكِ شَهْوَةِ الرِّجَالِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى» (¬3). الدليل الثالث: حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (¬4). ¬

(¬1) أخرجه مالك في الموطأ، 2/ 276، ومسلم، كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 443، ولفظه: «فلا تمس طيباً». (¬2) تحفة الأحوذي، 3/ 130، ونص الحافظ في فتح الباري، 2/ 350. (¬3) أضواء البيان، 5/ 546. (¬4) البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلونّ رجل بامرأة، برقم 5232، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2172.

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «وتَضَمَّنَ مَنعَ الدُّخُول مَنع الخَلوة بِها بِطَرِيقِ الأَولَى» (¬1). وقال الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: «وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ، وَلَوْ لَمْ تَحْصُلِ الْخَلْوَةُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالدُّخُولُ عَلَيْهِنَّ، وَالْخَلْوَةُ بِهِنَّ، كِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ تَحْرِيمًا شَدِيدًا بِانْفِرَادِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا - رحمه الله - أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كِلَيْهِمَا حَرَامٌ» (¬2). وقال أيضاً: «فتأمّلوا قوله - صلى الله عليه وسلم - في دخول قريب الزوج على زوجته: «الحمو الموت» لتدركوا أن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات أنه هو الموت» (¬3). وفيه التنصيص على عدم استثناء أقارب الزوج من هذا العموم. وقال القاضي عياض - رحمه الله -: «يريد لما فيه من الغرر المؤدي إلى الموت، فكذلك الخلو بالأحماء مؤدٍّ إلى الفتنة والهلاك في الدين؛ فجعله كهلاك الموت، فأورد هذا الكلام مورد التغليظ والتشديد، والأشبه أنه في غير أبي الزوج، ومن عدا المحارم منهم، واللَّه أعلم» (¬4). وقال القرطبي - رحمه الله -: «وقوله: «إياكم والدخول على المغيبات»؛ هذا ¬

(¬1) فتح الباري، 9/ 331. (¬2) أضواء البيان، 6/ 546. (¬3) محاضرات الشيخ الأمين، ص 162. (¬4) إكمال المعلم، 7/ 61.

تحذير شديد، ونهيٌ وكيد ... وقال: وقوله: «الحمو الموت»؛ أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة؛ أي: فهو مُحرَّم معلوم التحريم، وإنَّما بالغ في الزجر عن ذلك، وشبهه بالموت؛ لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة، لإلْفِهِم لذلك، حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة، وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدِّين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه» (¬1). وقال الإمام النووي - رحمه الله -: «وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا: أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا، وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد: الْأَخ، وَابْن الْأَخ، وَالْعَمّ، وَابْنه، وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ، وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ، وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْت، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ» (¬2). وقال ابن الأثير: «يعني أنّ خَلْوة الحَمِ معها أشدّ من خلوة غيره من الغُرَباء؛ لأنه ربما حَسَّن لها أشياء، وحَمَلها على أمور تَثْقُل على الزَّوج من الْتِماس ما ليس في وُسْعه» (¬3). ¬

(¬1) المفهم، 5/ 500 - 502 .. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 129 .. (¬3) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (حمو)، ص 236.

الدليل الرابع: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -

وقد ذكر العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: «جواباً عما يقوله أخو الزوج: لماذا لا تثق بي؟! ولماذا لا تتركني أدخل بيتك؟! فهذا مما يوجب التقاطع بين الأقارب، فقال: (إنه إذا حصل التقاطع بطاعة اللَّه فليكن، ما دمت أنا فعلت ذلك طاعة للَّه ورسوله فليكن، أليس اللَّه - عز وجل - يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (¬1)، يعني: لو بذلا غاية الجهد، وبلغا منك المشقة في التزين لا تطعهما، فأنا إذا أطعت اللَّه لا يهمني، إذا كان يريد أن يقطع الصلة بيني وبينه فليقطعهما، أما أن أخضع لأمر نهى عنه الشرع من أجل مراعاة هذا الرجل، وأنا أخشى على أهلي وعلى فراشي، فهذا لا يجوز أبداً» (¬2). الدليل الرابع: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - أنّه سَأَلَهُ رَجُلٌ: شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِيدَ أَضْحًى، أَوْ فِطْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ولَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ، يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ- قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا، وَلاَ إِقَامَةً، ثمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ، يَدْفَعْنَ إِلَى بِلاَلٍ ثُمَّ ارْتَفَعَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ» (¬3). قال ابن حجر - رحمه الله -: «قَولُهُ: (ثُمَّ أَتَى النِّساءَ) يُشعِرُ بِأَنَّ النِّساءَ كُنَّ ¬

(¬1) سورة لقمان، الآية: 15. (¬2) شرح صحيح البخاري، لابن عثيمين، 4/ 612. (¬3) البخاري، كتاب النكاح، باب {وَالَّذينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُمَ مِنْكُمْ}، برقم 5249.

الدليل الخامس: حديث أبي أسيد الأنصاري - رضي الله عنه -

عَلَى حِدَةٍ مِنَ الرِّجالِ غَيرَ مُختَلِطاتٍ بِهِم» (¬1). فإذا كانت الشريعة قد شرعت فصل الرجال عن النساء في أفضل الأماكن وأطهر البقاع، وهي المساجد، فالفصل في أماكن العمل والتعليم من باب أولى وأحرى. الدليل الخامس: حديث أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (¬2). وإذا مُنِعَ الاختلاط في الطريق مع كونه عابرًا عارضًا فمنعه في المجالس، وأماكن العمل والتعليم أولى، وهذا قياسٌ أولويٌ، وقال ابن حجر معلّقًا على حديث أم سلمة في انصراف النساء قبل الرجال: «وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت» (¬3). وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «وجه الدلالة: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا منعهنّ من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى ¬

(¬1) فتح الباري، 2/ 466. (¬2) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، برقم 5272، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 856. (¬3) فتح الباري، 2/ 336.

الدليل السادس: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -

الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!» (¬1). الدليل السادس: حديث أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ» (¬2). قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري - رحمه الله -: «نَرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ» (¬3). يؤخذ من هذا الحديث: أنّ النساء كنّ يقمن عقب الصلاة مباشرة، بإقرار من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلمه، مما يدلُّ على مشروعية ذلك، ومع ثبوت الفضل في بقاء المصلي في مصلاه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْه» (¬4)، إلا أنهنّ كنّ يبادرن بالانصراف تجنبًا للاختلاط بالرجال، وهذا يدل على أنّ درء مفسدة الاختلاط مقدّمة على نافلة البقاء في المصلّى لتحصيل الفضل المذكور. وقد بوّب البيهقي الشافعي - رحمه الله - في السنن الكبرى على هذا الحديث بقوله: «باب مكث الإمام في مكانه إذا كانت معه نساء كي ينصرفن قبل الرجال» (¬5). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، 10/ 42. (¬2) البخاري، كتاب الصلاة، باب التسليم، برقم: 837. (¬3) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة النساء خلف الرجال، بعد الحديث 870. (¬4) البخاري، كتاب المساجد، باب الحدث في المسجد، برقم 445. (¬5) سنن البيهقي، 2/ 182.

الدليل السابع: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -

وقال بدر الدين العيني الحنفي في شرحه هذا الحديث: «فيه خروج النساء إلى المساجد، وسبقهن بالانصراف والاختلاط بهن مظنة الفساد» (¬1). وقال ابن بطال المالكي في شرحه: «وفي حديث أم سلمة من الفقه: أن خروج النساء ينبغي أن يكون قبل خروج الرجال» (¬2). وقال ابن حجر العسقلاني الشافعي في شرح الحديث: «وَفِي الْحَدِيث مُرَاعَاة الْإِمَام أَحْوَالَ الْمَأْمُومِينَ، وَالِاحْتِيَاط فِي اِجْتِنَاب مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور، وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت» (¬3). واستدلالاً بهذا الحديث قال البهوتي الحنبلي -كما في الإقناع مع شرحه-: «(فَإِنْ كَانَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ) مَأْمُومِينَ بِهِ (اسْتُحِبَّ لَهُنَّ) أَيْ لِلنِّسَاءِ (أَنْ يَقُمْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ) وَيَنْصَرِفْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ عَوْرَةٌ فَلَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ، (وَ) اسْتُحِبَّ (أَنْ يَثْبُتَ الرِّجَالُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُونَ مَنْ انْصَرَفَ مِنْهُنَّ)» (¬4). الدليل السابع: حديث أمِّ سلَمةَ - رضي الله عنها -: «إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إذَا سَلَّمَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ, وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ ¬

(¬1) عمدة القاري، 6/ 122. (¬2) شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 2/ 463. (¬3) فتح الباري، 2/ 336. (¬4) كشاف القناع، 1/ 487.

الدليل الثامن: حديث عائشة - رضي الله عنها -

صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ, فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ الرِّجَالُ» (¬1). قال ابن قدامة - رحمه الله -: «إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ, فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَثْبُتَ هُوَ وَالرِّجَالُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُنَّ قَدْ انْصَرَفْنَ, وَيَقُمْنَ هُنَّ عَقِيبَ تَسْلِيمِهِ؛ لأن الإخلالَ بذلك من أحد الفريقين يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء» (¬2). وقال الكشميري: «قوله: (كُنَّ إذا سَلَّمْنَ مِنْ المَكْتوبةِ قُمْنَ، وَثَبت رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَلَّى مِن الرِّجَالِ)، وذلك لئلا يلزمَ الاختلاطُ في الطريق» (¬3). الدليل الثامن: حديث عائشة - رضي الله عنها - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا» (¬4). قال ابن بطال: «هذه السنة المعمول بها أن تنصرف النساء في الغلس قبل الرجال ليخفين أنفسهن، ولا يَتَبَيَّنَّ لمن لقيهنّ من الرجال؛ فهذا يدل أنهن لا يُقِمْنَ في المسجد بعد تمام الصلاة، وهذا كله من باب قطع الذرائع، والتحظير على حدود اللَّه، والمباعدة بين الرجال والنساء خوف الفتنة ودخول الحرج، ومواقعة ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام العالم، برقم 866. (¬2) المغني، 2/ 336. (¬3) فيض الباري، للكشميري، 2/ 593. (¬4) البخاري، برقم 872، وتقدم تخريجه.

الدليل التاسع: حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -

الإثم في الاختلاط بهن» (¬1). وقال ابن رجب: «وهذا يدل على سرعة خروجهن من المسجد عقيب انقضاء الصلاة مبادرة لما بقي من ظلام الغلس، حتى ينصرفن فيه، فيكون أستر لهن» (¬2). الدليل التاسع: حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬3). وهذا الحديث يدل على أن المرأة فتنة ضارّة على الرجال، واتقاء الفتنة الضارة أو المضلة، واجب شرعي لأدلة كثيرة، وقد بوّب البخاري - رحمه الله - في كتاب الإيمان بقوله: «بابٌ من الدين الفرار من الفتن» (¬4)، وذكر حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ» (¬5)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ» (¬6)، فإذا ثبت أن النساء فتنة للرجال، وأنّ اتقاء الفتنة واجبٌ، ثبت أن مخالطة الرجال للنساء محرمة لتضمنها ترك الواجب. ¬

(¬1) شرح البخاري، لابن بطال، 2/ 473. (¬2) فتح الباري، لابن رجب، 5/ 316. (¬3) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه. (¬4) البخاري، كتاب الإيمان، قبل الحديث رقم 19. (¬5) البخاري، كتاب الإيمان، باب من الدين الفرار من الفتن، برقم 19. (¬6) مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2867.

وأفاد الحديث: أنّ فتنة النساء أضرّ الفتن على الرجال، والقاعدة في الشريعة: «تحريم كل ما فيه ضرر»؛ لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» (¬1). وما قيل في حق الرجال مع النساء يقال في حق النساء مع الرجال؛ لأن ما ثبت للرجل يثبت نظيره للمرأة إلا ما دلّ الدليل على اختصاصه بالرجال؛ ولأنّ اختلاطها بالرجل إيقاع للضرر عليه، وإيقاع الضرر بالغير محرم للحديث السابق. وأفاد الحديث أن هذا الحكم عام في جميع الرجال، وجميع النساء، وذلك من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «على الرجال من النساء»، غير أنّه يستثنى من هذا الحكم الزوج، والمحارم للأدلة المشهورة على جواز مخالطتهم. قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» ... وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون» (¬2). ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من ¬

(¬1) أحمد، 5/ 55، برقم 2865، ومالك في الموطأ، 4/ 1078، برقم 2758، ومسند الشافعي، ص224، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، برقم 2340، والحاكم، 2/ 58، والطبراني في الكبير، 2/ 86، والبيهقي، 6/ 70، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 250. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 41 ..

النساء»، هذا حديث عظيم، يدل على أنه من مشكاة النبوة، وله صلة كبيرة بموضوعنا؛ لأن اختلاط النساء بالرجال هو من أعظم الفتن التي تدخل في خشية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على أمته بعد وفاته من فتن النساء. وقد شرح العلماء هذا الحديث شرحاً واضحاً قال ابن بطال - رحمه الله -، وفي حديث أسامة أن فتنة النساء أعظم الفتن؛ مخافة على العباد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عمّم جميع الفتن بقوله: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، ... فالمحنة بالنساء أعظم المحن على قدر الفتنة بهن» (¬1). وقال القرطبي - رحمه الله -: «ففتنة النساء أشدّ من جميع الأشياء، ويقال: في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء، فإحداهما: أن تودي إلى قطع الرحم؛ لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات. والثانية: يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام» (¬2). وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «وفي الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن» (¬3). وقال المناوي - رحمه الله -: «لأن المرأة لا تأمر زوجها إلا بشر، ولا تحثه إلا على شر، وأقل فسادها أن ترغبه في الدنيا؟ ليتهالك فيها، ¬

(¬1) شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 7/ 188. (¬2) تفسير القرطبي، 5/ 44. (¬3) فتح الباري، 9/ 173.

وأي فساد أضر من هذا، مع ما هنالك من مَظِنَّةِ الميل بالعشق، وغير ذلك من فتن وبلايا ومحن، يضيق عنها نطاق الحصر» (¬1). وقال المباركفوري: «لأن الطباع كثيراً تميل إليهن، وتقع في الحرام لأجلهن، وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا» (¬2). وقال العلامة ابن عثيمين: «يجب علينا أن نبصر هؤلاء القوم الذين يدعون إلى سفور المرأة وتبرجها ومخالطتها للرجال، وأن نبين لهم أن هذا هدم للأخلاق والأديان والمستقبل؛ لأن الشعوب إذا أصبحت بهيمية ليس لها إلا شهوة الفرج وملء البطن، أصبحت لا قيمة لها، وأصبحت ذليلة إما للدنيا واما لجبابرة الخلق» (¬3). وهذا الحديث فيه ثلاثة عمومات: العموم الأول: قوله: (فتنة) فهذه اللفظة نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي من ألفاظ العموم عند علماء الأصول، فهي تعم جميع الفتن، فالافتتان بالنساء أعظم من الافتتان بغيرهن!!. العموم الثاني: قوله: (على الرجال) فهو لفظ يعم جميع الرجال المعنيين به، ويدل على هذا العموم حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ ¬

(¬1) فيض القدير، 5/ 436. (¬2) تحفة الأحوذي، 8/ 53. (¬3) شرح صحيح البخاري، لابن عثيمين، 4/ 447.

إِحْدَاكُن» (¬1)، والحازم هنا هو القوي في الإيمان التقي للرحمن، فإذا فتن بالنساء التقي، فمن باب أولى أن يفتن بهن الشقي!!. العموم الثالث: قوله: (من النساء) فالنساء عموماً يفتنّ الرجال، وكما يقال: لكل ساقطة لاقطة، فالنساء وإن تفاوتن في كيدهن وجمالهن ودينهن، إلا أنهن مما تحصل الفتنة بهن. وقد يشكل على القارئ القول بأن الافتتان بالنساء أعظم من كل فتنة؛ لأنه يدخل في ذلك أن الافتتان بهن أعظم من الشرك والكفر والإلحاد. والجواب عن هذا الإشكال هو موجود في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (¬2)، ومعناه: أن بني إسرائيل كانوا على خير وصلاح، فانحدروا إلى المعاصي، ثم إلى الشرك والكفر بسبب فساد من فسد من نسائهم، وهذا يظهر جلياً بمعرفة أمرين اثنين: الأول: أن النساء أسرع إلى المعاصي من الرجال؛ لكثرة الجهل فيهن، ولضعف عقولهن، إلا من رحم اللَّه، فهن يقبلن على اللهو والترف والغفلة والتأخر عن الطاعات أكثر من الرجال، بل يدفعن الرجال إلى ذلك، ويكلفنهم جمع المال من حلال أو حرام؛ من ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم 304. (¬2) مسلم، برقم 2742، وتقدم تخريجه.

الدليل العاشر: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -

أجل أن يتحقق لهنّ ذلك، وهنّ أسرع تصديقاً لأهل الدجل والسحر والتنجيم وغيرهم من الرجال، بل ويدفعن الرجال إلى ذلك، وهذا أمر معلوم؛ فهذا منشأ كل فساد. الثاني: سرعة استجابة كثير منهنّ لمطالب الرجال الشهوانية المنحرفة، فإذا أرادوا الرقص طلبوا النساء فتقدمن إلى ذلك، واذا شربوا الخمور أرادوا النساء فاستجبن لذلك، واذا تاجروا بهنّ استسلمن لذلك، فترى الرجال المنحرفين يصطحبون النساء معهم، ويتوسعون في الفجور والميوعة، حتى يحصل الهلاك، والتاريخ مليء بهذا، فلو أن النساء لم يستجبن للرجال، لبقيت الحياة هينة» (¬1). الدليل العاشر: حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (¬2). فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باتقاء النساء، والأمر يفيد وجوب المأمور به، فيجب على الرجال اتقاء النساء، ولا يتحقق هذا إلا بترك الاختلاط بهنّ، ومن وجه آخر فإنّ الأمر بالشيء نهي عن أضداده، فيكون نهيًا عن مخالطة النساء؛ لأن المخالطة مضادة للاتقاء، والنهي يقتضي التحريم. ثم إنّ الأمر بالاتقاء معلل بكون النساء فتنة، فيدلّ على المنع ¬

(¬1) انظر: الاختلاط أصل الشر، ص 126 - 127. (¬2) مسلم، برقم 2742، تقدم تخريجه.

الدليل الحادي عشر: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -

من كل ما فيه فتنة؛ لأن (العلة تعمم معلولها). وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» مشروعية أخذ العبرة من المجتمعات التي وقعت فيها الفتن والضياع الأخلاقي بسبب مخالفة هذا الأمر (وَاتَّقُوا النِّسَاءَ). قال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باتقاء النساء، وهو أمر يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟!» (¬1). الدليل الحادي عشر: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه، وليخرجن وهن تَفِلات» (¬2). قال الخطابي في معالم السنن: «التفل: سوء الرائحة، يقال: امرأة تفلة: إذا لم تتطيّب ونساء تفلات» (¬3). قال القاضي عياض: «خروج النساء للمساجد مباح لهنّ، ولكن على شروط كما جاء الحديث. وقاله العلماء: ألا يخرجن متطيبات ولا متزينات ولا مزاحمات للرجال» (¬4). وقال النووي - رحمه الله -: «هَذَا وَشَبَهه مِنْ أَحَادِيث الْبَاب ظَاهِر فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَع الْمَسْجِد لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاء مَأْخُوذَة مِنْ الْأَحَادِيث، ¬

(¬1) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 1/ 241. (¬2) أخرجه مسلم، برقم 442، أحمد، برقم 9645، وأبو داود، برقم 565، تقدم تخريجه. (¬3) معالم السنن، 1/ 162. (¬4) إكمال المعلم، 2/ 353.

الدليل الثاني عشر: حديث زينب الثقفية امرأة ابن مسعود

وَهُوَ أَلَّا تَكُون مُتَطَيِّبَة، وَلَا مُتَزَيِّنَة، وَلَا ذَات خَلَاخِل يُسْمَع صَوْتهَا، وَلَا ثِيَاب فَاخِرَة، وَلَا مُخْتَلِطَة بِالرِّجَالِ ... » (¬1). وهذا يدل على تحريم التطيب على مريدة الخروج إلى المساجد؛ لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال (¬2). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «قالَ ابن دقيق العيد: ويَلحَق بِالطِّيبِ ما فِي مَعناهُ لأَنَّ سَبَب المَنع مِنهُ ما فِيهِ مِن تَحرِيك داعِيَة الشَّهوة كَحُسنِ المَلبَس والحُلِيّ الَّذِي يَظهَر والزِّينَة الفاخِرَة وكَذا الاختِلاط بِالرِّجالِ» (¬3). وقال ابن الملقن - رحمه الله -: «وقال بعض العلماء: لا تخرج المرأة إلا بخمسة شروط: أن يكون ذلك لضرورة، وأن تلبس أدنى ثيابها، وأن لا يظهر عليها الطيب، وما في معناه من البخور، وأن يكون خروجها في طرفي النهار، وأن تمشي في طرفي الطرقات دون وسطها لئلا تختلط بالرجال» (¬4). الدليل الثاني عشر: حديث زَينَب الثقفية امرَأَة ابن مَسعُود: «إِذا شَهِدَت إِحداكُنَّ المَسجِد فَلا تَمَسَّ طِيبًا» (¬5). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 161. (¬2) انظر: فيض القدير، 3/ 177، ومجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، ونسبه إلى ابن دقيق العيد، 10/ 40. (¬3) فتح الباري، 3/ 114. (¬4) الإعلام، ابن الملقن، 2/ 240. (¬5) أخرجه مالك في الموطأ، 2/ 276، ومسلم، برقم 443، تقدم تخريجه.

الدليل الثالث عشر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -

قال الزرقاني: «لا تمس طيباً وسبب منع الطيب ما فيه من تحريك داعية الشهوة فيلحق به ما في معناه: كحلي يظهر أثره، وحسن ملبس، وزينة فاخرة، والاختلاط بالرجال، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة، ونحوها، وأن لا تكون شابة مخشية الفتنة» (¬1). الدليل الثالث عشر: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ» (¬2). قال ابن القيم: «نهى [الشرع] المرأة اذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب أو تصيب بخوراً؛ وذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوفهم إليها؛ فإن رائحتها وزينتها وصورتها، وإبداء محاسنها تدعو إليها، فأمرها أن تخرج تَفِلَةً، وأن لا تتطيّب وأن تقف خلف الرجال، وأن لا تُسَبِّحَ في الصلاة إذا نابها شيء؛ بل تصفق ببطن كفها على ظهر الأخرى، كل ذلك سداً للذريعة، وحماية عن المفسدة» (¬3). فدل هذا الحديث والحديثان قبله على أن المرأة ممنوعة من الخروج إلى المسجد إذا كانت متطيبة، فمنعها من الخروج إلى أماكن العمل والتعليم المختلطة من باب أولى. الدليل الرابع عشر: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) شرح الزرقاني على موطأ مالك، 2/ 57. (¬2) مسلم، برقم 444، وتقدم تخريجه. (¬3) إعلام الموقعين، 3/ 161.

الدليل الخامس عشر: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -

«لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسَطُ الطَّرِيقِ» (¬1). قال ابن حبان: «قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس للنساء وسط الطريق) لفظة إخبار مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه، وهو مماسة النساء الرجال في المشي، إذ وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه، والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذر ما يتوقع من مماستهم إياهن» (¬2). الدليل الخامس عشر: حديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروْحَة ربها وهي في قَعْر بيتها» (¬3). والمعنى ما دامت المرأة في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس بها، فإذا خرجت طمع وأطمع (¬4)، فكيف إذا كان خروجها للجلوس مع الرجال؟. قالت نبيلة بنت زيد بن سعد: «ومعنى الحديث: أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، فأمعن النظر إليها ليغويها بغيرها، ويغوي غيرها بها، ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة» (¬5). ¬

(¬1) صحيح ابن حبان، 12/ 415، برقم5601، والبيهقي في شعب الإيمان، 10/ 241، وحسنه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 856. (¬2) صحيح ابن حبان، 12/ 417. (¬3) أخرجه الترمذي، برقم (1173)، وابن خزيمة، برقم (1685)، ومسند البزار، برقم 427، وتقدم تخريجه. (¬4) شرح الطيبي، 6/ 237. (¬5) كتاب التعامل المشروع للمرأة مع الرجل الأجنبي، ص 40 - 41.

الدليل السادس عشر: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -

وإذا كان خروج المرأة مصيدة الشيطان لها، فاصطياده لها عند اختلاطها بالرجال الأجانب أعظم وأولى. الدليل السادس عشر: حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (¬1). قال العلامة بكر بن عبد اللَّه أبو زيد - رحمه الله -: «فهذا الحديث نص في النهي عن بداية الاختلاط داخل البيوت، إذا بلغ الأولاد عشر سنين، فواجب على الأولياء التفريق بين أولادهم في مضاجعهم، وعدم اختلاطهم، لغرس العفة والاحتشام في نفوسهم، وخوفاً من غوائل الشهوة التي تؤدّي إليها هذه البداية في الاختلاط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. قال إبراهيم الحربي - رحمه الله -: أول فساد الصبيان بعضهم من بعض. كما في [ذم الهوى لابن الجوزي] (¬2)» (¬3). (¬4). ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 495، وأحمد، 11/ 369، برقم 6757، والمستدرك، 1/ 197، والدارقطني، 1/ 230، ومصنف ابن أبي شيبة، 1/ 304، برقم 3482، والسنن الكبرى للبيهقي، 2/ 228، ومسند البزار، 17/ 189، وحسنه النووي في رياض الصالحين، ص 378، وحسن إسناده الألباني، في صحيح أبي داود، 2/ 401، برقم 509. (¬2) انظر: ذم الهوى، ص 116. (¬3) حراسة الفضيلة، 78. (¬4) انظر: الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، ص 116.

الدليل السابع عشر: حديث عائشة، أم المؤمنين - رضي الله عنها -

وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث بالتفريق بين الأولاد، وعدم اختلاطهم ذكوراً وإناثاً، أو إناثاً أو ذكوراً مع أنهم أبناء عشر سنين، فكيف بمن هم أكبر منهم، وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى (¬1)، «وفي هذا ردّ على من يرى اختلاط الذكور بالإناث في الصفوف الأولى من الدراسة» (¬2). الدليل السابع عشر: حديث عَائِشَةَ، أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، - رضي الله عنها -، قَالَتِ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ» (¬3). قال ابن بطال: «هذا الحديث يدل على أن النساء لا جهاد عليهن واجب، وأنهن غير داخلات في قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً} وهذا إجماع من العلماء، وليس في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «جهادكن الحج» دليل أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما فيه أنه الأفضل لهن، وإنما كان الحج أفضل لهن من الجهاد؛ لأنهن لسن من أهل القتال للعدو، ولا قدرة لهن عليه ولا قيام به، وليس للمرأة أفضل من الاستتار، وترك المباشرة للرجال بغير قتال، فكيف في حال القتال التي هي أصعب؟ والحج يمكنهن فيه مجانبة الرجال والاستتار عنهم؛ فلذلك كان أفضل لهن من الجهاد» (¬4). ففي هذا الحديث بيان أنه ليس على النساء قتال؛ لأن في ذلك ¬

(¬1) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، 10/ 40 .. (¬2) إضافة الشيخ صالح الفوزان، كما قال البداح في تحريم الاختلاط، ص 26 .. (¬3) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب جهاد النساء، برقم 2875. (¬4) شرح البخاري، لابن بطال، 5/ 75.

الدليل الثامن عشر: حديث علي - رضي الله عنه -

تعريضاً لهن لمخالطة الرجال، أفتمنع الشريعة المرأة من القتال، وهو عبادة؛ لأنه مظنة الاختلاط بالرجال، وتجيز لها الاختلاط بالرجال في أماكن العمل والتعليم؟! حاشا للَّه. الدليل الثامن عشر: حديث عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ، فَقَالَ: «مَا يُجْلِسُكُنَّ؟» قُلْنَ: نَنْتَظِرُ الْجَنَازَةَ، قَالَ: «هَلْ تَغْسِلْنَ؟»، قُلْنَ: لاَ، قَالَ: «هَلْ تَحْمِلْنَ؟» قُلْنَ: لاَ، قَالَ: «هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي؟» قُلْنَ: لاَ، قَالَ: «فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» (¬1). قال العيني: «قوله: «خرج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ... »؛ لأن الرجال أقوى لذلك، والنساء ضعيفات، ومظنة للانكشاف غالباً، خصوصاً إذا باشرن الحمل؛ ولأنهن إذا حملنها مع وجود الرجال لوقع اختلاطهن بالرجال، وهو محل الفتنة ومظنة الفساد» (¬2). الدليل التاسع عشر: حديث أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} (¬3)» (¬4). ¬

(¬1) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في اتباع الجنائز، برقم 1578، مصنف ابن أبي شيبة، 5/ 252، برقم 25789، والبيهقي 4/ 77، والبزار، 2/ 249، وبنحوه عبد الرزاق، 3/ 456، برقم 6298، ولأبي يعلى، 7/ 109، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه، برقم 344. (¬2) عمدة القاري، للعيني، 8/ 111. (¬3) سورة الطور، الآيتان: 1 - 2. (¬4) البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء بالحج مع الرجال، برقم 1514.

فقد أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون طوافها من وراء الناس غير مخالطة للرجال، والأمر يفيد الوجوب، وإذا ثبت ذلك في الطواف ثبت في غيره لعدم الفارق، ويبينه تبويب البخاري؛ حيث بوب عليه بقوله: «باب طواف النساء مع الرجال». قال الحافظ ابن حجر الشافعي - رحمه الله - في شرحه: «قَوله: «باب طَواف النِّساء مَعَ الرِّجال» أَي هَل يَختَلِطنَ بِهِم أَو يَطُفنَ مَعَهُم عَلَى حِدَة بِغَيرِ اختِلاط أَو يَنفَرِدنَ؟» (¬1). وقال الإمام النووي - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: «إِنَّمَا أَمَرَهَا - صلى الله عليه وسلم - بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاء النَّاس لِشَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ سُنَّة النِّسَاء التَّبَاعُد عَنِ الرِّجَال فِي الطَّوَاف. وَالثَّانِي: أَنَّ قُرْبهَا يُخَاف مِنْهُ تَأَذِّي النَّاس بِدَابَّتِهَا» (¬2). وقال البدر العيني الحنفي في شرحه لهذا الحديث: «وإنما أمرها بالطواف من وراء الناس لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف ولأن قربها يخاف منه تأذي الناس بدابتها» (¬3). وقال ابن بطال المالكي في شرحه: «كذلك ينبغي أن تخرج النساء إلى حواشي الطرق، وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث طواف ¬

(¬1) صحيح البخاري، 1/ 177. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 20. (¬3) عمدة القاري، 9/ 262.

النساء بالبيت من وراء الرجال لعلة التزاحم والتناطح، قال غيره: طواف النساء من وراء الرجال هي السنة؛ لأن الطواف صلاة، ومن سنة النساء في الصلاة أن يكن خلف الرجال، فكذلك الطواف» (¬1). وقال السندي في حاشية النسائي: «ففيه أن الاحتراز عن طواف النساء مع الرجال مهما أمكن أحسن، حيث أجاز لها في حال إقامة الصلاة التي هي حالة اشتغال الرجال بالصلاة، لا في حال طواف الرجال، واللَّه تعالى أعلم» (¬2). وقال الباجي المالكي في شرح الموطأ: «(مسألة): وأما طواف النساء من وراء الرجال فهو للحديث الذي ذكرناه «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة»، ولم يكن لأجل البعير، فقد طاف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على بعيره يستلم الركن بمحجنه، وذلك يدل على اتصاله بالبيت» (¬3). وعلل الزرقاني المالكي في شرح الموطأ أمرها بالطواف من وراء الناس بقوله: «لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف» (¬4). وقال القاضي عياض المالكي: «وكونها من وراء الناس؛ لأن ذلك سنة طواف النساء مع الرجال؛ لئلا يختلطن بهم» (¬5). ¬

(¬1) شرح ابن بطال لصحيح البخاري، 2/ 112. (¬2) 5/ 223. (¬3) المنتقى، 2/ 372. (¬4) 2/ 415. (¬5) إكمال المعلم، 4/ 182.

وأمرها بالطواف من وراء الناس ووقتَ صلاتهم مع أنّ الأصل أن الاقتراب من الكعبة حال الطواف أفضل من الابتعاد (¬1) يدلُّ على أنّ مصلحة البُعدُ عن الاختلاط بالرجال قدرَ الإمكان أهم وأولى، والقاعدة الشرعية تقديم أعظم المصلحتين على أدناهما. ويوضح هذا الحديث ويقويه ماجاء في صحيح البخاري: عن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ. قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ!. قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟. قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ!. قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ. يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ» (¬2). قال ابن حجر في شرحه: «قَوْله: (وَقَدْ طَافَ نِسَاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَال) أَيْ غَيْر مُخْتَلِطَات بِهِنَّ» (¬3)، وقال: «قَوْله: (حَجْرَة) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا رَاءٍ أَيْ نَاحِيَة، قَالَ الْقَزَّاز: هُوَ مَأْخُوذ ¬

(¬1) نص على أفضلية القرب من الكعبة جماعة من الفقهاء، بل قال النووي في المجموع، 8/ 39: «يستحب القرب من الكعبة بلا خلاف». (¬2) البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال، برقم 1539. (¬3) فتح الباري، 3/ 480.

الدليل العشرون: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -

مِنْ قَوْلهمْ: نَزَلَ فُلَان حَجْرَة مِنْ النَّاس أَيْ مُعْتَزِلًا» (¬1). وهذا الحديث يدل على أمور، منها: الأول: أنّ استعمال لفظة «الاختلاط» على هذا المعنى معروفٌ من فجر الإسلام، فهو لفظ أصيل واستعمالٌ سلفيٌّ معروف، وليس مصطلحًا دخيلاً كما ادّعى البعض!. الثاني: أنّ ترك الاختلاط بالرجال، حتى في الطواف هو هدي الصالحات الطاهرات أمهات المؤمنين، مع أنهنّ أبعد النساء عن الافتتان ونحوه. الثالث: أن الاختلاط بالرجال مستنكرٌ في ذلك الزمن المفضّل؛ ولذلك قال ابن جريج متعجبًا مستنكرًا: «كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ!». الرابع: أنّ الفرق بين الاختلاط الممنوع، وبين وجود النساء مع الرجال في مكان واحد مع التباعد التام بينهم والتميُّز - كمؤخرة المسجد ونهاية المطاف وحافة الطريق- كان مستقرًّا عندهم (¬2). الدليل العشرون: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» (¬3). ففي هذا الحديث النهي عن الدخول على المرأة إلا أن يكون معها ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: الاختلاط بين الجنسين، ص 42. (¬3) البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، برقم 1862، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1341.

الدليل الحادي والعشرون: حديث ابن عمر - رضي الله عنه -

ذو محرم، فدل ذلك على منع الاختلاط في أماكن العمل والتعليم. الدليل الحادي والعشرون: حديث ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ».قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ» (¬1). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو تركنا ... » فيه حثٌّ على تخصيص ذلك الباب للنساء دون الرجال؛ فإنّ من معاني «لو» العرض، والتحضيض، قال في شرح الكوكب المنير: «وتأتي لو أيضاً للعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيراً، وتأتي [لو] أيضاً للتحضيض نحو لو فعلت كذا، أي: افعل كذا، والفرق بينهما: أن العرض: طلب بلين ورفق، والتحضيض: طلب بِحَثٍّ» (¬2)، وعلى كلا المعنين تدلُّ على الطلب، والقاعدة في الأصول: «أنّ الطلب الجازم يدلُّ على الوجوب، والطلبُ غير الجازم يدلُ على الاستحباب» (¬3)، وبالنظر في علة ذلك نجد أن العلة المناسبة هي: الفصل بين الرجال والنساء، وعدم الاختلاط بينهما، والقاعدة في الأصول: «أنّ من مسالك إثبات العلّة: المناسبة» (¬4)، ولذلك بوّب عليه أبو داود في سننه بقوله: «بَاب ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال، برقم: 462، والطبراني في الأوسط، 1/ 303، برقم 1018، وابن عساكر، 31/ 120، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 136. (¬2) شرح الكوكب المنير، 1/ 281. (¬3) انظر: الأحكام للآمدي، 1/ 89. (¬4) المناسبة أو المناسب مبحث طويل في علم أصول الفقه، ليس هذا محل بسطه، فينظر: شرح الكوكب المنير، 4/ 152، وفي حواشي المحقق إحالة إلى عدد من الكتب لمن أراد التوسع.

فِي اعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ عَنِ الرِّجَالِ» (¬1)، وإذا ثبتَ هذا في محل الدخول والخروج مع عدم مكثهنّ فيه، ثبتَ في أمكنة الدراسة والعمل والمجالس التي يطول البقاء فيها، وهذا ما يعرف في علم أصول الفقه بـ «قياس الأولى» (¬2)، والنتيجة: أنّ الفصل بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط مطلوبٌ شرعًا. قال شمس الحق العظيم آبادي: «قوله: «لو تركنا هذا الباب» أي باب المسجد الذي أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - «للنساء» لكان خيراً وأحسن لئلا تختلط النساء بالرجال في الدخول والخروج من المسجد، والحديث فيه دليل أن النساء لا يختلطن في المساجد مع الرجال، بل يعتزلن في جانب المسجد، ويصلين هناك بالاقتداء مع الإمام» (¬3). وقد رُويَ الحديث عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بَنَى الْمَسْجِدَ جَعَلَ بَابًا لِلنِّسَاءِ، وَقَالَ: «لاَ يَلِجَنَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنَ الرِّجَالِ أَحَدٌ» قَالَ نَافِعٌ: فَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ دَاخِلاً مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَلاَ خَارِجًا مِنْهُ» (¬4). فإذا كان النساء بحاجة الى باب خاص بهن؛ ليصلن إلى ¬

(¬1) سنن أبي داود، 1/ 179. (¬2) وهو ما كان الفرع فيه أولى بالحكم من الأصل. القاموس البين في اصطلاحات الأصوليين، ص 244. (¬3) عون المعبود، للعظيم آبادي، 2/ 92. (¬4) أخرجه الطيالسي، 3/ 368، وأبو نعيم في الحلية، 1/ 313.

الدليل الثاني والعشرون: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -

مسجدهن، وهن في حال الإتيان إلى العبادة، فمن باب أولى أن يكون لهن أبواب خاصة بهن في المدارس والجامعات والمعاهد، وتكون لهن أماكن خاصة بهن للتدريس (¬1). الدليل الثاني والعشرون: حديث أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: «قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا» (¬2). قال العيني: «قوله: (غلبنا عليك الرجال) معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام، ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يوماً من الأيام نسمع العلم، ونتعلم أمور الدين» (¬3). فهذا الحديث واضح الدلالة في منع اختلاط النساء بالرجال في أماكن التعليم؛ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل للنساء يوماً على حدة، ولم بجعلهن مع الرجال. الدليل الثالث والعشرون: حديث أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا»، فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ¬

(¬1) انظر: الاختلاط أصل الشر، ص 119. (¬2) البخاري، كتاب العلم، باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم، برقم 101. (¬3) عمدة القاري، للعيني، 2/ 134.

الدليل الرابع والعشرون: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -

- صلى الله عليه وسلم - فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ» (¬1)، وبوب له البخاري بقوله: (باب هل يُجعل للنساء يوم على حدة في العلم. قال الحافظ: «قوله: (على حدة) أي ناحية وحدهن (¬2). فأين الذين استجازوا لأنفسهم تعليم النساء مع الرجال من هذا الحديث وأمثاله، أم أن الديمقراطية قد طغت على عقولهم فلا يفقهون حديثاً؟! وإلا فالحديث يبيّن أن الأمر كان واضحاً جدّاً عند النساء والرجال في عهد النبوة من أنه لا قبول لاختلاط النساء بالرجال في التعليم، وأما في عصرنا فالديمقراطية قد أباحت لأهلها أن يختلط النساء بالرجال حتى في المحاضرات الدينية، فنقول لعمرو خالد حامل لواء اختلاط النساء بالرجال وأمثاله: تبّاً لك، ثم تباً!! افعلوا ما شئتم؟ إن اللَّه بما تعملون بصير، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكم وفي أمثالكم: «إذا لم تستحْي فاصنع ما شئت» (¬3). الدليل الرابع والعشرون: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا استعطرت المرأة فخرجت على القوم؛ ليجدوا ريحها، فهي زانية، وكل عين رأتها زانية» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من الرجال والنساء مما علمه اللَّه ليس برأي ولا تمثيل، برقم 7310، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 2633. (¬2) انظر: فتح الباري، 1/ 258. (¬3) رواه البخاري، كتاب أحاديث النبوة، باب حدثنا أبو اليمان، برقم، 3484، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. (¬4) أخرجه أحمد،32/ 483،برقم 19711، وأبو داود، برقم 4173، والنسائي، برقم 5126، وتقدم تخريجه.

الدليل الخامس والعشرون: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -

قال أحمد شاكر: «انظروا إلى هذا وإلى ما يفعل بعض نساء عصرنا، وهن ينتسبن إلى الإسلام، يساعدهن الرجال الفجار الأجرياء على اللَّه وعلى رسوله، وعلى بديهيات الإسلام، يزعمون جميعاً أن لا بأس بسفور المرأة وبخروجها عارية باغية، وباختلاطها بالرجال في الأسواق وأماكن اللهو والفجور، ويجترئون جميعاً، فيزعمون أن الإسلام لم يحرم على المرأة الاختلاط» (¬1). الدليل الخامس والعشرون: حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمي أمُّ سليم خلفنا (¬2)، وقد بوب له بقوله: باب المرأة وحدها تكون صفّاً. قال الحافظ - رحمه الله -: «فيه أن المرأة لا تصفّ مع الرجال، وأصله ما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور» (¬3). وقال ابن رشد - رحمه الله -: «(الأقرب أن البخاري قصد أن يبيَّن أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف» يعني: أنه مختص بالرجال» (¬4). فقد أفاد الحديث أن فتنة النساء لا تؤمن، حتى في محل الأمان! ألا ترى أن أم سليم - رضي الله عنها - صلت وحدها، والذي أمامها هو ابنها، وغلام دون البلوغ؟!! ¬

(¬1) قاله في تحقيقه لمسند الإمام أحمد، 15/ 108. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب المرأة وحدها تكون صفاً، برقم 727. (¬3) فتح الباري، 2/ 275 (¬4) نقلاً من فتح الباري، 2/ 276.

الدليل السادس والعشرون: حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -

الدليل السادس والعشرون: حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (¬1). ومعنى الحديث واضح، وهو يتضمّن تحريم اختلاط الرجال بالنساء؛ لأن منع المرأة من الولايات العامة هو من أجل أمور، ومنها: احتياجها إلى مخالطة الرجال، وهذا قاله الجمهور.: «عند جمهور الفقهاء والعلماء القدامى أن النساء أمرن بالقرار في البيوت؛ لأن مبنى حالهن على الستر، ومعظم أحكام الإمامة تستدعي الظهور والبروز، فالإمام لا يستغني عن الاختلاط بالرجال، والمشاورة معهم في الأمور، والمرأة ممنوعة من ذلك» (¬2). الدليل السابع والعشرون: حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي - رضي الله عنها - أنها جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول اللَّه، إني أحب الصلاة معك؟! قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي» قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت اللَّه - عز وجل -» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر، برقم 4425. (¬2) المرأة والحقوق السياسية في الإسلام، ص 129 - 130. (¬3) أخرجه أحمد، 45/ 37، برقم 27090، وابن حبان، 5/ 595، برقم 2217، وابن خزيمة، 3/ 95، برقم 1689، والطبراني (25/ 356)، وقال الحافظ في الفتح، 2/ 451: «وإسناد أحمد حسن»، وحسّنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 82، برقم 340.

الدليل الثامن والعشرون: حديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها -

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل: تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة» (¬1). وقال العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه، فلئن يمنع الاختلاط من باب أولى» (¬2). الدليل الثامن والعشرون: حديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته! فقال: واللَّه ما لك علينا من شيء! فجاءت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فذكرت ذلك له، فقال: «ليس لك عليه نفقة»، فأمرها أن تَعْتَدَّ في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي! اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فاذا حللت فآذنيني» (¬3). الدليل التاسع والعشرون: حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قصة الفضل بن عباس والمرأة الخثعمية أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنِ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا» (¬4). ¬

(¬1) فتح الباري، 2/ 451 - 452. (¬2) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 29. (¬3) رواه مسلم، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً، برقم 1480. (¬4) رواه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، برقم 885، وأحمد، 2/ 6، برقم 562، والبيهقي، 7/ 89، والبزار، 2/ 165، وأبو يعلى، 1/ 413، والضياء في المختارة، 1/ 335، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 62.

الدليل الثلاثون: حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه -

وجه الدلالة في هذا الحديث: أن اختلاط المرأة بالرجال غير المحارم داعٍ إلى الإفساد لهما عن طريق الشيطان، فمن يأمن على نفسه من هذا العدو وهو الذي تسبب في إخراج الأبوين من الجنة، فلا نجاة من إفساد هذا العدو إلا بترك الاختلاط. الدليل الثلاثون: حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه -: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» (¬1). وهذا الحديث فيه تحريم مصافحة الأجنبية، وهو متضمّن لتحريم الاختلاط بهن؛ لأن المصافحة لا تقع منهما إلا بعد حصول الاختلاط بينهما. الدليل الحادي والثلاثون: حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا -يعني تصفها- كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» (¬2). فالزوجة منهية عن وصف المرأة الأجنبية لزوجها كأنه ينظر إليها، لأنه ينفتن بها قلبه، ويزهِّده في زوجته من حيث لا تَشعر، ويتشوَّف للموصوفة، ويتمنى رؤيتها، فكيف يستقيم مثل هذا النهي للمرأة أن تصف، ويؤذن لزوجها أن يجالس المرأة الموصوفة ويخالطها في العمل ¬

(¬1) رواه الروياني في مسنده، 3/ 466، برقم 1270، والطبراني في الكبير، 20/ 221، برقم 486، وصححه العلامة الأ لباني في السلسلة الصحيحة، برقم 226. (¬2) البخاري، برقم 524، وتقدم تخريجه.

أو الدراسة مخالطة مستديمة (¬1). فخلاصة هذه الأحاديث وأمثالها: أنها تدل عل تحريم اختلاط النساء بالرجال لغير ضرورة. ودلالتها إما ظاهرة وإما متضمنة. وهذا التضمن يجري في الحكم على الظاهر؛ لاتفاق ما تضمنته مع الأدلة الظاهرة، ومع الأدلة المتنوعة الآتية؛ ولموافقتها للضوابط الشرعية والقواعد المرعية المتعلقة بصيانة المرأة المسلمة والمحافظة عليها. فالذين أجازوا اختلاط النساء بالرجال محجوجون بهذه الأحاديث وبغيرها من الأدلة القويمة، فأين يذهبون إن لم يقبلوها ويذعنوا لها، ويثبتوا على العمل بها؟! فلا شك ولا ريب أن من كان متحريّاً للحق باحثاً عنه راغباً فيه، أنه سيفرح بهذه الأحاديث وبأقوال أهل العلم المعتبرين فيه، وأما من كان متبعاً لهواه؛ فإنه سيعاند هذه الأحاديث وأمثالها بكل ما أوتي ويقيم الدنيا ولا يقعدها! وهذا الصنف نخوفه باللَّه الذي قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه، يقلبها كيف شاء، فنخاف عليه من زيغ القلب؛ فليتق اللَّه وليخش أن يصيبه قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (¬2)، ونعلمه أن الحق باق ومنصور بنصر اللَّه، وأن الباطل مضمحل وزائل بإذن اللَّه، فلأن يكون المسلم ذَنَباً في الحق، خير له من أن يكون رأساً في الباطل، يدعو إلى تبرج ¬

(¬1) انظر: الاختلاط للطريفي، ص 28. (¬2) سورة الأنفال، الآية: 24.

ثالثا: الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن:

المسلمات واختلاطهن بالرجال (¬1). ثالثاً: الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن: الأثر الأول: عن ابن جُرَيْجٍ «قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ» (¬2). قال ابن حجر: «قَوله: «وقَد طافَ نِساء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجال»؛ أَي: غَير مُختَلِطات بِهِنَّ ... قَوله: «حَجرَة» - بِفَتحِ المُهمَلَة، وسُكُون الجِيم بَعدها راءٍ- أَي: ناحِيَة» (¬3). وقال المهلب: «قول عطاء: قد طاف الرجال مع النساء، يريد أنهم طافوا في وقت واحد غير مختلطات بالرجال؛ لأن سنتهن أن يطفن ويصلين وراء الرجال ويستترن عنهم» (¬4). فهذا الأثر صريح الدلالة في أن النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يتجنبن مخالطة الرجال حال الطواف، والنساء تطوف من وراء الرجال. ¬

(¬1) انظر: الاختلاط أصل الشر، ص 121 - 125. (¬2) كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال، برقم 1619. (¬3) فتح الباري، 4/ 549. (¬4) شرح البخاري، لابن بطال، 4/ 298.

الأثر الثاني: عن إبراهيم النخعي

الأثر الثاني: عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: نَهَى عُمَرُ - رضي الله عنه - أَنْ يَطُوفَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ» (¬1). ففي هذا الأثر بيان أن من هدي الصحابة - رضي الله عنهم - منع اختلاط الرجال بالنساء في الطواف، فمنعه في أماكن العمل والتعليم من باب أولى. الأثر الثالث: عَنْ مَنْبُوذِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلاَةٌ لَهَا، فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ؟ ّ» (¬2). ففي هذا الأثر أنكرت عائشة - رضي الله عنها - على المرأة التي تزاحم الرجال لاستلام الركن، فكيف يجوز للمرأة مخالطة الرجال في أماكن العمل والتعليم. الأثر الرابع: عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قَالَ: «أَمَا تَغَارُونَ أَنْ تَخْرُجَ نِسَاؤُكُمْ؟ .. أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَوْ تَغَارُونَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ ¬

(¬1) أخبار مكة للفاكهي، 1/ 252: «وفي إسناده مغيرة بن مقسم الضبي، مدلس من الثالثة، ولم يصرح بالسماع، وهو معضل من رواية إبراهيم بن يزيد النخعي، ثقة من الخامسة، روايته عن عمر معضلة، فالأثر ضعيف». انظر: دراسة نقدية في المرويات في شخصية عمر بن الخطاب، 2/ 929. (¬2) مسند الشافعي، 1/ 127، السنن الكبرى للبيهقي، 5/ 81، أخبار مكة للفاكهي، 1/ 122.

الأثر الخامس: عن أبي سلامة الخبيبي

يَخْرُجْنَ فِي الْأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ» (¬1). ففي هذا الأثر ينكر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - خروج النساء إلى الأسواق ومزاحمتهن للرجال، وإنكار ما يحصل في أماكن العمل والتعليم من باب أولى. الأثر الخامس: عن أبي سلامة الخبيبي قال: «رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أتى حياضاً عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعاً، فضربهم بالدّرّة، ثم قال لصاحب الحوض: اجعل للرجال حياضاً، وللنساء حياضاً» (¬2). ففي هذا الأثر أنكر عمر - رضي الله عنه - اختلاط الرجال بالنساء عند حياض الماء، وإنكار اختلاطهن في أماكن العمل والتعليم من باب أولى. الأثر السادس: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه -، قَالَ: «لأَنْ يُزَاحِمَنِي بَعِيرٌ مَطْلِيٌّ بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُزَاحِمَنِي امْرَأَةٌ عَطِرَةٌ» (¬3). ¬

(¬1) مسند أحمد، 2/ 343، برقم 1118، وقال محققو المسند، 2/ 343: «إسناده ضعيف، شريك- وهو ابن عبد اللَّه القاضي- سيئ الحفظ». (¬2) مصنف عبد الرزاق، 1/ 75، برقم 246، وابن سعد في الطبقات، 6/ 155. إسناده عند عبد الرزاق رجاله ما بين ثقة وصدوق، وأبو سلامة الخبيبي الراوي عن عمر - رضي الله عنه -، ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وكذا ابن حجر في الإصابة، وقال في التقريب: صحابي له حديث واحد، ورواية ابن سعد من غير إسناد. انظر: دراسة نقدية في المرويات في شخصية عمر بن الخطاب، 2/ 928. (¬3) رواه الطبراني في المعجم الكبير، 9/ 352، برقم 9751، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 115: «رواه الطبراني وفيه أبو الزعراء، وثقه العجلي وابن حبان وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح».

رابعا: إجماع العلماء على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب:

ففي هذا الأثر تفضيل ابن مسعود - رضي الله عنه - مزاحمة البعير المطلي بالقطران من مزاحمة امرأة في الطريق، وهذا في الطريق، فكيف يقول عن أماكن التعليم والعمل؟! (¬1). وغير ذلك من الآثار الكثير. رابعاً: إجماع العلماء على تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب: لا أعلم أحداً من علماء الإسلام الأعلام عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عصرنا هذا قال بجواز الاختلاط الذي يدعو إلى الريبة والفساد. قال أبو بكر العامري (ت 530 هـ): «اتفقت علماء الأمة أن من اعتقد حِلَّ هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب فقد كفر واستحق القتل بردته، وإن اعتقد تحريمه وفعله، وأقر عليه، ورضي به فقد فسق، لا يسمع له قول، ولا تقبل له شهادة» (¬2). وممن أشار إلى هذا الاتفاق الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر في وقته (ت 1378هـ) حيث قال: «وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنة، وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية» (¬3). وممن نص على اتفاق العلماء الشيخ صالح بن فوزان الفوزان ¬

(¬1) انظر: تحريم الاختلاط للبداح، ص 29 - 31. (¬2) أحكام النظر إلى المحرمات، العامري، ص 83. (¬3) محاضرات إسلامية، لمحمد الخضر حسين، ص 191.

حيث قال: «الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يثير الفتنة أمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع» (¬1). وقال الشيخ محمد الخطيب وهو من علماء لبنان: «إن الاختلاط لا يختلف في حرمته اثنان من المسلمين، ولا ينكر مساوئه ومفاسده من له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد» (¬2). وقال الشيخ عبد اللَّه بن جار اللَّه - رحمه الله -: «وجهت جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت سؤالاً إلى أربعة عشر عالماً وفقيهاً من علماء المسلمين في مختلف الأقطار الإسلامية عن حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات، وبيان الأضرار الناجمة عن الاختلاط في التعليم، فأفتى كل منهم بتحريم ذلك، وأيدوا فتاواهم بالآيات القرآنية من سورة النور والأحزاب الدالة على تحريم الاختلاط والسفور والتبرج، ووجوب الحجاب والقرار في البيوت» (¬3). وقال الشيخ فريح البهلال: «ويؤيد الاتفاق والإجماع المذكورين توارد أهل العلم على إفراد هذه المسألة بالتأليف، الذين بلغت ¬

(¬1) من مقال بعنوان: على رسلكم أيها الصحفيون، [نقله عنه الدكتور عبد العزيز بن أحمد البداح، في كتابه: تحريم الاختلاط، ص 33]. (¬2) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح في الكويت، ص 34. (¬3) مسؤولية المرأة المسلمة، ص 62.

خامسا: الأئمة الأربعة، وجمع من العلماء عبر القرون يحرمون الاختلاط

مؤلفاتهم فيما وقفت عليه منها: ما يزيد على ثلاثمائة مؤلف، والتي اتفقت على وجوب ستر وجوه المؤمنات عن الأجانب، وخطر السفور والتبرج والاختلاط». وقال أيضاً: «اعلم - أخي الكريم- يا من ترجو اللَّه والدار الأخرة أن الأدلة ثبتت على فرضية احتجاب نساء المؤمنين عن الرجال الأجانب، وتحريم خروجهن سافرات الوجوه، وتبرجهن بالزينة، واختلاطهن بالرجال من كتاب ربك سبحانه، وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع علماء المسلمين، والاعتبار الصحيح، والقياس المطرد، ومن تجربة من ذاق مرارة التبرج والسفور، واختلاط النساء بالرجال». ومما يقوي هذا الإجماع سير علماء الإسلام من عهد السلف إلى عصرنا هذا على منع الاختلاط، ولا يعلم أن أحداً منهم تزعم مسألة الاختلاط، ودعا إليها أو نافح عنها، وأيضاً لم يعرف الاختلاط منذ انحرفت الأمة عن دينها إلا من قِبَل دعاة النفاق والشقاق: كالرافضة، والصوفية، وأمثالهما، أو من قبل البدو والجهال، حتى جاءت الديمقراطية الوثنية في هذا العصر، فأباحت اختلاط النساء بالرجال بجميع أشكاله» (¬1). خامساً: الأئمة الأربعة، وجَمْعٌ من العلماء عبر القرون يحرمون الاختلاط بين النساء والرجال الأجانب على وجه الريبة ¬

(¬1) الاستيعاب فيما قيل في الحجاب، ص 485، وص 44.

1 - روى مغيرة عن إبراهيم النخعي

وتفصيل ذلك على النحو الآتي: 1 - روى مُغيرة، عَنْ إِبْرَاهِيم النخعي [ت 96 هـ] , قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ السَّيْرَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ هَذَا, وَإِذَا قَالَ: (كَانُوا) فَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ, فَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا, ثُمَّ يَفْعَلُونَهُ لِلْعُذْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ إِذَا قَرُبْنَ مِنَ الْجِنَازَةِ» (¬1). 2 - قال إمام التفسير من التابعين مجاهد بن جبر [21 - 104هـ]، ببدعة اجتماع الرجال بالنساء، كما رواه ابن سعد في الطبقات (¬2). قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (¬3):كانت المرأة تخرج فتمشي بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية. 3 - قال فقيه البصرة التابعي الجليل الحسن البصري [22 - 110هـ]: إن اجتماع الرجال والنساء لبدعة. رواه الخلال (¬4). 4 - ومنع أبو حنيفة [ت 150 هـ]: المرأة الشابة من شهود الصلوات الخمس في زمن الصلاح والتقى (¬5). ¬

(¬1) شرح معاني الآثار، 1/ 458. (¬2) 8/ 157. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬4) اسشهد به السيوطي في تحذير الخواص، ص 227، والكناني في الأسرار المرفوعة، ص71، منسوباً للحسن. (¬5) انظر: مجمع الأنهر، 2/ 412، وفيه الكلام عن عدم كشف الوجه للمرأة الشابة، والكلام عن زمان الفتنة.

5 - قال الإمام مالك بن أنس

5 - قال الإمام مالك بن أنس: [ت 179هـ]: «أرى للإمام أن يتقدم إلى الصُّنَّاع في قعود النساء إليهم، وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصُّنَّاع، فأمَّا المرأة المُتَجالَّةُ (¬1)، والخادم الدون التي لا تتهم على القعود، ولا يتهم من تقعد عنده فإني لا أرى بذلك بأساً» (¬2). 6 - والإمام الشافعي [ت 204هـ] يقول في النساء الجماعات في الطرقات وأمام الناس، وليس الواحدة مع الواحد: إن خرجوا متميزين - يعني في الطرقات لقضاء الحوائج وشهود الصلوات - لم أمنعهم، وكلهم كره خروج النساء الشواب إلى الاستسقاء، ورخصوا في خروج العجائز (¬3). وقال أيضاً كما في مختصر المزني (¬4): ولا يثبت - يعني الإمام - ساعة يسلِّم إلا أن يكون معه نساء، فيثبت لينصرفن قبل الرجال. 7 - وقال أَشْهَبُ المالكي [مصري، ت 204هـ]: «أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بِالرِّجَالِ، فَذَلِكَ لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ صَحِيحٌ إمَّا لِكَثْرَةِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، أَوْ لِكَثْرَتِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ، وَلَا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلِطِينَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ ¬

(¬1) تجاللن: أي طعنَّ في السن وكَبِرْن، يقال: تجالّت المرأة فهي متجالّة، وجلت فهي جليلة: إذا كبرت، وعجزت. غريب الحديث للخطابي، 2/ 121. (¬2) البيان والتحصيل، 9/ 335. (¬3) مختصر المزني، ص 33. (¬4) مختصر المزني، ص 15.

8 - قال أحمد بن عبد الرؤوف القرطبي

يَوْمَيْنِ فَعَلَ» (¬1). 8 - قال أحمد بن عبد الرؤوف القرطبي المالكي [ت 242هـ] في آداب المحتسب: «ويمنع اختلاط النساء مع الرجال عند الصلاة، وفي الأعياد، وفي المحافل، ويفرق بينهم» (¬2). 9 - وقال محمد بن سحنون المالكي [ت 256هـ]: «وأكره للمعلم أن يعلم الجواري، ولا يختلطن مع الغلمان؛ لأن في ذلك فساداً لهن» (¬3). 10 - وقال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ المالكي [مصري، ت 268هـ]: «أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا» (¬4). 11 - وقال الخلال [ت 311هـ] في جامعه: سئل أحمد عن رجل يجد امرأة مع رجل، قال: صِحْ به» (¬5). 12 - إمام الحنفية في وقته أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي: [229 - 321 هـ] , منع من الاختلاط (¬6). ¬

(¬1) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش، 8/ 306. (¬2) آداب الحسبة والمحتسب، ص 38. (¬3) الجامع في كتب آداب المعلمين، ص 136. (¬4) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش، 8/ 306. (¬5) ذكره ابن قيم الجوزية في الطرق الحكمية، ص 407 (¬6) شرح معاني الآثار، 1/ 458، ونقله ابن التركماني في الجوهر النقي، 4/ 25عن الطحاوي.

13 - قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي [ت 386هـ]

13 - قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي [ت 386هـ]: «وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ» (¬1). 14 - قال الحسين بن الحسن الحَليمي الشافعي [ت 403هـ] في المنهاج المصنف في شعب الإيمان: «فَدَخَلَ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَبِنْتَهُ مُخَالَطَةَ الرِّجَالِ وَمُحَادَثَتَهِمْ وَالْخُلْوَةَ بِهِمْ» (¬2). وقال أيضاً عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً} (¬3): «فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته مخالطةً الرجال ومحادثتهم، والخلوة بهم» (¬4). 15 - وقال علي بن محمد القيرواني المالكي [ت 403 هـ] بكراهة تعليم المعلم للجواري واختلاطهن بالغلمان (¬5). 16 - قال الماوردي الشافعي علي بن محمد [ت450هـ] في الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، وهو شرح مختصر المزني (¬6): «وَإِنْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ الإمام فى الصلاه ثَبَتَ ¬

(¬1) الرسالة مع شرح النفراوي، 2/ 322. (¬2) ص 38، وهو في شعب الإيمان، 13/ 260. (¬3) سورة التحريم، الآية: 6. (¬4) المنهاج في شعب الإيمان، 3/ 397. (¬5) الجامع في كتب آداب المعلمين، ص 324. (¬6) الحاوي الكبير، 2/ 343.

وقال أيضا

قَلِيلًا لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ، فَإِنِ انْصَرَفْنَ وَثَبَ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ». وقال أيضاً: «والمحتسب أن يمنع أرباب السفن من حمل ما لا تسعه ويخاف منه غرقها، وكذلك بمنعهم من المسير عند اشتداد الريح، وإذا حُمل فيها الرجال والنساء حجز بينهم بحائل» (¬1). وقال أيضاً: «وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ مَأْمُورَةٌ بِلُزُومِ الْمَنْزِلِ» (¬2). وقال في أدب الدين والدنيا عند تعريفه للديوث: «الدَّيُّوثُ: هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدُثُّ بَيْنَهُمْ» (¬3). 17 - وقال ابن عبد البر المالكي [ت463 هـ]: «يجب على الإمام أن يحول بين الرجال والنساء في التأمل والنظر، وفي معنى هذا منع النساء اللواتي لا يؤمن عليهن ومنهن الفتنة من الخروج والمشي في الحواضر والأسواق، وحيث ينظرن إلى الرجال» (¬4). ¬

(¬1) الأحكام السلطانية، ص 412. (¬2) الحاوي، 2/ 51. (¬3) أدب الدنيا والدين، ص 268. (¬4) التمهيد، 9/ 124.

18 - وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي

18 - وقال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي [من مدينة شيراز بإيران، ت 476هـ]: «ولا تجب الجمعة على المرأة؛ لما روى جابر قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فعليه الجمعة، إلا على امرأة، أو مسافر، أو عبد، أو مريض» (¬1)، ولأنها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز» (¬2). 19 - وقال شمس الأئمة السرخسي الحنفي:: [من مدينة سرخس بفارس إيران اليوم ت 483هـ]: «وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ; لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ, وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى, وَلَكِنْ هَذَا فِي خُصُومَةٍ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا الْخُصُومَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُقَدِّمَهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ» (¬3). 20 - وقال أبو يعلى الفراء الحنبلي [ت 498 هـ] بأن يحمي الرجل امرأته وبنته مخالطةً الرجال ومحادثتهم، والخلوة بهم (¬4). 21 - وقال أبو حامد الغزالي [ت 505 هـ] عن منع الاختلاط في مجالس الذكر: «ويجب أن يضرب بين الرجال والنساء حائل يمنع من ¬

(¬1) أخرجه ابن أبى شيبة، 1/ 446، برقم 5149، سنن الدارقطني، 2/ 3، سنن البيهقي، 2/ 184، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 1380. (¬2) المهذب مع المجموع، 4/ 350. (¬3) المبسوط، 16/ 8. (¬4) الأحكام السلطانية، ص 306.

22 - وقال الفقيه المالكي أبو بكر محمد بن الوليد القرشي

النظر؛ فإن ذلك مظنة الفساد، والعادات تشهد لهذه المنكرات» (¬1). 22 - وقال الفقيه المالكي أبو بكر محمد بن الوليد القرشي الأندلسي، أبو بكو الطرطوشي [ت 520هـ] كما في المدخل لابن الحاج عند كلامه على اجتماع الرجال بالنساء عند ختم القرآن: «يلزمه إنكاره لما يجري فيه من اختلاط الرجال والنساء» (¬2). 23 - وقال أبو بكر بن العربي [ت 547] في الرد على من قال بجواز تولية المرأة القضاء: «فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير، لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولم يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده» (¬3). وقال أيضاً في أحكام القرآن بالإنكار لتسليم النساء على الرجال، والخلطية فيما بينهم (¬4). 24 - وقال الكاساني الحنفي [ت 587هـ] في تعليل عدم وجوب الجمعة على المرأة: «وأما المرأة فلأنها مشغولة بحامة الزوج، ممنوعة عن ¬

(¬1) إحياء علوم الدين، للغزالي، 3/ 43 - 44. (¬2) المدخل لابن الحاج، 2/ 297. (¬3) الجامع لأحكام القرآن، لابن العربي، 3/ 1446. (¬4) أحكام القرآن، 3/ 136.

25 - قال ابن الجوزي

الخروج إلى محافل الرجال؛ لكون الخروج سبباً للفتنة» (¬1). 25 - قال ابن الجوزي [بغدادي، ت 597هـ]: «فأمّا ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال؛ فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال، ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك» (¬2). 26 - وقال ابن قدامة الحنبلي: [شامي، ت 620هـ]: «إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَثْبُتَ هُوَ وَالرِّجَالُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُنَّ قَدْ انْصَرَفْنَ، وَيَقُمْنَ هُنَّ عَقِيبَ تَسْلِيمِهِ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إذَا سَلَّمَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ الرِّجَالُ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، لِكَيْ يَبْعُدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» (¬3). وقال أيضاً: «المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال؛ لذلك لا تجب عليها جماعة» (¬4). ¬

(¬1) بدائع الصنائع، 1/ 582. (¬2) كشف المشكل من حديث الصحيحين، 1/ 776. (¬3) المغني، 1/ 328. (¬4) المغني، 3/ 216.

27 - قال ناصح الدين المعروف بابن الحنبلي

وقال أيضاً في ذكر منكرات المساجد: «أن يكون الرجال مختلطين بالنساء، فينبغي إنكار ذلك عليهم» (¬1). 27 - قال ناصح الدين المعروف بابن الحنبلي [ت 634هـ] فقيه الحنابلة في زمانه، كما في ذيل طبقات الحنابلة (¬2) أن اجتماع الرجال بالنساء في مجلس في غير معروف محرم» (¬3). 28 - قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد اللَّه العامري [في القرن السادس (¬4)] في كتابه أحكام النظر: «اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج الرجال بالنسوان الأجانب؛ فقد كفر، واستحق القتل بردته، وإذ اعتقد تحريمه وفعله، وأقر عليه ورضي به؛ فقد فسق، لا يسمع له قول، ولا تقبل له شهادة» (¬5). 29 - وقال الإمام النووي [من مدينة نوى بالشام، [631 - 679هـ عُمدة الشافعية]: «من البدع القبيحة ما اعتاده بعض العوام في هذه الأزمان من إيقاد الشمع بجبل عرفة ليلة التاسع أو غيرها، ويستصحبون الشمع من بلدانهم لذلك، ويعتنون به، وهذه ضلالة فاحشة جمعوا فيها أنواعاً من القبائح: إضاعة المال في ¬

(¬1) مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 140. (¬2) 4/ 195. (¬3) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة، 4/ 195. (¬4) ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، 54/ 56، ولم يذكر تاريخ وفاته. (¬5) أحكام النظر إلى المحرمات، لللعامري، ص 83، و287.

وقال أيضا في المنهاج

غير وجهه: إظهار شعار المجوس في الاعتناء بالنار: اختلاط النساء بالرجال والشموع بينهم، ووجوههم بارزة» (¬1). وقال أيضاً في المنهاج شرح صحيح مسلم: «وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِر صُفُوف النِّسَاء الْحَاضِرَات مَعَ الرِّجَال؛ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَة الرِّجَال، وَرُؤْيَتهمْ وَتَعَلُّق الْقَلْب بِهِمْ عِنْد رُؤْيَة حَرَكَاتهمْ، وَسَمَاع كَلَامهمْ وَنَحْو ذَلِكَ، وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفهنَّ لِعَكْسِ ذَلِكَ» (¬2). 30 - الفقيه الأصولي ابن دقيق العيد الشافعي المالكي [ت 702هـ] كما في فتح الباري بمنع الاختلاط في المحافل والأعياد (¬3). 31 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [ت728]: «وقد كان من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه التمييز بين الرجال والنساء، والمتأهلين والعزاب، فكان المندوب في الصلاة أن يكون الرجال في مقدم المسجد، والنساء في مؤخره. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» (¬4). وقال: «يا معشر النساء لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع ¬

(¬1) المجموع، 8/ 140. (¬2) شرح صحيح مسلم، 2/ 183. (¬3) فتح الباري، 2/ 620. (¬4) صحيح مسلم، برقم 440، وتقدم تخريجه.

وقال أيضا

الرجال رؤوسهم من ضيق الأُزر» (¬1)، وكان إذا سلَّم لبث هنيهة هو والرجال لينصرف النساء أولاً، لئلا يختلط الرجال والنساء ... وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون داراً معروفة لهم متميزة عن دور المتأهلين، فلا ينزل العزب بين المتأهلين، وهذا كله لأن اختلاط الصنفين بالآخر سبب الفتنة، فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار بالحطب، وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة لعدم ما يمنعه؛ فإن الفتنة تكون لوجود المقتضي، وعدم المانع» (¬2). وقال أيضاً: «وكذلك معاشرة الرجل الأجنبي للنسوة ومخالطتهن من أعظم المنكرات التي تأباها بعض البهائم فضلاً عن بني آدم» (¬3). وقال أيضاً: «وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع، فهذا لا يحتاج إلى ذكر لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب، مثل: رفع الأصوات في المسجد، أو اختلاط الرجال والنساء، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل؛ فإن قبح ¬

(¬1) البخاري، كاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقاً، مسلم، كتاب الصلاة، باب أمر النساء المصليات وراء الرجال أن لا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال، برقم 441، واللفظ له. (¬2) الاستقامة، 1/ 359 - 361. (¬3) جامع المسائل، 5/ 229.

32 - وقال محمد بن محمد القرشي الشافعي

هذا ظاهر لكل مسلم» (¬1). 32 - وقال محمد بن محمد القرشي الشافعي [ت 729]: «ولا يجوز لأحد التطلع على الجيران من السطوحات والنوافذ، ولا أن يجلس الرجال في طرقات النساء من غير حاجة، فمن فعل شيئاً من ذلك عزره المحتسب» (¬2). 33 - وقال ابن الحاج المالكي [ت 737هـ]: «فإن أرادت إحداهن الخروج تنطقت وتزينت ونظرت إلى أحسن ما عندها من الثياب والحلي فلبسته، وتخرج إلى الطريق كأنها عروس، وتمشي في وسط الطريق تزاحم الرجال، ولهن صنعة في مشيهن حتى إن الرجال ليرجعون مع الحيطان حتى يوسعوا لهن الطريق أعني المتقين منهم، وغيرهم يخالطونهن ويزاحموهن، ويمازحوهن قصداً، كل هذا سببه عدم النظر إلى السنة وقواعدها، وما مضى عليه سلف الأمة - رضي الله عنهم -» (¬3). 34 - وقال ابن قيم الجوزية [دمشقي ت 751هـ]: «ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج، ومجامع الرجال قال مالك: ورضي عنه: أرى للإمام أن يتقدم إلى الصياغ في قعود النساء إليهم، وأرى ألا يترك ¬

(¬1) اقتضاء الصراط المستقيم، ص145. (¬2) معالم القربة، ص79. (¬3) المدخل، 1/ 176.

المرأة الشابة تجلس إلى الصياغ، فأما المرأة المتجالَّة والخادم الدون التي لا تتهم على القعود، ولا يتهم من تقعد عنده، فإني لا أرى بذلك بأساً. انتهى. فالإمام مسؤول عن ذلك، والفتنة به عظيمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» (¬1)، وفي حديث آخر: «باعدوا بين الرجال والنساء» (¬2)، وفي حديث آخر أنه قال للنساء: «لكن حافات الطريق» (¬3)، ويجب عليه منع النساء من الخروج متزينات متجملات، ومنعهن من الثياب التي يكن بها كاسيات عاريات، كالثياب الواسعة والرقاق، ومنعهن من حديث الرجال في الطرقات ومنع الرجال من ذلك، وإن رأى ولي الأمر أن يفسد على المرأة إذا تجملت وتزينت وخرجت -ثيابها بحبر ونحوه- فقد رخص في ذلك بعض الفقهاء، وأصاب، وهذا من أدنى عقوبتهن المالية، وله أن يحبس المرأة إذا أكثرت الخروج من منزلها، ولا سيما إذا خرجت متجملة؛ بل إقرار النساء على ذلك إعانة لهن على الإثم والمعصية، واللَّه سائل ولي الأمر عن ¬

(¬1) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه. (¬2) ذكره الشيخ الألباني في السلسة الضعيفة، 24/ 643 بلفظ: «باعِدوا بين أنفاس الرجالِ والنساء»، وقال: «لا أصل له، وقد علقه ابن حزم في طوق الحمامة، ص 128 جازماً بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -! وكذلك فعل جمع من بعده؛ منهم ابن الحاج في المدخل، 1/ 245، وكذلك ذكره ابن جماعة في منسكه، في طواف النساء من غيرسند». ا. هـ. (¬3) أخرجه البيهقي في الشعب، 10/ 240، وفي الآداب له، برقم 668، وتقدم تخريجه.

ذلك، وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق، فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك، وقال الخلال في جامعه: أخبرني محمد بن يحيى الكحال أنه قال لأبي عبد اللَّه: أرى الرجل السوء مع المرأة؟ قال: صح به، وقد أخبرني النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن المرأة إذا تطيبت وخرجت من بيتها فهي زانية» (¬1)، ويمنع المرأة إذا أصابت بخوراً أن تشهد عشاء الآخرة في المسجد، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان» (¬2)، ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة، ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة، أرسل اللَّه عليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير، فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، برقم 4173، والترمذي، برقم 2786، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 216، برقم 2019، تقدم تخريجه .. (¬2) الترمذي، برقم 1173، وابن خزيمة، 1685، وصححه الألباني في إرواء الغليل، وتقدم تخريجه.

35 - وقال قاضي مصر وفقيهها عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة

الدنيا والرعية قبل الدين، لكانوا أشد شيء منعاً لذلك، قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: «إذا ظهر الزنا في قرية أذن اللَّه بهلاكها» (¬1)، وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا إبراهيم بن الأشعث، حدثنا عبد الرحمن بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما طفّف قوم كيلاً، ولا بخسوا ميزاناً، إلا منعهم اللَّه - عز وجل - القطر، ولا ظهر في قوم الزنا، إلا ظهر فيهم الموت، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط، إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لم ترفع أعمالهم، ولم يسمع دعاؤهم» (¬2). 35 - وقال قاضي مصر وفقيهها عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة [ت767 هـ] في هداية السالك: «ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، ¬

(¬1) أخرجه الطبري بهذا اللفظ، 17/ 475، وهكذا ذكره الذهبي في كتاب الكبائر، ص 61، وورد بلفظ: «إذا ظهر الزنا والربا فى قريةٍ فقد أحلوا بأنفسهم كتابَ اللهِ»، أخرجه الطبراني 1/ 178، برقم 460، والحاكم، 2/ 43، وقال: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي، والبيهقى في شعب الإيمان، 4/ 363، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 4/ 118: «وفيه هاشم بن مرزوق، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات»، وحسَّنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1859 .. (¬2) الطرق الحكمية، 2/ 721 - 724، و237، والحديث عزاه ابن القيم إلى ابن أبي الدنيا في هذا الكتاب، وعزاه إلى معجم الطبراني في الجواب الكافي، ص 31، وذكره بإسناده ابن الجوزي في ذم الهوى، ص 192، ولم يذكر من خرجه.

وقال أيضا

وبأيديهم الشموع متقدة» (¬1). وقال أيضاً: «ولا تدنو من البيت مخالطة للرجال، بل تكون في حاشية الطواف بحيث لا تزاحم الرجال، قياساً على الصلاة؛ فإنهن مأمورات بالتأخير عن صفوف الرجال، ولا يستحب لها تقبيل ولا استلام مع مزاحمة الرجال، وكذلك لايستحب لها الصلاة خلف المقام، أو في غيره من المساجد مزاحمة للرجال، ويستحب لها ذلك إذا لم تفض إلى مخالطة الرجال، وهذا مما لا يكاد يختلف فيه؛ لما يتوقع بسببه من الضرر ... ومن أقبح المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم، سافرات عن وجوههن، وربما كان ذلك في الليل وبأيديهم الشموع تقد» (¬2). 36 - وقال ابن رجب الحنبلي [بغدادي، سكن دمشق، ت 795هـ]: «وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد» (¬3). 37 - [وقال] ابْنُ عَرَفَةَ المالكي [تونسي، ت 803هـ]، وسَحْنُونٌ [مغربي، ت 240هـ]: «يَعْزِلُ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ» (¬4). ¬

(¬1) 2/ 864. (¬2) هداية السالك، 2/ 864 - 868. (¬3) فتح الباري، لابن رجب، 2/ 134. (¬4) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش، 8/ 306.

38 - وقال ابن النحاس الشافعي

38 - وقال ابن النحاس الشافعي [ت 814 هـ]: «في ذكر مما يقع في النكاح وبعده من المنكرات ... ومنها: اجتماع النساء على السطح أو في الغرف للنظر إلى الرجال مهما كان، وربما كان في الرجال شباب يخاف الفتنة منه» (¬1). 39 - قال ابن حجر العسقلاني [أصله من عسقلان بفلسطين، وعاش بالقاهرة، ت 852هـ]: «وقَد ورَدَ ما هُو أَصرَح مِن هَذا فِي مَنعهنَّ، ولَكِنَّهُ عَلَى غَير شَرط المُصَنِّف، ولَعَلَّهُ أَشارَ إِلَيهِ، وهُو ما أَخرَجَهُ أَبُو يَعلَى مِن حَدِيث أَنَس، قالَ: «خَرَجنا مَعَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي جِنازَة، فَرَأَى نِسوة فَقالَ: «أَتَحمِلنَهُ»؟ قُلنَ: لا. قالَ: «أَتَدفِنَّهُ»؟ قُلنَ: لا. قالَ: «فارجِعنَ مَأزُورات غَير مَأجُورات» (¬2). ونَقَلَ النَّووِيّ فِي شَرح المُهَذَّب أَنَّهُ لا خِلاف فِي هَذِهِ المَسأَلَة بَين العُلَماء، والسَّبَب فِيهِ ما تَقَدَّمَ؛ ولأَنَّ الجِنازَة لا بُدّ أَن يُشَيِّعها الرِّجال، فَلَو حَمَلَها النِّساء لَكانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إِلَى اختِلاطهنَّ بِالرِّجالِ، فَيُفضِي إِلَى الفِتنَة» (¬3). وقال ابن حجر أيضاً في فتح الباري: «فيه اجتناب مواضع التهم، ¬

(¬1) تنبيه الغافلين، ص 472 (¬2) ابن ماجه، برقم 1578، مصنف ابن أبي شيبة، برقم 25789، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه، برقم 344، وتقدم تخريجه. (¬3) فتح الباري، 3/ 182.

40 - وقال بدر الدين العيني الحنفي:

وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات، فضلاً عن البيوت» (¬1). 40 - وقال بدر الدين العيني الحنفي:: [أصله من حلب، وسكن القاهرة، ت: 855هـ] في شرحه على البخاري: في التعليق على قول البخاري «باب حمل الرجال الجنازة دون النساء»: «أي هذا باب في بيان حمل الرجال الجنازة دون حمل النساء إياها لأنه ورد في حديث أخرجه أبو يعلى عن أنس - رضي الله عنه - قال: «خرجنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في جنازة، فرأى نسوة، فقال: أتحملنه؟ قلن: لا، قال: أتدفنَّه؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات» (¬2)؛ لأن الرجال أقوى لذلك والنساء ضعيفات ومظنة للانكشاف غالباً خصوصاً إذا باشرن الحمل؛ ولأنهن إذا حملنها مع وجود الرجال لوقع اختلاطهن بالرجال وهو محل الفتنة ومظنة الفساد» (¬3). وقال أيضاً عند حديث عائشة ل: «لو أدرك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل»: «لو شاهدت عائشة لما أحدث نساء هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشد إنكاراً، ولا سيما نساء مصر؛ فإن فيهن بدعاً لا ¬

(¬1) فتح الباري، 2/ 336. (¬2) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في اتباع الجنائز، برقم 1578، مصنف ابن أبي شيبة، 5/ 252، برقم 25789، والبيهقي 4/ 77، والبزار، 2/ 249، وبنحوه عبد الرزاق، 3/ 456، برقم 6298، ولأبي يعلى، 7/ 109، وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه، برقم 344. (¬3) عمدة القاري، 8/ 111.

41 - وقال أحمد المغراوي المالكي

توصف، ومنكرات لا تمنع، منها: مشيهن في الأسواق في ثياب فاخرة وهن متبخرات متعطرات مائلات متبخترات متزاحمات مع الرجال، مكشوفات الوجوه في غالب الأوقات، ومنها ركوبهن مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال ... » (¬1). 41 - وقال أحمد المغراوي المالكي [ت 898هـ] بكراهة تعليم المعلم للجواري واختلاطهن بالغلمان (¬2). 42 - الإمام الحطاب الرعيني المالكي [ت954هـ] في مواهب الجليل شرح مختصر خليل (¬3) حيث قرر إنكار الاختلاط بين الرجال والنساء والاجتماع فيما بينهم عند ختم القرآن. 43 - وقال عبد اللَّه باقشير الحضرمي الشافعي [ت 958 هـ]: «ومن الكبائر: إظهار شعائر الفسق، كاجتماع الرجال والنساء متكشفات للعب ونحوه» (¬4). 44 - وقال الحجاوي الحنبلي [شامي، ت 968هـ] في الإقناع: «(ويُمْنَعُ فِيهِ (¬5) اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) قال البهوتي في شرحه: (لِمَا ¬

(¬1) عمدة القاري، 6/ 158. (¬2) المصدر السابق، ص 552. (¬3) مواهب الجليل شرح مختصر خليل، 4/ 154. (¬4) الموجز المبين، ص 71. (¬5) أي في المسجد.

45 - وقال ابن النجار الفتوحي الحنبلي

يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ)» (¬1). 45 - وقال ابن النجار الفتوحي الحنبلي (ت 972 هـ): «وأما كون الجمعة لا تجب على المرأة؛ فلأن تكليفها بالخروج ومخالطة الرجال فيه مشقة عليها، وربما أدى إلى مفسدة» (¬2). 46 - ونقل ابن حجر الهيتمي الشافعي [مصري، ت 974هـ]: «أما سماع أهل الوقت فحرام بلا شك، ففيه من المنكرات كاختلاط الرجال بالنساء» (¬3). 47 - قال الخطيب الشربيني الشافعي [من أهل القاهرة، ت 977هـ]: «التَّعْرِيفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ لِلسَّلَفِ فِيهِ خِلَافٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ «أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ»، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَاتٌ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَمْ يُلْحِقْ بِفَاحِشِ الْبِدَعِ، بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ: أَيْ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا» (¬4). ¬

(¬1) الإقناع، 2/ 367. (¬2) معونة أولي النهى، 2/ 470. (¬3) الزواجر، ص 345. (¬4) مغني المحتاج، 2/ 261.

48 - وأبو السعود محمد بن محمد العمادي

48 - وأبو السعود محمد بن محمد العمادي (ت982هـ) في تفسيره أشار إلى مزاحمة جهلة العوام النساء في الطواف (¬1). 49 - قال عمدة فقهاء الشافعية شمس الدين محمد بن أبي العباس الرملي الشافعي [ت 1004هـ] في نهاية المحتاج شرح منهاج النووي: في ذكر سياق ألفاظ القذف: «(قَوْلُهُ: وَيَا قَحْبَةُ) لِامْرَأَةٍ (قَوْلُهُ صَرِيحٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ) أَيْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا تَفْعَلُ فِعْلَ الْقِحَابِ مِنْ كَشْفِ الْوَجْهِ، وَنَحْوِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، هَلْ يُقْبَلُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْقَبُولُ لِوُقُوعِ مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرًا» (¬2). 50 - وقال علي بن سلطان القاري الحنفي [ت 1014هـ] تعليقاً على قول ابن الهمام: «(وتخرج العجائز للعيد لا الشواب)، وهو قول عدل؛ لكن لا بد أن يقيد بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بأن لا يختلطن بالرجال ... » (¬3). 51 - وقال البهوتي الحنبلي [مصري، ت 1051هـ] في الكشاف: «(وَيُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ قِيَامُهُنَّ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَثُبُوتُ الرِّجَالِ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكْهُنَّ الرِّجَالُ، ¬

(¬1) تفسير أبي السعود: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، 5/ 40. (¬2) نهاية المحتاج، 8/ 172. (¬3) مرقاة المفاتيح، 2/ 248.

52 - وفي حاشية الشبراملسي

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ل (¬1)؛ وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» (¬2). 52 - وفي حاشية الشبراملسي الشافعي [مصري، ت 1087هـ] على نهاية المحتاج في باب القذف: «قَوْلُهُ: (وَيَا قَحْبَةُ) لِامْرَأَةٍ «قَوْلُهُ صَرِيحٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ» أَيْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا تَفْعَلُ فِعْلَ الْقِحَابِ مِنْ كَشْفِ الْوَجْهِ، وَنَحْوِ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ هَلْ يُقْبَلُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْقَبُولُ لِوُقُوعِ مِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَعَلَيْهِ فَهُوَ صَرِيحٌ يَقْبَلَ الصَّرْفَ» (¬3). 53 - وَقَالَ الشَّيْخُ الطُّوخِيُّ الشافعي [مصري، 1090هـ] بِحُرْمَتِهِ [أي الاجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفة] لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ» (¬4). 54 - وقال الحموي مفتي الحنفية في زمانه أحمد بن محمد أبو العباس الحسيني الحموي [ت1098 هـ]: [أصله من حماة بسوريا، وسكن القاهرة]: «وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الزِّفَافَ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ , كَمَا فِي الْفَتْحِ. قُلْت: وَهُوَ حَرَامٌ فِي زَمَانِنَا فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ لِأُمُورٍ لَا تَخْفَى عَلَيْك مِنْهَا اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة النساء خلف الرجال، برقم 870. (¬2) كشاف القناع، 1/ 494. (¬3) نهاية المحتاج مع حاشيته، 7/ 105. (¬4) البجيرمي على الخطيب، 2/ 226.

55 - قال الفقيه شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي

بِالرِّجَالِ» (¬1)، فعلّل تحريم الزفاف في زمانه بعلة اختلاط النساء بالرجال، ولا يتمُّ ذلك إلا إذا كان الاختلاط (حرامٌ) عنده. وقال أيضاً كما في كتاب غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم في حكم العرس المختلط: «وهو حرام في زماننا، فضلاً عن الكراهة؛ لأمور لا تخفى عليك، منها اختلاط النساء بالرجال» (¬2). 55 - قال الفقيه شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي [1044 - 1126 هـ] في كتابه الفواكه الدواني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني عند كلامه على وجوب حضور الوليمة عند الدعوة إليها، إلا عند المنكر، قال: «بِقَوْلِهِ: (وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ) أَيْ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ، كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، أَوِ الْجُلُوسِ عَلَى الْفُرُشِ الْكَائِنَةِ مِنَ الْحَرِيرِ، أَوِ الِاتِّكَاءِ عَلَى وَسَائِدَ مَصْنُوعَةٍ مِنْه» (¬3). وقال أيضاً: «ومن مستحبات الطواف الدنو من البيت للرجال دون النساء ... ومن مكروهاته: الطواف مع مخالطة النساء ... » (¬4). 56 - وقرر سليمان بن عمر الجمل [ت 1204هـ] في حاشيته على شرح ¬

(¬1) غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، لابن نجيم، 2/ 114. (¬2) غمز عيون البصائر، لابن نجيم، 2/ 114. (¬3) الفواكه الدواني، 2/ 322. (¬4) الفواكه الدواني، 1/ 417.

57 - وقال الفقيه سليمان بن محمد البجيرمي الشافعي

منهج الطلاب (¬1) أن الاختلاط بالنساء مظنة الفساد. 57 - وقال الفقيه سليمان بن محمد البجيرمي الشافعي [مصري، 1150 - 1221هـ]: «اجْتِمَاعُ النَّاسِ [نساء ورجالاً] بَعْدَ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ عَرَفَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، ... وقال الشيخ الطوخي بحرمته: لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ» (¬2). وقال البجيرمي أيضاً في حاشيته على الشربيني: «الاختلاط بهن [أي النساء] مظنة الفساد» (¬3). 58 - وذكر الصاوي المالكي [مصري، ت 1241هـ] من مبطلات الوصية: «أَنْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُنْكَرِ» (¬4). 59 - قال محمد بن علي بن محمد الشوكاني: (يمني ت1250هـ) في شرح حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ». «الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي اجْتِنَابِ مَا قَدْ يَقْضِي إلَى الْمَحْذُورِ، وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ، وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ¬

(¬1) حاشية الجمل على المنهج، 2/ 458. (¬2) حاشية البجيرمي على الخطيب، 2/ 435. (¬3) البجيرمي على الخطيب، 2/ 461. (¬4) حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 4/ 585، ومثله في حاشية الدسوقي، 4/ 427.

وقال أيضا

الطُّرُقَاتِ فَضْلًا عَنِ الْبُيُوتِ» (¬1). وقال أيضاً: «قَوْله: (وَخَيْرُ صُفُوف النِّسَاء آخِرُهَا) إنَّمَا كَانَ خَيْرهَا لِمَا فِي الْوُقُوف فِيهِ مِنَ الْبُعْد عَنْ مُخَالَطَة الرِّجَال» (¬2). وقال أيضاً في تفسيره فتح القدير: «لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان؛ لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء، فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين» (¬3). 60 - وقال ابن عابدين محمد أمين بن عمر الدمشقي:: إمام الحنفية في عصره [1198 - 1252هـ] في حاشيته: «وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ الْخُرُوجُ لِفُرْجَةِ قُدُومِ أَمِيرٍ أَيْ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ وَمِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» (¬4). 61 - والآلوسي [ت 1270هـ] في كلامه عن الزجر عن الاختلاط في تفسيره (¬5). 62 - وفي مختصر خليل مع شرحه منح الجليل لعليش المالكي [من طرابلس المغرب، وسكن القاهرة، ت1299هـ]: «(وَيَنْبَغِي) لِلْقَاضِي (أَنْ ¬

(¬1) نيل الأوطار، 2/ 364. (¬2) نيل الأوطار، 3/ 219. (¬3) فتح القدير، 5/ 203. (¬4) حاشية ابن عابدين، 6/ 355. (¬5) 9/ 328.

63 - وفي حواشي عبد الحميد الشرواني

يُفْرِدَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (يَوْمًا) مُعَيَّنًا مِنَ الْأُسْبُوعِ، (أَوْ وَقْتًا) مُعَيَّنًا مِنَ الْيَوْمِ (لِـ) قَضَاءٍ بَيْنَ (النِّسَاءِ) سَتْرًا لَهُنَّ، وَحِفْظًا مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ فِي مَجْلِسِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً، أَوْ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ، وَهَذَا فِي نِسَاءٍ يَخْرُجْنَ، وَلَا يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ، وَأَمَّا الْمُخَدَّرَاتُ وَاَللَّاتِي يُخْشَى مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهِنَّ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ، فَيُوَكِّلْنَ مِنْ يُخَاصِمُ عَنْهُنَّ، أَوْ يَبْعَثُ لَهُنَّ فِي مَنَازِلِهِنَّ ثِقَةً مَأْمُونًا» (¬1). 63 - وفي حواشي عبد الحميد الشرواني الشافعي [داغستاني من أهل مكة المكرمة، 1230 - 1301هـ]: «قوله: (إن الثاني) أي: يا قحبة، صريح أي لامرأة ولو ادَّعى إرادة أنها تفعل فعل القحاب من كشف الوجه، ونحو الاختلاط بالرجال فالأقرب قبوله لوقوع مثل ذلك كثيراً عليه فهو صريح يقبل الصرف» (¬2). 64 - مفتي القطر الحضرمي في زمانه العلامة عبد الرحمن بن محمد باعلوي الشافعي [1250 - 1320هـ] في كتابه بغية المسترشدين: «ويقطع مادة ذلك أن يأمر الوالي النساء بستر جميع بدنهن، ولا يكلفن المنع من الخروج إذ يؤدي إلى إضرار، ويعزم على الرجال بترك الاختلاط بهن» (¬3). ¬

(¬1) منح الجليل شرح مختصر خليل، للشيخ عليش، 8/ 306. (¬2) 8/ 205. (¬3) بغية المسترشدين، ص 537.

65 - ومحمد جمال الدين القاسمي

65 - ومحمد جمال الدين القاسمي [ت1332 هـ] في تفسيره محاسن التأويل بعد التعليق على حادثة الإفك: «ولما فضّل تعالى الزواجر عن الزنى، وعن رمي العفائف عنه، بيّن من الزواجر ما عسى يؤدي إلى أحدهما، وذلك في مخالطة الرجال بالنساء، ودخولهم عليهن، وفي أوقات الخلوات، وفي تعليم الآداب الجميلة». 66 - وقال محمد رشيد بن علي رضا [ت1354هـ] في تفسيره المنار: «لَعَارٌ عَلَى بِلَادِ الْإِنْكِلِيزِ أَنْ تَجْعَلَ بَنَاتِهَا مَثَلًا لِلرَّذَائِلِ بِكَثْرَةِ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ» (¬1). 67 - وقال عبد الرحمن الجزيري [مصري ت1360هـ]: «وأُمرنا بصون أجساد النساء من التبذل، والظهور أمام الأجانب، وحثِّ المرأة على حفظ جسدها بالإحتشام والتستر، والبعد عن مواطن الريبة، وبؤر الفساد، وعن الاختلاط بالرجل الأجنبي حتى لا تقع في محرم، ولا يجرها الاختلاط والتبذل إلى الوقوع في الذنب، وتستوجب إقامة الحد عليها» (¬2). 68 - قال حسن البنا - من دعاة مصر-[ت 1368 هـ]: «هذا الاختلاط الفاشي بيننا في المدارس والمعاهد والمجامع والمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا ¬

(¬1) تفسير المنار، 4/ 269. (¬2) الفقه على المذاهب الأربعة، 5/ 25.

69 - وقال مصطفى صبري

التبذل والتبرج الذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة اجنبية لا تمت إلى الإسلام بأدنى صلة ... » (¬1). 69 - وقال مصطفى صبري التوقادي الملقب بـ (شيخ الإسلام في الخلافة العثمانية) [ت1373 هـ]: «وهناك بعد آية الحجاب، أحاديث نبوية كثيرة تأمر بستر النساء عن الرجال الأجانب، وتنهى عن الاختلاط بهم ... إني لا أمنع المرأة عن التعلم، ولا من التبحر في العلوم لمن يستشعر منها النبوغ، لكن بشرط أن يكون كل من التعلم والتبحر في مدارس خاصة بالنساء، لا يخالطهن الطلاب الذ كور، ومدرساتهن منهن ... » (¬2). وقال أيضاً في رسالته: قولي في المرأة: «وهناك أحاديث كثيرة تأمر بستر النساء عن الرجال الأجانب وتنهى عن الاختلاط بهم ... » (¬3). 70 - وقال محمد فريد وجدي [من كتاب مصر- (ت1373 هـ)]: «إن من أقبح مظاهر أسر المرأة في الأفراد والأمم ترك حبلها على غاربها، وقذفها بذلك الجسم اللين، والعواطف الرقيقة، والفؤاد المملوء رحمة، والمهجة المتشبعة بالشفقة، أن تزاحم الرجال في معترك الحياة كتفاً لكتف لسد رمقها» (¬4). ¬

(¬1) المرأة المسلمة، حسن البنا، ص 21. (¬2) قولي في المرأة، مصطفى صبري، ص 59 - 60. (¬3) قولي في المرأة، ص 59. (¬4) المرأة المسلمة، لمحمد فريد وجدي، ص 54.

71 - وقال عبد المجيد سليم

71 - وقال عبد المجيد سليم [مصري، ت 1374هـ] من علماء الأزهر: «هذا وقد ذكر العلامة ابن القيم فى كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية فصلاً بيّن فيه أنه يجب على أُولي الأمر أن يمنعوا اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق ومجامع الرجال. وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر» (¬1). 72 - وقال الشيخ أحمد شاكر [من علماء مصر -: (ت 1377 هـ)] تعليقاً على حديث: «إذا استعطرت المرأة فخرجت على القوم؛ ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين رأتها زانية» (¬2): «انظروا إلى هذا وإلى ما يفعل نساء عصرنا المتهتكات الفاجرات الداعرات، وهن ينتسبن إلى الإسلام زوراً وكذباً، يساعدهن الرجال الفجار الأجرياء على اللَّه وعلى رسوله، وعلى بديهيات الإسلام، يزعمون جميعاً أن لا بأس بسفور المرأة وبخروجها عارية باغية، وباختلاطها بالرجال في الأسواق وأماكن اللهو والفجور، ويجترئون جميعاً، فيزعمون أن الإسلام لم يحرم على المرأة الاختلاط» (¬3). 73 - وقال الشيخ محمد الخضر حسين [ت 1377 هـ]: «وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطوّر الاجتماعي فهو من نوع ما ¬

(¬1) فتاوى الأزهر، نسخة ألكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية. (¬2) أبو داود، برقم 4173، والترمذي، برقم 2786، وتقدم تخريجه. (¬3) المسند، 15/ 108.

74 - وقال محمد بن الحسن الحجوي

ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعيّن على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكارهِ، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه ومتى قَوِيت عزائمهم، وجاهدوه من طُرُقه الحكيمة أماطوا أذاه وغلبوه على أمره» (¬1). 74 - وقال محمد بن الحسن الحجوي [من علماء المغرب - (ت 1379هـ)]: «ويكون تعليم البنات على يد نسوة معلمات فاضلات ماهرات في التعليم حسنة السلوك مؤتمنات، وفي محلات مخصوصة بالبنات لا مختلطات بالأولاد» (¬2). 75 - وقال مصطفى السباعي [من علماء سورية - (ت 1384هـ)]: «يتشدد الإسلام في منع اختلاط النساء بالرجال، وقد قامت حضارته الزاهرة التي فاقت كل الحضارات؛ في إنسانيتها ونبلها وسموها على الفصل بين الجنسين، ولم يؤثِّر هذا الفصل على تقدم الأمة المسلمة، وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ» (¬3). 76 - وقال الشيخ محمد بن إبراهيم [مفتي البلاد السعودية في زمانه- (ت1389هـ)]: «وأما اختلاط النساء بالرجال فهذا من أكبرالمنكرات التي يتعيّن إنكارها على الجميع» (¬4). ¬

(¬1) محاضرات إسلامية، ص 197. (¬2) تعليم الفتيات لا سفور المرأة، الحجوي، ص 124. (¬3) المرأة بين الفقه والقانون، لمصطفى السباعي، ص 186. (¬4) فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم، 10/ 49.

77 - وقال محمد بن سالم البيحاني

77 - وقال محمد بن سالم البيحاني [من علماء اليمن (ت1391 هـ)]: «حرام على النساء الاختلاط بالرجال في الأسواق والمصانع والمساجد والمعاهد ودواوين الحكومة، وإن قال أدعياء العلم وكذبة المصلحين بخلاف ذلك، فإنما هي الخيانة في أمانة العلم، والكذب في التجديد والتضليل بالمرأة المسكينة ... » (¬1). 78 - وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي [ت1393 هـ]: «إن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - يمنع من ذلك منعاً باتاً» (¬2). 79 - وقال أبو الأعلى المودودي [من علماء باكستان - ت 1399هـ]: «إثارة النغمة للتعليم المختلط، وفتح المعاهد المختلطة يمرح فيها المراهقون والمراهقات جنباً إلى جنب من قبل بعض الأفراد لا تفسر إلا بكونهم مصابين بداء التقليد الأعمى للغرب» (¬3). 80 - وقد جزم بتحريم اختلاط النساء بالرجال الشيخ عبد اللَّه بن حميد (1329 - 1402) في فتاويه رقم (230، 239، 240، 245، 247، 250) بتحريم كشف وجوه النساء بحضرة الرجال ¬

(¬1) اللمع على كتاب إصلاح المجتمع، ص 246. (¬2) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 32. (¬3) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 32.

81 - وقال محمد محمد حسين

الأجانب والاختلاط بهم، وحلف على ذلك!!. 81 - وقال محمد محمد حسين [من أدباء مصر - (ت 1403هـ]: «كثر كلام الناس في هذه الأيام - في الصحف وفي دور العلم، وأقسام الفلسفة ومعاهد تخريج المدرسين والأخصائيين الاجتماعيين منها خاصة - عن الكبت الجنسي ومضاره - وشاع بين كثير ممن ينتحلون الدراسات النفسية - والفرويدية منها خاصة - أن السبيل إلى تلافي الأضرار المتولاة عن هذا الكبت هي اختلاط الذكور بالإناث، وتخفف النساء من الحجاب ومن الثياب، وهو تخفف لا يعرف الداعون إليه مدىً ينتهي عنده، ولعله ينتهي إلى ما انتهى إليه الأمر في مدن العراة التي نُكِست فيها المدنية فارتدت إلى الهمجية الأولى! ذلك هو المجتمع المختلط الذي يدعون إلى تعميمه في المدارس وفي الإدارات الحكومية، وفي المصانع وفي الشركات وفي الأندية والمجتمعات، وقد أخذت هذه الدعوة سبيلها إلى التنفيذ في بعض هذه الميادين، والواقع أن هذا الاتجاه هو جزء من اتجاه أكبر وأعم، يراد به فرنجة المرأة، وحملها على أساليب الغرب في شتى شؤونها: في الزواج وفي الطلاق، وفي المشاركة في العمل والإنتاج في شتى الميادين، وفي الزي وفي المحافل والمراقص، إلى آخر ما هنالك، وهذا الاتجاه هو بدوره جزء من اتجاه أكبر يراد به سلخنا من أدب

82 - وقال عبد الله ناصح علوان

إسلامنا وتشريعه، وإلحاقنا بالغرب في التشريع والأدب» (¬1). 82 - وقال عبد اللَّه ناصح علوان [من علماء سوريا - (ت 1407هـ)]: «يا نساءنا المسلمات: إياكن أن تسمعن إلى دعاة الإباحية الذين يدَّعون أن السفور والاختلاط تصعيد للغريزة، وتصريف لكوامن الشهوة، بل يجعل اجتماع النساء بالرجال، والشباب بالشابات أمراً مألوفاً وعادياً» (¬2). 83 - وقال تقي الدين الهلالي [من علماء المغرب - (ت1407 هـ)]: «يجب أن تكون مدارس الإناث مفصولة عن مدارس الذ كور من روضة الأطفال إلى شهادة الدكتوراه» (¬3). 84 - وقال صالح البليهي [من علماء السعودية - (ت 1410هـ)]: «امنعوا الاختلاط، فهو خير لكم وخير لنسائكم، وخير للمجتمع كله، فمن أسباب الشر والفساد الاختلاط، سواء كان ذلك في حقول التعليم أو الدوائر الحكومية، ولا شك أن الذي يدعو إلى اختلاط النساء بالرجال مجرم ومن المفسدين للأرض، وعدو للَّه ورسوله، وعدو للإسلام والمسلمين» (¬4). 85 - وقال الشيخ حمود التويجري [من علماء السعودية - (ت1413 ¬

(¬1) حصوننا مهددة من داخلها، محمد محمد حسين، ص 61. (¬2) إلى كل أب غيور يؤمن باللَّه، عبد اللَّه علوان، ص 30. (¬3) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 65. (¬4) يا فتاة الإسلام اقرأي حتى لا تخدعي، البليهي، ص 47.

86 - وقال الشيخ عبد الله آل محمود

هـ)]:» أقبح من ذلك ما يفعله بعض المنتسبين للإسلام من خلط النساء بالرجال الأجانب في المدارس، وصنوف الأعمال بحيث يجعل لكل رجل وامرأة أجنبية منه مجلس واحد لتتم العلاقة بينهما من قريب، وتحصل الفتنة والفاحشة بينهما بأدنى وسيلة، وهذا مما دَبَّ إليهم من قبائح الإفرنج، ورذائلهم، فالله المستعان» (¬1). 86 - وقال الشيخ عبد اللَّه آل محمود - مفتي دولة قطر في زمانه - (ت 1417 هـ): «إن الاختلاط من مساوئ الأخلاق، وليس من خلق أهل الإسلام في شيء، بل ولا من خلق العرب في جاهليتهم ... » (¬2). 87 - وقال محمد بن سليمان الجراح [من علماء الكويت - (ت 1417هـ)]: «اعلم أن فكرة الاختلاط فكرة كافرة خاطئة خاسئة المخالفة للحس والعقل والوحي السماوي وتشريع الخالق البارئ ... » (¬3). 88 - وقال محمد متولي الشعراوي [مصري ت 1419هـ]: «مسألة الاختلاط بين الفتاة والشاب لا منطقية ولا طبيعية .. نحن لا نمنع المرأة من العمل، لكن تخرج إلى العمل في محيط أسرتها، وإن استدعى أن ¬

(¬1) الصارم المشهور، ص 91. (¬2) الاختلاط وما ينجم عنه من مساوئ الأخلاق، المحمود، ص 9. (¬3) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 8.

89 - وقال أبو الحسن الندوي

تخرج إلى المجتمع لكن في حشمتها وفي وقارها وفي اتزانها، ولا نجعل هذه الضرورة تبيح لها أن تختلط بالشباب ما شاء لها الاختلاط ... » (¬1). 89 - وقال أبو الحسن الندوي [من علماء الهند - (ت 1420هـ)]: «فأي بلد إسلامي سار على هذا الدرب، وطرح الحشمة، وسمح بالاختلاط بجميع أنواعه، وشجع التعليم المختلط، كانت نتيجته ذلك التفسخ الخلقي والجنسي، والثورة على سائر الحدود الخلقية والدينية ... » (¬2). 90 - وقال الشيخ سيد سابق [مصري، ت1420هـ] في فقه السنة: «إعلان الزواج: يستحسن شرعاً إعلان الزواج؛ ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه، وإظهاراً للفرح بما أحل اللَّه من الطيبات، وإن ذلك عمل حقيق بأن يشتهر، ليعلمه الخاص والعام، والقريب والبعيد، وليكون دعاية تشجع الذين يؤثرون العزوبة على الزواج، فتروج سوق الزواج، والإعلان يكون بما جرت به العادة، ودرج عليه عرف كل جماعة، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الشارع عنه: كشرب الخمر، أو اختلاط الرجال بالنساء، ونحو ذلك» (¬3). ¬

(¬1) الفتاوى، الشعراوي، 5/ 12 - 13. (¬2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية، ص 8. (¬3) فقه السنة، 2/ 231.

91 - وقال الشيخ عبد العزيز بن باز

91 - وقال الشيخ عبد العزيز بن باز [مفتي المملكة العربية السعودية (1330 - 1420هـ)]: «فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط؛ سواء كان ذلك من جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية ... » (¬1). وقال أيضاً: «اختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله؛ لما يترتب عليه من أنواع الشرور» (¬2). 92 - وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الإمام عبد العزيز بن باز [1420هـ]:، ونائبه الشيخ عبد الرزاق عفيفي [1415هـ] ما نصه: «اختلاط الطلاب بالطالبات، والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم؛ لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة، ووقوع الفاحشة ... » (¬3). 93 - وقال الشيخ علي الطنطاوي [سوري، ت1420هـ]: «هذا هو باب الشهوات، وهو أخطر الأبواب، عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط ... » (¬4). 94 - وقال الشيخ محمد بن عثيمين [ت 1421هـ]: «ولهذا كان أعداؤنا ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 1/ 418. (¬2) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 5/ 234. (¬3) فتاوى اللجنة، 17/ 53. (¬4) ذكريات علي الطنطاوي، 5/ 268.

95 - وقال بكر أبو زيد

- أعداء الإسلام - بل أعداء اللَّه ورسوله من اليهود والنصارى والمشركين والشيوعيين وأشباههم وأذنابهم وأتباعهم، كل هؤلاء - يحرصون غاية الحرص على أن يفتنوا المسلمين بالنساء، يدعون إلى التبرج، يدعون إلى اختلاط المرأة بالرجل، يدعون إلى التفسخ في الأخلاق، يدعون إلى ذلك بألسنتهم، وأقلامهم، وأعمالهم ... » (¬1). وقال العلامة ابن عثيمين أيضاً: «يجب علينا أن نبصِّر هؤلاء القوم الذين يدعون إلى سفور المرأة وتبرجها ومخالطتها للرجال، وأن نبين لهم أن هذا هدم للأخلاق والأديان والمستقبل؛ لأن الشعوب إذا أصبحت بهيمية ليس لها إلا شهوة الفرج، وملء البطن، أصبحت لا قيمة لها، وأصبحت ذليلة إما للدنيا، وإما لجبابرة الخلق» (¬2). 95 - وقال بكر أبو زيد [ت 1429هـ]: «حُرِّم الاختلاط سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة وغيرها ... » (¬3). 96 - قال الشيخ محمد جميل زينو [شامي، يسكن بمكة معاصر]: «من المنكرات العامة: الاستماع إلى الموسيقى، أو الأغاني ¬

(¬1) شرح رياض الصالحين، 1/ 95. (¬2) شرح صحيح البخاري، لابن عثيمين، 4/ 447. (¬3) حراسة الفضيلة، ص 97.

97 - وقال الدكتور سعد الدين السيد صالح المصري

الخليعة، واختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم، ولو من الأقارب كابن العم والخالة وأخ الزوج وغيره» (¬1). 97 - وقال الدكتور سعد الدين السيد صالح المصري: «ينظر الإسلام إلى المجتمع على أنه مجتمع انفرادي، للرجال مكانهم، وللنساء مكانهن، ولا التقاء بينهما ولا اختلاط إلا بالزواج ... بل الإسلام يحرم الاختلاط حتى في المسجد» (¬2). 98 - وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: «الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يثير الفتنة أمر محرم بالكتاب والسنة والإجماع» (¬3). 99 - وقال الشيخ فريح بن صالح البهلال: «اختلاط النساء بالرجال في أعمالهم وخلوتهم بهن من المفاسد المدمرة للأخلاق والحياء، وضياع الأولاد، المنذر بالخطر المحدق بالفرد والمجتمع» (¬4). وقال أيضاً: «وذلك أن المرأة المشاركة للرجال ضاعت وأضاعت رعاية أولادها وزوجهأ وبيتها، وفسدت وأفسدت الرجال، وركبت ما هب ودب من المنكرات والفواحش، وأصبحت متعة وسلعة لكل ساقط ولاقط، وحينئذٍ ضاع ¬

(¬1) توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، نسخة ألكترونية من موقع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- المملكة العربية السعودية. (¬2) احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، ص 231. (¬3) من مقال له بعنوان: على رسلكم أيها الصحفيون. (¬4) الاستيعاب فيما قيل في الحجاب، ص 249.

100 - وقال صاحب كتاب الاختلاط

حياؤها، وأنوثتها، وكرامتها، ودينها، وكان عاقبة أمرها خسراً». وإذا كان ابن القيم وأمثاله من السابقين يرون أن الاختلاط أصل كل شر في عصرهم، فكيف لو رأوا اختلاط النساء بالرجال في عصرنا، وقد اقترن بالمجون الفاحش، والصور العارية، والأدب المكشوف، والقصص الغرامية، وحفلات الرقص المثيرة، والموسيقى المثيرة، والطرب الخليع، ومناظر الجمال الجذابة، وصور الإغراء بالفاحشة، فتسيطر عليهم هذه الاستثارة الشهوانية التي تطفئ فيهم القوى الفكرية والعقلية، ولا يكادون يبلغون الحلم حتى تغتالهم الشهوات البهيمية، وتستحوذ عليهم؟!! فماذا ينتظر من وراء هذا الاختلاط؟!! (¬1). 100 - وقال صاحب كتاب الاختلاط وما ينجم عنه من مساوئ الأخلاق: «فتقليد المسلمين لغير المسلمين في مثل هذا الاختلاط هو مدعاة إلى الفتنة في الأرض وفساد كبير، ولن يخفى ضرره على من له مسْحة من عقل أو دين، ولكن الهوى يعمي ويصم!» (¬2). 101 - وقال عبد اللَّه القلقيلي [مفتي المملكة الأردنية]: «اختلاط الطلاب والطالبات في الدراسة مما لا يبيحه الشرع الإسلامي، بل يحظره ويكرهه وينكره» (¬3). ¬

(¬1) انظر: المرجع السابق، ص266. (¬2) انظر: ضرورة الفصل بين الجنسين، ص 80. (¬3) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 44.

102 - وقال عبد المحسن العباد البدر

102 - وقال عبد المحسن العباد البدر: «حصول الجمع بين البنين والبنات بعد سن التمييز في الصفوف الأولية غير سائغ لما فيه من محاذير يدركها كل عاقل» (¬1). 103 - وقال عبد القادر الخطيب [رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق]: «إن اختلاط الرجال بالنساء من خصائص الأجانب، فالإثم كل الإثم على كل من يساعد على إباحة الاختلاط؛ سواء كان في الجامعات وسائر المدارس والكليات، أو في المتاجر والدوائر والمجتمعات ... » (¬2). 104 - وقال عبد اللَّه النوري [رئيس لجنة الفتوى في الكويت]: «أما حكم الاختلاط في الإسلام مع وضعنا الحاضر، فلا أظن أن أحداً يجهله إلا من ران على قلوبهم ما كانوا يريدون، الإسلام لم يبح اختلاط الإناث بالذ كور إلا اختلاط المحارم بالمحارم ... » (¬3). 105 - وقال محمد أحمد المقدم المصري: «ومن صور الاختلاط المحرم: الاختلاط في دور التعليم كالمدارس، والمعاهد، والجامعات، والاختلاط في الوظائف والأندية ... » (¬4). ¬

(¬1) من مقال له بعنوان: لا يجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية في الابتدائية. (¬2) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 51. (¬3) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 8. (¬4) عودة الحجاب، المقدم، 3/ 56.

106 - وقال محمد الخطيب

106 - وقال محمد الخطيب [من علماء لبنان]: «إن الاختلاط لا يختلف في حرمته اثنان من المسلمين، ولا ينكر مساوئه ومفاسده من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» (¬1). 107 - وقال محمد علي الصابوني الشامي: «حذر اللَّه جل ثناؤه من مقارفة الفواحش، وارتكاب الموبقات، فنهى عن الزنا، ودواعيه القريبة والبعيدة، من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن، وكشف العورات، وإبداء الزينة ... » (¬2). 108 - وقال محمد لطفي الصباغ الشامي: «هناك نوعان من الاختلاط يتهاون فيهما كثير من الصالحين، ولابد من أن نشير ههنا إلى أنهما معولان يهدمان في كيان مجتمعنا الإسلامي: أما أولهما: فهو الاختلاط في التعليم. وأما ثانيهما: فهو الاختلاط في العمل، ومثل الذين يتهاونون في الخلوة والاختلاط الآثم بدعوى أنهم ربوا على الاستجابة لنداء الفضيلة، ورعاية الخلق، مثل قوم وضعوا كمية من البارود بجانب نار متوقدة، ثم ادّعوا أن الانفجار لا يكون؛ لأن على البارود تحذيراً من الاشتعال والاحتراق!! إن هذا خيال بعيد عن الواقع، ومغالطة للنفس وطبيعة الحياة وأحداثه» (¬3). ¬

(¬1) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 34. (¬2) تفسير آيات الأحكام، الصابوني، 2/ 181. (¬3) تحريم الخلوة والاختلاط المستهتر، محمد الصباغ، ص 25.

109 - وقال منير الغضبان السوري:

109 - وقال منير الغضبان السوري: «ماذا تريدون يا دعاة الاختلاط؟ أما الاختلاط في الجامعات فماذا نقول عنه؟! ضرورة اجتماعية؟! ضرورة خلقية؟! ضرورة قومية؟! ضرورة تربوية؟! هكذا يقولون!! ويقولون: إن المرأة والرجل قد بلغا من الرشد والمسؤولية بحيث يترفعان عن العلاقة الجنسية بينهما، إنما زمالة درس وصداقة مرحلة! إنهم لكاذبون!! أما لو صح قولهم بالحديث عن الرشد لأمكن أن حاجة المرأة إلى أن تتزوج انتهت مع دخول الجامعة، وهذا يكذبه الواقع لكل ذي لب، والفضائح التي تقع في الجامعات، ويندى لها الجبين أكثر من أن تحصى ... » (¬1). ويتضح من هذه النصوص وغيرها أن علماء الإسلام: في الهند، والباكستان، وتركيا، والشام، والعراق، ومصر، والمغرب، وقطر، واليمن، والسعودية، قد صرحوا بتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء في أماكن العمل والتعليم، ولم يعرف لهم مخالف يعتد بقوله، فأين هذا من المفتونين الذين يدعون أن مصطلح الاختلاط مصطلح حادث، فهم بهذا إما جهلة وإما مغرضون، والجاهل يتعلم ولا يتكلم، والمغرض حسيبه ربه، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئَاً} (¬2). ولما رأت الحكومة السعودية -حفظها اللَّه- فتح مدارس ¬

(¬1) إليك أيتها الفتاة المسلمة، منير الغضبان، ص 22. (¬2) سورة المائدة، الآية: 41.

110 - وقال نجم الدين الواعظ

لتعليم البنات، وكلت تنظيمها إلى العلماء برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم:، فجعلوا لها تعليماً مستقلاً عن مدارس البنين، وجعلوا لها رئاسة خاصة تسمى: رئاسة تعليم البنات، ومنفصلة عن وزارة المعارف، واستمر العمل على ذلك، فكان لذلك أحسن النتائج التعليمية -وللَّه الحمد-» (¬1). 110 - وقال نجم الدين الواعظ [مفتي الديار العراقية]: «اختلاط الذكور بالإناث لا يجيزه دين من الأديان، ولا سيما دين الإسلام» (¬2). 111 - وقال وهبي غاوجي الألباني: «إن الإسلام يأذن باجتماع النساء والرجال في بيوت اللَّه تعالى للعبادة، وسماع العلم، مع الفصل بينهم، ولكنه لا يأذن بالاختلاط، كما لا يأذن بالخلوة» (¬3). ¬

(¬1) إضافة الشيخ صالح الفوزان [نقله عنه الدكتور البداح في تحريم الاختلاط]، ص 51. (¬2) حكم الإسلام في الاختلاط، جمعية الإصلاح، ص 42. (¬3) المرأة المسلمة، وهبي غاوجي، ص 237.

المبحث الخامس: أضرارالاختلاط ومفاسده

المبحث الخامس: أضرارالاختلاط ومفاسده أولاً: الاختلاط دليل على ضعف الإيمان، والانحراف عن الدين هذه المفسدة مأخوذة من الواقع المشاهد المخالف لتاريخ المسلمين، فإن تاريخ المسلمين وقد مضى عليه ثلاثة عشر قرناً والمرأة المسلمة محفوظة مصانة من قبل نفسها، ومن قبل المسلمين، لا تقبل الاختلاط بالرجال، ولا يقبل الرجال الاختلاط بها، إلا ما ندر وبطريقة عفوية، فلما جاءت الدعوات الهدامة من قبل أعداء الإسلام: كالإسماعيلة الباطنية، والرافضة، والصوفية، وحزب التحرير، والشيوعية الاشتراكية، والبعثية الاشتراكية والعلمانية الليبرالية، كانت دعوة تحرير المرأة من جملة ما دعوا إليه، ووجد بعد ذلك إنشاء أحزاب ديمقراطية تنهج النهج الديقراطي الغربي، ومن ذلك الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل. ففي خضم هذه الأحزاب، حصلت انحرافات عظيمة في كثير من المسلمين: في عقائدهم، وعبادتهم، وسياستهم، وفي آدابهم وأخلاقهم، ومن آثار هذه الانحرافات قبول كثير منهم اختلاط النساء بالرجال في الوظائف والأعمال وغيرها، وقامت الدعوة إلى اختلاط النساء بالرجال وانتشرت، فمصاحبة ظهور اختلاط النساء بالرجال للدعوات الإلحادية والشركية والكفرية دليل عل أن

ثانيا: الاختلاط ضرر على الدين والدنيا:

الاختلاط المذكور ما توصل إليه دعاة الإفساد، إلا في هذه الأحوال المتردية من غفلة كثير من المسلمين وجهلهم بالإسلام وآدابه، وتحول بعضهم إلى أعداء ومحاربين له. ومعلوم أنه عند الفتن العظام يحصل من الشر ما لا يكون في الحسبان، فانتشار الاختلاط في هذا الزمان يُعدّ من النوازل على المسلمين، ومن مستجدات الأحداث الكبار. و «قد حاط الإسلام المسلمة بضوابط حكيمة رسخت في أعماق القلوب، لا يستطيع المسلمون هدمها إلا إذا غيروا دينهم، وبدلوه كله» (¬1). فعلى هذا لم يكن انحراف المسلمين في قبول الاختلاط مقصوراً عليه؛ بل يُعدّ الاختلاط فرعاً من فروع الانحرافات. ثانياً: الاختلاط ضرر على الدين والدنيا: «اختلاط النساء بالرجال الذي هو أمر جسيم الخطب عظيم الضرر، وفيه فساد الدين والدنيا والعرض والمال والأخلاق والعقل والنسب» (¬2). «وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي شاع فيها الاختلاط ناطقة» بل صارخة- بخطر الاختلاط على الدنيا والدين» (¬3). ¬

(¬1) المرأة المسلمة، ص 104. (¬2) مرآة النساء فيما حسن منهن وساء، ص 144 .. (¬3) عودة الحجاب، 3/ 64.

ثالثا: الاختلاط أصل كل فتنة، وبلاء

وخطره على ذلك من جهة قبوله فما قبل إلا بسبب ضعف الإيمان، وفساد اليقين، وقلة الخشية والمراقبة للَّه، وذهاب الحياء والعفاف وخمود الغيرة، وأساس هذا كله حب الدنيا وحب المنكرات. والجهة الثانية: ما يحدثه الاختلاط من فساد وأمراض، فالمقتربون منه يحصل فيهم الفساد، كما حصل في الدعاة إلى الاختلاط. وأما خطره على الدنيا فليعلم أن صلاح الدنيا بإقامة الدين وذهابها بذهابه، فمتى حصل الاختلاط لغير ضرورة شرعية، فقد عرض المختلطون دنياهم من مال وجاه وملك وأمن واستقرار وعافية أبدان، ومأكل ومشرب وملبس ومنكح وغيره للنقص بنزع البركة وتسليط الآفات والأمراض والعلل والتلف، فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون، فإذا كانت معصية أبينا آدم، وهي: أكل لقمة من شجرة حرمها اللَّه عليه، أدت إلى خروجه من الجنة، فما بالك بانتهاك حرمات اللَّه انتهاكاً يقوم على: البغي، والظلم، والاعتداء، والمكر، والغدر، والاحتيال، وغير ذلك؟! أفلا يغير اللَّه الأحوال؟! إنه غيور شديد العقاب، عزيز ذو انتقام!! ثالثاً: الاختلاط أصل كل فتنة، وبلاء؛ لأن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا لضرر فيه محض، أو لأغلبية ضرره على منفعته، فإطلاق اختلاط النساء بالرجال ضرر محض من وجه، وضرر أغلب من وجه آخر.

رابعا: اختلاط النساء بالرجال يذهب الحياء

أما ضرره المحض فمتى كان لغير حاجة معتبرة فهذا الاختلاط ليس فيه منفعة أصلاً، فهو ضرر محض، وأما ضرره الأغلبي فمتى كان لحاجة، كالتعليم، وطلب الرزق، وغير ذلك، فالضرر هنا أعظم من المنفعة؛ لأن تعلم المرأة وعملها تقدر عليه المرأة دون اختلاط، فلم تصل الحاجة هنا إلى حد الضرورة. وعلى هذا التفصيل يظهر للمنصف أن الاختلاط الحاصل في عصرنا لا يخرج عن هذين الأمرين، وأما كونه أصل كل شر فلقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء» (¬1). قال الإمام القرطبي - رحمه الله - عند حديث «فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» (¬2): «فإنهن أول فتنة بني إسرائيل، وفتنتهن على الرجال أشد من كل فتنة، والمحنة بهن أعظم من كل محنة؛ لأن النفوس مجبولة على الميل إليهن، وعلى اتباع أهوائهن، مع نقص عقولهن، وفساد آرائهن» (¬3). رابعاً: اختلاط النساء بالرجال يذهب الحياء؛ لأن المرأة المختلطة بالرجال تتسبب في ذهاب حيائها، ولا خير في امرأة ذهب حياؤها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحياء من الإيمان» (¬4)، بل قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم5096، ومسلم، برقم2740 من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، وتقدم تخريجه. (¬2) مسلم، برقم 2742، وتقدم تخريجه. (¬3) المفهم، 7/ 313. (¬4) رواه البخاري، برقم 24، و6118، ومسلم، برقم 36، عن ابن عمر - رضي الله عنه -.وتقدم تخريجه

خامسا: الاختلاط طريق الفاحشة

«الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا ذهب أحدهما ذهب الآخر» (¬1) .. واللَّه لا يعبأ بمن نزع منه الحياء، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» (¬2). خامساً: الاختلاط طريق الفاحشة؛ لأنه يُسهل النظر على المرأة والخلوة بها، وقد أشارت الإحصاءات الأمريكية الرسمية إلى ما نسبته (87.8 %) من مجموع طلاب المدارس الثانوية مارسوا اتصالاً جنسياً في حياتهم، نسبة (22 %) منهم قبل سن الثالثة عشرة (¬3). سادساً: يزيد الاختلاط في أماكن العمل والتعليم من معدلات الاغتصاب، وحالات الاعتداء الجنسي على النساء، فقد جاء في تقرير صدر عن منظمة (هيومان رايتس ووتش) المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان: «إن العنف وحالات الاغتصاب تتزايد ضد الطالبات من جانب مدرسيهن والطلاب، كما أن أخبار وحوادث الاغتصاب التي تتم من قبل الذكور في دروات المياه في المدارس والجامعات جعلت الذعر يدب بين طالبات وفتيات الجامعة ... » (¬4). ¬

(¬1) رواه الحاكم، 1/ 22 عن ابن عمر - رضي الله عنه -، والبخاري في الأدب المفرد، ص 445ومصنف ابن أبي شيبة، 5/ 213، برقم 25350، وأبو نعيم في الحلية، 4/ 297، ورواه البيهقي في الشعب، 10/ 166، عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وصححه الوادعي في الصحيح المسند، برقم 752، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم 991. (¬2) رواه البخاري، برقم 3484،وتقدم تخريجه. (¬3) الاختلاط في التعليم، إبراهيم الأزرق، ص 156. (¬4) العدوان على المرأة، فؤاد آل عبد الكريم، ص 239.

سابعا: اختلاط المرأة بالرجال في أماكن العمل والتعليم

سابعاً: اختلاط المرأة بالرجال في أماكن العمل والتعليم يؤدي إلى التحرش بها، ففي دول الاتحاد الأوربي يتعرض (35 %) من النساء إلى شكل من أشكال التحرش الجنسي في مكان العمل، وتشير إحصائية المفوضية الأوربية إلى أنه خلال عام واحد تعرض نحو (50 %) من النساء العاملات إلى تحرشات جنسية (¬1). ثامناً: يؤدي اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل والتعليم إلى غرق الشباب في الميوعة والانحلال، قال الرئيس الأمريكي السابق (كنيدي): «إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، وإن من بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد منهم ستة غير صالحين؛ وذلك لأننا سعينا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصورة مستهترة مما يؤدي إلى إنهماكهم في الشهوات» (¬2). تاسعاً: الاختلاط في أماكن العمل والتعليم يشغل عن الإنتاج والتحصيل العلمي، وقد أشارت إحدى الباحثات بعد عودتها من أمريكا أنه وجدت مائة وأربعاً وخمسين كلية للبنات، وقالت: «إن الأمريكيين يرون أن الاختلاط يشغل الفتيات عن الجد والنشاط العلمي بالملابس والزينة وما إلى ذلك، مما لا يفكرن فيه عندما يفتقدن الفتيان» (¬3). ¬

(¬1) مجلة هدى، العدد (7)، (37) .. (¬2) من مقال بعنوان: "الاختلاط آثار وأخطار"، مها الجمعة. (¬3) مكانك تحمدي، أحمد جمال، ص 87.

عاشرا: يؤدي الاختلاط في أماكن العمل والتعليم

عاشراً: يؤدي الاختلاط في أماكن العمل والتعليم إلى ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع، والعزوف عن الزواج، فقد بلغت نسبة الطلاق في أمريكا في العام 1970م (55 %)، أما نسبة الطلاق بعد ذلك العام، فقد تكون توقفت أو قلَّت؛ لأن نسبة الزواج قد تضاءلت كثيراً، وأصبحت الأنثى بدل أن تكون زوجة، فهي عشيقة، وحبيبة، وخليلة في ساعات الحاجة فقط (¬1). الحادي عشر: الاختلاط يسبب انتشار الأمراض الوبائية، قال ابن القيم: «لا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة» (¬2). الثاني عشر: اختلاط النساء بالرجال يمزق العفاف؛ فإن من غوائل اختلاط النساء بالرجال: تمزيق عفاف كثير منهن، قال العلامة بكر أبوزيد - رحمه الله -: «إن العفة حجاب يمزقه الاختلاط؛ ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي؛ فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن» (¬3). ¬

(¬1) التبرج والاختلاط، عثمان ناعورة، ص 117، وانظر: مجلة البحوث الصادرة عن رئاسة الإفتاء بالمملكة عدد (77) بحثاً بعنوان: "عمل المرأة والاختلاط، وأثره في انتشار الطلاق"، للدكتور عثمان جمعة ضميرية، ص 345. (¬2) الطرق الحكمية، 2/ 722. (¬3) حراسة الفضيلة، ص 58.

الثالث عشر: أنواع الزنا الأصغر تتحقق عند اختلاط النساء بالرجال

الثالث عشر: أنواع الزنا الأصغر تتحقق عند اختلاط النساء بالرجال، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اللَّه كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمني وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه» (¬1). قال العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: «فدل ذلك على الحذر من التعلق بالنساء، لا بأصواتهن، ولا بالرؤية إليهن، ولا بمسهن، ولا بالسعي إليهن، ولا بهواية القلب لهن، كل ذلك من أنواع الزنا، والعياذ باللَّه!! فليحذر الإنسان العاقل العفيف من أن يكون في هذه الأعضاء شيء يتعلق بالنساء» (¬2). فالمختلطون بالنساء لا يكاد أحد منهم يسلم من الوقوع في هذه الأنواع، أو في بعضها، وهذه الأنواع تعد من السيئات التي يكتسبها المسلم، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه إني أصبت حداً، فأقمه عليَّ، فقال له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وماذا صنعت؟»، قال: قبّلت امرأة، فأقيمت الصلاة، فصلّى الرجل مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل اللَّه على رسوله قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (¬3)» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 6243، ومسلم، برقم 2657، وتقدم تخريجه. (¬2) شرح رياض الصالحين، 6/ 759. (¬3) سورة هود، الآية: 114. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر، برقم 6823، ومسلم، كتاب الآداب، باب {إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيِّئَاتِ} برقم 1696.

الرابع عشر: اختلاط النساء بالرجال داع إلى الفاحشة:

فاستمرارية المختلطين على أنواع من الزنا الأصغر ساعة بعد ساعة، فتمضي الأيام بسيئاتها، والأسابيع والشهور والسنين، فما أكثر حصول الزنا الأصغر عند صنف الاختلاط، أضف إلى هذا: أن الإصرار على هذا الزنا يصيره ذنباً كبيراً بل ذنوباً كبيرة. الرابع عشر: اختلاط النساء بالرجال داع إلى الفاحشة: لقد قال العلماء: «التبرج والسفور داعية الفجور»،. وقالوا: «ما اجتمع تبرج النساء واختلاطهن بالرجال إلا كان ثالثهما الزنا». وقال بعض الحكماء: «إذا رأيت اختلاط النساء بالرجال، فتذكر كم أولاد الزنا»، وقد أجاب الكاتب أحمد رفيق باشا العثماني بإجابة عبّر بها عن لسان العرب قبل تحوّل كثير منهم إلى الانحطاط. قال المقدم: «إن سائلاً سأل أحمد رفيق باشا بما نصه: لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن، من غير أن يخالطن الرجال، ويغشين مجامعهم؟ فأجابه في الحال قائلاً: لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن، وكان هذا الجواب كصب ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض، كأنه أُلقم الحجر!» (¬1). وقال العلامة ابن باز - رحمه الله -: «الدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم ¬

(¬1) عودة الحجاب، 3/ 64 - 65.

الخامس عشر: اختلاط النساء بالرجال إهدار للآداب الشرعية

آثاره: الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا، الذي يفتك بالمجتمع، ويهدم قيمه وأخلاقه» (¬1). «فالاختلاط من أكبر انتشار الرذيلة والفاحشة في المجتمع، سواء بالاختلاط بهن في الأماكن العامة، أو بالخلوة بهن» (¬2). الخامس عشر: اختلاط النساء بالرجال إهدار للآداب الشرعية؛ لأن الشريعة الإسلامية جاءت بالآداب الكريمة بين المسلمين وهي كثيرة، ومنها: الاحترام وغض البصر، وصيانة اللسان عما لا يعنيه، وغير ذلك، فإذا وجد الاختلاط بين الرجال والنساء، فكثيراً ما تحصل الجرأة على إطلاق النظر من كلا الصنفين أو أحدهما إلى الآخر، وهذا محذر منه شرعاً، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (¬3)، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (¬4)، فذهاب أدب غض البصر سبب كبير للانطلاق في الفتنة. قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: «ففتنة النظر أصل كل فتنة ... » (¬5)، ¬

(¬1) نقلاً من المرأة الغربية، ص 76 - 77، وهو في مجموع فتاوى ابن باز، 1/ 419. (¬2) دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر، 2/ 928. (¬3) سورة النور، الآية: 30. (¬4) سورة النور، الآية: 31. (¬5) روضة المحبين، ص 96.

السادس عشر: اختلاط النساء بالرجال سبب تأخير الزواج أو تركه

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «فجعل سبحانه غض البصر، وحفظ الفرج، هو أزكى للنفس، وبين أن ترك الفواحش من زكاة النفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش ... » (¬1). السادس عشر: اختلاط النساء بالرجال سبب تأخيرالزواج أوتركه؛ لأن المحتاجين إلى النساء يجدون بغيتهم في بعض المختلطات لا يبقى عندهم الرغبة في النكاح الشرعي، والمصابرة والمجاهدة من أجل الوصول إليه، بل ينثني عنه كثير، خصوصاً إذا كان الزواج يكلفهم مبالغ كبيرة، وهم فقراء، والمرأة التي تجد بغيتها في الرجال يزين لها الشيطان أنها لا تتعجل بالزواج؛ لأنها إن عجلت به تحملت مسؤولية الزوجية وبعدها الأمومة، وحيل بينها وبين عشاقها والأصدقاء والزملاء؛ ولهذا صار شعار بعض المختلطات المراهقات الزواج بعد انتهاء الدراسة، أو بعد الثامنة عشرة، أو بعد إحراز الوظيفة. السابع عشر: الاختلاط يجلب التهم وسوء الظن بين الرجال والنساء؛ لأن اختلاط النساء بالرجال ينزع الثقة من المرأة المختلطة من قبل زوجها؛ بسبب الأخبار السيئة عن المختلطات والحوادث والجنايات، وبسبب قربها من الرجال، خصوصاً إذا كانت اللقاءات بهم ميسرة، والمعاصي عليهم ظاهرة؛ فلا يبقى هنا اطمئنان ولا أمان. ¬

(¬1) العبودية، ص 25.

الثامن عشر: اختلاط النساء بالرجال يؤدي إلى كثرة الطلاق

ويدب الشك في أولياء المرأة المختلطة وفي أقاربها؛ لوجود شيء من القرائن، ويرتاب الخاطب في المختلطة، أما لو علم أنها تعشق، أو تصادق شخصاً فيعزف عنها أكثر، وأيضاً المرأة التي يختلط زوجها بالنساء في الوظائف والأعمال تشك فيه، خصوصاً إذا رأت عليه بعض التغيرات!! الثامن عشر: اختلاط النساء بالرجال يؤدي إلى كثرة الطلاق؛ فإن من نتائج اختلاط النساء بالرجال كثرة الطلاق، وهذه الكثرة ليست محصورة على بلاد الكفار، بل قد صارت من نصيب كثير من المسلمات المتورطات في معصية الاختلاط. ولا شك أن اختلاط المرأة بالرجال في الوظائف والأعمال يفتح باباً خطيراً، ألا وهو تشكك الأزواج في زوجاتهم المختلطات، فالرجل في قلق منذ خروج زوجته إلى العمل، فإذا تأخرت عن موعد مجيئها أخذته الريبة، والمرأة المختلطة إن كانت نزيهة فهي في خوف على نفسها، وسمعتها من الرجال القريبين منها في العمل، وبعض الأزواج يجعلون مراقبين على زوجاتهم، يبلغونهم أولاً بأول، فلا أمان للزوج ولا للزوجة بسبب الاختلاط، فهلا استراحت الزوجات، وهلا استراح الأزواج. التاسع عشر: الاختلاط يجعل المرأة لعبة بيد الرجال؛ ولهذا قال محمد رشيد العويد: «إن المر أة فقدت كل قيمتها اليوم في أوروبا، وبلغت من الذل والشقاء حداً لم تبلغه المرأة في أي مكان،

العشرون: المرأة المختلطة بالرجال متعة وسلعة

فقد أصبحت ألعوبة تتدحرج من يد إلى يد، ويستبدل بها غيرها، إنها تشاهد في كل مكان خادماً في المطاعم والفنادق، وحمالة في الأسواق والطرقات، وسائقة عربات وعجلات، إنها توجد في جميع المناسبات متاعاً رخيصاً متوفراً في كل مكان، وقد نزلت عن مكانتها العالية التي منحها اللَّه تعالى حتى تهلهل لباسها، وصدئ قلبها، وأصبح شعارها السآمة والكآبة والقلق والحيرة دون أن تفكر في غاية حياتها، وعلو مكانتها، ومصيرها الذي شرع اللَّه!» (¬1). العشرون: المرأة المختلطة بالرجال متعة وسلعة؛ لأن أعداء الإسلام دعوا المرأة في بلادهم إلى الاختلاط والسفور ليسهل عليهم التمتع بها كما يشاؤون، ومتى شاؤوا، تمتعاً بالنظر إليها، والكلام معها، واللمس لها، والخلوة بها، والعشق لها، وبعد ذلك ممارسة الفاحشة معها، وهذه الممارسة هي التمتع الكامل بها، ومن أجله جندوا الوسائل، وجيَّشوا الدعايات إلى قبول الاختلاط، وكل نوع من أنواع التمتع المذكور له لذَّته عند أرباب دعاة الاختلاط، وعشاق القرب من النساء ينبئك عن ذلك ما قاله من هو مبتلى بهذا المرض: قلت: اسمحوا لي أن أفوز بنظرة ... ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم ولم يقفوا عند هذا حتى جعلوها سلعة يتاجرون بها في المزاد ¬

(¬1) رسالة إلى حواء، ص 83.

الحادي والعشرون: اختلاط النساء بالرجال يجلب عليهن أمراضا قلبية وباطنية

العلني: في الصحف، والجرائد، والمجلات، والقنوات الفضائية، والفنادق، والمطاعم، والأسواق، وغير ذلك. الحادي والعشرون: اختلاط النساء بالرجال يجلب عليهن أمراضاً قلبية وباطنية؛ لأن المرأة حين تخرج من بيتها إلى المجتمع المختلط تحاول أن تستأثر بنفسها دون زميلاتها بإعجاب الرجال بها، ولفت أنظارهم إليها، وخصوصاً إذا كانت ذات رشاقة وجمال، وغنى في المال، فتراها تسعى لأن تلبس أجود القماش، وأحدث الأزياء، وأن تستعمل جميع وسائل الزينة من مساحيق وأصباغ، وتجميلات في الوجه واليدين والخصر والساقين إلى غير ذلك. وأنها إن وجدت مع نساء لم يحزن ما حازت حقرتهن، وتعالت، وتكبرت عليهن، وحسبت نفسها أنها الوحيدة في عالم الحسن والجمال، والفريدة بالإعجاب والدلال، وإذا وجدت مع نساء سبقنها، وتفوقن عليها في ذلك، حسدتهن، وحقدت عليهن، وضاقت بهن ذرعاً، وامتلأت منهن غيظاً، وأصابها هم وغم، وحسرة وحزن، وهكذا تجدها إما متكبرة متعالية، وإما حاقدة حاسدة،! وهذه أمراض خطيرة في النفس، وآفات مضعفة للعقل (¬1). الثاني والعشرون: اختلاط النساء بالرجال في أعمالهم اعتداء عليهم وإلحاق البطالة بهم؛ لأن تمكين النساء من وظائف الرجال، مما جعلهم يتساقطون في الشوارع بدون وظائف، وهذا حاصل عالمياً في بلاد الكفار ¬

(¬1) انظر: التبرج أخطر معاول الهدم، ص 82.

الثالث والعشرون: المرأة المختلطة بالرجال مضيعة لأسرتها

أولاً، ثم في بلاد المسلمين ثانياً! وهذا الاعتداء من النساء والمنتصرين لهن سبب ثورة الرجال عليهن، والسعي في إيقافهن، والانتقام منهن. الثالث والعشرون: المرأة المختلطة بالرجال مضيعة لأسرتها؛ لأن أكبر مسؤولية على المرأة المسلمة: بيتها وزوجها وأولادها؛ فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته ... والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها» (¬1).، ونساء العرب، وخاصة نساء قريش خير النساء؛ لقول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ: صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» (¬2). ولم تزل المرأة العربية، وخصوصاً القرشية على هذا الحنان والرعاية، حتى طرأ عليها ما طرأ من الفساد الغربي، من اختلاطها بالرجال غير المحارم. وللَّه درُّ من قال: ليس اليتيم من انتهى أبواه من ... همّ الحياة وخلّفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له ... أمّاً تخلت أو أباً مشغولا (¬3) ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 893، ومسلم 1829، عن ابن عمر - رضي الله عنه -. (¬2) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: {إِذْ قَالَتْ المَلاَئكَةُ يَا مَرْيمُ إنَّ اللَّه يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ}، برقم 3434، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، برقم 2527. (¬3) الشعر لأحمد شوقي، انظر: الشوقيات، 1/ 183.

الرابع والعشرون: اختلاط النساء بالرجال يؤدي إلى زيادة الافتتان بالمال

الرابع والعشرون: اختلاط النساء بالرجال يؤدي إلى زيادة الافتتان بالمال؛ لأن الإسلام أوجب على النساء أن يقمن بوظيفتهن الزوجية والبيتية، فهذه أكبر وظيفة خصت بها النساء، وقيامهن بهذه الوظيفة يسبب لهن هدوء البال والأمن والاستقرار، وعدم الصراع مع الرجال في معترك الحياة، فمتى خرجت المرأة من دار مملكتها إلى أماكن الريب والإفساد من اختلاط بالرجال وغير ذلك، فأصل خروجها ناتج عن افتتانها باالمال والجاه، والاغترار بما عليه الكفار! وهذا فيه من الأخطار على المرأة المفتونة ما فيه! فممكن يذهب دينها، وتتحول عبوديتها إلى المال والجاه، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ!» (¬1). وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» (¬2)، وقد عرف على مر التاريخ أن الافتتان بالمال بلية الرجال فقط، وأما في عصرنا فقد فتنت النساء بالمال فتنة أدت إلى أضرار جسيمة، وأحوال ذميمة، بل لقد كانت فتنتهن بأموال الكفار، ومد أيديهن إليهم أصل هذه الفتنة، ومنبع شرها؛ فقد جرهن أعداء ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل اللَّه، برقم 2887 عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (¬2) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب إن فتنة هذه الأمة في المال، برقم 2336، وأحمد، 29/ 15، برقم 17471، وابن حبان، 8/ 17، برقم 3223، عن كعب بن عياض - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/ 141.

الخامس والعشرون: الاختلاط شؤم يجر إلى أشأم منه

الإسلام تارة على وجوههن، وتارة على أرجلهن؛ فصارت الداعيات إلى تحرير النساء في مهب العواصف، وفي طريق المتالف؛ بسبب هذا الاندفاع والجري وراء المال؛ فهان عليهن أن يخالفن أحكاماً شرعية كثيرة، ويتعدين حدود اللَّه، فما مثلهن إلا كما قال القائل: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع (¬1) وأين رجالهن من قول حماة الأعراض وأسود الفضيلة: أصون عرضني بمالي لا أدنسه ... لا بارك اللَّه بعد العِرْض بالمال واختلاط المرأة بالرجال يدفعها إلى طلب المزيد من اكتساب المال، إما عن طريق الترقية لها على حساب بذل عرضها، واما عن طريق التواطؤ على المنكرات، وغير ذلك. الخامس والعشرون: الاختلاط شؤم يجر إلى أشأم منه؛ فإن الاختلاط كان في بعض المدارس والجامعات وغيرها من الأماكن، ثم ظهر في أماكن يتحقق فيها الفساد أكثر وأكثر، ويجر إلى الويلات. ومما جر إليه الاختلاط ما يحصل في الرياضة النسوية من كشف العورات الغليظة، ففي كتاب الاستيعاب ما نصه: «وقد شاهد الشيخ ¬

(¬1) البيت نسبه ابن قتيبة في عيون الأخبار، 1/ 259 لإبراهيم بن أدهم، ومثله البيهقي في الزهد الكبير، ص 170، وهو في مسند إبراهيم بن أدهم، ص 24، وغيرها من كتب التاريخ والحديث، ولكن صاحب تاج العروس، ص 5272 نسبه لعبد اللَّه بن المبارك، وصاحب محاضرات الأدباء، ص 609، نسبه لأبي العتاهية، ولم أجده في ديوانه، والأغرب من هذا نسبة الجاحظ لهذا البيت في كتابه الحيوان، 6/ 506 لبعض المُجَّان.

السادس والعشرون: النساء المختلطات بالرجال ملعونات؛ لتشبههن بهم

علي الطنطاوي - رحمه الله - مثل ذلك في دمشق الشام عام1949 م، فقال ما ملخصه: «إنه حضر إحدى المدارس ليلقي فيها درساً إضافياً، فسمع صوتاً من ساحة المدرسة، فتلفت ينظر من النافذة، فرأى مشهداً قال: ما كنت أتصور أن يكون في ملهى فضلاً عن مدرسة، وهو أن طالبات أحد الفصول، وكلهن كبيرات بالغات، قد استلقين على ظهورهن في درس الرياضة، ورفعن أرجلهن حتى بدت أفخاذهن عن آخرها» (¬1). وفي المصدر نفسه ما نصه: «لقد بدأت مؤامرة السفور بالدعوة إلى كشف الوجه، وامتدت إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم إلى السفر من غير محرم: بدعوى الدراسة في الجامعة، ثم زينت الوجوه المكشوفة بأدوات الزينة، وبدأ الثوب ينحسر شيئاً فيشئاً، حتى وقعت الكارثة، فخرجت المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر اللَّه بسترها، حتى أضحت عارية» (¬2). اللهم سلم سلم! اللهم احفظ عوراتنا، وآمن روعاتنا، وصن أعراضنا!. السادس والعشرون: النساء المختلطات بالرجال ملعونات؛ لتشبههن بهم؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» (¬3)، وفيه أيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «لَعَنَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، ¬

(¬1) الاستيعاب، ص 670 - 671. (¬2) المصدر السابق، ص672. (¬3) البخاري، برقم 5885، وتقدم تخريجه.

السابع والعشرون: سقوط دول وزوال شعوب بسبب اختلاط النساء بالرجال وتبرجهن

وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ»، قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فُلَانًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا» (¬1). وعند أبي داود، والحميدي، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ!» (¬2). وروى عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ» (¬3). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ، وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَالرَّجِلَةُ» (¬4)، فأين يذهب المختلطون من رجال ونساء من هذا اللعن، وقد بلغ بهم الاختلاط إلى حد المكابرة والمعاندة والإصرار عليه؟!! السابع والعشرون: سقوط دول وزوال شعوب بسبب اختلاط النساء بالرجال وتبرجهن؛ لما جاءعن جُبَيْر بْنِ نُفَير قال: «لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أبا الدرداء جالساً ¬

(¬1) البخاري، برقم 5886، وتقدم تخريجه. (¬2) أبو داود، كتاب اللباس، باب لباس النساء، برقم 4099، والبيهقي في شعب الإيمان، 10، 225، والبزار، 17/ 40، والحميدي، برقم 274، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 145. (¬3) أحمد، 11/ 462، برقم 6874، والطبراني في الكبير، 13/ 467، برقم 14332، وأبو نعيم في الحلية، 3/ 321، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 3/ 259. (¬4) أخرجه أحمد، برقم 6180، والنسائي، برقم 4459، وقال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 333: «حسن صحيح»، وتقدم تخريجه.

الثامن والعشرون: من شؤم الاختلاط بالنساء اتخاذهن مغنيات وراقصات وممثلات

وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز اللَّه فيه الإسلام وأهله؟! قال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على اللَّه إذاهم تركوا أمره!! بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر اللَّه، فصاروا إلى ما ترى» (¬1). وعن حسان بن عطية قال: «ما أُتِيَت أُمّة قط إلا من قبل نسائهم» (¬2). فالناظر في حضارات الدول وسقوطها يرى أن من أعظم أسباب ذلك: انتشار الفساد بين رجال هذه الدول، عن طريق تقريب النساء من الرجال، ففي دائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي سرد تاريخي عن دولة الرومان، ويقرر فيها أن انحطاط تلك الدولة كان بسبب الترف المصحوب باختلاط النساء بالرجال، بل يكاد أن يكون هذا السبب هو أصل رَزَايَا الدول والشعوب! قال المقدم: «لا ننسى أن انحراف المرأة أو الانحراف بالمرأة كان السبب الأول في أن حضارات عتيقة انهارت وتمزقت كل ممزق، ونزل بأهلها العقاب الإلهي، والأوجاع والأمراض الفتاكة، كما وقع قديماً: لليونان، والرومان، والفرس، والهنود، وبابل، وغيرها من الممالك!» (¬3). الثامن والعشرون: من شؤم الاختلاط بالنساء اتخاذهن مغنيات وراقصات وممثلات؛ لأن كثيراً من الناس لا تطيب عندهم ¬

(¬1) الزهد للإمام أحمد، برقم 767، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 1/ 216. (¬2) حلية الأولياء لأبي نعيم، 6/ 76. (¬3) عودة الحجاب، 2/ 16.

التاسع والعشرون: الاختلاط اختلال في القوى العقلية والدينية

المهرجانات والاحتفالات إلا بوجود فرقة نسائية ما بين مغنيات وراقصات، ولا تسأل عما تحدثه حركة الرقص والأغاني النسائية في المشاهدين؟ فإنها تسبي العقول، وتهيج النفوس إلى الفجور، وتحرك الهوى إلى الرذائل، وكثيراً ما يصاحب الرقص والغناء شرب الخمور، فإذا اجتمعت هذه فلينتظر هؤلاء الدمار!! عن عمران بن حصين - رضي الله عنها - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ، وَمَسْخٌ، وَقَذْفٌ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ، وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ» (¬1). . وعن هِشام بْنِ الغَاز، عن أبيه، عن جده ربيعة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يكون في آخر أمتي الخسف والقذف والمسخ»، قالوا: بم يا رسول اللَّه؟! قال: «باتخاذهم القينات، وشربهم الخمور» (¬2). التاسع والعشرون: الاختلاط اختلال في القوى العقلية والدينية؛ لا شك أن من الحقائق التي يدفع بها في نحور مجيزي اختلاط النساء ¬

(¬1) رواه الترمذي، في كتاب الفتن، علامة حلول الخسف والمسخ، برقم 2212، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، برقم 3، وابن أبي شيبة، برقم 38541، والطبراني في الصغير، 2/ 172، برقم 973، وعبد بن حميد، ص 189، وحسّنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 302. (¬2) أخرجه الدولابي في الكنى، 1/ 482، برقم 272، وابن عساكر (48/ 50، وحسنه الألباني في تحريم آلات الطرب، ص 47.

الثلاثون: سلامة المختلطين من الفتن مستحيلة بشهادة المختلطين

بالرجال: ما هو معلوم لدى أهل الإسلام، وحرره الباحثون في الغرب من أن الدراسة الاختلاطية تسبب اختلال القوى العقلية، وهذا بسبب تحول القاعات الدراسية الى مراسلات ومفاكهات ونظرات وقهقهات، ويتبع ذلك عشق وغرام وحب وهيام، فتلتهب الأحشاء، وتتحرك غريزة الشهوة، فتسبي العقول، وتطمس الفكرة، وتبلد الذاكرة. وعلى كل حال: فالتعليم المختلط: فساد عام في الطلاب، والطالبات، والمدرسين، والمدرسات، والمدراء، والمديرات، إلا من رحم اللَّه. الثلاثون: سلامة المختلطين من الفتن مستحيلة بشهادة المختلطين؛ لأنه قرَّر المجربون لاختلاط النساء بالرجال في بلاد الغرب، وفي بلاد المسلمين استحالة سلامة المختلطين من الفتن، يقول محمد أحمد جمال في كتابه: «إن الذين يدَّعون أن اختلاط الجنسين في تلمذة أو عمل، أو أي نشاط اجتماعي، أو سياسي، أو حتى عسكري، يبطل ما تفيض به طبيعة كل منهما من عواطف وهواتف نحو الآخر، يكابرون في حقيقة ملموسة، وينكرون واقعاً منظوراً!! نشرت جريدة عربية أن قيادة جيش التحرير أصدرت قراراً بوقف التدريب العسكري النسوي، وهو قرار سار لأنه أوقف مهزلة كانت بطلاتها بعض المتطوعات اللاتي قلبن الجد إلى هزل، ولم يقدرن المسؤولية كمواطنات مجندات في هذه الظروف العصيبة لا إنهن في رأيي مظلومات لم يقلبن الجد هزلاً، ولم يفتهن تقدير

الحادي والثلاثون: الاختلاط من أكبر الأسباب الموصلة إلى الزنا:

المسؤولية الوطنية كمجندات يتدربن على الحرب، ولكن من يقول للجائع ظل في المطبخ العامر بالأطايب، دون أن تأكل، ومن يقول للظمآن: أقم على شاطئ المنهل، دون أن تشرب، ومن يقول للعاري: انظر إلى معارض الألبسة والأغطية، دون أن تكتسي، ومن يستطيع أن يكتم فم المتثائب، ويختم على أنف العاطس، تلك بلا ريب مستحيلات فوق طاقة البشر» (¬1). (¬2). الحادي والثلاثون: الاختلاط من أكبر الأسباب الموصلة إلى الزنا: لَمَّا حرَّم اللَّه الزنى حَرَّم الأسباب المفضية إليه؛ لأن قاعدة الشرع المطهّر: أن اللَّه سبحانه إذا حرّم شيئاً حرّم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه؛ تحقيقاً لتحريمه، ومنعاً من الوصول إليه، أو القرب من حماه، ووقاية من اكتساب الإثم، والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة. ولو حرَّم اللَّه أمراً، وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك. وفاحشة الزنا من أعظم الفواحش، وأقبحها وأشدها خطراً وضرراً وعاقبةً على ضروريات الدين، ولهذا صار تحريم الزنا معلوماً من الدين بالضرورة. ¬

(¬1) نقلاً من كتاب الاستيعاب فيما قيل في الحجاب، ص 261 - 262. (¬2) انظر: الاختلاط أصل الشر، ص 76 - 101.

قال اللَّه تعالى: {وَلاَ تَقَرْبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (¬1). ولهذا حرِّمت الأسباب الموصلة إليه من: السفور ووسائله، والتبرج ووسائله، والاختلاط ووسائله، وتشبه المرأة بالرجل، وتشبهها بالكافرات .. وهكذا من أسباب الرِّيبة، والفتنة، والفساد» (¬2). قال ابن القيم: «لمّا كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها، معتبرة بها ... فإذا حرم الرب تعالى شيئاً، وله طرق ووسائل تفضي إليه؛ فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى، وعلمه يأبى ذلك كل الإباء ... وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه، وإلا فسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمّل مصادرها ومواردها علم أن اللَّه تعالى ورسوله سدّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها» (¬3). ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 32. (¬2) حراسة الفضيلة، لبكر أبو زيد، ص 94. (¬3) إعلام الموقعين، 3/ 121.

المبحث السادس: شبهات دعاة الاختلاط والرد عليها

المبحث السادس: شبهات دعاة الاختلاط والرد عليها الذين يتعلقون بالآيات والأحاديث المتشابهات، هم ممن قال اللَّه فيهم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (¬1). وهم الذين قال اللَّه فيهم: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} (¬2). وهم الدعاة على أبواب جهنم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن وقوع الفتن في آخر الزمان (¬3)، وأخبر - صلى الله عليه وسلم -: أنه يدعو الناس إلى هذه الفتن «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» (¬4). وعلى هذا سأذكر في هذ المطلب شبه دعاة الاختلاط، ¬

(¬1) سورة آل عمران، الاية: 7. (¬2) سورة النساء، الآيتان: 26 - 27. (¬3) البخاري، كتاب الفتن، باب ظهور الفتن، برقم 7061، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان، برقم 157، وكتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، برقم 2671. (¬4) البخاري، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم يكن جماعة، برقم 7084.

أولا: يجب أن يعلم أن الحجاب فرض على مراحل

والرد عليها على النحو الآتي: أولاً: يجب أن يعلم أن الحجاب فرض على مراحل، ومنه الاختلاط، وقد عاش الصحابة زمناً قبل فرضه في المدينة ومكة نحواً من سبعة عشر عاماً، وأما بعد فرضه فخمسة أعوام نبوية فقط، ولهم في ذلك مرويات وقصص في كتب السنة والسير، وكان فرضه سنة خمس من الهجرة، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: نزل الحجاب مبتنى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش - رضي الله عنها - (¬1). وذلك قريب سنة خمس من الهجرة، قال صالح بن كيسان قال: نزل حجاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة. رواه ابن سعد (¬2). بل جزم ابن العربي في «أحكام القرآن» (¬3) أنه سنة ست، وعلى هذا فيكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد فرضه أربع سنين وشيئاً. ثانياً: شبه دعاة الفساد والاختلاط والرد عليها: الشبهة الأولى: استدلالهم بما جاء عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ ¬

(¬1) البخاري، كتاب النكاح، باب الوليمة حق، برقم 5166. (¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد، 8/ 75. (¬3) 6/ 332.

اللَّيْلِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ، فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ» (¬1)، ثم عَقب بقوله: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم. فهذا قبل منع الاختلاط وفرض الحجاب؛ فإن الحجاب ولوازمه فرض في قريب السنة الخامسة، وهذا العرس كان قبل ذلك، فزوجة أبي أسيد هي سلامة بنت وهب وأولادها ثلاثة: أسيد وهو الأكبر، والمنذر وحمزة، كما نص عليه خليفة بن خياط في «طبقاته» (¬2)، وَعُمْرُ أبي أسيد الساعدي حينما فرض الحجاب كان سبعاً وستين سنة، وابنه الأكبر الذي أمه سلامة المتزوجة كما في هذا الحديث ذكره عبدان المروزي في الصحابة، وكذلك ابن الأثير وغيرهم، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - توفي سنة إحدى عشرة للهجرة، والحجاب فرض سنة خمس للهجرة، يعني قبل وفاته بخمس سنين، فمتى تزوج أسيد وسلامة - رضي الله عنه -؟ ومتى ولد لهما؟ ومتى أمكن أن يكون ابنهما أسيد، وأن يعد صحابياً في خمس سنين. وقال النووي - رحمه الله - عن هذا العرس: «هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب» (¬3). وقال العيني - رحمه الله -: «وكان ذلك قبل نزول الحجاب» (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب النكاح، باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس، برقم 5182، ومسلم، كتاب الأشربة، باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً، برقم 2006. (¬2) طبقات خليفة، ص 254 ط العمري. (¬3) شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 177. (¬4) عمدة القاري، 6/ 332.

الشبهة الثانية: استدلال دعاة الاختلاط والفساد بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها -

وبهذا قال القرطبي في «تفسيره» (¬1). وقد أشار غير واحد من الشراح إلى قدم حادثة زواج أبي أسيد أيضاً، كابن بطال بقوله: «وفيه: شرب الشراب الذي لا يسكر في العرس، وأن ذلك من الأمر المعروف القديم» (¬2). الشبهة الثانية: استدلال دعاة الاختلاط والفساد بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - في «الصحيحين» في خروج سودة لحاجتها ليلاً (¬3)، وقال بعضهم معلقاً: «وفيه الإذن لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى». والجواب: أن الخروج للحاجات لا ينكره أحد، ثم إن هذا جاء في رواية البخاري أنه قبل الحجاب صريحاً، ففي البخاري (¬4) كان عمر يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: احجب نساءك، فلم يكن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة، حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل اللَّه آية الحجاب. الشبهة الثالثة: استدلالهم بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ، قَالَتْ: ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن، 9/ 98. (¬2) شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 7/ 294. (¬3) البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}، برقم 4795، ومسلم، كتاب السلام، باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان، برقم 2170. (¬4) البخاري، كتاب الاستئذان، باب آية الحجاب، 6240.

الشبهة الرابعة: استدلالهم بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها -

فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ ... قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ» (¬1). فهذا النص صريح أن هذا كان لما «قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة»، يعني قبل فرض الفرائض حتى الصلوات والحج والصيام، وقبل فرض الحجاب بخمس سنين، وبين ذلك ابن بطال - رحمه الله - قال: «وكان ذلك قبل نزول الحجاب» (¬2). والقلب حينما يبحث عن شبهة يُعمى عما بين عينيه من الحق، ومن أغمض عينيه عن نص أمامه في ذات الخبر، فهل سيبحث عن جمع أدلة الباب، وتحري الحق فيها ليسلم له دينه؟! الشبهة الرابعة: استدلالهم بما جاء عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ ... » (¬3) الحديث. فقد قال الحافظ البيهقي بعد إخراج الحديث: «وكان ذلك قبل نزول الحجاب» (¬4). وقال الحافظ ابن رجب: «هذا كان قبل نزول الحجاب» (¬5). ¬

(¬1) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب حدثنا مسدد، برقم 3926. (¬2) شرح صحيح البخاري لابن بطال، 4/ 560. (¬3) البخاري، كتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، برقم 929. (¬4) الآداب للبيهقي، 207. (¬5) فتح الباري، لابن رجب، 6/ 73.

وقال القاضي عياض مبيناً أنها قبل فرض الحجاب كما في «المعلم» مثل هذه القصة لعائشة، وهي حينئذ - واللَّه أعلم - بقرب ابتنائه بها، وفي سن من لم يُكلَّف» (¬1)، وقد تزوجت وعمرها تسع سنين، يعني قبل فرض الحجاب ببضع سنين. ثم إن العرب تُغلِّب إطلاق لفظ «الجارية» على الأمة غير الحرة، أو على الحرة غير البالغة، فإذا بلغت تسمى امرأة، ولهذا قالت عائشة: «إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة» (¬2). ويبين أنهما إماء، ويوضحه قوله في رواية أخرى: «وعندي جاريتان من جواري الأنصار» (¬3) يعني من إمائهم، وكان الضرب والغناء من خصائص الموالي، قال الخطابي: «والعرب تثبت مآثرها بالشعر، فترويها أولادها وعبيدها فيكثر إنشادهم لها» (¬4). وهي من دون البلوغ كما هو معروف، قال القرطبي في «المفهم»: «الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما» (¬5). ¬

(¬1) المعلم شرح صحيح مسلم، 3/ 168. (¬2) الترمذي، كتاب النكاح، باب إكراه اليتيمة على التزويج، برقم 1109، البيهقي، 1/ 319، والديلمي في الفردوس، 1/ 317، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1834. (¬3) مسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في العيدين، 892. (¬4) غريب الحديث، 1/ 655. (¬5) المفهم لما أشكل من صحيح مسلم، للقرطبي، 8/ 10.

الشبهة الخامسة: استدلالهم بما جاء عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها -

الشبهة الخامسة: استدلالهم بما جاء عن الربيع بنت معوذ - رضي الله عنها - أنها قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة بني عليّ، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين» (¬1). فهذا قبل الحجاب فالربيع خطبها زوجها إياس بن بكير قبل غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، ثم خرج هو وأخواه، وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس، ودخل عليها زوجها، وأنجب محمداً منها، وقد أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قاله ابن منده، والحجاب فرض بعد ذلك سنة خمس أو ست كما تقدم، فكيف يُستدل بذلك على حُكم نزل بعد؟. والربيع بنت معوذ بن عفراء كانت عجوزاً معمَّرة، كما قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» (¬2)، وتوفيت سنة سبع وثلاثين للهجرة، وزواجها كان قبل فرض الحجاب. وهذه أدلّة يوردونها وهي قبل فرض الحجاب، وأدلة شرب الخمر قبل النسخ أكثر منها وأصرح، وسيأتي يومٌ داعيها كما في الخبر: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» (¬3). ¬

(¬1) البخاري، كتاب المغازي، باب حدثني خليفة، برقم 4001. (¬2) 5/ 402. (¬3) البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، برقم 5581.

الشبهة السادسة: استدلالهم بما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها -

ومع هذا فكثير من الوقائع زمنها قبل فرض الحجاب، يقطع به العلماء، ويجزمون به، قال الحافظ ابن حجر: «وكان دخول البراء على أهل أبي بكر قبل أن ينزل الحجاب قطعاً» (¬1). فهذه الشبه الخمس السابقة كلها أحاديثها قبل نزول الحجاب، ولا شك أن كثيراً من دعاة الاختلاط يذكرون أدلة في سياقات مختلفة، لا معنى لذكرها، ولا حجة لهم فيها، ومنها: الشبهة السادسة: استدلالهم بما جاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - في الصحيحين في خروج سودة لحاجتها ليلاً، وقد تقدم أن الواقعة قبل فرض الحجاب، ثم أنه لا أحد من أهل الإسلام يمنع المرأة أن تخرج لحاجة، ثم ألا يعتبر الكاتب بقصدها الخروج ليلاً، وترك النهار، وهذا من حشمة نساء الصدر الأول وحيائهن؛ ولهذا أنشد النميري عند الحجاج قوله: يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات قال الحجاج: وهكذا المرأة الحرة المسلمة (¬2). الشبهة السابعة: استدلالهم بما جاء عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ ¬

(¬1) فتح الباري، 7/ 256. (¬2) انظر: الأغاني، 6/ 206.

قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ» (¬1). فالجواب عنه من وجهين: الوجه الأول: أن هؤلاء صبيان لم يبلغوا، فسهل ابن سعد الذي يحكي عن نفسه الحضور إلى هذه المرأة صبي صغير كان عمره دون البلوغ قطعاً، قال الزهري: كان له يوم توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سنة، كما رواه أبو زرعة في «تاريخه»، وكيف لأحد أن يثبت أن من معه ليسوا حُدثاء مثله، ورفيق الصبي صبيّ! الوجه الثاني: هذه المرأة جاء في نفس الخبر أنها امرأة عجوز من القواعد، ولكن من يستدل به لا يورد ذكر أنها عجوز، روى البخاري قال سهل بن سعد: «فكنا نفرح بيوم الجمعة، من أجل ذلك .. إلخ» (¬2). والقواعد من النساء لسن مخاطبات بالحجاب بنص القرآن كما تقدم. وهذا الخبر سيق في مساق انتشار الصحابة بعد الجمعة، وأنهم لا ينتظرون، وليس في هذا الخبر إلا أن المرأة تطبخ الطعام في مزرعتها، ثم تدفع الطعام لهم ليأكلوا، كحال الآخذ والمُعطي، ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجمعة، باب قول اللَّه تعالى: {فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ} برقم 938. (¬2) البخاري، كتاب المزارعة، باب ما جاء في الغرس، 2349.

الشبهة الثامنة: استدلالهم بما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه -

والفهم أبعد من ذلك ظنون. الشبهة الثامنة: استدلالهم بما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي!، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ- أَوْ عَجِبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬1)» (¬2). فقد قال الحافظ ابن شكوال: إن الرجل الأنصاري هو عبد اللَّه بن رواحة، وعبد اللَّه بن رواحة قتل بمؤتة سنة ثمان، واللَّه أعلم، ثم إن هذا لا يثبت زمنه، والاستدلال بهذا بعيد، فتلك ضرورة شديدة، فقد جاء في إحدى الروايات - كما عد إسماعيل القاضي - أنه لم يطعم ثلاثة أيام، وإنقاذ رجل من الهلاك، لا يلتفت معه إلى وجود امرأة في مكان بليل دامس. ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 9. (¬2) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، برقم 3798.

الشبهة التاسعة: استدلالهم بما جاء عن فاطمة بنت قيس

الشبهة التاسعة: استدلالهم بما جاء عن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «انْتَقِلِي إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ». وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ، فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ، فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلِي، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشِفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ فَيَرَى الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ... » الحديث (¬1). فهذه المرأة التي تُسمى أم شريك، وكانت من القواعد كبيرة صالحة، واسمها على الصحيح غزيلة بنت داود بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة، والقواعد لا يخاطبن بالحجاب والاحتراز من الرجال بنص القرآن قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} (¬2). قال المفسرون من السلف كعطاء وسعيد بن جبير والحسن: هي المرأة الكبيرة التي لا تلد. قال ابن عبد البر معلقاً على قصة أم شريك: «ففيه دليل على أن المرأة الصالحة المتجالة لا بأس أن يغشاها الرجال، ويتحدثون عندها، ومعنى الغثسيان الإلمام والورود» (¬3). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة، برقم 2942. (¬2) سورة النور، الآية: 60. (¬3) التمهيد، لابن عبد البر، 19/ 153.

الشبهة العاشرة: استدلالهم بما جاء عن سالم بن سريج

قال حسان بن ثابت يمدح بني جفنة: يُغشون حتى ما تهرُّ كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل (¬1) وتجالت المرأة فهي متجالة، وجلت فهي جليلة إذا كبرت وعجزت، وهذا حُكم اللَّه فيهن، بنص القرآن فلا يدخل معهن غيرهن، إلا عند من لا يفرق بين أعمار الناس في الأحكام. وليس لعالم يُدرك مواضع النصوص، أن تمر عليه مثل هذه القصة، فيدع المحكم البيّن، إلى طريق التوى به التواءً يذهب بكل ما عمد إليه، ويورد قصة امرأة لا يدري هل هي من القواعد أم لا، وهل غشيان أصحاب النبي لها يلزم معه الدخول عليها، أو تخدمهم في باحة بيتها، فإن بيوتهم كانت حُجَراً مسقوفة، يتصل بها باحة صغيرة مكشوفة، يجلى فيها الزوار، وهكذا كانت حُجرات أمهات المؤمنين، ومن ظن أذ حُجراتهم غُرف بلا باحات فقد غلِطَ وجهل. الاستدلال بأحاديث الإماء الشبهة العاشرة: استدلالهم بما جاء عن سالم بن سريج أبي النعمان قال: «سَمِعْتُ أُمَّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ، تَقُولُ: اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» (¬2). ¬

(¬1) انظر: ديوان حسان بن ثابت، ص 73. (¬2) أخرجه أحمد، 44/ 624، برقم 27067، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بفضل المرأة، برقم 78، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد، برقم 62، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد، برقم 382، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 71.

فأم صبية محكومة بحكم الإماء، فهي جارية من جواري عائشة، كما رواه البيهقي (¬1) من طريق محمد بن إسماعيل عن عبد اللَّه بن سلمة عن أبيه عن أم صبية الجهنية، وكانت جارية لعائشة - رضي الله عنها -. وجارية الزوجة لا تحتجب من زوجها، وبه ينتقض الاحتجاج به، فالإماء كما هو معلوم في الشريعة غير مخاطبات بالحجاب مثل الحرائر بل كان عمر بن الخطاب يضربهن على تشبههن بالحرائر. وجاء عند الواقدي في «السير» قال: حدثني عمر بن صالح بن نافع حدثتني سودة بنت أبي ضبيس الجهني أن أم صبية الجهنية قالت: كنا نكون على عهد النبي، وعهد أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر في المسجد نسوة قد تجاللن، وربما غزلنا فيه، فقال عمر: لأردنكن حرائر فأخرجنا منه. وفي هذا الحديث فائدتان: الأولى: أنها متجالة يعني كبيرة. والثانية: أنها لم تأخذ حكم الحرائر إلا زمن عمر - رضي الله عنه -، وجزم مُغلطاي في شرحه لسنن ابن ماجه (¬2) في كونها من الموالي، والأمة ليست مأمورة بالحجاب في الإسلام، ومع هذا فقد قال الطحاوي بعد روايته للحديث: «في هذا دليل على أن أحدهما قد كان يأخذ من الماء بعد صاحبه» (¬3). ¬

(¬1) الدعوات، للبيهقي، 1/ 135. (¬2) شرح سنن ابن ماجه، لمغلطاي، 1/ 217. (¬3) 1/ 25.

الشبهة الحادية عشرة: استدلالهم بحديث: «كان الرجال والنساء

الشبهة الحادية عشرة: استدلالهم بحديث: «كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيعًا» (¬1). فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط، فكيف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها ... » الحديث. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعاً، ثم يفوتهم وقت الصلاة، ولا ريب أن من فهم هذا الفَهم أساء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهماً وتشريعاً، والمقصود به غير هذا المعنى. ويُفسر هذا الأثر ما رواه عبد الرزاق في «مصنفه»، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار»: عن ابن جريج، قال: «سألت عطاء عن الوضوء الذي بباب المسجد، فقال له إنسان: إن أناساً يتوضؤون منه، قال: لا بأس به، قلت له: أكنت متوضئاً منه؟ قال: نعم، فراددته في ذلك، فقال: لا بأس، قد كان على عهد ابن عباس، وهو جعله، وقد علم أنه يتوضأ منه النساء والرجال، والأسود، والأحمر، فكان لا يرى به بأساً» (¬2). يعني يتناوبون على أواني واحدة يتوضأ منها الجميع لا تتنجس المياه بكثرتهم، ولا باختلاف أجناسهم، كما يتناوب المتأخرون على الحمامات والصنابير، وليس في ذلك دلالة على اجتماعهم في ساعة واحدة، وإنما يتناوبون، والعلماء عند الاستدلال ينظرون إلى ¬

(¬1) البخاري، كتاب الوضوء، باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل وضوء المرأة، برقم 193. (¬2) عبد الرزاق، 1/ 73، برقم 236، وتهذيب الآثار للطبري، 2/ 713.

الشبهة الثانية عشرة: استدلالهم بما جاء عن الربيع بنت معوذ بن عفراء

القصد من سياق الخبر وروايته؛ لأن الراوي إذا قصد بيان حكم في حديث لم يحترز إلا له، ولهذا لم أجد أحداً من الأئمة ممن أورد هذا الحديث إلا ويورده في أبواب عدم تنجس الماء من بقايا المرأة وفضلها، لا يخرجونه عن ذلك؛ لأن ذلك هو الذي تسبق إليه أفهامهم عد سماع الخبر. وما جاء في لفظ: «كُنَّا نَتَوَضَّأُ نَحْنُ وَالنِّسَاءُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا» (¬1) يعني لا نغترف اغترافاً بأواني بل الماء تغمس الأيدي فيه يشير إلى أنه لا يتنجس بورود المرأة فيه قبلنا، وهكذا يقررها الفقهاء في جميع المذاهب الأربعة. قال إمام المدينة الزهري مبيناً ذلك: تتوضأ بفضلها كما تتوضأ بفضلك (¬2). وعلى هذا فسر أئمة الإسلام في القرون المفضلة. الشبهة الثانية عشرة: استدلالهم بما جاء عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ» (¬3). فالمقطوع به أن أزواجهم معهم، يبتن حيث يبيتون ويرتحلن ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بفضل المرأة، برقم 80، والبيهقي، 1/ 190، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 140، برقم 73. (¬2) انظر: الاستذكار لابن عبد البر، 3/ 135. (¬3) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب رد النساء الجرحى والقتلى، برقم 2883.

الشبهة الثالثة عشرة: استدلالهم بما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه -

حيث يرتحلون، وأي ضررٍ في ذلك؟ ولا يُتخيل أن أزواجهم في المدينة والنساء يخرجن للجهاد، وإذا كان كذلك والمرأة حال السفر مع زوجها ترحل وتنزل، وعند التحام الصفين تكون النساء في الخلف، والمرأة منهن تعين الجريح المثخن لا المعافى الصحيح، وما الضرر في ذلك، ولا يعدو هذا كونه سفراً من الأسفا، ر فالنساء يذهبن للحج والعمرة قوافل والنساء مع رجالهم. ثم كيف يقاس هذا على اختلاط المرأة بالرجال في ميادين العمل والدراسة؟! كيف وقد أمر اللَّه أهل العلم بالعدل والإنصاف: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} (¬1). الشبهة الثالثة عشرة: استدلالهم بما جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد، ففقدها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: «فهلاَّ آذنتموني» فأتى قبرها، فصلى عليها» (¬2). فقد أورده بعضهم مستدلاً به على دخول المرأة أماكن الرجال، فاليوم أربع وعشرون ساعة، والصلوات الخمس لا تخلص بمجموعها إلى أربع ساعات متفرقات، ومحاولة إيراد عمل المرأة في المسجد وحشرها في الأربع ساعات، وترك العشرين ساعة لا ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 152. (¬2) البخاري، كتاب الصلاة، باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان، برقم 458، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 956.

الشبهة الرابعة عشرة: استدلالهم بما جاء: عن عائشة - رضي الله عنها -

يليق بحامل قلم، ثم هي لا تعمل كل يوم قطعاً، فمساجدهم كانت تراباً لا فراشاً، ولا يظهر فيها ما دقَّ كمساجدنا، أما أنها تُنَظِّف والرجال يصلون، والنساء خلفهم، وهي منصرفة تترك الصلاة وحدها تكنس فهذا محال، وأما في حال خلو المسجد وهو أكثر الوقت فلا حرج ثَمَّ، فمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أبواب تغلق فيه، كما ثبت عن ابن عمر في البخاري: قال: «كَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَرُشُّونَ شَيْئًا» (¬1). الشبهة الرابعة عشرة: استدلالهم بما جاء: عن عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك قالت: فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» (¬2). فقد استدل فيه بعضهم على جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها». وهذا من الجهل العريض، وعدم معرفة بحال الحُجرات النبوية، ولا بلسان العرب، فالحجرات غرف معها باحات صغيرة مكشوفة للضيفان، والداخل إلى الباحة موصوف بالدخول، وتُسمى حجرة تبعاً، وهذا بإجماع العارفين بالسنة والتاريخ والسير، ففي الصحيح عن عائشة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، برقم 174. (¬2) البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، برقم 2661، ومسلم، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، وقبول توبة القاذف، برقم 2770.

الشبهة الخامسة عشرة: استدلالهم بالإذن للنساء بحضور الصلاة

«كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» (¬1). وأخرج الإسماعيلي في «صحيحه»، والبيهقي عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه يصلي العصر والشمس في قعر حجرتي (¬2). تعني الحجرة والباحة مفتوحة السقف، وليست الحجرة المسقوفة التي تكون فيها المرأة عند وجود الرجال؛ لأن المسقوفة لا تصلها الشمس. قال ابن حجر في معنى الدخول: «لا يَلزَم مِنَ الدُّخُول رَفع الحِجاب فَقَد دَخَلَ مِنَ الباب وتُخاطِبهُ مِن وراء الحِجاب» (¬3). ومثل هذا احتجاجه بلفظ «الدخول» في الحديث: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ، فَرَآهُمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ» (¬4). الشبهة الخامسة عشرة: استدلالهم بالإذن للنساء بحضور الصلاة جماعة في المسجد، وهذا يرد عليه من وجوهٍ: الوجه الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن بالعبادة لهن، واحترز بقوله: «خير ¬

(¬1) البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب مواقيت الصلاة وفضلها، برقم 522، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، برقم 611. (¬2) البيهقي، 1/ 442، ومسند إسحاق بن راهويه، 2/ 145، ومسند السراج، ص 338، وبنحوه في البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، برقم 550. (¬3) فتح الباري، 9/ 286. (¬4) مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2173.

صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» (¬1) حضاً على المباعدة للجميع، وعدم القرب، فلما تحصَّلَ تحقيق العبادة مع دفع المفسدة بشيء من السبل والاحترازات فعل ذلك، وما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من سد الذريعة أن جعل للنساء موضعاً متأخراً عن الرجال. الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل مع وجود النساء خلف الرجال ضبطاً لأفعالهن وأقوالهن أن يظهرن شيئاً من ذلك بلا حاجة، فقال - صلى الله عليه وسلم - مبيناً ما يفعلن عند سهو الإمام: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» (¬2) - يعني في الصلاة-. يعني إذا انتاب أحد النساء شيء في الصلاة أن تصفق ولا تسبح، ومعلوم أن تصفيق النساء والرجال يشتبه من جهة السماع، ولكن خص اللَّه - عز وجل - النساء في ذلك حتى لا يظهر من صوتهن شيء يتميزن به بلا حاجة، ومع هذا فالمرأة إذا تكلمت من غير خضوع بالقول فجائز، مع ذلك خصه النبي - صلى الله عليه وسلم - النساء في مثل هذا، ولم يأمرهن عليه الصلاة والسلام بالتسبيح كحال الرجال. الوجه الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَصّص للنساء باباً يدخلن للمسجد ويخرجن منه. ¬

(¬1) صحيح مسلم، برقم 440، وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب التصفيق للنساء، برقم 1203.

الشبهة السادسة عشرة: استدلالهم بالأحاديث المتضمنة اختلاط

الوجه الرابع: أنه كان يتأخر بعد سلامه من الصلاة، فيثبت مكانه ويأمر الرجال بذلك، حتى لا ينصرف الرجال فيختلطوا بالنساء عند خروجهن كما تقدم في حديث أبي أسيد - رضي الله عنه -. وقد أخرج البخاري من حديث أم سلمة قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم، قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم» (¬1). قال ابن شهاب الزهري: «نُرى واللَّه أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال» (¬2). وعن أم سلمة - رضي الله عنها - كما في «صحيح البخاري» (¬3) قالت: كان يسلم، فينصرف النساء، فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. الشبهة السادسة عشرة: استدلالهم بالأحاديث المتضمنة اختلاط النبي بالنساء، وفلي بعض النساء لرأسه، وإردافه لأسماء، فهذا من خصوصياته، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أبو المؤمنين، يزوج النساء بلا وليهم لو شاء، قال تعالى عن لوط وهو يعرض نساء قومه: {هَؤُلاَءِ بَنَاتِي} (¬4)، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال: لم تكن بناته، ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة النساء خلف الرجال، برقم 870. (¬2) البخاري، كتاب الأذان، باب صلاة النساء خلف الرجال، بعد الحديث رقم 870. (¬3) البخاري، كتاب الأذان، باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، برقم850. (¬4) سورة الحجر، الآية: 71.

ولكن كنّ من أمته، وكل نبي أبو أمته (¬1). وبنحوه قال سعيد بن جبير. وقال عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (¬2)، قال أُبيّ بن كعب: وهو أبوهم» (¬3). وبنحوه قال عكرمة مولى ابن عباس. والاختلاط حُرِّم درءاً للمفسدة، وهي منتفية منه - صلى الله عليه وسلم -. ومن قال: «الأصل مشروعية التأسي بأفعاله - صلى الله عليه وسلم -، قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬4)، فليتأسّ بزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعاً، وينفي الخصوصية، فالآية أباحت الأربع، ولم تمنع من الزيادة، وإن رجع إلى نصوص أخرى تمنع وتُبين فذاك واجب في الحالين، في مسألة الاختلاط: «إياكم والدخول على النساء» (¬5)، وفي مسّ المرأة ثبت عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «العينان تزنيان، واللسان يزني، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويحقق ذلك الفرج أو يكذبه» (¬6). ¬

(¬1) انظر: تفسير الثوري، 131، وتفسير ابن أبي حاتم، 6/ 2035، وتفسير الطبري، 15/ 414. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 6. (¬3) مصنف عبد الرزاق، 10/ 181، برقم 18748. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬5) البخاري، برقم 5232، ومسلم، برقم 2172، تقدم تخريجه. (¬6) البخاري، برقم 6243، ومسلم، برقم 2046، وتقدم تخريجه.

الشبهة السابعة عشرة: استدلالهم بما جاء عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -

الشبهة السابعة عشرة: استدلالهم بما جاء عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قدمت على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو بالبطحاء، فقال: (أحججت)؟ قلت: نعم، قال: (بما أهللت)؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أحسنت، انطلق، فطف بالبيت وبالصفا والمروة». ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس، ففلّت رأسي، ثم أهللت بالحج. . . الحديث» (¬1). فلا يمكن أن يكون ذلك إلا من محرم، قال النووي في هذه القصة في «المجموع» (¬2): «هذا محمول على أن هذه المرأة كانت محرماً له». ولو ساغ أن أستدل بكل فعل مجمل على ظاهره، دون الرجوع للمحكم، لأحللت الحرام القطعي بالظنون، ففي نصوص كثيرة يقال: «جاء فلان ومعه امرأة»، واستدل بذلك على جواز الخلوة، واتخاذ الأخدان والعلاقات المحرمة؛ لأنه لم يرد في النص ذكر الرحم بينهما، والأصل في الشرع أن الرجل إذا وُجد مع امرأة تحمل على أنها من محارمه إلا لِظِنَّة وشُبهة، وهذا الأصل في المسلمين، وكيف بالصحابة الصالحين - رضي الله عنهم -. الشبهة الثامنة عشرة: استدلالهم بما جاء في الصحيحين عن أم ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق، برقم 1725، مسلم، كتاب الحج، باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام، برقم 1221. (¬2) 8/ 199.

الفضل بنت الحارث - رضي الله عنه -: «أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ» (¬1). وذكر شراح الحديث بأن هذا أصل في المناظرة في العلم بين الرجال والنساء» (¬2). ولا شك أن المناظرة في العلم والتعليم، لا ينكر وجودها أحد، وهذا تعميم أورد فهماً خاطئاً، ولو تحقق له صفته علم أنه أتي من تلقينٍ، وإدامة نظر في مقالات صحفية، لا تُري القارئ إلا ما ترى، تُسوِّدها أقلام ذاهلة، أحبوا شيئاً فطوَّعوا له النصوص، المناظرة في العلم بين الرجال والنساء التي يستنبطها العلماء الحذاق من النصوص، هي على حالٍ وصفها مسروق بن الأجدع، كما في «الصحيحين» قال: سمعت عائشة وهي من وراء الحجاب (¬3). وكما ذكره البخاري في «تاريخه» قال عبد اللَّه الباهلي: «رأيت سِتر عائشة - رضي الله عنها - في المسجد الجامع، تُكَلِّم الناس من وراء الستر، وتُسأل من ورائه» (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم عرفة، برقم 1988، ومسلم، كتاب الصيام، باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة، برقم 1123. (¬2) انظر: فتح الباري لابن حجر، 4/ 238، وعمدة القاري للعيني، 17/ 116. (¬3) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب نحر البدن قياماً مقيدة، برقم 370 - (1321). (¬4) 5/ 121.

الشبهة التاسعة عشرة: استدلال دعاة الاختلاط بأحاديث جاءت

وكما جاء في «المسند» عن عبد اللَّه أبي عبد الرحمن قال: «سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَى أَبِي الْأَشْهَبِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: حَدَّثَنَا، قَالَ: سَلُوا، فَقَالُوا: مَا مَعَنَا شَيْءٌ نَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: سَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ» (¬1). الشبهة التاسعة عشرة: استدلال دعاة الاختلاط بأحاديث جاءت في ذكر الأسواق، والبيع والشراء، ولا حجة لهم في ذلك؛ لأنها طرقات لا مواضع جلوس وقرار فضلاً عن الخلوة، ومع هذا فهذه الاستثناءات لم يرتضها الصحابة تمام الرضا، وإنما خففوا فيها بلا مبالغة للحاجة إليها، فقد روى أحمد عن علي - رضي الله عنه - قال: «بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج في السوق، أما تغارون! ألا إنه لا خير فيمن لا يغار» (¬2). الشبهة العشرون: احتجاج دعاة الاختلاط، وقولهم: إن الاختلاط لم يضبطه الفقهاء مثل الخلوة: فهذه دعوى من جهة الإطلاق لا تستقيم على قدم التحقيق، لما سبق، ثم إن الخلوة تعلقها بمسائل الفقه ظاهر بخلاف تعلق الاختلاط، فالاختلاط لا تتعلق به مسائل فقهية تتصل بأبواب العقود والفسوخ مثل الخلوة، فالفقهاء يوردون الخلوة في مسألة إثبات ¬

(¬1) مسند أحمد، 33/ 401، برقم 20276، وحسن إسناده محققو المسند. (¬2) مسند أحمد، برقم 1118، وقال محققو المسند، 2/ 343: «إسناده ضعيف»، وتقدم تخريجه.

المهر، لمن عقد على امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، وأنه إذا لم يختلِ بها فليس لها المهر كاملاً، وإذا اختلى بها فلها المهر، ولو قُدر أنها حملت بعد العقد، وقد خلا بها، وأسدل الستار بينهما، فلحاق النسب لمن عقد عليها بالإجماع، ولو قال إنه لم يمسها إلا إذا لاعن، وأما إذا عقد عليها، ولم يخلُ بها، وطلقها، فلها نصف المهر، وله نفي الولد بلا لعان على الصحيح. وبعض المسائل المتعلقة بالأخلاق لا يكثر منها الفقهاء ذكراً، مع تقرر تحريمها كتخبيب المرأة على زوجها، كأن يقول رجل لامرأة: «تطلقي من زوجك وأتزوجك بعده»، فهذا محرم، بل قال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها» (¬1)، ولا يكاد يذكر الفقهاء التخبيب في كتب الفقه إلا نادراً، لأن أثره في العقود والفسوخ ضعيف، وذكر الاختلاط في دواوين الفقه أوفر منه بكثير. وتعلق الخلوة بمسائل كبيرة رتبها الشرع لازم لإكثار العلماء من ضبط وصفه والإكثار منه إيراداً في كتب الفقه، وأما الاختلاط فصلته بأبواب الأخلاق والقيم أكبر مع عناية الفقهاء به ذكراً وتحذيراً، وهم مجمعون على التحذير منه كما سلف، في مواضع ¬

(¬1) سنن أبي داود، أول كتاب الطلاق، باب فيمن خبب امرأة على زوجها، برقم 2177، وعبد الرزاق، 11/ 456، برقم 20994، والحاكم، 2/ 197، والطبراني في معاجمه الثلاثة، الكبير، 13/ 228، برقم 13959، والأوسط، 2/ 223، برقم 1803، والصغير، 2/ 17، برقم 698، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1890.

الشبهة الحادية والعشرون: قول دعاة الاختلاط:

متنوعة من أبواب الفقه وفصوله كأحكام الأعراس، ومسائل اعتكاف النساء، والجهاد، والشهادة، والخصومة عند القاضي واتباع الجنائز. وجميع فقهاء المذاهب الأربعة يطبقون على التحذير منه، ومنعه في مصنفاتهم (¬1). الشبهة الحادية والعشرون: قول دعاة الاختلاط: «إن الحجاب من خصائص أمهات المؤمنين: وعلى هذا، فالاختلاط محرم عليهن خاصة؛ لأن اللَّه ذكرهن وحدهن في الآية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬2). فهذه جهالة عصرية، لا تقوم على نظر، ولا على برهان، ولا على قول لأحد من مفسري القرآن من السلف، وكأن القرآن لم يفهمه أحد إلا أهل الحضارة المعاصرة، وخير القرون ومن بعدهم نقلوا الأحكام على غير وجهها، وبيان ذلك على هذا التفصيل في الوجوه الآتية: الوجه الأول: أن القرآن عام للناس بجميعه كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (¬3) أي من يبلغه ما فيه فهو حجة عليه، والعبرة بعموم حُكمه، وإن تم تخصيص الخطاب لأعلى البشر، وهم الأنبياء، فضلاً عن آحاد الصحابة، ¬

(¬1) انظر: الاختلاط للطريفي، ص 71. (¬2) سورة الأحزاب، رقم الآية: 53. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 19.

وأزواج الأنبياء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم: «إن اللَّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» (¬1)، فإذا كان خطاب الأنبياء الوارد في القرآن المخصوصين به عاماً لأهل الإيمان، فكيف بخطاب توجه لمن هو دونهم، فإذا دخل المؤمنون في خطاب الأنبياء فدخول النساء في خطاب أمهات المؤمنين أولى. الوجه الثاني: أن تخصيص القرآن لأحد بعينه لمزيد اهتمام به، وأنه أولى بالاتباع من غيره، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل زائد عن مجرد الخطاب، كما هي عادة القرآن في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (¬2)، وقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} (¬3). الوجه الثالث: أن آية الحجاب جاء معها بنفس الخطاب أوامر أخرى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (¬4)، فهل هذا الخطاب خاص، فلا يُشرع ذكر ما يُتلى في بيوتهن من القرآن والسنة إلا أزواجه! مع أن هذه الآية أظهر في الخصوصية؛ حيث قال: {فِي بُيُوتِكُنَّ}، وأما في الحجاب قال: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬5)، فما ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم 1015. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 50. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 52. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 34. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 53.

قال: (حجابكن) كما هنا {في بيوتكن}، وهل يفهم من هذا التخصيص الزائد: أن لا يدخل فيه تلاوة الآيات والحكمة في بيوت غيركن، ولا غيركن في بيوتهن وبيوت غيرهن، وهذا لا يقول به مسلم، ولا يلتزمه من يقول بخصوصية الحجاب، مع أنه في نفس الآيات ونفس السياق. الوجه الرابع: ما أجمع عليه العلماء أن الأحكام تدور مع العلل والمقاصد من التشريع، فاللَّه تعالى قال في آية الحجاب مخاطباً الصحابة: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1)، فما هو الشيء الذي يريد اللَّه إبعاده من قلوب الصحابة وأمهات المؤمنين، ولا يوجد عند بقية النساء وبقية الرجال إذا التقوا في المجالس والبيوت والتعليم، وما هو الشيء الذي يجده الصحابة تُجاه أمهاتهم أمهات المؤمنين، ولا يجدونه في بقية النساء، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم، فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة. وإذا كان الاختلاط منع منه من وُصفن بالأُمهات وزوجهن أولى بالمؤمنين من أنفسهم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (¬2) خوفاً على قلوب هؤلاء الأمهات، وقلوب أبنائهن، وهم خير الأجيال، فكيف بقلوب غيرهم رجالاً ونساءً. الوجه الخامس: أن اللَّه قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} (¬3)، فجعل ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 6. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 53.

طهارة قلوب الصحابة مطلباً بذاتها، وهذا يحصل في جميع النساء، بل هو في غير أمهات المؤمنين أكثر؛ لأن نظر الصحابة لأمهات المؤمنين نظر إجلال وتعظيم وتوقير. الوجه السادس: أن الصحابيات اعتدن على تتبع أمهات المؤمنين فما فعلنه يرينه تشريعاً لهن من باب أولى، كما جاء في البخاري ومسلم عن عمر أن زوجته هجرته، فقالت له محتجة بأمهات المؤمنين: «ما تنكر فو اللَّه إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل» (¬1). الوجه السابع: أن اللَّه يُخصص في بعض السياقات الأنبياء والصحابة تنبيهاً إلى دخول غيرهم من باب أولى في الحكم، وهذا أسلوبٌ شرعي كثير في الأحكام تنبيهاً إلى أنه لما دخل الأعظم والأجل فغيره أولى؛ لهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في بيان الحدود: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (¬2)، وقال في تحريم الربا: «أول ربا أضع ربا عمي العباس» (¬3)، وقال في تحريم دماء الجاهلية: «أول دم أضع دم ابن ربيعة بن عبد الحارث بن عبد المطلب» (¬4)، وربيعة ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) البخاري، كتاب النكاح، باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها، برقم 5191، ومسلم، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن ... برقم 1479. (¬2) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688. (¬3) مسلم، كتاب الاعتكاف، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬4) مسلم، كتاب الاعتكاف، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218.

الوجه الثامن: لو قلنا بالخصوصية، فخصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - من باب أولى في المواضع التي يتوجه الخطاب إليه، لمزية له ليست في أحد من الأتباع، فالآيات التي يُخاطب بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عامة له ولغيره، مع كون الخطاب خاصاً به ليس بمشتركٍ بالمقابلة مع المؤمنين كما هنا: {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1). فهل الدخول في البيوت بلا استئذان جائز لخصوصية النص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (¬2). وهل السراح والطلاق يُمنع لخصوصية أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - به في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (¬3). وهل من تريد اللَّه ورسوله من النساء لا تدخل في استحقاق الأجر العظيم؟ كما جاء في سياق نفس آيات الحجاب الموجهة لأمهات المؤمنين: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬4). الوجه التاسع: دفع فهم الخصوصية في آيات الحجاب غير ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 28. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 29.

واحد من مفسري السلف كما رواه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة قال: «لما ذكر اللَّه أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل نساء المسلمات عليهن فقلن: ذُكرتن ولم نذكر، ولو كان فينا خير ذكرنا، فأنزل اللَّه: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬1) (¬2). الوجه العاشر: أن المفسرين يطبقون على هذا الأمر على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، قال الجصاص الحنفي: «وهذا الحكم وإن نزل خاصاً في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأزواجه، فالمعنى عام فيه وفي غيره» (¬3). وقال القرطبي المالكي (¬4): «في هذه الآية دليل على أن اللَّه تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى». وإلى هذا نص ابن جرير، وابن كثير، وأئمة التفسير. الوجه الحادي عشر: سبب تخصيص أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لمزيد تشديد عليهن؛ لأن أمرهن يمس النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمعلوم أن حفظ العرض يُقّدم في بعض الأحوال على حفظ الدين اهتماماً به، فيسوغ أن تكون زوجة نبي من أنبياء اللَّه كافرة كامرأة لوط وامرأة نوح، لكن لا ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 35. (¬2) طبقات ابن سعد، 8/ 200، وعبد الرزاق، 3/ 574، وتفسير الطبري، 20/ 269، وعند الترمذي، برقم 3022، وغيره عن مجاهد، عن أم سلمة، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن الترمذي، برقم 2565. (¬3) أحكام القرآن، للجصاص، 5/ 242. (¬4) تفسير القرطبي، 14/ 227.

يُمكن أن تقع في الزنا، واللَّه يعصمهن من ذلك؛ لأن الزنا أذيته مُتعدية للزوج وعرضه، فمن يبقى مع زانية وهو عالم ديُّوث في الشرع، بخلاف من يبقى مع كافرة؛ لهذا أجاز اللَّه زواج اليهودية والنصرانية بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (¬1)، وحرم نكاح الزانية ولو مؤمنه: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} (¬2)، وقال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} (¬3)، وأًمهات المؤمنين قدوة والتشديد عليهن أولى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (¬4) مع أن تحريم الفاحشة على جميع النساء، ولكن لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مزيد تشديد، وهو في: الحجاب، وفي الاختلاط، والفاحشه سواء، ولتمام عدل اللَّه ورحمته بهن فهن في باب الثواب أعظم من الصحابيات فضلاً عن نساء الأمة في الإثابة على العمل: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} (¬5). وحينما ذكر المضاعفة في العقاب والثواب دل على أن بقية النساء على إثم وثواب ولكن بلا مضاعفة. ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 5. (¬2) سورة النور، الآية: 3. (¬3) سورة النور، الآية: 26. (¬4) سورة الأحزاب، الآية: 30. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 31.

الشبهة الثانية والعشرون: استدلال بعضهم بقولهم:

الوجه الثاني عشر: لو كانت الخصوصية في منع الاختلاط بأمهات المؤمنين، فمَن المَعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس للنساء وسط الطريق» (¬1)، وبقوله: «خير صفوف النساء آخرها» (¬2) يعني البعيدة عن الرجال، ولماذا جعل النبي للنساء يوماً خاصاً يعلمهن العلم بعيداً عن مجالس الرجال كما تقدم (¬3). الشبهة الثانية والعشرون: استدلال بعضهم بقولهم: لم نجد تحريم الاختلاط في القرآن. هذه الشبهة تذكرنا بقصة امرأة في عصر السلف جرت بينها وبين عبد اللَّه بن مسعود، قال عبد اللَّه: «لعن اللَّه الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق اللَّه» (¬4)، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، فجاءت فقالت: «إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت؟! فقال: وما لي [لا] ألعن من لعن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ومن هو في كتاب اللَّه، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول!. قال: لئن كنت قرأتيه لقد ¬

(¬1) صحيح ابن حبان، برقم5601، والبيهقي في شعب الإيمان، 10/ 241، وحسنه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 856، وتقدم تخريجه. (¬2) صحيح مسلم، برقم 440، وتقدم تخريجه. (¬3) الاختلاط لعبد العزيز بن مرزوق الطريفي، ص 43 - 79 بتصرف. (¬4) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، برقم 4886، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة .... ، برقم 2125.

وجدتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1)؟! قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه. قال: اذهبي فانظري، فذهبت فنظرت فلم ترَ من حاجتها شيئاً، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها» (¬2). فالسنة النبوية وحي من عند اللَّه؛ لأن اللَّه أنزل على رسوله القرآن والسنة، وهذا مذكور في القرآن بكثرة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬3). وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (¬4). وقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (¬5). فالحكمة في هذه الآيات هي السنة، فالمُفَرِّقُ بين القرآن والسنة داخل في قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} (¬6)، فحذار من سلوك هذا الطريق؛ فإنه طريق الزائغين عن ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، برقم (4886)، واللفظ له، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة ... برقم (2125). (¬3) سورة النساء، الآية: 113. (¬4) سورة البقرة، الآية: 129. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 34. (¬6) سورة البقرة، الآية: 85.

الشبهة الثالثة والعشرون: استدلال مبيحي الاختلاط بغزو النساء

الحق، المتبعين أهواءهم!!. فإن الاختلاط محرم في السنة النبوية كما تقدم ذكر الأدلة على ذلك، فيكون مما أمر به القرآن. الشبهة الثالثة والعشرون: استدلال مبيحي الاختلاط بغزو النساء مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومداواتهن الجرحى: مثل حديث أنس - رضي الله عنه - قال: «لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب، وقال غيره: تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم» (¬1). وعنه أيضاً قال: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» (¬2) .. وعن أم عطية الأنصارية - رضي الله عنها - قالت: غزوت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى» (¬3). وعن يزيد بن هرمز «أن نجدة [بن عامر، من زعماء الخوارج] كتب ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، برقم 2880، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1811. (¬2) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1810. (¬3) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1812.

إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد: فأخبرني هل كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟! وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن، فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة ... » (¬1). والجواب عن هذه الشبهة من وجوه: الوجه الأول: العلماء مجمعون على أن المرأة ليس عليها جهاد، قال ابن حزم: «واتفقوا أن لا جهاد فرضاً على امرأة، ولا على من لم يبلغ، ولا على مريض لا يستطيع، ولا على فقير لا يقدر على زاد» (¬2). وقال محمد بن عيسى بن أصبغ: «واتفقوا كذلك أن المرأة ومن لم يبلغ، والمريض الذي لا يستطيع القتال لا جهاد فرضاً عليه» (¬3). وقال أبومحمد المقدسي: «ولا يسهم لامرأة، ولاصبي، ولا مملوك؛ لأنهم من غير أهل القتال، ويرضخ لهم دون السهم» (¬4). قلت: والأدلة على عدم فرضية الجهاد على المرأة كثيرة، وأصلها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «لكن أفضل الجهاد حج ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزو النساء مع الرجال، برقم 1812. (¬2) مراتب الإجماع، ص 201. (¬3) نقلاً من كتاب الإنجاد في أبواب الجهاد، ص 707. (¬4) الكافي، 5/ 524.

مبرور» (¬1). قال العلامة بكر بن عبد اللَّه أبوزيد - رحمه الله -: «لم يعقد راية لامرأة قط في الجهاد، وكذلك الخلفاء بعده، ولا انتدبت امرأة لقتال، ولا لمهمة حربية، بل إن الاستنصار بالنساء، والتكثر بهن في الحروب دال على ضعف الأمة، واختلال تصوراتها. وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول اللَّه، تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟! فأنزل اللَّه: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬2)» (¬3). قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - تعليقاً على هذا الحديت: «وهذا الحديث يرد على الكذابين المفترين - في عصرنا- الذين يحرصون على أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، فيخرجون المرأة عن خدرها، وعن صونها وسترها الذي أمر اللَّه به، فيدخلونها في نظام الجند، عارية الأذرع والأفخاذ، بارزة المقدمة والمؤخرة، متهتكة فاجرة، يرمون بذلك في الحقيقة إلى الترفيه الملعون عن الجنود الشبان المحرومين من النساء في الجندية، تشبهاً بفجور اليهود والإفرنج، عليهم لعائن اللَّه المتتابعة إلى يوم ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم 2784. (¬2) سورة النساء، الآية: 32. (¬3) رواه أحمد، 44/ 320، برقم 26736، والترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، برقم 3022، وأبو يعلى، 12/ 393، والحاكم، وغيرهم بسند صحيح حيث صححه الحاكم، 2/ 306، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي. وانظر: حراسة الفضيلة، ص 55 - 56.

القيامة» (¬1). فإذا عُلِمَ أن المرأة لم يفرض عليها الجهاد في سبيل اللَّه، وإن كانت ذات شجاعة، عُلِمَ أن خروج النساء في الغزو ليس فيه اختلاط بالرجال؛ لأنهن لا يقاتلن معهم. فكل الأحاديث الواردة في خروج النساء في الغزو وفي الجهاد في سبيل اللَّه لا يراد بها القتال مع الرجال. الوجه الثاني: دلت الأحاديث على جواز خروج النساء في الغزو، ولكن هذا الخروج له ضوابط، قال ابن عبد البر: «وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيراً يؤمن عليه الغلبة» (¬2). فقوله: «مباح» دليل على أنه ليس سنة، وقوله: «إذا كان العسكر كبيراً يؤمن عليه الغلبة» مفيد على أن خروجهن حسب المصلحة، وخروج المحرم لا بد منه، فإن لم يوجد لها محرم، فلا خروج. ومن الضوابط أيضاً: أن كثيراً من العلماء نصُّوا على أن الخارجات من كبيرات السن، وكرهوا خروج الشابات. وهذا واضح؛ لأن الخارجات في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الغالب كُنَّ كبيرات في السن، كأمِّ سليم وأم عطية وغيرهما. وأما عمل الخارجات في الغزو: فسقي القوم، ومداواة المرضى ¬

(¬1) عمدة التفسير، لأحمد شاكر، 3/ 157. حراسة الفضيلة، ص 55 - 56. (¬2) التمهيد، 19/ 266.

ورد الجرحى والقتلى، كما دلت الأحاديث السابقة على هذا. وهذا لا يلزم فيه الاختلاط بغير محارمهن، قال النووي: «وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِلَاط النِّسَاء فِي الْغَزْو بِرِجَالِهِنَّ فِي حَال الْقِتَال؛ لِسَقْيِ الْمَاء وَنَحْوه» (¬1). وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة. قال القرطبي في: «ويسقين الماء؛ أي: تحملنه على ظهورهن، فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه» (¬2). وإن حصل شيء من الاختلاط فلضرورة ذلك الحال، قال ابن حجر: «وفِيهِ جَوازُ مُعالَجَة المَرأَة الأَجنَبِيَّة الرَّجُل الأَجنَبِيّ لِلضَّرُورَةِ. قالَ ابن بَطّال: ويَختَصُّ ذَلِكَ بِذَوات المَحارِمِ ثُمَّ بِالمُتَجالاَّتِ مِنهُنَّ ... فَإِن دَعَت الضَّرُورَة لِغَيرِ المُتَجالاَّتِ، فَليَكُن بِغَيرِ مُباشَرَةٍ ولا مَسٍّ» (¬3). فاتضح مما سبق أن خروج النساء في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة للغزو في سبيل اللَّه ليس فيه اختلاطهن بالرجال، إلا ما قد يضطر إلى ذلك. ولا حجة لمبيحي الاختلاط في الضرورة؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها، والضرورات تبيح المحظورات، فكيف يحتج بهذه الأحاديث لتبرير المؤامرة الدولية على المرأة المسلمة لإقحامها في فتن الاختلاط والتبرج وغير ذلك؟! وكيف يحتج بها ¬

(¬1) شرح مسلم للنووي، 12/ 190. (¬2) المفهم شرح صحيح مسلم، 3/ 684. (¬3) فتح الباري، 6/ 94.

الشبهة الرابعة والعشرون: قوله: إن أم سليم كان معها خنجر

دعاة الاختلاط للمتاجرة بالمرأة؟! وكيف يحتج بها مفسدو العالم على الاختلاط بالشابات المتبرجات؟! وكيف يحتج مروجو الفتن على الخلوة بالمرأة وسفرها بدون محرم وغير ذلك؟! فليربؤوا بأنفسهم عن سلوك هذا الطريق في الاستدلال. الشبهة الرابعة والعشرون: قوله: إن أم سليم كان معها خنجرٌ في غزوة حنين مرادهم أنها مختلطة بالمسلمين تقاتل الكفار، والجواب عن هذه الشبهة يتضح بإيراد الحديث. عن أنس - رضي الله عنه - أن أم سليم اصطحبت معها خنجراً؛ لتدافع عن نفسها إذا اعتدى عليها مشرك (¬1). فليس فيه أنها مختلطة بالصحابة في قتال ولا في غيره؛ ولهذا شراح الحديث لم يذكروا أمر الاختلاط استنباطاً من هذا الحديث، وإنما استنبطوا منه أن المرأة المسلمة تقاتل دفاعاً عن نفسها. الشبهة الخامسة والعشرون: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في أم عمارة: «ما التفتّ يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني». هذه القصة رواها ابن سعد (¬2)، وفي سندها محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك، وإذا سقط الأصل وهو الصحة، سقط الفرع ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى للقاتل، برقم 2718، وأحمد، 21/ 395، برقم 13/ 975، وابن حبان، 12/ 152، برقم 7158، وابن سعد، 8/ 425، والبزار، 2/ 286، برقم 6349، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2361. (¬2) الطبقات الكبرى، 8/ 305.

وهو الاستدلال. الشبهة السادسة والعشرون: استدلالهم أن أسماء بنت يزيد شهدت اليرموك وقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها، وهذه القصة رواها سعيد بن منصور، وابن أبي عاصم، والطبراني (¬1). وفي سندها مهاجر مولى أسماء، وهو مقبول كما في «التقريب»، أي: عند المتابعة، ولا نعلم له متابعاً. ولو صحت لم يصح الاستدلال بها؛ لأنه لا يفهم من القصة أنها قاتلت مع الرجال وبحضرتهم، بل ظاهرها أنها قتلت السبعة المذكورين لما جاؤوا إلى خيمتها، أو اقتربوا منها. الشبهة السابعة والعشرون: استدلالهم بأن سمراء بنت نهيك وكانت تؤدب الناس، وتأمر بالمعروف، فعن يحيى بن أبي سليم قال: «رَأَيْتُ سَمْرَاءَ بنتَ نَهِيكٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -:عَلَيْهَا دِرْعٌ غَلِيظٌ، وَخِمَارٌ غَلِيظٌ، بِيَدِهَا سَوْطٌ تُؤَدِّبُ النَّاسَ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ» (¬2). هذه القصة رواها الطبراني في الكبير، وهي ضعيفة؛ لأن يحيى بن ¬

(¬1) سنن سعيد بن منصور، 6/ 372، برقم 2603، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، 6/ 128، برقم 3349، والطبراني في المعجم الكبير، 24/ 157، برقم 403، وهو عند أحمد، 45/ 541، برقم 27560، والقصة عند ابن عساكر، 2/ 101 منسوبة لأم حكيم بنت الحارث، 39/ 61 القصة عن أسماء بنت يزيد. (¬2) المعجم الكبير، للطبراني، 24/ 311، برقم 7805، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، 6/ 3369، وقال الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 101: «سنده جيد».

الشبهة الثامنة والعشرون: قولهم: إن عمر - رضي الله عنه - استعمل الشفاء

أبي سُلَيم لا يعلم له سماع من سمراء بنت نهيك، بل لم يعاصرها، وإنما سمع منها أبو بلج الصغير واسمه جارية بن بلج، وهو مجهول، وقد حسن بعضهم هذه القصة بسبب حصول اشتباه بين أبي بلج يحيى بن سُليم، ويقال ابن أبي سليم، وبين أبي بلج جارية بن بلج، فظنوا أن الأول هو الثاني، وليس كذلك كما سبق. فالقصة ضعيفة من جهة سندها. وأيضاً يرد عليهم بما قاله فضل إلهي: «لم يرد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - ولاها على حسبة السوق غاية ما في الأمر أنها كانت تقوم بالاحتساب في السوق، وقيام أحد بذلك في السوق، لا يدل على تعيينه والياً على حسبة السوق» (¬1). وأيضاً على فرض صحتها فالمرأة المذكورة كبيرة السن، ودعاة الاختلاط يبحثون عن الشابات، ويبحثون عمن تقبل الاختلاط، لا عمن تأتي لتحارب منكرات الاختلاط وغيرها، فلو كانت هذه المرأة حية لأدبت بسوطها أصحاب الاختلاط؛ لأنهم يتاجرون بالنساء، ويتخذونهن متعة رخيصة. الشبهة الثامنة والعشرون: قولهم: إن عمر - رضي الله عنه - استعمل الشفاء على السوق، فقد روى ابن أبي عاصم (¬2) من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر - رضي الله عنه -،استعمل الشفاء على السوق، ولا يعلم امرأة استعملها غير هذه. ¬

(¬1) في كتابه مسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 136. (¬2) في الآحاد والمثاني، 6/ 4، برقم 3179.

هذه القصة فيها علل: الأولى: ضعف ابن لهيعة. الثانية: الإرسال؛ لأن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك عمر. وقد ضعفها العلماء، قال أبوبكر بن العربي المالكي: «وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَدَّمَ امْرَأَةً عَلَى حِسْبَةِ السُّوقِ، وَلَمْ يَصِحَّ; فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ; فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَسَائِسِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْأَحَادِيثِ» (¬1). والقصة أخرجها مالك، وعبد الرزاق، والبيهقي في الشعب بلفظ: «إن عمر مر على الشفاء، وكان بيتها بين المسجد والسوق» (¬2). وليس فيها أنه استعملها على السوق، وهي بهذا اللفظ صحيحة. وأخرجها عبد الرزاق مرة أخرى مرسلة، وفيها: «أن الشفاء بنت عبد اللَّه جاءت إلى عمر»، وليس فيها أن عمر استعملها. فالذي يتحرر مما سبق أن ذكر استعمال عمر لها، لا أساس له من الصحة؛ للعلل الواردة في القصة، ولطعن أهل العلم فيها؛ ولأن الرواية الصحيحة بدونها. وأيضاً نسبة القصة إلى عمر تخالف الحال الذي كان عليه عمر من غيرته على أعراض النساء؛ فهو الذي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يحجب نساءه، فوافق اللَّه عمر؛ فأنزل آية الحجاب. وأيضاً منع عمر النساء أن يختلطن بالرجال في موارد المياه، وفي الطواف، وغير ذلك، كما سبق ذكره (¬3). ¬

(¬1) أحكام القرآن، 6/ 212. (¬2) الموطأ، برقم 317، وعبد الرزاق، 1/ 526، والبيهقي في الشعب، برقم 2617. (¬3) انظر: الاختلاط أصل الشر، ص 176 - 183 بتصرف.

الشبهة التاسعة والعشرون: قولهم: إن مصطلح «الاختلاط»

الشبهة التاسعة والعشرون: قولهم: إن مصطلح «الاختلاط» مصطلح حادث، لم يعرف في المعجم الإسلامي، ولم يرد في النصوص الشرعية. والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أنه جاء في السنة الإشارة إلى مصطلح (الاختلاط)، ومن ذلك حديث أبي أسيد الأنصاري - رضي الله عنه - «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ: فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلنِّسَاءِ «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (¬1). ففي هذا الحديث جاء ذكر «اختلاط النساء بالرجال»، وقد أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونهى عنه. وأثر ابن جريج قال: «أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ، أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي، لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ، قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ» (¬2). ففي هذا الأثر جاء ذكر «اختلاط الرجال بالنساء»، وأن عائشة ¬

(¬1) سنن أبي داود، برقم 5272، وتقدم تخريجه. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال، برقم 1618.

- رضي الله عنها - تطوف دون الرجال. الوجه الثاني: أنه جاء في الآثار الإشارة إلى ما يرادف الاختلاط كـ (المزاحمة)، و (المدافعة)، ومن ذلك: ما روى منبوذ بن أبي سليمان، عن أمه «أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلاَةٌ لَهَا، فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ، أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ» (¬1). وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «أَمَا تَغَارُونَ أَنْ تَخْرُجَ نِسَاؤُكُمْ؟ .. أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَوْ تَغَارُونَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الْأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ» (¬2). الوجه الثالث: أن مصطلح (الاختلاط) مشهور متداول عند عامة المفسرين والمحدثين والفقهاء، فقد تثبت أن هذا المصطلح معروف عند العلماء كافة، ومن قال إن مصطلح «الاختلاط» مصطلح حادث فهو إما جاهل، أو مغرض. ولا بد من القول هنا إنه لا يلزم من تحريم الأشياء ورود ذكرها لفظاً في الكتاب والسنة، بل قد تكون داخلة تحت الأصول والقواعد العامة للشريعة. ¬

(¬1) مسند الشافعي، ص 127، والسنن الكبرى للبيهقي، 5/ 81، وأخبار مكة للفاكهي، 1/ 122. (¬2) مسند أحمد، 2/ 343، برقم 1118، وقال محققو المسند، 2/ 343: «إسناده ضعيف».

الشبهة الثلاثون: قولهم: إن الاختلاط بين الرجال والنساء

الشبهة الثلاثون: قولهم: إن الاختلاط بين الرجال والنساء حاصل في الطواف، فيدل ذلك على جوازه في أماكن العمل والتعليم. والجواب عن هذا من ستة أوجه: الوجه الأول: أن السنة دلت على أن طواف النساء من وراء الرجال، عن أم سلمة قالت: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} (¬1)» (¬2). قال ابن بطال: «وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث طواف النساء بالبيت من وراء الرجال لعلة التزاحم والتناطح، قال غيره: طواف النساء من وراء الرجال هي السنة؛ لأن الطواف صلاة، ومن سنة النساء في الصلاة أن يكن خلف الرجال، فكذلك الطواف» (¬3). قال الزرقاني - رحمه الله -: «قوله: «فقال: طوفي من وراء الناس»؛ لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف» (¬4). الوجه الثاني: أن هذا من خصوصيات مكة بإجماع المُفسرين، ¬

(¬1) سورة الطور، الآيتان: 1 - 2. (¬2) البخاري، برقم 1514، تقدم تخريجه. (¬3) شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 2/ 112 .. (¬4) شرح الزرقاني على الموطأ، 2/ 311.

قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} (¬1). فقد أخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن مجاهد قال: «إنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّةَ لأَنَّ النَّاسَ يَبُكَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنَّهُ يَحِلَّ فِيهَا مَا لاَ يَحِلُّ فِي غَيْرِهَا» (¬2). وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، «عن عتبة بن قيس قال: إن مكة بكت بكاء الذكر فيها كالأنثى، قيل: عمن تروي هذا؟ قال: عن ابن عمر» (¬3). وعند البيهقي «عن قَتَادَةُ: مَنْ لَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ لِيُشْرِكَ فِيهِ عَذَّبَهُ اللهُ، وَفِي قَوْلِهِ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لِلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} (¬4)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ بَكَّ بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا فَتُصَلِّي النِّسَاءُ أَمَامَ الرِّجَالِ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ بِبَلَدٍ غَيْرِهِ» (¬5). وبنحوه قال سعيد بن جبير، وغيره (¬6). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 96. (¬2) مصنف بن أبي شيبة، 3/ 273، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 445، وأخبار مكة للأزرقي، 1/ 396. (¬3) هكذا في الدر المنثور، 3/ 673، وفي مصنف بن أبي شيبة، 3/ 272، برقم 14127، دون قوله: قيل: عمن تروي .... (¬4) سورة آل عمران، الآية: 96. (¬5) تفسير ابن أبي حاتم، 3/ 709، شعب الإيمان، 5/ 466، وفي الدر المنثور، 3/ 673، عزاه لابن جرير، وعبد بن حميد، والبيهقي. (¬6) تفسير ابن أبي حاتم، 3/ 709.

بل يُعفى عن السُّترة في مكة، ولا يُعفى عن غيرها، فروى ابن جرير، «عن عطاء، عن أبي جعفر قال: مرت امرأة بين يدي رجل وهو يصلي وهي تطوف بالبيت، فدفعها. قال أبو جعفر: إنها بَكَّةٌ، يبكّ بعضُها بعضًا» (¬1). وبقي الأمر على هذا قروناً طويلة، قال ابن جبير في رحلته (¬2) (578هـ): «وموضع الطواف مفروش بحجارة مبسوطة كأنه الرخام حسناً، منها سود، وسمر، وبيض قد ألصق بعضها ببعض، واتسعت عن البيت بمقدار تسع خطاً إلا في الجهة التي تقابل المقام، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به، وسائر الحرم مع البلاطات كلها مفروش برمل أبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة». الوجه الثالث: أن عمل نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على الطواف من وراء الرجال، فعن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ: إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ. قَالَ: كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الرِّجَالِ!. قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟. قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ!. قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ» (¬3). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «قَوله: (وقَد طافَ نِساء النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَ ¬

(¬1) تفسير ابن جرير، 6/ 24. (¬2) رحلة ابن جبير، ص 22. (¬3) البخاري، برقم 1539، تقدم تخريجه.

الرِّجال)؛ أَي: غَير مُختَلِطات بِهِنَّ ... قَوله: (حَجرَة) ... أَي: ناحِيَة» (¬1). وقال المهلب: «قول عطاء: قد طاف الرجال مع النساء، يريد أنهم طافوا في وقت واحد غير مختلطات بالرجال؛ لأن سنتهن أن يطفن ويصلين وراء الرجال ويستترن عنهم» (¬2). فهذا الأثر صريح الدلالة في أن النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يطفن من وراء الرجال. الوجه الرابع: جاء عن الصحابة - رضي الله عنهم - ما يدل على إنكار الاختلاط بين الرجال والنساء في الطواف، فعَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: «نَهَى عُمَرُ - رضي الله عنه - أَنْ يَطُوفَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَرَأَى رَجُلًا مَعَهُنَّ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ» (¬3). وعَنْ مَنْبُوذِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أُمِّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا مَوْلاَةٌ لَهَا، فَقَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! طُفْتُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَاسْتَلَمْتُ الرُّكْنَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، لاَ آجَرَكِ اللَّهُ، تُدَافِعِينَ الرِّجَالَ! أَلاَ كَبَّرْتِ وَمَرَرْتِ؟ ّ» (¬4). الوجه الخامس: صرح جماعة من أهل العلم بإنكار اختلاط الرجال بالنساء في الطواف، واعتبروا ذلك من المخالفات، قال ابن ¬

(¬1) فتح الباري، 4/ 549. (¬2) شرح البخاري، لابن بطال، 4/ 298. (¬3) أخبار مكة، للفاكهي، 1/ 252. (¬4) مسند الشافعي، 1/ 127، السنن الكبرى للبيهقي، 5/ 81، أخبار مكة للفاكهي، 1/ 122.

الشبهة الحادية والثلاثون: قولهم: إن اختلاط الرجال بالنساء

جماعة الشافعي (ت 767هـ): «ولا تدنو من البيت مخالطة للرجال، بل تكون في حاشية الطواف بحيث لا تزاحم الرجال، قياساً على الصلاة، فإنهن مأمورات بالتأخير عن صفوف الرجال، ولا يستحب لها تقبيل ولا استلام مع مزاحمة الرجال، وكذلك لا يستحب لها الصلاة خلف المقام، أو غيره من المساجد مزاحمةً للرجال، ويستحب لها ذلك إذا لم تفض إلى مخالطة الرجال، وهذا مما لا يكاد يختلف فيه؛ لما يتوقع بسببه من الضرر ... ومن أقبح المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم، سافرات عن وجوههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع تقد» (¬1). الوجه السادس: ذكر الفاسي تبعاً للفاكهي أن من أعمال خالد القسري - أمير مكة في زمن التابعين - التي حمده الناس عليها قيامه بالتفريق بين الرجال والنساء في الطواف حيث أجلس عند كل ركن حرساً يفرقون بين الرجال والنساء (¬2). فمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الطواف معروف في زمن السلف الصالح، وأثنى أهل العلم والفضل على من قام به من الأمراء. الشبهة الحادية والثلاثون: قولهم: إن اختلاط الرجال بالنساء في أماكن العمل والتعليم من التطور الاجتماعي والرقي العلمي، الذي لا غالب به. ¬

(¬1) هداية السالك، 2/ 864 - 868. (¬2) العقد الثمين، الفاسي، 4/ 15 - 16.

الشبهة الثانية والثلاثون: الاستدلال بظواهر بعض النصوص

والجواب عن هذه الشبهة أن يُقال: «ليس هناك تطور يعرض للاجتماع نفسه، وإنما تطور الاجتماع أثر أفكار وأذواق وميول نفسية، ورقي هذا التطور أو انحطاطه يرجع إلى حال تلك الأفكار والأذواق والميول، فإن غلب على الناس جودة الفكر وسلامة الذوق وطهارة ميولهم النفسية، كان التطور الاجتماعي راقياً، وهذا هو الذي لا تنبغي معارضته، ويصحّ أن يقال فيه: إنه تطور لا غالب له، أما إذا غلب على الناس انحراف الأفكار في تصور الشؤون الاجتماعية، أو تغلبت أهواؤهم على عقولهم، كان التطور الاجتماعي في انحطاط، وهذا هو الذي تجب معارضته، وأقل دعوة تقوم لإصلاحه يمكنها أن تقوّم عوجه، وترد جماحه، وإذا كان اختلاط الجنسين من قبيل التطور الاجتماعي، فهو من نوع ما ينشأ عن تغلب الأهواء، وتقليد الغربيين في غير مصلحة، فيتعين على دعاة الإصلاح أن يجهروا بإنكاره، ويعملوا على تنقية المجتمع من أقذائه، ومتى قويت عزائمهم، وجاهدوه من طرقه الحكيمة أماطوا أذاه، وغلبوا على أمره» (¬1). الشبهة الثانية والثلاثون: الاستدلال بظواهر بعض النصوص الشرعية على جواز اختلاط الرجال بالنساء، كخروج النساء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهاد. والجواب عن هذا أن يقال: «أنه قد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ¬

(¬1) محاضرات إسلامية، الشيخ محمد الخضر حسين، ص 197.

ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها إلا من نوَّر اللَّه قلبه، وتفقه في دين اللَّه، وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض, ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات, والجواب عن ذلك: أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد؛ لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن، وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر, ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماماً عن الحالة التي خرجن بها مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الغزو، فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق، وأيضاً فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا, وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم, وأقرب إلى التطبيق العملي بكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ فما هو الذي نُقِلَ عنهم على مدار الزمن؟ هل وسَّعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط، فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها، وتختلط معهم، ويختلطون معها، أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟» (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 1/ 423.

المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب

المبحث السابع: الفتاوى المحققة المعتمدة في تحريم اختلاط النساء بالرجال الأجانب أولاً: فتاوى الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية سابقاً - رحمه الله -: السؤال الرابع: هل يجوز اختلاط الرجال بالنساء إذا أمنت الفتنة؟ [من الفتوى رقم 2640] الجواب: اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات: الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال، وهذا لا إشكال في جوازه. الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه. الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في: دور العلم، والحوانيت (¬1)، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك؛ فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر. ولكشف حقيقة هذا القسم؛ فإنا نجيب عنه من طريق: مجمل، ومفصل. أما المجمل: فهو أن اللَّه تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين؛ فإذا حصل الاختلاط نشأ على ذلك آثار تؤدي إلى حصول ¬

(¬1) الحوانيت: جمع حانوت، وهو الدكان. المصباح المنير، مادة (دكة).

الغرض السيئ؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه؛ فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال، وقد سدَّ الشارع الأبواب المفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر، وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة. أما الأدلة من الكتاب فستة: الدليل الأول: قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (¬1). وجه الدلالة: أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف - عليه السلام - ظهر منها ما كان كامناً، فطلبت منه أن يوافقها، ولكن أدركه اللَّه برحمته فعصمه منها، وذلك في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2)، وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر، وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه. ¬

(¬1) سورة يوسف، الآية: 23 .. (¬2) سورة يوسف، الآية: 34.

الدليل الثاني: أمر الله الرجال بغض البصر، وأمر النساء بذلك فقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية (¬1). وجه الدلالة من الآيتين: أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، وأمره يقتضي الوجوب، ثم بيَّن تعالى أن هذا أزكى وأطهر. ولم يعفُ الشارع إلا عن نظر الفجأة، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يَا عَلِيُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لَكَ الأُولَى، وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ» (¬2)، قال الحاكم بعد إخراجه: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه: ووافقه الذهبي في تلخيصه، وبمعناه عدة أحاديث. وما أمر اللَّه بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليه ¬

(¬1) سورة النور، الآيتان: 30 - 31. قلت: وإني لأعجب من تكرير بعض القراء صدر سورة يوسف، بخلاف سورة النور فلا يقرؤونها، وقد قال بعض السلف: ما حصلناه في سورة يوسف أنفقناه في سورة النور. والعجب الثاني قراءة صدر سورة مريم دون تكميل الموضوع الذي سيقت له من بيان حقيقة عيسى، ونفي الولد، والأمر بعبادة اللَّه، واختلاف الأحزاب في عيسى ... إلخ. وبعض يخص السور أو الآيات ببعض المساجد، وبعض يقرأ آيات الرحمة دون غيرها، وهكذا بعض لا يقرأ الآيات التي تذم بعض الأشخاص إذا كان من بلده ... (¬2) أخرجه أحمد، 38/ 95، برقم 22991، وبرقم 2149، والترمذي، برقم 2777، والحاكم، 2/ 194، برقم 2788، وحسنه الألباني، وتقدم تخريجه.

زناً، فروى أبو هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا» (¬1) متفق عليه، واللفظ لمسلم. وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة، ومؤدٍّ إلى دخولها في قلب ناظرها، فتعلق في قلبه، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها، فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة، وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر، والسعي إلى ما هو أسوأ منه. الدليل الثالث: الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة، ويجب عليها التستر في جميع بدنها؛ لأن كشف ذلك أو شيئاً منه يؤدي إلى النظر إليها، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها، وكذلك الاختلاط. الدليل الرابع: قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (¬2). وجه الدلالة: أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل، وإن كان جائزاً في نفسه، لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال، فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن، وكذلك الاختلاط ¬

(¬1) البخاري، برقم 6243، ومسلم، برقم 2657، وتقدم تخريجه. (¬2) سورة النور، الآية: 31.

يمنع لما يؤدي إليه من الفساد. الدليل الخامس: قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (¬1)، فسرها ابن عباس وغيره: هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به، فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع إليه من قلبه أنه لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها فزنى بها. وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة، فكيف بالاختلاط. الدليل السادس: أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (¬2). وجه الدلالة: أن اللَّه أمر أزواج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين؛ لما تقرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه، وليس هناك دليل يدل على الخصوص، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن، فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق، على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء، وخلعهن جلباب الحياء، واستهتارهن بالتبرج ¬

(¬1) سورة النور، غافر: 19. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 33.

والسفور عند الرجال الأجانب، والتعرّي عندهم، وقلَّ الوازع عن من أُنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم. وأما الأدلة من السنة؛ فإننا نكتفي بذكر عشر أدلة: الأول: روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - أنها جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول اللَّه، إني أحب الصلاة معك؟! قال: «قد علمتُ أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي» قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت واللَّه تصلي فيه حتى ماتت» (¬1). وروى ابن خزيمة في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ صَلاَةٍ تُصَلِّيهَا الْمَرْأَةُ إِلَى اللَّهِ فِي أَشَدِّ مَكَانٍ فِي بَيْتِهَا ظُلْمَةً» (¬2). وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة ¬

(¬1) أخرجه أحمد، برقم 27090، وابن حبان، برقم 2217، وحسّنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 82، برقم 340، وتقدم تخريجه. (¬2) صحيح ابن خزيمة، 3/ 95، برقم 1691، والبيهقي في الكبرى، 3/ 131، وحسنه لغيره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 77، برقم 948.

في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. وجه الدلالة: أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها، وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه، فلئن يمنع الاختلاط من باب أولى. الثاني: ما رواه مسلم، والترمذي وغيرهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1)، قال الترمذي بعد إخراجه: «حديث حسن صحيح». وجه الدلالة: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة على حدةٍ، ثم وصف أول صفوفهن بالشر، والمؤخر منهن بالخير. وما ذلك إلا لبعد المتأخِّرات عن الرجال عن مخالطتهم، ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، وذمَّ أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم، والقرب من الإمام، وقربه من النساء اللاتي يشغلن البال، وربما أُفسدت به العبادة، وشوشن النية والخشوع؛ فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة، مع أنه لم يحصل اختلاط، فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى، فيمنع ¬

(¬1) صحيح مسلم، برقم 440، تقدم تخريجه.

الاختلاط من باب أولى. الثالث: روى مسلم في صحيحه عن زينب زوجة عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنها - قال: قال لنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيباً» (¬1). وروى أبو داود في سننه، والإمام أحمد، والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تمنعوا إماء اللَّه مساجد اللَّه، وليخرجن وهن تَفِلات» (¬2). قال ابن دقيق العيد: فيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه، كحسن الملبس، والحلي الذي يظهر أثره، والهيئة الفاخرة، قال الحافظ ابن حجر: وكذلك الاختلاط بالرجال. وقال الخطابي في (معالم السنن): التفل سوء الرائحة. يقال: امرأة تفلة إذا لم تتطيب، ونساء تفلات. الرابع: روى أُسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬3) رواه البخاري، ومسلم. ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 443. (¬2) أخرجه مسلم، برقم 442، أحمد، برقم 9645، وأبو داود، برقم 565، تقدم تخريجه. (¬3) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، تقدم تخريجه.

وجه الدلالة: أنه وصفهن بأنهن فتنة، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون؟ هذا لا يجوز. الخامس: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (¬1) رواه مسلم. وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر باتقاء النساء، وهو أمر يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟! هذا لا يجوز. السادس: روى أبو داود في السنن، والبخاري في الكنى بسنديهما، عن حمزة بن السيد الأنصاري، عن أبيه - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء: «اسْتَأْخِرْنَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (¬2). هذا لفظ أبي داود. قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: «يحققن الطريق: أن يركبن حقها وهو وسطها» (¬3). ¬

(¬1) مسلم، برقم 2742، تقدم تخريجه. (¬2) سنن أبي داود، برقم 5272، تقدم تخريجه. (¬3) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 68، مادة (حقّ).

وجه الدلالة: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا منعهن من الاختلاط في الطريق؛ لأنه يؤدي إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟! السابع: روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر - رضي الله عنه -: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا بنى المسجد جعل باباً للنساء، وقال: «لاَ يَلِجُ مِنْ هَذا البَابِ مِنَ الرِّجَال أحَدٌ» (¬1)، وروى البخاري في التاريخ الكبير له، عن ابن عمر - رضي الله عنه -، عن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَدْخُلُوا المسجِدَ مِنْ بَابِ النِّسَاء» (¬2). وجه الدلالة: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً، وخروجاً، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ سداً لذريعة الاختلاط، فإذا مُنِعَ الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى. الثامن: روى البخاري في صحيحه، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا» (¬3)، وفي رواية ثانية: «كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ ¬

(¬1) أخرجه الطيالسي، 3/ 368، وأبو نعيم في الحلية، 1/ 313. (¬2) ضعفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، 12/ 964، وعزاه للبخاري في التاريخ الكبير. (¬3) البخاري، برقم: 837، وتقدم تخريجه.

فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬1)، وفي رواية ثالثة: «كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَامَ الرِّجَالُ» (¬2). وجه الدلالة: أنه منع الاختلاط بالفعل، وهذا فيه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع. الدليل العاشر: روى الطبراني في المعجم الكبير عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» (¬3)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: «رجاله رجال الصحيح»، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: «رجاله ثقات». وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ» (¬4). وجه الدلالة من الحديثين: أنه - صلى الله عليه وسلم - منع مماسة الرجل للمرأة ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب انتظار الناس قيام الإمام، برقم: 866. (¬2) البخاري، برقم 866. (¬3) رواه الروياني في مسنده، برقم 1270، والطبراني في الكبير، برقم 486، وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 226، وتقدم تخريجه. (¬4) المعجم الكبير للطبراني، 8/ 205، برقم 7830، وقال الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، 2/ 2: «ضعيف جداً».

1 - (2641 - منع اختلاط النساء السافرات بالرجال)

بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها؛ لما في ذلك من الأثر السيئ، وكذلك الاختلاط يمنع لذلك. فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له: أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة، إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص، وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة؛ ولهذا منعه الشارع؛ حسماً لمادة الفساد. ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة، وتشتد الحاجة إليه، ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي، والحرم المدني. نسأل اللَّه تعالى أن يهدي ضالَّ المسلمين، وأن يزيد المهتدي منهم هُدىً، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات، وترك المنكرات، والأخذ على أيدي السفهاء، إنه سميع قريب مجيب. وصلى اللَّه على محمد، وآله، وصحبه. مفتي الديار السعودية (ص- ف 1118 في 14 - 5 - 1388هـ) (2641 - منع اختلاط النساء السافرات بالرجال) جلالة الملك المعظم ... أيده اللَّه حفظ اللَّه جلالتكم: بلغني أن بعض المهندسين الأجانب الذين يُجْلَبون إلى نجد تبعاً لبعض المصالح يطالبون بمجيء نسائهم معهم. ولا يخفى على جلالتكم أن وجود نساء النصارى في المملكة مفسدة كبرى. أولاً: لفسادهن وخبثهن. ثانياً: لا وجه لإجبارهن

2 - (2642 - منع النساء السافرات الأجنبيات من الخروج إلى الشوارع)

على الغطا لكونهن غير مسلمات، ولو كن من مدعيات الإسلام وجب إجبارهن على التغطي التزاماً لما يدَّعينه من الإسلام. ونشوء المسلمين من ذكر وأنثى محتاجون إلى إبعاد جميع أسباب الشر عنهم، وتأثير الخلطة أمر معلوم، أعزكم اللَّه وأعز بكم دينه. (ص-م 348 في 9 - 3 - 75هـ) محمد بن إبراهيم (¬1) (2642 - منع النساء السافرات الأجنبيات من الخروج إلى الشوارع) من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء ... حفظه اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ... وبعد نرفع لسموكم برفقه المكاتبة الواردة إلينا من فضيلة رئيس محكمة الظهران برقم (بدون) في 2 - 1 - 1380هـ المعطوفة على ما رفعه له رئيس محكمة الخبر برقم 2249، وتاريخ 4 - 1 - 1380هـ حول ما لاحظه في مدينة الخبر من خروج النساء الأجنبيات في شوارعها سافرات متبرجات كاشفات الوجوه والرؤوس، باديات السيقان والأذرع. ولا يخفى سموكم ما في ذلك من الفساد والفتنة للرجال، مع أن ذلك وسيلة كبرى لاقتداء ¬

(¬1) وتقدم في فتوى برقم 1278/ 1 في 13/ 5/85هـ في (توحيد الإلهية) حكم اختلاط النساء بالرجال، وحضور المرأة مجالس الرجال، برقم 3559/ 1، في 26/ 11/86هـ، في كتاب الجهاد، وفتوى في صلاة الجماعة، برقم 204/ 3/1، في 12/ 8/87هـ.

3 - (2643 - خطر اختلاط النساء بالرجال في حديقة الحيوان)

المسلمين بهن، والتزين بزينتهن كما هو الواقع، وكما أشار إلى ذلك قاضي الظهران بحيث تعذر التمييز بينهن. والذي يتعين في مثل هذا غيرة للَّه ولدينه، وقياماً لواجب الرعية التي ولاّكم اللَّه عليها هو العمل على حسم أسباب الفساد، وتدهور الأخلاق بمنع أولئك النساء من الخروج سافرات متبرجات، لا سيما والمعروف أن الأجنبي لا يسمح له بدخول البلاد إلا بعد أخذ التعهد عليه بالخضوع لتعاليم البلاد المعمول بها فيها، وأملنا وطيد في أن تولوا هذا الأمر الخطير ما يستحقه من العناية والاهتمام التام، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «كُلَّكُم رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (¬1). حفظكم الله ونصر بكم الحق وأهله أينما كان والسلام عليكم. رئيس القضاة (ص-ف 147 في 24 - 2 - 1380هـ) (2643 - خطر اختلاط النساء بالرجال في حديقة الحيوان) من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض ... حفظه اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ... وبعد فإنه اتصل بعلمي بأنه يحصل للنساء مزاحمة من بعض الرجال في «حديقة الحيوانات» في اليوم المخصص للنساء، وأن بعض ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم 893.

4 - (2644 - اختلاط سفلة الرجال بالنساء في أسواق الأقمشة)

الناس يخرج إلى هناك لهذا الغرض، وللنظر إلى النساء المتفرجات. وتعلمون سموكم خطر هذا الأمر على فساد الأخلاق، وقد يحدث ما بين حين وآخر من جرائها ما لا تحمد عقباه؛ لذا نرجو أن يتخذ سموكم الإجراءات الإيجابية الحاسمة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، والتي يظهر أثرها لدى المتحمسين للخير المنكرين لهذه الشرور وأمثالها. وفقكم اللَّه والسلام عليكم. (ص-م 1240 في 17 - 3 - 1384هـ) (2644 - اختلاط سفلة الرجال بالنساء في أسواق الأقمشة) من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... بمنطقة نجد وتوابعها المحترم السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد: فقد اتصل بعلمنا أنه يحصل في أسواق الأقمشة اختلاط سفلة الرجال بالنساء، ومتابعتهم لهن، ومحاولة معاكستهن، أو للحصول منهن على وعد أو موافقة. وحيث إن هذا الأمر مبدأ خطير، وله ما بعده إذا حصل التساهل، لذا نأمل أن تهتموا بهذا الأمر، وتوصوا مركز الهيئة في السوق بملاحظة ذلك بدقة، واستمرار الملاحظة، وفقنا اللَّه وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة اللَّه. (ص-م 1241 - دوسية 76 - 14)

5 - (2645 - حكم اختلاط المحاسبين بالمدرسات)

(2645 - حكم اختلاط المحاسبين بالمدرسات) من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة رئيس مدارس البنات المحترم السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ... وبعد كتب لنا بعض المطلعين من مكة يقول: إنه لاحظ وضع مكتب في فناء مدرسة البنات يجلس عليه ثلاثة رجال من موظفي المحاسبة، وتأتي المدرسات فيجتمعن حولهم على هذا المكتب ليوقعن على مسيرات الرواتب، ويستملن استحقاقهن. وذكر أن بعض أولياء أمور المدرسات طلب تسليم راتبها إليه بعد توقيعها على المسيرات، وبموجب وكالة منها، فلم يحصل، بل أصروا على حضورها بنفسها، واستلامها الراتب. وقصده بذلك يستفتي عن حكم اختلاط هؤلاء الثلاثة الرجال بالمدرسات على الصفة التي ذكرها. وقد لفت نظرنا هذا، ورأينا تنبيهكم عليه لتقوموا حوله بما يلزم، وتخبرونا بالحقيقة. والسلام عليكم. (ص-م 3130 في 14 - 11 - 1385هـ) (1646 - جواب عن شبهات دعاة السفور) أحاديث نظر الفجأة مع أحاديث إباحة النظر إلى المخطوبة تفيد المنع من السفور، فإنه قد اغتر به من اغتر، ومفسدته أكبر المفاسد، وحاصله أن زوجها يستمتع بمقدار، وقسم من الناس يستوفي منه أكثر منه، فلا بقي إلا الفرج.

7 - (2647 - س: الشيخ ناصر الدين الألباني يرى السفور؟)

الرجل الذي يرضى أن يتفكه بزوجته ديوث. وهذه زوجها بعض من ينتسب إلى العلم، وإلاَّ فهي من أوضح شيء، ولكن الهوى يعمي ويصم، وقصة صرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه الفضل استدلوا بها، ولا دليل فيها، إذ لا يفيد أنها كاشفة وجهها، فإنه قد يدرك شيء مع تغطية الوجه، خصوصاً الأعراب، فإنهم قد لا يكملون التستر. وأيضاً صرف وجهه لأجل المفسدة، وهو ثوران الشهوة الذي يجر إلى الفاحشة. وأيضاً من يقول: إن الرجل يصرف وجهه عنها؟ ما يَحصلْ، بل وجهه في وجهها، ونظره في نظرها. من يقول إن الرجال متعبدين بصرف وجوههم، والمرأة لها السفور؟! ولا يمكن صرف وجوههم، فالنظر واقع، والمفسدة لا محالة، فيكون فيه المنع من السفور. (تقرير) (2647 - س: الشيخ ناصر الدين الألباني يرى السفور؟) ج: يريد أن يطلب زكاماً فيحدث جذاماً. ... (تقرير) (2648 - القبلة) أما قبلة المرأة ليدفع عن نفسه الضرر فلا يجوز. والمسألة التي نسبت للشيخ هل يجوز أن يقبلها رجاء أن يطفئ

9 - (2649 - مهنة البيع لا يتولاها النساء الفاتنات)

لهيب الشهوة؟ فأجاب بالجواز. ولكنها كذب، وقد فندها تلميذه في «روضة المحبين» (¬1). (2649 - مهنة البيع لا يتولاها النساء الفاتنات) من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض ... ... الموقر السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد: حفظك اللَّه - اتصل بعلمي أنه يوجد في السوق «بالمقيبرة» نساء يبعن البيض مقدار خمس نساء، وهن نساء فاتنات للرجال؛ لجمالهن، وتبرجهن بالملابس والحلي، ويصافحن الرجال بأيديهن، وأنه يشاهد بعض سفلة الرجال يجلسون إليهن، ويتكلمون معهن، وحيث إن ذلك منكر ظاهر، فإنا نأمل منعهن من هذه المهنة، ولا يسمح أن يتولى ذلك إلا رجال، أو نساء عجائز ليس فيهن شبهة ما دمن بهذه الحالة، قوّاكم اللَّه في الحق، وأخذ بيدكم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة اللَّه. (ص-م 1244 في 17 - 3 - 84هـ) ¬

(¬1) ص129 - 231. قال ابن القيم: «وأما الفتوى التي حكيتموها فكذب عليه، لا تناسب كلامه بوجه، ولولا الإطاله لذكرناها جميعها حتى يعلم الواقف عليها أنها لاتصدر عمن هو دونه فضلاً عنه، وكان بعض الأمراء قد أوقفني عليها قديماً، وهي بخط رجل متهم بالكذب. ا. هـ.

(2650 - الواجب في مسألة الاختلاط) وأما اختلاط النساء بالرجال وحصول المفاسد التي ذكرتها (¬1)، فهذا من أكبر المنكرات التي يتعين إنكارها على الجميع، كما يجب على كل فرد أن يمنع نساءه من هذا السفور والاختلاط، فإن فتنة النساء فتنة عظيمة، وفي الحديث: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬2)، وهذه المسائل تحتاج إلى موالات النصائح، وبذل الجد في تحذير الناس من مغبتها. وتبيين مفاسدها والاستمرار بذلك، والاستعانة بذوي السلطة وأصحاب النفوذ لعل اللَّه أن يهدي ضال المسلمين والسلام عليكم (¬3). (ص-ف 1278 - 1 في 13 - 5 - 1385) ¬

(¬1) في السؤال - وهو ما يحصل من النساء هناك من خروجهن سافرات، واختلاطهن بالرجال في محافل الزواج، وعند القدوم من السفر، وعند حفل الولادة، ونحو ذلك إلى آخر ما ذكرته (هذا نص السؤال). (¬2) البخاري، كتاب النكاح، باب ما يتلقى من شؤم المرأة برقم 5096، ومسلم، كتاب العلم، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء، برقم 2740. (¬3) مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 10/ 35 - 50.

ثانيا: قرار هيئة كبار العلماء

ثانياً: قرار هيئة كبار العلماء قرار رقم (172) وتاريخ 20/ 8/1412 الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وآله وصحبه، وبعد: فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الثامنة والثلاثين المنعقدة في الرياض في المدة من 12/ 8/1412هـ إلى 20/ 8/1412هـ، اطَّلَع على كتاب معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رقم (498/ 1س) وتاريخ 27/ 11/1411هـ، حول ما لُوحظ من نشاطِ الصحف في الكلام حولَ توظيف النساء بأساليب مختلفة. كما اطَّلَعَ المجلسُ على الكتاب الصادر من المقام السامي برقم (2966/م) وتاريخ 19/ 9/1404هـ، الموجَّه إلى صاحب السمو الملكي ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، والْمُعطَى نسخة منه لكلِّ وزارة ومصلحة حكومية أو مؤسسة عامة، وفيه الإشارة إلى الأمر التعميمي رقم (11651) وتاريخ 16/ 5/1403هـ، الْمُتضَمِّن أنَّ السماحَ للمرأة بالعمل الذي يُؤدِّي إلى اختلاطها بالرِّجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمرٌ غيرُ مُمكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية، لأنَّ ذلك

مُحرَّمٌ شرعاً، ويتنافى معَ عادات وتقاليد هذه البلاد, وفيه: (نرغب إليكم إبلاغ المسؤولين لديكم بالتقيُّد بما قضى به الأمر التعميمي الْمُشار إليه وإبلاغه للجهات المختصَّة، والشركات المتعاقدة معكم للتقيُّد بموجبه وملاحظة ذلك بكلِّ دقَّة، وقد زُوِّدَت جميع الجهات الحكومية بنسخة منه للاعتماد، وإبلاغ الجهات المختصة بها والشركات والمؤسسات المتعاقدة بالتقيُّد به واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تشغيل المرأة خلافاً لِما تضمَّنه الأمر الْمُشار إليه، وتصحيح ما هو موجود من ذلك بما يتَّفق معه، فأكملوا ما يلزم بموجبه).ا. هـ. وبناءً على ذلك، وعلى كثرة الشكاوى من المواطنين حول مُخالطة النساء للرِّجال في العمل، وما يترتَّب على توظيف النساء في المجالات التي يُمكن أن يقوم بها الرِّجال من العزوف عن الزواج وتعطيل البيوت، وإهمال الأولاد، والاضطرار إلى استقدام الخادمات من المفاسد العظيمة - قرَّر المجلس ما يلي: 1) وجوب منع توظيف النساء فيما يقتضي اختلاطهنَّ مع الرِّجال. 2) اقتصار توظيفهنَّ على ما يختصُّ بهنَّ كالعمل في مدارس ومعاهد وكليات النساء، والطب والتمريض والصيدلة النسائية. 3) العناية بمناهج تعليم النساء، وإبعاد المواد التي تستدعي دراستها العمل في ميدان الرِّجال.

4) منع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة من نشر ما يدعو إلى توظيفهنَّ في غير مجال العمل النسوي، أو التشجيع على هذا بأي وسيلة كانت لمخالفة ذلك لِما تقتضيه الشريعة المطهرة. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه. هيئة كبار العلماء (¬1) ¬

(¬1) انظر: حكم قيادة المرأة للسيارة، للشيخ عبد الرحمن بن سعد الشثري، ص 117 - 119.

ثالثا: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

ثالثاً: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 1 - الاختلاط في الدراسة: السؤال الثامن والثلاثون والتاسع والثلاثون من الفتوى رقم (12087) س 38: هل تجوز الدراسة المختلطة؟ ج 38: اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم؛ لما يفضي إليه من الفتنة، وإثارة الشهوة، ووقوع الفاحشة، ويتضاعف الإثم ويعظم الجرم إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئا من عوراتهن، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعبن الطلاب أو المدرسين ومازحن معهم، أو غير ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض. س 39: هل يجوز حضور النساء إلى المسجد سافرات الوجوه بلا ستر (فاصل)؟ ج 39: يحرم عليهن الحضور إلى المساجد متبرجات؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، أما المرأة المتحجبة التي لا تتعاطى أسباب الفتنة فلا مانع من حضورها المسجد، وبيتها خير لها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء نائب الرئيس ... الرئيس عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز

2 - اختلاط الرجال والنساء اختلاطا يثير الفتنة

السؤال الأول من الفتوى رقم (7484) [2 - اختلاط الرجال والنساء اختلاطاً يثير الفتنة] س1: يوجد بعض المجتمعات، خصوصاً في جهات الجنوب، يحصل بينهم اختلاط الرجال بالنساء، وبغير غطاء شرعي، ويحصل أحياناً الخلوة بين الرجل وامرأة ليست له محرم، وإذا نصحوا من هذا لا ينتصحون، بل يقولون: قلوبنا طاهرة، وإذا قيل لهم: إن هذا الأمر أُمر به الصحابة، وقلوبهم أطهر من قلوبكم، لا يتعظوا بهذا، ويحاولون التملص من الحجة بأعذار واهية. فنطلب بيان حكم الشرع في هذا الأمر، ومن تقع عليه المسؤولية تجاه هذا الأمر، وهل يجب على المرأة أنها تطبق الحجاب، وتمتنع عن الاختلاط، حتى ولو لم يأمرها وليها، أو زوجها بذلك، وبماذا تنصحون في مثل هذا الأمر، وهل يجب على الرجل أن يمتنع عن اختلاطه بالنساء غير المحارم، ويمتنع عن الخلوة بالنساء غير المحارم، حتى ولو كان قلبه نظيفاً كما يزعم؟ ج1: كشف العورة حرام، سواء كان من رجل أم امرأة، واختلاط الرجال بالنساء اختلاطاً يثير الفتنة، ويكون ذريعة للفساد حرام، وخلوة المرأة بغير محرمها، وزوجها حرام، وعلى كل مكلف من الرجال والنساء أن يصون عرضه، ويلتزم بشريعة ربه، وعلى ولي الأمر الخاص والعام أن يأخذ على أيدي السفهاء، ويعزر من يتجاوز شرع اللَّه وحدوده وآدابه. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز

3 - الاختلاط بين ذوي الأرحام من غير المحارم

السؤال الأول من الفتوى رقم (10937) س1: نعيش على أرض جزيرة، وهي منطقة سياحية، وإذا دخلها الناس الأجانب خلعوا ثيابهم، إلا ما يواري سوآتهم، ويدخلون المتاجر على هذه الهيئة. فهل يجوز للمرأة المسلمة العمل بالمتجر منفردة أو مع زوجها؟ أجبت على هذا السؤال بعدم الجواز صيانة للمرأة عن هذا المجتمع الفاجر والظالم، وأن تبقى في خدرها خير لها واللَّه أعلم. قالوا: إنما رأوا شيخاً وسألوه، فقال لهم: بل يجب أن تنزل المرأة وتعمل بجانب زوجها في متجره؟ حتى لا يميل الزوج إلى الفساد. فما هو الفصل بين الفريقين؟ أفيدونا أفادكم اللَّه. ج1: لا يجوز للمرأة الاختلاط بالرجال الأجانب، ومزاولتها البيع لهم، مع ما هم عليه من تجرّدهم من الملابس إلا ما يواري السوأتين؛ وذلك صيانةً للمرأة، وحفظاً لها من الفتنة وأسبابها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز 3 - الاختلاط بين ذوي الأرحام من غير المحارم الفتوى رقم (7794) س: تزوج أبي بامرأة أنجبت له أربع بنات: إحداهن متزوجة، والأخريات تجاوزن سن البلوغ، وله منها أربعة أولاد، يقال إن أكبرهم رضع من عمتي،

(أخت أبي) مع ولدها، وصار الأربع بنات أخوات ابن عمتي من الرضاعة حسب فهمهم. ثم تزوج أبي بعدها بوالدتي التي أنجبتني وأختاً شقيقة لي، وتوفيت رحمها اللَّه، ثم تزوج أبي بزوجة ثالثة أنجبت له بنتاً تزوجها ابن عمتي (أخت أبي) المذكور، وابن عمتي ساكن في أبها، وأبي وأخواتي ساكنون في جيزان، وبعد أن تزوج ابن عمتي أختي الزوجة الثالثة أخذ معه أختاً لي من الزوجة الأولى لأبي، منذ كان عمرها سبع سنوات، وقد ربيت في حجره حتى بلغ عمرها 13 سنة، وبعدها رجعت إلى والدي. والآن هذه البنت تعامل ابن عمتي على أنه والدها، وتسافر معه في آخر الليل دون محرم من جيزان إلى أبها، وتكشف له عن ساقها إذا كانت لديها حساسية فيه، وتقبله أمامنا بحجة أنه والدها، والآن بلغ عمر هذه البنت 17 سنة، وعمر ابن عمتي المذكور 36 سنة، والمشكلة الآن أن ابن عمتي ساكن في بيتنا بجيزان، ويمازح جميع أخواتي باليد أمامنا، ووالدي، ويختلي بأيتهن، ويسافر بهن دون محرم، سواء مجتمعات أو مفردات إلى جدة أو إلى أبها، وإذا مرضت إحداهن يأخذها بين يديه إلى السيارة، ومن السيارة إلى المستشفى. وإنني واللَّه يعلم أرى أنه ليس محرماً على جميع أخواتي، وقد أفهمت والدي بأن ذلك خطأ، فقال: نعم خطأ، ولكن درجت العادة كما تعلم يا بني على أن يقبل الجار جارته، وأن يعتبر ابن العمة من أهل البيت. إضافة إلى ابن عمتي، فإن أغلب جيراني البالغين الرشد يدخلون بيتنا دون استئذان، ويقابلون جميع أخواتي دون أن يكون لوالدي أي تفكير على سلوكهم، هذا إضافة إلى أن والدي هداه اللَّه لا يقبل أي نقاش في هذا الموضوع، ويرد بقوله: هن بناتي، وليست لكم سلطة عليهن ما دمت حياً. وفي المقابل؛ فإن والدنا جزاه اللَّه

خيراً وعفا عنه، لا يؤيدني على هذه الغيرة، وإذا وجدني مع إحدى أخواتي في الغرفة نتناقش مثلاً في أمر ما لا نحب أحداً يطلع عليه يزعل، ويقول الحديث: «لا يحل لرجل أن يختلي بامرأة ولو كانت ذا محرم» (¬1). لذا آمل أن تبصرني في الآتي: هل يجوز لابن عمتي أن يمازح أخواتي باليد والكلام، وأن يختلي بهن ما دام أبي راضياً بهذا الوضع؟ وهل يجوز للجيران وأبناء الأقارب الغير محارم دخول البيت دون استئذان، ومقابلة أخواتي؟ وهل يجوز لي ولإخواني الاختلاء بإحدى أخواتنا، أو السفر بها دون محرم آخر؟ وهل ما أنكره على وضعنا في البيت صح أم خطأ؟ وماذا يجب أن أعمله حتى لا أتعرض لمعصية من جراء ما أراه من الأوضاع المذكورة، وما هو الحل؟ وفقكم اللَّه لما يحبه ويرضاه. ج: أولاً: رضاع الابن الأكبر من عمتك إذا كان خمس رضعات فأكثر في الحولين، فهو ابن لها، وأخ لأولادها، ولا علاقة لأخوات الابن بهذه الرضاعة، ولا يصرن بها محارم لابن عمتهن المذكور. ثانياً: يحرم لمس المرأة الأجنبية ومصافحتها، وابن العمة المذكور يعتبر من الرجال الأجانب بالنسبة لأخواتك. ثالثاً: يحرم دخول الرجال الأجانب على النساء: كعم الزوج وخاله وأخيه وابن العم والعمة والجار؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إياكم ¬

(¬1) انظر: البخاري، برقم 3006، ومسلم، برقم 1341، وهو بلفظ: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم».

4 - عمل المرأة

والدخول على النساء». فقيل: أرأيت الحمو؟ فقال: «الحمو: الموت» (¬1). رابعاً: يحرم سفر المرأة بدون محرم، أو مع من هو غير محرم لها: كابن عمها وعمتها ونحوهما. خامساً: عليك دعوة والدك بالتي هي أحسن، وتبين الحكم له باللين والرفق؛ لعل اللَّه أن يهديه، وتعرض عليه هذه الفتوى، ولن يخالفها إن شاء اللَّه تعالى. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز 4 - عمل المرأة السؤال الرابع من الفتوى رقم (19504) س4: امرأة مسلمة أمريكية ليس لها من يعولها، وتضطر للعمل في أماكن مختلطة وبدون حجاب، ولكن تلبس الحجاب خارج وقت العمل. فما الحكم؟ ج4: لا يجوز للمسلمة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال، والواجب الالتزام بالحجاب الشرعي، والبعد عن مجامع الرجال، والبحث عن عمل مباح ليس فيه شيء من هذه مما حرم اللَّه، ومن ترك شيئا للَّه عوضه اللَّه خيراً منه، واللَّه جل شأنه يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ ¬

(¬1) البخاري، برقم 5232، مسلم، برقم 2172.

اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬1). وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس بكر بن عبد الله أبو زيد ... صالح بن فوزان الفوزان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز السؤال السادس من الفتوى رقم (2768) س6: فتاة أو امرأة مسلمة متحجبة ومحافظة، تعمل بجانب رجال بإدارة أو مؤسسة أو معمل، مع العلم أن الإدارة لا تخلو من كاسيات وعاريات فاسخات ورجال، ما حكم وجود هذه المسلمة بين نارين؟ ج6: لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها، ومن يتق اللَّه يجعل له من أمره يسراً، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك، هذا نصها: أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع أو في المكاتب بالدول غير الإسلامية- فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه، وهو الكفر باللَّه جل وعلا، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون فحرام، واجب على مسؤولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة، والرجال على حدة؛ لما في الاختلاط من المفاسد ¬

(¬1) سورة الطلاق، الآيتان: 2 - 3.

الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز السؤال الخامس من الفتوى رقم (3626) س5: حكم الإسلام في عمل زوجتي الملتزمة بالزي الإسلامي بالإدارة، مع أن هذا العمل لضرورة، أي: مرتبي قليل ومكتري لمنزل. ج5: يجوز لها أن تعمل مدرسة أو في عمل إداري أو نحوهما ما دامت ملتزمة بأحكام الإسلام وآدابه من لبسها ما يستر عورتها، ومن عدم خلوتها أو اختلاطها برجال غير محارم لها. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز السؤال الأول من الفتوى رقم (4873) س: زوجتي تعمل بالجامعة قسم الطالبات، ولا تتعرض بالاحتكاك بالرجال، وتلبس الزي الذي يخفي جسدها بما فيه الوجه، وهي تخدم طالبات كلية الشريعة والدراسات الإسلامية وكلية التربية في قسم المكتبات، هل يجوز أن تعمل؟

ج1: إذا كان الواقع ما ذكر فلا حرج على زوجتك في الاستمرار في العمل المذكور. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز السؤال الخامس من الفتوى رقم (8259) س5: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل في الخطوط الجوية كمضيفة أو في الفنادق وما إلى ذلك؟ ج5: أولاً: عملها في الخطوط الجوية كمضيفة يستلزم سفرها بلا زوج ولا محرم، كما يشهد له الواقع، ومع ذلك يعرضها للاحتكاك بالرجال، ورؤيتهم منها ما لا يحل لهم، وكل ذلك محرم. ثانياً: عملها في الفنادق مثار فتنة، ومدعاة لاختلاط بها مريب، ومظنة لخلوة الأجانب بها، وفي ذلك ما فيه من الشر المستطير وفساد المجتمع. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز

5 - فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في حكم قيادة المرأة للسيارة

5 - فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في حكم قيادة المرأة للسيارة السؤال الثالث من الفتوى رقم (2923) س3: هل يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع مدينة كبيرة يختلط فيها السائقون والسائقات؟ ج3: لا يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع المدن، ولا اختلاطها بالسائقين؛ لما في ذلك من كشف وجهها أو بعضه، وكشف شيء من ذراعيها غالباً، وذلك من عورتها؛ ولأن اختلاطها بالرجال الأجانب مظنة الفتن، ومثار الفساد. وباللَّه التوفيق، وصلى اللَّه على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬1) عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 17/ 239، وفي هذا المجلد فتاوى أخرى، 17/ 239 - 244.

6 - بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول ما نشر في الصحف عن المرأة

6 - بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول ما نشر في الصحف عن المرأة التاريخ 25\ 1\1420 هـ. الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فمِّما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، ما تعيشه المرأة المسلمة تحت ظلال الإسلام، وفي هذه البلاد خصُوصاً، من كرامة وحشمة وَعَمَل لائقٍ بها، ونيلٍ لحقوقها الشرعية التي أوجبها اللَّه لها، خلافاً لما كانت تعيشه في الجاهلية، وتعيشه الآن في بعض المجتمعات المخالفة لآداب الإسلام، من تسيُّبٍ وضياعٍ وظلمٍ. وهذه نعمة نشكر اللَّه عليها، ويجب علينا المحافظة عليها، إلاَّ أنّ هناك فئاتٍ من الناس، ممن تلوثّت ثقافتهم بأفكار الغرب، لا يُرضيهم هذا الوضع المشرّف، الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياءٍ، وسترٍ، وصيانةٍ، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة، والبلاد العلمانية، فصاروا يكتبون في الصحف، ويُطالبون باسم المرأة بأشياء تتلخص في: 1 - هتك الحجاب الذي أمرها اللَّه به في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (¬1)، وبقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 59.

مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1)، وبقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (¬2)، وقول عائشة ل في قصة تخلّفها عن الركب، ومرور صفوان بن المعطل - رضي الله عنه - عليها، وتخميرها لوجهها لما أحست به قالت: «وكان يراني قبل الحجاب» (¬3)، وقولها: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن محرمات، فإذا مر بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» (¬4)، إلى غير ذلك مما يدل على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة من الكتاب والسنة، ويريد هؤلاء منها أن تخالف كتاب ربها وسنة نبيها، وتصبح سافرة يتمتع بالنظر إليها كل طامع، وكل من في قلبه مرض. 2 - ويطالبون بأن تُمَكَّن المرأةُ من قيادة السّيّارة رغم ما يترتب على ذلك من مفاسد، وما يعرّضها له من مخاطر لا تخفى على ذي بصيرة. 3 - ويُطالبون بتصوير وجه المرأة، ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي، ويطمع فيها كل من في قلبه مرض، ولا ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬3) صحيح البخاري، برقم 4141، ومسلم، برقم 2770، وتقدم تخريجه. (¬4) أخرجه أحمد، برقم 24021، وأخرجه أبو داود، برقم 1833، وقال الشيخ الألباني: «حسن في الشواهد» وتقدم تخريجه.

شك أن ذلك وسيلة إلى كشف الحجاب. 4 - يُطالبون باختلاط المرأة والرجال، وأن تتولى الأعمال التي هي من اختصاص الرجال، وأن تترك عملها اللائق بها والمتلائم مع فطرتها وحشمتها، ويزعمون أن في اقتصارها على العمل اللائق بها تعطيلاً لها، ولا شك أنّ ذلك خلاف الواقع، فإن توليتها عملاً لا يليق بها هو تعطيلها في الحقيقة، وهذا خلافُ ما جاءت به الشريعة من منع الاختلاط بين الرجال والنساء، ومنع خلوة المرأة بالرجل الذي لا تحلّ له، ومنع سفر المرأة بدون محرم، لما يترتب على هذه الأمور من المحاذير التي لا تُحمد عقباها. ولقد منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في مواطن العبادة، فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال، ورغب في صلاة المرأة في بيتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن» (¬1)، كلُّ ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة وإبعادها عن أسباب الفتنة. فالواجبُ على المسلمين أن يُحافظوا على كرامة نسائهم، وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضلِلة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات، وانخدعت ¬

(¬1) أخرجه أحمد، برقم 9645، وأبو داود، برقم 565، والشافعي في مسنده، ص 171، وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 7/ 212، والإرواء، برقم 515، وتقدم تخريجه.

بها، من عواقب وخيمة، فالسعيد من وُعِظَ بغيره. كما يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء، ويمنعوا من نشر أفكارهم السيئة؛ حمايةً للمجتمع من آثارها السيئة وعواقبها الوخيمة، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬1)، وقال عليه الصلاة والسلام: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً» (¬2)، ومن الخير لهنَّ المحافظةُ على كرامتهنَّ وعفتهنَّ، وإبعادهنَّ عن أسباب الفتنة. وفق اللَّه الجميع لما فيه الخير والصلاح، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬3) عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس بكر أبوزيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز ¬

(¬1) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء،، باب خلق آدم وذريته، برقم 331، ومسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، برقم 1468. (¬3) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، 17/ 244 - 248، وهذا البيان من اللجنة الدائمة برئاسة الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز: في 25/ 1/ 1420هـ، وعليه ختمة حصل قبل وفاته بيومين حيث توفي 27/ 1/ 1420هـ، فهو يعتبر نصيحة مودِّعٍ من هذا الإمام الناصح للَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وجماعة المسلمين في كل مكان.

رابعا: فتاوى شيخ الإسلام في عصره عبد العزيز بن عبد الله بن باز::

رابعاً: فتاوى شيخ الإسلام في عصره عبد العزيز بن عبد الله بن باز:: 1 - الاختلاط في الدراسة الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وبعد: فقد اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة الجزيرة بعددها رقم 3754، وتاريخ 15/ 4/ 1403 هـ الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية، ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول: إن الاختلاط وسيلة لشر كثير، وفساد كبير، لا يجوز فعله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (¬1)، وإنما أمر - صلى الله عليه وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع؛ لأن قرب أحدهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها، وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات, ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك، كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل، وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله؛ لما يترتب عليه من أنواع الشرور، وقد جاءت الشريعة ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد، 11/ 369، برقم 6756، وبنحوه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 495، الدارقطني، 1/ 231، في سنن البيهقي، 2/ 229، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 7.

الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي، وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث, ولولا ما في ذلك من الإطالة لذكرت كثيراً منها، وقد ذكر العلامة ابن القيم: في كتابه «إعلام الموقعين» منها تسعة وتسعين دليلاً، ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت. نسأل اللَّه للجميع الهداية والتوفيق. ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط، وأما ما يتعلق بالحاجة إلى معرفة الخاطب مخطوبته فقد شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ما يشفي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ» (¬1)، فيشرع له أن ينظر إليها بدون خلوة قبل عقد النكاح إذا تيسر ذلك؛ فإن لم يتيسر بعث من يثق به من النساء للنظر إليها، ثم إخباره بخلقها وخُلُقها، وقد درج المسلمون على هذا في القرون الماضية، وما ضرهم ذلك، بل حصل لهم من النظر إلى المخطوبة أو وصف الخاطبة لها ما يكفي, والنادر خلاف ذلك لا حكم له. واللَّه المسؤول أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد، 22/ 440، برقم 14586، وأبو داود، كتاب النكاح، باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها، برقم 2084، وابن أبي شيبة، 4/ 21، برقم 17389، والحاكم، 2/ 166، في سنن البيهقي، 2/ 229، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 99.

2 - الاختلاط بين الرجال والنساء

وسعادتهم في العاجل والآجل، وأن يحفظ عليهم دينهم، وأن يغلق عنهم أبواب الشر، ويكفيهم مكائد الأعداء، إنه جواد كريم، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. (¬1) 2 - الاختلاط بين الرجال والنساء من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين، وفقني اللَّه وإياهم لفعل الطاعات، وجنبني وإياهم البدع والمنكرات. السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. أما بعد: فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه، بل يجب الحذر منه، والابتعاد عنه، وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم، لا يرون بذلك بأساً، بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم، وأن نياتهم طيبة، فتجد المرأة مثلاً تجلس مع أخي زوجها، أو زوج أختها، أو مع أبناء عمها، ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة. ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب، وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح , قال اللَّه - سبحانه وتعالى -: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 5/ 234 - 235 ..

وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (¬1)، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الآية (¬2) , وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬3)، والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة، قالت أم سلمة ل: «لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها» (¬4). وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها، وأن كشفه لغير المحارم حرام. ومن أدلة السنة «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن: يا رسول اللَّه إحدانا لا يكون لها جلباب؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لتلبسها أختها من جلبابها» (¬5)، رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث يدل على أن ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 31. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 59. (¬4) تفسير ابن أبي حاتم، برقم 17784، تفسير عبد الرزاق، 3/ 123، وأبو داود، برقم 4101، وصحح إسناده الألباني، وتقدم تخريجه. (¬5) البخاري، كتاب الصلاة، باب وجوب الصلاة في الثياب، برقم 351، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال برقم 890.

المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب، فلم يأذن لهن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالخروج بغير جلباب. وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ل، قالت: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» (¬1)، وقالت: «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ» (¬2)، فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون، وأكرمها على اللَّه - عز وجل -، وأعلاها أخلاقاً وآداباً، وأكملها إيماناً، وأصلحها عملاً, فهم القدوة الصالحة لغيرهم. وعن عائشة ل قالت: «كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا إِلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» (¬3)، رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، ففي قولها: «فإذا حاذونا» تعني «الركبان» سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه; لأن المشروع في الإحرام كشفه، فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذٍ لوجب بقاؤه مكشوفاً. ¬

(¬1) البخاري، برقم 867، ومسلم، برقم 645، وتقدم تخريجه. (¬2) البخاري، برقم 869، ومسلم، برقم 445، تقدم تخريجه. (¬3) أخرجه أحمد، برقم 24021،وأبو داود، برقم 1835،وابن ماجه، برقم 2935، وتقدم تخريجه.

وإذا تأملنا السفور، وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة، منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها، وهي من أكبر دواعي الشر والفساد، ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها، فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب، ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها، ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب, وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال, وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر؛ فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه، والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال, وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم. وقد «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم من المسجد، وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ» (¬1). ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬2)، فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها؛ بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم، أو الاختلاط ¬

(¬1) سنن أبي داود، برقم 5272، وتقدم تخريجه. (¬2) سورة النور، الآية: 31.

بهم، أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها، وقد بين - سبحانه وتعالى - من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) أما أخ الزوج، أو زوج الأخت، أو أبناء العم، وأبناء الخال، والخالة ونحوهم، فليسوا من المحارم، وليس لهم النظر إلى وجه المرأة، ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم؛ لما في ذلك من افتتانهم بها، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (¬2).متفق عليه. والمراد بالحمو أخ الزوج وعمه ونحوهما; وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة، ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها، وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها، ولو كانوا صالحين موثوقاً بهم; لأن اللَّه حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة، وليس ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 31. (¬2) البخاري، برقم 5232، مسلم، برقم 2172، تقدم تخريجه.

أخ الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: «لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم» (¬1)، والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأبيد لنسب، أو مصاهرة، أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم». وإنما نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية، ويمشي بينهم بالفساد، ويوسوس لهم، ويزين لهم المعصية، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ فإن الشيطان ثالثهما» (¬2)، رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك، بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم، فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة، وأن يتعاونوا في القضاء عليها، والتخلص من شرها، محافظة على الأعراض، وتعاوناً على البر والتقوى، وتنفيذاً لأمر اللَّه - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - , وأن يتوبوا إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - مما سلف منها، وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويستمروا عليه، ولا تأخذهم في نصرة الحق، وإبطال الباطل لومة لائم، ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس؛ فإن الواجب على المسلم اتباع ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1862، ومسلم، برقم 1341، وتقدم تخريجه. (¬2) مسند الإمام أحمد، برقم 177، وعبد الرزاق، برقم 20710، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 430، وتقدم تخريجه.

شرع اللَّه برضا وطواعية، ورغبة فيما عند اللَّه، وخوف من عقابه, ولو خالفه في ذلك أقرب الناس، وأحب الناس إليه، ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها اللَّه - سبحانه وتعالى - ; لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء, وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنهي عما يخالفها. واللَّه المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 5/ 236 - 240 ..

3 - [بيان] في حكم قيادة المرأة للسيارة

3 - [بيان] في حكم قيادة المرأة للسيارة الحمد للَّه, والصلاة والسلام على رسول اللَّه, أما بعد: فقد كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة, ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها, منها: الخلوة المحرمة بالمرأة, ومنها: السفور, ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر, ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور, والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم، واعتبرها محرمة, وقد أمر اللَّه جل وعلا نساء - صلى الله عليه وسلم - النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت, والحجاب, وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬1) الآية. وقال تعالى «{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} (¬2). وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 59.

فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» (¬2). فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة، بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة، وجعل عقوبته من أشد العقوبات صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة. وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك, وهذا لا يخفى، ولكن الجهل بالأحكام الشرعية، وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب من محبة الإباحية، والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات، كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم، وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار. ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 31. (¬2) مسند الإمام أحمد، برقم 177، وعبد الرزاق، برقم 20710، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 430، وتقدم تخريجه.

وقال اللَّه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬1). وقال سبحانه: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬3)، وعن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رضي الله عنه - قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 33. (¬2) سورة البقرة، الآية: 168 - 169. (¬3) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، تقدم تخريجه.

4 - [بيان في] خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله

تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» متفق عليه (¬1). وإنني أدعو كل مسلم أن يتق اللَّه في قوله وفي عمله, وأن يحذر الفتن والداعين إليها, وأن يبتعد عن كل ما يسخط اللَّه جل وعلا، أو يفضي إلى ذلك, وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الشريف، وقانا اللَّه شر الفتن وأهلها, وحفظ لهذه الأمة دينها، وكفاها شر دعاة السوء, ووفق كُتَّاب صحفنا، وسائر المسلمين لما فيه رضاه، وصلاح أمر المسلمين، ونجاتهم في الدنيا والآخرة, إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم (¬2). 4 - [بيان في] خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله (¬3) الحمد للَّه رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: ¬

(¬1) البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3606، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، برقم1847. (¬2) مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، 3/ 351 - 353. (¬3) نشر هذا الموضوع مركز الدعوة الإسلامية بلاهور. باكستان الطبعة الأولى في ربيع الثاني عام 1399 هـ الموافق مارس 1979 م.

فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط؛ سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة، أمر خطير جداً له تبعاته الخطيرة, وثمراته المرة, وعواقبه الوخيمة, رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه. ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى، فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختياراً أو اضطراراً بإنصاف من نفسه، وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي, والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر, ويجد ذلك واضحاً على لسان الكثير من الكُتَّاب، بل في جميع وسائل الإعلام وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه. والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها, وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم اللَّه أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط; لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها اللَّه عليها.

فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي, ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع، ويهدم قيمه وأخلاقه. ومعلوم أن اللَّه تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيباً خاصاً يختلف تماماً عن تركيب الرجال هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها، والأعمال التي بين بنات جنسها. ومعنى هذا: أن اقتحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجاً لها عن تركيبها وطبيعتها, وفي هذا جناية كبيرة على المرأة، وقضاء على معنوياتها، وتحطيم لشخصيتها, ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث; لأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف, فالذي يقوم بهذا الدور هو الأم قد فصلت منه، وعزلت تماماً عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول. والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره؛ ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه. فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب, والمرأة تقوم بتربية الأولاد

والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم الصغار، وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن، ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعاً للبيت بمن فيه, ويترتب عليه تفكك الأسرة حسياً ومعنوياً، وعند ذلك يصبح المجتمع شكلاً وصورة، لا حقيقة ومعنى. قال اللَّه جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (¬1)، فسنة اللَّه في خلقه أن القوامة للرجل بفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك, وأمر اللَّه سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط، وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك; لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه, وفي ذلك مخالفة لأمر اللَّه، وتضييع لحقوقه المطلوب شرعاً من المسلمة أن تقوم بها. والكتاب والسنة دلاَّ على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال اللَّه جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 24.

وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (¬1)، فأمر اللَّه أمهات المؤمنين- وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك- بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد; لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما يفضي إلى شرور أخرى, ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر، وذلك بإقامتهن الصلاة، وإيتائهن الزكاة، وطاعتهن لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - , ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة، وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب، ويطهرها من الأرجاس والأنجاس، ويرشد إلى الحق والصواب. وقال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬2)، فأمر اللَّه نبيه عليه الصلاة والسلام- وهو المبلغ عن ربه- أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب، وذلك إذا أردن الخروج لحاجة مثلاً لئلا تحصل لهن ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآيتان: 33 - 34. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 59.

الأذية من مرضى القلوب، فإذا كان الأمر بهذه المثابة، فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم, وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة, والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم وذهاب كثير من حيائها، ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة. قال اللَّه جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (¬1). يأمر اللَّه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر، وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم، ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر، واختلاط النساء بالرجال، والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة, وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه، وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له، فاقتحامها هذا الميدان معه، واقتحامه الميدان معها، لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر، ¬

(¬1) سورة النور، الآيتان: 30 - 31.

وإحصان الفرج، والحصول على زكاة النفس وطهارتها. وهكذا أمر اللَّه المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها, وأمرهن اللَّه بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها; لأن الجيب محل الرأس والوجه, فكيف يحصل غض البصر، وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال، واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير, كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها، وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنباً إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال، أو تساويه في جميع ما تقوم به؟ والإسلام حرّم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة, وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن، كما في قوله - عز وجل -: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (¬1)، يعني مرض الشهوة، فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟ ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم، وأن يكلموها, ولا بد أن ترقق لهم الكلام، وأن يرققوا لها الكلام, ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 32.

والشيطان من وراء ذلك يُزَيِّن ويُحَسِّن، ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له, واللَّه حكيم عليم؛ حيث أمر المرأة بالحجاب, وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع- بإذن الله- من الفتنة، ويحجز دواعيها, وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء, والبعد عن مظان التهمة، قال اللَّه - عز وجل -: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1) الآية. وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب; لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر، أو غير مباشر, وأمرها بالقرار في البيت، وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي, وقد سمى اللَّه مكث المرأة في بيتها قراراً, وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة، ففيه استقرار لنفسها، وراحة لقلبها، وانشراح لصدرها، فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه, ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم، وعن السفر إلا مع ذي محرم, سداً لذريعة الفساد، وإغلاقاً لباب الإثم، وحسماً لأسباب الشر, وحماية للنوعين من مكايد الشيطان, ولهذا صح عن ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53.

رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬1)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (¬2). وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها إلا من نوّر اللَّه قلبه، وتفقّه في الدين، وضمّ الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحده لا يتجزأ بعضها عن بعض, ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض الغزوات, والجواب عن ذلك أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد, لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن، وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته بخلاف حال الكثير من نساء العصر, ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماماً عن الحالة التي خرجن بها مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الغزو، فقياس هذه على تلك يعتبر قياساً مع الفارق، وأيضاً فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا, وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم, وأقرب إلى التطبيق العملي لكتاب اللَّه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسَّعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط، فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان ¬

(¬1) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه. (¬2) مسلم، برقم 2742، تقدم تخريجه.

من ميادين الحياة مع الرجال، تزاحمهم ويزاحمونها، وتختلط معهم ويختلطون معها؟ أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟ وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ، لم نجد هذه الظاهرة, أما ما يدعى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل, كالرجل فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود; لأن طبيعة الرجال إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام, وبعض الشيء يجر إلى بعض, وإغلاق الفتنة أحكم وأحزم، وأبعد من الندامة في المستقبل. فالإسلام حريص جداً على جلب المصالح، ودرء المفاسد، وغلق الأبواب المؤدية إليها, ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة، وفساد مجتمعها كما سبق; لأن المعروف تاريخيّاً عن الحضارات القديمة: الرومانية، واليونانية، ونحوهما، أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال، ومزاحمتهم مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال, وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي .. وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل، وخسران الأمة, وعدم انسجام الأسرة، وانهيار

صرحها, وفساد أخلاق الأولاد, ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر اللَّه به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة. وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء، وجميع ما فيه مسؤوليات عامة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» (¬1)، رواه البخاري في صحيحه. ففتح الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال، يعتبر مخالفاً لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها، فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل, وقد ثبت من التجارب المختلفة- وخاصة في المجتمع المختلط- أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريّاً ولا طبيعيّاً, فضلاً عما ورد في الكتاب والسنة واضحاً جليّاً في اختلاف الطبيعتين والواجبين. والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف - المنشأ في الحلية، وهو في الخصام غير مبين- بالرجال, يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما. لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية، والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط، واشتراك المرأة في أعمال الرجال ما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق, ولكن نظراً إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام اللَّه، ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 4425، وتقدم تخريجه.

وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام علماء المسلمين, رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك, ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء، وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن، والانتهاك لأعراضهن. قالت الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال, ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها, وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة ... إلى أن قالت: علموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد». وقال شوبنهور الألماني: «قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده، وباذخ رفعته, وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة، حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها، ودنيء آرائها». وقال اللورد بيرون: «لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان، لوجدتها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير» اهـ. وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: «إن النظام الذي يقضي

بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية, لأنه هاجم هيكل المنزل, وقوّض أركان الأسرة, ومزق الروابط الاجتماعية؛ فإنه يسلب الزوجة من زوجها، والأولاد من أقاربهم، فصار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة, إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها، والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية, ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل خالية، وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية, وتلقى في زوايا الإهمال، وطفئت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والقرينة المحبة للرجل, وصارت زميلته في العمل والمشاق, وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالباً التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة». وقالت الدكتورة إيدايلين: «إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا، وسر كثرة الجرائم في المجتمع، هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة، فزاد الدخل، وانخفض مستوى الأخلاق، ثم قالت: إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه». وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: «إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقاً إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة».

وقال عضو آخر: «إن اللَّه عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد، لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج؛ بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال». وقال شوبنهور الألماني أيضاً: «اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب، ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة، ولا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب، وإذا مت فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة» (¬1). ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضار الاختلاط التي هي نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال، لطال المقال، ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة. والخلاصة: أن استقرار المرأة في بيتها، والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دينها، هو الأمر الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها, وفيه صلاحها وصلاح المجتمع، وصلاح الناشئة، فإن كان عندها فضل، ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية، كالتعليم للنساء، والتطبيب والتمريض، لهن ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء، كما سبقت الإشارة إلى ذلك, وفيها شغل لهن شاغل، وتعاون مع الرجال في أعمال المجتمع، وأسباب رُقِيِّهِ, كُلٌّ في جهة اختصاصه, ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين رضي اللَّه ¬

(¬1) ذكر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي - رحمه الله - في كتابه: المرأة بين الفقه والقانون.

5 - حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية

عنهن، ومن سار في سبيلهن, وما قمن به من تعليم للأمة، وتوجيه وإرشاد, وتبليغ عن اللَّه سبحانه، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فجزاهن اللَّه عن ذلك خيراً, وأكثر في المسلمين اليوم أمثالهن مع الحجاب والصيانة، والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم. واللَّه المسؤول أن يبصر الجميع بواجبهم, وأن يعينهم على أدائه على الوجه الذي يرضيه, وأن يقي الجميع وسائل الفتنة، وعوامل الفساد، ومكايد الشيطان, إنه جواد كريم، وصلى اللَّه على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (¬1). 5 - حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية الحمد للَّه رب العالمين، والسلام على عبده ورسوله محمد صلى اللَّه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم، واقتفى آثارهم إلى يوم الدين. أما بعد: فقد اطلعت على ما نشر في الصحف المحلية في الأول من شهر رمضان عام 1400 هـ من اعتزام فرع ديوان الخدمة المدنية بالمنطقة الشرقية على توظيف النساء في الدوائر الحكومية للقيام بأعمال النسخ والترجمة والأعمال الكتابية الأخرى، ثم قرأت ما ¬

(¬1) مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، 1/ 418 - 427، وانظر: مجموع فتاويه، 4/ 254 - 258، و4/ 308 - 310.

كتبه الأخ الناصح محمد أحمد حساني في صحيفة الندوة في عددها الصادر في 8/ 9/ 1400 هـ تعقيباً على ذلك الخبر، وكان صادقاً وناصحاً للأمة في تعقيبه، فشكر اللَّه له وأثابه، ذلك أن من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط، وذلك أمر خطير جداً، له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها، والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال، والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية، وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم اللَّه - أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. منها قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (¬1)، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬2). ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآيتان: 33 - 34. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 53.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬1). وقال اللَّه جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ}، إلى أن قال سبحانه: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬2)، وقال: إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، - يعني الأجنبيات- فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (¬3)، ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم، سداً لذريعة الفساد، وإغلاقاً لباب الإثم، وحسماً لأسباب الشر، وحماية للنوعين من مكائد الشيطان، ولهذا صحّ عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 59. (¬2) سورة النور، الآيتان: 30 - 31. (¬3) البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، برقم 5232، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2172، وتقدم تخريجه.

أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (¬1). وصحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (¬2)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «وَلا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (¬3)، وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت، والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد، وتقويض الأسر، وخراب المجتمعات، فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها، والوقوع فيما يغضب اللَّه، ويحل بالأمة بأسه وعقابه؟، ألا نعتبر فيما وقع في المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير، وصارت تتحسر على ما فعلت، وتتمنى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليها الآن!! لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها، وجعلها تعمل في غير وظيفتها؟!، لقد نادى العقلاء هناك، وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها اللَّه له، وركبَّها عليه جسميّاً ونفسيّاً وعقليّاً، ولكن بعد ما فات الأوان. ألا فليتق اللَّه المسؤولون في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات، وليراقبوه سبحانه فلا يفتحوا على الأمة باباً عظيماً من ¬

(¬1) البخاري، برقم 5096، ومسلم، برقم 2740، وتقدم تخريجه. (¬2) مسلم، برقم 2742، وتقدم تخريجه. (¬3) مسند الإمام أحمد، برقم 177، وعبد الرزاق، برقم 20710، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 430، وتقدم تخريجه.

أبواب الشر، إذا فتح كان من الصعب إغلاقه، وليعلموا أن النصح لهذا البلد حكومة وشعباً هو العمل على ما يبقيه مجتمعاً متماسكاً قوياً، سائراً على نهج الكتاب والسنة، وسد أبواب الضعف والوهن، ومنافذ الشرور والفتن، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين، وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون اللَّه، ودفعه عنا شرور أعدائنا ومكائدهم، فلا يجوز لنا أن نفتح أبواباً من الشر مغلقة. ولعل في كلمتي هذه ما يُذكِّر المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات بما يجب عليهم من مراعاة أمر اللَّه ورسوله، والنظر فيما تمليه المصلحة العامة لهذه الأمة، والاستفادة مما قاله الأخ محمد أحمد حساني من أن عملية نقص الموظفين لا تعالج بالدعوة إلى إشراك النساء في وظائف الرجال؛ سداً للذريعة، وقفلاً لباب المحاذير، بل إن العلاج الصحيح يكون بإيجاد الحوافز لآلاف الشبان الذين لا يجدون في العمل الحكومي ما يشجع للالتحاق به، فيتجهون إلى العمل الحر، أو إلى المؤسسات والشركات، ومن هنا منطلق العلاج الصحيح، وهو تبسيط إجراءات تعيين الموظفين، وعدم التعقيد في الطلبات، وإعطاء الموظف ما يستحق مقابل جهده، وعندها سوف يكون لدى كل إدارة فائض من الموظفين، هذا وإنني مطمئن إن شاء اللَّه إلى أن المسؤولين بعد قراءتهم لهذه الكلمة سيرجعون عما فكروا فيه من تشغيل المرأة بأعمال الرجال، إذا علموا أن ذلك محرم بالكتاب

والسنة، ومصادم للفطرة السليمة، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع، وتداعي بنيانه، وهو مع ذلك أمنية غالية لأعداء المسلمين، يعملون لها منذ عشرات السنين، وينفقون لتحقيقها الأموال الطائلة، ويبذلون لذلك الجهود المضنية، ونرجو أن لا يكون أبناؤنا وإخواننا معينين لهم أو محققين لأغراضهم. أسأل اللَّه أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مكايد الأعداء ومخططاتهم المدمرة، وأن يوفق المسؤولين فيها إلى حمل الناس على ما يصلح شؤونهم في الدنيا والآخرة، تنفيذاً لأمر ربهم وخالقهم، والعالم بمصالحهم، وأن يوفق المسؤولين في ديوان الخدمة المدنية، والرئاسة العامة لتعليم البنات لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد في أمر المعاش والمعاد، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن، وأسباب النقم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان (¬1). الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز - رحمه الله -، 6/ 355 - 358.

6 - حكم مصافحة النساء من وراء حائل

6 - حكم مصافحة النساء من وراء حائل (¬1) س: الأخ الذي رمز لاسمه: ر. ع. ق. أ - من المعهد العلمي بحوطة بني تميم بالمملكة العربية السعودية يسأل عن: حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزاً، وكذلك يسأل عن: الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزاً من ثوب ونحوه؟ ج: لاتجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً؛ سواء كن شابات أم عجائز، وسواء كان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً؛ لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صحّ عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إني لا أصافح النساء» (¬2). وقالت عائشة ل: «مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلاَمِ» (¬3)، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة، ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة. واللَّه ولي التوفيق (¬4). ¬

(¬1) نشرت في (المجلة العربية)، في باب {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}. (¬2) طبقات ابن سعد، 8/ 5، وموطأ مالك، 5/ 1431، وأحمد، برقم 27006، والترمذي، برقم 1597، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2323، تقدم تخريجه. (¬3) البخاري، كتاب الطلاق، باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي، برقم 5288، ومسلم، كتاب الإمارة، باب كيفية بيعة النساء، برقم 1866. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 6/ 359.

7 - أسئلة وأجوبة تتعلق بالطب والعاملين بالمستشفيات

7 - أسئلة وأجوبة تتعلق بالطب والعاملين بالمستشفيات (¬1) القسم الأول س1: هل يجوز أن تمرضنا امرأة ونحن رجال, خاصة مع وجود ممرضين من الرجال؟. ج1: الواجب على المستشفيات جميعاً أن يكون الممرضون للرجال والممرضات للنساء, هذا واجب, كما أن الواجب أن يكون الأطباء للرجال، والطبيبات للنساء, إلا عند الضرورة القصوى إذا كان المرض لا يعرفه إلا الرجل، فلا حرج أن يعالج المرأة لأجل الضرورة, وهكذا لو كان مرض الرجل لم يعرفه إلا امرأة، فلا حرج في علاجها له, وإلا فالواجب أن يكون الطبيب من الرجال للرجال والطبيبة من النساء للنساء, هذا هو الواجب, وهكذا الممرضات والممرضون, الممرض للرجال، والممرضة للنساء, حسماً لوسائل الفتنة, وحذراً من الخلوة المحرمة. س2: بعض منسوبات المستشفى تكون أصواتهن مرتفعة عندما يتحدثن مع بعضهن أو مع زملائهن من الرجال, وبعضهن يصافحن الرجال من أطباء وغيرهم, فما حكم الشرع في ذلك, وهل علينا إثم في السكوت؟ ج2: الواجب على الأطباء والطبيبات أن يراعوا أحوال المرضى والمريضات, وألا ترتفع أصواتهم عندهم, بل يكون ذلك في ¬

(¬1) هذه الأسئلة والأجوبة تابعة لكلمة ألقاها سماحته بمستشفى النور بمكة المكرمة عام 1401هـ في شهر رجب.

محلات أخرى, أما المصافحة، فلا يجوز أن يصافح الرجل المرأة إلا إذا كانت من محارمه, أما إذا كانت الطبيبة أو الممرضة ليست من محارمه فلا; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني لا أصافح النساء» (¬1). وقالت عائشة ل: «واللَّه ما مسَّت يد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام عليه الصلاة والسلام» (¬2). فالمرأة لا تصافح الرجل وهو غير محرم لها, فلا تصافح الطبيب ولا المدير ولا المريض، ولا غيرهم ممن ليس محرماً لها, بل تكلمه بالكلام الطيب وتسلم عليه, لكن بدون مصافحة، وبدون تكشف، فتستر رأسها وبدنها ووجهها ولو بالنقاب; لأن المرأة عورة وفتنة، واللَّه جل وعلا يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬3). ويقول سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} (¬4) الآية، والرأس والوجه من أعظم الزينة, وهكذا ما يكون في يديها أو رجليها من الحلي والخضاب، فكله فتنة للآيتين المذكورتين, والمقصود أنها كلها عورة, فالواجب عليها التستر، والبعد عن ¬

(¬1) طبقات ابن سعد، 8/ 5، وموطأ مالك، 5/ 1431، وأحمد، برقم 27006، والترمذي، برقم 1597، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2323، تقدم تخريجه. (¬2) البخاري، برقم 5288، ومسلم، برقم 1866، تقدم تخريجه. (¬3) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬4) سورة النور، الآية: 31.

أسباب الفتنة; ومن أسباب الفتنة: المصافحة. س3: بعض منسوبات المستشفى من طبيبات أو ممرضات أو عاملات نظافة، يلبسن لباساً ضيقاً، ويكشفن عن نحورهن وسواعدهن وسوقهن, ما حكم الشرع في ذلك؟ ج3: الواجب على الطبيبات وغيرهن من ممرضات وعاملات أن يتقين اللَّه تعالى، وأن يلبسن لباساً محتشماً لا يبين معه حجم أعضائهن أو عوراتهن, بل يكون لباساً متوسطاً لا واسعاً ولا ضيقاً, ساتراً لهن ستراً شرعياً، مانعاً من أسباب الفتنة, للآيتين الكريمتين المذكورتين في جواب السؤال السابق, ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المرأة عورة» (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (¬2)، رواه مسلم في صحيحه, وهذا وعيد عظيم, أما الرجال الذين بأيديهم سياط، فهؤلاء هم الذين يوكل إليهم أمر الناس فيضربونهم بغير حق من شرطة أو جنود أو غيرهم. فالواجب ألا يضربوا الناس إلا بحق, أما النساء الكاسيات ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، برقم 1173، وابن خزيمة، برقم 1685، ومصنف ابن أبي شيبة، برقم 7698، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/ 303، وتقدم تخريجه. (¬2) مسلم، برقم 2128، تقدم تخريجه.

العاريات، فهن اللاتي يلبسن كسوة لا تسترهن: إما لقصرها، وإما لرقتها, فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة, مثل أن يكشفن رؤوسهن أو صدورهن أو سيقانهن أو غير ذلك من أبدانهن, وكل هذا نوع من العري, فالواجب تقوى اللَّه في ذلك، والحذر من هذا العمل السيئ, وأن تكون المرأة مستورة، بعيدة عن أسباب الفتنة عند الرجال, وشرع لها ذلك بين النساء، فتكون لابسة لباس حشمة حتى يقتدى بها بين النساء, والواجب تقوى اللَّه على الطبيب والطبيبة والمريض والمريضة والممرض والممرضة, لا بد من تقوى اللَّه في حق الجميع, كما أن الواجب على الطبيبات والممرضات تقوى اللَّه في ذلك، وأن يكن محتشمات متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة, واللَّه الهادي إلى سواء السبيل. س4: ما حكم حفلات التوديع المختلطة من الجنسين, وما حكم العلاج بالموسيقى؟ ج4: الحفلات لا تكون بالاختلاط, بل الواجب أن تكون حفلات الرجال للرجال وحدهم، وحفلات النساء للنساء وحدهن, أما الاختلاط فهو منكر، ومن عمل أهل الجاهلية نعوذ باللَّه من ذلك. أما العلاج بالموسيقى، فلا أصل له، بل هو من عمل السفهاء, فالموسيقى ليست بعلاج، ولكنها داء, وهي من آلات الملاهي, فكلها مرض للقلوب، وسبب لانحراف الأخلاق, وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة

والأحاديث النافعة, أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعودهم الباطل، ويزيدهم مرضاً إلى مرضهم, ويقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة, ولا حول ولا قوة إلا باللَّه. س5: أنا ممرض، وأعمل في تمريض الرجال، ومعي ممرضة تعمل في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي، ويستمر ذلك حتى الفجر, وربما حصل بيننا خلوة كاملة, ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة، ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع، فهل نترك الوظيفة مخافة للَّه، وليس لنا وظيفة أخرى للرزق, نرجو توجيهنا بما ترون؟ ج5: لا يجوز للمسؤولين عن المستشفيات أن يجعلوا ممرضاً مداوماً وممرضة يبيتان وحدهما في الليل للحراسة والمراقبة, بل هذا غلط ومنكر عظيم, وهذا معناه الدعوة للفاحشة؛ فإن الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد؛ فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها, ولهذا صح عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما» (¬1)، فلا يجوز هذا العمل, والواجب عليك تركه; لأنه محرم ويفضي إلى ما حرم اللَّه - عز وجل - , وسوف يعوضك اللَّه خيراً منه إذا تركته للَّه سبحانه؛ لقول اللَّه - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬2). ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد، برقم 177، وعبد الرزاق، برقم 20710، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 430، وتقدم تخريجه. (¬2) سورة الطلاق، الآيتان: 2 - 3.

وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (¬1)، وهكذا الممرضة، عليها أن تحذر ذلك، وأن تستقيل إذا لم يحصل مطلوبها; لأن كل واحد منكما مسؤول عما أوجب اللَّه عليه، وما حرم عليه. س6: أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة, وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى, فما هو رأي الشرع في هذا؟ ج6: حكم هذه المسألة حكم التي قبلها؛ فلا يجوز لك الخلوة بالمرأة, ولا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة, لا في غرفة الكشف, ولا في غيرها؛ للحديث السابق؛ ولما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم اللَّه, ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم, وعلى النساء للنساء وحدهن. س7: بعض منسوبات المستشفى يضعن مساحيق للتجميل, وقد يكون ذلك جهلاً منهن بهذا أثناء العمل؟ ج7: إذا كنّ يراهنّ الرجال؛ فلا يجوز لهنّ ذلك, أما بين النساء فلا بأس, ويجب على المرأة أن تستر وجهها عن الرجال بالنقاب ونحوه; لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬2). وقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ ¬

(¬1) سورة الطلاق، الآية: 4. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 53.

أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} (¬1) الآية، والزينة تشمل الوجه والرأس واليد والقدم والصدر , فكل هذا من الزينة. القسم الثاني (¬2) س1: ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجال في مجال طب الأسنان, هل يجوز, علماً بأنه يتوفر أطباء من الرجال في نفس المجال، ونفس البلد؟ ج1: لقد سعينا كثيراً وعملنا كثيراً مع المسؤولين لكي يكون طب الرجال للرجال، وطب النساء للنساء, وأن تكون الطبيبات للنساء والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها, وهذا هو الحق; لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم اللَّه, فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به, واللَّه يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬3)، وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء; وأن يكون قسم الأطباء على حدة، وقسم الطبيبات على حدة; أو يكون مستشفى خاصاً للرجال، ومستشفى خاصاً للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار, هذا ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 31. (¬2) هذه الفتاوى إجابة لأسئلة طرحت في ختام محاضرة لسماحة الشيخ بمستشفى النور في مكة يوم الإثنين 27\ 7\1412هـ. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 119.

هو الواجب على الجميع. س2: أنا طبيب حصلت على بعثة إلى خارج المملكة لإكمال دراستي, ولكن زوجتي عارضتني بسبب أنها بلاد كفر، وكيف تحافظ على الحجاب, وهل كشف الوجه محرم، خاصة وأنه أساسي للدخول إلى أي بلد؟ ج2: الواجب التستر والحجاب على المؤمنة; لأن ظهور وجهها أو شيء من بدنها فتنة, قال تعالى في كتابه العظيم: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (¬1)، فبين سبحانه أن الحجاب أطهر للقلوب, وعدم الحجاب خطر على قلوب الجميع. ويقول اللَّه جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} الآية، والجلباب ما تضعه المرأة على رأسها وبدنها حتى تستر به وجهها وبدنها زيادة على الملابس العادية, قال سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} (¬2) الآية, فالواجب ستر الوجه وغيره من المرأة عن الأجنبي, وهو من ليس محرماً لها؛ لعموم الآيات المذكورات; ولأنه فتنة ومن أوضح الزينة فيها, لكن لا مانع من اتخاذ النقاب، وهو الذي فيه نقب للعين أو ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 53. (¬2) سورة النور، الآية: 31.

للعينين فقط, فإذا كانت تتستر وتحتجب عن المؤمن، فعن الكافر من باب أولى, ولو استنكروا ذلك فهم قد يستنكرونه ثم يعرفونه بعدما يبين لهم أن هذا هو الشرع في الإسلام (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز، 9/ 425 - 435.

خامسا: فتوى الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين: في قيادة المرأة:

خامساً: فتوى الشيخ العلاّمة محمد بن صالح بن عثيمين: في قيادة المرأة: السؤال: أرجو توضيح حكم قيادة المرأة للسيارة، وما رأيكم بالقول: إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ «الجواب على هذا السؤال ينبني على قاعدتين مشهورتين بين علماء المسلمين: القاعدة الأولى: أن ما أفضى إلى المحرم فهو محرم. والقاعدة الثانية: أن درء المفسدة إذا كانت مكافئة لمصلحة من المصالح أو أعظم مقدم على جلب المصالح. فدليل القاعدة الأولى قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬1)، فنهى الله تعالى عن سبِّ آلهة المشركين مع أنه مصلحة لأنه يفضي إلى سب الله تعالى. ودليل القاعدة الثانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (¬2)، وقد حرَّم اللَّه تعالى الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع درءاً للمفسدة الحاصلة بتناولهما. وبناءً على هاتين القاعدتين يتبين حكم قيادة المرأة للسيارة؛ فإن قيادة المرأة للسيارة تتضمن مفاسد كثيرة. ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 108. (¬2) سورة البقرة، الآية: 219.

فمن مفاسد هذا: نزع الحجاب؛ لأن قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة، ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة وقبيحة عند الإطلاق إلا بوجهها، أي أنه إذا قيل: جميلة أو قبيحة لم ينصرف الذهن إلاَّ إلى الوجه، وإذا قصد غيره فلابد من التقييد، فيقال: جميلة اليدين، جميلة الشعر، جميلة القدمين. وبهذا عُرف أن الوجه مدار قصد. وربما يقول قائل: إنه يمكن أن تقود المرأة السيارة بدون هذا الحجاب بأن تتلثم المرأة، وتلبس في عينيها نظارتين سوداوين. والجواب عن ذلك أن يقال: هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارات، واسأل من شاهدهن في البلاد الأخرى، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في بداية الأمر فلن يدوم طويلاً، بل سيتحول في المدى القريب إلى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة بعض الشيء ثم تدهورت منحدرة إلى محاذير مرفوضة. ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: نزع الحياء منها، والحياء من الإيمان كما صحّ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة، وتحتمي به من التعرض إلى الفتنة؛ ولهذا كانت مضرب المثل فيه، ويقال: أحيا من العذراء في خدرها، وإذا نُزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها. ومن مفاسدها: أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت، والبيت

خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق بمصالح الخلق محمد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عشاق القيادة يرون فيها متعة؛ ولهذا تجدهم يتجولون في سياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة. ومن مفاسدها: أن المرأة تكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت، وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده؛ لأنها وحدها في سيارتها متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل، وإذا كان أكثر الناس يعانون من هذا في بعض الشباب، فما بالك بالشابات إذا خرجت حيث شاءت يميناً وشمالاً في عرض البلد وطوله، وربما خارجه أيضاً. ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب بسيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه، كما يحصل ذلك من بعض الشباب، وهم أقوى تحملاً من المرأة. ومن مفاسدها: أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة، مثال ذلك: الوقوف عند إشارات الطريق، وفي الوقوف عند محطات البنزين، وفي الوقوف عند نقط التفتيش، وفي الوقوف عند رجال المرور عند تحقيق في مخالفة أو حادث، وفي الوقوف لتعبئة إطار السيارة بالهواء (البنشر)، وفي الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة إلى إسعافها، فماذا تكون حالها حينئذ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها،

لاسيما إذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة. ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة ازدحام السيارات في الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات، وهم أحق بذلك من المرأة وأجدر. ومن مفاسد قيادة المرأة للسيارة: كثرة الحوادث؛ لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً وأقصر نظراً وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف. ومن مفاسدها: أنها سبب للإرهاق في النفقة؛ فإن المرأة بطبيعتها تحب أن تكمل نفسها بما يتعلق بها من لباس وغيره، ألا ترى إلى تعلقها بالأزياء كلما ظهر زيّ رمت بما عندها، وبادرت إلى الجديد، وإن كان أسوأ مما عندها؟ ألا ترى إلى غرفتها ماذا تعلق على جدرانها من الزخرفة؟ ألا ترى إلى ماصتها وإلى غيرها من أدوات حاجياتها؟ وعلى قياس ذلك - بل لعله أولى منه - السيارة التي تقودها، فكلما ظهر موديل جديد فسوف تترك الأول إلى هذا الجديد. وأما قول السائل: وما رأيكم بالقول إن قيادة المرأة للسيارة أخف ضرراً من ركوبها مع السائق الأجنبي؟ فالذي أرى أن كل واحد منهما فيه ضرر، وأحدهما أضر من الثاني من وجه، ولكن ليس هناك ضرورة توجب ارتكاب واحد منهما. واعلم أنني بسطت القول في هذا الجواب لما حصل من المعمعة والضجة حول قيادة المرأة للسيارة، والضغط المكثف على المجتمع السعودي المحافظ على دينه

وأخلاقه ليستمرئ قيادة المرأة للسيارة ويستسيغها، وهذا ليس بعجيب لو وقع من عدوّ متربّص بهذا البلد الذي هو آخر معقل للإسلام، يريد أعداء الإسلام أن يقضوا عليه، ولكن هذا من أعجب العجب إذا وقع من قوم من مواطنينا ومن أبناء جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويستظلون برايتنا، قوم انبهروا بما عليه دول الكفر من تقدم مادي دنيوي، فأُعجبوا بما هم عليه من أخلاق تحرّروا بها من قيود الفضيلة إلى قيود الرذيلة، وصاروا كما قال ابن القيم في نونيته: هربوا من الرّق الذي خلقوا له ... وبلوا برق النفس والشيطان وظنَّ هؤلاء أن دول الكفر وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدّم مادي بسبب تحررهم هذا التحرر، وما ذلك إلاَّ لجهلهم أو جهل كثير منهم بأحكام الشريعة وأدلتها الأثرية والنظرية، وما تنطوي عليه من حِكم وأسرار تتضمن مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم ودفع المفاسد، فنسأل اللَّه لنا ولهم الهداية والتوفيق لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة» (¬1). ¬

(¬1) من كتاب (الفتاوى الشرعية في المسائل العصرية من فتاوى علماء البلد الحرام. إعداد خالد الجريسي: ص 556).

سادسا: فتوى الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان في حكم قيادة المرأة للسيارة:

سادساً: فتوى الشيخ العلاّمة صالح بن فوزان الفوزان في حكم قيادة المرأة للسيارة: (س: هل يجوز قيادة المرأة للسيارة عند حاجتها، وعدم وجود محرم لها لتلبية طلباتها الضرورية بدلاً من الركوب مع السائق الأجنبي؟ جزاكم اللَّه خيراً. ج: قيادة المرأة للسيَّارة لا تجوز؛ لأنها تحتاج معها إلى كشف الوجه، أو كشف بعضه؛ ولأنها تحتاج في قيادة السيارة إلى مُخالطة الرجال فيما لو تعطَّلت سيارتها أثناء السير، أو حصل عليها حادث، أو مخالفة مرورية؛ ولأنَّ قيادتها للسيّارة تُمكِّنها من الذهاب إلى مكان بعيد عن بيتها، وعن الرّقيب عليها من محارمها، والمرأةُ ضعيفةٌ تتحكَّم فيها العواطف والرَّغبات غير الحميدة، وفي تمكينها من القيادة إفلاتٌ لها من المسؤولية والرَّقابة والقوامة عليها من رجالها؛ ولأنّ قيادتها للسيّارة تُحوجها إلى طلب رُخصة قيادة، وهذا يُحوجها إلى التصوير، وتصويرُ النساء حتى في هذه الحالة يَحرمُ لِما فيه من الفتنة والمحاذير العظيمة» (¬1). ¬

(¬1) المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح الفوزان، 3/ 466.

سابعا: فتوى العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد

سابعاً: فتوى العلامة بكر بن عبد اللَّه أبو زيد في التحذير من الدُّعاة لقيادة المرأة للسيَّارة والآلات الأخرى حيثُ ذكر: أنَّ الدعوة إلى قيادة المرأة للسيَّارة والآلات الأخرى واحدة من خُطَط المُسغربين وأتباعهم من سَذّجَةِ الفُسَّاقِ المُنْدَسِّين في ساحةِ بلاد المسلمين، يُفوِّقون سهامهم لاستلاب الفضيلة من نساء المؤمنين، وإنزاله بهنَّ (¬1). ¬

(¬1) ينظر: حراسة الفضيلة، ص 122 - 123 - 125.

ثامنا: فتوى العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر:

ثامناً: فتوى العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر: س: لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟ والجواب على هذا السؤال إجمالاً من وجوه، منها: الأول: أن الدولة السعودية قامت على أساس تحكيم شرع اللَّه، ومن أجل ذلك مكَّن اللَّه لها في الأرض ومن تحكيمها لشرع اللَّه بقاؤها محافظة على احتجاب النساء عن الرجال، وعدم الاختلاط بهم وقيادتهن السيارات. الثاني: أن من الإدارات الحكومية في هذه الدولة الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا غرو أن تبقى محافظة على الحجاب وترك اختلاط النساء بالرجال، وترك كل ما يؤدي إليه من كل ما هو منكر. الثالث: محافظتها على ابتعاد النساء عن مخالطة الرجال، وذلك بفصل الدراسة بين النوعين، فدراسة البنين على حدة، ودراسة البنات على حدة. الرابع: أن قيادة المرأة السيارة يقودها إلى ترك الحجاب والاختلاط بالرجال والخلوة المحرمة والسفر بدون محرم وغير ذلك من المحاذير، والشريعة الإسلامية جاءت بسد الذرائع التي تؤدي إلى الحرام، ومن أدلة ذلك قول اللَّه - عز وجل -: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ

يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬1)، فسبُّ آلهة الكفار حق، ولكنه نُهي عنه لما يترتب عليه من الباطل، وهو كون الكفار يسبون اللَّه، ومن أمثلة ذلك بيع السلاح لاستعماله في الفتنة، وبيع العنب على من يصنع منه الخمر؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان. الخامس: أن من قواعد الشريعة تقديم درء المفاسد على جلب المصالح، ومن المعلوم أن المفاسد المترتبة على قيادة المرأة السيارة كثيرة وخطيرة، فيكون المنع مندرجاً تحت هذه القاعدة. السادس: أن المنع من قيادة المرأة السيارة في هذه البلاد مبني على فتاوى أهل العلم كما سيأتي ذلك موضحاً. السابع: أنه ليس بغريب ولا عجيب أن تنفرد هذه البلاد عن غيرها بالمحافظة على الحجاب وترك الاختلاط ومنع المرأة من قيادة السيارة؛ لأن هذه البلاد معقل الإسلام، وفيها قبلة المسلمين والحَرَمان الشريفان، وفيها تُؤدّى مناسك الحج والعمرة، وفيها وُوري الجسد الشريف لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ومنها شع النور وانطلق الهداة المصلحون من الصحابة ومَن بعدهم في أنحاء الأرض لهداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور. الثامن: أن انفراد هذه البلاد عن غيرها بترك الاختلاط بين ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 108.

الرجال والنساء وعدم قيادة المرأة السيارة تمسُّك بما هو حق، والحق لا يُزهَد فيه لقلة السالكين، كما أنه لا يُغتر بالباطل لكثرة الواقعين فيه، فكل عاقل ناصح لنفسه يحرص على أن يكون من القليل الناجي ويحذر أن يكون من الكثير الهالك، وقد قال اللَّه - عز وجل -: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (¬1). التاسع: أن قيادة المرأة السيارة واختلاطها بالرجال من الديمقراطية الزائفة التي استوردها المسلمون من أعدائهم، وقد قال الله - عز وجل -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (¬2)، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (¬3)، وقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (¬4)، وقال: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ ¬

(¬1) سورة الأنعام، الآية: 116. (¬2) سورة المائدة، الآية: 49. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 149. (¬4) سورة البقرة، الآية: 120.

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (¬1). العاشر: أن ترك الاختلاط وعدم قيادة المرأة السيارة في هذه البلاد حق مَنَّ اللَّه على هذه الدولة بالمحافظة عليه، ولم يكن ما يقابل ذلك من الاختلاط والقيادة، حقاً حُجب عن هذه الدولة في الماضي ولكنه شر وقاها اللَّه منه، ونسأل اللَّه - عز وجل - أن يقيها منه في المستقبل (¬2). ¬

(¬1) سورة الجاثية، الآيتان: 18 - 19. (¬2) كتاب: لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية، للعلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر، ص 9 - 13.

تاسعا: بيان بليغ للملك عبد العزيز: عن الاختلاط بالنساء

تاسعاً: بيان بليغ للملك عبد العزيز: عن الاختلاط بالنساء قال: في بيان طويل لرعيته، منه قوله: « ... أقبح ما هنالك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية: من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة - الذين هم فلذات أكبادهن وأمل المستقبل - إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا - واللَّه! - ليس هذا (التمدن) في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة أن يرى زوجته، أو أحداً من عائلته أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي. هذه طريق شائكة تدفع بالأمة إلى هوَّة الدمار، ولا يقبل السير عليها إلاَّ رجل خارج عن دينه، خارج من عقله، خارج من تربيته. فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين الذي يجب على كل ذي شمم أن يدافع عنها. إننا لا نريد من كلامنا هذا التعسف والتجبر في أمر النساء، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقاً يتمتعن بها، لا توجد حتى

الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة، وإذا اتبعنا تعاليمه كما يجب، فلا نجد في تقاليدنا الإسلامية وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي إذا وجَّهنا المرأة إلى وظائفها الأساسية، وهذا ما يعترف به كثير من الأوروبيين، من أرباب الحصانة والإنصاف. ولقد اجتمعنا بكثير من هؤلاء الأجانب، واجتمع بهم كثير ممن نثق بهم من المسلمين، وسمعناهم يشكون مرَّ الشكوى من تفكك الأخلاق، وتصدع ركن العائلة في بلادهم من جراء المفاسد، وهم يقدِّرون لنا تمسكنا بديننا وتقاليدنا، وما جاء به نبينا من التعاليم التي تقود البشرية إلى طريق الهدى وساحل السلامة، ويودّون من صميم أفئدتهم لو يمكنهم إصلاح حالتهم هذه التي يتشاءمون منها، وتنذر ملكهم بالخراب والدمار والحروب الجائرة. وهؤلاء نوابغ كتَّابهم ومفكريهم قد علموا حق العلم هذه الهوة السحيقة التي أمامهم، والمنقادين إليها بحكم الحالة الراهنة، وهم لا يفتؤون في تنبيه شعوبهم بالكتب والنشرات والجرائد على عدم الاندفاع في هذه الطريق، التي يعتقدونها سبب الدمار والخراب. إنَّني لأعجب أكبر العجب ممن يدَّعي النور والعلم وحب الرقي لبلاده، من الشبيبة التي ترى بأعينها، وتلمس بأيديها ما نوَّهنا عنه من الخطر الخلقي الحائق بغيرنا من الأمم، ثم لا ترعوي عن ذلك، وتتبارى في طغيانها، وتستمر في عمل كلِّ أمر يخالف تقاليدنا

وعاداتنا الإسلامية والعربية، ولا ترجع إلى تعاليم الدين الحنيف الذي جاءنا به نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة وهدى لنا ولسائر البشر. فالواجب على كل مسلم وعربي فخور بدينه، مُعتزٍّ بعربيته، ألاّ يخالف مبادئه الدينية، وما أمر به اللَّه تعالى بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه، فالرقي الحقيقي هو بصدق العزيمة، والعلم الصحيح، والسير على الأخلاق الكريمة، والانصراف عن الرذيلة، وكل ما من شأنه أن يمس الدينَ والسمتَ العربي والمروءةَ، والتقليدِ الأعمى، وأن يتبع طرائق آبائه وأجداده، الذين أتوا بأعاظم الأمور باتباعهم أوامر الشريعة، التي تحث على عبادة اللَّه وحده، وإخلاص النية في العمل، وأن يعرف حق المعرفة معنى ربه، ومعنى الإسلام وعظمته، وما جاء به نبينا: ذلك البطل الكريم والعظيم - صلى الله عليه وسلم -، من التعاليم القيمة التي تسعد الإنسان في الدارين، وتُعَلِّمُه أن العزّة للَّه وللمؤمنين، وأن يقوم بأود عائلته، ويصلح من شأنها، ويتذوق ثمرة عمله الشريف، فإذا عمل فقد قام بواجبه وخدم وطنه وبلاده ... » (¬1). ¬

(¬1) من كتاب المصحف والسيف: مجموعة من خطابات وكلمات ومذكرات وأحاديث جلالة الملك عبد العزيز آل سعود:، جمع وإعداد: محيي الدين القابسي، ص 322. وفيه أن هذا البيان أعلنه: عام 1356 هـ. وهذا البيان كذلك في كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 16/ 55 - 76، مجموع رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام من عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى عصرنا هذا، جمع العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، 1312هـ- 1392هـ، الطبعة الثانية، 2004م.

عاشرا: خطاب الملك فهد: التعميمي في المنع من عمل المرأة المؤدي إلى الاختلاط بالرجال

عاشراً: خطاب الملك فهد: التعميمي في المنع من عمل المرأة المؤدي إلى الاختلاط بالرجال جاء في خطاب الملك فهد: التعميمي رقم: 2966/م وتاريخ 19/ 9/ 1404 هـ ما نصّه: «نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16/ 5/ 1403 هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال؛ سواء في الإدارات الحكومية، أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية؛ لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها، أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه» (¬1). ¬

(¬1) من مجلة البحوث الإسلامية، العدد 15، ص 274.

الحادي عشر: بيان وزارة الداخلية بمنع قيادة النساء السيارات

الحادي عشر: بيان وزارة الداخلية بمنع قيادة النساء السيارات بناء على فتوى كبار العلماء تود وزارة الداخلية أن تعلن لعموم المواطنين والمقيمين أنه بناء على الفتوى الصادرة بتاريخ 20/ 4/1411 هـ من كل من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز: الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وفضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن غديان عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ صالح بن محمد بن لحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وعضو هيئة كبار العلماء بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ووجوب معاقبة من يقوم منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر والمحافظة على الحرم ومنع بوادر الشر؛ لما ورد من أدلة شرعية توجب منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن. ونظراً إلى أن قيادة المرأة للسيارة يتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي الغيور على محارمه، فإن وزارة الداخلية توضح للعموم تأكيد منع جميع النساء من قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية منعاً باتاً، ومن يخالف هذا

المنع سوف يطبق بحقه العقاب الرادع، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل. (من صحيفة الجزيرة في عددها 6621، الصادر يوم الأربعاء 27 ربيع الثاني 1411 هـ) (¬1). ¬

(¬1) انظر: لماذا لا تقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية، للعلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر، ص 21 - 28.

الثاني عشر: الأمر من رئيس مجلس الوزراء بمنع النساء من العمل الذي يؤدي إلى اختلاطهن بالرجال

الثاني عشر: الأمر من رئيس مجلس الوزراء بمنع النساء من العمل الذي يؤدي إلى اختلاطهن بالرجال لأهمية شان المرأة والاهتمام به، فقد تقرر الأمر من ديوان مجلس الوزراء، بمنع النساء من العمل، الذي يؤدي إلى اختلاطهن بالرجال، كما ذكر ذلك في التعميم الآتي: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صاحب السمو الملكي، ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، بعد التحية: بناءً على ما لاحظنا: من قيام بعض الجهات الحكومية، بالرفع عن طلب السماح لها، بالتعاقد، أو تعيين عدد من السيدات السعوديات، للعمل بها، أو الترخيص لهن بممارسة بعض الأعمال، أو المهن، التي تؤدي إلى اختلاطهن بالرجال. ولأنه سبق أن صدر الأمر رقم 1960/ 8، وتأريخ 22/ 12/1399هـ بمنع النساء من العمل في الوظائف، التي تؤدي إلى اختلاطهن بالرجال، كما صدر الأمر رقم 11575، وتأريخ 19/ 5/1401هـ بالتأكيد على ذلك، وعدم الترخيص للمرأة بممارسة المهن التي تؤدي إلى اختلاطهن بالرجال. نخبركم: بأن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها

بالرجال، سواء في الإدارات الحكومية، أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة، أو الشركات، أو المهن، ونحوها، أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية، أو غير سعودية. لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد؛ وإذا كان يوجد دائرة، تقوم بتشغيل المرأة، في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها، أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه. وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك، والرفع عنه; وقد زودت الجهات المعنية بنسخة من أمرنا هذا، للاعتماد والإحاطة، فأكملوا ما يلزم بموجبه. توقيع رئيس مجلس الوزراء (¬1) وصلى اللَّه وسلَّم وبارك على عبده، وخليله، وأمينه على وحيه، حبيبنا، ونبينا؛ محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 16/ 98 - 99.

§1/1