الاختلاط بين الرجال والنساء

شحاتة صقر

الاختلاط بين الرجال والنساء أحكام وفتاوى ـ ثمار مرة وقصص مخزية كشف 136 شبهة لدعاة الاختلاط جمع وترتيب شحاتة صقر قدم له أصحاب الفضيلة الشيخ محمد بن شامي شيبة د ياسر برهامي - د محمد يسري - د هشام عقدة - د محمد يسري إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)}. (النساء: 27). قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)}. (النور: 19). {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53)

تقديم

تقديم فضيلة الشيخ محمد بن شامي شيبة القاضي بمحكمة بيش بالمملكة العربية السعودية سابقًا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد: فقد اطلعت على كثير مما كتبه الشيخ شحاتة صقر في كتابه (الاختلاط بين الرجال والنساء)، وجمع فيه من كتب التفسير والفقه والقصص، وقد توصل إلى ما يلي: 1) أن الاختلاط بين الرجال والنساء مُحَرَّم عند عامة أهل العلم من العلماء المحققين الناصحين. 2) وأن الاختلاط قد تسبب في كثير من العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء وانتهاك الأعراض. 3) وأن الاختلاط قد تسبب في هدم بعض البيوت بالطلاق والفرقة فضاع الأولاد وتشتَّتَتْ الأسرة. 4) وأن الاختلاط سبب لإفساد الرجال والنساء وقلة الحياء وقلة الغيرة على الأعراض. 5) وأن دعاة الاختلاط يسعون إلى نشر الرذيلة في المجتمع وإلى إثارة الشهوات والغرائز: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}. (النساء: 27). 6) وأن ما استدل به دعاة الاختلاط إما صريح غير صحيح، وإما صحيح غير صريح،

وإما منسوخ، فإنه قبل نزول الحجاب فلا دلالة في ذلك كله على ما يريدون وينشرون. والحقيقة أن ما في هذا الكتاب هو: أ) دعوة لدعاة الاختلاط أن يتقوا الله وأن يدَعُوا عنهم هذه الدعوة التي لا دليل عليها من كتاب ولا سنة؛ بل هي دعوة إلى إضاعة الأعراض وانتهاكها، فهل سينتهون عن ذلك؟ ويقال لهم: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 91). ب) دعوة إلى كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تكون محتجبة عن الرجال الأجانب (غير المحارم) وأن تبتعد عن الاختلاط مع الرجال وأن لا تعمل في عمل مختلط وأن تجعل تقوى الله نصب عينيها وأن تعلم أن دعاة الاختلاط أعداء لها فهم يسعون للزَّجِّ بها في كل خلق فاسد. ج) وهو دعوة إلى الرجال أن يحافظوا على نسائهم فلا يَدَعُون نسائهم يختلطن مع الرجال غير المحارم في عمل أو غيره، ويجب أن يكون الرجل من أهل الغيرة على عرضه وعلى نساء المسلمين؛ فإنهن أخوات لكل مسلم. د) وهو دعوة لطالب الحق أن يقرأ هذا الكتاب لتزول ما في نفسه من الشدة التي تم الرد عليها، والاطلاع على أقوال العلماء الربانيين في تحريم الاختلاط الذي هو وسيلة إلى الزنا، والذي اتفقت الشرائع كلها على تحريمه. هذا وإن الشيخ شحاتة قد أجاد وأفاد في هذا الكتاب؛ فجزاه الله خير الجزاء على ما قدم، وأسأل الله أن يوفقني وإياه لما يحب ويرضى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه: محمد بن شامي مطاعن شيبه 20/ 5/1431هـ

صورة لمقدمة الشيخ محمد بن شامي مطاعن شيبة

مقدمة فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي

تقديم فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما بعد: قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} (آل عمران: 14). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ» (رواه مسلم). فالشهو الجنسية من أقوى الشهوات في الإنسان، بل عدّها بعض الملاحدة المحرك الأساسي في الإنسان، وهذا من ضلالهم وانحرافهم وتفكيرهم البهيمي الذي يريدون دَفْعَ العالم كله إليه، ولكن لا شك في قوة هذه الغريزة، ولا شك في طغيانها عند كثير من بني الإنسان حتى صارت عندهم أكبر الهم ومبلغ العلم. ولقد ظلت المجتمعات المسلمة ـ حينًا من الدهر ـ أبعد المجتمعات عن سيطرة هذه الشهوة وطغيانها، وبقيتْ أمة الإسلام أكثر الأمم محافَظةً على العفة والطهارة؛ مما نقمه الأعداء عليهم؛ قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا

أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} (المائدة: 59)؛ فأكثر اليهود والنصارى خارجون عن شرائعهم التي يزعمون انتسابهم إليها، وهم الذين ينشرون الانحلال في العالم، ويحسدون أهل الإسلام على ما آتاهم الله من فضله من العفة والنقاء والمحافظة على الأعراض والأنساب. ودفَعهم هذا الحسد إلى محاولة إغواء الأمة الإسلامية وجرِّها نحو باطلهم وسفولهم وانحطاطهم؛ فما أن احتلت جيوشهم أكثر بلاد المسلمين حتى شرعوا في زعزعة وضع المرأة في المجتمع، ووضعوا الخطط لتغيير حدود علاقة الرجل بالمرأة كما بيَّنها شرع الله - عز وجل - ليستبدل الناسُ الذي هو أدنى بالذي هو خير. وكانت أولى الخطوات في هذه الخطط الشيطانية والمكائد الإبليسية هي التبرج ووضع الثياب وكشف العورات ونشر الاختلاط المنكر المؤدّي إلى وقوع الفواحش مُتَّبعين خطة إبليس القديمة الجديدة التي بيَّنها الله - عز وجل - لنا وحذرنا من شرها فقال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)} (الأعراف: 27). ولقد كان الاختلاط المحرم ـ ولا يزال ـ من أخطر وسائل الحرب الحضارية والغزو الفكري الذي يمارسه الغرب ضد أهل الإسلام؛ فمحاربة هذا الاختلاط واجب دفاعي على أهل الإسلام للحفاظ على حصونهم الحقيقية؛ فإن القوة العسكرية سرعان ما تتبدل إذا بقي منهج المجتمع وشريعته حيًّا في قلوب أبنائه ولم يصبح أفراد الأمة أبناءَ الأعداء، منّا يتكلمون بلساننا وهم من جِلْدَتنا وقلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. ولقد سطر أخونا شحاتة صقر ـ حفظه الله ـ هذا البحث في مضارّ الاختلاط المحرم، وحيثما ذُكِر الاختلاط في البحث فهو المعهود المعروف في مثل مجتمعنا المصري في جامعاته

ومدارسه وأعماله ووظائفه الذي يتضمن أنواع المنكرات من النظر المحرم والكلام المحرم والسماع المحرم واللمس المحرم فضلًا عما سوى ذلك من الفواحش، وضمَّنَه جملة من الأدلة وفتاوى العلماء للتحذير من هذا المرض الخبيث. وإن كان لابد لنا أن ننبه أن بعض هذه الفتاوى ـ مثل الفتاوى الآمرة بهجران المعاهد والجامعات والمدارس المختلطة وكذا الأعمال التي فيه اختلاط ـ قد سِيقت من قِبَل العلماء الأفاضل في بعض الظروف لمحاولة سد ذريعة الفساد المنتشر ومنعه، وقد تكون في بعض البلدان وبعض الظروف لم تذكر المفاسد التي قد تترتب على غياب العنصر الإسلامي الملتزم عن هذه المعاهد والمدارس والجامعات والوظائف، وهو في الحقيقة غاية أمنية الأعداء من الكفار والمنافقين الذين يسعون إلى «حوصلة» الصحوة الإسلامية ومحاولة تحجيمها ومنع تاثيرها في المجتمع؛ فلابد أن تراعَى ظروف مجتمعات أخرى وأحوال أخرى وتراعَى فيها قدر المصالح والمفاسد في تطبيق هذه الفتاوى، والأصل اتباع الدليل والاستدلال به، وكلام أهل العلم يُستدل له، ولا يُستدل به. وقد تبقى بعض الأمور التي رجَّحها أخونا الفاضل/شحاتة صقر من أمور الاجتهاد السائغ التي يسعنا فيها الخلاف، كما وسع سلفنا الصالح ـ قد نرى ما يخالفها ـ لأن لكلٍّ وجهة نظره المعتبرة، وتبقى جملة البحث تسير في نهج واحد وسياق واحد نحو العفة والطهارة والنقاء على سبيل التزكية التي أمر الله - عز وجل - بها: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} (النور: 30). أسألُ الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره وان يجعلنا جميعًا من عباده الصالحين وأن يُلحقنا بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين. كتبه ياسر برهامي

مقدمة فضيلة الشيخ هشام عقدة

تقديم فضيلة الشيخ هشام عقدة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبعد: فقد تعودنا من العلمانيين ومن يداهنونهم إثارة الحملات على ثوابت الدين وشريعة المسلمين طمعًا في تحلّل المسلمين مِن دينهم وفي القضاء على مظاهر الإسلام , ولكل حملة موسمها , ولقد شهدت الأيام السابقة حملة لمحاربة ستر المسلمة لوجهها , وحملة للدعوة إلى مشروعية اختلاط النساء بالرجال على النحو المعهود في الجامعات وأماكن العمل وغير ذلك ... ولكن الله تعالى يُقَيِّضُ للأمة مَن يَرُدُّ كيد الكائدين في نحورهم ويكشف زيف المنحرفين وكذب دعاواهم التي يستدلون عليها ـ زورًا وبهتانا ـ بأدلة الشريعة. فمنذ عدة أسابيع وقع بين يدَيَّ كُتيِّب لطيف بعنوان: (فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول النقاب) ـ من إصدارات دار اليسر ـ يقرّرون فيه مشروعية النقاب بل ووجوبه , فحمدت الله على ذلك ... ثم ـ من أيام ـ قدَّم إليَّ أخي الكريم فضيلة الشيخ/شحاتة صقر كتابًا له بعنوان: (الاختلاط بين الرجال والنساء أحكام وفتاوى ـ ثمار مرة وقصص مخزية كشف 90

شبهة لدعاة الاختلاط) طالبًا مني قراءته والتقديم له. وقد استبشرت بذلك قبل قراءته , ثم قد ازداد سروري وفرحي بعدما قرأته , حيث وجدتُّه قد عبَّر أصدق تعبير عما يدور في نفوس أهل العلم والدين وجميع الغيورين على دينهم وعلى أعراضهم , وقد روى غليل القارئ باستقصائه لشبهات أهل الباطل ودحضها بقوة؛ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: 18). فللهِ دَرُّ كاتبه , وإنه لشرفٌ لي أي شرف أن أقدم له , وأدعو المسلمين جميعًا ألا يخلو بيت من بيوتهم من هذا الكتاب؛ فاستيعابه والعمل بما فيه هو العلاج بل والوقاية مما نراه في هذه الأيام من الانفلات من قيود الدين والأخلاق ومن الحوادث المخزية التي طالتْ بيوت كثير من المسلمين حتى بعض من يفترض فيهم القدوة لغيرهم من أفراد المجتمع. فأسال الله العلي القدير أن يُجْزِلَ الأجر والثواب لمؤلف هذا الكتاب , ويجعله ذُخْرًا له في حياته وبعد مماته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أبو عاصم هشام عبد القادر عُقدة دمنهور مساء الأحد 19 ربيع الآخر1431 هـ 4 إبريل2010م

مقدمة فضيلة الشيخ الدكتور محمد يسري إبراهيم

تقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد يسري إبراهيم الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وتعالى على عظيم إنعامه، وتمام إحسانه، وأسأله - جل وعلا - المزيد من فضله وامتنانه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأنصاره. ثم أما بعد: فليس بنا أن نقول في هذه العجالة: إن الاختلاط منه مباح ومنه محرم؛ ذلك أن المباح منه موضع اتفاق، والمحرم منه هو ما يتنزل عليه كلام العلماء، وإنكار الفضلاء. وليس نا أن نخاطب في هذه الأسطر من كفر بمرجعية الشريعة فاستدبرها، ومن لا يرى للشرع المطهر حاكمية فاتخذه ظهرياً، فلو أن هذا وأشباهه جيء اليه بملء الأرض حججاً لقالوا: {مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ} [هود: 53]. وبحسبنا أن نقول: إن الاختلاط المحرم مرفوض فطرياً، فاشل تربوياً، منبوذ تاريخياً، ساقط حضارياً، ومحرم ومجرم شرعياً. أما أنه مرفوض فطرياً فلأن الله تعالى ركَّب في المرأة أخلاقاً، ومنحها خلقة، وهيأها لعمل لا يصلح للرجال، كما لا يصلح عمل الرجال لها. ولما نذرت أم مريم ما في بطنها لعمارة بيت الله اعتذرت حين وضعتها أنثى؛ لأن هذا عمل الرجال، فأبطل الله نذرها (¬1). ¬

(¬1) ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 637)، وابن جرير في تفسيره (6/ 334).

وبالمرأة فطرة - ما دامت نقية فإنها - تأنف هذه الخلطة المذمومة، وتأبى هذا الامتزاج الممنوع، ولأجل هذا امتنعت المرأتين - من قديم - عن السقيا حتى يصدر الرعاء، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23]. وأما أنه فاشل تربويا فلأن دعاته في التعليم والتربية قد جنوا ثمرات نكدة تمثلت بفوضى جنسية امتدت من الجامعات، ولعل الإحصائيات المرعبة تترجم عن حال الأسرة في الغرب وما آلت اليه من تفكك، وتنعي الفضيلة التي تحولت في تلك الأمم الى شذوذ أو استثناء. وأما أنه منبوذ تاريخيا ساقط حضاريا فلأن المطالع لوضع المرأة عند البابليين أو الكلدانيين يرى أنها كانت في حجاب وابتعاد عن الاختلاط، وذلك قبل الميلاد بألفي عام، كما عرف الهنود خلال القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد حظر الاختلاط فلا يتصل الرجال بالنساء إلا وفق ضوابط، ومن خلال قنوات محددة. وكان الفرس القدماء يفرضون الحجاب على النساء، ولا يسمح لهن بالاختلاط بالرجال. وكان من عادة نساء اليونان حجب وجوههن بطرف مآزرهن، أو بحجاب مصنوع من حرير، وكن في بعض المدن اليونانية - كأثينا - يحتجبن بغطاء يوضع على الوجه له ثقبان أمام العينين؛ لتنظر منهما المرأة. وكذا كان الحال عند الرومان، فلما عرف اليونان والرومان حياة الشهوات، وغلب عليهم الترف والفساد فشا الاختلاط فتبرجت النساء وانتشرت الفحشاء، وآل الأمر إلى سقوط حضارتهم إلى غير رجعة (¬1). ¬

(¬1) الأسرة تحت رعاية الإسلام، للشيخ عطية صقر، ط1، 1400 هـ، مؤسسة الصحاح الكويت، (ص 27 - 34).

وأما أن الاختلاط مجرم ومحرم شرعيا، فلنصوص كثيرة من القرآن العظيم، والسنة الصحيحة، والإجماع المنعقد المقبول، فضلا عن دلالة المعقول. وتفصيل هذه الأدلة والرد على شبهات المخالفين، وتمحلات المتأولين ومماحكات المترخصين محلها هذا الكتاب، الذي أحسن الظن بكاتبه، الذي لم أر جثمانه، وإنما نظرت فيما خط بنانه، فألفيته قد جمع من الأدلة فأوعى، ورد على المخالف فما أبقى. وقد نقل صاحب الكتاب فتاوى كثيرة، وعرض لمسائل عديدة، وكم تمنيت أن أجد وقتا لأقرأ فاستفيد جديدا، أو أهدي إليه مفيدا، إلا أن شيئا من ذلك لم يكن، فاكتفيت بنظرة عجلى، مرجئا ما عساه قد يبدو لي إلى قراءة أخرى، والله تعالى المسئول أن ينفع بالكتاب وكاتبه، وألا يحرم من قرأه أو نشره أجرا وخيرا، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين وكتبه محمد يسري إبراهيم القاهرة ليلة العاشر من شعبان عام ألف وأربعمائة وواحد وثلاثين من الهجرة

أقوال ليست عابرة!!

أقوال ليست عابرة!! * «أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَوْ تَغَارُونَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الْأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ». علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (¬1). * «وقد كان من سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء ... ؛ لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب» (¬2). ... شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - * «لَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ: أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ. وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ , وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ. فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامّ: كَثْرَةُ الزِّنَا , بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ , وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ ـ قَبْلَ الدِّينِ ـ لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ» (¬3). الإمام ابن القيم - رحمه الله - ¬

(¬1) المسند برقم: (1118)، وهو من زيادات عبد الله بن الإمام أحمد، وقال الشيخ أحمد بن محمد شاكر: «إسناداه صحيحان»، وضعّفه الشيخ شعيب الأرنؤوط، والعلوج: جمع علج، وهو الرجل الكافر من العجم. (¬2) باختصار من (الاستقامة 1/ 360). (¬3) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (280 ـ 281).

إنَّ الرجالَ الناظرينَ إلى النِّسَا ... مِثْلُ السباعِ تطوفُ باللحمان إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ أسُودُها ... أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أثمانِ (¬1) الإمام أبو محمد الأندلسي القحطاني (¬2) * « ... وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لُبَابَ الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية ... والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد» (¬3). الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله -. * «وقد ذكر العلامة ابن القيم فى كتابه (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية) فصلًا بَيَّنَ فيه أنه يجب على ولىِّ الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء فى الأسواق ومجامع الرجال، وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، ومن أعظم أسباب نزول العقوبة العامة، كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة وسبب لكثرة الفواحش والزنا» (¬4). ... الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - ¬

(¬1) نونية القحطاني، واللُحمان ـ بضم اللام ـ: جمع لحم. (¬2) أبو محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني السلفي المالكي. كان فقيها حافظًا. (¬3) مجلة الهداية الإسلامية، (الجزء السادس من المجلد الثالث عشر)، وانظر كتاب محاضرات إسلامية لفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين، جمعها وحققها علي الرضا التونسي (ص190 - 200). (¬4) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com، تاريخ الفتوى: رمضان 1362 هجرية.

* «وفي قوله تعالى: {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} إشارة إلى أن المرأة إذا اضْطُرَّتْ للخروج للعمل، وتوفرَتْ لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم» (¬1). الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - * «وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة التى تسمى بآية الحجاب (¬2)، جملة من الأحكام والآداب منها ... حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء سواء أكان ذلك فى الطعام أم فى غيره ... كذلك أخذ العلماء من هذه الآية أنه لا يجوز للرجل الأجنبى أن يصافح امرأة أجنبية عنه، ولا يجوز له أن يمس شيءٌ مِن بدنه شيئًا مِن بدنها» (¬3). الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - * «الأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة ¬

(¬1) في تفسير قول الله - عز وجل -: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا} (القصص: 23 - 24). (¬2) وهي قول الله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (الأحزاب:53). (¬3) التفسير الوسيط للقرآن الكريم، عند تفسير الآية 53 من سورة الأحزاب.

عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به» (¬1). الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - * «اختلاط الإناث بالذكور لا يجوِّزُه دين الإسلام ـ دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف ـ عملًا بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53)، وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33). (¬2). الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية سابقًا - رحمه الله -. * «يُسْتَحْسَنُ شرعًا إعلان الزواج، ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه، وإظهارًا للفرح بما أحل الله من الطيبات، وإن ذلك عمل حقيق بأن يشتهر، ليعلمه الخاص والعام، والقريب والبعيد، وليكون دعاية تشجع الذين يؤثرون العزوبة على الزواج، فتروج سوق الزواج. والإعلان يكون بما جرت به العادة، ودرج عليه عرف كل جماعة، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الشارع عنه كشرب الخمر، أو اختلاط الرجال بالنساء، ونحو ذلك» (¬3). ... الشيخ سيد سابق - رحمه الله - * «حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (1/ 418 - 427). (¬2) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net. (¬3) فقه السنة (2/ 231).

وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة» (¬1). ... الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد - رحمه الله - * «يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققًا فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك. يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديمًا قيل: إن الطعام يقوِّى شهوة النهم ... والمرأة التي تخالط الرجال تتفنن في إبداء ضروب زينتها، ولا يُرْضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها» (¬2). ... الأستاذ حسن البنا - رحمه الله - * «لا يجيز الإسلام أن تختلط المرأة بالرجال في الحفلات العامَّة أو المنتديات ولو كانت محتشمة ... ولهذا كله يتشدد الإسلام في منع اختلاط النساء بالرجال؛ وقد قامت حضارته الزاهرة التي فاقت كل الحضارات في إنسانيتها ونبلها على الفصل بين الجنسين ولم يؤَثِّرْ هذا الفصل على تقدّم الأمة المسلمة وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ» الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله - (¬3). * «أقبح من ذلك ما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام من خلط النساء بالرجال الأجانب في المدارس، وصنوف الأعمال بحيث يجعل لكل رجل وامرأة أجنبية منه مجلس واحد لتتم العلاقة بينهما من قريب وتحصل الفتنة والفاحشة بينهما بأدنى وسيلة، وهذا مما دَبَّ إليهم من قبائح الإفرنج ورذائلهم، فالله المستعان» (¬4). ... الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - ¬

(¬1) حراسة الفضيلة (ص 97). (¬2) رسالة (المرأة المسلمة وواجباتها)، ص 13 - 15. (¬3) عميد كلية الشريعة بدمشق، والمراقب العام لجمعية الاخوان المسلمين بسوريا سابقًا، المرأة بين الفقه والقانون (ص125 - 126). (¬4) الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور (ص 91).

* «تقرر الآية الحجاب بين نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والرجال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}؛ فلا يقل أحد غير ما قال الله، لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك ... إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف والمهازيل الجهال المحجوبين، لا يقل أحد شيئًا من هذا ... يقول الله هذا عن نساء النبي الطاهرات، أمهات المؤمنين، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق» (¬1). ... الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - * « ... فهذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية تحرم اختلاط الرجال بالنساء بشكل قاطع جازم لا يحتمل الشك ولا الجدل!! فالذين يبيحون الاختلاط ويبررونه بتعويدات اجتماعية ومعالجات نفسية، وحجج شرعية، فإنهم في الواقع يفترون على الشرع، ويتجاهلون الفطرة الغريزية، ويتجاهلون الواقع المرير الذي آلت إليه المجتمعات الإنسانية قاطبة» (¬2). ... الدكتور عبد الله ناصح علوان (¬3) - رحمه الله - * «إن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح المشينة، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين، وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي فيها الاختلاط ناطقةٌ ـ بل صارخةٌ ـ بخطر ¬

(¬1) في ظلال القرآن (5/ 2878). (¬2) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 279). (¬3) الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة سابقًا، وأحد رموز الإخوان المسلمين في سوريا والعالم - رحمه الله -.

الاختلاط على الدنيا والدين، لخصها العلامة أحمد وفيق باشا العثماني، الذي كان سريع الخاطر، حاضر الجواب عندما سأله بعض عُشَرائه من رجال السياسة في أوربا، في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلًا: «لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن، من غير أن يخالِطْنَ الرجال، ويغْشَيْنَ مجامِعَهُم؟»، فأجابه في الحال قائلًا: «لأنهن لا يرغَبْنَ أنْ يَلِدْنَ من غيرِ أزواجهن».وكان هذا الجواب كصَبِّ ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر» (¬1). الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم (¬2) دَعِي عنكِ قومًا زاحمَتْهُم نساؤُهم ... فكانوا كما حفَّ الشرابَ ذبابُ تساوَوا فهذا بينهم مثلُ هذهِ ... وسِيَّانُ معنىً يافعٌ وكَعَابُ وما عجبي أنَّ النساءَ ترجَّلَتْ ... لكنَّ تأنيثَ الرجالِ عُجَابُ (¬3) مصطفى صادق الرافعي * «إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوربا من قديم الزمان لغاية في النفس يدركها كل من وقف على مقاصد أوربة بالعالم الإسلامي». محمد طلعت حرب (¬4). ¬

(¬1) الفتن للشيخ أحمد عز الدين البيانوني (ص214). (¬2) عودة الحجاب (3/ 59). (¬3) ديوان الرافعي. والغُلامُ إذا كادَ يَبْلُغُ الحُلُمَ أوْ بَلَغَهُ فهو يافِع وَمُرَاهِق، والكعاب: المرأة حين يَبْدُو ثَدْيُها للنُّهود، والمعنى: لا فرق عندهم بين ذكر وأنثى، فالرجال مثل النساء. (¬4) في كتابه (تربية المرأة والحجاب) وهو أول كتاب ألِّفَ في الرد على قاسم أمين، وللأسف اقترن اسم محمد طلعت حرب فيما بعد بشئون الاقتصاد الربوي.

* «النساء في كل الظروف لا يخرجن مطلقًا سافرات الوجوه، بل يغطين وجوههن بالبرقع ... ولا يدخل الرجال مطلقًا ـ فيما عدا بعض الأهل الأقربين ـ إلى مسكن السيدات ... ولم يستطع الرحالة السابقون على الغزو أن يتعرفوا على أحوال سيدات الطبقة المسيطرة، وذهبت أدراجَ الرياحِ كلُّ توسلاتهم اللحوح؛ فلم يكن عظماء مصر ليسمحوا لأحد بأن يتطلع إلى جمال زوجاتهم» (¬1). ج دي شابرول أحد علماء الحملة الصليبية الفرنسية على مصر واصفًا حال نسائها في نهاية القرن الثامن عشر. * «إن ديننا ... أوصى بأن يكون للرجال مجتمعهم الذي لا تدخله امرأة واحدة، وأن يجتمع النساء دون أن يُقبَل بينهن رجلٌ واحد، لقد أراد بذلك حماية الرجل والمرأة مما ينطوي عليه صدرهما من ضعف، والقضاء الجذري على مصدر الشر» (¬2). قاسم أمين داعية تحرير المرأة ـ قبل الانزلاق * يقول البروفيسور الألماني (يودفو ليفيلتز) كبير علماء الجنس في جامعة برلين في إحدى دراساته الجنسية بأنه درس علوم الجنس وأدوار الجنس وأدوية الجنس فلم يجد علاجًا أنجح ولا أنجع من قول الكتاب الذي نُزِّل على محمد: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31) (¬3). ¬

(¬1) وصف مصر (1/ 64 - 65) تأليف ج دي شابرول، ترجمة زهير الشايب. (¬2) قال ذلك في كتابه (المصريون) ردًّا على الفرنسي (الدوق داركور) الذي أصدر كتابًا في عام 1893م سماه (سر تأخر المصريين) حمل فيه على أهل مصر، مركزًا حملته على نساء مصر، ساخرًا من حجابهن وقرارهن في البيوت، مهاجمًا المثقفين المصريين لسكوتهم وعدم تمردهم على هذه الأوضاع. وبعد مدة من اعتزاز قاسم أمين بالدين كان منه ما كان. (¬3) الغرب يتراجع عن التعليم المختلط، تأليف بـ?ـرلي شو، ترجمة د/وجيهة عبد الرحمن (ص 2).

مقدمة المؤلف

مقدمة «الحمد لله العليم بخلقه، القائل في محكم كتابه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} (الملك:14)، الرحيم بهم، ومن رحمته أنزل شريعته ناصحة لهم، ومُصلحة لمفاسدهم، ومُقوّمة لاعوجاجهم، ومن ذلك ما شرع من التدابير الوقائية، والإجراءات العلاجية التي تقطع دابر الفتنة بين الرجال والنساء، وتُعين على اجتناب المُوبقات رحمةً بهم، وصيانة لأعراضهم، وحماية لهم من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. وبيَّن لهم أن غايةَ الشيطان في هذا الباب أن يُوقع النوعين في حضيض الفحشاء!! لكنه يسلك في تزيينها، والإغراء بها مسلك التدرج , عن طريق خطوات يقود بعضها إلى بعض، وتُسلم الواحدة منها إلى الأخرى، وهي المعنيَّة بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور: 21). والصلاة والسلام على الصادق الأمين , المبعوث رحمةً للعالمين ـ القائل: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» (¬1).والقائل: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ» (¬2) ـ الذي حذرنا من خطوات الشيطان إلى إشاعة الفساد , خصوصًا ما أضلَّ به كثيرًا من العباد من تزيين التبرج، وإشاعة الفاحشة، وإطلاق البصر إلى ما حرَّم الله، ومصافحة النساء الأجنبيات، وسفر المرأة بدون مَحرَم، وخروجها متطيبة متعطرة , وخضوعها بالقول للرجال، وخلوتها بهم واختلاطها معهم» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري ومسلم. (¬2) رواه مسلم. (¬3) بتصرف من مقدمة الشيخ محمد بن أحمد إسماعيل المقدم، لرسالة (صَيْحَةُ تَحْذِير وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ).

«إن نساء المسلمين في الصدر الأول، كُنّ دررًا مصونة، ولآلئ مكنونة، غير ولّاجات خرّاجات، وإن خرجن للحاجات، فهن العفيفات المتحفظات، وعلى مِنْوال أولئك السابقين الأولين، كانت عصور التابعين والأئمة المرضيين. وقد ظلت نساء المسلمين مصونة في مدن حصينة ضد غزو التغريب، عبر عقود بل قرون ازدهرت فيها حضارة الإسلام، بينما كان يقبع غيرهم في ما يُعرف اليوم برجعية العصور الوسطى، أو عصور الظلام. ثم مع انحسار العفاف رويدًا رويدًا، بدأت تنحسر دولة الإسلام شيئًا فشيئًا، ومع ذلك ظلت بعض المدن تعرف بالصيانة والعفاف، ثم استشرت الفتن، وجاءت الأهواء فساقت الناس نحو جحر الغرب المظلم، فبعد أن كان الاختلاط علقمًا يشرق به الخاصة والعامة، بدأت عملية تسويغه، عن طريق المدارس الاستعمارية العالمية بدعوى أن علاج (الرجل المريض) (¬1) يكمن فيها، وذلك مطلع القرن الرابع عشر الهجري، فما بلغ أبناء تلك المدارس الخمسين، وما انتصف القرن، إلاّ وقد مات (الرجل)، بعد أن هيأت تلك المناطق المشبوهة مناخًا جيدًا لتفريخ أجيالٍ من المستغربين، الذين رأوا أن استعادة الأمة مجدها، وعودها إلى سابق عهدها، وخروجها من واقعها المظلم، لن يكون إلاّ بإحراق كل فضيلة، في سبيل (التنوير). هذا ومع خفوت وهج مصابيح الدجى، عميت أنباء الشريعة على كثير من الناس، واستُبهمت واضحاتها، فاختلط حكم الاختلاط، والتبست أحكام اللباس، و (استعجم) العرب ما جاء في التشريع وبخاصة ما يخص المرأة. ¬

(¬1) الرجل المريض: الدولة العثمانية في أواخر عهدها واشتداد ضعفها، وتكالب الصليبيين على اقتسام أجزائها.

فكانت الفرصة مواتيةً لخروج دعايا ودَعِيّات التحرير، اللآتي لم يرفعن بهدى الله رأسًا، ولم يرَيْنَ في وأد العفة بأسًا؛ فنادوا بتغريب الفتاة، وعمدوا إلى إلغاء كل تشريع إسلامي يخص المرأة، بتدرج محسوب، وخطوات بطيئة، يستدرجون بها الغافلين والغافلات، فقال قائلهم أول الأمر: مادام الرجل التركي لايقدر أن يمشي علنًا مع المرأة التركية، وهي سافرة الوجه فلست أَعُدُّ في تركيا دستورًا ولاحرية. ثم بعد هنيهة قال الآخر: ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت، ولو كان من غير المسلمين، بل ما دامت لا تعقد (مقاولة) مع رجل تعيش وإياه كما تريد، مسلمًا أو غير مسلم، فإنه لا تُعَدّ تركيا قد بلغَتْ رُقِيًّا. فالمسألة ليست منحصرة في السفور، ولاهي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجيء كيفما تشاء، بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصلة بعضها ببعض. «لَقَدْ كُنَّا وَكَانَتْ العِفَّة فِي سِقَاء مِنْ الحِجَاب موكوء فَمَا زِلْتُمْ بِهِ تَثْقُبُونَ فِي جَوَانِبه كُلّ يَوْم ثَقْبًا وَالْعِفَّة تَسَلُّل مِنْهُ قَطْرَة قَطْرَة حَتَّى تَقَبَّض وتكَرَّشَ (¬1) ثُمَّ لَمْ يُكَلِّفكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى جِئْتُمْ اليَوْم تُرِيدُونَ أَنْ تَحِلُّوا وكاءه حَتَّى لَا تَبْقِي فِيهِ قَطْرَة وَاحِدَة» (¬2). إن من أمعن النظر في حال المسلمين اليوم، وحالهم قبل عقود رأى كيف يسير ركب التغريب، وعلم أين يحُطُّ من يَمَّمَ سَمْتَهُم، واقتفى أَثَرَهُم. وكما ترى فإن الطريق بعيد، له مراحل شتى، ربما حل أول تلك المراحل طيبون، استبعدوا أن يحط بهم من يعزم قطعه، ولكن سرعان ما جاورهم آخرون، فتتابع الناس ¬

(¬1) كَرِشَ الجِلْدُ: تَقَبَّضَ، أي تَشَنَّجَ، وتخشن. (القاموس المحيط، المعجم الوسيط مادة: كرش). (¬2) كلمات من كتاب العبرات للأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي (ص39 - 54).

في طريق الفتنة؛ ولهذا كان التحذير من تلك السبيل أحد المهمات، ولاسيما بعد أن بدأ الاختلاط يشيع في المجتمعات المحافظة، فضلًا عن غيرها» (¬1). وحول الاختلاط بين الرجال والنساء غير المحارم يدور هذا الكتاب بيانًا لأحكامه وكشفًا لشبهات دعاته، وذلك من كلام أهل العلم، وتجليةً لآثاره المدمرة وثماره المرة عبر قصص واقعية، تذكرةً لمن كان له قلب , أو ألقى السمعَ وهو شهيد , وتبصرة لمن خاف عذاب الآخرة، {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103)} (هود: 103). وكان الدافع إلى كتابته تهاون بعض المنتسبين إلى الصحوة في هذا الأمر، غرَّهم في ذلك ضغط الواقع الذي يعيشون فيه، وبعض الشبهات التي كان يرددها قاسم أمين وغيره من دعاة تحرير المرأة من حجابها وعِفتها. ونسوا أنهم كانوا إلى عهد قريب في مقدمة صفوف المحاربين لهذا الاختلاط، والمنافحين عن العفة التي شهد واقع المسلمين وغيرهم بأن الاختلاط أساس تحطيمها. ولتعلم خطر التدرج في الانزلاق والاستجابة لضغط الواقع، قارن بين دفاع قاسم أمين عن الحجاب وعدم الاختلاط، وبين دوره في محاربة حجاب المرأة المسلمة ودعوته للاختلاط، فقد قام الفرنسي (الدوق داركور) ـ وهو ممن زار مصر عدة مرات ـ بإصدار كتاب في عام 1893م سماه (سر تأخر المصريين) حمل فيه على أهل مصر، مركزًا حملته على نساء مصر، ساخرًا من حجابهن وقرارهن في البيوت، مهاجمًا المثقفين المصريين لسكوتهم وعدم تمردهم على هذه الأوضاع. فلما قرأ قاسم أمين كتاب (داركور) تألم أشد الألم، وقام بالرد على كتاب (داركور) ¬

(¬1) باختصار وتصرف يسيرين من مقدمة كتاب (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره) جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق.

للدفاع عن المصريين؛ لا سيما النساء. وذلك في كتابه (المصريون). وكان من أبرز ما جاء في رده هذا: 1 - دفاعه عن الحجاب وعدم الاختلاط: يقول قاسم: «إن ديننا ... أوصى بأن يكون للرجال مجتمعهم الذي لا تدخله امرأة واحدة، وأن يجتمع النساء دون أن يُقبَل بينهن رجلٌ واحد، لقد أراد بذلك حماية الرجل والمرأة مما ينطوي عليه صدرهما من ضعف، والقضاء الجذري على مصدر الشر». ويقول: «إننا نحس جميعًا أن لنا نظامًا يرسِّخ من الاتحاد بين الزوجين، فلا نعرف نساءً غير نسائنا، كما لا تعرف زوجاتنا رجالًا غيرنا، وهذا ما يجعلنا أزواجًا متفاهمين ... ». 2 - هجومه على أوربا ونسائها: يقول: «إن عادات بعض الطبقات الأوربية ساهمت ـ كما لو كان ذلك عن قصد ـ في زيادة الفرص التي تُيَسّر السقوط ... ». ويقول: «تكشف الإحصاءات الفرنسية عن أن نسبة واحد وأربعين في المائة من نساء الهوى المعروفات رسميًا قاصرات، وأن أكثر من ربع المواليد المعروفين أبناء غير شرعيين، وأن المجتمع يفقد كل عام مائة وخمسين ألف طفل يُقتلون ساعة ولادتهم أو خلال الحمل ... ». ويقول: «إن ما هو القاعدة في أوربا ـ بخاصة فيما يتعلق بخيانة الأزواج ـ ليس في مصر إلا الاستثناء» (¬1). قارن بين قاسم أمين المعتز بدينه هنا، وبين قاسم أمين المنهزم نفسيًا أمام الغرب فكان ما كان من جنايته على المرأة المسلمة؛ وما هذا إلا ثمرة طبيعية للتدرج في الانزلاق. ¬

(¬1) انظر: المشابهة بين قاسم أمين في كتابه (تحرير المرأة) ودعاة التحرير في هذا العصر، إعداد: سليمان بن صالح الخراشي.

فتأمل قوله في كتابه (المرأة الجديدة): «لو لم يكن في الحجاب عيب إلا أنه مناف للحرية الإنسانية لكفى وحده في مقته، وفي أنه ينفر منه كل طبع غرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية، ولكن الضرر الأعظم للحجاب ـ فوق ما سبق ـ هو أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها». ويقول في موضع آخر من كتابه: «أما! الحجاب فضرره أنه يحرم المرأة من حريتها الفطرية»، ويقول: «بلغ من أمر احترام الرجل الغربي لحرية المرأة أن بنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن أو مع خادمة، ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى آخر، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما». بل يقول: «بل الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وأن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب ... توجد وسيلة تخرجكم من الحالة السيئة التي تشتكون منها، وتصعد بكم إلى أعلى مراتب المدن كما تشتهون وفوق ما تشتهون ألا وهي تحرير نسائكم من قيود الجهل والحجاب». ويقول في مسألة تربية المرأة: «لا تجد من الصواب أن تنقص تربية المرأة عن تربية الرجل أما من جهة التربية الجسمية فلأن المرأة محتاجة إلى الصحة كالرجل، فيجب أن تتعود على الرياضة كما تفعل النساء الغربيات اللائي يشاركن أقاربهن الرجال في أغلب الرياضات البدنية، ويلزم أن تعتاد على ذلك من أول نشأتها وتستمر عليه من غير انقطاع، وإلا ضعفت صحتها وصارت عرضة للأمراض». ونجده يواصل حربه على دين الله - عز وجل - فيقول عن أساليب تربية المرأة التي يلزم اتخاذها للمرأة: «ولابد هنا من استلفات النظر إلى وجوب الاعتناء بتربية الذوق عند المرأة وتنمية

الميل في نفسها إلى الفنون الجميلة، وإني على يقين من أغلب القراء لا يستحسنون أن تتعلم بناتهم الموسيقى والرسم؛ لأن منهم من يَعُدّها من الملاهي التي تنافي الحشمة والوقار، أو أنها لا فائدة منها، وقد ترتب على هذا الوهم الفاسد انحطاط درجة هذه الفنون في بلادنا إلى حد يأسف عليه كل من عرف مالها من الفائدة في ترقية أحوال الأمم». هذه بعض أقوال كبيرهم الذي علمهم السحر، وهي كما ترى أقوال متناقضة متهافتة لدى كل ذي بصيرة ولا أدل على ذلك من أنه منع زوجته من ممارسة كل ما سبق (¬1). إن الخير كل الخير في الأخذ بهذا الدين العظيم والعمل به في كل جوانب الحياة، صغيرها وكبيرها كما يريد الله - عز وجل -، والشر كل الشر، والخطر كل الخطر، والضياع والخسران هو في البعد عنه وتركه، أو العمل ببعضه وترك بعضه، لأن هذه صفات مذمومة، وأهلها ممقوتون عند الله؛ لأنه لا ينبغي للمسلم أن يطيع الله فقط في الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصيام، بينما يعصيه في الأمور الأخرى التي تتعلق بالحياة كالأمر بالحجاب وعدم الاختلاط والتي أمر بها رب العالمين خضوعًا للعادات والتقاليد. ويقال للمهزومين نفسيًا والمفتونين بما عليه الغرب: لَا يَخْدَعَنَّكَ عَنْ دِينِ الهُدَى نَفَرٌ ... لَمْ يُرزَقُوا في الْتِمَاسِ الْحَقِّ تَأْيِيدَا عُمْيُ الْقُلُوبِ عَمُوا عَنْ كُلِّ ... فَائِدَةٍ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ تَقْلِيدَا (¬2) وفي الختام أودُّ أن أنبه أن نقل أقوال بعض العلماء في مسألة الاختلاط لا يعني الإقرار بما يتبناه هذا العالم أو ذاك من آراء تخالف الكتاب والسنة. ¬

(¬1) انظر: المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها). (¬2) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد بن المقري التلمساني (4/ 117)، والبيتان لعبد الحق الإشبيلي - رحمه الله -.

وأودُّ أن أنبه أن القارئ الكريم قد يلاحظ اختلافًا بين بعض الفتاوى التي أنقلها عن أهل العلم، وهذا يرجع إلى الإجمال أو التفصيل في الفتوى، أو إلى اختلاف اجتهادات المفتين في تصورهم للواقع المسئول عنه، وبالتالي تقديرهم للمصالح والمفاسد. وأسأل الله العظيم ـ ربَّ العرش العظيم ـ أن يهدينا سبلنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ينفع المسلمين بهذه الورقات، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. شحاتة محمد صقر [email protected]

قرار المرأة في بيتها هو الأصل

قرار المرأة في بيتها هو الأصل (¬1) إن قرار المرأة في بيتها هو الأصل، فهو عزيمة شرعية في حقهن، وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة (¬2)، بضوابط الخروج ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 17 - 21). المرأة المسلمة والمشاركة السياسية أقوال الأعلام من علماء الإسلام، د. سامي محمد صالح الدلال، مجلة البيان، (العدد 206). (¬2) الضرورة عند الأصوليين: هي الأمور التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا وهي حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال. بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. والحاجة: ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المصلحة، فإذا لم تراع دخل على المكلفين ـ على الجملة ـ الحرج والمشقة. والفرق بين الحاجة والضرورة، أن الحاجة وإن كانت حالة جهد ومشقة فهي دون الضرورة، ومرتبتها أدنى منها ولا يتأتى بفقدها الهلاك. فالضرورة هي: بلوغ الإنسان حدًّا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب الهلاك. والحاجة هي الافتقار إلى الشيء الذي إذا توفر للإنسان رفع عنه الحرج والمشقة، وإذا لم يتحقق له لم يحصل له فساد عظيم، مثل الجائع الذي إذا لم يأكل لم يهلك. الفروق التي بين الحاجة والضرورة: 1 - المشقة في الحاجة أقل منها في الضرورة فالمشقة في الحاجة لا يؤدي فواتها لمهلكة كالطحلب في مياه الآبار والأوراق التي تتغير فيه فرفع المشقة في الحاجة من باب رفع الحرج، بعكس الضرورة فإن رفع المشقة من باب رفع الضرر فلو تركت لأدت إلى المساس بأحد مقاصد الشريعة الستة كالهلاك أو فقدان عضو أو فقدان مال وما شابه. 2 - الضرورة تتعلق بالاستفادة من الحرام لذاته أما الحاجة فمن الحرام لغيره. 3 - باعث الضرورة الإلجاء، وباعث الحاجة التيسير، ومعنى ذلك أنه في الحاجة مخير بين التلبس بالحاجة أو عدم التلبس بها، في حين أنه في الضرورة لا خيار له، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بعد كلامه عن مسألة قد تكون مِنْ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ: «وَكُلَّمَا جَوَّزَ لِلْحَاجَةِ لَا لِلضَّرُورَةِ كَتَحَلِّي النِّسَاءِ بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالتَّدَاوِي بِالذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ؛ لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا؛ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ فِي هَذَا تَكْمِيلُ الِانْتِفَاعِ؛ فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ النَّاقِصَةَ يَحْصُلُ مَعَهَا عَوَزٌ يَدْعُوهَا إلَى كَمَالِهَا. فَهَذِهِ هِيَ الْحَاجَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا الضَّرُورَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِعَدَمِهَا حُصُولُ مَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ الْعَجْزُ عَنْ الْوَاجِبَاتِ كَالضَّرُورَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَتِلْكَ الضَّرُورَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ هَذَا». (مجموع الفتاوى: 31/ 225 - 226). وقد يكون المرور بالحرام لغيره لا مفر منه ومن هنا قد تفقد القاعدة السابقة فيكون الحكم حكم ضرورة لا حكم حاجة كنظرة الطبيب للمريضة ولا يسع الوقت لكي تراها طبيبة كالولادة ليلًا مثلًا ولا طبيبة تولّد وما شابه فهذه أقرب للضرورات منها للحاجات. 4 - الضرورة شدة وضيق ومشقّة تبيح المحرّم، كالميتة والدم ولحم الخنزير، والحاجة: افتقار ونقص فهي أعم من الضرورة. 5 - الضرورة أدلتها واضحة أما الحاجة فعادة ترجع لغلبة الظن وأدلتها عامة. 6 - الضرورة شخصية، لا ينتفع بها غير المضطر، والحاجة لا يشترط فيها تحقق الاحتياج في آحاد أفرادها إنما يكفي غلبة الظن في احتياجها. 7 - الضرورة ترفع الحرام أما الحاجة فترفع الوسائل المؤدية إلى الحرام وهذا جزء من الفرق الثاني. 8 - الضرورة تبيح الكثير واليسير، والحاجة تبيح اليسير لا الكثير. 9 - الضرورة يقدرها صاحبها أما الحاجة فيقدرها المجتهد. 10 - الضرورة لا بد أن تكون متيقنة أو متوقعة وليست متوهمة بعكس الحاجة فقد تكون متوقعة أو متيقنة عامة لكن ليست كذلك خاصة في فرد معين فيعتبر في تقدير الحاجة حالة الشخص المتوسط العادي في موضع معتاد، ولا صلة له بالظروف الخاصة به؛ لأن التشريع يتصف بصفة العموم والتجرد. 11 - حكم الضرورة مؤقت بزمان تلك الضرورة، وحكم الحاجة مستمر، ومع هذا فقد تطلق الضرورة ويراد بها الحاجة، على أن حكم هذه القاعدة ليس على إطلاقه فقد اشترط العلماء في الحاجة المبيحة للمحظور شروطًا أهمها ما يلي: أ- أن تكون الشدة الباعثة على مخالفة الحكم الشرعي الأصلي بالغة درجة الحرج غير المعتاد. ب- أن يكون الضابط في تقدير تلك الحاجة النظر إلى أواسط الناس ومجموعهم بالنسبة إلى الحاجة العامة، وإلى أواسط الفئة المعينة التي تتعلق بها الحاجة إذا كانت خاصة. ت- أن تكون الحاجة متعينة بألا يوجد سبيل آخر للتوصل إلى الغرض سوى مخالفة الحكم العام. ث- أن تقدر تلك الحاجة بقدرها كما هو الحال بالنسبة إلى الضرورات. ج- ألا يخالف الحكم المبني على الحاجة نصًّا من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على حكم ذلك الأمر بخصوصه، وألا يعارض قياسًا صحيحًا أقوى منه، وأن يكون مندرجًا في مقاصد الشرع، وألا تفوت معه مصلحة أكبر». انظر كتاب: (الفرق بين الضرورة والحاجة تطبيقا على بعض أحوال الأقليات المسلمة للشيخ عبد الله بن بَيَّه)، كتاب: (القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير) للشيخ عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه، رقم الفتوى:127340).

الشرعية (¬1)؛ قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33). فقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ليس مقصورًا على نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو قول جمهور المفسرين منهم: 1 - القرطبي - رحمه الله -، قال: «مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِلُزُومِ الْبَيْت , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب لِنِسَاءِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَدْ دَخَلَ غَيْرهنَّ فِيهِ بِالْمَعْنَى. هَذَا لَوْ لَمْ يَرِد دَلِيل يَخُصّ جَمِيع النِّسَاء , كَيْف وَالشَّرِيعَة طَافِحَة بِلُزُومِ النِّسَاء بُيُوتهنَّ , وَالِانْكِفَاف عَنْ الْخُرُوج مِنْهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ» (¬2). 2 - ابن كثير - رحمه الله -، قال في تفسيره لهذه الآية: «هذه آداب أمر الله ـ تعالى ـ بها نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك» (¬3). 3 - العلامة الآلوسي البغدادي - رحمه الله -، قال: «والمراد على جميع القراءات أمرهن ـ رضي الله عنهن ـ بملازمة البيوت، وهو أمر مطلوب من معاشر النساء» (¬4). 4 - الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف - رحمه الله -، قال في تفسيره لقوله - عز وجل -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}: «الزمنها! فلا تخرجن لغير حاجة مشروعة، ومثلهن في ذلك سائر نساء المؤمنين» (¬5). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة، للشيخ بكر أبوزيد (ص 89 - 90). (¬2) تفسير القرطبي (14/ 178). (¬3) تفسير ابن كثير3/ 482 .. (¬4) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (22/ 6). (¬5) صفوة البيان لمعاني القرآن» (ص 531).

5 - ابن العربي المالكي - رحمه الله -، قال: «قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، يعني اسكُنَّ فيها ولا تتحرَّكن, ولا تبرحن منها» (¬1). 6 - الجصاص - رحمه الله -، قال في الآية الآنفة: «وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت، منهيات عن الخروج» (¬2). وقد نص غير واحد من أهل العلم على أن المرأة تلزم بيتها لاتخرج منه إلاّ لضرورة، قال ابن الحاج: «خروج المرأة لايكون إلاّ لضرورة شرعية» (¬3). وقال الشيخ بكر أبوزيد: «ومَنْ نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة ـ والله أعلم ـ مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، وقال سبحانه: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب: 34)، وقال عز شأنه: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} (الطلاق: 1) (¬4). ومع ذلك قد تقتضي الحاجة خروج النساء، وعندها فلا حرج في خروجهن إذا أُمِنَتْ الفتنة، وكان خروجها منضبطًا بضوابط الشريعة، فلا تخرج متطيبة ولا متزينة، أو متبرجة ولا سافرة، ولاتزاحم الرجال في وسط الطرقات، بل تلتزم حافتها، وإذا ¬

(¬1) أحكام القرآن (3/ 569). (¬2) أحكام القرآن للجصاص (3/ 529). (¬3) المدخل (2/ 12). (والمقصود بالضرورة الحاجة المعتبرة شرعًا فضلًا عن الضرورات. (د/ ياسر). (¬4) حراسة الفضيلة (ص89 - 90).

احتاجت إلى الكلام مع الأجانب فلا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، فمتى انقضت الحاجة أو ارتفعت الضرورة عاد كل إلى أصله. أما إذا لم تكن هناك حاجة فقد قال الله - عز وجل -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، ومع هذا الأمر بالقرار وحذرًا من مغبة الاختلاط منع من الدخول على النساء، وكل ذلك لعظم فتنة النساء؛ قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} (آل عمران:14)، فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك» (¬1). ومما سبق نخلص إلى أن الأصل أمْر النساء بلزوم البيوت، ونهيهن عن الخروج منها، أما عند الحاجة فيجوز لها أن تخرج ومن ذلك خروجها للعبادة، كالصلاة في المسجد رغم أن صلاتها في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد، وكصلاة العيدين، ويجوز للمرأة أن تخرج للحج على أن تكون مع محرم، ويجوز لها الخروج لزيارة الآباء , والأمهات , وذوي المحارم , وشهود موت من ذكر , وحضور عرسه وقضاء حاجة لا غَناء للمرأة عنها ولا تجد من يقوم بها. والدليل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قَدْ أَذِنَ اللهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ» (رواه البخاري ومسلم). فللمرأة أن تخرج من بيتها، ويكون هذا الخروج ممثلًا لحركة طارئة من حيث الأصل، ومنضبطًا بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة «القرار»، ومن ذلك: 1 - أن يكون خروج المرأة غير بغير فتنة , أما التي يخشى الافتتان بها فلا تخرج إلا إذا ¬

(¬1) تحفة الأحوذي (8/ 53)، وانظر عمدة القاري (20/ 89).

أزالت أسباب الفتنة بها كالتبرج مثلًا؛ قالتعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33). 2 - أن تكون الطريق مأمونة من تَوَقُّعِ المفسدة وإلا حَرُمَ خروجُها. 3 - أن يكون خروجها في زمن أمن الرجال ولا يفضي إلى خلوتها أو اختلاطها بهم الاختلاط المحرم؛ لأن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر. 4 - الالتزام بالحجاب فيكون خروجها في تستر تام، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59). 5 - أن يكون الخروج بإذن الزوج , فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه. 6 ـ أن لا يؤدي خروجها إلى خلل في أداء واجباتها الأصلية في مقرها وهو المنزل. 7 ـ الالتزام بغض البصر؛ قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31). 8 ـ عدم التعطر أو إصابة البخور؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ» (رواه الإمام أحمد والنسائي، وحسنه الألباني). 9 - عدم الخضوع بالقول إذا كان هناك حاجة إلى مخاطبة الرجال.

معنى الخضوع بالقول

معنى الخضوع بالقول: قال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونساء الأمة تبعٌ لهن في ذلك، فقال مخاطبًا لنساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنهن إذا اتقين الله كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنزلة. ثم قال: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} قال السُّدِّي وغيره: «يعني بذلك: ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال»؛ ولهذا قال: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: دَغَل، {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} قال ابن زيد: «قولًا حسنًا جميلًا معروفًا في الخير». ومعنى هذا: أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها (¬1). قال البغوي: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} لَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ وَلَا تُرَقِّقْنَ الْكَلَامَ؛ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أَيْ: فُجُورٌ وَشَهْوَةٌ، وَقِيلَ: نِفَاقٌ، وَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْنَ قَوْلًا يَجِدُ مُنَافِقٌ أَوْ فَاجِرٌ بِهِ سَبِيلًا إِلَى الطَّمَعِ فِيكُنَّ. وَالْمَرْأَةُ مَنْدُوبَةٌ إِلَى الْغِلْظَةِ فِي الْمَقَالَةِ إِذَا خَاطَبَتِ الْأَجَانِبَ لِقَطْعِ الْأَطْمَاعِ (¬2). وقال القرطبي: «أَمَرَهُنَّ اللهُ أَنْ يَكُون قَوْلهنَّ جَزْلًا وَكَلَامهنَّ فَصْلًا , وَلَا يَكُون عَلَى ¬

(¬1) تفسير ابن كثير (3/ 482). (¬2) تفسير البغوي (6/ 348).

وَجْه يُظْهِر فِي الْقَلْب عَلَاقَة بِمَا يَظْهَر عَلَيْهِ مِنْ اللِّين , كَمَا كَانَتْ الْحَال عَلَيْهِ فِي نِسَاء الْعَرَب مِنْ مُكَالَمَة الرِّجَال بِتَرْخِيمِ الصَّوْت وَلِينه , مِثْل كَلَام الْمُرِيبَات وَالْمُومِسَات. فَنَهَاهُنَّ عَنْ مِثْل هَذَا. {مَرَضٌ} أَيْ شَكّ وَنِفَاق , عَنْ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ. وَقِيلَ: تَشَوُّف الْفُجُور , وَهُوَ الْفِسْق وَالْغَزَل , قَالَهُ عِكْرِمَة. وَهَذَا أَصْوَبُ , وَلَيْسَ لِلنِّفَاقِ مَدْخَل فِي هَذِهِ الْآيَة. وَالْمَرْأَة تُنْدَب إِذَا خَاطَبَتْ الْأَجَانِب وَكَذَا الْمُحَرَّمَات عَلَيْهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إِلَى الْغِلْظَة فِي الْقَوْل , مِنْ غَيْر رَفْع صَوْت , فَإِنَّ الْمَرْأَة مَأْمُورَة بِخَفْضِ الْكَلَام. وَعَلَى الْجُمْلَة فَالْقَوْل الْمَعْرُوف: هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لَا تُنْكِرهُ الشَّرِيعَة وَلَا النُّفُوس» (¬1). وخضوع المرأة بالقول يفتح باب زنا الأذن، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ». (رواه مسلم). وقد يفتح باب العشق وإن لم يرها الرجل كما أنشد أعمى: يا قومِ أذني لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ ... والأذْنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانَا ¬

(¬1) تفسير القرطبي (14/ 177 - 178).

بعض أحكام النظر

بعض أحكام النَظَرُ (¬1) كُلُّ الحوادثِ مبدؤُها مِن النظرِ ... ومعظمُ النارِ مِن مُستصغَرِ الشرر كمْ نظرةٌ بلغتْ في قلبِ صاحبِها ... كمَبلَغِ السهمِ بينَ القوسِ والوتر والعبدُ ما دامَ ذا طرْفٍ يقلّبُهُ ... في أعيُنِ الْغِيْدِ مَوْقُوفٌ عَلْى الْخَطَر يَسُرُّ مُقْلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَتَهُ ... لا مرحبًا بسرورٍ عادَ بالضررِ (¬2) اتِّفَقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ. والشَّهْوَةُ لُغَةً: اشْتِيَاقُ النَّفْسِ إِلَى الشَّيْءِ، وَالْجَمْعُ: شَهَوَاتٌ. وَاشْتَهَاهُ وَتَشَهَّاهُ: أَحَبَّهُ وَرَغِبَ فِيهِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَوَقَانُ النَّفْسِ إِلَى الْمُسْتَلَذَّاتِ. ومن النظر بشهوة تكرار النظر وإمعانه وهذا لا يجوز؛ فالمسلم ليس له إلا النظرة الأولى ـ وهي نظرة الفجأة ـ فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى (رواه مسلم)، وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعليِّ - رضي الله عنه -: «يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ». (رواه الترمذي وحسنه الألباني). ¬

(¬1) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (26/ 264، 31/ 48 - 53، 40/ 340 - 372)، فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 290، 297)، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 274 - 277). ومعظم المصادر الفرعية في هذا الموضوع عن الموسوعة الفقهية. (¬2) امرأة غَيْداءُ وغادَةٌ، أي ناعمةٌ بيِّنة الغَيَدِ: أي النُعومة.

نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية الشابة

قال الشيخ الألبانى - رحمه الله -: «لا يجوز للمرأة أن تكرر النظر إلى الرجل، كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرر النظر إلى المرأة؛ إلا فى حالة واحدة وهي حالة الخطبة» (¬1). جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «س: هل يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية أكثر من نظر الفجأة؟ ج: لا يجوز له النظر إليها أكثر من نظر الفجأة، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، كما في حالة الإنقاذ من غرق، أو حريق، أو هدم أو نحو ذلك، أو في حالة كشف طبي، أو علاج مرض إذا لم يتيسر أن يقوم بذلك من النساء» (¬2). نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُل إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور: 30)، وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ: فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ» (رواه البخاري ومسلم). والْوَجْهُ والكَفَّانِ مِنْ عَوْرَةِ المرْأةِ، فَيَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُل بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا، سَوَاءٌ أَخَافَ الْفِتْنَةَ مِنَ النَّظَرِ أَمْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ، وَالدَّلِيلُ: 1 - ِقَوْلُهِ تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53)؛ فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُبَاحًا لَمَا أَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَسْأَلُوا نِسَاءَ النَبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ¬

(¬1) فتاوى المرأة المسلمة (ص 515، 516)، عن (جمع الشتات في حكم نظر النساء للرجال والشاشات) ص 9. (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 17).

مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَلأَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُنَّ مُوَاجَهَةً، قَال الْقُرْطُبِيُّ: «فِي هَذِهِ الآْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ، أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتِينَ بِهَا، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيعُ النِّسَاءِ بِالْمَعْنَى، وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُول الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ، بَدَنَهَا وَصَوْتَهَا (¬1)، فَلاَ يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعْرِضُ وَتَعَيَّنَ عِنْدَهَا» (¬2). 2 - ِقَوْلُهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59). وَقَدْ بَيَّنَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَجْهَ الاِسْتِدْلاَل بِهَذِهِ الآْيَةِ وَالْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَقَال: «قَبْل أَنْ تَنْزِل آيَةُ الْحِجَابِ كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ بِلاَ جِلْبَابٍ يَرَى الرَّجُل وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا، وَكَانَ إِذْ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَكَانَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا، لأَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا إِظْهَارُهُ، ثُمَّ لَمَّا أَنْزَل اللهُ ـ عَزَّ وَجَل ـ آيَةَ الْحِجَابِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} حُجِبَ النِّسَاءُ عَنِ الرِّجَال» (¬3). 3 - الأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ تَنْهَى عَنِ النَّظَرِ الْمُتَعَمَّدِ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى النَّظْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ نَظَرُ الْفُجَاءَةِ، وَقَدْ جَاءَتْ عَامَّةً تَشْمَل جَمِيعَ بَدَنِ الْمَرْأَةِ، وَكُل مَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأْخْبَارِ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ (¬4). ¬

(¬1) قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «قول القرطبي - رحمه الله -:إن صوت المرأة عورة؛ يعني إذا كان ذلك مع الخضوع , أما صوتها العادي فليس بعورة». (مجموع فتاوى ابن باز (5/ 231). (¬2) تفسير القرطبي (14/ 227). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (2/ 110، 111). (¬4) المغني (7/ 460)، والحاوي الكبير (9/ 35).

نظر الرجل إلى الأجنبية العجوز

4 - إِنَّ اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الْمَرْأَةِ بِشَهْوَةٍ أَوْ عِنْدَ خَوْفِ حُدُوثِهَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَسَائِرِ الأَعْضَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فِي جَمِيعِ الأَحْوَال، لأَنَّ خَوْفَ الْفِتْنَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ مَوْجُودٌ دَائِمًا، وَبِخَاصَّةٍ إِلَى الْوَجْهِ، لأِنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِ (¬1). 5 - إِنَّ إِبَاحَةَ نَظَرِ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَخْطُبَهَا يَدُل عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ خِطْبَتِهَا، إِذْ لَوْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى الإِْطْلاَقِ، فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ (¬2). نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الأَْجْنَبِيَّةِ الْعَجُوزِ: لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ إِلَى الْعَجُوزِ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ مَعَ وِجْدَانِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَلاَ قَصْدِ التَّلَذُّذِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْل الأَْوَّل: يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إِذَا كَانَتْ: - لاَ تُشْتَهَى. - وَغَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينَةٍ. وَهَذَا هُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لِقَوْل اللهِ تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} (النور: 60)، وَالْقَوَاعِدُ هُنَّ الْعَجَائِزُ اللَّوَاتِي قَعَدْنَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِسَبَبِ كِبَرِ السِّنِّ، وَقَعَدْنَ عَنِ الْوَلَدِ وَالْمَحِيضِ، وَذَهَبَتْ شَهْوَتُهُنَّ، فَلاَ يَشْتَهِينَ وَلاَ يُشْتَهَيْنَ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ وَضْعُ ¬

(¬1) الحاوي الكبير (9/ 35)، ونهاية المحتاج (6/ 187)، والمغني (7/ 460). (¬2) نفس المصدر السابق.

نظر الرجل إلى الصغيرة

الْجِلْبَابِ وَالْخِمَارِ، لاِنْصِرَافِ الأَنْفُسِ عَنْهُنَّ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِ الرِّجَال إِلَيْهِنَّ، فَأُبِيحَ لَهُنَّ مَا لَمْ يُبَحْ لِغَيْرِهِنَّ، فَجَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِنَّ لاِنْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ لاَ يَكُنَّ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ، أَيْ مُظْهِرَاتٍ وَلاَ مُتَعَرِّضَاتٍ بِالزِّينَةِ لِيُنْظُرَ إِلَيْهِنَّ. الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الأَْجْنَبِيَّةِ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا، فَيَحْرُمُ كُلُّهُ، وَلاَ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْعَجُوزِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُشْتَهَى، وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الأَْرْجَحُ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، وَلأَنَّ الشَّهْوَةَ لاَ تَنْضَبِطُ بِضَابِطٍ. نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الصَّغِيرَةِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الصَّغِيرَةِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ، مَهْمَا كَانَ عُمْرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ الْعُضْوُ الْمَنْظُورُ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ سِوَى الْفَرْجِ مِنْهَا. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَفِي تَقْدِيرِ السِّنِّ الَّتِي تَبْلُغُ فِيهَا حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَفِيمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ. نَظَرُ الرَّجُل إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ: ذَوَاتُ مَحَارِمِ الرَّجُل هُنَّ جَمِيعُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّوَاجُ مِنْهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رِضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل النَّظَرُ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا، وَعَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ

نظر غير أولي الإربة من الرجال إلى المرأة

إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ. وعَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا هِيَ غَيْرُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَحَارِمِهَا كَأَبِيهَا رُؤْيَةُ هَذِهِ الأَْعْضَاءِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَتَلَذُّذٍ. نَظَرُ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال إِلَى الْمَرأَةِ: غَيْرُ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال حُكْمُهُمْ فِي النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ كَحُكْمِهِمْ فِي النَّظَرِ إِلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِمْ، وَهُوَ جَوَازُهُ إِلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} (النور: 31)، وَالْعَطْفُ بَـ (أَوْ) يُفِيدُ التَّسَاوِيَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُمُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا مِنَ النِّسَاءِ لِلْحَاجَةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّقَبَةُ وَالْيَدُ وَالْقَدَمُ وَالسَّاقُ وَالرَّأْسُ، وَقِيل: لَيْسَ لَهُمُ النَّظَرُ إِلاَّ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَالإِْرْبَةُ هِيَ حَاجَةُ الرِّجَال إِلَى النِّسَاءِ وَمَيْلُهُمْ إِلَيْهِنَّ، وغَيْرُ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال هُمْ كُل مَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِكِبَرٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْخَصِيُّ وَالْمُخَنَّثُ الَّذِي لاَ شَهْوَةَ لَهُ (¬1). قَال الْقُرْطُبِيُّ: «{غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} أَيْ غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ، وَاخْتَلَفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ}، وَالاِخْتِلاَفُ كُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى ¬

(¬1) المغني (7/ 492، 463).

نظر الصغير إلى المرأة الأجنبية

وَيَجْتَمِعُ فِيمَنْ لاَ فَهْمَ لَهُ وَلاَ هِمَّةَ يَنْتَبِهُ بِهَا إِلَى أَمْرِ النِّسَاءِ» (¬1). نَظَرُ الصَّغِيرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الطِّفْل الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لاَ حِجَابَ مِنْهُ، لَكِنْ فَرَّقَ الإِْمَامُ فِي نَظَرِ الصَّبِيِّ بَيْنَ ثَلاَثِ دَرَجَاتٍ: الأُولَى: أَنْ لاَ يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى فَهَذَا حُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ، وَيَجُوزُ التَّكَشُّفُ لَهُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى، وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ فِيهِ ثَوَرَانُ شَهْوَةٍ وَتَشَوُّفٍ نَحْوَ النِّسَاءِ، فَهَذَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ أَمَامَهُ مَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ أَمَامَ مَحَارِمِهَا. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْلُغَ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَرَى وَيَكُونَ فِيهِ ثَوَرَانُ شَهْوَةٍ وَتَشَوُّفٍ فَهَذَا كَالْبَالِغِ. نَظَرُ الْمُرَاهِقِ إِلَى الْمَرْأَةِ: الْمُرَاهِقُ هُوَ مَنْ قَارَبَ الاِحْتِلاَمَ وَلَمْ يَحْتَلِمْ بَعْدُ، بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَشَوُّفٌ إِلَى النِّسَاءِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمُوَاقَعَةِ وَالْجِمَاعِ، وَقَدَّرَ بَعْضُهُمُ الْمُرَاهَقَةَ بِمَا يُقَارِبُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَظَرِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مِثْل هَذَا الصَّبِيِّ أُمِرَ بِالاِسْتِئْذَانِ فِي بَعْضِ الأَْوْقَاتِ، بِقَوْلِهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى ¬

(¬1) تفسير القرطبي (12/ 234).

بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) (النور: 58). وَبِقَوْلِهِ تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (النور: 31)، أَيِ الَّذِينَ لاَ يُمَيِّزُونَ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ وَلَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَهُوَ يَدُل بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ يُمَيِّزُونَ الْعَوْرَةَ وَبَلَغُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ لاَ يَحِل لَهُمْ أَنْ يَطَّلِعُوا عَلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ الأْجْنَبِيَّةِ، وَلاَ يَحِل لَهَا أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا لَهُمْ، وَيَجِبَ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ النَّظَرِ كَمَا يَلْزَمُهُ مَنْعُهُ سَائِرَ الْمُحَرَّمَاتِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْمُرَاهِقَ، فِي النَّظَرِ إِلَى الأَجْنَبِيَّةِ، كَالْبَالِغِ مَعَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) (النور: 59 (فَأَمَرَ بِالاِسْتِئْذَانِ إِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ فَدَل عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَبْلُغِ الأْطْفَال الْحُلُمَ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَحِل لَهُمُ النَّظَرُ إِلَى مَوَاضِعَ زَائِدَةٍ عَمَّا يَحِل لِلْبَالِغِ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَأْذَنَتْ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الْحِجَامَةِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَبَا طَيْبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا، قَال: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: «كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ غُلاَمًا لَمْ يَحْتَلِمْ» (رواه مسلم).

نظر الرجل إلى الرجل

نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الرَّجُل: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُ الرَّجُل إِلَى الرَّجُل بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ مِنَ الرَّجُل إِلَى عَوْرَتِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَيَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا سِوَاهَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَال: «لاَ يَنْظُرُ الرَّجُل إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُل وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ» (رواه مسلم). وعَوْرَةَ الرَّجُل مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. والْفَخِذُ مِنَ الْعَوْرَة فَلَا يجُوزُ كَشْفُهُ وَلَا النَّظَرُ إلَيْهِ. نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ: نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَيِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُل الأَجْنَبِيِّ يَكُونُ حَرَامًا إِذَا قَصَدَتْ بِهِ التَّلَذُّذَ أَوْ عَلِمَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا وُقُوعُ الشَّهْوَةِ أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ احْتِمَال حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ حُدُوثِهَا مُتَسَاوِيَيْنِ، لأَنَّ النَّظَرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى مَنْ لاَ يَحِل بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ نَوْعُ زِنًا، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ. أَمَّا إِذَا كَانَ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الأَْجْنَبِيِّ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ يَقِينًا فالرَّاجِحُ أنَّه لَا يجُوز أيضًا أَنْ تَنْظُرَ إلى أَيَّ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِه، وهو قول جمهور العلماء وأكثر الصحابة كما سيأتي من كلام الإمام النووي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى الْأَجَانِبِ مِنْ الرِّجَالِ بِشَهْوَةِ وَلَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَصْلًا» (¬1). وقال الحافظ ابن كثير: «ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلًا» (¬2). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/ 378). (¬2) عند تفسير قول الله - عز وجل -: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}.

قال الشوكاني: «وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ نَظَرُ الرَّجُلِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ نَظَرُ الْمَرْأَةِ، ... ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ، وَلِقَوْلِهِ تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور: 31)، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْآدَمِيِّينَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَرُ إلَى النَّوْعِ الْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى الرِّجَالِ وَيُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمَ لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْفُ الْفِتْنَةِ، وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ أَبْلَغُ فَإِنَّهَا أَشَدُّ شَهْوَةً وَأَقَلُّ عَقْلًا، فَتُسَارِعُ إلَيْهَا الْفِتْنَةُ أَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ» (¬1). وَممَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أيْضًا حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اِحْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقَالَتَا: «إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر»، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟» (¬2). ¬

(¬1) نيل الأوطار (6/ 137 - 138). (¬2) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: «هُوَ حَدِيث حَسَن»، وقال النووي: «وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدْح مِنْ مَنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة» شرح صحيح مسلم (10/ 77)، وقد اختلف قول الحافظ ابن حجر فيه فقال في (الفتح 1/ 550): «وَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ»، وقال في موضع آخر (9/ 337): «إِسْنَاده قَوِيّ، وَأَكْثَر مَا عَلَّلَ بِهِ اِنْفِرَاد الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَان وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَة، فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَب أُمّ سَلَمَة وَلَمْ يُجَرِّحهُ أَحَد لَا تُرَدّ رِوَايَته». وقال في (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: «لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ سِوَى نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ شَيْخِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ وُثِّقَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا احْتَجَبَتْ مِنْ أَعْمَى، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْك، قَالَتْ: لَكِنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ» اهـ. وقال العينى: وهو حديث صحَّحه الأئمة بإسناد قوى. ومِمَّن صحَّحه: التركمانى في الجوهر النقى, والشوكانى في نيل الأوطار. وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد: إسناده صالح. والحديث قد ضعفه الألباني والأرنؤوط ومصطفى العدوي.

الرد على من قال بجواز نظر المرأة إلى الرجل بدون شهوة

الرد على من قال بجواز نظر المرأة إلى الرجل بدون شهوة: 1 - الجواب عن حديث فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنها -: قال الإمام النووي في شرحه للحديث الذي رواه مسلم عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ «تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي؛ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ»: «مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - كَانُوا يَزُورُونَ أُمّ شَرِيك وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّ عَلَى فَاطِمَة مِنْ الِاعْتِدَاد عِنْدهَا حَرَجًا، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهَا التَّحَفُّظ مِنْ نَظَرهمْ إِلَيْهَا وَنَظَرهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَاف شَيْء مِنْهَا، وَفِي التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَة دُخُولهمْ وَتَرَدُّدهمْ مَشَقَّة ظَاهِرَة، فَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك. وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ بَعْض النَّاس بِهَذَا عَلَى جَوَاز نَظَر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَافِ نَظَره إِلَيْهَا، وَهَذَا قَوْل ضَعِيف، بَلْ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَكْثَر الصَّحَابَة أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} و {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (¬1)، وَلِأَنَّ الْفِتْنَة مُشْتَرَكَة وَكَمَا يَخَاف الِافْتِتَان بِهَا تَخَاف الِافْتِتَان بِهِ. ¬

(¬1) النور: (30 - 31).

2 - الجواب عن حديث نظر عائشة - رضي الله عنها - إلى الحبشة

وَيَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّة حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اِحْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقَالَتَا: «إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر»، فَقَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ؟»، وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا، قَالَ التِّرْمِذِيّ: «هُوَ حَدِيث حَسَن»، وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدْح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة. وَأَمَّا حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس مَعَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم، فَلَيْسَ فِيهِ إِذْن لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَن عِنْده مِنْ نَظَر غَيْرهَا وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا فَيُمْكِنهَا الِاحْتِرَاز عَنْ النَّظَر بِلَا مَشَقَّة بِخِلَافِ مُكْثهَا فِي بَيْت أُمّ شَرِيك» (¬1). وقال الشوكاني: «وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ مِنْهَا وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ فِي الْبَيْتِ وَالنَّظَرِ» (¬2). 2 - الجواب عن حديث نظر عائشة - رضي الله عنها - إلى الحبشة: عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِى أَسْأَمُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ». (رواه البخاري ومسلم). كانت عائشة - رضي الله عنها - جارية صغيرة لم تبلغ المحيض، يوضح ذلك رواية أخرى لمسلم ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (10/ 97). (¬2) نيل الأوطار (6/ 138).

3 - الجواب عن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في مضي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فذكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة

أنها قَالَتْ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ». قال الشوكاني: «وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ عَلَى مَا تَقْضِي بِهِ الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا احْتِجَابُهَا مِنْ الْأَعْمَى (¬1)، وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ صَغِيرَةً دُونَ الْبُلُوغِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ» (¬2). 3 - الجواب عن ِالْحَدِيثِ الذي رواه البخاري ومسلم فِي مُضِيِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إلَى النِّسَاءِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ: قال الشوكاني: «وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّظَرَ مِنْهُنَّ إلَيْهِمَا لِإِمْكَانِ سَمَاعِ الْمَوْعِظَةِ وَدَفْعِ الصَّدَقَةِ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ» (¬3). نظر النساء إلى الرجال على شاشات التلفاز والحاسوب (¬4): لا فرق بين نظر المرأة إلى الرجل في الحقيقة وبين نظرها إليه على الشاشة لِمَا في النظر إلى صورهم من خشية الفتنة، قال الشيخ أبو ذر القملونى: «ينبغي على النسوة المسلمات اجتناب صور المشايخ فى دروس أقراص الحاسوب المدمجة (أي ما يُسمى ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير): «وَعِنْدَ مَالِكٍ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا احْتَجَبَتْ مِنْ أَعْمَى، فَقِيلَ لَهَا: إنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْك، قَالَتْ: لَكِنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ». (¬2) نيل الأوطار (6/ 138). (¬3) نيل الأوطار (6/ 138). (¬4) انظر: جمع الشتات فى حكم نظر النساء للرجال والشاشات، جمع وترتيب: أبو عبد الرحمن محمد بن عمران.

نظر المرأة إلى محارمها من الرجال

بالكمبيوتر)، وما يشابهها بالفيديو والقنوات الفضائية، وأن يُكتفى بسماع الصوت». وقال أيضًا: «وقد وقع من بعض النسوة ما يندى له الحبين، فواحدة تقول: يا محْلَى الشيخ، يا عيون الشيخ، يا جمال الشيخ، وأخرى تقول: الشيخ الفلاني أجمل، وثالثة تقول: عيون الشيخ الفلانى لونها كذا، ورابعة تقول: يد الشيخ الفلانى بيضاء للغاية، بل قد صارت بعض النسوة ترى أن الأجمل من المشايخ هو الأكثر علمًا، وهذا رجل يجلس مع زوجته فظهر الشيخ على الشاشة فقالت زوجته: ها هم الرجال لا غيرهم؛ قالت هذه الجملة بالعامية، كل هذه الأخبار عن ثقة سواء كانت أقوال الرجال أو النساء». وقال أيضًا تحت عنوان (لطيفة: همسة فى أذن الرجل): «أليس من الممكن أن تحتلم المرأة وهى نائمة، بصورة ذلك الشيخ الشاب، وزوجها نائم بجوارها؟!!!» أ. هـ. قلتُ (أي صاحب رسالة جمع الشتات فى حكم نظر النساء للرجال والشاشات): «وقد واللهِ سمعتُ من ثقة أن زوجته ترى المشايخ فى نومها وتحادثهم وتنظر إليهم وكذا .. سبحان ربى العظيم أين الغيرة ياأرباب العقول!!». نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَال: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنْ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إِلَى مَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَال لاَ يَحِل إِذَا كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ اللَّذَّةِ، أمَّا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ فَحُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي النَّظَرِ إِلَى مَحَارِمِهَا حُكْمُهُمْ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا. نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ: ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى الْمَرْأَةِ مَهْمَا كَانَتْ إِذَا كَانَ هَذَا النَّظَرُ

نظر المرأة المسلمة إلى المرأة

بِشَهْوَةٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَقَدْ فَرَّقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ نَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرِ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَفِي نَظَرِ الْمُسْلِمَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَاجِرَةِ وَالْعَفِيفَةِ: نَظَرُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ: 22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهُ يَحِل لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَى مَا يَحِل لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنَ الرَّجُل، فَيَحِل لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُسْلِمَةَ يَحِل لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنَ الْمَرْأَةِ مَا يَحِل لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، حَتَّى لاَ يُبَاحَ لَهَا النَّظَرُ إِلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا. نَظَرُ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَمْكِينِ الْمُسْلِمَةِ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا عَلَى أَقْوَالٍ: الأَْوَّل: أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ فِي نَظَرِهَا إِلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ كَالرَّجُل الأَْجْنَبِيِّ، فَلاَ يَحِل لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَهَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا سوى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا. وَهَذَا الْقَوْل إِذَا كَانَتِ الْكَافِرَةُ غَيْرَ مَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ (أَيْ تَنْزِل مَنْزِلَةَ الرَّجُل الْمَحْرَمِ) وَغَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهَا، أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إِلَيْهَا. الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ كَنَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا. الْقَوْل الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَحَارِمُهَا.

نظر الفاجرة إلى العفيفة

نَظَرُ الْفَاجِرَةِ إِلَى الْعَفِيفَةِ: نَصَّ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهَا الْمَرْأَةُ الْفَاجِرَةُ، لأَِنَّهَا تَصِفُهَا عِنْدَ الرِّجَال، فَلاَ تَضَعُ جِلْبَابَهَا وَلاَ خِمَارَهَا أَمَامَهَا. وَذَهَبَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الْعَفِيفَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ الْفَاسِقَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى بَدَنِهَا لمَظِنَّةُ نَقْل مَا تَرَاهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ الْعَفِيفَةِ إِلَى زَوْجِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَال، فَيَحْرُمُ نَظَرُهَا وَيَحْرُمُ تَمْكِينُهَا مِنَ النَّظَرِ كَالرَّجُل. النَّظَرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ: يُبَاحُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ صَاحِبِهِ بِدُونِ كَرَاهَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا، مَادَامَتِ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً بَيْنَهُمَا. التَّرْخِيصُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَالاَ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ إِلَى مَا لاَ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهِ فِي الأَْصْل يُبَاحُ فِي مَوْضِعَيْنِ: الأَوَّل: إِذَا وَقَعَ عَلَى سَبِيل الْفَجْأَةِ. ويُقْصَدُ بِنَظَرِ الْفَجْأَةِ النَّظَرُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنَ النَّاظِرِ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ هَذَا النَّظَرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلاَ إِثْمَ فِيهِ، لِمَا وَرَدَ َنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى (رواه مسلم)؛ فَدَل عَلَى أَنَّ الإِْثْمَ فِي اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ بَعْدَ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الأُْولَى غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ أَيُّ إِثْمٍ. ولقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعليِّ - رضي الله عنه -: «يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ

الثاني: إذا دعت إليه ضرورة أو حاجة

لَكَ الآخِرَةُ». (رواه الترمذي وحسنه الألباني).فَدَل عَلَى أَنَّ النَّظْرَةَ الأُْولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لاَ إِثْمَ فِيهَا. الثَّانِي: إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ، واتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ عَلَى إِبَاحَةِ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ خِلاَفٌ فِي تَحْدِيدِ الْحَاجَاتِ الْمُبِيحَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يَحِل النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَشُرُوطِ الإِْبَاحَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَاجَاتِ الْمُبِيحَةِ لِلنَّظَرِ: الْخِطْبَةَ وَالتَّدَاوِيَ.

مراعاة المنع من الاختلاط في التشريع

مراعاة المنع من الاختلاط في التشريع (¬1) إذا عرضت للمرأة حاجة تسوغ خروجها فلا حرج عليها إن خرجت وفقًا لما سبق بيانه، غير أن تلك الحاجة لاتسوغ اختلاطها بالرجال إلاّ أن تكون ضرورة، وذلك لحرمة الاختلاط وإن من أقوى الأدلة على تحريم الاختلاط، رعاية الشارع للنساء، وصيانته لهن من الاختلاط في سائر أحكام التشريع. ومن تأمل نصوص الشريعة وجد أنها راعت طبيعة المرأة فلم تُوجِبْ عليها التكاليف التي يكون فيها بروز ومخالطة للرجال، ومن ذلك إيجاب الجُمَع والجماعات على الرجال دون النساء، ومنه فرض الجهاد على الرجال دون النساء، وكذلك فرض النفقة على الرجل دون المرأة. لكن ربما دعت الشريعة النساء إلى شهود ما يحضره الرجال، خلافًا للأصل الذي قررته وهو قرارهن في البيوت، غير أن المتأمل يلحظ في هذا أحد أمرين: الأول: إما أن تكون المناسبة مما يفوت وقته وتذهب مصلحته بتأخيره كنحو شهود الأعياد. الثاني: يضيف إلى ما سبق أن يكون محل المأمور به واحدًا، اقتضت الحكمة الإلهية أن لايتعدد، كالطواف والسعي والرمي وغيرها من أعمال الحج أو العمرة. وفي كلا الأمرين مصلحة العبادة تشمل جميع المكلفين، والعنت يلحق الناس إذا وضع ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 21 - 23).

لها الشارع نمطًا يَكْفُل عدم الاختلاط، ومع ذلك فإن نحو هذه العبادات وضع الشارع لها من الضوابط ما يكفل عدم امتزاج الرجال بالنساء. وإذا نظرت إلى واقع النساء في العهد الأول، وجدتهن بعيدات عن خلطة الرجال، يخرجن للحاجات والضروريات، متقيدات بالشريعة غير مفتئتات، ملتزمات في عبادتهن بما يكفل لهن الصيانة من خلطة الغرباء. قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - تحت عنوان «الاختلاط محرَّمٌ شرعًا»: «إن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهن، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية. كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها، ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة. ولهذا فأهل الإسلام لا عهد لهم باختلاط نسائهم بالرجال الأجانب عنهن، وإنما حصلت أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: المدارس الاستعمارية الأجنبية والعالمية، التي فتحت أول ما فتحت في بلاد الإسلام في: (لبنان) كما بينته في كتاب (المدارس الاستعمارية ـ الأجنبية العالمية ـ تاريخها ومخاطرها على الأمة الإسلامية).

وقد علم تاريخيًا أن ذلك من أقوى الوسائل لإذلال الرعايا وإخضاعها، بتضييع مقومات كرامتها، وتجريدها من الفضائل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. كما عُلِم تاريخيًا أن التبذل والاختلاط من أعظم أسباب انهيار الحضارات، وزوال الدول، كما كان ذلك لحضارة اليونان والرومان. ولهذا حُرِّمَتْ الأسباب المفضية إلى الاختلاط ـ هتك سنة المباعدة بين الرجال والنساء ـ ومنها: (تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، للأحاديث المستفيضة كثرة وصحة، ومنها: خلوة السائق، والخادم، والطبيب وغيرهم بالمرأة، وقد تنتقل من خلوة إلى أخرى، فيخلو بها الخادم في البيت، والسائق في السيارة، والطبيب في العيادة، وهكذا!!. (تحريم سفر المرأة بلا محرم، والأحاديث فيه متواترة معلومة. (تحريم النظر العمد من أي منهما إلى الآخر، بنص القرآن والسنة. (تحريم دخول الرجال على النساء، حتى الأحماء ـ وهم أقارب الزوج ـ فكيف بالجلسات العائلية المختلطة، مع ما هن عليه من الزينة، وإبراز المفاتن، والخضوع بالقول، والضحك .. ؟!! (تحريم مسّ الرجل بدن الأجنبية، حتى المصافحة للسلام. (تحريم تَشَبُّه أحدهما بالآخر. (وشرع لها صلاتها في بيتها، فهي من شعائر البيوت الإسلامية، وصلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في مسجد قومها، وصلاتها في مسجد قومها خير من صلاتها في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كما ثبت الحديث بذلك. (ولهذا سقط عنها وجوب الجمعة، وأُذن لها بالخروج للمسجد وفق الأحكام التالية:

1 - أن تؤمن الفتنة بها وعليها. 2 - أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي. 3 - أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع. 4 - أن تخرج تَفِلةً غير متطيبة. 5 - أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة. 6 - إفراد باب خاص للنساء في المساجد، يكون دخولها وخروجها معه، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره. 7 - تكون صفوف النساء خلف الرجال. 8 - خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال. 9 - إذا نابَ الإمامَ شيء في صلاته سَبَّح رجل، وصفقت امرأة. 10 - تخرج النساء من المسجد قبل الرجال، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دُورهن، كما في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - في صحيح البخاري وغيره. إلى غير ذلك من الأحكام التي تباعد بين أنفاس النساء والرجال، والله أعلم» (¬1). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة (ص 81 - 86).

الفرق بين الخلوة والاختلاط

الفرق بين الخلوة والاختلاط تعريف الخلوة المحرمة (¬1): هي أن ينفرد رجل بامرأة أجنبية عنه، في غيبة عن أعين الناس، وهي من أفعال الجاهلية , وكبائر الذنوب. والمرأة الأجنبية: هي غير المَحرمَ , والمَحْرمَ: كل من حَرُم تزوجها على التأبيد , وتحريمها إما بالنسب , أو بالرضاع , أو بالمصاهرة , فالمحرمات بالنسب: الأمهات , ثم البنات , ثم الأخوات , ثم العمات , والخالات , ثم بنات الأخ , وبنات الأخت , ويحرم من الرضاع كل ما يحرم من النسب. أما المحرمات بسبب المصاهرة: فزوجة الأب , وزوجة الابن , وأمّ الزوجة (وهذه تحرُم بمجرد العقد على ابنتها) , وبنت الزوجة (وهذه لا تحرم إلا بالدخول بالأم). وعلى هذا من الأجنبيات على الرجل ابنة كل من: عمه , وعمته , وخاله , وخالته. وزوجة كل من: عمه , وخاله , وابن أخيه , وابن أخته , وكذا أخت زوجته وابنة الصديق والجار , وهكذا. الدليل على تحريم الخلوة: 1 - قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (رواه البخاري ومسلم). 2 - قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (رواه الإمام أحمد ¬

(¬1) عودة الحجاب (3/ 45)، صَيْحَةُ تَحْذِير وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ (ص 3)، كلاهما للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.

تعريف الاختلاط

وصححه الألباني والأرنؤوط). وهذا يعم جميع الرجال , ولو كانوا صالحين أو مسنين, وجميع النساء , ولو كنَّ صالحات أو عجائز. تعريف الاختلاط: الاختلاط في اللغة هو الممازجة، واختلط الرجال والنساء أي: تداخل بعضهم في بعض. يُقال خَلَطْتُ الشيْء بالشيْءِ فاخْتَلَط (¬1). جاء في معجم (لسان العرب) في مادة (خلط): «خلط الشيء بالشيء يخلطه خلطًا، وخلطه فاختلط: مزجه واختلطا، وخالط الشيء مخالطة وخلاطًا: مازجَهُ» (¬2). وتعريفه بالشرع: هو امتزاج الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم ـ أي التي يباح له زواجها ـ اجتماعًا يؤدي إلى ريبة (¬3). قال الشيخ عبد الله بن جار الله - رحمه الله -: «الاختلاط هو: الاجتماع بين الرجل والمرأة التي ليست بمَحْرم، أو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم، في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم، بالنظر أو الإشارة أو الكلام، فخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية على أي حال من الأحوال تعتبر اختلاطًا» (¬4). ¬

(¬1) المحيط في اللغة (1/ 352). (¬2) انظر: لسان العرب مادة (خلط) (7/ 291). (¬3) الاختلاط بين الجنسين، حقائق وتنبيهات للشيخ سليمان بن صالح بن عبد العزيز الجربوع، تقديم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (ص 7). والمقصود بالريبة غلبة الظن بحصول محرم من المحرمات التي نهى عنها الشرع كإطلاق البصر، والكلام بغير المعروف، أو الخضوع بالقول، فضلًا عن اللمس وتلاصق الأجساد والخلوة. (د / ياسر). (¬4) عن مجلة الأسرة، آفة التعليم الاختلاط، العدد رقم 70، بتاريخ محرم 1420، ص69.

يمكن تقسيم الاختلاط إلى قسمين

وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في تعريف الاختلاط: «هو اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمَحْرَم له اجتماعًا يؤدي إلى ريبة. أو هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد , يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر , أو الإشارة , أو الكلام , أو البدن من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد» (¬1). فدخول الأجنبي على النساء اختلاط بهن، ودخول الأجنبية على الرجال اختلاط بهم، ودخول بعضهم على بعضهم اختلاط، وأما دخول أحدهما على الآخر في رقعة ليس فيها سواهما ممن يعقل، أو كان فيها ولكن قام فاصل معتبر حال بينه وبينهم ـ فتلك خلوة، وهي صورة خاصة من الاختلاط. ويمكن تقسيم الاختلاط إلى قسمين: القسم الأول: اختلاط محرم: ويمكن تعريفه بأنه: «اللقاء المباشر المقصود بين الجنسين غير المحارم مع إمكان التحرز منه». شرح مفردات التعريف: (المباشر) خرج بذلك ما يكون من وراء حجاب كما هو الحال في الدائرة التلفزيونية المعمول به في جامعات وكليات البنات في السعودية. (المقصود) كالعمل أو التعليم المنظم أو الاجتماعات الخاصة والعامة (الدينية وغير الدينية) وحضور الملعب والمسرح ونحو ذلك. ¬

(¬1) عودة الحجاب (3/ 52).

ويخرج بذلك اللقاء العابر , وهو لقاء محدود لا تزول به الكلفة وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب، مثل قضاء حاجة سريعة كسؤال عن متاع أو استفتاء وسؤال عن حاجة وبيع وشراء ونحوه. (الجنسين غير المحارم) يستثنى من ذلك الدخول على المخطوبة ورؤيتها , فقد رخص الإسلام في ذلك ونفى الحرج فيه. (مع إمكان التحرز منه) يعني استفراغ الجهد في المباعدة بين الرجال والنساء قدر الإمكان، ويخرج بذلك ما يصعب التحرز منه مثل: الحج والعمرة وحالات الاضطرار كإسعاف لغريق ونحوه أو مداواة لمريض عند فقدان المماثل في الجنس أو الإدلاء بالشهادة أمام القضاء (¬1). فالاختلاط المحرم هو كل ما كان في مكان خاص, أو موطن يدعو إلى الفساد والريبة أو اشتمل على محظور شرعي، وحقيقته أن يخالط الرجل المرأة ويجلس إليها كما يجلس إلى امرأته أو إحدى محارمه بحيث يرتفع الحاجز بينهما , ويتمكن من التأثير عليها لو أراد. ويزداد الضرر من الاختلاط كلما طالت مدته وكثر تكراره، أو عند حدوثه مع الشَوَابّ، أو عند فقد المَحْرَم. ويزداد الأمر سوءًا إذا كان ملازمًا لها كالاختلاط في التعليم , أو مجال العمل، وكل من ابتلى بذلك علم أنه لابد أن يطلع على خصوصيات المرأة , ولا بد أن يخلو بها، والمرأة من أضعف خلق الله سريعة التأثر، والرجل مهما كان عاقلًا ورعًا لا يقوى على مقاومة المرأة وإغرائها، قال تعالى: قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د/محمد بن عبد الله المسيميري، د/ محمد بن عبد الله الهبدان (ص 14).

مما يعرف به الاختلاط المحرم

يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} (النساء:27 - 28) قال المفسرون: «لا يصبر عن النساء والشهوات». (¬1). ومما يُعْرَفُ به الاختلاط المحرم: - أنه يؤدي إلى زوال الكلفة بين الرجال والنساء، «فيتكلمون بغير الحاجة مع الخضوع بالقول غالبًا، وإطلاق النظر، والاستمتاع بالكلام وغير ذلك مما نَصَّ عليه النبي ص بقوله: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» (¬2). - أنه يكثر من خلاله العلاقات المحرمة. - أنه يؤدي إلى الخلوة بالمرأة الأجنبية. - أنه يؤدي إلى تلاصق وتزاحم بالأجساد (¬3). من صور الاختلاط المحرم: قال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم: «ومن صور الاختلاط المحرم: 1) اختلاط الأولاد الذكور والإناث ـ ولو كانوا إخوة ـ بعد التمييز في المضاجع؛ وقد أمر النبي ص بالتفريق بينهم في المضاجع. قَالَ رَسُولُ اللهِ ص «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ ¬

(¬1) انظر: لزوم الصراط في الرد على من أباح الإختلاط لخالد سعود البليهد، وانظر تفسير الآية في (القرطبي) و (الجلالين) و (أيسر التفاسير). (¬2) ما بين القوسين أضافه الشيخ ياسر برهامي. (¬3) بتصرف من: الجواب عن شبهة: الاختلاط المحرم هو ما يكون عند تزاحم الأجساد وتلاصقها، إعداد: منتديات شبهات وبيان.

بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» (¬1). 2) اتخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء، وحصول الخلوة بهن. 3) اتخاذ الخادمات اللاتي يبقين بدون محارم، وقد تحصل بهن الخلوة. 4) السماح للخطيبين بالمصاحبة والمخالطة التي تجر إلى الخلوة، ثم إلى ما لا تحمد عقباه، فيقع العبث بأعراض الناس بحجة التعارف ومدارسة بعضهم بعضًا. 5) استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، أو أصدقاءه في حال غيابه. 6) الاختلاط في دور التعليم كالمدارس والجامعات والمعاهد، والدروس الخصوصية. 7) الاختلاط في الوظائف، والأندية، والمواصلات، والأسواق، والمستشفيات، والزيارات بين الجيران، والأعراس، والحفلات. 8) الخلوة في أي مكان ولو بصفة مؤقتة كالمصاعد، والمكاتب، والعيادات، وغيرها» (¬2) اهـ. 9) ومن الصور المحرّمة أيضًا اجتماع رجل بامرأة، ولو كان ذلك في مكانٍ عامٍ إذا ترتّبت عليه ريبةٌ أو سوء ظنّ فيهما، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في نفس من رآه ظنًّا أو يقينًا، لما رواه البخاري ومسلم أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِىِّ ص جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ ص تَزُورُهُ فِى اعْتِكَافِهِ فِى الْمَسْجِدِ، فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ ¬

(¬1) رواه أبو داود وصححه الألباني، ولما كان النوم مظنة انكشاف العورة، وثوران الشهوة جاءت الشريعة الكاملة المطهرة بالأمر بالتفريق بين الأولاد في المضاجع، وقد ذُكِر أن التساهل في عدم التفريق بين الأولاد أثناء النوم أحد أسباب زنا المحارم، انظر (زنا المحارم، أسباب تفشي هذه الظاهرة) للدكتور نايف بن أحمد الحمد. (¬2) باختصار يسير من (عودة الحجاب 3/ 56 - 57).

تفصيل لما تم إجماله من صور الاختلاط المحرم

سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِىُّ ص مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ لَهُمَا النَّبِىُّ ص: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ». فَقَالاَ: «سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ». وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِىُّ ص: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا شَيْئًا». وهناك صور أظهر في تحريم الاختلاط من غيرها: كإِذَا كَانَ فِيهِ: - الْخَلْوَةُ بِالأَجْنَبِيَّةِ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ إِلَيْهَا. - تَبَذُّل الْمَرْأَةِ وَعَدَمُ احْتِشَامِهَا. - عَبَثٌ وَلَهْوٌ وَمُلاَمَسَةٌ لَلأَبْدَانِ كَالاِخْتِلاَطِ فِي الأَفْرَاحِ وَالْمَوَالِدِ وَالأَعْيَادِ. فَالاِخْتِلاَطُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مِثْل هَذِهِ الأُمُورِ وَاضِحُ التَّحْرِيمِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ (¬1). تفصيلٌ لما تم إجماله من صور الاختلاط المحرم (¬2): 1 - اختلاط البنات مع ابن العم وابن العمة. 2 - اختلاط البنات مع ابن الخال وابن الخالة. 3 - اختلاط الزوجة مع أخي الزوج. 4 - اختلاط أخوات الزوجة مع زوجها. ¬

(¬1) الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، (2/ 290). (¬2) بتصرف من (آفة الاختلاط) لعبد الله بن عبد الحميد الأثري، وانظر فتاوى أهل العلم في هذا الكتاب لتعلم كيف تتعامل مع الاختلاط في ظل الواقع الذي نعيشه.

5 - اختلاط أخي المرأة من الرضاع مع أخوات أخته من الرضاع. 6 - خلوة خطيب الفتاة بالفتاة، وخروجه معها وحديثه، وذلك قبل العقد، وإنما جاز له النظر إليها بحضور وليها إذا اتفقا على الزواج فقط (¬1). 7 - صعود العريس مع العروس على المِنَصَّة (¬2) في ليلة الزفاف، أمام النساء. 8 - صعود أقارب العريس والعروس على المِنَصَّة أمام النساء. 9 - مباشرة الرجال بالخدمة في الحفلات في بعض الفنادق؛ كما يحدث ذلك في بعض حفلات الزفاف وذلك في قسم النساء. 10 - اختلاط النساء بالرجال الأجانب عمومًا بحجة أن القلوب بيضاء أو «إنما الأعمال بالنيات». 11 - خلوة القواعد من النساء بالرجال الأجانب، وإنما أجاز الشرع لهن كشف الوجه فقط، وإن استعففن فهو خير لهن. 12 - اختلاط المرأة بالرجل الأجنبي بحجة أنه من القبيلة أو العشيرة. 13 - التساهل في الاختلاط للفتيات في سن البلوغ بالشباب والرجال الأجانب بحجة أنهن صغيرات. 14 - اختلاط الأولاد الذكور والإناث ـ ولو كانوا إخوة ـ بعد سن التمييز في المضاجع. 15 - خلوة السائق بالمرأة في السيارة. 16 - حج بعض النساء وسفرهن من غير محرم. ¬

(¬1) فهي ما زالت أجنبية عنه، فإذا نظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها عاد حكم النظر إلى ما كان عليه من المنع، (د ياسر). (¬2) نَصَّ النِّسَاءُ الْعَرُوسَ نَصًّا رَفَعْنَهَا عَلَى الْمِنَصَّةِ، وَهِيَ الْكُرْسِيُّ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ فِي جِلَائِهَا. (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة: نصص).

17 - اختلاط الطالبات والطلاب في صفوف الدراسة في الجامعات أو المدارس. 18 - قيام النساء بتدريس الرجال في الجامعات أو الكليات والمدارس، وكذلك قيام الرجال بتدريس النساء مباشرة. 19 - خلوة المدرسين الخصوصيين بالطالبات بحجة التدريس. 20 - الدعوة إلى تدريس المرأة للأولاد في الصفوف الدراسية الأولى هي دعوة خبيثة للتدرج في الاختلاط. 21 - الدعوة إلى ابتعاث النساء إلى الخارج بحجة التحضير للدراسات العليا، أو الاستفادة من البعثات العلمية، وما يؤدي إليه ذلك من تطبعها بالأفكار الغربية الهدامة، واختلاطها بالرجال الأجانب في المجتمعات الغربية المتحللة. 21 - اختلاط الطلاب والطالبات في الصفوف الدراسية العليا بحجة الدراسة الميدانية. 22 - خلوة الرجال المشرفين على الرسائل الجامعية بالطالبات بحجة الإشراف على الرسالة. 23 - اختلاط الطلاب المبتعثين بالعائلات الغربية والسكن معهم في منزل واحد. 24 - حضور الأمسيات الشعرية واللقاءات العلمية، والمحاضرات المختلفة، والتي تلقيها بعض النساء أو الرجال ويحضرها النساء والرجال جنبًا إلى جنب. 25 - اختلاط الممرضات والطبيبات بالرجال الأجانب (¬1)، حتى ولو كانوا من الممرضين أو الأطباء. 26 - خلوة الطبيب بالممرضة أو الطبيبة. ¬

(¬1) المفهوم الشرعي لكلمة (الرجل الأجنبي) أي: غير المحرم. والزوج والمحارم هم: الأب وإن علا، والابن وإن نزل، وأبو الزوج وزوج الابنة، والخال والعم وأبناء الزوج، وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات، ومن هو مثلهم من الرضاع، ويجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام ملك اليمين أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال والطفل الذي لا يُمَيِّز.

27 - خلوة الطبيب بالمريضة من غير مَحْرَمٍ لها. 28 - كشف المرأة عند الطبيب لغير حاجة أو ضرورة أو مع وجود الطبيبة. 29 - اختلاط النساء بالرجال في حفلات التوديع والاستقبال وبعض المناسبات. 30 - اختلاط النساء بالرجال في المختبرات الطبية والصيدليات بدعوى ضرورة ذلك في العمل. 31 - اختلاط النساء مع الرجال في الألعاب والملاهي. 32 - اختلاط النساء مع الرجال في المطاعم والكافتريات بحجة قسم العائلات. 33 - تصوير النساء من قبل المصورين. 34 - اتخاذ الخدم أو السائقين، واختلاطهن بالنساء وحصول الخلوة بهن. 35 - اختلاط النساء بالرجال في المناسبات والاحتفالات البدعية، مثل: المولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج، وغيرهما كما يحصل باسم الدين، والإسلام بريء من هذه البدع. 36 - سفر المرأة بالسيارة، أو الطائرة، أو الحافلات، أو غير ذلك من غير مَحْرَمٍ لها.

القسم الثاني: اختلاط جائز

القسم الثاني: اختلاط جائز: وهو كل ما كان في الأماكن العامة وتدعو الحاجة إليه ويشق التحرز عنه , ولا محظور فيه كاختلاط النساء بالرجال في الأسواق والطرقات لقضاء حاجة كسؤال عن متاع أو استفتاء وسؤال عن حاجة وبيع وشراء ونحوه، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهابًا وجيئةً، ويبيعون ويشترون، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه، فما هو إلا لقاء عابر , واللقاء العابر لقاء محدود لا تزول به الكلفة، وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب. فالاختلاط العابر، في موضع لايخشى منه الفتنة ـ في الغالب ـ ليس من الصور المحرّمة، بل هو مما تعمّ به البلوى، ويضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ ومكان. ومن الصوَر التي لا حَرجَ فيها: 1) الأصل جواز اختلاط النساء بمحارمهن، وكذلك الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء (¬1)، ومن كان نحوهم، ما دام جانب الفتنة مأمونًا. 2) اجتماع الرجال والنساء في المسجد الواحد لأداء فريضة أو عبادة، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام وحتى يومنا هذا، في المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال وغيرِها، وقد كانت النساء يشهدن الصلاة مع النبيّ ص في المسجد، ولم يَنْهَ عن ذلك، كما لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال وصفوف النساء. ¬

(¬1) قال تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (النور: 31) أي: الأطفال الذين دون التمييز، فإنه يجوز نظرهم للنساء الأجانب، وعلل تعالى ذلك، بأنهم لم يظهروا على عورات النساء، أي: ليس لهم علم بذلك، ولا وجدت فيهم الشهوة بعدُ، ودل هذا أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء. (تفسير السعدي، ص 566 - 567).

3) الدخول على المخطوبة ورؤيتها مع وجود المحرم , فقد رخص الإسلام في ذلك. 4) ما يكون من وراء حجاب كما هو الحال في الدائرة التلفزيونية المعمول به في جامعات وكليات البنات في السعودية. 5) إذا بعدت أنظار الرجال عن النساء والعكس وصعب التحرز مما فوق ذلك. 6) يجوز اختلاط النساء بالرجال غير المحارم لحاجة مع وجود محرم، وفق ضوابط تُؤمن معها الفتنة، تختلف باختلاف الحال والمقام. ولعل من أدلة جوازه لحاجة مع وجود محرم حديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ». فَقَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِى جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِى تُرِيدُ الْحَجَّ؟».فَقَالَ «اخْرُجْ مَعَهَا» (رواه البخاري ومسلم). ويشترط لجواز الاختلاط على هذا النحو شروط: - أن لا تكون هناك خلوة بين الرجل والمرأة. - استفراغ الجهد في المباعدة بين الرجال والنساء قدر الإمكان، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك. - أن يكون حضور المرأة لحاجة يشق عليها تركها وتكون الحاجة طارئة ينتهي الحضور بزوالها (¬1). - أن يخلو من النظر إلى مالا يجوز النظر إليه. - أن يكون الكلام على قدر الحاجة، وأن لا تتكسر المرأة في الكلام وتخضع فيه. - أن يخلو من إزالة الحواجز بين الجنسين حتى يتجاوز الأمر حدود الأدب ¬

(¬1) فيُقَدّر الأمر بقدر الحاجة فإذا انتهت رجع الأمر إلى الأصل وهو المباعدة. (د/ياسر).

ويدخل في اللهو والعبث كالاختلاط الذي يحدث في الأعراس. - أن يخلو من مس أحد الجنسين الآخر. - أن يخلو من تلاصق الأجسام عند الاجتماع. - أن لا تظهر المرأة على حالة تثير الرجال من تعطر واستعمال لأدوات الزينة. - أن يخلو من تبرج المرأة وكشف ما لا يجوز لها كشفه فتكون المرأة مستترة بالحجاب الشرعي الساتر لجميع جسدها، ومنه الوجه والكفان (¬1). قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: «ونقول لكل مؤمن ومؤمنة: فيما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة السفور دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة السفور عن الوجه والكفين لا يخلو من حال من ثلاث حالات: 1 - دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. 2 - دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على حجب الوجه والكفين كسائر البدن والزينة، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم. ¬

(¬1) انظر: لزوم الصراط في الرد على من أباح الإختلاط لخالد سعود البليهد، واقع الاختلاط وفن المواجهة د. سناء محمود عابد الثقفي.

3 - دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يُحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان. هذا مع أنه لم يقل أحد في الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء. وهذه الظواهر الإفسادية قائمة في زماننا، فهي موجبة لسترهما، لو لم يكن أدلة أخرى. وإن من الخيانة في النقل نسبةَ هذا القول إلى قائل به مطلقًا غير مقيد، لتقوية الدعوة إلى سفور النساء عن وجوههن في هذا العصر، مع ما هو مشاهد من رقة الدين والفساد الذي غَشِيَ بلاد المسلمين. والواجب أصلًا هو ستر المرأة بدنها وما عليه من زينة مكتسبة، لا يجوز لها تعمد إخراج شيء من ذلك لأجنبي عنها، استجابةً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهدي الصحابة مع نسائهم، وعمل المسلمين عليه في قرون الإسلام المتطاولة. والحمد لله رب العالمين» (¬1). ومن أوضح الأدلة التي ذكرها الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - على وجوب ستر المرأة المسلمة لوجهها وكفيها عند الرجال الأجانب: الرخصة للقواعد من النساء بوضع الحجاب، وأن يستعففن خير لهن؛ قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)} (النور: 60). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة (ص 68 - 69).

يشترط لجواز الاختلاط على هذا النحو شروط

قال - رحمه الله -: «رخَّص الله سبحانه للقواعد من النساء، أي: العجائز، اللائي تقدم بهن السنّ، فقعدن عن الحيض والحمل ويئِسْنَ من الولد أن يضعن ثيابهن الظاهرة من الجلباب والخمار، التي ذكرها الله سبحانه في آيات ضرب الحجاب على نساء المؤمنين، فيكشفن عن الوجه والكفين، ورفع تعالى الإثم والجناح عنهن في ذلك بشرطين: الشرط الأول: أن يَكُنَّ من اللاتي لم يبق فيهن زينة ولا هن محل للشهوة، وهن اللائي لا يرجون نكاحًا، فلا يَطْمَعْنَ فيه، ولا يُطْمَع فيهن أن يُنكحن؛ لأنهن عجائز لا يَشتَهين ولا يُشتَهَيْن، أما من بقيت فيها بقية من جمال ومحل للشهوة، فلا يجوز لها ذلك. الشرط الثاني: أن يكن غير متبرجات بزينة، وهذا يتكون من أمرين: أحدهما: أن يَكُنَّ غير قاصدات بوضع الثياب التبرج، ولكن التخفيف إذا احتجن إليه. وثانيهما: أن يكن غير متبرجات بزينة من حلي وكحل وأصباغ وتجمل بثياب ظاهرة، إلى غير ذلك من الزينة التي يفتن بها. فلتحذر المؤمنة التعسف في استعمال هذه الرخصة، بأن تدعي بأنها من القواعد، وليست كذلك، أو تبرز متزينة بأيٍّ من أنواع الزينة. ثم قال ربنا جل وعلا: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ}، وهذا تحريض للقواعد على الاستعفاف وأنه خير لهن وأفضل، وإن لم يحصل تبرج منهن بزينة. فدلَّت هذه الآية على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لوجوههن وسائر أبدانهن وزينتهن؛ لأن هذه الرخصة للقواعد، اللاتي رُفع الإثم والجناح عنهن، إذ التهمة في حقهن مرتفعة، وقد بلغن هذا المبلغ من السن والإياس، والرخصة لا تكون إلا من عزيمة، والعزيمة فرض الحجاب في الآيات السابقة.

وبدلالة أن استعفاف القواعد خير لهن من الترخص بوضع الثياب عن الوجه والكفين، فوجب ذلك في حق من لم تبلغ سن القواعد من نساء المؤمنين، وهو أولى في حقهن، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة والوقوع في الفاحشة، وإن فعلن فالإثم والحرج والجناح. ولذا فإن هذه الآية من أقوى الأدلة على فرض الحجاب للوجه والكفين وسائر البدن، والزينة بالجلباب والخمار (¬1). ومن أقوى الأدلة كذلك قوله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (الأحزاب: 59)، والقائلون بكشف وجه المرأة متفقون بأن الواجب على نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يستُرْن وجوههن للأدلة الكثيرة على هذا، ولكنهم يرونه خاصًا بهن!، فكيف يكون ذلك والخطاب في هذه الآية للجميع؟!، ولماذا أدخلهن الله في هذه الآية وهي حسب زعمهم لا تدل على وجوب ستر الوجه؟؟!! أليس هذا من التناقض الذي ينزه عنه كتاب الله؟! قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: «في الآية قرينة نصية دالة على هذا المعنى للجلباب، وعلى هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين ـ رضي الله عن الجميع ـ بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أن في قوله تعالى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} وجوب حجب أزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهر الدلالة على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات» (¬2). ¬

(¬1) حراسة الفضيلة (ص 54 - 56). (¬2) حراسة الفضيلة (ص 47).

هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر

هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر (¬1): يقيس دعاة الاختلاط اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر في المطاف والطريق، وإباحة النظر اليسير إلى المخطوبة والجلوس معها زمنًا يسيرًا بلا خلوة. ومن المعلوم أن الشارع أباح النظر اليسير إلى المخطوبة والجلوس معها زمنًا يسيرًا بلا خلوة، وبناء على قياس دعاة الاختلاط فإنه ما دام الجلوس معها زمنًا يسيرًا جائزًا، فلا مانع من أن يجلس معها أيامًا وليالي، وينامان في غرفة واحدة بلا خلوة قياسًا على ما سبق؛ لأنه لا فرق ـ عند دعاة الاختلاط ـ بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام. فمن قاس اختلاط المكث على الاختلاط العارض؛ فهو كمن قاس النوم مع المخطوبة بلا خلوة على الجلوس اليسير مع المخطوبة بلا خلوة! وفي كل أبواب فقه الشريعة تجد الشارع إذا رخص في الزمن اليسير لم يسامح في الزمن الكثير، ولم يَجُز قياسُه عليه، فمثلًا، الله تعالى أجاز للجنب اللبث زمنًا يسيرًا في المسجد كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (النساء:43)، فأجازه على وجه عبور السبيل لأنه زمن يسير، فبناءً على قياس دعاة الاختلاط فإنه ما دام لُبْث الجنب زمنًا يسيرًا في المسجد يجوز، فكذلك يجوز أن يعتكف هذا الجنب ليلةً في المسجد ـ أيضًا ـ قياسًا على ما أجازته الآية من اللبث زمنًا يسيرًا، فهل هذا قياس مقبول؟! إن من قاس اختلاط المكث على الاختلاط العارض؛ فهو كمن قاس اعتكاف الجنب على لُبْث الجنب في المسجد، فكلاهما مهدِرٌ اعتبار تفريق الشارع بين الزمن اليسير والكثير في الأحكام. ¬

(¬1) انظر: أقيسة الاختلاطيين لإبراهيم السكران (ص 1 - 8).

والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن الانحراف الأصولي في كلام دعاة الاختلاط أنهم قاسوا (الزمن الكثير) على (الزمن اليسير)، فصار مؤدى كلامهم أن طول الزمن وقصره لا أثر له على الأحكام، فلم يفهموا اعتبار الزمن في فقه الفروع، وتوهموا أن الحكم الشرعي إذا ثبت للزمن اليسير ثبت للزمن الطويل، ولذلك جاؤوا بهذا القياس الفاسد الاعتبار، وصار مقتضى قياسهم الفاسد أن كل ما عفت الشريعة فيه عن اليسير يعفى فيه عن الكثير! والخلل في قياس دعاة الاختلاط أنهم لما رأو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تَرَك الناس في الطواف والطريق يختلطون ـ لأنه زمان يسير عابر ـ ظنوا أنه يجوز أن يجلسوا مختلطين في مكتب واحد أو مقاعد دراسية واحدة طوال النهار ولمدة سنوات مع شدة الإفضاء إلى الفتنة! فهل يقول هذا رجل شم بأنفه كتب فقه الشريعة أو جالس أهل العلم الربانيين؟! فثبوت الرخصة في شئ يسير لا يُجَوِّز أن يقاس عليه الشئ الكثير. و (الزمن) طولًا وقصرًا ليس هو العلة التامة في الاختلاط، بل هو قرينة من القرائن والأوصاف المؤثرة، وإنما المناط التام في الاختلاط ـ وهو المناط الذي لاينخرم ـ هو (قوة الإفضاء إلى الفتنة) وليس الزمن إلا وصف أغْلبيٍّ من الأوصاف المؤثرة في قوة الإفضاء إلى الفتنة، فكلما اشتد إفضاء الاختلاط إلى الفتنة حَرُمَ، وكلما ضعف إفضاء الاختلاط إلى الفتنة شُرِعَ. ومن تدبر فتاوى العلماء الربانيين من السلف ومن بعدهم رأى أنها كلها تدور حول شدة الإفضاء إلى الفتنة، ومن ذلك فتوى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ». (رواه البخاري ومسلم). فعائشة - رضي الله عنها - تتحدث عن أمر كان مشروعًا، لكنها لما رأت أن الفتنة اشتدت، أشارت إلى أن ذلك يؤول إلى التحريم، وأن هذا هو الذي فقهَتْه من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

هل فرق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين الاختلاط العارض واختلاط المكث؟

هل فرَّقَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين الاختلاط العارض واختلاط المكث؟ (¬1) حين نتدبر صور الاختلاط في عهد النبوة التي من جنس واحد يتبين لنا فعلًا كيف ميّز النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحكامها طبقًا لعامل الزمن، أو بشكل أدق طبقًا لقوة الإفضاء إلى الفتنة، قارن مثلًا بين (الصلاة والطواف) ففي الطواف لأنه يأخذ زمنًا يسيرًا عابرًا رخص لهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الطواف في وقت واحد مع كون النساء حَجْرَة، أو من وراء الرجال، أو متنكرات في الليل فإذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال. ففي صحيح البخاري أن ابن جريج قال لعطاء: «كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟»، قال: «لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: «انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ».قَالَتْ «انْطَلِقِي عَنْكِ»، وَأَبَتْ» (¬2). وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي (¬3)، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِـ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} (الطور: 1 - 2). (رواه البخاري ومسلم). ولكن في (الصلاة) ـ لأنها تأخذ زمنًا دوريًا متكررًا، وليست أمرًا عابرًا ـ فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرخص لهم في الاختلاط، بل وضع للرجال مصلى، وللنساء مصلى مستقل عنهم، وكان ينتظر هو وأصحابه حتى ينصرف النساء؛ فعن الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي ¬

(¬1) انظر: أقيسة الاختلاطيين لإبراهيم السكران (ص 9 - 13). (¬2) (حَجْرَة) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا رَاءٍ، أَيْ نَاحِيَة، قَالَ الْقَزَّاز: هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ: نَزَلَ فُلَان حَجْرَة مِنْ النَّاس أَيْ مُعْتَزِلًا. (اِنْطَلِقِي عَنْك) أَيْ عَنْ جِهَةِ نَفْسك (فتح الباري 3/ 480). (¬3) (أَنِّي أَشْتَكِي) أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ ضَعِيفَة لَا تَقْدِر عَلَى الطَّوَاف مَاشِيَة.

تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَأُرَى وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ» (رواه البخاري). ولم يكتف بذلك، بل جعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم). «وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا»؛ لأنها أقرب إلى الرجال، برغم أن المصليات مستقلة! فمن تأمل تصرف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في التفريق والتمييز بين (اختلاط المطاف واختلاط المصلى) وكيف تسامح في أحدهما وتحفظ في الآخر، علم علمًا قطعيًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قاصد إلى التمييز بين هذه الصور، وعدم وضعها موضعًا واحدًا، وبالتالي فالاختلاط الذي يأخذ زمنًا دوريًا متكررًا لايجوز أن يقاس على الاختلاط العابر الذي يأخذ زمنًا يسيرًا عارضًا. ومن صور الاختلاط التي ميز النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بينها (الفتيا ومجلس العلم)، ففي الفتيا ـ لأنها مسألة واحدة في زمن يسير عابر ـ كانت المرأة تأتي وتسأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى لو كان حوله رجال، لأنه اختلاط عارض في زمن يسير عابر، ومن ذلك أن تميمة بنت وهب امرأة رفاعة القرظي جاءت تستفتي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أمر طلاقها وفي المجلس أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كأبي بكر وخالد بن سعيد بن العاص، والقصة بتفصيلها رواها البخاري ومسلم. ولكن في مجلس العلم ـ بسبب أنه اختلاط مُكْث ومجالسة ويأخذ زمنًا يحصل به رفع الكلفة وإلف كل من الطرفين للآخر ـ فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأذن للنساء أن يختلطن بالرجال، بل فصل بينهم، ووضع لكل منهم مجلسًا مستقلًا، كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ»، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ» (رواه البخاري).

ما ضابط التفريق بين اليسير والكثير؟

فقول النساء للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ»، دليل ظاهر في كون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يرخص للنساء أن يأتين ويختلطن بالرجال في مجالس العلم التي يعقدها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه، وقول أبي سعيد الخدري: «فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ»، دليل آخر على تخصيص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لهن مجلسَ علمٍ مستقلًا عن الرجال. فإذا تأمل الباحث الصادق تفريق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين (اختلاط الفتيا، واختلاط مجلس العلم) وكيف تسامح في أحدهما ولم يتسامح في الآخر، عَلِمَ علمًا قطعيًا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يجعل الاختلاط العارض كاختلاط المكث والمجالسة. والمراد أن (الطواف والصلاة) شريعتان من جنس واحد، فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاَةٌ فَأَقِلُّوا مِنَ الْكَلاَمِ» (رواه النسائي وصححه الألباني)، ومع ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فرق في حكم الاختلاط بينهما. و (الفتيا ومجلس العلم) شريعتان من جنس واحد، فما مجلس العلم إلا مجموع فتاوى، ومع ذلك فرق النبي في أحكام الاختلاط بينهما. فمَن تأمَّلَ تمييز النبي في الاختلاط في هذه الصور استبان له مراد الشارع، وعدم وضع هذه الصور موضعًا واحدًا، وبالتالي بطلان قياس دعاة الاختلاط في قياسهم اختلاط المكث على الاختلاط العارض، وإهدارهم مراعاة الزمن وقوة الإفضاء إلى الفتنة. ما ضابط التفريق بين اليسير والكثير؟ (¬1) بعض دعاة الاختلاط صار يعترض على تمييز أهل العلم بين الاختلاط العارض العابر الذي يكون في زمن يسير، وبين اختلاط المكث الذي يكون في زمن كثير أو دوري يتكرر، ¬

(¬1) انظر: أقيسة الاختلاطيين لإبراهيم السكران (ص 13 - 16).

وصار يقول: لاضابط في التفريق بين اليسير والكثير إلا التحكم والنسبية الشديدة! وهذا الاعتراض لا يقوله غالبًا إلا من يريد التشغيب على مسألة واحدة وهو يهدم أصلًا كاملًا! فالتفريق بين اليسير والكثير تحيله الشريعة غالبًا إلى عرف الناس، كما قال الإمام ابن قدامة: «والمرجع في اليسير والكثير إلى العرف» (¬1). ولو أبطلنا التفريق بين اليسير والكثير لعدم تعيين الشارع مقدارًا فارقًا لأبطلنا أحكامًا شرعية كثيرة بناها الشارع على ذلك، كما أجاز الشارع لبث الجنب زمنًا يسيرًا في المسجد فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (النساء:43) فهل نَرُدّ هذه الآية ونبطل دلالتها لأنه لا ضابط حاسم في (عبور السبيل)؛ إذ الناس يختلفون في زمن عبور السبيل؟! فمن يُسْقِط التمييز بين الاختلاط العارض واختلاط المكث بحجة عدم وجود حد حاسم بين اليسير والكثير فقد يظن أنه سيلغي مسألة الاختلاط لكنه في الحقيقة هدم أصلًا شرعيًا عظيمًا. والمراد أن هذا (القياس الفاسد) إذا تأمله المرء فلابد أن يتذكر الأقيسة الفاسدة التي أشار إليها القرآن، وكيف تسببت في ضلال كثير من الناس، فمن ذلك قياس الربويين حين قاسو الربا على البيع، وأنه لا فرق بينهما كما حكى الله استنباطهم فقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (البقرة: 275)؛ فالبيع والربا كلاهما مبادلة رضائية بين طرفين، وكما ينتفع أحدهما بالمال فإن الآخر ينتفع بالفائدة، فقد يتوهم ¬

(¬1) المغني (1/ 351).

الضرورة إذا اقتضت اختلاطا

بعض الناس أن هذا من العدل، وأن حرمان المقرِض من الفائدة لقاء تنازله عن المال للمقترض زمنًا معينًا ظلمًا، ومع ذلك فلم يقل الله هذا قياس اجتهادي له وجه فلا بأس به، بل أكذبهم الله سبحانه بنفسه وحذرهم بلغة مخيفة فقال سبحانه: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)} (البقرة: 275). بل إن توهم العدل في الربا أظهر من توهم قياس اختلاط المكث ـ الذي يؤدي غالبًا إلى نظر محرم وكلام محرم ـ على الاختلاط العابر الذي يكون في الطرقات والمطاف، بل كيف يكون قياس الربا الذي فيه معاوضة بين التنازل عن المال لقاء فائدة يسيرة، أشنع من قياس اختلاط المجالسة الذي يؤدي إلى الفجور والفواحش على اختلاط عابر عارض؟! فانظر كيف توعد الله الربويين في قياسهم، واعتبر هذا بقياس دعاة الاختلاط. فتأمل كم نفع فقهَ الشريعةِ القياسُ الصحيح المزكى بنور الوحي، وكم ضلت أمم بسبب القياس الفاسد. الضرورة إذا اقتضت اختلاطًا (¬1): تقرر أن الاختلاط محرم، ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «لا يدخل في الاختلاط: ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة، كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني» (¬2). ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 48 - 49). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/ 93).

ومن حالات الاضطرار إسعاف غريق ونحوه، أو مداواة مريض عند فقدان المماثل في الجنس، أو إن احتاج القاضي اللقاء بالنساء. ومن المقرر أن الضرورات تبيح المحظورات، بَيْدَ أن الضرورة تقدر بقدرها، فيتقي المرءُ ربَّه ويتحرز عما نهاه عنه ما استطاع. فإذا اقتضت الضرورة اختلاطًا، كما في الحج ـ على سبيل المثال ـ فإن الحج ركن من أركان الإسلام وهو فعل مأمور مقدم على ترك المحظور، فإن اشتد الزحام ولم يمكن تجنبه كالحال في هذه الأزمنة، فتؤدي المرأة فرضها، متقيدة بضوابط الشرع. ومثل الحج سائر الضرورات التي تبيح المحظورات، فينبغي أن تقدر بقدرها، ولايتعدى قدر الاضطرار فيها، وهذا يقدره ويقرره أهل العلم والشأن فهم أعلم بضابط الضروريات وأجدر بعرض الوقائع على الأحاديث والآيات، فإن وجدت ضرورة لا تكون إلاّ مع الاختلاط فكشأن سائر المحظورات تباح بقدر الحاجة، وبعد انتهائها يعود كل حكم إلى أصله. ويشترط في حالات الاضطرار ألا يبغى فيها ولا يعتدى كما قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)} (البقرة:173). قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: «{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ}، وهي: ما مات بغير تذكية شرعية، لأن الميتة خبيثة مضرة، لرداءتها في نفسها، ولأن الأغلب، أن تكون عن مرض، فيكون زيادة ضرر واستثنى الشارع من هذا العموم، ميتة الجراد، وسمك البحر، فإنه حلال طيب.

{وَالدَّمَ} أي: المسفوح كما قيد في الآية الأخرى. {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أي: ذبح لغير الله، كالذي يذبح للأصنام والأوثان من الأحجار، والقبور ونحوها. {فَمَنِ اضْطُرَّ} أي: ألجئ إلى المحرم، بجوع وعدم، أو إكراه، {غَيْرَ بَاغٍ} أي: غير طالب للمحرم، مع قدرته على الحلال، أو مع عدم جوعه، {وَلَا عَادٍ} أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له، اضطرارًا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكلَ بقدر الضرورة فلا يزيد عليها، {فَلَا إِثْمَ} أي: جناح {عَلَيْهِ}، وإذا ارتفع الإثم رجع الأمر إلى ما كان عليه، والإنسان بهذه الحالة، مأمور بالأكل، بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة، وأن يقتل نفسه. فيجب إذًا عليه الأكل، ويأثم إن ترك الأكل حتى مات، فيكون قاتلًا لنفسه. وهذه الإباحة والتوسعة، من رحمته تعالى بعباده، فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة فقال: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. ولما كان الحِلّ مشروطًا بهذين الشرطين، وكان الإنسان في هذه الحالة، ربما لا يستقصي تمام الاستقصاء في تحقيقها ـ أخبر تعالى أنه غفور، فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال، خصوصًا وقد غلبته الضرورة، وأذهبت حواسه المشقة. وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة: «الضرورات تبيح المحظورات» فكل محظور، اضطر إليه الإنسان، فقد أباحه له الملك الرحمن» (¬1). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص64).

افتعال الضرورة!!

افتعال الضرورة!! (¬1) الضرورة حالة ملجئة لفعل، والإلجاء لا يُعْتبر باختيار الشخص وفعله بغير إكراه، فلايجوز بحال أن تفتعل نازلة أوتصنع بيئة لاختلاط الرجال بالنساء أو لا تراعي الفصل بينهم، ثم يُقال بجواز الاختلاط فيها للضرورة، فمثل ذلك افتئات على الشرع لا يُقَرّ فاعلوه وإن عذر بعض من واقعه باضطراره، والذي ينبغي هو أن يقوم أساس البنيان وفق ضوابط الشريعة. فإذا وقع محظور لضرورة بعد التحرز ساغ الاعتذار بالضرورة، إن كان الضرر المترتب على تركه أعلى، على أن تقدر الضرورة بقدرها، وإلاّ لكان المفْتَعِل للضرورة المعتذِر بها كمن قطع يدي مسلم ورجليه ثم أذهب سمعه وبصره وقال هذا تحل له الزكاة! إذ ليس له عائل. أو كالذي صبر إنسانًا عن الطعام والشراب فلما أشرف على الهلكة قدم له لحم خنزير أو ميتة وقال: كله اضطرارًا! أما إذا اضطُر مُضطرٌّ لحاجة عند مَن لم يُراعِ ضوابط الشرع فيما أنشأ، فالمضطر معذور والمفرط موزور، وإلى الله ترجع الأمور والله عليم بذات الصدور. ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 49 - 50).

الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب

الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -: «اختلاط الرجال بالنساء له ثلاث حالات: الأولى: اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال وهذا لا إشكال في جوازه. الثانية: اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد، وهذا لا إشكال في تحريمه. الثالثة: اختلاط النساء بالأجانب في دور العلم، والحوانيت، والمكاتب، والمستشفيات، والحفلات، ونحو ذلك، فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في باديء الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالأخر، ولكشف حقيقة هذا القسم فإنا نجيب عنه من طريق مجمل ومفصل: أما المجمل: فهو أن الله ـ تعالى ـ جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عنه آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء؛ لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمى ويُصِمّ، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. وأما المفصل: فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها، ووسائل المقصود الموصلة إليه لها حكمه، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال. وقد سَدَّ الشارع الأبواب المُفضية إلى تعلق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر ... » ثم ذكر الأدلة على تحريم هذا النوع من الاختلاط (¬1). ¬

(¬1) فتوى الشيح محمد بن إبراهيم في حكم الاختلاط بين الرجال والنساء، انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/ 82 - 93) وسيأتي كثير من كلامه من نفس الفتوى.

تنبيه على تهاون بعض النساء في لباسهن الشرعي أمام المحارم غير الزوج

تنبيه: أحيانًا يصاحب اختلاط النساء الجائز بمحارمهن من الرجال تهاونهن في لباسهن الشرعي أمام المحارم ـ غير الزوج ـ كلبس الملابس الخفيفة التي تصف البشرة أو القصيرة التي تظهر العورة. وقد ذُكِر أن من أسباب زنا المحارم إظهار المرأة لعورتها أمام المحارم فبعض الأمهات يقصرن في لباس أولادهن ذكورًا وإناثًا؛ فتجد البعض يلبس القصير جدًا بحيث قد يظهر الفخذ أو يلبس الشفاف أو المفتوح والضيق مما قد يغري بعض ضعاف النفوس بالاعتداء عليهم. وبعض الفتيات يخطئن في لبس البنطال أو ما يشف ويصف العورة ظنًّا منها أن يجوز لبسه في البيت أمام المحارم مما يؤدي ذلك إلى تحريك الشهوة الذي بدوره يؤدي إلى المفسدة الأعظم (¬1). وهذا الأمر غفل عنه كثير من الناس فالكثير يظن أنه ليس هناك حدود لعورة المرأة أمام محارمها؛ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (24/ 35)، الفتوى رقم (17007):س: هل يجوز لبس الثوب الضيق الذي يبرز الظهر للمرأة والثديين والخصر، والذي يبرز محاسن المرأة، والذي يكشف الذراعين والرقبة وبعض من الصدر أمام النساء والمحارم، وهل يجوز لبس الثوب الضيق أمام النساء فقط من المحارم أو غيرهن من النساء الأجنبيات المسلمات؟ ج: هذا السؤال له شقان: الأول: في لباس المرأة للضيق الذي يصف أعضاءها، فيعلم من نصوص الشريعة ¬

(¬1) انظر (زنا المحارم، أسباب تفشي هذه الظاهرة) للدكتور نايف بن أحمد الحمد.

وقواعدها أنه يشترط في لباس المرأة المسلمة أن يكون واسعًا فضفاضًا لا ضيقًا، وهذا هو الذي يوافق الغرض من اللباس، وهو: الستر، وحجب بدن المرأة عن نظر الأجانب منعا للفتنة والفساد، واللباس الضيق ينافي هذه المقاصد الشرعية؛ لما فيه من إبراز حجم البدن وأعضائه، فلا يتحقق الغرض المراد من الستر، بل قد يكون أدعى للفتنة والافتتان. وعليه فيحرم على المرأة المسلمة أن تلبس اللباس الضيق أمام محارمها سوى زوجها، ويحرم عليها أمام نسائها إذا كان من السرة إلى الركبة كالبنطلون، أو كان لسائر بدنها لكن يحصل به فتنة النساء والإثارة. الشق الثاني من السؤال: فيما يحل لها إظهاره من زينتها أمام محارمها غير زوجها، فهو: وجهها، وكفاها، وخلخالها، وقرطها، وأساورها، وقلادتها، ورأسها، وقدماها. وجاء أيضًا في فتاوى اللجنة (17/ 297)، الفتوى رقم (20576): س: أنا امرأة متزوجة، أقوم أحيانا في منزلي بلبس الملابس الخفيفة التي تصف البشرة أو القصيرة التي تُظهِر ـ إذا جلست ـ ما فوق الركبة، وذلك لتسهيل الحركة عند تأدية أعمال المنزل، ولتخفيف شدة الحر، وكذلك لأتزين أمام زوجي، غير أن زوجي نصحني بعدم لبس تلك الملابس بسبب وجود أطفالنا الذين تتراوح أعمارهم من 3 إلى 9 سنوات، وخشية ألا تزول المشاهد التي يرونها الآن عن ذاكرتهم إذا كبروا، لكنني لم أقبل نصيحته على أساس أن أطفالنا ما زالوا صغارًا، وكذلك لا يخشى عليهم الفتنة، وحيث إن هذا الأمر قد شغل تفكيري ورغبة في أن أرضي ربي ولا أسخطه ـ كتبت إليكم راجيةً تبيين الحكم الشرعي في ذلك، والتوجيه بما ترون. ج: يجب عليك طاعة زوجك بالمعروف، ومن ذلك ما أمرك به من التستر والاحتشام عند أولادك، حتى لا يعتادوا رؤية العورات ومفاتن النساء، والذي يجوز كشفه للأولاد هو: ما جرت العادة بكشفه؛ كالوجه والكفين والذراعين والقدمين ونحو ذلك.

بعض الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب

بعض الأدلة على تحريم اختلاط المرأة بالرجال الأجانب: الدليل الأول: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53). قال الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: «فلا يقل أحد غير ما قال الله، لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك ... إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف والمهازيل الجهال المحجوبين، لا يقل أحد شيئًا من هذا ... يقول الله هذا عن نساء النبي الطاهرات، أمهات المؤمنين، وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق» (¬1). قال الدكتور عبد الله ناصح علوان (¬2): «وإذا كانت هذه الآية نزلت في أمهات المؤمنين فالعبرة ـ كما يقول الأصوليون ـ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا كانت أمهات المؤمنين المقطوع بعفتهن وطهارتهن مأمورات بالحجاب، وعدم الظهور أمام الأجانب فالنساء المسلمات بشكل عام مأمورات بالستر وعدم الظهور من باب أولى» (¬3). إن النساء مأمورات بالاستتار عن أعين الرجال؛ فالحجاب من الحجب وهو المنع ¬

(¬1) في ظلال القرآن (5/ 2878). (¬2) الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة سابقًا، وأحد رموز الإخوان المسلمين في سوريا والعالم - رحمه الله -. (¬3) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 278).

والحجز، وذلك بستر البدن وتقاسيمه وتفاصيله، فيشترط فيه جلباب: - سابغ لستر البشرة. - وواسع لستر تقاسيم البدن. فكيف يمكن الامتثال لهذا الحكم في بيئة مختلطة؟. إن ذلك لمُحَال؛ لأن الحجاب مجرد خرقة وقماش ينسدل على بدن المرأة، يتحرك بحركتها، فانكشاف شيء من بشَرتها، أو بدُوّ تفاصيل وتقاسيم بدنها وارد بل حاصل، إنها لا تأمن ذلك وهي تمر في الطريق والسوق مرور الكرام، فإذا صارت في اختلاط منظم، فمن المحال أن تحترز، وهي المضطرة للقيام والقعود، والدخول والخروج، والانحناء والالتفات على الدوام؛ لطول المكث وللحاجة إلى ذلك. وهذه سمة في الاختلاط المنظم: طول المكث لساعات قرب الرجال. فالتستر في الاختلاط تكليف بما لا يطاق، والله إذا حرم شيئًا حرم وسائله؛ حرم الخمر فحرم بيعه وشراءه. وحرم الربا فحرم كتابته والشهادة عليه، كذلك حرم على المرأة إبداء زينتها، وحرم كل وسيلة وذريعة محققة إلى ذلك، كالاختلاط الطويل. فتحقيق الحكمة من الحجاب (ستر البشرة وتقاسيم البدن) في اختلاط منظم متعذر غاية التعذر، وما كان الشارع ليأمرها بالاستتار، ثم يبيح لها الاختلاط، إن هذا عين التناقض، ولا تناقض في الشريعة؛ قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} (النساء:82) (¬1). ¬

(¬1) كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net.

الدليل الثاني: الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط

الدليل الثاني: الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط: أمر الله الرجال بغض البصر، وأمر النساء بذلك؛ قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} ... (النور: 30 - 31). فلو كان الاختلاط سائغًا في الشرع لكان في هذه الأوامر الربانية تكليف بما لا يطاق؛ إذ كيف تختلط المرأة بالرجل، وتجلس بجواره في العمل أو الدراسة، ولا ينظر كل واحد منهما للآخر وهما يتبادلان الأعمال والأوراق والدروس؟! قال الدكتور عبد الله ناصح علوان (¬1): «كيف نتصور غض البصر لكل من الرجل والمرأة وهما مجتمعان في مكان واحد؛ فالآية إذن في مدلولها تنهى عن الاختلاط وتحرمه» (¬2). إن غض البصر من الرجال عن محاسن المرأة؛ سواء البشرة إذا انكشفت، أو تقاسيم البدن إذا بدت من وراء الحجاب: مأمور به. وسواء قيل بوجوب تغطية الوجه والكفين أم لا، فإن غض البصر واجب عن سائر البدن. وغض البصر متعذر بل ممتنع في الاختلاط المنظم؛ لطول المكث في مجلس واحد، فصَرْفُ البصر من كليهما غير ممكن، وتحوط المرأة في حجابها شاق؛ إذ طول المقام يلجؤها إلى تغيير أوضاعها، مما سيبدي حتما ما يجب ستره. ¬

(¬1) الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة سابقًا، وأحد رموز الإخوان المسلمين في سوريا والعالم - رحمه الله -. (¬2) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 204).

فما كان الشارع ليأمر بغض البصر من كليهما، ثم يبيح اختلاطهما على هذه الصورة، فإن في الإباحة تحريضًا وتيسيرًا للنظر، وإتباعه بنظرة أخرى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعليِّ - رضي الله عنه -: «يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ». (رواه الترمذي وحسنه الألباني). فالمختلط إذا قدر على الغض في الأولى، فهل سيصمد في الثانية، أو الثالثة إلى المائة، وهي كذلك، هما كل يوم في لقاءات مستمرة لساعات طويلة، قد تبلغ الثمان والعشر؟ (¬1). قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا» (رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم). قال الشيخ محمد بن إبراهيم: «وإنما كان زنًا لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومُؤَدٍّ إلى دخولها في قلب ناظرها، فتعلق في قلبه، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها. فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط يُنهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه» اهـ. وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن من حق الطريق: «غَضّ البَصَر» (رواه البخاري ومسلم). فإذا كان غض البصر واجبًا على الرجال إذا مرت بمجلسهم في الطريق امرأة مرورًا عابرًا، فكيف يسوغ لبعض الناس أن يزعموا أن شريعة الله تعالى لا تُمانع من اختلاط الرجال بالنساء يوميًا في مكان مغلق الساعات الطوال؟! وإذا كان استراق النظر خيانة كما في قول الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر: 19)؛ فكيف تكون المخالطة؟ ¬

(¬1) كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net.

وإذا نهى الشارع عن النظر إلى النساء بسبب ما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه، وواقع الناس اليوم يبين أن الاختلاط يفضي لزامًا لوقع البصر عما أمر الله بحفظه عنه، وإذا كان الذي يُفضِي إلى الوقوع في المحظور يلزم منه وقوع المحظور، ففعله حرام عند من قال بسد الذرائع وعند من لم يقل (¬1)، فهو بمثابة ما لا يتم الامتثال إلا به، وعلى أقل الأحوال هو بمثابة (الذرائع) التي تُفضِي إلى المحظور غالبًا، وقد ذكر أهل العلم أن الحكم إذا علق بمظنة استوى وجودها وعدمه. عَمَّ يُغَضُّ البصرُ! وهنا لعله يَرِدُ سؤالٌ: مادَامَ أن الحجاب مفروض والقرار مأمور به، فعَمَّ يُغض البصر؟ وجوابه أن غض البصر يكون عن المحارم كلها، فقد تخرج امرأة لحاجة، وربما خرجت نساء مترخصات بغير حاجة، وربما كان المجتمع ـ كشأن سائر المجتمعات ـ خليطًا لا يخلو من كتابيات ونحوهن، وغض البصر مطلوب عن كل سافرة سواء كانت مائلة مميلة، أو أمة، أو كتابية. والشريعة الإسلامية بحمد الله واقعية تتعامل مع طبائع الناس على اختلاف أصنافهم، فتشرع الأحكام لكافة الأحوال، فهي صالحة لكل زمان ومكان وحال، ما فرط ربنا في الكتاب من شيء، وهذه الواقعية سمة ظاهرة في التشريع (¬2). ¬

(¬1) انظر: البحر المحيط في الأصول للزركشي (8/ 90)، عن الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 41). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 42).

الدليل الثالث: حديث «إياكم والدخول على النساء»

الدليل الثالث: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟»، قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (رواه البخاري ومسلم). وجه الاستدلال: أنه حذّر من الدخول على النساء باسم فعل الأمر (إيَّاك)، والمعنى احفظوا أنفسكم واتقوا الدخول على النساء، فهو أمرٌ باتِّقَاء الدخول على النساء والأمر يفيد الوجوب، ونهي عن الدخول عليهن؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، والنهي يفيد التحريم. وقوله: (إِيَّاكُمْ) يعُم المخاطبين بضمير الجمع، وقوله: (الدُّخُولَ) يفيد العموم فيشمل دخول الخلوة وغيرها، والقاعدة الاستدلالية: أن الألف واللام إذا دخلت على اسم مفرد أفادت العموم فلا يصح حمله على صورة الخلوة دون غيرها إلا بدليل يقوى على تخصيص العموم، فلا يصح حمل ضمير الجمع الدال على عموم المخاطبين، ولفظ (الدُّخُول) الدال على منع شتى صور الدخول، ولفظ (النِّسَاء) الدال على عموم جميع النساء؛ على صورة واحدة نادرة من أفراد هذا العموم وهي: دخول رجل واحد على امرأة واحدة، وإلغاء جميع الصور الأخرى كدخول رجل واحد على (النِّسَاء). وفيه تأكيدٌ للعموم بالتنصيص على عدم استثناء أقارب الزوج من هذا العموم» (¬1). قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -: «فسمى - صلى الله عليه وآله وسلم - دخول قريب الرجل على امرأته وهو غير ¬

(¬1) بتصرف من الاختلاط بين الجنسين في ضوء الكتاب والسنّة من خلال أصول الفقه ومقاصد الشريعة مع أقوال علماء المذاهب الإسلامية المختلفة، إعداد/عامر بن محمد فداء بهجت، المحاضر بالمعهد العالي للأئمة والخطباء ـ جامعة طيبة ـ المدينة النبوية.

مَحْرَم لها باسم الموت، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير، وهذا دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53) عام في جميع النساء؛ إذ لو كان حكمه خاصًا بأزواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمَا حذر الرجالَ هذا التحذير البالغ العام من الدخول على النساء. وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهن ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرم تحريمًا شديدًا بانفراده كما قدّمنا أن مسلمًا - رحمه الله - أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، فدلّ على أن كليهما حرام» (¬1). وقال أيضًا: «فتأملوا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في دخول قريب الزوج على زوجته «الْحَمْوُ الْمَوْتُ»؛ لتدركوا أن اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات أنه هو الموت» (¬2). وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): « ... وَتَقْدِير الْكَلَام اِتَّقُوا أَنْفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ ... ، وَتَضَمَّنَ مَنْعَ الدُّخُول مَنْع الْخَلْوَة بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى» (¬3). وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيّ: «الْمُرَاد فِي الْحَدِيث أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، لِأَنَّهُمْ مَحَارِم لِلزَّوْجَةِ يَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ».قَالَ: «وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ وَابْن الْأَخ وَالْعَمّ وَابْن الْعَمّ وَابْن الْأُخْت وَنَحْوهمْ مِمَّا يَحِلّ لَهَا تَزْوِيجه لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة، وَجَرَتْ الْعَادَة بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى ¬

(¬1) أضواء البيان (6/ 592 - 593)، عن عودة الحجاب (3/ 308 - 309). (¬2) محاضرات الشيخ الأمين (ص162). (¬3) فتح الباري (9/ 400 - 401).

الدليل الرابع: حديث «استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق»

بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ» (¬1). وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (الْمُفْهِم) (¬2): «الْمَعْنَى أَنَّ دُخُول قَرِيب الزَّوْج عَلَى اِمْرَأَة الزَّوْج يُشْبِه الْمَوْت فِي الِاسْتِقْبَاح وَالْمَفْسَدَة، أَيْ فَهُوَ مُحَرَّم مَعْلُوم التَّحْرِيم، وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْر عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاس بِهِ مِنْ جِهَة الزَّوْج وَالزَّوْجَة لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَرْأَة فَخَرَّجَ هَذَا مَخْرَج قَوْل الْعَرَب: الْأَسَد الْمَوْت، وَالْحَرْب الْمَوْت، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْت، وَكَذَلِكَ دُخُوله عَلَى الْمَرْأَة قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْت الدِّين أَوْ إِلَى مَوْتهَا بِطَلَاقِهَا عِنْد غَيْرَة الزَّوْج أَوْ إِلَى الرَّجْم إِنْ وَقَعَتْ الْفَاحِشَة». الدليل الرابع: عن أَبِى أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ ـ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِى الطَّرِيقِ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. (رواه أبو داود وحسنه الألباني). قَالَ صَاحِبُ (عَوْنِ الْمَعْبُودِ) في شرحه لهذا الحديث: «(وَهُوَ خَارِج): أَيْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، (أَنْ تَحْقُقْنَ) قَالَ فِي النِّهَايَة: هُوَ أَنْ يَرْكَبْنَ حُقّهَا وَهُوَ وَسَطهَا ... وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ ابْعُدْنَ عَنْ الطَّرِيق ... وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَذْهَبْنَ فِي وَسَط الطَّرِيق. (بِحَافَّاتِ): جَمْع حَافَّة وَهِيَ النَّاحِيَة. (ثَوْبهَا): أَيْ الْمَرْأَة (مِنْ لُصُوقهَا): أَيْ الْمَرْأَة (بِهِ): بِالْجِدَارِ. ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (14/ 154). (¬2) (14/ 8).

الدليل الخامس: حديث «اتقوا الدنيا واتقوا النساء»

قال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية سابقًا: «ووجه الدلالة: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا منع الاختلاط في الطريق لأنه يؤدى إلى الافتتان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك؟!». الدليل الخامس: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؛ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ». (رواه مسلم). قال الشيخ محمد إبراهيم: «ووجه الدلالة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر باتقاء النساء، وهو يقتضي الوجوب، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط؟ هذا لا يجوز». الدليل السادس: قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). قال الشيخ محمد بن إبراهيم: «ووجه الدلالة: أنه وصَفَهُنَّ بأنهن فتنة فكيف يُجمع بين الفاتن والمفتون؟ هذا لا يجوز». الدليل السابع: قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ» (رواه الترمذي وصححه الألباني). قال صاحب تحفة الأحوذي في شرح هذا الحديث: «(فَإِذَا خَرَجَتْ اِسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) أَيْ زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ أَيْ نَظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا. وَالْأَصْلُ

الدليل الثامن: حديث «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»

فِي الِاسْتِشْرَافِ رَفْعُ الْبَصَرِ لِلنَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ وَبَسْطُ الْكَفِّ فَوْقَ الْحَاجِبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَقْبَحُ بُرُوزُهَا وَظُهُورُهَا فَإِذَا خَرَجَتْ أَمْعَنَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا بِغَيْرِهَا، وَيُغْوِيَ غَيْرَهَا بِهَا لِيُوقِعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْفِتْنَةِ. أَوْ يُرِيدَ بِالشَّيْطَانِ شَيْطَانُ الْإِنْسِ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ سَمَّاهُ بِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ» (¬1). والاختلاط وسيلة إلى تسهيل هذا التزيين والإغواء. الدليل الثامن: قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم). قال الشيخ محمد بن إبراهيم: «ووجه الدلالة أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - شرع للنساء إذا أتَيْن إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة على حدة، ثم وصف أول صفوفهن بالشر، والمؤخر منهن بالخير، وما ذلك إلا لبُعد المتأخرات عن الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم، وذمّ أول صفوفهن لحصول عكس ذلك، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد؛ لفوات التقدم والقُرْب من الإمام وقربه من النساء اللاتى يشغلن البال، وربما أفسدن به العبادة وشوشن النية والخشوع. فإذا كان الشارع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى فيمنع الاختلاط من باب أولى» (¬2). ¬

(¬1) تحفة الأحوذي (4/ 283). (¬2) فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاختلاط بين الرجال والنساء.

وقد أفرد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المسجد بابًا خاصًّا للنساء يدخلن , ويخَرجن منه , لا يُخالطهن , ولا يُشاركهن فيه الرجال. فعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ»، قَالَ نَافِعٌ: «فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ» (رواه أبو داود وصححه الألباني). قَالَ صَاحِبُ (عَوْنِ الْمَعْبُودِ) في شرحه لهذا الحديث: «(لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَاب): أَيْ بَاب الْمَسْجِد الَّذِي أَشَارَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، (لِلنِّسَاءِ): لَكَانَ خَيْرًا وَأَحْسَن لِئَلَّا تَخْتَلِط النِّسَاء بِالرِّجَالِ فِي الدُّخُول وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد. وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل أَنَّ النِّسَاء لَا يَخْتَلِطْنَ فِي الْمَسَاجِد مَعَ الرِّجَال بَلْ يَعْتَزِلْنَ فِي جَانِب الْمَسْجِد وَيُصَلِّينَ هُنَاكَ بِالِاقْتِدَاءِ مَعَ الْإِمَام، فَكَانَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر أَشَدّ اِتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، فَلَمْ يَدْخُل مِنْ الْبَاب الَّذِي جُعِلَ لِلنِّسَاءِ حَتَّى مَاتَ» (¬1). وشرع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للرجال إمامًا ومؤتمين ألاَّ يخرُجوا فور التسليم من الصلاة , إذا كان بالصفوف الأخيرة بالمسجد نساء , حتى يخرجن , وينصرفن إلى دورهن قبل الرجال , لكي لا يحصل الاختلاط بين الجنسين ـ ولو بدون قصد ـ إذا خرجوا جميعًا. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا سَلَّمَ مَكَثَ قَلِيلًا، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ كَيْمَا يَنْفُذُ النِّسَاءُ قَبْلَ الرِّجَالِ». (رواه أبو داود، بَاب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنْ الصَّلَاةِ، وصححه الألباني). قَالَ صَاحِبُ (عَوْنِ الْمَعْبُودِ) في شرحه لهذا الحديث: «(إِذَا سَلَّمَ): أَيْ مِنْ الصَّلَاة (كَيْمَا يَنْفُذ): أَيْ يَمْضِينَ وَيَتَخَلَّصْنَ مِنْ مُزَاحَمَة الرِّجَال. ¬

(¬1) عون المعبود (2/ 92).

وَالْحَدِيث فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاة أَحْوَال الْمَأْمُومِينَ وَالِاحْتِيَاط فِي ِاجْتِنَاب مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور، وَاجْتِنَاب مَوَاقِع التُّهَم، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت» (¬1). وعن الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «فَأُرَى وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ» (رواه البخاري). وفي رواية عن الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَنُرَى ـ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ لِكَيْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري). وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (رواه البخاري). وعن أُمَّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الصَّلَاةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - َ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَامَ الرِّجَالُ» (رواه النسائي وصححه الألباني). قال السندي: قَوْله (قُمْنَ) أَيْ خَرَجْنَ إِلَى بُيُوتهنَّ (وَثَبَتَ) أَيْ قَعَدَ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي مَكَانه لِيَقْعُد الرِّجَال خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَة بِلِقَاءِ الرِّجَال النِّسَاء فِي الطَّرِيق وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ» (¬2). ¬

(¬1) عون المعبود (3/ 253). (¬2) حاشية على سنن النسائي (3/ 67).

الدليل التاسع: حديث «على رسلكما إنما هى صفية بنت حيى»

وهذا كله في حال العبادة والصلاة التي يكون فيها المسلم أو المسلمة أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان وإغوائه , فكيف بما عداها؟!. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «شَهِدْتُ الصَّلاَةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ، فَنَزَلَ نَبِىُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلاَلٍ» (رواه البخاري ومسلم). يجلّس الرجال لكي لا يختلطوا بالنساء. الدليل التاسع: روى البخاري ومسلم أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَزُورُهُ فِى اعْتِكَافِهِ فِى الْمَسْجِدِ، فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ لَهُمَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ». فَقَالاَ: «سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ». وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا شَيْئًا». والشاهد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قرر أن خلطة الرجل بالمرأة موطن ريبة، ومحل تهمة، مع أن هذه الخلطة كانت: - عند المسجد. - وفي محل عام مطروق. - وزمانها ليلة من ليال العشر الأواخر من رمضان. - مع امرأة مضروب عليها الحجاب الكامل بغير خلاف لكونها من أزواجه ص.

الدليل العاشر: حديث «لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها»

- أضف إلى ذلك الأصول المقررة؛ كعصمة النبي ص، ورسوخ إيمان صحابته ي. كل ذلك لم يبرر ترك بيان أن الاختلاط بالنساء موضع تهمة، ومحل شبهة. الدليل العاشر: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تُبَاشِرْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» (رواه البخاري)؛ فالمرأة المسلمة منهية عن وصف المرأة الأجنبية لزوجها كأنه ينظر إليها، ونقل الحافظ ابن حجر أن الْحِكْمَة فِي هَذَا النَّهْي خَشْيَة أَنْ يُعْجِب الزَّوْج الْوَصْف الْمَذْكُور فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى تَطْلِيق الْوَاصِفَة أَوْ الِافْتِتَان بِالْمَوْصُوفَةِ (¬1). فكيف يُعقل أن ينهى الإسلام المرأةَ المسلمة أن تصف امرأةً أجنبية لزوجها لئَلّا يتعلق قلبُه بها، ثم يبيح لهذا الزوج أن يجالس هذه المرأة الأجنبية ويخالطها في العمل أو الدراسة مخالطةً مستديمة؟!!! الدليل الحادي عشر: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ، جَاءَ يَسْتَأَذِنُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ الله، أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عليّ» (رواه البخاري ومسلم). قال العيني: «وفيه أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمَحْرَم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه، وهو كذلك إجماعًا بعد أن نزلت آية الحجاب، وما ورد من بروز النساء فإنما كان قبل نزول الحجاب، وكانت قصة أفلح مع عائشة بعد نزول الحجاب» (¬2). ¬

(¬1) فتح الباري (9/ 337). (¬2) عمدة القاري (13/ 202).

الدليل الثاني عشر: خمس قواعد شرعية

الدليل الثاني عشر: القواعد الشرعية الآتية: قال الشيخ حامد العلي: «هذه المسألة ترجع إلى أربع قواعد شرعيَّة: - كل مالم يرد فيه نص، فهو من قبيل المباح، ما لم يُفْضِ إلى محرم فيأخذ حكمه. - إذا تعذّر توفير الضوابط التي تمنع اقتران الحرام الذي مفسدته أعظم، بالمباح، فإنه يُمنع سدًّا للذريعة. - الأمور تتبيّن بعواقبها، فالخير في موضعه عواقبه الرشد أبدًا، والشر عواقبه الغيّ. - كلّ ما كان الأمر أشدّ ضررًا على المجتمع، كان الاحتراز منه أوجب، ومحاربته ينبغي أن تكون أشدّ. أما القاعدة الأولى، فكما نص الفقهاء على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرًا. وأما الثانية، فكما ذكر الفقهاء تحريم بيع السلاح وقت الفتنة، لأنه حتى لو زُجر الناس عن قتل المسلم، فلا يمكن ضبط ذلك والناس في حال الفتنة، فيُفتى بتحريمه مطلقًا. أما الثالثة، فدلت عليها نصوص كثيرة جدًا، فالله تعالى جعل عاقبة طاعته خيرًا، قال تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)} (الكهف:44)، وجعل عاقبة معصيته الخسران المبين قال ... تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)} (الروم:9 - 10).

فإذا تبين أن عاقبة الأمر السوء، فهو معصية لله، والضد بالضد. أما الرابعة فكما نرى نصوص القرآن السنة شددت في التحذير من مداخل الشرك، والقتل، والزنا، وهي أعظم ثلاث جرائم. فحرمت الشريعة كل ذرائع الشرك: كالصلاة في المقابر، وتعليق التمائم وغيرها حتى تلك التي في الألفاظ كقول القائل ماشاء الله وشئت، والحلف بغير الله ... إلخ. كما حرمت الشريعة في صيانة دم المسلم، كلّ الطرق المفضية إلى الاستهانة به، فحرمت حتى سباب المسلم، وترويعه، سدًّا لكل طرق العدوان التي قد تُفْضِي إلى القتل، أو الإستهانة بدم المسلم. وفي الذرائع المفضية إلى الزنا، حرمت على المرأة الخلوة مع الرجل، والتعطّر أمام الرجال، والسفر بغير محرم، وأمرتها بالحجاب، وأمرت بغض الأبصار، ونهَتْ المرأة عن الخضوع بالقول عند مخاطبة الرجل الأجنبي، حتى لقد حرَّم عليها ضربها بخلخالها لتُعلَم زينتُها. ولا نجد مِثْل هذا الذرائع كثرةً وتأكيدًا في غير تلك الجرائم الثلاث. ثم إذا نظرنا إلى الاختلاط يبن الرجال والنساء من هذا المنظار الشرعي، وجدناه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: اختلاط عابر، في موضع لايخشى منه الفتنة، في الغالب، كاشتغال الجمع بعبادة مثلا، كصلاة النساء في المسجد خلف الرجال في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - والطواف في الحج .. إلخ ومثل الأماكن العامة التي يشق تخصيصها لأحد الجنسين.

والقسم الثاني: اختلاط يفضي إلى الفتنة غالبًا، ولايمكن توفير ضوابط الاحتراز منها، وعاقبته شرور واضحة، وضرره على المجتمع بالغ السوء بشهادة الواقع المحسوس، وذلك مثل الاختلاط في الدراسة، وفي أماكن العمل، حيث تمكث الفتاة، أوالمرأة فترة طويلة بين الرجال، في أجواء داعية إلى التعارف وتكوين العلاقات، بما تقتضيه الجبِلّة الإنسانية، من الانجذاب الفطري بين الذكر والأنثى. فلو قيل للشاب الذي يخالط الشابات في فصل دراسي طيلة أعوام الدراسة: لا تنظر إلى ما تشتهي نفسُك النظر إليه من مفاتن المرأة، ولا تشتهي ما يشتهيه الرجل من المرأة، ولا تحاول أن تتعرّف على من تعجبك منهنّ، ولا تبني علاقة معها، ولا تجعل نفسك تهمّ بمحرم، ويقول للفتاة مثل ذلك، لكان من يقول مثل هذا للشباب، مع توفير أسباب الفتنة لهم، كمن يسعى في إفساد الناس وهو يأمرهم بالصلاح، والعفّة!! وهذا التناقض القبيح في العقل والمنطق لايمكن أن تأتي به الشريعة الكاملة. حتى إن بعض الجهّال، أفتى بجواز الاختلاط في الأعراس، استدلالًا بأن النساء كنّ يصلين، خلف صفوف الرجال في عهد النبوة!! مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جعل صفوفهن بعيدًا، خلف الصبيان (¬1)، كما جعل مصلى النساء ¬

(¬1) حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ»، رواه الإمام أحمد وغيره وضعفه الألباني والأرنؤوط. قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: «وفي صَفِّ النساء لوحدهم وراء الرجال أحاديث صحيحة، وأما جعل الصبيان وراءهم فلم أجد فيه سوى هذا الحديث، ولا تقوم به حجة؛ فلا أرى بأسًا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متسع؛ وصلاة اليتيم مع أنس وراءه - صلى الله عليه وآله وسلم - حجة في ذلك».تمام المنة (ص 284). وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «لا شَكَّ أنَّ مكان الصبيان خلفَ الرِّجالِ أَولى، لكن إذا كان يحصُلُ به تشويشٌ وإفسادٌ للصَّلاةِ على البالغين؛ وعليهم أنفسِهم، فإنَّ مراعاةَ ذلك أَولى مِن مراعاة فَضْلِ المكان، إذًا؛ كيف نعملُ؟ =

في العيد، معزولًا عن مصلى الرجال، وجعل خير صفوفهن آخرها، وشرّها أوّلها، وكل ذلك لتخفيف الفتنة قدر المستطاع، مع أنه في موضع العبادة، فكيف بغيره؟!! وعلى أية حال فكل عاقل يعلم أن ثمة فرقا كبيرا بين القسم الأوّل، والثاني، وأنّ الاستدلال بجواز الأول، على جواز الثاني، من قبيل التلبيس، والخلط، وسوء الفهم. وذلك كمثل من يستدل على جواز بيع السلاح في الأحوال العادية، مع إمكان أن ¬

= الجواب: نعملُ كما قال بعضُ العلماءِ: بأنْ نجعلَ بين كُلِّ صبيين بالغًا مِن الرِّجالِ فَيَصفُّ رَجُلٌ بالغٌ يليه صبيٌّ، ثم رَجُلٌ ثم صبيٌّ، ثم رَجُلٌ، ثم صبيٌّ؛ لأنَّ ذلك أضبطُ وأبعدُ عن التشويشِ، وهذا وإنْ كان يستلزمُ أنْ يتأخَّرَ بعضُ الرِّجالِ إلى الصَّفِّ الثاني أو الثالثِ حسب كثرة الصبيان؛ فإنَّه يحصُلُ به فائدةٌ، وهي الخشوعُ في الصَّلاةِ وعدمُ التشويشِ».انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 278 - 279). وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لما رواه مسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لِيَلِنِى مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»: «وفي قوله: «لِيَلِنِى مِنْكُمْ» اللام لام الأمر، والمعنى أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولو الأحلام والنهى، وأولو الأحلام يعني الذين بلغوا الحُلُم، وهم البالغون، والنهى جمع نهية وهي العقل، يعني العقلاء، فالذي يجب أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون؛ لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فلهذا حث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتقدم هؤلاء حتى يَلُوا الإمام. وليس معنى الحديث لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول فإن هذا لا يجوز، فلا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدُثَ منهم أذية؛ فإن لم يحدث منهم أذية فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به، وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية (لا يلني إلا أولو الأحلام) وبين قوله (ليلني أولو الأحلام) فالثانية تحُتُّ تحُثُّ الكبار العقلاء على التقدم، والأولى لو قُدِّرَ أنها نَصُّ الحديث لكان ينهى أن يلي الإمام مَن ليس بالغًا أو ليس عاقلًا. ولهذا نقول: إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطأوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم، ومن جهة أخرى أنهم يُكَرِّهُون الصبيان المساجد؛ وهذا يؤدي إلى أن ينفر الصبي عن المسجد إذا كان يُطْرَدُ عنه، ومنها أن هذه لا تزال في نفسه عقدة مِن الذي طرده فتجده يكرهه ويكره ذكره؛ فمن أجل هذه المفاسد نقول: لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف، ثم إننا لو طردناهم من أوائل الصفوف حصل منهم لعب لو كانوا كلهم في صف واحد، كما يقوله مَن يقوله مِن أهل العلم لحصل منهم مِن اللعب ما يوجب اضطراب المسجد واضطراب أهل المسجد، ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد. (شرح رياض الصالحين (2/ 167 - 168).

يُقتل به مسلم، على جواز بيعه في فتنة بين المسلمين يقتل بعضهم بعضها! ولا يخفى على عاقل متجرّد من الهوى، أن الاختلاط ـ من القسم الثاني ـ مُفْضٍ إلى فساد عريض، وها هي المجتمعات التي ينتشر فيها هذا الاختلاط، تعاني ما تعانيه من الآثار المدمّرة لانتشار الزنى، والعلاقات المحرمة بين الجنسين. هذا، مع أنه من الناس من يكون في حال الضرورة، فيباح له، أوْ لها، الدراسة أو العمل في أماكن مختلطة، على قدر الضرورة، وهذه الإباحة الطارئة، لاتدلّ على جواز إنشاء الاختلاط المفضي إلى الفتنة ابتداءً، كما أن القاعدة الفقهية التي تنص على أن حكم التبع، يختلف عن حكم الاستقلال، وحكم الدوام يختلف عن حكم الابتداء، يجري العمل بها هنا أيضا، والله أعلم (¬1). ¬

(¬1) المصدر ... http://www.h-alali.net

القاعدة الخامسة: من قواعد الشريعة: أن الوسائل لها أحكام المقاصد. قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها» (¬1). ويوضح هذه القاعدة الإمام ابن القيم - رحمه الله - حيث يقول: «لَمَّا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِأَسْبَابٍ وَطُرُقٍ تُفْضِي إلَيْهَا كَانَتْ طُرُقُهَا وَأَسْبَابُهَا تَابِعَةً لَهَا مُعْتَبَرَةً بِهَا، فَوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَعَاصِي فِي كَرَاهَتِهَا وَالْمَنْعِ مِنْهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَاتِهَا وَارْتِبَاطَاتِهَا بِهَا، وَوَسَائِلُ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ فِي مَحَبَّتِهَا وَالْإِذْنِ فِيهَا بِحَسَبِ إفْضَائِهَا إلَى غَايَتِهَا؛ فَوَسِيلَةُ الْمَقْصُودِ تَابِعَةٌ لِلْمَقْصُودِ، وَكِلَاهُمَا مَقْصُودٌ، لَكِنَّهُ مَقْصُودٌ قَصْدَ الْغَايَاتِ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ قَصْدَ الْوَسَائِلِ؛ فَإِذَا حَرَّمَ الرَّبُّ تَعَالَى شَيْئًا وَلَهُ طُرُقٌ وَوَسَائِلُ تُفْضِي إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُهَا وَيَمْنَعُ مِنْهَا، تَحْقِيقًا لِتَحْرِيمِهِ، وَتَثْبِيتًا لَهُ، وَمَنْعًا أَنْ يُقْرَبَ حِمَاهُ، وَلَوْ أَبَاحَ الْوَسَائِلَ وَالذَّرَائِعَ الْمُفْضِيَةَ إلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّحْرِيمِ، وَإِغْرَاءً لِلنُّفُوسِ بِهِ، وَحِكْمَتُهُ تَعَالَى وَعِلْمُهُ يَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ، بَلْ سِيَاسَةُ مُلُوكِ الدُّنْيَا تَأْبَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ إذَا مَنَعَ جُنْدَهُ أَوْ رَعِيَّتَهُ أَوْ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الطُّرُقَ وَالْأَسْبَابَ وَالذَّرَائِعَ الْمُوَصِّلَةَ إلَيْهِ لَعُدَّ مُتَنَاقِضًا، وَلَحَصَلَ مِنْ رَعِيَّتِهِ وَجُنْدِهِ ضِدُّ مَقْصُودِهِ. وَكَذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ إذَا أَرَادُوا حَسْمَ الدَّاءِ مَنَعُوا صَاحِبَهُ مِنْ الطُّرُقِ وَالذَّرَائِعِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَسَدَ عَلَيْهِمْ مَا يَرُومُونَ إصْلَاحَهُ. فَمَا الظَّنُّ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ الَّتِي هِيَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْكَمَالِ؟ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَصَادِرَهَا وَمَوَارِدَهَا عَلِمَ أَنَّ اللهَ ـ تَعَالَى ـ ¬

(¬1) الأصول من علم الأصول (ص23).

وَرَسُولَهُ سَدَّ الذَّرَائِعَ الْمُفْضِيَةَ إلَى الْمَحَارِمِ بِأَنْ حَرَّمَهَا وَنَهَى عَنْهَا» (¬1). فكل ما يُفْضِي إلى المحارم فهو محرم، ولهذا حرَّم الله سب آلهة المشركين مع ما فيه من المصلحة. ومعلوم ما يترتب على الاختلاط، وما يُفْضِي إليه من المفاسد الكبيرة وهي واضحة في تلك المجتمعات التي وقعت في الاختلاط، ولا ينكرها إلا مكابر، فالمنصف من نفسه المتجرد للحق يجد التذمر والتحسر على انفلات المرأة وتفكك الأسر والمجتمع، والسعيد مَنْ وُعِظَ بغيره (¬2). ¬

(¬1) إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 342). (¬2) أدلة تحريم الاختلاط متضافرة وليس لها ناقض، بقلم: علي بن فهد أبا بطين، عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالقصيم، شبكة الرد ـ الأربعاء 4 رجب 1428هـ الموافق 18/ 7/2007م عن (صحيفة الوطن السعودية) الاثنين 2 رجب 1428هـ الموافق 16 يوليو 2007م العدد (2481) السنة السابعة.

أقوال أهل العلم والدعاة في الاختلاط بين الجنسين

أقوال أهل العلم والدعاة في الاختلاط بين الجنسين لقد تتابع أهل العلم والدعاة في التحذير من الاختلاط عامة ومن الاختلاط في التعليم خاصة، وذكروا النصوص الشرعية المانعة منه ومن آثاره الخطيرة على الجوانب الدينية والتعليمية لدى الطالب والطالبة. الإجماع: قال الشيخ عبد العزيز الطريفي: «لا يُعلَمُ عالمٌ على مَرِّ قرون الإسلام الخمسة عشر قال بجواز الاختلاط في المجالس والتعليم والعمل، ... وتَحَصَّلَ لي أكثر من مائة عالم وفقيه عبر تلك القرون يقطعون بعدم الترخيص فيه، بل رأيت منهم من يُسقِطُ عدالةَ فاعلهِ، بل وقوامته على الأعراض. قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله العامري ـ وهو من علماء القرن السادس ـ في كتابه (أحكام النظر)» (¬1).: «اتفق علماء الأمة أن من اعتقد هذه المحظورات، وإباحة امتزاج النسوان بالرجال الأجانب، فقد كفر واستحق القتل بردته، وإن اعتقَدَ تحريمَه، وفَعَلَه وأقر عليه ورضي به، فقد فسق، لايُسمعُ له قول، ولا تُقبلُ له شهادة» (¬2). أقوال بعض علماء المذاهب الأربعة: أولًا: من علماء الحنفية: 1 - قال السرخسي: «وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ , وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ ¬

(¬1) ص 278، وانظر (الاختلاط وأهل الخلط) للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. (¬2) الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي، (ص 22).

ثانيا: من علماء المالكية

وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى، وَلَكِنْ هَذَا فِي خُصُومَةٍ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ. فَأَمَّا الْخُصُومَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُقَدِّمَهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ» (¬1). 2 - قال الحموي الحنفي: «وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الزِّفَافَ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ , كَمَا فِي الْفَتْح ِ. قُلْت: وَهُوَ حَرَامٌ فِي زَمَانِنَا فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ لِأُمُورٍ لَا تَخْفَى عَلَيْك مِنْهَا اخْتِلَاطُ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» (¬2). 3 - وعلل ابن عابدين رد شهادة من خرج للفُرْجَة على قدوم أمير بقوله: «لِمَا تشتمل عليه من منكرات، ومن اختلاط الرجال بالنساء» (¬3). 4 - قال الخادمي في الآفَةِ السِّتّينَ من آفَاتِ اللِّسَانِ: «الْإِذْنُ وَالْإِجَازَةُ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَإِذْنِ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى غَيْرِ مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ بِالْجَوَازِ ـ ثم عدها سبعًا ـ وقال: «وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ ـ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ ـ لَا يَأْذَنُ لَهَا، وَلَا تَخْرُجُ، وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ» (¬4). ثانيًا: من علماء المالكية: 5 - قال القاضي عياض - رحمه الله -: «فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاس الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَكَانَتْ عَادَته - صلى الله عليه وآله وسلم - مُبَاعَدَتهنَّ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّته» (¬5). ¬

(¬1) المبسوط (16/ 80). (¬2) غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (2/ 114). (¬3) رد المحتار على الدر المختار (6/ 355). (¬4) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية للخادمي (4/ 10 - 11). من قال من العلماء بجواز عيادة الرجل المرأة الأجنبية، أو المرأة الرجل الأجنبي عنها، اشترط غض البصر وعدم الخضوع بالقول، والتستر والالتزام بالحجاب الشرعي وأمن الفتنة، وعدم الخلوة. وقالوا: الأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ. (راجع جواب الشبهة السادسة والسبعين ص:519) (¬5) شرح صحيح مسلم للنووي (14/ 166).

ثالثا: من علماء الشافعية

6 - وقد نقل أئمة المالكية؛ كابن فرحون، وابن زيد البرناسي، وأحمد القرافي، أنه لا يُخْتَلَفُ في المذهب في عدم قبول شهادة من يحضرون الأعراس التي يمتزج فيها الرجال بالنساء؛ لأن بحضورهم في هذه المواضع تسقط عدالتهم (¬1). 7 - قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي في رسالته المشهورة: «وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ». قال النفراوي في شرحه (الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني): «(وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ) أَيْ مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ , كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» (¬2). 8 - قال أبو محمد الأندلسي القحطاني المالكي (¬3): إنَّ الرجالَ الناظرينَ إلى النِّسَا ... مِثْلُ السباعِ تطوفُ باللحمان إنْ لم تَصُنْ تلكَ اللحومَ أسُودُها ... أُكِلَتْ بِلا عِوَضٍ ولا أثمانِ (¬4) ثالثًا: من علماء الشافعية: 9 - قال الإمام البيهقي: «فدخل في جملة ذلك (¬5) أن يحمي الرجل امرأته وبنته من مخالطة الرجال ومحادثتهم والخلوة بهم» (¬6). 10 - قال الإمام الماوَرْدِيّ - رحمه الله - يُعَرِّف الدَيُّوث: «هو الذي يجمع بين الرجال ¬

_ (¬1) انظر: (أنوار البروق في أنواع الفروق) للقرافي (7/ 429)، و (تبصرة الحكام في أحوال الأقضية ومناهج الحكام) لابن فرحون (1/ 361). (¬2) الرسالة مع شرح النفراوي (2/ 322). (¬3) أبو محمد بن عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني السلفي المالكي، كان فقيها حافظًا. (¬4) نونية القحطاني، واللُحمان ـ بضم اللام ـ: جمع لحم. (¬5) أي الغيرة التي من الإيمان. (¬6) شعب الإيمان (7/ 411 - 412).

والنساء، سمي بذلك لأنه يَدُثُّ بينهم» (¬1). 11 - قال أبو إسحاق الشيرازي: «وَلَا تَجِبُ (أي الجمعة) عَلَى الْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَرِيضٍ» (¬2)، وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرَّجُلِ , وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ» (¬3). 12 - قال ابن حجر الهيتمي بعد نقل كلام الشيرازي: «فتأمَّلْه تجِدْه صريحًا في حرمة الاختلاط؛ وهو كذلك لأنه مظنة الفتنة» (¬4). ونقل أيضًا: «أَمَّا سَمَاعُ أَهْلِ الْوَقْتِ فَحَرَامٌ بِلَا شَكٍّ فَفِيهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» (¬5). 13 - ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لحديث البخاري عن عَبْدِ اللهِ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ ¬

(¬1) أدب الدنيا والدين (ص268). وجاء في لسان العرب: دَيَّثَ الأَمرَ: لَيَّنَه ودَيَّثَ الطريقَ: وَطَّأَه. وطريقٌ مُدَيَّثٌ أَي مُذَلَّل وقيل: إِذا سُلِكَ حتى وَضَحَ واستبان. ودَيَّثَ البعيرَ: ذلّلهُ بعض الذُّلّ. وجَملٌ مُدَيَّثٌ ومُنوَّقٌ إِذا ذُلِّلَ حتى ذَهَبَتْ صُعوبتُه .... والدَّيُّوثُ القَوَّاد على أَهله. والذي لا يَغارُ على أَهله: دَيُّوثٌ. والتَّدييثُ: القِيادة. وفي المحكم: الدَّيُّوثُ والدَّيْبُوثُ الذي يدخُل الرجالُ على حُرْمته بحيث يراهم كأَنه لَيَّنَ نفسه على ذلك. (¬2) رواه الدارقطني وضعفه الألباني، ورواه ابن أبى شيبة والبيهقى عن مولى لآل الزبير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الجُمْعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ إلّا أَرْبَعَةً: الصَّبِىَّ، وَالْعَبْدَ، وَالْمَرْأَةَ، وَالْمَرِيضَ»، وقال الألباني: «وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات غير المولى فلم أعرفه , فإن كان من الصحابة فلا تضر جهالته , وهو الأرجح لأن راويه عنه أبو حازم هو سلمان الأشجعى الكوفى تابعى , وإن كان غير صحابى فالسند ضعيف لجهالته. (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 3/ 56). (¬4) المهذب مع المجموع (4/ 350). (¬4) الفتاوى الفقهية لابن حجر (1/ 203). (¬5) الزواجر عن اقتراف الكبائر (ص345).

أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، نقل قَوْلَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: «هَذَا الْحَدِيث عَامّ فِي النِّسَاء، إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاء خَصُّوهُ بِشُرُوطٍ: مِنْهَا أَنْ لَا تَتَطَيَّب، وَيَلْحَق بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ سَبَب الْمَنْع مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيك دَاعِيَة الشَّهْوَة كَحُسْنِ الْمَلْبَس وَالْحُلِيّ الَّذِي يَظْهَر وَالزِّينَة الْفَاخِرَة وَكَذَا الِاخْتِلَاط بِالرِّجَالِ» (¬1). وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري في (بَاب حَمْل الرِّجَال الْجِنَازَة دُون النِّسَاء): « ... وَقَدْ وَرَدَ مَا هُوَ أَصْرَح مِنْ هَذَا فِي مَنْعهنَّ، وَلَكِنَّهُ عَلَى غَيْر شَرْط الْمُصَنِّف، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي جِنَازَة، فَرَأَى نِسْوَة فَقَالَ: «أَتَحْمِلْنَهُ؟»، قُلْنَ: «لَا».قَالَ: «أَتَدْفِنَّهُ؟»، قُلْنَ: «لَا». قَالَ: «فَارْجِعْنَ مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات». وَنَقَلَ النَّوَوِيّ فِي (شَرْح الْمُهَذَّب) أَنَّهُ لَا خِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَيْن الْعُلَمَاء، وَالسَّبَب فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَة لَا بُدّ أَنْ يُشَيِّعهَا الرِّجَال فَلَوْ حَمَلَهَا النِّسَاء لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إِلَى اِخْتِلَاطهنَّ بِالرِّجَالِ فَيُفْضِي إِلَى الْفِتْنَة» (¬2). 14 - قال البجريمي: «اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ عَرَفَةَ , قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ ; وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ ... وَقَالَ الشَّيْخُ الطُّوخِيُّ بِحُرْمَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ» (¬3). ¬

(¬1) فتح الباري لابن حجر (2/ 349). (¬2) فتح الباري (3/ 182). (¬3) البجيرمي على الخطيب (2/ 226).

رابعا: من علماء الحنابلة

رابعًا: من علماء الحنابلة: 15 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وقد كان من سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسنة خلفائه التمييز بين الرجال والنساء ... ؛ لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب» (¬1). 16 - قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: «وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ , وَالْفُرَجِ , وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ ... وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَزَيِّنَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ , وَمَنْعُهُنَّ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي يَكُنَّ بِهَا كَاسِيَاتٍ عَارِيَّاتٍ , كَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ وَالرِّقَاقِ , وَمَنْعُهُنَّ مِنْ حَدِيثِ الرِّجَالِ , فِي الطُّرُقَاتِ , وَمَنْعُ الرِّجَالِ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يُفْسِدَ عَلَى الْمَرْأَةِ ـ إذَا تَجَمَّلَتْ وَتَزَيَّنَتْ وَخَرَجَتْ ـ ثِيَابَهَا بِحِبْرٍ وَنَحْوِهِ , فَقَدْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَصَابَ , وَهَذَا مِنْ أَدْنَى عُقُوبَتِهِنَّ الْمَالِيَّةِ. وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَرْأَةَ إذَا أَكْثَرَتْ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهَا , وَلَا سِيَّمَا إذَا خَرَجَتْ مُتَجَمِّلَةً , بَلْ إقْرَارُ النِّسَاءِ عَلَى ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُنَّ عَلَى الْإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ , وَاللهُ سَائِلٌ وَلِيَّ الْأَمْرِ عَنْ ذَلِكَ. وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ , وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ؛ فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ: أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ. وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ , وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ. فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ: كَثْرَةُ الزِّنَا , بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ ¬

(¬1) باختصار من (الاستقامة 1/ 360).

أقوال بعض العلماء المعاصرين

بِالرِّجَالِ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ , وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ ـ قَبْلَ الدِّينِ ـ لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ» (¬1). 17 - قال ابن الجوزي: «فأما ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال، ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك» (¬2). 18 - وقال ابن رجب: «وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد» (¬3). أقوال بعض العلماء المعاصرين: 19 - قال الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله -: « ... وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لُبَابَ الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية ... والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد» (¬4). 20 - قال الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله -: «وقد ذكر العلامة ابن ¬

(¬1) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية (280 ـ 281). (¬2) كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ 776. (¬3) فتح الباري في شرح الجامع الصحيح للبخاري (2/ 134). (¬4) مجلة الهداية الإسلامية، (الجزء السادس من المجلد الثالث عشر)، وانظر كتاب محاضرات إسلامية لفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين جمعها وحققها علي الرضا التونسي (ص190 - 200).

قول الشيخ عبد الرحمن الجزيري عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وصاحب كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة)

القيم فى كتابه (الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية) فصلًا بَيَّنَ فيه أنه يجب على ولى الأمر أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء فى الأسواق ومجامع الرجال، وذكر فيه أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، ومن أعظم أسباب نزول العقوبة العامة، كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة وسبب لكثرة الفواحش والزنا» (¬1). 21 - وقال الشيخ عبد الرحمن الجزيري - رحمه الله - ـ عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ـ وصاحب كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة): «جريمة الزنا من أخطر أمور الحياة كلها بل أشدها تعلقًا بنظامها ودوام سعادتها وهنائها، وتمسكها وترابطها ولذلك اهتم الشارع الحكيم بهذا الحد أكبر اهتمام صونًا للحياة المنزلية من الانهيار وحفظًا للروابط الأسرية مما يتهددها من بلاء وأطار فذَكَرَ عقابَ من لا يحفظ فرجه وبينه أعظم بيان وجعله من أشد العقوبات وأفظعها وأوجب أن لا تأخذنا شفقة ولا رحمة، وأن يشهد إقامة الحد جماعة من المؤمنين ... ثم بين ما يجب علينا أن نراعيه في حفظ الفروج وما تحتاج إليه لصيانتها من الضياع وما يجب للأبضاع من الحرمة والصون والاحتياط والمحافظة. فأمَرَنَا بغض النظر إلى الأجنبيات لأن النظر بريد الزنا، وأمرنا بصون أجساد النساء من التبذل والظهور أمام الأجانب، وحث المرأة على حفظ جسدها بالاحتشام والتستر والبعد عن مواطن الريبة وبؤر الفساد، وعن الاختلاط بالرجل الأجنبي حتى لا تقع في محرم ولا يجرها الاختلاط والتبذل إلى الوقوع في الذنب وتستوجب إقامة الحد عليها. ¬

(¬1) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com، تاريخ الفتوى: رمضان 1362 هجرية.

قول الشيخ محمد متولي الشعراوي

قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33). فقد خاطب الله تعالى أمهات المؤمنين ونساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ وهن الصالحات القانتات اللائي ترَبَّيْنَ في مدرسة النبوة، ونشَأْنَ في أعظم جامعة إسلامية، وتأدبن بأداب النبوة وتخَلَّقْنَ بأخلاق الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وقد كُنَّ لا يخْرُجْنَ مِن بيوتهن إلا لعذر شرعي كحج أو عمرة أو زيارة أبوين أو صلة أرحام أو عيادة مريض أو نحو ذلك، وإذا خرجن لا يُبدين زينتهن ولا يُظهِرْنَ شيئًا من محاسنهن ولا يلبسن ثيابًا براقة، فإذا كان الله تعالى قد أمرهن هذا الأمر وهُنَّ على هذا الحال فغيرُهُن من سائر النساء أولى أن يخشى عليهن لو خرجن ومشين في الطرقات على أعين الناس، وفيهم مَن في قلبه مرض من العصاة الفجرة والمجرمين الفسقة الذين لا يخشون الله ولا يخافونه ... واتفقت كلمة الفقهاء على أن خروج المرأة من بيتها قد يكون كبيرة. إذا تحققت منه المفسدة كخروجها متعطرة متزينة، سافرة عارية، مبدية محاسنها للرجال الأجانب كما هو حاصل في هذا الزمان مما يوجب الفتنة، ويكون الخروج من المنزل حرامًا وليس كبيرة إذا ظنت وقوع الفتنة» (¬1). 22 - وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - في تفسير قول الله - عز وجل -: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا} (القصص: 23 - 24). «معنا في هذه القصة أحكام ثلاثة {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} أعطَتْ حكمًا، ¬

(¬1) الفقه على المذاهب الأربعة (5/ 25).

قول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق

و {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أعطتْ حُكْمًا، و {فَسَقَى لَهُمَا} أعطت حكمًا ثالثًا. وهذه الأحكام الثلاثة تُنظّم للمجتمع المسلم مسألة عمل المرأة، وما يجب علينا حينما تُضطر المرأة للعمل، فمن الحكم الأول نعلم أن سَقْي الأنعام من عمل الرجال، ومن الحكم الثاني نعلم أن المرأة لا تخرج للعمل إلا للضرورة (¬1)، ولا تؤدي مهمة الرجال إلا إذا عجز الرجل عن أداء هذه المهمة {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. أما الحكم الثالث فيعلم المجتمع المسلم أو حتى الإنساني إذا رأى المرأة قد خرجت للعمل فلابد أنه ليس لها رجل يقوم بهذه المهمة، فعليه أن يساعدها وأنْ يُيسِّر لها مهمتها. وأذكر أنني حينما سافرت إلى السعودية سنة 1950 ركبتُ مع أحد الزملاء سيارته، وفي الطريق رأيتُه نزل من سيارته، وذهب إلى أحد المنازل، وكان أمامه طاولة من الخشب مُغطَّاة بقطعة من القماش، فأخذها ووضعها في السيارة، ثم سِرْنا فسألتُه عما يفعل، فقال: «من عاداتنا إذا رأيتُ مثل هذه الطاولة على باب البيت، فهي تعني أن صاحب البيت غير موجود، وأن ربة البيت قد أعدَّتْ العجين، وتريد مَنْ يخبزه فإذا مَرَّ أحدنا أخذه فخبزه، ثم أعاد الطاولة إلى مكانها». وفي قوله تعالى: {لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} إشارة إلى أن المرأة إذا اضْطُرَّتْ للخروج للعمل، وتوفرَتْ لها هذه الضرورة عليها أنْ تأخذَ الضرورة بقدرها، فلا تختلط بالرجال، وأنْ تعزل نفسها عن مزاحمتهم والاحتكاك بهم، وليس معنى أن الضرورة أخرجتْ المرأة لتقوم بعمل الرجال أنها أصبحتْ مثلهم، فتبيح لنفسها الاختلاط بهم». 23 - قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق - رحمه الله - في تفسير قول الله ¬

(¬1) المقصود بالضرورة هنا الحاجة أو الضرورة (د/ ياسر).

- عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (الأحزاب:53): « ... ذكر ـ سبحانه ـ بعض الآداب التى يجب عليهم أن يلتزموها مع نساء نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53). أى: وإذا طلبتم ـ أيها المؤمنون ـ من أزواج النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئًا يتمتع به سواء أكان هذا الشئ حسيًّا كالطعام أم معنويًّا كمعرفة بعض الأحكام الشرعية. إذا سألتموهن شيئًا من ذلك فليكن سؤالكم لهن من وراء حجاب ساتر بينكم وبينهن؛ لأن سؤالكم إياهن بهذه الطريقة، أطهر لقلوبكم وقلوبهن، وأبعد عن الوقوع فى الهواجس الشيطانية التى قد تتولد عن مشاهدتكم لهن، ومشاهدتهن لكم. وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة التى تسمى بآية الحجاب، جملة من الأحكام والآداب منها: 1 - وجوب الاستئذان عند دخول البيوت لتناول طعام، ووجوب الخروج بعد تناوله إلا إذا كانت هناك ضرورة تدعو للبقاء، كما أن من الواجب الحضور إلى الطعام فى الوقت المناسب له، وليس قبله انتظارا لنضجه وتقديمه. 2 - حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء سواء أكان ذلك فى الطعام أم فى غيره، فقد

أمر ـ سبحانه ـ المؤمنين، إذا سألوا أزواج النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - شيئًا أن يسألوهن من وراء حجاب، وعلل ذلك بأن سؤالهن بهذه الطريقة، يؤدى إلى طهارة القلوب، وعفة النفوس، والبعد عن الريبة وخواطر السوء. وحكم نساء المؤمنين فى ذلك كحكم أمهات المؤمنين، لأن قوله ـ سبحانه ـ {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} علة عامة تدل على تعميم الحكم، إذ جميع الرجال والنساء فى كل زمان ومكان فى حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب، وأعف للنفوس. قال بعض العلماء ما ملخصه: وقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من العقلاء، إن غير ازواج النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لا حاجة بهن إلى أطهرية قلوبهن، وقلوب الرجال من الريبة منهن. فالجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام فى جميع النساء. لا خاص بأمهات المؤمنين، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه. 3 - كذلك أخذ العلماء من هذه الآية أنه لا يجوز للرجل الأجنبى أن يصافح امرأة أجنبية عنه، ولا يجوز له أن يمس شئٌ مِن بدنه شيئًا مِن بدنها. والدليل على ذلك أن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - ثبت عنه أنه قال: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» (¬1). والله ـ تعالى ـ يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21)، فيلزمنا أن لا نصافح النساء الأجنبيات اقتداء به - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2). ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني والأرنؤوط. (¬2) التفسير الوسيط للقرآن الكريم عند تفسير الآية 53 من سورة الأحزاب.

قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية

24 - قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية: «اختلاط الطلاب بالطالبات، والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة، ويتضاعف الإثم، وتعظم الجريمة، إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئًا من عوراتهن، أو لبسْنَ ملابس شفافة تشفُّ عما وراءها، أو لبسْنَ ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعَبْن الطلاب أو الأساتذة ومَزَحْنَ معهم أو نحو ذلك مما يُفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض» (¬1). 25 - ويقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ مفتي السعودية سابقًا ـ - رحمه الله -: «إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه. والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 53).

قول الشيخ أبو الحسن الندوي رئيس ندوة العلماء في الهند وعضو المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقا

إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به». (¬1) 26 - قال الشيخ أبو الحسن الندوي ـ رئيس ندوة العلماء في الهند وعضو المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقًا ـ - رحمه الله - في كتابه (الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية): «إن اتباع أساليب الحضارة الغربية في الحياة الاجتماعية والإيمانية بمبادئ حياتها ومنهج اجتماعها يحمل نتائج بعيدة المدى، إن أوربا اليوم مصابة بالجذام الخلقي، ولا يزال جسمها يتقطع ويتعفن حتى أصبح الجو كله موبوءًا، وسبب هذا الجذام هو الإباحية الجنسية الخلقية التي تسود أوروبا اليوم، وتتخطى حدود الحيوانية والبهيمية والسبب الحقيقي لذلك هو حيرة المرأة المطلة، والتبرج المطلق، والاختلاط الذي لا حد له ولا نهاية، وإدمان الخمر. فأي بلد إسلامي سار على هذا الدرب وطرح الحشمة، وسمح بالاختلاط بجميع أنواعه، وشجع التعليم المختلط كانت نتيجته ذلك التفسخ الخلقي، والجنسي، والثورة على سائر الحدود الخلقية والدينية وفي عبارة وجيزة الجذام الخلقي الذي أشرنا إليه آنفًا، والذي أصيب به الغرب، أننا نرى معالم هذه الجذام واضحة في البلاد الإسلامية التي تحمست في تقليد الحضارة الأوروبية ورفع الحجاب، وشاع فيها الاختلاط» (¬2). 27 - قال الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية سابقًا - رحمه الله -: «اختلاط الإناث بالذكور لا يجوِّزُه دين الإسلام ـ دين الغيرة والشهامة والمروءة ¬

(¬1) باختصار من رسالته المشهورة (خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله)، ضمن مجموع فتاوى ابن باز (1/ 418 - 427). (¬2) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

والإنصاف ـ عملًا بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53)، وقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33). فأين القرار في البيوت مع وجود هذه الكليات والجامعات التي وضع الأجنبي فيها السُمَّ في العسل، ومع هذا الاستهتار الفظيع، نعم لا يمنع الشرع تعليمها وتهذيبها بأن تؤسس لهن مدرسة لتعليم الدين والأخلاق وتعليم إدارة البيت والمنزل بلا اجتماع ولا اختلاط ولا مسامرة الحب الذي يدعيه بعض السفهاء الحب البريء. أينَ الحياءُ وأينَ الدينُ وآأسفي ... ضاع الحياء وضاعت حكمة الأُوَل فالموتُ خيرٌ لزوجٍ لمْ يَصُنْ شرفًا ... ولمْ يكُ مِثلَ الظيغَمِ البطل فإن قيل هذا الحكم خاص بأزواج النبي الطاهرات فالجواب ما قاله العلماء والمفسرون إن ما وهب لنبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - من العطايا فهو يعم مسلمي البرايا، وإن هذه الأمهات مثال الحشمة والفضيلة لهؤلاء العربيات البنات المسلمات. وإني لأعجب من العربي الأبِيّ المسلم المملوء غَيْرةً وشهامةً أن يتساهل في أمر الاختلاط بين الجنسين، وماذا يحدث عند تقارب النار مع البنزين؟ وهذا لا ينكره منصف ولو بلغ من العمر الثمانين سنة ولقد جائتنا هذه العدوى من الأجنبي: لا تربُطِ الجرباءَ حولَ صحيحةٍ ... خوفي على تلكَ الصحيحةِ تجربُ (¬1). ¬

(¬1) نفس المصدر السابق.

قول فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق سابقا

28 - قال فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب رئيس جمعية رابطة العلماء في العراق سابقًا: «إن مما ابتلي به المسلمون وفشا بين الخاصة والعامة في هذا الزمان تقليد الأجانب في كثير من عاداتهم دون تمييز بين النافع منها والضار وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يكره موافقتهم في كل أحوالهم، وكان يقول: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (¬1)، وقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا» (¬2). وهذا يفيد حرمة تقليد الأجانب فيما هو من خصائصهم. وإن اختلاط الرجال بالنساء من خصائصهم فالإثم كل الإثم على كل من يساعد على إباحة الاختلاط سواء كان في الجامعات وسائر المدارس والكليات أو في المتاجر والدوائر والمجتمعات. فالحذر الحذر أيها المسئولون مخافة أن تقعوا بمثل ما وقعنا فيه من إشاعة الرذيلة ووخامة العاقبة ولما في الاختلاط من هدم لكيان الأسر والعوائل وقد لمسنا بأيدينا ضرره وشاهدنا بأعيننا مفاسده وما وقعت فيه البلاد التي أباحت التبرج والاختلاط من محنة الانزلاق أدى إلى افتتان النساء بالرجال والرجال بالنساء مما جر إلى الزنا والأذى وانتشار الأمراض واختلاط الأنساب، وإشاعة الفاحشة بين أفراد المجتمع وكثيرًا ما أزهقت بسببه أرواح وسالت دماء تركت في قلوب المتساهلين حسرات وآلاما وندامة حيث لا ينفع الندم. فلا يصح لمسلم يغار على دينه وعرضه أن يستصغر هذه المعصية الكبرى التي بث سمومها أعداء الإسلام؛ فالحذر من جرثومة الاختلاط أيها المسئولون عن شؤون ¬

(¬1) رواه أبو داود وصححه الألباني. (¬2) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

قول فضيلة الشيخ عبد الله القلقيلي مفتي المملكة الأردنية سابقا

الرعية لئلا يصيبكم ما أصاب من قبلكم من التدهور في الأخلاق والوقوع في الهوة السحيقة التي وقع فيها المتساهلون في أمر الأمة، إنها لفتنة عظيمة تجلب غضب الرب بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِىَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللهُ» (¬1). فإذا استهان العبد بأوامر الله وأتى ما نهى عنه أذاقه الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ (25)} (الأنفال:25). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} (النور:19) (¬2). 29 - قال فضيلة الشيخ عبد الله القلقيلي مفتي المملكة الأردنية سابقًا: «إن اختلاط الطلاب والطالبات في الدراسة الجامعية ـ ذلك الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس، وفي الساحات ـ والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض. هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره، وينكره، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحرمات وانمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس، وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر، وإن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته. كما أنه من المعلوم من الإسلام أن من قواعده سد الذرائع إلى الشرور والمفاسد، ¬

(¬1) رواه البخاري ومسلم. (¬2) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

ولهذا نرى أن الشريعة الحكيمة منعت الاختلاط بين النساء والرجال حتى في المساجد في حضور الجماعات فحظرت أن تقف النساء في الصلاة إلى جانب الرجال مختلطًا بعضهم ببعض. وكان الترتيب الشرعي هكذا أن الرجال يكونون خلف الإمام مباشرة ثم الصبيان ثم النساء (¬1). وإن الاختلاط بين الطلاب والطالبات على ما وصفنا فيه ما هو من أعظم الزلات وأكثر الآثام والمنكرات وهو ما يؤدي إلى مقارفة الفاحشات. كما أن في الاختلاط من الذرائع التي تؤدي إلى الفاحشة تكرار النظر وهو مما لا ينازع في خطره ولهذا عده النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الزنى كما في الحديث: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» (¬2). وبهذا يتبين جليًّا بما أوردنا من أدلة عديدة تعطي حكمًا أن الاختلاط بين الطلاب والطالبات في الجامعات والمدارس الأخرى التي يكون الطلاب فيها في حدود المراهقين والمراهقات على ما هو معروف به وعلى غير حد، هذا الاختلاط يحظره الشرع الإسلامي وفي هذه النصوص ما يشمل كل ضروبه في الحظر والمنع كمثل النظر والملاصقة والخلوة» (¬3). ¬

(¬1) حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الرِّجَالَ قُدَّامَ الْغِلْمَانِ، وَالْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ، وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ»، رواه الإمام أحمد وغيره، وضعفه الألباني والأرنؤوط، وانظر هامش ص:106 (¬2) رواه الإمام أحمد وغيره بهذا اللفظ، وصححه الألباني والأرنؤوط. (¬3) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

قول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب تفسير (أضواء البيان)

30 - قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ صاحب تفسير (أضواء البيان) والمدرس في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سابقًا ـ - رحمه الله -: «من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه خالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق - صلى الله عليه وآله وسلم - يمنع ذلك منعًا باتًّا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنَفَة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتًا وتجنب جميع الوسائل المفضية إليه. ولا يصح لعاقل أن يشك في أن اختلاط الجنسين في غاية الشباب ونضارته وحسنه أنه أكبر وسيلة وأنجح طريق إلى انتشار الفاحشة وفشو الرذيلة بين الجنسين، ولا شك أنهما بحكم كونه زميلها وهي زميلته في الدراسة أنهما يخلوان كما يخلو الزميل بزميله في منتزهات ومواضع السباحة في الماء ومواضع مراجعة الدروس وخلوته بها طريقة إلى ارتكاب ما لا ينبغي لا ينكرها إلا مكابر والسبيل الموصلة إلى ذلك سبيل سيئة كما قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)} (الإسراء: 32)؛ فصرح بأنه فاحشة وأن سبيله سيئة والفاحشة هي الخصلة التي بلغت غاية القبح والسوء. وتأملوا لِمَ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ولم يَقُلْ، (ولا تزنوا)؛ لأن النهي عن القرب منه يستلزم التباعد من جميع الوسائل التي توصل إليه ولأن من قرب من الشيء كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه. ثم إذا علمتم أيها العرب المسلمون أن اختلاط إناثكم وذكوركم محرم في شرعكم بنصوص الكتاب والسنة ولا سيما في هذا الزمان الذي انعدم فيه الخوف من الله إلا ممن شاء الله وانتشرت فيه الإباحية وتقليد كفرة الإفرنج في كل انحطاط خلقي وارتكاب كل جريمة يعرف لها الجبين لأنها من موبقات العار.

قول الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في السعودية وعضو المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقا

فاعلموا أن سد الذريعة الموصلة إلى فاحشة الزنا واجب بإجماع المسلمين وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة. ومعلوم أن اختلاط الجنسين في الجامعات على الحالات المعهودة في جامعات أوروبا ونحوها أنه فتح للباب على مصراعيه لذريعة الزنا كما هو مشاهد مشاهدة لا يمكن معها الجدال إلا من مكابر ولا يخفى أن مَن جعل ابنته في هذا المحيط المشار إليه وأوصاها بالصيانة والعفاف أن لسان الحال يقول له: ألقاهُ في اليَّمِّ مَكْتُوفًا وقالَ لهُ ... إيَّاكَ إيَّاكَ أنْ تبْتَلَّ بالماء وأما نتاج الاختلاط من كثرة ارتكاب الجرائم وكثرة الأولاد غير الشرعيين فهو أمر لا حاجة إلى إبدائه لأنه معلوم ويكفي ما يصدر في جرائد ومجلات البلاد المتقدمة من كثرة الأولاد غير الشرعيين رغم كثرة استعمال الحبوب المضاد للحمل (¬1). 31 - وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ عضو هيئة كبار العلماء في السعودية وعضو المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سابقًا ـ - رحمه الله -: «حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة» (¬2). ¬

(¬1) نفس المصدر السابق. (¬2) حراسة الفضيلة (ص 97).

قول الشيخ محمد تقي الدين الهلالي المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقا

32 - قال الشيخ محمد تقي الدين الهلالي المدرس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقًا: «يجب أن تكون مدارس الإناث مفصولة عن مدارس الذكور من روضة الأطفال إلى شهادة الدكتوراه» (¬1). 33 - وقال الأستاذ حسن البنا ـ مؤسس جماعة (الإخوان المسلمين) ـ - رحمه الله -: * « ... قد وقف الإسلام من هذه المسألة مواقف محددة؛ فحرّم إبداء الزينة، والإسراف فيها، والخلوة والاختلاط» (¬2). * «يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققًا فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك». * «يقول دعاة الاختلاط أن في ذلك حرمانًا للجنسين من لذة الاجتماع وحلاوة الأنس التي يجدها كل منهما في سكونه للآخر، والتي توجِد شعورًا يستتبع كثيرًا من الآداب الاجتماعية، من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطبع ... ونحن نقول لهؤلاء: مع أننا لا نسلّم بما ذكرتم ... نقول لكم: إن ما يعقب لذة الاجتماع وحلاوة الأنس من ضياع الأعراض وخبث الطوايا وفساد النفوس، وتهدم البيوت، وشقاء الأسر، وبلاء الجريمة، وما يستلزم هذا من طراوة الأخلاق ولين في الرجولة لا يقف عند حد الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حد الخنوثة والرخاوة، وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر. ¬

(¬1) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net. (¬2) حديث الثلاثاء ص370.

كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر منه من فوائد، وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولى، ولا سيما إذا كانت المصلحة لا تُعَدُّ شيئًا بجانب هذا الفساد». * «يزيد الاختلاط قوة الميل، وقديمًا قيل: إن الطعام يقوى شهوة النهم ... والمرأة التي تخالط الرجال تتفنن في إبداء ضروب زينتها، ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها». * « ... ولهذا نحن نصرح بأن المجتمع الإسلامى مجتمع فردي لا زوجي، وأن للرجال مجتمعاتهم وللنساء مجتمعاتهن، ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد وحضور الجماعة، والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحد، واشترط لها شروطًا شديدة: من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم، ومن إحاطة الثياب به، فلا تصف ولا تشف، ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما تكن الظروف وهكذا». * «عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأن يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» (رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات من رجال الصحيح، كذا قال الحافظ المنذري» (¬1). * «ما نحن عليه ليس من الإسلام في شيء، فهذا الاختلاط بيننا في المدارس والمعاهد والمجامع والمحافل العامة، وهذا الخروج إلى الملاهي والمطاعم والحدائق، وهذا التبذل والتبرج الذي وصل إلى حد التهتك والخلاعة، كل هذه بضاعة أجنبية لا تمُتّ إلى الإسلام بأدنى صلة، ولقد كان لها في حياتنا الاجتماعية أسوأ الآثار». ¬

(¬1) صححه الشبخ الألباني في صحيح الجامع (5045)، والسلسلة الصحيحة (226).

* «يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يحرّم على المرأة مزاولة الأعمال العامة وليس هناك من النصوص ما يفيد هذا، فأْتوني بنصٍ يحرّم ذلك. ومثلُ هؤلاء من يقول: إن ضرب الوالدين جائز؛ لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما: «أُفّ» ولا نص على الضرب. إن الإسلام يحرّم على المرأة أن تكشف عن بدنها، وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها، ويحبب إليها الصلاة في بيتها، أفيقال بعد هذا: إن الإسلام لا ينص على حرمة مزاولة المرأة للأعمال العامة؟ إن الإسلام يرى أن للمرأة مهمة طبيعية أساسية هي المنزل والطفل، فهي كفتاة يجب أن تتهيأ لمستقبلها الأسرى، وهي كزوجة يجب أن تخلص لبيتها وزوجها، وهي كأم يجب أن تكون لهذا الزوج ولهؤلاء الأبناء، وأن تتفرغ لهذا البيت، فهي ربته ومدبرته وملكته، ومتى فرغت المرأة من شئون بيتها لتقوم على سواه ... ؟ وإذا كان من الضرورات الاجتماعية ما يُلْجِئُ المرأة إلى مزاولة عمل آخر غير هذه المهمة الطبيعية لها، فإن من واجبها حينئذ أن تراعي هذه الشرائط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن المرأة، ومن واجبها أن يكون عملها بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظامًا عامًا، من حق كل امرأة أن تعمل على أساسه» (¬1). ولقد ذكر الأستاذ حسن البنا - رحمه الله - في رسالتَي (نحو النور والمؤتمر السادس) الذي عُقد في 20 من ذي الحجة 1359هـ قوله: «لا بد من ... منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات». وفي مذكِّرة الإخوان للحكومة عام 1938م طالبوا بالفصل التام بين الجنسين في دور ¬

(¬1) المرأة المسلمة وواجباتها (ص13ـ 25) بتصرف.

قول الشيخ سيد سابق وهو من علماء الأزهر

التعليم، وخصوصًا في الجامعة المصرية؛ لما ينتج عن ذلك من فسادٍ أخلاقي كبير (¬1). 34 - وقال الشيخ سيد سابق - رحمه الله - ـ وهو من علماء الأزهر، وكان عضوًا في جماعة (الإخوان المسلمين) منذ كان طالبًا: «يستحسن شرعًا إعلان الزواج، ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه، وإظهارًا للفرح بما أحل الله من الطيبات. وإن ذلك عمل حقيق بأن يشتهر، ليعلمه الخاص والعام، والقريب والبعيد، وليكون دعاية تشجع الذين يؤثرون العزوبة على الزواج، فتروج سوق الزواج. والإعلان يكون بما جرت به العادة، ودرج عليه عرف كل جماعة، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الشارع عنه كشرب الخمر، أو اختلاط الرجال بالنساء، ونحو ذلك» (¬2). 35 - وقال الدكتور مصطفى السباعي ـ عميد كلية الشريعة بدمشق والمراقب العام لجمعية الاخوان المسلمين بسوريا سابقًا - رحمه الله - ـ: «لا يجيز الإسلام أن تختلط المرأة بالرجال في الحفلات العامَّة أو المنتديات ولو كانت محتشمة ... ولهذا كله يتشدد الإسلام في منع اختلاط النساء بالرجال؛ وقد قامت حضارته الزاهرة التي فاقت كل الحضارات في إنسانيتها ونبلها على الفصل بين الجنسين ولم يؤَثِّرْ هذا الفصل على تقدّم الأمة المسلمة وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ» (¬3). 36 - ويقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم: «إن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح ¬

(¬1) دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد لعبده مصطفى دسوقي، عن (مجموعة رسائل الإمام حسن البنا)، (أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين) للأستاذ جمعة أمين عبد العزيز. (¬2) فقه السنة (2/ 231). (¬3) المرأة بين الفقه والقانون (ص125 - 126).

قول فضيلة الشيخ أحمد نصار، رئيس البعثة الأزهرية في الكويت سابقا

المشينة، التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين. وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدنيا والدين، لخصها العلامة أحمد وفيق باشا العثماني، الذي كان سريع الخاطر، حاضر الجواب عندما سأله بعض عُشَرائه من رجال السياسة في أوربا، في مجلس بإحدى تلك العواصم قائلًا: «لماذا تبقى نساء الشرق محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن، من غير أن يخالِطْنَ الرجال، ويغْشَيْنَ مجامِعَهُم؟»، فأجابه في الحال قائلًا: «لأنهن لا يرغَبْنَ أنْ يَلِدْنَ من غيرِ أزواجهن».وكان هذا الجواب كصَبِّ ماء بارد على رأس هذا السائل، فسكت على مضض كأنه ألقم الحجر» (¬1). ونستطيع ـ بكل قوة ـ أن نجزم بحقيقة لا مراء فيها، وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نُهِش العرضُ، وذُبِح العفافُ، وأهدِرَ الشرف، ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت الجريمة، وسهَّلت سبيلها، فإنك حتمًا ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة الإسلامية بين الرجال والنساء. ومن خلال هذه الثغرة ... دخل الشيطان! وصدق الله العظيم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} (النساء: 27 - 28) (¬2). 26 - قال فضيلة الشيخ أحمد نصار، رئيس البعثة الأزهرية في الكويت سابقًا: «قد رأينا وسمعنا وقرأنا الكثير عن أثر الاختلاط في الجامعات الشرقية والغربية ¬

(¬1) الفتن للشيخ أحمد عز الدين البيانوني - رحمه الله - (ص214). (¬2) عودة الحجاب (3/ 59)، وخاتمة رسالة (صيحة تحذير وصرخة نذير).

على السواء، وفي المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، وأثره في القيم الخلقية والروحية، وما بذره من بذور التمرد على المبادئ السلمية، والتحلل من كل فضيلة، وما تركه من أسمى وحسرة في نفوس كثير من الأفراد والأسر. وإذا كان الإسلام يحرم ذهاب المرأة إلى المسجد للصلاة إذا خيفت الفتنة، رغم ثيابها المسدلة، وتمسكها بالحشمة والوقار، والعزلة في المسجد عند الصلاة، فكيف ينادي في وقتنا هذا باختلاط المراهقين والشباب من الجنسين، في مرحلة التعليم الجامعي ونحوه، بحجة الحرية، والاقتصاد في النفقات، والتآلف بين الفتى والفتاة، والبعد عن التزمت والتخلف؟! فلنحذر الأفكار المستوردة التي لا تتمشى مع ديننا وأخلاقنا، ولنحكم ديننا وعقلنا في مثل تلك الأمور الخطيرة التي تُقَوِّضُ ما بقي لنا من قيم، ولنتق الله في أنفسنا، ولا ننخدع بمثل تلك الصيحات، حفاظًا على تماسك الأسرة المسلمة وشرفها، وتقدم بلادنا ونهضتنا، ورفعة الإسلام وعزته» (¬1). ¬

(¬1) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

أسباب انتشار التبرج والاختلاط في المجتمعات المسلمة

أسباب انتشار التبرج والاختلاط في المجتمعات المسلمة (¬1) إن المتأمل في حال المجتمعات المسلمة قبل فترة معينة ما كان ليرى ذلك التبرج والسفور فقد كانت المجتمعات المسلمة مجتمعات محافظة، فكيف انتشرت فيها النساء المتبرجات وكيف انتشر الاختلاط بين الجنسين فيها؟ الجواب أن وراء ذلك أسبابًا عدة منها: أولًا: التخطيط من الأعداء: ولا يخفى على ذي لبٍّ أن العدو مهما ظهر بمسوح الديمقراطية والعدالة المزعومة، ومهما تنازل إلا أنه يعمل ويتنازل لهدف يصبو إليه؛ قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120). فالصهيونية العالمية , والماسونية , والتنصير، والإلحاد سعوا جميعًا لإفساد أمة الإسلام، وعلموا أن أسرع وأقصر طريق لذلك هو إفساد المرأة المسلمة. ثانيا: كيد العملاء: إن حرب الإسلام من أبنائه وبني جلدته ليس كحربه من اعدائه المعروفين ولذلك فقد حرص أعداء هذه الأمة على أن يحارب الإسلام ممن ينتسبون إليه. ¬

(¬1) بتصرف من كتاب كلمات عابرة للمرأة المسلمة المعاصرة الشيخ محمد أمين مرزا عالم، الاختلاط بين الجنسين، حقائق وتنبيهات للشيخ سليمان بن صالح بن عبد العزيز الجربوع، عن كتاب خطر التبرج والاختلاط لعيد الباقي رمضون.

وهم العلمانيون ـ دعاة تحرير المرأة وعشَّاق التغريب ـ الذين تخرجوا على أيدي أعداء هذه الأمة فصاروا يتسنَّمون مراكز التوجيه والتعليم، ويسعون خفية أو جهارًا للدعوة إلى التبرج والإختلاط. فبعض الذين تربوا في المدارس الأجنبية لم يتفهموا الإسلام، وفقدوا الغيرة الإسلامية، مما جعلهم يتمكنون، ويتجرَّؤُون على نشر الكثير من المحرمات، وإباحة الكثير من المفاسد، والتشجيع على تقليد الأجانب واتباعهم في جميع العادات والتقاليد، والانخلاع، والانسلاخ من عادات الإسلام وتقاليده وأخلاقه. ثالثًا: انتشار وسائل الإفساد في المجتمعات المسلمة حتى وصلت إلى كل بيت وفئة، وكل مدينة وقرية، من كتب ومجلات وصحف وإذاعات , وتلفاز وفيديو ومراقص ومسارح ودور اللهو والغناء وغيرها وما تشجع عليه من الاختلاط، وتحاول إقناع الناس مكرًا وادعاء بأن هذه المفاسد مصالح، وأن هذه المضار منافع، وأن هذه المحرمات مباحات، حتى شغلت الكثير من الفتيان والفتيات عن طريق الخير والرشاد. رابعًا: سوء التربية والتوجيه والتعليم: سواء من جهة الآباء لجهلهم أو غفلتهم وتفريطهم، أو من جهة المدرسة التي لا تضم الموجهين الأكفاء؛ دينًا، وعلمًا، وسلوكًا. وبسبب غفلة الآباء والأزواج والأمهات عن التوجيه والبيان، تركوا زوجاتهم وبناتهم يتخيَّرون من الأزياء الغربية والشرقية ما شاؤوا، بل وتركوا التوجيه والبيان لكل من سولت له نفسه الإفساد في هذه الأمة.

خامسًا: المرأة المسلمة التي جعلت دينها كالخرقة الشوهاء والثياب المرقعة فالغفلة التي تعيشها المرأة المسلمة عن دينها وواجبها جعل كل هؤلاء يطمعون فيها ليؤثروا فيها. لأنها لا تملك ما ترد به عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. سادسًا: تقصير كثير من أهل العلم في القيام بما أوجبه الله عليهم من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب والمشروع إما غفلة أو تكاسلًا، حتى تُركت الواجبات والأوامر، وارتُكبَت المنهيات والنواهي. سابعًا: تَفلُّت الكثير من المسلمين من مفاهيم الإسلام وتبعاته. ثامنًا: نظرة كثير من الناس من أمتنا النظرة السطحية إلى الغرب، وأنهم المثل الأعلى.

من ثمار الاختلاط المرة

من ثمار الاختلاط المرة مفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وغيره: إن الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وغيره، له آثاره السيئة، ومفاسده الواضحة، على كلٍّ من الرجل والمرأة، ومن ذلك: 1 - تعسير غضّ البصر , وتيسير زنا العين بحصول النظر المحرم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر. 2 - قد يحصل فيه اللمس المحرم، ومنه المصافحة باليد، لقول رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ». (رواه الطبراني، وصححه الألباني، والْمِخْيَطُ: الإبرة). 3 - الاختلاط قد يوقع في خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، وهذا محرم. إن أنواع الزنا الأصغر تتحقق عند اختلاط الرجال بالنساء، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ». (رواه البخاري ومسلم، والفظ لمسلم). قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «فدل ذلك على الحذر من التعلق بالنساء، لا بأصواتهن ولا بالرؤية إليهن، ولا بمسهن ولا بالسعي إليهن، ولا بهواية القلب لهن، كل ذلك من أنواع الزنى والعياذ بالله؛ فليحذر الإنسان العاقل العفيف من أن يكون في هذه الأعضاء شيء يتعلق بالنساء» (¬1). ¬

(¬1) شرح رياض الصالحين (6/ 359).

والمختلطون بالنساء لا يكاد أحد منهم يسلم من الوقوع في هذة الأنواع أو بعضها (¬1). 4 - ومن مفاسده التسبب في بلاء العشق الذي يتلف الدنيا والدين، حيث تعلق قلب الرجل بالمرأة وافتتانه بها، أو العكس، وذلك من جراء الخلطة، وطول المعاشرة. 5 - دمار الأسر وخراب البيوت، فكم من رجل أهمل بيته، وضيع أسرته، لانشغال قلبه بزميلته في الدراسة أو العمل، وكم من امرأة ضيعت زوجها وأهملت بيتها، لنفس السبب، بل: كم من حالة طلاق وقعت بسبب العلاقة المحرمة التي أقامها الزوج أو الزوجة، وكان الاختلاط في العمل رائدها وقائدها؟ (¬2). إن من الآثار المدمرة الخطيرة للاختلاط أن يفقد الزواج الطاهر قيمته في نفوس من استحوذ عليهم مرض الاختلاط، حيث يجد كلا الجنسين سبيله إلى متعة مغرية تجعله لا يفكّر بالزواج، بل تُفقِد المتزوج اهتمامه برابط الزوجية مع زوجته، فيفارقها أو تفارقه إلى اتخاذ الأخدان من الأخلاّء والخليلات، أو الطلاق والفرقة لأتفه الأسباب. قالت السيدة مفيدة عبد الرحمن ـ وهي أشهر محامية طلاق في مصر ـ: «الاختلاط أنا ضده تمامًا؛ الاختلاط مفسدة، يحدث أن تذهب الزوجة إلى عملها في حالة اكتئاب فتجد زميلها يلاطفها ويصغي إليها ويريحها، وتتكرر هذه الجلسات: مرة في الصباح مع فنجان القهوة، ومرة أثناء غداء في المكتب، ومرة ثالثة وهو يدعوها لتوصيلها بسيارته، وفي كل مرة يحدث التقارب النفسي، فالتعارف الشخصي المباشر، وتعود الزوجة تطلب الطلاق وتتزوج الآخر، وقد تجد هناءها المنشود، وقد تكتشف أنها مجرد (نزوة)، ونفس الموقف يحدث للزوج؛ إن هذا الاختلاط بهذه الصورة حيث لا ¬

(¬1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر لمحمد بن عبد الله الإمام (ص 77). (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 50398).

ضوابط جعل الطلاق أمرًا هينًا وسهلًا بعد أن كان من المستحيلات» (¬1). 6 - من آثار الاختلاط ذلك التبرّج والتفنّن بإبداء الزينة والجمال، يصل الأمر إلى الخلاعة والعري من أجل إطفاء شهوة الجنس المحرمة بنص الكتاب والسنة. 7 - ومن آثاره المدمرة انعدام الغيرة , واضمحلال الحياء , وفساد الأخلاق , قال الشيخ بكر أبوزيد: «وإذا أردت أن تعرف فضل الحجاب وستر النساء وجوههن عن الأجانب فانظر إلى حال المتحجبات، ماذا يحيط بهن من الحياء، والبعد عن مزاحمة الرجال في الأسواق، والتصون التام عن الوقوع في الرذائل، أو أن تمتد إليهن نظرات فاجر؟ وإلى حال أوليائهن: ماذا لديهم من شرف النفس والحراسة لهذه الفضائل في المحارم؟ وقارن هذا بحال المتبرجة السافرة عن وجهها التي تُقَلِّب وجهها في وجوه الرجال، وقد تساقطت منها هذه الفضائل بقدر ما لديها من سفور وتهتك، وقد ترى السافرة الفاجرة تحادث أجنبيًا فاجرًا تظن من حالهما أنهما زوجان بعقد أُشْهِد عليه أبو هريرة - رضي الله عنه -، ولو رآها الديوث زوجها وهي على هذه الحال، لما تحركت منه شعرة، لموات غيرته، نعوذ بالله من موت الغيرة ومن سوء المنقلب (¬2). 8 - ومن آثار الاختلاط المدمّرة اضمحلال القوى الجسدية والفكرية في شباب الأمة حين تغتالهم الشهوات المحرمة البهيمية وتسيطر عليهم الاستثارة الجنسية، ويصبح جُلّ تفكيرهم وهدفهم واهتمامهم بصور الإغراء والأدب المكشوف الهابط والموسيقى الراقصة والأغاني الماجنة في الإذاعة والفيديو والسينما والتلفزيون. ¬

(¬1) مجلة سيدتي العدد (174) سنة 1984 م، عن (الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر) لمحمد بن عبد الله الإمام (ص86). (¬2) حِرَاسَةُ الْفَضِيلَةِ (ص 115).

فيتحوّل المجتمع إلى لهو وعبث ومجون وخلاعة، وهذا بالطبع يؤدي إلى أن يورد المجتمع موارد الهلاك والدمار والعطب والفناء وفشوّ الفاحشة. 9 - الاختلاط سبب في انتشار ما يسمى بالزواج العرفي (¬1): في إحصائية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة عام 1426 هـ 2006 م تم رصد عشرة آلاف حالة زواج عرفي بين مديري الشركات والسكرتيرات (¬2). وكشفت دراسة حكومية مصرية أن أكثر من (14) ألف طفل مصري على الأقل بلا اسم ولا هوية أو نسب، ولا وجود قانوني أو رسمي، بعدما رفض آباؤهم!!! الاعتراف بهم، وأن أغلب هؤلاء الأطفال جاؤوا نتاج زواج عرفي أو غير رسمي ينكره الأب دائمًا» (¬3). ¬

(¬1) الزواج العرفي له صورتان: الصورة الأولى: تزوج المرأة في السر، ودون موافقة وليها، وإذا كان كذلك: فهو عقد محرّم ولا يصح أيضًا؛ لأن موافقة الولي من شروط صحة عقد النكاح. والصورة الثانية: التزوج بموافقة المرأة ووليها، لكن دون إعلان أو إشهار، أو دون توثيقه في المحاكم الشرعية أو النظامية، بشرط الإشهاد عليه، وإذا كان كذلك: فهو عقد صحيح من حيث شروطه وأركانه، لكنه مخالف للأمر الشرعي بوجوب الإعلان، ويترتب على عدم توثيقه ضياع لحقوق الزوجة من حيث المهر والميراث، وقد يحصل حمل وإنجاب فكيف سيثبت هذا الولد في الأوراق الرسمية؟ وكيف ستدفع المرأة عن عِرْضها أمام الناس؟. هذا مع العلم أنه قد قال بعض الفقهاء بأن إعلان النكاح من شروط صحته، وهو قول ليس بعيدًا عن الصواب. (فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، (سؤال رقم 45663). (¬2) أرقام تحكي العالم (ص 26). (¬3) أرقام تحكي العالم (ص 20).

جزء من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط

جزء من دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط (¬1): من المواقف المحرجة التي ذكرها المشاركون في التحقيق المواقف التالية: - كنتُ في أحد أيام العمل، دخلتُ إلى القسم وكانت إحدى زميلاتي المتحجبات قد خلعت حجابها بين زميلاتها فتفاجأت بدخولي وقد انحرجتُ على إثر ذلك كثيرًا. - كان من المفروض أن أقوم بتجربة في المختبر في الجامعة وقد تغيبتُ يومها وكان عليّ أن أذهب للمختبر في اليوم التالي، لأجد نفسي الذكر الوحيد بين مجموعة من الطالبات إضافة إلى مدرّسة ومشرفة المختبر. لقد انحرجت كثيرًا وتقيّدت حركتي وأنا أحس بتلك العيون الأنثوية المستنكِرة والمحرجة تلاحقني وتتبعني. - كنتُ أحاول إخراج فوطة نسائية من أحد الأدراج؟ وتفاجأت بزميل يقف خلفي لأخذ حاجيات من درجه الخاص، لاحظ زميلي ارتباكي، فانصرف بسرعة من الغرفة متجنبًا إحراجي. - حدث لي أن اصطدمَتْ بي إحدى فتيات الجامعة عند المنعطف لأحد الممرات المزدحمة، كانت هذه الزميلة تسير بسرعة ذاهبة لإحدى المحاضرات، وعلى أثر هذا الاصطدام اختل توازنها وتلقفتها بذراعيّ وكأني أحضنها، ولكم أن تتخيلوا ما مقدار الإحراج لي ولهذه الفتاة أمام شلّة من الشباب المستهتر. - سقطت زميلة لي على سلّم المدرج في الجامعة، وتكشفت ملابسها بطريقة محرجة جدًا، وضعها المقلوب لم يسعفها بمساعدة نفسها، فما كان من أحد الشباب ¬

(¬1) باختصار من فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، سؤال رقم 1200.

ضحايا الاختلاط، قصص واقعية

القريبين منها إلا أن سترها وساعدها على النهوض. - أعمل في شركة، دخلتُ على مسئولي لأعطيه بعض الأوراق، وأثناء خروجي من الغرفة، ناداني المسؤول مرّة أخرى، التفَتُّ إليه فوجدته مُنَكّسًا رأسه انتظرت أن يطلب مني ملفًا ما أو المزيد من الأوراق، استغربت من تردّده، التفت إلى يسار مكتبه متظاهرًا بالانشغال، وهو يحدثني في نفس الوقت، تخيّلت أن يقول أي شيء عدا أن ينبهني هذا المسؤول بأن ملابسي متسخة بدم الحيض، هل تنشق الأرض وتبلع إنسانًا فعلًا في لحظة دعاء صادقة، لقد دعوت أن تنشق الأرض وتبلعني. ضحايا الاختلاط ... قصص واقعية (¬1): الأمل المفقود؟ امرأة تجاوزت الأربعين تحكي حكايتها: «عشتُ مع زوجي حياة مستورة وإن لم يكن هناك ذاك التقارب والانسجام، لم يكن زوجي تلك الشخصية القوية التي ترضي غروري كامرأة، إلا أن طيبته جعلتني أتغاضى عن كوني أتحمل الشق الأكبر من مسؤولية القرارات التي تخص عائلتي. كان زوجي كثيرًا ما يردد اسم صاحبه وشريكه في العمل على مسمعي وكثيرًا ما اجتمع به في مكتبه الخاص بالعمل الذي هو بالأصل جزء من شقتنا وذلك لسنوات عدة. إلى أن زارنا هذا الشخص هو وعائلته. وبدأتْ الزيارات العائلية تتكرر وبحكم صداقته الشديدة لزوجي لم نلاحظ كم ازداد عدد الزيارات ولا عدد ساعات الزيارة الواحدة. حتى أنه كثيرًا ما كان يأتي منفردًا ليجلس معنا أنا وزوجي الساعات الطوال. ثقة زوجي به كانت بلا حدود، ومع الأيام عرفتُ هذا الشخص عن كثب، فكم هو رائع ومحترم ¬

(¬1) باختصار من فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، (سؤال رقم 1200).

وأخذت أشعر بميل شديد نحوه، وفي نفس الوقت شعرتُ أنه يبادلني الشعور ذاته. وأخذت الأمور تسير بعدها بطريقة عجيبة، حيث أني اكتشفت أن ذلك الشخص هو الذي أريد وهو الذي حلمت به يومًا ما ... لماذا يأتي الآن وبعد كل هذه السنين .. ؟. كان في كل مرّة يرتفع هذا الشخص في عيني درجة، ينزل زوجي من العين الأخرى درجات. وكأني كنت محتاجة أن أرى جمال شخصيته لأكتشف قبح شخصية زوجي. لم يتَعَدّ الأمر بيني وبين ذلك الشخص المحترم عن هذه الهواجس التي شغلتني ليل نهار. فلا أنا ولا هو صرّحنا بما ... في قلوبنا .. وليومي هذا ... ومع ذلك فإن حياتي انتهت. زوجي لم يعد يمثل لي سوى ذلك الإنسان الضعيف المهزوز السلبي، كرهتُه، ولا أدري كيف طفح كل ذلك البغض له، وتساءلت كيف تحملته كل هذه السنين ثقلًا على ظهري، وحدي فقط أجابِه معتركات الحياة، ساءت الأمور لدرجة أني طلبت الطلاق، نعم طلقني بناء على رغبتي، أصبح بعدها حطام رجل. الأمرّ من هذا كله أنه بعد خراب بيتي وتحطم أولادي وزوجي بطلاقي، ساءت أوضاع ذلك الرجل العائلية لأنه بفطرة الأنثى التقطت زوجته ما يدور في خفايا القلوب، وحولَتْ حياته إلى جحيم. فلقد استبدت بها الغيرة لدرجة أنها في إحدى الليالي تركتْ بيتها في الثانية صباحًا بعد منتصف الليل لتتهجم على بيتي، تصرخ وتبكي وتكيل لي الاتهامات. لقد كان بيتُه أيضًا في طريقه للانهيار. أعترف أن الجلسات الجميلة التي كنّا نعيشها معًا أتاحت لنا الفرصة لنعرف بعضنا في وقتٍ غير مناسب من هذا العمر.

عائلتُه تهدمت وكذلك عائلتي، خسرتُ كل شيء وأنا أعلم الآن أن ظروفي وظروفه لا تسمح باتخاذ أي خطوة إيجابية للارتباط ببعضنا، أنا الآن تعيسة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى وأبحث عن سعادة وهمية وأملٍ مفقود». واحدة بواحدة: تقول: «كان لزوجي مجموعة من الأصدقاء المتزوجين، تعودنا بحكم علاقتنا القوية بهم أن نجتمع معهم أسبوعيًا في أحد بيوتنا، للسهر والمرح. كنت بيني وبين نفسي غير مرتاحة من ذلك الجو، حيث يصاحب العشاء، والحلويات، والمكسرات، والعصائر موجات صاخبة من الضحك، بسبب النكات والطرائف التي تجاوزت حدود الأدب في كثير من الأحيان. باسم الصداقة رُفعت الكلفة لتسمع بين آونة وأخرى قهقهات مكتومة، سرية بين فلانة وزوج فلانة، كان المزاح الثقيل الذي يتطرق ـ ودون أي خجل ـ لمواضيع حساسة كالجنس وأشياء خاصة بالنساء ـ كان شيئًا عاديًا بل مستساغًا وجذابًا. برغم انخراطي معهم في مثل هذه الأمور إلا إن ضميري كان يؤنّبني إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أفصح عن قبح وحقارة تلك الأجواء. رنّ الهاتف، وإذا بي أسمع صوت أحد أصدقاء الشلّة، رحبت به واعتذرت لأن زوجي غير موجود، إلا أنه أجاب بأنه يعلم ذلك وأنه لم يتصل إلا من أجلي أنا (!) ثارت ثائرتي بعد أن عرض عليّ أن يقيم علاقة معي، أغلظت عليه بالقول وقبحته، فما كان منه إلا أن ضحك قائلًا: «بدل هذه الشهامة معي، كوني شهمة مع زوجك وراقبي ماذا يفعل».

الذكاء فتنة أيضا

حطمني هذا الكلام، لكني تماسكت وقلت في نفسي أن هذا الشخص يريد تدمير بيتي، لكنه نجح في زرع الشكوك تجاه زوجي. وخلال مدّة قصيرة كانت الطامة الكبرى، اكتشفت أن زوجي يخونني مع امرأة أخرى، كانت قضية حياة أو موت بالنسبة لي ... كاشفت زوجي وواجهته قائلة: «لست وحدك الذي تستطيع إقامة علاقات، فأنا عُرض عليّ مشروع مماثل، وقصصت عليه قصة صاحبه، فذهل لدرجة الصّدمة. إن كنت تريدني أن أتقبل علاقتك مع تلك المرأة، فهذه بتلك. صفْعَتُه زلزلت كياني وقتها، هو يعلم أني لم أكن أعني ذلك فعلًا، لكنه شعر بالمصيبة التي حلّت بحياتنا وبالجو الفاسد الذي نعيش، عانيت كثيرًا حتى ترك زوجي تلك الساقطة التي كان متعلقًا بها كما اعترف لي. نعم لقد تركها وعاد إلى بيته وأولاده ولكن من يُرجع لي زوجي في نفسي كما كان؟؟ من يعيد هيبته واحترامه وتقديره في أعماقي؟؟ وبقى هذا الجرح الكبير في قلبي الذي ينزّ ندمًا وحرقة من تلك الأجواء النتنة، بقى شاهدًا على ما يسمونه السهرات البريئة وهي في مضمونها غير بريئة، بقي يطلب الرحمة من رب العزة». الذكاء فتنة أيضًا: يقول: «أعمل كرئيس قسم في إحدى الشركات الكبيرة، منذ فترة طويلة أعجبتُ بإحدى الزميلات، ليس لجمالها، إنما لجديتها في العمل وذكائها وتفوقها، إضافة إلى أنها إنسانة محترمة جدًا، محتشمة، لا تلتفت إلا للعمل. تحوّل الإعجاب إلى تعلق، وأنا الرجل المتزوج الذي يخاف الله ولا يقطع فرضًا. صارحتُها بعاطفتي فلم ألقَ غير الصّد،

قبل أن يقع الفأس في الرأس

فهي متزوجة ولديها أبناء أيضًا، وهي لا ترى أي مبرر لإقامة أي علاقة معها وتحت أي مسمى، صداقة، زمالة، إعجاب ... الخ. يجيئني هاجس خبيث أحيانًا، ففي قرارة نفسي أتمنى أن يطلقها زوجها، لأحظى بها. صرتُ أضغط عليها في العمل وأشوه مستواها أمام مدرائي وكان ذلك ربما نوعًا من الانتقام منها، كانت تقابل ذلك برحابة صدر دون أي تذمر أو تعليق أو استنكار، كانت تعمل وتعمل، عملها فقط يتحدث عن مستواها وهي تعلم ذلك جيدًا، كان يزداد تعلقي بها في الوقت الذي يتنامى صدها لي بنفس الدرجة. أنا الذي لا افتتن بالنساء بسهولة، لأني أخاف الله فلا أتجاوز حدودي معهن خارج ما يتطلبه العمل، لكن هذه فتنتني ... ما الحل .. لست أدري ... ». قبل أن يقع الفأس في الرأس: تقول: «لم أكن أتصور في يوم من الأيام أن تضطرني ظروف عملي إلى الاحتكاك بالجنس الآخر (الرجال) ولكن هذا ما حدث فعلًا. وقد كنت في بداية الأمر أحتجب عن الرجال باستخدام النقاب ولكن أشارت إليّ بعض الأخوات بأن هذا اللباس يجذب الانتباه إلى وجودي أكثر، فمن الأفضل أن أترك النقاب وخصوصًا أن عينيَّ مميزتان قليلًا، وبالفعل قمت بنزع الغطاء عن وجهي ظنًا مني أن ذلك أفضل. ولكن مع إدمان الاختلاط مع الزملاء وجدت أنني شاذة من بين الجميع من حيث جمودي والتزامي بعدم المشاركة في الحديث وتبادل (الظرافة)، وقد كان الجميع يحْذَر هذه المرأة المتوحشة (في نظرهم طبعًا)، وهذا ما بَيَّنَه أحد الأشخاص الذي أكد على أنه لا يرغب في التعامل مع شخصية متعالية ومغرورة، علمًا بأنني عكس هذا الكلام في الحقيقة.

فقررتُ أن لا أظلم نفسي ولا أضعها في إطار مكروه مع الزملاء فأصبحتُ أشاركهم (تبادل الظُرف)، واكتشف الجميع بأنني أمتلك قدرة كلامية عالية وقادرة على الإقناع والتأثير، كما أنني أتكلم بطريقة حازمة ولكن جذّابة في نفس الوقت لبعض الزملاء. ولم يلبث الوقت يسيرًا حتى وجدت بعض التأثر على وجه الشخص المسؤول المباشر وبعض الارتباك والاصفرار والتمتع بطريقة حديثي وحركاتي وقد كان يتعمد إثارة الموضوعات لأدخل في مناقشتها لأرى في عينيه نظرات بغيضة صفراء ولا أنكر أنني قد دخل نفسي بعض التفكير بهذا الرجل، وإن كان يعلو تفكيري الدهشة والاستغراب من سهولة وقوع الرجل في حبائل المرأة الملتزمة، فما باله إذا كانت المرأة متبرجة وتدعوه للفجور؟ حقًا لم أكن أفكر فيه بطريقة غير مشروعة ولكنه أولًا وأخيرًا قد شغل مساحة من تفكيري ولوقت غير قصير، ولكن ما لبث اعتزازي بنفسي ورفضي أن أكون شيئًا لمتعة هذا الرجل الغريب من أي نوع كانت، حتى وإن كانت لمجرد الاستمتاع المعنوي، فقد قمتُ بقطع الطريق على أي عملٍ يضطرني للجلوس معه في خلوة، وفي نهاية المطاف خرجت بحصيلة من الفوائد وهي: 1 - إن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع من الأوضاع ومهما حاول الرجل والمرأة إنكار ذلك ـ والانجذاب قد يبدأ مشروعًا وينتهي بشيء غير مشروع. 2 - حتى وإن حصّن الإنسان نفسه، فإنه لا يأمن حبائل الشيطان. 3 - إذا ضمن الإنسان نفسه وتعامل مع الجنس الآخر بالحدود المرسومة والمعقول فإنه لا يضمن مشاعر وأحاسيس الطرف الآخر. 4 - وأخيرًا، إن الاختلاط لا خير فيه أبدًا وهو لا يأتي بالثمرات التي يزعمونها بل أنه يعطل التفكير السليم.

كانت تجلس معه ومع زوجته فاختار أن يتزوجها ويطلق زوجته

كانت تجلس معه ومع زوجته فاختار أن يتزوجها ويطلق زوجته: مشكلتي هي أني مقبلة على الزواج من زوج صديقة أختي، كنت أذهب إلى بيتها وأجلس معها وزوجها، وكنا نتحدث دائمًا مع بعض ولما كانت تنصحها أختي: «هذا حرام» ـ أي الاختلاط ـ استهزأتْ من أختي، وقالت لها: «أنتم متخلفون» , إلى أن تقدم زوجُها وخطبني وهو يقول إنه معجب بي من أول نظرة. ماذا لو علم زوجها؟!!! أثناء الجماع تتخيل زميلها في العمل مكان زوجها: حدث بينها وبين زوجها بعض المشكلات البسيطة ـ كما يحدث في معظم البيوت ـ فوجدتْ المعاملة الحسنة من زميلها في العمل، فتعلقتْ به، فبدأت علاقتها مع زوجها تسوء أكثر وأكثر، لدرجة أنها تمنَّت الطلاق من زوجها، ولم تطالبه بذلك حفاظًا على أولادها، وكرهت إعطاءه حقه في الجماع، وإن حدث فإنها تتخيل أن زميلها في العمل هو الذي يجامعها، كل هذا وزميلها في العمل لا يعلم شيئًا عن تعلقها به. وأخرى: تحكي بالتفصيل لزملائها الرجال!!! ما يحدث بينها وبين زوجها أثناء الجماع. وأخرى: تنصح زميلها في العمل ـ المقبل على الزواج ـ بما ينبغي أن يفعله مع عروسه عند الدخول بها، كل هذا بالتفصيل طبعًا، مع أنه لم يطلب منها النصيحة، وكان ـ مع أنه رجل ـ في موقفٍ سبب له إحراجًا بالغًا. من الاختلاط ما قتل: - أطلق الطالب الأمريكي (جوفوتس) والبالغ من العمر (19) عامًا النار على أستاذه (جيمس بونجي) داخل إحدى قاعات التدريس في مدرسة (سانتامونيكا) في كليفورنيا، فأرداه قتيلًا على الفور، وذكرت الصحيفة أن سبب ذلك: خلافًا قديمًا كان

عبرة فيها عبر، واقعة تكشف واقع الاختلاط

قد نشب بين الطالب وأستاذه بسبب التنافس على حُبّ إحدى الطالبات!! (¬1). - اتُّهِم طالب في كلية الحقوق جامعة الزقازيق بمصر بمحاولة قتل زميلته لرفضها الاستجابه لحبه!!! والابتعاد عنه؛ طعنها عدة طعنات بسكين حاد في داخل الكلية؛ فأصابها إصابات خطيرة، ونقلت إلى المستشفى وتم إلقاء القبض على الطالب (¬2). - تقدم والد فتاة عمرها 18 سنة ببلاغ إلى النيابة العامة يتهم طبيبًا بإجهاض ابنته ووفاتها بعد نقلها في حالة خطرة إلى مستشفى القصر العيني، وأمام المحكمة شهدت شقيقة المجني عليها أن شقيقتها كانت تعمل عاملة سوِتْش بعيادة أحد الأطباء المشهورين، ووطد علاقته معها منذ ستة شهور، وحملتْ برغم أنها بكر، وعندما أصبحت في الشهر الرابع توسلت إلى طبيب آخر لإجهاضها وليمنع عنها الفضيحة، فأخذ منها ثمانية جنيهات وأجرى العملية، ولكن الفتاة شعرت بآلام حادة، وعرضت حالتها على طبيب آخر، فحوَّلها للقصر العيني حيث أخرج من بطنها بقية أجزاء الجنين، وبعد 15 يومًا ماتت الفتاة .... » (¬3). عَبْرة فيها عِبَر (¬4)، واقعة تكشف واقع الاختلاط: قال الأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي - رحمه الله -: «ذَهَب فُلَان إِلَى أُورُوبَّا وَمَا نُنْكِر مِنْ أَمْره شَيْئًا فَلَبِثَ فِيهَا بِضْع سِنِينَ ثُمَّ عَادَ وَمَا ¬

(¬1) جريدة الشرق الأوسط السعودية (عدد 147 بتاريخ 4/ 12/1978)، عن (أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية)، إعداد فاطمة محمد رجا مناصره (ص 33). (¬2) بتصرف يسير من جريدة الأخبار المصرية 17/ 12/1979، عن كتاب (تحريم الخلوة بالأجنبية والاختلاط المستهتر) للدكتور محمد بن لطفي الصباغ، وتقديم الشيخ ابن باز - رحمه الله -. (هامش ص 9 - 10). (¬3) بتصرف يسير جريدة الأخبار المصرية 19/ 4/1978، عن كتاب تحريم الخلوة بالأجنبية والاختلاط المستهتر للدكتور محمد بن لطفي الصباغ، وتقديم الشيخ ابن باز - رحمه الله -. (هامش ص 10). (¬4) العِبْرَةُ بالكسر: العَجَبُ. واعْتَبَرَ منه: تَعَجَّبَ، وبالفتح: الدَّمْعَةُ قبلَ أن تَفيضَ أو تَرَدُّدُ البُكاءِ في الصَّدْرِ أو الحُزْنُ بلا بُكاءٍ، ج: عَبَراتٌ وعبَرٌ. وعَبَرَ عَبْرًا واسْتَعْبَرَ: جَرَتْ عَبْرَتُه وحَزِنَ (القاموس المحيط، مادة عبر).

بَقِيَ مِمَّا كُنَّا نَعْرِفهُ مِنْهُ شَيْء. ذَهَبَ بِوَجْه كَوَجْه الْعَذْرَاء لَيْلَة عُرْسهَا وَعَاد بِوَجْه كَوَجْه الصَّخْرَة الْمَلْسَاء تَحْت اللَّيْلَة الماطرة، وَذَهَبَ بِقَلْب نَقِيّ طَاهِر يَأْنَس بِالْعَفْوِ وَيَسْتَرِيح إِلَى الْعُذْر وَعَادَ بِقَلْب مدخول لَا يُفَارِقهُ السّخط عَلَى الْأَرْض وَسَاكِنهَا وَالنِّقْمَة عَلَى السَّمَاء وَخَالِقهَا، وَذَهَبَ بِنَفْس غَضَّة خَاشِعَة تَرَى كُلّ نَفْس فَوْقهَا وَعَادَ بِنَفْس ذَهَّابة نَزَّاعَة لَا تَرَى شَيْئًا فَوْقهَا وَلَا تُلْقِي نَظْرَة وَاحِدَة عَلَى مَا تَحْتهَا، وَذَهَبَ بِرَأْس مَمْلُوءَة حَكَمَا وَرَأَيَا وَعَاد بِرَأْس كَرَأْس التِّمْثَال الْمُثَقَّب لَا يَمْلَؤُهَا إِلَّا الهَوَاء الْمُتَرَدِّد، وَذَهَبَ وَمَا عَلَيَّ وَجْه الْأَرْض أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْ دِينه وَعَاد وَمَا عَلَى وَجْههَا أَصْغُر فِي عَيْنه مِنْهُ. وَكُنْت أَرَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَة الْغَرِيبَة الَّتِي يَتَرَاءَى فِيهَا هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء مِنْ الْفِتْيَان الْعَائِدِينَ مِنْ تِلْكَ الدِّيَار إِلَى أَوْطَانهمْ إِنَّمَا هِيَ أَصْبَاغ مُفْرَغَة عَلَى أَجْسَامهمْ إِفْرَاغًا لَا تَلْبَث أَنْ تَطلعَ عَلَيْهَا الشَّمْس الْمَشْرِقة حَتَّى تَنْصَلَ (¬1) وَتَتَطَايَر ذَرَّاتهَا فِي أَجْوَاء السَّمَاء وَأَنَّ مَكَان الْمَدَنِيَّة الْغَرْبِيَّة مِنْ نُفُوسهمْ مَكَان الْوَجْه مِنْ الْمِرْآة إِذَا اِنْحَرَفَ عَنْهَا زَالَ خَيَاله مِنْهَا؛ فَلَمْ أَشَأْ أَنْ أُفَارِق ذَلِكَ الصَّدِيق وَلَبِستُهُ عَلَى عِلَّاته وَفَاء بِعَهْدِهِ السَّابِق وَرَجَاء لِغَدِهِ الْمُنْتَظَر مُحْتَمَلًا فِي سَبِيل ذَلِكَ مِنْ حُمْقه وَوَسْوَاسه وَفُسَّاد تَصَوُّرَاته وَغَرَابَة أَطْوَاره مَا لَا طَاقَة لِمَثَلِي بِاحْتِمَال مِثْله، حَتَّى جَاءَنِي ذَات لَيْلَة بِدَاهِيَة الدَّوَاهِي وَمُصِيبَة الْمَصَائِب فَكَانَتْ آخِر عَهْدِي بِهِ. دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَرَأَيْته وَاجِمًا مُكْتَئِبًا فحَيَّيتُه فَأَوْمَأَ إِلَى بِالتَّحِيَّةِ إِيمَاءً فَسَأَلَتْهُ مَا بَاله، فَقَالَ: «مَا زِلْت مُنْذُ اللَّيْلَة مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَة فِي عَنَاء لَا أَعْرِف السَّبِيل إِلَى الْخَلَاص مِنْهُ وَلَا أَدْرِي مَصِير أَمْرِي فِيهِ»، قُلْت: «وَأَيّ اِمْرَأَة تُرِيد؟». قَالَ: «تِلْكَ الَّتِي يُسَمِّيهَا النَّاس زَوْجَتِي، وَأُسَمِّيهَا الصَّخْرَة الْعَاتِيَة فِي طَرِيق مَطَالِبِي وَآمَالِي». ¬

(¬1) أي تزول، نصل اللونُ نصلًا ونصولا: زال. (المعجم الوسيط، مادة نصل).

قَلَّت: «إِنَّك كَثِير الْآمَال يَا سَيِّدِي، فَعَنْ أَيّ آمَالك تَتحدَّث؟». قَالَ: «لَيْسَ لِي فِي الْحَيَاة إِلَّا أَمَل وَاحِد هُوَ أَنْ أُغْمِض عَيْن ثُمَّ أَفْتَحهَا فَلَا أَرَى بُرْقُعًا عَلَى وَجْه اِمْرَأَة فِي هَذَا الْبَلَد». قُلْت: «ذَلِكَ مَا لَا تَمْلِكهُ وَلَا رَأْىَ لَك فِيهِ». قَالَ: «إِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاس يَرَونَ فِي الْحِجَاب رَأْيِي وَيَتَمَنَّوْنَ فِي أَمَرّه مَا اتَمَنِّي وَلَا يَحُول بَيْنهمْ وَبَيْن نَزْعه عَنْ وُجُوه نِسَائِهِمْ وإبرازِهِنَّ إِلَى الرِّجَال يجالِسْنَهم كَمَا يَجْلِس بَعْضهنَّ إِلَى بَعْض إِلَّا الْعَجْز وَالضَّعْف وَالْهَيْبَة الَّتِي لَا تَزَال تُلِمّ بِنَفْس الشَّرْقِيّ كُلَّمَا حَاوَلَ الْإِقْدَام عَلَى أَمْر جَدِيد؛ فَرَأَيْت أَنْ أَكُون أَوَّل هَادِم لِهَذَا الْبِنَاء الْعَادِيّ الْقَدِيم الَّذِي وَقَفَ سَدًّا دُون سَعَادَة الْأُمَّة وَارْتِقَائِهَا دَهْرًا طَوِيلًا، وَأَنْ يَتِمّ عَلَى يَدِي مَا لَمْ يَتِمّ عَلَى يَد أَحَد غَيْرِي مِنْ دُعَاة الْحُرِّيَّة وَأَشْيَاعهَا. فَعَرَضْتُ الْأَمْر عَلَى زَوْجَتِي فَأَكْبَرَتْهُ وَأَعْظَمَتْهُ وَخُيِّل إِلَيْهَا أَنَّنِي جئتُهَا بِإِحْدَى النَّكَبَات الْعِظَام والرزايا الْجِسَام وَزَعَمَتْ أَنَّهَا إِنْ بَرَزَتْ إِلَى الرِّجَال فَإِنَّهَا لَا تَسْتَطِيع أَنْ تَبْرُز إِلَى النِّسَاء بَعْد ذَلِكَ حَيَاءً مِنْهُنَّ وَخَجَلًا، وَلَا خَجَل هُنَاكَ وَلَا حَيَاء وَلَكِنَّهُ الْمَوْت وَالْجُمُود وَالذُّلّ الَّذِي ضَرَبَهُ اللهُ عَلَى هَؤُلَاءِ النِّسَاء فِي هَذَا الْبَلَد أَنْ يَعِشْنَ فِي قُبُور مُظْلِمَة مِنْ خُدُورهنَّ وَخُمُرهنَّ حَتَّى يَأْتِيَهُنَ الْمَوْت فَيَنْتَقِلْنَ مِنْ مَقْبَرَة الدُّنْيَا إِلَى مَقْبَرَة الْآخِرَة؛ فَلَا بُدّ لِي أَنَّ أَبْلَغ أَمْنِيَّتِي وَأَنْ أُعَالِج هَذَا الرَّأْس الْقَاسِي الْمُتَحَجِّر عِلَاجًا يَنْتَهِي بِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا بِكَسْرِهِ أَوْ بِشِفَائِهِ». فَوَرَدَ عَلَيَّ مَنْ حَدِيثه مَا مَلَأَ نَفْسِي هَمًّا وَحُزْنًا وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ نَظْرَة الرَّاحِم الرَّاثِي وَقُلْت: «أعالم أَنْتَ أَيُّهَا الصَّدِيق مَا تَقُول؟».

قَالَ: «نَعَمْ أَقُول الحَقِيقَة التِي أَعْتَقِدهَا». قُلْت: «هَلْ تَأْذَن لِي أَنْ أَقُول لَك إِنَّك عِشْت فَتْرَة طَوِيلَة فِي دِيَار قَوْم لَا حِجَاب بَيْن رِجَالهمْ وَنِسَائِهِمْ فَهَلْ تَذْكُر أَنَّ نَفْسك حَدَّثَتْك يَوْمًا مِنْ الأَيَّام وَأَنْتَ فِيهِمْ بِالطَّمَعِ فِي شَيْء مِمَّا لَا تَمْلِك يَمِينك مِنْ أَعْرَاض نِسَائِهِمْ فَنِلْت مَا تَطْمَع فِيهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُر مَالِكه؟». قَالَ: «رُبَّمَا وَقَعَ لِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ، فَمَاذَا تُرِيد؟». قُلْت: «أُرِيد أَنْ أَقُول لَك إِنِّي أَخَاف عَلَى عرْضِك أَنْ يُلِمّ بِهِ مِنْ النَّاس مَا أُلِمّ بِأَعْرَاض النَّاس مِنْك». قَالَ: «إِنَّ المَرْأَة الشَّرِيفَة تَسْتَطِيع أَنْ تَعِيش بَيْن الرِّجَال مِنْ شَرَفهَا وَعِفَّتهَا فِي حِصْن حَصِين لَا تَمْتَدّ إِلَيْهِ المَطَامِع». فَقُلْتُ لَهُ: «تِلْكَ هِيَ الخُدْعَة التِي يخْدَعُكم بِهَا الشَّيْطَان أَيُّهَا الضُّعَفَاء؛ فَالشَّرَف كَلِمَة لَا وُجُود لَهَا فِي قَوَامِيس اللُّغَة وَمَعَاجِمهَا، فَإِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُفَتِّش عَنْهَا فِي قُلُوب النَّاس وَأَفْئِدَتهمْ قَلَمًا نَجِدهَا وَالنَّفْس الإِنْسَانِيَّة كَالْغَدِيرِ الرَّاكِد لَا يَزَال صَافِيًا رَائِقًا حَتَّى يَسْقُط فِيهِ حَجَر فَإِذَا هُوَ مُسْتَنْقَع كَدِر، وَالْعِفَّة لَوْن مِنْ أَلْوَان النَّفْس لَا جَوْهَر مِنْ جَوَاهِرهَا وَقَلَّمَا تَثْبُت الأَلْوَان عَلَى أَشِعَّة الشَّمْس المُتَسَاقِطَة». قَالَ: «أَتُنْكِرُ وُجُود العِفَّة بَيْن النَّاس؟» قُلْت: «لَا أُنْكِرهَا لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّهَا مَوْجُودَة بَيْن البُلْه الضُّعَفَاء وَالْمُتَكَلِّفِينَ وَلَكِنِّي أَنْكَرَ وَجَوَّدَهَا عِنْد الرَّجُل الْقَادِر الْمُخْتَلِب (¬1) وَالْمَرْأَة الحَاذِقَة المُتَرَفِّقَة إِذَا سَقَطَ ¬

(¬1) خَلَبَهُ بظُفُرِه: جَرَحَهُ، أو خَدَشَهُ، أو قَطَعه، وخَلَبَ الفَرِيسَةَ: أخَذَها بِمِخْلَبِه، وخَلَبَ فلانًا عَقْلَهُ سَلَبَهُ إيَّاهُ، وخَلَبَه: خَدَعَه، (القاموس المحيط، مادة: خلب).

بَيْنهمَا الحِجَاب وَخَلَا وَجْه كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ. فِي أَيّ جَوّ مِنْ أَجْوَاء هَذَا البَلَد تُرِيدُونَ أَنْ تَبْرُز نِسَاؤُكُمْ لِرِجَالِكُمْ؟ أَفِي جَوّ المُتَعَلِّمِينَ وَفِيهِمْ مَنْ سُئِلَ مَرَّة لِمَ لَمْ يَتَزَوَّج فَأَجَابَ: «نِسَاء البَلَد جَمِيعًا نِسَائِي». أَمْ فِي جَوّ الطَّلَبَة وَفِيهِمْ مَنْ يَتَوَارَى عَنْ أَعْيُن خلَّانه وأترابه خَجَلًا إنْ خَلَتْ مَحْفَظَته يَوْمًا مِنْ الأَيَّام مَنْ صُوَر عَشِيقَاته وَخَلِيلَاته أَوْ أُقفِرَتْ مِنْ رَسَائِل الحُبّ وَالْغَرَام؟ أَمْ فِي جَوّ الرّعَاع وَالْغَوْغَاء، وَكَثِير مِنْهُمْ يَدْخُل البَيْت خَادِمًا ذَلِيلًا وَيَخْرُج مِنْهُ صِهْرًا كَرِيمًا؟ وَبَعْدُ فَمَا هَذَا الوَلَع بِقِصَّة المَرْأَة والتمطُّق بِحَدِيثِهَا وَالْقِيَام وَالْقُعُود بِأَمْرِهَا وَأَمْر حِجَابهَا وَسُفُورهَا وَحُرِّيَّتهَا وَأَسْرَارهَا كَأَنَّمَا قَدْ قُمْتُمْ بِكُلّ وَاجِب لِلْأُمَّةِ عَلَيْكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ فَلَمْ يَبْقَ الا أَنْ تُفِيضُوا مِنْ تِلْكَ النِّعَم عَلَى غَيْركُمْ. أَبْوَاب الفَخْر أَمَامكُمْ كَثِيرَة فَاطْرُقُوا أَيُّهَا شئم وَدَعُوا هَذَا البَاب موصودا فَإِنَّكُمْ إِنْ فَتَحْتُمُوهُ فَتَحْتُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَيْلًا عَظِيمًا وَشَقَاء طَوِيلًا. أَرُوْنِي رَجُلًا وَاحِدًا مِنْكُمْ يَسْتَطِيع أَنْ يَزْعُم فِي نَفْسه أَنَّهُ يَمْتَلِك هَوَاهُ بَيْن يَدَيْ اِمْرَأَة يَرْضَاهَا، فَأُصَدِّق أَنَّ اِمْرَأَة تَسْتَطِيع أَنْ تَمْلِك هَوَاهَا بَيْن يَدَيْ رَجُل تَرْضَاهُ. إِنَّكُمْ تُكَلِّفُونَ المَرْأَة مَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تَعْجِزُونَ عَنْهُ وَتَطْلُبُونَ عِنْدهَا مَا لا تَعْرِفُونَهُ عِنْد أَنْفُسكُمْ. مَا شَكَتْ المَرْأَة إِلَيْكُمْ ظُلْمًا وَلَا تَقَدَّمَتْ إِلَيْكُمْ فِي أَنْ تَحِلُّوا قَيْدهَا وَتُطْلِقُوهَا مَنْ أسْرِها فَمَا دُخُولكُمْ بَيْنهَا وَبَيْن نَفْسهَا؟ وَمَا تَمَضُّغُكُم لَيْلكُمْ وَنَهَاركُمْ بِقِصَصِهَا وَأَحَادِيثهَا؟ إِنَّكُمْ لَا تَرْثُونَ لَهَا بَلْ تَرْثُونَ لِأَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْكُونَ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى أَيَّام قَضَيْتُمُوهَا فِي دِيَار يَسِيل جَوّهَا تَبَرُّجًا وَسُفُورًا وَيَتَدَفَّق خَلَاعَة وَاسْتِهْتَارًا وَتَوَدُّونَ لَوْ ظَفِرْتُمْ هُنَا

بِذَلِكَ العَيْش الذِي خَلفْتُمُوهُ هُنَاكَ. لَقَدْ كُنَّا وَكَانَتْ العِفَّة فِي سِقَاء مِنْ الحِجَاب موكوء فَمَا زِلْتُمْ بِهِ تَثْقُبُونَ فِي جَوَانِبه كُلّ يَوْم ثَقْبًا وَالْعِفَّة تَسَلُّل مِنْهُ قَطْرَة قَطْرَة حَتَّى تَقَبَّض وتكَرَّشَ (¬1) ثُمَّ لَمْ يُكَلِّفكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى جِئْتُمْ اليَوْم تُرِيدُونَ أَنْ تَحِلُّوا وكاءه حَتَّى لَا تَبْقِي فِيهِ قَطْرَة وَاحِدَة. عَاشَتْ المَرْأَة المِصْرِيَّة حِقْبَة مِنْ دَهْرهَا هَادِئَة مُطَمْئِنَة فِي بَيْتهَا رَاضِيَة عَنْ نَفْسهَا وَعَنْ عِيشَتهَا، تَرَى السَّعَادَة كُلّ السَّعَادَة فِي وَاجِب تُؤَدِّيه لِنَفْسِهَا أَوْ وَقْفَة تَقِفُهَا بَيْن يَدَيْ رَبّهَا أَوْ عطفة تَعَطِفهَا عَلَى وَلَدهَا أَوْ جلْسَة تَجْلِسهَا إِلَى جَارَتهَا تَبُثّهَا ذَات نَفْسهَا وتستبثها سَرِيرَة قَلْبهَا، وَتَرَى الشَّرَف كُلّ الشَّرَف فِي خُضُوعهَا لِأَبِيهَا وائتمارها بِأَمْر زَوْجهَا وَنُزُولهَا عِنْد رِضَاهُمَا، وَكَانَتْ تَفْهَم مَعْنَى الحُبّ وَتَجْهَل مَعْنَى الغَرَام فَتُحِبّ زَوْجهَا لِأَنَّهُ زَوَّجَهَا كَمَا تُحِبّ وَلَدهَا لِأَنَّهُ وَلَدهَا فَإِنْ رَأَى غَيْرهَا مِنْ النِّسَاء أَنَّ الحُبّ أَسَاس الزَّوَاج رَأَتْ هِيَ أَنَّ الزَّوَاج أَسَاس الحُبّ. فَقُلْتُمْ لَهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الذِينَ يَسْتَبِدُّونَ بِأَمْرِك مَنْ أَهْلك لَيْسُوا بِأَوْفَر مِنْك عَقْلًا وَلَا أَفْضَل رَأْيًا وَلَا أَقْدَر عَلَى النَّظَر لَك مِنْ نَظَرك لِنَفْسِك فَلَا حَقّ لَهُمْ فِي هَذَا السُّلْطَان الذِي يَزْعُمُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ فازْدَرَتْ أَبَاهَا وَتَمَرَّدَتْ عَلَى زَوْجهَا وَأَصْبَحَ البَيْت الذِي كَانَ بِالْأَمْسِ عُرْسًا مِنْ الأَعْرَاس الضَّاحِكَة مَنَاحَة قَائِمَة لَا تَهْدَأ نَارهَا وَلَا يَخْبُو أُوَارِهَا (¬2). وَقُلْتُمْ لَهَا لَا بُدّ لَك أَنْ تَخْتَارِي زَوْجك بِنَفْسِك حَتَّى لَا يَخْدَعك أَهْلك عَنْ سَعَادَة مُسْتَقْبَلك فَاخْتَارَتْ لِنَفْسِهَا أَسْوَأ مِمَّا اِخْتَارَ لَهَا أَهْلهَا فَلَمْ يَزِدْ عُمْر سَعَادَتهَا عَلَى يَوْم وَلَيْلَة ثُمَّ الشَّقَاء الطَّوِيل بَعْد ذَلِكَ العَذَاب الأَلِيم. ¬

(¬1) كَرِشَ الجِلْدُ: تَقَبَّضَ، أي تَشَنَّجَ، وتخشن. (القاموس المحيط، المعجم الوسيط مادة: كرش). (¬2) الأُوَارُ: حَرُّ النّارِ. ووَهَجُهَا وشِدُّةُ حَرِّ الشَّمْسِ (تاج العروس، مادة أور).

وَقُلْتُمْ لَهَا إِنَّ الحُبّ أَسَاس الزَّوَاج فَمَا زَالَتْ تَقْلِب عَيْنهَا فِي وُجُوه الرِّجَال مُصَعِّدَة مُصَوِّبَة حَتَّى شَغَلَهَا الحُبّ عَنْ الزَّوَاج. وَقُلْتُمْ لَهَا إِنَّ سَعَادَة المَرْأَة فِي حَيَاتهَا أَنْ يَكُون زَوْجهَا عَشِيقهَا وَمَا كَانَتْ تَعْرِف إِلَّا أَنَّ الزَّوْج غَيْر العَشِيق فَأَصْبَحَتْ تَطْلُب فِي كُلّ يَوْم زَوْجًا جَدِيدًا يُحيْيَ مِنْ لَوْعَة الحُبّ مَا أَمَاتَ الزَّوْج القَدِيم فَلَا قَدِيمًا اِسْتَبْقَتْ وَلَا جَدِيدًا أَفَادَتْ. وَقُلْتُمْ لَهَا لَا بُدّ أَنْ تَتَعَلَّمِي لِتُحْسِنِي تَرْبِيَة وَلَدك وَالْقِيَام عَلَى شُؤُون بَيْتك فَتَعَلَّمَتْ كُلّ شَيْء إِلَّا تَرْبِيَة وَلَدهَا وَالْقِيَام عَلَى شُؤُون بَيْتهَا. وَقُلْتُمْ لَهَا نَحْنُ لَا نَتَزَوَّج مِنْ النِّسَاء إِلَّا مِنْ نُحِبّهَا وَنَرْضَاهَا ويُلائمُ ذَوْقُهَا ذَوْقنَا وَشُعُورُها شُعُورَنَا؛ فَرَأَتْ أَنّه لَابُدَّ لَهَا أَنَّ تَعرِف مَوَاقِع أهوائكم وَمَبَاهِج أَنْظَاركُمْ لِتَتَجَمَّل لَكُمْ بِمَا تُحِبُّونَ، فَرَاجَعَتْ فِهْرِس حَيَاتكُمْ صَفْحَة صَفْحَة فَلَمْ تَرَ فِيهِ غَيْر أَسْمَاء الخليعات المُسْتَهْتِرَات وَالضَّاحِكَات اللَّاعِبَات وَالْإِعْجَاب بِهِنَّ وَالثَّنَاء عَلَى ذَكَائِهِنَّ وَفِطْنَتهنَّ. فتخلَّعَتْ وَاسْتَهْتَرَتْ لِتَبْلُغ رِضَاكُمْ وَتنْزِل عِنْد مَحَبَّتكُمْ، ثُمَّ مَشَتْ إِلَيْكُمْ بِهَذَا الثَّوْب الرَّقِيق الشَّفَّاف تَعْرِض نَفْسهَا عَلَيْكُمْ عَرْضًا كَمَا تَعْرِض الأُمَّة نَفْسهَا فِي سُوق الرَّقِيق، فَأَعْرَضْتُمْ عَنْهَا وَقُلْتُمْ لَهَا: «إِنَّا لَا نَتَزَوَّج النِّسَاء العَاهِرَات»، كَأَنَّكُمْ لَا تُبَالُونَ أَنْ يَكُون نِسَاء الأُمَّة جَمِيعًا سَاقِطَات إِذَا سَلَّمَتْ لَكُمْ نِسَاؤُكُمْ فَرَجَعَتْ أَدْرَاجهَا خَائِبَة مُنْكَسِرَة وَقَدْ أَبَاهَا الخَلِيع وَتَرَفُّع عَنْهَا المُحْتَشِم فَلَمْ تَجِد بَيْن يَدَيْهَا غَيْر بَاب السُّقُوط فَسَقَطَتْ. ذَلِكَ بُكَاؤُكُمْ عَلَى المَرْأَة أَيُّهَا الرَّاحِمُونَ وَهَذَا رِثَاءَكُمْ لَهَا وَعَطْفكُمْ عَلَيْهَا! نَحْنُ نَعْلَم كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ المَرْأَة فِي حَاجَة إِلَى العِلْم فَلْيُهَذِّبْهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا فَالتَّهْذِيب أَنْفَع لَهَا مِنْ العِلْم، وَإِلَى اِخْتِيَار الزَّوْج العَادِل الرَّحِيم فَلْيُحْسِنْ الآبَاء اِخْتِيَار الأَزْوَاج لِبَنَاتِهِمْ وَلِيجْمل الأَزْوَاج عِشْرَة نِسَائِهِمْ، وَإِلَى النُّور وَالْهَوَاء تَبْرُز إِلَيْهِمَا وَتَتَمَتَّع فِيهِمَا بِنِعْمَة الحَيَاة فَلْيَأْذَنْ لَهَا أَوْلِيَاؤُهَا بِذَلِكَ وَلِيُرَافِقهَا رَفِيق مِنْهُمْ فِي غدواتها وروحاتها

كَمَا يُرَافِق الشَّاة رَاعِيهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الذِّئَاب فَإِنَّ عَجْزنَا عَنْ أَنْ نَأْخُذ الآبَاء وَالْإِخْوَة وَالْأَزْوَاج بِذَلِكَ فَلْنَنْفُضْ أَيْدِينَا مِنْ الأُمَّة جَمِيعهَا نِسائِها ورجالها، فليسَتْ المرأة بأقدر على إصلاح نفسِها مِن الرجُل عَلَى إِصْلَاحهَا. إِنَّا نَضْرَع إِلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا تِلْكَ البَقِيَّة البَاقِيَة مِنْ نِسَاء الأُمَّة مُطْمَئِنَات فِي بُيُوتهنَّ وَلَا تزعجوهن بِأَحْلَامِكُمْ وَآمَالكُمْ كَمَا أَزْعَجْتُمْ مَنْ قَبْلَهُنَّ فَكُلّ جُرْح مِنْ جُرُوح الأُمَّة لَهُ دَوَاء إِلَّا جُرْح الشَّرَف فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا فَانْتَظِرُوا بِأَنْفُسِكُمْ قَلِيلًا رَيْثَمَا تَنْتَزِع الأَيَّام مِنْ صُدُوركُمْ هَذِهِ الغَيْرَة التِي وَرِثْتُمُوهَا عَنْ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادكُمْ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعِيشُوا فيّ حَيَاتكُمْ الجَدِيدَة سُعَدَاء آمِنِينَ». فَمَا زَادَ الفَتِيّ عَلَى أَنْ اِبْتَسَمَ فِي وَجْهَيْ اِبْتِسَامَة الهزء وَالسُّخْرِيَة وَقَال: «تِلْكَ حَمَاقَات مَا جِئْنَا إِلَّا لِمُعَالَجَتِهَا فلنصطبر عَلَيْهَا حَتَّى يَقْضِي اللهُ بَيْننَا وَبَيْنهَا». فَقُلْت لَهُ: «لَك أَمْرك فِي نَفْسك وَفِي أَهْلك فَاصْنَعْ بِهِمَا مَا تَشَاء، وَأْذَنَ لِي أَنْ أَقُول لَك إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَنْ أَخْتَلِف إِلَى بَيْتك بَعْد اليَوْم إِبْقَاء عَلَيْك وَعَلَى نَفْسي؛ لِأَنِّي أَعْلَم أَنَّ السَّاعَة التِي يَنْفَرِج لِي فِيهَا جَانِب سِتْر مِنْ أَسْتَار بَيْتك عَنْ وَجْه اِمْرَأَة مِنْ أَهْلك تَقْتُلنِي حياء وَخَجَلًا»، ثُمَّ أنصرفْتُ وَكَانَ هَذَا فِرَاق مَا بَيْنِي وَبَيْنه. وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى سَمِعْتُ النَّاس يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ فُلَانًا هَتَكَ السِّتْر فِي مَنْزِله بَيْن نِسَائِهِ وَرِجَاله وَأَنَّ بَيْته أَصْبَحَ مَغْشِيًّا لا تَزَال النِّعَال خَافِقَة بِبَابِهِ، فَذَرَفَتْ عَيْنَيَّ دَمْعَة لَا أَعْلَم هَلْ هِيَ دَمْعَة الغَيْرَة عَلَى العَرْض المذال (¬1) أَوْ الحُزْن عَلَى الصَّدِيق المَفْقُود. مَرَّتْ عَلَى تِلْكَ الحَادِثَة ثَلَاثَة أَعْوَام لَا أَزُورهُ فِيهَا وَلَا يَزُورنِي وَلَا أَلْقَاهُ فِي طَرِيقه إِلَّا قَلِيلًا ¬

(¬1) يَمْذَل الرجل أَي يَقْلَق بسرِّه حتى يُذيعه، أَو بِمَضْجَعه حتى يتحول عنه، أَو بمَالِه حتى يُنْفِقه. والمِذالُ: أن يَقْلَقَ الرجلُ عن فِراشِه الذي يُضاجِعُ عليه زَوْجَتَه ويَتَحَوَّلُ عنه حتى يَفْتَرِشَها غيرُه. (تاج العروس، لسان العرب (مادة مذل)، النهاية في غريب الأثر، (باب الميم مع الذال).

فَأُحَيِّيه تَحِيَّة الغَرِيب لِلْغَرِيبِ مِنْ حَيْثُ لَا يَجْرِي لِمَا كَانَ بَيْننَا ذِكْرٌ ثُمَّ أَنْطَلِق فِي سَبِيلِي. فَإِنِّي لِعَائِد إِلَى مَنْزِلَيْ لَيْلَة أَمْس وَقَدْ مَضَى الشَّطْر الأَوَّل مِنْ اللَّيْل إِذْ رَأَيْتُه خَارِجًا مِنْ مَنْزِلَة يَمْشِي مِشْيَة الذاهل الحَائِر وَبِجَانِبِهِ جُنْدِيّ مِنْ جُنُود الشُّرْطَة كَأَنَّمَا هُوَ يَحْرُسهُ أَوْ يَقْتَادهُ؛ فَأَهَمَّنِي أَمْرُه وَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَأَلَتْهُ عَنْ شَأْنه فَقَالَ: «لَا عِلَمْ لِي بِشَيْء سِوَى أَنْ هَذَا الجُنْدِيّ قَدْ طَرَقَ السَّاعَة بَابِي يَدْعُونِي إِلَى مَخْفَر الشُّرْطَة وَلَا أَعْلَم لِمِثْل هَذِهِ الدَّعْوَة فِي مِثْل هَذِهِ السَّاعَة سَبَبًا وَمَا أَنَا بِالرَّجُلِ المُذْنِب وَلَا المُرِيب فَهَل أستطيع أَنْ أَرْجُوك يَا صَدِيقِي بَعْد الذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنك أَنْ تَصْحَبنِي اللَّيْلَة فِي وَجْهِي هَذَا عَلَّنِي أحْتاج إِلَى بَعْض المَعُونَة فِيمَا قَدْ يَعْرِض لِي هُنَاكَ مِنْ الشُّؤُون؟». قُلْت: «لَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ»، وَمَشَيْت مَعَهُ صَامِتًا لَا أُحَدِّثهُ وَلَا يَقُول لِي شَيْئًا ثُمَّ شَعَرَتْ كَأَنَّهُ يُزَوِّر فِي نَفْسه كَلَامًا (¬1) يُرِيد أَنْ يُفْضِي بِهِ إِلَيَّ فَيَمْنَعهُ الخَجَل وَالْحَيَاء فَفَاتَحْتُه الحَدِيث وَقُلْت لَه: «أَلَّا تَسْتَطِيع أَنْ تَتَذَكَّر لِهَذِهِ الدَّعْوَة سَبَبًا؟»؛ فَنَظَرَ إِلَى نَظْرَة حَائِرَة وَقَالَ: «إِنْ أُخَوِّف مَا أَخَافَهُ أَنْ يَكُون قَدْ حَدَثَ لِزَوْجَتَيْ اللَّيْلَة حَادِث فَقَدْ رَابَنِي مِنْ أَمْرهَا أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ إِلَى المَنْزِل حَتَّى السَّاعَة، وَمَا كَانَ ذَلِكَ شَأْنهَا مِنْ قَبْل». قُلْت: «أَمَا كَانَ يَصْحَبهَا أَحَد؟». قَالَ: «لَا». قُلْت: «أَلَّا تَعْلِّم المَكَان الذِي ذَهَبَتْ إِلَيْهِ؟». قَالَ: «لَا». قُلْت: «ومِمَّ تَخَافُ عَلَيْهَا؟». ¬

(¬1) زَوَّرْتُ الْكَلَامَ فِي نَفْسِي هَيَّأْتُهُ، (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة: زور).

قَالَ: «لَا أَخَاف شَيْئًا سِوَى أَنِّي أَعْلَم أَنَّهَا اِمْرَأَة غَيُور حَمْقَاء فَلَعَلَّ بَعْض النَّاس حَاوَلَ العَبَث بِهَا فِي طَرِيقهَا فشرسَتْ عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ بَيْنهمَا وَاقِعَة انْتَهِي أَمْرهَا إِلَى مَخْفَر الشُّرْطَة». وَكُنَّا قَدْ وَصَلْنَا إِلَى المَخْفَر فَاقْتَادَنَا الجُنْدِيّ إِلَى قَاعَة المَأْمُور فَوَقَفْنَا بَيْن يَدَيْهِ، فَأَشَارَ إِلَى جُنْدِيّ أَمَامه إِشَارَة لَمْ نَفْهَمْهَا ثُمَّ استَدْنَي الفَتَى إِلَيْهِ وَقَالَ له: «يَسُوءنِي أَنْ أَقُول لَك ـ سَيِّدِي ـ إِنَّ رِجَال الشُّرْطَة قَدْ عَثَرُوا اللَّيْلَة فِي مَكَان مِنْ أَمْكِنَة الرِّيبَة برَجُل وَاِمْرَأَة فِي حال غَيْر صَالِحَة، فَاقْتَادُوهُمَا إِلَى المَخْفَر فَزَعَمَتْ الْمَرْأَة أَنَّ لَهَا بِك صِلَة؛ فَدَعَوْنَاك لِتَكشف لَنَا الحَقِيقَة فِي أَمْرهَا فَإِنْ كَانَتْ صَادِقَة أذِنَّا لَهَا بِالِانْصِرَافِ مَعَك إِكْرَامًا لَكَ وَإِبْقَاءً عَلَى شَرَفك، وَإِلَّا فَهِيَ امْرَأَة عَاهِرَة لَا نَجَاة لَهَا مِنْ عِقَاب الفَاجِرَات وَهَا هُمَا وَرَاءَك فانظرهما». وَكَانَ الجُنْدِيّ قَدْ جَاءَ بِهِمَا مِنْ غُرْفَة أُخْرَى فَالْتَفَتَ وَرَاءَهُ فَإِذَا المَرْأَة زَوْجَته وَإِذَا الرَّجُلُ أَحَدَ أَصْدِقَائِهِ؛ فَصَرَخَ صَرْخَة رَجَفَتْ لَهَا جَوَانِب المَخْفَر وَمَلَأَتْ نَوَافِذه وَأَبْوَابه عُيُونًا وَآذَانًا ثُمَّ سَقَطَ فِي مَكَانه مَغْشِيًّا عَلَيْهِ؛ فَأَشَرْتُ عَلَى المَأْمُور أَنْ يُرْسِل المَرْأَة إِلَى مَنْزِل أَبِيهَا فَفَعَلَ، وَأَطْلَقَ سَبِيل صَاحِبهَا، ثُمَّ حَمَلْنَا الفَتِيّ فِي مَرْكَبَة إلى منزلِه، وَدَعَوْنَا لَهُ الطَّبِيب فَقَرَّرَ أَنَّهُ مُصَاب بحمَّى دِمَاغِيَّة شَدِيدَة وَلَبِثَ سَاهِرًا بِجَانِبِهِ بَقِيَّة اللَّيْل يُعَالِجهُ حَتَّى دِنَّا الصُّبْح فَانْصَرَفَ عَلَى أَنْ يَعُود مَتَى دَعَوْنَاهُ. وَعَهِد إِلَيَّ بِأَمْرِهِ فَلَبِثَتُ بِجَانِبِهِ أَرْثِي لِحَالِهِ وَأنْتَظَرَ قَضَاء الله ِفِيهِ حَتَّى رَأَيْتُه يَتَحَرَّك فِي مَضْجَعه ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآنِي فَلَبِثَ شَاخِصًا إِلَيَّ هُنَيْهَة كَأَنَّمَا يُحَاوِل أَنْ يَقُول لِي شَيْئًا فَلَا يَسْتَطِيعهُ فَدَنَوْت مِنْهُ وَقُلْت لَهُ: «هَلْ مِنْ حَاجَة يَا سَيِّدِي؟». فَأَجَابَ بِصَوْت ضَعِيف خَافِت: «حَاجَتِي أَنْ لَا يَدْخُل عَلَيَّ مِنْ النَّاس أَحَد».

قُلْت: «لَنْ يَدْخُل عَلَيْك إِلَّا مَنْ تُرِيد». فَأَطْرَقَ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه فَإِذَا عَيْنَاهُ مخضَّلَتانِ بِالدُّمُوعِ، فَقُلْت: «مَا بُكَاؤُك يَا سَيِّدِي؟». قَالَ: «أَتَعَلَّم أَيْنَ زَوْجَتِي الآن». قُلْت: «وَمَاذَا تُرِيد مِنْهَا؟». قَالَ: «لَا شَيْء سِوَى أَنْ أَقُول لَهَا إِنِّي قَدْ عَفَوْت عَنْهَا». قُلْت: «إِنَّهَا فِي بَيْت أَبِيهَا». قَالَ: «وارحمتاه لَهَا وَلِأَبِيهَا وَلِجَمِيع قَوْمهَا، فَقَدْ كَانُوا قَبْل أَنْ يَتَّصِلُوا بِي شُرَفَاء أَمْجَادًا فَأَلْبَسْتْهُمْ مُذْ (¬1) عرفوني ثَوْبًا مِنْ الْعَار لَا تَبْلُوهُ الأَيَّام. مَنْ لِي بِمَنْ يَبْلُغهُمْ عَنِّي جَمِيعًا أَنَّنِي مَرِيض مُشْرِف (¬2) وَأَنَّنِي أَخْشَى لِقَاء اللهِ إِنْ لَقِيتُهُ بِدِمَائِهِمْ وَأَنَّنِي أُضْرع إِلَيْهِمْ أَنْ يَصْفَحُوا عَنِّي وَيَغْفِرُوا زَلَّتِي قَبْل أَنْ يَسْبِق إِلَيَّ أَجْلِي؟ لَقَدْ كُنْت أَقْسَمْتُ لِأَبِيهَا يَوْم اهتديتُها أَنْ أَصُونَ عِرْضهَا صِيَانَتِي لِحَيَاتِي وَأَنْ أَمْنَعهَا مِمَّا أَمْنَع مِنْهُ نَفْسِيّ فَحَنِثْتُ فِي يَمِينِي فَهَلْ يَغْفِر لِي ذَنْبِي فَيَغْفِر لِي اللهُ بِغُفْرَانِهِ؟ نَعَمْ إِنَّهَا قَتَلَتْنِي وَلَكِنَّنِي أَنَا الذِي وَضَعْتُ فِي يَدهَا الخِنْجَر الذِي أَغْمَدْته فِي صَدْرِي فَلَا يَسْأَلهَا أَحَد عَنْ ذَنْبِي. البَيْت بَيْتِي، وَالزَّوْجَة زَوْجَتِي، وَالصَّدِيق صَدِيقِي، وَأَنَا الذِي فَتَحْتُ بَاب بَيْتِي لِصَدِيقِي إِلَى زَوْجَتِي فَلَمْ يُذْنِب إِلَى أَحَد سِوَايَ». ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ الكَلَام هُنَيْهَة فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا سَحَابَة سَوْدَاء تُنْشَر فَوْق جَبِينه شَيْئًا ¬

(¬1) مُذْ: مُنْذُ. (¬2) أي على الموت.

فَشَيْئًا حَتَّى لَبسَتْ وَجْهه، فزفر زَفْرَة خِلْتُ (¬1) أَنَّهَا خَرَقَتْ حِجَاب قَلْبه ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُول: «آه مَا أشد الظَّلَام أَمَام عَيْنَيَّ وَمَا أَضْيَق الدُّنْيَا فِي وَجْهِي، فِي هَذِهِ الغُرْفَة، عَلَى هَذَا المقْعَد، تَحْت هَذَا السَّقْف، كُنْت أَرَاهُمَا جَالِسَيْنِ يَتَحَدَّثَانِ فَتُمْلَأ نَفْسِي غِبْطَةً وَسُرُورًا وَأَحْمَد اللهَ عَلَى أَنْ رَزَقَنِي بِصَدِيق وَفِيٍّ يُؤنِسُ زَوْجَتِي فِي وَحْدَتهَا، وَزَوْجَة سَمْحَة كَرِيمَة تُكْرِم صَدِيقِي فِي غَيْبَتِي. فَقُولُوا لِلنَّاسِ جَمِيعًا أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُل الذِي كَانَ يَفْخَر بِالْأَمْسِ بِذَكَائِهِ وَفِطْنَته وَيَزْعُم أَنَّهُ أكْيَسُ النَّاس وَأُحْزَمهُمْ قَدْ أَصْبَحَ يَعْتَرِف اليَوْم أَنَّهُ أَبْلَه إِلَى الغَايَة مِنْ البَلَاهَة وَغَبِيّ إِلَى الغَايَة التِي لَا غَايَة وَرَاءَهَا. والَهْفَا (¬2) عَلَى أُمّ لَمْ تَلِدنِي وَأَبٍ عَاقِر لَا نَصِيب لَهُ فِي البَنِينَ. لَعَلَّ النَّاس كَانُوا يَعْلَمُونَ مِنْ أَمْرِي مَا كُنْت أَجْهَل وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا إِذَا مَرَرْتُ بِهِمْ يَتَنَاظَرُونَ وَيَتَغَامَزُونَ وَيَبْتَسِم بَعْضهمْ إِلَى بَعْض أَوْ يَحْدِقُونَ (¬3) إِلَيَّ وَيُطِيلُونَ النَّظَر فِي وَجْهِي لِيَرَوْا كَيْفَ تَتَمَثَّل البَلَاهَة فِي وُجُوه البُلْه وَالْغَبَاوَة فِي وُجُوه الأَغْبِيَاء. وَلَعَلَّ الذِينَ كَانُوا يَتَوَدَّدُونَ إِلَيَّ وَيَتَمَسَّحُونَ بِي مِنْ أَصْدِقَائِي إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلهَا لَا مِنْ أَجْلِي، وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَنِي فِيمَا بَيْنهمْ قَوَّادًا وَيُسَمُّونَ زَوْجَتِي مومِسًا وَبَيْتِي ماخورًا، وَأَنَا عِنْد نَفْسَيْ أَشْرَف النَّاس وَأَنْبَلهمْ! فوارحمتاه إِنْ بَقِيتُ عَلَى ظَهْر الأَرْض بَعْد اليَوْم سَاعَة وَاحِدَة ووالهْفَا عَلَى زَاوِيَة ¬

(¬1) خالَ الشيءَ: ظَنَّه. (لسان العرب مادة خيل). (¬2) يا لَهْفَهُ كَلِمَةٌ يُتَحَسَّرُ بها على فائِتٍ، ويقالُ يا لَهْفِي عليك، ويا لَهْفَ، ويا لَهْفَا، ويا لَهْفَ أرْضي وسَمائِي عليك، ويا لَهْفَاهُ، ويا لَهْفَتَاهُ، ويا لَهْفَتِياهُ. (القاموس المحيط، مادة لهف). (¬3) ينظرون.

مُنْفَرِدَة فِي قَبْر مُوحِش يطويني وَيَطْوِي عَارِي مَعِي». ثُمَّ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَعَاد إِلَى ذُهُوله وَاسْتِغْرَاقه. وَهُنَا دَخَلَتْ الحُجْرَة مُرْضِع وَلَده تَحْمِلهُ عَلَى يَدهَا حَتَّى وَضَعَتْهُ بِجَانِب فِرَاشه ثُمَّ تَرَكَتْه وَانْصَرَفَتْ، فَمَا زَالَ الطِّفْل يَدبّ عَلَى أَطْرَافه حَتَّى عَلَا صَدْر أَبِيهِ، فَأَحَسَّ بِهِ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآهُ فَابْتَسَمَ لِمَرْآهُ وَضَمّه إِلَى صَدْره ضَمَّة الرِّفْق وَالْحَنَان وَأَدْنَى فَمه مِنْ وَجْهه لِيُقَبِّلهُ ثُمَّ اِنْتَفَضَ فَجْأَة وَدَفَعَه عَنْهُ بِيَدِهِ دَفْعَة شَدِيدَة، وَأَخْذ يَصِيح: «أَبْعَدُوهُ عَنِّي؛ لَا أَعْرِفهُ، لَيْسَ لِي أَوْلَاد وَلَا نِسَاء؛ سَلُوا أُمّه عَنْ أَبِيهِ مَنْ هُوَ وَاذْهَبُوا بِهِ إِلَيْه، لَا أَلْبَس العَار فِي حَيَاتِي وَأَتْرُكهُ أَثَرًا خَالِدًا وَرَائِي بَعْد مَمَاتِي». وَكَانَتْ المُرْضِع قَدْ سَمِعَتْ صِيَاح الطِّفْل فَعَادَتْ إِلَيْهِ وَحَمَلَتْهُ وَذَهَبَتْ بِهِ، فَسَمْع صَوْته وَهُوَ يَبْتَعِد عَنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَأَنْصَتَ إِلَيْهِ واستعبر بَاكِيًا وَصَاحَ: «أرْجِعُوهُ إِلَيَّ»، فَعَادَتْ بِهِ المُرْضِع فَتَنَاوَلَهُ مِنْ يَدهَا وَأَنْشَأَ يُقَلِّبُ نَظَره فِي وَجْهه وَيَقُول: «فِي سَبِيل اللهِ يَا بُنَيَّ مَا خَلَّفَ لَك أَبُوك مِنْ اليُتْم وَمَا خَلَّفَتْ لَك أُمّك مِنْ العَار فَاغْفِرْ لَهُمَا ذَنْبهمَا إِلَيْك فَلَقَدْ كَانَتْ أُمّك اِمْرَأَة ضَعِيفَة فَعَجَزَتْ عَنْ اِحْتِمَال صَدْمَة القَضَاء فَسَقَطَتْ، وَأَبُوك ـ فِي جَرِيمَته التِي اجترمها ـ أَسَاءَ مِنْ حَيْثُ أَرَادَ الإِحْسَان. سَوَاء كُنْتَ وَلَدِي يَا بُنَيَّ أَمْ وَلَد الجَرِيمَة فَإِنِّي قَدْ سَعِدْتُ بِك حِقْبَة مِنْ الدَّهْر فَلَا أَنْسَى يَدك عِنْدِي حَيًّا أَوْ مَيِّتًا»، ثُمَّ اِحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ وَقَبِلَهُ فِي جَبِينه قُبْلَة لَا أَعْلَم هَلْ هِيَ قُبْلَة الأَب الرَّحِيم أَوْ المُحْسِن الكَرِيم. وَكَانَ قَدْ بَلَغَ مِنْهُ الجهْد فَعَاوَدَتْهُ الحُمَّى وَغَلَتْ نَارهَا فِي رَأْسه وَمَازَالَ يَثْقُل شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى خِفْتُ عَلَيْهِ التَّلَف فَأَرْسَلْتُ وَرَاء الطَّبِيب فَجَاءَ وَأَلْقَى عَلَيْهِ نَظْرَة طَوِيلَة ثُمَّ

اعتراف لابد منه

اِسْتَرَدَّهَا مَمْلُوءَة يَأْسًا وَحُزْنًا. ثُمَّ بَدَأَ يَنْزِع نَزْعًا شَدِيدًا وَيَئِنّ أَنِينًا مُؤْلِمًا فَلَمْ تَبْقَ عَيْن مِنْ العُيُون المُحِيطَة بِهِ إِلَّا ارفَضَّتْ عَنْ كُلّ مَا تَسْتَطِيع أَنْ تَجُود بِهِ مِنْ مَدَامِعهَا. فَإِنَّا لِجُلُوس حَوْله وَفْد بَدَأَ المَوْت يُسْبِل أَسْتَاره عَلَى سَرِيره وَإِذَا اِمْرَأَة مؤتزرة بِإِزَار أَسْوَد قَدْ دَخَلَتْ الحُجْرَة وَتَقَدَّمَتْ نَحْوه بِبُطْء حَتَّى رَكَعَتْ بِجَانِبِهِ ثُمَّ أَكَبَتْ (¬1) عَلَى يَده المَوْضُوعَة فَوْق صَدْره فَقَبَّلَتْهَا وَأَخَذَتْ تَقُول لَهُ: «لَا تُخْرِج مِنْ الدُّنْيَا وَأَنْتِ مُرْتَاب فِي وَلَدك فَإِنَّ أُمّه تَعْتَرِف بَيْن يَدَيْك وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى رَبّك أَنَّهَا ـ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ دَنَتْ مِنْ الجَرِيمَة ـ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَرْتَكِبهَا فَاعْفُ عَنِّي يَا وَالِد وَلَدِي». ثُمَّ اِنْفَجَرَتْ بَاكِيَة فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَأَلْقَي عَلَى وَجْههَا نَظْرَة بَاسِمَة كَانَتْ هِيَ آخِر عَهْده بِالْحَيَاةِ وَقَضَى (¬2). الآن عُدْت مِنْ المَقْبَرَة بَعْد مَا دَفَنَتْ صَدِيقِي بِيَدِي وَأَوْدَعَتْ حُفْرَة القبْر ذَلِكَ الشَّبَاب النَّاضِر والروض الزَّاهِر وَجَلَسْتُ لِكِتَابَة هَذِهِ السُّطُور وَأَنَا لَا أَكَاد أَمَلك مَدَامِعِي وَزَفَرَاتِي، فَلَا يُهَوِّن وَجْدِي عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ الأُمَّة كَانَتْ عَلَى بَاب خَطِر عَظِيم مِنْ أخطارها فَتَقَدِّم هُوَ أَمَامهَا إِلَى ذَلِكَ الخَطَر وَحْده فَاقْتَحَمَهُ فَمَاتَ» (¬3). اعتراف لابد منه: آن لنا أن نعترف أنه مهما جمّلنا الاختلاط واستهَنَّا به فإن مساوئه تلاحقنا، وأضراره تفتك بعائلاتنا، وأن الفطرة السليمة تأنف التسليم بأن الاختلاط هو جو صحي في العلاقات ¬

(¬1) أَكَبَ عليه: أَقْبَلَ، ولَزِمَ، (القاموس المحيط، مادة كبب). (¬2) قَضَى: ماتَ. (¬3) العبرات للمنفلوطي (ص39 - 54)، باختصار يسير. ولقد قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بإعادة نشر كتاب (العَبرات) ضمن مشروع القراءة للجميع عام 1995م، وهي الهيئة التي قامت بإعادة نشر كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين عام 1993م، وكأنهم لم يعلموا أن في كتاب المنفلوطي هذه العَبرة وما فيها من عِبَر تُبَيِّنُ تهافت قاسم أمين وغيره من دعاة تحرير المرأة من دينها وعفتها.

الاجتماعية، تلك الفطرة التي دفعت معظم من شملهم التحقيق (76%) أن يفضلوا العمل في مجال غير مختلط. ونفس النسبة أيضًا (76%) قالوا أن الاختلاط لا يجوز شرعًا. أما الملفت للنظر هو ليس هذه النسب المشرفة التي تدل على نظافة مجتمعنا الإسلامي في نفوس أصحابه بل الذي استوقفنا هو تلك النسبة القليلة التي أقرت بجواز الاختلاط وهم (12%). هذه المجموعة من الأشخاص قالوا ودون استثناء أن الاختلاط يجوز ولكن بضوابط الدين، والعرف، والعادات، والأخلاق والضمير، والحشمة، والستر ... إلى آخر هذه السلسلة من القيم الجميلة والتي برأيهم تحفظ للاختلاط حدوده. ونسألهم، هل الاختلاط الذي نراه اليوم في جامعاتنا وأسواقنا ومواقع العمل، وتجمعاتنا الأسرية، والاجتماعية، تنطبق عليه هذه المزايا السالفة الذكر؟ أم أن هذه الأماكن تعُجّ بالتجاوزات في الملبس والحديث والتصرفات، فنرى التبرج والسفور والفتن والعلاقات المشبوهة، لا أخلاق ولا ضمير، ولا ستر، وكأن لسان الحال يقول: إن الاختلاط بصورته الحالية لا يرضى عنه حتى من يؤيدون الاختلاط في أجواء نظيفة. آن لنا أن نعترف بأن الاختلاط هو ذاك الشيء الدافئ، اللزج الرطب، الذي يمثل أرضًا خصبة للفطريات الاجتماعية السامة أن تنمو في زواياه وجدرانه وسقفه، تنمو وتتكاثر وتتشابك دون أن يشعر أحد أن الاختلاط هو السبب، ليكون الاختلاط بحق هو رأس الفتنة الصامت، وفي ظله تزل القلوب والشهوات وتُفجَّر الخيانات وتُحطّم البيوت والأفئدة. نسأل الله السّلامة والعافية وصلاح الحال (¬1). ¬

(¬1) باختصار من فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، (سؤال رقم 1200). والتحقيق المشار إليه دراسة قام بها بعض الباحثين الاجتماعيين المسلمين عن الاختلاط.

الاختلاط في العمل

الاختلاط في العمل قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في رسالته المشهورة (خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله): «إن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجل المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدًا له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه. ومَن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارًا أو اضطرارًا بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر ـ على المستوى الفردي والجماعي ـ والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر، ونجد ذلك واضحًا على لسان الكثير من الكتاب، بل في جميع وسائل الإعلام، وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه. والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة، قاضية بتحريم الاختلاط لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة، إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها. فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه.

ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبًا خاصًا يختلف تمامًا عن تركيب الرجل، هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها. ومعنى هذا: أن إقحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجًا لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنويتها وتحطيم، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث إذ إنهم يفقدون التربية والحنان والعطف، فالذي يقوم بهذا الدور ـ وهو الأم ـ قد فُصلتْ منه وعُزلتْ تمامًا عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها؛ وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول. والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه. فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم البنات وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. وأمْرُ الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوق الله المطلوب شرعًا من المسلمة أن تقوم بها. والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه.

قال الله - عز وجل -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)} (الأحزاب: 33 - 34). فأمر الله أمهات المؤمنين ـ وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك ـ بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد، لأن الخروج لغير حاجة قد يُفْضِي إلى التبرج، كما قد يُفْضِي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم وجَّهَهُنَّ إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يَكُنَّ على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب. وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب: 59). فأمر الله نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو المبلغ عن ربه أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب، وذلك إذا أردن الخروج لحاجة لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب. فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم، وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم، وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنىً وصورة.

قال الله جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (النور: 30 - 31). يأمر الله نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أوضح ـ سبحانه ـ أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها، ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة له في العمل. فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها. وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها، لأن الجيب محل الرأس والوجه. فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج، وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به. والإسلام حرّم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة؛ ولذلك حرم

الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلى الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (الأحزاب: 32) يعني مرض الشهوة فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط. ومن البديهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحَسِّن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر، فالحجاب يمنع بإذن الله من الفتنة ويحجز دواعيها وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة قال الله - عز وجل -: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53). وخير حجاب للمرأة بعد حجاب وجهها وجسمها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر. وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها. فخروجها عن هذا القرار يُفْضِي إلى اضطراب نفسها، وقلق قلبها، وضيق صدرها، وتعريضها لما لا تحمد عقباه. ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم، وعن

السفر إلا مع ذي محرم سدًّا لذريعة الفساد وإغلاقًا لباب الإثم وحسمًا لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان. فالإسلام حريص جدًا على جلب المصالح ودرء المفاسد وغلق الأبواب المؤدية إليها، ولاختلاط المرأة مع الرجل في ميدان العمل تأثير كبير في انحطاط الأمة وفساد مجتمعها كما سبق؛ لأن المعروف تاريخيًا عن الحضارات القديمة الرومانية واليونانية ونحوهما أن من أعظم أسباب الانحطاط والانهيار الواقع بها هو خروج المرأة من ميدانها الخاص إلى ميدان الرجال ومزاحمتهم، مما أدى إلى فساد أخلاق الرجال وتركهم لما يدفع بأمتهم إلى الرقي المادي والمعنوي، وانشغال المرأة خارج البيت يؤدي إلى بطالة الرجل وخسران الأمة بانحلال الأسرة وانهيار صرحها وفساد أخلاق الأولاد، ويؤدي إلى الوقوع في مخالفة ما أخبر الله به في كتابه من قوامة الرجل على المرأة. وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسئوليات عامة لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». (رواه البخاري في صحيحه). ففَتْحُ الباب لها بأن تنزل إلى ميدان الرجال يعتبر مخالفًا لما يريده الإسلام من سعادتها واستقرارها؛ فالإسلام يمنع تجنيد المرأة في غير ميدانها الأصيل. وقد ثبت من التجارب المختلفة وخاصة في المجتمع المختلط أن الرجل والمرأة لا يتساويان فطريًا ولا طبيعيًا فضلًا عما ورد في الكتاب والسنة واضحًا جليًّا في اختلاف الطبيعتين والواجبين، والذين ينادون بمساواة الجنس اللطيف ـ المُنَشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ـ بالرجال يجهلون أو يتجاهلون الفوارق الأساسية بينهما.

لقد ذكرنا من الأدلة الشرعية والواقع الملموس ما يدل على تحريم الاختلاط واشتراك المرأة في أعمال الرجال مما فيه كفاية ومقنع لطالب الحق، ولكن نظرًا إلى أن بعض الناس قد يستفيدون من كلمات رجال الغرب والشرق أكثر مما يستفيدون من كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكلام علماء المسلمين رأينا أن ننقل لهم ما يتضمن اعتراف رجال الغرب والشرق بمضار الاختلاط ومفاسده لعلهم يقتنعون بذلك، ويعلمون أن ما جاء به دينهم العظيم من منع الاختلاط هو عين الكرامة والصيانة للنساء وحمايتهن من وسائل الإضرار بهن والانتهاك لأعراضهن. قالت الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك: «إن الاختلاط يألفه الرجال؛ ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهاهنا البلاء العظيم على المرأة ... ـ إلى أن قالت ـ: علِّموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد». وقال شوبِنْهَوَر الألماني: «قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده، وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدنية الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها». وقال اللورد بَيْرُون: «لو تفكرتَ أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتَّها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسين غذائها وملبسها فيه، وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير». اهـ. وقال سامويل سمايلس الإنجليزي: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية؛ لأنه هاجم هيكل المنزل وقوَّض أركان الأسرة ومزّق الروابط الاجتماعية، فإنه يسلب

الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة، إن وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات، مثل ترتيب مسكنها، وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها، مع القيام بالاحتياجات البيتية ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات، بحيث أصبحت المنازل غير منازل، وأصبحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال، وانطفأت المحبة الزوجية، وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة، والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق، وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة». وقالت الدكتورة إيدايلين: «إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق»، ثم قالت: «إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم (¬1) هو الطريق الوحيد لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه». وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: «إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقًّا إذا بقيَتْ في البيت الذي هو كيان الأسرة». وقال عضو آخر: «إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال». وقال شوبِنْهَوَر الألماني أيضا: «اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم ¬

(¬1) كلمة (حريم) تعني القسم الخاص بالعائلة ـ أي بالنساء والأطفال ـ والذي كان محرمًا على الغرباء وُلوجُه بينما سمح لهم بالدخول على باقي أقسام المنزل، فقد كان للنساء إذًا عالمهن الخاص المقتصر عليهن فقط إذ حرم عليهن تمامًا الاختلاط بالرجال أو استقبالهم أو التحدث إليهم. (عودة الحجاب (1/ 232)، بتصرف).

قابلوني بعد عام لتَرَوا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي الفضيلة والعفة والأدب. وإذا مِتُّ فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة» (¬1). ولو أردنا أن نستقصي ما قاله منصفو الغرب في مضار الاختلاط الذي هو نتيجة نزول المرأة إلى ميدان أعمال الرجال لطال بنا المقال ولكن الإشارة المفيدة تكفي عن طول العبارة. والخلاصة: أن استقرار المرأة في بيتها والقيام بما يجب عليها من تدبيره بعد القيام بأمور دينها هو الأمر الذي يناسب طبيعتها وفطرتها وكيانها، وفيه صلاحها وصلاح المجتمع وصلاح الناشئة فإن كان عندها فضل ففي الإمكان تشغيلها في الميادين النسائية كالتعليم للنساء، والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك مما يكون من الأعمال النسائية في ميادين النساء كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وفيها شغل لهن شاغل، وتعاون مع الرجال في أعمال المجتمع وأسباب رقيه كل في جهة اختصاصه. ولا ننسى هنا دور أمهات المؤمنين - رضي الله عنهم - ومن سار في سبيلهن وما قُمْنَ به من تعليم للأمة وتوجيه وإرشاد وتبليغ عن الله سبحانه، وعن رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجزاهن الله عن ذلك خيرًا وأكثَرَ في المسلمين اليوم أمثالَهُن مع الحجاب والصيانة والبعد عن مخالطة الرجال في ميدان أعمالهم». (¬2) ¬

(¬1) ذكَر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي - رحمه الله - في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون) (ص 252، 259)، نقلًا عن دائرة معارف فريد وجدي (8/ 639)، وكتاب (فتاة الشرق في حضارة الغرب) للأستاذ محمد جميل بيهم، على التوالي. (¬2) ضمن مجموع فتاوى ابن باز (1/ 418 - 427). (باختصار).

2.5مليون توقيع

2.5مليون توقيع: نشرت جريدة الأخبار المصرية ما يلي: «مللنا المساواة مع الرجال ... مللنا حالة التوتر الدائم ليل نهار ... مللنا الاستيقاظ عند الفجر؛ للجري وراء المترو ... مللنا الحياة الزوجية التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا عند النوم ... مللنا الحياة العائلية التي لا ترى الحرية والمساواة ... وأهلًا بعصر الحريم. والتوقيع 2.5 مليون نسمة فرنسية بمجلة «ماري كليير الباريسية» (¬1). ¬

(¬1) جريدة الأخبار في 25/ 12/1976م.

فتاوى متعلقة بالاختلاط في العمل

فتاوى متعلقة بالاختلاط في العمل حكم عمل المرأة في مكان مختلط: س: فتاة أو امرأة مسلمة متحجبة ومحافظة، تعمل بجانب رجال بإدارة أو مؤسسة أو معمل، مع العلم أن الإدارة لا تخلو من كاسيات وعاريات فاسخات ورجال ما حكم وجود هذه المسلمة بين نارين؟ ج: لا يجوز للمرأة أن تشتغل مع رجال ليسوا محارم لها؛ لما يترتب على وجودها معهم من المفاسد، وعليها أن تطلب الرزق من طرق لا محذور فيها، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا، وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك، هذا نصها: «أما حكم اختلاط النساء بالرجال في المصانع أو في المكاتب بالدول غير الإسلامية ـ فهو غير جائز، ولكن عندهم ما هو أبلغ منه، وهو الكفر بالله جل وعلا، فلا يستغرب أن يقع بينهم مثل هذا المنكر، وأما اختلاط النساء بالرجال في البلاد الإسلامية وهم مسلمون فحرام، واجب على مسئولي الجهة التي يوجد فيها هذا الاختلاط أن يعملوا على جعل النساء على حدة والرجال على حدة؛ لما في الاختلاط من المفاسد الأخلاقية التي لا تخفى على من له أدنى بصيرة (¬1). س: ما حكم المرأة التي تعمل وهي متزوجة؟ ج: لا يجوز للمرأة العمل مع الاختلاط بالرجال، سواء المتزوجة وغيرها؛ لأن الله ـ سبحانه ـ جَبَلَ الرجالَ على الميل إلى النساء، والنساء جبلَهُنَّ على الميل إلى الرجال، مع وجود ضعف فيهن، فإذا حصل الاختلاط وقعت الفتنة، وصار سببًا في وقوع الفساد؛ لأن ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 232).

عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال

النفس أمارة بالسوء، لكن يجوز العمل في محيط ليس فيه اختلاط بالرجال بإذن زوجها (¬1). عمل المرأة سكرتيرة في مكتب للرجال: س: أعمل سكرتيرة في شركة ومكتبي فيه رجال واختلاط بين الجنسين فما حكم عملي؟ ج: الاختلاط بين الرجال والنساء محرم، وفي السؤال رقم (1200) من هذا الموقع تجدين الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، بل وبعض الدراسات المعاصرة تثبت خطورة الاختلاط وآثاره السيئة، حتى على الشريفات العفيفات، والقصص والشواهد الواقعية في القديم والحديث، كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، ومهما وثق الشخص في نفسه ـ ولا ينبغي له أن يثق ـ فإنه لا يثق في الشيطان. وكم من حوادث الزنا والتحرش الجنسي قد وقعت في أماكن العمل المختلط حتى أدرك الكفار هذا وعملوا الدراسات والإجراءات لمعالجته بلا فائدة واضحة، لأن الأصل فاسد وهو السماح بالاختلاط بين الجنسين وقد اضطرت شركات قطارات الأنفاق إلى تخصيص عربات خاصة للنساء خصوصًا في الأوقات المتأخرة من الليل. وحوداث طلاق المدراء والرجال من زوجاتهم لأجل علاقاتهم بسكرتيراتهم مشهورة جدًا، وحوداث الزنا داخل المكاتب مشهورة في أماكن الاختلاط، بل إن السكرتيرة تُتخذ في بعض الشركات وسيلة ترفية للمدير والمسئول ونحوهما، نسأل الله العافية (¬2). هل يجوز للأب إجبار ابنته على العمل في مكان مختلط؟ س: هل يمكن للوالد إجبار ابنته على العمل في وسط مختلط؟ ج: العمل في الأماكن المختلطة لا يَسْلَمْ من الوقوع في الحرام، نظرًا أو خلوةً أو ميلًا ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 234 - 235). (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، سؤال رقم 20140.

عمل المرأة مع الرجال بغرض دعوة النساء

قلبيًا، ولهذا أفتى العلماء بتحريمه مراعاة لغالب الحال، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/ 156): «الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك». وبناء على ذلك فليس للأب أن يجبر ابنته على العمل المختلط، وإذا أجبرها على ذلك لم تجب طاعته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ» (رواه البخاري ومسلم). وعلى البنت أن تبين لأبيها مخاطر العمل المختلط وحرمته، وأن تُذَكِّره بواجبه في حفظ أهله ووقايتهم من النار، وذلك بالأسلوب الحكيم والموعظة الحسنة» (¬1). عمل المرأة مع الرجال بغرض دعوة النساء: س: أنا شاب ملتزم ولله الحمد والمنة، بل ومن طلبة العلم، ونسأل الله الصدق في المقصد والعمل، وكذا زوجتي ولله المنة ملتزمة، ونحن من مصر، ونقيم في الأحساء، وتنتهي الإقامة هذه السنة، عملي في التدريس وكذا الزوجة، وحينما اقتربت العودة إلى مصر بدأت هذه المشكلة، وهي عمل الزوجة. وسماحتكم تعرف أن بلادنا تقر الاختلاط، ومفاسده لا تخفى على أحد، غير أن هناك مدارس خاصة بالبنات، وأخرى للبنين، ولكن القائمين بالتدريس فيها رجال ونساء، ولا يخصصون النساء للتدريس للبنات، وهذه هي المشكلة والعلة. ولكن يا سماحة الوالد الدعوة تسير سيرًا حثيثًا، وخاصة في مجال البنات، وبفضل ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، سؤال رقم 45905.

جلوس المرأة مع المدرسين في المدرسة

الله الملتزمات في زيادة مضطردة وهن في حاجة إلى التوجيه، وأنا هنا أقف حائرًا: - بين السماح للزوجة بالعمل في مدارس البنات ودعوتهن بالحكمة والموعظة الحسنة، مع تحجبها الشرعي الكامل عن زملائها من الرجال، وعدم مخاطبتهم، وهذا ممكن خاصة في التدريس، فيمكنها عدم التعامل معهم نهائيًّا، وذلك بالدخول إلى حجرة المدرسات في غير وقت الحصص الدراسية. - وبين مكوثها بالبيت مع ما في ذلك من ترك المجال لنساء أخريات، نحن أكثر علمًا بهن، وبفساد أخلاقهن، والظهور أمام البنات بمظهر سيئ، غالبًا ما تظن الفتاة الصغيرة أن ذلك هو القدوة، مع مخالفة ذلك لشرع الله تبارك وتعالى. ولذلك أرفع إليكم مشكلتي لتفتوني فيها؛ هل أبقيها في البيت، أم أتركها للعمل والدعوة معًا؟ ومجال البنات كبير فهي شريحة لا يُستهان بها في مجتمع مثل مصر. ج: إذا كان الحال ما ذكر من وجود اختلاط رجال ونساء في المدرسة، فلا يجوز للمرأة التدريس في هذه المدرسة التي يؤدي العمل فيها إلى الاختلاط لما هو معلوم في الشرع المطهر من تحريم الاختلاط والخلوة، وما يترتب على ذلك من المفاسد، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا (¬1). جلوس المرأة مع المدرسين في المدرسة: س: هل جلوس المرأة مع المدرسين في المدرسة لا يجوز شرعًا؟ وإن كان الهدف ساميًا، والنية صادقة لا وسوسة فيها؟ ج: كان النساء في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خرجْنَ إلى الصلاة في المساجد أو إلى مصلى الأعياد، يجلسن خلف الرجال، ويصففن في الصلاة خلف الرجال، حتى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 160 - 161).

عمل الرجل في مكان مختلط

كان إذا ظن في الأعياد أنه لم يسمع النساء ذهب إليهن بعد تذكير الرجال، فوعظهن وذكَّرهن، وأمرهن بما أراد، وذلك مع صلاحهن وقوة إيمانهن وصلاح المجتمع وسلامته من الفساد؛ فالواجب على النساء مدرسات وغير مدرسات انفراد جماعتهن عن جماعة الرجال في جانب المدرسة وغيرها؛ اقتداء بالصحابيات الطاهرات، ودرءًا للفتنة، وسدًا لذريعة الفساد، وإن كانت النية صادقة والهدف ساميًا (¬1). عمل الرجل في مكان مختلط: س: رجل يعمل في مكاتب حكومية، وفي نفس المكان توجد نساء كاسيات عاريات، فهل مرتبه حلال أو حرام؟ وهل استمراره في العمل نفسه جائز شرعًا أم غير جائز؟ العمل شركة كهرباء القاهرة، الوظيفة محاسب، وهل إذا انتقل إلى مكتب آخر ليس به نساء يصبح ذلك جائزًا أم غير جائز؟ علما بأن الشركة مليئة بالنساء الكاسيات العاريات. ج: إذا كان الواقع كما ذكر من الاختلاط على الوجه المذكور في العمل، فعليه أن يتجنب ذلك العمل؛ محافظة على دينه وبعدا عن مثار الفتنة، أما مرتبه ومكافأته على عمله فهما حلال له إذا كان نفس العمل الذي يقوم به حلالًا؛ كالخياطة والنسيج والتجارة المباحة ونحوها، وإذا انتقل إلى مكان لا اختلاط فيه بالنساء فهو المتعين إذا كان نفس العمل مباحًا (¬2). س: عندنا في العمل الحكومي يوجد الاختلاط بصورة مشينة، فجميع المكاتب بالدائرة التي نعمل بها يوجد بها النساء أكثر من الرجال، وطبعا معظم النساء متبرجات بصورة مزرية، ويقع بصرنا رغمًا عنّا على هذه المناظر، فما نصيحتكم لمثلنا في هذا الأمر؟ ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 159 - 160). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/ 159).

ضوابط عمل الرجل في مكان مختلط

أأمكث في هذا العمل، أم نبحث عن غيره؟ ج: إذا كان الواقع كما ذكرت، ولم تستطع تغيير المنكر، فاجتهد مع المسئولين في نقلك إلى عمل آخر لا اختلاط فيه، فإذا لم يتم ذلك فاترك هذا العمل واكتسب من عمل لا منكر فيه، ولو غير حكومي؛ محافظةً على دينك، وبعدا عن مثار الفتنة، وطرق الكسب المشروعة كثيرة. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} (الطلاق: 2 - 3).وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} (الطلاق: 4) (¬1). ضوابط عمل الرجل في مكان مختلط: س: أنا شاب ملتزم، ولله الحمد، ولكن مشكلتي أني أعمل في أحد المستشفيات الحكومية ـ ومعروف الاختلاط فيها ـ وأعمل في قسم العمليات الجراحية، فأنا الآن أفكر في ترك الوظيفة علما بأني أتحمل بعض الديون فهل أترك الوظيفة؟ ج: إذا كنت محتاجًا إلى هذا العمل ولم تجد عملًا غيره يسلم من الاختلاط، وتقيدت بالضوابط الشرعية من عدم الخلوة وعدم المصافحة وعدم إطلاق النظر إلى النساء ونحو ذلك، جاز لك العمل ولا يجب عليك ترك الوظيفة. وإذا كان عملك يلزم منه الوقوع في هذه المحرمات فلا يجوز لك البقاء فيه إلا للضرورة التي لا يمكن دفعها إلا بالعمل في هذا المكان (¬2). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (15/ 161 - 162). (¬2) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 32506).

معنى الضرورة

معنى الضرورة: س: ما قولكم في عمل الفتاة في أماكن مختلطة مع التزامها بالحجاب الشرعي والأداب الإسلامية؟ ج: عمل المرأة المتحجبة في الأماكن المختلطة فلا يخلو من حالتين: الأولى: أن تكون المرأة مضطرة للعمل لضرورة حقيقية معتبرة شرعًا حيث: - لا يكون لها من يقوم عليها ويوفر لها ضروريات الحياة. - ولم تجد مكانًا غير مختلط تعمل فيه. - ولم تكن تحسن صنعة تعملها في بيتها كالخياطة والحياكة والنسيج. - أو تحسنها ولكن دخلها لا يَفِي بضرورياتها وضروريات من تعول. ففي هذه الحال يجوز لها أن تعمل في ذلك المكان المختلط مع التزام الحذر التام ومراعاة الضوابط الشرعية لخروج المرأة فلا تخرج إلا وهي محتشمة متحجبة الحجاب الشرعي الكامل ويشترط في ذلك الحجاب أن يكون صفيقا فضفاضًا لا يصف شيئًا من مفاتنها ولا يلفت انتباه الرجال إليها. وكما يجب عليها أن تحذر مس الطيب عند خروجها لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حذر النساء من الخروج متطيبات إلى المسجد، وغير المسجد مثله في الحكم. من ذلك ما في المسند وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا مُتَطَيِّبَةً تُرِيدُ الْمَسْجِدَ، لَمْ يَقْبَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا صَلَاةً حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ مِنْهُ غُسْلَهَا مِنَ الْجَنَابَةِ» (¬1). كما يحرم عليها أن تخضع بالقول عند مخاطبة الرجال إذا احتاجت إلى ذلك لقول الله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32). ¬

(¬1) ورواه أيضًا ابن ماجه، وصححه الألباني.

إذا تحققت هذه الحالة والتزمت المرأة بهذه الضوابط يجوز لها العمل ما دامت بحاجة إليه. فإذا زالت حاجتها أو وجدت فرصة عمل لا يوجد فيها اختلاط وجب عليها ترك ذلك العمل. الحالة الثانية: أن لا تكون مضطرة إلى العمل في الأماكن المختلطة إما لعدم حاجتها إلى العمل أصلًا، وإما لوجود فرصة عمل غير مختلطة. ففي هذه الحال لا يجوز لها العمل في الأماكن المختلطة لما يترتب على ذلك من مفاسد ولما ينطوي عليه من مخاطر. ويكفي من ذلك أنه إذا اختلطت المرأة بالرجل في مكان واحد باستمرار يصعب عليهما أن يمتثلا أمر الله سبحانه في غض البصر الذي أوجب الله عليهما. ومن المخاطر أيضا أنه ليس كل الرجال الذين تتعامل معهم من الأتقياء الأعِفَّاء غالبًا. بل إن الكثير منهم لا يؤمَن على الأعراض ولا يتقي الله تعالى في نظراته وكلماته وتصرفاته في بعض الأحيان، وقد ينشأ عن ذلك ما لا تحمد عقباه ـ كما هو مشاهد. وبالجملة فالأسلم للمرأة في دينها وعرضها أن تشتغل في مجالها الخاص بها وأن تبتعد عن مكان الريبة والفساد. والله أعلم (¬1). ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 3859).

الاختلاط في التعليم

الاختلاط في التعليم (¬1) نتائج الدراسات الغربية: تؤكد معظم الدراسات الحديثة بأن الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والفصول الدراسية يؤدي إلى نتائج إيجابية أفضل من مثيلاتها المختلطة، ومنذ ظهور دراسة اليزابيث تيدبال في العام 1973م التي أكدت فوائد التعليم غير المختلط ونادت به، فإن الدراسات حول هذا الموضوع تكاثرت بشكل كبير جدًا ومؤيدة في معظمها نفس نتائج تيدبال، ولقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة من جامعة (هارفرد) بأن المدارس النسائية وبمقارنتها بالمختلطة تحقق الآتي: - أهداف تربوية أعلى. - يحقق الطلبة فيها درجة أعلى من القيم الذاتية ودرجة أفضل لنوعية الحياة. - درجة أفضل في العلوم والقراءة. - التخلص من النظرة النمطية التقليدية تجاه العلاقة بين الجنسين. - درجة أقل من التغيُّب الدراسي ومشاكل عدم الانضباط السلوكي. - مراجعة منزلية أفضل ودرجة أقل من ضياع الوقت في مشاهدة التلفزيون. كما أن الباحثة (بوني فير بويست) من جامعة (غرب أونتارو) في كندا تقول بأن التعليم المختلط يغش النساء بشعارات المساواة، بينما الحقيقة تؤكد أن المساواة الحقيقة هي بالفصل، وذلك لتمتع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركز عليها ¬

(¬1) الاختلاط وأثره في التعليم، للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان (باختصار).

المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانيات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات. وتضيف الدكتورة (نانسي بيدي) في دراستها المقارنة لمصادر النجاح في أكاديميات القرن التاسع عشر والمنشورة في المجلة الأمريكية للتربية في العام 1999م بأن سر النجاح يكمن في وجود المدارس غير المختلطة وبناء عليه تقترح زيادة الدراسة في إمكانية قيام مدارس على هذا النمط في الوقت الراهن بناء على معطيات متطلبات السوق. ولعل مثل هذه الدراسات قد فتحت آفاقا جديدة في أساليب التعليم مما جعل حاكم كاليفورنيا (بت ولسون) يخصص خمسة ملايين دولار لإنشاء عشر مدارس غير مختلطة كنوع من التجربة العملية للتحقق من النتائج، ولقد شجعت هذه النتائج على قيام العديد من المدارس الحكومية والخاصة على أساس عدم الاختلاط في العديد من مناطق الولايات المتحدة الأميركية مثل نيويورك، فيلادلفيا، بالتيمور، ديترويت وكاليفورنيا. وعلاوة على ذلك فإن بحوثًا كثيرة منذ الثمانينات قد أكدت إيجابية ومنفعة الجامعات النسائية على وجه الخصوص، فلقد ذكرت الدكتورة (ليزا ويندل) من جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأميركية في بحثها القيم (الوصول إلى القضايا في الجامعات النسائية) العديد من البحوث الحديثة التي تؤكد النتائج السابقة والتي تربو على الخمسين بحثا وكتابًا، وتحققًا من نتائج تلك الدراسات فقد قامت بدراسة فريدة من نوعها تقوم على أساس الزيارة والمشاهدة الميدانية حيث خرجت بنتائج باهرة مفادها أن المدارس النسائية تحقق التركيز على العلم أكثر وتحقق درجة أفضل من التوقعات والطموحات عند الطلبة وتحسسهم بأهميتهم الاجتماعية والروح القيادية العالية، بالإضافة إلى التسلح الأفضل لمواجهة الحياة العملية بعد التخرج.

البروفيسور الأمريكي (اميليو افيانو) ـ وهو رجل القانون المتخصص في النظام التربوي في أميركا ـ ذكر أن العديد من الدراسات تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المجال الدراسي يساعد على اجتياز الفتيان والفتيات بصورة أفضل، وأن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات أمام الفتيات، وكذلك الفتيات يفضلن هذا الأمر حتى لا تضطررن إلى التزين قبل الذهاب إلى المدرسة؛ لأنه يضيع وقتهن ويعرقل تقدمهن الدراسي. وأثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا الغربية وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة ـ بنين وبنات ـ واستمرار تدهور هذا المستوى، وعلى العكس من ذلك تبين أن مدراس الجنس الواحد يرتفع الذكاء بين طلابها. وقد ذكرت الدكتورة (كارلي شوستر)» ـ خبيرة التربية الألمانية ـ أن توحُّد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات، أما اختلاط الاثنين معًا فيلغي هذا الدافع وأضافت أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد عنها إذا اختلط أبناء الجنسين. وأكدت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحًا وعمرهن أقل من (16) عامًا، كما تبين أن استخدام الفتيات في المدارس لحبوب منع الحمل تزايد كمحاولة للحد من الظاهرة دون علاجها واستئصال جذورها.

الغرب يبدأ في منع الاختلاط

وأن هناك تلميذًا مصابًا بالإيدز في كل مدرسة. وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحًا (48%) من تلميذات إحدى المدارس الثانوية، وتقول راشيل بريتشرد (¬1): «التعليم المختلط يشجع على العلاقات بين الأولاد والبنات، وإذا أُحصي عدد المراهقات الحوامل من مدارس مختلطة ومن مدارس بدون اختلاط (خصوصًا المدارس الإسلامية) لوجدنا في الغالب أن النسبة في المدارس المختلطة تكون 57 % على الأقل مقارنة بالمدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين بنسبة لعلها تقرب من 5% (في حين ستجد أن النسبة في المدارس الإسلامية هي الصفر)، كما أنني أعتقد أن اختلاط الجنسين يؤدي إلى عدم تركيزهم من الناحية الدراسية؛ لأن اهتمامهم سيكون موجهًا للجنس الآخر». الغرب يبدأ في منع الاختلاط: قامت مدرسة «شنفيلد» الثانوية في مقاطعة (إيسكس) البريطانية بتنظيم فصول تضم طلابًا من جنس واحد منذ عام 1994م، وكانت النتيجة حدوث تحسُّن متواصل في نتائج الاختبارات لدى الجنسين؛ ففي اللغة الإنجليزية ارتفع عدد الطلاب الحاصلين على تقديرات ممتاز، وجيد جدًا؛ في اختبارات الثانوية العامة بنسبة (26%)، بينما ارتفع عدد الحاصلات على هذه التقديرات بنسبة (22%). وبسبب مثل هذه النتائج لكثير من الدراسات والأبحاث المحكمة؛ أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (بوش الابن) تشجيعها لمشروع الفصل بين الجنسين في المدارس العامة، وصدر إعلان عن هذا المشروع في 8 مايو 2003 م في السجل ¬

(¬1) امرأة إنجليزية الأصل من ويلز، أسلمت وتسمَّتْ عائشة أم سعدية، وقد كان هذا الكلام في مقابلة أجرتها معها مجلة البيان في عددها 150 صفحة 78 بتاريخ صفر/1421.

نتائج الدراسات الإسلامية

الفيدرالي (الصحيفة الرسمية الأمريكية) (¬1)، وجاء في الصحيفة الرسمية أيضًا أن وزير التربية ينوي اقتراح تعديلات لـ (التنظيمات المطبقة) تهدف إلى توفير هامش مبادرة أوسع للمربين من أجل إقامة صفوف ومدارس غير مختلطة. وتابعت الصحيفة: «إن الهدف من هذا الإجراء هو توفير وسائل جديدة فُضْلى لمساعد التلاميذ على الانكباب على الدراسة، وتحقيق نتائج أفضل». وصدَّق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على مشروع قرار يقضي بمنع الاختلاط في المدارس العامة، وتشجيعًا لهذا القرار الذي يقضي على وضع قائم منذ ثلاثين عاما، قرر إعطاء معونة مادية أكبر للمدارس التي تلتزم بتنفيذ هذا القرار، وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي لم يوافق على هذا القرار إلا بعد أن قدمت له دراسات علمية وعملية تربوية شاملة تبين صحة قراره. نتائج الدراسات الإسلامية: قامت عدة دراسات ميدانية في عدة دول عربية وأفريقية لدراسة آثار الاختلاط وقد وقفت على بعضها فمن تلك الدراسات: قامت الباحثة فاطمة محمد رجاء مناصرة بدراسة أثر مشكلة الاختلاط على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية فذكرت المشكلات التالية (¬2): أـ مشكلات أخلاقية: 1ـ إثارة الفتنة. 2ـ التصنع في التصرفات من قبل الجنسين. ¬

(¬1) انظر: صحيفة الوطن، مايو 2004م. (¬2) انظر: رسالة ماجستير بعنوان: أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية، (ص 32 - 46).

3ـ تعرض الفتيات لمضايقات الشباب. 4ـ ضعف الوازع الديني بسبب تعود الطلبة على الممارسات الخاطئة واستباحة المنكرات لكثرة تكرارها. 5 ـ انتشار ظاهرة السفور، بسبب تبرج الطالبات ولباسهن المخالف للزي الإسلامي، فطالبات الجامعة اللاتي يرحن ويرجعن بين البيت والجامعة سافرات متبرجات يلبسن ثيابًا رقيقة قصيرة. 6 ـ انتشار الجرائم الأخلاقية مثل الزنا، فإن كثرة المخالطة مع وجود عوامل الفتنة تؤدي إلى ارتكاب الفاحشة. 7 ـ فساد الأخلاق عند الطرفين. ب ـ مشكلات أكاديمية: 1 ـ عدم الحرية في النقاش أثناء المحاضرات، وهذا يظهر في عدم رغبة الطلاب والطالبات بالمشاركة في الدرس خيفة أن يخطئ أحدهم فيخرج أمام الجنس الآخر، فتشوه صورته أمام من يَوَدّ كسب رضاه من الجنس الآخر. 2 ـ تعاطف المدرسين مع الطالبات وذلك على حساب الطلاب. 3 ـ التغيب عن المحاضرات وعدم الالتزام بحضورها بسبب انشغال كل جنس مع الآخر. 4 ـ صعوبة ممارسة النشاطات الجادة والفاعلة وخاصة التي تمارس في ساحات الجامعة. 5 ـ تحويل الجامعة عن الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها. 6 ـ فيه قتل للوقت لكثرة التفكير بالجنس الآخر. 6 ـ ضعف التحصيل العلمي. ج ـ مشكلات اقتصادية: 1 ـ محاولة إظهار كل من الجنسين كرمه وسخاءه أمام الجنس الآخر، وبذلك يتحمل

وأخيرا ... هل سيحذون حذوهم

كل منهما مسؤوليات مادية كثيرة قد تضطره لإرهاق نفسه بالديون، أو اللجوء إلى تصرفات غير مرغوب بها لتحصيل المال. 2 ـ المبالغة في النفقات على اللباس والمظهر الخارجي من قبل الجنسين وخاصة الطالبات. د ـ مشكلات اجتماعية: 1 ـ التقليل من قدر المرأة في المجتمع حيث تصبح عارضة أزياء تلفت الأنظار، فتعتبر نفسها كسلعة قابلة للعرض. 2 ـ له آثار سلبية في الحياة الأسرية للطلاب والطالبات المتزوجين، فقد يكون سببًا في دمار هذه الأسرة وتشتيت شملها بسبب تعرف الشاب على فتاة أخرى غير متزوجة مثلًا! 3 ـ عزوف الشباب عن الزواج والاكتفاء بالعلاقات غير المشروعة. وهذه المشكلات هي جزء من معاناة الشباب، والضغوطات التي يسببها الاختلاط لهم والمآسي التي تترتب على ذلك. هـ ـ مشكلات نفسية: 1 ـ القلق والاضطراب والخوف من الجنس الآخر نتيجة ما يرى من ممارسات خاطئة. 2 ـ الصراع الداخلي في نفس الشاب. وأخيرًا ... هل سيحذون حذوهم (¬1): هؤلاء الذين يرون في الغرب مثلًا يحتذى، أما علموا آخر تطورات التعليم المختلط في الغرب في القرن العشرين، وبالذات في أمريكا أمّ الحضارة الحديثة؟! أما سمعوا ما ¬

(¬1) انظر: الاختلاط وأثره في التعليم للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان. أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي، على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية، إعداد: فاطمة محمد رجا مناصره، مؤسسة نور الاسلام www.islamlight.net.

فعلت أمريكا وتفعل في الاختلاط الجامعي؟ لقد وردت إحصائية في الموسوعة الجغرافية عام 1977م عن الجامعات والكليات الأمريكية غير المختلطة، حيث أكدت الموسوعة أن في أمريكا (106) جامعة وكلية غير مختلطة، منها (79) جامعة وكلية للبنات فقط و (27) كلية وجامعة للذكور فقط (¬1). وقد طالب (الإخوان المسلمون) الحكومة في مصر بمنع الاختلاط في المدارس حيث تقدم نائب الجماعة الأستاذ علي لبن بسؤال دعا فيه رئيس الحكومة المصرية السابق الدكتور عاطف عبيد بالاقتداء بالرئيس الأمريكي في قراره منع الاختلاط بين الجنسين في المدارس، وطالب بتطبيق هذا النظام داخل المدارس المصرية. وقال النائب في سؤاله الى عبيد بوصفه رئيس المجلس الأعلى للتعليم، إنه «من الأدعى تطبيق هذا النظام في مصر قبل أن تكون أمريكا سباقة اليه». وكان الرئيس الأمريكي بوش قد أصدر امرًا بتشجيع العودة الى نظام عدم الاختلاط بين الجنسين في المدارس لمساعدة التلاميذ على الانكباب على الدراسة لتحقيق نتائج أفضل (¬2). وصدق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش على مشروع قرار يقضي بمنع الاختلاط في المدارس العامة، وتشجيعًا لهذا القرار الذي يقضي على وضع قائم منذ ثلاثين عامًا، قرر إعطاء معونة مادية أكبر للمدارس التي تلتزم بتنفيذ هذا القرار وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي لم يوافق على هذا القرار إلا بعد أن قدمت له دراسات علمية وعملية تربوية شاملة تبين صحة قراره. ¬

(¬1) انظر: إليك أيتها الفتاة المسلمة (ص20 - 23). (¬2) صحيفة الشرق الأوسط السعودية، السبت 28 رجب 1423 هـ، 5 اكتوبر 2002، العدد 8712.

وتقول الخبيرة التربوية (كريس مايكل): «لغة الأرقام تشير إلى أن (12) ولاية أمريكية تتبنى سياسة الفصل بين الطلاب والطالبات، والعدد مرشح للزيادة بعد أن اكتوى الأمريكيون بنيران التعليم المختلط» (¬1). واعترف عدد من الدول الأوربية بفشل سياسة التعليم المختلط، صرح «كينش بيكر» وزير التعليم البريطاني، أن بلاده بصدد إعادة النظر في التعليم المختلط بعد أن ثبت فشله، وقال أحد أعضاء لجنة التعليم بالبرلمان الألماني (البوندستاج) إنه يجب العودة بالأخذ بنظام التعليم المنفصل ـ الجنس الواحد ـ. ويقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة: «لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة؟»، فأجابته: «قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية» (¬2). بعد هذا نسأل دُعاة الاختلاط في التعليم ومروّجيه: ما هي مبرراتكم؟ وهل تناست أمريكا والدول الأوربية أو تجاهلت الضرورات القومية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية حين سلكت هذا السبيل؟ إن الدعوة إلى الاختلاط بين الجنسين ما هي إلا رغبة جامحة في إفساد هذا الجيل. قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} (النساء: 27). ¬

(¬1) انظر: موقع لها أون، لاين تقرير كتبته سحر الأمير ونوال المجاهد بعنوان: (التعليم المختلط). (¬2) انظر: مكانك تحمدي، محمد أحمد جمال (ص 89 ـ 90).

عدم الاختلاط ليس سببا لتخلف المرأة

عدم الاختلاط ليس سببًا لتخلف المرأة: هذا كاتب أمريكي مشهور اسمه هنري ماكود يكتب مقالة يقول فيها: «على حائط مكتبي صورتان: الأولى: صورة امرأة مسلمة تلبس البرقع، وبجانبها صورة متسابقة جمال أمريكية لا تلبس شيئًا سوى ما يستر العورة المغلظة. ثم بدأ يتحدث عن الصورتين ـ حتى لا نشك في أنه مسلم أو أنه تأثر وتسمم فكره بما عند المسلمين من هذه الأفكار ـ يقول: «لست خبيرًا في شئون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيرًا، مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع هنا، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها البرقع لي. يقول: «بالنسبة لي يمثل البرقع تكريس المرأة نفسها لزوجها وعائلتها، هم فقط يرونها، وذلك تأكيد لخصوصيتها. تركيز المرأة ذات الصورة مُنصَبٌّ على بيتها وعشها حيث يولد أطفالها وتتم تربيتهم، فهي الصانعة المحلية، هي الجذر الذي يبقي على الحياة، وروح العائلة، فهي تربي وتدرب أطفالها وتمد يد العون لزوجها، وتكون ملجًا له». إنه يرى في هذا بعضًا من وجوه الإيجابية في نظره، ويصرح بها، والعقلاء من أهل الإسلام يعرفون حقيقتها. يقول: «إن هذا يمثل خصوصية العائلة، يمثل رعاية الزوج، يمثل تربية الأبناء». ويزداد الأمر إيضاحًا عندما ينتقل إلى الصورة الأخرى من بنت بلده وبنات جنسه اللائي يراهن صباح مساء في واقعه. يقول عن الأخرى: «تختال عارية تقريبًا أمام الملايين على شاشات التلفاز، وهي ملك

للعامة، تسوّق جسمها إلى المزايد الأعلى سعرًا، وتبيع نفسها في المزاد العلني كل يوم. في أمريكا المقياس الثقافي لقيمة المرأة هو جاذبيتها، هي تشغل نفسها وتهلك بظهورها، تتعلم لتكون محبوبةً إذا مارست الجنس، تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وخربت الحضارة الغربية». ويقول مراسل إحدى الصحف الأمريكية: «إن لغزَ الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غيرُ مطروحٍ للتساؤل هنا في السعودية، إن الحجابَ لم يقف حائلًا أمام تطور المرأة، فالسعودياتُ مؤهلاتٌ للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعودياتِ المتعلمات، يدافِعْنَ عن الحجاب كمنظومةٍ تَحْكُمُ علاقةَ المرأة بالرجل في إطار واسع، وإن النساء العاملات في السعودية يشعرن بأمان حقيقي بعيدًا عن المضايقات أو الأخلاق السيئة، ويؤكد: أن الحجاب والبعد عن الاختلاط كانا سببين لتميز الأداء الذي لا تخطئه العين». ثم يقول: «وبالرغم من انفصال التعليم بين الطلاب والطالبات فإن تعليم البنات يخرج آلاف الطالبات الحاصلات على شهادات جامعية، بل إن بعض النساء يدرن أعمالهن الخاصة بأنفسهن». وينقل عن إحدى السيدات من الطبقة الثرية قولها: «إن الحجاب نعمة عظيمة، والمرأة هنا تحظى بمعاملة راقية لا تحظى بها امرأة أخرى، لا تقود السيارة، لكن هناك من يقوم بخدمتها دائمًا، نحن أميرات في بيوتنا، وأزواجُنا يبذِلون جهدًا رائعًا لإسعادنا». كما ينقل كلمة لإحدى السيدات السعوديات قائلة: «لو سألتني: هل أريد الحرية الغربية؟ فإن إجابتي ستكون بثلاث كلمات: لا، ثم لا، ثم لا، إن الدين هو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مفلسًا في دِينه فإنه يفقد الضابط الذي يحرك مساره». ثم في تحقيقه يسأل امرأة أمريكية عاشت في السعودية عقدًا طويلًا من الزمان،

ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب

فتقول له: «إن النظرة الغربية والتأثير السلبي الذي يحيط بحجاب المرأة المسلمة غير صحيح، أعتقد أن المرأة هنا تأخذ دورها الطبيعي، ودون ضجة أو تغييرات حادة شبيهة بتلك التي تحدث في الدول الغربية وأمريكا». ثم يقول الكاتب بعد خلاصة تحقيقه: «النساء هنا يشعرن أن النظام الأخلاقي الإسلامي يحفظ للمرأة كرامتها من التعرض للمشاهد التي تخدش الحياء». ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب: يقول الدكتور ياسر برهامي: «كان أخي الحبيب الشيخ كمال عاشور في الدفعة الأولى لـ (معهد الفرقان لإعداد الدعاة) الذي أسسَتْهُ (الدعوة السلفية) عام 86، والذي أغلق عام 94، وكان دائمًا يوصلني بسيارته إلى الدرس الأسبوعي بمنطقة الدخيلة. وذات مرة سألني عن ابنته، أو بالأحرى ربيبته التي نجحت في الإعدادية بتفوق، وما الأمثل لها؟ استكمال الدراسة أم التفرغ لطلب العلم الشرعي؟ خصوصًا أن المشاكل كانت قد بدأت في ذلك التوقيت في التعامل مع الأخوات المنتقبات في المدارس. فقلت له: «إني أفضل للأخوات الملتزمات عدم استكمال الدراسة لما في المدارس والجامعات من اختلاط يفقد المرأة حياءها في الأغلب، فأنا أختار لها ـ إن هي وافقت ـ البقاءَ بالمنزل». وأنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكني أرى الثمرة ضعيفة جدًا، والثمنَ باهظًا، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم بدلًا من علوم أكثرها لا ينفع، وإنما يتعلّمْنَ لأجل الشهادات التي يحتجنها لا للعمل، بل للزواج نتيجة للأعراف الاجتماعية، ونسبة ضئيلة هي التي تستطيع أن تخدم المجتمع بضوابط شرعية، وهي موجودة ـ بحمد الله ـ كالطبيبة المسلمة، والمعلمة المسلمة. ثم نسيت هذا الموضوع حوالي السنتين كان لي خلالها تجربة غير ناجحة في الزواج

انتهت بالانفصال قبل الدخول. وبدأتُ أبحثُ من جديد فتذكرت النصيحة التي نصحت بها أخي (كمال) في شأن ربيبته، فسألته عنها وماذا صنعت؟ فأخبرني أنها عملت بالنصيحة بالفعل وتركت الدراسة. فقلت في نفسي: «هل أنصحها أنا بعدم استكمال الدراسة، ثم أبحث عن حاصلة على شهادة؟!». وكنت متخوفًا من المستوى التحصيلي، وبالتالي حصول التفاهم بيننا، فطلبت من (الشيخ كمال) أن يطلب منها قراءة كتاب (منة الرحمن)، وعمل ملخص له من الذاكرة بعد قراءته، وفوجئت بمستوى رائع لم أكن أتوقعه، وظننت أنه منقول من الكتاب، ولكن تأكدت مشافهة من ذلك أنه من الذاكرة، فاطمأننت تمامًا، وتوكلت على الله. وتقدمت وعلمت أنها خاضت معركة ـ مع عمها وخالها ـ من أجل النقاب، ثم من أجل الدراسة، حيث أنها نشأت يتيمة، وتزوج (الشيخ كمال) والدتها ـ وهي بنت عمه ـ من أجل تربيتها، وقد أحسن تربيتها ـ جزاه الله خيرًا ـ، لكن كان لعمها وخالها اعتراض على النقاب، ثم على ترك الدراسة، وقالوا لها: «من سيتزوج فتاة بالإعدادية؟». فلما تقدمتُ لها كان أمرًا غريبًا عليهم حتى حاول البعض عرقلة الزواج، لكنه تم ـ بفضل الله تعالى ـ. وتأكدت أكثر أن الشهادات لا أثر لها في المستوى التحصيلي والعلمي، ولا في التفاهم، فهذه الأمور هبة من الله ـ تعالى ـ يَمُنّ بها على من يشاء من عباده، والحمد لله على نعمته» (¬1). ¬

(¬1) الجزء الأول من حوار موقع الجماعة الإسلامية مع الشيخ ياسر برهامي. حاوره وقدم له د. ناجح إبراهيم.

واقع الاختلاط في التعليم

واقع الاختلاط في التعليم (¬1) الاختلاط في التعليم الابتدائي: كان النظام الغالب والسائد في التعليم الابتدائي ما قبل ثورة يوليو حتى نهاية الخمسينات تقريبًا هو استقلال المدارس الخاصة بالبنات، والمدارس الخاصة بالبنين، وكان تعيين المدرسين في المرحلة الابتدائية أكثره في مدارس البنين، وكان تعيين المدرسات أكثره في مدارس البنات، وكانت المدارس المختلطة أكثر ما تكون في الريف لقلة المدارس وقلة التلاميذ ثم شاع الاختلاط في عهد الثورة وزحف ـ على تفاوت ـ إلى كل المراحل وأصبح الاختلاط في المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص هو الشائع والمعروف، وقد ترتب على هذا الاختلاط آثار لا أجد فيها أثرا واحد جديرا بأن يجعلنا نتمسك به أو ندعو إليه. فمن المسلم به أن الإنسان يتأثر بمن حوله، وأن النشء يحاول أن يتخذ لنفسه قدوة يقلدها ويتأثر سلوكها، وعندما نتطلع إلى تنشئة أجيال من الرجال فإنه من الخير أن يكون النموذج الذي أمام الطفل مدرسا لا مدرسة. إن عوامل كثيرة تكاتفت لتخرج لنا جيلا من الشباب يعوزه الكثير من الرجولة والخشونة. إن جيلا من الشباب الذي يسير في ميوعة وهو يمضغ العلك أو (اللبان)، ويتدلى من صدره سلسلة .. ومن حزامه (ميدالية) .. هذه الصورة الشائهة لشبابنا كان من ¬

(¬1) بتصرف من (اختلاط الجنسين في مدارسنا)، لعثمان بن محمد عثمان، والكاتب مصريٌّ ذكر في مقدمة رسالته أنه أمضى في التدريس ما يقرب من ربع قرن، تنقّل خلالها في مراحل التعليم الإعدادي والثانوي، وبكل أنواعه سواء في التعليم العام أو الزراعي والصناعي، والتجاري، وتنقل خلالها في الوجهين البحري والقبلي. شبكة نور الإسلام www.islamlight.net.

مدرس التربية الرياضية

أسبابها فقدان المثل في السن المبكرة .. في أخطر مرحلة من مراحل التشكيل. وقل مثل ذلك في الطفلة: نحن في حاجة إلى أن نضع في هذه السن المبكرة للبنت مدَرِّسة لا مدرسًا، ولسنا في حاجة إلى أن نقرر أن أكثر فترة يقضيها التلميذ في السن المبكرة ما بين السادسة والثانية عشرة هي أطول فترة وأخطرها معًا، وأنا أخص بالذكر المرحلة الابتدائية لسببين: السبب الأول: أن هذه المرحلة نجد فيها الطفل أو الطفلة أشبه ما تكون بالعجينة الغضة التي يسهل تشكيلها والتأثير فيها، وبث ما يراد من قيم في نفوسهم. السبب الثاني: أن الطفل في المرحلة الابتدائية يلازم مدرسين قلائل أطول فترة ممكنة، هذا إذا علمنا أن هناك مدرسين أو مدرسات في المرحلة الابتدائية يلازمون الفصل الواحد من الصف الأول أو الثاني حتى الصف الخامس أو السادس، بل ربما يسند للمدرس أو المدرسة أن تدرس للتلاميذ كل المواد أو معظمها، وتظل التلميذة أو التلميذ يتابع مدرسه عن قرب، يتابع حديثه يتابع حركته، ويتابع أسلوبه في التفكير والمناقشة، في الغضب والرضا، ويخرج الطالب أو الطالبة ـ كارهة أو راضية ـ وعليها أو عليه بصمات واضحة من شخصية مدرسه أو مدَرِّسته وبقدر ما تكون المعايشة التي قد تمتد سنوات مع مدرس أو مدرسة واحدة يكون الأثر بكل سلبياته وإيجابياته. مدرس التربية الرياضية: ويزداد الأمر سوءًا عندما يقف مدرس التربية الرياضية يدرب التلاميذ والتلميذات في المدرسة الابتدائية المشتركة وفي فناء ضيق تكاد مساحته في بعض المدارس تقترب من مساحة حمام السباحة الصغير!

جيل التليفزيون

فإذا رغبت إدارة المدرسة أو طلب إليها أن تشترك في تقديم عرض رياضي في حفل تقيمه المدرسة أو حفل تقدمه في مدرسة أخرى على مستوى المنطقة فإن على المدرس أن يدرب التلاميذ والتلميذات فترات طويلة، وهو يحاول بالطبع أن يدرب المشتركين والمشتركات عن قُرب، وقد يستلزم الأمر أن يساعد التلميذ أو التلميذة عن قرب لضبط الحركة الرياضية أو الإيقاع الحركي وبدلا من أن نبث روح الحياء في الأنثى في هذه السن فإننا بذلك نخلع عنها وبدون أن ندري قناع الحياء وكنا في غنى عن ذلك لو كان المدرب امرأة في مدرسة لا تضم إلا البنات. إن الإسلام يحرص الحرص كله على أن يظل الحياء قائمًا في النفوس، عامرة به القلوب فإذا خلع قناع الحياء فَقُلْ على الخير والفضيلة السلام. إن الأجيال حين تفقد حياءها تنطلق ألسنتُها بالفحش والسوء فأينما ذهبْتَ قذفتْكَ لفظةٌ نابية أو جرحَتْ أذنَك كلمةٌ فاحشة، والأجيال حين تفقد حياءها تنطلق أيديها وأرجلها تنزو وتعبث وتحطم وتسرق، وتعتدي وتكذب فإذا كبرت هذه الأجيال كان منها المزور والمختلس والمستغل والمحتكر، والمضيع لكل أمانة. جيل التليفزيون: عندما غزا التلفزيون ـ بما يبثه من مشاهد الغرام وأحاديث الجنس ـ كل البيوت، تفتحت العيون الصغيرة على أشياء لم تكن تعرفها في سنها المبكرة، وأصبحت الآية الكريمة التي تبيح للمرأة أن تظهر زينتها لطوائف محدودة من الرجال كالأزواج والآباء والأطفال الذين لم يدركوا بعد مواطن الزينة في النساء قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ

دورات المياه المختلطة والحياء المراق!!

مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) (النور: 58). وأصبحت هذه العبارة القرآنية التي تشمل قطاعًا من الأطفال يجهلون نوازع الشهوة ومشاعر الجنس، أصبحت هذه العبارة في عصر التلفزيون تشمل قطاعًا من الأطفال أضيق من كل القطاعات التي سبقت جيل التلفزيون! ولم يصبح الأمر مستغربًا عندما يقع بصرك اليوم على تلميذ في الصف الخامس أو السادس الابتدائي يغازل تلميذة في سنه، أو يعلق تعليقًا خبيثًا على سيدة تلبس ثوبا شفافًا أو قصيرًا!! دورات المياه المختلطة والحياء المراق!! في مدراسنا الابتدائية المشتركة قلما تجد دورتين منفصلتين، دورة للمياه وقضاء الحاجة خاصة للبنين وأخرى خاصة للبنات، فالشائع والكثير هو دورات المياه المشتركة ويبدو الأمر بشعًا عندما تدخل مدرسة من المدارس تعدادها يصل إلى 1300 تلميذ وتلميذة وتجد ثماني دورات لقضاء الحاجة أربع عن يمينك وأربع عن يسارك في مواجهة البعض والأبواب لا يحكم إغلاقها، وبعض الأبواب يحتاج إلى ترميم وستر (¬1)!! ويمكنك أن تتصور منظر البنين والبنات في هذا الزحام خاصة أثناء فسحة قصيرة لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة. ¬

(¬1) أضف إلى الصورة منظر هذه الأماكن التي استوردنا تصميمها من بلاد لا تعرف الحرمات ولا تعرف الحياء الرفيع والتي صممت ليقضي الرجال فيها حاجاتهم واقفين ومتجاورين.

مدرسة في مدرسة إعدادية للبنين!!

رافقني ناظر مدرسة في جولة بمدرسته، وشكا إليَّ بشعور الأب المغلوب على أمره كيف أن عدد الدورات المشتركة المخصصة للتلاميذ والتلميذات خمس فقط، وقال: «إن عدد التلاميذ بالمدرسة 1000، أي أن كل مائتين من التلاميذ والتلميذات لهم دورة (مرحاض) واحدة، ترى كيف يتناوب التلاميذ ومعظمهم يتردد عليها وقت الفسحة في زحام يشبه يوم الحشر؟!». مُدَرّسة في مدرسة إعدادية للبنين!! وجريًا مع رياح التطور العاصفة والغريبة على ديننا وتقاليدنا زحفت المدرسة إلى طلبة المرحلة الإعدادية للبنين ويمكنك أن تتصور معي ـ أيها القارئ والقارئة ـ منظر المدرسة وهي تجلس في إحدى الحجرات حجرة الناظرة أو حجرة المدرسات أو المدرسين إن وجدت!! منظر المدرسة وقد وضعت ساقا فوق ساق .. أو جلست جلسة مسترخية لحظات بعد أن قامت بشرح الدرس أو منظر المدرسة وقد وقف بجانبها عن قرب ـ وهي شابة من الخريجات الحديثات ـ تلميذ يتابع ملاحظاتها الدقيقة في كرّاسته أو منظر هذه المدرسة وهي تلبس ثوبًا قصيرًا وقد أعطت التلاميذ ظهرها ورفعت يدها إلى أعلى لتكتب على السبورة أو تشرح!! وغَنِيٌّ عن التعليق أن نقول: إن تلميذًا في هذه السن التي تتفتح فيها مشاعر الجنس لا يمكن أن يتابع درسًا تشرحه مدرسة قد تتحول في خياله المراهق إلى حسناء تغذي خياله وتؤجج مكنون رغباته!!. ومُدرّسة في مَدْرَسة ثانوية للبنين: في إحدى المدارس الثانوية المرموقة كانت هذه التجربة الرائدة!

المدرسة الطعمة!!!

مُدَرِّسة تدرس مادة ما .. استُقْدِمَتْ للمدرسة .. المدرسة محتشدة بطلاب معظمهم قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره وبعضهم قد يبلغ العشرين، ولن أنقل لك الصورة حين تقف المدرسة الشابة لتشرح، إنما حسبك أن تعلم أن المدرسين الرجال يعانون أشد المعاناة من كبح جماح التلاميذ في هذه السن في مدارس البنين، ولا يستطيعون أحيانًا كثيرة أن يحُولُوا بين التلاميذ وتعليقاتهم الوقحة أثناء الحصة، ونكاتهم البذيئة وسخافاتهم المتكررة فماذا تستطيع أن تفعله المدرسة أيها السادة المتطورون؟! ولا أعلم ضرورة تربوية ولا تعليمية واحدة تقنعني بانتداب هذه المُدَرِّسَة في هذه المادة، فمدرسو هذه المادة على وجه الخصوص بمدارس البنين كثيرون ويمكن ـ إن كان هناك عجز ـ أن يندب أو ينقل لمدير المدرسة من شاء منهم، ولكن إدارة المدرسة فيما يبدو قد أصابها شيء من الزهد في المدرسين الذكور وراحت تختار ـ لسبب تربوي لا أدريه ـ هذه المدرسة على وجه الخصوص!. المُدرّسة الطِعِمَة!!! هذه الحكاية الدامية الخجلى! يرويها لي زميل ثقة ومدرس صديق، وأقدمها هدية للموجهين الأوائل ولغيرهم من المسؤولين، للمتطورين الثائرين على دعاة التخلف والرجعية من أمثالي!! مدرسة تمارس مهنتها في مدرسة ثانوية للبنات، وطاب للموجه الأول من مادتها أن تنتقل للتدريس في مدرسة صناعية للبنين! وذهبَتْ المُدَرِّسَة ـ وهي فتاة في حوالي الخامسة والعشرين ـ دخلت الفصول

ومدرسة للتاريخ الطبيعي (علم الأحياء) في مدرسة للبنين

لتدَرِّس، عانت المسكينة معاناة شديدة من مواجهة الطلاب وتعليقاتهم وذهبت إلى ناظر المدرسة تشكو له متاعبها باعتباره رجلًا مسؤولًا وفي سن والدها وسألها بشيء من التفصيل عن نوع هذه المتاعب قالت: «إن تلميذًا يقولُ لي: «إنت طِعْمَة أوِي» (¬1)، ماذا قال الناظر الأب؟! قال في نهم وإعجاب: «ما هو إنت طِعْمَة صحيح!»، ولم تجد الفتاة المسكينة ـ وقد اعتصرتها حمرة الخجل ـ إلا أن تَفِرَّ إلى مدرسة البنات لتَبُثَّ إلى الناظرة والمدرسات شكواها. وكانت فيما حَكَتْهُ من تصوير شعورها وهي تواجه نظرات الطلاب البالغة في الوقاحة: أنها كانت تحس ـ من فرط الحياء ـ أنها عارية! وأسأل السادة أدعياء التطور: ما الكسب الضخم الذي نجنيه بهذه الانتدابات أو التعيينات العشوائية عندما نرسل بهذه النخبة من المدرسات إلى مدارس البنين؟ ومُدرّسة للتاريخ الطبيعي (علم الأحياء) في مدرسة للبنين: ويبدو الأمر شديد الإحراج عندما نبعث بمدرسة التاريخ الطبيعي إلى مدرسة ثانوية للبنين وتجد نفسها أمام باب من أبواب المقرر في الصف الثاني الثانوي اسمه (التكاثر في الكائنات الحية)، وإذا كان المدرس الرجل الذي يشرح للشباب من الذكور باب الجهاز التناسلي في الثدييات يواجه عواصف من التعليق والغمز فكيف يمكن ـ باسم المساواة بين الجنسين وبدعوى المدنية والتطوير ـ كيف يمكن لمُدَرِّسة بها بقية حياء أن تواجه شبابًا في هذه السن الحرجة لتشرح لهم أية مادة فضلًا عن أن تشرح لهم مثل هذا الباب المقرر في الأحياء. ¬

(¬1) أي جميلة جدًا، بالعامية المصرية.

الطبيب المهذب!!

وبغير ما عناء كبير يمكننا أنت نتصور مدى الحرج والخجل الذي يشعر به كل من التلميذة والأستاذ عندما يشرح للتلميذات مُدَرِّس لا مُدَرِّسَة هذا الباب المقرر في التاريخ الطبيعي أو علم الأحياء. الطبيب المهذب!! لا أزال أذكر ذلك الطبيب الذي بعثت به الوحدة الطبية ليجري كشفًا باطنيًّا على الطالبات في مدرسة من مدارس التعليم الفني الثانوي للبنات. وأذكر ـ برغم مضي ما يقرب من عشرين عاما ـ كيف شكت بعض البنات بأن الطبيب الذي يكشف عليهن يتعمد دائمًا أن يمد الكشف إلى صدورهن بغير حاجة تستلزم هذا الإجراء المكشوف!! ويبدو أن هذا الطبيب قد بدرت منه عدة سفاهات حين كان يتردد أحيانًا ليلقي بعض المحاضرات في التمريض والإسعاف، وحول إلى الاستجواب والتحقيق. ومنذ عشرين عامًا كان هناك مبرر ـ ونسبة خريجات الطب يومذاك قليلة ـ حين كان يذهب طبيب لإجراء كشف طبي في مدرسة للبنات أما اليوم وقد زادت نسبة الخريجات من الطبيبات تُرى ما يمنع أن يقمن بالكشف الطبي على الإناث، ويتوجه الأطباء الذكور للكشف على الطلاب في مدارس البنين؟ الضرورات تبيح المحظورات، ولكن!!! هناك قاعدة أصولية تعلمها المسلمون من دينهم، هذه القاعدة تقول: «الضرورات تبيح المحظورات»، وهو أمر يصدق تمامًا في حالات العلاج التي تحتم أحيانًا على الطبيب المتخصص أن يقوم بعلاج دقيق للمرضى، أيًّا كان

جنسهم ذكورًا أو إناثًا، ولكنني لا أفهم موضعًا للضرورة حين تتوجه طبيبة إلى مدرسة ثانوية للبنين! وتبدو المسألة محرجة تمامًا حين يسند إلى الطبيبة الأنثى مهمة الكشف الشامل على الطلاب في مدارس البنين، ويسند ـ بلا ضرورة أو مبرر ـ مهمة الكشف الطبي الشامل، إلى طبيب شاب في مدارس للبنات.

هل هناك حل لمشكلة الاختلاط في التعليم؟

هل هناك حل لمشكلة الاختلاط في التعليم؟ (¬1) بشيء من التنسيق نستطيع أن نصنع الكثير، أما في المرحلة الابتدائية فإنه باستطاعتنا ـ لو صدق العزم وخلصت النية لله ـ أن نعود إلى نظام لنا سابق (نظام المدرسة الابتدائية للبنين، والمدرسة الابتدائية للبنات) وأنه لَمِنَ اليسير جدًا أن تقوم المناطق التعليمية بحصر المدارس والفصول وعد التلاميذ والتلميذات ثم تقوم بتوزيع التلاميذ على مدارس تُخَصَّص للبنين، وتوزيع التلميذات على مدارس تُخَصَّص للبنات، ويُصنَع مثلُ ذلك مع المدرسين والمدرسات وقد لا نستطيع أن ننفذ هذا الأمر تمام التنفيذ، ولكننا نستطيع بالقطع أن نُضَيِّق كثيرًا من دائرة هذا الاختلاط المشين. أما في المرحلة الإعدادية والثانوية فالأمر ممكن تمامًا ـ باستثناء بعض المدارس بالريف ـ إذ لا معنَى لإرسال مُدَرِّسة إلى مَدْرَسة من مدارس البنين وهناك مدرسون تزحم بهم مدارس البنات. ولا أظن أن هناك سببًا جوهريًّا واحدًا يدفع الموجهين الأوائل لهذا التوزيع إلا أن يكون استجابة مضحكة لدعوى التطوير والتمدن، أو تقليدًا جديدًا لا يخدم علمًا ولا يرضاه دين. ¬

(¬1) بتصرف من (اختلاط الجنسين في مدارسنا)، لعثمان بن محمد عثمان، شبكة نور الإسلام www.islamlight.net.

فتاوى متعلقة بالاختلاط في التعليم

فتاوى متعلقة بالاختلاط في التعليم س: صدرت منكم فتوى فيما يخص عمل المرأة في مكان الاختلاط، هل يحرم كذلك على الطالبة أي التي تدْرس في مدارس مختلطة؟ ج: مدار المنع من اختلاط النساء بالرجال هو خشية الفتنة، وأن يكون ذريعة إلى ارتكاب الفاحشة، وانتهاك الحرمات، وفساد المجتمع، وقد تكون هذه الأمور أشد تحققًا في اختلاطها في التعليم؛ فكان حرامًا (¬1). هل يجوز كشف وجه المرأة من أجل طلب العلم؟ س: سمعت ذات مرة من التلفاز أنه يجوز للفتاة أو المرأة الكشف عن وجهها في سبيل طلب العلم ... فدلني على الصواب لأتبعه. ج: لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب، إلا إذا دعت لذلك ضرورة، كالطبيب المعالج ـ إذا عدمت الطبيبة ـ وبشرط عدم الخلوة، والخاطب للزواج، والشهادة أمام القضاء، ويقتصر فيما سبق على موضع الضرورة دون ما عداه. وحجاب المرأة ونقابها ليس عائقًا أمام طلب العلم للمرأة، ولا يصح أن تُجعل منافرة ومضادة بين الستر والعلم، ولا بارك الله في علم لا يأتي إلا بمعصية وتهتك للمرأة، وها هي المرأة المتحجبة والمتسترة قد بلغت أعلى المنازل في العلم ونيل ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 169).

تعليم الرجال للنساء بلا حجاب

الشهادات دون أن تختلط بالرجال أو أن تكشف عن وجهها، وها نحن نرى كثيرًا من الفاشلات في العلم لا يضعن على أجسادهن إلا القليل من الملابس، فمتى كان التهتك يأتي بالعلم والحجاب يمنع منه؟!. وخمار الوجه فرض على النساء المسلمات البالغات، فالقول بجواز كشف المرأة وجهها من أجل طلب العلم غير صحيح (¬1). تعليم الرجال للنساء بلا حجاب: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتين: رئيس وأعضاء الجمعية الشرعية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت. والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (1202)، وتاريخ 11/ 3 / 1416 هـ، وقد سأل المستفتون سؤالًا هذا نصه: «هل يجوز أن يعلم الأستاذ الطالبات، وليس بينه وبينهن حجاب، بل يرونه، ويراهن، وإن كان لا يرى وجوه أكثرهن في الغالب؛ لأنهن مختمرات؟. وهل يجوز أن تحضر عنده إلى المكتب ويخاطبها بلا حجاب، ولكنه لا يرى الوجه غالبًا؟ وتجلس في مكتبه على الكرسي وتتبادل معه الحديث في شؤون الدراسة وغيرها، وليس معها محرم أو معها زميلة لها، ويشرح لهن الدرس أو يجيب على أسئلتهن المتعلقة بالمحاضرات أو غيرها؟ مع العلم أن ذلك يمكن أن ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، سؤال رقم 46921.

يتم بواسطة الهاتف، وأن بعض الأساتذة لا زالوا في عمر الشباب أو دخلوا في أول الكهولة، والطالبات شابات صغيرات في الغالب». ج: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: أولًا: الاختلاط بين الرجال والنساء في المدارس أو غيرها من المنكرات العظيمة، والمفاسد الكبيرة في الدين والدنيا، فلا يجوز للمرأة أن تدرس أو تعمل في مكان مختلط بالرجال والنساء، ولا يجوز لوليها أن يأذن لها بذلك. ثانيًا: لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة، ولا يجوز أن يعلمها خاليًا بها، ولو كانت بحجاب شرعي، والمرأة عند الرجل الأجنبي منها كلها عورة، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل. ثالثًا: لا حرج في تعليم الرجل المرأة من وراء حجاب في مدارس خاصة بالنساء، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات، ولا المعلم والمتعلمات. وإن احتجن للتفاهم معه؛ فيكون عبر شبكات الاتصال المغلقة، وهي معروفة ومتيسرة، أو عبر الهاتف، لكن يجب أن يحذر الطالبات من الخضوع بالقول بتحسين الكلام وتليينه (¬1). س: عندنا هنا من الشركس المسلمين وغيرهم، وعندهم من البدع الشيء الكثير، والحمد لله أن يسر لنا الله تخصيص يوم لتدريسهن أمور الدين؛ فهل يجوز تدريس الفتيات، ولا سيما البالغات منهن، وما الشروط؟ ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 155 - 157).

عمل الرجل في التدريس للبنات

ج: لا يجوز للرجل أن يعلم المرأة وهي ليست متحجبة، ولا يجوز أن يعلمها خاليًا بها، ولو كانت بحجاب شرعي، والمرأة عند الرجل الأجنبي منها كلها عورة، أما ستر الرأس وإظهار الوجه فليس بحجاب كامل. لكن لا حرج في تعليم المرأة من وراء حجاب، في مدارس خاصة بالنساء، لا اختلاط فيها بين الطلاب والطالبات، ولا المعلم والمتعلمات (¬1). عمل الرجل في التدريس للبنات: س: ما حكم الإسلام في عمل المدرس في مدرسة بنات ثانوية؟ ج: لا يجوز؛ لما فيه من التعرض للفتنة (¬2). س: أنا شاب ولقد أطلقْتُ لحيتي منذ ما يقرب من سنة وأحاول فعل الطاعات والبعد عن المنهيات قدر ما أستطيع , ولقد واجهت مشكلة صعوبة البحث عن عمل حتى وجدت عملا بالتدريس في مدرسة ثانوية للبنات وأريد أن أعلم هل يجوز لي الاستمرار في هذا العمل وما حكم المال الذي تكسَّبْتُه منه حتى الآن؟. ج: أولا: عمل الرجل في التدريس للبنات في المرحلة الثانوية، بحيث يلقاهن من غير حائل، وقد تبرج أكثرهن وكشفْنَ عن محاسنهن ـ كما هو الحال في بلد السائل ـ لا يستريب عاقل في الجزم بتحريمه، لما له من الآثار السيئة والمفاسد الواضحة على الرجل والمرأة. جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة 12/ 149): «لا يجوز للرجل تدريس البنات ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 157 - 159). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 151).

ضوابط التدريس في الجامعات المختلطة

مباشرة؛ لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة». ثانيًا: ما اكتسبته من مال في مقابل هذا العمل، لا حرج عليك في الانتفاع به، لأن هذا الراتب الذي أخذته هو في مقابل إلقاء الدروس (وهو عمل مباح في الأصل)، والتحريم عارض؛ لأجل الاختلاط، كما سبق. لكن يجب عليك المبادرة بترك هذا العمل، والبحث عن عمل آخر تسلم فيه من الوقوع في الحرام والفتنة (¬1). ضوابط التدريس في الجامعات المختلطة: س: لدي ماجستير في العلوم السياسية وأدرس بالجامعة هذه المادة، المشكلة أن جميع جامعات بلدي مختلطة حتى الجامعات التي تدرس العلوم الإسلامية ولكن بدرجة أقل، بل كل المؤسسات التعلمية مختلطة بدءًا بالمدارس الابتدائية، وانا ألقي الدرس وأنصرف مباشرة، هل عملي هذا حلال، وما مصير المال الذي جمعته من الراتب؟ ج: لا شك أن الاختلاط الحاصل اليوم في الجامعات والمدارس من مصائب الأمة التي عمَّتْ وطَمَّتْ، وله نتائجه السيئة على أخلاق وقيم المجتمع المسلم، وعلى كل غيور على دينه وأمته أن يسعى لتغيير هذا الواقع كلٌ حسب قدرته واستطاعته. ونحن نشكر للأخ الكريم غيرته هذه، ونسأل الله أن يوفقه ويثبته، أما حكم التدريس في مثل هذه الأماكن، فلا حرج فيه إذا التزم المدرس بالضوابط الشرعية، من غض البصر والاحتراز من الخلوة بأجنبية أو الحديث معها بلا حاجة، وما يأخذه مقابل هذا العمل كسب حلال إن شاء الله تعالى (¬2). ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 79549). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 43370).

الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة

الدراسة والتدريس في المدارس المختلطة: س: لي ابنة تركت الجامعة بحجة أن التعليم مختلط، ونريدها أن تدخل كلية خاصة بالبنات لدراسة الطب في نفس البلد الذي تقيم فيه، وأن تعود بعد نهاية الدرس بالسيارة مع أبيها أو أخيها في نفس الوقت إلى البيت، فرفضت بحجة أنه قد يكون من أعضاء هيئة التدريس رجال، وهذا دخول على النساء. أرجو إيضاح هذا، وهل تترك المسلمة الدراسة مثل دراسة الطب ـ وهو عمل إنساني ـ لغير المسلمات؛ بحجة القرار في البيت كما تقول، وهل تنقطع المسلمة عن أداء أي عمل ولا تشارك أسرتها بحجة قد يدخل رجل البيت ولا تزور قريبًا ولا بعيدًا ولا تشارك في الحياة ولا تصل رحمًا ولا تعزي ميتًا ولا تبارك زواجًا ولا ترى وليدًا بحجة أن الناس لا يتبعون التعاليم الإسلامية الصحيحة. هل الإسلام يحكم على المرأة أن تعيش على هامش الحياة؟ إن تزوجت من الذي يرعى أبناءها، من الذي يدبر بيتها، وإن كانت جاهلة من الذي يعلم أبناءها، من الذي ينير لهم الطريق الصحيح للعلم والمعرفة، وهي تقبع في غرفتها، ولا تخرج إلى بقية المنزل، ولا تعرف ما يحدث خارج بابها؟ أنا لا أريد لها أن ترتكب معصية بعد أن ربيتها عشرين عامًا على الإيمان والتقوى، ولكن أريد الحقيقة لي ولها، قد تكون على حق فاتبع أنا نفسي معها هذ الطريق، أو تكون على غير حق فأنير لها بإجابتك ما يجب أن تسلكه في حياتها، لكي تكون عضو ًا نافعًا لدينها وحياتها ومجتمعها. ج: لا يجوز للفتاة الدراسة المختلطة ولا في مدرسة غير مختلطة يتولى التدريس

فيها رجال؛ لما يفضي إليه ذلك من الفتنة والعواقب غير الحميدة (¬1). س: عندي مشكلة تسبب لي كثرة التفكير والحيرة. منذ شهرين تقريبًا استطعت اجتياز امتحانات التدريس بالثانوي، وأنا الآن في مدرسة تكوين الأساتذة تخصص إنجليزية. أدرس في قسم مختلط مؤلف من 15 طالب و 15 طالبة، وبعدها سيتم تعييني في إحدى الثانويات في بلادنا. هذه الثانويات بدورها مختلطة. ما يحيرني في الحقيقة أنني أعلم أن الاختلاط محرم، وأن الرجل مأمور بغض بصره، لكن أقول في نفسي إن بلادنا ليست كالبلاد الإسلامية الأخرى وأنه يجب على أهل الدين والاستقامة المزاحمة في هذه المناصب حتى يقطعوا الطريق على أهل البدع والمعاصي. الآن أنا لا أدري هل أنا مأجور على ما أفعل أم أن الشيطان يزين لي هذا الفعل ويوهمني أنني حريص على نشر الدعوة ونفع المسلمين وإرشادهم إلى العقيدة الصافية والمنهج السليم. أنا مقتنع بأنه لا يجوز تدريس الرجل الأجنبي للنساء بدون حائل لكن ألا يكون عملي ضروريًّا بحيث أن العلمانيين والصوفية وغيرهم يسيطرون على جُلّ المجالات في البلاد؟ ج: من الأمور التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر: انتشار الاختلاط في الجامعات والمستشفيات وأغلب المرافق العامة والوظائف الحكومية وقد سبق بيان تحريم الاختلاط والمفاسد المترتبة عليه في السؤال (1200)، وأن الواجب على المسلم اجتناب الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 149 - 150).

إلا أن البلاد التي ابتلي أهلها بوجود الاختلاط في غالب مجالات الحياة، خاصة مراكز التعليم، وأماكن العمل والوظائف، بحيث صار من المشقة الكبيرة على المسلم أن ينأى بنفسه عنها، يُرَخَّص لهم ما لا يرخص لغيرهم ممن حفظهم الله من هذه الأمور. وهذا الترخيص مبناه على القاعدة الفقهية التي تقول: «ما حرم سدًا للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة» قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَالشَّرِيعَةُ جَمِيعُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّحْرِيمِ إذَا عَارَضَتْهَا حَاجَةٌ رَاجِحَةٌ أُبِيحَ الْمُحَرَّمُ» (¬1). وقال: «مَا كَانَ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ إنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ فَلَا يُنْهَى عَنْهُ» (¬2). وقال ابن القيم: «ما حُرِّم سدًّا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة» (¬3). وقال الشيخ ابن عثيمين: «وما كان تحريمه تحريم وسيلة فإنه يجوز عند الحاجة» (¬4). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (29/ 49). (¬2) مجموع الفتاوى (23/ 214). (¬3) إعلام الموقعين (2/ 161). (¬4) منظومة أصول الفقه (ص 67).

يدرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات؟

والذي يظهر، والله أعلم، أن مثل هذه البلاد التي عم فيها البلاء يرخص فيها لأهلها من الدراسة والعمل مع وجود الاختلاط، ما لا يُرخص لغيرهم كما سبق، ولكن ذلك مشروط بعدد من الشروط، وهي: أولًا: أن يسعى بادئ الأمر للبحث عن مكان لا اختلاط فيه قدر استطاعته. ثانيًا: أن يلتزم بالأحكام الشرعية من غض البصر، وعدم التبسط في الكلام والمحادثة، فوق حاجة العمل أو الدراسة. سئل الشيخ ابن عثيمين عن شاب لم يجد إلا مدرسة مختلطة؟ فقال: «يجب عليك أن تتطلب مَدْرَسةً ليس هذا وضعها، فإن لم تجد مَدْرَسةً إلا بهذا الوضع وأنت محتاجٌ إلى الدراسة، فإنك تقرأ، تدْرس، وتحرص بقدر ما تستطيع على البعد عن الفاحشة والفتنة بحيث تغض بصرك وتحفظ لسانك ولا تتكلم مع النساء ولا تمر إليهن» (¬1). ثالثًا: إذا لاحظ الإنسان أن نفسه تنزلق إلى الحرام، وتفتتن بمن معه من النساء، فسلامة دينه مقدمة على كل المصالح الأخرى، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ، ويغنيه الله عز وجل من فضله (¬2). يدْرس في جامعة مختلطة فكيف يتعامل مع المدرسات والطالبات؟ س: أنا شاب ملتزم أدْرس في جامعة مختلطة، أرغب في إتقان تخصصي، وذلك يستلزم مني التفاعل في القاعة مما قد يفتح بيني وبين الطلاب قنوات اتصال، بالإضافة إلى أن هناك مدرسات يدرسوننا مواد مهمَّة جدًّا، فكيف أتعامل مع ¬

(¬1) فتاوى نور على الدرب (1/ 103)، (13/ 127 (. (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 79549).

الطالبات والمدرسات؟. ج: الدراسة والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات المختلطة: لا يجوز، ولم يعد خافيًا ما في هذه المؤسسات من مفاسد بسبب ذلك الاختلاط، عدا ما فيها من قلة التحصيل الدراسي أو انعدامه، وقد نادى العقلاء من الدول الكافرة بضرورة الفصل بين الجنسين في المؤسسات التعليمية بسبب ما رأوه من الضرر في الأخلاق، وضعف التحصيل العلمي، وقد أفتى العلماء الثقات بعدم جواز هذا الأمر. قال علماء اللجنة الدائمة: «اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة، ويتضاعف الإثم وتعظم الجريمة إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئًا من عوراتهن، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن، أو داعَبْنَ الطلاب أو الأساتذة ومزَحْنَ معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض» (¬1). سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «هل يجوز للرجل أن يدرس في جامعة يختلط فيها الرجال والنساء في قاعة واحدة علمًا بأن الطالب له دور في الدعوة إلى الله؟». فأجاب: «الذي أراه أنه لا يجوز للإنسان رجلًا كان أو امرأة أن يدرس بمدارس مختلطة؛ وذلك لما فيه من الخطر العظيم على عفته ونزاهته وأخلاقه، فإن الإنسان مهما كان من النزاهة والأخلاق والبراءة إذا كان إلى جانبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة ـ ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة ـ لا يكاد يسلم من الفتنة والشر، ¬

(¬1) فتاوى إسلامية (3/ 102، 103).

وكل ما أدى إلى الفتنة والشر: فإنه حرام ولا يجوز، فنسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ لإخواننا المسلمين أن يعصمهم من مثل هذه الأمور التي لا تعود إلى شبابهم إلا بالشر والفتنة والفساد، حتى وإن لم يجد إلا هذه الجامعة يترك الدراسة إلى بلد آخر ليس فيه هذا الاختلاط، فأنا لا أرى جواز هذا وربما غيري يرى شيئًا آخر» (¬1). وهذا الكلام واضح بالنسبة للذين لم يُبْتَلوا في بلادهم بالدراسة المختلطة أو عندهم من الكليات والجامعات ما هو غير مختلط يمكن أن يغنيهم عن الدراسة في الكليات المختلطة، لكن يبقى السؤال بالنسبة للأشخاص الذين ابتلوا في بلدانهم بالدراسة المختلطة، فماذا يفعلون! خصوصًا وأن ذلك قد يترتب عليه كسب عيشهم أو إمكان زواجهم في المستقبل بحيث لو لم يدرس هذه الدراسة ما استطاع أن يجد له وظيفة تغنيه أو زواجًا يعفّه. وفي هذه الحالة فإننا أمام وضع اضطراري، والحاجة فيه ماسّة؛ وحيث أن الحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة لذلك يراعى ما يلي: 1 - أن لا يوجد مكان آخر يمكن الدراسة فيه ولو في بلد آخر. 2 - أن لا يستطيع تحصيل هذه الشهادة بطريق الانتساب أو الدراسة عبر الإنترنت مثلًا. 3 - أن يذهب للدراسة في هذه الأماكن المختلطة مستعينًا بالله على مواجهة الفتن، ويراعى غض البصر ما أمكنه وعدم ملامسة أو مصافحة المرأة الأجنبية، وأن لا يخلو بها، ولا يجلس بجانبها مباشرة. وينصح الفتيات بالجلوس بمعزل عن الشباب وغير ذلك من الضوابط الشرعية. ¬

(¬1) فتاوى إسلامية (3/ 103).

دراسة الأخوات المنتقبات في الجامعات المختلطة

4 - إذا لاحظ أن نفسه تنزلق إلى الحرام وتفتتن بمن معه من الجنس الآخر فسلامة دينه أهم من مغانم الدنيا كلها، فلا بد من مفارقة المكان حينئذ ويغينه الله - عز وجل - من فضله. والله المستعان. والله أعلم. وهذه قائمة بأسماء كلّيات وجامعات غير مختلطة في العالم. 1 - كلية الطب في دبي. 2 - جامعة الأزهر في مصر. 3 - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية. 4 - جامعة أم القرى في مكة المكرمة. 5 - الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. 6 - جامعة الملك سعود في السعودية (¬1). دراسة الأخوات المنتقبات في الجامعات المختلطة: س: ما حكم التعليم للأخوات المنتقبات الملتزمات بغض البصر وعدم التكسر في الكلام في الجامعات المصرية، وهي على ما عليه من الاختلاط؟ ج: إذا كانت وسيلة المواصلات للجامعة على الأقدام أو عربات السيدات أو أي وسيلة أخرى محترمة ليس فيها التصاق الرجال بالنساء، والأخوات ملتزمات بما ذكَرْت؛ فلا أستطيع تحريم ذلك، وبيوتهن خير لهن، إلا لغرض دعوي أو شرعي آخر (¬2). ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 6118). (¬2) فتاوى موقع صوت السلف www.salafvoice.com، بإشراف الشيخ ياسر برهامي.

تدرسه مدرسة فماذا يفعل؟

تدرِّسه مُدرِّسة فماذا يفعل؟ س: أنا طالب في الثانوية ولا أدري ما أفعل بشأن النساء، فهن مدرساتي وزميلاتي في الدراسة ويجب أن أتكلم معهن وأنظر إليهن فماذا يمكن أن أفعل؟. ج: عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين: «ماذا يفعل طلاب الطب في محاضرات المدرسات من النساء؟». فأجاب ـ حفظه الله ـ (¬1): «مثل هؤلاء لا مفّر لهم من هذا، وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور» (¬2). ضوابط التعامل بين الجنسين في الجامعات المختلطة: س: كيف يتعامل الشاب مع البنات في الجامعة؟ كيف كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتعامل مع النساء هل كان يتحاشى النظر إليهن؟ وهل كُنَّ كلهن يضعن الخمار ولا يتكلمن مع الرجال؟ ج: لا شك أن الاختلاط على الوضع الذي هو عليه في كثير من الجامعات اليوم أمر محرم، وسبب في كثير من المفاسد والشرور، وعلى هذا فالواجب الحذر من الالتحاق بمثل هذه الجامعات، ما لم تكن هنالك ضرورة ملجئة للالتحاق بها، أو حاجة تقارب الضرورة كعدم وجود جامعات بديلة لا اختلاط فيها، فالواجب على المسلم حينئذ الانضباط بضوابط الشرع، ومن هذه الضوابط: ¬

(¬1) رحمه الله؛ فقد توفي في 21 رجب 1430هـ، 13/ 9/2009 م. (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 45883).

حكم الاختلاط في كافتيريا الجامعة

أولًا: غض البصر، لقول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} (النور: 30). ثانيًا: الحذر من الخلوة بالمرأة الأجنبية ففي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ». ثالثًا: الحرص على عدم الاختلاط بالفتيات على وجه تترتب عليه فتنة. رابعًا: عدم مصافحة المرأة الأجنبية، لأن مصافحتها محرمة، ففي معجم الطبراني الكبير عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» (¬1). هذا بالإضافة إلى الالتزام بمصاحبة الصالحين من هؤلاء الطلاب، والقيام بواجب الدعوة ونشر الخير والفضيلة. وبخصوص تعامل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مع النساء في عصره، فلا شك أنه كان في حدود الشرع لأنه القدوة والأسوة، وهو الذي بلغنا عن ربه قوله - عز وجل -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} (النور: 30). وربما تكلم مع إحداهن للحاجة، وهو أمر جائز في حقه وفي حق غيره إذا أمنت الفتنة. وهذا القيد ـ وهو أمن الفتنة ـ لابد منه في شأن التعامل بين الرجال والنساء (¬2). حكم الاختلاط في كافتيريا الجامعة: س: هل يجوز الاختلاط في كافتيريا الجامعة علمًا بأنه يوجد مكان متوفر للطالبات وماذا تنصحون الطلاب والطالبات؟ ج: إن الاختلاط بين الجنسين على الوضع الشائع الآن حرام، سواء كان في الجامعة ¬

(¬1) صححه الألباني. (¬2) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 43414).

أهمية تحصيل العلم الجامعي ومحاذير الاختلاط

أو في كافتيريا الجامعة أو في أي مكان آخر، ويزداد الأمر سوءًا إذا كان هناك مكان مخصص للطالبات يمكنهن أن يذهبن إليه. وأما عن النصيحة للطلاب والطالبات؛ فإننا ننصحهم بالدراسة في المدارس والجامعات غير المختلطة، كما ننصحهم بالمحافظة على دينهم وأخلاقهم وشرفهم والاهتمام بتعليمهم ما ينفع أمتهم، وأن يبتعدوا عن سفاسف الأمور وعن حبائل الشيطان وخطواته، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه (¬1). أهمية تحصيل العلم الجامعي ومحاذير الاختلاط: س: إذا كان الاختلاط في الجامعات محرمًا وإذا كان كذلك فبماذا تنصحوني مع العلم أني في السنة الأولى في الجامعة وعلمت بهذا الأمر بعد دخولي لها؟ ج: يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (رواه البخاري ومسلم)، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). على هذا فيجب على المسلم أن يحترس من الاختلاط بالنساء الأجنبيات فإن ذلك عرضة للنظرة المحرمة، وللحديث الذي ربما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وقد سد الإسلام كل المنافذ التي تؤدي إلى الحرام ولو كانت مباحة في أصلها سدًّا لذريعة الفساد. وهذا أصل ثابت في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 19010).

حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة

ونحن نعلم أن كثيرًا من الشابات ومن الشبان ـ هداهم الله ـ لا يلتزمون بالآداب والتعاليم الشرعية وربما توجد بعض الفتيات غير المحجبات ... وهذا كله من أسباب الإغراء بالفساد. ونعلم كذلك أهمية العلم وضرورة الحصول على الشهادة في هذا العصر. وهذا يوجب على المسلم أن يوازن بين هذه المصالح وتلك المفاسد. فعلى الأخ السائل: - أن يحاول التسجيل في كلية لا يختلط فيها الرجال بالنساء. - فإذا لم يجد فليكن الصف منعزلا حيث يكون الرجال في الصفوف الأمامية والنساء خلفهم فهذا أقل ما يمكن. - ولتحذر أخي الكريم من الخلوة ومس امرأة لا تحل لك فلا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما (¬1). حديث الطالبة مع مدرسها في الجامعة: س: يقوم بتدريسنا في الجامعة شاب، فهل يجوز لنا سؤاله والحديث معه في نطاق الدراسة؟ ج: سبق في السؤال رقم (1200) بيان حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء، وبيان ما فيه من مفاسد دينية ودنيوية. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الواجب عليك أيتها الأخت الفاضلة ألا تمكثي في مكان فيه اختلاط بين الرجال والنساء إلا لضرورة، فإن كانت الجامعة للبنات، وكان المدرسون من الرجال، فالخطر أقل، لكن لا يزال الأمر بأهل الأهواء والشهوات حتى ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 18558).

هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية؟

يزيلوا كل حاجز بين الجنسين، فنوصيك بتقوى الله - عز وجل -، ومراقبته في السر والعلن. أما حديث المرأة مع الرجل لأجل الحاجة فلا حرج فيه، بشرط ألا يكون ذلك في خلوة ـ ولو كانت هذه الخلوة في مكتب أو قاعة للدراسة لا يوجد غيركما ـ. مع التزام الحشمة والوقار، والحجاب الشرعي، ومراعاة التحدث بما فيه الحاجة دون زيادة أو خضوع بالقول، مع أمن الفتنة، فإن كانت المرأة تحس بشهوة أو تتحدث مع الرجل لمجرد الاستئناس، أو كان الرجل كذلك، كان الحديث بينهما محرمًا، لما يفضي إليه من الفتنة والمعصية (¬1). هذه العلاقة أخوة في الله أم علاقة غير شرعية؟ س: العبد الضعيف شاب متدين (والحمد لله) أدرس في جامعة، في بلد عربي مسلم، حاد فيه الشباب كثيرًا عن الدين، وأصبح من الصعب أن تجد الصحبة الصالحة كما أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام، وكما ورد في القرآن الكريم، تعرفت منذ فترة على فتاة متحجبة كانت السبب في هدايتي، فكنا لا نلتقي في الحافلة أو في الجامعة إلا لنتحدث عن الدين وعن حبنا لله، ونشجع بعضنا على حفظ القرآن وقيام الليل، وننهى بعضنا عما حرم الله من خوض في الباطل، وغيرها من الأخطاء التي قد يقع فيها العبد دون أن يشعر، فأصبحت أشتاق لملاقاتها؛ لأني أجد في الحديث معها تقوية لإيماني، ورقيبًا يعينني على نفسي، ولكني أقف حائرًا في تصنيف هذه العلاقة، ومترددًا بين أن أحافظ عليها أو أن أقطعها، فهي ليست من أقربائي. فهل لي أن أعتبرها أختي في الإسلام؟ وهل يباح لي الحديث معها في الحافلة ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 47554).

أو في الجامعة؟ وهل يجوز لي أن أنظر إلى وجهها؟. ج: يخطئ كثير من الناس حين يظن أحدهم أن صعوبة الزمان وقلة الإخوان وفساد الأحوال تسمح له أن يسلك مسالك الردى، ويقع في حبائل الشيطان. نعم، احذر ـ أخي السائل ـ أن يُلَبِّس عليك الشيطان، فيصور لك المعصية في صورة الطاعة، ويأتيك من الباب الذي تظن أنك قد أغلقته عليه، فإن الشيطان لا يزال يطرق أبواب الضلالة ليفتحها على عباد الله إلى أن يوقعهم في شراكه. والحال التي تسأل عنها هي من حبائل الشيطان، فكم من نيران اشتعلت في قلوب الشباب وكان أولها شرارة من نظرة أو ابتسامة أو لقاء ومحادثة، وكثيرًا ما يكون ذلك بحجة الصحبة والمناصحة والدعوة إلى الله!! فالشريعة الحكيمة حين حرمت الاختلاط بين الرجال والنساء، وخلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه، ونظره إليها، ومصافحته لها، نظرت إلى مآلات الأمور والمفاسد التي تنتهي إليها، والله سبحانه وتعالى خالق البشر، وهو أعلم بما يصلح نفوسهم وما يفسدها. وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وَالْمَعْنَى: يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيهمَا فِي الزِّنَا» انتهى من (تحفة الأحوذي). وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أن جَارِيَةً شَابَّةً مِنْ خَثْعَمٍ أتت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وَاسْتَفْتَتْهُ وكان الفضل بن العباس رديفه على البعير (يركب خلفه) فَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ؟».

قَالَ: «رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا». (رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، والحديث أصله في الصحيحين). وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (12/ 163): «اختلاط الرجال والنساء في التعليم حرام ومنكر عظيم؛ لما فيه من الفتنة وانتشار الفساد وانتهاك الحرمات، وما وقع بسبب هذا الاختلاط من الشر والفساد الخلقي من أقوى الأدلة على تحريمه» انتهى. وسئلت اللجنة أيضا (17/ 66) السؤال التالي: «ما حكم الشرع في الصداقة مع الجنس الآخر، مع العلم أن هذه الصداقة شريفة عفيفة يعلم بها الجميع وليست في الخفاء؟». فأجابت: «هذا من أعظم المحرمات، وأشد المنكرات، فلا يجوز للمرأة أن تصادق الرجال الذين ليسوا من محارمها أو العكس؛ لأن ذلك وسيلة إلى الفتنة والوقوع في الفاحشة» انتهى. وأما النظر إلي وجهها، فقد سبق في جواب السؤال (1774) أن تعمد النظر إلى المرأة الأجنبية حرام. فالنصيحة لك أن تحسم موقفك من هذه العلاقة، فإما أن تختارها زوجة لك، إن كانت هذه الفتاة ذات دين وخلق، وقد تعلقت بها، وإما أن تقطع علاقتك بها، وتغلق هذا الباب، فإنه باب شر وفساد، فلا تفتحه على نفسك فتندم حين لا ينفع الندم (¬1). ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 52768).

حكم تغطية الكفين في حضور الرجال الأجانب

حكم تغطية الكفين في حضور الرجال الأجانب: س: ما حكم تغطية الكفين - علمًا بأني ألبس النقاب ولكن بسبب ظروف الدراسة من كتابة واستخدام الأجهزة كالكمبيوتر والأجهزة التعليمية الأخرى لا أستطيع الالتزام بتغطية الكفين لأن ذلك يعوقني، والمكان لا يخلو من الرجال؟. ج: لا يجوز للمرأة ـ وخاصة أنها تقول إنها منقبة ـ أن تخالط الرجال الأجانب وأن تجالسهم سواء كان ذلك في دراسة أو عمل، وقد بيَّنا حكم الاختلاط وما يترتب عليه من مفاسد في أجوبتنا على الأسئلة: (1200) و (20784) و (12837). ومن مفاسد هذا الاختلاط: نظر كل من الطرفين إلى الآخر، وهو أمر محرَّم، وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عما لا يحل لهم. ولا يجوز أن يرى الأجانب منها شيئًا، ولا يحل لها أن تتهاون في لباسها ليظهر منها ما لا يحل لها إظهاره (¬1). طاعة الوالدين واجبة في غير معصية لله: س: أنا أدرس في جامعة مختلطة وأنا تبت الآن وأريد أن أتركها ولكن لا يوجد في دولتي أي جامعة غير مختلطة إطلاقًا ووالداي غير موافقين على تركها فماذا أفعل؟ ج: الواجب على المرء أن يطيع والديه إذا أمراه بما لا معصية فيه لله، فإن كان فيه معصية لله فلا طاعة لهما، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ» (رواه أحمد، وصححه الأرناؤوط). ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 45869).

الاختلاط أثناء الدراسة لا يجوز إذا لم توجد ضرورة قاهرة

فإذا كانت تترتب على وجودك في هذه الجامعة معاصٍ لا يمكنك التخلص منها بأي وسيلة، فالواجب عليك تركها، ولا عبرة برضا الأبوين أو عدم رضاهما. أما إذا أمكنك التخلص من هذه المعاصي باعتزال أماكنها، والتحرز منها مع الالتزام بآداب الإسلام، وترك الاختلاط المذموم، فطاعة الوالدين هنا واجبة لعدم تحقق المعصية، ولإمكان الجمع بين خير الدراسة، وطاعة الوالدين مع عدم الوقوع في الإثم، ولْتَكُنْ في هذا المجتمع داعية خير لزملائك، ولتحذر من مخاطبة النساء، سواء كان بنية الدعوة أو عدمها، ولعل الله تعالى أن يلين قلب والديك في تخليصك مما تتأذى منه، لما فيه من المخالفة لأمر الله تعالى (¬1). الاختلاط أثناء الدراسة لا يجوز إذا لم توجد ضرورة قاهرة: س: أنا طالب أدرس في الأردن، وقد كنت مقيمًا بالسعودية، وكما تعلمون فليس هناك اختلاط في السعودية، ولكن في الأردن يوجد اختلاط، فأحيانًا اضطر للتعامل مع طالبات في الجامعة وذلك لكوننا في مجموعة عمل واحدة علما بأنني لا أتعامل معهن إلا بشكل رسمي جدًا ولا أتعمد التعامل معهن خارج حدود العمل أبدًا. ج: الاختلاط بين الرجال والنساء من الأعمال والعوائد المخالفة للشريعة الإسلامية ولما ينبغي أن يكون عليه المسلمون، وهو من أسباب الشر والفتنة والفساد. ونحن ننصحك إذا كنت تريد النجاة أن تبتعد عن أسباب الشر والفتنة، ولا شك أن الاختلاط مع الشابات في المدارس من أسباب وقوع الفساد وانتشار الزنى، ولو حاول الشخص أن يحفظ نفسه فلا بد أن يجد صعوبة بالغة في مثل هذه الأجواء. ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 4030).

حضور حفلات التخرج

والشخص مهما كان من النزاهة والبراءة إذا كان إلى جانبه في الكرسي الذي هو فيه امرأة ولا سيما إذا كانت جميلة ومتبرجة لا يكاد يسلم من الفتنة والشر، فكل ما أدى إلى الفتنة والشر فإنه حرام ولا يجوز، لأنه ذريعة إليه. وعلى المرء أن يحاول الدراسة في مكان غير مختلط ولو أداه ذلك إلى السفر إلى بلد آخر، فإن لم يستطع ذلك فعليه بالتحفظ والاعتزال وغض البصر وحفظ الفرج وعدم القرب من النساء قدر المستطاع. وعليه أن يسعى في تقليل المنكر ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وأن يختار رفقة صالحة تعينه على غض البصر وحفظ الفرج (¬1). حضور حفلات التخرُّج: س: هل حضور حفلات التخرج الجامعية من المحرمات؟. ج: إذا اشتمل حفل التخرّج على منكر فلا يجوز حضوره ولا شهوده، ومن منكرات حفلات التخرّج: الموسيقى ومسير طابور المتخرِّجين على أنغامها، وحضور النساء المتبرّجات أو الاختلاط أو لبس الخرّيِجين الذي فيه تشبُّه بالكفار (كاللباس الكَنَسِي) (¬2). الاختلاط في الندوات: س: ما رأيك في حضور الندوات الطبية؟ علمًا بأنها مهمة جدًا للطبيبة حتى تعرف الجديد في عالم الطب، وقد تضطر إلى إلقاء المحاضرات أمام الرجال الأطباء؟. ج: حضور الندوات الطبية مهم جدًا لكل من الأطباء والطبيبات، لكن يجب ألا ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 4030). (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 1608).

قيام الرجل بتحفيظ القرآن لنساء من وراء حجاب

يكون في الندوات اختلاط بين الرجال والنساء؛ درءًا للفتنة، ودفعًا للفساد، ويمكن الجمع بين تحقيق المصلحة الطبية وتفادي مفسدة الاختلاط بإقامة ندوات للأطباء خاصة، وأخرى للطبيبات، وما قد يكون من نقص في ذلك يستدرك بنشر ما دار في ندوات هؤلاء وأولئك، وكتابة رسائل ومقالات ونشرها بوسائل الإعلام ونحوها، وبهذا تحصل المصلحة، ويسلم المجتمع من مضار الاختلاط (¬1). قيام الرجل بتحفيظ القرآن لنساء من وراء حجاب: س: هل يجوز للرجل أن يحفظ مجموعة من النساء في المنزل مع العلم بحضور زوج أحد هؤلاء النساء معه، ووجود ستارة بين المحفظ وهؤلاء النساء؟ أرجو الإفادة وبيان السند والأدلة الشرعية. ج: أولًا: الأوْلَى والأسلم أن تبحث هؤلاء الأخوات عن امرأة تتولى تحفيظهن القرآن، في المنزل أو المسجد؛ لما في ذلك من البعد عن الفتنة وأسبابها، فإن لم يتيسر ذلك، وأمكن الاكتفاء بالحفظ عن طريق المسجل والكمبيوتر، مع تعاون هؤلاء الأخوات على أمر المراجعة والمتابعة، فهذا حسن، وهو أولى من الجلوس إلى رجل يحفظهنّ. ثانيًا: إذا دعت الحاجة إلى قيام رجل بتدريسهن وتعليمهن، إما لعدم وجود المعلمة، أو لكونه مجوِّدًا متقنًا، يعلمهن أحكام التلاوة، فلا حرج في ذلك إذا روعيت الضوابط التالية: 1 - أن يكون تدريسه لهن من وراء حجاب. 2 - أن لا يكون خضوع بالقول من إحداهن. ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 162 - 163).

حكم استماع القرآن من النساء

3 - أن يكون الكلام مع المحفظ على قدر الحاجة فقط. 4 - أن ينسحب المحفظ من هذا العمل إذا شعر بميل قلبه أو تلذذه بصوت إحداهن. 5 - ينبغي أن يكون المعلم كبير السن، متزوجًا، معروفا بالصلاح والاستقامة. وينبغي التنبيه إلى أن صوت المرأة ليس عورة على الراجح من قولي العلماء، بشرط ألا تلين وتخضع بالقول. قال في (كشاف القناع) من كتب الحنابلة (5/ 15): «وصوتها ـ أي الأجنبية ـ ليس بعورة، قال في الفروع وغيره: على الأصح، ويحرم التلذذ بسماعه ولو كان بقراءةٍ، خشية الفتنة» انتهى. وقال في (مغني المحتاج) من فقه الشافعية (4/ 210): «وصوت المرأة ليس بعورة , ويجوز الإصغاء إليه عند أمن الفتنة» انتهى (¬1). حكم استماع القرآن من النساء: س: ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم التي تقام سنويًّا في بعض البلاد الإسلامية؟ ج: لا أعلم بأسًا في هذا الشيء إذا كان النساء على حدة والرجال على حدة، من غير اختلاط في محل المسابقة، بل يكُنَّ على حدة، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال. وأما المستمع فإذا استمع للفائدة والتدبر لكلام الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا يجوز. أما إذا كان القصد الاستماع للفائدة، والتلذذ في استماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك (¬2). الاختلاط في المدارس الابتدائية: قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: « ... فقد اطلعت على ما كتبه بعض الكتاب في جريدة ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 83032). (¬2) فتاوى مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (24/ 409).

الجزيرة بعددها رقم 3754 وتاريخ 15/ 4 / 1403 هـ، الذي اقترح فيه اختلاط الذكور والإناث في الدراسة بالمرحلة الابتدائية، ولما يترتب على اقتراحه من عواقب وخيمة رأيت التنبيه على ذلك فأقول: إن الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (¬1)؛ وإنما أمر - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتفريق بينهم في المضاجع لأن قُرْبَ أحدِهما من الآخر في سن العاشرة وما بعدها وسيلة لوقوع الفاحشة بسبب اختلاط البنين والبنات , ولا شك أن اجتماعهم في المرحلة الابتدائية كل يوم وسيلة لذلك كما أنه وسيلة للاختلاط فيما بعد ذلك من المراحل. وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور، وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث , ولولا ما في ذلك من الإطالة لَذَكرْتُ كثيرًا منها. وقد ذكر العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه (إعلام الموقعين) منها تسعة وتسعين دليلًا. ونصيحتي للكاتب وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين أبواب شر قد أغلقت. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. ويكفي العاقل ما جرى في الدول التي أباحت الاختلاط من الفساد الكبير بسبب الاختلاط (¬2). ¬

(¬1) رواه البيهقى في سننه بلفظ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ»، ورواه الإمام أحمد في (المسند) بلفظ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»، ورواه أبو داود بلفظ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» وصححه الألباني. (¬2) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (5/ 234).

الاختلاط في العمل السياسي

الاختلاط في العمل السياسي (¬1) لما كان النظام الديمقراطى يسمح بتولى الكفار والنساء والمحاربين لدين الله للولايات العامة والخاصة , دون مراعاة للضوابط الشرعية، كان لابد من وضع بعض النقاط على الحروف، فلا يصح تولية الكافر، لأنه لا يؤتمن على نفسه فضلًا عن أن يؤتمن على مصالح الأمة؛ قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} (هود: 113 (وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)} (آل عمران: 118). فلا يصح للكافر أن يتزوج من مسلمة ولا يتولى إمرة المسلمين , لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه؛ قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)} (النساء:141 (. وتُمْنَع المرأة من تولى المناصب العليا كأن تكون وزيرة أو قاضية أو رئيسة للدولة لأن فى ذلك ظلم للمرأة وافتيات على المصلحة. ولقد دارت رحى القرون، وأبحرت سفن الحياة عبر محيطات الزمان، ثم أرست مراسيها في موانئ العصر الحاضر، فإذا بها إزاء أقوام تدثروا بالأوهام، وادعوا انقطاع عهدهم عن العهد الزاهر، وقالوا في المرأة ما لم يقله الشرع الطاهر، أرادوها مجرد متعة، ولكن دين الله أراد لها الرفعة؛ فجعل دائرة حركتها مؤطرة بالستر، وابتغى أولئك أن ¬

(¬1) بتصرف من (تنبيه الخاصة والعامة إلى حكم تولي المرأة الولايات العامة)، للشيخ حامد بن عبد الله العلي، (المرأة المسلمة والمشاركة السياسية، أقوال الأعلام من علماء الإسلام)، د. سامي محمد صالح الدلال، مجلة البيان، العدد (206).

تكون مجللة بالوزر؛ فشتان ما بين الثرى والثريا، وما أبعد قضم الحجر عن أكل الثمر! لقد حدد الإسلام بشكل واضح ما للمرأة وما عليها، ومن ذلك أنواع ولاياتها، إن الولايات في الإسلام تقسم إلى قسمين: الأول: الولايات العامة: كرئاسة الدولة، ورئاسة مجلس الوزراء، والوزارة والنيابة والقضاء، وهي ولايات مقصورة على الرجال. الثاني: ولايات خاصة، وهي ما سوى ذلك، وللمرأة فيها نصيب بحسب تلك الولاية، وفي إطار نصيبها منها فإن لها حقوقًا وعليها واجبات. وباستثناء الولايات العامة التي ذُكرتْ فللمرأة أن تتولى ولايات أخرى في مختلف مجالات الحياة وفق الشروط السابق ذكرها بشأن خروج المرأة من المنزل، فيمكن أن تكون مديرة مدرسة بنات، أو رئيسة مستشفى نسائي، أو مسؤولة جمعية خيرية نسائية، وما شابه ذلك. والكلام في هذا الموضوع يخضع للأسس الآتية: 1 - قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (الأحزاب: 33). 2 - قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53). 3 - قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رواه البخاري). وجميع ألفاظه بصيغة العموم؛ فهو عام الدلالة، وليس فيه أدنى حجة لمن قصره على سبب وروده؛ فمعلوم لدى الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، وما ورد من بعض الولايات للمرأة: كولايتها على بيت زوجها، وما سوى ذلك فهي ولايات مقيدة ومخصوصة من العموم المذكور.

وهذا الحديث الصحيح يشير بوضوح إلى أن (الفلاح) يفتقده القوم الذين يولون أمرهم امرأة. وجاءت لفظة (قوم) في الحديث غير معرَّفة، أيَّ نكرة في سياق النفي فهي تعُمُّ، وفقه ذلك أن أي قوم يولون أمرهم امرأة ليسوا مفلحين، بغض النظر عن عقيدتهم أو جنسهم أو بلادهم أو زمانهم؛ فهو أمر مضطرد على الدوام. إن وصول المرأة إلى هذا المركز الأول لم يأت من فراغ، بل هو محصلة عامة لوضع المرأة في ذلك المجتمع الذي سلك طريق الانفتاح الاجتماعي غير المنضبط بأي ضابط يضمن إطار ثباته، أو يحدد مساحة تموج حركته، فلا شك أن المجتمع الذي طوح برجاله عن مواقع المسؤولية، وأحل بدلهم نساءه هو مجتمع قد تخلت نساؤه عن القيام بواجباتهن المنزلية التربوية، وخرجن لممارسة الحياة العامة، أي أن البنية الأساسية لذلك المجتمع قد تخلخلت، ولبناته المكونة له قد انفرط عقدها ووهن تماسكها، وهذا يعني أنه في طريقه إلى التأخر، وأنه يختط سبيل التقهقر، بما يؤول به في النهاية إلى الانهيار ثم الاندثار. وإن لفظ «وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» تناول طبيعة الصلاحية الممنوحة، سواء كانت: مطلقة كالحكم الديكتاتوري، أو مقيدة كالحكم الديمقراطي؛ فاللفظ شامل لهما جميعًا. أما خروج النساء للبيعة فليس بالمعنى المعروف حاليًا من المشاركة في الانتخابات، أو الترشيح للمجالس النيابية، بل هو خروج ضرورة حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لتوثيق العهد على امتثالهن لأوامر الإسلام. وإذا كانت المرأة المسلمة مأمورة بالقرار في بيتها ـ من حيث الأصل ـ وأن المباشرة معها في الخطاب تكون من وراء حجاب؛ فكيف يتسنى لها مع ذلك أن تكون في إطار أي من الولايات العامة التي لا يمكن أن تمارس المرأة دورها فيها إلا إذا اخترقت الأصلين السابقين. وإن كان للمرأة أن تخرج من بيتها، فإن هذا الخروج يكون ممثلًا لحركة طارئة من

حيث الأصل، ومنضبطًا بالشرع من حيث الممارسة، وبما لا يخل بقاعدة (القرار). والإسلام رغم أنه أباح للمرأة الخروج من المنزل للقيام بالمهمات المنوعة، لم يجعل من بينها المشاركة في أي عمل سياسي، إضافة إلى أنه وضع لها ضوابط في ذلك الخروج ـ سبقت الإشارة إليها ـ منها عدم الاختلاط بالرجال الأجانب (¬1). ومن الأدلة أيضًا على منع المرأة من تولي الولايات العامة إجماع العلماء، فقد أجمع علماء الأمة على ذلك، وتوالت جميع العصور الإسلامية على منع المرأة من تولي الولايات العامة، عملا بالنصوص الواردة في هذا الشأن، وقد قال الإمام ابن قدامه الحنبلي في المغني «ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى، ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يُوَلّ النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأةً قضاءً، ولا ولايةَ بلد، فيما يبلغنا، ولو جاز لم يَخْلُ منه جميع الزمان غالبًا» (¬2). ومن الأدلة على منع الشريعة الإسلامية من تولي المرأة الولاية العامة، القياس الصحيح المطرد، فقد وجدنا الشريعة تمنع المرأة من إمامة الرجال ولو كان رجلًا واحدًا، ولو كانت أعلم منه وأقرأ منه للقرآن، وتمنعها من الخطبة في الجمعة والأذان، ومن توليها عقد النكاح لنفسها، وذلك كله إشارات واضحة من الشريعة إلى منعها من الولايات العامة. إذ لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض، تحظر على المرأة أن تتولى عقد النكاح لنفسها، ثم تجيز لها أن تكون وزيرة عدل، تتولى أمر كل القضاء ويرجع إلى حكمها كل عقود الأنكحة. ¬

(¬1) انظر ص 37، 38 (¬2) المغني والشرح الكبير (11/ 380).

أقوال أهل العلم

كما لا يعقل أن الشريعة الإلهية المعصومة من التناقض، تمنع المرأة من الإمامة في الصلاة، وتجيز لها أن تكون وزيرة لها سلطان تتولى به أمر كل أئمة الصلاة، كما لا يعقل أن تمنع الشريعة المرأة من خطبة المرأة والأذان للصلاة، ثم تجيز لها أن تكون نائبة عن الرجال في مجلس نيابي تحتاج فيه إلى أن ترفع صوتها بالخطب في مشاهد الصراع السياسي. فأي تناقض ـ لو فرضنا أنها تحظر على المرأة إمامة الرجال في الصلاة والأذان والخطبة وتولي عقد النكاح لها أو لغيرها، ثم تجيز لها تولي الولايات العامة ـ أي تناقض توصم به الشريعة أقبح من هذا التناقض العجيب. أقوال أهل العلم: قال الإمام البغوي: «اتفقوا على أن المرأة لا تصلح أن تكون إمامًا ولا قاضيًا؛ لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد والقيام بأمور المسلمين، والقاضي يحتاج إلى البروز لفصل الخصومات، والمرأة عورة لا تصلح للبروز، وتعجز لضعفها عند القيام بأكثر الأمور؛ ولأن المرأة ناقصة، والإمامة والقضاء من كمال الولايات، فلا يصلح لها إلا الكامل من الرجال» (¬1). وقال الشوكاني: «الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ وَلَا يَحِلُّ لِقَوْمٍ تَوْلِيَتُهَا لِأَنَّ تَجَنُّبَ الْأَمْرِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْفَلَاحِ وَاجِبٌ» (¬2). قال الإمام الصنعاني بعد أن أورد حديث «لَنْ يُفْلِحْ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ): «فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَوْلِيَةِ الْمَرْأَةِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ بَيْنَ ¬

(¬1) شرح السنة للإمام البغوي (10/ 77). (¬2) نيل الأوطار (9/ 168).

ما يترتب على دخول المرأة المعترك السياسي

الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ قَدْ أَثْبَتَ لَهَا أَنَّهَا رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ... وَالْحَدِيثُ إخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ فَلَاحِ مَنْ وَلِيَ أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ، وَهُمْ مَنْهِيُّونَ عَنْ جَلْبِ عَدَمِ الْفَلَاحِ لِأَنْفُسِهِمْ مَأْمُورُونَ بِاكْتِسَابِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْفَلَاحِ» (¬1). وقال الإمام القرافي: «لم يسمع في عصر من الأعصار أن امرأة وليت القضاء، فكان ذلك إجماعًا؛ لأنه غير سبيل المؤمنين ... وقياسًا على الإمامة العظمى» (¬2). وقال الشيخ السيد سابق: «لا يصح قضاء المقلد ولا الكافر ولا الصغير ولا المجنون ولا الفاسق ولا المرأة لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (¬3) (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). ما يترتب على دخول المرأة المعترك السياسي: من المعلوم أن مشاركة المرأة في أي من الولايات العامة لا بد لها فيه من الاختلاط بالرجال وحضور المجالس العامة، بل والاختلاء ببعض الرجال بسبب متطلبات العمل السياسي، وإقحام المرأة في المعترك السياسي تحت حجة منحها حق الترشيح والانتخاب، يؤدي حتمًا إلى التبني الشمولي للنظام الاجتماعي الغربي العلماني في نظرته إلى المرأة، وهذا وإن لم يكن ظاهرا على المدى القريب، فإن عين البصيرة تقطع بحصوله على المدى البعيد. وفي ذلك مناقضة للنظام الاجتماعي الإسلامي، في تشريعاته المختصة بالمرأة، وذلك بالنظر إلى ما يحدث في الواقع الملموس، والحدث المحسوس، من المخالفات الجزئية ¬

(¬1) سبل السلام (6/ 41، 42). (¬2) الذخيرة (10/ 22). (¬3) فقه السنة (3/ 315).

الكثيرة التي سيؤدي إليها حتما الزج بالمرأة في المعترك السياسي، والتي إذا انضمت إلى بعضها مجتمعة أفضت إلى تحويل موقع المرأة في المجتمع من وظيفتها الفطرية الأصلية في الإسلام، إلى منحى آخر يختلف تمامًا، لا بالنظر المقطوع الساذج الذي ينظر إلى آحاد الأمثلة والقضايا المنفصلة. إن المرأة إذا دخلت هذا المعترك، اقتضاها ذلك أن تخالط الرجال في المجالس العامة والخاصة، وتتدخل في شئونهم الخاصة مما يتعلق بالانتخابات وحساب الأصوات وغير ذلك، مما يضطرها إلى تكوين الأنصار وما يسمى المفاتيح الانتخابية، والتنقل بين المجالس طلبًا لحشد التأييد، وتحتاج إلى نشر صورتها في الأماكن العامة، ومخاطبة كل من يرغب، ومجالسة كل من يطلب، بحيث تكون أشبه بالمرفق العام الذي يرتاده الخاص والعام، وينافسها الرجال فيطعنون فيها انتصارًا للنفس، ويبحثون عن ماضيها لنفس الغرض. وقد ينالها ما ينال غيرها في هذه المعارك من تشويه السمعة، والطعن الذي قد يمتد إلى شرفها ويتناول معها أسرتها، فتضطر إلى الدفاع عن نفسها، وتتعرض مع ذلك إلى ضغوط كثيرة في هذا الميدان الوعر. وستضطر إلى أن تخلط الرجال بالنساء في مقرها الانتخابي، وسيترتب على هذا كله، مفاسد كثيرة جدًا. وحتى لو قدر لها أن تصبح نائبة، فما ستضطر إليه من الاعمال بعد دخولها المجلس النيابي، أشد ضررًا مما كان، فإنها مضطرة أن تنتصب لناخبيها، لتقضي حاجاتهم، وتسعى في طلباتهم، وتنتصر لظِلاماتهم، مما يحتاج الى الترفق في الطلب لذوي الرتب، أو المناحرة والمجاهرة بالقول والخطب، وكل ذلك بمحضر من الرجال، وتسعى في ذلك الليل والنهار، وتذر واجبها تجاه زوجها وأسرتها، وتهمل ذلك كله إهمالًا كليًّا أو جزئيًّا.

وكل من أوتى بصيرة في الدين، يعلم أن الشريعة الإسلامية في واد، وإقحام المرأة في هذا الميدان في واد آخر، وأنه لا لقاء بينهما البتة، وإنما يحدث مثل هذا العبث في حياة المرأة عند غير المسلمين، حيث لا يوجد لديهم مالدى المسلمين من الأحكام الشرعية التي تؤدب المرأة بآداب الإسلام، فلا يؤمنون برب ولا دين. وكأن هؤلاء الذين يجيزون للمرأة الدخول في المجالس النيابية، وخوض المعارك الانتخابية ـ يفتحون من حيث لا يشعرون ـ بابًا واسعًا لحصول جميع ما تقدم ذكره من المخالفات الشرعية.

واقع الكفار

واقع الكفار (¬1): دلت الإحصائيات على أن عدد النساء اللاتي تمكن من شغل منصب الولاية العامة كالرئاسة والمحافظة والنيابة العامة وقيادة الشرطة والمصانع والشركات في المجتمعات التي تمنح لهن هذا الحق وتضعهن على قدم المساواة مع الرجال يبدو ضئيلًا مقارنة بالرجال مع أن النسبة السكانية للنساء أكثر من الرجال فتكاد النسبة لا تزيد عن 1%، أما في الوزراء والمحافظين فلا تزيد على 5%، ورواتب النساء العاملات في هذه الدول أقل من رواتب الرجال، ولا يمكن أن نعزو هذا إلى القوانين والتربية، فإن القوانين والتربية في تلك البلاد لا تقيم اعتبارًا لاختلاف الجنسين؛ إنما يرجع السبب إلى الاختلاف الفطري بين الرجال والنساء والذي يتجاهله الكثير اتباعًا للأهواء أو مكابرةً للفطرة التي أرغمتهم على التسليم بحقائقها. ثم حتى النساء اللاتي تقلَّدْنَ الحُكم فإن حكمهن صوري فهن يملكن ولا يحكمن بل إن بعضهن وفي أثناء حكمها ظهر ضعفها الأنثوي الفطري لما ضاع ولدها في صحراء الجزائر أخذت تبكي، وأوقفت عملها لحين العثور عليه، والأخرى رئيسة الدولة لما تم القضاء على الانقلاب العسكري عليها خرجت من تحت السرير، وأول ما طلبَتْه إصلاح هندامها وشعرها لتظهر أمام الصحفيين، وهذا كله أوردته وسائل الإعلام. ¬

(¬1) المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها).

فتوى الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق: خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز

فتوى الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق - رحمه الله -: خوض معركة الانتخابات للمرأة غير جائز (¬1) المبادئ: 1 - رفع الإسلام من شأن المرأة فكون شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها طلب العلم والمعرفة. 2 - لا يجوز للمرأة خوض غمار الانتخابات حماية لأنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، والبعد من مظاهر الريب وبواعث الافتتان. السؤال: وردت إلينا أسئلة عديدة عن حكم انتخاب المرأة لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ فى الشريعة الإسلامية؛ إذ قامت ضجة من جانب بعض النساء للمطالبة بتعديل قانون الانتخاب الذى حرمت نصوصه انتخابهن بحيث يكون لهن الحق فى الانتخابات. الجواب: بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله. عُنِيَ الإسلام أتم عناية بإعداد المرأة الصالحة للمساهمة مع الرجل فى بناء المجتمع على أساس من الدين والفضيلة والخلق القويم، وفى حدود الخصائص الطبيعية لكل من الجنسين؛ فرفع شأنها وكَوَّنَ شخصيتها وقرر حريتها وفرض عليها كالرجل طلب العلم والمعرفة، ثم ناط بها من شئون الحياة ما تهيؤها لها طبيعة الأنوثة وما تحسنه، حتى إذا نهضت بأعبائها كانت زوجة صالحة وأمًّا مربية وربة منزل مدبرة، وكانت دعامة ¬

(¬1) مختصر فتاوى دار الإفتاء المصرية، (ص 356)، تاريخ الفتوى: 4 مايو 1952م.

قوية فى بناء الأسرة والمجتمع. وكان من رعاية الإسلام لها حق الرعاية أن أحاط عزتها وكرامتها بسياج منيع من تعاليمه الحكيمة، وحمى أنوثتها الطاهرة من العبث والعدوان، وباعد بينها وبين مظان الريب وبواعث الافتتان؛ فحرم على الرجل الأجنبى الخلوة بها والنظرة العارمة إليها، وحرم عليها أن تبدى زينتها إلا ما ظهر منها، وأن تخالط الرجال فى مجامعهم، وأن تتشبه بهم فيما هو من خواص شئونهم، وأعفاها من وجوب صلاة الجمعة والعيدين مع ما عرف عن الشارع من شديد الحرص على اجتماع المسلمين وتواصلهم، وأعفاها فى الحج من التجرد للإحرام، ومنعها الإسلام من الأذان العام وإمامة الرجال للصلاة، والإمامة العامة للمسلمين، وولاية القضاء بين الناس، وأثَّمَ من يوليها بل حكم ببطلان قضائها على ما ذهب إليه جمهور الأئمة، ومنع المرأة من ولاية الحروب وقيادة الجيوش، ولم يبح لها من معونة الجيش إلا ما يتفق وحرمة أنوثتها. كل ذلك لخيرها وصونها وسد ذرائع الفتنة عنها والافتتان بها حذرًا من أن يحيق بالمجتمع ما يفضى إلى انحلاله وانهيار بنائه، والله أعلم بما للطبائع البشرية من سلطان ودوافع وبما للنفوس من ميول ونوازع والناس يعلمون والحوادث تصدق. ولقد بلغ من أمر الحيطة للمرأة أن أمر الله تعالى نساء نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - بالحجاب وهن أمهات المؤمنين حرمةً واحترامًا، وأن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تمس يده ـ وهو المعصوم ـ أيدى النساء اللاتى بايعنه، وأن المرأة لم تُوَلَّ ولاية من الولايات الإسلامية فى عهده ولا فى عهد الخلفاء الراشدين ولا فى عهود من بعدهم من الملوك والأمراء، ولا حضرت مجالس تشاوره - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه من المهاجرين والأنصار.

ذلك شأن المرأة فى الإسلام ومبلغ تحصينها بالوسائل الواقية فهل تريد المرأة الآن أن تخترق آخر الأسوار، وتقتحم على الرجال قاعة البرلمان، فتزاحم فى الانتخابات والدعاية والجلسات واللجان والحفلات والتردد على الوزارات والسفر إلى المؤتمرات والجذب والدفاع، وما إلى ذلك مما هو أكبر إثمًا وأعظم خطرًا من ولاية القضاء بين خصمين وقد حرمت عليها. واتفق أئمة المسلمين على تأثيم من يوليها تاركةً زوجها وأطفالها وبيتها وديعة فى يد من لا يرحم، إن ذلك لا يرضاه أحد ولا يقره الإسلام، بل ولا الأكثرية الساحقة من النساء، اللهم إلا من يدفعه تملق المرأة أو الخوف من غضبتها إلى مخالفة الضمير والدين ومجاراة الأهواء، ولا حسبان فى ميزان الحق لهؤلاء. على المسلمين عامة أن يتعرفوا حكم الإسلام فيما يعتزمون الإقدام عليه من عمل فهو مقطع الحق وفصل الخطاب، ولا خفاء فى أن دخول المرأة فى معمعة الانتخابات والنيابة غير جائز لما بيناه. وإننا ننتظر من السيدات الفضليات أن يعملن بجد وصدق لرفعة شأن المرأة من النواحى الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية الصحيحة فى حدود طبيعة الأنوثة والتعاليم الإسلامية قبل أن يحرصن على خوض غمار الانتخاب والنيابة، وأن نسمع منهن صيحة مدوية للدعوة إلى وجوب تمسك النساء عامة بأهداب الدين والفضيلة فى الأزياء والمظاهر والاجتماعات النسائية وغير ذلك مما هو كمال وجمال للمرأة المهذبة الفاضلة. ولهن منا جميعا إذا فعلن ذلك خالص الشكر وعظيم الإجلال. ذلك خير لهن والله يوفقهن لما فيه الخير والصلاح.

فتوى الشيخ عطية صقر عن المرأة والانتخاب

فتوى الشيخ عطية صقر - رحمه الله - عن المرأة والانتخاب (¬1) السؤال: ما رأى الدين فى إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح للمجالس التشريعية؟ الجواب: العلماء اشترطوا فيمن يختارون الخليفة: العدالة الجامعة لشروطها، والعلم الذى يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، والرأى والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح للإمامة وبتدبير المصالح أقوم وأعرف (¬2). وإذا كانت هذه الشروط لم تتحقق حتى فى الرجال، حيث إن الانتخاب فى الدساتير المعمول بها فى كثير من البلاد الإسلامية لا يحتم وجودها، فهل يمكن أن تتحقق فى النساء؟ وإذا أمكن أن تتحقق فهل يوجد ذلك فى عالم الواقع، ذلك يحتاج إلى نظر. أقول هذا لأن الدساتير الحالية تعطى حق الترشيح لمن أعطى حق التصويت، فلو أن الأمر اقتصر على إعطاء صوتها إذا وجدت فيها المواصفات التى ذكرها الماوردى ما كان هناك اعتراض، لكن الذين ينادون بإعطائها هذا الحق يربطون بينه وبين حق الترشيح لتمثيل الشعب فى المجالس التشريعية، وبالتالى إذا اشتركت فى انتخاب الإمام أو الحاكم جاز لها الترشيح لهذا المنصب، فالتصويت سلم للترشيح، والقوانين الوضعية لا تلتزم حدود الدين فى الوقوف عند منح امتياز معين. ¬

(¬1) فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية www.islamic-council.com، تاريخ الفتوى: مايو 1997. (باختصار). (¬2) الأحكام السلطانية للماوردى (ص 6).

ومن هنا لا يجوز القول بجواز تصويتها لأنه وسيلة إلى ممنوع، كما قررته لجنة الفتوى بالأزهر ونشر فى المجلة فى يونية 1952 م، ونصها مذكور فى (ص 448) من الجزء الثانى من موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، وجاء فيها: «أن وسيلة الشىء تأخذ حكمه، وأن حركة عائشة ضد على - رضي الله عنه - لا تعد تشريعًا وقد خالفها فيها كثيرون، وأن مبايعة النساء للنبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تُثْبِت زعامة ولا رياسة ولا حكمًا للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين». ثم ذكرت اللجنة عدم جواز ترشيح المرأة للمجالس التشريعية؛ لأن فيه معنى الولاية العامة وهى ممنوعة بحديث البخارى وغيره: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً». وهذا ما فهمه أصحاب الرسول وجميع أئمة السلف. ووضحت المبررات لذلك، ثم ذكرت أن منع المرأة من التصويت والترشيح لم يُنظر فيه إلى شىء آخر وراء طبيعة هذين الأمرين، أما ما يلازم عملية الانتخاب المعروفة والترشيح لعضوية البرلمان من مبدأ التفكير إلى نهايته فإننا نجد سلسلة من الاجتماعات والاختلاطات والأسفار للدعاية والمقابلات وما إلى ذلك، مما نشفق على المرأة أن تزج بنفسها فيها، ويجب تقدير الأمور وتقدير الأحكام على أساس الواقع الذى لا ينبغى إغفاله أو التغافل عنه. هذا ما قررته لجنة الفتوى بالأزهر سنة 1952، فهل يُقْبَل فى هذه الأيام أو يرفض؟ وهل للمادة الثانية فى الدستور المصرى اعتبار فى التشريع؟

الاختلاط بين الخاطب والمخطوبة

الاختلاط بين الخاطب والمخطوبة الْخِطْبَةُ ـ بِكَسْرِ الْخَاءِ ـ مَصْدَرُ خَطَبَ، يُقَال: خَطَبَ الْمَرْأَةَ خِطْبَةً وَخَطْبًا، وَاخْتَطَبَهَا، إِذَا طَلَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. والخطبة من مقدمات الزواج، وقد شرعها الله قبل الارتباط بعقد الزوجية ليعرف كل من الزوجين صاحبه، ويكون الاقدام على الزواج على هدى وبصيرة. نَظَرُ الْخَاطِبِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ: مَنْ أَرَادَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ؛ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ». (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). نَظَرُ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا: حُكْمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ الْمَخْطُوبَةِ إِلَى خَاطِبِهَا كَحُكْمِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا لأَِنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا، بَل هِيَ أَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُمْكِنُهُ مُفَارَقَةَ مَنْ لاَ يَرْضَاهَا بِخِلاَفِهَا. وَاشْتَرَطَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِمَشْرُوعِيَّةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ النَّاظِرُ إِلَى الْمَرْأَةِ مُرِيدًا نِكَاحَهَا، وَأَنْ يَرْجُوَ الإِْجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا، أَوْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُجَابُ إِلَى نِكَاحِهَا، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الإِْجَابَةُ. مَا يُنْظَرُ مِنَ الْمَخْطُوبَةِ: مَا يُبَاحُ لِلْخَاطِبِ نَظَرُهُ مِنْ مَخْطُوبَتِهِ الْحُرَّةِ هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا إِلَى كُوعَيْهِمَا لِدَلاَلَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَال، وَدَلاَلَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ.

تكرير النظر

تَكْرِيرُ النَّظَرِ: لِلْخَاطِبِ أَنْ يُكَرِّرَ النَّظَرَ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ هَيْئَتُهَا فَلاَ يَنْدَمُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَيَتَقَيَّدُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوِ اكْتَفَى بِنَظْرَةٍ حَرُمَ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهُ نَظَرٌ أُبِيحَ لِحَاجَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِهَا. مَسُّ مَا يَنْظُرُ: لاَ يَجُوزُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَ الْمَخْطُوبَةِ وَلاَ كَفَّيْهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ؛ لِمَا فِي الْمَسِّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ؛ وَلِوُجُودِ الْحُرْمَةِ وَانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى. الْخَلْوَةُ بِالْمَخْطُوبَةِ: لاَ يَجُوزُ خَلْوَةُ الْخَاطِبِ بِالْمَخْطُوبَةِ لِلنَّظَرِ وَلاَ لِغَيْرِهِ؛ لأَِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ فَبَقِيَتْ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ وَلأَِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ مِنَ الْخَلْوَةِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورِ (¬1). فإذا وُجد مَحْرَم جازت الخلوة، لامتناع وقوع المعصية مع حضوره. خطر التهاون في الخلوة وضرره: درج كثير من الناس على التهاون في هذا الشأن، فأباح لابنته أو قريبته أن تخالط خطيبها وتخلو معه دون رقابة، وتذهب معه حيث يريد من غير إشراف. وقد نتج عن ذلك أن تعرضت المرأة لضياع شرفها وفساد عفافها وإهدار كرامتها. وقد لا يتم الزواج فتكون قد أضافت إلى ذلك فوات الزواج منها (¬2). ¬

(¬1) الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 190 - 201) باختصار. (¬2) فقه السنة (2/ 24 - 31) باختصار.

فتاوى متعلقة بخلوة الخاطب بالمخطوبة

فتاوى متعلقة بخلوة الخاطب بالمخطوبة لا يجوز الجلوس مع المخطوبة إلا بوجود محرم: س: هل يستطيع الخاطب أن يرى خطيبته خلال فترة الخطبة بوجود أحد أقاربها طبعًا. وهل يحق له أن يكلمها عبر الهاتف مع مراعاة أن لا يخرج الكلام عن حدود الشرع؟ ج: إذا عزم الرجل على أن يتزوج بامرأة فله أن ينظر إلى ما يدعوه إلى الزواج منها بشرط أن يكون ذلك بحضرة أحد محارم المرأة من أب أو أخ أو غيرهما، فإن رضِيَتْهُ وخطبها فعليه أن يكف عن أي اتصال بها حتى يتم إبرام عقد الزواج، فهذه المرأة ما زالت أجنبية عنه، وما يفعله بعض الناس من التساهل في هذا الجانب من الحديث والخلوة والذهاب والإياب، من المحرمات التي لا يقرها الشرع ولا يقبلها عقل سليم، والعلم عند الله تعالى (¬1). لا يجوز للمخطوبة أن تكشف شيئًا من جسدها لخطيبها إذا كان لغير حاجة الخطبة: س: هل يجوز للمتحجبة الظهور بدون الحجاب أمام الخطيب بدون عقد القران مع العلم أنه تم اجتماع أولياء الأمور وتم الاتفاق على المقدم والمؤخر وبشهادة رجال العائلة (الإشهار) ورضا الطرفين؟ ج: ما لم يتم عقد النكاح، فالخاطب أجنبي عن مخطوبته لا يجوز لها أن تكشف أمامه، ولا أن يخلو بها، وما ذكرت من الاتفاق على المقدم والمؤخر وحضور رجال ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 313).

صداقة بين الخطيب والخطيبة؟؟!!

العائلة لا يعد عقدًا ولا تترتب عليه أحكام العقد، وإنما هو وعد بالزواج، والعقد الصحيح هو ما تم فيه الإيجاب والقبول وأركان النكاح: ولي الزوجة وحضور الشهود ووجود مهر مسمى، على وجه يراه الجميع عقدًا مُلزمًا يبيح للرجل الاستمتاع بالبُضع، والله أعلم (¬1). صداقة بين الخطيب والخطيبة؟؟!! س: أنا فتاة عمري 27 عامًا تمت قراءة الفاتحة على شاب عمره 38 عامًا نحسبه على خير منذ 6 أشهر , وكان الاتفاق وقتها أن تتم الخطبة بعد شهرين. في خلال الـ 6 أشهر الماضية تفاهمنا بشكل كبير جدًا وأصبحنا أصدقاء , بمعنى أن ما بيننا لم يكن مجرد حديث بين خطيب وخطيبته بل كنت دوما أقول له: «اعتبرني صديقة لك» , فيحادثني بما يدور في خَلَدِه وما يضايقه وهكذا. وهو حنون جدًّا ويراعي مشاعري بدرجة كبيرة جدًّا, ويعامل أهلي معاملة حسنة جدًّا وهم يحبونه , كما أن أهله يحبوني وينتظرون اليوم الذي انضم فيه إليهم. المشكلة التي تؤرقه وتجعله يخشى من اتخاذ القرار بإكمال الارتباط هو أنه يشعر بين الحين والآخر باختناق شديد مني وعدم رغبة في إتمام الأمر بدون أن يحدث مني ما يضايقه. فهل هذه مجرد وساوس؟ وماذا أفعل؟ علما بأنه قد خطب مرتين قبل ذلك ولم تصبه هذه الحالة , وأنا تمت خطبتي قبل ذلك ولكني لم أرْتَحْ لشخص مثلما ارتحت معه , فأنا تعلقت به, وهو أيضًا يُكِنُّ لي مَعَزّة شديدة جدًّا, ويخشى عليَّ إن ظل يعاني من هذه الخنقة أن يسيء معاملتي في يوم من الأيام. ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 368).

اللقاء والتخاطب مع الفتاة بدعوى الزواج في المستقبل لايجوز

ج: لا ندري ما هذه الصداقة التي بينك وبين هذا الرجل الخاطب لك، فإنه قبل عقد النكاح الشرعي يعد أجنبيا عنك، لا يجوز لك الخلوة به، ولا الخروج معه إلا بوجود محرم ومع الستر التام، ولا الحديث معه إلا بقدر الحاجة، ويحرم عليه أن ينظر إلى وجهك بشهوة أو بغير شهوة. والذي أجازه الشرع للخاطب هو أن ينظر إلى المخطوبة ليتخذ قراره بالإقدام أو الإحجام، وما زاد عن ذلك فغير جائز. وأما عن الشعور الذي يجده، فلا ندري ما سببه، وننصح بالرقية الشرعية، وأن يقوم بما أوجب الله عليه من فعل الطاعات واجتناب المحرمات مع إكثار الدعاء بأن يفتح الله عليه وأن يختار له الخير، ولا بأس مع ذلك من أن يعرض نفسه على طبيب نفسي (¬1). اللقاء والتخاطب مع الفتاة بدعوى الزواج في المستقبل لايجوز: س: أنا مغرم بفتاة منذ مدة طويلة وهي الآن طالبة في الجامعة في السنة الثانية ونحن نتلاقى باستمرار، كما أننا ننوي الزواج الآن في السر لأننا على علم يقين أن بعد تخرجها لن نتمكن من الزواج بسبب ظروف كثيرة وأهمها أن أهلها لن يوافقوا أبدًا، فهل زواجنا الآن يعتبر حرامًا إذا كنا نعلم أننا سنترك بعضنا البعض بعد ثلاث أو أربع سنوات عندما تتخرج من الجامعة، ونحن ننوي الزواج لكي لا نرتكب الحرام خلال لقاءاتنا المتكررة ونحن ننوي الاستمرار بعد الثلاث سنوات إلا إذا كان الأمر مستحيلًا فسنترك بعضنا البعض. ج: اعلم أخي السائل أن على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكره له ما ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، رقم الفتوى (71054).

يكرهه لنفسه، وما تقوم به من هذه الأعمال ـ من لقاءاتك المتكررة بتلك الفتاة والتخاطب معها من غير ضرورة ـ لا يقبله مسلم لأخواته إذا كان يغار على عرضه، وإذا كان لا يقبله لنفسه فكذلك الناس لا يقبلون هذا العمل لأخواتهم ونسائهم، وما ذكرتَه لا يخلو من عدةمحاذير شرعية منها النظر المحرم والكلام وقد يكون مع ذلك خلوة محرمة. فعليك الانتهاء عن هذه العلاقة، وأما بالنسبة لزواجك من هذه الفتاة فإن توفرت في هذا الزواج شروطه صح وإلا فلا، أي لا يجوز لك الزواج منها إذا كان ـ مثلًا ـ بغير ولي لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ» (رواه الترمذي وأبو داود) (¬1). فعليك أن تتقي الله تعالى وتأتي الأمر كما أمر الله تعالى وعليك بالانتهاء عن هذه المقابلات وأن تتقدم إليها عن طريق أهلها إذا كنت راغبًا في الزواج منها فإن وافقوا على ذلك فبها ونعمت ـ ولا تتوهم الرفض ـ وإن كانت التي لا ترغب ـ من رفضهم ـ فإن النساء غيرها كثير ولن تتوقف حياتك على ذلك واعلم أن ذلك خير لك، وهذا بعد أن تصلي صلاة الاستخارة قبل أن تذهب إليهم (¬2). ¬

(¬1) وصححه الألباني. (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 828).

الاختلاط للتداوي

الاختلاط للتداوي الضوابط في مسألة النظر للعورة في العلاج (¬1): إن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان التساهل في مسائل الكشف عن العورات في العيادات والمستشفيات وكأن الطبيب يجوز له كلّ شيء ويحلّ عنده كلّ محظور. وواجب على المسلمين الاعتناء بتخريج النساء من أهل الكفاية في التخصصات المختلفة للقيام بالواجب، وحسن إعداد جداول المناوبات في المستوصفات والمستشفيات لئلا تقع نساء المسلمين في الحرج، وأن لا تُهمل المريضة أو يتبرّم منها الطبيب إذا طلبت طبيبة لعلاجها. ولا بدّ من تقوى الله في هذه المسألة العظيمة التي احتاطت لها الشريعة وجعلت لها أحكاما واضحة وحازمة. أولًا: عورة الرجل ما بين السرّة والركبة لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ» (رواه الدارقطني، وحسنه الألباني)، وهذا قول جمهور أهل العلم. ثانيًا: المرأة كلها عورة أمام الأجنبي لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (الأحزاب: 53)، ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ» (رواه الترمذي وصححه الألباني). ¬

(¬1) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي،، الدورات من الأولى إلى السادسة عشرة، القرارات من الأول إلى الخامس والتسعين (1398 - 1422هـ /1977 - 2002م)، (ص 306 - 307)، فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد، سؤال رقم (5693).

ثالثًا: تَعمّد النظر إلى العورات من المحرمات الشديدة ويجب غضّ البصر عنها لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31). وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ» (رواه مسلم).، وقال لعلي - رضي الله عنه -: «لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرِ الَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ» (رواه الإمام أحمد وأبو داود، وصححه الأرنؤوط). رابعًا: كلّ ما لا يجوز النّظر إليه من العورات لا يحلّ مسّه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ» (¬1).وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ». (رواه الطبراني، وصححه الألباني). قال النووي - رحمه الله -: «وحيث حَرُم النظر حَرُم المسّ بطريق الأَوْلى، لأنه أبلغ لذّة» (¬2). خامسًا: العورات أنواع ودرجات: - فمنها العورة المغلّظة (السوأتان: القُبُل والدُّبُر) والعورة المخففة كفخذي الرّجل أمام الرّجل. - والصغير دون سبع سنين لا حكم لعورته. - والصغير المميِّز ـ من السابعة إلى العاشرة ـ عورته الفرجان. - والصغيرة المميِّزة عورتها من السرّة إلى الركبة. - وكلّ ذلك عند أَمْن الفتنة. ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني والأرنؤوط. (¬2) روضة الطالبين (2/ 457).

- وعورة الميّت كعورة الحيّ، والأحوط إلحاق الخنثى بالمرأة في العورة لاحتمال كونه امرأة. سادسًا: الضرورات تبيح المحظورات، ولا خلاف بين العلماء في جواز نظر الطبيب إلى موضع المرض من المرأة عند الحاجة ضمن الضوابط الشرعية، وكذلك القول في نظر الطبيب إلى عورة الرجل المريض، فيباح له النظر إلى موضع العلّة بقدر الحاجة، والمرأة الطبيبة في الحكم كالطبيب الرجل. وهذا الحكم مبني على ترجيح مصلحة حفظ النفس على مصلحة ستر العورة عند التعارض. سابعًا: الضرورة تُقدَّر بقدرها: فإذا جاز النظر والكشف واللمس وغيرها من دواعي العلاج لدفع الضرورة والحاجة القويّة فإنه لا يجوز بحال من الأحوال التعدّي وترك مراعاة الضوابط الشرعية ومن هذه الضوابط ما يلي: 1ـ يقدّم في علاج الرجال الرجال وفي علاج النساء النساء. - وعند الكشف على المريضة تُقدّم الطبيبة المسلمة صاحبة الكفاية. - ثمّ الطبيبة الكافرة. - ثمّ الطبيب المسلم. - ثمّ الطبيب الكافر. - وكذلك إذا كانت تكفي الطبيبة العامة فلا يكشف الطبيب ولو كان مختصًا. - وإذا احتيج إلى مختصة من النساء فلم توجد جاز الكشف عند الطبيب المختص. - وإذا كانت المختصة لا تكفي للعلاج وكانت الحالة تستدعي تدخّل الطبيب الحاذق الماهر الخبير جاز ذلك.

- وعند وجود طبيب مختص يتفوّق على الطبيبة في المهارة والخبرة فلا يُلجأ إليه إلا إذا كانت الحالة تستلزم هذا القدر الزائد من الخبرة والمهارة. - وكذلك يُشترط في معالجة المرأة للرجل أن لايكون هناك رجل يستطيع أن يقوم بالمعالجة. 2ـ لا يجوز تجاوز الموضع اللازم للكشف فيقتصر على الموضع الذي تدعو الحاجة إلى النظر إليه فقط، ويجتهد مع ذلك في غضّ بصره ما أمكن، وعليه أن يشعر أنه يفعل شيئا هو في الأصل محرّم وأن يستغفر الله عما يمكن أن يكون حصل من التجاوز. 3ـ إذا كان وصف المرض كافيًا فلا يجوز الكشف. - وإذا أمكن معاينة موضع المرض بالنظر فقط فلا يجوز اللمس. - وإذا كان يكفي اللمس بحائل فلا يجوز اللمس بغير حائل وهكذا. 4ـ يُشترط لمعالجة الطبيب المرأة أن لا يكون ذلك بخلوة فلا بدّ أن يكون مع المرأة زوجها أو محرمها أو امرأة أخرى من الثقات. 5ـ أن يكون الطبيب أمينًا غير متهم في خلقه ودينه ويكفي في ذلك حمل الناس على ظاهرهم. 6ـ كلما غَلُظت العورة كان التشديد أكثر؛ ولذلك لا بدّ من التشديد البالغ في مثل حالات التوليد وختان الإناث اليافعات. 7ـ أن تكون الحاجة إلى العلاج ماسة كمرض أو وجع لا يُحتمل أو هُزال يُخشى منه ونحو ذلك أما إذا لم يكن مرض أو ضرورة فلا يجوز الكشف عن العورات كما في حالات التوهّم والأمور التحسينية. 8ـ كلّ ما تقدّم مُقيّد بأمن الفتنة وثوَران الشهوة من كلّ من طرفي عملية المعالجة.

هل هناك حل للاختلاط في المستشفيات؟

هل هناك حل للاختلاطِ في المستشفيات؟ (¬1) يتمنى كثير من الأطباءُ الأخيار، والطبيباتُ الخيِّرات، وغيرُهم: منعَ الاختلاطِ في المستشفيات، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير. وهناك حلٌّ للمتفائلين، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين: المرحلة الأولى على المدى القريب، والمرحلة الثانية تكون على المدى البعيد. أما المدى البعيد فهو ما نادى به الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، ومن قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -، وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء، وآخرُ بالرجال. ويبدأ ذلك من دراسة الطب: كليةٍ خاصةٍ للنساء، وأخرى للرجال، ومستشفى تعليمي للنساء، وآخرُ للرجال (¬2). أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور: أولًا: وجودُ القناعةِ الشرعيةِ بحرمةِ الاختلاط، وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم. ثانيًا: أن يقومَ ببيانِ ذلك للأطباءِ وطلابِ الطب الأطباءُ أنفسُهم؛ فلابد أن يسمعَ طالبُ الطبِ من أستاذِه الصالح: أن الاختلاط محرمٌ شرعًا، وأن هذا الواقعَ لابدَ من ¬

(¬1) الاختلاط في المستشفيات صوره، وحكمه بالأدلة، وآثاره، ورد الشبه فيه، ووسائل التخلص منه، وفتاوى العلماء، يوسف بن عبد الله بن أحمد الأحمد، المحاضر بجامعة الإمام ـ كلية الشريعة بالأحساء. (¬2) وقد ظهرت نماذج ناجحة لمستشفيات نسائية في الرياض والقصيم بالسعودية، (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص217). ومن الخطوات الطيبة أن بجامعة الأزهر مستشفى خاص بالطبيبات وطالبات الطب، وهو مستشفى الزهراء بالقاهرة.

إصلاحِه، وأن الجميع يتحمل واجب تغييره، وأنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام. وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدةِ الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظريًا أو عمليًا كموضوع منع الاختلاط، وحفظ العورات. وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن يُنْتَقَد فيسكت، أو يبرر واقع الاختلاط، أو يقول بأن التغيير مستحيل فينشر التثبيط وهو لا يشعر، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم. ثالثًا: التدرج في منع الاختلاط. نتدرج مع الناس، ومع الأطباء، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط، لطول ما نشأوا عليه، فيضع الأخيار تخطيطًا متدرجًا حتى يتم قبوله من الكثير. فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة. واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية، أو المحاضرات الطبية، ما المانع أيضًا أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى، فيكون للنساء غرفة، وأخرى للرجال، ويكون النقاش من خلال الهاتف. ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات: أن تخصص غرف للمريضات، وأخرى للرجال، فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والفَنِّيّات والممرضات،

وما دعت إليه الضرورة من الرجال. وهكذا فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلًا خمسة، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام. ومن التدرج: إلزام الطبيبات، والفنيات، والممرضات؛ المسلمات وغير المسلمات لباسًا ساترًا وموحدًا في لونه وصفته، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أوالدراسي إن كانت طالبة. وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج، وليس هو الأمر المنشود، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال. رابعًا: السعي في إنشاء كليات طب النساء والولادة، ولكن تكون كليات طب النساء والولادة للطالبات فقط، ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولادة، ويوجد في اليابان سبع عشرة كلية لطب النساء والولادة، ولا يدخلها إلا الطالبات فقط، والسعي في أن تكون جميع كليات الطب على هذا الفصل. خامسًا: الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب، والعاملين في المستشفيات.

فتاوى متعلقة بالاختلاط للتداوي

فتاوى متعلقة بالاختلاط للتداوي قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض (¬1): الحمد لله وحده والصلاة والسلام من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشر، المنعقدة بمكة المكرمة والتي بدأت يوم السبت 20من شعبان 1415هـ، قد نظر في هذا الموضوع، وأصدر القرار التالي: 1 - الأصل الشرعي أنه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس، ولا كشف عورة المرأة للمرأة، ولا عورة الرجل للرجل. 2 - يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقراره رقم 85/ 12/85، في 1 - 7/ 1/ 1414هـ وهذا نصه: «الأصل أنه إذا توافرت طبيبة مسلمة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم طبيبة غير مسلمة. فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذا بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة؛ خشية الخلوة» انتهى. ¬

(¬1) انظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورات من الأولى إلى السادسة عشرة، القرارات من الأول إلى الخامس والتسعين (1398 - 1422هـ /1977 - 2002م) (ص 306 - 307).

خلوة الطبيب بالمريضة

3 - في جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب إلا من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت. 4 - يجب على المسؤولين في الصحة، والمستشفيات حفظ عورات المسلمين والمسلمات من خلال وضع لوائح وأنظمة خاصة، تحقق هذا الهدف، وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة وعدم كشفها أثناء العمليات إلا بقدر الحاجة من خلال اللباس المناسب شرعًا. 5 - ويوصي المجمع بما يلي: 1 - أن يقوم المسؤولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية فكرًا ومنهجًا وتطبيقًا بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوه عنايتهم الكاملة لدفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم وصيانة أعراضهم. 2 - العمل على وجود موجه شرعي في كل مستشفى للإرشاد والتوجيه للمرضى. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله رب العالمين. وقد وقع قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي مجموعة من العلماء، وعلى رأسهم رئيس المجلس الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -. خلوة الطبيب بالمريضة: س: حيث إن المرأة المسلمة قد تمرض وتحتاج إلى كشف طبيب، وقد لا يوجد في المستشفى طبيبة من النساء تتولى ذلك، فيحال الكشف إلى الأطباء من الرجال، فهل يبيح الشرع خلوة هذا الطبيب بهذه المريضة ومنع محرمها أن يرافقها بحجة أن معه ممرضة غير محجبة، رغم أنها أجنبية من الطبيب، وحضور المحرم يستدعي تحجبها منه،

فهل يبيح الشرع منع المحرم من حضور الكشف لهذه العلة وخلوة الطبيب بالمريضة أم لا بد من حضور المحرم؟ أفتونا مأجورين. ج: لا يجوز أن يخلو الطبيب بالمرأة المريضة للكشف عليها، بل لا بد من حضور زوجها أو محرمها أثناء الكشف عليها (¬1). س: أنا ممرض وأعمل في تمريض الرجال ومعي ممرضة تعمل في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي ويستمر ذلك حتى الفجر , وربما حصل بيننا خلوة كاملة , ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع فهل نترك الوظيفة مخافة لله وليس لنا وظيفة أخرى للرزق , نرجو توجيهنا بما ترون؟ ج: لا يجوز للمسئولين عن المستشفيات أن يجعلوا ممرضًا مداومًا وممرضة يبيتان وحدهما في الليل للحراسة والمراقبة , بل هذا غلط ومنكر عظيم , وهذا معناه الدعوة للفاحشة , فإن الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها , ولهذا صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (¬2). فلا يجوز هذا العمل , والواجب عليك تركه؛ لأنه محرم ويُفْضِي إلى ما حرم الله - عز وجل - , وسوف يعوضك الله خيرًا منه إذا تركته لله سبحانه , لقول الله - عز وجل -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (24/ 421 - 422) الفتوى رقم (8147). (¬2) رواه بهذا اللفظ النسائي في (السنن الكبرى)، والشافعي في (مسنده) وابن حبان في (صحيحه)، والبزار في مسنده، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: «إسناده صحيح على شرطهما». ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» ولفظ: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»، وصححه الأرنؤوط. ورواه الترمذي وغيره بلفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ».وصححه الألباني.

خلوة الطبيب بالممرضة في غرفة الكشف

مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق: 2 - 3).وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)} (الطلاق: 4). وهكذا الممرضة عليها أن تحذر ذلك وأن تستقيل إذا لم يحصل مطلوبها؛ لأن كل واحد منكما مسئول عما أوجب الله عليه وما حرم عليه» (¬1). خلوة الطبيب بالممرضة في غرفة الكشف: س: أنا طبيب في غرفة الكشف ترافقني ممرضة في نفس الغرفة , وحتى يحضر مريض يحصل بيننا حديث في أمور شتى , فما هو رأي الشرع في هذا؟ ج: حكم هذه المسألة حكم التي قبلها , فلا يجوز لك الخلوة بالمرأة , ولا يجوز أن يخلو ممرض أو طبيب بممرضة أو طبيبة , لا في غرفة الكشف , ولا في غيرها , للحديث السابق , ولما يفضي إليه ذلك من الفتنة إلا من رحم الله , ويجب أن يكون الكشف على الرجال للرجال وحدهم , وعلى النساء للنساء وحدهن» (¬2). طبيبة تعالج الرجال: س: ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجال في مجال طب الأسنان , هل يجوز , علما بأنه يتوفر أطباء من الرجال في نفس المجال ونفس البلد؟ ج: لقد سعينا كثيرًا وعملنا كثيرًا مع المسئولين لكي يكون طب الرجال للرجال وطب النساء للنساء , وأن تكون الطبيبات للنساء والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها , وهذا هو الحق؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله. ¬

(¬1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/ 430 - 431). (¬2) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/ 431).

فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل فهذا لا بأس به , والله يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام: 119). وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال والطبيبات للنساء، وأن يكون قسم الأطباء على حدة وقسم الطبيبات على حدة، أو يكون مستشفى خاصًّا للرجال ومستشفى خاصًّا للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار , هذا هو الواجب على الجميع (¬1). س: أنا طبيبة أعمل في بلد أجنبي ويتطلب عملي الكشف على مرضى من الرجال والنساء، يعني هذا أنني كثيرًا ما أكون بمفردي في الغرفة مع رجل مريض، هل هذا خطأ من الناحية الإسلامية؟ هل يجب أن أعالج النساء والأطفال فقط؟ شخصيًا فأنا لا أشعر بأنني أفعل شيئًا خطأ لأن جميع المرضى بغض النظر عن جنسهم ذكر أو أنثى يذهبون للطبيب للعلاج. أرجو أن تخبرني برأيك. ج: نلمس من سؤالك أيتها الأخت الكريمة حرصًا على معرفة الحكم الشرعي الصحيح، وحبًّا لتعلم أمور دينك وما يتعلق منها بعملك، فنسأل الله أن يوفقنا وإياك لسلوك ما يرضي الله تعالى وأن يجنبنا معصيته أو مخالفة أمره في أي شأن من شؤوننا. معلوم أن النساء هن شقائق الرجال في المجتمع ولهن دور عظيم في تربية الأجيال ونهضة الأمة، وللمرأة أن تعمل خارج بيتها فيما يناسبها من الأعمال دون أن تُعَرِّض نفسها للمخالفات الشرعية. ¬

(¬1) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/ 432 - 433).

دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط

وأما معالجة المرضى الرجال وما يتبع ذلك من اختلاط وخلوة فهذا مما لا يجوز شرعًا، بل هي فتنة حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (رواه مسلم)، وقال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). ولا يجوز للمرأة أن تُعالج رجلًا إلا للضرورة، كما لو لم يوجد طبيب رجل يعالجه، أو كان الأمر لا يحتمل التأخير كالحوادث وما أشبه ذلك. قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «الواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء، والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل، فهذا لا بأس به، والله يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام: 119)». لذا عليك أن تقتصري في العلاج على النساء والأطفال كما ذكرت، واحتسبي عملك هذا عند الله سبحانه وتعالى، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه (¬1). دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط (¬2): س: نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا، وقد رأى بعضنا ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد المنجد (سؤال رقم 20460). (¬2) ((فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 79549).

أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات. وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابًا مقنعًا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم. ج: أولًا: نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل. ثانيًا: لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه: «الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة. ويوصي بما يلي: أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظرًا لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء» (¬1). وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص. ثالثا: إذا ابتلي المسلمون في بلد ما، بكون جميع المستشفيات مختلطة، فهذا واقع ¬

(¬1) نقلًا عن مجلة المجمع (8/ 1/49)، وانظر قرارات المجمع الفقهي الإسلامي (ص 306 - 307).

استثنائي مؤلم، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة. فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة، غير المختلطة، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة، وقصر النظر على موضع الحاجة. وجوابنا هذا مبني على أمرين: الأول: ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما. والثاني: ـ وهو متفرع عن الأول ـ ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة؛ لتخفيف الشر ما أمكن، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه، ويخفف من المكوس ما استطاع، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم، فأفتى - رحمه الله - بأنه يجوز له البقاء في ولايته، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه، وقال: «وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ

وَاجِبًا إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ قَادِرًا عَلَيْهِ؛ فَنَشْرُ الْعَدْلِ ـ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَرَفْعُ الظُّلْمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ـ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ يَقُومُ كُلُّ إنْسَانٍ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ ... » (¬1). ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريمًا شديدًا، وهو من كبائر الذنوب، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر، والتقليل منه بحسب الإمكان، جاز ذلك. وقد علق الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله: «والمصالح العامة يجب مراعاتها، لو مثلا تركنا مسألة الطب، وصار أهل الخير لا يتعلمون الطب، قال: كيف أتعلم الطب وإلى جانبنا نساء ممرضات ومتعلمات ومطبقات لمعلومات؟ نقول: هل أنت إذا امتنعت عن هذا هل سيبقى الجو فارغًا؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، وأنت ربما إذا اجتمعت أنت والثاني والثالث والرابع، ربما في يوم من الأيام يهدي الله ولاة الأمور ويجعلون النساء على حدة والرجال على حدة» (¬2). وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تامًّا أن يتم الفحص: يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرًا، يعني هناك مجال للتهرب منها، لكن حتى يقيم الحالة تقييمًا تامًّا يقتضي أن يفحص ... ». ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (30/ 356 - 360). (¬2) شرح كتاب السياسة الشرعية (ص 149).

الاختلاط في المستشفيات

فأجاب: «الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها» (¬1). الاختلاط في المستشفيات: س: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من سعادة مدير عام الخدمات الطبية في القوات المسلحة، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (2930) وتاريخ 20/ 6 / 1416 هـ , وقد سأل سعادته سؤالا هذا نصه: «لا يخفى على سماحتكم أن الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة، يتبعها العديد من مستشفيات القوات المسلحة بمختلف مناطق المملكة، وهذه المستشفيات تضم الكثير من العاملين، سواء أطباء أو عاملين بجهاز التمريض، وكل هؤلاء لهم تعامل يومي مباشر مع المرضى، وبلا شك هناك أحكام شرعية تتعلق بالطرفين: المرضى خلال فترة مرضهم، والأطباء والجهاز التمريضي خلال تعاملهم مع هذا المريض، وهذه الأحكام قد تخفى على البعض. لذا نأمل تكرم سماحتكم بالتوجيه لمن يلزم بتزويدنا بالفتاوى الصادرة عن ¬

(¬1) لقاءات الباب المفتوح (1/ 206).

سماحتكم وعن اللجنة الدائمة للإفتاء في هذين الموضوعين، لنتمكن من تعميمها على المستشفيات لدينا، ليكون العاملون بها على علم ودراية بتلك الأحكام، للرجوع إليها عند الحاجة. جزاكم الله خيرا وبارك سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته». ج: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بما يلي: يجب على الأطباء ومساعديهم من الممرضين وغيرهم، القيام بالواجبات الشرعية في كل حال من أحوالهم، وعدم التساهل فيها، ومن ذلك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي: الصلاة، فلا يجوز التفريط فيها، ولا تأخيرها عن وقتها، خاصة عند وجود ما قد يشغل ويصد، فإن داعي الشر قد يوسوس للإنسان بالأعذار الواهية والحجج الفاسدة ما يبرر له تقصيره، والصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عقله معه، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها. وهناك بعض الأحكام الشرعية الأخرى التي يلزم الأطباء ومساعديهم معرفتها منها: 1 - عدم جواز الاختلاط بين العاملين من الرجال والنساء، فإن شر الاختلاط عظيم، وخطره وبيل على الفرد والمجتمع. 2 - عدم تجمل العاملات في المستشفيات من طبيبات وممرضات وغيرهن، سواء بالثياب أو العطور، فإن تعطر المرأة وتجملها أمام الأجانب عنها يجر من الشرور ما لا يخفى. 3 - عدم خضوع العاملات في المستشفيات بالقول عند حاجتهن للتحدث مع الرجال غير محارمهن، على أنه لا يجوز لهن التحدث معهم إلا من وراء حجاب، ودون اختلاط، ولا يخفى أن إقامة أجنحة خاصة بالنساء لا يدخلها الرجال ميسور والحمد لله. 4 - عدم التبرج من قبل النساء العاملات، ولزوم الحجاب الشرعي، بتغطية جميع

البدن، بما في ذلك الوجه والكفين. 5 - يحرم على الأطباء والطبيبات ومساعديهم النظر إلى العورات إلا عند الضرورة، وإذا دعت الضرورة فتقدر بقدرها، فلا ينظر إلا إلى موضع الحاجة على أنه يجب ألا يكشف على الرجل إلا رجل، ولا على المرأة إلا امرأة، إلا إذا لم يتيسر ذلك ودعت الضرورة فلا حرج في كشف أحدهما على الآخر، مع القيام بواجب الأمانة الشرعية، فلا ينظر إلا إلى موضع المرض، على أن يكون بحضرة من تنتفي معه الخلوة، وبالنسبة للمرأة المريضة فلا بد من حضور وليها إذا تيسر ذلك. 6 - يجب على جميع العاملين في المستشفيات عدم إفشاء أسرار المرضى، ولزوم الكتمان في هذه الأمور، فإن إفشاءها ـ مع أنه خيانة للأمانة وهتك للأسرار ـ فإنه يجر من الشرور ما لا يخفى. 7 - يجب على جميع العاملين عدم التشبه بالكفار، وقد ورد النهي صريحا في تحريم ذلك، وعلى المسلم أن يعتز بدينه وانتمائه إليه، فلا يضعف ولا ينهزم (¬1). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (24/ 402 - 405).

ضوابط تعامل الطبيب مع النساء

ضوابط تعامل الطبيب مع النساء: س: أنا طبيب أسنان تخرجت منذ سنة تقريبًا، وأريد أن أعرف شرعية التعامل مع المرضى من النساء؛ مثلا: من تود من أهلي التعالج عندي، ماذا أفعل معها؟ علما بأني ولله الحمد متفوق في عملي (بفضل الله - عز وجل -)، فإذا لم أعالجها عالجها غيري من الرجال الذين قد لا يتقنون التعامل بمقاييس شرعية، وقد يتعاملون مع المرضى وكأنهم يتاجرون فيهم، فأريد وضع ضوابط للتعامل مع النساء في عملنا، (خصوصا أنه ليس من السهل أن يتعامل المرء مع طبيب ثم يكتشف أنه لا يتقن المهنة، فهو قد يعرض نفسه وبدنه للأذى). أرجو التفصيل في الجواب .. شاكرًا لكم حسن تعاونكم. ج: الأصل في التطبيب أن يعالج كل جنس جنسه، فالنساء يعالجن النساء، والرجال يعالجون الرجال، ويجب على أهل الشأن وكل من لديه قدرة على تغيير الواقع أن يسعى إلى ذلك. فإن لم يمكن وجود المثيل من الجنس جاز التداوي عند الجنس الآخر بشروط أهمها: (1) أن يكون التداوي بالنسبة للمرأة بوجود محرم لها، أو امرأة ثقة، والمقصود عدم الخلوة عمومًا، بالنسبة للرجال أو النساء. (2) الاقتصار من النظر على القدر اللازم. (3) الأمن من الفتنة. وبالنسبة لك كطبيب أسنان، فإذا كانت المرأة التي تريد العلاج من محارمك ويباح لك النظر لها والخلوة بها، فتداويها عندك باعتبارك محرمًا لها وهذا هو الصحيح، وكذلك إذا لم يوجد غيرك من محارمها، بشرط أن تكون صاحب كفاءة في أمر المعالجة

حكم حقن الممرضة الإبر للرجال

المقصودة، والله أعلم (¬1). حكم حقن الممرضة الإبر للرجال: س: هل يجوز لي أن أعمل كمساعدة لممرض بحيث أقوم بضرب للإبر في المؤخرة سواء للنساء أو للرجال في حالة عدم تواجده بالعيادة، بالإضافة إلى قياس الضغط إلى آخره، وخصوصًا أنني بحاجة إلى ذلك المال الذي سوف أتقاضاه إن شاء الله تعالى. ج: عمل المرأة في ذاته جائز، بل قد يكون مستحبًا أو واجبًا، إذا احتاجت إليه، كأن تكون قد فقدت عائلها بطلاق أو تَرَمُّل، أو يُتْم، أو عجز عن الإنفاق والكسب، ولا رزق لها تعيش منه، مع قدرتها على الكسب الذي يغنيها عن السؤال والتعرض للناس. وكذا الحال إذا كانت المرأة تعمل عملًا يحتاجه المجتمع نفسه، كأن تكون طبيبة، أو ممرضة للنساء، أو معلمة لهن، فيجوز لها أن تعمل في هذا المجال، ولو لم يكن بها حاجة إلى العمل لحاجة المجتمع إلى ذلك، بل ربما كان عليها واجبًا في بعض الأحوال. وعلى المرأة التي تعمل أن لا تعمل في مجال يستلزم فيه عملها الاختلاط المحرم بالرجال الأجانب، أو الخلوة بهم، وإن دعت الضرورة إلى الاختلاط بالرجال، فليكن في أضيق نطاق، لأن الضرورة تقدر بقدرها، ولابد من تجنب الخلوة بالواحد منهم على كل حال. كما لابد أن تكون ملتزمة بحجابها وحشمتها ووقارها، ولا تخضع بالقول. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)} (الأحزاب:59). ¬

(¬1) فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم، المجيب د. عبد الرحمن بن أحمد بن فايع الجرعي، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، التاريخ 12/ 8/1424هـ.

شروط علاج المرأة عند الطبيب

وقال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور: 31). وقال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب:2 3) والنصوص في ذلك كثيرة. ويشترط لذلك أيضًا ألا يكون عملها ذلك سببًا في إخلالها بما هو واجب عليها، كتربيتها لأولادها، وواجبها نحو زوجها. ومما تقدم تعلمين أن لك أن تعملي مساعدة ممرض ما دُمْتِ ملتزمة بالشروط الواجب توفرها في عمل المرأة. وأما بالنسبة لضرب الإبر للرجال، فلا يجوز لك ذلك، لأن هذا يستلزم اطلاعك على عورة الرجل، ولك أن تشترطي أن لا تقومي بهذا العمل إلا للنساء فقط، ما لم يكن هنالك رجل على حالة لا تسمح بتأخير الحقنة حتى يأتي الممرض الذكر، فلك أن تقومي بحقنه، ولتقصري نظرك على موضع الحقن فقط (¬1). شروط علاج المرأة عند الطبيب: س: أنا فتاة بدينة جدًا فاضطررت أن أقوم بالرچـيم بالإبر الصينية عند الطبيب فالطبيب يضطر إلى وضع الإبر أسفل البطن بالقرب من منطقة العانة فأنا أسأل إذا كان حرامًا أم حلالًا. ج: لا شك أن هذه المنطقة ـ التي ذكرت السائلة ـ من العورة التي لا تجوز رؤيتها ولا مباشرتها لغير الزوج، إلا عند الضرورة المحققة؛ وعليه، فإذا كانت مضطرة اضطرارًا حقيقيًا لإزالة هذه البدانة أو تخفيفها، فلتتعالج عند طبيبة مسلمة، فإن لم تتيسر لها طبيبة ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 8972).

حكم العلاج عند طبيب في حال وجود طبيبة بأجرة غالية

مسلمة فلتتعالج عند طبيبة كافرة، فإن لم تتيسر لها فعند طبيب مسلم، فإن لم يتيسر لها الطبيب المسلم فعند كافر، ويشترط في علاجها عند الطبيب الذكر ـ مسلمًا كان أو كافرًا ـ أن يتم مع وجود من تنتفي به الخلوة، فلا يجوز لها أن تخلو بالطبيب الذكر بحال (¬1). حكم العلاج عند طبيب في حال وجود طبيبة بأجرة غالية: س: أوَدّ عمل تقويم لأسناني فهل لي أن أذهب إلى الطبيب علمًا بأنه لا يوجد طبيبات إلا بمبالغ كبيرة جدًا وعلمًا بأنه لن تكون هناك خلوة؟ ج: على المرأة أن تجتنب العلاج عند الأطباء الذكور ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. وزيادة مبلغ من المال لا تضر إذا كانت في مقابل أن تصون المرأة نفسها عن نظر الأجانب إليها، ولم تكن زيادة فاحشة أو مجحفة. وننبه السائلة إلى أن تقويم الأسنان الذي عبرت به، إذا كان مرادها به تفليجها أو ما في معناه من تغيير خلق الله فلا يجوز بحال من الأحوال، لا عند طبيبة ولا عند طبيب، لما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» (¬2). حدُّ الضرورة المبيحة لعلاج المرأة عند طبيب: س: ما حكم ولادة المرأة وعلاجها عند طبيب نسائي وبدون ضرورة مع وجود عدد كبير من الطبيبات الأخصائيات بالتوليد والعقم؟ من تفعل ذلك هل عليها إثم؟ ج: لا يحل للمرأة المسلمة أن تتعالج عند رجل إلا إذا لم توجد امرأة تحسن ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 12942). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 14083).

التطبيب، فإذا لم توجد، وخشي على المرأة أن تهلك أو يصيبها وجع لا تحتمله، جاز أن يعالجها رجل فيمس وينظر إلى ما تدعو الحاجة إليه من جسدها مع عدم الخلوة بها. يقول الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج): «ومباحان (النظر واللمس)، لفصد وحجامة وعلاج، ولو في فرج للحاجة الملجئة إلى ذلك، لأن التحريم حينئذ حرج، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، ويشترط عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة وعكسه» ا. هـ كتاب النكاح. وفي شرح البهجة: «ويعتبر في النظر للعلاج حضور محرم أو زوج أو نحوهما ممن يباح له النظر بغير حاجة، وفقد معالج من الجنس». ا. هـ. يعني بفقد معالج من الجنس: أن لا توجد امرأة تعالج امرأة، أو رجل يعالج رجلًا؛ وعلى هذا، فلا يجوز للمرأة أن تتعالج عند رجل إذا وجدت الطبيبة التي تفي بالغرض (¬1). ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 19439).

الاختلاط في المواصلات

الاختلاط في المواصلات انفراد سائق الحافلة بالمرأة (¬1): س: هناك مشارِكات في أحد مراكز تحفيظ القرآن يتم تجميعهم بحافلة والسائق لا يوجد معه محرم كزوجته، والسؤال هو: بالنسبة للراكبة الأولى صباحًا والأخيرة ظهرًا، وهل يعتبر وجودها مع السائق خلوة محرمة؟ ج: تتابعت فتاوى أهل العلم على تحريم خلوة السائق بالمرأة الأجنبية، للنص على تحريم الخلوة بالأجنبية، ولما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى على أحد، سواء كان الذهاب إلى مراكز التحفيظ أو إلى المساجد، ومن باب أولى إلى الأسواق وما شابهها، وهذا الحكم يتعلق ـ كما في السؤال ـ بالراكبة الأولى صباحًا، وبالأخيرة ظهرًا، وحتى يرتفع الحرج هنا فينبغي أن تركب طالبتان صباحًا معًا، وتنزل طالبتان ظهرًا معًا، وهذه بعض فتاوى أهل العلم: قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: «لم يبق شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة بدون محرم يرافقها: منكر ظاهر، وفيه عدة مفاسد لا يستهان بها، ... ، والرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين، ناقص الرجولة، قليل الغيرة على محارمه، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» (¬2)، وركوبها ¬

(¬1) ((فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 10374). (¬2) الحديث بهذا اللفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، ولفظ: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»، وصححه الأرنؤوط.

معه في السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت ونحوه؛ لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث شاء من البلد أو خارج البلد، طوعًا أو كرهًا، ويترتب على ذلك من المفاسد أعظم مما يترتب على الخلوة المجردة. ولا يخفى آثار فتنة النساء والمفاسد المترتبة عليها؛ ففي الحديث: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم)، وفي الحديث الآخر: «اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (رواه مسلم). لهذا وغيره مما ورد في هذا الباب، وأخذاً بما تقتضيه المصلحة العامة ويُحَتِّمُه الواجب الديني علينا وعليكم: نرى أنه يتعيَّن البَتّ في منع ركوب أي امرأة أجنبية مع صاحب التاكسي بدون مرافق لها مِن محارمها أو مَن يقوم مقامه مِن محارمها أو أتباعهم المأمونين المعروفين .... » (¬1). وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: «لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرمًا لها وليس معهما غيرهما؛ لأن هذا في حكم الخلوة، وقد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «لَا يَخْلُوَنََّّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم» (رواه البخاري ومسلم)، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانُ كَانَ ثَالِثَهُمَا» (¬2). أما إذا كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر: فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة؛ لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر. وهذا في غير السفر، أما في السفر: فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرَم؛ ¬

(¬1) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 553، 554). (¬2) رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، ولفظ: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»، وصححه الأرنؤوط.

حكم الاختلاط في المواصلات

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلّا مَعَ ِذي مَحْرَم» (متفق على صحته)، ولا فرق بين كوْن السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر، والله ولي التوفيق» (¬1). وقال الشيخ محمد الصالح العثيمين: «إنه لا يجوز للرجل أن ينفرد بالمرأة الواحدة في السيارة إلا أن يكون محرَمًا لها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لَا يَخْلُوَنََّّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم» (¬2). أما إذا كان معه امرأتان فأكثر: فلا بأس؛ لأنه لا خلوة حينئذٍ بشرط أن يكون مأموناً وأن يكون في غير سفرٍ، والله الموفق» (¬3). وقال الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ: «لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم، لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له. وإذا كان مع السائق جماعة من النساء: فالأمر أخف لزوال الخلوة المحذورة، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} (الأحزاب: 32) (¬4). حكم الاختلاط في المواصلات: س: وسائل النقل في بلدنا جماعية ومختلطة وأحيانًا يحدث ملامسة لبعض النساء دون قصد أو رغبة في ذلك ولكن نتيجة الزحام فهل نأثم على ذلك؟ وما العمل ونحن ¬

(¬1) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 556). (¬2) رواه البخاري بهذا اللفظ:، ورواه مسلم بلفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ». (¬3) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 554 - 555). (¬4) فتاوى المرأة المسلمة (2/ 556 - 557).

لا نملك إلا هذه الوسيلة ولا غنى لنا عنها؟ ج: الواجب على المرء أن يبتعد عن ملامسة النساء ومزاحمتهن بحيث يتصل بدنه ببدنهن ولو من وراء حائل، لأن هذه مدعاة للفتنة والإنسان ليس بمعصوم قد يرى من نفسه أنه يتحرز من هذا الأمر ولا يتأثر به ولكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فربما يحصل منه حركة تفسد عليه أمره، فإذا اضطر الإنسان إلى ذلك اضطرارًا لابد منه وحرص على أن لا يتأثر فأرجو ألا يكون عليه بأس. لكن في ظني أنه لا يمكن أن يضطر إلى ذلك اضطرارًا لابد منه إذ من الممكن أن يطلب مكانًا لا يتصل بالمرأة حتى ولو بقى واقفًا، وبهذا يتخلص من هذا الأمر الذي يوجب الفتنة، والواجب على المرء أن يتقي الله تعالى ما استطاع وأن لا يتهاون بهذه الأمور. (الشيخ ابن عثيمين) (¬1). س: ما هو رأي الدين في اختلاط الرجال بالنساء في المواصلات العامة؟ ج: اختلاط الرجال والنساء في المواصلات على قسمين: الأول: أن يستقل الرجل بكرسي والمرأة بآخر دون مماسة مع التزام الأدب الإسلامي في الحجاب والحديث وغير ذلك، فهذا لا شيء فيه، سواء وجد مع المرأة محرم أم لا، ما داموا في غير سفر. الثاني: مماسة الرجل للمرأة أو اختلاط الرجال والنساء دون التزام للضوابط الشرعية، فلا يجوز (¬2). ¬

(¬1) فتاوى الخلوة والاختلاط، جمع محمد بن عبد العزيز المسند، (ص40 - 41). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 45042).

الجلوس إلى جانب النساء في وسائل المواصلات اضطرارا

الجلوس إلى جانب النساء في وسائل المواصلات اضطرارًا: س: ما حكم جلوس الرجال إلى جانب النساء في وسائل النقل مع العلم أنهم مضطرون لذلك؟ ج: أولا: اختلاط الرجال بالنساء في وسائل المواصلات أو العمل أو الدراسة، محرم؛ لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة لا تخفى. ثانيا: إذا اضطُر الإنسان لركوب وسيلة من وسائل المواصلات المختلطة، فعليه أن يتقي الله تعالى ما استطاع، ويغض بصره عن الحرام، ويتجنب الجلوس بجوار النساء، مهما أمكنه ذلك، ولو بالوقوف على قدميه، ابتغاء مرضاة الله تعالى، وتجنبا للفتنة التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «اتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» (رواه مسلم).وقوله: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). وقد يتفادى الإنسان هذا الجلوس بتبديل مقعده، ونحو ذلك (¬1) {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) (الطلاق: 2 - 3). ثالثًا: إذا اضطر الإنسان للركوب ولم يستطع تغيير المكان، ولا تغيير السيارة، ولا الوقوف على قدميه لكونه أشد زحامًا وملامسة للنساء، فلا حرج عليه حينئذ من الجلوس بجوار امرأة على أن يبتعد عنها بقدر المستطاع. وإذا خاف على نفسه الفتنة وبدأ الشيطان يوسوس له وأشغل فكره فالواجب ¬

(¬1) كوضع حائل من حقيبة أو غيرها، أو حجز المكان المجاور له. (د / ياسر).

حكم الخلوة بالأجنبية في المصعد

عليه أن ينزل فورًا مهما ترتب على ذلك من تأخير للعمل أو الدراسة، لأنه ليس هناك أغلى على المرء من دينه ليحافظ عليه. وقد سألنا فضيلة الشيخ ابن جبرين عن حكم الجلوس بجانب امرأة في وسيلة المواصلات، فأجاز ذلك بقدر الضرورة وبقدر الحاجة إذا أُمنت المفسدة (¬1). حكم الخلوة بالأجنبية في المصعد: س: هل من المحرم الصعود على المصعد مع امرأة بمفردها؟ ج: خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه في المصعد لا تختلف في الحكم عن الخلوة بها في أي مكان، بل لربما كانت في المصعد أشد خطرًا من سواه لضيق المكان، مما يقرب بعضهما من بعض، وهو أدعى للإغراء والنظر واللمس الحرام، مع إمكان المواعدة بينهما من خلاله، ونحوها من المفاسد، والشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، والخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة باتفاق الفقهاء، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذُو مَحْرَمٍ» (متفق عليه). والخلوة سبيل الشيطان في الجمع بين المرأة والرجل على الحرام. قال - صلى الله عليه وآله وسلم - «مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» (رواه أحمد) (¬2). والله أعلم. ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 70427). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 6812).والحديث بهذا اللفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ» رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»، ولفظ: «لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا»، وصححه الأرنؤوط.

حكم استخدام المرأة المصعد المختلط

حكم استخدام المرأة المصعد المختلط: س: إذا كنت مضطرة إلى الصعود إلى دور عالٍ؛ ما حكم الصعود في مصعد فيه رجال ونساء؟ ج: الأصل عدم جواز وجود النساء مع الرجال الأجانب على حال يترتب عليه إثارة الغرائز والفتنة والمفاسد من اختلاط وخلوة، ونحوها، ويجب اجتناب المرأة لمثل هذه المواطن حفاظًا على دينها. فإذا كنت مضطرة إلى ذلك، ولم يكن بالإمكان استخدام مصعد خاص بالنساء، جاز لك الصعود، مع التحرز عن الاحتكاك بالرجال، لما في ذلك من الفتنة (¬1). شروط جواز ركوب المرأة المصعد: س: أنا فتاة في الـ 22 من عمري، أحيانا اضطر إلى الصعود إلى دورٍ عالٍ وأنا بمفردي أو مع والدتي، فهل أستطيع أن أصعد في مصعد إذا كان فيه رجال ونساء؟ ج: لا حرج على المرأة المسلمة أن تصعد في المصعد الكهربائي إذا كان فيه رجال ونساء وانتفت الخلوة، بشرط أن تكون متحجبة حجابًا شرعيًا كاملًا وتَفِلَةً غير متعطرة، وأن لا يكون المصعد ضيقًا بحيث يقرب بعضهم من بعض لأن ذلك أدعى للإغراء والنظر واللمس المحرم، وإن استطاعت أن تترك ذلك وتصعد بالسلم العادي فهو الأولى لها، لأن المرأة المسلمة كلما بعدت عن أعين الرجال الأجانب والقرب منهم كان ذلك أسلم لها من الريبة، وأبعد لها من الفتنة (¬2). ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 21380). ويراعى في هذه الحالة عدم الخلوة ـ ولو لدقائق ـ فربما زادت، كما لو تعطل المصعد، ودفعًا للفتنة. (د/ياسر). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 21470).

الاختلاط في الأسواق

الاختلاط في الأسواق خروج المرأة إلى السوق: س: هل يجوز للنساء الذهاب إلى الأسواق؟ مع العلم بأن الأسواق في مصر يغشاها الاختلاط الفاحش، والزحام الشديد، والشتائم القذرة. ج: إذا كان لها من يعولها أو يكفيها مؤونة قضاء حاجاتها فلا يجوز لها أن تذهب إلى هذه الأسواق، وإلا رخص لها في الذهاب إليها لقضاء ما يلزم للضرورة مع الحذر مما حرم الله (¬1). س: أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، أخرج لقضاء حاجاتي بنفسي، ولي أب وثلاثة إخوة لكن كل واحد منهم منشغل في عمله؛ لذلك أعمل على شراء ما أحتاج إليه لوحدي، فما حكم الشرع في ذلك، وهل هناك حرج في ذلك؟ مع العلم أني ألبس الحجاب منذ أن كنت أدرس، وأخرج بإذن والدي. ج: يجوز للمرأة الخروج لقضاء حوائجها من السوق إذا لم يكن عندها من يقوم بذلك، لكن بشرط التزام الحجاب الشرعي، والابتعاد عن الاختلاط بالرجال، والالتزام بالآداب الشرعية (¬2). الدخول في الأسواق التي فيها منكرات: س: هل يجوز للمسلم أن يدخل سوقًا تجاريًا وهو يعلم أن في السوق نساء ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (27/ 529 - 530). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 379).

كاسيات عاريات وأن فيه اختلاطا لا يرضاه الله - عز وجل -؟ ج: مثل هذا السوق لا ينبغي دخوله إلا لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أو لحاجة شديدة مع غض البصر والحذر من أسباب الفتنة حرصًا على السلامة لعرضه ودينه وابتعادًا عن وسائل الشر. لكن يجب على أهل الحسبة وعلى كل قادر أن يدخل مثل هذه الأسواق لإنكار ما فيها من المنكر عملا بقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة: 71) الآية، وقوله سبحانه وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) (آل عمران: 104)، والآيات في هذا المعنى كثيرة (¬1). ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (27/ 529 - 530).

الاختلاط للإنقاذ

الاختلاط للإنقاذ س: ما حكم مس جسد المرأة أثناء نقلها في الحوادث؟ ج: يجوز ذلك للضرورة، فإن المرأة قد تكون في وسط حريق أو في وسط سيارة قد انقلبت أو انصدمت، وتحتاج إلى إخراجها وإنقاذها من ذلك الحادث، وقد لا يوجد نساء ينقذن مثل هذه المرأة، ولا يوجد أيضًا محرم أو زوج ونحوه، فلأفراد الدفاع أو الإنقاذ أن يجروا المرأة ولو لمسوا جسدها أو نحو ذلك (¬1). س: ما حد حرمة المساكن عند طلب الغوث كحالات الحرائق والفيضانات والهزات الأرضية. ج: يلزم إغاثة المنكوبين والمصابين بالحرائق والفيضانات والهزات الأرضية، ولو استلزم ذلك دخول المساكن والمنازل الخاصة، وكسر الأبواب المغلقة، والنظر إلى النساء في داخل تلك البيوت، لما في ذلك من إنقاذ الأنفس والأموال المحترمة المتعرضة للحريق ونحوه (¬2). ¬

(¬1) فتاوى رجل الدفاع المدني، أجاب عليها وقدّم لها: فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، جمع وإعداد: مصلح بن زويد العتيبي (سؤال رقم 37). (¬2) نفس المصدر. (سؤال رقم 40).

الاختلاط في النزهة والرياضة

الاختلاط في النزهة والرياضة رحلات مختلطة: س: أنا رجل أعيش في ألمانيا وعندي بنت بالغة، وقد طلبت المدرسة منها أن تخرج مع زملائها من البنين والبنات في رحلة، وتبيت خارج البيت عدة أيام دون محرم، فما حكم هذا الأمر في الإسلام؟ أفتونا بالأدلة في الكتاب والسنة. ج: هذا الخروج المذكور لا يجوز للمرأة؛ لما فيه من الاختلاط بالرجال والنساء، ولأنه خروج للمرأة بدون محرم. فالواجب على هذا الوالد منع ابنته من هذا الخروج؛ حفاظا عليها من الوقوع فيما لا تحمد عقباه (¬1). سياحة ولكن: س: هل يحل لي أن أذهب إلى النزهة مع زوجي وأولادي في أماكن مثل الحدائق العامة والمتاحف والمعارض، مع عدم الاختلاط أو تضييع الصلاة، مع العلم بضرورة كشف وجهي في هذه الأماكن، وهل يحل لنا اصطحاب أطفالنا إلى الشواطئ (البلاجات) للسباحة مع فساد هذه الأماكن وانتشار العري، والإباحية فيها؟ وبماذا نرد على من يقول: إننا نحرم التمتع بما خلق الله، مع عدم قدرة الإنسان على غض بصره عن المحرمات في هذه الأماكن لكثرتها وانتشارها؟ ج: لا يجوز الإتيان إلى الأماكن التي انتشرت فيها المنكرات، وفي المتع التي أحلها الله لنا غُنْيَة عَمَّا حرم سبحانه علينا (¬2). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 323). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 361).

حكم زيارة حدائق الحيوانات

س: نعيش على أرض جزيرة، وهي منطقة سياحية، وإذا دخلها الناس الأجانب خلعوا ثيابهم، إلا ما يواري سوآتهم، ويدخلون المتاجر على هذه الهيئة. فهل يجوز للمرأة المسلمة العمل بالمتجر منفردة أو مع زوجها؟ أجبت على هذا السؤال بعدم الجواز صيانة للمرأة عن هذا المجتمع الفاجر والظالم، وأن تبقى في خدرها خير لها والله أعلم. قالوا: إنهم رأوا شيخًا وسألوه فقال لهم: بل يجب أن تنزل المرأة وتعمل بجانب زوجها في متجره؟ حتى لا يميل الزوج إلى الفساد. فما هو الفصل بين الفريقين؟ أفيدونا أفادكم الله. ج: لا يجوز للمرأة الاختلاط بالرجال الأجانب، ومزاولتها البيع لهم، مع ما هم عليه من تجردهم من الملابس إلا ما يواري السوأتين؛ وذلك صيانة للمرأة، وحفظا لها من الفتنة وأسبابها (¬1). حكم زيارة حدائق الحيوانات: س: ما هو حكم حدائق الحيونات؟ ج: لا حرج في إقامة حدائق الحيوانات بشرطين: أولهما: الإحسان إلى الحيوانات الموجودة في الحديقة بالطعام وبالشراب ونحو ذلك. والثاني: منع الاختلاط بين الرجال والنساء في الحديقة عند دخولهم فيها، لما يسببه ذلك من فساد كما هو مشاهد في الواقع، والحل أن يجعل مكان للرجال ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 56).

ومكان للنساء، أو يوم لهؤلاء ويوم لهؤلاء، حتى يتجنب هذا المحذور (¬1). س: ما حكم زيارة حدائق الحيوانات بقصد الاستمتاع بأشكالها ورؤية مناظرها؟ ج: بناء على القول بجواز حبس الحيوانات في أقفاص فإن زيارة الأماكن المخصصة لعرض هذه الحيوانات على العموم مثل ما يسمى اليوم بـ (حدائق الحيوان) جائزة قصد الاستمتاع بهيآتها وأشكالها على اختلاف أنواعها وألوانها. وليس من قبيل المبالغة القول باستحبابها والندب إليها، حيث كان القصد والمحفز لذلك هو التأمل في خلق الله والتفكر في آياته من خلال مشاهدة هذه الحيوانات والتعرف على أنماط حياتها وطبيعتها، مما يورث قطعًا في نفسية المشاهد آثارًا حميدة تتمثل بالأساس في تعميق إيمانه بربه وبصفاته العلى، وعلى سبيل المثال صفات القدرة والعظمة والحكمة. وبوعينا بهذه النتائج الحميدة من هذه الزيارات لمثل هذه الحدائق تتضح الحكمة من دعوة القرآن إلى التفكر في عظمة الكون وجليل مخلوقاته ودقيقها. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) (الأعراف: 185). وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللهِ، ولَا تَفَكَّرُوا فِي اللهِ عَزَّ وَجَلّ» (¬2). ولكن لا يفوتنا هنا أن نُنَبّه إلى كثرة المنكرات في حدائق الحيوان ومنها الاختلاط بين الرجال والنساء، بل وحتى في الأماكن التي يتم فيها تخصيص أيام ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 24522). (¬2) أخرجه البيهقي في (الشعب 1/ 136)، واللالكائي في (السنة 3/ 525)، انظر (الصحيحة 4/ 395).

ممارسة الرياضة مع الاختلاط حرام

لزيارة الرجال وأخرى للنساء (¬1)، ويوجد من أنواع اللباس عند النساء ما لا يجوز أن تظهر به المرأة حتى أمام المرأة الأخرى؛ فلا بدّ من إعداد برامج للدعوة في هذه الأماكن وتحقيق القيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا تكون مثل هذه الأماكن مجالًا لحدوث التساهل والمخالفات الشرعية. وبالنسبة للحدائق في البلدان التي لا يٌمكن القيام فيها بالإصلاح في حدائق الحيوان فإن على المسلم أن ينتقي الوقت المناسب للذهاب بأولاده وإلا فليجتنب أماكن الفساد وليربأ بنفسه وأولاده عن رؤية ما يضر بدينهم، والله الموفق (¬2). ممارسة الرياضة مع الاختلاط حرام: س: هل يجوز اللعب في نادي فيه اختلاط وموسيقى؟ ج: ممارسة الرياضة في النوادي أمر مشروع في أصله، لكن بشرط ألا يوجد فيه ما يخالف الشرع مثل كشف العورات والاختلاط بين الرجال والنساء واستماع أصوات الموسيقى ونحو هذا (¬3). ¬

(¬1) أغلب الظن أن الشيخ يتحدث عن الواقع في السعودية. (¬2) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 21643). (¬3) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 40708).

الاختلاط الأسري

الاختلاط الأسري اختلاط الرجال والنساء في البيت: س: لنا أخ في الله بمصر والده يعمل جزارًا، وظروف العمل تحتاج اختلاط الرجال والنساء في البيت وخاصة الأقارب وأصحاب العمل وغيرهم، وبيتنا عبارة عن طابقين: الطابق الأول لوالدي ولإخواني الذكور، والدور الثاني لي ولزوجتي المحجبة (منقبة) والحمد لله، ولا تظهر على أي شخص من هؤلاء، لا أخي ولا غيره، فنحن نعلم والحمد لله حكم الاختلاط وحكم الحمو أيضًا، ولكن المشكلة هي والدي ووالدتي، حيث إني لو منعت زوجتي من النزول إلى الدور الأرضي الذي يسكن به أبي ووالدتي وإخواني أيضا يغضب أبي، وأنا أعاني من ذلك، مع العلم أني قد طلبت من والدي أن يسكن معي في الدور الثاني فرفض، بحجة أن أخي الكبير يسكن معه. فسؤالي: هل يجوز أن أسكن معهم في هذا السكن بما فيه من اختلاط أو معاشرتهم على هذه الحال التي وصفناها؟ فنحن نعلم حق الوالد والوالدة، مع أني لو خرجت من هذا البيت إلى بيت آخر نطيع فيه الله سبحانه وتعالى سوف يغضب والدي غضبًا شديدًا. أفيدونا أفادكم الله. ج: اجتهد مع والدك في إفهامه الحكم الشرعي في الحجاب وغيره، فإن استجاب فبها، وإلا انفصل عنه وصاحبه بالمعروف (¬1). ¬

(¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 189 - 190).

هذا الأمر لا يبرر الاختلاط

هذا الأمر لا يبرر الاختلاط: س: أعيش أنا وأخى في بيت واحد والحياة مستمرة بيننا حيث إننا لم نقتسم الميراث منذ توفي أبي ويوجد توافق بيننا والسؤال: نجلس في بعض الأحيان كلنا سويًّا أنا وزوجتي وأولادي وهو كذلك فهل في هذا إثم من الناحية الدينية؟ ج: إذا كانت زوجة كل واحد منكما غير محرم للآخر، فإنه لا يجوز أن تجلسوا جميعًا في مكانٍ واحد من غير أن يكون بين الرجال والنساء ستر، لأن المجالسة تستلزم أن ينظر الجلساء بعضهم إلى بعضٍ، ويصعب فيها التحفظ، وخاصة إذا كانت دائمة فتسقط الحواجز، ويحصل الانبساط، وكل ذلك لا يجوز بين غير المحارم، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟»، قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (رواه البخاري ومسلم). والحمو هو: أخو الزوج ومن أشبهه من أقاربه، كابن الأخ، وابن العم، فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» معناه: تعظيم أمر دخول أقارب الزوج على زوجته إن لم يكونوا محارم لها، فالخوف منهم أكثر والفتنة بهم أكبر، لتمكنهم من الدخول على المرأة والخلوة بها من غير أن ينكر ذلك عليهم في عادة الناس. وخلاصة القول: إننا نؤكد عليكم أن تحذروا من الاختلاط، فإنه يفضي إلى مفاسد كثيرة، ومضار كبيرة قد لا ينتبه لها، ولا يفطن لها حتى يقع المرء في براثينها. واعلموا أن دعوى سلامة الصدور، وحسن القصد والنية لا تسوغ ما يحصل من الاختلاط غير المشروع في مثل هذه الحالات.

ولو كان ذلك معتبرًا شرعًا، لكان أولى به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهم الأتقياء الأوفياء، وزوجاتهم الطاهرات الصيّنات العفيفات. وقد قال الله تعالى مبينًا منهاجه في الطريق التي تتم بها المخاطبة بين الطرفين مع ما هم عليه من طهر وعفاف: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53) (¬1). س: إنني أسكن مع أسرتي المكونة من أبي وأمي وأختان أكبر مني، وأخ أصغر مني، ويسكن معنا أخي الأكبر وهو متزوج، وله ابن وقد اجتمعنا أكثر من مرة في أثناء الطعام، أي: إننا نأكل سويًّا، فهل يجوز هذا، وما حكمه؟ ج: لا يجوز للمرأة أن تختلط مع الرجال الذين ليسوا من محارمها وتأكل معهم من إناء واحد؛ لأن هذا يسبب الافتتان بينهم، ويجر إلى وقوع الفاحشة. فلا بد أن تحتجب المرأة وتنعزل عن الرجال الأجانب، وتأكل وحدها أو مع النساء أو مع محارمها، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31). وقال تعالى:: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53). وأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن تكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال في الصلاة من أجل درء الفتنة، وفي غير الصلاة من باب أولى (¬2). ¬

(¬1) فتاوى الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 8975). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 401 - 402).

الاختلاط بالخادمة

الاختلاط بالخادمة: س: لدَيّ خادمة، ووجدنا عندها صورة أطفالي، وصورتي الشخصية، ووجدنا شيئًا يشبه قرن صغير الماعز، ما مدي تصوركم لهذا؟ هل هو نوع من أنواع السحر؟ أم أنها حالة حصلت فجأة ولا علاقه لها بالسحر؟ علمًا بأن الخادمة .. غير مسلمة؟ ج: قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي النظر أولًا في مسألة وجود الخادمات عمومًا في بيوت المسلمين؛ فضلًا عن الخادمات الكافرات. فنقول: إن انتشار هذه الظاهرة يترتب عليه كثير من المفاسد والواقع خير شاهد على ذلك، من هذه المفاسد: أولًا: وهو أخطرها الجناية على الأبناء والبنات في البيت عندما يترك جانب تربيتهم على هؤلاء الخادمات، فيفقد الطفل الجانب العاطفي تجاه والديه، وأمه خاصة، فيفتقد هذا الحنان الذي هو العنصر الأساسي في التوجيه والإرشاد للأطفال. ثانيًا: إن وجود الخادمات في البيت عامل أساسي في تشجيع الأمهات على الخروج من البيت للعمل أو الأسواق أو الزيارات، وهذا مخالف لمقاصد الشريعة في بقاء المرأة في بيتها، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (الأحزاب:33). ثالثًا: إصابة المرأة بالخمول والكسل، وهذا سبب أساسي في إصابة المرأة بكثير من الأمراض. رابعًا: ترك الخادمات في البيوت مع الأبناء المراهقين مما يتسبب في الوقوع في الفواحش. خامسًا: نشأة الأولاد على عقائد وأفكار هدامة مصادمة لعقيدة الإسلام عندما تكون الخادمة كافرة. لكل هذا لابد من اتباع الضوابط الشرعية في اتخاذ الخادمة في البيت، ومن هذه الضوابط:1 - أن تكون الخادمة مسلمة. 2 - استقدام الخادمة مع واحد من محارمها أو زوجها.

طاعة الوالدين في حضور فرح الأخت الذي فيه اختلاط وأغاني

3 - مراعاة الحدود الشرعية في عدم الخلوة أو الاختلاط أو دخول الرجال عليهن. 4 - ألا يوكل أمر تربية الأولاد لهؤلاء الخادمات. أما الموضوع المسؤول عنه فنقول فيه: ما دامت هذه الخادمة كافرة فلا يستبعد أن تفعل كل ما فيه مضرة للمسلم، كما قال تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} (التوبة: 10) فلا القرابة تحميهم ولا العهد يمنعهم، فكيف إذا لم تكن هنالك قرابة ولا عهد؟!. وقرائن الأحوال تشير إلى احتمال سعيها إلى عمل السحر، وإلا فما الفائدة من قرن الماعز، فالواجب عليكم التخلص منها لترتاحوا من شرها، ولا يحملنكم ما رابَكُم مِن أمرها على ظلمها أو مضايقتها؛ قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة: 8) (¬1). طاعة الوالدين في حضور فرح الأخت الذي فيه اختلاط وأغاني س: أختي فرحها قريب وبه اختلاط وبه أغاني وأنا أخاف من غضب أمي وأبي وأختي الوحيدة وأنا أختها الكبيرة والوحيدة هل علي ذنب؟ ماذا أفعل؟ أفيدوني. ج: هنئيها على الباب وانصحيها، وانصحي أهلك، وانصرفي ولا تحضري مكانًا فيه هذه المعاصي ولو غضب الوالدان؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (¬2). تعويد الأولاد من الصغر على الستر وعدم الاختلاط: س: ابنتي تبلغ من العمر 4 سنوات وزوجي يعترض على نزولها حمام السباحة مع ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 18210). (¬2) فتاوى موقع صوت السلف www.salafvoice.com، بإشراف الشيخ ياسر برهامي.

أني ألبسها لبس ما يعرف بالمايوه الشرعي فما الحكم؟ ج: عليك بطاعةِ زوجك، وتنفيذ أمره الذي ليس فيه مخالفة لما شرع الله، واعلمي أن الصبية والصبي دون سبع سنين لا حكم لعورتهما قال الإمام أبو داود: قلت لأحمد: «الصبي يستر كما يستر الكبير؟» أعني الصبي الميت في الغسل. قال: «أي شيء يستر منه وليست عورته بعورة، ويغسله النساء».ونص على ذلك صاحب الروضة من الشافعية. ولا شك أن من أساليب التربية الإسلامية الصحيحة أن يعود الأب والأم ولدهما على ستر العورة من الصغر، حتى إذا بلغ كان معتادًا على الستر، وكذلك ينبغي تعويد البنت من صغرها على عدم الاختلاط بالذكور في أماكن لعبهم ولهوهم. (¬1) ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 1479).

ضوابط المحادثة بين الجنسين

ضوابط المحادثة بين الجنسين س: ما حكم مكالمة النساء؟ ج: لا حرج ـ إن شاء الله ـ في مخاطبة الرجل للمرأة، أو المرأة للرجل إذا كانت ثمة حاجة لذلك، وإذا روعيت الضوابط التي سيأتي ذكرها، ودليل الجواز الكتاب والسنة، وسيرة الصحابة الأئمة، فمن الكتاب، قصة خولة بنت ثعلبة - رضي الله عنها - التي جاءت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والتي أنزل الله عز وجل في شأنها قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)} (المجادلة: 1). ومن السنة حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «أَتَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: «إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلهِ وَلِرَسُولِ اللهِ». الحديث (رواه البخاري ومسلم). هذه بعض أدلة الجواز، لكن ثمة ضوابط لا بد من مراعاتها تضاف إلى ما ذكر من كون ذلك جائزًا عند الحاجة، فمن هذه الضوابط: الأول: عدم إلانة المرأة في القول على وجه يوقع الفتنة بقلب الرجل، قال ابن العربي في قوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (الأحزاب: 32). أمرهن الله تعالى أن يكون قولهن جزلًا، وكلامهن فصلًا، ولا يكون على وجه يحدث في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين المطمع للسامع. (انتهى من كتاب أحكام القرآن). الثاني: عدم التذاذ أيٍّ من الطرفين بصوت الآخر، فإن ذلك يحرم على مَن فعله، قال ابن مفلح في الفروع: «وليس صوت الأجنبية عورة ـ على الأصح، ويحرم التلذذ به، ولو بقراءة».

إلقاء الرجل السلام على المرأة

الثالث: أمن الفتنة، فإن خاف أحدهما على نفسه الفتنة حرم الاستماع والكلام» (¬1). إلقاء الرجل السلام على المرأة: س: ما حكم السلام على النساء المسلمات بالصوت فقط؟ وهل هو مستحب بهدف إفشاء السلام كما في الحديث الوارد؟ ج: الأصل أن السلام من السنة، وإفشاؤه من الدين، غير أن وقوعه من الشاب ونحوه على النساء، أو العكس في الأسواق، والطرقات، والأماكن العامة مما هو مظنة للفتنة، يمنع والحالة هذه درءًا لوقوع مفسدة، ودرء المفاسد في الشريعة مقدم على جلب المصالح، لكن وقوعه من الكبير، وما لا فتنة فيه أو كان له سبب كاتصال بالهاتف لأمر يقتضيه فالظاهر أن لا بأس والحالة هذه (¬2). ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 30792). (¬2) فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم، المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى.

كشف شبهات من اختلط عليه الاختلاط

كشف شبهات من اختلط عليه الاختلاط ليس من طريقة أهل العلم والإيمان تتبع المتشابهات والإشكالات المخالفة للمحكمات وإثارتها ـ خاصةً عند العوام ـ، وهذه الطريقة طريقة أهل البدع والضلال ورثوها عن المنافقين. وكذلك ليس من منهج أهل العلم والإيمان السكوت عن الشبهات والإشكالات التي تثار وتنشر على رؤوس الملأ، فعندهم من الحق والعلم والهدى والضياء ما يقذفون به الباطل فيدحره، قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء: 18).وَقَالَ سبحانه: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17). ومعظم ما ذُكِرَ في هذا البحث هو من الشبهات التي يستند إليها أهل الشهوات، وأهل الشبهات في هذا الزمان، ويثيرونها في وسائل الأعلام المختلفة التي تشاهدُ وتقرأُ وتسمعُ مِنْ قِبلِ ملايين الناس، فنسألُ اللهَ أنْ يحفظنا وجميعَ المسلمين من الفتن ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ (¬1). ¬

(¬1) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، دراسة تأصيلية تطبيقية تبين المنهج العلمي في الإجابة عن الإشكالات التي ربما تعرض في بعض الأحاديث) تأليف: علي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 10).

دعاة الاختلاط من يقلدون؟

دعاة الاختلاط من يقلدون؟ (¬1) لنأخذ بعضًا من رؤوس دعاة تحرير المرأة لكي نكون على حذر ممن يندسون في صفوف المسلمين من أمثالهم. 1 - رفاعة الطهطاوي: هو واعظ مصري، صحب البعثة المصرية المتوجهة إلى فرنسا كإمام لها غير أنه فُتِنَ بأفكار الثورة الفرنسية، لِمَا كان عليه المجتمع الإسلامي ـ آنذاك ـ من ضعف ديني، وتخلف سياسي. أقام رفاعة في باريس خمس سنوات من 1826 - 1831م تقريبًا، وما أن عاد إلى مصر حتى بدأ يبذر البذور الأولى لكثير من الدعوات التي تحمل جراثيمها معه من فرنسا، مثل الدعوة إلى فكرة (الوطنية القومية) بمفهومها المادي المحدود المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدات أوطانهم. وكذلك استوحى من واقع الحياة الفرنسية أفكارًا عن المرأة هي أبعد عن شرائع الإسلام وآدابه، وقد تجلى في مواقفه الجريئة من قضايا تعليم الفتاة، وتعدد الزوجات، وتحديد الطلاق، واختلاط الجنسين، حيث ادّعى أن «السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعيًا إلى الفساد» (¬2)، وذلك ليبرر دعوته إلى الاقتداء بالفرنسين حتى في إنشاء المسارح والمراقص، مدعيًا أن الرقص على الطريقة الأوربية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة، وأنه لا يخرج عن قوانين الحياء، ودعا المرأة إلى التعلم حتى تتمكن من تعاطي الأشغال والأعمال التي يتعاطاها الرجال. ¬

(¬1) انظر عودة الحجاب، الجزء الأول، مسيرة تحرير المرأة من خلال بعض دعاتها البارزين لعبد الله زقيل. (¬2) تخليص الإبريز في تلخيص باريز (ص305).

2 - الصليبي الحقود مرقص فهمي

2 - الصليبي الحقود مرقص فهمي: في سنة (1894م) أي بعد الاحتلال الإنكليزي لمصر بحوالي اثنتي عشرة سنة ظهر أول كتاب في مصر أصدره صليبي حقود من أولياء (كرومر) الملقب باللورد أظهره محتميًا بالنفوذ البريطاني الذي أمَّن له الطريق نحو طعن الإسلام وأهله ذلكم هو (مرقص فهمي) المحامي وكتابه هو (المرأة في الشرق) دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى تحقيق أهداف خمسة محددة وهي: - أولًا: القضاء على الحجاب الإسلامي. - ثانيًا: إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها. - ثالثًا: تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي. - رابعًا: منع الزواج بأكثر من واحدة. - خامسًا: إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط. * لاحظ أن إباحة الاختلاط ـ الذي يتساهل فيه الكثيرون من المسلمين اليوم ـ كان أحد أهداف هذا الصليبي الحقود، وما أظن أحدًا من هؤلاء المتساهلين يوافق على الأهداف الأربعة الأخرى. 3 - قاسم أمين: فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال: وذلك في كتابيه (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) ولقد اعتبر قاسم أمين الحجاب ـ بمعنى حظر مخالطة المرأة بالرجال ـ تشريعًا خاصًا بنساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولقد اتهمه المعارضون بالهذيان، وهاجمه علماء الأزهر هجومًا عنيفًا، وحكم

4 - هدى شعراوي

الفقهاء بخرقه للإسلام واتهموه بالمروق عن الدين، وألّف الشيخ محمد أحمد حسنين البولاقي ـ أحد علماء الأزهر ـ كتابًا للرد عليه وهو كتاب «الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس»، يقول صاحبه فيه «إنه لو كانت مشاركة النساء للرجال ومساواتهن بهم في كشف القناع عن وجوههن .. لندب الشارع إليه، ولأوحاه إلى رسله ولأنزله في كتبه» (¬1)، ولذا يصحح المؤلف بعض الاستشهادات الفقهية التي اعتمد عليها قاسم أمين، ونقلها عن المذاهب الفقهية، حيث رأى أنه يأخذ جزءًا من الرأي الفقهي، ويترك جزءًا آخر، بما يخل بالرأي الفقهي (¬2). ومن الطريف أن عددًا من الشباب المتحمسين ذهبوا إلى بيت قاسم أمين في شارع الهرم وطالبوه أن يسمح لهم بأن يجتمعوا بزوجته على انفراد تطبيقًا لدعوته إلى سفور المرأة. ويُروَى أن صديقًا عزيزًا لقاسم أمين هو المؤرخ الإسلامي رفيق العظم زاره ذات مرة فلما فتح له الباب قال: «جئتُ هذه المرة من أجل التحدث مع زوجتك في بعض المسائل الاجتماعية!»، فدهش قاسم أمين كيف يطلب مقابلة زوجته ومحادثتها؟ فقال له صديقه: «ألست تدعو إلى ذلك؟ إذًا لماذا لا تقبل التجربة مع نفسك؟»، فأطرق قاسم أمين صامتًا. 4 - هدى شعراوي: بعدما عادت من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي كوَّنَتْ هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري سنة 1923، وبطبيعة الحال عمل ذلك الاتحاد بقيادتها لتحقيق ¬

(¬1) الجليس الأنيس في التحذير عما في تحرير المرأة من التلبيس (ص17)، عن الأصول الفكرية لحقوق المرأة في مصر الحديثة، د. منى أحمد أبو زيد أستاذ الفلسفة الإسلامية ووكيل كلية الآداب ـ جامعة حلوان. (¬2) نفس المصدر، ص50 وما بعدها.

الأهداف التي حرص الاستعمار على الوصول إليها وردد نفس المبادئ التي نادى بها من قبل (مرقص فهمي) ونقلها عنه (قاسم أمين). وبعد عشرين عامًا من تكوين هذا الاتحاد استطاع بالنفوذ الأجنبي وأذناب الاستعمار أن يمهد لعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944 م وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة، واتخذت فيه القرارات (المعتادة) وفي مقدمتها بالطبع: - المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب. - تقييد حق الطلاق. - الحد من سلطة الولي أيًا كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي. - تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء. - الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي. (تأمل ما آل إليه حال الاختلاط في المدارس والجامعات وقارن بينه وبين ما كان يطالب به دعاة تحرير المرأة وأذناب الاستعمار).

رد مجمل على دعاة الاختلاط

رد مجمل على دعاة الاختلاط يقال في الاختلاط ما قاله الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في السفور، فمما هو معلوم من الشرع المطهر، وعليه المحققون، أنه ليس لدعاة الاختلاط دليل صحيح صريح، ولا عمل مستمر من عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن حدث في المسلمين حادث السفور في بدايات القرن الرابع عشر، وأن جميع ما يستدل به دعاة الاختلاط لا يخلو من حال من ثلاث حالات: 1 - دليل صحيح صريح، لكنه منسوخ بآيات فرض الحجاب كما يعلمه مَن حقق تواريخ الأحداث، أي قبل عام خمس من الهجرة، أو في حق القواعد من النساء، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء. 2 - دليل صحيح لكنه غير صريح، لا تثبت دلالته أمام الأدلة القطعية الدلالة من الكتاب والسنة على المنع من الاختلاط، ومعلوم أن رد المتشابه إلى المحكم هو طريق الراسخين في العلم. 3 - دليل صريح لكنه غير صحيح، لا يحتج به، ولا يجوز أن تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة، والهدي المستمر من حجب النساء لأبدانهن وزينتهن، ومنها الوجه والكفان (¬1). علة خطأ المبيحين للاختلاط (¬2): إن علة خطأ المبيحين للاختلاط: أنهم لا يعرفون كيف تبنى الأحكام الشرعية: فالأحكام بناء كبناء البيت، لايكفي جمع مواده ليصلح للسكنى، إنما بمعرفة وضع ¬

(¬1) انظر كلام الشيخ بكر أبو زيد في رده على دعاة السفور في (حراسة الفضيلة ص68 - 69). (¬2) كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net. باختصار يسير.

كل مادة مكانها، هنالك يكون مأوى وملاذًا، وعند عامة الناس علم عام بمواضع البناء، من دون إحكام، لا يحكمه إلا المهندس الخبير. كذلك بناء الأحكام الشرعية لا يحكمه إلا العالم الراسخ. والذين تكلموا في إباحة الاختلاط أبانوا عن جهل بطريق بناء الحكم، بظنهم أن مجرد وقوفهم على نص ظاهره أو حتى باطنه مبيح، يكفي في استخراج حكم بالجواز. ولو صح ظنهم لكان لازمه الذي لا ينفك، إباحة الخمر حيث إن فيه نصوصًا ظاهرها وباطنها جواز شربه، كقصة حمزة عم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما شرب الخمر وصار يقول للجمع، ومعهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي»، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» (رواه البخاري ومسلم). ويلزم أيضًا إباحة أشياء أخرى فيها مثل ما في الخمر، ولذلك لا يصح ـ ديانة ـ لمن لم يعرف الطريق أن يتطفل عليه، حتى يتفقه ويعرف طرق التأويل والاستنباط والقياس، ويتعلم الأصول والقواعد الفقهية، ويحيط بالناسخ والمنسوخ وما كان أصلا أو استثناءً، وحال الضرورة والسعة، ومراتب الأوامر النبوية. والاختلاط فيه نصوص متعارضة، وليس هو بدعة في هذا، بل لو نظرت في سائر الأحكام الشرعية لوجدت فيها من التعارض ما في الاختلاط بل أشد، فلو أعملت نصوص الإباحة، عطلت نصوص التحريم، ولو أعملت التحريم عطلت الإباحة؛ فكان لا بد من الجمع والدراسة. فكيف ذلك؟ بُنِي تحريم الاختلاط وتأسس وتأصل وفق أنواع منوعة من النصوص، وهي نصوص في غاية الرسوخ والثبوت والقوة، محكمة قطعية: قولية، وفعلية مؤيدة

بالقولية، متأخرة ناسخة، أصل وأساس وقاعدة، لا يملك أحد تبديلها ولا تحريفها. فأما الإباحة فبنيت على نصوص متشابهة ظنية: فعلية لا قولية، استثناء، وحالة ضرورة، متقدمة منسوخة، وبعضها ليست مصدرًا للتشريع؛ كونها ليست صادرة من صاحب الشريعة، بل ممن يؤخذ من قوله وفعله ويُرَدّ. إن نصوص التحريم أنواع منوعة، كل نوع منها تحته أفراد كثيرة من الآثار محكمة الدلالة، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وُضِعْنَ له، من بيان تحريم الاختلاط المنظم المقصود بين الجنسين. وهي نصوص دالة على التحريم إما بالمطابقة، أو بالتضمن، أو باللزوم. فقد احتوت على أنواع الدلالات الثلاثة كلها: 1 - فنصوص المباعدة والفصل بين الجنسين، دالة على تحريم الاختلاط بالمطابقة؛ أي طريق مباشرة، فهي نص في المسألة، فلم يكن منه - صلى الله عليه وآله وسلم - سعي ولا حرص على خلط الرجال والنساء في مجلس واحد، فلم يكن في مجلسه إلا الرجال، إلا استثناءً وعرضًا، كأن تأتي سائلة، أو شاكية، أو مستفتية، أو واهبة نفسها للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. لم يكن في مجلسه للشورى والعلم والتخطيط والمدارسة عائشة، ولا حفصة، ولا أم سليم، ولا صفية بنت عبد المطلب عمته، بل ولا ابنته فاطمة. وقد كن خيرة النساء مبشرات بالجنة. وهكذا مجالس أصحابه الخلفاء الراشدون من بعده خالية من العنصر النسائي. ولم يُعْرَفْ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - دعوته تجار الصحابة توظيف بنات الصحابة الفقراء في تجارتهم لسَدِّ عوزهن، ولا إرسالهن إلى الآفاق وحدهن للدعوة أو التعليم أو العلم، بل لما خرجت امرأة إلى الحج وحدها، أمر زوجها ـ وكان قد اكتتب في غزوة ـ أن يدَعَ الغزوة ويلحق بها.

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى كُتِبْتُ فِى غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِى حَاجَّةٌ».قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» (رواه البخاري). 2 - ونصوص الحجاب تضمنت تحريم الاختلاط؛ فإن الحجاب معناه الحجز والفصل والمنع، وفي الاختلاط ينتفي هذا المعنى، وإنما سمح بالاختلاط العفوي ـ بالرغم من أنه تقارب ينافي معنى الحجاب ـ للضرورة والحاجة ورفع الحرج عن الأمة، فهو استثناء وليس بأصل، فإذا لم يكن ثمة ضرورة، فالتباعد والتجافي. كذلك نصوص القرار، فقد تضمنت التحريم، فقد أُمِرَت المرأة بالقرار للتباعد عن الرجال. 3 - وأما نصوص غض البصر، فهي دائرة بين التضمن واللزوم: فيمكن القول: إنها تضمنت منع الاختلاط؛ لاستحالة غض البصر في الاختلاط. ويمكن القول: إنه يلزم عنها عدم الاختلاط؛ لتعذر ومشقة غض البصر حينئذ. وكلا الحالين يمثلها فئة من الناس، فمن الناس من يستحيل في حقه غض البصر؛ لولعه بالنساء، وهؤلاء كثيرون موجودون متعطشون. ومن الناس من يشق عليه جدًا، فهذا في معاناة لا يعلم بها إلا الله تعالى. فلذلك للدلالتين في هذا النوع نصيب. 4 - فأما نصوص الفتنة والاتقاء، فقد دلت على التحريم من طريق اللزوم، فيلزم لمن أراد أن يتقي فتنة النساء، التباعد عنهن وعدم التقارب إلا بقدر الضرورة والحاجة، وما كان بغير قصد. كل هذه الأنواع من الأدلة تجاوزها المبيحون، ولم يقدروها حق قدرها وجلالتها وهيبتها، فإنه من العسير جدًا ردها، أو إبطال دلالتها الظاهرة، وهي كافية في تأسيس الحكم، فلو أتى ما يشكل عليها، فالواجب طرحها أو تأويلها.

هذه النصوص هي التي بني عليها حكم التحريم، فإنها صحيحة ثابتة، صريحة محكمة، وبمثلها تقوم الأحكام: فهي آيات قرآنية، وأحاديث نبوية ثابتة، والطعن في صحة بعض منها لا يضر؛ فليست حديثًا واحدًا ولا حديثين، ليظن مبيح الاختلاط: أن بتضعيف بعضها يسقط تحريم الاختلاط. كلا، بل أحاديث كثيرة منوعة، مروية في السنن والصحاح وفي البخاري ومسلم؛ أهم مصدرين للسنة تلقتهما الأمة بالقبول، إذا لم يقم بالحكم حديث قام به غيره، وأسندته أحاديث كثيرة ثابتة. ثم إن تلك النصوص صريحة محكمة؛ لا تحتمل إلا معنى واحدًا.

نصوص المبيحين

نصوص المبيحين: حين يكمل عقل المرء ودينه وفقهه، يكفيه ما مضى من تأصيل لتأسيس الحكم لديه، ومعرفة ماذا شرع الله تعالى في العلاقة بين الجنسين. فإذا ما عرض له شيء ظاهره يخالف ما تقرر وتأصل وتأسس، فإنه يلجأ إلى تخريجه والجواب عنه بما يحفظ الأصل ويقره، فهذا حال الراسخين في العلم والمؤمنين، أما حال غيرهم ممن قصر فقهه أو ممن زاغ وابتغى الفتنة، فَيَدَعون الأصل؛ ليعتنوا بالعارض الطارئ، فيجعلوه هو الأصل، على شذوذه وضعفه، فيستنبطوا منه حكمًا أصليًّا ثابتًا، ينقُضون به الثابت المستقر الصادر بالأمر الإلهي. فحالهم كحال الذي بلغه أن الحاكم أصدر مرسومًا بمنع البيع والشراء بعد الثانية عشرة ليلا، وأعلن ذلك على الجميع، وتأكد بمراسيم أخرى، ثم مر يومًا فرأى صيدلية تفتح أبوابها في الواحدة صباحًا، ثم تكرر منه رؤية ذلك، ومر فوجد دكانًا كبيرًا يبيع في الثالثة صباحًا، إلى جانبه آخر صغير كذلك. وفي الأثناء أخذ كتابًا قديمًا، فقرأ فيه أن الناس في هذه البلدة يتبايعون ليلًا ونهارًا. فاستنبط من ذلك أن المرسوم قد ألغي. والدليل: هذه المحَاَلّ المفتوحة، وما في الكتاب القديم من خبر. بل زاد على ذلك: عجبه من إحجام البقية عن استغلال هذا الإذن، والعودة لمنافع البيع والشراء. وما درى هذا: أن تلك المحال مستثناة من المرسوم، لحاجة الناس الدائمة، والمرسوم على حاله من المنع. أما الدكان الصغير، فهو مخالف يستحق العقوبة، وما في الكتاب القديم، كان قبل الأمر.

والقصد: أنه ما من أمر سواءً كان إلهيًا، أو بشريًّا. وإلا ويعتريه استثناءات للحاجة والضرورة، وهناك من يخرقه ويخالفه قصدًا، ومن يخالفه سهوًا ونسيانًا. فلو كانت هذه الأحوال المخالفة بعذر أو بدون عذر، سببًا كافيًا لإلغاء الأمر، لألغيت الأوامر كلها، وما ثبت أمر ألبتة. وهكذا أحكام الشريعة، فيها أمر عام، يتأسس بالنصوص الصحيحة والصريحة في المعنى، كنصوص منع الاختلاط، ثم يطرأ عليها أحوال استثنائية، أو يوجد من يخالفها، لكنها لا ترقى أن تبطلها. وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نَهْيٌ عن استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط. ثم إن ابن عمر مرة ارتقى جدارا، فرأى النبي عليه السلام يقضي حاجته مستقبلا أو مستدبرا القبلة. فذهب العلماء إلى قولين في المسألة: الأول: أن هذا الفعل تخصيص لعموم النهي. فإذا كان في فضاء منع، وإذا كان دون القبلة حاجز جاز. الثاني: أن القول مقدم على الفعل؛ لأن القول مقصود لذاته، ونحن مأمورون بطاعة قوله، وأما الفعل فقد يكون سهوًا، وقد يكون عمدًا، فلما احتمل، وتعذر الترجيح، بقي النهي على عمومه. وهكذا لم نجد بينهم من عارض وضرب قوله بفعله، فعطل الأمر بالفعل، فأجاز بين البنيان مطلقًا. لكن الذين أباحوا الاختلاط خالفوا سبيل العلماء الراسخين، فضربوا قوله بفعله. وهذا يتبين بما يلي: إن نصوص المبيحين لاختلاط الرجال بالنساء ضعيفة في دلالتها، وهي كذلك في غير محل النزاع.

فأما كونها ضعيفة الدلالة، فلأمور أربعة هي: أنها عملية، متشابهة، مبيحة، على البراءة الأصلية. الأول: أنها عملية، ليست بقولية، والمعلوم عن أهل الأصول والفقهاء والمحدثين، من حيث المبدأ والأصل: أن القول مقدم على الفعل، وأن ما كان أمرًا بالقول فهو مقصود لذاته؛ لأنه موضوع للدلالة على الأمر، بلا خلاف، وهو يدل على الوجوب بنفسه من غير واسطة. فأما الفعل فإنه قد يكون مقصودًا، وقد لا يكون مقصودًا، وقد يكون عمدًا، وقد يكون سهوًا، كما تقدم في مثال استقبال القبلة في قضاء الحاجة، فلا يأخذ منه حكم ابتداءً، لكن القول يؤخذ منه. فقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتعدى إلى غيره بنفسه، بخلاف فعله، فلا يتعدى إلا بدليل. فإذا اجتمعا كان التمسك بقوله، وحمل فعله على التخصيص ونحوه هو الواجب. الثاني: أنها متشابهة. أي محتملة لأكثر من معنى، والنصوص المتشابهة لا يؤخذ من معانيها إلا المعنى الموافق للمُحْكَم، ويُطرح ما عداه، لكن المبيحين أخذوا المعنى المعارض للمحكم، وطرحوا الموافق له، عكس سبيل المؤمنين العلماء الراسخين في العلم. الثالث: أنها مبيحة. تقابلها نصوص تقتضي الحظر، والحظر مقدم على الإباحة؛ لأن المحرمات يحتاط لإثباتها ما أمكن. ولم يذهب أحد من العلماء إلى أن الاختلاط كان حرامًا في الجاهلية ثم نُسخ، ووقع الاتفاق على أنه كان حلالًا أو مباحًا غير محرم، فهذا يعضد الأحاديث بالتحريم؛ أي يدل على نسخ الإباحة. الرابع: أنها على أصل البراءة. والتحريم والحظر ناقل، والناقل عن الأصل مقدم؛ لأن فيه زيادة وهو الحكم بالتحريم، أما الأصل والبراءة فليس فيه حكم، بل مسكوت

عنه، جارٍ على العادة. فدلالة نصوص الإباحة ضعيفة لواحد من هذه الأمور منفردًا، فكيف بها مجتمعة؟. أي لو فرض عدم معرفة تاريخ المتقدم والمتأخر والمنسوخ والناسخ، لكانت هذه الأمور الأربعة ـ منفردة أو مجتمعة ـ كافية في إبطال الإباحة وتقديم الحظر والتحريم، كيف وقد علم يقينا أن هذه النصوص لا تعارض التحريم، كونها في غير محل النزاع. فكونها في غير محل النزاع، فلثلاثة أمور: الأول: أنها نصوص كانت قبل الحجاب. الثاني: أنها كانت مع محارم. الثالث: أنها حالات استثنائية: فمنها ما كان ضرورة وحاجة، كخروج النساء للجهاد؛ لقلة الرجال، فلما كثروا قل خروجهن، وحضورهن مجلس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للسؤال والشكوى ونحوه، وخروجهن للسوق والصلاة والطواف والحج، كل ذلك يقع فيه اختلاط، لكن لا بد منه، فتسامح فيه الشارع، ولم يؤاخذ به. ومنها أن المختلطة كبيرة، بالغة سن اليأس. ومنها ما كان خاصًّا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وهذا ميزانٌ لحل كل ما يورده المبيحون من أدلة، لا يزالون يختلقونها اختلاقا بأدنى صلة، وبعضها لا صلة لها بمحل النزاع أصلًا (¬1). ¬

(¬1) كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net. باختصار يسير.

تنبيهات

تنبيهات: التنبيه الأول: قال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «لا تجد مبتدعًا ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فيُنْزِله على ما وافق عقله وشهوته» (¬1). وقال أيضًا: «لا تجد فِرقةً من الفرقِ الضالة ولا أحد من المختلفين في الأحكام لا الفروعية ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، بل قد شاهدنا ورأينا مِن الفساق مَن يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة المنزهة، وفى كتب التواريخ والأخبار من ذلك أطراف ما أشنعها في الافتئات على الشريعة، بل قد استدل بعض النصارى على صحة ما هم عليه الآن بالقرآن، ثم تحيَّل فاستدل على أنهم مع ذلك كالمسلمين في التوحيد سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرًا» (¬2). ومن الأمور المستقرة عند العلماء أنه ما من إنسان يأتي بقول مخالف للكتاب والسنة إلا وتجد التناقضات في قوله ذاك، فهذه سنة مطردة في كل من خالف الحق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء: «ولستَ تجدُ أحدًا من هؤلاء إلا متناقضًا ... بخلاف ما جاء من عند الله فإنه متفق مؤتلف، فيه صلاح أحوال العباد في المعاش والمعاد؛ قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) (النساء: 82)» (¬3). ومن الأمثلة المتعلقة بموضوعنا أن أحد دعاة الاختلاط قرر بأن الاختلاط ¬

(¬1) الاعتصام (1/ 134). (¬2) الموافقات (3/ 77) باختصار. (¬3) درء تعارض العقل والنقل (5/ 318).

(المشروع!)، وكثرة لقاء المرأة بالرجل يزيل الحرج عنهما ويجعل الأمر عاديًا لا فتنة فيه. ثم تجده يعلق على قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1) الذي أحرجه به علماء الأمة ممن ينكر الاختلاط، علق بقوله: «ابتعاد النساء عن الرجال مما يعين على خلوص القلب للعبادة والذكر»!! فيقال: كيف يكون الاختلاط في خارج العبادة مرغبًا فيه ولا يثير شيئًا، وأما في العبادة فإنه يشغل الإنسان بالوساوس والخطرات؟! كان العكس أولى، ولكنه التناقض (¬2). التنبيه الثاني: إن كثيرًا من الأدلة الشرعية التي يتعلق بها دعاة الاختلاط إنما كانت قبل نزول آيات الحجاب، وقبل الأمر باحتجاب النساء عن الرجال، وإن المستدل بتلك على جواز الاختلاط كمن يستدل على جواز شرب الخمر وأكل الربا بأدلة وردت قبل تحريمهما. ولو أوردتُ نصوص شُرب الخمر قبل تحريمه، والمتعة قبل تحريمها، والربا قبل وضعه، والسفور قبل منعه، والصلاة قبل تمامها، والجهاد قبل فرضه، والاختلاط قبل حظره لجاءت شريعة جاهلية والنصوص محمدية (¬3). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ ¬

(¬1) رواه مسلم. (¬2) نقد كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة) لمؤلفه عبد الحليم أبو شقة، إعداد سليمان بن صالح الخراشي. (¬3) الاختلاط وأهل الخلط، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.

بِلَا جِلْبَابٍ، يَرَى الرَّجُلُ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا، وَكَانَ إذْ ذَاكَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَكَانَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا إظْهَارُهُ ثُمَّ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ آيَةَ الْحِجَابِ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (الأحزاب: 59)، حَجَبَ النِّسَاءَ عَنْ الرِّجَالِ» (¬1). وعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ، جَاءَ يَسْتَأَذِنُ عَلَيْهَا، وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ الله، أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ عليّ» (رواه البخاري ومسلم). قال الإمام ابن عبد البَرّ: «في هذا الحديث دليل على أن احتجاب النساء من الرجال لم يكن في أول الإسلام، وأنهم كانوا يرون النساء، ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم، إلا بمثل ما كان يستتر رجالهم عن رجالهم، حتى نزلت آيات الحجاب» (¬2). قال العيني: «وفيه أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمَحْرَم لها في الدخول عليها، ويجب عليها الاحتجاب منه، وهو كذلك إجماعًا بعد أن نزلت آية الحجاب، وما ورد من بروز النساء فإنما كان قبل نزول الحجاب، وكانت قصة أفلح مع عائشة بعد نزول الحجاب» (¬3). وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَهُ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ ... » (رواه البخاري). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (22/ 110 - 111). (¬2) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (6/ 235). (¬3) عمدة القاري (13/ 202).

قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «قَوْله: (بَعْدَمَا نَزَلَ الْحِجَابُ) أَيْ بَعْدَمَا نَزَلَ الْأَمْر بِالْحِجَابِ، وَالْمُرَاد حِجَاب النِّسَاء عَنْ رُؤْيَة الرِّجَال لَهُنَّ، وَكُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعْنَ» (¬1). قال الشيخ ابن عثيمين: « ... الحجاب إنما شُرِعَ بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بنحو خمس سنين أو ست سنين، وما ورد من الأحاديث مما ظاهره عدم الحجاب، فإنه يحمل على أن ذلك كان قبل نزول آيات الحجاب» (¬2). التنبيه الثالث: إن الشبهات التي يتمسك بها بعضهم لا تخرج عن كونها اختلاط مع التحرز لضرورة أو حاجة ملحة، أو ليس فيها مستمسك أصلًا، بل بعضها أدلة هي عند العقلاء حجة على مُورِدِها. ولو أمعن القارئ الكريم النظر في الشبه التي يسوغ بها البعض أنواعًا من الاختلاط، لَوَجَدَ أن الإشكال يكمن في التمسك بأمور مجملة، حُمِلَتْ على معنى فاسد، ساق إليه ارتباط الذهن بواقع الناس اليوم، والواجب حمل المجمل على وجه صحيح دل عليه الشرع، ما أمكن ذلك، وبخاصة إذا جاء المجمل من صاحب الشريعة، أو من الجيل الذي عرف بالتزامه للشريعة. ومن هذا القبيل ما يُستدل به على جواز الاختلاط من نحو شهود المسلمات في ¬

(¬1) فتح الباري لابن حجر (8/ 457). (¬2) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط جمع وترتيب محمد عبد العزيز المسند (ص 38 - 39).

العصر الأول للجمع والجماعات والأعياد، وكذلك حجهن واعتمارهن وجهادهن، ونحو ذلك، بعيدًا عن واقع الناس اليوم. وأدلة تحريم الاختلاط كثيرة متضافرة، وليس لها ناقض أو معارض من النصوص، وغاية ما يتعلق به دعاة الاختلاط ظواهر نصوص من السنة لو ضموها إلى ما يقابلها من النصوص الأخرى لاتضح لهم تحريم الاختلاط. وقد تعامى هؤلاء المفتونون عن نصوص عظيمة صريحة في المسألة ولجؤوا إلى مشتبهات إما من المنسوخات، وإما مما لا دليل لهم فيه من الأساس. وهؤلاء يتمسكون بالمتشابه ويتركون المحكم، فمثلهم كمثل من يستدل على جواز شرب الخمر بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (النساء: 43)، مع أن ذلك كان قبل تحريم الخمر. قال الدكتور طه الدسوقي «إنّ المرءَ المستقيمَ ليسمع الحديثَ الصحيحَ فيدركه على وجههِ إنْ كان سليم النفس، حَسَن الطوية، وهو ينحرفُ به إذا كان إنسانًا مريض النفس معوجًّا، وهل ينضح البئر إلاّ بما فيه، وهل يمكن أن نتطلب من الماء جذوة نار؟ أو نغترف من النار ماءً؟ وقديمًا قالوا: إنّ كل إناء بما فيه ينضح» (¬1). ومعظم ما يستدل به دعاة الاختلاط لرد النصوص المحكمة في المنع منه إنما هي وقائع أحوال لا يصح الاستدلال بها أصلًا لمخالفتها لنصوص مُحْكَمَة، ويَرِدُ عليها كثير من الاحتمالات. قَالِ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ ¬

(¬1) السنة في مواجهة أعدائها (ص205).

الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬1). وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «وقد علم العلماء أنَّ كلَّ دليل فيه اشتباهٌ وإشكالٌ ليس بدليل في الحقيقة؛ حتى يتبين معناه ويظهر المراد منه، ويشترط في ذلك أن لا يعارضه أصلٌ قطعيٌّ؛ فإذا لم يظهر معناه لإجمال أو اشتراك، أو عارضه قطعيٌّ؛ كظهور تشبيه؛ فليس بدليل؛ لأن حقيقة الدليل أن يكون ظاهرًا في نفسه، ودالًا على غيره؛ وإلا احتيج إلى دليل عليه؛ فإن دلَّ الدليل على عدم صحته؛ فأحرى أن لا يكون دليلًا» (¬2). والأدلة المحتملة لها حالتان: الحالة الأولى: انفراد الدلالة دون معارض، كأن تكون عندنا مسألة منفردة حيث يأتي نص يحتمل الاستدلال لتلك المسألة، فيمكن الاستدلال به ولكن بشرط أن تكون تلك الفائدة لا معارض لها من الشريعة، على سبيل المثال حديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَال: «إِنْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِى صَغِيرٍ «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» (رواه البخاري ومسلم، والنُّغَيْر تَصْغِير النُّغَر، وَهُوَ طَائِر صَغِير). فهَذَا الْحَدِيث فِيه فَوَائِد كَثِيرَة جَدًّا ـ ذكرها النووي وابن حجر في شرحهما لهذا الحديث من صحيحي البخاري ومسلم ـ مِنْهَا جَوَاز تَكْنِيَة الطِّفْل، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَذِبًا، وليس هناك دليل يعارض تكنية الصغير، فعندئذ نأخذ بتلك الدلالة علميًّا وعمليًّا. وَهَذَا الْحَدِيث فِيه أَنَّ مُمَازَحَة الصَّبِيّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّز جَائِزَة، وَفِيهِ جَوَاز تَكْنِيَة مَنْ لَمْ يُولَد لَهُ، وَجَوَاز لَعِبِ الصَّغِير بِالطَّيْرِ، وَجَوَاز تَرْك الْأَبَوَيْنِ وَلَدهمَا الصَّغِير يَلْعَب بِمَا ¬

(¬1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365). (¬2) الاعتصام (1/ 320).

أُبِيحَ اللَّعِب بِهِ، وَجَوَاز إِنْفَاق الْمَال فِيمَا يَتَلَهَّى بِهِ الصَّغِير مِنْ الْمُبَاحَات، وَجَوَاز إِمْسَاك الطَّيْر فِي الْقَفَص وَنَحْوِهِ. وكل هذه الاستنباطات من الحديث يؤخذ بها لأنه لا توجد أدلة أخرى تعارضها. الحالة الثانية: اقتران الدلالة بوجود معارض في دليل آخر؛ فيقترن فيها دليلان ظاهرهما التعارض، فأحدهما ينص على المسألة نصا جازمًا) المحكم (، والآخر من المتشابهات مما يجعل الاحتمال يتطرق إليه فوجب إسقاط الاستدلال بذلك الدليل الثاني ليبقى العمل بالمحكم الأول فقط. ومن ذلك الشبهات التي يتعلق بها دعاة الاختلاط. فلو ساغ أن يُسْتَدَلَّ بفعل مجمل على ظاهره دون الرجوع إلى المحكم لاسْتَحَلَّ الناس الحرام القطعي بالظنون، ففي بعض النصوص قد تجد ذِكْرَ رجل مع امرأة، فهل يُسْتَدل بذلك على جواز الخلوة والاختلاط والعلاقات المحرمة لأنه لم يَرِدْ في النَصِّ ذكر الرحم بينهما؟!!! إن الأصل في الشرع أن الرجل إذا وُجد مع امرأة تُحْمَل على أنه من محارمه إلا لظِنَّة أو شبهة، هذا الأصل في المسلمين فكيف بالصحابة والتابعين (¬1). «إن ترك الدليل الواضح، والاستدلال بلفظ متشابه، هو طريق أهل الزيغ، كالرافضة، والخوارج، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران: 7)؛ والواجبُ عَلَى المسلم: اتباع المحكم، فإنْ عَرَفَ معنى المتشابه، وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه اتباع الراسخين ¬

(¬1) الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي، (ص 22).

في العلم في قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (آل عمران:7). ووفق اللهُ أهلَ العلم والإيمان للفهم السليم الذي به تأتلف نصوص الكتاب والسنة وتتسق، على منهجٍ علمي منضبط، مبني على التسليمِ لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، مستفيدين من فهوم العلماء الربانيين من سلفنا الصالح» (¬1). التنبيه الرابع: قَالَ الإمام الشاطبي: «من يأخذ الأدلة من أطراف العبارة الشرعية ولا ينظر بعضها ببعض، فيوشك أن يَزِلّ، وليس هذا من شأن الراسخين وإنما هو من شأن من استعجل طلبا للمخرج في دعواه» (¬2). وَقَالَ أيضًا: «ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد: وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامّها المرتب على خاصّها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بِبَيّنها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها، ... ـ إلى أن قَالَ ـ فشأن الراسخين: تصور الشريعة صورة واحدة، يخدم بعضها بعضًا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأنُ متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ مَا أيّ دليل كان عفوًا وأخذًا أوليًا وإنْ كان ثم ما يعارضه من كلى أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطى في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيًّا، فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ، ¬

(¬1) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 22). (¬2) الاعتصام (1/ 223).

ما شهد الله به ومن أصدق من الله قيلا» (¬1). وقال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: «إذَا مَيَّزَ الْعَالِمُ بَيْنَ مَا قَالَهُ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمَا لَمْ يَقُلْهُ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَفْهَمَ مُرَادَهُ وَيَفْقَهَ مَا قَالَهُ وَيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَيَضُمَّ كُلَّ شَكْلٍ إلَى شَكْلِهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَرَسُولُهُ. فَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَيَجِبُ تَلَقِّيهِ وَقَبُولُهُ وَبِهِ سَادَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ» (¬2). أما اختطاف الحكم مِنْ حَدِيثٍ عَابر، وقراءةٍ عَجلى مِنْ غير مراعاة لما وَرَدَ في الموضوع مِنْ آثار أخرى، ومن دون تصفية وتنقية فليسَ من عمل العلماء الصادقين. فكثيرٌ ممن يتكلم على هذه المسائل لا يراعي هذه المقدمة مما يوقعهُ في أخطاء علمية، وعيوب منهجية، منها أن يتجاهل الباحث الأدلة المخالِفة لرأيه سواءً أكان ذلك بسبب إهماله أم تحيزه أم لأي سبب آخر. وهذا العيب يلاحظُ في كتابات عدد ممن تطرق لبحث المسائل المتعلقة بالمرأة، فتجد أنَّ هناك حجبًا أو تجاهلًا للنصوص التي تخالف تَوَجُّه الكاتب كالنصوص التي تحرم الخلوة، أو تحرم مس المرأة الأجنبية، أو تحرم الاختلاط وتأمر المرأة بالمباعدة عن الرجال والقرار في البيوت ـ إلاّ ما لا بدَّ منه ـ، أو النصوص التي تأمر بلزوم الحجاب وغير ذلك (¬3). قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «وقد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص ¬

(¬1) الاعتصام (1/ 245). (¬2) مجموع الفتاوى (27/ 316). (¬3) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله المطيري (ص 24 - 25).

الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نوّر الله قلبه، وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض» (¬1). وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «يجب على المسلم إذا بحث عن حكم مسألة إسلامية أن ينظر فيما يتصل بهذه المسألة من نصوص الكتاب والسنة، وما يتبع ذلك من الأدلة الشرعية، فهذا أقوم سبيلًا، وأهدى إلى إصابة الحق، ولا يقتصر في بحثها على جانب من أدلتها دون آخر، وإلا كان نظره ناقصًا، وكان شبيهًا بأهل الزيغ والهوى، الذين يتبعون ما تشابه من النصوص ابتغاء الفتنة، ورغبة في تأويلها على مقتضى الهوى. ففي مثل هذا الموضوع يجب أن ينظر إلى نصوص الكتاب والسنة، في وجوب ستر المرأة عورتها، وفي تحريم النظرة الخائنة، وفي مقصد الشريعة من وجوب المحافظة على الأعراض والأنساب، وتحريم انتهاكها، والاعتداء عليها، وتحريم الوسائل المفضية إلى ذلك من خلوة امرأة بغير زوجها ومحارمها، وكشف عورتها وسفرها بلا محرم، واختلاط مريب، وإفضاء الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد، وإلى أمثال ذلك مما قد ينتهي إلى ارتكاب جريمة الفاحشة» (¬2). التنبيه الخامس: ما يستدل به دعاة الاختلاط إنما هو لقاء عارض وعابر ومحدود لغرض الحاجة أو السؤال، وينتهي مباشرة بعد انقضائها، وتلتزم فيه المرأة المسلمة بالحجاب الشرعي والحياء ولا تخضع بالقول؛ فكيف نستدل بهذا اللقاء العارض على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (1/ 423). (¬2) باختصار من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 84 - 85).

«إن من يحتج بالاجتماعات العارضة ـ كالأسواق ـ على جواز الاختلاط في العمل والتعليم كمن يحتج بعصير العنب على الخمر، فالأول تغيَّر بطول المكث فخمَّر القلب، والثاني تغيَّر بطول المكث فخمر العقل، وطول التقاء أجزاء الخمر حوله من عصير ملتَذٍ إلى أم الخبائث، وطول التقاء الجنسين حوله من حاجة إلى مجلبة للمفاسد، والمكث حَوَّلَ الاثنين من الجواز إلى المنع» (¬1). وليت أن الأمر يقف عند حد الاختلاط فقط وإنما التبرج والسفور، والخضوع بالقول مظاهر لا تكاد تخفى على أروقة الأماكن المختلطة. التنبيه السادس: بعض الأحاديث التي يستدل بها دعاة الاختلاط إنما حصلت مع كبيرات في السن ومعلوم أن الفتنة مأمونة مع العجائز، وكيف لنا أن نستدل بحادثة حصلت مع كبيرة في السن على جواز الاختلاط مع الشواب والفتيات؟؟! التنبيه السابع: عند النظر في هذه الأحاديث الصحيحة المُشْكلة التي قد يستدل به دعاة الاختلاط لابدَّ من ملاحظة أمرين: الأوَّل: التصور السليم للحياة في عهد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كما هي من الطهر والعفاف والصدق والمحبة والإيثار والتضحية، والمبادرة إلى طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فما إنْ يَرِد الأمر والنهي إلاّ ويبادروا إليه دون تلكأ وتأخير رجالًا ونساء، ومن ثمّ يعوّدون صبيانهم على هذه الكمالات والفضائل، فلم تمرّ على الأمة الإسلامية أيام وسنين كتلك ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب)، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي، (ص 8).

التي مرت في عهد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. الثاني: التنبه لمدلول الألفاظ وما وقع فيها من تغاير بين زمان النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - والأزمنة المتأخرة فربما يقع اشتراك في لفظ معين بين هذا الزمان وزمان النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكن الكيفية والصفة والطريقة تختلف اختلافًا كبيرًا، يؤدي بالتالي إلى اختلاف الحكم؛ قَالَ ابنُ القيم: «فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، والعوائد والاحوال، وذلك كلُّه مِنْ دينِ الله» (¬1). ومن ذلك تصور الناس اليوم لمعنى الدخول حيث يتصورون جلوس الرجال مع النساء في مكان واحد أمام بعضهم البعض والنساء كاشفات عن وجوههن وبعض أجسامهن ينظر بعضهم إلى بعض كما هو الحال اليوم؟ إن هذا مخالف لما كان عليه الصحابة والتابعين إذا احتاجوا إلى مخاطبة النساء الأجنبيات، قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (¬2). عن مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ... ». (رواه البخاري ومسلم). وحديث يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: « ... فَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» (رواه البخاري)، وقال الإمام البخاري في ترجمة عبد الله أبي الصهباء الباهلي: «ورأى سِتْرَ عائشة - رضي الله عنها - في المسجد الجامع، تُكَلِّم الناس من وراء السِّتر، وتُسأل من ورائه» (¬3). ومما يوضح الفرق بين المحارم وغيرهم في معنى الدخول حديث سَعْدٍ بْنِ أَبِى ¬

(¬1) إعلام الموقعين (4/ 205). (¬2) فتح الباري (9/ 286). (¬3) التاريخ الكبير (ترجمة رقم 359).

وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ». قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ». قَالَ عُمَرُ: «فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ». ثُمَّ قَالَ: «أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِى وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟»، قُلْنَ: «نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -». قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». (رواه البخاري ومسلم). فعمر - رضي الله عنه - استأذن في الدخول ثم دخل ولم يجلس معهن بل خاطبهن من وراء حجاب بحضرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. وفي الحديث دلالة على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط، فبمجرد سماعهن لصوت عمر - رضي الله عنه - وهو يستأذن قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، وهذا يدل على وجوب الاحتجاب من الرجل الأجنبي عند دخوله بيت صاحبه، وعدم مشروعية الاختلاط. وفيه دلالة على التفريق بين مطلق الدخول ودخول الحجاب. وأيضًا مما يوضح الفرق بين المحارم وغيرهم في معنى الدخول حديث الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ ـ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ وَهْوَ ابْنُ أَخِى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِى بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ: «وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ، أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا». فَقَالَتْ: «أَهُوَ قَالَ هَذَا؟»، قَالُوا: «نَعَمْ».

قَالَتْ: «هُوَ لِلهِ عَلَىَّ نَذْرٌ، أَنْ لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا». فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا، حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ: «لاَ وَاللهِ لاَ أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلاَ أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِى». فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِى زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: «أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِى عَلَى عَائِشَةَ، فَإِنَّهَا لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِى». فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالاَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «ادْخُلُوا». قَالُوا: «كُلُّنَا؟». قَالَتْ: «نَعَمِ، ادْخُلُوا كُلُّكُمْ» ـ وَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ ـ فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِى، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ، وَيَقُولاَنِ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِى وَتَقُولُ: «إِنِّى نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ». فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِى نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً. وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِى، حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا». (رواه البخاري). فالمسور وعبد الرحمن دخلوا بيت عائشة ولم يدخلوا الحجاب، والذي دخل هو عبد الله بن الزبير لأنه عائشة - رضي الله عنها - خالته. فهناك فرق بين قولهم: «دخلنا على عائشة»، وقولهم: «دخلنا الحجاب» فمطلق الدخول لا يعني دخول الحجاب أو الجلوس وجهًا لوجه (¬1). ومخاطبة الرجال الأجانب من وراء حجاب لم يكن مختصًا بأمهات المؤمنين بل ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص197، 217).

كانت النساء إذا تعلّمن أو عَلّمن يكون ذلك من وراء حجاب، ففي مسند الإمام أحمد: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَى أَبِي الْأَشْهَبِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: «حَدِّثْنَا»، قَالَ: «سَلُوا»، فَقَالُوا: «مَا مَعَنَا شَيْءٌ نَسْأَلُكَ عَنْهُ»، فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: «سَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ». والشواهد كثيرة على أن مجالس سلف هذه الأمة وخيارها لم تكن مفتوحة على بعض بل كان بينها السّتور، كما أن نساء هذه الأمة لم يَكنّ يُعلّمن أو يَتعلّمن إلا من وراء حجاب وسِتر. ومِنْ الألفاظ التي وقع فيها من تغاير بين زمان النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - والأزمنة المتأخرة (الغناء، والدّف) فقد تغيرتْ الكيفية والصفة في هذه الأزمنة وقبلها عن الغناء والدّف الذي كان على عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد بين ذلك الإمام ابنُ رَجَب بكلامٍ نفيسٍ قَالَ فيه ـ تعليقًا على حديث عَائِشَةَ - رضي الله عنه - في الصحيحين، قَالَتْ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا». قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: «ولا ريب أنّ العرب كانَ لهم غناء يتغنون به، وكان لهم دفوف يضربون بها، وكان غناؤهم بأشعار أهل الجاهلية من ذكر الحروب وندب من قتل فيها، وكانت دفوفهم مثل الغرابيل، ليس فيها جلاجل، ... فلما فتحت بلاد فارس والروم ظهر للصحابة ما

كان أهل فارس والروم قد اعتادوه من الغناء الملحن بالإيقاعات الموزونة، على طريقة الموسيقى بالأشعار التي توصف فيها المحرمات من الخمور والصور الجميلة المثيرة للهوى الكامن في النفوس، المجبول محبته فيها، بآلات اللهو المطربة، المخرج سماعها عن الاعتدال، فحينئذ أنكر الصحابة الغناء واستماعه، ونهوا عنه وغلظوا فيه حتى قَالَ ابنُ مسعود: «الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل». وهذا يدل على أنهم فهموا أنَّ الغناءَ الذي رَخص فيه النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه لم يكن هذا الغناء، ولا آلاته هي هذه الآلات، وأنه إنما رخص فيما كان في عهده، مما يتعارفه العرب بآلاتهم. فأما غناء الأعاجم بآلاتهم فلم تتناوله الرخصة، وإن سمي غناءً، وسميت آلاته دفوفا، لكن بينهما من التباين ما لا يخفى على عاقل، فإن غناء الأعاجم بآلاتها يثير الهوى، ويغير الطباع، ويدعو إلى المعاصي، فهو رقية الزنا. وغناء الأعراب المرخص به، ليس فيه شيء من هذه المفاسد بالكلية البتة، فلا يدخل غناء الأعاجم في الرخصة لفظًا ولا معنىً، فإنه ليس هنالك نص عن الشارع بإباحة ما يسمى غناء ولا دفًّا، وإنما هي قضايا أعيان، وقع الإقرار عليها، وليس لها من عموم. وليس الغناء والدف المرخص فيهما في معنى ما في غناء الأعاجم ودفوفها المصلصلة، لأنَّ غنائهم ودفوفهم تحرك الطباع وتهيجها إلى المحرمات، بخلاف غناء الأعراب، فمن قاس أحدهما على الآخر فقد أخطأ أقبح الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل، فقياسه من أفسد القياس وأبعده عن الصواب» (¬1). وَقَالَ ابن القيم: «وفي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ¬

(¬1) فتح الباري (8/ 425 - 437).

- صلى الله عليه وآله وسلم - وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ـ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: «دَعْهُمَا»، فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا». فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان، وأقرهما لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب، وكان اليوم يوم عيد. فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوتِ امرأةٍ جميلة أجنبيةٍ، أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغَنّي بما يدعو إلى الزنى والفجور وشرب الخمور مع آلات اللهو التي حرمها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عدة أحاديث، مع التصفيق والرقص وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان فضلًا عن أهل العلم والإيمان. ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين، بنشيد الأعراب ونحوه، في الشجاعة ونحوها، في يوم عيد، بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق، ويَدَعون المُحْكَم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مُبْطِل، نعم نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على ذلك الوجه، وإنما نحرم ـ نحن وسائر أهل العلم والإيمان ـ السماع المخالف لذلك، وبالله التوفيق» (¬1). رَحِمَ الله ابنَ القيّم كيفَ لو رأى ما حَدَثَ في هذه الأزمان المتأخرة من التجارة في أجساد النساء!!، والتفنن في ذلك، بأساليب عجيبة وطرائق مختلفة‍‍‍‍‍، عن طريق وسائل الأعلام المتنوعة التي يشاهدها ملايين البشر، والمفاسد العظيمة العامة التي ترتبت ¬

(¬1) إغاثة اللهفان (1/ 257).

عليها، فالمسألة الآن أكبر من حكم الغناء والدف، فليتفطن لذلك من يتكلم على هذه المسائل، والله المستعان (¬1). التنبيه الثامن: الأصل في أفعال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأقواله وأحكامه عدم الخصوصية حتى تثبت بدليل؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} (الأحزاب: 21)، فدل على أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قدوة الأمة في كل شيء، ولأنّ الصحابة كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم إلى أفعاله فيقتدون به فيها. قال ابنُ القيّم: «إِذَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ قَدْ صَحّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنّهُ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَاقٍ إلَى الْأَبَدِ فَقَوْلُ مَنْ ادّعَى نَسْخَهُ أَوْ اخْتِصَاصَهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ فَلَا يُقْبَلُ إلّا بِبُرْهَانٍ» (¬2). واتفق العلماء على أنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قد خُصَّ في أحكام الشريعة بمعان لم يشاركه فيها أحد في باب الفرض والتحريم والتحليل مزيةً على الأمة، وهيبة له، ومرتبة خص بها ففرضت عليه أشياء لم تفرض على غيره، وحرمت عليه أشياء وأفعال لم تحرم عليهم، وحُللت له أشياء لم تحلل لهم، منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه، وهذه الخصائص منها ما ثبت بالقرآن، ومنها ما ثبت بالسنة، ومنها ما يفهم من منطوق النصوص، ومنها ما يفهم من خلال الجمع والموازنة بين النصوص. ¬

(¬1) إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان لعلي بن عبد الله المطيري (ص 27 - 32). (¬2) زاد المعاد (2/ 192).

وَقَدْ أَلَّفَ النَّاسُ فِي الْخَصَائِصِ كُتُبًا مُتَعَدِّدَةً وممن ألف في الخصائص القاضي عياض، وابن الملقن، والسيوطي وغيرهم. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْخَصَائِصِ لِئَلا يُعْتَقَدَ فِيمَا يُخَصُّ بِه - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَنَا. فمن المجمع عليه: جواز نكاحه - صلى الله عليه وآله وسلم - أكثر من أربع نسوة. والتَّزَوُّجُ بِلا مَهْرٍ لقوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب:50).وتحريم نكاح أزوجه من بعده لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} (الأحزاب:53)، وغير ذلك مما يطول ذكره مما ليس هذا محل بيانه وبسطه. والسبب في ذكر هذه القاعدة التنبيه على أنَّ ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ مما قد يُفهم منه جواز الاختلاط أو الخلوة ـ قد قال بعض العلماء أنه كَانَ من خصائصه - صلى الله عليه وآله وسلم -، مع ما ثبت له - صلى الله عليه وآله وسلم - من العصمة (¬1). ومما استدلوا به على الخصوصية قوله تعالى عن لوط وهو يعرض نساء قومه: {يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} (هود:78)، وبقول مجاهد في تفسيرها: «لم تكُنَّ بناتَه ولكن كنّ مِن أمَّتِه، وكل نبيّ أبو أمته» (¬2). واستدلوا بقوله تعالى عن نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6). والاختلاط حُرِّمَ درءًا للمفسدة وهي منتفية منه - صلى الله عليه وآله وسلم -. التنبيه التاسع: قد يستدل دعاة الاختلاط بآثار عن الصحابة يظنون بفهمهم السقيم أنها تؤيد دعوتهم للاختلاط، ولكن هيهات، فبعض تلك الآثار لا تصح أصلًا، وبعضها ليس ¬

(¬1) بتصرف من (إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، (ص 33 - 35). (¬2) تفسير الطبري (15/ 414).

فيه ما يؤيد دعواهم، وإن صح استدلالهم به فليس لهم فيه حجة لأن قول الصحابي لا اعتبار له إذا خالف الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «تَمَتَّعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا يَقُولُ عُرَيَّةُ؟ قَالَ: يَقُولُ: نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ، أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (رواه الإمام أحمد وصححه الشيخ أحمد شاكر). قال الحافظ ابن حجر: «يَا عُرَيَّة: وَهُوَ بِالتَّصْغِيرِ، وَأَصْله عُرَيْوَة فَاجْتَمَعَ حَرْفَا عِلَّة فَأُبْدِلَتْ الْوَاو يَاء ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى» (¬1). علق الخطيب البغدادي على كلام عروة بن الزبير: «قلت: قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما به عروة، إلا أنه لا ينبغي أن يُقَلَّدَ أحدٌ في ترك ما ثبتت به سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2). وقال الذهبي في إيجاد العذر لعروة بن الزبير: «قُلْتُ: مَا قصد عُرْوَة مُعَارَضَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِهِمَا، بَلْ رَأَى أَنَّهُمَا مَا نهيَا عَنِ الْمُتْعَة إِلاَّ وَقَدِ اطّلَعَا عَلَى نَاسِخ» (¬3). إن بعض الناس قد يستدل للحكم على مسألة معينة بقول صحابي أو فعله أو فتواه، ويكون في السنّة دليل أشمل وأقوى وأوضح من فعل الصحابي، وقول الصحابي يجوز خلافه إذا وُجِدَ دليل يُخالفه من الكتاب والسُنَّة أو خالفه صحابي آخر، أو عُرف أنه مُجرد اجتهاد بدون دليل أو أنه مأخوذ من الإسرائيليات، مع أن كثيرًا من العلماء لا ¬

(¬1) فتح الباري (8/ 220). (¬2) الفقيه والمتفقه (1/ 378). (¬3) سير اعلام النبلاء (15/ 243).

يقبلونه مُطلقًا لأنه اجتهاد فردي. ولكن الراجح هو العمل بأقوال الصحابة التي لم يُخالفهم فيها من هو مثلهم؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وصلوا وصاموا خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتعلموا منه الكثير، فلأجل ذلك ذهب كثير من الأئمة إلى الاحتجاج بأقوالهم إذا لم يُخالفها أقوى منها. التنبيه العاشر: الردود على هذه الشبهات وأمثالها إنّما ينتفع بها طالب الحق المنصف الذي يطلب الحق بدليله، لا من يتبع زلات العلماء، ويستدل بها على ما يوافق هواه. قال الشيخ سلمان العودة: «ما من عالم إلا وله زلة، أبى الله أن تكون العصمة لغير نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن الخطير الولوع بالغرائب والزلات والتعلق بها، باعتبارها رأي فلان أو فلان ممن يشار إليهم بالبنان، وما فتيء العلماء يحذّرون من مسقطة يجريها الشيطان على لسان فاضل عليم، فعن زياد بن حدير قال: قال لي عمر: «هل تعرف ما يهدم الإسلام؟» قال: قلت: «لا»، قال: «يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين» (¬1). ولو أن إنسانًا أخذ بكل شواذ الأقوال وغرائبها لربما خرج من الدين وهو لم يخرج بعدُ من أقوال العلماء! ولذلك قيل: وَلَيْسَ كلُّ خِلافٍ جاءَ مُعتَبَرًا ... إِلا خِلافٌ لَه حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ» (¬2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «دين الإسلام يوجب اتباع الحق مطلقًا، روايةً وفقهًا، ¬

(¬1) رواه الإمام الدارمي (1/ 71)، وصححه الشيخ الألباني في (مشكاة المصابيح). (¬2) ضوابط للدراسات الفقهية للشيخ سلمان العودة (ص 118، 119) بتصرف.

من غير تعيين شخص أو طائفة، غير الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬1).وقال أيضًا: «عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير من العلماء، أو العبّاد، أو أكثرهم، ونحو ذلك ليس مما يصلح أن يكون معارضًا لكلام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يعارض به» (¬2). وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة، حتى يتثبت ويسأل عن حكمه؛ إذ لعل المعتمَدُ على عمله يعمل على خلاف السُنّة، ولذلك قيل: لا تنظر إلى عمل العالم، ولكن سَلْه يصْدُقْك، وقالوا: ضعف الرويَّة أن يكون رأى فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (¬3). ¬

(¬1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص 8). (¬2) اقتضاء الصراط المستقيم (ص245). (¬3) الاعتصام (2/ 508).

الرد على الشبهات

الرد على الشبهات يمكن تقسيم ما يستدل به دعاة الاختلاط إلى: 1 - آيات من كتاب الله - عز وجل - يضعونها في غير موضعها. 2 - أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس فيها ما يدل على جواز الاختلاط. 3 - أحاديث ضعيفة لم تثبت أصلًا فلا يُحتَج بها. 4 - آثار صحيحة عن الصحابة - رضي الله عنهم - عند التأمل لا يُفْهَمُ منها إقرارهم هذا الأمر، فليس فيها دليل على جواز الاختلاط، وعلى فرض أن فيها دليلًا فلا يحتج بأقوال الصحابة ولا أفعالهم إن خالفت أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونهيه. 5 - آثار لا تثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم -. 6 - دعاوى شرعية وعقلية وواقعية يكذبها الشرع والعقل والواقع. 7 - شبهات متعلقة بجواز ولاية المرأة على الرجال وذلك يقتضي ـ بزعمهم ـ اختلاطها بالرجال. وبالجملة فإن من يجادلون في اختلاط المرأة بالرجال يتمسكون بشُبهات ضعيفة ليست فيها حجة أو دلالة، ولو أنهم عرضوها على بعض ما كتبه أهل العلم في حكم الاختلاط لتبدد ظلام تلك الشبهات، فإن ما يذكرونه لا يقوى على دفع الأدلة المتظاهرة على تحريم الاختلاط والتي سبق ذكر بعضها. قال الدكتور عبد الله ناصح علوان - رحمه الله - (بعد أن ذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الاختلاط): «فهذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية تحرم اختلاط الرجال بالنساء بشكل قاطع جازم لا يحتمل الشك ولا الجدل!! فالذين يبيحون الاختلاط ويبررونه بتعويدات اجتماعية ومعالجات نفسية، وحجج شرعية، فإنهم في الواقع يفترون على الشرع ويتجاهلون الفطرة الغريزية ويتجاهلون الواقع المرير الذي آلت إليه المجتمعات الإنسانية قاطبة» (¬1). ¬

(¬1) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 279).

أولا: آيات من كتاب الله يضعونها في غير موضعها

أولًا: آيات من كتاب الله - عز وجل - يضعونها في غير موضعها الشبهة الأولى: التكلف من غير دليل في تخصيص آية الحجاب بأمهات المؤمنين. الجواب: أولًا: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53). إن القرآن عام للناس جميعًا؛ قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19)، ومن المعلوم من قواعد الشريعة أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية عامة لكل من تتوجه إليه من النساء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «وَالْآيَاتُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِيهَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. إذْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ عَامَّةً لِلثَّقَلَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْعَرَبِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْآيَاتِ مُخْتَصًّا بِالسَّبَبِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا: هَلْ يَخْتَصُّ بِنَوْعِ السَّبَبِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ؟ وَأَمَّا بِعَيْنِ السَّبَبِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ آيَاتِ الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ أَوْ اللِّعَانِ أَوْ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالْمُحَارِبِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي كَانَ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ» (¬1). وقال الإمام القرطبي - رحمه الله -: «فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي مَسْأَلَتهنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب فِي حَاجَة تَعْرِض , أَوْ مَسْأَلَة يُسْتَفْتَيْنَ فِيهَا , وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ جَمِيع النِّسَاء بِالْمَعْنَى , وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ أُصُول الشَّرِيعَة مِنْ أَنَّ الْمَرْأَة كُلّهَا عَوْرَة , بَدَنهَا ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (9/ 14).

وَصَوْتهَا , كَمَا تَقَدَّمَ , فَلَا يَجُوز كَشْف ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا , أَوْ دَاء يَكُون بِبَدَنِهَا , أَوْ سُؤَالهَا عَمَّا يَعْرِض وَتَعَيَّنَ عِنْدهَا» (¬1). فالله سبحانه لما أمر بسؤالهن من وراء حجاب أشارت علة الحكم بمسلك الإيماء والتنبيه إلى عموم الحكم، فقال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} إذ طهارة القلوب مطلوبة من عموم المسلمين لا من الصحابة وآمهات المؤمنين فحسب، فاتضح من عموم علة الحكم عموم الحكم لجميع النساء، ولو قلنا بتخصيصها بأمهات المؤمنين لعطلنا كثيرًا من أحكام الشريعة، إذ غالب آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها. قال الشخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: «أما القرآن العظيم فمن أدلته العظيمة التي لا ينبغي عنها بحال من الأحوال أن الله أنزل فيه أدبًا سماويًا أدَّب به خير نساء الدنيا ـ وهن نساء سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ فأمر فيه جميع الرجال أن لا يسألوهن متاعًا إلا من وراء حجاب، ثم بين أن الحكمة في ذلك أن تكون قلوب كل من الجنسين في غاية الطهارة من أدناس الريبة بين الجنسين. وقد تقرر في علم الأصول أن العلة تعمم معلولها وتخصصه والعلة في هذه الآية المتضمنة هذا الأدب السماوي الكريم الكفيل بالصيانة والعفاف وحفظ الكرامة والشرف معممة لحكم الآية الكريمة في جميع نساء المسلمين إلى يوم القيامة، وإن كان لفظها خاص بأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، ثم بين حكمة هذا الأدب السماوي وعلته ونتيجته بقوله جل وعلا: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. فدل ذلك بمسلك الإيماء والتنبيه من مسالك العلة أن علة السؤال من رواء ¬

(¬1) تفسير القرطبي (14/ 227).

الحجاب هي المحافظة على طهارة قلوب كل من الجنسين غاية الطهارة حيث عبر تعالى بصيغة التفضيل في قوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. ودل هذا التعليل بأطهرية قلوب الجنسين، على أن حكم الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة لأن أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن مطلوبة إجماعًا فلا يصلح لقائل أن يقول المطلوب طهارة قلوب أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقط وطهارة قلوب الرجال من الريبة معهن فقط، بل ذلك مطلوب في جميع النساء إلى يوم القيامة كما لا يخفى. فدل ذلك على أن العلة المشار إليها بقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} مقتضية تعميم ها الحكم السماوي النازل بهذا الأدب الكريم المقتضي كمال الصيانة والعفاف والمحافظة على الأخلاق الكريمة والتباعد من التدنس بالريبة، فسبحان من أنزله، ما أعلمه بمصالح خلقه وتعليمهم ومكارم الأخلاق. ويؤيد ما ذكرنا من تعميم الحكم أن الخطاب لواحد يشمل حكمه جميع الأمة إلا بدليل خاص وهو على المقرر في أصول المذهب الحنبلي يكون خطاب الواحد بنفسه صيغة عموم مقتضية عموم الحكم في جميع المكلفين. وغير الحنابلة يقول خطاب الواحد يقتضي عموم الحكم لكن بواسطة لا بنفسه. وتلك الواسطة نوعان: أحدهما: قياس باقي المكلفين على ذلك الشخص الواحد المخاطب لأن الأصل استواء جميع الناس في أحكام التكاليف الشرعية إلا ما أخرجه دليل خاص. النوع الثاني: هو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ»، وهو صحيح أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح، وهو دليل على أن ما خوطبت امرأة واحدة من الأمة يعم حكمه جميع النساء. ولو سلمنا تسليمًا جدليًا أن آية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كما يقوله بعض أهل العلم وجميع دعاة السفور، فإن أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خير أسوة وأفضل من يقتدي بهن نساء المسلمين ولا سيما في أدب سماوي تصان به الكرامة والشرف والعفاف. فالاقتداء بهن في ذلك أولى من الاقتداء بإناث الإفرنج في الإباحية البهيمية القاضية على الأخلاق والشرف قضاء لا يترك للفضيلة والحفاظ أثرًا، ولا يصح لعاقل منصف أن ينازع في أن الاقتداء بأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تعليم بوحي سماوي يحقق الحفاظ على الشرف والصيانة والكرم والعفاف والنزاهة والبعد من تقزز القلوب بأدناس الريبة ـ خير وأولى من تقليد إناث الإفرنج الكافرات في كل ما يدنس العرض ويقضي على الكرامة والفضيلة. فمن حاول منع بنات المسلمين من الاقتداء بأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في ذلك الأدب السماوي الكريم فهو مريض القلب غاش لأمته أشد الغش ومن غشنا فليس منا. ويُفهم من مفهوم المخالفة المعروف في الأصول بدليل الخطاب في الآية أن الاختلاط وعدم الاحتجاب أبخس وأقذر لقلوبكم وقلوبهن لأن قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يدل بمفهوم مخالفته أنكم إن سألتموهن متاعًا مباشرة لا من وراء حجاب أن ذلكم ليس أطهر لقلوبكم وقلوبهن بل هو أبخس لقلوبكم وقلوبهن» (¬1). ثانيًا: إن الحكم يعم جميع النساء، ولو كان الأمر بمنع الاختلاط خاصًّا بأمهات المؤمنين فمن المقصود بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ ¬

(¬1) باختصار من (حكم الإسلام في الاختلاط)، إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت 1389هـ 1969م، ردًا على استفسار الجمعية عن حكم الإسلام في اختلاط الطلبة والطالبات في المدارس والجامعات، مؤسسة نور الإسلام www.islamlight.net.

صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1) ومن المقصود بحديث أَبِى أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ ـ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِى الطَّرِيقِ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِلنِّسَاءِ: «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. (رواه أبو داود وحسنه الألباني). ثالثًا: يلزم عن قولهم هذا، أن كل خطاب توجه إلى أحد بعينه، فحكمه خاص به، وحينئذ فالشريعة كلها خاصة بالصحابة - رضي الله عنهم -؛ لأن الأمر الإلهي نزل يخاطبهم حين نزل، فمَن بَعدهم لم يأت بعد. وما هكذا سبيل العلماء، سبيلهم أن الحكم يخص المخاطب بشرط هو: إذا ورد دليل آخر يدل على الخصوصية. وقد قال تعالى مخاطبًا أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33) فهل سيدّعون أن النهي عن التبرج أيضًا خاص بالأزواج؛ لأن الخطاب توجه إليهن؟. رابعًا: قيل لهم: «لِمَ خُصَّ أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقرار؟» فقالوا: «لحرمتهن ومنزلتهن». فيقال لهم: «هذه الحرمة والمنزلة تشمل فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا شك؛ فيجب عليها القرار أم لا؟». فإن قالوا: «يجب عليها القرار».فهاهم أدخلوا من لم يتوجه الخطاب إليه، فبطل قولهم بالتخصيص. وإن قالوا: لا يجب عليها القرار؛ لأنها لم تخاطب، بطل تعليلهم، وما بُنِيَ عليه من التخصيص. فكيفما قدرت، فقولهم باطل (¬2). ¬

(¬1) رواه مسلم. (¬2) كيف بُنِيَ تحريم الاختلاط؟ د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه www.saaid.net.

الشبهة الثانية: ركوب أهل السفينة مع نوح - عليه السلام -

الشبهة الثانية: ركوب أهل السفينة مع نوح - عليه السلام -: قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)} (هود: 40 - 41). زعم دعاة الاختلاط أن حَمْلَ نوح - عليه السلام - من كلٍّ زوجين اثنين دليلٌ على إباحة الاختلاط. الجواب: 1 - ليس هناك دليل على جنس راكبي السفينة؛ فغاية ما تدل عليه الآية أنهم مؤمنون فقط دون تفصيل؛ فقوله تعالى: {وَمَنْ آمَنَ} لا يدل على جنس هؤلاء المؤمنين أذكور هم أم إناث أم أخلاط، أما قوله تعالى: {وَأَهْلَكَ} فلا يدل على كون الأهل هنا زوج نوح - عليه السلام - لأن زوجته كانت كافرة، فربما كان بعض أبناء نوح الذكور لقوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} (هود:45)، ولو فُرض أنهم ذكور وإناث فهم بصحبة مَحْرَمِهم نوح - عليه السلام -. 2 - ما المانع أن يكون الرجال في السفينة على حدة والنساء على حدة؛ إذ لا دليل على مخالطة الرجال النساء في السفينة، ومن زعم غير ذلك فعليه الدليل (¬1). 3 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 175). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة الثالثة: هل اختلطت أم إسماعيل بقوم جرهم؟

الشبهة الثالثة: هل اختلطت أم إسماعيل بقوم جرهم؟ قال تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} (إبراهيم: 37). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -:قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - «يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ ـ أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ ـ لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا، وَأَقْبَلَ جُرْهُمُ فَقَالُوا: «أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟»، قَالَتْ: «نَعَمْ، وَلاَ حَقَّ لَكُمْ فِى الْمَاءِ». قَالُوا: «نَعَمْ» (رواه البخاري). الجواب: 1 - إن إبراهيم - عليه السلام - وضع زوجته وابنه إسماعيل في مكة خاليين ليس عندهما أحد، وإنما قدم قوم جرهم عقب ذلك ونزلوا في ناحية الوادي بعيدين عن هاجر وابنها، وكما هو العادة في عمارة المدن والقرى، فأين الاختلاط في هذا؟ 2 - إن طلب قوم جرهم من هاجر النزول مجاورين لها في الوادي ليس فيه أكثر من كلام ولقاء عابر ثم انصرافهم إلى ناحية الوادي بعد إذنها لرغبتها في زوال الوحشة (¬1). 3 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 176). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة الرابعة: الاستدلال بقصة يوسف - عليه السلام -

الشبهة الرابعة: الاستدلال بقصة يوسف - عليه السلام -: من شبهات دعاة الاختلاط، ما يستدل به بعضهم، من دخول نبي الله يوسف - عليه السلام - على النسوة، قال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} (يوسف: 30 - 34). الجواب: 1 - مَن تأملَ هذه الآيات جزم بأنه لايصح الاستدلال بها على جواز الاختلاط، بل الآيات حجة عند النظر والتأمل لمن منع من الدخول على النساء ومخالطتهن: فيوسف - عليه السلام - اشتراه عزيز مصر، وكان في بيته وكان خروجه بأمر ربة البيت فكان الخروج في حقه لضرورة أو حاجة، خاصة وأنه لا يعلم لماذا دُعي، فغاية ما في القصة الاستدلال بفعل النسوة أو امرأة العزيز، وهذا استدلال بفعل مَن كان على الشرك. ومع ذلك فإن الآيات في سياق القصة وما تبعها من فتنة حصلت للنساء ـ بل ولامرأة العزيز من قبلُ ـ دليل على حرمة الاختلاط، فمَن حلَّل الاختلاط بقصة يوسف لم يفقه ما استدل به عليه من سورة يوسف، ولو فقهه لحرم الاختلاط به، فانظر

إلى الفتنة التي حصلت إثر الدخول على النساء ولئن عصم الله يوسف - عليه السلام - فأراه برهان ربه لكونه من المخلصين، فمن الذي يضمن هداية من تقحم الفتن وعرض نفسه لها؟ 2 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1). ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة الخامسة: قصة أم موسى وأخته مع قوم فرعون

الشبهة الخامسة: قصة أم موسى - عليه السلام - وأخته مع قوم فرعون: قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} (القصص: 11 - 13). الجواب: 1 - لم تدل القصة لا تصريحًا ولا تلميحًا على جواز الاختلاط؛ بل هو من اللقاء العابر، فقصارى ما في القصة أن أخت موسى - عليه السلام - قد عرضت على قوم فرعون إرضاع موسى - عليه السلام - بدلالتهم على أمه الحقيقية وهم لا يشعرون. فأخت موسى - عليه السلام - لم تجالسهم ولم تؤاكلهم ولم تشاربهم ولم تعمل معهم جنبًا إلى جنب ولكنها حدَّثتهم حديثًا لا فتنة فيه، وكَلَّمَتْهم كلامًا جادًّا خاليًا من الريبة والإثارة؛ فأدَّت المقصود والتزمت الحدود وحملت أخاها الرضيع وانطلقت به إلى أمه؛ فأي دليلٍ في هذا على جواز الاختلاط؟!! (¬1) 2 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 174). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة السادسة: نبأ موسى - عليه السلام - مع المرأتين

الشبهة السادسة: نبأ موسى - عليه السلام - مع المرأتين: قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} (القصص: 23 - 26). من عجيب ما يتمسك به دعاة الاختلاط نبأ موسى - عليه السلام - مع بنتي صاحب مدين، وليس فيه حجة على جواز الاختلاط بل هو دليل آخر على المنع، فموسى لما رأى أُمّة من الناس يسقُون، ووجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما عن السقيا مع القوم، منعزلتين لا تسقيان مع الناس، لم يَرْضَهُ موقفهما واستغربه؛ ولهذا سألهما بعبارة مختصرة: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا}، فكان الجواب بأوجز عبارة وبقدر الحاجة: {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. والأسئلة التي ينبغي أن تطرح هنا لماذا هذا الاقتضاب؟ مع أنه عند أبيهما قص القصص! ولماذا لم تسقيا؟ ولماذا ذادتا غنمهما؟ وعن ماذا ذادتا الغنم؟ أليس عن الاختلاط بغنم القوم؟ ثم أليس الأوْلى لهما أن تعجلا؟

جواب ذلك في القول باستقرار المنع من الاختلاط عندهما ولهذا {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ}. وقد ذكر بعض المشايخ المعاصرين أربعة عشر وجهًا في القصة انتزع منها الدلالة على منع الاختلاط، وآخر ذكر تسعة عشر مظهرًا من مظاهر العفة في القصة (¬1). ومن الآيات السابقة: يتضح لنا أن المرأتين خرجتا للعمل في السقيا، ولكن خروجهما كان للضرورة لهذا قالتا: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. ونلاحظ أيضًا في القصة قول الله - عز وجل -: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}؛ لأنها تربَّتْ على الحياء لم تتكشف ولم تتبرج. قال الحافظ ابن كثير: «قال الله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} أي: مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «كانت مستتَرة بكم درْعها». وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون قال: قال عمر - رحمه الله -: «جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خَرَّاجة ولاجة». (هذا إسناد صحيح). قال الجوهري: «السلفع من الرجال: الجسور، ومن النساء: الجريئة السليطة» (¬2). وفي الآية أيضًا من الأدب والعفة والحياء، ما بلغ ابنة الشيخ مبلغًا عجيبًا في التحفظ والتحرز، إذ قالت: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، فجعلت ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 58). (¬2) تفسير ابن كثير (3/ 384).

الدعوة على لسان الأب، ابتعادًا عن الرَّيب والرِّيبة. قالت له بحزم: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} هكذا مباشرةً قالت له المطلوب، وبدون كثرة كلام. وقارنوا هذا بالذي يحدث من بعض النساء في عصرنا الحاضر مِن حُب الكلام الكثير مع الرجال: مع ما يصاحب هذا الكلام من تكسر وميوعة سواءً مع الأقارب أو مع الأصدقاء، وسواءً بشكل مباشر أو عن طريق الهاتف، رغم أنهن يعرفن قول الله - عز وجل -: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} (الأحزاب: 32). وكم من رجل وقع ضحية كلمة مائعة أو ضحكة فاجرة سمعها من أمثال هؤلاء النساء، إذن على المرأة عندما تخاطب الرجال أن تخاطبهم بجدية لا تصل إلى التشبه بالرجال ولا بميوعة وتكسر قد يفهم البعض منها أنها تقصد شيئًا ما. وعليها أن تتكلم بقدر الحاجة بدون زيادة أو نقصان.

الشبهة السابعة: قصة ملكة سبأ مع سليمان - عليه السلام - وما حصل من حوار معها

الشبهة السابعة: قصة ملكة سبأ مع سليمان - عليه السلام - وما حصل من حوار معها: قال تعالى: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)} (النمل: 41 - 44). الجواب: 1 - ليس في القصة ما يدل على جواز الاختلاط إنما هو لقاء عابر ينقضي بزوال الحاجة أو الضرورة (¬1). 2 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 177). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة الثامنة: دخول زكريا - عليه السلام - على مريم المحراب

الشبهة الثامنة: دخول زكريا - عليه السلام - على مريم - عليها السلام - المحراب: قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)} (آل عمران: 35 - 37). الجواب: 1 - كفل زكريا مريم وهي رضيعة وربما أرضعتها زوجته فتكون ابنته من الرضاعة. 2 - مريم كانت تقطن المسجد بعدما كبرت فقد نذرتها أمها لذلك، ودخول زكريا عليها كان في المحراب، والمسجد موضع عبادة ويجوز فيه دخول الرجال والنساء مع التصون والحجاب (¬1). 3 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 177). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة التاسعة: قصة مريم مع قومها

الشبهة التاسعة: قصة مريم - عليها السلام - مع قومها: قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)} (مريم: 27 - 34). الجواب: 1 - لقاء مريم - عليها السلام - مع قومها كان لقاءً عابرًا لغرض البيان ورفع اللَّبْس لكي لا تضع نفسها موضع التهمة وسوء الظن، وليتمكن عيسى - عليه السلام - من إبلاغهم الرسالة، ولم يكن لقاؤها إياهم متكررًا ومقصودًا ومباشرًا كل يوم كما يحسبه دعاة الاختلاط. 2 - مريم - عليها السلام - حين أجاءها المخاض انتبذت به مكانًا قصِيًّا بعيدًا عن الأنظار؛ فلماذا أغفل دعاة الاختلاط هذا؟!! (¬1) 3 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 175). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم.

الشبهة العاشرة: استدلالهم بآية (المباهلة)

الشبهة العاشرة: استدلالهم بآية (المباهلة): قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} (آل عمران: 61). هذه الآية اعتبرها بعضهم من أكثر الأدلة صراحة على إباحة الاختلاط، والتي نزلت عقب فرض الحجاب، حيث إن الآية أشارت إلى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان سيجلب معه نساءه وأولاده للمباهلة مع وفد أساقفة نجران. الجواب: 1 - مَعْنَى الآية كما جاء في تفسير السعدي: «{فَمَنْ} جادلك و {حَاجَّكَ} في عيسى - عليه السلام - وزعم أنه فوق منزلة العبودية، بل رفعه فوق منزلته {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} بأنه عبد الله ورسوله، وبيَّنْتَ لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه عبد أنعم الله عليه، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني، فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو، لأن الحق قد تبين، فجداله فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله، قصده اتباع هواه، لا اتباع ما أنزل الله، فهذا ليس فيه حيلة. فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته، فيدعون الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين، هو وأحب الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء، فدعاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم وأولادهم فلم يجدوا أهلًا ولا مالًا وعوجلوا بالعقوبة، فرضوا بدينهم مع جزمهم ببطلانه، وهذا غاية الفساد والعناد».

2 - كيف نبني حكمًا كاملًا على أمرٍ لم يقع , وإن وقع فهو ضرورة بين الحق والباطل والحياة والموت فهي (ملاعنة) , والأعجب إن حصل فلا نعرف كيف ستكون ماهيته , هل سيختلطون أم لا؛ فيكون النساء في مكان والرجال في مكان آخر مثلًا؟! وكأن دعاة الاختلاط قد كُشفت لهم الحُجب فرأوا أنه وقع الاختلاط ليحكموا أنه من أصرح الأدلة؟!! 2 - معلوم مَن المقصود بالآيات (بالأبناء) الحسن والحسين و (النساء) فاطمة و (أنفسنا) عنى نفسه الرسول وعليًا , كما في تفاسير البغوي والألوسي وغيرهما , وأحاديث مسلم والترمذي , ومن هذا يتبين أن حتى مَن سيذهب (لو حصل ذلك) زوج وزوجته وأبناءهم مع جدهم , فأين الاختلاط هنا أو هناك إذا سافروا وفاطمة مع محارمها؟! سواء في الطريق أو هناك (¬1). وأين هذا الشيء العارض ـ مع وجود المحارم ـ من الاختلاط الذي قد يدوم لساعات بدون محارم (¬2). ¬

(¬1) الرد على (باحث سعودي يفند أدلة تحريم الاختلاط بالإسلام)، فهد الغفيلي، موقع نور الإسلام www.islamlight.com، بإشراف د محمد بن عبد الله الهبدان. (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78

ثانيا: أحاديث صحيحة عن النبي ليس فيها ما يدل على جواز الاختلاط

ثانيًا: أحاديث صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس فيها ما يدل على جواز الاختلاط الشبهة الحادية عشرة: حديث أم حرام بنت ملحان - رضي الله عنها - (¬1): عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان فَتُطْعِمُه، وَكَانَتْ أُمّ حَرَام تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمًا فَأَطْعَمَتْه، ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: «مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟». قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ (¬2) هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ـ يَشُكُّ أَيَّهُمَا ـ. قَالَ: َ قَالَتْ: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: «مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟». قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ»، كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى. قَالَتْ: فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ؟». قَالَ: «أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ»، فَرَكِبَتْ أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. (رواه البخاري ومسلم). ¬

(¬1) بتصرف من (إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، دراسة تأصيلية تطبيقية تبين المنهج العلمي في الإجابة عن الإشكالات التي ربما تعرض في بعض الأحاديث) تأليف: علي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري. (¬2) الثَّبَج: ظَهْر الشَّيْء، وَالْمُرَاد أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ السُّفُن الَّتِي تَجْرِي عَلَى ظَهْره. (من فتح الباري لابن حجر).

تنبيه: قال صاحب كتاب (إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان): «وأنبه أن لفظة (النوم في الحجر) لم أجدها في أي رواية من روايات الحديث» (¬1). الجواب: استشكل حَدِيث أُمّ حَرَام هذا مِنْ وجهين: الأوَّل: أنّ ظاهر الحَدِيث يوهم خلوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بأُمّ حَرَام، ومعلوم أنّ خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية لا تجوز باتفاق العلماء. والثاني: أنّ في الحَدِيث: «ثُمَّ جَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ فَنَامَ» فهل يجوز للمرأة مس جسد الرجل الأجنبي؟. وهذا الإشكال فرح به صنفان من أهل الأهواء: فالصنف الأوَّل: اتخذ هذا الحَدِيث حجة للطعن في أصح كتابين بعد كتاب الله (صحيح البخاري، وصحيح مسلم)، لفهمه السقيم أنّ في ذلك طعنًا في جناب المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -. والصنف الثاني: وهم أهل الشهوات الذين قَالَ الله - عز وجل - فيهم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} (النساء:27)، فأخذوا ما يوافق شهواتهم وأعرضوا عن ما يخالفها من صريح الكتاب والسنة. وهذان الصنفان ليس نظرهم في الدليل نظر المستبصر حتى يكونَ هواه تحت حكمه، بل نظر مَنْ حَكَمَ بالهوى ثم أتى بالدليلِ كالشاهدٍ له، وهذا شأنُ كلّ مبطل ممن يترك المحكم للمتشابه. ¬

(¬1) هامش ص 19.

وعند التحقيق وتطبيق المنهج العلمي السليم في دراسة المسألة جمعًا ودراسةً يتبين أنه لا حجة للصنفين في الحَدِيث. قال صاحب كتاب (إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان): «والجواب عن حديث أم حرام وتفليتها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يخرج عن أحد ثلاثة: 1 - الخصوصية للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. 2 - أو الخصوصية لأم حرام وأختها أم سليم. 3 - أو أنّ هناك علاقة محرمية بين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وأم حرام وأختها أم سليم. ولم أذكر جوابًا رابعًا ـ وهو ما يدور حوله أهل الشهوات ـ وهو أنه يجوز للأجنبي الخلوة بالأجنبية ومسها لأمرين: 1 - أنَّ النصوص من القرآن والسنة دالة دلالة قطعية على تحريم الخلوة بالأجنبية ومسها. 2 - أنّ أحدًا من أهل العلم ممن تقدم أو تأخر لم يذكر هذا الجواب للسبب المتقدم. فلمّا بحثت الحديث بحثًا موسعًا شاملًا للرواية والدراية ظهرت لي أمور مجتمعة تُعدّ من قبيل تضافر الدلائل التي لا تخطئ، والدلالات التي تورث اليقين بأنَّ هناك محرمية بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمّ حرام، وبينت أنه بأقل من القرائن المذكورة يستدل على مثل هذه القضايا، فكيف بهذه القرائن مجتمعة» (¬1). وقال أيضًا: «لم أقفْ إلى الآن عَلَى حَدِيثٍ صحيحٍ صريحٍ في خلوة النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدَه بامرأةٍ أجنبيةٍ ... والأحاديثُ التي ذَكَرَ بعضُ العلماء أنّ فيها خلوةً، أو استدل بها عَلَى أنّ مِنْ خصائص الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الخلوة بالمرأة الأجنبية والنظر إليها ليست صريحة» (¬2). ¬

(¬1) هامش ص 26. (¬2) ص 45.

أجوبةُ أهلِ العلم والإيمان عن هذين الإشكالين: أمَّا الإشكالُ الأوَّل: وهو أنّ ظاهر الحَدِيث يوهم الخلوة، فالإجابة عنه أنّ الحَدِيثَ ليسَ فيه التصريح بالخلوة أو عدم الخلوة فإذا كان كذلك رجع إلى الأصل وهو تحريمه - صلى الله عليه وآله وسلم - القطعيّ للخلوة بالمرأة الأجنبية، وقد أشار إلى هذا المعنى اِبْن عَبْد الْبَرِّ فَقَالَ بعد أن ذكر المحرمية:: «والدليل على ذلك ... ـ ثم ساق حَدِيث جابر، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر في النهي عن الخلوة ـ وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك، ومحال أنْ يأتي رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما ينهى عنه» (¬1). وَقَالَ الدِّمْيَاطِيّ: «لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى الْخَلْوَة بها؛ فلعل ذاك كَانَ مَعَ وَلَد أَوْ خَادِم أَوْ زَوْج أَوْ تَابِع، والعادةُ تقتضي المخالطة بين الْمَخْدُوم وَأَهْل خَادِمه، سيّما إذا كنَّ مسنَّات مع ما ثبت له - صلى الله عليه وآله وسلم - من العصمة» (¬2). قَالَ ابنُ حَجَر: «قُلْتُ: وَهُوَ اِحْتِمَال قَوِيّ» (¬3). وكثيرًا ما يقع في الكتابِ والسنةِ ترك بيان بعض الأمور في موضع لائق به اعتمادًا على وضوحها وظهورها، أو اعتمادا على بيانها في موضع آخر، وليس هذا بأكثر من مجيء عموم أو إطلاق في القرآن ومجيء تخصيصه أو تقييده في السنة. ولو ثبتت الخلوة صراحة في الحَدِيث لم تضر لأنّ أُمّ حَرَام خالة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الرَّضَاعَ أو أنَّ ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

(¬1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 226). (¬2) عمدة القاري (14/ 86). (¬3) فتح الباري (11/ 78) ..

أمَّا الإشكال الثاني: وهو فَلْيُ أُمّ حَرَام لرأس النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد تعددت آراء العلماء في ذلك على أقوال: القولُ الأَّولُ: أنّ من خصائص النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إباحة النَّظَرِ لِلأَجْنَبِيَّاتِ وَالْخَلْوَةِ بِهِنَّ وَإِرْدَافِهِنّ، ويدخل في ذلك تفلية الرأس وغيره. ولكن يضَعّف هذا القول امتناع النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عن مصافحة النساء في البيعة والاكتفاء بالكلام، فهذا الامتناع في هذا الوقت الذي يقتضيه ـ وهو وقتُ المبايعة ـ دليلٌ على عدم الخصوصية، وإلاَّ فبماذا يُفسر هذا الامتناع في هذا المقام الذي يقتضي عدم الامتناع؟!. وكذلك حَدِيث صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» فَقَالا: «سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ»، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» (رواه البخاري ومسلم). فلو كان مستقرًا عند الصحابة هذا المعنى لما احتاج النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقول للصحابيين ما قَالَ. القولُ الثاني: أنّ هذا خاصٌ بأُمّ حَرَام وأختها أُمّ سُلَيْم. ويرد على هذا القول الاعتراضات السابقة نفسها، ويزاد: لماذا خُصَّتْ أُمّ سُلَيْم وأختها بهذه الخصوصية. القولُ الثالث: أنّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَحْرَم لأُمّ حَرَام؛ فبينهما إمَّا قرابة نسب أو رضاع.

قَالَ الإمام النَّوَوِيّ: «اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - , وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّة ذَلِكَ فَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره: كَانَتْ إِحْدَى خَالَاته مِنْ الرَّضَاعَة , وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَتْ خَالَة لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ؛ لِأَنَّ عَبْد الْمُطَّلِب كَانَتْ أُمّه مِنْ بَنِي النَّجَّار» (¬1). وَقَالَ أيضًا: «وكانت أُمّ سُلَيْم هذه هي وأختها خالتين لرسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2). وقَالَ الحافظ ابنُ حَجَر: «وَجَزَمَ أَبُو الْقَاسِم بْن الْجَوْهَرِيّ والدَاوُدِيُّ وَالْمُهَلَّب فِيمَا حَكَاهُ اِبْن بَطَّال عَنْهُ بِمَا قَالَ اِبْن وَهْب قَالَ: وَقَالَ غَيْره إِنَّمَا كَانَتْ خَالَة لأَبِيهِ أَوْ جَدّه عَبْد الْمُطَّلِبِ , وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ سَمِعْت بَعْض الْحُفَّاظ يَقُول: كَانَتْ أُمّ سُلَيْمٍ أُخْت آمِنَة بِنْت وَهْب أُمّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ الرَّضَاعَة» (¬3). والقول بالمحرمية بالنسب فيه نظر، لأنّ خفاء قرابة النسب يبعد بخلاف الرَّضَاعَ؛ فإنّ الرَّضَاعَة من الأجنبية كانت منتشرة في ذلك الوقت، وربما خفي أمْرُها على أقرب الناس. ومما وَرَدَ في خفاء الرضاع من الحَدِيث: 1 - عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَعِنْدِي رَجُلٌ قَاعِدٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ، قَالَتْ: فَقَالَ: «انْظُرْنَ إِخْوَتَكُنَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» (رواه البخاري ومسلم). فانظرْ كيفَ خفي أمر رضاعة من هي من أقرب الناس إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي زوجته. ¬

(¬1) شرح النَّوَوِيّ على صحيح مسلم (13/ 57). (¬2) تهذيب الأسماء (2/ 626). (¬3) فتح الباري (11/ 78).

2 - وعن عَبْدُ اللهِ بنُ أبي مُلَيْكَة عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِث ِ أنَّهُ تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إِهابِ بنِ عَزِيزِ فَأتَتْهُ امْرَأةٌ فَقالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرضَعْتُ عُقْبَةَ والَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: «ما أعْلَمُ أنَّكِ أرْضَعْتِنِي وَلا أخْبَرْتِنِي».فَرَكِبَ إِلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالمَدِينَة فَسَأَلَهُ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كَيْفَ وقَدْ قِيلَ!»، فَفارَقَها عُقْبَةُ ونَكَحَتْ زَوْجًا غَيَرَهُ (رواه البخاري). 3 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أُرِيدَ عَلَى ابْنَةِ حَمْزَةَ فَقَالَ: «إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّحِمِ» (رواه البخاري ومسلم). 4 - وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لَوْ لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ» (رواه البخاري ومسلم). الراجح في الإجابة عن مس أُمّ حَرَام للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: إنّ مَنْ استقرأ النصوص الواردة في تعامل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام رأى أنّ لأُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام دون بقية النساء ـ غير أزوجه ـ خصوصية لا يمكن أن تقع إلا للمحرم مع محرمه، فمن ذلك: 1 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَأُتِيَتْ فَقِيلَ لَهَا: «هَذَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَامَ فِي بَيْتِكِ عَلَى فِرَاشِكِ». قَالَ: فَجَاءَتْ وَقَدْ عَرِقَ وَاسْتَنْقَعَ عَرَقُهُ عَلَى قِطْعَةِ أَدِيمٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَفَتَحَتْ عَتِيدَتَهَا فَجَعَلَتْ تُنَشِّفُ ذَلِكَ الْعَرَقَ فَتَعْصِرُهُ فِي قَوَارِيرِهَا فَفَزِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «مَا تَصْنَعِينَ يَا أُمَّ

سُلَيْمٍ؟» فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيَانِنَا»، قَالَ: «أَصَبْتِ» (رواه مسلم) (¬1). وتأمل قولَ أَنَسِ - رضي الله عنه -: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدْخُلُ بَيْتَ أُمِّ سُلَيْمٍ فَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا، وَلَيْسَتْ فِيهِ»؛ فهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق ـ زمن النبوة ـ مثل هذا الموقف دون استغلاله في الطعن في النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي نبوته؟ وهم الذين طعنوا في أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بمجرد شبهة باطلة!! وما فتأوا (¬2) يحيكون الدسائس والمؤامرات والشائعات!! وكذلك لِمَ لمْ يتكلموا في أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام كما تكلموا في عائشة - رضي الله عنها -؟!! 2 - حَدِيثُ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: «إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي» (رواه البخاري ومسلم). قَالَ ابن حَجَر: «قَوْله: (لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بِالْمَدِينَةِ بَيْتًا غَيْر بَيْتٍ أَمْ سَلِيم) قَالَ الحُمَيْدِيّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَقَدَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمّ حَرَام. وَقَالَ اِبْن التِّينِ: يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولُ عَلَى أُمِّ سَلِيم وَإِلَّا فَقَدَ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهَا أُمِّ حَرَام، وَلَعَلَّهَا ـ أَيْ أَمُّ سَلِيم ـ كَانْت شَقِيقَة المَقْتُولِ أَوْ وَجَدَتْ عَلَيْهِ أَكْثَر مِنْ أُمّ حَرَام. قُلْت (أي الحافظ ابن حجر): «لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَإِنَّ بَيْت أُمّ حَرَام وَأُمّ سَلِيم وَاحِد وَلَا مَانِع أَنْ تَكُونَ الأُخْتَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ مَعْزِل فَنُسِبَ ¬

(¬1) قَوْله: (فَفَتَحَتْ عَتِيدَتهَا) هِيَ كَالصُّنْدُوقِ الصَّغِير، تَجْعَلُ الْمَرْأَة فِيهِ مَا يَعِزُّ مِنْ مَتَاعهَا. مَعْنَى فَزِعَ: اِسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمه. (من شرح النووي على مسلم (15/ 87). (¬2) ما أفْتَأَ يفعل كذا، وما فَتِئَ، وما فَتَأَ: أي ما زال، وما برح، قال تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85)} (يوسف: 85)، أي لا تزال تذكره، والنفي في الآية بعد القسم وقبل الفعل المضارع ملحوظ وإن لم يذكر. (مختار الصحاح، المعجم الوسيط، مادة: فتأ).

تَارَةً إِلَى هَذِهِ وَتَارَةً إِلَى هَذِهِ» (¬1). وما أجاب به الحُمَيْدِيّ واِبْن التِّينِ يتضمن تفسيرًا لقوله: «فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ» فإنَّه سؤالٌ عن سبب كثرة دخوله عليها، ولا يجوز أنْ يكون سؤالًا عن سبب دخوله عليها لكونها أجنبيةً منه، فإنَّ ذلك لا يناسبه ما أجاب به - صلى الله عليه وآله وسلم - من قوله: «إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي» فتعين أن يكون السؤال عن غير هذا. قَالَ النَّوَوِيّ: «قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَاب الْجِهَاد عِنْد ذِكْر أُمّ حَرَام أُخْت أُمّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنْ الرَّضَاع , وَإِمَّا مِنْ النَّسَب , فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَة بِهِمَا , وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً , لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرهمَا مِنْ النِّسَاء إِلَّا أَزْوَاجه. قَالَ الْعُلَمَاء: فَفِيهِ جَوَاز دُخُول الْمَحْرَم عَلَى مَحْرَمه , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مَنْع دُخُول الرَّجُل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة. وَإِنْ كَانَ صَالِحًا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ الْعُلَمَاء: أَرَادَ اِمْتِنَاع الْأُمَّة مِنْ الدُّخُول عَلَى الْأَجْنَبِيَّات» (¬2). قَالَ العينيُّ: «قَالَ الكرمانيّ: «كيف صار قتل الأخ سببًا للدخول على الأجنبية؟» قلتُ: «لم تكن أجنبية كانت خالة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الرَّضَاعَ، وقيل: من النسب فالمحرمية كانت سببًا لجواز الدخول» (¬3). 3 - وعَنْ سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي فَقَالَ: «قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ بِكُمْ»، فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَصَلَّى بِنَا فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ: «أَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ؟ قَالَ: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ¬

(¬1) فتح الباري (6/ 51). (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 10). (¬3) عمدة القاري (14/ 138).

بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللهِ خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ: فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ، وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» (رواه مسلم). 4 - وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ فَأَتَوْهُ بِسَمْنٍ وَتَمْرٍ فَقَالَ: «رُدُّوا هَذَا فِي وِعَائِهِ، وَهَذَا فِي سِقَائِهِ؛ فَإِنِّي صَائِمٌ»، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَامَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ حَرَامٍ خَلْفَنَا». (رواه أبو داود وصححه الألباني). 5 - وعَنْ حُمَيْد عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -:دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ قَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي خُوَيْصَةً». قَالَ «مَا هِيَ؟».قَالَتْ: «خَادِمُكَ أَنَسٌ»، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلَا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لِي بِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ»؛ فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الْأَنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ» (رواه البخاري) (¬1). 6 - وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ ¬

(¬1) قَوْله: (إِنَّ لِي خُوَيْصَة) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَبِتَخْفِيفِهَا، تَصْغِير خَاصَّة. وَقَوْلها: «خَادِمك أَنَس» هُوَ عَطْف بَيَان، أَوْ بَدَل، وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره أَطْلُبُ مِنْك الدُّعَاء لَهُ. (أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي) أَيْ مِنْ وَلَدِهِ دُونَ أَسْبَاطِهِ وَأَحْفَادِهِ. قَوْله: (مَقْدَمَ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ مَا مَاتَ لِي مِنْ الْأَوْلَادِ إِلَى أَنْ قَدِمَهَا الْحَجَّاجُ، وَكَانَ قُدُومُ الْحَجَّاج الْبَصْرَةَ سَنَة خَمْس وَسَبْعِينَ وَعُمُرُ أَنَسٍ حِينَئِذٍ نَيِّفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَدْ عَاشَ أَنَس بَعْد ذَلِكَ إِلَى سَنَة ثَلَاث وَيُقَالُ اِثْنَتَيْنِ وَيُقَال إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقَدْ قَارَبَ الْمِائَةَ. ... قَوْله: (بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ) فِي ذِكْر هَذَا دَلَالَة عَلَى كَثْرَةِ مَا جَاءَهُ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ الَّذِي مَاتَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ بَقُوا فَفِي رِوَايَة إِسْحَاق اِبْن أَبِي طَلْحَة عَنْ أَنَس عِنْد مُسْلِمٍ: «وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَد وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ». (باختصار من فتح الباري لابن حجر).

خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» (رواه البخاري). 7 - وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ (¬1) أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا» (رواه البخاري). 8 - وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ» (رواه البخاري). ومما يضاف إلى ذلك أنّ أنس بن مالك ـ وهو ابن أُمّ سُلَيْم ـ خدم النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى وفاته ففي الحَدِيث: عَنْ إِسْحَاق بن أبي طلحة قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: جَاءَتْ بِي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا وَرَدَّتْنِي بِنِصْفِهِ ـ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ فَادْعُ اللهَ لَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ»، قَالَ أَنَسٌ: «فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ» (رواه مسلم). فإذا تأمل الباحث المُنصف هذه الأحاديث رأى أنّ تعامل النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام تعامل المحارم بعضهم مع بعض، وأنّ هناك خصوصية ما لأُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام. ¬

(¬1) الجَنَبَات جمع جَنَبة وهي الناحية، قاله ابنُ حَجَر في فتح الباري (9/ 227)، وقال العينيُّ: «ويقال: يحتمل أن يكون مأخوذًا من الجناب وهو الفناء، فكأنه يقول: إذا مر بفنائها» (عمدة القاري 20/ 151).

فإن قَالَ قائل إنّ دعوى محرمية الرَّضَاعَ هذه تحتاج إلى نصٍ صريح، ولا يوجد؟ الجواب: الأمور المتقدمة: - تعامل النَّبِيّ ص مع أُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام تعامل المحارم بعضهم مع بعض. - عدم وجود نص واحد ـ قولي أو فعلي ـ يدل على خصوصية النَّبِيّ ص بالخلوة أو النظر أو المس. - امتناع النَّبِيّ ص عن مصافحة النساء في البيعة والاكتفاء بالكلام. - وكذلك قوله للصحابيين: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ». - ثم إنّ الرَّضَاعَ من النساء الأجنبيات من الأمور المنتشرة في ذلك الوقت، وربما خفي أمره على أقرب الناس وتقدم ذكر عدد من الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك. فهذه الأمور مجتمعة تُعدّ من قبيل تظافر الدلائل التي لا تخطىء، والدلالات التي تورث اليقين بأنَّ هناك محرمية بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمّ حرام، وبأقل من هذه القرائن يستدل على مثل هذه القضايا، فكيف بهذه القرائن مجتمعة والله أعلم. كلام جميل للدكتور طه حبيشي ردّ فيه على تهويشات أحمد صبحي منصور ـ ومن قَالَ بقوله ـ حول حَدِيث أُمّ حَرَام: «الروايات مجمعة تقريبًا على أن النَّبِيّ كان يكثر من التردد، والأكل والشرب، عند أُمّ سُلَيْم، وأُمّ حَرَام. والباحث الحصيف يسأل هل هناك شئ من العلاقة بين هاتين المرأتين الجليلتين؟ والروايات تجيب أن أُمّ سُلَيْم، وأُمّ حَرَام أختان، وأُمّ سُلَيْم هي أم أنس بن مالك - رضي الله عنه - وأُمّ حَرَام خالته، وأنس بن مالك كان في صباه يخدم النَّبِيّ عشر سنين وكان النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يعامله معاملة تناسب أخلاق النبوة.

هؤلاء ثلاثة ليسوا من المجاهيل في الصحابة والصحابيات، وما الذي جعل علاقة النَّبِيّ بهم على هذا المستوى من الاهتمام، وكثرة السؤال عنهم. إن هذا لا يكون إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون هناك درجة من القرابة تجعل المرأتين من محارم النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، سواء أكان ذلك من جهة النسب كما قَالَ بعض المؤرخين، أو كان من جهة الرَّضَاعَة كما قَالَ البعض الآخر. فهل يمكن عقلًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أن يخالف الناس إلى ما ينهاهم عنه؟ وهل يجيز المنطق أو العادة أن يسمح النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لغير قريبه من الصبيان أن يخدمه في بيته عشر سنوات كاملات؟. وهل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق ـ زمن النبوة ـ مثل هذا الموقف دون استغلاله في الطعن في النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي نبوته؟ أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التي لا تخطيء والدلالات التي تورث اليقين بأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قريبا قرابة محرمة لأُمّ سُلَيْم وأختها أُمّ حَرَام. وخصوصًا وأنّ بعض الروايات تقول كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يدخل بيت أُمّ سُلَيْم فينام على فراشها وليست فيه، ورواية عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ الرُّمَيْصَاءِ قَالَتْ نَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَاسْتَيْقَظَ، وَكَانَتْ تَغْسِلُ رَأْسَهَا، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَتَضْحَكُ مِنْ رَأْسِى؟» قَالَ «لاَ». (رواه أبو داود وصححه الألباني). قد يقول قائل: قريبات النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - معروفات، وليس منهن أُمّ سُلَيْم ولا أُمّ حَرَام. والجواب: إننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات وخاصة إذا كانت القرابة في النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ في هذا المجتمع وأهملهن الرواة» (¬1). ¬

(¬1) السنة في مواجهة أعدائها (ص202 - 206).

الشبهة الثانية عشرة: أخذ الإماء بيد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة الثانية عشرة: أخذ الإماء بيد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: حديث أنس بن مَالِك - رضي الله عنه - قَالَ: «كانَتِ الأمَةُ مِنْ إماءِ أهْلِ المَدِينَةِ لِتَأْخُذُ بِيَدِ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شاءَتْ» (رواه البخاري). الجواب: مِنْ وجهين: الأوّل: لماذا نتعلق بالمتشابه وعندنا القول المحكم لرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ» (رواه البيهقي والطبراني في (المعجم الكبير)، وقال المنذري: «رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح». وقال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح».وصححه الألباني. (¬1) الثاني: أن دلالة «لِتَأْخُذُ بِيَدِ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» على المس غير واضحة؛ إذ ربما يراد بذلك الإشارة إلى غاية التصرف واللين، قَالَ الحافظ ابن حَجَر: «وَالْمَقْصُود مِنْ الْأَخْذ بِالْيَدِ لَازِمُهُ وَهُوَ الرِّفْق وَالِانْقِيَاد. وَقَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى أَنْوَاع مِنْ الْمُبَالَغَة فِي التَّوَاضُع لِذِكْرِهِ الْمَرْأَة دُون الرَّجُل، وَالْأَمَة دُون الْحُرَّة، وَحَيْثُ عَمَّمَ بِلَفْظِ الْإِمَاء أَيّ أَمَة كَانَتْ، وَبِقَوْلِهِ «حَيْثُ شَاءَتْ» أَيْ مِنْ الْأَمْكِنَة. وَالتَّعْبِير بِالْأَخْذِ بِالْيَدِ إِشَارَة إِلَى غَايَة التَّصَرُّف حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَاجَتهَا خَارِج الْمَدِينَة وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ مُسَاعَدَتهَا فِي تِلْكَ الْحَاجَة عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا دَالّ عَلَى مَزِيد تَوَاضُعه وَبَرَاءَته مِنْ جَمِيع أَنْوَاع الْكِبْر - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2). تنبيه: روى الإمام أحمد في المسند، وابن ماجه في سننه، وابن أبي الدنيا في التواضع ¬

(¬1) مجمع الزوائد (4/ 326)، الترغيب (3/ 66)، السلسلة الصحيحة (برقم 226). (¬2) فتح الباري (10/ 490).

والخمول، وأبو يعلى في مسنده، وأبو الشيخ في أخلاق النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأبو نُعَيم في الحلية جميعهم من طرق عن شعبة بن الحجاج عن علي بن زيد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي حَاجَتِهَا». هذه الزيادة التي فوق الخط «فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا» لا تصح؛ قَالَ البوصيريُّ في (مصباح الزجاجة على سنن ابن ماجة): «هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان» (¬1). وضعّف إسناده الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على هذا الحديث من مسند الإمام أحمد بن حنبل. ¬

(¬1) مصباح الزجاجة (4/ 230).

الشبهة الثالثة عشرة: عرض النبي على أسماء بنت أبي بكر أن تركب خلفه

الشبهة الثالثة عشرة: عرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - أن تركب خلفه: حَدِيث أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالَتْ: «تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَالَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ ولاَ مَمْلُوكٍ ولا شيْءٍ غَيْرَ ناضِجٍ وغيْرَ فَرَسِهِ، فَكنْت أعْلِفُ فَرَسَهُ وأسْتَقِي المَاءَ وأخْرِزُ غَرْبَهُ وأعْجِنُ، ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ، وكانَ يخْبِزُ جارَاتٌ لِي مِنَ الأنْصَارِ، وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الّتِّي أقْطَعَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا والنَّوَى عَلَى رَأسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ومَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأنْصَارِ فَدَعانِي، ثُمَّ قَالَ: «إخْ إخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسِيرَ مَعَ الرِّجالِ، وذَكَرْتُ الزُّبَيْر وغَيْرَتَهُ ـ وكانَ أغْيَرَ النَّاسِ ـ فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزبَيْرَ، فَقْلُتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلَى رأسِي النَّوَى ومَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أصْحابِهِ فأناحَ لِأَرْكَبَ فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: «وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كانَ أشَدَّ عَليَّ مِنْ ركُوبِكِ مَعَهُ»، قالَتْ: حتَّى أرسَلَ إلَيَّ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أعْتَقَنِي» (رواه البخاري ومسلم) (¬1). والشاهد من الحَدِيث قولها: «فَدَعانِي ثُمَّ قَالَ: «إخْ إخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ». ربما يقول قائل: كيف يحملها خلفه، هي ليست محرمًا له، وربما يحصل نوع مسيس؟. الجواب: 1 - أنّ في دلالة مفهوم الحَدِيث احتمالًا؛ قَالَ الحافظ ابن حَجَر: «قَوْله (لِيَحْمِلنِي خَلْفه) كَأَنَّهَا فَهِمَتْ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَة الْحَال، وَإِلَّا فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ¬

(¬1) (غَرْبه) هُوَ الدَّلْو. قَوْله (وَأَعْجِن) أَيْ الدَّقِيق. قَوْله (وَكُنَّ نِسْوَة صَدْقٍ) أَضَافَتْهُنَّ إِلَى الصِّدْق مُبَالَغَة فِي تَلَبُّسهنَّ بِهِ فِي حُسْن الْعِشْرَة وَالْوَفَاء بِالْعَهْدِ. قَوْله (وَهِيَ مِنِّي) أَيْ مِنْ مَكَان سُكْنَاهَا. قَوْله (فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ) كَلِمَة تُقَال لِلْبَعِيرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنِيخهُ (باختصار من فتح الباري).

- صلى الله عليه وآله وسلم - أَرَادَ أَنْ يُرْكِبهَا وَمَا مَعَهَا وَيَرْكَب هُوَ شَيْئًا آخَر غَيْر ذَلِكَ» (¬1). وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال. 2 - قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْقِصَّة كَانَتْ قَبْل نُزُول الْحِجَاب وَمَشْرُوعِيَّته» (¬2). ويؤيد ذلك رواية البخاري عن هِشَام بن عروة عن أَبِىه عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِى أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى رَأْسِى، وَهْىَ مِنِّى عَلَى ثُلُثَىْ فَرْسَخٍ». وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِى النَّضِيرِ». قال الحافظ ابن حجر: «تَقَدَّمَ فِي كِتَاب فَرْض الْخُمُس بَيَان حَال الْأَرْض الْمَذْكُورَة وَأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُوله مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَائِل قُدُومه الْمَدِينَة كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ هُنَاكَ» (¬3). وقد أجلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بني النضير قبل نزول آيات الحجاب؛ فيكون أمر هذه القصة كله قبل نزول أحكام الحجاب (¬4). 3 - الإرداف أحيانًا لا يستلزم المماسة كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في الرد على الشبهة ... الرابعة والسبعين (¬5). فالحَدِيثُ ليس فيه خلوة، ولا نظر، ودلالة المماسة محتملة كما تقدم (¬6). ¬

(¬1) فتح الباري (9/ 323). (¬2) نفس المصدر السابق. (¬3) نفس المصدر السابق. (¬4) انظر الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 191، 193). (¬5) انظر (ص517). (¬6) إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 53 - 55).

الشبهة الرابعة عشرة: حديث خلوة النبى بامرأة من الأنصار

الشبهة الرابعة عشرة: حديث خلوة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - بامرأة من الأنصار: عن أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» مَرَّتَيْنِ».وفي رواية عنه: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَخَلاَ بِهَا فَقَالَ: «وَاللهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: أولًا: ليس في هذا الحديث دليل على جواز الخلوة المحرمة بالأجنبية كما يظن أهل الأهواء، وليس فيها دليل على الاختلاط المحرم، فغاية ما في الأمر أن تلك المرأة التى خلى بها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ربما كانت لها مسألة أرادت أن تستفتى فيها النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - وتلك المسألة مما تستحيي من ذكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لها تقتضي أن يحدثها في جانب بعض الطرق حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، وهذه الطرق من الأماكن العامة التى لا تخلو من مرور الناس غالبًا. فهذه حاجة طارئة، وليست كالاختلاط لساعات في العمل، أو الدراسة (¬1). ثانيًا: ما اسم عنوان الباب الذى ذكر تحته الإمام البخارى هذا الحديث؟ الإجابة: «باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ». قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذ العنوان من (صحيح البخاري): «أَيْ لَا يَخْلُو بِهَا بِحَيْثُ تَحْتَجِب أَشْخَاصهمَا عَنْهُمْ، بَلْ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامهمَا إِذَا كَانَ بِمَا يُخَافِت بِهِ كَالشَّيْءِ الَّذِي تَسْتَحْيِ الْمَرْأَة مِنْ ذِكْرِهِ بَيْن النَّاس. ¬

(¬1) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ (ص78) من هذا الكتاب.

وَأَخَذَ الْمُصَنِّف قَوْله فِي التَّرْجَمَة (عِنْد النَّاس) مِنْ قَوْله فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث: «فَخَلَا بِهَا فِي بَعْض الطُّرُق أَوْ فِي بَعْض السِّكَك» وَهِيَ الطُّرُق الْمَسْلُوكَة الَّتِي لَا تَنْفَكّ عَنْ مُرُور النَّاس غَالِبًا. قَوْله (فَخَلَا بِهَا رَسُول اللهِ) أَيْ فِي بَعْض الطُّرُق، قَالَ الْمُهَلَّب: لَمْ يُرِدْ أَنَس أَنَّهُ خَلَا بِهَا بِحَيْثُ غَابَ عَنْ أَبْصَار مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَإِنَّمَا خَلَا بِهَا بِحَيْثُ لَا يَسْمَع مَنْ حَضَرَ شَكْوَاهَا وَلَا مَا دَار بَيْنهمَا مِنْ الْكَلَام، وَلِهَذَا سَمِعَ أَنَس آخِر الْكَلَام فَنَقَلَهُ وَلَمْ يَنْقُل مَا دَار بَيْنهمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهُ اهـ ... وَفِي الْحَدِيث مَنْقَبَة لِلْأَنْصَارِ ... وَفِيهِ سَعَة حِلْمه وَتَوَاضُعه صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَبْره عَلَى قَضَاء حَوَائِج الصَّغِير وَالْكَبِير، وَفِيهِ أَنَّ مُفَاوَضَة الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة سِرًّا لَا يَقْدَح فِي الدِّين عِنْد أَمْن الْفِتْنَة، وَلَكِنَّ الْأَمْر كَمَا قَالَتْ عَائِشَة: «وَأَيّكُمْ يَمْلِك إِرْبه كَمَا كَانَ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَمْلِك إِرْبه» (¬1). وقال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «هَذِهِ الْمَرْأَة إِمَّا مَحْرَم لَهُ كَأُمِّ سُلَيْمٍ وَأُخْتهَا، وَإِمَّا الْمُرَاد بِالْخَلْوَةِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ سُؤَالًا خَفِيًّا بِحَضْرَةِ نَاس، وَلَمْ يَكُنْ خَلْوَة مُطْلَقَة وَهِيَ الْخَلْوَة الْمَنْهِيّ عَنْهَا» (¬2). وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً»، فَقَالَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ»، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من (صحيح مسلم): «قَوْله: (خَلَا مَعَهَا ¬

(¬1) باختصار من فتح الباري (9/ 331 - 332) وحديث عَائِشَة - رضي الله عنها -: «وَأَيّكُمْ يَمْلِك إِرْبه كَمَا كَانَ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَمْلِك إِرْبه» رواه البخاري ومسلم. (¬2) شرح صحيح مسلم (16/ 68).

فِي بَعْض الطُّرُق) أَيْ وَقَفَ مَعَهَا فِي طَرِيق مَسْلُوك لِيَقْضِيَ حَاجَتهَا وَيُفْتِيهَا فِي الْخَلْوَة، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا كَانَ فِي مَمَرّ النَّاس وَمُشَاهَدَتهمْ إِيَّاهُ وَإِيَّاهَا، لَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهَا، لِأَنَّ مَسْأَلَتَهَا مِمَّا لَا يُظْهِرُهُ» (¬1). تنبيه: ليس فى قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» مَرَّتَيْنِ ـ ما يطعن فى عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم - فى سلوكه وهديه، لأن هذه الكلمة قالها النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - جهارًا على ملأ من الناس لنساء وصبيان من الأنصار كانوا مقبلين من عرس. يدل على ذلك ما أخرجه البخارى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «أَبْصَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْتَنًّا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ». وهو على طريق الإجمال، أى: مجموعكم أحب إلى من مجموع غيركم؛ فالكلمة إذن لم يَقُلها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مغازلًا للمرأة الأنصارية التى اختلى بها ليقضى حاجتها؛ كما يحاول أن يزعم ويستنتج أعداء الإسلام! وإنما قالها - صلى الله عليه وآله وسلم -، خطابًا لمجموع الأنصار. وتأمل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنَّكُمْ» ولم يقل «إنَّكِ». ومما يدل على ذلك أن الراوى للحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، سمع هذه الجملة: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ».وسمع كم مرة كررها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فإذا كانت الكلمة مقصودًا بها المغازلة؛ فلِمَ جهر بها - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى سمعها أنس؟! ولِمَ لَمْ يُسِرّ بها حتى لا يسمعها أنس إن كان مقصودًا بها ما يزعمه أعداء عصمته - صلى الله عليه وآله وسلم -. إن هذه الجملة: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»، قالها المعصوم - صلى الله عليه وآله وسلم - منقبة للأنصار، حيث جعل حبهم من علامات الإيمان، وبغضهم من علامات النفاق: ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (15/ 83).

«الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ» (رواه البخاري ومسلم).وفى رواية: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ». (رواه البخاري ومسلم) (¬1). قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «وَخُصُّوا بِهَذِهِ الْمَنْقَبَة الْعُظْمَى لِمَا فَازُوا بِهِ دُون غَيْرهمْ مِنْ الْقَبَائِل مِنْ إِيوَاء النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمَنْ مَعَهُ وَالْقِيَام بِأَمْرِهِمْ وَمُوَاسَاتهمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَإِيثَارهمْ إِيَّاهُمْ فِي كَثِير مِنْ الْأُمُور عَلَى أَنْفُسهمْ، فَكَانَ صَنِيعهمْ لِذَلِكَ مُوجِبًا لِمُعَادَاتِهِمْ جَمِيع الْفِرَق الْمَوْجُودِينَ مِنْ عَرَب وَعَجَم، وَالْعَدَاوَة تَجُرّ الْبُغْض، ثُمَّ كَانَ مَا اِخْتَصُّوا بِهِ مِمَّا ذُكِرَ مُوجِبًا لِلْحَسَدِ، وَالْحَسَد يَجُرّ الْبُغْض. فَلِهَذَا جَاءَ التَّحْذِير مِنْ بُغْضهمْ وَالتَّرْغِيب فِي حُبّهمْ حَتَّى جُعِلَ ذَلِكَ آيَة الْإِيمَان وَالنِّفَاق، تَنْوِيهًا بِعَظِيمِ فَضْلهمْ، وَتَنْبِيهًا عَلَى كَرِيم فِعْلهمْ، وَإِنْ كَانَ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مُشَارِكًا لَهُمْ فِي الْفَضْل الْمَذْكُور كُلٌّ بِقِسْطِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَا يُحِبّك إِلَّا مُؤْمِن وَلَا يَبْغَضك إِلَّا مُنَافِق»، وَهَذَا جَارٍ بِاطِّرَادٍ فِي أَعْيَان الصَّحَابَة، لِتَحَقُّقِ مُشْتَرَك الْإِكْرَام، لِمَا لَهُمْ مِنْ حُسْن الْغِنَاء فِي الدِّين» (¬2). ¬

(¬1) انظر: رد شبهات حول عصمة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - فى ضوء السنة النبوية الشريفة، للدكتور عماد السيد الشربينى، المدرس بقسم الحديث وعلومه، كلية أصول الدين بالقاهرة، جامعة الأزهر. (¬2) فتح الباري (1/ 62).

الشبهة الخامسة عشرة: وضوء الرجال مع النساء

الشبهة الخامسة عشرة: وضوء الرجال مع النساء: قال دعاة الاختلاط: ثبت في البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون في زمان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جميعًا». وقالوا: ظل الأمر حتى أتى زمن عمر بن الخطاب فجعل حياضًا للرجال وحياضًا للنساء أمام المسجد، واستدلوا على ذلك بأثر رواه الإمام عبد الرزاق، وجعلوه دليلًا على اختلاط الرجال بالنساء. وقالوا: ذلك من عمر - رضي الله عنه - دفعًا للتزاحم ومفسدته وليس لوجود النساء مع الرجال».فإذا كان هذا في الوضوء فما بالك بغيره؟ الجواب: أولًا: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه البخاري في كتاب الوضوء، (بَاب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ)، وعلى فرض أن المقصود من الحديث اجتماع الرجال والنساء الأجانب فليس هذا دليلًا على اختلاط الرجال بالنساء؛ لأن هذا كان قبل نزول آية الحجاب. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَمِيعًا» (رواه البخاري). قال الحافظ ابين حجر في شرح هذا الحديث: «قَوْله: (كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء) ... وَزَادَ اِبْن مَاجَهْ ... فِي هَذَا الْحَدِيث: «مِنْ إِنَاء وَاحِد» (¬1)، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ ... : «نُدْلِي فِيهِ أَيْدِينَا» (¬2). ¬

(¬1) وصححه الألباني. (¬2) وصححه الألباني.

قَوْله: (جَمِيعًا) ظَاهِره أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الْمَاء فِي حَالَة وَاحِدَة، وَحَكَى اِبْن التِّين عَنْ قَوْم أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرِّجَال وَالنِّسَاء كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا فِي مَوْضِع وَاحِد، هَؤُلَاءِ عَلَى حِدَة وَهَؤُلَاءِ عَلَى حِدَة، وَالزِّيَادَة الْمُتَقَدِّمَة فِي قَوْله «مِنْ إِنَاء وَاحِد» تَرُدّ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِل اِسْتَبْعَدَ اِجْتِمَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء الْأَجَانِب. وَقَدْ أَجَابَ اِبْن التِّين عَنْهُ بِمَا حَكَاهُ عَنْ سَحْنُون أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَال يَتَوَضَّئُونَ وَيَذْهَبُونَ ثُمَّ تَأْتِي النِّسَاء فَيَتَوَضَّأْنَ، وَهُوَ خِلَاف الظَّاهِر مِنْ قَوْله «جَمِيعًا» ... وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَاب أَنْ يُقَال: «لَا مَانِع مِنْ الِاجْتِمَاع قَبْل نُزُول الْحِجَاب، وَأَمَّا بَعْده فَيَخْتَصّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِم». وقال السندي في حاشيته على (سنن ابن ماجه): «قَوْله (كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء) قِيلَ قَبْل الْحِجَاب، وَقِيلَ بَلْ هِيَ الزَّوْجَات وَالْمَحَارِم». وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ عَنْ الرَّافِعِيّ أَنَّهُ قَالَ: «يُرِيد كُلّ رَجُل مَعَ اِمْرَأَته قَالَ وَمِثْل هَذَا اللَّفْظ يُرَاد بِهِ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ الْعَهْد وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَا يُنْكِر عَلَيْهِ وَلَا يُغَيِّرُهُ». وقَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: «(نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا): هُوَ مِنْ الْإِدْلَاء، يُقَال: أَدْلَيْت الدَّلْو فِي الْبِئْر وَدَلَّيْتهَا إِذَا أَرْسَلْتهَا فِي الْبِئْر ... وَأَمَّا اِجْتِمَاع الرِّجَال وَالنِّسَاء لِلْوُضُوءِ فِي إِنَاء وَاحِد فَلَا مَانِع مِنْ الِاجْتِمَاع قَبْل نُزُول الْحِجَاب، وَأَمَّا بَعْده فَيَخْتَصّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِم». ثانيًا: عَنْ أُمِّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةِ قَالَتْ: «رُبَّمَا اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ» (رواه أبو داود واين ماجه، وصححه الألباني). الجواب: 1 - أم صبية محكومة بحكم الإماء، فهي جارية من جواري عائشة - رضي الله عنه - (¬1)، ¬

(¬1) رواه البيهقي في (الدعوات1/ 135) من طريق محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن سلمة عن أبيه عن أم صبية الجهنية وكانت جارية لعائشة - رضي الله عنها -.

وجارية الزوجة لا تحتجب من زوجها (¬1). 2 - قال السندي في حاشيته على ابن ماجه: «(اِخْتَلَفَتْ يَدِي) يَدُلّ عَلَى وُضُوئِهِمَا مَعًا، وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْل الْحِجَاب، أوْ أَنْ يَكُون أَحَدُهُمَا وَرَاء الْحِجَاب مَعَ وُضُوء لِأَيْدِيهِمَا فِي إِنَاء بَيْنهمَا». 3 - وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لهذا الحديث من سنن أبي داود: «(اخْتَلَفَتْ يَدِي وَيَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -) يعني: أنهما كانا يغترفان من الإناء، هو يغترف وهي تغترف، هو يتوضأ وهي تتوضأ. وقد ذكر صاحب (عون المعبود) أن في بعض النسخ: عن أم صبية عن عائشة؛ وعلى هذا فتكون عائشة هي التي حصل منها هذا الذي جاء في هذا الحديث من جهة الاغتراف والوضوء من إناء واحد مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. وأما على أن التي فعلت ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هي هذه المرأة الأجنبية، فقال العلماء: إن هذا يحمل على أنه كان قبل أن يفرض الحجاب، وإما على أنها عائشة وهذه تروي عن عائشة فإن الأمر لا إشكال فيه». مما سبق يتبين أن قصة وضوء الرجال والنساء جميعًا، وبقصة أم صبية في وضوئها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في إناء واحد، محمولتان على ما قبل وجوب الحجاب، ولا يسوغ حملهما على ما بعد فرض الحجاب؛ لأنه ضرب للأدلة بعضها ببعض، ولاسيما أن أدلة تحريم الاختلاط تضافرت بعد الهجرة النبوية وهي متواترة (¬2). ¬

(¬1) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. (¬2) أدلة تحريم الاختلاط متضافرة وليس لها ناقض، بقلم: علي بن فهد أبا بطين، عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالقصيم، شبكة الرد ـ الأربعاء 4 رجب 1428هـ الموافق 18/ 7/2007م، عن (صحيفة الوطن السعودية) الاثنين 2 رجب 1428هـ، الموافق 16 يوليو 2007م العدد (2481) السنة السابعة.

هل يُعقل؟!!! كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1)؛ حذرًا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤمرون بالتَرَيُّث في الانصراف؛ حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد. فكيف يمنعهم - صلى الله عليه وآله وسلم - من الاختلاط في الصلاة ويسمح لهم بالاختلاط في الوضوء؟ كيف يجمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعًا ثم يفرقهم في الصلاة؟!!! لا شك أن من فهم ذلك قد أساء للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وضرب الأدلة بعضها ببعض. ثالثًا: روى الإمام عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن أبي سلامة الحبيبي قال: «رأيت عمر بن الخطاب أتى حياضًا، عليها الرجال والنساء يتوضؤون جميعًا، فضربهم بالدِّرّة، ثم قال لصاحب الحوض: «اجعل للرجال حياضًا، وللنساء حياضًا»، ثم لقِيَ عليًّا، فقال: «ما ترى؟»، فقال: «أرى إنما أنت راع، فإن كنت تضربهم على غير ذلك فقد هلكتَ وأهلكتَ» (¬2). الجواب: 1 - هذا الأثر في إسناده إسرائيل بن يونس، وسماك بن حرب، مختلف فيهما (¬3). ¬

(¬1) رواه مسلم. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في (المصنف1/ 75، رقم 246). (¬3) قال الإمام العقيلي عن إسرائيل بن يونس: مختلف فيه، قال يحيى بن معين: كان يحيى بن سعيد لا يروي عن إسرائيل. (الضعفاء 1/ 131). وقال ابن سعد: منهم من يستضعفه وقال ابن معين: كان يحيى القطان لا يروي عنه. (من تكلم فيه 1/ 44). وقال الحافظ ابن حجر: وأما سماك بن حرب فالمعروف عن الثوري أنه ضعفه. وقال ابن حبان في الثقات: يخطيء كثيرًا ... وقال النسائي: كان ربما لُقِّن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. (تهذيب التهذيب 4/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

= وقال الإمام ابن الجوزي: سماك بن حرب كان شعبة والثوري يضعفانه. قال ابن عمار: كانوا يقولون إنه يغلط ويختلفون في حديثه. (الضعفاء والمتروكين 2/ 26). قال الإمام الذهبي: وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هُوَ أَصَحُّ حَدِيْثًا مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الحُفَّاظُ. هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ. وَرَوَى: أَبُو طَالِبٍ، عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: مُضْطَرِبُ الحَدِيْثِ. وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ، وَكَانَ شُعْبَةُ يُضَعِّفُهُ. وَكَانَ يَقُوْلُ فِي التَّفْسِيْرِ: عِكْرِمَةَ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُوْلَ لَهُ: ابْنَ عَبَّاسٍ، لَقَالَهُ. ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: فَكَانَ شُعْبَةُ لاَ يَرْوِي تَفْسِيْرَهُ إِلاَّ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ يَعْنِي: لاَ يَذْكُرُ فِيْهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، سُئِلَ عَنْ سِمَاكٍ: مَا الَّذِي عَابَهُ؟ قَالَ: «أَسْنَدَ أَحَادِيْثَ لَمْ يُسْنِدْهَا غَيْرُه، وَهُوَ ثِقَةٌ». وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ: «رُبَّمَا خَلَّطَ، وَيَخْتَلِفُوْنَ فِي حَدِيْثِهِ». وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: جَائِزُ الحَدِيْثِ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فِي حَدِيْثِ عِكْرِمَةَ رُبَّمَا وَصلَ الشَّيْءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُبَّمَا = ... =قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَإِنَّمَا كَانَ عِكْرِمَةُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ... وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ بَعْضَ الضَّعفِ، وَلَمْ يَرغبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَكَانَ عَالِمًا بِالشِّعرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، فَصِيْحًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ، ثِقَةٌ. قَالَ ابْنُهُ: فَقُلْتُ لأَبِي: قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَصلَحُ حَدِيْثًا مِنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: أَحَادِيْثُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُضْطَرِبَةٌ. فَشُعْبَةُ وَسُفْيَانُ يَجعلُونَهَا عَنْ عِكْرِمَةَ، وَغَيْرُهمَا أَبُو الأَحْوَصِ وَإِسْرَائِيْلُ يَقُوْلُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. زَكَرِيَّا بنُ عَدِيٍّ: عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ: سِمَاكٌ ضَعِيْفٌ فِي الحَدِيْثِ. وَقَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ: يُضَعَّفُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَفِي حَدِيْثِهِ شَيْءٌ». وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: «فِي حَدِيْثِهِ لِيْنٌ». قُلْتُ (أي الإمام الذهبي): «وَلِهَذَا تَجنَّبَ البُخَارِيُّ إِخرَاجَ حَدِيْثِهِ، وَقَدْ علَّقَ لَهُ البُخَارِيُّ اسْتِشهَادًا بِهِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ: «إِذَا انْفردَ سِمَاكٌ بِأصلٍ لَمْ يَكُنْ حُجّةً، لأَنَّهُ كَانَ يُلقَّنُ، فَيَتَلقَّنُ». وَرَوَى: حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَقُوْلُوْنَ لِسِمَاكٍ: عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَيَقُوْلُ: نَعَمْ، فَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَكُنْ أُلقِّنُهُ».وَرَوَى قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، قَالَ: «إِنْ سَرَّكَ أَنْ يَكْذِبَ صَاحِبُكَ، فَلَقِّنْهُ». (سير أعلام النبلاء (5/ 246 - 249).

أما أبو سلامة الحبيبي فقد قال الدكتور محمد عبد العزيز المسند: «لم نجد من تكلم عنه، إلا أن الذهبي أشار إلى أنه سمع من عمر - رضي الله عنه - في كتابه (المقتنى في سرد الكنى)، وقال عبد الله بن منده في كتابه (المقتنى في سرد الكنى): «أبو سلامة: سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كوفي. روى عنه: سماك بن حرب ... ». ولم نجد أحدًا تكلم فيه بتوثيق أو تضعيف» (¬1). وقال الحافظ ابن حجر: «أبو سلامة السلمي: ويقال الحبيبي اسمه خداش». وقال في موضع آخر: «قال البخاري: لم يثبت سماعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2). 2 - إن صح هذا الأثر ـ وقد تبين ما فيه ـ فإن ما حدث من هؤلاء الرجال والنساء مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فعن أَبِى أُسَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ ـ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِى الطَّرِيقِ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِلنِّسَاءِ «اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ. (رواه أبو داود وحسنه الألباني). فإذا كان هذا في الطريق ـ مع الستر التام ـ فكيف بالوضوء مع الرجال. ولا يعقل أن يحجب الصحابة - رضي الله عنهم - وجوه نسائهم عن الرجال الأجانب، ثم يتركونهن يكشفن عن أعضاء الوضوء أمامهم؟!! 3 - إن صح هذا الأثر فليس فيه أن هؤلاء من الصحابة، حتى يستدل به على إباحة ¬

(¬1) ضرب عمر بن الخطاب على الاختلاط، المفتي د. محمد بن عبد العزيز المسند، (رقم الفتوى 31404). موقع نور الإسلام www.islamlight.com بإشراف د محمد بن عبد الله الهبدان. (¬2) انظر (الإصابة في تمييز الصحابة)، (ترجمة رقم 2229، 10041).

الاختلاط وإقرار الصحابة - رضي الله عنهم - له. 4 - إن صح هذا الأثر، فإن هؤلاء الرجال والنساء قد طَالَتْهُم دِرَّةُ عمر - رضي الله عنه -، وإن ما فعله عمر - رضي الله عنه - إنما هو إنكار لمنكر قد فعله بعض رعيته، وقد وافقه علي - رضي الله عنه - في هذا الإنكار واعتبر ضربه إياهم من حقه كولي أمر للمسلمين، فعندما سأله عمر - رضي الله عنه -: «ما ترى؟»، قال علي - رضي الله عنه -: «أرى إنما أنت راع، فإن كنت تضربهم على غير ذلك فقد هلكتَ وأهلكتَ»، فهذا موقف اثنين من الخلفاء الراشدين من هذا المنكر؛ فأين إقرار الاختلاط. 5 - أما قول دعاة الاختلاط: ذلك من عمر - رضي الله عنه - دفعًا للتزاحم ومفسدته وليس لوجود النساء مع الرجال»، فهذا لا وجود له إلا في مخيلتهم المريضة التي تتبع المتشابه وتترك المحكم؛ فأين في هذا الأثر ـ إن صح ـ ما يدل على ذلك؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. 6 - يقال لهؤلاء: إن جعلتم هذا الأثر دليلًا على جواز اختلاط الرجال بالنساء ـ مع أنه ليس فيه دليل ـ فهل يرضى أحدهم إن كان مسلمًا حريصًا على دينه وعرضه أن تتوضأ ابنته أو زوجته أمام الرجال الأجانب؟ - كيف تغسل قدميها وذراعيها وجزءًا من ساقيها وتمسح شعرها؟ - أين ستر العورة حتى عند القائلين بجواز كشف الوجه والكفين؟ لقد قلتم شيئًا لم يقُله عالم من علماء المسلمين ولا جاهل من جهالهم؛ فإن ستر المرأة شعرها وذراعيها وساقيها عن الرجال الأجانب من المعلوم من الدين بالضرورة. ولقد قلتم ما لم يجرؤ قاسم أمين أن يقوله. وما هذا كله إلا ثمرة من ثمار اتباع المتشابه وترك المحكم، واتباع الضعيف وترك الصحيح، فالواجب علينا أن نتقي الله في نساء المسلمين.

الشبهة السادسة عشرة: صلاة النساء مع الرجال في الصلوات الخمس والعيدين

الشبهة السادسة عشرة: صلاة النساء مع الرجال في الصلوات الخمس والعيدين: الجواب: صلاة العيد مناسبة يفوت وقتها وتذهب مصلحتها بتأخيرها، ومن نظر إلى مقاصد العيد علم حكمة الشارع في عدم تكرار شعائره لأجل فصل الرجال والنساء فيه، فإن في ذلك عنَتًا لايتناسب مع تيسير الشريعة، ومشقة لاتتناسب وتلك الأيام التي جعلها الشارع للتوسعة والترخص المنضبط وصلة الأرحام، ولذلك ناسب أن يحض الرجال والنساء على أداء صلاتها جميعًا مع وضع الضوابط التي تكفل عدم امتزاج الرجال بالنساء. ومن ذلك بُعدهن من الرجال فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما فرغ من خطبته وصلاته، جاء إليهن فوعظهن وذكرهن، فلو كن قريبًا لسمعن الخطبة. عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: «أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟»، قَالَ: «نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِى مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ، حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِى عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِى ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ» (رواه البخاري). قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على خطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء يوم العيد: «قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ) يُشْعِرُ بِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ عَلَى حِدَةٍ مِنْ الرِّجَالِ غَيْرَ مُخْتَلِطَاتٍ بِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَمَعَهُ بِلَالٌ) فِيهِ أَنَّ الْأَدَبَ فِي مُخَاطَبَةِ النِّسَاءِ فِي الْمَوْعِظَةِ أَوْ الْحِكَمِ أَنْ لَا يَحْضُرَ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا مَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ شَاهِدٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ بِلَالًا كَانَ خَادِمَ

النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمُتَوَلِّيَ قَبْض الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ صِغَرِهِ» (¬1). وقال أيضًا: «وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ أَيْضًا اِسْتِحْبَابُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَعْلِيمِهِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَتَذْكِيرِهِنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ، وَيُسْتَحَبُّ حَثُّهُنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَتَخْصِيصُهُنَّ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ مُنْفَرِدٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إِذَا أُمِنَ الْفِتْنَةُ وَالْمَفْسَدَةُ» (¬2). ثم إن جواز شهودهن الجمع والجماعات بالضوابط التي وضعها الشارع لصلاة المرأة في المسجد، دليل واضح يفيد مراعاة الشريعة لأصل الفصل بين الرجال والنساء: - فقد جعل الشارع صلاة المرأة في قعر دارها خير لها. - وبعد ذلك إذا خرجت المرأة أمرها الشارع أن تخرج تفلة غير متطيبة ولا متزينة، فإن خالفت ذلك عصت الله بخروجها ولو إلى مسجد. - ثم إذا جاءت المسجد تدخل من باب خاص لايدخل منه الرجال. - فإذا دخلت المرأة المسجد كان خير صفوفها أبعدها عن الرجال، وكان شرها أقربها منهم. - فإذا خرجت من المسجد فعليها أن تستأخر وتلتزم حافة الطريق كما أمرها النبي ص (¬3). فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حرص على قطع كل سبب للاختلاط وإن كان غرض الخروج أداء الفرض فكيف يسوغ في غيره، وإذا منعهن من الاختلاط العابر في الطريق إلى المسجد والمؤقت ¬

(¬1) فتح الباري (2/ 466) بتصرف يسير. (¬2) فتح الباري (2/ 469). (¬3) انظر الأدلة على ذلك ص 38.

في داخل المسجد لأنه يؤدي إلى الافتنان، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غيره؟ (¬1). قال الإمام النووي في شرح قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِد اللهِ»: «هَذَا وَشَبَهه مِنْ أَحَادِيث الْبَاب ظَاهِر فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَع الْمَسْجِد لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاء مَأْخُوذَة مِنْ الْأَحَادِيث، وَهُوَ أَلَّا تَكُون مُتَطَيِّبَة، وَلَا مُتَزَيِّنَة، وَلَا ذَات خَلَاخِل يُسْمَع صَوْتهَا، وَلَا ثِيَاب فَاخِرَة، وَلَا مُخْتَلِطَة بِالرِّجَالِ، وَلَا شَابَّة وَنَحْوهَا مِمَّنْ يُفْتَتَن بِهَا، وَأَنْ لَا يَكُون فِي الطَّرِيق مَا يَخَاف بِهِ مَفْسَدَة وَنَحْوهَا» (¬2). وقد نُسب إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح , زعمه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة. وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد ـ الرجل والمرأة ـ، وقال: «ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد»، فقال الشيخ ابن باز - رحمه الله - ردًّا عليه: «وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يُطلَب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة لم تَدْعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك». ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 26). (¬2) شرح صحيح مسلم (4/ 161).

ثم ذكر الشيخ - رحمه الله - بعض الأدلة من القرآن والسنة، والتي سبق ذكرها (¬1) .... ثم قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور. ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53)؛ فإنه لا يجوز أن يقال، إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم. ولا شك أن من بعدهم أحوجُ إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة - رضي الله عنهم - لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة - رضي الله عنهم - رجالًا ونساء ـ ومنهن أمهات المؤمنين ـ هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - المخّرَّج في الصحيحين. فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارًا إليها ممن قبلهم، ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - وبعده إلى يوم القيامة لأنه سبحانه بعث رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الثقلين في عصره وبعده إلى ¬

(¬1) انظر ص.

يوم القيامة كما قال - عز وجل -: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: 28). وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} (إبراهيم: 52). وقال - عز وجل -: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (الأنعام: 19). وكان النساء في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرًا من فتنته بل كان النساء في مسجده - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال. وكان يقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (¬1)؛ حذرًا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - يؤمرون بالتَرَيُّث في الانصراف؛ حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعًا رجالًا ونساءً من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم؟ وكانت النساء يُنْهَيْن أن يحْقُقْن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرًا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضًا عند السير في الطريق. ¬

(¬1) رواه مسلم.

وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسمًا لأسباب الفتنة وترغيبًا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط. فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء ـ هداه الله وألهمه رشده ـ بعد هذا كله، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم، والبَوْن شاسع، لمن عقل عن الله أمره ونهيه، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء. وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة. وأما قوله: «والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد». فالجواب عن ذلك أن يقال: هذا صحيح، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة، والرجال في مقدَّم المسجد، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن،

وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته. وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه، وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء ـ هداه الله وأصلح قلبه وفَقَّهَهُ في دينه ـ: «ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد» فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم -. ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم، وأن يكُنَّ على حدة والشباب على حدة، حتى يتمكنَّ من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة، وأسلم للشباب من الفتنة بهن، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور (¬1). سؤال متعلق بهذه الشبهة: لماذا تُفصل مصليات الرجال والنساء الآن بجدار بينما لم يكن هناك فاصل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟!!! ¬

(¬1) باختصار وتصرف يسيرين من مجلة (البحوث الإسلامية)، (العدد 15، ص 6 - 11)، وهي مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الرياض.

الجواب: أولًا: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سُوَيْدٍ الأَنْصَارِىِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضي الله عنهما - أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أُحِبُّ الصَّلاَةَ مَعَكَ». قَالَ: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاَةَ مَعِى وَصَلاَتُكِ فِى بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِى حُجْرَتِكِ، وَصَلاَتُكِ فِى حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِى دَارِكِ، وَصَلاَتُكِ فِى دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِى مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاَتُكِ فِى مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاَتِكِ فِى مَسْجِدِى». قَالَ: فَأَمَرَتْ فَبُنِىَ لَهَا مَسْجِدٌ فِى أَقْصَى شَىْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ فَكَانَتْ تُصَلِّى فِيهِ حَتَّى لَقِيَتِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ». (رواه الإمام أحمد وحسنه الحافظ ابن حجر والألباني والأرنؤوط). وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا سلم من الصلاة يبقى في مكانه قليلًا لا ينصرف، من أجل أن تنصرف النساء كي لا يختلط بهن الرجال. ومنع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الاختلاط في الطريق وعند باب المسجد خوفًا من الفتنة! وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم). فشرع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فصْل الرجال عن النساء في الصلاة وحث على الابتعاد قدر الاستطاعة خوفًا من الفتنة. ثانيًا: لا يمكن أن يقارن حال الصحابة والصحابيات بأحوالنا الآن حيث انتشرت أسباب الفتن وضعف الوازع الديني؛ لقد كان للصحابة - رضي الله عنهم - من الإيمان والخوف من الله ما يمنعهم من النظر إلى النساء، ومن كان معهم من المنافقين لا يجرؤ على منكر؛ لأنه

إن لم يخف من الله خاف من رسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحبه. وكانت النساء في زمن النبوة يخرجن محتشمات غير متبرجات ولا متطيبات، أما النساء في عصرنا هذا ففيهن مَن تجهل أحكام الشريعة وفيهن من بلغت الرابعة عشرة من العمر ولم تتحجب بزعم أنها ما زالت طفلة!! وفي النساء المتزينات والمتعطرات والمتبرجات، وفي هذا فتنة للرجال وشاغل يشغلهم عن الخشوع في الصلاة. عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ». (رواه البخاري ومسلم). وهذا في أول وخير القرون فكيف بزماننا!! ثالثًا: للفاصل فوائد أخرى؛ ففيه راحة وحرية للنساء، فتكشف المرأة عن وجهها وتصلي مطمئنة، ولا يقتصر حضور النساء للمساجد على الصلاة، بل أيضا استماع الدروس والكلمات وربما لوقت طويل فوجود الفاصل فيه راحة وتيسير على النساء. رابعًا: لم ينه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن وضع هذا الفاصل حتى يقال: إن وضع الفاصل فيه مخالفة. خامسًا: أليس يطلب من المرأة أن تقبل على صلاتها وتخشع لربها كما يطلب من الرجل؟ الجواب: بلى. وهنا نسأل ثانية من واقع حال أغلب شباب اليوم هل سيتسنى للمرأة الخشوع إذا كان هؤلاء الشباب سيطلقون أبصارهم نحو هؤلاء النسوة وسيسعون إلى المرور بقرب الموضع الذي يصلين فيه. الجواب ثانيةً: بالطبع لا.

فإن قلت: ولكن هناك منافقون كثر والمنافق أخطر من الفاسق. قلت لك: صدقت!!! ولكن فاسق اليوم أخطر من منافق السابق فإن قلت لماذا؟؟؟ قلت لك: منافق السابق لايجرؤ على مايجرؤ عليه شباب اليوم وذلك من عدة وجوه: 1 ــ المنافق حريص على عدم معرفة خبثه فلا يجرؤ إلى التفات إلى امرأة أو إلقاء كلمة خبيثة إليها. أما فاسق هذا الزمن فلا يهمه معرفته فهو مظهر للفسق لا يخاف غالبًا من حسيب ولا رقيب. 2 ــ الناس في المدينة يعرف بعضهم بعضًا؛ فلو تجرأ أحد من المنافقين واختلس ولو مجرد اختلاس التفاتة أو زل بكلمة فإنه سيمر بثلاث مراحل ما أجملها بالنسبة لنا ما أقبحها بالنسبة له وهي: - المرأة ستخبر زوجها باسم الرجل. - الرجل سيخبر النبي ص. - النبي ص سيعاقبه. فهذا سبب خوف المنافق أما فاسق هذا الزمن فممن يخاف ... ؟ أيخاف من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أم ... يخاف من أن يُجْلَد أو يحبَس. إذنْ .... ما المحذور من وضع هذا الفاصل الذي يعزل المرأة في مصلاها؛ فتكشف عن وجهها، وتباشر به السجود على الأرض، وتقرأ المصحف دون وجود غطاء وجهها، وتستطيع التنقل داخل مصلاها إن أرادت شرب ماء مثلًا، أو متابعة أطفالها

الذين قد تحضرهم معها (¬1). فتوى للشيخ ابن عثيمين: س: يوجد في أحد المساجد ستارة بين الرجال والنساء فحصل خلاف في أهمية هذه الستارة؛ فرأى بعضهم أنه لا حاجة لها وأنه في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن هناك ستارة، وأصر الآخرون على وجودها فحصل خلاف نتيجة ذلك ربما يؤدي بالذين يرون بعدم وجودها إلى ترك الصلاة في المسجد، علمًا أنه يحدث هناك شيء من الاختلاط أو النظر عند الانصراف لطبيعة دين الموجودين من الرجال؛ فهل نُصِرّ على إبقاء الستارة ولو ترك الصلاة من ترك أو نزيل الستارة ولو حصل ما حصل من النظر؟ ج: أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين على هذا السؤال بقوله: «الستارة تبقى وكونها لم توجد على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إما لعدم السبب المقتضي لها وإما لوجود المانع. أما الأول فلأن الصحابة - رضي الله عنهم - عندهم من الإيمان بالله ما يمنعهم من النظر إلى النساء. وأما المانع فلأن حال الصحابة كما نعلم لا سيما قبل الفتوح حال عسر لا يستطيعون أن يضعوا ستارة تحول بينهم وبين النساء. وإذا خلصنا إلى هذا رأينا أيهما أبعد عن الفتنة أن توجد الستارة أو لا توجد؟ كلٌ يقول الأبعد عن الفتنة وجود الستارة، وإذا كان كذلك فكلما كان أبعد عن الفتنة فهو أولى وإذا قلت: لو أصررنا على هذا لتخلّف الذين يقولون بإزالتها، ¬

(¬1) بتصرف من موقع شبهات وبيان.

فالجواب أنهم إذا تخلفوا فهم الذين جنوا على أنفسهم لأنهم لا يعذرون بترك الجماعة لوجود هذه الستارة إذ أن وجودها ليس معصية حتى يقولوا أننا لن نحضر لنشاهد المعصية فيكونون إذا تخلفوا آثمين بتركهم الجماعة». انتهى (¬1). تنبيه: قال الإمام أحمد في مسنده: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ تُصَلِّى خَلْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَسْتَقْدِمُ فِى الصَّفِّ الأَوَّلِ؛ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ؛ حَتَّى يَكُونَ فِى الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ فَأَنْزَلَ اللهُ فِى شَأْنِهَا: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)} (الحجر: 24). ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وأبو داود الطيالسي في (مسنده)، والبيهقي في (سننه). قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «إسناده ضعيف ومتنه منكر. عمرو بن مالك النكري لا يُؤْثَر توثيقه عن غير ابن حبان ذكره في (الثقات)، وقال: «يخطئ ويُغْرِب».وقال الحافظ في التقريب: «صدوق له أوهام». وأخطأ الذهبي في الميزان والضعفاء فوثقه مع أنه ذكره في الكاشف ولم يوثقه، وإنما اقتصر على قوله: «وُثِّقَ»، وهو يطلق هذه اللفظة على من انفرد ابن حبان بتوثيقه ... وذكره ابن كثير في (تفسيره 4/ 450) من تفسير الطبري بإسناده، ثم نسبه لأحمد وابن أبي حاتم والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما وابن ماجه، وقال: «حديث ¬

(¬1) فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب، بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 4019).

غريب جدًا، وفيه نكارة شديدة»، ثم رجح أن يكون من كلام أبي الجوزاء. تنبيه: قد سبق لنا (أي الشيخ شعيب) أن حسَّنَّا إسناد هذا الحديث في تعليقنا على (صحيح ابن حبان)، وقد تبين لنا هنا أنه ضعيف لا يستحق التحسين، فاقتضى التنبيه، والله وليّ التوفيق» (¬1). اهـ كلام الشيخ شعيب. وقد أعَلّ الترمذي الحديث بالإرسال، وتابعه ابن كثير. ولكن صححه الشيخ الألباني وقال: «هذا الإعلال ليس بشيء عندي وذلك من وجوه ... » فذكرها، ثم قال: «وأما النكارة الشديدة التي زعمها ابن كثير - رحمه الله -، فالظاهر أنه يعني أنه من غير المعقول أن يتأخر أحد من المصلين إلى الصف الآخر لينظر إلى امرأة! وجوابنا عليه أنهم قد قالوا: «إذا ورد الأثر بطل النظر»، فبعد ثبوت الحديث لا مجال لاستنكار ما تضمنه من الواقع. ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد العقلي للزم إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة، وهذا ليس من شأن أهل السنة والحديث، بل هو من دأب المعتزلة وأهل الأهواء. ثم ما المانع أن يكون أولئك الناس المستأخرون من المنافقين الذين يُظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؟ بل وما المانع أن يكونوا من الذين دخلوا في الإسلام حديثًا، ولما يتهذبوا بتهذيب الإسلام، ولا تأدبوا بأدبه؟» (¬2).انتهى كلام الشيخ الألباني - رحمه الله -. ومن الملاحظ أن مدار الحديث على عمرو بن مالك النكري والشيخ الألباني - رحمه الله - قال في تخريجه لهذا الحديث في السلسلة الصحيحة: «وهو ثقة»، رغم أنه ضعفه في ¬

(¬1) مسند أحمد، طبعة مؤسسة الرسالة (5/ 6 - 7). (¬2) السلسلة الصحيحة (5/ 608، برقم 2472).

مواضع أخرى من كتبه، حيث قال عنه في (السلسلة الصحيحة رقم 1140): «عمرو بن مالك صدوق له أوهام».وقال في نفس السلسلة (رقم 1338): «عمرو بن مالك النكري المتكَلَّمُ فيه». وقال عنه في (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (رقم 2429) عند تخريجه لحديث: «إن الله قال: أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر». «ضعيف جدًّا، رواه الطبراني عن أحمد بن سلم العميري: نا مالك بن يحيى بن عمرو النكري عن أبيه عن جده عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعًا. قلت (أي الألباني): «وهذا إسناد ضعيف جدا مسلسل بالضعفاء: أولا: عمرو بن مالك، قال الحافظ: «صدوق له أوهام» .... ». وقال عنه في نفس السلسلة (رقم 94): «فإن عمرًا هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7/ 228، 8/ 487)، وهو متساهل في التوثيق حتى أنه ليوثق المجهولين عند الأئمة النقاد كما سبق التنبيه على ذلك مرارًا، فالقلب لا يطمئن لما تفرد بتوثيقه، ولا سيما أنه قد قال هو نفسه في مالك هذا: «يعتبر حديثه من غير رواية ابنه يحيى عنه، يخطيء ويُغْرِب»، فإذا كان من شأنه أن يخطيء ويأتي بالغرائب، فالأحرى به أن لا يُحْتَجّ بحديثه إلا إذا توبع عليه لكي نأمن خطأه، فأما إذا تفرد بالحديث كما هنا ـ فاللائق به الضعف».انتهى كلام الشيخ الألباني - رحمه الله -. وعمرو هذا تفرد بالحديث الذي نحن بصدده ـ حديث المرأة الحسناء ـ فكان الأوْلى بالشيخ الألباني - رحمه الله - أن يضعِّفه بناءً على قواعده - رحمه الله -.

وإن صح هذا الحديث فليس فيه دليل لدعاة الاختلاط لما سبق بيانه من الفرق الشاسع بين واقع الاختلاط المعروف اليوم، وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم -. وأما كونها حسناء ـ على فرض صحة الحديث وقد تبين ما فيه ـ فقد يكون ذلك قبل فرض الحجاب.

الشبهة السابعة عشرة: اختلاط الرجال بالنساء في الطواف في الحج والعمرة

الشبهة السابعة عشرة: اختلاط الرجال بالنساء في الطواف في الحج والعمرة. قالوا: لو كان الاختلاط محرَّمًا لما كان الحج والطواف مختلطًا. الجواب: أولًا: «مما فرضه الله على المرأة والرجل، الركن الخامس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا، ولما كانت أعمال الحج والعمرة يتحد محلها للرجال والنساء، ولامصلحة من تغيير وقته أو فصل محله فإن في ذلك عنتًا لايخفى على المتأمل، لهذا اقتصر التشريع على وضع ضوابط لمن قصد هذا الركن من النساء، تكفل صيانة أعراضهن، وتمنع من اختلاطهن بالرجال قدر الإمكان، ومن ذلك أن الشارع لم يوجب على المرأة حجًا أو عمرة ـ إذا لزمها السفر ـ إلاّ إذا كان معها محرم، ثم جعل الشارع رخصًا لمن كانت معه نساء أوضعفة ليست لغيره، كالدفع من مزدلفة بليل. ومن مراعاة المرأة قول طائفة من الفقهاء بجواز تأخير الرمي إلى بعد الغروب، بل إن الفقهاء ـ مراعاةً لأصل المنع من الاختلاط في الشريعة ـ استحبوا للمرأة ما لم يستحبوا للرجل من نحو طوافها بعيدة عن البيت، ورخصوا لها في تأخير طواف القدوم إلى الليل خشية الزحام. ومن مراعاة بعض أمهات المؤمنين للأمر بلزوم البيوت ونبذهن الاختلاط، اكتفاؤهن بحجة الفريضة، وترك التطوع، وهذا مأثور عن زينب وسودة - رضي الله عنهما -. ومن مراعاة أهل العلم للمنع من الاختلاط قول ابن جماعة في (منسكه الكبير): «ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوام في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم

سافرات عن وجههن، وربما كان ذلك في الليل، وبأيديهم الشموع متقدة ... » إلى أن قال: «نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات»، قال الهيتمي بعد أن نقله: «فتأمَّلْه تجِدْهُ صريحًا في وجوب المنع حتى من الطواف عند ارتكابهن دواعي الفتنة» (¬1). ومن مراعاتهم للمنع من الاختلاط في النسك قولهم: لايستحب لها أن تزاحم الرجال لاستلام الحجر الأسود. وقولهم: لاتقف المرأة على الصفا للدعاء إلاّ إذا خلا المكان عن مزاحمة الرجال، ويكون سنة في حقها إذا خلا المكان. ومما سبق نخلص إلى أن الشارع حف الحج والعمرة بأحكام تكفل منع الخلطة المحرمة ومن ذلك اشتراط المحرم للمسافرة، ومع ذلك ندب المرأة إلى ترك مزاحمة الرجال، واستحب لها الفقهاء لأجل ذلك ما لم يستحبوه للرجال» (¬2). ثانيًا: إن الإسلام لم يُبِح الاختلاط بين الرجال والنساء إذا خشيت معه الفتنة لا في الطواف ولا في غيره لما يترتب عليه من المفاسد المحققة، كالنظر المحرم وما يتبعه من منكرات، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي (¬3)، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِـ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)} (الطور: 1 - 2). (رواه البخاري ومسلم). قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «إِنَّمَا أَمَرَهَا - صلى الله عليه وآله وسلم - ¬

(¬1) الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي (1/ 201 - 202. (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 29). (¬3) (أَنِّي أَشْتَكِي) أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ ضَعِيفَة لَا تَقْدِر عَلَى الطَّوَاف مَاشِيَة.

بِالطَّوَافِ مِنْ وَرَاء النَّاس لِشَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ سُنَّة النِّسَاء التَّبَاعُد عَنْ الرِّجَال فِي الطَّوَاف. وَالثَّانِي: أَنَّ قُرْبهَا يُخَاف مِنْهُ تَأَذِّي النَّاس بِدَابَّتِهَا، وَكَذَا إِذَا طَافَ الرَّجُل رَاكِبًا، وَإِنَّمَا طَافَتْ فِي حَال صَلَاة النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِيَكُونَ أَسْتَر لَهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاة صَلَاة الصُّبْح» (¬1). وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَطُوف مِنْ وَرَاء النَّاس لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا وَلَا تَقْطَع صُفُوفهمْ أَيْضًا وَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِدَابَّتِهَا» (¬2). وقال الباجي في شرحه لهذا الحديث من (الموطأ): «وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْبَعِيرِ فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ (¬3)، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إِنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلَاةِ».اهـ. وفي صحيح البخاري أن ابن جريج قال لعطاء: «كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟»، قال: «لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (9/ 20). (¬2) فتح الباري (3/ 480). (¬3) رواه مسلم، والْمِحْجَن بِكَسْرِ الْمِيم، هُوَ عَصَا فِيهَا تَعَقُّف (أي انحناء والتواء) يَلْتَقِط بِهَا الرَّاكِب مَا سَقَطَ مِنْهُ. (بتصرف من شرح النووي على صحيح مسلم (10/ 55).

«انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ».قَالَتْ «انْطَلِقِي عَنْكِ»، وَأَبَتْ». (حَجْرَة) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا رَاءٍ، أَيْ نَاحِيَة، قَالَ الْقَزَّاز: هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ: نَزَلَ فُلَان حَجْرَة مِنْ النَّاس أَيْ مُعْتَزِلًا. (اِنْطَلِقِي عَنْك) أَيْ عَنْ جِهَةِ نَفْسك (¬1). وبهذا يتبين ما أمر به الإسلام، وما شرعه رب الأنام. ثالثًا: ما يحصل الآن حول الكعبة ـ شرفها الله ـ من اختلاط بصورة مذمومة، مخالفة لما أمر به الشرع ليس دليلًا على الجواز، لأننا نأخذ ديننا من الوحيين لا من واقع الناس، وإذا اضطر الطائف للطواف مختلطًا بالنساء فعليه أن يتجنب ملامسة النساء، والنظر إليهن. وما نراه الآن من اختلاط الرجال بالنساء في الطواف مخالف للشرع، والعلماء ينكرونه وكذلك رجال الحسبة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في الحرم حيث يحثون النساء على الطواف خلف الرجال ولكنهم يواجهون صعوبة كبيرة بسبب جهل بعض الناس وعدم تجاوبهم وبسبب اختلاف لغاتهم، وسبب آخر وهو الخوف من الضياع فتظل المرأة مع محرمها خشية الافتراق والضياع. أما في حال الزحام الشديد في الحج وغيره ففصل النساء عن الرجال مستحيل! والأصل هو طواف النساء خلف الرجال كما بينت الأدلة. ومما سبق يتبين أن قياس الاختلاط في العمل وغيره على الطواف بالبيت الحرام فهو قياس مع الفارق، فإن النساء كُنّ يَطُفْنَ في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من وراء الرجال متسترات، لا يداخِلْنَهُم ولا يختلِطْنَ بهم، وكذا حالهن مع الرجال في مصلى العيد، فإنهن كن يخرجن متسترات، ويجلسن خلف الرجال في المصلى، وقد كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خطب ¬

(¬1) فتح الباري (3/ 480).

الرجال خطبة العيد انصرف إلى النساء، فذكّرَهن ووعظَهُن، فلم يكن اختلاط بين الرجال والنساء، وكذا الحال في حضورهن الصلوات في المساجد، كُنَّ يخرجْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُروطِهِنَّ، ويصلِّينَ خلف الرجال، لا تخالط صفوفُهن صفوفَ الرجال (¬1). رابعًا: إن الطواف بوضعه الحالي ورغم مخالفته للشرع إلا أنه لا يقارن بما يدعو إليه دعاة الاختلاط في العمل والتعليم، فهناك فرق كبير بين اختلاط عابر للحظات، وفي أماكن مفتوحة، وأمام الناس ولا يعرف فيه الرجال النساء، ولا يتجرؤون على الحديث معهن، وبين اختلاط دائم بين نفس الأشخاص لساعات طوال يوميًّا (¬2) وفي أماكن مغلقة حيث يجالس فيها الرجل زميلته ويقابلها أكثر من مقابلته لزوجته، بالإضافة إلى احتمال حدوث الخلوة والاستغلال الجنسي من أجل العلاوات والترقيات والبقاء في الوظيفة! إن تشبيه هذا الاختلاط بالاختلاط في الحج أو الأسواق لعجيب حقًّا ولا يبرره إلا فقدان قائله للقدرة على التمييز أو أنه أراد تضليل الناس بأي طريقة فلم يجد سوى هذا القول الواهي! إن الاختلاط الذي نهى الله عنه ليس هو أن يوجد رجال ونساء في بلد واحد أو في موضع واحد فإن هذا أمر لايقول به عالم ولا عاقل. فالحج يجتمع فيه الرجال والنساء، والطرقات يسلكها رجال ونساء، وإنما المنهي عنه اختلاط مخصوص تقع به الفتنة أو يخشى من وقوعها وهو الذي يسعى إليه دعاة الاختلاط، والذي لاقى المسلمون من آثاره أعظم الويلات في أزمنتهم الأخيرة. ¬

(¬1) باختصار من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (12/ 164 - 165)، فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 22371). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الثامنة عشرة: مشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد

الشبهة الثامنة عشرة: مشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد: قالوا: لا مانع من مشاركة المرأة الرجل أو الرجال في أعمالهم الوظيفية، وفي مجالس العلم والذكر ما دامت متحجبة، ويحتجون لذلك بمشاركة الصحابيات للمسلمين في الجهاد». الجواب: أولًا: قد صح ما يُستَدَلُّ به على أن مشاركة المرأة في الجهاد منسوخة: فعن سَعِيدُ بن عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ، أَنَّ أُمَّ كَبْشَةَ ـ امْرَأَةً مِنْ عُذْرَةَ قُضَاعَةَ ـ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا»، قَالَ: «لَا». قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ أُرِيدُ أَنْ أُقَاتِلَ، إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ الْجَرْحَى، وَالْمَرْضَى، أَوْ أَسْقِي الْمَرْضَى». قَالَ: «لَوْلا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، وَأَنْ يُقَالَ: فُلانَةُ خَرَجَتْ، لأَذِنْتُ لَكِ، وَلَكِنِ اجْلِسِي» (¬1). وممن قال بالنسخ الحافظ ابن حجر حيث قال في ترجمة أم كبشة القضاعية من (الإصابة) عقب ذكره لهذا الحديث: «وأخرجه ابن سعدٍ عن ابن أبي شيبة وفي آخره: «اجْلِسِي، لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَغْزُو بِامْرَأَةٍ». ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي أن هذا ناسخ لذاك لأن ذلك كان بخيبر، وقد وقع قبله بأحد كما في الصحيح من حديث البراء بن عازب، وكان هذا بعد الفتح» (¬2). ¬

(¬1) رواه الطبراني في (المعجم الكبير برقم 20938)، وابن أبي شيبة في (المصنف برقم 33653)، وقال الهيتمي في (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد رقم 9653): «رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح». وصححه إسنادَه الألبانيُّ في (السلسلة الصحيحة 6/ 547، رقم 2740).وقال: «لفظ الحديث عند ابن سعد: «اجْلِسِي، لَا يَتَحَدَّث النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَغْزُو بِامْرَأَةٍ». (¬2) الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 283)، ترجمة رقم 12215.

ثانيًا: من لم يقل بالنسخ حمل هذه الأحاديث على حالة الضرورة. قال الشيخ الألباني بعد نقله لكلام الحافظ ابن حجر السابق: «ولكن لا ضرورة ـ عندي ـ لادعاء نسخ هذه الأحاديث ونحوها، وإنما تُحْمَل على الضرورة أو الحاجة لقلة الرجال، وانشغالهم بمباشرة القتال، وأما تدريبهن على أساليب القتال وإنزالهن إلى المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفعل بعض الدول الإسلامية اليوم، فهو بدعة عصرية، وقرمطة شيوعية، ومخالفة صريحة لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف للنساء بما لم يُخْلَقْنَ له، وتعريضٌ لهن لما لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو. والله المستعان» (¬1). ثالثًا: ذِكْرُ حديثين من الأحاديث التي دلت على خروج النساء في الغزو وشرح العلماء لهما باختصار: 1 - عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، قَالَ: «وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُلَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ» (رواه البخاري ومسلم). قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (أَرَى خَدَم سُوقهَا)، الْوَاحِدَة خِدْمَة، وَهِيَ الْخَلْخَال، وَأَمَّا السُّوق: فَجَمْع سَاق، وَهَذِهِ الرِّوَايَة لِلْخَدَمِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَهْي؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ يَوْم أُحُد قَبْل أَمْر النِّسَاء بِالْحِجَابِ، وَتَحْرِيم النَّظَر إِلَيْهِنَّ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر هُنَا أَنَّهُ تَعَمَّدَ النَّظَر إِلَى نَفْس السَّاق، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ حَصَلَتْ تِلْكَ النَّظْرَة ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة، رقم 2740، (6/ 547).

فَجْأَة بِغَيْرِ قَصْد وَلَمْ يَسْتَدِمْهَا. قَوْله: (عَلَى مُتُونهمَا) أَيْ: عَلَى ظُهُورهمَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِخْتِلَاط النِّسَاء فِي الْغَزْو بِرِجَالِهِنَّ فِي حَال الْقِتَال لِسَقْيِ الْمَاء وَنَحْوه» (¬1). وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَهَذِهِ كَانَتْ قَبْلَ الحِجَابِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلنَّظَرِ» (¬2). 2 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَهُ إِذَا غَزَا فَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى» (رواه مسلم). قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «فِيهِ خُرُوج النِّسَاء فِي الْغَزْوَة وَالِانْتِفَاع بِهِنَّ فِي السَّقْي وَالْمُدَاوَاة وَنَحْوهمَا، وَهَذِهِ الْمُدَاوَاة لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجهنَّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُون فِيهِ مَسّ بَشَرَة إِلَّا فِي مَوْضِع الْحَاجَة» (¬3). قال الإمام القرطبي: «(يَسْقِينَ الْمَاءَ) أي: تحملنه على ظهورهن فيضعنه بقرب الرجال، فيتناوله الرجال بأيديهم فيشربوه. (وَيُدَاوِينَ) أي يهيئن الأدوبة للجراح ويصلحنها، ولا يلمسن من الرجال ما لا يحل. ثم أولئك النساء إمَّا متجالاّت، فيجوز لهن كشف وجوههن، وإمَّا شوابُّ، فيحتجبن» (¬4). والمتَجَالّة هي المرأة التي قد تَجالَّتْ، أَي أَسَنَّت وكَبِرَتْ وعجزت (¬5). رابعًا: إن خروج النساء في الصدر الأول للغزو تطوعًا بل واستشهاد بعضهن حق ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (12/ 190). (¬2) فتح الباري (6/ 77). (¬3) شرح صحيح مسلم (12/ 188 - 189). (¬4) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (3/ 684). (¬5) لسان العرب، (مادة: جلل).

لا مرية فيه، غير أن الشارع لم يوجب عليهن الجهاد، وخروج النساء في العصر الأول للجهاد كان منضبطًا بضوابط الشريعة، والتي منها: 1 - مراعاة المنع من الاختلاط، وأسباب الفتنة، فمن أجازوا خروج النساء للغزو اختلفوا في خروج الشابة إلى أرض العدو بينما رخصوا للعجوز، وقالوا بالكراهة لخروجها في سرية لا يؤمن عليها، وعلق بعضهم الإباحة بكون العسكر كثيرًا تؤمن عليه الغلبة، وهذا هو الأقرب، فإن غلب على الظن الهزيمة فلا يجوز تعريض نساء المسلمين للسبي، قال الإمام ابن عبد البر: «وخروجهن مع الرجال في الغزوات وغير الغزوات مباح إذا كان العسكر كبيرا يؤمن عليه الغلبة» (¬1). 2 - ومن الضوابط الشرعية لجواز خروج النساء للجهاد: وجود المَحْرَم لقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» (رواه البخاري ومسلم)، ولعدم وجود ما يخصص موطن الجهاد. وهذا هو الذي ورد عن الصحابة فقد كانوا يخرجون للجهاد وربما صحبوا بعض المحارم من نحو زوجة وأم، ولا يُظن أن منصفًا لبيبًا يتصور خروج نساء ذلك الجيل للجهاد وبقاء أزواجهنّ أو أبنائهن أو أخوالهن أو أعمامهن أو سائر محارمهن في قعر البيوتات! ومن ظن ذلك فقد أساء الظنّ بمن أثنى الله عليهم وأوجب حسن الظن بهم. 3 - ومن ضوابط الشرع التي يقتضي حسن الظن بهن التزامهن بها؛ الحجاب والتستر، فالأمر به عام ولم يأت ما يخرج محل الجهاد عن ذلك العموم، والأصل التزامهن بأمر الشارع. ¬

(¬1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 266).

ثم كيف يظن بمن خرجت لنفل إهمالها لواجبٍ يتنزل الأمر به، ومُبَلّغُه قائم تراه بأم عينها. 4 - ومن تأمل خروج النساء في الجهاد وجده لحاجة الخدمة والرجوع بالموتى، أو لضرورة مداواة المرضى والجرحى، أما إذا لم تكن ثمة ضرورة فلا تباشر علاج أجنبي. هذا هو الأصل في خروجهن للجهاد، وتلك هي وظيفتهن يدل على ذلك حديث الرُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ» (رواه البخاري). قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَفِيهِ جَوَازُ مُعَالَجَة الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة الرَّجُل الْأَجْنَبِيّ لِلضَّرُورَةِ قَالَ اِبْن بَطَّال: وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِذَوَات الْمَحَارِمِ ثُمَّ بِالْمُتَجَالَّاتِ مِنْهُنَّ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْجُرْحِ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ بَلْ يَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجِلْدُ، فَإِنْ دَعَتْ الضَّرُورَة لِغَيْرِ الْمُتَجَالَّاتِ فَلْيَكُنْ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا مَسٍّ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اِتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَاتَتْ وَلَمْ تُوجَدْ اِمْرَأَة تُغَسِّلُهَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُبَاشِرُ غُسْلَهَا بِالْمَسِّ بَلْ يُغَسِّلُهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ ـ كَالزُّهْرِيِّ ـ، وَفِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ تُيَمَّمُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: «تُدْفَنُ كَمَا هِيَ». قَالَ اِبْن الْمُنير: «الْفَرْقُ بَيْنَ حَال الْمُدَاوَاة وَتَغْسِيل الْمَيِّتِ أَنَّ الْغُسْلَ عِبَادَةٌ وَالْمُدَاَوةُ ضَرُورَة وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ» (¬1). قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: «وَهَكَذَا يَكُونُ حَالُ الْمَرْأَةِ فِي رَدِّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى فَلَا تُبَاشِرُ بِالْمَسِّ مَعَ إمْكَانِ مَا هُوَ دُونَهُ» (¬2). ¬

(¬1) فتح الباري (6/ 79). (¬2) انظر نيل الأوطار (7/ 282).

يقول الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد لإيمانهن وتقواهن، وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهم بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تمامًا عن الحالة التي خرجن بها مع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الغزو فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق. وأيضا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا؟ وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فما هو الذي نُقِل عنهم على مدار الزمن؟ هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط؛ فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها، أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟ وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة، أما ما يُدَّعَى في هذا العصر من إدخالها كجندي يحمل السلاح ويقاتل كالرجل فهو لا يتعدى أن يكون وسيلة لإفساد وتذويب أخلاق الجيوش باسم الترفيه عن الجنود؛ لأن طبيعة الرجل إذا التقت مع طبيعة المرأة كان منهما عند الخلوة ما يكون بين كل رجل وامرأة من الميل والأنس والاستراحة إلى الحديث والكلام وبعض الشيء يجر إلى بعض وإغلاق باب الفتنة أحكم وأحزم وأبعد من الندامة في المستقبل» (¬1). فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم، وهل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (1/ 423 - 424).

نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات، والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة. حكم شهود النساء القتال والتحامهن بالرجال: ليس للمرأة أن تشهد القتال وتلتحم بالرجال وقد تقرر أن الضرورة تبيح المحظور، فإن اضطرت النساء لمباشرة القتال إذا انهزم المسلمون أو عَمَّ النفير واختلطت الأمور، فلا حرج في مشاركتهن ودفاعهن عن أنفسهن. كما أن لهن أن يجاهِدْنَ بغير إذن إذا دهم المسلمين عدو في قعر الدور، ففي مثل هذه الأحوال ليس لهن إلاّ أن يدافعن عن دينهن وأعراضهن وأنفسهن. والخلاصة أنه ليس في جهاد النساء المأثور إباحة امتزاج الرجال بالنساء أو اجتماعهم متداخلين في ميدان واحد، بل لا يُتصور وجود النساء أو غيرهن من أجل المداواة والإسعاف وسط ميدان المعركة الذي يختلط فيه الحابل بالنابل وتتطاير فيه الرؤوس، وقد عُلم أنَّ لِمَنْ يشتغل بالإسعاف والمداوة أماكن خاصة منعزلة يخلى إليها الجرحى أو المرضى. ومعلوم أن ما أباحتة الضرورة يقدر بقدره ومن ذلك مباشرة المرأة علاج الجريح المثخن والمريض المقعد وفقًا لشرطه، ومنه أيضًا التحامها بالرجال للذَّوْد عن عرضها وحماية نفسها. هذا مع أن الحال في موطن الجهاد بعيدة عن الظِنَّةِ، فأنى لمن طُنَّت قدمه أو فُتَّ عضده أن يلتفت يمنة أو يسرة، وهل يُظن بمَنْ تُعايِن أمثال هؤلاء، ومن يشارفون على الهَلَكَة كل حين، بل لاتدري إلى أيِّ شيء يصير أمرها إذا انجلى غبار المعركة، هل يُظن أنّ هذه كغيرها؟ فكيف إذا كُنَّ نساء الصحابة ورجالاتها؟ فكيف يقال بجواز الاختلاط بعد ذلك في مواطن الرِيَبِ وأسباب الفتن. بل كيف يقال بجواز مشاركتهن

في الجيش أو الشرطة مع معطيات واقع الناس اليوم. أيحق لمنصف قرأ الشريعة، وعلم مقاصدها، ونظر في دَأَبِها على حماية النساء بسياج يحول دونهن ودن الخلطة والابتذال، أيحق له أن يستدل بما وقع عرضًا أو اضطرارًا على جواز الاختلاط في المنتديات والقاعات، ولنُسلِّم ـ جدلًا ـ بأن الاختلاط حق مكفول في الحج والجهاد وبعض التشريعات فهل يقبل في موازين العقول قياس أماكن اللهو والفساد على مواطن الإيمان والجهاد؟ أيستوي مكتب ضيق أو محل لا تؤمن فيه ريبة، مع موطن يزداد فيه الإيمان، ويتنزل فيه الرضا على العباد من الرحمن؟ إنه قياس مع الفارق، ومثله قياس خروج بعض النساء مع ضوابط الأمس في الغزو، بدخول بعضهن الشرطة أو الجيش في واقع الناس اليوم (¬1). قال الأستاذ الدكتور عبد العظيم المطعني الأستاذ في جامعة الأزهر سابقًا - رحمه الله -: «أما عن مشاركة النساء في شئون القتال في صدر الإسلام المبكر جدًا فقد كانت نادرة، كما حدث من نسيبة الأنصارية في غزوة أحد في دفاعها عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حين انفض المقاتلون عنه كما هو معروف (¬2)، وبعض مشاركات أخرى للنساء والفتيات كانت لا تَعْدُو ضمد الجراح وسحب المصابين من موقع القتال، وسُقيا الجنود بالماء، وكانت هذه المشاركات قبل نزول آيات الحجاب في العام الخامس الهجري، ولم يتعدَّ دور المرأة هذه الأعمال الجانبية الخفيفة» (¬3). ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره) جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 35). (¬2) هذا لا يصح فقد رواه محمد بن عمر الواقدي الكذاب في المغازي كما سيأتي قريبًا إن شاء الله. (¬3) صحيفة آفاق عربية، العدد 697، 24/ 2/2005.

تنبيه: التعليق على ما ورد من أن أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ». فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا هَذَا الْخِنْجَرُ؟».قَالَتْ: «اتَّخَذْتُهُ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ» (¬1). فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَضْحَكُ. (رواه مسلم). الجواب: ليس في الحديث أنها كانت مختلطة بالرجال في قتال أو غيره، ولهذا لم يستنبط شراح الحديث منه جواز الاختلاط، بل استدلوا به على قتال المسلمة دفاعًا عن نفسها. تنبيه: رُوِيَتْ آثار عن بعض النساء وأخبار بعضها ليس فيها حجة وكثير منها لايثبت، وهو في كتب المغازي والسير كثير ومن ذلك: عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِمُرُوطٍ فَكَانَ فِيهَا مِرْطٌ وَاسِعٌ جَيّدٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّ هَذَا الْمِرْطَ لَثَمَنُ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ أَرْسَلْت بِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ صَفِيّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ ـ وَذَلِك حِدْثَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ـ، فَقَالَ أَبْعَثُ بِهِ إلَى مَنْ هُوَ أَحَقّ مِنْهَا، أُمّ عُمَارَةَ ـ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْب ٍـ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ يَقُولُ: «مَا الْتَفَتّ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إلّا وَأَنَا أَرَاهَا تُقَاتِلُ دُونِي». وهذا الحديث لا يصح فقد رواه محمد بن عمر الواقدي الكذاب في المغازي (1/ 269)، ومن طريقه ابن سعد في (الطبقات الكبرى 8/ 415)، والواقدي كذاب. وإن صح فلا حجة فيه؛ فقد كانت غزوة أحد قبل نزول آيات الحجاب. وغاية ما فيه جواز أن تقاتل المسلمة عند الضرورة. ¬

(¬1) (خِنْجَر): سِكِّين كَبِير، (بَقَرْت بَطْنه) أَيْ شَقَقْته.

الشبهة التاسعة عشرة: نساء النبي هل كن يجالسن الصحابة بوجود الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة التاسعة عشرة: نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هل كُنَّ يجالسن الصحابة بوجود الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: قالوا: قد وردت كثير من الأحاديث برواية عائشة وغيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبعضها دارت أحداثها في بيت النبوة وبوجود الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فهل يعني ذلك أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - كانت تجالس الصحابة بوجود الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الجواب: لا يخفى أن زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كنَّ يتحدثن إلى الرجال الأجانب في بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا فاصل، فلما نزل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53)، احتجبن فلم يحدثن أحدًا من غير محارمهن إلا من وراء حجاب (¬1). ويدل على ذلك ما رواه البخارى ومسلم عن أَبِى مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: «أَلاَ تُنْجِزُ لِى مَا وَعَدْتَنِى». فَقَالَ لَهُ «أَبْشِرْ». فَقَالَ: «قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَىَّ مِنْ أَبْشِرْ». فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِى مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: «رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا». قَالاَ: «قَبِلْنَا». ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ «اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا، وَأَبْشِرَا». فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلاَ، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلاَ لأُمِّكُمَا؛ فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً، فالشاهد أن أم سلمة - رضي الله عنها - كانت تُكلِّم الناس من وراء حجاب. ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 24931).

الشبهة العشرون: ما كان يدخل على أهلي إلا معي

الشبهة العشرون: مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي (¬1): ماجاء عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ ... قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا (¬2)، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي». (رواه البخاري ومسلم). استدل دعاة الاختلاط بهذا القول على جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها. الجواب: 1 - أن دخوله مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قبل فرض الحجاب كما قالت عائشة - رضي الله عنها - في نفس الحديث: «فَعَرَفَنِى حِينَ رَآنِى وَقَدْ كَانَ يَرَانِى قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَىَّ» (رواه مسلم). 2 - هذا من الجهل العريض وعدم المعرفة بلسان العرب وبحال الحجرات النبوية، فالحجرات غرف معها باحات صغيرة مكشوفة للضيفان، والداخل إلى الباحة موصوف بالدخول، وتسمى حجرة تبعًا، وهذا بإجماع العارفين بالسنة والتاريخ والسير (¬3)، فعَنْ هِشَام ِبْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا». (رواه البخاري). قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَالْمُرَادُ ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب)، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي، (ص 60 - 61). (¬2) صَفْوَان بْن الْمُعَطَّل - رضي الله عنه -. (¬3) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز الطريفي.

بِالْحُجْرَةِ الْبَيْتُ، وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ ضَوْؤُهَا» (¬1). فالغرفة مسقوفة وتكون فيها المرأة عند دخول الرجال، ولا تَصِلُهَا الشمس، أما الباحة فهي مكشوفة السقف، وهي التي تدخلها الشمس. 2 - قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (¬2). ¬

(¬1) فتح الباري (2/ 24). (¬2) فتح الباري (9/ 286)

الشبهة الحادية والعشرون: حديث الفارسي

الشبهة الحادية والعشرون: حديث الفارسي: استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ جَارًا لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ فَصَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ جَاءَ يَدْعُوهُ، فَقَالَ: «وَهَذِهِ» ـ لِعَائِشَةَ ـ فَقَالَ: «لَا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا»، فَعَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَهَذِهِ»، قَالَ: «لَا»، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا» ثُمَّ عَادَ يَدْعُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَهَذِهِ»، قَالَ: «نَعَمْ» فِي الثَّالِثَةِ، فَقَامَا يَتَدَافَعَانِ حَتَّى أَتَيَا مَنْزِلَهُ. (رواه مسلم). قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق. الجواب: 1 - هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اصطحب عائشة - رضي الله عنها - معه إلى بيت الرجل الفارسي. وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة - رضي الله عنها - خاصة، من أجل رواية الحديث أو أخذ الفتاوى أو السؤال عن بعض أحوال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهن حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؟! 2 - أما أن يرفض رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة - رضي الله عنها - فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل

خلقه - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أهله وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نار لطعام، وإنما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء، أفيترك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أهله ـ وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به ـ ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليرضى بذلك. وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة - رضي الله عنها - ذهبت مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - متبرجة وجلست أمام الفارسي سافرة واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب.

الشبهة الثانية والعشرون: سلمان مع أبي الدرداء، وإقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة الثانية والعشرون: سلمان مع أبي الدرداء، وإقرار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: قالوا: هذا سلمان يرى زوجة أبي الدرداء مُتَبَذِّلَةً بثوب المهنة وتحدث معها بلا حجاب في غياب زوجها. عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ: «لَهَا مَا شَأْنُكِ؟». قَالَتْ: «أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا». فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: «كُلْ»، قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ»، قَالَ: «مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ»، قَالَ: فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ: «نَمْ»، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: «نَمْ»، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: «قُمْ الْآنَ»، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صَدَقَ سَلْمَانُ» (رواه البخاري) (¬1). الجواب: هذا قبل نزول آية الحجاب (¬2). ¬

(¬1) قَوْله (فَزَارَ سَلْمَان أَبَا الدَّرْدَاء) يَعْنِي فِي عَهْد النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَوَجَدَ أَبَا الدَّرْدَاء غَائِبًا. قَوْله (مُتَبَذِّلَةً) أَيْ لَابِسَة ثِيَاب الْبِذْلَة، وَهِيَ الْمِهْنَة، وَالْمُرَاد أَنَّهَا تَارِكَة لِلُبْسِ ثِيَاب الزِّينَة. قَوْله (فَقَالَ لَهُ كُلْ، قَالَ فَإِنِّي صَائِم) الْحَاصِلُ أَنَّ سَلْمَان ـ وَهُوَ الضَّيْفُ ـ أَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَام أَبِي الدَّرْدَاء حَتَّى يَأْكُلَ مَعَهُ، وَغَرَضُهُ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ رَأْيه فِيمَا يَصْنَعُهُ مِنْ جَهْدِ نَفْسه فِي الْعِبَادَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا شَكَتْهُ إِلَيْهِ اِمْرَأَته. قَوْله (فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل) أَيْ فِي أَوَّله. قَوْله (فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْل) أَيْ عِنْد السَّحَر. (باختصار من فتح الباري). (¬2) انظر فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد، (سؤال رقم 6913).

قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْن الصَّحَابَة وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى قَبْلَ الْهِجْرَة بَيْن الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً عَلَى الْمُوَاسَاة وَالْمُنَاصَرَة، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ زَيْد بْن حَارِثَةَ وَحَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب. ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار بَعْد أَنْ هَاجَرَ وَذَلِكَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّل كِتَاب الْبَيْع (¬1) حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَة آخَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَيْنِي وَبَيْن سَعْد بْن الرَّبِيع» (¬2). قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: «آخى بين سلمان وأبي الدرداء - رضي الله عنهما -: أي عقد بينهما عقد أخوة، وذلك أن المهاجرين حين قدموا المدينة آخى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بينهم وبين الأنصار، الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، فكان المهاجرون في هذا العقد للأنصار بمنزلة الأخوة، حتى إنهم كانوا يتوارثون بهذا العقد، حتى أنزل الله - عز وجل -: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (الأنفال:75) (¬3). مما سبق يتضح أن ما حدث بين سلمان وأم الدرداء - رضي الله عنهما - كان حين قدوم المهاجرين المدينة، وقبل نزول آية الحجاب؛ فنسخت آية الحجاب وأحاديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المحكمة مثل هذا الاختلاط، كما نُسخ التوارث بين من آخي بينهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بآيات المواريث. فالعجب كل العجب ممن يترك المحكم ويتمسك بالمتشابه. ¬

(¬1) أي من صحيح البخاري. (¬2) فتح الباري (4/ 209). (¬3) شرح رياض الصالحين للعثيمين (1/ 567، ح 149).

الشبهة الثالثة والعشرون: فجعلا يريانه أنهما يأكلان

الشبهة الثالثة والعشرون: فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ: قالوا: يجوز أن تأكل المرأة مع زوجها والضيف، واستدلوا بما رواه البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: «مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «مَنْ يَضُمُّ، أَوْ يُضِيفُ هَذَا». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: «أَنَا»، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: «أَكْرِمِى ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -». فَقَالَتْ: «مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِى». فَقَالَ: «هَيِّئِى طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِى سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِى صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً». فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقَالَ «ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ ـ أَوْ عَجِبَ ـ مِنْ فَعَالِكُمَا»؛ فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر: 9) (¬1). الجواب: كان هذا قبل نزول آيات الحجاب، قال الشيخ ابن عثيمين: ¬

(¬1) (فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ) أَيْ يَطْلُب مِنْهُنَّ مَا يُضَيِّفهُ بِهِ. قَوْله: (فَقُلْنَ مَا مَعَنَا) أَيْ مَا عِنْدنَا (إِلَّا الْمَاء). قَوْله: (مَنْ يَضُمّ أَوْ يُضَيِّف) أَيْ مَنْ يُؤْوِي هَذَا فَيُضَيِّفهُ. قَوْله: (إِلَّا قُوت صِبْيَانِيّ) يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هُوَ وَامْرَأَته تَعَشَّيَا وَكَانَ صِبْيَانهمْ حِينَئِذٍ فِي شُغْلهمْ أَوْ نِيَامًا فَأَخَّرُوا لَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ، أَوْ نَسَبُوا الْعَشَاء إِلَى الصِّبْيَة لِأَنَّهُمْ إِلَيْهِ أَشَدّ طَلَبًا. (وَأَصْبِحِي سِرَاجك) بِهَمْزَةِ قَطْع أَيْ أَوْقِدِيهِ. (طَاوِيَيْنِ) أَيْ بِغَيْرِ عَشَاء. قِيلَ: فِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى نُفُوذ فِعْل الْأَب فِي الِابْن الصَّغِير وَإِنْ كَانَ مَطْوِيًّا عَلَى ضَرَر خَفِيف إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا عُرِفَ بِالْعَادَةِ مِنْ الصَّغِير الصَّبْر عَلَى مِثْل ذَلِكَ، وَالْعِلْم عِنْد اللهِ تَعَالَى. (باختصار من فتح الباري).

«الحديث ليس فيه اختلاط، وإنما الرجل مع زوجته في جانب بيته، والضيف في مكان الضيافة، على أن مسألة الحجاب كما هو معلوم لم تكن من المسائل المتقدمة بالنسبة للتشريع، فالحجاب إنما شُرِعَ بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بنحو خمس سنين أو ست سنين، وما ورد من الأحاديث مما ظاهره عدم الحجاب، فإنه يحمل على أن ذلك كان قبل نزول آيات الحجاب» (¬1). وبيان ذلك أن هذه القصة كانت سببًا في نزول قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (الحشر: 9)، وهي آية من سورة الحشر وقد نزلت سورة الحشر كلها في إثر إجلاء بني النضير، ولذلك كان يسميها عبد الله بن عباس سورة بني النضير، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: «سُورَةُ التَّوْبَةِ؟»، قَالَ: «التَّوْبَةُ هِىَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا». قُلْتُ: «سُورَةُ الأَنْفَالِ؟». قَالَ: «نَزَلَتْ فِى بَدْرٍ». قُلْتُ: «سُورَةُ الْحَشْرِ؟». قَالَ: «نَزَلَتْ فِى بَنِى النَّضِيرِ». وقد أجلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بني النضير على أكثر الأقوال في سنة أربع، وباتفاق أهل العلم أن الأحزاب كانت بعد إجلاء بني النضير؛ فهذا يعني أن الآية الكريمة نزلت قبل الحجاب بالإجماع، وأن القصة التي نزلت الآية بشأنها، وجاءت متقدمة على نزول الآية كانت قبل سورة الأحزاب المتضمنة لآيات الحجاب؛ فيكون أمر هذه القصة كله قبل نزول أحكام الحجاب (¬2). ¬

(¬1) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط جمع وترتيب محمد عبد العزيز المسند (ص 38 - 39). (¬2) الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان، الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص191).

الشبهة الرابعة والعشرون: كانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس

الشبهة الرابعة والعشرون: كَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ: قالوا: لا مانع من دخول المرأة على ضيوف زوجها، مع وجوده، وتقديم الشاي وغيره للضيوف، والجلوس معهم، ويحتجون لذلك بحديث رواه البخاري ومسلم عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ ـ أُمُّ أُسَيْدٍ ـ بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ». (هذا لفظ البخاري). ولفظ مسلم: «دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي عُرْسِهِ فَكَانَتْ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهِيَ الْعَرُوسُ»، قَالَ سَهْلٌ: «تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ» (¬1). الجواب: 1 - كان ذلك قبل نزول الحجاب؛ قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من (صحيح مسلم): «هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْل الْحِجَاب، وَيَبْعُد حَمْله عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَسْتُورَة الْبَشَرَة» (¬2). وقال بدر الدين العيني في (عمدة القاري) في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «كان ذلك قبل نزول الحجاب» (¬3). ¬

(¬1) (لَمَّا عَرَّسَ) أيْ: دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ. (بَلَّتْ تَمَرَات) أَيْ أَنْقَعَتْ. (فِي تَوْر) إِنَاء يَكُون مِنْ نُحَاس وَغَيْره، وَقَدْ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ حِجَارَة. (أَمَاثَتْهُ):عَرَكَتْهُ وَاسْتَخْرَجَتْ قُوَّته وَأَذَابَتْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: أَيْ لَيَّنَتْهُ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَعْنَى الْأَوَّل. (تَخُصّهُ) مِنْ التَّخْصِيص، (تُتْحِفهُ) مِنْ الْإِتْحَاف، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، يُقَال: أَتْحَفَتْهُ بِهِ إِذَا خَصَّصَتْهُ وَأَطْرَفَتْهُ. (بتصرف من فتح الباري لابن حجر، وشرح النووي على صحيح مسلم، وآداب الزفاف للألباني). (¬2) شرح صحيح مسلم (12/ 177). (¬3) عمدة القاري (29/ 387).

2 - على فرض أنه كان بعد الحجاب فيحمل ما جاء في حديث سهل في إعداد امرأة أبي أسيد الطعام والشراب لضيوفه، وتقديمه لهم على أنها كانت متسترة، وأن الفتنة مأمونة، ولم تحصل خلوة ولا اختلاط، إنما كان منها مجرد إعداد وتهيئة شراب، وتقديمه لضيوف زوجها دون جلوسها معهم، إذ ليس في الحديث ما يدل على جلوسها معهم (¬1). 3 - بيَّن الحديث وجود محرم للمرأة ـ وهو أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ ـ ولذلك اشترط الفقهاء لضيافة المرأة للرجال وجود المحرم، واشترطوا أيضًا أمْن الفتنة فإذا لم تؤمن الفتنة حرم ذلك. قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «وَفِي الْحَدِيث جَوَاز خِدْمَة الْمَرْأَة زَوْجهَا وَمَنْ يَدْعُوهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ عِنْد أَمْن الْفِتْنَة وَمُرَاعَاة مَا يَجِب عَلَيْهَا مِنْ السِّتْر» (¬2). فهل الاختلاط في العمل والتعليم وغير ذلك يكون بوجود المحرم؟! وهل الفتنة مأمونة حتى يقاس هذا على ذاك. قال الشيخ الألباني بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر: «ولكن يجب أن لا ننسى الشروط التي ذكرناها في صدر البحث التي مِن التمسكِ بها جَعْلُ هذه الإباحة نظرية غير عملية في كثير من المدن اليوم لخروج أكثر نسائها عن آداب الشريعة في ألبستهن وحشمتهن» (¬3). 4 - يجب ملاحظة أن ما حصل هو لقاء عارض ومحدود، فأين هذا من الساعات الطوال ¬

(¬1) باختصار من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 84). (¬2) فتح الباري (9/ 250). (¬3) آداب الزفاف، (هامش ص 178).

التي تقضيها المرأة مع زميلها في العمل، أو الطالب مع زميلته في قاعة الدراسة (¬1). 5 - لم يرِدْ في هذا الحديث أن زوجة أبي أسيد برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث. وإن قول القائل: «قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال» ليس إلا كقول الآخر: «لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغش» (¬2). ¬

(¬1) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب. (¬2) إلى كل فتاة تؤمن بالله، للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (ص 77).

الشبهة الخامسة والعشرون: أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس

الشبهة الخامسة والعشرون: أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: قال دعاة الاختلاط: لا مانع من استقبال الزوجة ضيوف زوجها من الرجال، حتى في عدم وجوده، ويحتجون لذلك بما رواه مسلم عن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَقَالَ: «لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا»، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ»، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ (¬1) إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ». الجواب: «هذا الحديث محمول على ما إذا وُجِدَتْ الدواعي إلى الدخول عليها عند غيبة زوجها ومحارمها، وأُمِنَتْ الفتنة، وبَعُدَ التواطؤ منهم على الفاحشة، لا على الإطلاق، وليس هذا من التأويل بالرأي، بل هو مبني على المقصد الشرعي المفهوم من مجموع النصوص الواردة في حفظ الفروج والأنساب، وتحريم انتهاك الأعراض، ومنع الوسائل المفضية إلى ذلك، ومنها الحديث المذكور في هذه الفقرة، حيث اشترط في جواز الدخول وجود ما يزيل الخلوة؛ إبعادًا للريبة، وتحقيقًا للأمن من الفتنة» (¬2). قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من (صحيح مسلم): «إِنَّ ظَاهِر هَذَا ¬

(¬1) الْمُغْيِبَة ـ بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء ـ هِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا. وَالْمُرَاد غَابَ زَوْجهَا عَنْ مَنْزِلهَا، سَوَاء غَابَ عَنْ الْبَلَد بِأَنْ سَافَرَ، أَوْ غَابَ عَنْ الْمَنْزِل، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَد. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره، وَهَذَا ظَاهِر مُتَعَيِّن. قَالَ الْقَاضِي: وَدَلِيله هَذَا الْحَدِيث، وَأَنَّ الْقِصَّة الَّتِي قِيلَ الْحَدِيث بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْر - رضي الله عنه - غَائِب عَنْ مَنْزِله لَا عَنْ الْبَلَد. (¬2) بتصرف يسير من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 84).

الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا (¬1) تَحْرِيمه، فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ، أَوْ مُرُوءَتهمْ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل» (¬2). قال الإمام القرطبيُّ: «كان هذا الدخول في غيبة أبي بكر - رضي الله عنه - لكنه كان في الحضر لا في السفر، وكان على وجه ما يعرف من أهل الخير والصلاح، مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والرّيب، غير أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - أنكر ذلك بمقتضى الغَيْرة الجِبِلّيّة، والدّينية ... ولمّا ذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول لها، وَقَالَ: «لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا»، يعني: على الفريقين، فإنه علم أعيان الجميع؛ لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم، ثمّ خصّ أسماء بالشهادة لها فقال: «إِنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ» أي: مما وقع في نفس أبي بكر، فكان ذلك فضيلةً عظيمةً من أعظم فضائلها ... ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى جمع الناسَ، وصعد المنبر، فنهاهم عن ذلك، وعلمهم ما يجوز منه فقال: «لا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ إِلا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ»، سدًا لذريعة الخلوة، ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم؛ لأنَّ التهمة كانت ترتفع بذلك القدر، فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب ... » (¬3). وتأمل قول الإمامِ القرطبيِّ ـ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، الذي وُلد سنة ¬

(¬1) أي الشافعية. (¬2) شرح صحيح مسلم (14/ 155). (¬3) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 502).

578هـ ومات سنة 656 هـ: «فأمّا اليوم فلا يكتفى بذلك القدر، بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد، وخبث المقاصد»، يقول هذا عن زمانه!، فماذا تُرانا نقول ونحن نعيش في القرن الخامس عشر!، والذي أصبح للعريّ فيه ثقافة!، وأصبحت أجساد النساء سلعًا لتجار الشهوات يتفنون في تسويقها عن طريق وسائل الأعلام المتنوعة التي يشاهدها ملايين البشر، رُحماكَ ربِّ» (¬1). قال الشيخ المُحدّث عبد الله السعد: «لعل السبب في دخولهم عليها ـ والعلم عند الله - عز وجل - ـ أنها كانت زوجًا لجعفر بن أبي طالب حتى استشهد، فلعل هؤلاء النفر من بني هاشم أقارب لجعفر أرادوا صلة أولاد جعفر من أجل قرابتهم لجعفر، وعلاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم وثيقة فقد كانت أخت ميمونة بنت الحارث ـ زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمها، وأخت لبابة أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب لأمها أيضًا، وقد جاء في خبر مرسل أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - زوّج أبا بكر - رضي الله عنه - أسماء بنت عميس يوم حنين، وقد تزوجها علي - رضي الله عنه - بعد أبي بكر، وهذا كله يدل على علاقة أسماء بنت عميس ببني هاشم، ومع هذه العلاقة الوثيقة أنكر أبو بكر - رضي الله عنه - دخولهم وأخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فخطب الناس» (¬2). تنبيه: قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (¬3). ¬

(¬1) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 35 - 36). (¬2) نفس المصدر والصفحة. (¬3) فتح الباري (9/ 286).

الشبهة السادسة والعشرون: أين فلان؟

الشبهة السادسة والعشرون: أَيْنَ فُلَانٌ؟: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟»، قَالَا: «الْجُوعُ، يَا رَسُولَ اللهِ»، قَالَ: «وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا؛ قُومُوا»، فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ. فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: «مَرْحَبًا وَأَهْلًا»، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَيْنَ فُلَانٌ؟»، قَالَتْ: «ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ»، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي». قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ كُلُوا مِنْ هَذِهِ وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ». فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» (رواه مسلم) (¬1). ¬

(¬1) «وَقَوْله: (فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار) هُوَ أَبُو الْهَيْثَم مَالِك بْن التَّيِّهَان ـ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة فَوْق وَتَشْدِيد تَحْت مَعَ كَسْرهَا ـ وَفِيهِ جَوَاز الْإِدْلَال عَلَى الصَّاحِب الَّذِي يُوثَق بِهِ كَمَا تَرْجَمْنَا لَهُ وَاسْتِتْبَاع جَمَاعَة إِلَى بَيْته، وَفِيهِ مَنْقَبَة لِأَبِي الْهَيْثَم إِذْ جَعَلَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَفَى بِهِ شَرَفًا ذَلِكَ. وَقَوْلهَا: (ذَهَبَ يَسْتَعْذِب لَنَا الْمَاء) أَيْ يَأْتِينَا بِمَاءٍ عَذْب، وَهُوَ الطَّيِّب، وَفِيهِ: جَوَاز اِسْتِعْذَابه وَتَطْيِيبه. قَوْله: (فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْر وَتَمْر وَرُطَب فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ) الْعِذْق هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْن وَهِيَ الْكِبَاسَة، وَهِيَ الْغُصْن مِنْ النَّخْل، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْعِذْق الْمُلَوَّن لِيَكُونَ أَطْرَف، وَلْيَجْمَعُوا بَيْن أَكْل الْأَنْوَاع فَقَدْ يَطِيب لِبَعْضِهِمْ هَذَا وَلِبَعْضِهِمْ هَذَا. وَفِيهِ: دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب تَقْدِيم الْفَاكِهَة عَلَى الْخُبْز وَاللَّحْم وَغَيْرهمَا، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْمُبَادَرَة إِلَى الضَّيْف بِمَا تَيَسَّرَ، وَإِكْرَامه بَعْده بِطَعَامٍ يَصْنَعهُ لَهُ لَا سِيَّمَا إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه حَاجَته فِي الْحَال إِلَى الطَّعَام، وَقَدْ يَكُون شَدِيد الْحَاجَة إِلَى التَّعْجِيل وَقَدْ يَشُقّ عَلَيْهِ اِنْتِظَار مَا يَصْنَع لَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ لِلِانْصِرَافِ. ... = = قَوْله: (وَأَخَذَ الْمُدْيَة فَقَالَ لَهُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِيَّاكَ وَالْحَلُوب») الْمُدْيَة: هِيَ السِّكِّين، وَالْحَلُوب: ذَات اللَّبَن. ... قَوْله: (فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرُوُوا قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِأَبِي بَكْر وَعُمَر - رضي الله عنهما -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيم يَوْم الْقِيَامَة») فِيهِ: دَلِيل عَلَى جَوَاز الشِّبَع، وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَة الشِّبَع فَمَحْمُول عَلَى الْمُدَاوَمَة عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْب وَيُنْسِي أَمْر الْمُحْتَاجِينَ، وَأَمَّا السُّؤَال عَنْ هَذَا النَّعِيم فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الْمُرَاد السُّؤَال عَنْ الْقِيَام بِحَقِّ شُكْره، وَالَّذِي نَعْتَقِدهُ أَنَّ السُّؤَال هُنَا سُؤَال تَعْدَاد النِّعَم وَإِعْلَام بِالِامْتِنَانِ بِهَا، وَإِظْهَار الْكَرَامَة بِإِسْبَاغِهَا لَا سُؤَال تَوْبِيخ وَتَقْرِيع وَمُحَاسَبَة. وَاللهُ أَعْلَم. (باختصار من شرح الإمام النووي لهذا الحديث من صحيح مسلم (13/ 214).

قالوا: والشاهد فيه: دخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحباه بيت الأنصاري - رضي الله عنهم -، وفي غيابه واستقبال المرأة - رضي الله عنها - لهم بالترحاب في غيبة زوجها، وفرح الأنصاري بذلك كله عند قدومه. الجواب: 1 - نفس جواب الشبهة السابقة؛ فقد وُجِدَتْ الدواعي إلى دخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحبيه على تلك المرأة عند غيبة زوجها ومحارمها، وأُمِنَتْ الفتنة، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم، وهو أتقى الناس وأخشاهم لله - عز وجل -، وصاحباه الصديق والفاروق - رضي الله عنهما - أفضل الناس بعد الأنبياء. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «وَفِيهِ جَوَاز سَمَاع كَلَام الْأَجْنَبِيَّة وَمُرَاجَعَتهَا الْكَلَام لِلْحَاجَةِ، وَجَوَاز إِذْن الْمَرْأَة فِي دُخُول مَنْزِل زَوْجهَا لِمَنْ عَلِمَتْ مُحَقَّقًا أَنَّهُ لَا يَكْرَههُ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو بِهَا الْخَلْوَة الْمُحَرَّمَة» (¬1). وقد سبق في جواب الشبهة السابقة اشتراطه أن يكون الداخلون «جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (13/ 212).

الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ، أَوْ مُرُوءَتهمْ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ». 2 - لم أفهم من هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصاحباه دخلا على المرأة حيث إن زوجها قد جاء أثناء كلامها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال الملا على القاري: «(قَالَتْ: «ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ») أي يطلب العذب وهو الحلو (لَنَا مِنْ الْمَاءِ) فإن أكثر مياه المدينة كان مالحًا (إِذْ جَاءَ) أي هم في ذلك إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ» (¬1). ¬

(¬1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (12/ 500).

الشبهة السابعة والعشرون: فجلس على فراشي كمجلسك مني

الشبهة السابعة والعشرون: فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي: حَدِيثُ خَالِد بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: لا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ (رواه البخاري). الجواب: ذكر العلامة بدر الدين العيني في شرحه لهذا الحديث أن من العلماء من يقول: «كان هذا وأمثاله في ابتداء الإسلام» (¬1). وهذا الذي يقتضيه الجمع بين النصوص وعدم ضرب بعضها ببعض. ومن العلماء من جعل ذلك من خصائص النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ قَالَ الحافظ ابن حَجَر: «(قَوْله (كَمَجْلِسِك) ـ بِكَسْرِ اللام ـ أَيْ مَكَانك , قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاء حِجَاب , أَوْ كَانَ قَبْل نُزُول آيَة الْحِجَاب , أَوْ جَازَ النَّظَر لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْد الْأَمْن مِنْ الْفِتْنَة» اهـ. وَالْأَخِير هُوَ الْمُعْتَمَد , وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَوَاز الْخَلْوَة بِالأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا» (¬2). واعترض القاري في (المرقاة) على كلام الحافظ هذا فَقَالَ: «هذا غريبٌ فإنَّ ¬

(¬1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (25/ 275). (¬2) فتح الباري (9/ 203).

الحَدِيثَ لا دلالة فيه على كشف وجهها، ولا على الخلوة بها، بل ينافيها مقام الزفاف، وكذا قولها: فجعلت جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفّ» (¬1). وَما قاله القاريء بينٌ واضحٌ، فأين التنصيص على الخلوة؟ وكذلك أين كشف الوجه؟. وقولها (فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) لا يلزم منه أنّه جلس على فراشها معها، وليس فيه بيان لمجلسها من حيث القرب والبعد، بل قولها لخالد (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) يُشعر بالبعد لأنَّ خَالِد بْن ذَكْوَانَ ليس محرمًا لها، فلا بدَّ أنْ يكون مجلسه منها بعيدًا، والله أعلم (¬2). ¬

(¬1) مرقاة المفاتيح (3/ 419). (¬2) إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري (ص 49 - 50).

الشبهة الثامنة والعشرون: النبي مر بنساء من الأنصار في عرس لهن

الشبهة الثامنة والعشرون: النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي عُرْسٍ لَهُنَّ: أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي المعجم الصغير والْأَوْسَط ـ بِإِسْنَادٍ حَسَّنه الحافظ ابن حجر ـ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي عُرْسٍ لَهُنَّ، وَهُنَّ يُغَنِّينَ: وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشًا ... تَبَحْبَحُ فِي الْمِرْبَدِ (¬1) وَزَوْجُكِ فِي النَّادِي (¬2) ... وَيَعْلَمُ مَا فِي غَد فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ». الجواب: ليس في هذا الحديث ما يدل على الاختلاط؛ لأنه ليست فيه دلالة صريحة على جلوس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع النساء فغاية ما فيه أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد سمع ذلك أثناء مروره، ويدل على ذلك قول عائشة - رضي الله عنها - أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بِنِسَاءٍ مِنَ الأَنْصَارِ. ويؤيد هذا الاستدلال رواية البيهقي في (السنن الكبرى) ورواية الحاكم في (المستدرك على الصحيحين) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ناسًا يتغنون في عرس لهم: «وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشًا ... ». قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وقال الذهبي قي التلخيص: «على شرط مسلم». ¬

(¬1) أكبش جمع كبش وهو الذكر أو الفحل من الضأن في أَيِّ سِنٍّ كانَ، تَبَحْبَحُ في المِرْبَدِ: أَي متمكنة في المِربَد، وهو كلّ شيءٍ حُبِسَتْ به الإِبلُ والغنمُ، وتَبَحْبَح الرَّجلُ: إِذا تَمَكَّنَ في المُقَام والحُلُولِ، وتَوسَّطَ المَنزِلَ، يقال قد تَبَحْبَحْتُ في الدار إِذا تَوَسَّطْتَها وتمكنت منها، والتَّبَحْبُح التمكن في الحلول والمُقامِ. (لسان العرب، وتاج العروس، مادة (بحح) و (ربد) و (كبش). (¬2) النَّادِي هُوَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ (مختار الصحاح، مادة (ندا)

الشبهة التاسعة والعشرون: المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة التاسعة والعشرون: المرأة التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: وجاء فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صَعَّد فيها النظر، ولم يأمرها بالتستر عن الحاضرين. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي». فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا»، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟». فَقَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ». قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا». فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا». قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي». قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؛ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ». قَالَ: «مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا»، عَدَّهَا. قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟».قَالَ: «نَعَمْ».

قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - لعل ذلك الوقت، الذي جاءت فيه المرأة لتهب نفسها للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان قبل فرض الحجاب مما جعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يأمرها بالتستر عن الحاضرين، وهذا ما يراه كثير من العلماء، منهم الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -، في دروسه على بلوغ المرام، حيث قال: «كان هذا ـ والله أعلم ـ قبل الأمر بالحجاب، ويجب حمله على هذا» (¬1). 2 - هذه المرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لتهب نفسها له، فلما لم يكن له بها حاجة زوَّجَها لأحد أصحابه، وحدث هذا في مكان عام، والفتنة مأمونة، فأين هذا من الاختلاط الذي يَدْعُون إليه؟ ¬

(¬1) شريط رقم 21 من بلوغ المرام: الشرح، عن مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الرياض. (العدد 65، ص 253 - 254).

الشبهة الثلاثون: استفتاء نساء الصحابة النبي وفي مجلسه بعض الرجال

الشبهة الثلاثون: استفتاء نساء الصحابة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي مجلسه بعض الرجال: قالوا: هناك بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن نساء الصحابة كن يأتين لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يسألْنَه عن بعض أمورهن ويكون موجودًا في مجلس الرسول بعض الرجال. الجواب: أولًا: طلب العلم واجب على كل مسلمة، كشأن الرجال فالكل محتاج إليه، ومع ذلك لم يكنَّ يُزاحمن الرجال لأجل تحصيله، ولكن طلبن أن يَجْعَل لهنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مجلسًا خاصًا لايكون للرجال فيه نصيب، وقد بوب البخاري - رحمه الله - في كتاب العلم من الصحيح: «بَاب هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ عَلَى حِدَةٍ فِي الْعِلْمِ»، وذكر فيه حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -: «قَالَتْ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ»، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ»، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: «وَاثْنَتَيْنِ؟»، فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ». وقد نص الفقهاء على المنع من اختلاط رجال بنساء في المسجد، لما يترتب عليه من مفاسد، ويشمل ذلك الاختلاط بغية طلب العلم. ولو كان الاختلاط جائزًا لقال لهن احضرن مع الرجال مجالس العلم والذكر، فهو أولى من تبديد الطاقات والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحرص على حفظ الأوقات (¬1). ثانيًا: ما ذُكِرَ من أن نساء الصحابة كنّ يأتين لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يسألْنَه عن أمر ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 23).

دينهنَّ، وأحيانًا يكون في مجلسه بعض الرجال صحيح؛ وقد ثبت أن عائشة - رضي الله عنها - أثْنَتْ على نساء الأنصار بشيء من ذلك فقالت: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ» (رواه مسلم). ولكن هذا لا يعتبر اختلاطًا؛ لأنهنَّ يسألن عن أحكام دينهنَّ، ولا يعرفها غير رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فحضورهنَّ لذلك من الضرورات. ثم إنهنَّ يلتزمن الحجاب ولا يختلطن بالرجال. وقصارى ما في الموضوع أن المرأة إذا اضطرت إلى الصلة بالرجال لضرورة عمل أو علاج ونحو ذلك، وكانت ملتزمة بحجابها وحشمتها ووقارها ولم تخضع بالقول، ولم يحصل منها أي شيء يثير الفتنة، فعسى أن لا يكون عليها إثم؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات (¬1). ¬

(¬1) بتصرف من (فتاوى موقع الشبكة الإسلامية)، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 35575).

الشبهة الحادية والثلاثون: إنما هو أبوك وغلامك

الشبهة الحادية والثلاثون: إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ: عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» (رواه أبو داود وصححه الألباني). الجواب: هذا الحديث ليس فيه ما يدل على جواز الاختلاط، بل أخذ منه بعض أهل العلم أن العبد مَحْرَمٌ لسيدته يجوز له النظر إليها. وذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا الغلام كان صغيرًا. قال صاحب عون المعبود: (أَتَى فَاطِمَة بِعَبْدٍ): أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ (وَعَلَى فَاطِمَة ثَوْب): أَيْ قَصِير (إِذَا قَنَّعَتْ): أَيْ سَتَرَتْ (فَلَمَّا رَأَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى): أَيْ مَا تَلْقَاهُ فَاطِمَة مِنْ التَّحَيُّر وَالْخَجَل وَتَحَمُّل الْمَشَقَّة فِي التَّسَتُّر مِنْ جَرّ الثَّوْب مِنْ رِجْلهَا إِلَى رَأْسهَا وَمِنْ رَأْسهَا إِلَى رِجْلهَا حَيَاء أَوْ تَنَزُّهًا (قَالَ إِنَّهُ): الضَّمِير لِلشَّأْنِ (إِنَّمَا هُوَ): أَيْ مَنْ اِسْتَحْيَيْت مِنْهُ (أَبُوك وَغُلَامك): أَيْ عَبْدك. وَالْحَدِيث فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْعَبْدِ النَّظَر إِلَى سَيِّدَته وَأَنَّهُ مِنْ مَحَارِمهَا يَخْلُو بِهَا وَيُسَافِر مَعَهَا وَيَنْظُر مِنْهَا مَا يَنْظُر إِلَيْهِ مَحْرَمهَا، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ عَائِشَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالشَّافِعِيّ فِي أَحَد قَوْلَيْهِ وَأَصْحَابه وَهُوَ قَوْل أَكْثَر السَّلَف. وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْمَمْلُوك كَالْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّة تَزَوُّجهَا إِيَّاهُ بَعْد الْعِتْق وَحَمَلَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْعَبْد كَانَ صَغِيرًا لِإِطْلَاقِ لَفْظ الْغُلَام وَلِأَنَّهَا وَاقِعَة حَال. وَاحْتَجَّ أَهْل الْقَوْل الْأَوَّل أَيْضًا بِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِذَا كَانَ

لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَب وَكَانَ عِنْده مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ (¬1)، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النساء: 3)، وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْ الْآيَة بِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ: لَا تَغُرَّنَّكُمْ آيَة النُّور (¬2) فَالْمُرَاد بِهَا الْإِمَاء». اهـ. وقال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر: «وَأَمَّا جَوَازُ النَّظَرِ فَهَلْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا: الْجَوَازَ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ: فِيهِ نَظَرٌ وَصَحَّحَ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ عَلَى الْمُهَذَّبِ: التَّحْرِيمَ، وَبَالَغَ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ: «هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَشْهُورٌ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ مَحْرَمٌ لَهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ تَصْحِيحُهُ». وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: «الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْن شَخْصَيْنِ لَمْ تُخْلَقْ بَيْنهمَا شَهْوَةٌ، كَالْأَخِ، وَالْأُخْتِ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الْعَبْدُ، وَسَيِّدَتُهُ: فَشَخْصَانِ خُلِقَتْ بَيْنهمَا الشَّهْوَةُ. قَالَ: وَأَمَّا الْآيَةُ ـ وَهِيَ قَوْله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} (النور: 31) ـ فَقَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِيهَا: الْمُرَادُ بِهَا: الْإِمَاءُ دُون الْعَبِيدِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ، وَقَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا، لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ ¬

(¬1) وضعَّفَه الألباني. (¬2) قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) (النور: 58).

بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ، وَغُلَامُكِ» فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْغُلَامُ صَغِيرًا. قَالَ: وَهَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ الصَّوَابُ، بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَيْف يُفْتَح هَذَا الْبَابُ لِلنِّسْوَةِ الْفَاسِقَاتِ؟ مَعَ حِسَانِ الْمَمَالِيكِ، الَّذِينَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ الْفِسْقُ، بَلْ الْعَدَالَةُ فِيهِمْ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ؟ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ الْإِنْسَانُ الْإِفْتَاءَ بِأَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ يَبِيتُ وَيَقِيلُ مَعَ سَيِّدَتِهِ، مُكَرِّرًا ذَلِكَ، مَعَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الدِّينِ؟ وَكُلّ مُنْصِفٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تَسْتَقْبِحُ هَذَا وَتُحَرِّمُهُ أَشَدَّ تَحْرِيمٍ. ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَحْرَمٌ: لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا فِي الْإِمَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا» انْتَهَى كَلَام النَّوَوِيِّ. وَقَدْ اخْتَارَ التَّحْرِيمَ أَيْضًا: السُّبْكِيُّ ... وَقَالَ: إنَّ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا، لَا سِيَّمَا وَالْغُلَامُ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ بُلُوغُهُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْجَوَازِ. وَلَمْ يَحْصُلْ مَعَ ذَلِكَ خَلْوَةٌ، وَلَا مَعْرِفَةُ مَا حَصَلَ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ نَفْيُ الْبَأْسِ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي عُلِمَتْ حَقِيقَتُهَا. وَلَمْ تَجِد فَاطِمَةُ مَا يَحْصُل بِهِ كَمَالُ السَّتْرِ الَّذِي قَصَدَتْهُ. وَغَايَتُهُ: التَّعْلِيلُ بِاسْمِ الْغُلَامِ، وَهُوَ اسْمٌ لَلصَّبِيِّ، أَوْ مُحْتَمَلٌ لَهُ، وَالِاحْتِمَالُ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ. انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَفْتَيْت بِهِ مَرَّاتٍ. وَلَا أَعْتَقِدُ سِوَاهُ» (¬1). ¬

(¬1) الأشباه والنظائر (1/ 474 - 476).

الشبهة الثانية والثلاثون: ذهاب بعض الصحابيات إلى النبي في بعض حاجتهن

الشبهة الثانية والثلاثون: ذهاب بعض الصحابيات إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض حاجتهن: عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية لهما: «وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِابْنٍ لِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ». وعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ بَايِعْهُ»، فَقَالَ: «هُوَ صَغِيرٌ»، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ. (رواه البخاري). وعن السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ»، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ (¬1)» (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - ما حدث من أولئك الصحابيات من إتيان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حاجة طارئة انتهى بانتهاءها، والفتنة مأمونة لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم، فأين هذا من الاختلاط لساعات (¬2). ¬

(¬1) (الْحَجَلَة) الْحَجَلَة وَاحِدَة الْحِجَال، وَهِيَ بُيُوت تُزَيَّن بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّة وَالسُّتُور لَهَا عُرًى وَأَزْرَار، وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْحَجَلَةِ: الطَّيْر وَهُوَ الْيَعْقُوب يُقَال لِلْأُنْثَى مِنْهُ حَجَلَة، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِزِرِّهَا بَيْضَتهَا، وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ فِي حَدِيث آخَر «مِثْل بَيْضَة الْحَمَامَة». قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/ 681 - 682). وحديث «مِثْل بَيْضَة الْحَمَامَة»، (رواه الترمذي وصححه الألباني). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب. ليس في هذه الأحاديث إثبات الخلوة أو كشف حجاب أو كلام بغير المعروف؛ فالعبرة بالتزام الضوابط الشرعية، وأنى بهذه الضوابط في الاختلاط المعروف في مجتمعنا. (د/ياسر).

الشبهة الثالثة والثلاثون: حديث فاطمة بنت قيس

الشبهة الثالثة والثلاثون: حديث فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها -: عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ: «وَاللهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ»، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ»، فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ «تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي؛ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - الحديث نفسه دليل على منع الاختلاط فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمرها أن تعتَدّ عند ابن عمها عبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنه - ـ وهو رجل أعمى ـ لِئَلّا يراها الرجال. ولو كان الأمر كما يظن دعاة الاختلاط لَتَرَكها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تعتد عند أم شريك، فتجلسَ مع الرجال وتحادثَهم. 2 - هل هناك حرج في كَوْن أم شريك تفتح بيتها للضيفان ويقوم محارمها بإكرامهم والقيام على شؤونهم؟!! 3 - لم يأت في الحديث التصريح بأن أم شريك هي التي كانت تقوم بالخدمة وتقديم الطعام للرجال (¬1). 4 - هل غشيان أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لها يلزم معه الدخول عليها أو تخدمهم في باحة بيتها، فإن بيوتهم كانت حُجرًا مسقوفة، يتصل بها باحة صغيرة مكشوفة يجلس فيها الزوار، وهكذا كانت حُجرات أمهات المؤمنين، ومن ظن أن حجراتهم غُرف بلا ¬

(¬1) انظر: الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط، للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان.

باحات فقد غلطَ وجهل (¬1). فالحديث ليس صريحًا في الدلالة على اختلاط أم شريك بالرجال، ومن زعم أنها كانت تجلس مع الرجال، فليأت بدليل صريح على ذلك، فغاية ما في الحديث أنها كانت كثيرة الضيفان، كما دلت عليه رواية أخرى لمسلم: «وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَظِيمَةُ النَّفَقَةِ فِى سَبِيلِ اللهِ يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ»، وخدمة الضيفان من الممكن أن تتم عن طريق المحارم أو العبيد. والسؤال هنا: لماذا منع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - أن يراها الناس عند أم شريك في الوقت الذي صرح فيه بأن أم شريك امرأة يغشاها أصحابه المحتاجون إلى نفقتها وضيافتها؟ والجواب: إن أم شريك امرأة عجوز من القواعد من النساء اللاتي يجوز لهن ما لا يجوز لغيرهن. قال الإمام ابن عبد البر: «وأما قوله «وأما قوله: « ... تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي؛ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» ففيه دليل على أن المرأة المُتَجَالة العجوز الصالحة جائز أن يغشاها الرجال في بيتها ويتحدثون عندها، وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم، ويرونها، وتراهم فيما يحِلّ ويجْمُل وينفع ولا يضر، قال الله - عز وجل -: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} (النور:60)» (¬2). ¬

(¬1) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. (¬2) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار. (6/ 167).

وقال أيضًا: «وأما قوله: «تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي؛ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»، ففيه دليل على أن المرأة الصالحة المتَجَالّة لا بأس أن يغشاها الرجال ويتحدثون عندها» (¬1). والمتَجَالّة هي المرأة التي قد تَجالَّتْ، أَي أَسَنَّت وكَبِرَتْ وعجزت (¬2). 3 - لم يعلق العلماء على انتقال فاطمة إلى بيت ابن عمها بأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه هل في ذلك خلوة أم لا؟ لأن هذا الأمر معلوم عندهم بالضرورة، فلا يصح أبدًا أن ينقلها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الرمضاء إلى النار ـ بمعنى أنه لا يمنعها من نظرة فينقلها إلى خلوة وإنما ينقلها إلى حيث الأمان من الخلوة ومن النظر وغيره. 4 - يفهم دعاة الاختلاط هذا الحديث في ضوء ما يحدث في الوقت الحاضر من اختلاط النساء بغير محارمهن من الضيوف وغيرهم، وأنَّى لهم ذلك، وإن من التعسف فهم الحديث في ضوء واقعنا المعاصر حيث الأصل اختلاط النساء بالرجال غير المحارم، والاحتجاب هو الاستثناء. إن احتجاب النساء عن الرجال الأجانب ظل هو الأصل حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين الميلادي عندما بدأ بعض المغرورين ينخدع بحركة ما يسمى (تحرير المرأة). وإذا قرأت ما سطره علماء الحملة الفرنسية الصليبية على مصر، من وصف للمجتمع المصري في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر، وجدت أن ستر الوجه عند الخروج من المنزل، وعدم الاختلاط حتى داخل البيوت كان هو الأصل عند حكام البلاد وعامة الشعب. ¬

(¬1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 153). (¬2) لسان العرب، (مادة: جلل).

ومما قالوه: «النساء في كل الظروف لا يخرجن مطلقًا سافرات الوجوه، بل يغطين وجوههن بالبرقع ... ولا يدخل الرجال مطلقًا ـ فيما عدا بعض الأهل الأقربين ـ إلى مسكن السيدات ... ولم يستطع الرحالة السابقون على الغزو أن يتعرفوا على أحوال سيدات الطبقة المسيطرة، وذهبت أدراج الرياح كل توسلاتهم اللحوح؛ فلم يكن عظماء مصر ليسمحوا لأحد بأن يتطلع إلى جمال زوجاتهم» (¬1). فإذا كان هذا حال المسلمين في تلك القرون فما ظنك بخير القرون الذي عاش فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

(¬1) وصف مصر (1/ 64 - 65) تأليف ج دي شابرول، ترجمة زهير الشايب.

الشبهة الرابعة والثلاثون: هل سافرت بنت رسول الله مع غير محارمها؟

الشبهة الرابعة والثلاثون: هل سافرت بنتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مع غير محارمها؟ قصة طلب النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - من العاص بن الربيع زوج ابنته زينب - رضي الله عنها - أن يرسلها من مكة حينما يصل بعد إطلاق سراحه وأرسل النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - زيدًا بن حارثة ورجُلًا من الأنصار ليأتيا بها، كيف تسافر زينب - رضي الله عنها - من مكة إلى المدينة فى صحبة رجلين أجنبيَّيْن عنها، وكان هذا بعلم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ الجواب: 1 - يمكن ان يجاب بأن هذا السفر كان قبل نزول الحكم، كان هذا قبل فرض الحجاب وقبل المنع. 2 - وحتى لو كان بعد المنع فهذا السفر يسمى سفر الهجرة , وهو مما أجمع أهل العلم على جواز سفر المرأة فيها بمفردها إذا أمنت الفتنة، لأن الهجرة واجبة. نص الحديث: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ عِنْدَ خَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا»، فَقَالُوا: «نَعَمْ»، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا» (رواه أبو داود وحسنه الألباني).

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: (لَمَّا بَعَثَ أَهْل مَكَّة فِي فِدَاء أُسَرَائِهِمْ): جَمْع أَسِير، وَذَلِكَ حِين غَلَبَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْم بَدْر فَقَتَلَ بَعْضهمْ وَأَسَرَ بَعْضهمْ وَطَلَبَ مِنْهُمْ الْفِدَاء. (بَعَثْت زَيْنَب): أَيْ بِنْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وآله وسلم -. (فِي فِدَاء أَبِي الْعَاصِ): أَيْ زَوْجهَا. (بِقِلَادَةٍ) هِيَ مَا يُجْعَل فِي الْعُنُق. (كَانَتْ): أَيْ الْقِلَادَة. (أَدْخَلَتْهَا): أَيْ أَدْخَلَتْ خَدِيجَة الْقِلَادَة. (بِهَا): أَيْ مَعَ زَيْنَب. (عَلَى أَبِي الْعَاصِ): وَالْمَعْنَى دَفَعَتْهَا إِلَيْهَا حِين دَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو الْعَاصِ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ (فَلَمَّا رَآهَا): أَيْ الْقِلَادَة. (رَقَّ لَهَا): أَيْ لِزَيْنَب يَعْنِي لِغُرْبَتِهَا وَوَحْدَتهَا، وَتَذَكَّرَ عَهْد خَدِيجَة وَصُحْبَتهَا، فَإِنَّ الْقِلَادَة كَانَتْ لَهَا وَفِي عُنُقهَا. (قَالَ): أَيْ لِأَصْحَابِهِ (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا): أَيْ لِزَيْنَب (أَسِيرهَا): يَعْنِي زَوْجهَا (وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا): أَيْ مَا أَرْسَلْت. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَفْعُول الثَّانِي لِرَأَيْتُمْ وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوفَانِ أَيْ إِنْ رَأَيْتُمْ الْإِطْلَاق وَالرَّدّ حَسَنًا فَافْعَلُوهُمَا. (قَالُوا نَعَمْ): أَيْ رَأَيْنَا ذَلِكَ. (أَخَذَ عَلَيْهِ): أَيْ عَلَى أَبِي الْعَاصِ عَهْدًا. (أَنْ يُخَلِّي سَبِيل زَيْنَب إِلَيْهِ): أَيْ يُرْسِلهَا إِلَى النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَيَأْذَن بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ الْقَاضِي: وَكَانَتْ تَحْت أَبِي الْعَاصِ زَوْجهَا مِنْهُ قَبْل الْمَبْعَث. (كُونَا): أَيْ قِفَا. (بِبَطْنِ يَأْجِجَ):هُوَ مَوْضِع قَرِيب مِنْ التَّنْعِيم، وَقِيلَ مَوْضِع أَمَام مَسْجِد عَائِشَة. وَقَالَ الْقَاضِي: بَطْن يَأْجِجَ مِنْ بُطُون الْأَوْدِيَة الَّتِي حَوْل الْحَرَم، وَالْبَطْن الْمُنْخَفِض مِنْ الْأَرْض.

(حَتَّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَب): أَيْ مَعَ مَنْ يَصْحَبُهَا. (حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا): أَيْ إِلَى الْمَدِينَة. وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز خُرُوج الْمَرْأَة الشَّابَّة الْبَالِغَة مَعَ غَيْر ذِي مَحْرَم لِضَرُورَةٍ دَاعِيَة لَا سَبِيل لَهَا إِلَّا إِلَى ذَلِكَ. كَذَا فِي الشَّرْح (¬1)» اهـ. فهذا من سفر الهجرة. وقال الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه لباب (سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ إِلَى حَجٍّ وَغَيْرِهِ) من صحيح مسلم: «قَالَ الْقَاضِي (أي القاضي عياض - رحمه الله -): «وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُج فِي غَيْر الْحَجّ وَالْعُمْرَة إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم إِلَّا الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِر مِنْهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَم، وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ إِقَامَتهَا فِي دَار الْكُفْر حَرَام إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَار الدِّين، وَتَخْشَى عَلَى دِينهَا وَنَفْسهَا» (¬2). والقاعدة الشرعية: (الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ) فمتى ما وجدت الضرورة جاز فعل المحظور، وإذا كانت الضرورة تبيح المحَرَّم قطعيًّا كأكل الميتة بنص الكتاب، فما كان تحريمه تحريم وسيلة أولى، فمنع المرأة من سفرها بدون محرم ليس كتحريم شرب الخمر والميتة والزنا، بل هو كتحريم النظر إلى المرأة الأجنبية، فكما أنه يجوز النظر إلى الأجنبية في الشهادة والتطبب بشرطه، جاز السفر للهجرة بالإجماع، ويبقى النظر في الضرورة. 3 - ذكر الامام الطحاوى فى (مشكل الآثار) أن زيدَ بنَ حارثة كان أخاها بالتّبَنّى (قبل تحريم التَّبَنّى) ولذا فقد كان محرمًا لها وقتئذ؛ فهنا لا إشكال. قال - رحمه الله -: « ... عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمَّا قَدِمَ ¬

(¬1) قوله (كذا في الشرح) أي (غاية المقصود في حل سنن أبي داوود) لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي الهندي. (¬2) شرح صحيح مسلم (9/ 104).

الْمَدِينَةَ، خَرَجَتْ ابْنَتُهُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ بَنِي كِنَانَةَ، فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهَا، فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا حَتَّى صَرَعَهَا، فَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا. فَانْطَلَقَ بِهَا وَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّة؛ فَقَالَ بَنُو أُمَيَّةَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا!. وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهِمْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدَ بِنْتِ رَبِيعَةَ، وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدُ: هَذَا فِي سَبَبِ أَبِيك! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - عليه السلام - لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «أَلَا تَنْطَلِقُ فَتَجِيءُ بِزَيْنَبِ؟». فَقَالَ: «بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ». قَالَ: «فَخُذْ خَاتَمِي هَذَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ». قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَلْطُفُ، وَتَرَكَ بَعِيرَهُ حَتَّى أَتَى رَاعِيًا فَقَالَ: «لِمَنْ تَرْعَى؟».فَقَالَ: لِأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ. قَالَ: «فَلِمَنْ هَذِهِ الْغَنَمُ؟».قَالَ: «لِزَيْنَبِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ - عليه السلام -». فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك شَيْئًا تُعْطِيَهَا إيَّاهُ وَلَا تَذْكُرَهُ لِأَحَدٍ؟» قَالَ: «نَعَمْ»، فَأَعْطَاهُ الْخَاتَمَ، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ، وَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ، فَقَالَتْ: «مَنْ أَعْطَاك هَذَا؟» قَالَ: «رَجُلٌ!». قَالَتْ: «وَأَيْنَ تَرَكْتَهُ؟»، قَالَ: «مَكَانَ كَذَا، وَكَذَا». فَسَكَنَتْ، حَتَّى إذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَتْ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: «ارْكَبِي بَيْنَ يَدَيَّ». قَالَتْ: «لَا، وَلَكِنْ ارْكَبْ أَنْتَ».

فَرَكِبَ، وَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ (¬1)، حَتَّى أَتَتْ النَّبِيَّ - عليه السلام - (¬2). قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَجِبُ تَأَمُّلُهُ، وَالْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى فِيهِ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ - عليه السلام - لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: «أَلَا تَنْطَلِقُ فَتَجِيءُ بِزَيْنَبِ»، وَزَيْدٌ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا، وَلَا بِزَوْجٍ لَهَا، وَقَدْ نَهَى - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَرُوِيَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ بَعْضُهَا مُطْلَقٌ بِلَا ذِكْرِ وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِذَلِكَ السَّفَرِ، وَبَعْضُهَا فِيهِ ذِكْرُ مِقْدَارِ ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ الزَّمَانِ، وَفِي بَعْضِهَا: إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا. غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - عليه السلام - فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إطْلَاقِهِ لِزَيْدٍ السَّفَرَ بِزَيْنَبِ، فَوَجَدْنَا زَيْدًا قَدْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي تَبَنِّي رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إيَّاهُ، حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ بِذَلِكَ: زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إلَى أَنْ نَسَخَ اللهُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَهُ مِنْ بُنُوَّتِهِ، وَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (الأحزاب: 40)، وَبِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُتَبَنَّيْنَ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ... (الأحزاب: 5)، وَبِقَوْلِهِ تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} (الأحزاب: 4)، وَبِمَا أُنْزِلَ فِي زَيْدٍ خَاصَّةً فِي إبَاحَتِهِ تَزْوِيجَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ زَوْجًا لِزَيْدٍ، وَبِمَا أُنْزِلَ فِي ذَلِكَ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا}. ¬

(¬1) إرداف المحرم لا شئ فيه وزيد من محارمها في ذلك الوقت كما سيأتي. (¬2) رواه الحاكم في المستدرك وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وقوَّى إسناده ابن حجر، وصححه ابن خزيمة والحاكم.

فَوَقَفْنَا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ أَمَرَ بِهِ - عليه السلام - زَيْدًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي زَيْنَبَ وَفِي إبَاحَتِهِ لَهَا وَلَهُ السَّفَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ؛ كَانَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ زَيْدٌ فِيهَا أَخًا لِزَيْنَبِ، فَكَانَ بِذَلِكَ مَحْرَمًا لَهَا، جَائِزًا لَهُ السَّفَرُ بِهَا، كَمَا يَجُوزُ لِأَخٍ لَوْ كَانَ لَهَا مِنْ النَّسَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهَا، فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، واللهُ أَعْلَمُ» (¬1). ¬

(¬1) مشكل الآثار (1/ 88 - 90).

الشبهة الخامسة والثلاثون: حديث أبي السنابل بن بعكك مع سبيعة بنت الحارث

الشبهة الخامسة والثلاثون: حديث أَبي السَّنَابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ مع سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ: أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ ـ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ـ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ـ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ـ فَقَالَ لَهَا: «مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ (¬1) النِّكَاحَ؛ فَإِنَّكِ وَاللهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ». قَالَتْ سُبَيْعَةُ: «فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: لا يُظَنُّ بسبيعة - رضي الله عنها - أنها تزينت للخطاب في الأسواق والطرقات، ومن ظن ذلك فقد أساء فهم النص، فسبيعة - رضي الله عنها - صحابية جليلة روى عنها فقهاء المدينة، فحاشاها أن تخرج إلى الأسواق والطرقات متجملة سافرة الوجه طلبًا للخطاب، ومن قال بهذا فقد نسب إليها ما لا يليق بها. فغاية ما في الروايات عنها أنها كانت تتجمل داخل بيتها بعدما انقضت عدتها، وأبو السنابل قد رآها من جملة من رآها من الخطاب داخل بيتها، وفي رواية للبخاري: «وَكَانَ ¬

(¬1) (تُرَجِّينَ) بالضم والتشديد، من الرجاء وهو الأمل. (انظر: مقدمة فتح الباري ص 161).

أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا» (¬1). وفي رواية أخرى للبخاري: «فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الْأَجَلَيْنِ»، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ، ثُمَّ جَاءَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «انْكِحِي». ومما يؤيد ذلك رواية الإمام أحمد في (المسند) عن سُبَيْعَةَ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ فَتُوُفِّىَ عَنِّى فَلَمْ أَمْكُثْ إِلاَّ شَهْرَيْنِ حَتَّى وَضَعْتُ. فَخَطَبَنِى أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ أَخُو بَنِى عَبْدِ الدَّارِ فَتَهَيَّأْتُ لِلنِّكَاحِ. فَدَخَلَ عَلَىَّ حَمَوَىَّ وَقَدِ اخْتَضَبْتُ وَتَهَيَّأْتُ، فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدِينَ يَا سُبَيْعَةُ؟».قَالَتْ: «فَقُلْتُ: «أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ». قَالَ: «وَاللهِ مَا لَكِ مِنْ زَوْجٍ حَتَّى تَعْتَدِّى أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». قَالَتْ: «فَجِئْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِى «قَدْ حَلَلْتِ فَتَزَوَّجِى». (صححه الأرنؤوط). والمرأة يجوز أن تنكشف للخطاب. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «وَفِيهِ (أي في الحديث) جَوَازُ تَجَمُّلِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِمَنْ يَخْطُبُهَا» (¬2). ويلزم دعاة الاختلاط أن يبيحوا للمرأة أن تتزين للأجانب مطلقًا؛ إذ إن في الحديث أنها تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ، فهل يقولون أن المرأة الأجنبية لها أن تبدي زينتها أمام الرجال الأجانب؛ إن هذا لم يقل بهذا أحد من أهل العلم بل هو مخالف للحكمة التي نزل الحجاب من أجلها. ¬

(¬1) الجهد وحده دون مستند شرعي في إباحة الاختلاط لا يكفي لإثبات الأحكام، علي أبا بطين، عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالقصيم. (¬2) فتح الباري (9/ 475).

الشبهة السادسة والثلاثون: دخل أعرابي على نبي الله وهو في بيتي

الشبهة السادسة والثلاثون: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِي: عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ - رضي الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: «يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ»، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ» (رواه مسلم) (¬1). الجواب: 1 - أُمُّ الفَضْلِ هي لُبَابَةُ بِنْتُ الحَارِثِ، زَوْجَةُ العَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأُمُّ أَوْلاَدِهِ الرِّجَالِ السِّتَّةِ النُّجَبَاءِ، وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةَ، وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَأُخْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لأُمِّهَا (¬2). كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيت عمه العباس - رضي الله عنه - فدخل عليه هذا الأعرابي، وليس هناك دليل على أن أم الفضل كانت جالسة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والأعرابي، وليس هناك دليل على خلو البيت من المَحْرَم، ومن زعم غير ذلك فليأتِنا بالدليل؛ فهذا الأمر واضح لا يحتاج إلى بيان؛ لأنه لا يُعقل أن يخالف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قولَه بفعلِه ـ وحاشاه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو القدوة والأسوة. فمن الممكن أن تكون أم الفضل قد سمعت ذلك من وراء حجاب، بل هو المتبادر ¬

(¬1) قَوْله: (اِمْرَأَتِي الْحُدْثَى) أَيْ الْجَدِيدَة. وَ (الْإِمْلَاجُة) هِيَ الْمَصَّة يُقَال مَلَجَ الصَّبِيّ أُمّه وَأَمْلَجَتْهُ. (باختصار من شرح الإمام النووي لهذا الحديث من صحيح مسلم (10/ 30). (¬2) سير أعلام النبلاء (2/ 316).

للذهن من تصورنا لواقع الصحابة - رضي الله عنهم -، ومن الممكن أن يكون زوجها أو أحد أبنائها قد روى لها هذا الموقف. 2 - لفظة الحديث نصت على دخول الأعرابي على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا عليها، وإلا لقالت: «دخل أعرابي علينا» مما يدل انها لم تكن معهما في ذات المكان (¬1). 3 - على فرض صحة استدلالهم فليس لهم فيه حجة فقد يكون ذلك قبل نزول آيات الحجاب، وقد يكون ذلك خاصًا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. 4 - هذا الصحابي أتى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حاجة فأين هذا من الاختلاط لساعات (¬2). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 201). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة السابعة والثلاثون: دخول رسول الله على ضباعة بنت الزبير

الشبهة السابعة والثلاثون: دُخُولَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟»، قَالَتْ: «وَاللهِ لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً»، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر بْن عَبْد الْمُطَّلِب الْهَاشِمِيَّة بِنْت عَمّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَعَلّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل في حاجة ـ كعيادتها في مرضها ـ مع وجود المحرم، أو أن هذا الحكم خاصٌّ به - صلى الله عليه وآله وسلم - لكونه معصومًا. والذي يدفعنا إلى هذين الاحتمالين ما سبق ذكره من نصوص محكمة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنهى عن الدخول على النساء، ولا يُعقَل أن يخالفنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ما ينهانا عنه، قال الله - عز وجل - على لسان شعيب - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود: 88). والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أتقانا لله وأخشانا له. فيجب رد المتشابه إلى المحكم وفهمه في ضوئه. قَالَ الإمَامُ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬1). 2 - على فرض صحة استدلالهم فغاية ما يستدل به جواز مثل هذا الدخول بالضوابط الشرعية حيث لا خلوة، ولا خوف فتنة، ولا تبرج، ودعت إليها حاجة من صلة رحم أو عيادة مريض. وشتان بين هذا السؤال العابر مع أمن الفتنة، وبين الاختلاط لساعات في العمل أو الدراسة مع الفتنة (¬2). ¬

(¬1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الثامنة والثلاثون: ما لك يا أم السائب تزفزفين؟

الشبهة الثامنة والثلاثون: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ؟ عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ ـ أَوْ أُمِّ الْمُسَيَّبِ ـ فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ ـ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيَّبِ ـ تُزَفْزِفِينَ؟» (¬1). قَالَتْ: «الْحُمَّى؛ لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا». فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» (رواه مسلم). الجواب: 1 - نفس الجواب على الشبهة السابقة (حديث ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر بْن عَبْد الْمُطَّلِب)، فلعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل في حاجة ـ كعيادتها في مرضها ـ مع وجود المحرم، أو أن هذا الحكم خاصٌّ به - صلى الله عليه وآله وسلم - لكونه معصومًا. والذي يدفعنا إلى هذين الاحتمالين ما سبق ذكره من نصوص محكمة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنهى عن الدخول على النساء، ولا يُعقَل أن يخالفنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ما ينهانا عنه، قال الله - عز وجل - على لسان شعيب - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود: 88). والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أتقانا لله وأخشانا له. فيجب رد المتشابه إلى المحكم وفهمه في ضوئه. قَالِ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ ¬

(¬1) (تُزَفْزِفِينَ) مَعْنَاهُ تَتَحَرَّكِينَ حَرَكَة شَدِيدَة، أَيْ تَرْعَدِينَ. (قاله الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (16/ 131).

الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬1). 2 - على فرض صحة استدلالهم فغاية ما يستدل به جواز مثل هذا الدخول بالضوابط الشرعية حيث لا خلوة، ولا خوف فتنة، ولا تبرج، ودعت إليها حاجة من صلة رحم أو عيادة مريض. وشتان بين هذا السؤال العابر مع أمن الفتنة، وبين الاختلاط لساعات في العمل أو الدراسة مع الفتنة (¬2). ¬

(¬1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة التاسعة والثلاثون: خذى من يد النبى

الشبهة التاسعة والثلاثون: خُذِى مِنْ يَدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: عن أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى، قَالَا: «لَمَّا هَلَكَتْ خَدِيجَةُ، جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ ـ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ـ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا تَزَوَّجُ؟»، قَالَ: «مَنْ؟»، قَالَتْ: «إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا؟»، قَالَ: «فَمَنِ الْبِكْرُ؟»، قَالَتْ: «ابْنَةُ أَحَبِّ خَلْقِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَيْكَ ـ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ»، قَالَ: «وَمَنِ الثَّيِّبُ؟»، قَالَتْ: «سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، آَمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ عَلَى مَا تَقُولُ»، قَالَ: «فَاذْهَبِي فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ». فَدَخَلَتْ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ: «يَا أُمَّ رُومَانَ، مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟»، قَالَتْ: «وَمَا ذَاكَ؟»، قَالَتْ: «أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ»، قَالَتْ: «انْتَظِرِي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى يَأْتِيَ»، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ عَلَيْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟»، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟»، قَالَتْ: «أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَخْطُبُ عَلَيْهِ عَائِشَةَ». فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ ... قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - ـ في قصة زواجها من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ: «فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ مِنَ الْخَزْرَجِ فِي السُّنْحِ»، قَالَتْ: «فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَدَخَلَ بَيْتَنَا وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَنِسَاءٌ، فَجَاءَتْنِى أُمِّى وَإِنِّى لَفِى أُرْجُوحَةٍ بَيْنَ عَذْقَيْنِ تَرْجَحُ بِى فَأَنْزَلَتْنِى مِنَ الأُرْجُوحَةِ وَلِى جُمَيْمَةٌ فَفَرَقَتْهَا وَمَسَحَتْ وَجْهِى بِشَىْءٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ أَقْبَلَتْ تَقُودُنِى حَتَّى وَقَفَتْ بِى عِنْدَ الْبَابِ وَإِنِّى لأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ مِنْ نَفْسِى ثُمَّ دَخَلَتْ بِى فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَالِسٌ عَلَى سَرِيرٍ فِى بَيْتِنَا وَعِنْدَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَجْلَسَتْنِى فِى حِجْرِهِ ثُمَّ قَالَتْ: «هَؤُلاَءِ أَهْلُكِ فَبَارَكَ اللهُ لَكِ فِيهِمْ وَبَارَكَ لَهُمْ فِيكِ». فَوَثَبَ

الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَخَرَجُوا وَبَنَى بِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى بَيْتِنَا» (¬1). وعن شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ ـ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ ـ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ: «لاَ أَشْتَهِيهِ». فَقَالَتْ: «إِنِّى قَيَّنْتُ عَائِشَةَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ جِئْتُهُ فَدَعَوْتُهُ لِجِلْوَتِهَا فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهَا فَأُتِىَ بِعُسِّ لَبَنٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا وَاسْتَحْيَتْ». قَالَتْ أَسْمَاءُ: «فَانْتَهَرْتُهَا وَقُلْتُ لَهَا خُذِى مِنْ يَدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -».قَالَتْ: «فَأَخَذَتْ فَشَرِبَتْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَعْطِى تِرْبَكِ». قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، بَلْ خُذْهُ فَاشْرَبْ مِنْهُ ثُمَّ نَاوِلْنِيهِ مِنْ يَدِكَ، فَأَخَذَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَنِيهِ. قَالَتْ: فَجَلَسْتُ ثُمَّ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِى ثُمَّ طَفِقْتُ أُدِيرُهُ وَأَتْبَعُهُ بِشَفَتَىَّ لأُصِيبَ مِنْهُ مَشْرَبَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثُمَّ قَالَ لِنِسْوَةٍ عِنْدِى «نَاوِلِيهِنَّ». فَقُلْنَ لاَ نَشْتَهِيهِ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - «لاَ تَجْمَعْنَ جُوعًا وَكَذِبًا فَهَلْ أَنْتِ مُنْتَهِيَةٌ أَنْ تَقُولِى لاَ أَشْتَهِيهِ». فَقُلْتُ: «أَىْ أُمَّهْ لاَ أَعُودُ أَبَدًا» (¬2). الجواب: هذان الحديثان ليس فيهما حجة لدعاة الاختلاط؛ فدخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعائشة - رضي الله عنها - ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد في المسند، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «إسناده حسن»، والعَذْقُ النَّخْلَةُ بحَمْلِها، والجُمَيْمَةٌ تصغير جُمَّةُ وهي مُجْتَمَعُ شَعَرِ الرأسِ، والنَّهَجُ: تَتابُعُ النَّفَسِ، (انظر: القاموس المحيط، (مادة: عذق، جمم، نهج). (¬2) رواه الإمام أحمد في (المسند)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «إسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب»، وصححه الألباني، والترب: المساوي فى السن، والجلوة: النظر إليها متزينة مكشوفة ظاهرة، قَيَّنْتُ: زَيَّنْتُ.

كان قبل نزول آيات الحجاب؛ فقد ورد أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - بنى بعائشة - رضي الله عنها - في السنة الأولى من الهجرة، في شوال بعد مهاجره في ربيع الأول، وقيل: كان ذلك بعد غزوة بدر في السنة الثانية. قال الحافظ ابن كثير: «دَخَلَ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ بَعْدَ بَدْرٍ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ» (¬1). وقد فُرِضَ الحجاب على المؤمنات سنة خمس للهجرة. ¬

(¬1) البداية والنهاية (11/ 337).

الشبهة الأربعون: دخل أبو بكر وعندى جاريتان من جوارى الأنصار

الشبهة الأربعون: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، ـ قَالَتْ: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» ـ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: «أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِى بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، وَذَلِكَ فِى يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا». (رواه البخاري ومسلم، وهذا لفظ البخاري). وفي رواية أخرى لمسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِى أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ وَرَسُولُ الله ِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مُسَجًّى بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَنْهُ وَقَالَ «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ». وَقَالَتْ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَأَنَا جَارِيَةٌ، فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ». الجواب: 1 - قال الحافظ ابن رجب: «هذا كان قبل نزول الحجاب» (¬1). 2 - الجاريتان المذكورتان دون البلوغ. قال القرطبي: «الجارية في النساء كالغلام في الرجال، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما؛ ولذلك قالت عائشة - رضي الله عنها - عن نفسها: «فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ»؛ أي: الصغيرة، ... وقيل: المشتهية للَّعب؛ كما قال في الرواية الأخرى: «الحَرِيصَة عَلَى اللَّهْو» بدل: «العَرِبَة». ¬

(¬1) فتح الباري (6/ 73 (.

وقولها: «تُغَنِّيَان»؛ أي: ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب، وهو المسمَّى عندهم بالنصب، وهو إنشاد بصوت رقيق فيه تمطيط، وهو يجري مجرى الحداء» (¬1). وقال القاضي عياض: «وقوله: (وَعِنْدِى جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِى الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ)، قال الإمام: الغناء باَلة يمنع، وبغير آلةِ اختلف الناس فيه، فمنعه أبو حنيفة، وكرهه الشافعى ومالك، وحكى أصحاب الشافعى عن مالك أن مذهبه الإجازة من غير كراهة. قال القاضى: المعروف عن مالك فيه المنعُ لا الإجازةُ، ومثل هذه القصة لعائشة وهى حينئذ ـ والله أعلم ـ بقرب ابتنائه بها، وفى سن من لم يُكَلّفُ. وفى أول الأمر، ومعها جاريتان من سِنِّها، ثم ما أنشدتاه ليس فيه شعرٌ بسب ولا رفث؛ لأنه قال «بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ»، وإنما هى من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور، والغلبة، وكل هذا مما لا يهيج على مثلِهِنَّ شرًّا، ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه، وانما هو رفع الصوتِ بالإنشاد، اْلا ترى قوله فى الحديث: «وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ» أى ليستا ممن يغنى بما جرت به عادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال مما يحرك النفوس، ويبعث الهوى والغزل، كما قيل: «الغناء رقية الزنا»، أو: ليستا أيضًا ممن اشتُهِر وعُرِفَ بالإحسان فى الغناء الذى فيه تمطيطٌ وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخد هذا صناعة وكسبًا، وقد تقدم أن الجهر ورفع الصوت تسميه العربُ غناءً، ألا ترى كيف قال فى الرواية الأخرى: (بِغِنَاءِ بُعَاث)، فسمى أشعارَهم غناءً، وليس مجرد الإنشاد والترنم على عادة العرب من الغناء المختلف فيه» (¬2). ¬

(¬1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (8/ 10). (¬2) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (3/ 168).

الشبهة الحادية والأربعون: امرأة سوداء كانت تقم المسجد

الشبهة الحادية والأربعون: امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ فَقَالُوا: «مَاتَ»، قَالَ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟» (¬1)، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ». (رواه البخاري ومسلم). قالوا: هذا دليل على دخول المرأة أماكن الرجال. الجواب: 1 - الحديث ليس صريحًا أن مَن كان يَقُمُّ الْمَسْجِد ـ أَيْ يكْنُسهُ ـ امرأةً وليس رجلًا فهناك شك من أحد الرواة (امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا)، (أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ). 2 - على فرض أن مَن كان يكنُس المسجد امرأة فأين الدليل أنها كانت تكنسه في حضرة الرجال، مَن زعم ذلك فليأتنا بالدليل؟!! 3 - لماذا يتخيل دعاة الاختلاط أنها كانت تكنسه أثناء وجود الرجال مع أن اليوم أربعٌ وعشرون ساعة، فلا يُعقل أنها كانت تنظف المسجد أثناء انشغال الرجال والنساء بالصلاة، وهي فترة وجود الرجال بالمسجد. ومحاولة إيراد عمل المرأة في المسجد وحشرها في الأربع ساعات، وترك العشرين ساعة لا يليق بحامل قلم، ثم هي لا تعمل كل يوم قطعًا، فمساجدهم كانت ترابًا لا فراشًا، ولا يظهر فيها ما دقَّ كمساجدنا (¬2). 4 - إن هؤلاء عندما لا يجدون في الدليل ما يشتهون يتخيلون صورة معينة في أذهانهم ثم يستدلون بها لا بالدليل نفسه. ¬

(¬1) (أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي) أَيْ أَعْلَمْتُمُونِي، وَفِيهِ دَلَالَة لِاسْتِحْبَابِ الْإِعْلَام بِالْمَيِّتِ، (من شرح صحيح مسلم للنووي). (¬2) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.

الشبهة الثانية والأربعون: لما أصيب سعد بن معاذ، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة

الشبهة الثانية والأربعون: لما أصيب سعد بن معاذ، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة: عن محمود بن لبيد قال: «لما أصيب أكحل (¬1) سعد يوم الخندق فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا مر به يقول: «كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟» وإذا أصبح قال: «كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟» فيخبره .... ». (رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى)، وقال الألباني في (السلسلة الصحيحة، برقم 1158): «إسناده صحيح»). الجواب: 1 - غزوة الخندق كانت عام 3هـ قبل نزول آيات الحجاب. 2 - لا مانع من تطبيب المرأة للرجل إن كانت هناك ضرورة، ولم يوجد من الرجال من يقوم بذلك، وهذا مع الضوابط الشرعية من عدم الخلوة وعدم اللمس أو النظر إلا إلى موضع الحاجة فقط. ¬

(¬1) الأكحل: وريد في وسط الذراع (المعجم الوسيط، مادة كحل).

الشبهة الثالثة والأربعون: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه

الشبهة الثالثة والأربعون: وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ: قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في خطبة الوداع: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ (¬1)، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (رواه مسلم). وفي رواية الترمذي وابن ماجه ـ والتي حسنها الألباني ـ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا (¬2)، إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى ¬

(¬1) قال الإمام النووي: «فِيهِ الْحَثّ عَلَى مُرَاعَاة حَقّ النِّسَاء وَالْوَصِيَّة بِهِنَّ وَمُعَاشَرَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث كَثِيرَة صَحِيحَة فِي الْوَصِيَّة بِهِنَّ وَبَيَان حُقُوقهنَّ، وَالتَّحْذِير مِنْ التَّقْصِير فِي ذَلِكَ، وَقَدْ جَمَعْتهَا أَوْ مُعْظَمهَا فِي رِيَاض الصَّالِحِينَ .... قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجهنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) قِيلَ: مَعْنَاهُ قَوْله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة:229)، وَقِيلَ: الْمُرَاد كَلِمَة التَّوْحِيد وَهِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله، مُحَمَّد رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ إِذْ لَا تَحِلّ مُسْلِمَة لِغَيْرِ مُسْلِم، وَقِيلَ: الْمُرَاد بِإِبَاحَةِ اللهِ، وَالْكَلِمَة قَوْله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: 3)، وَهَذَا الثَّالِث هُوَ الصَّحِيح، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا. وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم أَمَّا الضَّرْب الْمُبَرِّح فَهُوَ الضَّرْب الشَّدِيد الشَّاقّ، وَمَعْنَاهُ اِضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا لَيْسَ بِشَدِيدٍ وَلَا شَاقّ. قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقهنَّ وَكِسْوَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فِيهِ وُجُوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَكِسْوَتهَا وَذَلِكَ ثَابِت بِالْإِجْمَاعِ». (باختصار من شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (8/ 184). (¬2) قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: «قَوْله (اِسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ. (عَوَان) جَمَعَ عَانِيَة بِمَعْنَى الْأَسِيرَة. (غَيْر ذَلِكَ) أَيْ غَيْر الْأَمْر الْمَعْهُود الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ نِكَاحُهُنَّ. ... = = قَوْله (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ إِلَخْ) أَيْ لَا تَمْلِكُونَ غَيْر ذَلِكَ فِي وَقْت إِلَّا وَقْت إِتْيَانهنَّ بِفَاحِشَةِ مُبَيِّنَة أَيْ ظَاهِرَة فُحْشًا وَقُبْحًا وَالْمُرَاد النُّشُوز وَشَكَاسَة الْخُلُق وَإِيذَاء الزَّوْج وَأَهْله بِاللِّسَانِ وَالْيَد لَا الزِّنَا؛ إِذْ لَا يُنَاسِب (ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح) وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِم لِقَوْلِهِ تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (النساء: 34) الْآيَة؛ فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْمُرَاد بِالضَّرْبِ فِيهَا هُوَ الضَّرْب الْمُتَوَسِّط لَا الشَّدِيد. (وَالْمَضَاجِع) الْمَرَاقِد أَيْ فَلَا تُدْخِلُوهُنَّ تَحْت اللُّحُف وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ فَيَكُون كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع. (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) فِي تَرْك النُّشُوز. (فَلَا تَبْغُوا إِلَخْ) بِالتَّوْبِيخِ وَالْأَذِيَّة أَيْ فَأَزِيلُوا عَنْهُنَّ التَّعَرُّض وَاجْعَلُوا مَا كَانَ مِنْهُنَّ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَإِنَّ التَّائِب مِنْ الذَّنْب كَمَنْ لَا ذَنْب لَهُ.

نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ». الجواب: ليس معنى الحديث أن مَن أذن له الزوج بالدخول في غيبته مِن غير محارم المرأة يباح للمرأة أن تأذن له، ولو كان الأمر كذلك فلا معنى للأحاديث التي تنهى المرأة عن الخلوة والاختلاط بالرجال الأجانب؛ بل معنى الحديث ألا تأذن الزوجة لأحد بدخول من يكره الزوج دخوله إلى بيت زوجها حتى لو كان من محارمها أو من النساء. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح) ... مَعْنَاهُ أَلَّا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ فِي دُخُول بُيُوتكُمْ وَالْجُلُوس فِي مَنَازِلكُمْ سَوَاء كَانَ الْمَأْذُون لَهُ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا أَوْ اِمْرَأَة أَوْ أَحَدًا مِنْ مَحَارِم الزَّوْجَة؛ فَالنَّهْي يَتَنَاوَل جَمِيع ذَلِكَ» (¬1). وقال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه: «(فَلَا يُوطِئْنَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ الرِّجَال يَدْخُل فَيُحَدِّث إِلَيْهِنَّ وَكَانَ الْحَدِيث مِنْ الرِّجَال إِلَى النِّسَاء مِنْ عَادَات الْعَرَب لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ عَيْبًا وَلَا يَعُدُّونَهُ رِيبَة فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (8/ 184).

وَصَارَتْ النِّسَاء مَقْصُورَات نَهَى عَنْ مُحَادِثَتهنَّ وَالْقُعُود إِلَيْهِنَّ». وَقَوْله: «مَنْ تَكْرَهُونَ» أَيْ تَكْرَهُونَ دُخُوله سَوَاء كَرِهْتُمُوهُ فِي نَفْسه أَمْ لَا، قِيلَ الْمُخْتَار مَنْعُهُنَّ عَنْ إِذْن أَحَد فِي الدُّخُول وَالْجُلُوس فِي الْمَنَازِل سَوَاء كَانَ مَحْرَمًا أَوْ اِمْرَأَة إِلَّا بِرِضَاهُ». وقال الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا من رياض الصالحين (¬1): «لا حق لنا أن نضربهن إلا إذا أتين بفاحشة مبينة، والفاحشة هنا عصيان الزوج بدليل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا»، يعني إن أهملت الزوجة في حق زوجها عليها فإنه يعظها أولًا، ثم يهجرها في المضجع، فلا ينام معها، ثم يضربها ضربًا غير مبرّح إن هي استمرت على العصيان، هذه مراتب تأديب المرأة إذا أتت بفاحشة مبينة وهي عصيان الزوج فيما يجب له «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» يعني لا تضربوهن ولا تقصروا في حقهن؛ لأنهن قُمْنَ بالواجب. ثم بين - صلى الله عليه وآله وسلم - الحق الذي لهن والذي عليهن فقال لكم عليهن ألا (يُوَطِّئَنَّ فُرُشَكُمْ) أحدًا تكرهونه، يعني لا يجعلن أحدًا يدخل عليهن على فراش النوم أو غيره وأنت تكره أن يجلس على فراش بيتك وكأن هذا والعلم عند الله ضرب مثل والمعنى أن لا يُكْرِمْنَ أحدًا تكرهونه، هذا من المضادة لكم أن يُكْرِمْنَ مَن تكرهونه بإجلاسه على الفرش أو تقديم الطعام له أو ما أشبه ذلك. وأن لا (يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ) يعني لا يُدْخِلْنَ أحدًا البيت وأنت تكره أن يدخل حتى لو كانت أمها أو أباها فلا يحل لها أن تُدْخِلَ أمها أو أباها أو أختها أو أخاها أو عمها أو خالها أو عمتها أو خالتها إلى بيت زوجها إذا كان يكره ذلك». ¬

(¬1) حديث رقم 276.

الشبهة الرابعة والأربعون: دخول اليهود على النبي بحضرة عائشة

الشبهة الرابعة والأربعون: دخول اليهود على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بحضرة عائشة: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالُوا: «السَّامُ عَلَيْكُمْ». قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ». قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ». فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟». قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - هذه الحادثة كانت قبل فرض الحجاب، فلا يسوغ الاستدلال بها؛ فمن المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أجلى يهود بني النضير من المدينة في السنة الثالثة من الهجرة ونزلت فيهم سورة الحشر، وأما بنو قريظة فتم إجلاؤهم عقب غزوة الخندق مباشرةً بعد ما جرى منهم من نقض العهد. وأما فرض الحجاب فقد كان بعد الفراغ من الغزوة وتمام إجلاء اليهود، وبناء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بزينب بنت جحش وصنع الوليمة كما صح ذلك من حديث أنس وغيره (¬1). 2 - على فرض أن ذلك كان بعد فرض الحجاب فإن كلام عائشة - رضي الله عنها - كان من وراء الحجاب؛ قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (¬2). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 181). (¬2) فتح الباري (9/ 286).

عن مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ... ». (رواه البخاري ومسلم). وحديث يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: « ... فَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» (رواه البخاري). وليس هذا مختصًا بأمهات المؤمنين بل كانت النساء إذا تعلّمن أو عَلّمن يكون ذلك من وراء حجاب، ففي مسند الإمام أحمد: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَى أَبِي الْأَشْهَبِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: «حَدِّثْنَا»، قَالَ: «سَلُوا»، فَقَالُوا: «مَا مَعَنَا شَيْءٌ نَسْأَلُكَ عَنْهُ»، فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: «سَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ».

الشبهة الخامسة والأربعون: دخول عمر - رضي الله عنه - على عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - على عهد رسول الله

الشبهة الخامسة والأربعون: دخول عمر - رضي الله عنه - على عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ ـ قَالَ ـ فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ» ... إلى أن قال عمر: « ... ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِى مِنْهَا فَكَلَّمْتُهَا». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: هذه الحادثة وقعت قبل الحجاب فلا يسوغ الاستدلال بها. فقد جاء في رواية مسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قال: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: «لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِىُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نِسَاءَهُ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى وَيَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نِسَاءَهُ ـ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ ـ، فَقَالَ عُمَرُ: «فَقُلْتُ لأَعْلَمَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ»، قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَقُلْتُ: «يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ ... » (¬1). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص184).

الشبهة السادسة والأربعون: استقبال الأنصار للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الهجرة

الشبهة السادسة والأربعون: استقبال الأنصار للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الهجرة: عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى أَبِى فِى مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً فَقَالَ لِعَازِبٍ: «ابْعَثْ مَعِىَ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِى إِلَى مَنْزِلِى»، فَقَالَ لِى أَبِى: «احْمِلْهُ». فَحَمَلْتُهُ وَخَرَجَ أَبِى مَعَهُ يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ فَقَالَ لَهُ أَبِى: «يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِى كَيْفَ صَنَعْتُمَا لَيْلَةَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -». قَالَ: «نَعَمْ أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا كُلَّهَا ... إلى أن قال: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلاً فَتَنَازَعُوا أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ: «أَنْزِلُ عَلَى بَنِى النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ». فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ، وَتَفَرَّقَ الْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ فِى الطُّرُقِ يُنَادُونَ: «يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، يَا رَسُولَ اللهِ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - هذه الحادثة وقعت قبل فرض الحجاب فلا يسوغ الاستدلال بها. فالسياق واضح أنه في أول مقدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينة. 2 - ظاهر الحديث ليس فيه دلالة على الاختلاط فقول الراوي: «فَصَعِدَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَوْقَ الْبُيُوتِ» يعني أن كل إنسان صعد فوق بيته ليرى ويشاهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأين الاختلاط هنا؟!! (¬1). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص187).

الشبهة السابعة والأربعون: إطعام جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - لأهل الخندق

الشبهة السابعة والأربعون: إطعام جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - لأهل الخندق: عَنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَمَصًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ لَهَا: «هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَمَصًا شَدِيدًا»، فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ. فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتْ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي فَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقَالَتْ: «لَا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَمَنْ مَعَهُ». فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا قَدْ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَتْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا؛ فَتَعَالَ أَنْتَ فِي نَفَرٍ مَعَكَ»، فَصَاحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ لَكُمْ سُورًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ». وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَتَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ»، فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقْدَمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: «بِكَ وَبِكَ». فَقُلْتُ: «قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ لِي»، فَأَخْرَجْتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعِي خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعَكِ وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا»، وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ» (¬1). (رواه البخاري ومسلم). ¬

(¬1) (خَمَصًا) أَيْ ضَامِر الْبَطْن مِنْ الْجُوع. (فَانْكَفَأْت إِلَى اِمْرَأَتِي) أَيْ اِنْقَلَبْت وَرَجَعْت. (فَأَخْرَجَتْ لِي جِرَابًا) وِعَاء مِنْ جِلْد. (وَلَنَا بُهَيْمَة دَاجِن) هِيَ بِضَمِّ الْبَاء تَصْغِير (بَهِيمَة) وَهِيَ الصَّغِيرَة مِنْ أَوْلَاد الضَّأْن، والدَّاجِن مَا أَلِف الْبُيُوت. (فَجِئْته فَسَارَرْته فَقُلْت: يَا رَسُول اللهِ) فِيهِ: جَوَاز الْمُسَارَرَة بِالْحَاجَةِ بِحَضْرَةِ الْجَمَاعَة، وَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يَتَنَاجَى اِثْنَانِ دُون الثَّالِث. (السُّور) هُوَ الطَّعَام الَّذِي يُدْعَى إِلَيْهِ، وَقِيلَ: الطَّعَام مُطْلَقًا. (فَحَيَّ هَلًا) بِتَنْوِينِ (هَلًا) وَقِيلَ: بِلَا تَنْوِين عَلَى وَزْن عَلَا وَيُقَال: (حَيّ هَلْ) فَمَعْنَاهُ: عَلَيْك بِكَذَا أَوْ اُدْعُ بِكَذَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَعْجِلْ بِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: هَاتِ وَعَجِّلْ بِهِ. (حَتَّى جِئْت اِمْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِك وَبِك) أَيْ ذَمَّتْهُ وَدَعَتْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: بِك تَلْحَق الْفَضِيحَة، وَبِك يَتَعَلَّق الذَّمّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: جَرَى هَذَا بِرَأْيِك وَسُوء نَظَرَك وَتَسَبُّبك. قَوْله: (قَدْ فَعَلْت الَّذِي قُلْت لِي) مَعْنَاهُ: أَنَّى أَخْبَرْت النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِمَا عِنْدنَا فَهُوَ أَعْلَم بِالْمَصْلَحَةِ. قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتكُمْ) أَيْ اِغْرِفِي، وَالْقَدَح: الْمِغْرَفَة. (تَرْكُوه وَانْحَرَفُوا) أَيْ شَبِعُوا وَانْصَرَفُوا. (تَغِطّ) أَيْ تَغْلِي، وَيُسْمَع غَلَيَانهَا. وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيث عَلَمَيْنِ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة: أَحَدهمَا: تَكْثِير الطَّعَام الْقَلِيل، وَالثَّانِي: عِلْمه - صلى الله عليه وآله وسلم - بِأَنَّ هَذَا الطَّعَام الْقَلِيل الَّذِي يَكْفِي فِي الْعَادَة خَمْسَة أَنْفُس أَوْ نَحْوهمْ سَيَكْثُرُ فَيَكْفِي أَلْفًا وَزِيَادَة، فَدَعَا لَهُ أَلْفًا قَبْل أَنْ يَصِل إِلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ صَاع شَعِير وَبُهَيْمَة. (باختصار من شرح الإمام النووي لهذا الحديث من صحيح مسلم).

الجواب: 1 - هذه الحادثة وقعت قبل الحجاب فلا يسوغ الاستدلال بها. 2 - الحديث ليس فيه ما يدل على إباحة الاختلاط، وأين في الحديث أن الرجال قد جاؤوا بزوجاتهم فصار كل عشرة مع زوجاتهم ويدخلون سويًا، أو أن الألف الذين أكلوا كانوا رجالًا ونساءً قد جلسوا مختلطين يأكلون سويًا؟ فليس في الحديث شيءٌ من هذه المعاني علمً بأن الذين جاؤوا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هم أهل الخندق المرابطون مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما النساء والذرية فكانوا في البيوت قد حصنهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وجعل عليهم حرسًا. فليس في الحديث إلا كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يخاطب امرأة جابر بكلمات يسيرة، وكلام الرجل مع المرأة الأجنبية للحاجة الشرعية جائز بالإجماع وعلى قدر الحاجة، فكيف حين يكون هذا الرجل هو سيد الخلق وأفضل الرسل وإمام المتقين - صلى الله عليه وآله وسلم -، وبحضرة محرمها؟!!! وكيف إذا كانت هذه الحاجة إظهارًا لمعجزة كبرى تملأ البطون الخاوية وتثبت القلوب الخائفة؟!! (¬1). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص189).

الشبهة الثامنة والأربعون: إطعام أبي طلحة - رضي الله عنه - لأهل الخندق

الشبهة الثامنة والأربعون: إطعام أبي طلحة - رضي الله عنه - لأهل الخندق: عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: «قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ؛ فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟»، فَقَالَتْ: «نَعَمْ». فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِى وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟». فَقُلْتُ: «نَعَمْ». فَقَالَ: «أَلِطَعَامٍ؟». فَقُلْتُ: «نَعَمْ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا». فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ»، فَقَالَتِ: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ».- فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَهُ حَتَّى دَخَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «هَلُمِّى مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ». فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَفُتَّ وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ. (رواه البخاري ومسلم) (¬1). ¬

(¬1) (وَلَاثَتْنِي بِبَعْضِهِ) أَيْ لَفَّتْنِي بِهِ يُقَال لَاثَ الْعِمَامَة عَلَى رَأْسه أَيْ عَصَبَهَا، وَالْمُرَاد أَنَّهَا لَفَّتْ بَعْضه عَلَى رَأْسه وَبَعْضه عَلَى إِبْطه. (دَسَّ الشَّيْء) يَدُسّهُ دَسًّا إِذَا أَدْخَلَهُ فِي الشَّيْء بِقَهْرٍ وَقُوَّة. (وَعَصَرَتْ أُمّ سُلَيْمٍ عُكَّة فَأَدَمَتْهُ) أَيْ= = صَيَّرَتْ مَا خَرَجَ مِنْ الْعُكَّة لَهُ إِدَامًا، وَالْعُكَّة بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْكَاف إِنَاء مِنْ جَلْد مُسْتَدِير يُجْعَل فِيهِ السَّمْن غَالِبًا وَالْعَسَل. (باختصار من شرح الحافظ ابن حجر لهذا الحديث من (صحيح البخاري).

الجواب: نفس جواب الشبهة السابقة؛ قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «وَالْمُرَاد بِالْمَسْجِدِ: الْمَوْضِع الَّذِي أَعَدَّهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِلصَّلَاةِ فِيهِ حِين مُحَاصَرَة الْأَحْزَاب لِلْمَدِينَةِ فِي غَزْوَة الْخَنْدَق».

الشبهة التاسعة والأربعون: أحاديث دخول بعض الصحابة - رضي الله عنهم - على عائشة - رضي الله عنها - أو غيرها من زوجات النبي

الشبهة التاسعة والأربعون: أحاديث دخول بعض الصحابة - رضي الله عنهم - على عائشة - رضي الله عنها - أو غيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ومن الأمثلة على ذلك: 1 - عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِىَ بِمِنًى وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَتْ: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، قَالُوا: «فُلاَنٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ فَكَادَتْ عُنُقُهُ أَوْ عَيْنُهُ أَنْ تَذْهَبَ». فَقَالَتْ: «لاَ تَضْحَكُوا؛ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ». (رواه مسلم). 2 - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ: دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ـ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ـ فَسَأَلاَهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِى يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِى أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ». فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟»، قَالَ: «يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ». وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: «هِىَ بَيْدَاءُ الْمَدِينَةِ». 3 - عَنْ زُرَارَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ ... فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قَالَ: «مَنْ؟»، قَالَ: «عَائِشَةُ؛ فَأْتِهَا فَاسْأَلْهَا ثُمَّ ائْتِنِى فَأَخْبِرْنِى بِرَدِّهَا عَلَيْكَ». فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ ... فَأَقْسَمْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَةَ فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا. (رواه مسلم). 4 - عن هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رَجُلاً، فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا،

فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ: «جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا، فَوَاللهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا». (رواه البخاري ومسلم). 5 - عيادة ابن عباس لعائشة - رضي الله عنهما - في مرض موتها. (رواه البخاري). الجواب: 1 - ما حدث ليس فيه اختلاط، إنما هو لقاءٌ عابر محدود لا تزول به الكلفة وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب. 2 - مطلق الدخول لا يعني دخول الحجاب أو الجلوس وجهًا لوجه فهناك فرق بين قولهم: «دخلنا على فلانة» وقولهم: «دخلنا الحجاب» (¬1). وقد تقدم توضيح ذلك بالتفصيل (¬2). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص197). (¬2) فتح الباري (9/ 286).

الشبهة الخمسون: الذين سألوا عن عبادة النبي

الشبهة الخمسون: الذين سألوا عن عبادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: عن أَنَس بْن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: «وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: «أَمَّا أَنَا فَإِنِّى أُصَلِّى اللَّيْلَ أَبَدًا». وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ». وَقَالَ آخَرُ: «أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا». فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؛ أَمَا وَاللهِ إِنِّى لأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّى وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى» (رواه البخاري). الجواب: هذا سؤال عابر من وراء حجاب، وليس فيه تصريحٌ بأن بأنه تم لقاء مباشر بين هؤلاء الرجال وبين أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬1). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص199).

الشبهة الحادية والخمسون: إطعام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لبعض أصحابه

الشبهة الحادية والخمسون: إطعام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لبعض أصحابه - رضي الله عنهم -: عن ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ سَعْدٌ وَأُتُوا بِلَحْمِ ضَبٍّ فَنَادَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُلُوا؛ فَإِنَّهُ حَلاَلٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِى». (رواه مسلم). الجواب: ليس في الحديث مشروعية الاختلاط بل غاية ما فيه استضافة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لبعض أصحابه في بيته، ووجود إحدى زوجاته لا يمنعه الشرع، وأما نداء إحدى زوجاته فلا يقتضي أن تكون جالسة. بل إن لفظة: «فَنَادَتِ امْرَأَةٌ» تدل على كونها غير مخالطة لهم (¬1). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 201).

الشبهة الثانية والخمسون: كيف أنتم؟ كيف حالكم؟

الشبهة الثانية والخمسون: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ روى ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَنْتِ؟»، قَالَتْ: «أنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ»، فقال: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: «بِخَيْرٍ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ». فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟»، فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ؛ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ» (¬1). الجواب: هذا لقاء عابر، وهذه المرأة العجوز من القواعد من النساء. ¬

(¬1) رواه الحاكم في (المستدرك) وصححه، وصححه أيضًا الذهبي والألباني، انظر: السلسلة الصحيحة رقم 216.

الشبهة الثالثة والخمسون: صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالعجوز، وأكله عندها

الشبهة الثالثة والخمسون: صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالعجوز، وأكله عندها: عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ». قَالَ أَنَسٌ: «فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - مليكة ـ وهي أم سليم أم أنس أو جدته - رضي الله عنها - ـ (¬1) امرأة عجوز كانت من القواعد من النساء. 2 - رجح بعض أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - محْرَم لأُمّ سُلَيْم (مليكة) وأختها أُمّ حَرَام (¬2). 3 - ليس في الحديث أن أم سليم أكلت مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وحضرت مجلسه؛ فقد أخبر أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فالدعوة إلى الطعام شيء والجلوس مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شيءٌ آخر. 4 - وأما صلاة مليكة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد جعلها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خلف أنس واليتيم؛ يقول أنس - رضي الله عنه -: «فَقَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» (¬3). ¬

(¬1) قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (أَنَّ جَدَّته مُلَيْكَة) الصَّحِيح أَنَّهَا جَدَّة إِسْحَاق فَتَكُون أُمّ أَنَس؛ لِأَنَّ إِسْحَاق اِبْن أَخِي أَنَس لِأُمِّهِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا جَدَّة أَنَس». قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري): «وَالضَّمِير فِي جَدَّته يَعُود عَلَى إِسْحَاق، جَزَمَ بِهِ اِبْن عَبْد الْبَرّ وَعَبْد الْحَقّ وَعِيَاض، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيّ. وَجَزَمَ اِبْن سَعْد وَابْن مَنْدَهْ وَابْن الْحَصَّار بِأَنَّهَا جَدَّة أَنَس وَالِدَة أُمّه أُمّ سُلَيْمٍ». (¬2) انظر: إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري. (¬3) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص207 - 208).

الشبهة الرابعة والخمسون: صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيت أم هانئ - رضي الله عنها - وحواره معها

الشبهة الرابعة والخمسون: صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيت أم هانئ - رضي الله عنها - وحواره معها: عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: «مَا أَنْبَأَ أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِى بَيْتِهَا، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ». (رواه البخاري ومسلم). ولفظ مسلم: عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَتَتْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ. قَامَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى غُسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ، ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى. وفي رواية للبخاري: عَنْ أَبِي مُرَّةَ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ: «ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ (¬1) فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟». فَقُلْتُ: «أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ». فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ». فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ، فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّى ـ عَلِىٌّ ـ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ ـ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». الجواب: هذا لقاء عابر لقاء عابر حدث لحاجة وانقضى بزوالها. ¬

(¬1) إلقاء السلام يكون باللسان لا باليد، والمُصافَحَةُ الْأَخْذُ باليَدِ، ولزم هذا التنبيه؛ لأن السلام في العامية المصرية معناه المصافحة باليد.

فأم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها - جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تخبره أنها قد أجَارَتْ أحد المشركين وأن أخاها عليًّا بن أبي طالب - رضي الله عنه - أراد قتله، فقال لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». حدث هذا مع وجود فاطمة ابنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعندما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك لأم هانئ انتهى اللقاء فلم يجلس معها كما يحدث بين الرجال والنساء اليوم من جلسات أسرية رغم أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - ابن عمها. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْلهَا: (سَلَّمْت) فِيهِ: سَلَام الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ عَلَى الرَّجُل بِحَضْرَةِ مَحَارِمه. وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا بَأْس بِالْكَلَامِ فِي حَال الِاغْتِسَال وَالْوُضُوء وَلَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَائِل. وَفِيهِ: جَوَاز الِاغْتِسَال بِحَضْرَةِ اِمْرَأَة مِنْ مَحَارِمه إِذَا كَانَ مَسْتُور الْعَوْرَة عَنْهَا، وَجَوَاز تَسْتِيرهَا إِيَّاهُ بِثَوْبٍ وَنَحْوه».

الشبهة الخامسة والخمسون: هل دخلت إحدى نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه

الشبهة الخامسة والخمسون: هل دخلت إحدى نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه: عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِى كَانَ فِى الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» (¬1)، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِى كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِى بَيْتِ الَّتِى كَسَرَتْ. (رواه البخاري). ورواه الإمام أحمد عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الْقَصْعَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَضَمَّ الْكَسْرَيْنِ، وَجَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ، غَارَتْ أُمُّكُمْ»، وَيَقُولُ لِلْقَوْمِ: «كُلُوا»، وَحَبَسَ الرَّسُولَ حَتَّى جَاءَتِ الْأُخْرَى بِقَصْعَتِهَا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ قَصْعَتُهَا، وَتَرَكَ الْمَكْسُورَةُ لِلَّتِي كَسَرَتْ». (وصححه الألباني وقال الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»). الجواب: 1 - كان ذلك قبل فرض الحجاب، وقد صرحت بذلك بعض الروايات، قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «قَوْله (غَارَتْ أُمّكُمْ) الْخِطَاب لِمَنْ حَضَرَ، وَالْمُرَاد بِالْأُمِّ هِيَ الَّتِي كَسَرَتْ الصَّحْفَة وَهِيَ مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ».

مِنْ طَرِيقِ عِمْرَان بْن خَالِد عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَس قَالَ: «كَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي بَيْتِ عَائِشَة مَعَهُ بَعْض أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُونَ طَعَامًا فَسَبَقَتْهَا ـ قَالَ عِمْرَان أَكْثَر ظَنِّي أَنَّهَا حَفْصَة ـ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ثَرِيد فَوَضَعْتهَا فَخَرَجَتْ عَائِشَة ـ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ ـ فَضَرَبَتْ بِهَا فَانْكَسَرَتْ» الْحَدِيث (¬1)» اهـ كلام الحافظ - رحمه الله -. 2 - بالنسبة للخادم أوضحت رواية أبي داود أنها كانت أنثى: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمِهَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ. قَالَ: «فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا ـ فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ .... ». قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: «(بِيَدِهَا):أَيْ يَدَ الْخَادِمِ وَالْخَادِمُ يُطْلَق عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى». ¬

(¬1) ووجدته أيضًا في مسند أبي يعلى (3250) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ يَنْتَظِرُ طَعَامًا، قَالَ: فَسَبَقَتْهَا، قَالَ عِمْرَانُ: أَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا حَفْصَةُ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ، وَقَالَتْ: فَوَضَعْتُهَا قَالَتْ: فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذَتِ الْقَصْعَةَ، قَالَ: «ذَاكَ قَبْلَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ» .... ، قَالَ: فَضَرَبَتْ بِهَا فَانْكَسَرَتْ، فَأَخَذَهَا نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَضَمَّهَا وَقَالَ بِكَفِّهِ حَكَى عِمْرَانُ: وَضَمَّهَا وَقَالَ: «كُلُوا، غَارَتْ أُمُّكُمْ».

الشبهة السادسة والخمسون: سؤال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأسماء بنت عميس عن أولاد جعفر

الشبهة السادسة والخمسون: سؤال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأسماء بنت عميس عن أَوْلَاد جَعْفَر - رضي الله عنه -: عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه - قال: «رَخَّصَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لآلِ حَزْمٍ فِى رُقْيَةِ الْحَيَّةِ، وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: «مَا لِى أَرَى أَجْسَامَ بَنِى أَخِى ضَارِعَةً (¬1) تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ؟». قَالَتْ: «لاَ، وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ». قَالَ: «ارْقِيهِمْ». قَالَتْ: «فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ (¬2)»، فَقَالَ: «ارْقِيهِمْ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - معنى الحديث: قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (مَا لِي أَرَى أَجْسَام بَنِي أَخِي ضَارِعَة؟) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة، أَيْ نَحِيفَة، وَالْمُرَاد أَوْلَاد جَعْفَر - رضي الله عنه -». 2 - هذا لقاء عابر؛ مجرد سؤال من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن أبناء ابن عمه جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم، وهو أتقى الناس وأخشاهم لله - عز وجل -، فكيف يُستدل به على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! 3 - ليس في الحديث أيُّ ذِكْرٍ لمكان هذا الحوار، حتى يستدل به على جواز الاختلاط بالنساء في البيوت. ¬

(¬1) أي كلامًا ترقي به، كما في رواية البيهقي والطبراني: قَالَتْ: «لا، وَلَكِنَّهُمْ تُسْرِعُ إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ أَفَأَرْقِيهِمْ؟»، قَالَ: «نَعَمْ»، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ كَلامًا لا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ: «ارْقِيهِمْ». (¬2) رواه البخاري.

الشبهة السابعة والخمسون: نسوة من بنى حرام من الأنصار عند أم سلمة

الشبهة السابعة والخمسون: نِسْوَةٌ مِنْ بَنِى حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ عند أم سلمة - رضي الله عنها -: عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالُوا: «اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقُلْ إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَهَى عَنْهُمَا». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَكُنْتُ أَصْرِفُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَنْهَا». قَالَ كُرَيْبٌ: «فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِى بِهِ. فَقَالَتْ: «سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ». فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا فَرَدُّونِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِى بِهِ إِلَى عَائِشَةَ. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَنْهَى عَنْهُمَا ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، أَمَّا حِينَ صَلاَّهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِى نِسْوَةٌ مِنْ بَنِى حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَصَلاَّهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: «قُومِى بِجَنْبِهِ فَقُولِى لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِى عَنْهُ». قَالَ: فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِى أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّهُ أَتَانِى نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِى عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ؛ فَهُمَا هَاتَانِ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - فيما يتعلق بدخول كُرَيْب على عائشة - رضي الله عنها - فإن مطلق الدخول لا يعني دخول الحجاب أو الجلوس وجهًا لوجه، فهناك فرق بين قولهم: «دخلنا على فلانة» وقولهم:

«دخلنا الحجاب» (¬1). وقد تقدم توضيح ذلك بالتفصيل (¬2). 2 - أما وجود النسوة في بيت أم سلمة - رضي الله عنها - ووجود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - معهن فليس صريحًا في جواز الاختلاط المزعوم لأن ذلك يحتمل أن يكون قبل فرض الحجاب. 3 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن جالسًا مع النساء بل كان بعيدًا عنهن أو كان في مكان آخر، وكان مشغولًا ـ وهو المعصوم - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ بالصلاة، ومما يدل على بعده عنهن أن أم سلمة - رضي الله عنها - أرسلَتْ إليه الجارية لتسأله، فلو كان قريبًا منهن لسألَتْه أم سلمة - رضي الله عنها -، ولما لجأت إلى إرسال الجارية. 4 - ليس في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جلس مع النسوة ولا أنه تحدث معهن ـ وهو أتقى الناس وأخشاهم لله - عز وجل - ـ فكيف يُستدل به على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص197). (¬2) فتح الباري (9/ 286).

الشبهة الثامنة والخمسون: حوار بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزوجته حفصة - رضي الله عنها - سمعته أم مبشر

الشبهة الثامنة والخمسون: حوار بين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزوجته حفصة - رضي الله عنها - سمعته أم مبشر - رضي الله عنها -: عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قال: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ ـ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا». قَالَتْ: «بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ». فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ: «{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (¬1)، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قَدْ قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}» (¬2) (رواه مسلم). الجواب: 1 - قد يكون ذلك قبل فرض الحجاب. 2 - على فرض أنه بعد فرض الحجاب فالاحتمالات تَرِدُ عليه فالحديث ليس صريحًا في الاختلاط وجلوس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أم مبشر وجهًا لوجه، فقد تكون سمعت ذلك من خلف الستار. 3 - هذا لقاء عابر لم يستغرق ثلاث دقائق فكيف يُستدل به على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! ¬

(¬1) مريم:71. (¬2) مريم:72.

الشبهة التاسعة والخمسون: موقف ضحك منه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة التاسعة والخمسون: موقف ضحك منه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: عن سَعْدٍ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ». قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ». قَالَ عُمَرُ: «فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ». ثُمَّ قَالَ: «أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِى وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟»، قُلْنَ: «نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -». قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - معنى الحديث: قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: قَوْله: (اِسْتَأْذَنَ عُمَر عَلَى رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَعِنْده نِسْوَة مِنْ قُرَيْش) هُنَّ مِنْ أَزْوَاجه، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعَهُنَّ مِنْ غَيْرهنَّ لَكِنْ قَرِينَة قَوْله: «يَسْتَكْثِرْنَهُ» يُؤَيِّد الْأَوَّل، وَالْمُرَاد أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ مِنْهُ مِمَّا يُعْطِيهِنَّ. وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ الْكَلَام عِنْده، وَهُوَ مَرْدُود بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيح بِهِ فِي حَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ النَّفَقَة. قَوْله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ) قَالَ اِبْن التِّين: «يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَبْل نُزُول النَّهْي عَنْ رَفْع الصَّوْت عَلَى صَوْته، أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعهنَّ» اِنْتَهَى.

وَقَالَ غَيْره: «يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الرَّفْع حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعهنَّ لَا أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ كَانَ صَوْتهَا أَرْفَع مِنْ صَوْته»، وَفِيهِ نَظَر. قِيلَ: «وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِنَّ جَهِيرَة، أَوْ النَّهْي خَاصّ بِالرِّجَالِ»، وَقِيلَ: «فِي حَقّهنَّ لِلتَّنْزِيهِ، أَوْ كُنَّ فِي حَال الْمُخَاصَمَة فَلَمْ يَتَعَمَّدْنَ، أَوْ وَثِقْنَ بِعَفْوِهِ. وَيَحْتَمِل فِي الْخَلْوَة مَا لَا يَحْتَمِل فِي غَيْرهَا». قَوْله: (أَضْحَكَ اللَّه سِنَّك) لَمْ يُرِدْ بِهِ الدُّعَاء بِكَثْرَةِ الضَّحِك بَلْ لَازِمه وَهُوَ السُّرُور، أَوْ نَفْي لَازِمه وَهُوَ الْحُزْن. قَوْله: (أَتَهَبْنَنِي) مِنْ الْهَيْبَة أَيْ تُوَقِّرْنَنِي. قَوْله: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ) بِصِيغَةِ أَفْعَل التَّفْضِيل مِنْ الْفَظَاظَة وَالْغِلْظَة وَهُوَ يَقْتَضِي الشَّرِكَة فِي أَصْل الْفِعْل، وَيُعَارِضهُ قَوْله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159 (؛ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَظًّا وَلَا غَلِيظًا. وَالْجَوَاب: أَنَّ الَّذِي فِي الْآيَة يَقْتَضِي نَفْي وُجُود ذَلِكَ لَهُ صِفَة لَازِمَة فَلَا يَسْتَلْزِم مَا فِي الْحَدِيث ذَلِكَ، بَلْ مُجَرَّد وُجُود الصِّفَة لَهُ فِي بَعْض الْأَحْوَال وَهُوَ عِنْد إِنْكَار الْمُنْكَر مَثَلًا، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَجَوَّزَ بَعْضهمْ أَنَّ الْأَفَظّ هُنَا بِمَعْنَى الْفَظّ، وَفِيهِ نَظَر لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّرْجِيحِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ أَفْعَل عَلَى بَابه، وَكَانَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَا يُوَاجِه أَحَدًا بِمَا يَكْرَه إِلَّا فِي حَقّ مِنْ حُقُوق اللهِ، وَكَانَ عُمَر يُبَالِغ فِي الزَّجْر عَنْ الْمَكْرُوهَات مُطْلَقًا وَطَلَب الْمَنْدُوبَات، فَلِهَذَا قَالَ النِّسْوَة لَهُ ذَلِكَ. قَوْله: (فَجًّا) أَيْ طَرِيقًا وَاسِعًا. قَوْله: (إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْر فَجِّك) فِيهِ فَضِيلَة عَظِيمَة لِعُمَر تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْطَان لَا

سَبِيل لَهُ عَلَيْهِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُود الْعِصْمَة إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِرَار الشَّيْطَان مِنْهُ أَنْ يُشَارِكهُ فِي طَرِيق يَسْلُكهَا، وَلَا يَمْنَع ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَته لَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِل إِلَيْهِ قُدْرَته. 2 - ما سبق نقله عن الحافظ ابن حجر يدل على أن النساء اللاتي كُنَّ عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هن زوجاته فلا إشكال في وجودهن عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومما يرجح ذلك عدم احتجابهن من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واحتجابهن من عمر - رضي الله عنه -. ولو كان الأمر كما يدعي دعاة الاختلاط لما احتجن إلى دخول الحجاب، ولجلَسْنَ مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعمر بدون حجاب. 3 - على فرض أنهن لم يَكُنَّ زوجاته بل نساء أخريات من قريش وكُنَّ أجنبيات عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن ذلك لقاء عابر لقضاء تلك الحاجات وانقضي بانقضائها. واحتمال أنهن من غير محارمه - صلى الله عليه وآله وسلم - احتمال ضعيف، ومما يوضح ذلك ما سبق من عدم احتجابهن من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - واحتجابهن من عمر - رضي الله عنه -. 4 - عمر - رضي الله عنه - لم يجلس معهن بل خاطبهن من وراء حجاب بحضرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فبمجرد سماعهن لصوت عمر - رضي الله عنه - وهو يستأذن قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، وهذه دلالة ظاهرة على على وجوب الاحتجاب من الرجل الأجنبي عند دخوله بيت صاحبه، وعدم مشروعية الاختلاط. 5 - في الحديث دلالة ظاهرة على التفريق بين مطلق الدخول ودخول الحجاب؛ فتأمل لفظ الحديث: «فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ»، فقَبْل أن يدخل عمر - رضي الله عنه - دخل النساء الحجاب، (فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -)، فدخل عمر - رضي الله عنه - وهن خلف الحجاب وكلمهن من وراء حجاب ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جالس معه (¬1). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص217).

الشبهة الستون: دخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أم مبشر الأنصارية فى نخل لها

الشبهة الستون: دُخُول النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِى نَخْلٍ لَهَا: عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِى نَخْلٍ لَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ». فَقَالَتْ: «بَلْ مُسْلِمٌ». فَقَالَ: «لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - ليس في الحديث ما ينفي وجود زوجها أو أحد محارمها حال دخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها. وليس فيه أنه كانت سافرة ولم تكن محتجبة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن زعم غير ذلك فليأتنا بالدليل. 2 - هذا موقف عابر لم يستغرق دقيقتين؛ فكيف نستدل به على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟!

الشبهة الحادية والستون: من هذه؟

الشبهة الحادية والستون: من هذه؟ عَنْ هِشَام بنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟».قَالَتْ: «فُلاَنَةُ»، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا. (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - ليس في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جلس مع تلك المرأة، بل ليس في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كلمها، أو حتى ألقى عليها السلام، ومن زعم غير ذلك فليأتنا بالدليل. فكيف نستدل به على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! 2 - أوضحت رواية مسلم أن المرأة مرت بعائشة فأخبرت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بحالها، فروى عن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْحَوْلاَءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقُلْتُ: «هَذِهِ الْحَوْلاَءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ». وجمع بينهما الحافظ ابن حجر بأنها خرجت عند دخول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «فَإِنْ قِيلَ وَقَعَ فِي حَدِيث الْبَاب حَدِيث هِشَام: «دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ عِنْدهَا»، وَفِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَنَّ الْحَوْلَاء مَرَّتْ بِهَا فَظَاهِره التَّغَايُر، فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْمَارَّة اِمْرَأَة غَيْرهَا مِنْ بَنِي أَسَد أَيْضًا أَوْ أَنَّ قِصَّتهَا تَعَدَّدَتْ.

وَالْجَوَاب أَنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة، وَيُبَيِّن ذَلِكَ رِوَايَة مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ هِشَام فِي هَذَا الْحَدِيث وَلَفْظه: «مَرَّتْ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْحَوْلَاء بِنْت تُوَيْت» أَخْرَجَهُ مُحَمَّد بْن نَصْر فِي كِتَاب (قِيَام اللَّيْل) لَهُ، فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا عِنْد عَائِشَة فَلَمَّا دَخَلَ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى عَائِشَة قَامَتْ الْمَرْأَة كَمَا فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة الْآتِيَة، فَلَمَّا قَامَتْ لِتَخْرُج مَرَّتْ بِهِ فِي خِلَال ذَهَابهَا فَسَأَلَ عَنْهَا، وَبِهَذَا تَجْتَمِع الرِّوَايَات».اهـ. والرواية التي أشار إليها الحافظ ابن حجر رواها أبو نعيم في (حلية الأولياء) في ترجمة الحولاء بنت تويت، قال: حدثنا أبو عمرو بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا ابراهيم بن الحجاج ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كانت عندي امرأة، فلما قامت قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ هَذِهِ يَا عَائِشَةَ؟» ... (¬1). ¬

(¬1) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (2/ 65).

الشبهة الثانية والستون: دخول جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إحدى حجر نسائه

الشبهة الثانية والستون: دخول جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إحدى حُجَرِ نسائه: عن جَابِر بْنِ عَبْدِ الله - رضي الله عنهما - قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا فِى دَارِى فَمَرَّ بِى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَشَارَ إِلَىَّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِيَدِى فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِى، فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟». فَقَالُوا: «نَعَمْ». فَأُتِىَ بِثَلاَثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِىٍّ (¬1)، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَىَّ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَىَّ، ثُمَّ قَالَ: «هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟» (¬2). قَالُوا: «لاَ، إِلاَّ شَىْءٌ مِنْ خَلٍّ». قَالَ: «هَاتُوهُ فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - ليس في الحديث تصريح بأن زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت سافرة غير محتجبة، فلو كان ذلك قبل فرض الحجاب فلا إشكال، وإن كان بعد الحجاب فالكل ـ حتى من يقولون بجواز كشف الوجه، بل حتى دعاة الاختلاط ـ متفقون على وجوب تغطية الوجه في حق زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (فَدَخَلْتُ الْحِجَاب عَلَيْهَا) مَعْنَاهُ دَخَلْتُ الْحِجَاب إِلَى الْمَوْضِع الَّذِي فِيهِ الْمَرْأَة، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ رَأَى بَشَرَتهَا». ¬

(¬1) أورد الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم أنه: مَائِدَة مِنْ خُوص، أو كِسَاء مِنْ وَبَر أَوْ صُوف، أو مِنْدِيل وُضِعَ عَلَيْهِ هَذَا الطَّعَام، أوطَبَق مِنْ خُوص. (¬2) (الْأُدُم) بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالدَّال، وَيَجُوز إِسْكَانهَا، جَمْع إِدَام، والإدام هو ما يؤتدم به الخبز، أي يطيب أكله به ويتلذذ الأكل بسببه، مائعا كان أو جامدًا.

وقال الإمام القرطبي: «وقول جابر: «فَدَخَلْتُ الْحِجَاب عَلَيْهَا»؛ ظاهره: أن هذا كان بعد نزول الحجاب، غير أنه ليس فيه: أنه رآها، فقد تستتر بثوب آخر، أو بحجاب آخر. ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب» (¬1). ويزيل الإشكال من جهة الحجاب رواية أبي يعلى في مسنده (2164): «ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ، وَالْحِجَابُ عَلَيْهَا». 2 - ليس في الحديث مشروعية الاختلاط، بل غاية ما فيه اطعام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لجابر - رضي الله عنه - في بيته، ووجود إحدى زوجاته لا يمنعه الشرع، وأما مخاطبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لزوجته فلا يقتضي أن تكون جالسة معهما، فمن المحتمل أن تكون قد استترت بحجاب آخر، كما ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله -. 3 - مما يدل على كونها على كونها غير مخالطة لهم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قسم الخبز بينه وبين جابر - رضي الله عنه - نصفين مما يدل على أن المرأة لم تشاركهم الطعام. 4 - قول جابر - رضي الله عنه -: «فَأُتِىَ بِثَلاَثَةِ أَقْرِصَةٍ» ليس صريحًا في أن مَن قدم الطعام هي زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد يتم ذلك عن طريق الجارية مثلًا. 5 - على فرض أن زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هي التي قدمت الطعام فليس هناك دليل على أنها بقيت في الحجرة بعد ذلك، فمن المحتمل أن تكون قد غادرتها بعد تقديمه. 6 - لو سلَّمْنا أن زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت في ناحية الحجرة ـ بحجابها الكامل ـ فلعل ذلك كان لأن بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان مكونًا من حجرة واحدة. 7 - الحديث واقعة عيْن والاحتمالات السابقة تَرِدُ عليه لمخالفته لنصوص مُحْكَمة ¬

(¬1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 405).

تنهي عن الاختلاط. وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال؛ وقد قَال الإمَامُ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬1). 8 - النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مَحْرمٌ لزوجته ـ أم المؤمنين ـ التي لا يحل لجابر - رضي الله عنه - ولا لغيره أن يتزوجها بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ وهذا موقف عابر، فهل الاختلاط في العمل والتعليم وغير ذلك يكون بوجود المحرم حتى يقاس هذا على ذاك؟!!. ¬

(¬1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365).

الشبهة الثالثة والستون: دخول زوجة إبراهيم - عليه السلام - على الجبار

الشبهة الثالثة والستون: دخول زوجة إبراهيم - عليه السلام - على الجبار: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِىُّ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ قَطُّ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ فِى ذَاتِ اللهِ: قَوْلُهُ (إِنِّى سَقِيمٌ)، وَقَوْلُهُ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)، وَوَاحِدَةً فِى شَأْنِ سَارَةَ؛ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ ـ وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ـ فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِى يَغْلِبْنِى عَلَيْكِ، فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِى فَإِنَّكِ أُخْتِى فِى الإِسْلاَمِ، فَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ فِى الأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِى وَغَيْرَكِ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لاَ يَنْبَغِى لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلاَّ لَكَ». فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِىَ بِهَا فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ إِلَى الصَّلاَةِ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهَا: «ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى وَلاَ أَضُرُّكِ». فَفَعَلَتْ فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الأُولَى، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَفَعَلَتْ، فَعَادَ فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، فَقَالَ: «ادْعِى اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِى، فَلَكِ الله أَنْ لاَ أَضُرَّكِ». فَفَعَلَتْ وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ وَدَعَا الَّذِى جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِى بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِى بِإِنْسَانٍ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِى وَأَعْطِهَا هَاجَرَ». قَالَ: «فَأَقْبَلَتْ تَمْشِى فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهَا: «مَهْيَمْ؟»، قَالَتْ: «خَيْرًا، كَفَّ اللهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَ خَادِمًا» (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - أمام تسلط جبار من الجبابرة قد قهر الناس بالحديد والنار، ماذا يُتَوقع فيمن كانت هذه حالته؟! هل سيرفض إرسال زوجته بحجة عدم مشروعية الاختلاط وهو

محاط بجنود السلطان من كل جانب؟! وهل أرسل إبراهيم - عليه السلام - زوجته طائعًا مختارًا أم مُكرهًا مقهورًا؟! (¬1). 2 - لو سلمنا جدلًا بصحة استدلالهم بالقصة فهذا شرع من قبلنا، فلا يستدل به لأنه قد جاء في شرعنا ما ينسخه، فـ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - (¬2). أما في شرعنا فقد اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَالْعِرْضِ وَالْمَال فِي حَالَةِ الصِّيَال، لِقَوْلِهِ تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة: 194)، وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (¬3) وَلَيْسَ عَلَى الْمَصُول عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا يُتْلِفُ مِنَ النَّفْسِ أَوِ الْمَال فِي حَالَةِ الدِّفَاعِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ وَسِيلَةٌ أُخْرَى أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الدِّفَاعَ عَنِ الْعِرْضِ بِمَعْنَى الْبُضْعِ وَاجِبٌ، فَيَأْثَمُ الإِْنْسَانُ بِتَرْكِهِ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: «لأَِنَّهُ لاَ سَبِيل إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَسَوَاءٌ بُضْعُ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِثْل الْبُضْعِ مُقَدِّمَاتُهُ» (¬4). ¬

(¬1) باختصار من (الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره)، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 178 - 179). (¬2) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق (ص 57 - 58)، والحديث رواه البخاري ومسلم. (¬3) رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني. (¬4) الموسوعة الفقهية الكويتية (30/ 51 - 52).

الشبهة الرابعة والستون: تحاكم المرأتان إلى داود وسليمان سدد خطاكم

الشبهة الرابعة والستون: تحاكم المرأتان إلى داود وسليمان سدد خطاكم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ «بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ـ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: «ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا».فَقَالَتِ الصُّغْرَى: «لاَ ـ يَرْحَمُكَ اللهُ ـ هُوَ ابْنُهَا». فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: لا يدخل في الاختلاط المحرم ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه (¬1) ومن حالات الاضطرار: الجلوس عند القضاة لفصل الخصومات وهو مما يباح ويشرع مع التصون التام (¬2). فهذه حاجة طارئة، وليست كالاختلاط لساعات في العمل، أو الدراسة (¬3). ¬

(¬1) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/ 93 (. (¬2) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 179). (¬3) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الخامسة والستون: زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وخديجة لورقة بن نوفل

الشبهة الخامسة والستون: زيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وخديجة لورقة بن نوفل: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ ... إلى أن قالت: «فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ ـ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِىَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ ـ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: «يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ». فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: «يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى؟» فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - هذه الحادثة وقعت قبل فرض الحجاب فلا يسوغ الاستدلال بها. 2 - هذه الحادثة كانت في بداية البعثة وقبل نزول التشريعات، بل حتى قبل نزول القرآن الكريم نفسه؛ إذ غاية ما نزل آنذاك صدر سورتي (اقرأ) و (المدثر). 3 - لا شيء يمنع من دخول رجل مع امرأته على رجل أجنبي بغرض الاستشارة أو الاستفتاء وبلا خلوة أو ريبة؛ فهذا من اللقاء العابر وليس من الاختلاط المقصود في شيء (¬1). 4 - يضاف إلى وجود المحرم أن وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ فالفتنة مأمونة. ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 180).

ثالثا: أحاديث ضعيفة لم تثبت أصلا فلا يحتج بها

ثالثًا: أحاديث ضعيفة لم تثبت أصلًا فلا يحتج بها الشبهة السادسة والستون: أَطْعِمْنِي مِمَّا فِي فِيكَ: روى الطبراني في (المعجم الكبير برقم 7718) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ ـ قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ تُرَافِثُ الرِّجَالَ، وَكَانَتْ بَذِيئَةً، فَمَرَّتْ بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ يَأْكُلُ ثَرِيدًا عَلَى طَرَيَانٍ، قَالَتْ: «انْظُرُوا إِلَيْهِ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَيَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ»، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَأَيُّ عَبْدٍ أَعْبَدُ مِنِّي؟»، قَالَتْ: «وَيَأْكُلُ وَلا يُطْعِمُنِي»، قَالَ: «فَكُلِي»، قَالَتْ: «نَاوِلْنِي يَدَكَ»، فَنَاوَلَهَا، قَالَتْ: «أَطْعِمْنِي مِمَّا فِي فِيكَ»، فَأَعْطَاهَا، فَأَكَلَتْ، فَغَلَبَهَا الْحَيَاءُ، فَلَمْ تُرَافِثْ أَحَدًا حَتَّى مَاتَتْ. الجواب: هذا الحديث لا يصح. قال الهيتمي: «إسناده ضعيف» (¬1). ¬

(¬1) مجمع الزوائد (8/ 587).

الشبهة السابعة والستون: هل أكل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أم إسحق

الشبهة السابعة والستون: هل أكل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أم إسحق: قال الإمام أحمد في مسنده (رقم 27069):حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَشَّارُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ دِينَارٍ، عَنْ مَوْلَاتِهَا أُمِّ إِسْحَاقَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ، فَأَكَلَتْ مَعَهُ، وَمَعَهُ ذُو الْيَدَيْنِ فَنَاوَلَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَرْقًا (¬1)، فَقَالَ: «يَا أُمَّ إِسْحَاقَ أَصِيبِي مِنْ هَذَا»، فَذَكَرْتُ أَنِّي كُنْتُ صَائِمَةً، فَبَرَدَتْ يَدِي لَا أُقَدِّمُهَا، وَلَا أُؤَخِّرُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا لَكِ؟»، قَالَتْ: «كُنْتُ صَائِمَةً فَنَسِيتُ»، فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ: «الْآنَ بَعْدَمَا شَبِعْتِ؟!»، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَتِمِّي صَوْمَكِ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْكِ». ورواه عبد بن حميد قال: حدثنا أبو عاصم، عن بشار بن عبد الملك قال: حدثتني جدتي أم حكيم ابنة دينار مولاة أم إسحاق، عن أم إسحاق، قالت: «دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأتي بخبز ولحم، قالت: «وكنت أشتهي أن آكل من طعام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال: «هلمي يا أم إسحاق فكلي». قالت: «فأكلتُ، ثم ناولني عَرْقًا، فرفعته إلى فِيَّ (¬2) فذكرتُ أني صائمة، فبقيت يدي لا أستطيع أن أرفعها إلى فِيَّ ولا أستطيع أن أضعها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ما لك يا أم إسحاق؟» قلت: «يا رسول الله، إني كنت صائمة»، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أتِمِّي صومك»، فقال ذو اليدين: «الآن حين شبعت؟»، فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إنما هو رزق ساقه الله إليها» (¬3). ¬

(¬1) العَرْقُ: العَظْم إذا أُخذ عنه مُعْظَم اللَّحم، (لسان العرب، مادة: عرق). (¬2) فِيَّ: أي فمي. (¬3) مسند عبد بن حميد برقم (1595).

ورواه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) قال: حدثنا يحيى بن الجهضم، ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، ثنا بشار بن عبد الملك، حدثتني أم حكيم بنت دينار، عن مولاتها أم إسحاق، قالت: دخلت على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في بيت حفصة فأتي بثريد وخبز ولحم فقال: «هلمي يا أم إسحاق». قالت: كنت أشتهي أن آكل من طعام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأكلت ونسيت صومي، قالت: «فناولني عَرْقًا فلما أخذت العرق رفعته إلى فمي ثم ذكرت صومي فبقيتُ لا أستطيع أرفعها ولا أضعها، فقال: «ما لك يا أم إسحاق؟». فقلت: «إني كنت صائمة ونسيت صومي»، فقال ذو اليدين: «حين شبعت؟!»، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بل هو رزق ساقه الله إليك، ضَعِي العَرْقَ وصومي بقية يومك» (¬1). قال دعاة الاختلاط: «هذه امرأة تجالس النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد حضر الطعام، بل وكان أصحابه معه مثل ذي اليدين، بل ويقدم لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده الكريمة قطعة من اللحم». الجواب: أولًا: إن المرء لا يكاد ينقضي عجبه عندما يجد من هؤلاء الحرص على انتقاء ما يؤيد هواهم وإن لم يكن صحيحًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فهذا الحديث لا يصح. قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «إسناده ضعيف لجهالة أمِّ حكيم بنتِ دينار؛ إذ لم يذكروا في الرواة عنها سوى بشار بن عبد الملك، وهو ضعيف، ضعَّفه ابن معين (¬2). ¬

(¬1) الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، (برقم 2923). (¬2) كما ذكر ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل)، وابن حجر في (لسان الميزان) وفي (الإصابة في تمييز الصحابة). و (تعجيل المنفعة).

وأخرجه ابن الأثير في (أسد الغابة) ـ في ترجمة أم إسحاق ـ من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في (الكبير 25/ 411) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، به. وأخرجه عبد بن حميد (1590)، ومن طريقه الحافظ في (الإصابة في تمييز الصحابة) ـ في ترجمة أم إسحاق ـ وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 3306) من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن بشار، به. وتحرف اسم بشار عند عبد بن حميد إلى يسار. وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب): «أم إسحاق الغنوية: هاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، يروي عنها أهل البصرة حديثها فيمن أكل ناسيًا، وهو غريب الإسناد. وأورده الهيثمي في (مجمع الزوائد 3/ 157)، وقال: «رواه أحمد والطبراني، وفيه أمُّ حكيم لم أجد لها ترجمة». ولقوله: «أتمي صومك، فإنما هو رزقٌ ساقه الله إليك» شاهد من حديث أبي هريرة، سلف برقم (9136)، ولفظه: «إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا فَنَسِيَ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» وهو حديث صحيح» (¬1). ثانيًا: على فرض صحة هذا الحديث الضعيف، فقد يكون ذلك قبل نزول آيات الحجاب كما مر في أحاديث وضوء الرجال مع النساء، ويجب رد المتشابه إلى المحكم. ¬

(¬1) مسند الإمام أحمد ط الرسالة، (44/ 626)، ح 27069.

الشبهة الثامنة والستون: ادني فكلي

الشبهة الثامنة والستون: ادْنِي فَكُلِي: عَنْ حَبِيبٍ ـ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ـ عَنْ مَوْلَاةٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهَا لَيْلَى تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِي ـ وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ بِنْتُ كَعْبٍ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ لَهَا: «كُلِي» فَقَالَتْ: «إِنِّي صَائِمَةٌ»، فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى الصَّائِمِ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا». الجواب: 1 - هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي، ولا يصح الاحتجاج به فقد ضعفه الألباني والأرنؤوط. 2 - على فرض صحة هذا الحديث الضعيف، فقد يكون ذلك قبل نزول آيات الحجاب كما مر في أحاديث وضوء الرجال مع النساء، ويجب رد المتشابه إلى المحكم.

الشبهة التاسعة والستون: هل أكلت عميرة بنت مسعود وأخواتها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟

الشبهة التاسعة والستون: هل أكلت عَمِيرَة بنت مَسْعُودٍ وأَخَوَاتُها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ روى الطبراني في (المعجم الكبير) وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني) وابن حجر في (الإصابة في تمييز الصحابة)، وأبو نعيم الأصبهاني في (حلية الأولياء) عن إِسْحَاقُ بن إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن جَعْفَرِ بن مَحْمُودِ بن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ جَدَّتَهُ عَمِيرَةَ بنتَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - هِيَ وأَخَوَاتُها يُبايِعْنَهُ، وَهُنَّ خَمْسٌ فَوَجَدْنَهُ وَهُوَ يَأْكُلُ قَدِيدًا، فَمَضَغَ لَهُنَّ قَدِيدَةً ثُمَّ نَاوَلَنِي الْقَدِيدَةَ، فَمَضَغَتْها كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قِطْعَةً فَلَقِينَ اللهَ، وَمَا وَجَدْنَ لأَفْوَاهِهِنَّ خُلُوفًا». قال دعاة الاختلاط: هذه عَمِيرَة بنت مَسْعُودٍ وأَخَوَاتُها يمضغ لهن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قديدة ثم يناولها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - القديدة. الجواب: 1 - يقال: أثبِت العرش ثم انقش، أثبِتوا أولًا أن هذا حديث صحيح ثم استدلوا به. فقد قال ابن حجر الهيتمي: «فيه إسحاق بن إدريس الأسواري وهو ضعيف» (¬1). 2 - على فرض صحة هذا الحديث الضعيف، فقد يكون ذلك قبل نزول آيات الحجاب كما مر في أحاديث وضوء الرجال مع النساء، ويجب رد المتشابه إلى المحكم. ¬

(¬1) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 504).

الشبهة السبعون: هل أكل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع امرأة كانت تزور خديجة - رضي الله عنها -؟

الشبهة السبعون: هل أكل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع امرأة كانت تزور خديجة - رضي الله عنها -؟ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - امْرَأَةٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِطَعَامٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنَ الطَّعَامِ وَيَضَعُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لا تَغْمُرْ يَدَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ هَذِهِ كَانَتْ تَأْتِينَا أَيَّامَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ، أَوْ حَفِظَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ، وَلَمَّا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَخَذَنِي مَا يَأْخُذُ النِّسَاءَ مِنَ الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِكَبِيرَةِ السِّنِّ حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثُمَّ قَالَ: «مَا ذَنْبِي أَنْ رَزَقَهَا اللهُ مِنِّي الْوَلَدَ، وَلَمْ يَرْزُقْكِ؟»، قُلْتُ: «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إِلا بِخَيْرٍ». الجواب: 1 - هذا الحديث رواه الطبراني في (المعجم الكبير)، ولا يصح، فقد قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «ورجاله ثقات رجال الشيخين لكن فيه انقطاع بين ابن أبي نجيح وعائشة، فإنه لم يسمع منها» (¬1). وقال الشيخ الألباني: «وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين ابن أبي نجيح ـ واسمه عبد الله ـ وعائشة، فإنه لم يسمع منها» (¬2). 2 - على فرض صحة الحديث فهذه المرأة من القواعد من النساء. ¬

(¬1) انظر: مسند الإمام أحمد ط الرسالة (41/ 357). (¬2) انظر: السلسلة الصحيحة رقم 216.

الشبهة الحادية والسبعون: هل شرب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم ناول أم هانئ

الشبهة الحادية والسبعون: هل شَرِبَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ نَاوَلَ أُمَّ هَانِئٍ: روى الترمذي عن شُعْبَةُ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ: أَحَدُ ابْنَىْ أُمِّ هَانِئٍ حَدَّثَنِى فَلَقِيتُ أَنَا أَفْضَلَهُمَا ـ وَكَانَ اسْمُهُ جَعْدَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ هَانِئٍ جَدَّتَهُ ـ فَحَدَّثَنِى عَنْ جَدَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَى بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَمَا إِنِّى كُنْتُ صَائِمَةً». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ». وفي رواية: «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ». (رواه الترمذي والنسائي في (السنن الكبرى) والإمام أحمد في المسند). ورواه أبو داود، ولفظه: عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ ـ فَتْحِ مَكَّةَ ـ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ (¬1) بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَنَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ مِنْهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ أُمَّ هَانِئٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً». فَقَالَ لَهَا: «أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟». قَالَتْ: «لاَ». قَالَ: «فَلاَ يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا». الجواب: هذا الحديث لا يصح، قَالَ الترمذي: «وَحَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِى إِسْنَادِهِ مَقَالٌ». وقال المنذري: «أخرجه الترمذي والنسائي، وفي إسناده مقال، ولا يثبت، وفي ¬

(¬1) (الوليدة) أي الأمة (فناولته) أي الجارية والضمير المنصوب له - صلى الله عليه وآله وسلم -، والمفعول الثاني مُقَدَّر وهو الإناء (أكنت تقضين) أي بهذا الصوم (شيئًا) أي من الواجبات عليك (فلا يضرك) أي ليس عليك إثم في فطرك (إن كان) أي صومك (تطوعا) (باختصار من (عون المعبود 7/ 91).

إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائي» (¬1). وقال الحافظ ابن حجر: «النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ هَارُونَ ابْنِ أُمِّ هَانِئٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلُهُ: «فَإِنْ شِئْت فَاقْضِيهِ». وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ سِمَاكٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سِمَاكٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: سِمَاكٌ لَيْسَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إذَا تَفَرَّدَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَارُونُ لَا يُعْرَفُ. (تَنْبِيهٌ): اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْرَدَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصَبْغَ فِي جَامِعِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَلَطِ سِمَاكٍ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهِيَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَيَوْمُ الْفَتْحِ كَانَ فِي رَمَضَانَ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي رَمَضَانَ» (¬2). وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: «إسناده ضعيف لجهالة جعدة، وهو ابن ابن أم هانيء» (¬3). ¬

(¬1) عون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي (7/ 91). (¬2) التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (3/ 78). (¬3) مسند أحمد ط الرسالة (44/ 463، برقم 26893).

الشبهة الثانية والسبعون: عيادة الصحابة - رضي الله عنهم - لفاطمة - رضي الله عنها - مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة الثانية والسبعون: عيادة الصحابة - رضي الله عنهم - لفاطمة - رضي الله عنها - مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: قال أبو نعيم الأصبهاني في (حلية الأولياء): «حدثنا أبو حامد بن جبلة ثنا محمد بن إسحاق ثنا محمد بن الصباح ثنا علي بن هاشم عن كثير النواء عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فإنها تشتكي»، قلت: «بلى»، قال فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلم واستأذن فقال: «أدخل أنا ومن معي؟»، قالت: «نعم ومن معك يا أبتاه؛ فوالله ما عَلَيَّ إلا عباءة»، فقال لها: «اصنعي بها كذا، واصنعي بها كذا»، فعلَّمها كيف تستتر، فقالت: «والله ما على رأسي من خمار»، قال: فأخذ خلق مِلاءة كانت عليه فقال: «اختمري بها»، ثم أذِنَتْ لهما فدخلا فقال: «كيف تجدِينَكِ يا بُنَيَّة؟». قالت: «إني لوجعة وإنه ليزيد في أنه ما لي طعام آكله». قال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين». قالت: «تقول يا أبَتِ فأين مريم ابنة عمران». قال: «تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله زَوَّجْتُكِ سيدًا في الدنيا والآخرة». كذا رواه علي بن هاشم مرسلا، ورواه ناصح بن عبد الله عن سماك عن جابر بن سمرة متصلا، حدثناه محمد بن أحمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد المقري، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي الكوفي، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، ثنا ناصح أبو عبد الله، عن سماك، عن جابر ابن سمرة، قال جاء نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجلس فقال: «إن فاطمة وجعة»، فقال القوم: «لو عُدْناها»، فقام فمشى حتى انتهى إلى الباب ـ والباب عليها مصفق. قال: فنادى: «شدي عليك ثيابك فإن القوم جاؤوا يعودونك».

فقالت: «يا نبي الله ما عليَّ إلا عباءة». قال: فأخذ رداءً فرمى به إليها من وراء الباب؛ فقال: «شدي بهذا رأسك»، فدخل ودخل القوم، فقعد ساعة، فخرجوا فقال القوم: «تالله بنت نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذا الحال». قال: فالتفت فقال: «أما إنها سيدة النساء يوم القيامة». الجواب: أولًا: هذا الحديث لا يصح. الطريق الأولى: إسنادها ضعيف لأنها مرسلة ـ كما قال أبو نعيم ـ ولضعف علي بن هاشم وكثير النواء. وعلي بن هاشم قال عنه الحافظ ابن حجر: «صدوق يتشيع من صغار الثامنة» (¬1). ومعنى ذلك عنده كما ذكر في مقدمة التقريب: «الثامنة: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر، ووجد فيه إطلاق الضعف، ولو لم يفسر، وإليه الإشارة بلفظ: ضعيف». وكثير النواء هو كثير بن إسماعيل التميمي ضعفه النسائي وابن عدي والذهبي وابن حجر العسقلاني والهيتمي. والطريق الثانية: في إسنادها ناصح بن عبد الله، وقد ضعفه الحافظ ابن حجر، والذهبي، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، والدارقطني، وأبو حاتم. ثانيًا: على فرض صحة الحديث الضعيف، فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - محرم لفاطمة - رضي الله عنها -؛ فأين هذا من الاختلاط في العمل أو الدراسة لساعات طويلة بلا محرم (¬2). ¬

(¬1) تقريب التهذيب (برقم 4810). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الثالثة والسبعون: ليس أولئك عنيت

الشبهة الثالثة والسبعون: لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ: روى الطبري عن قتادة في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)} (الممتحنة:12): «ذُكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أخذ عليهن يومئذ النياحة، ولا تُحَدِّثْنَ الرجال، إلا رجلا منكن مَحْرَمًا، فقال عبد الرحمن بن عوف: «يا نبي الله إن لنا أضيافًا، وأنا نغيب عن نسائنا؛ قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ». ورُوِىَ أيضًا عن قتادة: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}، قال: «هو النوح أُخِذ عليهن لا يَنُحْنَ، ولا يخلُونَّ بحديث الرجال إلا مع ذي محْرم؛ قال: فقال عبد الرحمن بن عوف: «إنا نغيب ويكون لنا أضياف»؛ قال: «وليس أولئك عنيت». الجواب: 1 - هذا الحديث لا يصح، فقتادة بن عامر السدوسي تابعي لم يدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد قال في حديثه: «ذُكر لنا». فلا يُعلم عمن رواه؛ فالحديث مرسل (¬1). 2 - غاية ما في هذا الحديث الضعيف أنه يجوز للرجل الذي جاء يسأل عن صاحبه فلم يجده أن تكلمه زوجة صاحبه ـ وهي امرأة أجنبية ـ بالضوابط الشرعية من الحجاب التام وعدم الخضوع بالقول، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بمسألة الاختلاط. 3 - هذا الحديث الضعيف دليل على تحريم الاختلاط حيث إنه يُحَرِّم على المرأة حتى مجرد الكلام مع الرجل الأجنبي، ويستثني حالة الضيف الذي يسأل عن صاحبه، فهو حجة على دعاة الاختلاط. ¬

(¬1) انظر تعليق الشيخ شعيب الأرنؤوط على مسند الإمام أحمد ط الرسالة، (34/ 395 - 396).

الشبهة الرابعة والسبعون: أردفني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على حقيبة رحله

الشبهة الرابعة والسبعون: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ: عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَالَتْ: «أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ قَالَتْ فَوَاللهِ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى الصُّبْحِ فَأَنَاخَ وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي، فَكَانَتْ أَوَّلُ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا قَالَتْ فَتَقَبَّضْتُ إِلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا بِي وَرَأَى الدَّمَ قَالَ: «مَا لَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ»، قُلْتُ: «نَعَمْ»، قَالَ: «فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكِ، ثُمَّ خُذِي إِنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكِ».قَالَتْ: «فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ». قَالَتْ: «وَكَانَتْ لَا تَطَّهَّرُ مِنْ حَيْضَةٍ إِلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ» (رواه الإمام أحمد وأبو داود). الجواب: 1 - هذا الحديث لا حجة فيه؛ لأنه لا يصح، فقد ضعفه الألباني في تعليقه على (سنن أبي داود)، والأرنؤوط في تعليقه على (مسند الإمام أحمد). 2 - على فرض صحة هذا الحديث الضعيف فليس فيه دليل على الاختلاط أو المماسة، فتلك المرأة لم تكن قد بلغت المحيض حين ركبت خلف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وجلوسها على حقيبة الرحل لا يستلزم المماسة؛ قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: «(أَرْدَفَنِي):أَيْ حَمَلَنِي خَلْفه عَلَى ظَهْر الدَّابَّة، (عَلَى حَقِيبَة رَحْله) هِيَ كُلّ مَا شُدَّ فِي مُؤْخِر رَحْل أَوْ قَتَب. وَالرَّحْل هُوَ الْمَرْكَب لِلْبَعِيرِ وَهُوَ أَصْغَر مِنْ الْقَتَب. قَالَ اِبْن الْأَثِير: «الْحَقِيبَة هِيَ الزِّيَادَة الَّتِي تُجْعَل فِي مُؤَخَّر الْقَتَب». اِنْتَهَى. فَالْإِرْدَاف عَلَى حَقِيبَة الرَّحْل لَا يَسْتَلْزِم الْمُمَاسَّة، فَلَا إِشْكَال فِي إِرْدَافه - صلى الله عليه وآله وسلم - إِيَّاهَا. (فَتَقَبَّضْت إِلَى النَّاقَة) أَيْ وَثَبْت إِلَيْهَا. (لَعَلَّك نَفِسْت): أَيْ حِضْت. (فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسك): مَا يَمْنَعك مِنْ خُرُوج الدَّم إِلَى حَقِيبَة الرَّحْل. (رَضَخَ لَنَا) أَيْ أَعْطَانَا قَلِيل الْمَال. (مِن الْفَيْء) أَيْ مِن الْغَنِيمَة.

الشبهة الخامسة والسبعون: كم أنتم؟

الشبهة الخامسة والسبعون: كم أنتم؟ روى الإمام الطبري في تفسيره عن قتادة قال: «بينما رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: «كم أنتم؟»، فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: «كم أنتم؟»، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأة، ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: «كم أنتم؟»، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأة، فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتَّبَعَ آخِرُكمْ أوَّلَكُمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الْوَادِي نَارًا»، وأنزل الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ} (الجمعة:11) (¬1). الجواب: 1 - هذا الحديث لا يصح فهو من رواية قتادة بن عامر السدوسي، وهو تابعي لم يدرك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالحديث مرسل. 2 - هذا الحديث الضعيف ـ إن صح ـ فليس فيه حجة لدعاة الاختلاط؛ إذ غاية ما فيه صلاة النساء مع الرجال في الصلوات الخمس والعيدين، وليس في ذلك دليل على ما يدعو إليه دعاة الاختلاط، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل. ¬

(¬1) تفسير الطبري (23/ 387).

رابعا: آثار صحيحة عن الصحابة

رابعًا: آثار صحيحة عن الصحابة وعند التأمل لا يفهم منها إقرارهم هذا الأمر، فليس فيها دليل على جواز الاختلاط، وعلى فرض أن فيها دليلًا فلا يحتج بأقوال الصحابة ولا أفعالهم إن خالفت أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونهيه؛ لأن قول الصحابي وفعله لا اعتبار له إذا خالف الكتاب والسنة؛ قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). الشبهة السادسة والسبعون: عيادة عائشة لبلال - رضي الله عنهما -: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ - رضي الله عنهما -، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، قُلْتُ: «يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟، وَيَا بِلَالُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟» (رواه البخاري) (¬1). الجواب: 1 - دخول عائشة على بلال - رضي الله عنه - ليس فيه دليل على جواز الاختلاط؛ لأن ذلك كان قبل نزول آيات الحجاب بخمس سنين؛ ويدل على ذلك قولها - رضي الله عنها -: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْمَدِينَةَ» وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من (صحيح البخاري) أَنَّ ذَلِكَ قَبْل الْحِجَاب قَطْعًا. وقال ابن بطال في شرحه لهذا الحديث: «وفيه عيادة الجِلّة السادة لعبيدهم؛ لأن بلالًا أعتقه أبو بكر الصديق وكانت عائشة تزوره، وكان ذلك قبل نزول الحجاب» (¬2). ¬

(¬1) قَوْله: (وُعِكَ) بِضَمِّ أَوَّله وَكَسْر ثَانِيه أَيْ أَصَابَهُ الْوَعْك وَهِيَ الْحُمَّى، قَوْله: (كَيْف تَجِدك) أَيْ تَجِد نَفْسك أَوْ جَسَدك، وَالْمُرَاد بِهِ الْإِحْسَاس، أَيْ كَيْف تَعْلَم حَال نَفْسك. (قاله الحافظ ابن حجر فتح الباري (10/ 117). (¬2) شرح البخاري لابن بطال (4/ 560)، وأجَلَّه: عَظَّمَهُ، وقَوْمٌ جِلَّةٌ، بالكسر: عُظماءُ سادةٌ، (القاموس المحيط، مادة جلل).

2 - من استدل من العلماء بهذا الأثر وغيره على جواز عيادة الرجل المرأة الأجنبية، أو المرأة الرجل الأجنبي عنها، اشترط الشروط الآتية: - غض البصر وعدم الخضوع بالقول. - والتستر والالتزام بالحجاب الشرعي. - وأمن الفتنة. - وعدم الخلوة. وقالوا: الأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ (¬1)، كما في عيادة أم الدرداء لرجل من الأنصار في المسجد ـ إن صح ذلك عنها ـ كما سيأتي إن شاء الله (¬2) فأين هذا من الاختلاط في العمل أو الدراسة لساعات طويلة مع عدم وجود هذه الضوابط، وشتان بين ذلك وبين زيارة تستغرق دقائق معدودة من امرأة عجوز لمريض في فراشه تؤمن منه ومنها الفتنة (¬3). ¬

(¬1) الفروع لابن مفلح (3/ 188). (¬2) انظر: فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد المنجد، رقم الفتوى 71968. (¬3) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة السابعة والسبعون: هل عادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار؟

الشبهة السابعة والسبعون: هل عَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَنْصَارِ؟ قال البخاري: «وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْأَنْصَارِ». الجواب: 1 - هذا الأثر رواه البخاري في صحيحه تعليقًا. والحديث المعلق هو هو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد، فهو ما حذف من مبتدأ إسناده راوٍ واحد أو راويان أو ثلاثة أو جميع الإسناد (¬1). والمعلق من قسم الضعيف إلا أن نقف على الرجال المحذوفين، ومن ثَمَّ نحكم عليه بما يستحق، وليست المعلقات التي في صحيح البخاري كلها على شرطه. وهذا الأثر رواه البخاري موصولًا في (الأدب المفرد) و (التاريخ الكبير) عن الحارث بن عُبيد الله الأنصاري قال: «رأيتُ أمّ الدرداء، على رحالها أعوادٌ ليس عليها غشاء عائدةً لرجلٍ من أهل المسجد من الأنصار». وقال الألباني في تعليقه على (الأدب المفرد): «ضعيف الإسناد، الحارث هذا مجهول الحال». 2 - على فرض صحة الأثر فقد قال ابن بطال في شرحه لهذا الأثر من صحيح البخاري: «وعيادة أم الدرداء تحمل على أنها عادت الأنصاري وهى متجالّة، فلا تزورن امرأة رجلًا إلا أن تكون ذات محرم أو تكون متجالة يؤمن من مثلها الفتنة بها» اهـ. والمتجالة هي المرأة التي قد تَجالَّتْ، أَي أَسَنَّت وكَبرَتْ وعجزت (¬2). ¬

(¬1) شرح ألفية السيوطي محمد محي الدين عبد الحميد، (ص 79). (¬2) لسان العرب، (مادة: جلل).

هذا إن كانت أم الدرداء صحابية فما بالك إن كان ابن حجر قد رجح أنها تابعية، فقد نقل عن الكرماني قوله: «لِأَبِي الدَّرْدَاء زَوْجَتَانِ كُلّ مِنْهُمَا أُمّ الدَّرْدَاء، فَالْكُبْرَى اِسْمهَا خَيْرَة ـ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ـ صَحَابِيَّة، وَالصُّغْرَى اِسْمهَا هُجَيْمَة ـ بِالْجِيمِ وَالتَّصْغِير وَهِيَ تَابِعِيَّة ـ، وَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد هُنَا الْكُبْرَى، وَالْمَسْجِد مَسْجِد الرَّسُول - صلى الله عليه وآله وسلم - بِالْمَدِينَةِ». ثم قال الحافظ ابن حجر: «قُلْت: وَمَا ادَّعَى أَنَّهُ الظَّاهِر لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ الصُّغْرَى، لِأَنَّ الْأَثَر الْمَذْكُور أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرَد) مِنْ طَرِيق الْحَارِث بْن عُبَيْد، وَهُوَ شَامِيّ تَابِعِيّ صَغِير لَمْ يَلْحَق أُمّ الدَّرْدَاء الْكُبْرَى، فَإِنَّهَا مَاتَتْ فِي خِلَافَة عُثْمَان قَبْل مَوْت أَبِي الدَّرْدَاء. وَالصُّغْرَى عَاشَتْ إِلَى أَوَاخِر خِلَافَة عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان وَمَاتَتْ فِي سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بَعْد الْكُبْرَى بِنَحْوِ خَمْسِينَ سَنَة» (¬1). ¬

(¬1) فتح الباري (10/ 118).

الشبهة الثامنة والسبعون: دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب ابن طاب

الشبهة الثامنة والسبعون: دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ: عن الشَّعْبِيُّ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبِ ابْنِ طَابٍ وَسَقَتْنَا سَوِيقَ سُلْتٍ فَسَأَلْتُهَا عَنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا: «أَيْنَ تَعْتَدُّ؟».قَالَتْ: «طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنْ أَعْتَدَّ فِي أَهْلِي» (رواه مسلم). قال دعاة الاختلاط: «فهذه امرأة من الصحابة يدخل عليها الرجال لأخذ العلم فتستضيفهم وتطعمهم وتسقيهم». الجواب: 1 - معنى الحديث: قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: مَعْنَى (أَتْحَفَتْنَا) ضَيَّفَتْنَا (وَرُطَب اِبْن طَاب) نَوْع مِنْ الرُّطَب الَّذِي بِالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا السُّلْت: فَبِسِينٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة ثُمَّ لَام سَاكِنَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق وَهُوَ حَبّ مُتَرَدِّد بَيْن الشَّعِير وَالْحِنْطَة قِيلَ طَبْعه طَبْع الشَّعِير فِي الْبُرُودَة وَلَوْنه قَرِيب مِنْ لَوْن الْحِنْطَة. وَقِيلَ: عَكْسه. وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الضِّيَافَة وَاسْتِحْبَابهَا مِنْ النِّسَاء لِزُوَّارِهِنَّ مِنْ فُضَلَاء الرِّجَال، وَإِكْرَام الزَّائِر وَإِطْعَامه، وَاللهُ أَعْلَم» (¬1). 2 - مطلق الدخول لا يعني دخول الحجاب أو الجلوس وجهًا لوجه فهناك فرق بين قولهم: «دخلنا على فلانة» وقولهم: «دخلنا الحجاب» (¬2). ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (10/ 103). (¬2) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص197، 217).

وقد تقدم توضيح ذلك بالتفصيل (¬1). وهذا الأثر ليس صريحًا في الدلالة على ما يَدْعُون إليه من الاختلاط، ويجب فهمه في ضوء واقع الصحابة - رضي الله عنهم -، وليس واقع كثير من المسلمين اليوم، فإن المعهود من نساء الصحابة أنهن لم يَكُنَّ يختلطن بالرجال في الطريق امتثالًا لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ألا يحْقُقْنَ الطريق، فكيف يَتَصور ذو قلب مريض أن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - رضي الله عنها - كانت تجلس بين الرجال كما يحدث الآن، ولماذا لا يتخيل أنها قدمت لهم الطعام عن طريق أحد المحارم أو أحد العبيد، ولماذا لا يتخيل أنها كلمت الشعبي - رحمه الله - من وراء حجاب كما كان المعهود من فعل المسلمات حتى عهد قريب. 3 - إن صح استدلالهم به، فليس لهم فيه حجة لأن قول الصحابي وفعله لا اعتبار له إذا خالف الكتاب والسنة؛ قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). ¬

(¬1) فتح الباري (9/ 286)

الشبهة التاسعة والسبعون: ما لها لا تكلم؟

الشبهة التاسعة والسبعون: مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ فَقَالَ: «مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟»، قَالُوا: «حَجَّتْ مُصْمِتَةً»، قَالَ لَهَا: «تَكَلَّمِي فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ؛ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ»، فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: «مَنْ أَنْتَ؟». قَالَ: «امْرُؤٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ». قَالَتْ: «أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟». قَالَ: «مِنْ قُرَيْشٍ». قَالَتْ: «مِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟». قَالَ: «إِنَّكِ لَسَئُولٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ». قَالَتْ: «مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ». قَالَ: «بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ». قَالَتْ: «وَمَا الْأَئِمَّةُ؟». قَالَ: «أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟». قَالَتْ: «بَلَى». قَالَ: «فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ» (¬1) (رواه البخاري). ¬

(¬1) قَوْله: (عَلَى اِمْرَأَة مِنْ أَحْمَسَ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَزْن أَحْمَد، وَهِيَ قَبِيلَة مِنْ بَجِيلَة. قَوْله: (مُصْمَتَة) أَيْ سَاكِتَة. قَوْله: (فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلّ) يَعْنِي تَرْك الْكَلَام. قَوْله: (إِنَّكِ) بِكَسْرِ الْكَاف. قَوْله: (لَسَئُول) أَيْ كَثِيرَة السُّؤَال، وَهَذِهِ الصِّيغَة يَسْتَوِي فِيهَا الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث. قَوْله: (مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْر الصَّالِح) أَيْ دِين الْإِسْلَام وَمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدْل وَاجْتِمَاع الْكَلِمَة وَنَصْر الْمَظْلُوم وَوَضْع كُلّ شَيْء فِي مَحَلّه. قَوْله: (مَا اِسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتكُمْ) أَيْ لِأَنَّ النَّاس عَلَى دِين مُلُوكهمْ، فَمَنْ حَادَ مِنْ الْأَئِمَّة عَنْ الْحَال مَالَ وَأَمَالَ. (قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 7/ 149).

قال دعاة الاختلاط: والشاهد دخول أبي بكر - رضي الله عنه - على امرأة لا تعرفه ويتحدثان معًا طويلًا. الجواب: 1 - هذا الأثر ليس صريحًا في الدلالة على ما ذهبوا إليه، فغاية ما فيه مرور خليفة المسلمين على خيمة من خيام الحجيج، فوجد أمرًا منكرًا فنهى عنه. وليس فيه ما يدل على خلو المكان من المحرم، بل يُستفاد من رَدِّهم عليه وجود رجال آخرين: «فَرَآهَا لَا تَكَلَّمُ فَقَالَ: «مَا لَهَا لَا تَكَلَّمُ؟»، قَالُوا: «حَجَّتْ مُصْمِتَةً». فلا خلوة ولا اختلاط بل أمر عابر لم يستغرق ثلاث دقائق، فأين هذا من الاختلاط بدون محرم لساعات طويلة (¬1). 2 - قال الحافظ ابن حجر في معنى الدخول: «لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ يَدْخُلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب» (¬2). ¬

(¬1) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب. (¬2) فتح الباري (9/ 286).

الشبهة الثمانون: كنت عند أنس وعنده ابنة له

الشبهة الثمانون: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ: عن ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ». فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: «مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَاسَوْأَتَاهْ وَاسَوْأَتَاهْ». قَالَ: «هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا» (رواه البخاري). الجواب: أولًا: كم كان عمر ابنة أنس - رضي الله عنه -؟ هل كانت بالغة أم لا؟ نطالب دعاة الاختلاط بدليل أنها كانت بالغة حتى يستقيم لهم الاستدلال بهذا الأثر. ثانيًا: نطالبهم أيضًا بدليل على أن ابنة أنس - رضي الله عنه - كانت جالسة معهم في نفس المكان، وأنها لم تكن تسمع من وراء حجاب كما هو المتبادر من تصورنا لفهم الصحابة وتطبيقهم للأحاديث التي تنهى عن الاختلاط، بل إن مخاطبة النساء للرجال من وراء حجاب كان هو المعهود من فعل المسلمات حتى عهد قريب.

الشبهة الحادية والثمانون: يا أمير المؤمنين، هلك زوجى وترك صبية صغارا

الشبهة الحادية والثمانون: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِى وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى السُّوقِ، فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، فَقَالَتْ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلَكَ زَوْجِى وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا، وَاللهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِىِّ، وَقَدْ شَهِدَ أَبِى الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -». فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ، وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: «مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ».ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِى الدَّارِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا، وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ: «اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِخَيْرٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا». قَالَ عُمَرُ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَاللهِ إِنِّى لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا، فَافْتَتَحَاهُ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِىءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ» (¬1). (رواه البخاري). ¬

(¬1) قَوْله: (مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَكْفُونَ أَنْفُسَهُمْ مُعَالَجَة مَا يَأْكُلُونَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُون الْمُرَاد لَا كُرَاعَ لَهُمْ فَيُنْضِجُونَهُ، الكُرَاع ـ بِضَمِّ الْكَافِ ـ هُوَ مَا دُونَ الْكَعْبِ مِنْ الشَّاةِ. قَوْله: (لَيْسَ لَهُمْ ضَرْع) لَيْسَ لَهُمْ مَا يَحْلِبُونَهُ. وَقَوْله: (وَلَا زَرْعَ) أَيْ لَيْسَ لَهُمْ نَبَاتٌ. قَوْله: (وَخَشِيت أَنْ تَأْكُلهُمْ الضَّبُعُ) أَيْ السَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ، وَمَعْنَى تَأْكُلُهُمْ أَيْ تُهْلِكُهُمْ. قَوْله: (بِنَسَبٍ قَرِيبٍ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ قُرْبَ نَسَبِ غِفَارٍ مِنْ قُرَيْش، لِأَنَّ كِنَانَة تَجْمَعهُمْ. أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا اِنْتَسَبَتْ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مَعْرُوفٍ. قوله (غِرارتين) تثنية غِرارة، وهي التي تتخذ للتبن وغيره. قوله (بخطامه) أي بخطام البعير، وهو الحبل الذي يقاد به سمي بذلك لأنه يقع على الخطم، وهو الأنف. قَوْله: (بَعِيرٍ ظَهِيرٍ) أَيْ قَوِيِّ الظَّهْر مُعَدٍّ لِلْحَاجَةِ. قَوْله: (ثَكِلَتْك أُمُّك) هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ لِلْإِنْكَارِ وَلَا تُرِيدُ بِهَا حَقِيقَتَهَا. قَوْله: (إِنِّي لِأَرَى أَبَا هَذِهِ) يَعْنِي خِفَافًا. قَوْله: (نَسْتَفِيءَ) أَيْ نَسْتَرْجِعُ، يَقُولُ هَذَا الْمَال أَخَذْته فَيْئًا. وَقَوْله: (سُهْمَاننَا) أَيْ أَنْصِبَاؤُنَا مِنْ الْغَنِيمَةِ. (باختصار من فتح الباري لابن حجر (7/ 466)، وعمدة القاري للعيني (26/ 12).

قال دعاة الاختلاط: فهذه امرأة تُكلم عمر، ويكلمها، ويقضي لها حاجتها. الجواب: هذا حوار عابر دار في السوق أمام الناس بين أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - وبين امرأة من رعيته قد مات زوجها، وليس لأولادها مال من زرع أو حيوان أو غيرهما، فذهبت إلى ولي أمر المسلمين تبُثُّ إليه شكواها بعد الله - عز وجل -، فقضى لها أمير المؤمنين حاجتها، ثم انصرفت، فلا اختلاط ولا خلوة، ولا خضوع بالقول، ولا كلام زائد عن الحاجة. وقد سمع الراوي ما دار بينهما وذكره بالتفصيل. فأين هذا مما يدعو إليه دعاة الاختلاط في العمل والدراسة لساعات طوال (¬1). ¬

(¬1) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الثانية والثمانون: يفعل هذا عندكم؟

الشبهة الثانية والثمانون: يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى قُرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي عُرْسٍ وَإِذَا جَوَارٍ يُغَنِّينَ فَقُلْتُ: «أَنْتُمَا صَاحِبَا رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَمِنْ أَهْلِ بَدْرٍ يُفْعَلُ هَذَا عِنْدَكُمْ؟»، فَقَالَ: «اجْلِسْ؛ إِنْ شِئْتَ فَاسْمَعْ مَعَنَا، وَإِنْ شِئْتَ اذْهَبْ؛ قَدْ رُخِّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ» (رواه النسائي، وحسنه الألباني). قال دعاة الاختلاط: «استمر حضور واجتماع الرجال والنساء في العرس حتى بعد عصر النبوة». الجواب: أين النساء في هذا الأثر؟ إنهن جوارٍ صغار، فالجارية هي البنت الصغيرة، أو المملوكة؛ وهن غير مأمورات بالحجاب. قال الملا علي القاري في شرحه لهذا الحديث: «جَوارٍ، جمع جارية أي بنات صغيرات، أو مملوكات» (¬1). وهذا الأثر لا يدل على جواز استماع الرجال إلى غناء النساء في الزفاف؛ فإن الغناء المباح جائز في العرس إذا لم تكن فيه موسيقى ولا خلاعة، ويجوز للرجال سماعه إذا كان من بنات صغيرات لا تُخاف الفتنة بهن (¬2). ¬

(¬1) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (10/ 99). (¬2) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى:60800). وانظر (فتح الباري) شرح حديث (949، 5590).

الشبهة الثالثة والثمانون: هل زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كن يجالسن الرجال؟

الشبهة الثالثة والثمانون: هل زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنَّ يُجالسن الرجال؟ قال دعاة الاختلاط: لا مانع من مشاركة المرأة الرجل أو الرجال في أعمالهم الوظيفية، وفي مجالس العلم والذكر ما دامت متحجبة. ويحتجون لذلك برواىة كثير من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - أحاديث عن عائشة وغيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويحتجون كذلك بتدريس عائشة - رضي الله عنها - لبقية الصحابة، وبفتاويها التي كانت تُفتِي بها. فهل يعني ذلك أن زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنَّ يُجالسن الرجال؟ الجواب: جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «لا مانع شرعًا من قيام المرأة بواجب التدريس، والوعظ والإفتاء، لكن مع مراعاة الحجاب الشرعي، والأمن من الفتنة، وعدم الاختلاط المريب، كما حصل من عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابيات، ولقوله تعالى في أمهات المؤمنين: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب: 34)» (¬1). والأحاديث التي رواها الصحابة والتابعون عن زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: 1 - إمَّا أنهم سمعوها من وراء حجاب؟ ومنها حديث مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ... ». (رواه البخاري ومسلم). وحديث يُوسُفَ بْنِ ¬

(¬1) باختصار من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/ 82 - 87).

مَاهَكَ قَالَ: « ... فَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» (رواه البخاري). فالشاهد أن زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنَّ يُكَلّمْنَ الرجال من وراء حجاب. 2 - وإمَّا أن يكونوا من أرحامهن كعبد الله بن الزبير وعروة بن الزبير سمعوا تلك الأحاديث من عائشة - رضي الله عنها - مباشرة وحدثوا بها، وهي خالتهما أخت أمهما أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهم -. 3 - وإمَّا أن النساء كنَّ يبلغن أزواجهنَّ الأحاديث التي في بيت النبوة من عائشة وغيرها من زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يسمَعْنَها. ثم لا يخفى أن زوجات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كنَّ يتحدثن إلى الرجال الأجانب في بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بلا فاصل، فلما نزل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53)، احتجبْنَ فلم يحدِّثْنَ أحدًا من غير محارمهن إلا من وراء حجاب (¬1). قال الإمام البخاري في ترجمة عبد الله أبي الصهباء الباهلي: «ورأى سِتْرَ عائشة - رضي الله عنها - في المسجد الجامع، تُكَلِّم الناس من وراء السِّتر، وتُسأل من ورائه» (¬2). وليس هذا مختصًا بأمهات المؤمنين بل كانت النساء إذا تعلّمن أو عَلّمن يكون ذلك من وراء حجاب، ففي مسند الإمام أحمد: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى: 24931). (¬2) التاريخ الكبير (ترجمة رقم 359).

سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَى أَبِي الْأَشْهَبِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: «حَدِّثْنَا»، قَالَ: «سَلُوا»، فَقَالُوا: «مَا مَعَنَا شَيْءٌ نَسْأَلُكَ عَنْهُ»، فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: «سَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ». والشواهد كثيرة على أن مجالس سلف هذه الأمة وخيارها لم تكن مفتوحة على بعض بل كان بينها السّتور، كما أن نساء هذه الأمة لم يَكنّ يُعلّمن أو يَتعلّمن إلا من وراء حجاب وسِتر (¬1). ¬

(¬1) انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (2/ 82 - 93).

الشبهة الرابعة والثمانون: هل قتلت أسماء بنت يزيد سبعة من الروم يوم اليرموك؟

الشبهة الرابعة والثمانون: هل قتلت أسماء بنت يزيد سبعة من الروم يوم اليرموك؟ قالوا: شهدت أسماء بنت يزيد موقعة اليرموك وقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها؛ عَنْ مُحَمَّدِ بن مُهَاجِرٍ، وَعَمْرُو بن مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ أَسْمَاءَ بنتَ يَزِيدَ بن السَّكَنِ بنتِ عَمِّ مُعَاذِ بن جَبَلٍ قَتَلَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ تِسْعَةً مِنَ الرُّومِ بِعَمُودِ فُسْطَاطِهَا. (رواه سعيد بن منصور في سننه، والطبراني في (المعجم الكبير)، وحسنه الألباني). الجواب: 1 - القصة لا يصح الاستدلال بها؛ لأنه لا يُفهم من القصة أنها قاتلت مع الرجال وبحضرتهم، بل ظاهرها أنها قتلت السبعة المذكورين لما جاؤوا إلى خيمتها أو اقتربوا منها (¬1). 2 - شتان بين خروج المرأة مع محارمها ودفاعها عن نفسها عند مهاجمة خيمتها، وبين الاختلاط في الدراسة أوالعمل لساعات بدون محرم ولا ضرورة. ¬

(¬1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لمحمد بن عبد الله الإمام، (ص 181).

الشبهة الخامسة والثمانون: زيارة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأم أيمن - رضي الله عنها - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -

الشبهة الخامسة والثمانون: زيارة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأم أيمن - رضي الله عنها - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: قالوا: لا مانع من استقبال الزوجة ضيوف زوجها من الرجال، حتى في عدم وجوده، ويحتجون لذلك بزيارة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأم أيمن - رضي الله عنها - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. الجواب: روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِعُمَرَ: «انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَزُورُهَا»، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: «مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، فَقَالَتْ: «مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ السَّمَاءِ»، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. ويقال في ذلك ما قيل في جواب الشبهة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (¬1) من أن هذا محمول على ما إذا وُجِدَتْ الدواعي إلى الدخول عليها عند غيبة زوجها ومحارمها، وأُمِنَتْ الفتنة، وبَعُد التواطؤ منهم على الفاحشة، لا على الإطلاق. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من (صحيح مسلم): «فِيهِ ... زِيَارَة جَمَاعَة مِنْ الرِّجَال لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَة، وَسَمَاع كَلَامهَا» (¬2). ثم إن أم أيمن كانت حاضنة النبى - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقد توفي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعمره ثلاث وستون سنة، فكم كان عمر أم أيمن بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين زارها أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -؟ ¬

(¬1) انظر ص. (¬2) شرح صحيح مسلم (16/ 10).

الشبهة السادسة والثمانون: انصراف بعض الصحابة - رضي الله عنهم - بعد صلاة الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بيت امرأة من الأنصار

الشبهة السادسة والثمانون: انصراف بعض الصحابة - رضي الله عنهم - بعد صلاة الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بيت امرأة من الأنصار: قالوا: من الأدلة على جواز الاختلاط: الأحاديث الصحيحة أن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا إذا صلوا معه الجمعة انصرفوا إلى بيت امرأة من الأنصار فأطعمتهم وناموا عندها!!! الجواب: عند النظر في هذه الأحاديث الصحيحة تعجب من طريقة هؤلاء في فهم النصوص وبناء أحكام تخالف الشرع بناءً على خيالاتهم المريضة. أولًا: ها هي روايات الحديث كما وردت في صحيح البخاري: باب قَوْلِ اللهِ تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}. 1 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: «كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، قُلْتُ: «وَلِمَ؟»، قَالَ: «كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ ـ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ ـ فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ، وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ». 2 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ.

3 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: «مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ». (الباب الذي بعده): (بَاب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ) 4 - عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: «كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ». 5 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْجُمُعَةَ ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ». (باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ): 6 - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلَا نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاللهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ» (¬1). ثانيًا: هؤلاء صبيان لم يبلغوا فسهل بن سعد - رضي الله عنه - الذي يحكي عن نفسه الحضور كان حينئذِ صبيًّا صغيرًا دون البلوغ قطعًا؛ قال الزهري: «رأى سهل بن سعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وسمع منه وذكر أنه كان له يوم توفي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خمس عشرة سنة» (¬2). وكيف لأحد أن يثبت أن من كانوا معه لم يكونوا صبيان مثله، والغالب أن رفيق ¬

(¬1) َتُكَرْكِر: أَيْ تَطْحَن. وبُضَاعَة: نَخْل بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُرَاد بِالنَّخْلِ الْبُسْتَان، وَلِذَلِكَ كَانَ يُؤْتَى مِنْهَا بِالسِّلْقِ. وَالْأَرْبِعَاءَ: جَمْع رَبِيع، وَالرَّبِيع اَلْجَدْوَل وَقِيلَ اَلصَّغِيرُ وَقِيلَ اَلسَّاقِيَة اَلصَّغِيرَة وَقِيلَ حَافَات اَلْأَحْوَاض، وَالسِّلْق ـ بِكَسْرِ اَلْمُهْمَلَةِ ـ مَعْرُوف. قَوْله: (فَتَكُونُ أُصُول اَلسِّلْقِ عَرْقَه) أَيْ عَرْق اَلطَّعَام، وَالْعَرْق اَللَّحْم اَلَّذِي عَلَى اَلْعَظْمِ، وَالْمُرَاد أَنَّ اَلسِّلْقَ يَقُومُ مَقَامه عِنْدَهُمْ. الْقَائِلَة: َهِيَ النَّوْم فِي وَسَط النَّهَار عِنْد الزَّوَال وَمَا قَارَبَهُ مِنْ قَبْل أَوْ بَعْد، وَيُقَال لَهَا أَيْضًا الْقَيْلُولَة، الوَدَك: هُوَ الدَّسَم. (باختصار من فتح الباري 2/ 426). (¬2) أُسْد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (1/ 486).

الصييِّ صبيٌّ (¬1). ثالثًا: على فرض أن الداخلين كانوا من الرجال فليس في الخبر أن البيت لم يكن فيه محرم، بل غاية ما فيه أن جمعًا من الرجال مأموني الفتنة دخلوا على امرأة عجوز فأطعمتهم، وهي من القواعد من النساء وغير مأمورة بالحجاب، وليس في الحديث اختلاط ولا خلوة ولا نوم عندها. وليس في هذا الخبر إلا أن المرأة طبخت الطعام في مزرعتها ثم قدمت لهم الطعام فأكلوا ثم انصرفوا بعد انتهائهم من تناوله. وذلك كحال المعطي والآخذ، وما يفهم أبعد من ذلك فمجرد ظنون لا أساس لها (¬2). رابعًا: ليس في الحديث ما يدل على أنها كانت تأكل معهم فربما قدمَتْه لهم وانصرفَتْ، وقد يكون تقديم هذا الطعام عن طريق خادم أو أحد المحارم. خامسًا: مثل هذا الدخول محمول على ما إذا وُجِدَتْ الدواعي إلى الدخول عليها عند غيبة زوجها ومحارمها، وأُمِنَتْ الفتنة، وبَعُد التواطؤ منهم على الفاحشة، لا على الإطلاق. ومثله ما سبق من زيارة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - لأم أيمن - رضي الله عنها -. (رواه مسلم). فأين هذا من الاختلاط في العمل أو الدراسة لساعات طوال الأسبوع. سادسًا: معنى قول سهل بن سعد - رضي الله عنه -: «وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» ليس فيه أن الصحابة كانوا يقيلون عندها، بل فيه وصف لحال المجتمع ككل بأن القيلولة والغداء كانا بعد صلاة الجمعة. ¬

(¬1) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. (¬2) الاختلاط وأهل الخلط للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي.

ويوضح ذلك رواية البخاري: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا، وَقَالَ: «مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ». قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: قَوْله: (بِهَذَا) أَيْ بِالْحَدِيثِ الذِي قَبْلَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَبَا غَسَّان وَعَبْد العَزِيز بْن أَبِي حَازِم اِشْتَرَكَا فِي رِوَايَةِ هَذَا الحَدِيثِ عَنْ أَبِي حَازِم، وَزَادَ عَبْد العَزِيز الزِّيَادَةَ المَذْكُورَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ: «مَا كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الجُمُعَة»، وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو غَسَّان مُفْرَدَة كَمَا فِي البَابِ الذِي بَعْدَهُ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْر الغَدَاءِ» (¬1). سابعًا: ماذا فهم العلماء من هذا الحديث؟ هل فهموا ما فهمه دعاة الاختلاط؟: 1 - بوَّب عليه الإمام النووي في رياض الصالحين على هذا الحديث: (باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات لا يخاف الفتنة بهن وسلامهن بهذا الشرط). 2 - ابن بطال: «فيه ما كان السلف عليه من الاقتصار فى مطعمهم وتقللهم واقتصارهم على الدون من ذلك، ألا ترى حرصهم على السلق والشعير، وهذا يدل أنهم كانوا لا يأكلون ذلك فى كل وقت ولم تكن همتهم اتباع شهواتهم، وإنما كانت همتهم من القوت فيما يبلغهم المحل ويدفعون سورة الجوع بما يمكن، فمن كان حريصًا أن يكون فى الآخرة مع صالح سلفه فليسلك سبيلهم وليَجْرِ على طريقتهم ولْيَقْتَد بهديهم» (¬2). 3 - الحافظ ابن حجر: «وَفِي الْحَدِيث مَا كَانَ السَّلَف عَلَيْهِ مِنْ الِاقْتِصَاد وَالصَّبْر عَلَى قِلَّة الشَّيْء إِلَى أَنْ فَتَحَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ الْفُتُوح الْعَظِيمَة، فَمِنْهُمْ مَنْ تَبَسَّطَ فِي الْمُبَاحَات مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ اِقْتَصَرَ عَلَى الدُّون مَعَ الْقُدْرَة زُهْدًا وَوَرَعًا» (¬3). ¬

(¬1) فتح الباري (2/ 427). (¬2) شرح البخاري لابن بطال (18/ 90). (¬3) فتح الباري (9/ 655).

الشبهة السابعة والثمانون: تماروا عندها يوم عرفة

الشبهة السابعة والثمانون: تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ: عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ بَعْضُهُمْ: «هُوَ صَائِمٌ»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «لَيْسَ بِصَائِمٍ»، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ» (¬1) (رواه البخاري ومسلم). قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري: «وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد ... الْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْم بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ» (¬2). الجواب: 1 - ليس في هذا الحديث تصريح بأن مَن كانوا عند أم الفضل لم يكونوا من محارمها. 2 - في الحديث: (أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ) فمعلوم أن (عند) تفيد (الحيز) لا (الملاصقة) , فقد يكونون في (الحيز) الخاص بها في يوم عرفة وسَمِعتهم. 3 - قول الحافظ ابن حجر: «وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد ... الْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْم بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ»، ليس فيه حجة لدعاة الاختلاط؛ ويجب أن يُفهم كلامه في ضوء قوله في شرح حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: «يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟»، قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (رواه البخاري ومسلم). ¬

(¬1) قَوْله: (أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا) أَيْ اِخْتَلَفُوا. قَوْله: (فِي صَوْم النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -) هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ صَوْم يَوْمِ عَرَفَةَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ مُعْتَادًا لَهُمْ فِي الْحَضَر، وَكَأَنَّ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ صَائِم اِسْتَنَدَ إِلَى مَا أَلِفَهُ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ قَامَتْ عِنْدَهُ قَرِينَةُ كَوْنِهِ مُسَافِرًا، وَقَدْ عُرِفَ نَهْيُهُ عَنْ صَوْمِ الْفَرْضِ فِي السَّفَر فَضْلًا عَنْ النَّفْل».قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري (4/ 236). (¬2) فتح الباري (4/ 237).

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: « ... وَتَقْدِير الْكَلَام اِتَّقُوا أَنْفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ ... ، وَتَضَمَّنَ مَنْعَ الدُّخُول مَنْع الْخَلْوَة بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى» (¬1). 4 - هذا الأمر مجرد استفسار عن حكم شرعي لمعرفة صيام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من عدمه يوم عرفة، وأين هذا الشيء العارض في مكان عام مع وجود المحارم من الاختلاط الذي قد يدوم لساعات بدون محارم (¬2). 5 - إن صح الاستدلال بذلك على جواز الْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْم بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الأجنبيات، فكيف ستكون صفته؟ هل كما يتخيل دعاة الاختلاط الرجال والنساء جالسون أمام بعضهم البعض والنساء كاشفات عن وجوههن وبعض أجسامهن ينظر بعضهم إلى بعض كما هو الحال اليوم؟ أم كان ذلك من وراء الحجاب؟ كما في حديث مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ: «سَمِعْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ... ». (رواه البخاري ومسلم). وحديث يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: « ... فَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ـ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عُذْرِي» (رواه البخاري)، وقال الإمام البخاري في ترجمة عبد الله أبي الصهباء الباهلي: «ورأى سِتْرَ عائشة - رضي الله عنها - في المسجد الجامع، تُكَلِّم الناس من وراء السِّتر، وتُسأل من ورائه» (¬3). وليس هذا مختصًا بأمهات المؤمنين بل كانت النساء إذا تعلّمن أو عَلّمن يكون ¬

(¬1) فتح الباري (9/ 400 - 401). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب. (¬3) التاريخ الكبير (ترجمة رقم 359).

ذلك من وراء حجاب، ففي مسند الإمام أحمد: «حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: جَاءَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَى أَبِي الْأَشْهَبِ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: «حَدِّثْنَا»، قَالَ: «سَلُوا»، فَقَالُوا: «مَا مَعَنَا شَيْءٌ نَسْأَلُكَ عَنْهُ»، فَقَالَتْ ابْنَتُهُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: «سَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ». والشواهد كثيرة على أن مجالس سلف هذه الأمة وخيارها لم تكن مفتوحة على بعض بل كان بينها السّتور، كما أن نساء هذه الأمة لم يَكنّ يتعلّمن أو يَتعلّمن إلا من وراء حجاب وسِتر.

الشبهة الثامنة والثمانون: أتيت امرأة من بني قيس، ففلت رأسي

الشبهة الثامنة والثمانون: أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي: ما رواه البخاري ومسلم عن أَبِي مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي: «أَحَجَجْتَ؟»، فَقُلْتُ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: «بِمَ أَهْلَلْتَ؟» قَالَ: «قُلْتُ: «لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، قَالَ: «فَقَدْ أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ»، قَالَ: «فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَيْسٍ، فَفَلَتْ رَأْسِي (¬1) ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ». ¬

(¬1) قَوْله: (فَفَلَتْ) بِفَاء التَّعْقِيب بَعْدَهَا فَاء ثُمَّ لَام خَفِيفَة مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُثَنَّاة أَيْ تَتَبَّعَتْ الْقَمْل مِنْهُ». قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري (3/ 569). قال الإمام النووي: «فِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا جَوَاز تَعْلِيق الْإِحْرَام فَإِذَا قَالَ: أَحْرَمْت بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ زَيْد صَحَّ إِحْرَامه، وَكَانَ إِحْرَامه كَإِحْرَامِ زَيْد. فَإِنْ كَانَ زَيْد مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ أَوْ قَارِنًا كَانَ الْمُعَلِّق مِثْله، وَإِنْ كَانَ زَيْد أَحْرَمَ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعَلِّق مُطْلَقًا، وَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَصْرِف إِحْرَامه إِلَى مَا يَصْرِف زَيْد إِحْرَامه إِلَيْهِ، فَلَوْ صَرَفَ زَيْد إِحْرَامه إِلَى حَجّ كَانَ لِلْمُعَلِّقِ صَرْف إِحْرَامه إِلَى عُمْرَة، وَكَذَا عَكْسه. وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب الثَّنَاء عَلَى مَنْ فَعَلَ جَمِيلًا لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَحْسَنْت». وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة وَأَحِلّ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَارَ كَالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَتَكُون وَظِيفَته أَنْ يَفْسَخ حَجّه إِلَى عُمْرَة فَيَأْتِي بِأَفْعَالِهَا وَهِيَ الطَّوَاف وَالسَّعْي وَالْحَلْق، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ حَلَالًا وَتَمَّتْ عُمْرَته، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُر الْحَلْق هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ وَيُحْتَمَل أَنَّهُ دَاخِل فِي قَوْله وَأَحِلّ. وَقَوْله: (ثُمَّ أَهْلَلْت بِالْحَجِّ) يَعْنِي أَنَّهُ تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ، وَأَقَامَ بِمَكَّة حَلَالًا إِلَى يَوْم التَّرْوِيَة وَهُوَ الثَّامِن مِنْ ذِي الْحِجَّة، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَوْم التَّرْوِيَة كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة. فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَلَّقَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو مُوسَى - رضي الله عنهما - إِحْرَامهمَا بِإِحْرَامِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَمَرَ عَلِيًّا بِالدَّوَامِ عَلَى إِحْرَامه قَارِنًا، وَأَمَرَ أَبَا مُوسَى بِفَسْخِهِ إِلَى عُمْرَة، فَالْجَوَاب أَنَّ عَلِيًّا - رضي الله عنه - كَانَ مَعَهُ الْهَدْي كَمَا كَانَ مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - الْهَدْي فَبَقِيَ عَلَى إِحْرَامه كَمَا بَقِيَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَكُلّ مَنْ مَعَهُ هَدْي، وَأَبُو مُوسَى لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي، وَلَوْلَا الْهَدْي مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَجَعَلَهَا عُمْرَة». (شرح صحيح مسلم (8/ 199).

الجواب: 1 - قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «وَقَوْله: (ثُمَّ أَتَيْت اِمْرَأَة مِنْ بَنِي قَيْس فَفَلَتْ رَأْسِي) هَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَة كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ» (¬1). 2 - لو ساغ أن يُسْتَدَلَّ بفعل مجمل على ظاهره دون الرجوع إلى المحكم لاسْتَحَلَّ الناس الحرام القطعي بالظنون، ففي بعض النصوص قد تجد ذِكْرَ رجل مع امرأة، فهل يُسْتَدل بذلك على جواز الخلوة والاختلاط والعلاقات المحرمة لأنه لم يَرِدْ في النَصِّ ذِكْرُ الرحم بينهما؟!!! إن الأصل في الشرع أن الرجل إذا وُجد مع امرأة تُحْمَل على أنه من محارمه إلا لظِنَّة أو شبهة، هذا الأصل في المسلمين فكيف بالصحابة والتابعين (¬2). ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (8/ 199). (¬2) الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي، (ص 22).

الشبهة التاسعة والثمانون: حوار بين عمر وسودة

الشبهة التاسعة والثمانون: حوار بين عمر وسودة - رضي الله عنهما -: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: «يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِى كَيْفَ تَخْرُجِينَ»، قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى بَيْتِى، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى، وَفِى يَدِهِ عَرْقٌ فَدَخَلَتْ، فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِى فَقَالَ لِى عُمَرُ كَذَا وَكَذَا». قَالَتْ: «فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِى يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ» (رواه البخاري ومسلم). الجواب: 1 - جاء صريحًا في رواية البخاري أن هذا كان قبل الحجاب، ففي البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ ـ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ ـ فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «احْجُبْ نِسَاءَكَ». فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: «أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ». حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ. 2 - لا تدخل هذه في صور الاختلاط المحرم؛ لأنه لقاء محدود تقتضيه طبيعة الحياة البشرية، وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية عند تعاملها مع الرجال الأجانب ولذا نلحظ أن سودة - رضي الله عنها - لم تَرُدّ على عمر ولم تخاطبه بل انكفأت راجعة إلى بيتها، فهل يقارن هذا بما يحدث من اختلاط في العمل والتعليم (¬1). ¬

(¬1) انظر: الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان.

الشبهة التسعون: صلاة عمرو بن سلمة بقومه وهو صغير

الشبهة التسعون: صلاة عمرو بن سلمة بقومه وهو صغير: عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: «كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: «مَا لِلنَّاسِ؟ مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟» فَيَقُولُونَ: «يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ أَوْحَى اللهُ بِكَذَا». فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِى صَدْرِى، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نَبِىٌّ صَادِقٌ. فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِى قَوْمِى بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: «جِئْتُكُمْ وَاللهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حَقًّا»، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِى حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا كَذَا فِى حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا». فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّى، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَىَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّى، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَىِّ: «أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ». فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِى قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ فَرَحِى بِذَلِكَ الْقَمِيصِ». (رواه البخاري) (¬1). الجواب: 1 - عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ كان طفلًا فعمره ست أوسبع سنين وليس عنه حجاب. 2 - كان هذا في بداية إسلامهم، ولا يُستَغرب أن يحدث من رجل أو امرأة لم يتعلما من أحكام الإسلام إلا القليل، بل إن صغيرهم أصبح أعلمهم بكتاب الله. 3 - كان هذا في الصلاة ولا مانع من شهود النساء للجماعة (¬2) بالضوابط الشرعية. ¬

(¬1) «قَوْله: (مَا هَذَا الرَّجُل) أَيْ يَسْأَلُونَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَعَنْ حَال الْعَرَب مَعَهُ. قَوْله: (أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْحَى اللَّه بِكَذَا) يُرِيد حِكَايَة مَا كَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ مِمَّا سَمِعُوهُ مِنْ الْقُرْآن. (يُغَرِّي) أَيْ يُلْصَق بِالْغِرَاءِ. قَوْله: (تَلَوَّمَ) أَيْ تَنْتَظِر. قَوْله: (وَبَدَرَ) أَيْ سَبَقَ. قَوْله: (تَقَلَّصَتْ) أَيْ انْجَمَعَتْ وَارْتَفَعَتْ. قَوْله: (فَاشْتَرَوْا) أَيْ ثَوْبًا». (باختصار من شرح الحافظ ابن حجر لهذا الحديث من صحيح البخاري). (¬2) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص 182).

الشبهة الحادية والتسعون: تحول الصحابة في الصلاة النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء عندما علموا بوجوب استقبال الكعبة

الشبهة الحادية والتسعون: تَحَوَّلَ الصحابة في الصلاة النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء عندما علموا بوجوب استقبال الكعبة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِى صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا».وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ». (رواه البخاري ومسلم). قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من صحيح البخاري مبيِّنًا كيفية التحول: «وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّة التَّحَوُّل فِي حَدِيث ثُوَيْلَة بِنْت أَسْلَمَ عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَتْ فِيهِ: «فَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء، فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام». قُلْت (أي الحافظ ابن حجر): «وَتَصْوِيره أَنَّ الْإِمَام تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانه فِي مُقَدَّم الْمَسْجِد إِلَى مُؤَخَّر الْمَسْجِد؛ لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة اِسْتَدْبَرَ بَيْت الْمَقْدِس، وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانه لَمْ يَكُنْ خَلْفه مَكَان يَسَع الصُّفُوف، وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَام تَحَوَّلَتْ الرِّجَال حَتَّى صَارُوا خَلْفه وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاء حَتَّى صِرْنَ خَلْف الرِّجَال، وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاة فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل تَحْرِيم الْعَمَل الْكَثِير كَمَا كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام، وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اُغْتُفِرَ الْعَمَل الْمَذْكُور مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَة الْمَذْكُورَة، أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْد التَّحْوِيل بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَة. وَاللهُ أَعْلَم». الجواب: هذه الحادثة وقعت قبل فرض الحجاب (¬1)، فعن الْبَرَاء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الْكَعْبَةِ». (رواه مسلم). فتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام كان في السنة الثانية للهجرة، ونزول آيات الحجاب كان في العام الخامس الهجري. ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص185).

الشبهة الثانية والتسعون: سكنى المهاجرين مع الأنصار

الشبهة الثانية والتسعون: سكنى المهاجرين مع الأنصار: عن خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِىُّ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ ـ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بَايَعَتِ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِى السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ. قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: «فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى، فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى إِذَا تُوُفِّىَ وَجَعَلْنَاهُ فِى ثِيَابِهِ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَقُلْتُ: «رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ». فَقَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ؟». فَقُلْتُ: «لاَ أَدْرِى بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللهِ». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ ـ وَاللهِ ـ الْيَقِينُ وَإِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِى ـ وَأَنَا رَسُولُ اللهِ ـ مَا يُفْعَلُ بِى». قَالَتْ: «فَوَاللهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِى ذَلِكَ». قَالَتْ: «فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِى، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «ذَلِكَ عَمَلُهُ». (رواه البخاري ومسلم). الجواب: هذه الحادثة كانت قبل فرض الحجاب؛ فلا يسوغ الاستدلال بها؛ فسياقها واضح الدلالة أنه كان في بداية مقدم المهاجرين إلى المدينة، وأما الحجاب فقد تأخر إلى السنة الخامسة (¬1). ¬

(¬1) الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص186).

الشبهة الثالثة والتسعون: دخول البراء بن عازب على عائشة مع أبي بكر - رضي الله عنهم -

الشبهة الثالثة والتسعون: دخول البراء بن عازب على عائشة مع أبي بكر - رضي الله عنهم -: قَالَ الْبَرَاءُ: «فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِى بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ، قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا، وَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ». (رواه البخاري). الجواب: 1 - قال الحافظ ابن حجر: «وَكَانَ دُخُول الْبَرَاء عَلَى أَهْل أَبِي بَكْر قَبْل أَنْ يَنْزِل الْحِجَاب قَطْعًا، وَأَيْضًا فَكَانَ حِينَئِذٍ دُون الْبُلُوغ وَكَذَلِكَ عَائِشَة» (¬1). 2 - على فرض صحة استدلالهم فهذا لقاء عارض ومحدود، وأبو بكر مَحْرَم لعائشة - رضي الله عنهما -، فأين هذا من الساعات الطوال التي تقضيها المرأة مع زميلها في العمل، أو الطالب مع زميلته في قاعة الدراسة بلا مَحْرَم (¬2). ¬

(¬1) فتح الباري (7/ 256). (¬2) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب.

الشبهة الرابعة والتسعون: العلم نور

الشبهة الرابعة والتسعون: العلم نور: إن الهوى يعمي ويصم، إن مصيبة دعاة الاختلاط أنهم يصدرون حكما مسبقًا بجوازه ثم ينظرون في ظواهر الأحاديث لعلهم يجدون فيها بغيتهم، فإذا ظفروا بما يظنونه دليلًا قالوا بلسان الحال: ها هو فعل الصحابة فأين نحن من الصحابة؟ ويستدلون بمثل هذا الموقف: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا، فَلَمَّا جَاءَهَا قَالَتْ: «عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا»، فَقَالَ: «إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدْ اللهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتْ اللهَ فَشَمَّتُّهَا؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ» (رواه مسلم). إن المستدل بهذا الموقف ـ والذي كان يحارب الاختلاط يومًا ما ـ ظن أن أبا بُردة دخل على أبي موسى الأشعري في بيت بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وهي أجنبية عنهما، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَهَا، ولم يشمِّتْ أبا بردة، فلما ذهب أبو موسى لأم أبي بردة لامَتْهُ في ذلك. وأبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، وبِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ هِيَ أُمّ كُلْثُوم بِنْت الْفَضْل بْنِ عَبَّاس اِمْرَأَة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، تَزَوَّجَهَا بَعْد فِرَاق الْحَسَن بْن عَلِيّ لَهَا، وأم أبي بردة هي اِمْرَأَة أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كما قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم (¬1). فالحوار كله بين أبي موسى وابنه وزوجتيه، فأين الاختلاط هنا وأبو موسى - رضي الله عنه - ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (18/ 122).

وابنه محرمان للمرأتين. وغرَّ هذا المستدلَّ قولُ أَبِي بُرْدَةَ: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى»، ولم يقل: «دخلت على أبي».ولو كلف نفسه الرجوع إلى شرح من شروح الحديث ما قال ما قال. فائدة: قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «هَذَا تَصْرِيح بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِس، وَتَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَدهُ فَيُكْرَه تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَد، فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعهُ الْإِنْسَان لَمْ يُشَمِّتهُ. وَقَالَ مَالِك: لَا يُشَمِّتهُ حَتَّى يَسْمَع حَمْده. قَالَ: فَإِنْ رَأَيْت مِنْ يَلِيه شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ. قَالَ الْقَاضِي: قَالَ بَعْض شُيُوخنَا: وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِس بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَة بِخُرُوجِ مَا اِخْتَنَقَ فِي دِمَاغه مِنْ الْأَبْخِرَة» (¬1). ¬

(¬1) شرح صحيح مسلم (18/ 122).

الشبهة الخامسة والتسعون: ابن عمر ومولاة له

الشبهة الخامسة والتسعون: ابن عمر ومولاة له: عَنْ يُحَنِّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فِى الْفِتْنَةِ فَأَتَتْهُ مَوْلاَةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: «إِنِّى أَرَدْتُ الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ». فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللهِ: «اقْعُدِى، لَكَاعِ؛ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». (رواه مسلم). الجواب: 1 - بالنسبة لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فهذه مولاته ـ يعني ملك يمينه ـ قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (المؤمنون: 5 - 6). قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم: «قَوْله: (إِنَّ اِبْن عُمَر قَالَ لِمَوْلَاتِه: اُقْعُدِي لَكَاع) هِيَ بِفَتْحِ اللَّام، وَأَمَّا الْعَيْن فَمَبْنِيَّة عَلَى الْكَسْر. قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: اِمْرَأَة لَكَاع، وَرَجُل لُكَع، بِضَمِّ اللَّام وَفَتْح الْكَاف، وَيُطْلَق ذَلِكَ عَلَى اللَّئِيم، وَعَلَى الْعَبْد، وَعَلَى الْغَبِيّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي لِكَلَامِ غَيْره، وَعَلَى الصَّغِير. وَخَاطَبَهَا اِبْن عُمَر بِهَذَا إِنْكَارًا عَلَيْهَا لَا دَلَالَة عَلَيْهَا، لِكَوْنِهَا مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَيْهِ وَيَتَعَلَّق بِهِ، وَحَثَّهَا عَلَى سُكْنَى الْمَدِينَة لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضْل». 2 - بالنسبة ليُحَنِّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ: هذا لقاء عابر، سألت الأمة ابن عمر - رضي الله عنهما - فأجابها، لا شيء في الأثر غير ذلك.

الشبهة السادسة والتسعون: حوار بين عمر بن الخطاب وأسماء بنت عميس - رضي الله عنهما -

الشبهة السادسة والتسعون: حوار بين عمر بن الخطاب وأسماء بنت عميس - رضي الله عنهما -: عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ: «بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِى أَنَا أَصْغَرُهُمَا أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ ـ إِمَّا قَالَ بِضْعًا وَإِمَّا قَالَ ثَلاَثَةً وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِى ـ فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِىِّ بِالْحَبَشَةِ فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ فَقَالَ جَعْفَرٌ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَعَثَنَا هَا هُنَا وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا». فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا ـ أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا ـ وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلاَّ لأَصْحَابِ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، فَكَانَ نَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا ـ يَعْنِى لأَهْلِ السَّفِينَةِ ـ: «نَحْنُ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ». فَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ـ وَهِىَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا ـ عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِىِّ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: «مَنْ هَذِهِ؟»، قَالَتْ: «أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ». قَالَ عُمَرُ: «الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: «نَعَمْ». فَقَالَ عُمَرُ: «سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ؛ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مِنْكُمْ». فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلِمَةً: «كَذَبْتَ يَا عُمَرُ، كَلاَّ وَاللهِ؛ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِى دَارِ أَوْ فِى أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ فِى الْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِى

اللهِ وَفِى رَسُولِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأَسْأَلُهُ وَوَاللهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَتْ: «يَا نَبِىَّ اللهِ، إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا». فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِى مِنْكُمْ وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ». قَالَتْ: «فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِى أَرْسَالاً يَسْأَلُونِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَا مِنَ الدُّنْيَا شَىْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -. قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: «فَقَالَتْ أَسْمَاءُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّى». الجواب: 1 - شرح الحديث باختصار من كلام الحافظ ابن حجر والإمام النووي في شرحهما لهذا الحديث من صحيحي البخاري ومسلم: قَوْله: (دَخَلَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ) هِيَ زَوْج جَعْفَر. قَوْله: (عَلَى حَفْصَة) زَوْج النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. قَوْله: (الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ؟) نَسَبَهَا إِلَى الْحَبَشَةِ لِسُكْنَاهَا فِيهِمْ، وَإِلَى الْبَحْرِ لِرُكُوبِهَا إِيَّاهُ. قَوْلهَا لِعُمَر - رضي الله عنه -: (كَذَبْت) أَيْ أَخْطَأْت، وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوا كَذَبَ بِمَعْنَى أَخْطَأَ. قَوْلهَا: (وَكُنَّا فِي دَار الْبُعَدَاء الْبُغَضَاء) قَالَ الْعُلَمَاء: الْبُعَدَاء فِي النَّسَب، الْبُغَضَاء فِي

الدِّين؛ لِأَنَّهُمْ كُفَّار إِلَّا النَّجَاشِيّ، وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ عَنْ قَوْمه. قَوْله: (وَذَلِكَ فِي اللهِ وَفِي رَسُوله) أَيْ لِأَجَلِهِمَا. قَوْله: (هِجْرَتَانِ) لِابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ: «قَالَتْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ: «يَا رَسُول اللهِ، إِنَّ رِجَالًا يَفْخَرُونَ عَلَيْنَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّا لَسْنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ؟، فَقَالَ: «بَلْ لَكُمْ هِجْرَتَانِ، هَاجَرْتُمْ إِلَى أَرْض الْحَبَشَةِ، ثُمَّ هَاجَرْتُمْ بَعْد ذَلِكَ». قَوْلهَا: (يَأْتُونِي أَرْسَالًا) أَيْ أَفْوَاجًا، فَوْجًا بَعْد فَوْج. 2 - أسماء بنت عميس جاءت زائرة لحفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم -. 3 - قول عُمَرُ - رضي الله عنه - حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: «مَنْ هَذِهِ؟» يدل على انها كانت متحجبة ومستترة. 4 - ما حصل بينهما من حوار كان موقفًا عابرًا، وكان بحضرة ابنته حفصة - رضي الله عنها -. 5 - مجيء أبي موسى وأصحابه إلى أسماء أرسالًا كان موقفًا عابرًا بغرض السؤال وهو بلا ريب من وراء حجاب؛ امتثالًا لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب: 53 ((¬1). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص211 - 212).

الشبهة السابعة والتسعون: حوار بين أسماء بنت أبى بكر - رضي الله عنهما - ورجل في المسجد

الشبهة السابعة والتسعون: حوار بين أَسْمَاء بِنْت أَبِى بَكْرٍ - رضي الله عنهما - ورجل في المسجد: عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ (¬1) تَقُولُ: «قَامَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ الَّتِى يُفْتَنُ بِهَا الْمَرْءُ فِى قَبْرِهِ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً (¬2) حَالَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ كَلاَمَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَلَمَّا سَكَنَتْ ضَجَّتُهُمْ قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّى: «أَىْ بَارَكَ اللهُ لَكَ، مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِى آخِرِ قَوْلِهِ؟»، قَالَ: «قَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ». (رواه النسائي، وصححه الألباني). الجواب: 1 - هذا حوار عابر في المسجد مع وجود كثير من الرجال والنساء، فلا مانع من سؤال المرأة الرجل عما ينفعها في دينها ودنياها مع التصون التام وأمن الفتنة (¬3). 2 - كيف نستدل بهذا اللقاء العارض على جواز الاختلاط في العمل والتعليم حيث تمكث النساء مع الرجال الساعات الطوال ودوام شبه يومي؟؟! ¬

(¬1) خالة عروة بن الزبير. (¬2) رواه البخاري. (¬3) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص213).

الشبهة الثامنة والتسعون: ضيف مع علي

الشبهة الثامنة والتسعون: ضيف مع علي - رضي الله عنه -: عَنْ سَفِينَةَ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ، فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: «لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَأَكَلَ مَعَنَا». (رواه أبو داود، وحسنه الألباني). الجواب: 1 - معنى الحديث: قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: «(أَنَّ رَجُلًا ضَافَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب): أَيْ صَارَ ضَيْفًا لَهُ، يُقَال ضَافَهُ ضَيْف أَيْ نَزَلَ عِنْده، وَأَضَفْته وَضَيَّفْته إِذَا أَنْزَلْته. قَالَ ثَعْلَب: ضِفْته إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْف. (فَصَنَعَ): أَيْ عَلِيّ (لَهُ): أَيْ لِلضَّيْفِ. وَفِي بَعْض النُّسَخ أَنَّ رَجُلًا أَضَافَ أَيْ بِزِيَادَةِ الْأَلِف. قَالَ فِي الْمِصْبَاح: ضَافَهُ ضَيْفًا إِذَا نَزَلَ بِهِ وَأَنْتَ ضَيْف عِنْدَهُ وَأَضَفْته بِالْأَلِفِ إِذَا أَنْزَلْته عَلَيْك ضَيْفًا اِنْتَهَى. وَفِي النِّهَايَة: ضِفْت الرَّجُل إِذَا نَزَلْت بِهِ فِي ضِيَافَته، وَأَضَفْته إِذَا أَنْزَلْته اِنْتَهَى. وَالْمَعْنَى أَيْ صَنَعَ الرَّجُل طَعَامًا وَأَهْدَى إِلَى عَلِيّ لَا أَنَّهُ دَعَا عَلِيًّا إِلَى بَيْته، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. (لَوْ دَعَوْنَا رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -): أَيْ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْرَكَ، أَوْ لَوْ لِلتَّمَنِّي» اهـ. وقال الشبخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود: «(أضَافَ) الذي يظهر منه أن عليًّا - رضي الله عنه - هو الذي طلب منه أن يكون ضيفًا أو أنه زوده بطعام ورجع به إلى بيته، ففاطمة - رضي الله عنها - طلبَتْ منه أن يدعو رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليشاركهم في ذلك الطعام». 2 - على فرض أن الضيف أكل عند عليٍّ - رضي الله عنه - فليس في الحديث أن فاطمة - رضي الله عنها -

أكلَتْ معهما، ومن ادعى ذلك فليأت بالدليل. وأما أن يكون في الحديث ما يدل على أنها دخلت متبرجة وجلست أمام الضيف سافرة على نحو ما يتم اليوم فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب. 3 - مَن الرجل الذي أضاف عليًا - رضي الله عنه - هل هو من محارم فاطمة - رضي الله عنها - أم أنه أجنبي عنها؟ من زعم أنه أجنبي عنها فليأتنا بالدليل، وأنَّى له ذلك؟

الشبهة التاسعة والتسعون: التابعون يستفتون أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -

الشبهة التاسعة والتسعون: التابعون يستفتون أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر - رضي الله عنهما -: عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّىِّ قَالَ: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: «هَذِهِ أُمُّ ابْنِ الزُّبَيْرِ تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رَخَّصَ فِيهَا فَادْخُلُوا عَلَيْهَا فَاسْأَلُوهَا»، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذَا امْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ عَمْيَاءُ فَقَالَتْ: «قَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِيهَا. (رواه مسلم). الجواب: 1 - أسماء - رضي الله عنها - كانت من القواعد من النساء. 2 - ما حدث ليس فيه اختلاط، إنما هو لقاءٌ عابر محدود لا تزول به الكلفة وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب. 3 - مطلق الدخول لا يعني دخول الحجاب أو الجلوس وجهًا لوجه فهناك فرق بين قولهم: «دخلنا على فلانة» وقولهم: «دخلنا الحجاب» (¬1). وقد تقدم توضيح ذلك بالتفصيل (¬2). ¬

(¬1) انظر: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص197). (¬2) فتح الباري (9/ 286).

الشبهة المائة: دخول أبي أسماء على امرأة سوداء لأبي ذر - رضي الله عنه -

الشبهة المائة: دخول أبي أسماء على امرأة سوداء لأبي ذر - رضي الله عنه -: عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ مُشْبَعَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَجَاسِدِ وَلَا الْخَلُوقِ، قَالَ: فَقَالَ: «أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَا تَأْمُرُنِي بِهِ هَذِهِ السُّوَيْدَاءُ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ الْعِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ ... » (¬1). الجواب: 1 - هذا الأثر ليس فيه التصريح بأنها كانت كاشفة لوجهها. 2 - هذا الأثر ليس صريحًا في الدلالة على ما يدعو إليه دعاة الاختلاط، فإنه واقعة عيْن والاحتمالات تَرِدُ عليه لمخالفته لنصوص مُحْكَمة تنهى عن الاختلاط فيُحتمل أن تكون تلك المرأة من القواعد من النساء. ومما يدل على ذلك وصف الراوي لها بأنها: «سَوْدَاءُ مُشْبَعَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَجَاسِدِ وَلَا الْخَلُوقِ».ولو لم تكن من القواعد لَغَضَّ بصره عنها، كما أمره الله - عز وجل -. وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال؛ وقد قَال الإمَامُ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬2). ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني والأرنؤوط. (سَوْدَاءُ مُشْبَعَةٌ):اسم مفعول من الإشباع، أي: كثيرة السواد. (أَثَرُ الْمَجَاسِدِ) بالجيم جمع مُجْسَد ـ بضم الميم وفتح السين ـ وهو الثوب المصبوغ بالزعفران أو العصفر، يقال: أجسدت الثوب: إذا صبغته بهما. (الْخَلُوقِ) بفتح الخاء: طيب مركب من الزعفران وغيره. (¬2) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365).

3 - إن صح استدلالهم به فليس لهم فيه حجة لأن قول الصحابي وفعله لا اعتبار له إذا خالف الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «قالوا: ضعف الرويَّة أن يكون رأى فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (¬1). 4 - إن صح استدلالهم فأبو ذر - رضي الله عنه - مَحْرمٌ لزوجته؛ فهل الاختلاط في العمل والتعليم وغير ذلك يكون بوجود المحرم حتى يقاس هذا على ذاك؟!!. ¬

(¬1) الاعتصام (2/ 508).

الشبهة الأولى بعد المائة: دخول قيس بن أبي حازم وغيره على أسماء بنت عميس

الشبهة الأولى بعد المائة: دخول قيس بن أبي حازم وغيره على أسماء بنت عميس: عَنْ قَيْسِ بن أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ ـ فِي مَرَضِهِ، فَرَأَيْنَا امْرَأَةً بَيْضَاءَ مَوْشُومَةَ الْيَدَيْنِ تَذُبُّ عَنْهُ وَهِيَ أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ. (رواه الطبراني في (المعجم الكبير)، وصححه الألباني). الجواب: 1 - هذا الأثر ليس صريحًا في الدلالة على ما يدعو إليه دعاة الاختلاط، فإنه واقعة عيْن والاحتمالات تَرِدُ عليه ـ كما سيأتي ـ لمخالفته لنصوص مُحْكَمة تنهى عن الاختلاط. وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال؛ وقد قَال الإمَامُ الشَّافِعِيِّ - رحمه الله -: «وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال» (¬1). وإن صح استدلالهم به فليس لهم فيه حجة لأن قول الصحابي وفعله لا اعتبار له إذا خالف الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (النساء: 59). وقال الإمام الشاطبي - رحمه الله -: «قالوا: ضعف الرويَّة أن يكون رأى فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (¬2). 2 - هذا الأثر ليس فيه أن قيسًا ومَن معه جلسوا مع زوجة أبي بكر - رضي الله عنه -، ومن يزعم أنها جلسَتْ معهم فليأتنا بالدليل، فمن المحتمل أنهم رأوها عند دخولهم ثم قامت. ¬

(¬1) حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (3/ 365). (¬2) الاعتصام (2/ 508).

3 - أبو بكر - رضي الله عنه - مَحْرمٌ لزوجته؛ فهل الاختلاط في العمل والتعليم وغير ذلك يكون بوجود المحرم حتى يقاس هذا على ذاك؟!!. 4 - بقاء أسماء عند زوجها يُعَدُّ حاجة ماسة لأن زوجها مريض وليس عنده من يخدمه إلا زوجته، وما حدث هو لقاء عابر محدود لغرض عيادة المريض. 5 - بالنسبة لوَشْم اليدين فقد جاءت رواية أخرى توضح أنه حدث في الجاهلية وفيه: «وكانوا وشموها في الجاهلية كوشم البربر» (¬1). 6 - هذا الأثر ليس فيه دليل على جواز كشف الوجه فليس فيه أنها كانت كاشفة عن وجهها، أما ظهور يديها فيُحتمل أنهما انكشفتا بدون قصد. 7 - حدث هذا في مرض أبي بكر - رضي الله عنه - الذي مات فيه يوضح ذلك رواية ابن أبي عاصم عن قيس بن أبي حازم، قال: «وفدت إلى أبي بكر مع أبي، فدخلنا عليه في مرضه الذي مات فيه، فرأيْتُه رجلًا أسمر خفيف اللحم، ورأيتُ امرأةً بيضاء موشومة اليدين تَذُبُّ عنه» (¬2). وما يكون من الإنسان عند المصيبة أو شِدّة الهول لا يُمكن أن يُؤخذ على أنه حالة طبيعية (¬3). ¬

(¬1) تهذيب الآثار (154)، بإسناد صحيح. (¬2) الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، برقم 21، 2787. (¬3) بتصرف من: الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، د محمد بن عبد الله المسيميري، د محمد بن عبد الله الهبدان (ص213). هل هذه الأحاديث تدل على جواز كشف وجه المرأة عن الرجال الأجانب؟ للشيخ عبد الرحمن السحيم موقع مشكاة www.almeshkat.net.

خامسا: آثار لا تثبت عن الصحابة

خامسًا: آثار لا تثبت عن الصحابة الشبهة الثانية بعد المائة: اختلاط في بيت عمر - رضي الله عنه -: القصة المذكورة في تاريخ ابن جرير الطبري - رحمه الله - عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع رسول أحد قواده حيث اعتبروها دليلًا على الاختلاط ـ وفي بيت من؟ في بيت عمر - رضي الله عنه -. والقصة أن سلمة بن قيس الأشجعي ـ أحد قواد عمر - رضي الله عنه - ـ نصره الله على أعدائه من المشركين فرأى في الغنيمة شيئًا من حلية فاستأذن جنوده أن يبعث به إلى عمر - رضي الله عنه -، ثم بعث برجل من قومه فأتى عمر - رضي الله عنه -. قال هذا الرجل: فاتبعتُه فدخل دارًا ثم دخل حجرة فاستأذنتُ وسلمتُ فأذِنَ لي فدخلتُ عليه فإذا هو جالس على مسح (بساط) متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفًا , فنبذ إلي بإحداهما فجلست عليها وإذا بهو في صُفّة فيها بيت عليه ستير فقال: «يا أم كلثوم غداءنا , فأخرجَتْ إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يُدَقّ» , فقال: «يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا». قالت: «إني أسمع عندك حِسَّ رجل». قال: «نعم، ولا أراه من أهل البلد». قالت: «لو أردتَّ أن أخرج إلى الرجال لكسوتَني كما كسا ابن جعفر امرأتَه , وكما كسا الزبيرُ امرأتَه , وكما كسا طلحةُ امرأتَه». قال: «أو ما يكفيك أن يقال: أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة أمير المؤمنين عمر». فقال: «كُلْ؛ فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا» (¬1). ¬

(¬1) تاريخ الطبري (3/ 261).

الجواب: قال الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «هذه القصة باطلة لا تثبت رواية ولا دراية. أما الرواية: فلأن مدارها على جماعة من الضعفاء وبعضهم متهم بالكذب وتنتهي القصة إلى مُبْهَم لا يُعرَف من هو ولا تعرف حاله وهو الذي رواها عن عمر وبذلك يُعلَم بطلانها من حيث الرواية. وأما من حيث الدراية فمن وجوه: 1 - شذوذها ومخالفتها لما هو معلوم من سيرة عمر - رضي الله عنه - وشدته في الحجاب وغيرته العظيمة وحرصه على أن يحجب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب. 2 - مخالفتها لأحكام الإسلام التي لا تخفى على عمر ولا غيره من أهل العلم , وقد دل القرآن والسنة النبوية على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها. 3 - ما في متنها من النكارة الشديدة التي تتضح لكل من تأملها. وبكل حال فالقصة موضوعة على عمر بلا شك للتشويه مِن سُمْعَته أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم , أو لمقاصد أخرى سيئة. ولقد أحسن الشيخ أبو تراب الظاهري , والشيخ محمد أحمد حساني , والدكتور هاشم بكر حبشي فيما كتبوه في رد هذه القصة وبيان بطلانها وأنه لا يصح مثلها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - , جزاهم الله خيرًا وضاعف مثوبتهم وزادنا وإياهم علمًا وتوفيقًا وجعلنا وإياهم وسائر إخواننا من أنصار الحق» (¬1). وهذه القصة ذكرها قاسم أمين ثم تابعه في الترويج لها أتباعه من المتحررين وهي قصة موضوعة لا تصح عن هذا الصحابي الجليل عمر - رضي الله عنه - الذي كانت غيرته سببًا في ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن باز (4/ 204 - 205).

نزول آيات الحجاب! وقد أطال الشيخ محمد بن أحمد البولاقي الكلام في ردها وتضعيفها في رده على قاسم أمين (الجليس الأنيس في التحذير عما في كتاب تحرير المرأة من التلبيس)، وبَيَّنَ أنها أكذوبة من الأكذوبات، وفرية ما فيها مرية، وخرافة من الخرافات. وقد فصّل الشيخ علي حشيش في الحلقة الثانية والخمسون من سلسلة (تحذير الداعية من القصص الواهية) التي تُنشر تباعًا في (مجلة التوحيد) تخريج القصة فذكر أن «إسنادها مسلسل بالعلل: الأولى: في سند القصة أبو جناب الكلبي، متروك الحديث. الثانية: في سند القصة أيضًا أبو المحجل الرديني لا يعرف. الثالثة: وفي سند القصة أيضًا سليمان بن بُريدة لا تحتمل سنه الرواية عن عمر - رضي الله عنه - فإنه قد وُلد لثلاث سنين خلت من خلافة عمر ولم يَذْكُر مَن حدثه بهذه القصة». ثم قال: «بهذه العلل تصبح القصة واهية لما في سندها من متروكين ومجهولين والانقطاع». فائدة: قال الشيخ علي حشيش: «إن دعاة السفور والاختلاط إذا وجدوا هذه القصة في (تاريخ الطبري) فرحوا بها ويجادلون بعزوها لابن جرير الطبري وهم يحسبون أن في العزو ثبوتًا للقصة ولكن هيهات ففرق بين التخريج والتحقيق. والطبري - رحمه الله - بين ذلك فقد صرح في مقدمة (التاريخ 1/ 13) بأنه مجرد ناقلٍ لِما يسمعه من أخبار وحكايات يسندها إلى قائليها حيث قال: «فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قائله أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يُؤْتَ في ذلك مِن قِبلنا، وإنما أتى مِن قِبَل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدَّيْنا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا».

الشبهة الثالثة بعد المائة: يوم الخندق تقتل صفية بنت عبد المطلب يهوديا وتقطع رأسه عندما رفض حسان بن ثابت ذلك

الشبهة الثالثة بعد المائة: يوم الخندق تقتل صفية بنت عبد المطلب يهوديًا وتقطع رأسه عندما رفض حسان بن ثابت ذلك. الجواب: 1 - إن صح ذلك، فغزوة الخندق من المعلوم أنها وقعت قبل نزول آيات الحجاب. 2 - إن صح ذلك فكيف يستدل بحال ضرورة على ما ليس بضرورة، كيف يستدل بدفاع المسلمات عن أنفسهن ضد غدر اليهود على جلوس المسلمات مع الرجال غير المحارم بدون حاجة ولا محرم. 3 - هل صح أن صفية - رضي الله عنها - قطعت رأس يهودي عندما رفض حسان ذلك؟ هذه القصة ضعيفة سندًا ومتنًا: رُوِى أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد وضع النساء والذرية في حصن فارع يوم أحد، فجاء يهودي وأخذ يطل على الحصن، فطلبت صفية بنت عبد المطلب - رضي الله عنها - من حسان أن يقوم فيقتله، فجبن واعتذر، فقامت صفية إلى اليهودي وقتلته، ثم طلبت من حسان أن يرمي برأسه إلى اليهود أسفل الحصن، فجبن واعتذر أيضًا، فرمَتْ برأس اليهودي إلى أصحابه، فتفرقوا لأنهم ظنوا أن بالحصن رجالًا محاربين». رواية الطبراني: روى الطبراني في (المعجم الكبير برقم 20264):حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا إِسْحَاقُ بن مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُرْوَةَ بنتُ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدَّتِهَا صَفِيَّةَ بنتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ جَعَلَ نِسَاءَهُ فِي أُطُمٍ يُقَالُ لَهُ فَارِعٌ، وَجَعَلَ مَعَهُنَّ حَسَّانُ بن ثَابِتٍ، فَكَانَ حَسَّانُ يَطْلُعُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فَإِذَا شَدَّ

عَلَى الْمُشْرِكِينَ شَدَّ مَعَهُ فِي الْحِصْنِ، وَإِذَا رَجَعَ رَجَعَ وَرَاءَهُ. قَالَتْ: فَجَاءَ أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَتَرَقَّى أَحَدُهُمْ فِي الْحِصْنِ حَتَّى أَطَلَّ الْحِصْنَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ لِحَسَّانَ: قُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ: «مَا ذَاكَ فِيَّ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيَّ لَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -»، فَضَرَبَتْ صَفِيَّةُ رَأْسَهُ حَتَّى قَطَعَتْهُ فَلَمَّا قَطَعَتْهُ، قَالَتْ: يَا حَسَّانُ، قُمْ إِلَى رَأْسِهِ فَارْمِ بِهِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ مِنْ أَسْفَلِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: «وَاللهِ مَا ذَاكَ فِيَّ»، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ بِرَأْسِهِ فَرَمَيْتُهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: «قَدْ وَاللهِ عَلِمْنَا أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَتْرُكْ». قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق أم عروة بنت جعفر بن الزبير عن أبيها ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات» (¬1). ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 429 - 433) أيضًا من طريق إسحاق بن محمد الفروي قال حدَّثَتْنِيه أم عروة بنت جعفر بن الزبير. وإسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبى فروة الفروى قال عنه الحافظ ابن حجر: «وقال الآجرى: «سألت أبا داود عنه فَوَهَّاهُ جدًا».وقال النسائى: «متروك».وقال الدارقطنى: «ضعيف».وقال الساجى: «فيه لين، روى عن مالك أحاديث تفرد بها». وقال العقيلى: «جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها» (¬2). ورواه الطبراني عن عروة بإسناد مرسل. ورواه أبو يعلى في مسنده (1/ 84) ونقله عنه الهيثمي وضَعَّف إسناده (¬3). ¬

(¬1) مجمع الزوائد (6/ 134 - 135). (¬2) تهذيب التهذيب (1/ 248). (¬3) مجمع الزوائد (6/ 134 - 135).

ورواه البزار (2/ 223 - 234) وضعف الهيثمي إسناده. وذكر ابن إسحاق أن القصة كانت يوم الخندق بإسناد منقطع. رواية ابن إسحق: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ: «كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ، حِصْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ؛ قَالَتْ: «وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ». قَالَتْ صَفِيّةُ: «فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ». قَالَتْ: فَقُلْت: «يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللهِ ٍمَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ». قَالَ: «يَغْفِرُ اللهُ لَكِ يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَالله ِلَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا». قَالَتْ: «فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ فَضَرَبْته بِالْعَمُودِ حَتّى تَقْتُلَهُ». قَالَتْ: «فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْت إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت: «يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ»، قَالَ: «مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ». قال السهيلي: «وَذَكَرَ حَدِيثَ حَسّانَ حِينَ جُعِلَ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَمَا

قَالَتْ لَهُ صَفِيّةُ فِي أَمْرِ الْيَهُودِيّ حِينَ قَتَلَتْهُ وَمَا قَالَ لَهَا، وَمَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ النّاسِ عَلَى أَنّ حَسَّانَ كَانَ جَبَانًا شَدِيدَ الْجُبْنِ، وَقَدْ دَفَعَ هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ، وَذَلِكَ أَنّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ: لَوْ صَحّ هَذَا لَهُجِيَ بِهِ حَسّانُ فَإِنّهُ كَانَ يُهَاجِي الشّعَرَاءَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى، وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ يُنَاقِضُونَهُ وَيَرُدّونَ عَلَيْهِ فَمَا عَيّرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجُبْنِ وَلَا وَسَمَهُ بِهِ فَدَلّ هَذَا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ» ... (¬1). قال ابن عبد البر: «وقال أكثرُ أهل الأخبار والسير إن حسانًا كان من أجبن الناس وذكروا من جبنه أشياء مستشنعة أوردوها عن الزبير أنه حكاها عنه كرِهْتُ ذِكْرَها لنكارتها» (¬2). ¬

(¬1) الروض الأنف في شرح السير (3/ 432 - 433). (¬2) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/ 340). وللاستزادة انظر: ما شاع ولم يثبت بالسيرة النبوية للعوشن (ص166 - 169)، وصحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي (ص 276).

الشبهة الرابعة بعد المائة: خولة بنت الأزور وإنقاذها لأخيها من الأسر

الشبهة الرابعة بعد المائة (¬1): خولة بنت الأزور وإنقاذها لأخيها من الأسر. هناك من يذكر خبرًا عن شخصية يسمونها خولة بنت الأزور ويذكرون قصة إنقاذ أخيها ضرار ـ وهو صحابي معروف ـ من الأسر. الجواب: أولًا: لا أصل لهذه القصة فلا يوقف معها، بل إن في ثبوت شخصية خولة هذه نظرًا، فضلًا عن القصة (¬2)؛ فليس لها ذِكْر إلا في كتاب (فتوح الشام) المنسوب للواقدي وكتاب (فتوح الشام) هذا مكذوب على الواقدي وليس له (¬3). وعلى فرض أن الكتاب للواقدي فمحمد بن عمر الواقدي، متروك (¬4). ثانيًا: إن خولة هذه لا ذكر لها في كتب التراجم والسير، بل ولا في كتب اللغة والأدب؛ فهي على الراجح شخصية وهمية، وكل من يُثْبِت عنها شيئًا؛ إنما يعتمد على كتاب (فتوح الشام) المكذوب على الواقدي، وكتاب (شرح ديوان الخنساء)، وشارح هذا الديوان، مجهول غير معروف، وقد اعتمد في سرد بعض الأحداث في شرحه هذا على كتاب (فتوح الشام)، وكتابان هذه حالهما لا يعتمد عليهما. ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 60). (¬2) راجع كتاب (خولة بنت الأزور)، لعبد العزيز الرفاعي. (¬3) قد فصَّلَ الشيخ مشهور حسن سلمان الحديث حول هذا الموضوع في كتابه القيم: كتب حذر منها العلماء (2/ 284 - 292). (¬4) انظر: الكامل لابن عدي (6/ 93)، الضعفاء للعقيلي (4/ 190)، لسان الميزان (2/ 430).التهذيب (3/ 569)، الميزان للذهبي (3/ 556)، (3/ 666).

وخلاصة الكلام: إن شخصية خولة بنت الأزور شخصية وهمية لا وجود لها في الواقع، بخلاف شخصية أخيها ضرار التي ذكرها أغلب من ترجم للصحابة والتابعين، وكل من ترجَمَ وكتَبَ في الطبقات. قال الدكتور محمد بن عبد الله القناص، عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم: «خولة بنت الأزور، لا وجود لها في كتب معرفة الصحابة، ولا في كتب التاريخ والتراجم، وإنما ذكرت في كتاب (فتوح الشام) المتداول بين الناس، والمنسوب للواقدي، ولا تصح نسبته للواقدي، وهذا أمر معروف عند الباحثين. ثم إن المعروف في حروب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - أن المرأة لا تشارك الرجال في القتال، وإنما تقوم بمداواة الجرحى وسقي الغزاة ومساعدتهم، ولم تكن تباشر القتال، ثم إن الصحابي الجليل ضرار بن الأزور - رضي الله عنه - لم يُذْكَر في ترجمته أن له أختًا تسمى خولة، ولو كانت مشهورة معروفة لناسب ذكرها. والذي يظهر أن خولة بنت الأزور شخصية أسطورية، لا وجود لها» (¬1). ¬

(¬1) موقع الإسلام، السبت 19 شعبان 1428، الموافق: 1 سبتمبر 2007.

الشبهة الخامسة بعد المائة: هل توضأت عائشة - رضي الله عنها - أمام سالم سبلان؟

الشبهة الخامسة بعد المائة: هل توضأت عائشة - رضي الله عنها - أمام سَالِمٌ سَبَلَانُ؟ قال الإمام النَسائى: «أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ جُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ سَالِمٌ سَبَلَانُ، قَالَ: «ـ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَعْجِبُ بِأَمَانَتِهِ وَتَسْتَأْجِرُهُ ـ فَأَرَتْنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَتَوَضَّأُ فَتَمَضْمَضَتْ وَاسْتَنْثَرَتْ ثَلَاثًا وَغَسَلَتْ وَجْهَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَتْ يَدَهَا الْيُمْنَى ثَلَاثًا وَالْيُسْرَى ثَلَاثًا وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخِّرِهِ ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا، ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْخَدَّيْنِ، قَالَ سَالِمٌ: «كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا مَا تَخْتَفِي مِنِّي فَتَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيَّ، وَتَتَحَدَّثُ مَعِي حَتَّى جِئْتُهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقُلْتُ: «ادْعِي لِي بِالْبَرَكَةِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ»، قَالَتْ: «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: «أَعْتَقَنِي اللهُ»، قَالَتْ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ»، وَأَرْخَتْ الْحِجَابَ دُونِي فَلَمْ أَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. الجواب: أولًا: هذا الأثر رواه الإمام النسائي، وقال عنه الشيخ الألباني: «صحيح الإسناد». وهذا القول ليس تصحيحًا للحديث؛ فهناك فرق بين قول أحد علماء الحديث: «هذا الحديث صحيح» وبين قوله: «إسناده صحيح»؛ فالأول جَزْمٌ بصحته، والثاني شهادة بصحة سنده، وقد يكون فيه علة أو شذوذ، فيكون سنده صحيحًا ولا يحكمون أنه صحيح في نفسه. ثانيًا: في إسناد هذا الأثر عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: «مقبول من السادسة» (¬1). ¬

(¬1) تقريب التهذيب، (ترجمة رقم 4212).

ومعناه عنده أنه (لين الحديث) حيث تفرد، ولم يتابع، حيث قال في مقدمة التقريب: «السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بلفظ: مقبول، حيث يتابع، وإلا فلين الحديث». وعبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب لم يتابع، فلم يَرْوِ عنه غير جعيد بن عبد الرحمن. معنى اصطلاح الحافظ ابن حجر: قال الدكتور ماهر الفحل: «الحافظ ابن حجر يضع ثلاثة شروط للمقبول عنده وهي: 1 - قلة الحديث. 2 - عدم ثبوت ما يترك حديث الراوي من أجله. 3 - المتابعة. فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف، إذ (ليِّن الحديث) من ألفاظ التجريح، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوي من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر، و (المقبولية) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم» (¬1). يتضح مما سبق أن عبد الملك بن مروان بن الحارث بن أبي ذناب ضعيف عند الحافظ ابن حجر؛ أما ذِكْرُ ابن حبان له في (الثقات) (¬2)، فلا يُعتد به، فابن حبان لا ¬

(¬1) بحوث في المصطلح (ص 279). (¬2) الثقات لابن حبان، (ترجمة رقم 9215).

يُعتمد على توثيقه. وإليك بعض ما قاله الشيخ الألباني نفسه - رحمه الله - عن تساهل ابن حبان في التوثيق: - «وقد عرف عند العلماء أن توثيق ابن حبان مجروح؛ لأنه بناه على قاعدة له وحده، وهي: أن الرجل إذا روى عنه ثقة، ولم يعرف عنه جرح؛ فهو ثقة عنده! وعلى ذلك بنى كتابه المعروف بـ (الثقات)، وكذلك تجد فيه كثيرًا من المجاهيل عند الجمهور». - «توثيق ابن حبان مما لا يوثق به عند التفرد». - «توثيق ابن حبان وحده لا يعتمد عليه لتساهله فيه». - «توثيق ابن حبان مما لا ينبغي الاعتماد عليه، لأن من قاعدته فيه توثيق المجهولين!». - «وإذا كان هذا معروف بالتساهل في التوثيق فمن اعتمد عليه وحده فيه فقد تساهل». - «علم المصطلح يقول: «الراوي لا يخرج عن الجهالة العينية برواية راوٍ واحد ولو كان ثقة؛ إلا إذا وثقه حافظ معروف بأنه لا يوثق المجهولين، وليس منهم ابن حبان الذي يوثق المجهولين، ليس فقط عند غيره، بل وعنده أيضًا، كيف لا وهو يقول في بعض ثقاته: «لا أعرفه»! وفي بعض آخر يقول: «لا أعرفه ولا أعرف أباه»! وتارة يقول: «لا أدري من هو ولا ابن من هو؟» (¬1). وإذا طبقنا كلام الشيخ الألباني - رحمه الله - فلن نتردد في الحكم على الأثر بالضعف. ثالثًا: يدل هذا الأثر ـ إن صح ـ على أن سالم سبلان راوي الحديث كان مكاتَبًا، والمكاتَب هو العبد إذا اشترى نفسه من سيده بمال يؤديه إليه، وكانت عائشة - رضي الله عنها - لا ¬

(¬1) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (5173)، (1133)، (193)، (896)، (971)، (1068)، وانظر أيضًا القاعدة الخامسة من مقدمة كتابه (تمام المنة في التعليق على فقه السُنة).

تحتجب عنه، وكان يرى شعرها وأطرافها، ولما أخبرها بأن الله قد منَّ عليه بالحرية أرْخَتْ الحجاب دونه فلم يرها بعد ذلك. ومكاتَب المرأة يجوز له أن يرى منها ما لا يجوز لغيره، فإذا أدى ما عليه وجب عليها أن تحتجب عنه، ومن أهل العلم من يرى أن للمرأة أن لا تحتجب عن العبد والمكاتب ولو لم يكونا مِلْكًا لها. وعليه، فليس في الحديث ما يدل على جواز الدخول على النساء، لأن الخبر المذكور ورد في مكاتَب وقد احتجبَتْ منه عائشة - رضي الله عنها - فور ما علمَتْ بعتقه، فدل ذلك على وجوب احتجاب الأجنبية عن الحر الأجنبي (¬1). قال السندي في حاشيته على (سنن النسائي): «قوله (كُنْتُ آتِيهَا مُكَاتَبًا) أي والحال أني كنتُ مكاتبًا، وهذا مبني على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، ولعله كان عبدًا لبعض أقرباء عائشة، وأنها كانت ترى جواز دخول العبد على سيدته وأقربائها، والله تعالى أعلم». ¬

(¬1) فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف د. عبد الله الفقيه، (رقم الفتوى 56088).

سادسا: دعاوى شرعية وعقلية وواقعية يكذبها الشرع والعقل والواقع

سادسًا: دعاوى شرعية وعقلية وواقعية يكذبها الشرع والعقل والواقع الشبهة السادسة بعد المائة: الاحتجاج بالأسواق والبيع والشراء بين الرجال والنساء (¬1). الجواب: الأسواق طرقات وليست مواضع جلوس وقرار، والبيع والشراء لقاء عابر ينتهي بانتهاء البيع والشراء، ويذهب كلٌّ منهما إلى حال سبيله، ويجب أن يكون الكلام بين الرجل والمرأة على قدر الحاجة، مع عدم خضوعها بالقول. فهذا استثناء من الأصل ومع ذلك لم يرتضه الصحابة تمام الرضا، وإنما خففوا فيها بلا مبالغة للحاجة إليها فقد ورد عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: «أَلَا تَسْتَحْيُونَ أَوْ تَغَارُونَ؟ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَكُمْ يَخْرُجْنَ فِي الْأَسْوَاقِ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ» (¬2). إن من يحتج بالاجتماعات العارضة ـ كالأسواق ـ على جواز الاختلاط في العمل والتعليم كمن يحتج بعصير العنب على الخمر، فالأول تغيَّر بطول المكث فخمَّر القلب، والثاني تغيَّر بطول المكث فخمر العقل، وطول التقاء أجزاء الخمر حوله من عصير ملتَذٍ إلى أم الخبائث، وطول التقاء الجنسين حوله من حاجة إلى مجلبة للمفاسد، والمكث حَوَّلَ الاثنين من الجواز إلى المنع. وليت أن الأمر يقف عند حد الاختلاط فقط وإنما التبرج والسفور، والخضوع بالقول مظاهر لا تكاد تخفى على أروقة الأماكن المختلطة. ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب)، لللشيخ عبد العزيز الطريفي، (ص 8، 69). (¬2) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في (المسند) برقم: (1118)، وقال الشيخ أحمد بن محمد شاكر: «إسناداه صحيحان».وضعّفه الشيخ شعيب الأرنؤوط، والعلوج: جمع علج، وهو الرجل الكافر من العجم.

الشبهة السابعة بعد المائة: قالوا: لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحريم الاختلاط؛ فليبق المحرم إذا محصورا في الخلوة

الشبهة السابعة بعد المائة: قالوا: لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحريمُ الاختلاط؛ فليبق المحرم إذًا محصورًا في الخلوة. الجواب: 1 - قد سبق ذِكْر كثير من الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الاختلاط. 2 - على فرض أنه لم يرِدْ في القرآن ما يدل على تحريم الاختلاط فقد حرمه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو مبلغ عن ربه، وما أشبه هذه الشبهة بما حدث مع عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فعَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ؛ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ»، فَقَالَ: «وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ». فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: «لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَىِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ». قَالَ: «لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ؛ أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬1). قَالَتْ: «بَلَى». قَالَ: «فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ». (رواه البخاري ومسلم). 3 - ليس كلُ ما لم يُنص على تحريمه صراحةً في الكتاب والسنة يكون مباحًا بإطلاق؛ لأن أدلة الأحكام لا تنحصر في الكتاب والسنة، فمن الأدلة التي تُستنبط بها الأحكام الشرعية القياس وسدُّ الذرائع، ولا يصح أن نقول إن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان إلاّ إذا أخذنا بحجية القياس؛ لأن الوحي قد انقطع والحوادث والأقضية تستجدّ. ¬

(¬1) الحشر: 7.

ولو عرضتَ كتابَ الله آية آية، لما وجدت فيه نصًا صريحًا يحرم على الولد ضرب والديه، لكنك واجد فيه نهيًا صريحًا للولد أن يقولَ لهما أفٍ أو ينهرَهما، ومع ذلك فكل عاقل يفهم أساليب الخطاب وإيماءاتِه يدرك من النهي عن مجرّد التأفف للوالدين النهيَ عن كل ما هو أعظم منه من باب أولى. وكم نص الشرع على حكم الأدنى ليدل على الأعلى من باب أولى، ولذا نقول: إن من غير المظنون بالشرع الحكيم أن ينهى عن خروج المرأة متعطرة ليجد الرجال من ريحها، ثم يأذن لها أن تخالطهم في العمل لتجر وراءها آثار الفتنة! وإن من اتهام الشرع في حكمته أن نزعم أنه يُبيح صور الاختلاطِ كلَّها، حتى الاختلاط في العمل بحجة أنه لم ينصّ على تحريم ذلك، وهو الذي نهى المرأة عن مجرد ضربها برجليها، ليُعلم ما تخفي من زينتها! كما أن سد الذرائع أصل أخذ به جمهور العلماء في كل ما غلبت فيه المفسدة على المصلحة، وإنما اختلفوا في بعض فروع ذلك؛ لاختلافهم في تقدير المفسدة والمصلحة، وهل ينازع عاقل في أن الاختلاط المنتظم المتكرر بين الموظفين والموظفات يفضي إلى كثير من المفاسد؟! ولو كان الشأنُ ألاّ نحرِّم إلاّ ما حُرّم بنص صريح، وألاّ نوجب إلاّ ما وجب بنصٍّ صريح يفهمه كل أحد لما كان لنا من حاجة أن نسأل العلماء عن أحكام ديننا، فلما أن أمرنا الله بسؤالهم دلّ ذلك على أن من الأحكام الشرعية ما لا يستنبطه إلاّ العلماء العارفون بدلالات الألفاظ وفحوى الخطاب وطرق القياس (¬1). ¬

(¬1) الواقعية في الاختلاط، سامي الماجد، موقع شبهات وبيان.

قال تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور:31). قال الشيخ السعدي: «أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصَوِّتَ ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه».اهـ. فالنهي عن الضرب بالرجل ذريعة إلى لفت انتباه الرجال إلى النساء، أليس هذا آكد في أن النساء يبتعدن عنهم ولا يختلطن بهم؛ لأن مفسدة الاختلاط أعظم من مفسدة ضرب المرأة برجلها (¬1). ¬

(¬1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لمحمد بن عبد الله الإمام (ص114).

الشبهة الثامنة بعد المائة: الاختلاط المحرم إنما يكون في حال الافتتان، وتزاحم الأجساد وتلاصقها

الشبهة الثامنة بعد المائة: (¬1) الاختلاط المحرم إنما يكون في حال الافتتان، وتزاحم الأجساد وتلاصقها. الجواب: 1 - ما دليل هذا الاستثناء؟ ومن الذي لا يخاف على نفسه الفتنة؟!! وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). 2 - كان علماء الإسلام على مر العصور يمنعون من اختلاط الرجال بالنساء حتى في أبعد الأماكن عن الفتنة ـ مساجد الله - عز وجل - , وترى فقههم فيها بوضوح تام (¬2). ثم دارت من بعد ذلك على المسلمين الدوائر , وتسلط الكافر الغربي , وضرب الاستعمار بلدان المسلمين , فضعف حال الأمة , ولم تعد قادرة على المواجهة , وبدأت سلسلة متتابعة من الاستسلام للضغوط , نسأل الله أن يخلص المسلمين منها ويثبتهم على دينهم. وكان مما استسلم فيه للضغوط مسألة حكم الاختلاط , فما كان محرمًا بالأمس ومشدَّدًا على المنع منه في أفضل البقاع عند الله , أصبح اليوم حلالًا إلا قليلًا. فقصروا الاختلاط المحرم في أعظم ما يمكن للمرء تصوره من علاقة الرجال بالنساء الأجانب في الأماكن العامة ألا وهو ملاصقة الأجساد , ولعمر الله ما بقي من انكارهم لهذه الصورة ـ تلاصق الرجال بالنساء ـ إلا انكار الفواحش. فهل يشك عاقل في حرمة ذلك؟؟! وهل نحن بحاجة إلى من يعلمنا بأن هذا حرام ويفتي لنا بحكمه؟؟! ¬

(¬1) الجواب عن شبهة: الاختلاط المحرم هو ما يكون عند تزاحم الأجساد وتلاصقها، إعداد: منتديات شبهات وبيان، الواقعية في الاختلاط سامي الماجد، موقع شبهات وبيان (بتصرف). (¬2) انظر ص 100 من هذا الكتاب.

وهذه الصورة إنما تمثل الصورة القصوى من اختلاط الرجال بالنساء , ولكن أين بقية الصور الأخرى من صور الاختلاط المحرم؟؟! ولبيان قصور هذه الرؤية يقال: إن الله أنعم على الإنسان ووهبه منافذ تمكنه من الاتصال والتواصل مع من حوله , فخلق الله له السمع والبصر والحواس , ولما علم الله - عز وجل - عظيم فتنة الرجال بالنساء حال بينهما عن طريق سد هذه المنافذ وأحكم إغلاقها. فأما السمع ففي قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور:31)، وقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32). وأما البصر , ففي قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31 ِ) وغيرها من الآيات الكثيرة. والسؤال هنا: كيف يمكن غض البصر عند إباحة الاختلاط؟! ثم إن سلمنا جدلًا بأن الاختلاط الممنوع هو تلاصق الأجساد , فلماذا إذنْ قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا» (رواه مسلم). أليس الأول والأخير من الصفوف كلاهما لا يوجد فيه التصاق بالأجساد؟؟! فالقول بأن الممنوع هو ملاصقة الأجساد يعني تساوي الفضل بين الصفوف الأولى والأخيرة إذا كان لايترتب عليها تلاصق بالأجساد. ثم إنه ليس من الواقعية والحكمة أن نحرم اللمس ثم نفتح المجال للقاء والتقارب , فيعيش الناس في حال لا يعلمها إلا الله , لأنه بقيَتْ منافذ أخرى السمع

والبصر لم تتخذ فيها إجراءات تحد من تطلعها واطلاعها, ولهذا فقد كانت أحكام الإسلام تتشوف إلى كل ما يباعد الرجال عن النساء. إن النظرة الواقعية تقول: قَلَّ من الشباب من يتقي ويصبر إذا أحاطت به المغريات من كل جانب. والنظرة الواقعية تقول: إذا اختلط الرجال والنساء ثارت بينهم عقابيل الفتنة، ونشأت فيهم العلاقات المحرمة والصداقات الحميمية التي تجعل الصديق كالزوج في أخص خصائصه. والنظرة الواقعية تملي عليه أن ينظر في تجارب الآخرين، فما زالت أكثر الدول تطورًا وأحكمها نظامًا وأصرمها قانونًا تعاني من مشكلات التحرش الجنسي، وهي تزداد في كل سنة بنسبة مضاعفة. والنظرة الواقعية تقول: إن النساء يبدأن في التساهل في أمر الحجاب تدريجيًا في أماكن الاختلاط , ومن طبيعتهن حب التجمل والتزين. والنظرة الواقعية تقول: إن الاختلاط سبب من أسباب نزع الحياء عند الرجال والنساء على حد سواء؛ إذ تزول الكلفة بين الرجال والنساء ويتحدثون فيما بينهم حديث المحارم مع بعضهم. والنظرة الواقعية , تقول: إن من أعظم أسباب خيانة الأزواج لأزواجهم هو الاختلاط , فينشأ من ذلك تفكك الأسر بعد تماسكها، وتزرع في الحياة الزوجية الشكوك , وبالتالي يؤول الأمر إلى تفكك المجتمع وسقوطه. والنظرة الواقعية تقول: بأن الاختلاط سبب لفساد الأخلاق وإماتة الضمائر، وقتل الغيرة لدى الناس. وبذلك يتضح بما لايدع مجالًا للشك أن حصر الاختلاط الممنوع بتزاحم الأجساد وتلاصقها فقط، غير صحيح.

الشبهة التاسعة بعد المائة: اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات لم يحرمه إلا بعض العلماء

الشبهة التاسعة بعد المائة: اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات لم يحرمه إلا بعض العلماء. الجواب: أولًا::قد سبق ذكر أقوال كثير من أهل العلم والدعاة القدامى والمعاصرين تحرم الاختلاط، ومن تلك الأقوال بعض أقوال علماء المذاهب الأربعة (¬1). ثانيًا: ترجع صحة القول أو عدمها إلى قوة الدليل من كتاب الله - عز وجل - أو من سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ترجع إلى كثرة القائلين به، وها هي بعض أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها (¬2): * قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله -: 1 - «إذا صح الحديث فهو مذهبي». 2 - «إذا قلتُ قولًا يخالف كتاب الله وخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتركوا قولي». * وقال الإمام مالك بن أنس - رحمه الله -: 1 - «إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه». 2 - «ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -». * وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: 1 - «إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقولوا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ودعوا ما قلت». ¬

(¬1) انظر ص 112 من هذا الكتاب. (¬2) صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للشيخ الألباني (ص21 - 29) بتصرف.

2 - «إذا صح الحديث فهو مذهبي». 3 - «كل حديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو قولي، وإن لم تسمعوه منى». * وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: 1 - «لا تقلدني ولا تقلد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا». 2 - «من رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو على شفا هلكة».

الشبهة العاشرة بعد المائة: إن الإمام مالكا أباح الاختلاط؟

الشبهة العاشرة بعد المائة: إن الإمام مالكًا أباح الاختلاط؟ قد يستدل دعاة الاختلاط بأقوال منسوبة لبعض العلماء المعتبرين، قد لا تصح عنهم أصلًا، وإن صحت فعند التأمل لا تجد فيها ما يؤيد قول دعاة الاختلاط، وعلى فرض صحة أنها تؤيد قولهم، فإنه إنْ كان لا يُحْتَجّ بأقوال وأفعال الصحابة إن خالفت أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونهيه؛ فمَن بَعدهم مِن العلماء أولى، وقد نهى الأئمة عن اتباع أقوالهم إن خالفت الكتاب والسنة. ومن ذلك قولهم إن الإمام مالكًا أباح الاختلاط؟ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِى مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ مَعَ غُلاَمِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: «لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ». قَالَ: «وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَمَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُؤَاكِلُهُ أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ» (¬1). الجواب: أولًا: هذا القول للإمام مالك - رحمه الله -، ليس فيه إباحة للاختلاط، بل إجابة لسؤال عن المرأة تأكل مع غير ذي محرم، فقال: «لَيْسَ بِذَلِكَ بَأْسٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْرَفُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ ... وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ». فأين إجازة الإمام مالك للاختلاط في هذه الفتوى؟ وقد اشترط - رحمه الله - أن يكون جلوسها مع الرجال معروفًا لا يستنكر، كأن تكون مع الأقارب أو الأرحام أو ¬

(¬1) موطأ مالك (2/ 614)، وقال محققه: صحيح إلى مالك.

الأصهار ونحوهم بحضرة محارمها وهي متحجبة (¬1). ومما قد يلحق بذلك ما قد يضطر إليه الناس للأكل في مكان فيه رجال ونساء ومعها أحد محارمها في السفر أو في مِنًى أيام الحج مثلًا، فتأكل وهي منتقبة كما تُضطر إلى فعله بعض النساء في عصرنا الحاضر، فمثل هذا لا يستنكر. فكيف يُفهم عن الإمام مالك - رحمه الله - جواز أكل المرأة مع غير محارمها وقد قال: «أرى للإمام أن يتقدم إلى الصُّنَّاع في قعود النساء إليهم، وأرى ألا تترك المرأة الشابة تجلس إلى الصُّنَّاع» (¬2). فإذا كان - رحمه الله - يمنع من مجرد جلوس النساء مع الرجال الأجانب في الطرقات، فكيف يبيح الأكل معهم. ولا يُتَصَوَّرُ أن يقصد الإمام مالك ما يحدث في بعض البيوت من أكل النساء مع الرجال غير المحارم، مع كشف النساء لوجوههن، بل وغير وجوههن، بزينة وبغير زينة، مما ينتج عنه كثير من المخالفات الشرعية من النظر والإعجاب وتعلق القلب واللمس بل وأحيانًا الفاحشة، وهذا الواقع لا ينكره إلا مكابر. إن من الإنصاف أن يُفهم كلام الإمام مالك في ضوء الواقع الذي كان يعيش فيه الإمام مالك - رحمه الله - حيث الأصل أن النساء محتجبات لا يراهن غير محارمهن، والاختلاط هو الاستثناء، ومن التعسف فهم كلامه في ضوء واقعنا المعاصر حيث الأصل اختلاط النساء بالرجال غير المحارم، والاحتجاب هو الاستثناء. ¬

(¬1) الجهد وحده دون مستند شرعي في إباحة الاختلاط لا يكفي لإثبات الأحكام، علي أبا بطين، عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالقصيم. (¬2) البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لابن رشد القرطبي المالكي (9/ 335) تحقيق: د/ محمد حجي وآخرون.

إن احتجاب النساء عن الرجال الأجانب ظل هو الأصل حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وبدايات القرن العشرين الميلادي عندما بدأ بعض المغرورين ينخدع بحركة ما يسمى (تحرير المرأة). وإذا قرأت ما سطره علماء الحملة الفرنسية الصليبية على مصر، من وصف للمجتمع المصري في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبداية القرن التاسع عشر، وجدت أن ستر الوجه عند الخروج من المنزل، وعدم الاختلاط حتى داخل البيوت كان هو الأصل عند حكام البلاد وعامة الشعب. ومما قالوه: «النساء في كل الظروف لا يخرجن مطلقًا سافرات الوجوه، بل يغطين وجوههن بالبرقع ... ولا يدخل الرجال مطلقًا ـ فيما عدا بعض الأهل الأقربين ـ إلى مسكن السيدات ... ولم يستطع الرحالة السابقون على الغزو أن يتعرفوا على أحوال سيدات الطبقة المسيطرة، وذهبت أدراج الرياح كل توسلاتهم اللحوح؛ فلم يكن عظماء مصر ليسمحوا لأحد بأن يتطلع إلى جمال زوجاتهم» (¬1). فإذا كان هذا حال المسلمين في تلك القرون فما ظنك بالقرن الثاني الهجري الذي عاش فيه الإمام مالك في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ثانيًا: غاية ما يفهم من كلام الإمام مالك - رحمه الله - إجازة الإمام مالك أن تأكل مع الأقارب أو الأرحام أو الأصهار ونحوهم بحضرة محارمها وهي متحجبة، فهل يوجد مَحْرَم في الأماكن المختلطة في العمل والدراسة. ثالثًا: إن كان دعاة الاختلاط يستدلون لدعواهم بفهمهم السقيم لكلام الإمام ¬

(¬1) وصف مصر (1/ 64 - 65) تأليف ج دي شابرول، ترجمة زهير الشايب.

مالك - رحمه الله - فقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - ما يخالف ذلك، فقد قال العلامة السفاريني الحنبلي: «النَّظَرُ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ، مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ وَهُوَ جُلُّ الْمَقْصُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى جَمِيعِهَا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رضي الله عنه -.قَالَ - رضي الله عنه -: «لَا يَأْكُلُ مَعَ مُطَلَّقَتِهِ، هُوَ أَجْنَبِيٌّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَكَيْفَ يَأْكُلُ مَعَهَا يَنْظُرُ إلَى كَفِّهَا، لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ» (¬1). وقد تعلَّم المسلمون من الإمام مالك - رحمه الله - قوله: «إنما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه» (¬2). وقد رَدَّ الفقيه المالكي القرطبي الإمام الحافظ ابن عبد البر (¬3) على الإمام مالك قوله، فقال في شرحه (للموطأ) (¬4) تعليقًا على قول الإمام مالك السابق: «في كتاب الله تعالى شفاء من هذا المعنى؛ قال الله - عز وجل -: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور:31)، كما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (النور:30).وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِذِي مَحْرَم (¬5) وَلَا تُسًافِر امْرَأَةٌ ¬

(¬1) غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، للشيخ محمد السفاريني الحنبلي (1/ 97). (¬2) راجع أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها في (صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للشيخ الألباني، ص21 - 29). (¬3) هو الحافظ جمال الدين أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأديب الفقيه المالكي الشهير بابن عبد البر القرطبي، ولد سنة 368، وتوفي بشاطبة سنة 463، من تصانيفه: آداب العلم. الأجوبة المرعبة على المسائل المستغربة من صحيح البخاري. (¬4) المسمى: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار. (¬5) لم أجده بهذا اللفظ، ولكن رواه البخاري بلفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» ورواه مسلم بلفظ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».

بَرِيدًا فَمَا فَوْقَهُ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» (¬1). وقال جَرِيرِ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى (¬2). وقال لعليٍّ - رضي الله عنه -: «لَكَ النَّظْرَةُ الأولَى وَلَيْسَ لَكَ الأُخْرَى» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري ومسلم بلفظ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ». ورواه البخاري بلفظ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ». و «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ». و «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ» ورواه مسلم بلفظ: «لاَ تُسَافِرِ امْرَأَةٌ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» و «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».و «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلاَّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا» و «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ».و «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا».و «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ عَلَيْهَا».و «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ».و «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا». ولم أجده بلفظ: «بريدًا فما فوقه». لكن رواه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ: «لَا تُسًافِر المَرْأَةٌ بَرِيدًا إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: إسناده صحيح، وكذا قال د. محمد مصطفى الأعظمي الأعظمي في تعليقه على صحيح ابن خزيمة. ورواه أبو داود، والبيهقي، والحاكم، وابن عساكر بلفظ: «لا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ بَرِيدًا إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ يَحْرُمُ عَلَيْهَا». وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (رقم 13258). ولكنه في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، رقم 5727) قال: «ثم تبينت أن الحديث بلفظ «بريدًا» شاذ، والمحفوظ بلفظ: «. . . يوم وليلة. . .».وحكم عليه بالشذود أيضًا في (إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، رقم 567)، و (التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان رقم 2710). والبريد: المسافة بين كل منزلين من منازل الطريق، وهي أميال اختُلِف في عددها. (¬2) رواه مسلم. (¬3) لم أجده بهذا اللفظ ولكن رواه أبو داود والترمذي بلفظ: «يَا عَلِىُّ، لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ». (وحسنه الألباني).

وهذا تفسير حديث جرير أنه أمره أن يصرف بصره عن النظرة الثانية لأن النظرة الأولى غُلِبَ عليها بالفجاءة. ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمنه خير من زمننا هذا (¬1). وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذاتِ مَحْرَم نظر شهوة يرددها. وقال عاصم الأحول: «قلت للشعبي الرجل ينظر إلى المرأة لا يرى منها مُحَرّمًا؟». قال: «ليس لك أن تتبعها بعينك» (¬2). قال أبو عمر (الإمام ابن عبد البر): «فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا؟!!». قد جاءت رخصة في المملوك الوغد (¬3) وفي معاني من هذا الباب تركت ذكرها لأني لم أرَ من الصواب إلا أن يكون المملوك من غير أولى الإربة فيكون حكمه حكم الأطفال الذين لا يفطنون لعورات النساء وكم من المماليك الأوغاد أتى منهم الفساد» (¬4). فالإمام ابن عبد البر بعد أن بَيَّنَ نَهْيَ الإسلام عن الخلوة وأمْرَهُ بغض البصر قال: «فأين المجالسة والمؤاكلة من هذا؟!!»، أي فإذا كان النظر فقط محرمًّا، فكيف بالجلوس مع النساء والأكل معهن، واشترط أن يكون المملوك من غير أولى الإربة، وهم ممن لا حاجة لهم إلى النساء؛ حتى لا يحصل الفساد. ¬

(¬1) وزمن الإمام ابن عبد البر خير بكثير من زمننا هذا. (¬2) رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) برقم 17216. (¬3) الوَغْدُ: الخفِيف الأَحمقُ الضعيفُ العقْلِ الرذلُ الدنيءُ وقيل الضعيف في بدنه، والوَغْدُ الصبيّ. (انظر: لسان العرب، مادة وغد). (¬4) الاستذكار (8/ 387 - 388).

وكيف يتمكن الرجل من غض بصره عن امرأة تأكل معه في نفس المكان ليس بينه وبينها حجاب، وكيف تتمكن هي من غض بصرها عنه، إن الأمر بغض البصر دليل على المنع من الاختلاط. قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 30 - 31). قال الدكتور عبد الله ناصح علوان: « ... كيف نتصور غض البصر لكل من الرجل والمرأة وهما مجتمعان في مكان واحد؛ فالآية إذن في مدلولها تنهى عن الاختلاط وتحرمه» (¬1). وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن من حق الطريق: «غَضّ البَصَر» (رواه البخاري ومسلم). فإذا كان غض البصر واجبًا على الرجال إذا مرت بمجلسهم في الطريق امرأة مرورًا عابرًا، فكيف يأكل الرجل مع المرأة الأجنبية؟! قال العلاء بن زياد: «كان يقال: لا تُتْبِعَنَّ نظركَ حُسنَ رداءِ امرأة؛ فإن النظر يجعل شهوة في القلب» (¬2). رابعًا: هل يقول دعاة الاختلاط بجواز الخلوة بالمرأة الأجنبية استنادًا إلى قول الإمام مالك في هذا الأثر: «وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حُرْمَةٌ»!!!! ويخالفون قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِى مَحْرَمٍ» (رواه البخاري). ¬

(¬1) تربية الأولاد في الإسلام (1/ 204). (¬2) مصنف ابن أبي شيبة، برقم (17215).

معنى الكراهة في كلام الأئمة: إن من يتبعون الشهوات غالبًا ما يستدلون بزلّات العلماء، ولكن ليس لهم في كلام الإمام مالك ما يؤيد دعواهم، فمعنى كلام الإمام مالك - رحمه الله - تحريم الخلوة بالأجنبية وليس كراهيتها فقط. قال الإمام الشاطبي المالكي - رحمه الله -: «وأما كلام العلماء فإنهم وإن أطلقوا الكراهية في الأمور المنهي عنها لا يعنون بها كراهية التنزيه فقط، وإنما هذا اصطلاح المتأخرين حين أرادوا أن يفرقوا بين القبيلين، فيطلقون لفظ الكراهية على كراهية التنزيه فقط، ويخصون كراهية التحريم بلفظ التحريم والمنع، وأشباه ذلك. وأما المتقدمون من السلف فإنهم لم يكن من شأنهم فيما لا نص فيه صريحًا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام. ويتحامون العبارة خوفًا مما في الآية من قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (النحل: 116)، وحكى مالك عمن تقدم هذا المعنى. فإذا وجدت في كلامهم في البدعة أو غيرها: أكره هذا، ولا أحب هذا، وهذا مكروه، وما أشبه ذلك، فلا تَقْطَعَنّ على أنهم يريدون التنزيه فقط» (¬1). ومما يوضح كلام الإمام الشاطبي أن الإمام الترمذي قال في سننه: «باب مَا جَاءَ فِى كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ»، وذكر فيه قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -» (¬2) فهل يُعقل أن يستدل الإمام الترمذي بالحديث على الكراهة التنزيهية؟!! ¬

(¬1) الاعتصام (2/ 397، 398). (¬2) رواه الإمام الترمذي (135) وصححه الشيخ الألباني.

الشبهة الحادية عشرة بعد المائة: يجوز الاختلاط بشرط غض البصر واحتجاب المرأة وعدم خضوعها بالقول

الشبهة الحادية عشرة بعد المائة: يجوز الاختلاط بشرط غض البصر واحتجاب المرأة وعدم خضوعها بالقول. الجواب: لابد من التفريق بين اللقاء العابر والمحدود وبين اللقاء المتكرر أوالمنظم. فالاختلاط الممنوع هو ما تكرر أو نظم فيه اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات مباشرة مع إمكان التحرز منه. ومما يُعْرَفُ به الاختلاط الممنوع: - أنه يؤدي إلى زوال الكلفة بين الرجال والنساء، «فيتكلمون بغير الحاجة مع الخضوع بالقول غالبًا، وإطلاق النظر، والاستمتاع بالكلام وغير ذلك مما نَصَّ عليه النبي ص بقوله: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى مُدْرِكٌ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ؛ فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاِسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلاَمُ، وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَا، وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ وَيُكَذِّبُهُ» (¬1). - أنه يكثر من خلاله العلاقات المحرمة. - أنه يؤدي إلى الخلوة بالمرأة الأجنبية. - أنه يؤدي إلى تلاصق وتزاحم بالأجساد (¬2). أما اللقاء العابر فهو لقاء محدود لا تزول به (الكلفة) وتلتزم فيه المرأة بالضوابط ¬

(¬1) ما بين القوسين أضافه الشيخ ياسر برهامي. (¬2) بتصرف من: الجواب عن شبهة: الاختلاط المحرم هو ما يكون عند تزاحم الأجساد وتلاصقها، إعداد: منتديات شبهات وبيان.

الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب، مثل قضاء حاجة سريعة: كسؤال عن متاع أو استفتاء وسؤال عن حاجة وبيع وشراء ونحوه. فاللقاء العابر المحدود بين الرجل والمرأة عند الحاجة أو السؤال فإنه يجوز بشرط غض البصر واحتجاب المرأة وعدم خضوعها بالقول. وأما عند اللقاء الدائم , فيستحيل أن تتوفر هذه الشروط , فالفتنة واقعة لا محالة , فلابد إذن من التخفيف منها بإبعاد الرجال عن النساء على قدر الاستطاعة (¬1). قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: «فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير. وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبًا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به؟» (¬2). قال الشيخ سليمان الماجد: «الاختلاط المحرم مرجعه إلى ثلاث صور: الأولى: الذي يمسُّ فيه جسدُ المرأة جسدَ الرجل؛ إذ لا يشك عاقل أن المس أشد فتنة من مجرد سماع صوت الخلخال. الثانية: الاختلاط الذي يحقق الخلوة بين المرأة والرجل. الثالثة: دوامُ مُكث الرجل مع المرأة الأجنبية في مكانٍ واحد، ولو لم تتحقق الخلوة، مثل مكاتب الموظفين في دوامها المستمر يوميًا؛ إذ لا يشك عاقل أن خلوة المرأة مع ¬

(¬1) راجع: هل يقاس اختلاط التعليم والعمل على الاختلاط العابر؟ ص 78 من هذا الكتاب. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز (1/ 421 - 422).

الرجل خمس دقائق أو ربع ساعة (وهو محرّم) ليس أخطر عليهما من ذلك المكث الطويل المستمر، وما يسهّله هذا الاجتماعُ المستمر من تبادل الحديث بينهما، وما يحققه من الغفلة عن التحفظ من أسباب الوقوع في شِراك الفتنة، وما يؤدي إليه من توسيع مداخل الشيطان بينهما. لا يشك عاقلٌ منصف مبتغٍ للحق في أن هذا اللقاء الدائم، أخطر من خلوة قصيرة، ومن تزاحم لحظة على باب مسجد أو خلال الطواف بالبيت، ومن خضوع بالقول مرّة، ومن قرقعة صوت الخلخال في طريق من طرق المسلمين. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم). فوصفهن بأنهن فتنة فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون (¬1). ¬

(¬1) بتصرف من موقع شبهات وبيان.

الشبهة الثانية عشرة بعد المائة: الاختلاط يخفف الشهوة

الشبهة الثانية عشرة بعد المائة: الاختلاط يخفف الشهوة: يدعي دعاة الاختلاط أن اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة. الجواب: 1 - الأمر بالعكس تمامًا، فإن أقدر الناس على الابتعاد عن الفاحشة هم الذين يغضون أبصارهم ويبتعدون عن رؤية المثيرات وسماعها، بينما الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أن اختلاط الرجل بالمرأة غير المحرمة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أن هذا الدافع يخف تدريجيًا ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك، إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما ما دام أنه سَوِيٌّ في صحته الجسمية والعقلية. ولقد ظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط بدون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا. وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من تسعين في المائة من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا إما بطلاقة أو من حين لآخر. 2 - قد يكون ما يذهب إليه دعاة تهذيب الشهوة صحيح من بعض نواحيه، وإن كان كثير من الشهوات الجامحة الجارفة يستعصي على الترويض، وأغلب الظن أن إدمان الخضوع للتجربة على تعاقب الأيام قد ينتهي إلى ما يريده المروضون من دعاة التهذيب، ولكن أي شيء يمكن أن يسمى هذا الذي يسعون إليه؟ أليس هو البرود الجنسي؟!

إذا رأى الرجل المرأة فلم يثِر فيه هذا اللقاء ما يثور عادة في الرجال عند رؤية النساء ولم يطرأ على الرجل أي تغيير جنسي جسدي وكان قصارى ما يستتبعه ذلك كله هو أن تسري في جسده نشوة لا تدفع به إلى الحالة الإيجابية العضوية أليس يكون قد بلغ ما يسمى بالبرود الجنسي؟! أليس البرود الجنسي مرضًا يسعى المصابون به إلى الأطباء يلتمسون عندهم البرء والشفاء من أعراضه؟! فكيف نجعل هذا المرض غاية من الغايات نسعى إليها باسم التنفيس عن الكبت أو تهذيب الغريزة الجنسية؟! وكيف يكون الحال لو تصورنا التهذيب في سائر الخلق، فبطل تجاذب السالب للموجب أو فتر، فأصبح من غير المؤكد أن يترتب على التقائهما الشوق الشديد والميل العنيف الذي لا يقاوم إلى الاندماج الكامل، أليس يفسد الكون كله؟! إن حدة الشهوة وقوتها سبيل إلى تحسين النسل وداعية إلى إبراز أحسن خصائصه وأفضل صفاته، كما أن فتور الشهوة وبرودها سبيل إلى ضعف النسل وداعية إلى تدهور خصائصه وانحطاط صفاته. ونتيجة خطيرة لشيوع البرود الجنسي هي انتشار الشذوذ الجنسي، فهي راجعة إلى أن الرجل الذي ألف أن يقع نظره على مفاتن المرأة فلا يثور يحتاج لكي يثور إلى مناظر وأوضاع تخالف ما ألف، ومصيبته بالبرود الجنسي تحرمه من الإحساس بذكورته، فيعاني أشد الألم مما يحسه في أعماق نفسه من الذلة والمهانة، ويدفعه ذلك إلى أن يحاول تحقيق متعة الاتصال الجنسي وإثباتها من كل الوجوه، عن طريق التقلب بين الخليلات وبائعات الهوى، والتماس الشاذ الغريب من الأساليب والأوضاع رجاء انبعاث ما ركد

من ذكورته، وقد تدفعه مع ذلك إلى إغراق نفسه في المخدرات تعويضًا لما فقده من لذة أو إلى الإجرام أو المغامرة إثباتًا لذكورته من وجه آخر. 3 - من نتائج الاختلاط عند الغرب بأقلام علمائهم: يقول الدكتور جون كيشلر أحد علماء النفس الأمريكيين في شيكاغو: «إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي و40% من الرجال مصابون بالعقم»، وقال: «إن الإعلانات التي تعتمد على صور الفتيات العارية هي السبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي، وبسبب الاختلاط الذي سبب ما سبب في المجتمع البريطاني أصبحت المرأة التي تركت أنوثتها واتصفت بصفات الرجال تسمى بالجنس الثالث، فهذا الجنس الثالث يخالف الرجال طبيعة وتركيبًا ويخالف النساء وظائف وأعمالًا» (¬1). ¬

(¬1) انظر: الإسلام في قفص الاتهام لشوقي أبو خليل (243 - 245).

الشبهة الثالثة عشرة بعد المائة: الفصل بين الجنسين يؤجج الشهوة، ويلجئ إلى طلب الجنس ولو من المثل

الشبهة الثالثة عشرة بعد المائة: الفصل بين الجنسين يؤجج الشهوة، ويلجئ إلى طلب الجنس ولو من المثل (¬1): الجواب: إن صاحب الهوى يدخل في مغالطات يهزأ منها قارئ التاريخ، ويكذبها الواقع بإحصائياته، بل بإقرار قدوات المغالطين من رجال الغرب ونسائه. وهذه الدعوى ضَرْبٌ من الإرهاب الفكري المقيت، يُحصَر فيه الناس بين خيارين؛ إما الاختلاط ولك أن تقول: الزنا، وإما الشذوذ، سبحان الله! ألا يرى هؤلاء إلاّ الجنس المحرم، مثلهم كمثل من يقول: إما أن يأكل الناس مما لم يذكر اسم الله عليه، أو يُؤكل لحم الخنزير. عجبًا! وأين ذهب الحلال الطيب؟ إن مِن أظهر الباطل الزعمَ بأن الدعوة للعفاف ونبذ التبذل والاختلاط سبب لتأجج نار الشهوات، فهؤلاء أهل الإسلام ودعاته الملتزمون بأحكامه ـ ومن ذلك الفصل بين الرجال والنساء ـ محافظون على العفة مهذِّبون لغرائزهم بالتزامهم أمر اللطيف الخبير - سبحانه وتعالى - بخلاف غيرهم. فلم نسمع بجماعة إسلامية، دعت يومًا من الدهر إلى إباحة الشذوذ الجنسي، فضلًا عن أن تقر له قانونًا، بينما قادَ الاختلاط والانفتاح أممًا إلى سَنّ تشريعات تبيح الشذوذ، وإلاّ فما بال نساء ألمانيا وبريطانيا وأمريكا ورجالاتها سَنُّوا تشريعات تقر الشذوذ، وأقاموا منظمات تحفظ حقوق الشُذّاذ! أتراهم عانوا من كبت ضرب الحجاب بين ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص61 - 67).

الجنسين أو أمر النساء بالقرار؟ هل يعلم هؤلاء أن بالولايات المتحدة وحدها نحوًا من خمسين مليون شاذ! (¬1) ثم مَن الذي يحمي شُذّاذ الآفاق، مِن الذين انتكست فطرهم في الدول العربية والمسلمة؟ هل رأيتم شعبًا مسلمًا خرج في مظاهرة لحماية حقوق الشواذ؟ اللهم لا؛ ولكن رأينا احتجاجات بمباني الأمم المتحدة في جنيف، وخارج المكتب الثقافي التابع للسفارة المصرية بواشنطن. وسمعنا بانتقادات جماعات حقوق الإنسان الدولية، لحادث قبض على بعض الشُذَّاذ في أرض الكنانة أسفر عن إدانتهم ومحاكمتهم! (¬2) حتى قال محرر الأهرام العربي: «بعد أن رفع الشواذ الأمريكيون شعار الحرية الشخصية الذي تبناه خمسة وثلاثون من أعضاء الكونجرس في رسالة مسمومة إلي الرئيس مبارك يُلَوِّحُون فيها بورقة المعونة الأمريكية للضغط علي مصر بهدف إلغاء محاكمة المتهمين الـ 52 في قضية الشذوذ ومنح الحرية الكاملة لأي شاذ يمارس الجنس مع أشخاص بالغين من الجنس نفسه. ولأن الحملة الأمريكية يقودها شاذ أمريكي يُدعى (باري فرانك) ـ عضو الكونجرس عن ولاية (ماستشوستس) ـ ومعه (توم لانتس) المعروف بالمشاركة الدائمة والمنتظمة في أي حملة ضد مصر فقد جاء الرد سريعًا وفي نفس الاتجاه من ¬

(¬1) ثقافة الشذوذ أحدث منتج أمريكي، مقال لمروي مشالي، نشر في (حياة الناس) من (الأهرام العربي) يوم السبت 6 جمادى الآخرة، 1422 الموافق 25 أغسطس 2001العدد رقم 231. (¬2) وماذا لو طُبِّق فيهم حد اللواط، فقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللاَّئِطِ هِيَ عُقُوبَةُ الزَّانِي، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أُحْصِنَ. (انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 340). وقد نشرت قناة الجزيرة الإخبارية الخبر بتاريخ 9/ 8/2001، محاكمة 52 بتهمة الشذوذ، وخصصت الأهرام العربي (حياة الناس) لهذا الحدث، في عددها 231، السبت 25/ 8/2001.

أوروبا، وبالتحديد من أمام السفارة المصرية في جنيف حيث وقف عشرات الشواذ يتظاهرون منددين بانتهاك الحكومة المصرية لحقوق الشواذ وحرمانهم من ممارستهم لحريتهم!! والمفارقة أن المظاهرة جاءت ضمن فعاليات المؤتمر العالمي للشواذ والسحاقيات الذي أقيم الأسبوع الماضي في العاصمة السويسرية. ولم تسلم جمعيات حقوق الإنسان في مصر من الحرب الشرسة , إذ نالت مئات الهجمات العنيفة علي مواقعها عبر الإنترنت بالإضافة إلي تهديدها بوقف التمويل ما لم تنتفض لنجدة ونصرة الشواذ في مصر وتهيئ لهم أجواء الفجور والفسوق!! (¬1). لقد أضاف الدستور البريطاني مادة جديدة تتيح للموظف المسئول، حرية الإعلان عن ميوله الجنسية , فكانت النتيجة أن أعلن أربعة وزراء عن ميولهم الشاذة، وسكت آخرون، فصادف أن وقف (توني بلير) ـ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ـ في أحد المؤتمرات الصحفية بعد إعلان أحد الوزراء عن ميوله الجنسية الشاذة , فلم يجد سوى أن يقول: تلك ميول شخصية لا تؤثر علي كفاءته في العمل كوزير! وعندما حاولت ملكة هولندا في السنوات الأخيرة الالتزام ببروتوكول القصر الملكي، فحرمت حوالي أربعة عشر سفيرًا ودبلوماسيًا هولنديًا شاذًا ـ أعلنوا عن ميولهم في الملأ ـ من حضور حفلات ملكية، وجدت المتحدث الرسمي الأول لمجلس الدولة ـ الشاذ ـ يعرب عن اعتراضه علي هذا الحرمان، وامتنع عن حضور المؤتمرات، التي تعقد في القصر لأنه لا يستطيع أن يصطحب صديقه!!! ولست أدري أين وصلت فرنسا في قانون (باكس) للتضامن الاجتماعي، وأهم ¬

(¬1) الأهرام العربي، العدد 231، السبت 25/ 8/2001.

البنود المطروحة في مشروع القانون مسألة السماح لأي زيجة بين الشواذ تمنحهم الحقوق المدنية المكفولة للأزواج الطبيعيين مثل حقوق الميراث، والاحتفاظ بالممتلكات بعد وفاة أحد الطرفين. وهناك مشروع مماثل جارٍ بحثه في بلجيكا بعد ضغوط من بعض المنظمات الدولية الكبرى التي ترعى هؤلاء الشواذ» (¬1). وقد وقف أمام الملأ نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) ليدافع في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه (إم إس إن بي سي) عن حقوق ابنته الشاذة في حماية حياتها الخاصة، معربًا عن حبه الشديد لها، وقد كان ناشطون شذاذ دعوا ابنته (ماري) للتنديد بمقترح الرئيس جورج بوش من أجل تعديل الدستور لحظر الزواج من نفس الجنس! (¬2) وهكذا يستشري الشذوذ في تلك المجتمعات التي لا ترعى للاختلاط حرمة، ويتقدم ليقتحم الكنائس، وقد أثارت الصحف الأمريكية قبل حوالي ستة أشهر، نبأ انتخاب (جين روبنسون) أول أسقف شاذ للكنيسة الأسقفية البروتستانتية، التي تضم حوالي 3¸2 مليون نصراني، ينتمون إلى الكنيسة الانجليكانية، يباركهم!!! جميعًا هذا القس الشاذ!!! (¬3) «ولن تعجب كثيرًا إذا علمت أن اليهود كان لهم السبق في دعم مثل هذه التوجهات الشاذة في خطوة غير مسبوقة عندما صَوَّتَ الحاخامات المنتمون لأكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة لصالح الاعتراف بزواج الشواذ وذلك في المؤتمر المركزي ¬

(¬1) الحوادث والأرقام السابقة مستقاة من مقال بعنوان: ثقافة الشذوذ أحدث منتج أمريكي، لمروي مشالي، نشر في حياة الناس من الأهرام العربي يوم السبت 6 جمادى الآخرة، 1422 الموافق 25 أغسطس 2001. (¬2) نقلًا عن جريدة (المحايد) في عددها رقم 81 بتاريخ 18/ 1/1425، الموافق 9/ 3/2004م. (¬3) انظر تقريرًا عن هذا الحدث في (السي إن إن) يوم الأربعاء الموافق 6أغسطس2003، http://www.cnn.com.

للحاخامات الأمريكيين التابع لحركة الإصلاح اليهودية حيث صرح رئيس المؤتمر (تشارلز كرولوف): «إن من حق الشواذ الاعتراف بزواجهم واحترامهم»، ومنذ عام 1995، والحركة توافق على تعيين حاخامات مثليين» (¬1). يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - «فهذه هي الجاهلية الحديثة في أوروبا وفي أمريكا ينتشر فيها هذا الانحراف الجنسي الشاذ انتشارًا ذريعًا. بغير ما مبرر إلا الانحراف عن الاعتقاد الصحيح , وعن منهج الحياة الذي يقوم عليه. وقد كانت هناك دعوى عريضة من الأجهزة التي يوجهها اليهود في الأرض لتدمير الحياة الإنسانية لغير اليهود , بإشاعة الانحلال العقيدي والأخلاقي، كانت هناك دعوى عريضة من هذه الأجهزة الموجهة بأن احتجاب المرأة هو الذي ينشر هذه الفاحشة الشاذة في المجتمعات! ولكن شهادة الواقع تخرق العيون، ففي أوروبا وأمريكا لم يبق ضابط واحد للاختلاط الجنسي الكامل بين كل ذكر وكل أنثى ـ كما في عالم البهائم! وهذه الفاحشة الشاذة يرتفع معدلها بارتفاع الاختلاط ولا ينقص! ولا يقتصر على الشذوذ بين الرجال؛ بل يتعداه إلى الشذوذ بين النساء، ومن لا تخرق عينيه هذه الشهادة فليقرأ (السلوك الجنسي عند الرجال) و (السلوك الجنسي عند النساء) في تقرير (كنزي) الأمريكي، ولكن هذه الأجهزة الموجهة ما تزال تردد هذه الأكذوبة، وتسندها إلى حجاب المرأة؛ لتؤدي ما تريده بروتوكولات صهيون , ووصايا مؤتمرات المبشرين!» (¬2). ¬

(¬1) عن تقرير لموقع (مفكرة الإسلام) بعنوان: حرية التردي وتقنين الفاحشة في الولايات المتحدة الأمريكية www.islammemo.cc. (¬2) في ظلال القرآن (3/ 1315 - 1316).

إن من أعظم أسباب الشذوذ اضطراب الأسرة، وانشغالها عن رعاية بنيها، ولهذا كان من الطبيعي استشراء الشذوذ في الغرب الذي بات مصير الأسرة فيه مهددًا بالانقراض إثر الانحلال المتفشي؛ فعندما تهمل الأسرة أبناءها , تكون النتيجة المرتقبة انحرافهم بأشكال مختلفة، قد يمثل الشذوذ أحدها، خاصة عندما ينشأ الأولاد في أسر استرجلت فيها النساء، أو في مجتمع سُلب ذكوره الرجولة. ومع ذلك فإننا لا ننكر أن يكون الشذوذ ظاهرة ربما عرضت لنفر منبوذ ـ لا يراعي للاختلاط حرمة ـ في مجتمع عربي، ولكن ما نستهجنه محاولات تبرير الدعوة إلى الاختلاط بدعاوى سمجة، بالإضافة إلى تحليل أسباب ظاهرة الشذوذ في المجتمعات العربية تحليلًا سطحيًا ساذجًا، يُضحك به على البسطاء، ثم اقتراح عقار آخر يضاعف الداء، بتحليله لتدابير الإسلام الوقائية، كمنعه من الاختلاط، وهدمه لتدابير الإسلام الإيجابية كحَضِّه على الزواج، وترخيصه في الإماء، وأمره بالصيام. يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: «لقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة، والحديث الطليق , والاختلاط الميسور، والدعابة المرحة بين الجنسين , والاطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة. شاع أن كل هذا تنفيس وترويح , وإطلاق للرغبات الحبيسة , ووقاية من الكبت , ومن العقد النفسية , وتخفيف من حدة الضغط الجنسي , وما وراءه من اندفاع غير مأمون ... الخ. شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان , والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين!

ـ وبخاصة نظرية فرويد ـ ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية , رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتًا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية, ما يكذبها وينقضها من الأساس. نعم .. شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي , والاختلاط الجنسي، بكل صوره وأشكاله , أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها، إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع! وشاهدت الأمراض النفسية والعقد التي كان مفهومًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان , وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب , شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ـ ثمرة مباشرة للاختلاط الكامل الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد ; وللصداقات بين الجنسين تلك التي يباح معها كل شيء! وللأجسام العارية في الطريق, وللحركات المثيرة والنظرات الجاهرة , واللفتات الموقظة، وليس هنا مجال التفصيل وعرض الحوادث والشواهد، مما يدل بوضوح على ضرورة إعادة النظر في تلك النظريات التي كذبها الواقع المشهود. إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي؛ لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض؛ وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها، فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته، وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة، فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة، وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة! والنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده

الطبيعية، ثم يلبى تلبية طبيعية، وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد! وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}. وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام، كما أن فيه إغلاقًا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية، ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم! وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، ويقظة الرقابة، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى. ومن ثَمَّ يجمع بينهما في آية واحدة؛ بوصفهما سببًا ونتيجة؛ أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع. كلتاهما قريب من قريب. {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} فهو أطهر لمشاعرهم؛ وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط. وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها، وجوها الذي تتنفس فيه. والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية؛ وهو العليم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم؛ {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} فلا يرسلن بنظراتهن الجائعة المتلصصة، أو الهاتفة المثيرة، تستثير كوامن الفتنة في صدور الرجال. ولا يُبِحْنَ فروجهن إلا في حلال طيب، يلبي داعي الفطرة في جو نظيف، لا يخجل الأطفال الذين يجيئون عن طريقه عن مواجهة المجتمع والحياة!» (¬1). ¬

(¬1) في ظلال القرآن (4/ 2511 - 2512)، عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} (النور:30 - 31).

الشبهة الرابعة عشرة بعد المائة: زعموا أن المرأة الشريفة تستطيع أن تحفظ نفسها بين الرجال إذا اختطلت بهم في التعليم أو العمل

الشبهة الرابعة عشرة بعد المائة (¬1): زعموا أن المرأة الشريفة تستطيع أن تحفظ نفسها بين الرجال إذا اختطلت بهم في التعليم أو العمل: فالقضية ـ عندهم ـ قضية قلوب! إذا سَلِمَ القلب فلا تهتم أين كان صاحبه، والمرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال في حصن حصين من شرفها وعفتها لا تمتد إليه المطامع. الجواب: تلك خدعة كبرى ... فمهما بلغ الرجل والمرأة صلاحًا وديانة وتعففًا فلن يبلغوا طهارة أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا طهارة أصحابه - رضي الله عنهم - ومع ذلك خاطبهم الله - عز وجل - بقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (الأحزاب:53)، فأي خوف على قلب امرأةٍ زوجها محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأي خوفٍ على قلوب خير القرون - رضي الله عنهم -. إن الإسلام عندما حرم الاختلاط لم يفرق بين العفيفة وغير العفيفة، ولك أن تعجب أيضًا من ذلك الشرف، وتلك العفة، التي يزعم امتلاكها من يبيح الاختلاط، ويتهم من ينادي بالفصل بسوء القصد! وهل حقًا بلغت السذاجة بأناس مبلغًا يدفعهم لتصديق هذا الدّعِيّ؟ ولا يُظَن أن عاقلًا يتصور أن امرأة شريفة سوف تعيش في حصن من العفاف حصين أنى وجدت، ولو في قعر بيت بغاء! ¬

(¬1) انظر: في الاختلاط هل يمكن كبح الغريزة الجنسية، لأبي سارة www.saaid.net. الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص61 - 67).

إن الشرف ليس جوهرًا قائمًا منفصلًا، أو متبعضًا عن غيره، وكذلك العفة ليست كائنًا يمشي على الأرض، ويمسك باليد، بل هي أعراض قائمة بالنفوس، فإذا جُبْتَ الطرقات والخلوات، فلن تصادف جسمًا اسمه الشرف، وإذا شققت إنسانًا وفتشت بين جنباته، فلن تجد قطعة اسمها العفة، ولكن ربما وجدت قلوبًا حية بيضاء، وهذه لا تزال صافية، حتى يسقط فيها ما يكدرها. إن الصفات والأعراض قابلة للتأثر إذا لم تُصَنْ فكم رأيتَ إنسانًا يتقاطر الحياء من محياه، فعاد إليك بعد أن خالط أقوامًا لم يتركوا في وجهه قطرة ماء. إن من المستهجن في العقول أن تقول لغواص يجوب أعماق البحار، انزع لباسك الضافي الأسود وإياك إياك أن تبتل بالماء! ومن قبيله ترك المباعدة بين الرجال والنساء وترَقُّب السلامة. ألم ير من ينادي بهتك الستر بين الرجال والنساء أثر ذلك في الغرب المتحضر؟ هل خفف ذلك من ثورة الشهوات؟ أم أتاح لها متنفسًا فلوثت الأعراض؟ ثم هب أن امرأة درجت على مخالطة الرجال فسلم لها شرفها وحياؤها فلم يهزل، فمن الذي يكفل عدم خدشها من قبل ثعالب وذئاب البشر. قالتْ بنو عامرٍ: «خَلّوا بني أسدٍ» ... يابُؤس للجهلِ ضَرَّارًا لأقوام تَعْدُو الذئابُ علَى مَن لَا كِلابَ له ... تَتّقِي صَوْلَةَ المُسْتَثْفِرِ الحَامِي (¬1) وفي الإحصاءات التي تبين ما هو ماثل في أرض الواقع ما يغني عن الأخبار، نسأل ¬

(¬1) الأبيات للنابغة الذبياني، والمستثفر الحامي: أراد به الكلب يدخل ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه ببطنه، متأهبًا للحماية.

الله الحفظ والسلامة. إن الشرف كلمة لا وجود لها حين يختلط الرجال بالنساء إلا في القواميس ... هل يملك رجل أن يزعم أنه يملك هواه بين يدي امرأة يرضاها؟ ... أم هل تملك امرأة هواها بين يدي رجل ترضاه؟ ... وأين يكون الشرف إذا اختلى رجل قادر مغتلم بامرأة حاذقة متميعة؟ ... ولو تعففت المرأة فهل ستسلم من أذى الرجل وتحرشاته وربما اعتداءاته؟ ... ولو فرضنا أنهما من أهل التقوى ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخافون يوم الحساب، وقد حبسا شهواتهما بالأمس واليوم فهل سيصمدان في الغد؟ ... هل سيكونان خيرًا من الصحابة - رضي الله عنهم -. رُوِي عن عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - أنه قال: «أَلاَ تَرَوْنِي لاَ أَقُوْمُ إِلاَّ رِفْدًا (¬1)، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مَا لُوِّقَ ـ يَعْنِي: لُيِّنَ وَسُخِّنَ ـ وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَانٍ ـ يَعْنِي: ذَكَرَهُ ـ وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْتُ بِامْرَأَةٍ لاَ تَحِلُّ لِي، وَإِنَّ لِي مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَ الشَّيْطَانُ فَيُحَرِّكَهُ، عَلَى أَنَّه لاَ سَمْعَ لَهُ وَلاَ بَصَرَ» (¬2). تلك حقيقة لا مرية فيها ... كيف يعقل أن يبقى جائع في مطبخ عامر بالطعام لساعات طويلة ثم هو لا يأكل منه، أو حتى ينظر إليه، كيف يجاور السمن النار ولا يذوب؟. نعم ... التربية مهمة والقناعة مهمة ... لكن لا يعني ذلك أبدًا أن نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ... الإسلام يخاطب العقول بالحجة والبرهان، وفي ذات الوقت ينهى عن الاختلاط بين الرجال والنساء، وينهى عن الخلوة، ويأمر بغض البصر ... ويصف النساء بأنهن فتنة .. . ¬

(¬1) الرفد: الاعانة، والمعنى: أنه لايستطيع القيام إلا أن يُعَانَ عليه. (¬2) سير أعلام النبلاء (2/ 8)، تاريخ دمشق (26/ 203). ورجاله ثقات خلا مالك بن شرحبيل، فإنه لم يوثق، وهو مترجم في (تاريخ البخاري 7/ 314) و (الجرح والتعديل 8/ 210).

إذن نحن بحاجة إلى الأمرين معًا: - بحاجة إلى التربية والإقناع بأهمية الخلق والحفاظ على العفة. - وبحاجة إلى العزل بين الجنسين. فإن الغريزة قوة جارفة، فكم من إنسان عقل وفهم أهمية الخُلُق، لكنه لم يملك نفسه ولم يصبر عن الخطأ والفاحشة، وقادَتْه غريزتُه إلى المهالك جراء اختلاطه بالنساء ورؤيته لهن. وكذلك كم من فتاة عاقلة فاهمة أدركت أهمية الخلق والعفة، لكنها ما ملكت نفسها ولم تصبر عن الخطأ والفاحشة، وقادَتْها غريزتُها إلى المهالك والسبب اختلاطها بالرجال. إذن لا بد أن نكون صادقين مع أنفسنا .. مهما كانت التربية عميقة فإن إزالة الحاجز خطر كبير ... والتجارب تثبت ذلك ... لكن الأمرين معا هو المطلوب. وهذا نجده في المجتمع الأول، في القرون السابقة، خاصة القرن الأول، كان الصحابة مثلا يتربون على الخلق والعفة، وفي ذات الوقت يعتزلون النساء، فلا تجدهم في التعليم أو في العمل سواء .. بل كل على حدة ... وفي هذا رَدٌّ على مَن زَعَم أنه لا خطر على الخلق والعفة إذا حصلت التربية القويمة ... وقائل هذا أحد رجلين: - إما رجل مستغفل لم يكلف نفسه أن يفكر ويتأمل في حقيقة الغريزة الجارفة الموضوعة في الإنسان. - أو رجل فاسد مُفْسِد، يعرف حقيقة الأمر، لكنه يتكتم، ويريد أن يلبس على الناس أمرهم، وهذا ليس له إلا قول الرب الجبار ـ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور: 19).

الشبهة الخامسة عشرة بعد المائة: المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي تختلط النساء بالرجال ولا يحصل ما ذكرته بل إن هناك احترام وحشمة

الشبهة الخامسة عشرة بعد المائة: المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي تختلط النساء بالرجال ولا يحصل ما ذكرته بل إن هناك احترام وحشمة. الجواب: هذه دعوى تحتاج إلى بينة لأن الدراسات والأرقام , ونداءات العقلاء في الشرق والغرب , تقول غير ذلك , فمثلًا هذه دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والطفل بالقاهرة على (1472فتاه وسيدة) كما في مجلة الأسرة، صفر، 1420هـ: - 70% تعرضن إلى مضايقات وإهانة في أماكن عملهن. - 54% من المضايقات تأخذ شكلًا جنسيًّا. - 30% معاكسة بالألفاظ الجارحة. - 17% التحرش الجنسي. - 23 % منهن لديهن حالة من الخوف والإحباط والارتباك والخوف بسبب المضايقات وتولد لديهن إحساس بالإهانة والغضب والرغبة في الانتقام والمواجهة ... (¬1). ¬

(¬1) الرد على (باحث سعودي يفند أدلة تحريم الاختلاط بالإسلام)، فهد الغفيلي، موقع نور الإسلام www.islamlight.com بإشراف الدكتور محمد بن عبد الله الهبدان.

الشبهة السادسة عشرة بعد المائة: كن واقعيا

الشبهة السادسة عشرة بعد المائة: كن واقعيًا: قالوا: منع الاختلاط في العمل ليس له معنى إلاّ تضييق مجالات العمل للمرأة وحرمانها من أبواب رزق كثيرة، وحُكم على كل مطالبة بعزل الرجال عن النساء بأنها مطالبات مكلفة، فيها تضييع للمال وتبديد للثروات!! الجواب: لا تكاد تُثار قضيةُ عملِ المرأة إلاّ وتُثار معها قضيةُ الاختلاطِ، وكأنه قد كُتب على المرأة ألاّ تعملَ إلاّ وقد خالطت الرجال، وصار لها زملاءُ عمل كما لها زميلات. وما جاء هذا الحكم الجائر والنظر القاصر إلاّ من النظرة المادية، التي لا تراعي في حسابات الربح والخسارة مكتسباتِ القيم والفضائلِ، فليس معدودًا من المكتسبات التي تستحق أن يُصرفَ فيها المال أن تحافظ على أخلاق الموظفين والموظفات وعلى أعراضهن، وأن تسدَّ عليهم ذرائع الفتنة والفاحشة. وتجد مِن هؤلاء مَن يناقش قضيةَ الاختلاط بمثالية مفرطة؛ فينظر إلى واقع الشبان والشابات نظرةً مثالية، فهم في نظره بمنأى عن مزالق الفاحشة، ويرى أن نُضجَ عقولهم وحصانة أخلاقهم يمنعانهم ـ مهما اختلطوا ـ أن يقعوا في شيء من طرائقها. والعجيب أن هؤلاء يدَّعون الواقعيةَ في التعامل مع الواقع، ويطالبون غيرهم بأن يعالج الأمور بنظرة واقعية تراعي طبيعة البشر وطباعَهم، ويتناسَوْن أن من طبيعة البشر ميل كل جنس إلى الآخر. ويتناسَوْن أن النظرة الواقعية في طبيعة العلاقة بين الجنسين تفرض التحرّزَ والتحوّطَ، لا التساهلَ والمبالغة في إحسان الظن، والتعويلَ على الحصانة الإيمانية والثقافية.

إن النظرة الواقعية تقول: قَلَّ من الشباب من يتقي ويصبر إذا أحاطت به المغريات من كل جانب. والنظرة الواقعية تقول: إذا اختلط الرجال والنساء ثارت بينهم عقابيل الفتنة، ونشأت فيهم العلاقات المحرمة والصداقات الحميمية التي تجعل الصديق كالزوج في أخص خصائصه. والنظرة الواقعية تملي عليه أن ينظر في تجارب الآخرين، فما زالت أكثر الدول تطورًا وأحكمها نظامًا وأصرمها قانونًا تعاني من مشكلات التحرش الجنسي، وهي تزداد في كل سنة بنسبة مضاعفة. ليس من الواقعية في شيء أن تفرض الاختلاط أمرًا واقعًا في شتى مجالات العمل، ثم تجابه من ينكر الاختلاط فيها بقولك: يا أخي كن واقعيًا! فأين هذا من الجانب الآخر من الواقعية، وهي الواقعية في مراعاة طبيعة العلاقة بين الجنسين، وبخاصة في مرحلة الشباب، التي تكون فيها الغريزة الجنسية في أوج اتقادها (¬1). ¬

(¬1) الواقعية في الاختلاط سامي الماجد، موقع شبهات وبيان.

الشبهة السابعة عشرة بعد المائة: الاختلاط في المدارس للصغار لا يضرهم

الشبهة السابعة عشرة بعد المائة (¬1): الاختلاط في المدارس للصغار لا يضرهم: ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار بحجة أن ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أن المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار. الجواب: 1 - إن هذه الخطوة يتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلًا، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثاتبة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع. قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: «ولا بد من التنبيه هنا إلى أن دعاة الإباحية لهم بدايات تبدو خفيفة، وهي تحمل مكايد عظيمة، منها: في وضع لبنة الاختلاط يبدؤون بها من رياض الأطفال، وفي برامج الإعلام، وركن التعارف الصحفي بين الأطفال، وتقديم طاقات ـ وليس باقات ـ الزهور من الجنسين في الاحتفالات» (¬2). وهكذا .. من دواعي كسر حاجز النفرة من الاختلاط، بمثل هذه البدايات، التي يستسهلها كثير من الناس. 2 - إن فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية ¬

(¬1) المصدر: موقع صيد الفوائد، (بتصرف). (¬2) حراسة الفضيلة (ص 86 - 87).

وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه. 3 - إن الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة. فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذا السن بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذا السن، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة. وبالتجربة فإن بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سن الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا أو أكثر وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سن المراهقة. قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - عن خطورة تعليم النساء للأولاد في المرحلة الابتدائية: «تولي النساء لتعليم الصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي إلى اختلاطهن بالمراهقين والبالغين من الأولاد الذكور، لأن بعض الأولاد لا يلتحق بالمرحلة الابتدائية إلا وهو مراهق وقد يكون بعضهم بالغًا، إذا بلغ العشر يعتبر مراهقًا ويميل بطبعه إلى النساء؛ لأن مثله يمكن أن يتزوج ويفعل ما يفعله الرجال. وهناك أمر آخر وهو أن تعليم النساء للصبيان في المرحلة الابتدائية يُفْضِي إلى الاختلاط ثم يمتد ذلك إلى المراحل الأخرى، فهو فتح لباب الاختلاط في جميع

المراحل بلا شك، ومعلوم ما يترتب على اختلاط التعليم من المفاسد الكثيرة والعواقب الوخيمة التي أدركها من فعل هذا النوع من التعليم في البلاد الأخرى. فكل من له أدنى علم بالأدلة الشرعية وبواقع الأمة في هذا العصر من ذوي البصيرة الإسلامية على بنينا وبناتنا يدرك ذلك بلا شك، وأعتقد أن هذا الاقتراح مما ألقاه الشيطان أو بعض نوابه على لسان فائزة ونورة المذكورتين وهو بلا شك مما يسر أعداءنا وأعداء الإسلام ومما يدعون إليه سرًا وجهرًا. ولذا فإني أرى أن من الواجب قفل هذا الباب بغاية الإحكام وأن يبقى أولادنا الذكور تحت تعليم الرجال في جميع المراحل. كما يبقى تعليم بناتنا تحت تعليم المعلمات من النساء في جميع المراحل وبذلك نحتاط لديننا وبناتنا ونقطع خط الرجعة على أعدائنا وحسبنا من المعلمات المحترمات أن يبذلن وسعهن بكل إخلاص وصدق وصبر في تعليم بناتنا وعلى الرجال أن يقوموا بكل إخلاص وصدق وصبر على تعليم أبنائنا في جميع المراحل. ومن المعلوم أن الرجال أصْبَر على تعليم البنين وأقوى عليه وأفرغ له من المعلمات في جميع مراحل التعليم، كما أن من المعلوم أن البنين في المرحلة الابتدائية وما فوقها يهابون المعلم الذكر ويحترمونه ويصغون إلى ما يقول أكثر وأكمل مما لو كان القائم بالتعليم من النساء مع ما في ذلك كله من تربية البنين في هذه المرحلة على أخلاق الرجال وشهامتهم وصبرهم وقوتهم» (¬1). 4 - أوضحت مجلة (سفنتيز) الأمريكية أن أعدادًا كبيرة من الفتيات يتعرضن ¬

(¬1) فتاوى إسلامية، جمع وترتيب محمد بن عبد العزيز المسند (3/ 133).

لتحرشات غير أخلاقية ليست فقط في المدارس الثانوية، وإنما تبدأ ـ أيضًا ـ من المدارس الابتدائية؛ حيث يتعرضن لهذه المضايقات من التلاميذ الذكور، وكذلك من المعلمين (¬1). وإذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهن في حدود الثانية عشرة من أعمارهن. 5 - يقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة: «لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة؟»، فأجابته: «قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية» (¬2). ¬

(¬1) جريدة الرياض - العدد (9150) بتاريخ 26/ 1/1414هـ. عن الاختلاط وأثره في التعليم للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان (ص 26). (¬2) مكانك تحمدي لمحمد أحمد جمال (ص 89 ـ 90).

الشبهة الثامنة عشرة بعد المائة: الوقت كفيل باعتياد الناس على رؤية المرأة بدون الحجاب، وعلى مخالطتها للرجال

الشبهة الثامنة عشرة بعد المائة: الوقت كفيل باعتياد الناس على رؤية المرأة بدون الحجاب، وعلى مخالطتها للرجال (¬1): يزعمون أن الاستعفاف والستر، والفصل بين الجنسين، هو سبب الفتنة، لأنّ الممنوع مرغوب، ويزعمون أنّ الوقت كفيل باعتياد الناس على رؤية المرأة بدون الحجاب، وعلى مخالطتها للرجال. ومن تلك الحجج التي يسوقونها؛ إنّ الناس في البداية سيقعون في تجاوزات، وأخطاء، وسلبيات تجاه المرأة التي ستخلع حجابها، أو ستخالط الرجال، لأنّهم لم يعتادوا رؤية المرأة في هذه الحالة، ولكن مع الوقت سيكون الوضع مألوفًا، وسيعتاد الناس رؤية المرأة بكثرة، وبعد ذلك سيتطور المجتمع بالتدريج قليلًا قليلا. الجواب: هذه الحجة مردودة بأمور، منها: 1 - هل يرضى عاقل أن يقدم عرضه قربانًا من أجل أن يتطور المجتمع؛ فيجتريء عليهن من يتدرّب على التطور؟! أم هل يرضى عاقل أن يجازف بعرضه وأهل بيته (عربونًا لهدف تخميني)؟! أو لحالات شاذة ترسخ القاعدة، وليست تنفيها؟! 2 - مسألة الاختلاط ليست جديدة على التاريخ، وليست فريدة في الواقع المعاصر، فخروج المرأة واحتكاكها بالرجال ومخالطتهم، ثبتت أضراره وأمراضه بمرور الوقت، فالغرب أخرج المرأة بصورة ديمقراطية متحررة لم يسبق لها مثيل، ¬

(¬1) هل يكذب التاريخ؟ مناقشات تاريخية وعقلية للقضايا المطروحة بشأن المرأة، عبد الله بن محمد الداوود (271 - 278).

ومع ذلك أصبح الغرب يعاني من كثرة حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء، مما زاد أرباح الشركات التي اخترعت (عِصِيًّا كهربائية)، أو (بخاخات المواد المخدرة)، التي لا تكاد تخلو منها حقيبة المرأة هناك أثناء تنقلاتها اليومية، خشية الاعتداء عليها ومحاولة النَّيْل منها جسديًّا، فأصبحت هذه البخاخات والعِصِيّ (مكملة لعلبة أدوات التجميل) التي تستعملها المرأة من أجل الدفاع عن نفسها، ومن المناسب ذكره، أنّ هذه الحالة انتقلت إلى البلاد الإسلامية التي انجرفت خلف دعاوى الاختلاط، فمع انتقال الاختلاط انتقلت الاعتداءات، وانتقلت مخاوف المرأة على نفسها من التحرشات الجنسية والاغتصاب، فلغة الجنس لا تعترف بالحدود الإقليمية. 3 - كلينتون ومونيكا: حينما يساق التبرير لمسألة الوقت، ربما تنطلي أكذوبة (الاختلاط البريء) على البعيدين عن معرفة واقع العالم الغربي، ولكن الأكيد أنّ العالم بأسره تناقل في إعلامه واهتمامه (قضية الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون ومونيكا لوينسكي)؛ تلك الحادثة التي أوضحت أن أسباب المشكلة الجنسية، تتلخص في اختلاط مونيكا بالرئيس الأمريكي كلينتون، ذلك الرجل الذي تتوفر فيه صفات تنسف (حجج المطالبين) بالتحرير. من تلك الصفات في الرئيس الأمريكي: - أنه تربي في مجتمع تحررت فيه المرأة، وتكشفت فيه منذ نعومة أظافرها، وهو ـ أيضًا ـ يراها منذ نعومة أظافره، يراها بلا حجاب، أو ستر كاف، ويخالطها

منذ طفولته، فالقول بأنّ الوقت كفيل باعتياد الناس على رؤية المرأة، قول يحطمه الرئيس الأسبق (كلينتون)، بممارسة الزنا مع (مونيكا) مرات عديدة في مقر العمل. - لم يكن الرئيس الأمريكي (كلينتون) مراهقًا طائشًا عابثًا، بل عمره تجاوز سن النضج. - منصبه الحكومي لا يغفر له مثل هذه الزلات في مقر وظيفته. - الرئيس (غير أعزب)؛ بل هو متزوج بامرأة تحوي جميع المؤهلات، فمنصب الرئيس يجعل زوجته تراعي أمور الجمال والكمال اللائق بزوجة رئيس أكبر دولة في عصره، حيث إنّ عدسات الكاميرا، ونشوة الإعلام تسلب تفكير زوجته، وتجعلها تبالغ في إبداء الجمال وإظهار المحاسن والإفراط في الزينة التي تملأ عين زوجها، فتجعله لا يطمع في غيرها، وهذا طبع الأنثى. مارس الرئيس (كلينتون) الخطيئة مرات عديدة مع المرأة نفسها، والسؤال الجوهري هنا: هل هذه المرأة الوحيدة التي وقع معها في الجريمة، أم أنّ هذه هي (القصة الوحيدة) التي تبعتها (الفضيحة)، وانكشفت أوراقها (برياح الصحافة الصفراء) أو ما يسمى (بصحافة الفضائح)؟ ودفن غيرها الكثير من قصص الرئيس الجنسية تحت (ركام التراضي بين الطرفين)؟! لم يتضجر الشعب الأمريكي أو يبدي استياءه من تلك الحادثة، فالأمر عندهم في (منتهى الاعتياد)، وهذا فيه دلالة على انتشار هذه الظاهرة في مجتمعهم، فمن

فلسفتهم في الحياة أنهم لا يعارضون هذه الفاحشة ما دام الرضا متبادلًا بين الطرفين؛ بل وليست ظاهرة قبيحة تخسف بمكانة الرئيس في المجتمع، بدليل انتخابهم للرئيس كلينتون لفترة رئاسية ثانية تَلَتْ تلك الحادثة. ولكن ديننا الصحيح، وأخلاقنا العربية على العكس من دينهم المحرف الباطل، ومجتمعهم المنحرف، فالاستياء من المسلمين كان واضحًا في أحاديثهم، ومجلاتهم، وإعلامهم عن تلك الحادثة، فهل الذين يطالبون بالتحرر من بني جلدتنا هم مثل الشعب الأمريكي الذي لم تضايقه تلك الحادثة؟! أم هم مثلنا في تضايقنا من أمور انتشار الفاحشة وإعلانها؟! لو صدق زعمهم في أن هذه المسألة مسألة وقت، وبعدها لن نجد في أجسادنا تلك الرغبة الجامحة تجاه الأنثى، إذن فما هي أسباب تلك الحادثة، وما أسباب زيادة الجرائم والاغتصاب في الغرب؟! ولو تنازلنا ـ جدلًا ـ وصدقنا دعواهم في أنّ المسألة تحتاج إلى وقت، ثم تنتهي المخاوف من تحرير المرأة واختلاطها بالرجال، فإنّ هذا يعني أنه لن يكون هنالك زواج بين بني البشر، لأننا سنرى المرأة في الشارع، والمحل، وأماكن العمل، مما ينتج عنه أن يذوب ما بيننا من ميل وانجذاب فطري، وسنترك الزواج لأننا سوف نتعامل مع المرأة بكل براءة ونزاهة، مما يترتب عليه توقف النسل البشري. فهل الغرب توقفوا عن الزواج لأنهم رأوا المرأة متكشفة أعظم مما هو مطروح في مشروع المطالبين بالتحرر؟ أم إنّ حوادث الاعتداء والجرائم الأخلاقية تصل إلى قمة الهرم في الإحصائيات الغريبة في وقت ظهرت فيه المرأة وصار

الاختلاط جزءًا من الحياة لأكثر من مائتي سنة؛ فأين مبرر الوقت؟ ولأنّ القساوسة لا يتزوجون لزهدهم في الدنيا ـ زعموا ـ فإني أختم هنا بقصة القسيس (جيمي سواجرت) الذي جرى بينه وبين الداعية الإسلامي (أحمد ديدات) - رحمه الله - مناظرة شهيرة، ولكن ظهرت فضيحة لذلك القسيس المعروف في (قضية أخلاقية)، واعترف بها كما ظهر ذلك في الصحف حينها، وانتشر، وشاع، فبالرغم من الاعتياد، والنضج في السن، والمكانة الاجتماعية التي يتمتع بها، والمنصب الديني كذلك، إلا أنّ الفطرة التي تتوافق مع الإسلام، تمحو هذه الدعاوى. ولقد اضطر الفاتيكان في تقرير صدر عن الكنيسة الكاثوليكية للاعتراف بأنه يعلم أن قسسًا وأساقفة يستغلون الراهبات جنسيًا، ويغتصبونهم في 23 دولة في العالم ـ أغلبها في أفريقيا ـ مقابل إعطائهن شهادات للعمل في المناطق الممتازة، أو مقابل إجازتهن لتلقي دراسات متقدمة، وفي مالاوي حملت 29 راهبة من أبرشية واحدة بواسطة القسس، وتورد التقارير طرد 20 راهبة أخرى من السلك الكنسي؛ لأنهن حَمَلْنَ دون أن يتعرض الرجال المسؤولون عن ذلك لأي عقاب. وبلغ عدد الجرائم الجنسية في الكنيسة عام (1970م) 5 ملايين جريمة، وفي عام (2001م) 17 مليون جريمة. فأين مبرر الوقت؟

سابعا: شبهات متعلقة بجواز ولاية المرأة وذلك يقتضي اختلاطها بالرجال

سابعًا: شبهات متعلقة بجواز ولاية المرأة وذلك يقتضي اختلاطها بالرجال (¬1) الشبهة التاسعة عشرة بعد المائة: احتجاجهم بأن امرأة تولت عرش اليمن وذكرها الله تعالى في القرآن، ولم يَعِبْ ذلك عليها، ولا على قومها. الجواب: 1 - هذا مردود عليه بأن القرآن العظيم إنما حكى واقعًا تاريخيًّا عن قوم في جاهلية مشركين يعبدون الشمس قبل أن يدخلوا في الإسلام فكيف نتخذ من شرائع الكفار دليلًا في ديننا الخاتم؟! وأي دليل في هذا على جواز تولي المرأة الولاية العامة في الشريعة الإسلامية، ثم إنها لما دخلت الإسلام تركت الولاية وأسلمت مع سليمان - عليه السلام -، وأسلمته مُلْكَ اليمن كله. 2 - قد استنكر الهدهد ـ وهو من الطير ـ من شأن هؤلاء القوم أمرين عظيمين: كون امرأة تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله!! بل إنه استنكر ملكها على قومها قبل أن يستنكر كفرها وسجودها للشمس حيث قال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) ¬

(¬1) بتصرف من (حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس التشريعية نائبة وناخبة، للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، (تنبيه الخاصة والعامة إلى حكم تولي المرأة الولايات العامة)، للشيخ حامد بن عبد الله العلي، المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها).

وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)} (النمل: 23 - 24). ولذلك عمل سليمان على إزالة هذين المنكرين جميعًا، فلما أرسل كتابه إليهم أمرهم بأمرين: - أن يسلموا، - وأن يأتوا إليه، وهددهم بقوله: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (النمل: 31)، ولو كان متولي أمرهم رجلًا لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته وشريعة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يدعو الملوك إلى الإسلام، فإن أسلموا أقرهم على بلادهم كما فعل مع ملك عمان، وملك البحرين، ومن لم يقبل منهم الإسلام حاربه. وسليمان لم يكن ليقِرَّ امرأة لو أسلمت ويقرها ملكة على قومها لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه؛ ولذلك دعاها وقومها للإسلام، وأن تأتي بنفسها إليه هي وقومها خارجة من مُلْكِها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها. ولما تيقن سليمان أن المرأة قد جاءته مسلمة مذعنة لم يَكْتَفِ بهذا، بل نقل عرشها كله إليه لينهي وجود هذا المنكر في كون امرأة تتولى هذا الشأن العام وهذه الولاية الكبرى في قومها. ولو كان تملك امرأة جائزًا في شرع سليمان لأقرها في حكمها بعد أن أعلنت إسلامها، ولما استحل أن يأخذ عرشها من خلف ظهرها. 3 - على فرض أن هذا شرعُ مَن قَبلنا فإنه لا يكون شرعًا لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه ـ باتفاق العلماء ـ وقد دلت النصوص من القرآن والسنة على منع المرأة من الولايات العامة، وذلك ناسخ لكل شريعة كانت قبل شريعتنا التامة.

الشبهة العشرون بعد المائة: مبايعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للنساء

الشبهة العشرون بعد المائة: مبايعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للنساء: الجواب: 1 - بيعة النساء أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة: 12). ومضمون هذه البيعة يدور حول التزام النسوة بالطاعة، والمعروف، واجتناب المنكرات والمعاصي، وليس في بنود البيعة شيءٌ من مقتضى الولاية العامة، فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، قَالَتْ: «وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا». وروى مسلم عنها - رضي الله عنها - أَنَّها قَالَتْ: «كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ»، وَلَا وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: «وَاللهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَمَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» كَلَامًا.

وقد سبق نقل فتوى الشيخ عطية صقر - رحمه الله - عن (المرأة والانتخاب) وجاء فيها أن لجنة الفتوى بالأزهر قررت عام 1952م أن مبايعة النساء للنبى - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تُثْبِت زعامة ولا رياسة ولا حكمًا للرسول، بل هى مبايعة على الالتزام بأوامر الدين» (¬1). 2 - تميزت بيعة الرجال عن بيعة النساء بالمعاقدة على الجهاد، وعدم منازعة الأمر أهله؛ فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِى الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» (رواه البخاري ومسلم). 3 - إن من مراعاة التشريع للمنع في الاختلاط في المبايعة، جَعْلُ محلٍ خاص بهن، بعيدٍ عن الرجال، أتاهن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيه، ولم تقل إحداهن لماذا لم تأخذ علينا البيعة مع الرجال! بل خرجن فاجتمعن مع بنات جنسهن لهذه الحاجة الدينية، ملتزمات بالضوابط الشرعية، فأخذ عليهن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - البيعة وعَلَّمهن وما مست يده يد امرأة قط، فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «وَاللهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ». (رواه البخاري ومسلم). وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ لَا يُصَافِحُ النِّسَاءَ فِي الْبَيْعَةِ» (رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني وصححه الأرنؤوط). 4 - ما يُروى في صفة ذلك من نحو مصافحة عمر - رضي الله عنه - لهن نيابة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وضع يده في إناء فيه ماء، أو جاء بحائل فهذا ونحوه لم يثبت بنقل صحيح، فلا يعارض به ما ثبت (¬2). ¬

(¬1) انظر (ص 634 من هذا الكتاب). (¬2) انظر: السلسلة الصحيحة (رقم 529)، (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 23).

5 - ما حصل من مشاركة بعض النساء في بيعة العقبة ـ إن صح ـ فتلك البيعة في حقيقتها معاقدة على حماية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لإبلاغ الدعوة فهو عبارة عن عهد جوار وأمان، والمرأة من أهل إعطاء الأمان، وإجارة المستجير من خلال الروابط المختلفة؛ وطبقا لهذا جاءت القاعدة المقررة بشأن وحدة المسلمين وأمانهم. 6 - هل شاركت النساء في بيعة العقبة؟ روى الإمام أحمد عن كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أن من شهدوا بيعة العقبة سَبْعُونَ رَجُلًا، وَامْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِمْ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ، وَهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ» (وصححه الألباني، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن). ولم أجد رواية واحدة تصرح بمبايعتهما، بل كل الروايات الصحيحة التي وجدتُها تقتصر على شهودهما العقبة، والشهود غير المبايعة، ولذلك قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: «فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ، يَزْعُمُونَ أَنّهُمَا قَدْ بَايَعَتَا» (¬1). قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أم منيع من (الإصابة في تمييز الصحابة): «وقد أخرج ابن سعدٍ عن الواقدي بسندٍ له إلى أم عمارة قالت: كان الرجال تصفق على يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة بيعة العقبة والعباس آخذٌ بيده فلما بقيت أنا وأم منيع نادى زوجي غزية بن عمرو: «يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعانك». فقال: «قد بايعتكما أني لا أصافح النساء» (¬2). ¬

(¬1) سيرة ابن هشام (1/ 466). (¬2) الإصابة (4/ 125).

ومن أن المعروف الواقدي كذاب، فلا يصح هذا الأثر. ومما يرجح عدم مبايعة النساء ليلة العقبة ما رواه جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَّبِعُ الْحَاجَّ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ وَبِمَجَنَّةٍ وَبِعُكَاظٍ، وَبِمَنَازِلِهِمْ بِمِنًى يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي، مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ؟»، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَيُؤْوِيهِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِنْ مُضَرَ، أَوْ مِنَ الْيَمَنِ، إِلَى ذِي رَحِمِهِ، فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ، فَيَقُولُونَ: «احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ»، وَيَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ. حَتَّى بَعَثَنَا اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ فَيُؤْمِنُ بِهِ، فَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ يَثْرِبَ إِلَّا فِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ بَعَثَنَا اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَأْتَمَرْنَا، وَاجْتَمَعْنَا سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَّا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَذَرُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ، وَيَخَافُ، فَرَحَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ. فَقَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِنِّي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ؟ إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ»، فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا، قَالَ: «هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا أَعْرِفُهُمْ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ»، فَقُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟». قَالَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ، فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ».

فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ: «رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ، فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللهِ». قَالَوا: «يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ، فَوَاللهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ، وَلَا نَسْتَقِيلُهَا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ» (¬1). فلم يذكر جابر - رضي الله عنه - شيئًا عن مبايعة النساء، بل ذكر أنهم قاموا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فبايعوه رجلًا رجلًا. ¬

(¬1) رواه الحاكم في المستدرك، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد جامع لبيعة العقبة ولم يخرجاه»، وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح». ورواه الإمام أحمد في المسند، وقال الأرنؤوط: «حديث صحيح، ... قوله: (بشُرْطة العباس) يعني المواثيق التي أخذها العباس عليهم بالوفاء لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -».

الشبهة الحادية والعشرون بعد المائة: مشاورة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأم سلمة - رضي الله عنها -

الشبهة الحادية والعشرون بعد المائة: مشاورة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأم سلمة - رضي الله عنها -: ومما استدلوا به على جواز دخول المرأة إلى المجالس التشريعية قولهم إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد استشار أم سلمة - رضي الله عنها - عندما لم يُنَفِّذ الصحابة - رضي الله عنهم - أمر الرسول بالحلق والذبح والتحلل من العمرة في الحديبية، وأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عمل بمشورتها. الجواب: ليس في استدلالهم بهذه الحادثة حجة أو دليل من قريب ولا بعيد. والقصة كما جاءت في (صحيح البخاري) عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - في قصة صلح الْحُدَيْبِيَةِ، وفيها: «فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لأَصْحَابِهِ «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا». قَالَ: فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: «يَا نَبِىَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ». فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا». وهذه القصة ليس فيها دليل على ترشيح المرأة لمجلس نيابي أو اختيار مَن ترشحه لإمامة المسلمين، وكل ما فيها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما دخل على أم سلمة - رضي الله عنها - شاكيًا ما لقيه من الناس الذين أصابهم الغم لمَّا وقع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صلح الحديبية، وكانت فيه شروط رأى المسلمون فيها ذلًا ومهانة، فإنها تقتضي بأن يرجعوا إلى المدينة دون إتمام عمرتهم في

مكة وليس بينهم وبين مكة شيء، وأن يعودوا لقضاء هذه العمرة نفسها العام القادم، وأن مَن فَرّ من المسلمين إلى قريش فلا يردونه، ومن فر من قريش مسلمًا إلى الرسول ردَّه إليهم وشروط أخرى لم يرتضِها المسلمون إلا موافقة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وطاعة لله سبحانه وتعالى. ولذلك لما أمرهم الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بالتحلل من العمرة في مكانهم بالحديبية لم ينشط أحدٌ منهم لتنفيذ أمر الرسول - رضي الله عنه - فلما دخل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مهمومًا وأخبر أم سلمة - رضي الله عنها - بما لقي من الناس أشارت إليه أن يخرج بنفسه فيحلق شعره، ويذبح هديه، وأنهم سيفعلون وقد كان. وليس في هذه القصة إلا أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أخذ برأي أم سلمة - رضي الله عنها - عندما أشارت بهذا الرأي الصائب، وأن أم سلمة - رضي الله عنها - كانت راجحة العقل نافذة البصر ويستفاد من هذا: جواز استشارة المرأة وجواز أخذ رأيها، وفضل أم سلمة - رضي الله عنها -، وصبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وحلمه، وما اعترى الصحابة - رضي الله عنهم - من الذهول والغم من جراء صلح الحديبية ثم ما مَنَّ الله عليهم بعد ذلك من التسليم والطمأنينة؛ كما قال تعالى في الآيات التي نزلت في هذه الحادثة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)} (الفتح:4)، وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) (الفتح: 26). فما وجه الدلالة أن يكون سماع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لمشورة أم سلمة - رضي الله عنها - دليلًا على جواز انتخابها وترشيحها، وهل جعل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أم سلمة - رضي الله عنها - عضوًا

يُستشار، وهل كان لها ولأمهات المؤمنين ـ رضي الله عنهن ـ مشورة في سياسة الأمة وهل كان لهما مع الصديق والفاروق ونظرائهم من الرجال - رضي الله عنهم - رأي في اختيار الأمراء والوزراء، وإعداد الجيوش ونظام بيت المال!! ولم يقل أحد: إنه يحرم لذي سلطان أن يستشير زوجته في شأن ما، أو يأخذ رأي النساء في قضية من القضايا كما للمرأة الحق في أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدل على الخير، ولكن أن يكون لها الحق أو عليها الواجب أن تتولى ولاية عامة إمارة أو وزارة، أو قضاءً، أو تكون عضوا في مجلس نيابي، فليس في هذه القصة دليل على هذا الأمر.

الشبهة الثانية والعشرون بعد المائة: عائشة - رضي الله عنها - وموقعة الجمل (¬1): قالوا: إن عائشة - رضي الله عنها - قادت الجيش في موقعة الجمل، وهذا دليل شرعي على أن المرأة يجوز لها قيادة الجيوش والجهاد كالرجل، ومن ثم احتج دعاة التخريب وطبلوا وزمروا بهذه الحادثة داعين إلى اشتغال المرأة بالسياسة والإدارة وغيرها. الجواب: 1 - إن عائشة - رضي الله عنها - لم يَرَها أحد، لأنها كانت في هودج وهو الستار الذي يوضع فوق الجمل، فهي لا تُرى ولا يسمع صوتها من داخل الهودج. 2 - إن عائشة - رضي الله عنها - لم تقصد بفعلها هذا الاشتغال بالسياسة وأن تتزعم فئة سياسية، ولم تخرج محاربة ولا قائدة جيش تحارب، وإنما خرجت - رضي الله عنها - لتصلح بين فئتين من المسلمين، وفعل عائشة - رضي الله عنها - ليس فيه دليل شرعي يصح الاستناد عليه، ففعلها هذا اجتهاد منها - رضي الله عنها -. 3 - وقد أنكر عليها بعض الصحابة هذا الخروج، وفي مقدمتهم أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -، وكتبت إليها كتابًا بذلك. وكذلك سعيد بن العاص والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهما -، فقد نصحا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بعدم خروجها من بيتها، وأن الرجوع إلى بيتها خير لها من خروجها هذا. وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - نصح أم المؤمنين وأمرها بالتزام بيتها وترك الخروج لثأر ¬

(¬1) شبهات حول المرأة: الولاية والقيادة، موقع صيد الفوائد.

الصحابي عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. وكذلك أبو بكرة وعلي بن أبي طالب رضي - رضي الله عنهما - (¬1). 4 - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد أوحي إليه في حياته ـ وهو من دلائل نبوته الكثيرة ـ ما سيقع من عائشة - رضي الله عنها - من ذلك المسير، فأشار - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن وقوع ذلك منها غير محمود، فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: «لَمَّا أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بَلَغَتْ مِيَاهَ بَنِي عَامِرٍ لَيْلًا نَبَحَتِ الْكِلَابُ، قَالَتْ: «أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟»، قَالُوا: «مَاءُ الْحَوْأَبِ»، قَالَتْ: «مَا أَظُنُّنِي إِلَّا أَنِّي رَاجِعَةٌ»، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهَا: «بَلْ تَقْدَمِينَ فَيَرَاكِ الْمُسْلِمُونَ، فَيُصْلِحُ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ذَاتَ بَيْنِهِمْ»، قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ: «كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟». وفي رواية: عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - لَمَّا أَتَتْ عَلَى الْحَوْأَبِ سَمِعَتْ نُبَاحَ الْكِلَابِ، فَقَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ لَنَا: «أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟»، فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: «تَرْجِعِينَ؟ عَسَى الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ» (¬2). فعائشة - رضي الله عنها - لما تذكرت هذا الحديث وهمت بالرجوع، أشار عليها الزبير بالمضي في مسيرها، للإصلاح بين الناس، فترجحت لديها هذه المصلحة اجتهادًا منها، وهي غير معصومة من الخطأ في الاجتهاد. قال الشيخ الألباني - رحمه الله -: «ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبؤة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عند الحوأب، ولكن ¬

(¬1) انظر تفصيل ذلك في المرأة المسلمة أمام التحديات، لأحمد الحصين (ص 109 - 111). (¬2) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني والأرنؤوط، والحوأب: ماء قريب من البصرة على طريق مكة.

الزبير - رضي الله عنه - أقنعها بترك الرجوع بقوله: «عَسَى الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ». ولا نشك أنه كان مخطئًا في ذلك أيضًا. وقد أظهرت عائشة - رضي الله عنها - الندم، على أنها ما فعلَتْ ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار؛ رضي الله عن الجميع» (¬1). 5 - يقال لهؤلاء: هلّا اقتديتم بأم المؤمنين في حجابها وحرصها على طلب العلم والعمل بالإسلام في كل حياتها والبعد عن مواطن الرجال، وهي أمُّهُم التي لا يحل لهم الزواج بها أبدًا؟ فقد ورد في صحيح البخاري - رحمه الله - أنها كانت - رضي الله عنها - تطوف معتزلة عن الرجال فدعتها امرأة إلى استلام الركن فأبت. ¬

(¬1) السلسلة الصحيحة (رقم 474) باختصار.

الشبهة الثالثة والعشرون بعد المائة: الاستدلال بخبر سمراء - رضي الله عنها -

الشبهة الثالثة والعشرون بعد المائة: الاستدلال بخبر سمراء - رضي الله عنها -: مما أشكل على بعضهم خبر فهموا منه تولية النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سمراء بنت نهيك أمر السوق، وحديث سمراء بنت نهيك الذي صححه بعض أهل العلم، فيه أن يحيى بن أبي سليم قال: «رَأَيْتُ سَمْرَاءَ بِنْتَ نَهِيكٍ ـ وَكَانَتْ قَدْ أَدْرَكَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ـ عَلَيْهَا دِرْعٌ غَلِيظٌ، وَخِمَارٌ غَلِيظٌ، بِيَدِهَا سَوْطٌ تُؤَدِّبُ النَّاسَ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ» (¬1). الجواب: أولًا: هذا الخبر ليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولَّاها، بل ليس فيه أصلًا ذِكْرٌ لولاية، بل ولا سوق! ثانيًا: إن الاحتمالات تَرِدُ على معناه وغاية ما فيه أنّ يحيى بن أبي سليم رأى سمراء تأمر وتنهى، ولم يقل إنها اتخذت ذلك عملًا أو وَلِيَتْهُ منصبًا، فربما كانت خارجة لبعض حاجتها فرأت المنكرات فأنكرتها، وهذا دأب عباد الله الصالحين، ولعل مما يجعل هذا الاحتمال وجيهًا هو عدم نقل غيره له ولو كان مَنصِبًا لكان معروفًا مشهورًا منقولًا عن غيره، ولاسيما لو كان منصبًا في محل عام يرده ويصدر عنه الفئام، بل نَدَرَ من لا تكون له حاجة فيه. ثالثًا: أهل العلم لايحَرِّمون خروج المرأة للحاجة أو الضرورة وإن تكرر الخروج، فلو خرجت امرأة لحاجة والتزمت بضوابط الشرع في خروجها، فلا ¬

(¬1) قال الألباني في الرد المفحم: «أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 311) بإسناد جيد، قال الهيثمي (9/ 264): «ورجاله ثقات».

حرج عليها، فإذا رأت منكرًا وكان بوسعها إنكاره فعليها أن تنكره، وهذا غاية ما في أثر بنت نهيك (¬1). رابعًا: لا يُعرف مَن أشار إلى توليتها السوق منصبًا. خامسًا: المرأة المذكورة كبيرة السن ودعاة الاختلاط يبحثون عن الشابات، ويبحثون عمن تقبل الاختلاط، لا عمن تأتي لتحارب منكرات الاختلاط وغيره، فلو كانت هذه المرأة حية لأدَّبَتْ بسوطها دعاة الاختلاط (¬2). ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 59). (¬2) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر، لمحمد بن عبد الله الإمام، (ص 182).

الشبهة الرابعة والعشرون بعد المائة: هل ولى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية الحسبة بالسوق؟

الشبهة الرابعة والعشرون بعد المائة: هل ولَّى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله القرشية العدوية الحسبة بالسوق؟ الجواب: أولًا: تخريج القصة: 1 - روى ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني برقم 2823):حدثنا دحيم، عن رجل، سماه عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عمر - رضي الله عنه - استعمل الشفاء على السوق قال: «ولا نعلم امرأة استعملها غير هذه». وهذه القصة لا تصح حيث إن فيها علل: الأولى: ضعف ابن لهيعة. الثانية: الإرسال؛ لأن يزيد بن أبي حبيب لم يدرك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (¬1). الثالثة: جهالة الرجل الذي روى عنه دحيم. 2 - لما ذكر ابن حزم - رحمه الله - هذه الرواية في كتابه المحلى لم يُسندها على خلاف صنيعه، وذكرها بصيغه التمريض (رُوي) وهذا يدل على عدم صحتها. 3 - يقول ابن العربي - رحمه الله -: «وقد رُوي أن عمر - رحمه الله - قدم امرأة على حسبة السوق، ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث (¬2). 4 - الأثر المروي عن الشفاء - رحمه الله - ذكره ابن الجوزي في (تاريخ عمر)، وابن عبد البر في (الاستيعاب)، وتبعه ابن حجر في (الإصابة)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد، ولم يذكره ابن سعد في ترجمتها، ولا ¬

(¬1) الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر لمحمد بن عبد الله الإمام (ص183). (¬2) أحكام القرآن، لابن العربي المالكي (3/ 1457)، تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن 13/ 183). وانظر: رسالة (المرأة والحقوق السياسية في الإسلام) للأستاذ مجيد محمود أبو حجير.

ابن الأثير في (أُسْد الغابة)، ولا الطبراني في (المعجم الكبير)، كما أنه ورد بصيغة التمريض (رُوي) (¬1). قال ابن عبد البر: «وربما ولاها شيئًا من أمر السوق» (¬2). قال ابن حجر: «وربما ولاها شيئًا من أمر السوق» (¬3). قال ابن عساكر: «ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق» (¬4). 5 - ظاهر كلام أهل العلم يُفهَم منه تولية ابنها ومساعدتها له في بعض الشأن، فقد أشار الزرقاني إلى أن من وُلِّي هو ولدها سليمان بن أبي حثمة، قال: «وقال (أبو) عمر: رحل مع أمه إلى المدينة وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم واستعمله عمر على السوق وجمع الناس عليه في قيام رمضان» (¬5). وكلام الزرقاني هو الذي نص عليه ابن عبد البر كما في (الاستيعاب) (¬6)، وقد نقله الحافظ ابن حجر في (الإصابة)، وقال: «قلت هذا كله كلام مصعب الزبيري وذكره عنه الزبير بن بكار» (¬7). وهذا لا يثبت فمصعب الزبيري توفي في ستة وثلاثين ومائتين وبينه وبين عمر مفاوز. ثانيًا: لا تُقبل هذه الرواية لأن عمر - رضي الله عنه - معروف بغيرته على الإسلام والمسلمين وخاصة النساء؛ فكيف يولي امرأة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم. ¬

(¬1) انظر: حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، للأمين الحاج محمد أحمد (48). (¬2) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 104). (¬3) الإصابة (4/ 14)، تهذيب التهذيب (ترجمة رقم 8973). (¬4) تاريخ دمشق (22/ 216). (¬5) انظر شرح الزرقاني (1/ 286). (¬6) الاستيعاب (2/ 649). (¬7) الإصاية (3/ 242).

وحاشا عمر - رضي الله عنه - أن يعمل عملًا يخالف فيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وخليفته الأول أبا بكر الصديق - رضي الله عنه -، فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (رواه البخاري). ثالثًا: غاية ما في هذا ـ إن ثبت ـ أن عمر - رضي الله عنه - ولاها شيئًا من أمر السوق مع ابنها، ولعل ذلك فيما يختص بما يحتاج الرجال دخول النساء فيه فكانت تساعده في ذلك والله أعلم، وهذا الصنيع له وجهه الذي لايخفى فإن شؤون النساء قد لايناسب مباشرة بعض حالات احتسابها رجال، وهذا ظاهر (¬1). فإن صح الخبر فربما كان الأمر متعلقًا بالحسبة على النساء اللاتي في السوق، فلا تكون هناك خلوة أو اختلاط محرم (¬2). رابعًا: الذي صح أن الشفاء كان بيتها بين المسجد والسوق، فعَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أبِي حَثْمَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أبِي حَثْمَةَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ ـ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ـ فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهَا: «لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ»، فَقَالَتْ: «إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ».فَقَالَ عُمَرُ: «لأَنْ أَشْهَدَ صَلاَةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً». (رواه مالك في الموطأ، وصححه الألباني). ¬

(¬1) بتصرف من (الاختلاط بين الواقع والتشريع، دراسة فقهية علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره)، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، (ص 60). (¬2) انظر: حكم تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء، للأمين الحاج محمد أحمد (48).

الشبهة الخامسة والعشرون بعد المائة: هل قام عبد الرحمن بن عوف بمشاورة النساء في اختيار الخليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

الشبهة الخامسة والعشرون بعد المائة: هل قام عبد الرحمن بن عوف بمشاورة النساء في اختيار الخليفة بعد وفاة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قالوا: بعد وفاة عمر بن الخطاب أصبح لعبد الرحمن بن عوف الأمر في اختيار أحد الرجلين ليكون خليفة المسلمين: عثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنهم -، فقام بمشاورة الناس حتى النساء في اختيار الخليفة بعده. قالوا: وهذا من أعظم الأدلة على حق المرأة في إبداء الرأي في اختيار الخليفة، وهو ما كاد يكون إجماعًا من الصحابة لعدم الاعتراض على عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. قال ابن كثير في البداية والنهاية: «ثُمَّ نَهَضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - يَسْتَشِيرُ النَّاسَ فِيهِمَا وَيَجْتَمِعُ بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأَجْنَادِهِمْ؛ جَمِيعًا وَأَشْتَاتًا، مَثْنَى وَفُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ، سِرًّا وَجَهْرًا، حَتَّى خَلَصَ إِلَى النِّسَاءِ الْمُخَدَّرَاتِ فِي حِجَابِهِنَّ، وَحَتَّى سَأَلَ الْوِلْدَانَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَحَتَّى سَأَلَ مَنْ يَرِدُ مِنَ الرُّكْبَانِ وَالْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا» (¬1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: «بقي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - يشاور الناس ثلاثة أيام وأخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان، وأنه شاور حتى العذارى في خدورهن» (¬2). قالوا: «فإذا كانت العذراء قد أبدت برأيها في اختيار الخليفة، فلابد وأن رأْي النساء يكون معمولًا به منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم - وأن لرأيهن تأثيرًا في اختيار الخليفة». ¬

(¬1) البداية والنهاية (10/ 211). (¬2) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (6/ 350).

الجواب: أولًا: تأمل كيف بنوا إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على قصة وردت في أحد كتب التاريخ، ويقال لهم: أثبِت العرش ثم انقش، أثبِتوا أولًا أن هذا صحيح ثم ابنُوا عليه إجماع الصحابة، وأنّى لكم ذلك، فقد ذكر الحافظ ابن كثير هذا الكلام في كتابه (البداية والنهاية) وهو كتاب تاريخ، ومتى كانت كتب التاريخ والقصص مصدرًا من مصادر الأحكام الشرعية؟ ثم إن الحافظ ابن كثير ذكر هذه القصة بصيغة التمريض وبدون سند مما يدل على ضعفها فقال: «وَيُرْوَى أَنَّ أَهْلَ الشُّورَى جَعَلُوا الْأَمْرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ لِيَجْتَهِدَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَفْضَلِهِمْ فَيُوَلِّيَهُ، فَيُذْكَرُ أَنَّهُ سَأَلَ كُلَّ مَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يُشِيرُ إِلَّا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَتَّى أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُوَلِّكَ، فَمَنْ تُشِيرُ بِهِ؟ قَالَ: بِعُثْمَانَ. وَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُوَلِّكَ، فَمَنْ تُشِيرُ بِهِ؟ قَالَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ... » (¬1)، ثم ذكر الكلام السابق ذكره. فتأمل أخي القارئ كيف جعلوا الدليل على حق المرأة في اختيار الخليفة رواية لا سَنَدَ لها ذكرها الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) وأشار إلى ضعفها بأن ذكرها بصيغة التمريض. يجب علينا أن نجعل الدليل أمامنا ولا نجعله وراءنا، وألا نصدر أحكامًا ثم نبحث عن دليل عليها، بل ننظر أولًا في الآثار ونتأكد من صحتها ثم ننظر إن كانت تصلح دليلًا أم لا. ¬

(¬1) البداية والنهاية (10/ 210).

ثانيًا: بإجماع العلماء ليس للنساء الحق في اختيار الخليفة، يقول الإمام الجويني: «والآن نبدأ بتفصيل صفات أهل العقد والاختيار، فليقع البداية بمحل الإجماع في صفة أهل الاختيار، ثم ينعطف على مواضع الاجتهاد والظنون، فما نعلمه قطعًا أنَّ النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة، فإنهن ما رُوجِعن قط، ولو اسْتُشِير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة - رضي الله عنها -، ثم نسوة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أمهات المؤمنين، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومَكَرّ الدهور» (¬1). ثالثًا: بنوا على هذه القصة الضعيفة أن العذراء الصغيرة قد أبدت رأيها في اختيار الخليفة فلابد أن لرأي النساء تأثيرًا في اختيار الخليفة. ويقال لهم: في هذه القصة (الضعيفة) أيضًا أنه شاور الولدان في المكاتب (أي الكتاتيب) فهل ـ من وجهة نظرهم ـ للصبيان في المدارس الإبتدائية الحق في اختيار الخليفة بناء على استدلالهم بهذه القصة الضعيفة. ¬

(¬1) غياث الأمم في التياث الظلم (ص80 - 81).

الشبهة السادسة والعشرون بعد المائة: قالوا: إن حديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة

الشبهة السادسة والعشرون بعد المائة: قالوا: إن حديث «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة: الجواب: إن لفظ الحديث عام يشمل الخلافة أو رئاسة الدولة، ويشمل غيره من الولايات العامة، وقصر الحديث على رئاسة الدولة فقط تَحَكُّمٌ محضٌ لا دليلَ عليه. ثم لو سألنا هؤلاء الذين يقصرون معنى الحديث على رئاسة الدولة، ما هو السبب الذي من أجله منعت المرأة من تولى منصب رئاسة الدولة عندكم، أليس هو أنها لا تستوى والرجل في كل شيء، وأن الرجل أعلى درجة منها، ولهذا فالرجل وحده ينفرد بهذا المنصب الخطير، ثم يقال لهم: أليس هذا المعنى نفسه متحققا في سائر الولايات العامة. ويقال لهم أيضا: إنكم متناقضون أشد التناقض عندما تمنعونها من رئاسة الدولة، معللين ذلك بأن هذا المنصب لا يليق بالمرأة وينبغي أن يقتصر على الرجال، لأن المرأة عاطفية شديدة التقلب في مزاجها، وقد مُيِّزَتْ بالرقة والحنان والعطف الذي قد يتعارض مع حاجة هذا المنصب للحزم والشدة أحيانًا، تتناقضون عندما تمنعونها من هذا المنصب لهذه الأسباب، ثم تسمحون لها بغير ذلك من الولايات العامة مع أن فيها نفس المعنى!! ونسألهم أيضا: ما المقصود برئاسة الدولة، هل هي رئاسة الوزراء، أم منصب رئيس الدولة، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة حزب سياسي، وإذا نجح هذا الحزب بأغلبية وجعل إليه تكليف تشكيل الحكومة، هل يجوز أن تصبح رئيسة

الحزب هي رئيسة الحكومة التي شكلها حزب الأغلبية، أم تستقيل حينئذ لأنها لم تَعُدْ تصلح لمنصب رئيس الوزراء، وهل يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان؟ فإن قلتم لا يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان، تناقضتم لأنها إذا صارت نائبة في المجلس جاز لها أن تكون رئيسة له وفق القوانين واللوائح، وأيضا فإن المعنى الذي من أجله منعتموها من رئاسة المجلس متحقق في كونها نائبة فيه. وإن قلتم: نعم يجوز لها أن تكون رئيسة البرلمان، تناقضتم إذا منعتموها من رئاسة الوزراء، فيقال لهم لماذا منعتموها من رئاسة الوزراء، وأجَزْتُم لها أن تكون رئيسة البرلمان، وأن أجزتم لها أن تكون رئيسة للوزراء في حال تكون فيه ذات ولاية عامة مباشرة على كل شئون الأمة في نظام الدولة الحديث، فلماذا منعتموها من أن تكون رئيسة للدولة، وما الفرق بينهما؟ ولاريب أنهم لن يجدوا بُدًّا من الوقوع في التناقض، فإما أن يجيزوا لها أن تكون ذات ولاية عامة حتى لو كانت رئيسة الدولة، فيصادموا نص الحديث ويعطلوا مقتضاه بالكلية، إما هذا أو أن يتحكموا بغير برهان، فيُجِيزوا لها تولي بعض الولايات العامة التي يكون فيها نفس المعنى الذي من أجله منعت من الرئاسة العامة، ويمنعوها من بعض الولايات العامة الأخرى، وفي هذا من التناقض البَيِّن ما يدل على بطلان قولهم قطعًا. ويقال أيضًا للمنتسبين إلى علم الشريعة الذين يخصصون دلالة حديث «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» بغير دليل، ويُقصِرون التحريم على منصب رئاسة الدولة فقط، يقال لهم: إن المطالبين اليوم بمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب، إنما ينطلقون من مبدأ علماني لاديني، مبني على المساواة بين الرجال والنساء في كل

شيء، في جميع الواجبات والحقوق بلا استثناء. وسوف يطالبونكم يومًا من الأيام بالتراجع أيضًا عن تحريم منصب رئيس الدولة على النساء، وسوف يسألونكم: ما الفرق بين منحِكم المرأة حق تولي رئاسة الوزراء، أو رئاسة حزب سياسي ذي أغلبية، أو رئاسة البرلمان، ومنعِكم إياها من رئاسة الدولة في نظام الدولة الحديث الذي يحدد مهام رئيس الدولة في اختصاصات معينة لا يتعداها، وسوف تحارون جوابا وتغلبون؟ فخير لكم أن تتمسكوا بظاهر النص وعمومه، من أن تخصصوه بغير برهان سوى التحكم المحض.

الشبهة السابعة والعشرون بعد المائة: هل أجاز الإمام أبو حنيفة تولية المرأة القضاء؟

الشبهة السابعة والعشرون بعد المائة: هل أجاز الإمام أبو حنيفة تولية المرأة القضاء؟ الجواب: من الآراء الفقهية التي لا تصح نسبتها إلى أصحابها أن الإمام أبا حنيفة - رحمه الله - قد أجاز تولية المرأة القضاء، يقول الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - في كتابه القيم (التعالم): «كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ والتَّرَخُّص، فكذلك يُزجر عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل أو انقلاب الفهم؛ إذ عند التحقيق يتنَقَّحُ القولُ بغلط العزو، فعلى أهل العلم التوَقّي في حكاية الأقوال، والتحري عن صحة نسبتها وسلامة لفظها من التصحيف والتحريف ... ومن أمثلة هذه الأغاليط شُهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ من القول بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود. وهذا غلط عليه في مذهبه، وصحة قوله: «أن الإمام إذا وَلَّى المرأةَ القضاءَ أثِمَ ونفذ قضاؤها إلا في الحدود»؛ فأصل التولية عنده المنع» (¬1). وقوله هذا إنما قيل على باب الافتراض والنظرية، وما أكثر ذلك في كتب الفقه ولم تطبق على أرض الواقع أبدًا، لا في عهد من سبقهم من العهود الزاهرة ولا في عهد المؤلف أو من جاء بعده. وتفصيل مذهب الأحناف أنهم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاث فرق: الفرقة الأولى: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء مطلقًا، وإلى هذا ذهب زُفَر بن الهذيل وهو بذلك يوافق الجمهور. الفرقة الثانية: ترى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء فيما تجوز شهادتها ¬

(¬1) التعالم (ص 117).

فيه وهو ما عدا الحدود والقصاص وإليه ذهب بعض الحنفية. الفرقة الثالثة: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداءً وأن الذكورة شرط في القاضي، لكنها إن وُلِّيَتْ ممن له السلطة أو حَكَّمَها شخصان في نزاع بينهما فحكمت نفذ قضاؤها ضرورة وأثم مُوَلِّيهَا. وهذا هو المذهب عند الحنفية الذي نصت عليه كتبهم المعتمدة في تأثيم مُوَلّي المرأة القضاء ولا إثم إلا بارتكاب المحظور، ومما يدل على ذلك أن قاضي القضاة (¬1) في أكثر العصور كان حنفيًا، وكان إليه تقليد القضاة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، ولم يُؤْثَرْ عنه أنه قلّد امرأة قط منصب القضاء (¬2). ثانيًا: ترجع صحة القول أو عدمها إلى قوة الدليل من كتاب الله - عز وجل - أو من سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ترجع إلى كثرة القائلين به، وها هو ما قاله الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - في اتباع السنة وترك أقواله المخالفة لها: 1 - «إذا صح الحديث فهو مذهبي». 2 - «إذا قلتُ قولًا يخالف كتاب الله وخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتركوا قولي» (¬3). ¬

(¬1) قال الشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله -: «لما كان الملك الحق لله وحده، ولا ملك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضعه عند الله، وأغضبه له اسم (شاهان شاه) أي: ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يُحب الباطل. وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا (قاضي القضاة) وقال: ليس قاضي القضاة إلا من يقضي الحق، وهو خير الفاصلين، الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن، فيكون. ويلي هذا الاسم في الكراهية والقبح والكذب: سيد الناس، وسيد الكل، وليس ذلك إلا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خاصة، كما قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا فَخْرَ». فلا يجوز لأحد قط أن يقول عن غيره: إنه سيد الناس، وسيد الكل، كما لا يجوز أن يقول: إنه سيد ولد آدم». (معجم المناهي اللفظية (1/ 177)، والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني). (¬2) المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها). (¬3) انظر: صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للشيخ الألباني (ص21 - 29) بتصرف.

الشبهة الثامنة والعشرون بعد المائة: هل أجاز الإمام الطبري تولية المرأة القضاء؟

الشبهة الثامنة والعشرون بعد المائة: هل أجاز الإمام الطبري تولية المرأة القضاء؟ الجواب: إن ما نُقِلَ عن ابن جرير الطبري في جواز تولي المرأة القضاء لم يصح عنه، ولم يُرْوَ ذلك عنه بسند من الأسانيد، ومذهب الطبري مندثر لم يُكتب له البقاء ولم يُدَوِّنه عنه تلاميذه، وفي تفسيره الموجود بين أيدينا لم نجد قوله المنسوب إليه كما أن كتبه في الفقه لم يُعثر عليها. 1 - يقول الإمام ابن العربي المالكي: «وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيّ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ تَكُون الْمَرْأَة قَاضِيَة , وَلَمْ يَصِحّ ذَلِكَ عَنْهُ» (¬1). 2 - جزم بعدم صحة ذلك لابن جرير الطبري ـ الإمام القرطبي - رحمه الله - حيث نقل الكلام السابق لابن العربي، وذلك عند تفسير قول الله - عز وجل - على لسان هدهد سليمان عن ملكة سبأ: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النمل: 23) (¬2). 3 - إن صاحب الرأي دائمًا ينافح عنه ويقدم عليه الأدلة كلما ناسبته الفرصة لذلك، وقد ناسب ابن جرير - رحمه الله - العديد من الفرص سواء في تفسيره أو في تاريخه لما تكلم عن قصة سليمان - عليه السلام -، وعن توليه ابنة كسرى لما مات أبوها، ولما ذكر حديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، ورغم ذلك لم يُشِرْ لولاية المرأة للقضاء أو عدمها كما هي عادة العلماء. 4 - الخلاف بين الفقهاء حول تولية المرأة القضاء لم يتَعَدَّ مجرد إبداء الرأي، فلم يرشدنا تاريخ القضاء الإسلامي من عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى نهاية الخلافة العثمانية أن المرأة تقلدت ولاية. ¬

(¬1) أحكام القرآن (3/ 1457). (¬2) تفسير القرطبي (13/ 183).

الشبهة التاسعة والعشرون بعد المائة: قول ابن حزم بجواز تولية المرأة القضاء

الشبهة التاسعة والعشرون بعد المائة: قول ابن حزم بجواز تولية المرأة القضاء: قال - رحمه الله -: «وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ ـ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ـ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ ـ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ ـ السُّوقَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ» (¬1). قُلْنَا: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلافَةُ» (¬2). الجواب: 1 - سبق بيان أن هذا القول ليس قول أبي حَنِيفَةَ - رحمه الله - (¬3). 2 - ابن حزم - رحمه الله - لما ذكر الرواية عَنْ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ ـ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ ـ السُّوقَ، في كتابه (المحلى) لم يُسنِدْها على خلاف صنيعه وذكرها بصيغه التمريض فقال: (وَقَدْ رُوِيَ ... )، وهذا يدل على عدم صحتها عنده، وقد سبق بيان ضعفها (¬4). 3 - من العجب أن يستدل ابن حزم بفعل عمر - رضي الله عنه - مع أنه ينفي حجية رأي الصحابي، وأعجب من هذا أنه يستأنس بقول أبي حنيفة مع أنه أوسعه في غير هذا الموضع تشنيعًا وتجريحًا. 4 - والأعجب أن ابن حزم يرى أن المرأة لا تُزَوِّجَ نفسَها ولا غيرها، ثم يرى جواز تقليدها القضاء لتُزَوِّج غيرها بمقتضى ولاية القضاء (¬5). 5 - قد سبق الرد على من قال: إن الحديث خاص بتولى رئاسة الدولة فقط دون سائر الولايات العامة (¬6). ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وصححه الأرنؤوط، ورواه البخاري بلفظ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». (¬2) الْمُحَلَّى بِالآثَارِ (9/ 429). (¬3) انظر ص 650 (¬4) انظر ص 651 (¬5) انظر المحلى (9/ 455 - 460) [وانظر: الاختصاص القضائي د. ناصر الغامدي] (¬6) انظر ص 647

الشبهة الثلاثون بعد المائة: استدلالهم بتولي شجرة الدر ـ التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب ـ شئون الحكم في مصر

الشبهة الثلاثون بعد المائة: استدلالهم بتولي شجرة الدر ـ التركية محظية الملك الصالح نجم الدين أيوب ـ شئون الحكم في مصر: الجواب: 1 - هذا من أقبح أنواع الاستدلال؛ فإن هذه الحادثة تحكي واقعًا، وليس الواقع دليلًا شرعيًّا، فكم يقع في واقع المسلمين ما هو مخالف للشرع؛ إن الحجة الشرعية إنما هي في كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، أما أن تجعل الأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة دليلًا شرعيًا فهذا من العجب. 2ـ أن خليفة المسلمين العباسي أنكر على المصريين توليتهم شجرة الدر، فأشار القضاة والأمراء إلى تولية أحد الأمراء السلطنة وأن يتزوجها، لكنها اغتالته بعد الزواج منه، فقبض عليها ابنه فقتلها وذلك سنة 656هـ. وهذا يدل على أن علماء الشريعة لم يوافقوا على توليها الولاية العامة.

الشبهة الحادية والثلاثون بعد المائة: الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن

الشبهة الحادية والثلاثون بعد المائة: الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن: الجواب: 1 - أن هذه الدول بعضها يعلن صراحة أنها علمانية فلا دين رسمي لها، فكيف نتخذ أمثال هؤلاء قدوة لنا؟ ثم هؤلاء النسوة مخالفات للهدي النبوي، فهل نتبع أهل العصور الحاضرة أم نتبع ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحابته الكرام؟! 2 - لا يجوز الاستدلال بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية في زماننا؛ لأن أمر تولية المرأة قد حدث في غياب الإسلام عن واقع المجتمعات وعدم استفتاء العلماء الراسخين في العلم. 3 - الفيصل في هذا الأمر الشرعي لا يكون في الإتيان بأمثلة من أناس مخالفين للهدي النبوي.

الشبهة الثانية والثلاثون بعد المائة: قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة نوع من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة

الشبهة الثانية والثلاثون بعد المائة: قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة نوع من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة: من الشبهات أيضًا قولهم إن ترشيح المرأة للنيابة العامة إنما هو نوع من الشورى، وأن الشورى ليست ممنوعة على المرأة لأن الله - عز وجل - قال في كتابه: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى:38)، وهذا يشمل الرجال والنساء. الجواب: لا شك أن هذه الآية نازلة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعمل بها أصحابه - رضي الله عنهم - من بعده فهل كان تطبيق الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذه الآية أن عقد مجلسًا يشاور فيه النساء، أو جعل لهن مع الرجال مجلسًا خاصًا بذلك. وهل شاور رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء في قيادة الجيوش، وخطط الحرب، وتولية أمرائه وعزلهم، وفي شأن الوفود، وخطاباته إلى الملوك، وهل قام خلفاؤه من بعده بشيء من ذلك فجعلوا للمرأة نصيبًا واجبًا في هذه الشورى، أم أن مشاورة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذه الشئون كانت للرجال فقط، فقد كان يشاور الشيخين أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، وشاورهما في شأن تولية الأمراء وفي فداء الأسرى. وكان عمر بن الخطاب وزيرًا لأبي بكر - رضي الله عنهما - ومستشاره، وكان القراء (حفظة القرآن) هم أهل الشورى عند الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، ولم يكن لواحد من الخلفاء امرأة أو مجموعة من النساء يستشيرهن في أمور المسلمين. فأخْذُ هذه الآية {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: 159)، وجَعْلُ ذلك للرجال والنساء دون النظر في قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -

وأصحابه من بعده - رضي الله عنهم - يؤدي إلى خطأ جسيم في فهم القرآن والعمل به. وأما كون الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - شكا إلى أم سلمة - رضي الله عنها - ما لقيه من عدم تنفيذ أصحابه لأمره بالتحلل من العمرة في الحديبية وإشارتها عليه أن يخرج هو ولا يكلم أحدًا فيذبح هديه، ويحلق رأسه وأخذ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بقولها ومشورتها، فمثل هذا لا يحرم ولا يمنع أن يسمع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لرأي صائب من زوجته أو امرأة مسلمة أخرى في شأن من الشئون كما روى الإمام البخاري عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضي الله عنه -:قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ»، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: «وَاثْنَيْنِ؟»، فَقَالَ: «وَاثْنَيْنِ». فإن هذا من الخير والحق، والسماع والعمل برأي المرأة ومشورتها غير ممنوع بل هو مشروع بأي صورة من هذه الصور شفاهًا أو كتابة أو لقاءً، ولكن الممنوع هو تنصيب المرأة في هذه الولاية العامة، والقول بأن هذا مقتضى قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

الشبهة الثالثة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن النيابة في المجالس التشريعية ليست ولاية عامة

الشبهة الثالثة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن النيابة في المجالس التشريعية ليست ولاية عامة: وأنها لا تعدو أن تكون أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، وإن الشريعة قد أجازت قيام المرأة بهذا بل أوجبته عليها كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} (التوبة:71). والجواب: أن النيابة من الولايات العامة بل هي من أكبر الولايات العامة، لأن النائب بمقتضى الدساتير الوضعية، هو الذي يزكي الوزراء ويحاسبهم، ويعزلهم، ويسقط حكومة ويأتي بغيرها، فالنائب هو القيِّم والقائم بشأن غيره، بل هو المتولي حقيقة للولاية العامة، والوزراء هم وكلاء عن النواب في تنفيذ ما يُشَرِّعونه، ويأمرونه به، ولذلك فسلطة النائب أكبر من سلطة الوزير؛ لأن من له حق التعيين والعزل والمحاسبة، هو الذي له اليد العليا، فيكون هو الولي على غيره؛ فكيف يقال إن النيابة ليست من الولايات العامة ولذلك فيجوز أن تتولاها المرأة؟

الشبهة الرابعة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن ترشيح المرأة لغيرها وكالة

الشبهة الرابعة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن ترشيح المرأة لغيرها وكالة: قالوا: إن اختيار المرأة من تراه أهلًا للنيابة عنها في المجالس التشريعية ليس من الولايات العامة، وبذلك يجوز لها أن تنتخب من تشاء لذلك، وأن هذا لا يَعْدُو أن يكون توكيلًا، وللمرأة الحق في أن توكل مَن تشاء مِن الرجال في مصالحها الخاصة، وهذا من المُجْمَع عليه. الجواب: إن ترشيح المرأة من تراه أهلًا ليس وكالة من كل وجه، وإنما هو بمثابة شهادة، ووكالة، وتزكية، واختيار للأصلح وللأكفأ. فأما الشهادة فإنه لا تصح شهادة المرأة إلا في الشئون الخاصة بالنساء، وشهادتها على الدَّيْن إنما هو للضرورة عند عدم وجود الرجال كما قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (البقرة:282)، ولا شهادة للمرأة على عقود الزواج ولا في الحدود، ولا في الأمور التي ليست من شأنها. وأما تزكية المرأة للرجال فإنها ممنوعة؛ لأن التزكية تحتاج إلى خلطة والمرأة لا خلطة لها بالأجانب غير المحارم فكيف تزكيهم وتشهد بعدالتهم؟!!. وأما اختيار الأصلح والأكفأ فإن هذا يحتاج إلى علم أوسع بالرجال والناس، وتفضيل الكفء على غيره، وهذا لا دخل للنساء فيه. ومن أجل ذلك لم يكن للنساء في هذا الأمر شأن قط لا في عهد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا

في عهد خلفائه الراشدين - رضي الله عنهم - ولا في جميع عصور الإسلام. وأما الوكالة فإنه يصح للمرأة أن توكل من تشاء في شئونها، ولكن النيابة ليست وكالة فقط، وإنما هي عقد تجتمع فيه كل هذه الأمور: الوكالة، والشهادة، والتزكية، وترشيح من يتولى الأمور العامة. فقياس جواز الوكالة للمرأة على الترشيح للنيابة قياس باطل، وهو من قياس الشبه، وهو أبطل أنواع القياس، وهو مثل قول من قال: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} (البقرة:275)، نعم البيع يشبه الربا من حيث أن البائع والمرابي كل منهما يربح أكثر من رأس ماله، ولكنهما يفترقان في أمور كثيرة .. !! إذ البائع مخاطر والمرابي ضامن، وهذا يؤجر النقود، وهذا يبيع السلع .. !! {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة:275). والوكالة للمرأة جائزة، وليست النيابة وكالة، وإن كانت تشبه الوكالة من بعض الوجوه، والقياس عليها إنما هو قياس شبه، وهو باطل؛ لأنه ليس وكالة من كل الوجوه، ولكنه مع الوكالة شهادة، وتزكية، وترجيح بين المرشحين واختيار للأوْلى، فهو عقد مركب من كل هذه الأمور. والوكالة يستطيع الموكل إلغاءها في أي وقت، أما ترشيح أعضاء المجلس النيابي فلا يمكن إلغاؤه حتى تنتهي الفترة المحددة لبقائهم في المجلس.

الشبهة الخامسة والثلاثون بعد المائة: المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى

الشبهة الخامسة والثلاثون بعد المائة: المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى: الجواب: قضية أن المرأة يصح أن تكون مفتية لا يردها عاقل، وهي تستطيع أن تفعل ذلك وهي في بيتها بدون خروج أو اختلاط بالرجال، وفرق بين الإفتاء وبين الخروج للقضاء الذي يقتضي الاختلاط والاستماع للخصوم ووضع مساعدين، والتعرف على ما يحدث في الخارج والسفر وغير ذلك. والإفتاء ليس من باب الولايات؛ لأنه إخبار عن حكم شرعي ولا إلزام فيه. أما القضاء فهو إخبار مع إلزام.

الشبهة السادسة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن الأحكام تتغير بتغير الزمان

الشبهة السادسة والثلاثون بعد المائة: قولهم إن الأحكام تتغير بتغير الزمان: ومما استدلوا به في جواز تولية المرأة الولايات العامة قولهم إن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان، وإنّ مَنْع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النساء من الولايات العامة وقوله عن أهل فارس لما ولوا بنت ملكهم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (¬1) أن ذلك كان لأن النساء لم يكُنَّ يتعلمْن في ذلك الوقت، وكُنَّ بعيدات عن أمور السياسة والحكم، وأما الآن فإن التعليم شمل الرجال والنساء، وقد تكون المرأة أعظم تعليمًا من الرجل، فيجب قصر هذا الحكم على زمان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -. الجواب: هذا القول من أعظم الوسائل والأساليب لتبديل شريعة الله - عز وجل -، وجعل أحكامها لفترة زمنية محددة، والانتقال إلى التشريع بالهوى والجهل، والقول على الله بلا علم. ولا شك أن كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما هو للزمان كله والمكان كله ولا يختص شيء بالأحكام بزمان معين إلا ما جاء مقيدًا بهذا الزمان؛ فالحلال ما أحله الله إلى يوم القيامة، والحرام ما حرمه الله إلى يوم القيامة، والدين ما شرعه الله. ثم إن القول بأن النساء كن لا يتمَكَّنَّ من التعليم قديمًا قول جاهل، فقد كانت الفرصة متاحة للجميع، والعرب في الجاهلية ـ التي كانت أمة أمية لا تقرأ ولا تحسب ـ كان فيها الشاعرات والأديبات والكاتبات كما الرجال، وكذلك سائر شعوب الأرض، فقد كانت سبأ تملكهم امرأة، والزبّاء كانت ملكة تدمر، ولما خرج متنبئ العرب من ¬

(¬1) رواه البخاري.

الرجال وهو مسيلمة ادعت امرأة النبوة مثله وهي سجاح، والفرس ملكتهم امرأة، والرومان كانت المرأة تنافس الرجال في كل شيء، وأم جميل امرأة أبي لهب كانت أشد من زوجها على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. والشاهد أن النساء في الجاهلية الأولى: العرب وغيرهم كن منافسات ومشاركات للرجال في كل شيء الشعر، والأدب، والسياسة، وفي كل شيء من الشئون العامة!! وفي هذه المرحلة الزمنية التي كانت المرأة في كل الشعوب مشاركة للرجل ومساوية له جاء الإسلام بمنع المرأة من الولايات العامة، بل من ولاية الأسرة، وبأن عليها اتخاذ ولي في النكاح وألا تزوج نفسها، وأن شهادتها عن النصف من شهادة الرجل، ولا تشهد إلا على الأموال وعند عدم وجود الرجال، ويأمرُها بالقرار في المنزل، ويأمرها بالحجاب، وأن تسأل من وراء حجاب وأن هذا أطهر لقلوب الجميع، وألا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ... الخ. وجَعْلُ كل هذه الأحكام مخصوصًا بوقت التنزيل وأنه في هذا الزمان يجب تغيير ذلك ـ تبديل للشريعة ورفض لأحكام الله - عز وجل -.

مراجع البحث

مراجع البحث (مرتبة ترتيبًا ألفبائيًا) - آفة الاختلاط لعبد الله بن عبد الحميد الأثري. - أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية، رسالة قدمت استكمالًا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في التربية الإسلامية من جامعة اليرموك 1415هـ - 1994، إعداد: فاطمة محمد رجا مناصره. - أحكام القرآن للإمام أحمد بن علي بن أبي بكر محمد البغدادي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي. - آداب الزفاف للشيخ الألباني. - أدلة تحريم الاختلاط متضافرة وليس لها ناقض، بقلم: علي بن فهد أبا بطين. - أُسْد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير. - إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان، لعلي بن عبد الله بن شديد الصياح المطيري. - أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي. - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم. - إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم. - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للإمام ابن القيم. - اقتضاء الصراط المستقيم لمخلفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام ابن تيمية. - أقيسة الاختلاطيين لإبراهيم السكران. - الأحكام السلطانية للماوردى. - الاختلاط أصل الشر في دمار الأمم والأسر لمحمد بن عبد الله الإمام. - الاختلاط بين الجنسين أحكامه وآثاره، للدكتور محمد بن عبد الله المسيميري، والدكتور محمد بن عبد الله الهبدان. - الاختلاط بين الجنسين حقائق وتنبيهات، للشيخ سليمان بن صالح بن عبد العزيز تقديم الشيخ صالح بن فوزان الفوزان.

- الاختلاط بين الجنسين في ضوء الكتاب والسنّة من خلال أصول الفقه ومقاصد الشريعة مع أقوال علماء المذاهب الإسلامية المختلفة، إعداد: عامر بن محمد فداء بهجت المحاضر بالمعهد العالي للأئمة والخطباء ـ جامعة طيبة ـ المدينة النبوية. - الاختلاط بين الواقع والتشريع دراسة فقهية: علمية تطبيقية في حكم الاختلاط وآثاره، جمع وإعداد: إبراهيم بن عبد الله الأزرق، بتقريظ الدكتور نَاصِر بن سُلَيْمَان الْعُمَر. - الاختلاط، تحرير، وتقرير، وتعقيب، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. - الاختلاط في المستشفيات صوره، وحكمه بالأدلة، وآثاره، ورد الشبه فيه، ووسائل التخلص منه، وفتاوى العلماء، ليوسف بن عبد الله بن أحمد الأحمد، المحاضر بجامعة الإمام ـ كلية الشريعة بالأحساء. - الاختلاط وأثره في التعليم، للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان. - الاختلاط وأهل الخلط، للشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي. - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، للإمام ابن عبد البر. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب للإمام ابن عبد البر. - الإسلام في قفص الاتهام، لشوقي أبو خليل. - الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني. - الأصول من علم الأصول للشيخ ابن عثيمين. - الاعتصام للإمام الشاطبي. - البداية والنهاية للحافظ ابن كثير. - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة لابن رشد القرطبي المالكي، تحقيق: د. محمد حجي وآخرون. - التعالم وأثره في الفكر والكتاب للشيخ بكر أبو زيد. - التفسير الوسيط للقرآن الكريم للدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الأسبق.

- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام ابن عبد البر. - الرد على أحمد الغامدي ومن وافقه في إباحة الاختلاط، للدكتور محمد بن عبد الله الهبدان. - الرد على (باحث سعودي يفند أدلة تحريم الاختلاط بالإسلام)، لفهد الغفيلي. - الروض الأنف في شرح السير للسهيلي. - الزواجر عن اقتراف الكبائر للإمام ابن حجر الهيتمي. - السنة في مواجهة أعدائها للدكتور طه الدسوقي. - الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور للشيخ حمود بن عبد الله التويجري /. - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم. - العبرات للأستاذ مصطفى لطفي المنفلوطي/. - الغرب يتراجع عن التعليم المختلط تأليف بـ?ـرلي شو، ترجمة د/وجيهة عبد الرحمن. - الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي. - الفتن للشيخ أحمد عز الدين البيانوني /. - الفقه على المذاهب الأربعة للشيخ عبد الرحمن الجزيري / ـ عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. - الْمُحَلَّى بِالآثَارِ للإمام ابن حزم. - المدخل لابن الحاج. - المرأة المسلمة أمام التحديات، لأحمد الحصين. - المرأة المسلمة والمشاركة السياسية، أقوال الأعلام من علماء الإسلام، د. سامي محمد صالح الدلال، مجلة البيان، العدد (206). - المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي /. - المرأة والولاية العامة وولاية القضاء، د. حياة بنت سعيد با أخضر، أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى، (من سلسلة إلى من تحفر قبرها بيديها). - المشابهة بين قاسم أمين في كتابه (تحرير المرأة) ودعاة التحرير في هذا العصر إعداد: سليمان بن صالح الخراشي.

- المغني والشرح الكبير للإمام ابن قدامة المقدسي. - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للإمام القرطبي. - الموسوعة الفقهية الكويتية. - الواقعية في الاختلاط، سامي الماجد، موقع شبهات وبيان. - الوجيز في أصول الفقه للدكتور عبد الكريم زيدان. - إلى كل فتاة تؤمن بالله، للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. - بحوث في المصطلح للدكتور ماهر الفحل. - تحريم الخلوة بالأجنبية والاختلاط المستهتر للدكتور محمد بن لطفي الصباغ، وتقديم الشيخ ابن باز /. - تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان /. - تفسير ابن كثير. - تفسير البغوي. - تفسير القرطبي. - تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر. - تنبيه الخاصة والعامة إلى حكم تولي المرأة الولايات العامة، للشيخ حامد بن عبد الله العلي ... http://www.h-alali.net - تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر. - ثقافة الشذوذ أحدث منتج أمريكي، مقال لمروي مشالي، نشر في (حياة الناس) من (الأهرام العربي) يوم السبت 6 جمادى الآخرة، 1422 الموافق 25 أغسطس 2001العدد رقم 231. - جمع الشتات فى حكم نظر النساء للرجال والشاشات، جمع وترتيب: أبو عبد الرحمن محمد بن عمران. - حديث الثلاثاء للشيخ حسن البنا /. - حراسة الفضيلة، للشيخ بكر أبوزيد. - حكم الإسلام في الاختلاط إعداد جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، 1389هـ 1969م، مؤسسة نور الإسلام: www.islamlight.net.

- حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس التشريعية نائبة وناخبة، للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء للإمام أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني. - درء تعارض العقل والنقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية. - رد شبهات حول عصمة النبى ص فى ضوء السنة النبوية الشريفة، للدكتور عماد السيد محمد إسماعيل الشربينى، كلية أصول الدين بالقاهرة، جامعة الأزهر. - رسالة (المرأة المسلمة وواجباتها) للشيخ حسن البنا /. - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للإمام الألوسي. - زنا المحارم، أسباب تفشي هذه الظاهرة، للدكتور نايف بن أحمد الحمد. - سبل السلام للإمام الصنعاني. - سير اعلام النبلاء للإمام الذهبي. - شرح الإمام النَّوَوِيّ على صحيح مسلم. - شرح السنة للإمام البغوي. - شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين. - صحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي. - صحيفة آفاق عربية، العدد 697، 24/ 2/2005. - صفوة البيان لمعاني القرآن الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية السابق، وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف / - صَيْحَةُ تَحْذِير وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم. - ضرب عمر بن الخطاب على الاختلاط، للدكتور محمد بن عبد العزيز المسند، موقع نور الإسلام www.islamlight.com بإشراف الدكتور محمد بن عبد الله الهبدان. - ضوابط للدراسات الفقهية للشيخ سلمان العودة. - عمدة القاري للإمام بدر الدين العيني.

- عودة الحجاب للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم - عون المعبود شرح سنن أبي داود، للشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي. - غياث الأمم في التياث الظلم للإمام الجويني. - فتاوى الأزهر، نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية: www.islamic-council.com. - فتاوى الخلوة والاختلاط جمع محمد بن عبد العزيز المسند. - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. - فتاوى رجل الدفاع المدني، أجاب عليها وقدّم لها: فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، جمع وإعداد: مصلح بن زويد العتيبي. - فتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد المنجد. - فتاوى موقع الشبكة الإسلامية بإشراف الدكتور عبد الله الفقيه. - فتاوى موقع صوت السلف www.salafvoice.com، بإشراف الشيخ ياسر برهامي. - فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ ابن رجب الحنبلي. - فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاختلاط بين الرجال والنساء. - فقه السنة للشيخ سيد سابق /. - في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب /. - قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي،، الدورات من الأولى إلى السادسة عشرة، القرارات من الأول إلى الخامس والتسعين (1398 - 1422هـ /1977 - 2002م). - كتاب (خولة بنت الأزور)، لعبد العزيز الرفاعي. - لزوم الصراط في الرد على من أباح الإختلاط لخالد سعود البليهد. - لقاءات الباب المفتوح للشيخ ابن عثيمين. - ما شاع ولم يثبت بالسيرة النبوية لمحمد عبد الله العوشن.

- مجلة (البحوث الإسلامية)، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ـ الرياض. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. - مجموع فتاوى الشيخ ابن باز /. - مختصر فتاوى دار الإفتاء المصرية. - مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي. - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري. - مسيرة تحرير المرأة من خلال بعض دعاتها البارزين لعبد الله زقيل. - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية. - موقع الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين. - موقع شبهات وبيان www.shobohat.com. - نقد كتاب (تحرير المرأة في عصر الرسالة) لمؤلفه عبد الحليم أبو شقة، وفيه: التنبيه على خطأ أحد الأفاضل في إحالته على هذا الكتاب السيئ، إعداد سليمان ابن صالح الخراشي. - نَيْل الأوطار للإمام الشوكاني. - هل يكذب التاريخ؟ مناقشات تاريخية وعقلية للقضايا المطروحة بشأن المرأة، عبد الله بن محمد الداوود. - وصف مصر تأليف ج دي شابرول، ترجمة زهير الشايب.

§1/1