الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية

محمود أحمد شوق

مقدمة

المقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ... أما بعد: فإن الفوز في السباق المعاصر بين الأمم يعتمد على قدرتها على تربية أبنائها تربية تنبع من عقيدتها وقيمها وتقي أبناءها من التلوث الفكري، وتتيح لهم حرية التفكير والتعبير والتطبيق في حدود النظم والقيم المرعية، وتستثمر أساليب العصر وتقانته في إطلاق طاقاتهم الإبداعية، وتكون أجيالا لا تقنع باستعياب المعاصر فقط، ولكنها تتطلع أيضًا إلى المستقبل لتسهم في صنعه. ولقد آن الأوان لأن ننهل نحن المسلمين من تراثنا، ونكف عن اعتبار الفكر الأجنبي المصدر الأفضل لمسيرتنا التربوية؛ لأن هذا فيه ظلم للنفس شديد. فالأولى لنا أن ندرس تراثنا التربوي دراسة علمية ننطلق منها إلى إيجاد سياسة تعليمية خاصة بنا، ومناهج تستجيب لطموحاتنا وتحقق أهدافنا وتستجيب لآمالنا. نحن في حاجة -أيضًا- إلى وقفة مع مناهجنا الدراسية بعد أن وصل الحال في أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف. وقفة نتجه فيها بصدق وعزم إلى المحافظة على هويتنا مع الأخذ بأسباب التقدم المعاصر. فنربي أبناءنا تربية إسلامية ونعلم أبناءنا لغتنا وتاريخنا وتراثنا وإسهامنا في الحضارة الإنسانية، وقفة نستعد فيها بالعلم والتقانة للإنطلاق الحضاري. فلم يحدث في التاريخ أن انطلق طير بأجنحة طير آخر، ولا نهضت أمة تجاهلت جذورها وتعلقت بفروع أمم أخرى. ونقطة الانطلاق إلى هذه الوقفة، من وجهة نظر المؤلف، أن نخطط مناهجنا بناء على عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية مع الأخذ بالمعاصر النافع مهما كان مصدره، والعمل الجاد على مواكبة التقدم العلمي والثقافي المعاصر. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يوجه كل متخصص في مجال معين -وبخاصة العلوم الاجتماعية- هذا المجال، توجيهًا إسلاميا، وإذا كان بعضنا غير مؤهل التأهيل الكافي لهذه المهمة، فلا بأس من الاستعانة -بعد الله- بالزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية على إنجازها. فهم ونحن جنود في ميدان تنشئة أجيال الأمة الإسلامية، ولا بأس من أن نتشاور بل نتتلمذ على بعضنا البعض. وكم طلب المؤلف من إخوته المتخصصين في العلوم الشرعية قراءة ما كان يكتب, فقرءوا -جزاهم الله خيرًا- برحابة صدر وطيب خاطر، وشاورهم فأشاروا بسعادة، وناقشهم فكانوا سعداء بالاتفاق سعادتهم بالاختلاف. ولذلك فإن لهم من المؤلف جزيل الشكر والامتنان.

ويعتبر المؤلف كتابه هذا -إضافة إلى كتابيه: "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته" و"تطوير المناهج الدراسية"، محاولة صادقة على طريق توجيه المناهج الدراسية توجيهًا إسلاميا. فقد حاول المؤلف بناء ما ورد في هذه الكتب على تعاليم الدين الحنيف. وبالنسبة لهذا الكتاب: قدم المؤلف في الباب الأول تعريفًا جديدًا لكل من التخطيط التربوي وتخطيط المناهج الدراسية, مراعيًا فيهما التوجيه الإسلامي للمناهج الدراسية، إضافة إلى أهم تطبيقات التخطيط التربوي المتعلقة بالمناهج. وقدم في الباب الثاني اقتراحًا غير مسبوق بالأسس العامة لتخطيط المناهج, فتناول التربية الإسلامية في الفصل الثالث، وخصائص العلم وفق التصور الإسلامي في الفصل الرابع، والتوجيه الإسلامي للعلوم في الفصل الخامس والاتجاهات التربوية الحديثة في المناهج الدراسية في الفصل السادس، باعتبارها جميعًا أسسا عامة لتخطيط المناهج الدراسية. وقدم المؤلف في الباب الثالث مصادر المنهج الدراسي وفق التوجيه الإسلامي: فاستخلص من القرآن الكريم والسنة المطهرة خصائص المتعلم, ووظيفته في الحياة الدنيا في الفصل السابع، كما استخلص خصائص المجتمع في الفصل الثامن. وفي الفصل التاسع قدم الثقافة العلمية والتقانية باعتبارها من مصادر خبرات المنهج الدراسي، إضافة إلى المجال الدراسي نفسه. وعالج في الباب الرابع الخطوات الإجرائية لتخطيط المنهج الدراسي على أساس المفهوم والأسس العامة والمصادر التي سبق تحديدها في الأبواب الثلاثة السابقة، كما حدد معوقات هذا التخطيط. ففي الفصل العاشر، تناول إعداد المنهج الدراسي، وفي الفصل الحادي عشر تناول تطبيق هذا المنهج. وفي الفصل الثاني عشر تناول المعوقات التي يمكن أن تواجه تخطيط المناهج الدراسية. ويشير المؤلف إلى أنه قد يبدو تشابه بين ما جاء في الفصلين السابع والثامن في هذا الكتاب، والفصلين الثالث والرابع -على الترتيب- من كتابه "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته". إلا أن هذا التشابه في العناوين المعبرة عن الخصائص فقط. إذ إن التركيز في هذا الكتاب على اشتقاق خصائص كل من المتعلم والمجتمع من المصادر الأساسية للدين الحنيف، أما التركيز في الكتاب الآخر فعلى مهمات المناهج الدراسية في إيجاد هذه الخصائص وترسيخها لدى المتعلم.

كما يشير المؤلف إلى وجود تشابه بين الفصلين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الكتاب, والفصلين السادس والسابع على الترتيب من كتابه "تطوير المناهج الدراسية". ويرجع هذا التشابه إلى التقارب الكبير بين خطوات تطبيق المنهج المطور وخطوات تطبيق المنهج الجديد، وأن معوقات عملية التطوير هي نفسها -تقريبًا- معوقات عملية تخطيط المنهج الجديد. والمؤلف يتوقع من إخوانه أن يعينوه -بعد الله سبحانه وتعالى- على تصويب ما هو في حاجة إلى تصويب، وتحسين ما هو في حاجة إلى ذلك في هذا الكتاب. ولهم منه -سلفًا- جزيل الشكر وخالص الدعاء. والشكر والتقدير لكل من أعطاني من وقته وجهده أثناء إعداد مادة هذا الكتاب، وأخص بالذكر والشكر والامتنان زوجتي -أطال الله في عمرها- فقد قرأت مرارًا ونقدت وصوبت في إخلاص ودأب وحرص، أسهم في تجويد هذا الكتاب شكلًا ومضمونًا. أما ولداي فقد جادا بالوقت الذي ينبغي أن أخصصه لهما ليمكناني من الانتهاء من تأليف هذا الكتاب. فلهما مني جزيل شكري وخالص دعواتي بتوفيق الله. كما أشكر وأقدر زملائي المتخصصين في العلوم الشرعية الذين لم يبخلوا بآرائهم ومشورتهم، والشكر والتقدير ممدود لكل من أعانني -بعد الله- على إنجاز هذا الكتاب. وأولًا وآخرًا، الحمد لله والثناء عليه، سبحانه وتعالى، أن هداني إلى فكرة هذا الكتاب, ومنحني الصبر والجلد على تنفيذها, في أكثر من عشر سنين دأبًا، متتلمذا على القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومطلعًا على آراء الكاتبين المنشورة، ومشاورا للزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية وغيرهم، والكتابة -تراكميا- حتى وصلت إلى الإحساس بإمكان نشر ما كتبت. وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه، وأن يثقل به ميزان حسناتي يوم القيامة، إنه نعم المولى ونعم النصير. تحريرا في 1417هـ-1997م. المؤلف

الفهرس العام

الفهرس العام: 5 المقدمة الباب الأول: 15 مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته 17 مقدمة الباب الأول الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية 23 مقدمة الفصل الأول 24 أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم 24 ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين 29 ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي 42 خاتمة الفصل الأول 43 أهم مصادر الفصل الأول الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية 47 مقدمة الفصل الثاني 48 أولًا: التخطيط للتربية الميدانية 53 ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس 55 ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا أو عاما دراسيا 56 رابعًا: التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع 57 خامسًا: التخطيط للعمل اليومي 58 سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس 76 سابعًا: التخطيط لحسن استثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

89 خاتمة الفصل الثاني 90 أهم مصادر الفصل الثاني 92 خاتمة الباب الأول الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي 97 مقدمة الباب الثاني الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية 101 مقدمة الفصل الثالث 102 أولًا: ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر 107 ثانيًا: ثابتة أصولها مرنة تطبيقاتها 113 ثالثًا: تستهدف الحياتين: الدنيا والآخرة، في توازن واعتدال 120 رابعًا: تحث المسلم على العمل بقدر طاقته 134 خاتمة الفصل الثالث 125 أهم مصادر الفصل الثالث الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي 129 مقدمة الفصل الرابع 131 أولًا: العلم فريضة على كل مسلم 135 ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفذ 138 ثالثًا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة 141 رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة 146 خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي 150 سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله، سبحانه وتعالى 153 خاتمة الفصل الرابع 154 أهم مصادر الفصل الرابع

الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم 157 مقدمة الفصل الخامس 159 أولًا: دوافع التوجيه الإسلامي للعلوم 162 ثانيًا: مفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم والمصطلح المناسب للتعبير عنه 168 ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه 175 خاتمة الفصل الخامس 176 أهم مصادر الفصل الخامس الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة 181 مقدمة الفصل السادس 182 أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة 183 ثانيًا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة 184 أ- في سياسة التعليم 187 ب- في تربية المعلم 200 جـ- في المناهج الدراسية 212 خاتمة الفصل السادس 213 أهم مصادر الفصل السادس 215 خاتمة الباب الثاني الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي 221 مقدمة الباب الثالث الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم 225 مقدمة الفصل السابع 226 أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

234 ثالثا: أهم جوانب شخصية المتعلم 249 ثالثًا: وظيفة المتعلم 258 رابعًا: أهم خصائص نمو المتعلم 267 خاتمة الفصل السابع 268 أهم مصادر الفصل السابع الفص الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم 273 مقدمة الفصل الثامن 274 أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد 276 ثانيًا: الحكم بما أنزل الله على أساس الأخذ بالشورى، والالتزام بالعدل 281 ثالثًا: الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 286 رابعًا: تكوين الأسرة المسلمة 297 خامسًا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين 307 سادسًا: متابعة الاجتهاد لتقديم حلول لما لم يرد فيه نص 310 سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله 314 ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع، والعمل على الارتقاء بالحياة فيه 319 خاتمة الفصل الثامن 320 أهم مصادر الفصل الثامن الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة العلمية والتقنية 325 مقدمة الفصل التاسع 325 أولًا: المجال الدراسي 325 أ- أساسياته وتسلسله 331 ب- التطورات الحديثة فيه 333 جـ- تطبيقاته

336 د- التوجيه الإسلامي له 338 هـ- إسهامات العلماء المسلمين فيه 340 ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية 348 خاتمة الفصل التاسع 349 أهم مصادر الفصل التاسع 350 خاتمة الباب الثالث الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسي ومعوقاته 355 مقدمة الباب الرابع الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي 361 مقدمة الفصل العاشر 362 أولًا: الإعداد للمهمة 370 ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي 376 ثالثًا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي 402 رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس 404 خامسًا: أهم أسس إعداد تقانة التعليم 406 سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط 408 سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي وأدواته 409 ثامنًا: تقوم المنهج الذي تم إعداده 410 خاتمة الفصل العاشر 411 أهم مصادر الفصل العاشر الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي 417 مقدمة الفصل الحادي عشر 417 أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني

422 ثانيًا: إعداد متطلبات تطبيق المنهج الدراسي الجديد 426 ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الدراسي الجديد 428 رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى إعداد منهج دراسي جديد والتوعية بمتطلباته ومشكلاته 430 خامسًا: تجريب المنهج الدراسي الجديد 433 سادسًا: تعميم المنهج الدارسي الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير 437 خاتمة الفصل الحادي عشر 438 أهم مصادر الفصل الحادي عشر الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي 443 مقدمة الفصل الثاني عشر 444 أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي 445 ثانيًا: معوقات خاصة بالقصور في الجوانب الفنية لعملية تخطيط المنهج الدراسي 448 ثالثًا: معقوقات خاصة بالقائمين بعملية التخطيط 451 رابعًا: معوقات خاصة بالنواحي الإدارية 455 خامسًا: معوقات خاصة بالمجتمع 458 سادسًا: معوقات سياسية 459 سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة 460 ثامنًا: معوقات في الاعتمادات المالية 462 خاتمة الفصل الثاني عشر 463 أهم مصادر الفصل الثاني عشر 465 خاتمة الباب الرابع 467 خاتمة الكتاب

الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها

الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها مقدمة الباب الأول: التخطيط على اختلاف أنواعه ومجالاته سمة عصرية بحيث صار يغشي حياتنا كلها، بل أصبح مفتاح التقدم والرفاه، ولم يعد ممكنا تحقيق أي هدف دون تخطيط مسبق لذلك. كما أصبح الوفاء بحاجات المجتمعات والارتقاء بالحياة فيها, واستشراف مسيرتها المستقبلية يعقد -بالدرجة الأولى- على الاستقصاء والتخطيط. فالزيادة في أعداد السكان وما يتطلبه هذا من مواكبة في خدمات التعليم والصحة، وزيادة فرص العمل في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، والوفاء بمتطلبات العصر من حيث سرعة الاتصال والانتقال والعمل على الاقتصاد في الجهد والترشيد في الإنفاق, والتنافس بين مختلف الدول للفوز في حلبة السباق العلمي والتقني، وفي الإنتاج الكمي والتحكم في نوعيته، وفي غزو الفضاء واستثماره. كل هذا وغيره لا يمكن أن يتم بالكفاية المطلوبة، دون تخطيط مسبق على أسس علمية. وكذلك الحال بالنسبة للأفراد. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يوجه رب الأسرة ميزانيته توجيها سليما دون أن يعتمد على التخطيط، ولا يمكن أن يدخل طبيب إلى حجرة العمليات دون إعداد صورة كاملة عن المريض, من حيث حالة قلبه وفصيلة دمه, والأمراض التي أصيب بها وغير ذلك ما يمكن أن يؤثر على مجريات العملية بصورة أو بأخرى، ودون استحضار خطوات العملية في ذهنه وفق أسس الجراحة السليمة، ودون تحضير الأجهزة والأدوات والآلات التي سوف يستخدمها. ولا يمكن أن يبني مهندس جسرًا دون دراسة الأحمال التي سوف تمر من فوقه، وتحمل التربة التي سوف ترتكز قواعده عليها، وأنسب المواد التي سوف تستخدم في بنائه، إضافة إلى تخطيط كامل لتنفيذ عملية البناء وفق الأسس المرعية. هكذا الأمر بالنسبة لزملائنا الموجهين التربويين والمختصين في المناهج والمدرسين، وأبنائنا الطلاب وغيرهم من العاملين في ميدان التدريس. فلا يمكن أن ينجح أحدهما في عمله دون التزود بمعلومات كافية عن أساليب التخطيط التي تساعده على تنفيذ عمله بصورة سليمة، وعلى تجويده بصورة كفية. وعلى وجه العموم، لم يعش الإنسان على هذه الأرض قط بدون هدف. فعندما كانت تنحصر أهدافه يومًا في الوفاء بحاجاته الأساسية, من مأكل ومشرب وملبس فإنه كان يتخذ من التدابير ما يساعده على الوفاء بهذه الحاجات، وعندما كان يفكر في اختيار التدابير, ويفاضل بينها كان يقوم بعملية تخطيط، وحين كان ينفذ التدابير فإنه ينفذ الخطة التي أعدها.

ولنا في قصة يوسف -عليه السلام- مثل آخر في التخطيط: فحين أشار بأن يزرعوا سبع سنين دأبًا, وأن يدعوا القمح في سنبله، فإنه كان -بذلك- يخطط لدرء أخطار المجاعة القادمة بعد سنين عدة. وقد استخدم علمه وخبرته اللذين وهبهما الله له حين فسر السبع بقرات السمان؛ بأنها ترمز إلى السبع سنوات الراغدات، وحين فسر السبع بقرات العجاف بأنها ترمز إلى السبع سنوات الجادبات. كما استخدم علمه وخبرته بأساليب تخزين القمح حين أشار بأن يدعوا القمح في سنبله؛ لأن ذلك أدعى إلى سلامة حبوب القمح في المخازن. ولنا في الإعداد لغزوات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهجرته أمثله أخرى. فإذا نظرنا إلى هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، نجد الآتي: أن الهدف هو خروج الرسول -عليه الصلاة والسلام- من مكة ووصوله إلى المدينة بسلام بإذن الله. وكانت السرية، وقلة عدد المصاحبين للرسول، والتمويه بعدم خروجه من بيته، وعدم حمل ما يثقل الكاهل ويوحي بالسفر، وتنظيم وصول الطعام، وشغل منام الرسول بشخص آخر، جزءا من السياسة التي اتبعت لتحقيق الهدف. وكان اختيار شخص آخر لينام في مكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتنظيم وصول الطعام إلى الرسول وصاحبه بواسطة شخص موثوق فيه، واختيار دليل بذاته وسبقه بالراحلتين، من الإجراءات التي اتخذت لبلوغ الهدف. وكان اختيار علي لينام مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابنة الصديق لتحمل الطعام إلى الرسول وصاحبه، واختيار دليل ماهر، واللجوء إلى غار ثور في الوقت المناسب، استثمارًا جيدا للإمكانات البشرية والمادية المتاحة. وبتقويم هذا الموقف نجد أن السياسية الحكيمة التي رسمت، والإجراءات السليمة التي نفذت، والاختيار الموفق للعناصر البشري والمادية، قد أدت إلى الوصول إلى الهدف، وهو هجرة الرسول وصاحبه بسلام من مكة إلى المدينة في أمان. أما الغزوات فكانت تعتمد على سياسات: السرية والشورى واختيار المكان المناسب، وإعداد المجاهدين معنويا وماديا، واستطلاع قوة المشركين، وغير ذلك مما يحقق هذا الانتصار لدين الله. وكان من بين الإجراءات اختيار القادة، وتوزيع المجاهدين على المواقع، وتنظيم طرق إخلاء الجرحى، وغير ذلك مما يساعد على تحقق الهدف.

وكان من بين أساليب توفير الإمكانات إعداد الخيول، وتجهيز الأسلحة من سيوف ودروع وحراب وخلافه, وتوفير التغذية، وتحضير الأدوية لعلاج الجرحى وإخلاء الموتى من أرض المعركة، وغير ذلك مما يسهم في تحقيق الانتصار على المشركين. ومجالات التخطيط كثيرة، منها: التخطيط للتنمية الاقتصادية، والتخطيط للتنمية الاجتماعية، والتخطيط للتنمية الثقافية، والتخطيط للتنمية السياحية، والتخطيط التربوي، وغير ذلمك من المجالات. ولكن سوف تقتصر معالجتنا للتخطيط في هذا الباب على تخطيط المناهج ومجالاته المتعلقة بها، وذلك على النحو التالي: الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية. الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية.

الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية

الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية مقدمة الفصل الأول ... مقدمة الفصل الأول: يمكن التعبير عن النموذج العام لعناصر عملية التخطيط في الشكل التالي: الشكل رقم 1 أهم عناصر عملية التخطيط وكما هو موضح بالشكل رقم 1 فإن من أهم عناصر الخطة ما يلي: - تحديد الأهداف التي يرجى تحقيقها. - وضع السياسات والنظم والإجراءات التي سوف توجه الأعمال بالخطة، وتحديد المراحل والعلاقات بين العناصر المشتركة في عملية التخطيط. - حصر الإمكانات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف سواء كانت هذه الإمكانات مادية أو بشرية، وإعدادها للتنفيذ. - تحديد الخطوات الإجرائية للتنفيذ والمتابعة والتقويم وإعداد ما يتعلق بها. ويتضح -أيضًا- من الشكل أن عناصر الخطة ليست منفصلة، ولكنها تشكل نظامًا عناصره متكاملة ومتفاعلة فيما بينها، ويؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به. والآن ننتقل إلى تحديد مفهوم التخطيط -عمومًا- وأهميته ثم نحدد مفهوم تخطيط المنهج الدراسي وذلك، على النحو التالي: أولًا: مفهوم التخطيط على وجه العموم. ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين. ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي.

أولا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم

أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم تعني كلمة "التخطيط" لغة "التسطير" أو "التهذيب". نقول: خططت عليه ذنوبه أي: سطرت عليه ذنوبه. و"خط القلم" تعني "كتب القلم" و"خط الشيء" تعني "كتبه بقلم أو غيره". و"الخط" يعني "الطريق" ويقال: الزم ذلك الخط ولا تظلم عنه شيئًا. مما سبق، يمكن أن نستنتج أن "عملية التخطيط تعني تحرير وتهذيب طريق العمل" "11، 1198"*. هذا المعنى اللغوي يعبر باختصار وعمومية عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط إذ يمكن التعبير عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط بأنه: إعداد خبرات وسياسات ونظم وأدوات وإجراءات محددة لتحقيق أهداف معينة بأفضل ما يمكن، أو أنه مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ لإنفاذ هدف معين "3، 18" أو أنه هندسة التنفيذ لبلوغ هدف محدد.

_ * يعبر العدد الأول من هذا الزوج المرتب عن رقم المصدر في قائمة مصادر هذا الفصل، أما العدد الثاني فيعبر عن رقم الصفحة في المصدر نفسه.

ثانيا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين

ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين أ- مفهوم التخطيط للتدريس: لا يخرج مفهوم التخطيط للتدريس عن مفهوم التخطيط بوجه عام، إلا أنه يتعلق بالنشاط التدريسي سواء من جانب المعلم أو غيره من الأطراف المعنية بعملية التدريس، مثل الموجه ومدير المدرسة وغيرها. ويمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "مقترحات لبلوغ أهداف تربويه مرغوب فيها"، وأن الخطة هي: "إطار للموقف التدريسي التعليمي" أي: إنها عملية تدريس مقترحة، تشمل الهدف المراد تحقيقه والأشياء المقترح فعلها لتحقيقه، ومتطلبات اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. "12، 197". ويرى المؤلف أنه يمكن النظر إلى "التخطيط للتدريس" بأنه:

وصف إجرائي لأفضل الفعاليات والوسائل والأدوات والمواد والأنشطة التي سوف تستخدم لتحقيق أهداف تدريسية وكيفية توظيفها وإعدادها. كما يمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "إعداد مرشد لتنفيذ أمر تعليمي" أو "تحديد مقترحات لتحقيق هدف تعليمي". ومن ثم فإن التخطيط يعطي فرصة للتفكير في أفضل الطرق والأساليب التي يمكن توظيفها لمساعدة التلاميذ في تحقيق أهداف محددة، مستثمرا في ذلك مختلف الإمكانات المتاحة. وهذا لا يعني أننا نستبعد أي تغيير فوري يرى إجراؤه أثناء التدريس. فمع قناعتنا بالأهمية البالغة للتخطيط للتدريس، فإننا ندرك أن مواقف التدريس ليست من البساطة واليسر بحيث لا يستطيع المعني بها -مهما أوتي من علم وخبرة- أن يستقرئ جميع أحداثها التي سوف تقع أثناء التنفيذ. لذلك فإن القدرة على تكييف التدريس لاستيعاب المتغيرات التي قد تظهر أثناء تطبيق الخطة، من أهم المهارات التخطيطية التي ينبغي أن يكتسبها القائمون على تنفيذ عملية التدريس، ومنهم المعلم. ولكن المهارة في مواجهة المتغيرات آنفة الذكر تذكيها الدربة على التخطيط للتدريس. فالتخطيط يساعد على اكتساب المرونة اللازمة للتفاعل مع هذه المتغيرات, والإحساس بموقعها النسبي في الموقف التدريسي، والاستثمار الأمثل لوجودها. ومن أجل هذه المتغيرات ينبغي أن تتسم خطط التدريس بالمرونة. وتتفق معاني "التخطيط للتدريس" -السابق ذكرها- في أنه ينبغي تحديد ما يلي: 1- أهداف معينة لكل موقف تدريسي. 2- الإمكانات البشرية والمادية والمعرفية التي سوف يتم توظيفها لتحقيق هذه الأهداف مثل خصائص التلاميذ، ومتطلبات الأنشطة التعليمية، وتقنيات التربية ووسائلها، والمعرفة ومصادرها. 3- الطرائق التي سوف تتبع في عملية التدريس. 4- الأساليب التي سوف تستخدم في تقويم مخرجات الخطة بناء على أهدافها. 5- الوقت الذي يمكن أن تستغرقه مختلف الأنشطة التدريسية. ب- أهمية دراسة التخطيط بالنسبة للمعلمين: ترجع أهمية "دراسة التخطيط للتدريس"، بالنسبة للمعلمين في مرحلة إعدادهم وأثناء ممارستهم للمهنة إلى عوامل كثيرة، أهمها:

1- يساعد التخطيط المعلمين في مرحلتي الإعداد والممارسة على الوعي بالأهداف التربوية المراد تحقيقها، وعلى اكتساب المهارة في اشتقاق أهداف أخرى وتحليلها تحليلا إجرائيا. ورسم الصورة السلوكية المطلوبة لتحقيق كل هدف. كما يساعدهم على اكتساب المهارة في صياغة الأهداف بلغة دقيقة تجيد تحديد هذه الصورة. 2- يساعد التخطيط المعلم عل الإلمام بمكونات الموقف التعليمي، والعوامل المؤثرة فيه، ورسم خطة لتوظيف كل منها التوظيف الأمثل، والتنسيق بينها للوصول إلى التناغم المطلوب وإلى ترشيد الجهد المبذول، وتحقيق الكفاءة في الأداء. 3- يساعد التخطيط المعلم على اكتساب المهارة في وضع النظم والسياسات, وتحديد الإجراءات التي سوف تتبع في تنفيذ الموقف التعليمي، بما يحقق أهدافه الخاصة، إضافة إلى تحقيق الأهداف التربوية العامة. كما يساعد على إحداث التناسق بين جوانب العملية التعليمية والتناغم بين عناصرها. 4- يمكن التخطيط المعلم من اختيار الخبرات المناسبة وإعدادها، واستحضار الإمكانات المادية اللازمة وتجهيزها للتنفيذ. وذلك بناء على حاجات الموقف التعليمي ومتطلبات تحقيق أهدافه بكفاية. والتدريب على استخدام الأجهزة والأدوات التي سوف تستخدم في عملية التنفيذ. 5- تساعد عملية التخطيط المعلم على رسم سياسة التقويم والمتابعة، وإعداد المواقف والأدوات اللازمة لها، والتدرب على تطبيقها واستخراج النتائج منها، ومن ثم إعداد أساليب وطرائق التدريس الوقائي، والعلاجي التي تتبين الحاجة إليها. 6- قد يصعب على كل من طالب التربية الميدانية أو المعلم الجديد تذكر بعض المعلومات التي يرغب تقديمها للتلاميذ, أو الطرق التي هيأ نفسه لاستخدامها أو غير ذلك من عناصر خطة الدرس. في هذا الحال يستطيع الاستعانة بالخطة التي أعدها في استعادة ما نسيه إلى الذاكرة. كما يلاحظ أن كثيرًا من الطلاب، يرتبكون في الدروس الأولى من التربية الميدانية نتيجة لجدة الموقف والتوتر الذي يعتريهم. وقد يحدث هذا نتيجة لمشكلة سلوكية بسيطة يحدثها أحد تلاميذ الفصل، وقد ينسى الطالب المتدرب أو المعلم الجديد ترتيب بعض المعلومات أو إجابة سؤال أحد

التلاميذ؛ لأنه لم يأت في موضعه المناسب من سير الدرس. في مثل هذه الحالات تكون خطة الدرس هي صمام الأمان. 7- التوازن المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس وفي تغطية جوانبه، لا يمكن أن يتحقق دون تخطيط مسبق، وخاصة بالنسبة للطالب المتدرب والمعلم الجديد. ففي درس عن الزكاة. قد يحتاج توضيح معنى الزكاة والحكمة منها, وأثرها في التكافل الاجتماعي بين المسلمين وقتا أطول من الوقت المطلوب عن ذكر أحكامها، ومع ذلك فإن الخطأ الشائع بين المعلمين هو المرور العابر على الجزء الأول لحساب الجزء الثاني. هذا التوازن والتكافؤ المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس، أساسه التخطيط الجيد لتدريس الدرس، وبالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن أن يؤتي التدريس ثماره ما لم يتهيأ التلاميذ للاشتراك فيه، وما لم يستقطبوا بطريقة العرض، وما لم يندمجوا في أنشطته، وما لم يوزع المعلم الوقت توزيعًا متوازنًا بين مختلف النشاطات التدريسة. مثل المقدمة والعرض والتقويم. وكل هذا لا يتحقق بدون إعداد خطة جيدة لتدريس الدرس. 8- التخطيط للتدريس يساعد المعلم على اكتساب المهارات التدريسية المختلفة، فمواقف التدريس داخل حجرة الدراسة تحتاج من المعلم إلى قدرات خاصة ومهارات متعددة. فضبط النظام داخل الفصل، والاحتفاظ بانتباه كل تلميذ، ومنحه فرصة لتحقيق ذاته بغض النظر عن مستوى تحصيله، وتنمية قدرات التلاميذ وميولهم، وجعلهم يقدرون المعلم ويحبون المادة التي يقوم بتدريسها، والمهارة في عرض الوسيلة التعليمية، واختيار الوقت المناسب لاستخدامها أثناء سير الدرس، جميع هذه المهارات التدريسية وغيرها كثير مما ينبغي أن يكتسبه المعلم، يساعد "التخطيط للتدريس" المعلم على اكتسابها. 9- الثقة في النفس من أهم معطيات "التخطيط للتدريس"، هي -أيضًا- من أهم عوامل نجاح المعلم، وخاصة المعلم الجديد، فضلًا عن الطالب المتدرب. فكل من الطالب المتدرب والمعلم الجديد قد يقدم رجلًا ويؤخر أخرى وهو يتجه إلى تدريس الدروس الأولى في برامج التربية الميدانية بالنسبة للطالب، وفي بداية حياته المهنية بالنسبة للمعلم. وكذلك الأمر بالنسبة للمعلم ذي الخبرة الطويلة بالتدريس حين يدرس مقررًا جديدا لم

يسبق له تدريسه، ولكن بدرجة أقل نسبيا. لذلك، فإن كلا من هؤلاء قد يواجه الفشل في درسه مع أول مشكلة تواجهه أثناء الدرس. وكثير منا يذكر من بين معلميه من فقد صوابه لمشكلة تافهة أحدثها أحد التلاميذ، أو من أصبح غير قادر على متابعة تدريس الدرس، أو من استقطبه تلميذ في مناقشة طويلة ربما بعيدة عن موضوع الدرس. كل هذا وغيره كثير يمكن أن يحدث ما لم يكن المعلم قد خطط للتدريس تخطيطًا جيدًا. فالتخطيط للتدريس يبعث في المعلم الثقة في معلوماته وفي قدرته على تقديمها، ويساعده على اكتساب المهارات اللازمة لتوجيه النشاط في الدرس نحو تحقيق أهدافه، ويكون لديه الوعي الكافي بالأهداف السلوكية التي ينبغي أن يحققها تلاميذه، ومن ثم يلتزم بها في تدريسه. باختصار، فإن "التخطيط للتدريس" يجعل المعلم مدركًا -قبل دخوله للتدريس- لما يهدف إليه من تغير يود إحداثه في تلاميذه، ولما يمكن عمله في الفصل لإحداثه. وبعد التدريس يمكن "التخطيط للتدريس" المعلم من التقويم الذاتي فيما استطاع تحقيقه وما لم يستطع، وهذا هو سنام عملية التدريس ومصدر ثقة المعلم في نفسه. 10- يدفع التخطيط كلا من المعلم وغيره ممن يعدون أنفسهم للإسهام في عملية التدريس إلى إثراء حصيلتهم في مادة تخصصهم. فعند التخطيط للتدريس لا بد من أن يطلع من يقوم بالتخطيط على مصادر متعددة مستوياتها، متنوعة طرائق العرض فيها، مختلفة اهتمامات مؤلفيها، كأن يكون بينها ما يعنى بالتطبيقات في الحياة اليومية، وما يعنى بالمفاهيم، وما هو في مستوى الطالب، وما هو في مستوى المعلم، وما يركز على حاجات الطالب، وما يركز على المادة الدراسية وما فيها من تطورات معاصرة، وما يعنى بالتطبيقات في المواد الدراسية الأخرى، وما يركز على تقنية التعليم، وما يركز على النشاطات التربوية, وما يركز على تقويم التحصيل, وغير ذلك مما يدعم حصيلة المعلم ويثريها. ولا تزال هناك أسباب كثيرة -لا يتسع المجال لذكرها هنا- تدعو المعلم للاهتمام بالتخطيط للتدريس. فالتخطيط الجيد منصة انطلاق لأداء جيد.

ثالثا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي

ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي يكتسب المنهج الدراسي أهمية كبيرة في العملية التعليمية، فهو الوعاء الخبري الذي ينهل منه المتعلمون، وهو مجال نشاط المعلمين الذي به يتواصلون مع طلابهم، وهو الميدان الذي يجمع في ساحته كلا من المتعلمين والمعلمين والمديرين والموجهين ومختلف العاملين في المدرسة. فهؤلاء جميعًا تتكامل جهودهم في تطبيق المنهج الدراسي, وتقويمه ومتابعته وتطويره لكي يظل مواكبًا لتحقيق الأهداف المرجوة في عالم سريع التغير، وهو الإطار الذي يجمع المدرسة والمجتمع. ومع معدلات التغير المتسارعة في مختلف جوانب الحياة، ومع الخبرات الجديدة المتدفقة من مراكز البحث العلمي، ومع التقدم التقني الذي يلف أعناق عالمنا، ومع السباق المحموم بين الأمم في استثمار طاقاتها البشرية والمادية، ومع ارتفاع الطلب على الأدمفة المفكرة المبدعة المنتجة للمعرفة المنتجية للمعرفة المكتشفة للجديد، السباقة في اسشراف المستقبل، تصبح هموم المناهج الدراسية ثقالًا، وقد أصبح عليها أن تواكب هذا كله وصولا إلى تكوين الفرد المعاصر. ويصبح الكثير من التساؤلات التي تدور في أذهان مخططي المناهج صبعة الإجابة، فماذا يأخذون من مجالات الخبرات وماذا يدعون؟ وبماذا يبدءون وبماذا ينتهون؟ وماذا يتخيرون من الخبرات وماذا يتركون؟ بل، كيف يخططون المناهج؟ هل يخططونها بناء على معطيات الماضي أم بناء على معطيات الحاضر؟ ومع هذا التسارع في التغير، أليس المستقبل أساسا من أسس هذا التخطيط؟ وما الحدود الفاصلة بين اعتبارات كل من الماضي والحاضر والمستقبل في عملية تخطيط المناهج؟ وما أسس هذا التخطيط؟ وما مصادر خبرات المناهج في هذا الخضم الهائل؟ وما مفهوم المنهج الذي على أساسه تتم عملية تخطيطه؟ وما مكوناته؟ كثيرة هي الأسئلة التي تتوارد على الخاطر -اليوم- عند التفكير في تخطيط المناهج. وكثيرة هي العوامل التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند تنفيذها. ولكننا سوف نتناول هنا باختصار مفهوم تخطيط المنهج الدراسي تاركين للفصول التالية الإجالة على بقية الأسئلة. ولكي نتناول مفهوم تخطيط المنهج لا بد من أن نحدد سمتين من سمات المنهج الدراسي، هما منطلق تخطيطه: الأولى هي مفهوم المنهج الدراسي، والثانية هي المكونات أو العناصر التي يتكون منها هذا المنهج. فكل من المفهوم والمكونات يؤثر تأثيرًا جوهريا على تخطيطه. فإذا تصورنا أن المنهج يعني فقط المعلومات التي سوف يتعلمها التلميذ فإن تخطيطه سوف يهتم

بهذه المعلومات فقط, وبطبيعة الحال، فإن الأمر سوف يختلف إذا ما كان المنهج يعني غير ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لمكونات المنهج أو عناصره، فإذا تصورنا أن المنهج يتكون من عنصر واحد. فإن جهد مخططي المناهج سوف ينصرف إلى تكوين هذا العنصر، وإذا كان المنهج يتكون من عنصرين أو ثلاثة. فإن المخطط سوف يعمل على تكوين هذه العناصر جميعًا. بناء عليه، فإننا سوف نتناول ما يلي في بقية هذا الفصل: أ- مفهوم المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية. ب- مكونات المنهج الدراسي، على وجه العموم. جـ- مفهوم تخطيط المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية. أ- مفهوم المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية: إن من يطلع على الكتابات في المناهج يجد مفهوم المنهج الدراسي -على وجه العموم- يتأرجح بين معنيين: الأول: يشار إليه بالمعنى الضيق أو التقليدي أو القديم.. إلى غير ذلك من الصفات التي تأتي ألفاظها بالمعنى ذاته، والثاني يشار إليه بالمعنى الواسع أو التقدمي أو الحديث إلى غير ذلك من الصفات التي تأتي أيضًا بالمعنى ذاته. ويذكر الكاتبون مع ما قد يكون من اختلاف في الألفاظ دون اختلاف في المعنى أن المنهج الدراسي بالمعنى الضيق، يعني: المواد الدراسية أو المقررات أو المعلومات التي تقدمها المدرسة لطلابها بقصد استيعابها وصولا إلى تحقيق أهدافها. كما يذكرون -مع ما قد يكون من اختلاف في الألفاظ دون اختلاف كبير في المعنى- أن المنهج الدراسي بالمعنى الواسع أو الحديث يعني: جميع الخبرات التي تعدها المدرسة ليكتسبها الطلاب تحت إشرافها وصولًا إلى تحقيق أهدافها. وحيث إن مفهوم المنهج الدراسي يعتمد على مفهوم الخبرة، فإن المؤلف سوف يوضح -أولًا- مفهوم الخبرة ومصادرها قبل تحديد مفهوم المنهج الدراسي.

1- مفهوم الخبرة وفق التربية الإسلامية: إن للخبرة التربوية -على وجه العموم- معاني متعددة عند الكاتبين في المناهج، ولكن هناك اتفاقًا بينهم بأن الخبرة نتيجة الاحتكاك بعناصر البيئة التي تحيط بالتلميذ. ويتفق المؤلف مع هذا الرأي في أن الخبرة نتيجة لتفاعل المتعلم مع عناصر بيئته، مع التأكيد على أن هذا العناصر لا تكون مادية فقط، بل تشمل عناصر مادية وأخرى معنوية، ومنها ما هو متغير ومنها ما هو ثابت. ونضرب مثلًا للعناصر الثابتة بالعقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية والغيبيات. ويرى المؤلف أن جميع مصادر الخبرة التربوية في التربية الإسلامية ترجع إلى الدين الإسلامي كما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتكون الخبرة نتيجة التفاعل مع عناصر البيئة, وفق منهج الله, وتشمل هذه العناصر الخبرات الخاصة بجميع المنقول عن الله, ومنه الغيبيات مثل الحياة الآخرة والقدر والجنة وحساب القبر ويوم القيامة، كما تشمل جميع المكتسب في الحياة من علم وتقنية وغير ذلك. ويرى المؤلف أن موقف اكتساب الخبرة قد يكون موقفًا يحتوي على فكرة أو معلومة أو أداء، وقد يتعلق بالمنزل من عند الله الحكيم العليم، أو بما يوفق الله الإنسان لكشفه أو صنعه، وقد يتعلق بالحياة الدنيا، وقد يتعلق بالحياة الآخرة، وقد يتعلق بما هو معلوم للإنسان أو ما هو مغيب عنه من علم الله. كما يرى أن أثر الخبرة لا يقف عند الحياة الدنيا فقط كما هو مقصود في كتابات معظم من كتبوا عن الخبرة، ولكنه يمتد إلى الحياة الآخرة. فمثلًا، توظيف العلم الذي حصله الإنسان في الدنيا لخدمة الأمة والإنسانية أودعوة الولد الصالح، لهما أثرهما على الأنسان بعد مماته. مما سبق نستطيع أن نعبر عن الخبرة التي نعدها أساسًا للمنهج وفق التربية الإسلامية بأنها: موقف يتفاعل فيه المتعلم تفاعلًا إيجابيا وفق منهج الله مع عناصر بيئته سواء المنزلة من عند الله أو المكتسبة من الحياة "6، 37". ونلاحظ في تحديد الخبرة بهذا المعنى ما يأتي: أولا: 1- أنها موقف يكون المتعلم فيه نشيطًا إيجابيا في تفاعله مع عناصر بيئته. 2- أن من بين عناصر البيئة كتاب الله المسطور الذي أنزله الله تبارك وتعالى على رسوله، وخلق الله المنظور وهو الكون بما فيه من

مخلوقات وما يشمل من إبداع الإنسان. وهي بذلك تشكل كلا من المنزل من عند الله والمكتسب بواسطة البشر في حياتهم. 3- أن كل تفاعل بين عناصر البيئة والمتعلم ينبغي أن يكون وفق منهج الله، وهذا ضمان لتوجيه الخبرة نحو تحقيق الخير للإنسان في كل مكان وفي كل زمان. 4- أن توجيه الخبرة وفق منهج الله يجعل المنهج يشمل خبرات الحياتين الدنيا والآخرة، كما يحقق نظرة الإسلام للإنسان والكون والحياة. ثانيا: مفهوم المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية بناء على المعني الذي ذكرناه -هنا- للخبرة نستطيع أن نحدد معنى المنهج الدراسي بأنه: نظام من الخبرات التي تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلمين -منها ما يتعلق بالمنزل من عند الله, وأخرى تتعلق بالمكتسب بواسطة البشر- لتساعدهم على اكتسابها تحت إشرافها. وذلك بهدف تحقيق نموهم نموا شاملًا ومتوازنًا، وتمكنهم من السلوك قولا وعملا وفق تعاليم الدين الحنيف. "6، 39". المنهج الدراسي بهذا المعنى ينبغي أن ينطبق على جميع المؤسسات في المجتمع المسلم؛ لأن جميع المؤسسات في هذا المجتمع مسئولة عن التربية الإسلامية، فالمسجد ومؤسسات الإعلام والنوادي الثقافية والاجتماعية والرياضية ومؤسسات الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات، جميعًا تتحمل مسئولية تربية منسوبيها تربية إسلامية عن طريق التزامهم بالسلوك الإسلامي، وتخطيط برامجها وتنفيذها والإشراف عليها وتقويمها بمقتضى مدى إسهامها في تحقيق التربية الإسلامية في سلوك منسوبيها وفي غيرهم. وبذلك فإن المسئولين في كل مؤسسة مكلفون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاستقامة على منهج الله بحيث يكونون قدوة في السلوك الإسلامي. وبناء على هذا، فإن "التربية غير المقصودة" لا وجود لها في المجتمع المسلم؛ لأن أساس وجودها هو الفصل بين المدرسة ومؤسسات المجتمع الأخرى من حيث الوفاء بمهمة التربية. بمعنى أن التربية الدينية تكون تربية غير مقصودة؛ لأن دور العبادة هي التي تقوم بها وليس المدرسة. بناء على هذا، هل يعتبر المسجد في الإسلام من عوامل التربية غير المقصودة؟ الكاتب يرى أن هذا يخالف جوهر الإسلام. ويرى أن جميع مؤسسات المجتمع المسلم هي مؤسسات للتربية الإسلامية المقصودة، وعليها دور تربوي ينبغي أن تضطلع به بأسلوب علمي.

وحين نطبق التعريف السابق للمنهج على المدرسة، نجد: 1- أن مصادره تشتمل على جميع القيم والحقائق الثابتة المنزلة من عند الله -تبارك وتعالى- كما تشتمل على جميع الخبرات التي يكتسبها الإنسان من خلال كدحه في عمارة الأرض. 2- أنه لا يتعلق بطلاب المدرسة وحدهم، وإنما يمتد إلى جميع منسوبي المدرسة من إدارة ومدرسين وموظفين وعمال. وهذا الشمول نابع من طبيعة الإسلام الذي ينظر إلى المجتمع من حيث كونه وحدة متكاملة، ويجعل التربية الإسلامية، ضرورة حيوية دائمة, ومستمرة لكل فرد في هذا المجتمع؛ ولذلك فإن المنهج الدراسي ينبغي أن يراعي متطلبات هذه التربية بالنسبة لجميع أعضاء المجتمع المدرسي وليس بالنسبة للطلاب فقط. كما أن كفاءة تعاون أعضاء المجتمع المدرسي على تنفيذ المنهج الدراسي، تتطلب أن يعنى هذا المنهج بكل عضو منهم، وليس بالطلاب دون غيرهم. ولكي يمكن تحقيق شمول التربية الإسلامية، وتحقيق كفاءة التعاون بين أعضاء المجتمع المدرسي، نرى أن تشمل خبرات المنهج الدراسي ما يلي: - خبرات خاصة بتكوين الطلاب وفق الأهداف المرجوة. - خبرات خاصة بكل من المعلمين ومنسوبي المدرسة الآخرين، تفي بحاجة كل منهم للمشاركة الإيجابية في تنفيذ المنهج وتقويم أثره. فما نلاحظه الآن في كثير من الأحيان، أن تخطيط المناهج الدراسية للطلاب وحدهم, ثم تسلم إلى منسوبي المدرسة لتنفيذها دون إعدادهم لذلك الإعداد المناسب، حدث هذا عند تطبيق مناهج الرياضيات الحديثة في بعض البلدان العربية، وخاصة ما تعلق منها بالمرحلتين المتوسطة والابتدائية. فمن المعروف أن مناهج الرياضيات الحديثة بدأ تطبيقها في المرحلة الثانوية في العالم العربي، وقد حاولت حركة تدريب المعلم مواكبة التوسع في تطبيق المناهج الجديدة. ومع هذا جأر كثير من أولياء أمور الطلاب بالشكوى من عدم تمكن المعلم من المنهج الجديد. وكانت الشكوى أشد بالنسبة للمرحلتين المتوسطة والابتدائية. ففي المرحلة الابتدائية تصور القائمون على تطبيق مناهج الرياضيات أن محتواها ومستواها من البساطة بحيث لا يتطلب تدريب هذا العدد الكبير من معلمي هذه المرحلة. فكانت النتيجة سيئة للغاية.

وغني عن القول: إن إغفال تمكن المعلم من الخبرات الجديدة المعنية بالمناهج التي يقوم بتعليمها، ومن طرائق تعليمها وتقنية معالجتها وتقويم مخرجاتها، يؤدي إلى تعويق إسهام هذه المناهج في تحقيق الأهداف المرجوة منها. ويقع على إدارة المدرسة مسئوليات كبيرة في تطبيق المناهج الدراسية، ومن منطلق الوعي بهذه المسئوليات واكتساب المهارات اللازمة لتحملها، نرى أن على المنهج أن يحوي خبرات تعد الإدارة المدرسية للاضطلاع بمهماتها في تطبيق المنهج بتفهم وتبصر ووعي. فناظر المدرسة أو مديرها مشرف مقيم على تنفيذ جميع المناهج في المدرسة. ومن حقه أن يتفهم أهداف ما يجري على هذه المناهج من تعديل، وما يدخل فيها من تحديد، وما يتطلبه هذا من مواد أو أدوات أو أجهزة أو نشاط أو تعديل في الجداول الدراسية أو زيارات ميدانية أو مطبوعات أو غير ذلك، بحيث يكون مشاركًا وليس متفرجًا. ونرى أن من حق كل عضو في المجتمع المدرسي، أن يقدم له المنهج الدراسي الخبرات التي تعده لمهماته في تنفيذ المناهج إعدادًا جيدًا. بهذا التكامل الذي يحدثه المنهج الدراسي في المجتمع المدرسي تقل المشكلات الكثيرة التي يعاني منها تطوير المناهج الدراسية في الوقت الحاضر، وتخف حدة الهدر التربوي في العملية التعليمية, إضافة إلى توحيد توجه منسوبي المدرسة نحو تحقيق أهدافها، والعمل على ترشيد مسيرتها. 3- إن التربية الإسلامية تؤكد على العمل بمقتضى المعرفة، وبناء عليه فإن التطبيق هو الهدف من الخبرات المكتسبة في المنهج، فإذا شمل تطبيق التربية الإسلامية -بمفهوما المتكامل السابق ذكره- جميع أعضاء المجتمع المدرسي. عمل جميع أعضاء هذا المجتمع بمقتضاها في تناسق وتكامل، وساعد هذا على توافر القدوة فيه، وهي من أهم ركائز التربية في المجتمع المسلم. يضاف إلى هذا، أن تطبيق التربية الإسلامية في المجتمع المدرسي يسهم في تأهيل عناصر هذا المجتمع لأداء المطلوب منهم في تخطيط المنهج الدراسي, والإشراف على تنفيذه وتقويمه، ويفتح آفاق التعاون بين هذه العناصر على اختلاف تخصصاتهم ومواقعهم على تطبيق التربية الإسلامية في المجتمع خارج المدرسة، فتصبح الحياة داخل

المدرسة وما تقوم به خارجها. أنموذجًا للحياة في المجتمع المسلم وفق متطلبات التربية الإسلامية. 4- أن المنهج الدراسي يهدف إلى تنمية منسوبي المدرسة تنمية شاملة لجميع جوانب النمو الاعتقادية والجسمية والعقلية والوجدانية والاجتماعية، وإلى أن يسلك المتعلم في حياته العملية سواء في القول أو في العمل وفق منهج الله. وفي هذا توحد في التوجه في المجتمع المدرسي, وحرص على التناسق بين فئاته وأعضائه، وتعميق التزام الجميع بتعاليم الإسلام. 5- أن هذا المنهج يعد بواسطة خبراء في شئون تربية وتعليم منسوبي المدرسة، وفي الوقوف على متطلبات التربية الإسلامية بالنسبة لهم، وفي تنظيم هذه المتطلبات، وفي أساليب تقديمها لمختلف فئات المجتمع المدرسي، وفي تقويم مخرجات المنهج على وجه العموم، وتطويره وتخطيطه على وجه الخصوص، وحيث إن أعضاء المجتمع المدرسي يسهمون مع هؤلاء الخبراء في هذا كله بدرجات متفاوته، إضافة إلى اضطلاعهم بتنفيذ المنهج، تصبح عناية المنهج بهم ضرورة لحسن مسيرته. 6- أن ربط خبرات المنهج بالتربية الإسلامية يجعل الدين الإسلامي أساسًا لاختيار الخبرات وتنظيمها وتقديمها وتقويم مخرجاتها، ويحقق التكامل بين جميع جوانب الخبرة: ما يتعلق منها بالمنقول وما يتعلق بالمعقول، وما يتعلق بالمشهود وما يتعلق بالمغيب، وما يتعلق بالمستحدث من العلوم والتقنية. كل هذا في إطار منهج دراسي يأتي مردوده في سلوك جميع عناصر المجتمع المدرسي، كما يحقق انسجام جوانب المعرفة مع جوانب الشعور والاعتقاد الدافعة على السلوك. 7- أن اكتساب خبرات المنهج الدراسي ينبغي أن يتم تحت إشراف المؤسسة التربوية، وذلك لكي يتوافر الإرشاد الخبير والتوجيه الكفء, اللذان يساعدان على تحقيق أهداف المنهج. 8- أن أثر تطبيق المنهج يمتد إلى الحياة الآخرة، ولا يقتصر على الحياة الدنيا فقط، ويحقق هذا أنه يهدف إلى تحقيق سلوك المتعلم قولًا وعملًا وفق تعاليم الإسلام، وهي شاملة للحياتين معا. اختصارًا للقول، فإن خبرات المنهج ينبغي أن تفي بحاجات كل من يشترك في عمليات المنهج، وهذا يقضي على تفتيت العملية التعليمية المتعلقة بالمنهج

الدراسي إلى خبرات توجه للتلميذ تسمى "منهج"، وخبرات أخرى توجه المعلم والإدارة وغير هؤلاء من منسوبي المدرسة يطلق عليها "برامج تدريبية" مرتبطة بهذا المنهج. ب- مكونات المنهج الدراسي، على وجه العموم: يوجد خلاف حول مكونات المنهج الدراسي بين الكاتبين في المناهج، فهناك من يجعلها الأهداف والمحتوى وطريق التدريس والوسائل التعليمية والأنشطة والتقويم "6، 48-95 "، وهناك من يضيف دليل المعلم "3، 157-246"، وهناك من يجعلها المقررات الدراسية والمراجع والكتب، والوسائل التعليمية والنشاطات وطريقة التدريس والامتحانات وأساليب التقويم إضافة إلى المرافق والأبنية والمعدات. "5، 16-19". ونحن نرى أن لا ينبغي الخلط بين المكونات العضوية للمنهج الدراسي، وما يؤثر عليه، فمكونات المنهج ينبغي أن تنسجم تماما مع مفهومه من حيث إنه "مجموعة من الخبرات"؛ لذلك لا نتصور أن تكون المرافق والأبنية والمعدات من بين مكونات المنهج -مع وعينا بأثرها البالغ عليه- لأنها ليست خبرات. ولكي نبدأ التعرف على المكون أو العنصر الأول من مكونات المنهج الدراسي، سوف نحاول إبراز الحاجة إليه من حياتنا اليومية، ففي حياتنا اليومية ما من أحد مكلف يهم بعمل شيء ما لم يكن لديه تصور -ولو مبدئيا- عن الهدف منه. إذ بدون تحديد الهدف، لن تسير الأمور سيرًا حسنا. بل سوف تتخبط دون دليل يرشدها إلى طريق الصواب. فالأهداف منارات يدور حولها العمل والاجتهاد والبذل. فإذا سألت زارعًا أو تاجرًا أو مدرسًا أو طبيبًا أو غيرهم: لماذا فعلت هذا؟ يجيبك: لأني أريد أن أحقق كذا وكذا, ويذكر الأهداف التي يتوخاها من عمله. وكذلك الأمر بالنسبة لمخططي المناهج الدراسية. حين تسألهم لماذا تخططون منهجًا ما؟ سوف يجيبونك: لنحقق أهدافًا نقصدها. فلا بد لكل منهج من أهداف يعمل على تحقيقها. فالأهداف التي يعمل المنهج الدراسي على تحقيقها هي الجانب أو العنصر الأول من مكونات هذا المنهج الدراسي. بعد ذلك يأتي البحث في كيفية تحقيق هذه الأهداف في سلوك الدارسين. فكما ذكرنا في تحديدنا لمفهوم المنهج الدراسي. فإن التربية التي تتغياها التربية الإسلامية، هي ما يتحقق في السلوك. بمعنى أن تهدف المناهج الدراسية إلى أن يسلك الفرد قولا وعملًا وفق منهج الله تبارك وتعالى. وتتفق التربيات الأخرى مع الإسلام في ذلك، ولكن السلوك المرتجى يكون وفق أهداف مجتمعاتهم فقط.

والبحث في متطلبات تحقيق أهداف المنهج الدراسي يقود بالضرورة إلى جوانب أخرى من المنهج، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولنضرب لذلك مثلًا نوضح به المقصود. إذا فرضنا أن هدف المنهج هو: معرفة وظيفة الجهاز التنفسي في جسم الإنسان، يصبح من الضروري أن يقدم المنهج الدراسي معلومات عن كل من: أعضاء الجهاز التنفسي, وعلاقة الجهاز التنفسي بغيره من أجهزة الجسم, وأساليب وقاية الجهاز التنفسي من الأمراض ... وغير ذلك من المعلومات اللازمة لتحقيق هذا الهدف. هذه المعلومات ومثيلاتها مما يحتاجه المنهج الدراسي لتحقيق أهدافه هو المحتوى "محتوى المنهج الدراسي". ولذلك فإن محتوى المنهج الدراسي "هو المكون أو العنصر الثاني من مكونات المنهج الدراسي". ولما كان الغرض من المنهج هو في النهاية، أن يكتسب الدارس خبراته بمساعدة المعلم وإرشاده، فإنه يصبح من اللازم البحث عن طرائق تساعد المعلم على توجيه المتعلم إلى اكتساب الخبرات التي يتضمنها هذا المنهج. وهذا ينقلنا إلى البحث عن طرائق التعليم التي تقدم هذه الخبرات بالكفاءة المطلوبة إلى المتعلم. وبذلك تكون "طرائق التعليم" هي الجانب الثالث للمنهج الدراسي. ولكي تؤتي هذه الطرائق أكلها على أفضل وجه ممكن، وتحقق الأهداف بالمستوى المتوقع، ينبغي توظيف التقانية التربوية وأدواتها في عملية التعليم والتعلم، فمن وظائفها الأساسية أنها تثري عملية التعليم والتعلم وتجسد المجرد فيها وتصل المنقطع منها، وتجمع أطرافها في تكامل حافز، وتستقطب انتباه المتعلم في الموقف التعليمي، وتتخطى به حواجز الزمان والمكان. فلم يعد استخدام التقانة التربوية وأدواتها -اليوم- ترفا تربويا، بل أصبح جزءًا أساسيا في العملية التعليمية. لذلك تكون "التقانة التربوية" هي الجانب الرابع للمنهج التربوي. ومن الأهمية بمكان أن تترابط هذه الجوانب جميعها في نشاط يكون فيه المتعلم حجر الزاوية، وتزال فيه الحواجز بين مختلف مقررات الدراسة وتخصصاتها، وتنصهر في بوتقة واحدة فتصير مركبًا تعليميا تربويا متجانسًا، وتخطط فيه مجالات مختلف أنواعها، ومواقف يتعاون أطراف المجتمع المدرسي فيها من حيث كونهم فريقًا يتكاتف في تحقيق أهداف المنهج الدراسي من خلال الإسهام في أوجه النشاط المدرسي. وتفتح من خلاله قنوات الاتصال بين المجتمع المدرسي والمجتمع بعامة, والبيئة المحلية بخاصة. هذا "النشاط المدرسي" هو الجانب الخامس للمنهج الدراسي". هذه الجوانب الخمسة تستهدف إيجاد عملية تربوية ناجحة، وتقصد جعل المنهج أداة كفية في تحقيق الأهداف التربوية بعامة، وتحقيق أهدافه بخاصه، بتعبير آخر فإن المقصود من تطبيق هذه الجوانب الخمسة هي تحقيق الأهداف المنشودة.

ولكن هب أننا طبقنا الجوانب الخمسة السابقة بأفضل طريقة ممكنة -من وجهة نظرنا- فما يدرينا أننا حققنا -فعلًا- الأهداف المرجوة؟ وما السبيل إلى الوقوف على مدى تحقيق هذه الأهداف؟ وكيف نقف على أسباب القوة والضعف فيما طبق من خطوات؟ وعلى أي أساس نشخص المشكلات؟ وعلى أي أساس نخطط للعلاج؟ وعلى أي أساس نخطط للتحسين على وجه العموم؟ مثل هذه الأسئلة توصلنا إلى الجانب السادس للمنهج وهو "تقويم مخرجات المنهج الدراسي" فبهذا التقويم نستطيع الإجابة على جميع الأسئلة السابقة. مما سبق نستنتج أن المنهج الدراسي يتكون من ستة جوانب أو عناصر، هي: أ- الأهداف. ب- المحتوى. جـ- طرائق التعليم. د- التقانة التربوية. هـ- النشاط المدرسي. وتقويم مخرجات المنهج. شكل "2" نظام المنهج الدراسي. وكما يتضح من شكل "2" فإن المنهج الدراسي نظام تتكامل عناصره وتتأثر ببعضها البعض, مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس. ولكن تظل الأهداف هي أساس اختيار بقية المكونات, وأساس تقويم أثرها، فهي نقطة البداية في تخطيط المنهج الدراسي ونقطة النهاية في تقويم مخرجاته، كما أنها المرشد المستمر لتنفيذ المنهج فيما بين البداية والنهاية.

جـ- مفهوم تخطيط المنهج الدراسي وفق التربية الإسلامية: إذا رجعنا إلى ما سبق أن ذكرنا عن كل من مفهوم المنهج الدراسي ومكوناته, وعلمنا أن المناهج الدراسية لها مصادر ينبغي أن تحتل مكانها الصحيح في تخطيط المناهج وأن لتخطيط المناهج أسسا ينبغي أن تراعى في هذا التخطيط، عرفنا أن عملية تخطيط المناهج علمية دقيقة ومعقدة. وقد سبق أن أوضحنا كلا من مفهوم المنهج الدراسي ومكوناته، أما مصادره وأسسه فسوف نتناولها بشيء من التفصيل -إن شاء الله- في فصلين قادمين في هذا الكتاب، ولكن لا بأس من أن نشير هنا -إلى هذه المصادر وتلكم الأسس بغية إيضاح صلتها بمفهوم تخطيط المناهج ولعل شكل "3" يوضح هذه الصلة. شكل "3" علاقة المنهج الدراسي بمصادر خبراته والأسس العامة لاختيارها وتنطيمها. ولمزيد من إيضاح هذه العلاقة يوضح شكل "4" عناصر كل من مصادر خبرات المنهج الدراسي والأسس العامة لاختيار وتنظيم خبراته. ويتضح من هذا الشكل أن خبرات المنهج الدراسي يتم اختيارها من مصادر معينة، وأن هذا الاختيار ليس عفويا ولا بناء على الآراء الشخصية أو الاجتهادات الجماعية، ولكن يتم بناء على أسس بذاتها، لا بد أن يراعيها القائمون على اختيار هذه الخبرات.

شكل "4" مصادر اختيار خبرات المنهج الدراسي والأسس العامة لاختيارها وتنظيمها. ويتضح من شكل "4" الأسس التي ينبغي مراعاتها عند اختيار خبرات المناهج الدراسية لجميع مجالات التخصص، فلا يختلف في هذا الرياضيات عن اللغة العربية ولا يختلف كلاهما عن التاريخ أو الاجتماع أو غير ذلك من مجالات الدراسة. فمناهج جميع المجالات ينبغي أن تسهم في تربية المتعلم في جميع المراحل الدراسية, وجميع مراحل العمر تربية إسلامية، وأن تراعي خصائص العلم في الإسلام، وأن توجه خبراتها توجيها إسلاميا، وأن تستثمر التطور التربوي المعاصر في تخطيطها وتطبيقها وتقويمها وتطويرها، وسوف نفصل الأسس العامة لاختيار خبرات المنهج الدراسي ومصادرها في البابين الثاني والثالث على التوالي. هذه الأسس تسهم في حفظ الهوية المسلمة, والثقافة الإسلامية في المناهج الدراسية, وتحافظ عليها من الانحراف عن هذه الهوية، يضاف إلى هذا أنها تحاول

توجيه المناهج الدراسية إلى الأخذ بكل جديد ومفيد ونافع، بهذا يسهم المنهج في تربية المتعلم تربية إسلامية, ونشر الثقافة الإسلامية بين المتعلمين، كما يسهم في تكوين المجتمع المسلم، ويعلم على الارتقاء بالحياة فيه. ويتضح أيضًا من شكل "4" أن مصادر اختيار خبرات المنهج الدراسي تشمل المتعلم من حيث طبيعته ووظيفته في الحياة, وتكوينه ومرحلة نموه وحاجاته. وقدراته واستعداداته وطموحاته والأساليب المناسبة لتعليمه، كما تشمل المجتمع من حيث مقوماته مثل العقيدة والقيم والعادات والتقاليد الراسخة والمصادر الطبيعية التي تتوافر فيه, ومرحلة التطور التي يمر بها وموقعه من ركب التقدم بين الأمم، وحاجاته العاجلة والآجلة، وتشمل مجال الدراسة من حيث طبيعته وأسسه والتطورات المعاصرة فيه وتطبيقاته في مختلف الميادين. وبعد الاختيار تأتي خطوة أخرى مهمة، هي وضع الخبرات التي تم اختيارها في منظومة تعليمية يمكن من مساعدة المتعلمين على اكتسابها، وكما حدث من مراعاة للأسس السابق ذكرها عند اختيار المنهج, فإن هذه الأسس ذاتها ينبغي أن تراعى في تنظيم خبرات المنهج الدراسي. بناء على ما سبق، يمكن تحديد مفهوم تخطيط المنهج الدراسي تحديدًا إجرائيا على النحو التالي: يعني تخطيط المنهج الدراسي اشتقاق الخبرات من مصادرها وتنظيمها في نسق تربوي بناء, على أسس تساعد المتعلم على النمو الشامل المتكامل المتوازن, والسلوك وفق تعاليم الدين الحنيف. يلاحظ هنا أننا لم نفرق بين تخطيط المنهج الدراسي وبنائه، واعتبرنا تخطيط المناهج وبناءها يعنيان الشيء نفسه، وبناء عليه، فإن التعريف السابق يمكن اعتباره تعريفًا لبناء المناهج أيضًا. وبالنظر إلى هذا التعريف يلاحظ ما يلي: 1- أن تخطيط المنهج يشتمل على خطوتين: الأولى، اشتقاق الخبرات من مصادر معينة، والثانية تنظيم هذه الخبرات في نسق تربوي. 2- أن مخططي المناهج سوف يشتقون الخبرات، بمعنى أنهم لن يجدوها جاهزة فيجمعوها، ولكنهم سوف يقومون بعملية بحث عن أنسب الخبرات الملائمة لتحقيق أهداف المنهج الدراسي. 3- أن تنظيم الخبرات قد تتعدد صوره بتعدد الأنساق التربوية، ولكن مهما تعددت هذه الأنساق فإن جميعها ينبغي أن تحقق أهداف المنهج الدراسي. 4- أن هذا الاشتقاق وذاك التنظيم لا يتم عفويا، ولا بناء على آراء شخصية أو جماعية، ولكن على أسس محددة توجه هاتين العمليتين. 5- أن تخطيط المنهج ينبغي أن يحقق أهدافًا ثلاثة، الأول: هو تنمية المتعلم. والثاني هو توجيه المتعلم لأن يسلك وفق تعاليم الدين الحنيف والثالث: هو تكوين المجتمع المسلم والعمل على تقدمه وفق متطلبات العصر.

خاتمة الفصل الأول

خاتمة الفصل الأول: في هذا الفصل: تناول المؤلف عدة مفاهيم أساسية ومهمة في مجال تخطيط المناهج، هي: مفهوم التخطيط على وجه العموم، ومفهوم التخطيط التربوي ومفهوم التخطيط للتدريس, وأهميته بالنسبة للمعلمين, إضافة إلى مفهوم تخطيط المنهج الدراسي. كما حدد مفهوم كل من الخبرة والمنهج الدراسي وتخطيطه وفق التوجيه الإسلامي، كما حاول تحليلها جميعًا لمزيد من الإيضاح. إضافة إلى هذا فقد عرض المؤلف -في عجالة- مكونات المنهج الدراسي. وفي جميع الأحوال، حاول ربط ما جاء في هذا الفصل بالحياة، وبتراثنا الإسلامي، كلما كان هذا مناسبًا وممكنًا.

أهم مصادر الفصل الأول

أهم مصادر الفصل الأول ... أهم مصارد الفصل الأول: 1- إبراهيم فوزي طه، ورجب أحمد الكلزة. المناهج المعاصرة "ط2". مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي 1406هـ- 1986م. 2- إبراهيم عبد اللطيف فؤاد: المناهج: أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها، القاهرة: مكتبة الأنجلو 1967م. 3- اللقاني، أحمد حسين. المناهج بين النظرية والتطبيق "ط2". القاهرة: عالم الكتب 1982م. 4- ريان فكري حسن. تخطيط المناهج الدراسية وتطويرها "ط1". الكويت: مكتبة الفلاح، 1401هـ-1981م. 5- سرحان، الدمرداش عبد المجيد: المناهج المعاصرة "ط4". الكويت: مكتبة الفلاح 1403هـ-1983م. 6- شوق، محمود أحمد: أساسيات المنهج الدراسي ومهماته "ط1 " الرياض: دار عالم الكتب 1416هـ-1995م. 7- عبد الدايم، عبد الله: التخطيط التربوي: أصوله، وأساليبه الفنية وتطبيقاته في البلاد العربية. بيروت: دار العلم للملايين، 1972م. 8- هندي: صالح دياب وآخرون: تخطيط المنهج وتطويره "ط1 " الأردن: دار الفكر للنشر والتوزيع، 1409هـ-1989م. 9- هوانة، وليد عبد اللطيف: المدخل في إعداد المناهج الدراسية "ط1"، الرياض: دار المريخ، 1408هـ-1988م.

- Stratemeyer, Florence B. and Margret Lindsey Working With Student Teachers New York: Bareau of Publications of T.C, Columbia Un, 1958 11- لسان العرب لابن منظور.

الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية

الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية مقدمة الفصل الثاني ... مقدمة الفصل الثاني: المناهج الدراسية هي البوتقة التي يتبلور فيها كل ما يدور في المدرسة. بل إن المدرسة بمن فيها من إدارة وتوجيه وإشراف وخلافه إنما وجدت لتطبيق المناهج, وصولًا إلى تربية الأجيال التربية المنشودة. بناء على ما سبق فإن مؤلف هذا الكتاب يرى أن "تخطيط المناهج الدراسية" لا ينبغي أن يكون في معزل عن تخطيط الإدارة، وتخطيط التوجيه التربوي، وتخطيط غيرهما من مجالات العمل المدرسي. ولما كان اهتمامنا الأساسي في هذا الكتاب هو "تخطيط المناهج الدراسية"، فإننا سوف نتخير فيما يلي من مجالات التخطيط للتدريس أقربها إلى تخطيط المناهج، بل ما يتصل مباشرة بتنفيذها. يرى كل من "تستراتمير ولنزي" أن من الأفضل تقسيم تخطيط التدريس إلى ثلاثة مجالات هي: التخطيط للتدريس لمدة فصل دراسي أو سنة دراسية. التخطيط لتدريس وحدة معينة أو قدر معين من المادة. التخطيط للتدريس اليومي. "12، 199". ويتفق سكورلنج مع هذا الرأي بالنسبة لمجالات التخطيط للتدريس. "10، 88" وهناك وجهة نظر أخرى تضاف إلى هذه المجالات: التخطيط لمراعاة الفروق الفردية، والتخطيط لحفظ النظام، والتخطيط للنشاط المدرسي، والتخطيط لتكوين دوافع عند التلاميذ "5، 74-99". ولسنا هنا بصدد استقصاء مجالات التخطيط للتدريس، ولكنا قصدنا بإيراد الأمثلة السابقة الإشارة إلى اتساع مجالات التخطيط للتدريس. وبالنسبة للهدف من معالجة مجالات التخطيط للتدريس في هذا الفصل، فإننا سوف نعالجها على النحو التالي، لما يراه المؤلف في ذلك من فائدة, وبخاصة بالنسبة لكل من الطلاب الذين يعدون أنفسهم لمهنة التعليم والمعلمين الجدد: أولًا: التخطيط للتربية الميدانية. ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس. ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا أو عاما دراسيا. رابعًا: التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع. خامسًا: التخطيط للعمل اليومي. سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس. سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين.

أولا: التخطيط للتربية الميدانية

أولًا: التخطيط للتربية الميدانية التربية الميدانية هي مجال تكامل جميع عناصر إعداد المعلم، حيث تتكامل فيها هذه العناصر لتكون منظومة تدريسية تظهر في أداء الطالب. فتمكن الطالب من تخصصه العلمي يساعده على عدم الوقوع في الأخطاء أثناء تقديم المادة العلمية ودراسته للمقررات التربوية, واكتسابه للمهارات التدريسية يساعده على تقديم المادة العلمية وأداء الواجبات التربوية بصورة جيدة. ولكن مهما سيطر الطالب على تخصصه، ومهما استوعب من خبرات تربوية، فإن الطالب لا يمكنه أن يستفيد من التربية الميدانية -كما ينبغي- دون تخطيط مسبق لأنشطتها؛ لأن التدريس أبعد من الإعداد التخصصي والإعداد المهني، بل أوسع نطاقًا من محتوى برنامج الإعداد كله. ويتضمن التخطيط للتربية الميدانية ما يلي: أ- العمل على أن يدرك الطالب أهمية التربية الميدانية، وأن يعرف أهدافها جيدًا. فالتربية الميدانية بالنسبة للطالب الذي يعد لأن يكون معلمًا، مثلها مثل التدريب في المستشفى بالنسبة للطبيب الجراح، فالجراح لا يمكنه إجراء عملية جراحية دون أن يتدرب عليها تدريبًا عمليا كافيا تحت إشراف خبير. وهكذا الحال بالنسبة للمعلم، فما من فرد يمكنه ممارسة التدريس "المناهج" دون تدريب تحت إشراف جيد. ومع ذلك، فإننا قد نسمع من القول أن التدريس موهبة تولج مع الإنسان، وأن هناك معلمين بالفطرة، ولا شك أن أصحاب هذه المقولة لا يدركون ما لأخطاء المعلم من مخاطر. فإذا كان خطأ الجراح الذي لم يحسن تدريبه يقتل نفسًا واحدة، فإن خطأ المعلم الذي لم يحسن تدريبه يقتل مئات الأنفس، إلا أننا لا نواريهم التراب, ولا يكون لقتلهم آثار مرئية في المجتمع، كما هو الحال فيمن يقتله الجراح. ولكن خطرهم يكمن في أن ما سببه قصور تعليمهم وتربيتهم من مشكلات يفعل فعله فيهم وفي مجتمعهم ما داموا أحياء. وعلى وجه العموم، فإن كل ذي بصيرة يدرك أن كل عمل أيا كان ومهما كان في عصرنا الحالي، يحتاج إلى تدريب؛ كي يتعرف الفرد على ما فيه من قيم ونظم، ويكتسب ما يحتاجه من مهارات. ويهدف التدريب الميداني على التدريس إلى إعداد الطالب للأداء السليم في الموقف التدريسية, والطالب الذي يعنى بهذا التدريب يتبوأ المكان الذي تؤهله له قدراته، وأما من يهمل التدريب الميداني فإنه -في الغالب- يواجه الفشل، ويقاسي -بعد ذلك- من مرارته في حياته المهنية وربما خارجها.

ب- أن يعطي الطالب التربية الميدانية الوقت والجهد الذي يناسبها. فكثير من الطلاب يعتني بالتربية الميدانية العناية المطلوبة، ولكن بعضهم يعتبرها عبئا ثقيلًا على كاهله، ويفوت هؤلاء أن الأداء الناجح في التربية الميدانية يتطلب اكتساب مهارات خاصة, لا يمكن اكتسابها إلا من خلال التدريس الفعلي داخل الفصل، وأن أي معلم -فضلًا عن طالب التربية الميدانية- لا يمكن أن يؤدي عمله بنجاح دون أن يوفر لنفسه عوامله. ومن أهم عوامل النجاح في التربية الميدانية أن يحاول الطالب أن يخطط وقته وجهده بدقه، بحيث يخص التربية الميدانية منه ما يجعله يجيد إعداد متطلباتها. جـ- أن يعد الطالب المصادر التي سوف يرجع إليها في إعداد دروسه. يعتمد الكثير من الطلاب على الكتاب المدرسي وحده في الاستعداد للتدريس؛ وهذا يجعلهم غير مقنعين للتلاميذ في تدريسهم. نظرا لضحالة معلوماته عن الدرس. ومن ثم ينصرف التلاميذ عن الانتباه إليهم، ويكون هذا الانصراف وقود المشكلات. لذلك، فإن معرفة الطالب بالمصادر الخاصة بالرحلة التي سوف يؤدي فيها تدريبه الميداني قبل البدء فيه بفترة لا تقل عن شهر، تعطي للطالب فرصة لأن يحصل على جميع الكتب المدرسية المتعلقة بتخصصه في هذه المرحلة، يضاف إلى هذه، بعض المراجع المناسبة التي يشير بها موجه التربية الميدانية ومعلمو المرحلة. د- أن يراجع الطالب ما سبق أن درسه في العلوم التربوية, وبخاصة طرائق التدريس والمناهج والسياسة التعليمية والتخطيط للتدريس والإدارة المدرسية. فمن المعروف أن جميع المقررات التي يدرسها الطالب تهدف -بالدرجة الأولى- إلى إعداده للتدريس، والتربية الميدانية هي مجال تطبيق ما درسه من معلومات نظرية. فالسياسة التعليمية تشكل الإطار العام لجميع ما ينبغي أن يتم داخل المدرسة، والمناهج هي وعاء الخبرات التي ينبغي أن يقوم الطالب على أساس المدى الذي استطاع تحقيقه من أهدافها في سلوك تلاميذه، وطرائق التدريس تمد الطالب بمجموعة من مهارت الاتصال بينه وبين تلاميذه، والتقانة التعليمية والنشاط المدرسي تساعد الطالب على رفع كفاية النشاط التدريسي سواء بالنسبة للتلاميذ أو المادة الدراسية أو المجتمع. والتخطيط للتدريس يساعد الطالب على وضع هذا كله في فعاليات تدريسية ناجحة؛ لذلك ينبغي أن يسترجع الطالب هذه المعلومات حتى تكون زاده ورفيقه الذي

يساعده على بداية موفقة في التربية الميدانية، وفي حياته المهنية فيما بعد. هـ- أن يوطد الطالب نفسه على مواجهة مواقف التربية الميدانية من منطلق التعاون مع المشرف على التربية الميدانية، والمدرسة، وزملائه في التربية الميدانية، وأن يخطط لذلك. فمن أكثر المواقف ثراء في التربية الميدانية "ندوة النقد" التي يستمع فيها الطالب بعد قيامه بالتدريس إلى آراء زملائه في تدريسه، وإلى توجيهات الأستاذ المشرف عليه في التربية الميدانية. ولكن الطلاب لا يستطيعون صبرًا على سماع غيرهم يذكرون أخطاءهم, فينبرون دفاعًا عن أنفسهم بحق، أو بغير حق, وهذا سلوك غير لائق بطالب العلم، والأولى له أن يقطف ثمار هذا النقد البناء، وأن يراعي ما يلي: - أن من حسن الخلق: الاستماع إلى الغير، مهما كان مضمون الحديث. - أن الطالب سوف يستفيد من كشف أخطائه وشرحها وتصحيحها، بأن يعمل على تصويبها. - أن المشرف سوف يكتشف النقد غير الموضوعي -إن وجد- ويتناوله بالتحليل. لذلك، فإن الطالب ليس بحاجة إلى الدفاع عن نفسه بحمية، ولكن ينبغي أن يشرح وجهة نظره دون تحيز ولا انفعال. كما ينبغي عليه أن يتوخى الموضوعية في نقد أداء زملائه كي لا يبادلونه تحيزًا بتحيز. ومن المواقف التي تثري خبرة طلاب التربية الميدانية تدخل الأستاذ المشرف في التدريس داخل الفصل. ونود أن نؤكد -هنا- أن تدخل الأستاذ المشرف أثناء التدريس، ليس فيه مساس بمركز الطالب أمام زملائه أو تلاميذه، وبخاصة إذا اختار الأستاذ المشرف الأسلوب المناسب لتدخله، وكان تدخله لتحقيق هدف معين: فقد يتدخل ليعد النظام في الفصل بعد أن فلت زمامه من الطالب، وقد يتدخل لأنه يود أن يستعرض شرح نقطة معينة أمام مجموعة طلاب التربية الميدانية المشاهدين للدرس؛ كي تكون بيانا عمليا يستفيدون منه، وقد يتدخل لتصحيح خطأ وقع فيه الطالب دون أن يدري. هذه الأمور وغيرها مما يدفع الأستاذ المشرف للتدخل مشاركًا بالتدريس, إنما هدفها المزيد من فائدة الطالب وزملائه، إضافة إلى حماية الطالب المتدرب من التمادي في الخطأ, وحماية التلاميذ من تعلم خبرات مغلوطة.

ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه طالب التربية الميدانية، أن يناقش ما يواجهه من مشكلات خاصة بالتربية الميدانية مع الأستاذ المشرف والمعلمين وزملائه، ولا ينبغي بحال أن يستكبر على الاستفسار من هؤلاء، فالعلم رحم بين أهله، وطالب العلم ينبغي أن يطلبه من جميع المصادر المتاحة. وقد يشعر الطالب المتدرب بالرهبة أو الخوف، وقد يواجه مشكلات في التحضير، أو في العلاقة مع الزملاء، أو في العلاقة مع التلاميذ أو في قصور المصادر، أو في غير ذلك. ومما يعين على حل كل من هذه المشكلات وغيرها، التعاون بين الطالب من ناحية والأستاذ المشرف ومعلمي المدرسة وإدارتها وزملاء التربية الميدانية من ناحية أخرى. فينبغي أن يتعاون الطالب مع زملائه في الحصول على الدروس من المعلمين، وفي تبادل الوسائل والأدوات والمراجع، كما ينبغي أن يثق الطالب بأن المشرف على التربية الميدانية على استعداد -دائما- لأن يمد له يد العون، وأنه لا يتصيد أخطاء طلابه، ولكنه يكشف عنها ويبحث عن وجودها؛ لكي يساعدهم على تصحيحها. فإذا ما استقر هذا الفهم في ذهن طالب التربية الميدانية فإنه سوف يبدؤها بالثقة التي تساعده على النجاح فيها بمشيئة الله. وأن يحرص الطالب على أن تكون كراسة التحضير ودفتر النقد عنصرًا حيا في التغذية العائدة من خبراته في التربية الميدانية. ففي كثير من الأحيان يتصور بعض الطلاب أن وظيفة كراسة التحضير تقتصر على احتوائها لخطط الدروس التي سوف يعدها الطالب، غير أن لهذه الكراسة وظيفة أخرى لا تقل أهمية عن احتوائها لخطط الدروس, حين يسجل المشرف على التربية ملاحظاته على خطط الدروس التي يعدها الطالب. بذلك تصبح مرجعًا يرجع إليه الطالب كلما أراد إعداد خطة درس جديد؛ كي يستفيد من هذه الملاحظات في تحسين خطط دروسه، وهي -أيضًا- مرآة تقدم الطالب في إعداد هذه الخطط. ومن الأخطاء الشائعة بين طلاب التربية الميدانية أن بعضهم يكتبون ملاحظاتهم على تدريس زملائهم, وملاحظات كل من المشرف والزملاء على تدريسهم في أوراق قد يرمونها بعد انتهاء كل جلسة من جلسات النقد أو بعد انتهاء التربية الميدانية، وهم بذلك يفقدون منهلا لتقدمهم في التربية الميدانية وفي حياتهم المهنية، فهذه الملاحظات نتيجة لتحليل

المواقف التدريسية في ضوء أسس التدريس الجيد، الأمر الذي يجعل كتابتها كتابة مفصلة عاملًا مساعدًا للطالب على تكوين حصيلة ذات أهمية كبيرة في إرشاده للتدريس الجيد، ومن ثم في نموه في التربية الميدانية بخاصة، وفي بداية حياته المهنية بعامة. لذلك ينبغي أن يعد الطالب كراسة تحضير ودفتر نقد تناسبان هاتين الوظيفتين المهمتين، تكونان مرجعًا له في أدائه التدريسي. ز- أن يتعرف الطالب على المدرسة وإدارتها ومعلميها وإمكاناتها قبل البدء في التربية الميدانية, بعض الطلاب لا يذهبون إلى المدرسة إلا يوم بدء التربية الميدانية، وقد لا يعرفون موقع المدرسة ولا طريق الوصول إليها، وقد يترتب على هذا وصولهم متأخرين عن الموعد المحدد لوجودهم بالمدرسة في اليوم الأول من التربية الميدانية، وهذا استهلال سيئ لعملهم بالتربية الميدانية، وقد يضع علامة استفهام على مدى انضباطهم بنظمها. ولكل مدرسة نظامها في العمل طبقا لاتجاهات إدارتها. ولذلك تختلف مسئوليات المعلمين من حيت الإسهام في تطبيق النظم باختلاف الفكر الإداري السائد فيها. كما أن لكل معلم نظامه الخاص في نشاطه التدريسي. والمتوقع من الطالب أن يراعي من هذا النظام ما يتفق مع ما تعلمه من خبرات تربوية، وإذا اختلف الطالب مع المعلم في شيء -مثل العقاب البدني للتلاميذ- لأنه لا يتفق مع هذه الخبرات، فينبغي التفاهم برفق مع المعلم بشأنه حتى لا تتولد مشكلات من اختلاف وجهات النظر هذه. كما يحتاج الطالب في تدريسه إلى وسائل تعليمية سواء أكانت أجهزة أم مواد يمكن استخدامها في إعداد بعض الوسائل. زيارة الطالب للمدرسة قبل التربية الميدانية تساعده على معرفة المتاح له استخدامه من هذه الأشياء بالمدرسة حتى يأخذه في الاعتبار عند تخطيطه لتدريسه، وحتى يعد ما يحتاجه من مواد لازمة لدروسه. ومن الأهمية بمكان أن يجرب الطالب الأجهزة قبل وقت استخدامها في التدريس حتى لا يفاجأ في الفصل بعدم صلاحها، فتكون مثار تعليقات الطلاب ومدعاة لتندرهم. فضلًا عن فقدان دورها في الدرس. وزيارة الطالب للمدرسة قبل بدء التربية الميدانية وقبل الدروس يساعده على تجريب ما يشاء من أجهزة. وأمر آخر ينبغي أن يعنى به الطالب في أثناء زيارته للمدرسة قبل بدء التربية الميدانية، هو زيارة الفصول الدراسية للوقوف على ما يتوافر فيها من معينات على التدريس, وعلى سعة حجرات الدراسة ومدى ازدحامها، ومعرفة حجم السبورة ونوعها. كما أن الوقوف على طبيعة العلاقة بين

الطلاب والمعلمين تساعد الطالب على فهم المناخ المدرسي قبل بدء التربية الميدانية، والزيارة المسبقة يمكن أن تعرف الطالب على طبيعة هذه العلاقة. مثل هذه الأمور التي سبق ذكرها لا ينبغي أن تترك حتى تولد مشكلات أثناء ممارسة التدريب الميداني نتيجة لعدم معرفتها، ولذا ينبغي التعرف عليها وإرساء قواعد التعامل معها قبل البدء في التربية الميدانية. بالإضافة إلى ذلك فإن المعرفة المسبقة لواقع المدرسة يرفع عن الطالب أثر المفاجأة والجدة اللتين تسببان الرهبة عنده في اليوم الأول من أيام التدريب الميداني. ح- أن أول ما يقدم الطالب إلى المجتمع المدرسي هو مظهره. لذلك ينبغي أن يعد الطالب -قبل بدء التربية الميدانية- لظهوره بالمدرسة بالمظهر المناسب. والمظهر هنا يتعلق -بالدرجة الأولى- بالملبس وبالسلوك العام. ولا نقصد هنا أن يلبس الطالب أفخر الثياب وأغلاها ثمنا، ولكن المقصود هنا أن يكون ملبس الطالب باعثًا على احترامه من أعضاء المجتمع المدرسي: إدارة وأساتذة وتلاميذ وعاملين. أما السلوك العام الذي نقصده هنا فهو السلوك الذي يليق بالمربي، فمثلًا، لا ينبغي أن يدخل الطالب المدرسة وفي يده طعام أو شراب يتناوله، ولا ينبغي أن يرفع صوته متحدثًا أو ضاحكًا بصورة غير مقبولة، ولا ينبغي أن يجلس على درج السلم أو حائط السور، إلى غير ذلك من أنماط السلوك غير المقبولة؛ لذلك ننصح الطالب بأن يعد ما يساعده على الظهور بالمظهر المناسب بالمدرسة, وأن يوطد عزمه على السلوك المقبول فيها.

ثانيا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس

ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس يعتبر أداء المعلم في بداية تدريسه -مثله مثل أداء طالب التربية الميدانية في بدايتها- علامة بارزة في حياة المعلم المهنية، فكثيرًا ما نسمع عن أثرها على النظرة لمهنة التدريس. وكم كانت هذه الخبرات سببًا في ترك البعض لمهنة التدريس، نظرا لما ترتب عليها من آثار نفسية واجتماعية سيئة، لذلك فإن التخطيط لبداية التدريس يحتل أهمية خاصة في العمل على تحقيق بداية ناجحة وسارة للمعلم. وفيما يلي نذكر بعض عناصر هذا التخطيط: أ- التعرف على المدرسة ومن فيها من إداريين ومعلمين ومساعدين فنيين وغيرهم, ممن لهم صلة بعمل المعلم، والتعرف على ما في المدرسة من إمكانات مادية معينة على التدريس من أجهزة وأدوات ومواد، وخاصة ما يحتاجه المعلم في تدريس مادته.

ب- الاطلاع على النظم والقوانين والتوجيهات المنظمة للعمل بالمدرسة، وتلك التي تخص عمل المعلم عمومًا ومعلمي القسم أو الاختصاص بالذات، ومعرفة السياسة العامة للمدرسة كما تحددها إدارة المدرسة. جـ- الاطلاع على سجلات التلاميذ الذين سوف يعلمهم، وتصنيف هؤلاء التلاميذ من حيث المستوى التحصيلي، وتحديد مثيري المشكلات منهم والتعرف على أسبابها، إذا كان هذا ممكنًا. د- الاطلاع المتوسع حول الموضوعات التي سوف يقوم المعلم بتدريسها، وتطبيقاتها داخل المدرسة وخارجها، وفي المواد الدراسية الأخرى، ومراجعة المواد التربوية وما سجله من ملاحظات على أدائه التدريسي أثناء التربية الميدانية. وذلك قبل بداية التدريس الفعلي مباشرة. هـ- إعداد خطط الدروس التي سوف يقوم بتدريسها إعدادا جيدًا، وإعداد ما سوف يستخدمه من وسائل معينة على تدريسه وتجربتها للتأكد من صلاحها للاستعمال. وتخطيط نشاط خاص يبدأ به المعلم تدريسه في كل فصل، يمكنه من التعرف على تلاميذه، ومعرفة أسماء أكبر عدد منهم. ز- توضيح العلاقة بين التلميذ والمعلم قبل البدء في التدريس عامل مهم في توطيد أواصر الصلة الطيبة بينهما واستقرارها. وبالعكس، فالتلميذ الذي لا يعرف المتوقع منه من واجبات منزلية وحضور غياب، وفيما يتعلق بالنظام داخل الفصل وغير ذلك، ولا يعرف كيف يتعاون مع المعلم بأسلوب صحيح. وبداية التدريس هي أنسب الأوقات لإرساء أسس التعاون بين المعلم وتلاميذه، ومن أهم ما ينبغي أن يوضحه المعلم لتلاميذه في هذا الشأن ما يلي: "5، 98". 1- أهداف تدريس المقرر وأهميته بالنسبة للتلميذ، وبالنسبة لدراسة المقررات الأخرى التي سوف يدرسها التلاميذ، وفي حياته العلمية. 2- موضوعات المقرر الذي سوف يقوم المعلم بتدريسها في أثناء الفصل أو العام الدراسي وأهميتها. 3- أساليب التدريس التي سوف يستخدمها المعلم، والوسائل المعينة التي سوف يستعين بها, ودور التلميذ في إعدادها، وأوجه النشاط المتوقع ممارستها وأوجه استعداد التلاميذ لها.

4- المصادر التي سوف يرجع إليها التلاميذ وأماكن توافرها، والكراسات والأدوات التي سوف يحتاج إليها التلاميذ في دراستهم، وأوقات الدروس وأماكنها: في المدرج؟ في المعمل؟ في الفصل؟. 5- السياسة التي سوف تطبق أثناء الدرس, ومهمات كل من المعلم والتلاميذ في الدرس، وما ينبغي أن يستعد به التلميذ لكي يشارك في الدرس بالقدر المتوقع. 6- طرق وأساليب التقويم التي سوف تستخدم وأدواته وخطته. أما بالنسبة لطالب التربية العملية قد لا يقوم بتدريس أكثر من حصة للفصل، فإن هناك أمورًا ينبغي أن يخططها لتساعده على بداية ناجحة، مثل: 7- بيان أهداف تدريس الدرس، وأهميته بالنسبة لكل من التلميذ والمجتمع. 8- تحديد الكتب والكراسات والأدوات التي سوف تستخدم في الحصة، وإخراجها من الأدراج, ووضعها أمام التلميذ إذا أراد المعلم ذلك. 9- تحديد سياسة العمل في الحصة: فمتى يكتب التلاميذ؟ في أثناء الشرح؟ بعده؟ في نهاية الحصة؟ عندما يخبرهم؟ ومتى يستفسرون عما لم يفهموا؟ في أثناء الشرح؟ في نهاية الحصة؟ عندما يسألهم؟. 10- ما إذا كان هناك حل لبعض الأسئلة شفويا, وللبعض الآخر تحريريا, ومن لم يستطع إتمام الحل التحريري، ماذ يفعل؟ 11- هل سيجمع كراسات التلاميذ في نهاية الحصة لتصحيح الإجابات؟ وأين سيتركهم إذا كان التدريب الميداني يومًا واحدًا؟

ثالثا: التخطيط للتدريس فصلا دراسيا أو عاما دراسيا

ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا في التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا، يكون التركيز على الأهداف العامة للتدريس، وتصور للمواقف التي تتطلب إعداد ترتيبات ومواد معينة، وبخاصة تلك التي تستغرق وقتا في إعدادها, أو تلك التي تحتاج إلى اتصالات بأطراف خارج المؤسسة التربوية للحصول عليها. ويعبر بعض المعلمين عن الأهداف العامة في "التخطيط لتدريس مقرر في مدة الفصل أو العام الدراسي" في صورة الموضوعات أو المجالات التي سوف يتم دراستها من المحتوى. ويعبر آخرون عنها في صورة المشكلات والكفايات التي ينبغي الاهتمام بها، وفئة ثالثة يعبرون عن هذه الأهداف في صورة الحاجات والاهتمامات والرغبات "2، 199".

ولكننا نرى -باختصار شديد- أن التخطيط للتدريس مدة الفصل أو العام الدراسي هو مرشد مرن يتصدى -بالدرجة الأولى- إلى البحث عن ذلك القدر من الخبرات والمناشط التي سوف تقدم للمتعلم بحيث يتوافر فيه الخبرات الخاصة بمجال الدراسة. فالمتعلم يكتسب من دراسة اللغة العربية خبرات تختلف عن تلك التي يكتسبها من دراسة الرياضيات، وهكذا بالنسبة لمختلف مجالات الدراسة: فلكل خبراته التي ينبغي على التخطيط أن يخضها لإمكانات الموقف التعليمي بحيث تكون خبرات تعليمية وتربوية في الوقت ذاته. "3، 91-93". وإنها لمسئولية كل مدرس أن ينظر نظرة عامة لما سوف يقوم بتدريسه، فقد يدمج فصولًا أو يحذف بعض الفصول. وقد يرى معالجة بعض الفصول بتفصيل أكثر من غيره، وقد يرى أن بعض الفصول في حاجة إلى استكمال ببعض المعلومات، وقد يرى أن بعض الفصول عرضها غير مناسب في الكتاب ويود أن يعيد كتابتها.

رابعا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة

رابعًا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة يعنى "التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع" بما يحدد ملامح التدريس الجيد: ومن أهم ما يدخل في الاعتبار في هذا المستوى من التخطيط حاجات التلاميذ ورغباتهم وقدراتهم، والأهداف التي يرجى تحقيقها، والأنظمة التي سوف يقوم بها كل من التلاميذ والمعلم على درب تحقيق الأهداف، والمواد والأدوات اللازمة للقيام بهذه الأنشطة, والطرائق والأساليب التي سوف تستخدم لتقويم مخرجات تدريس الوحدة أو الموضوع. ومن أهم ما ساعد التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع على الظهور، الاتجاه نحو ظاهرة تفتيت تدريس المقررات إلى جزئيات صغيرة في صورة دروس مستقلة, تفتقد التكامل المعرفي ووحدة الخبرة، وقد كان هذا انعكاسًا لكون المادة الدراسية هي الهدف الأساسي لعملية التدريس، وإخضاع خصائص المتعلم وسلوكه لهذا الهدف, ولكن بعد ظهور الاتجاه نحو تكامل المعرفة ظهرت مستويات هرمية لتخطيط الجانب المعرفي للتدريس، يعبر عنها الرسم التالي، ومن بينها "التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة". شكل "1" مستويات تخطيط الجانب المعرفي للتدريس.

ويتضح من الشكل الترابط بين مستويات التخطيط. فالتخطيط لتدريس وحدة يبنى على التخطيط لتدريس الخبرات, التي يمتد تقديمها عامًا أو فصلًا دراسيا, والتخطيط للعمل اليومي يبنى على تخطيط تدريس الوحدات. وهكذا، يبنى تخطيط كل مستوى على المستوى الذي يسبقه. وهذا يعني أن أهداف كل مستوى ينبغي أن تحقق أهداف المستوى الذي يسبقه. وذلك على اعتبار أن المستويات الأقرب إلى قاعدة الهرم هي الأساس الذي تعتمد عليه المستويات التي فوقها. وهناك أمور أخرى ينبغي أن يعنى بها المدرس في "التخطيط لتدريس مقرب دراسي" من أمثلته توزيع موضوعات المقرر على الوقت المتاح لتدريس المقرر, وبحث الوسائل التي سوف تعينه في تدريس المقرر، وتخطيط الأنشطة التي سوف تصاحب تدريسه، وإعداد أدوات التقويم التي سوف تستخدم فيه.

خامسا: التخطيط للعمل اليومى

خامسًا: التخطيط للعمل اليومي يعنى التخطيط للعمل اليومي بكل من الآتي: - الأعمال التي ينبغي أن ينجزها المعلم في هذا اليوم وأهدافها. - تنظيم جدول لتنفيذها. - تحديد متطلبات تنفيذ كل منها وإعداد ما يلزم لذلك. - تقويم الإنجازات التي تحققت من حيث مدى تحقيقها للأهداف. الأعمال التي يقوم بها المعلم أكثر من مجرد التدريس، فهو يشترك في اجتماعات إدارة المدرسة. وفي الاجتماعات التي يعقدها كل من معلمي التخصص والموجهين، ويشرف على النشاط المدرسي، ويقعد لقاءات مع طلابه فرادى وجماعات، ويلتقي بأولياء الأمور، وقد يساعد تلميذا معينا لكي يتغلب على صعوبة واجهته بالأمس.. وهناك أعمال أخرى غير تلك التي تدخل في النشاط العادي للمعلم مثل ذهاب المعلم للطبيب، وزيارة المعلم وبعض التلاميذ لتلميذ مريض في المستشفى، ومساعدة تلميذ ألمت بأسرته كارثة غير متوقعة. فجميع الأعمال التي سوف يقوم بها المعلم خاصة بالمدرسة -داخل المدرسة أو خارجها- تحتاج إلى تخطيط يحفظ التنسيق فيما بينها، ويساعد على تفيذ كل منها في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب. ولنضرب مثلًا بلقاء المعلم بأولياء الأمور. في مثل هذا اللقاء ينبغي أن يحدد المعلم الهدف منه، فهل هذا اللقاء يتم؛ لأن التلميذ أصبح كثير الشغب؟ أصبح مهملًا؟ أصبح منطويًا؟ أصبح متقدمًا تقدمًا مطردًا؟ فلكل من هذه الحالات أهداف تتعلق باللقاء.. وتحتاج إلى معلومات معينة تعرض على ولي الأمر، وإلى أسلوب بذاته لكي يثار الموضوع مع ولي الأمر

بالأسلوب المناسب، وإلى خطة بعينها ليؤدي بها ولي الأمر مهماته لرعاية التلميذ أو مساعدته أو تصحيح سلوكه، وإلى طريقة يتفق عليها للتواصل بانتظام بين المعلم وولي الأمر حتي يتحقق الهدف، إلى غير ذلك من الأمور التي لا ينبغي أن تكون عفوية، بل مدروسة ومعدة ومخطط لها. وينبغي أن نشير هنا إلى أن الخطأ الشائع بين المعلمين أنهم قد يعنون بتخطيط الدروس اليومية، ولكنهم لا يعطون الأهمية المناسبة للأمور الأخرى. وهذا يعود -كما ذكرنا من قبل- إلى الفكرة الخاطئة من أن مهمة المدرسة تنحصر في تلقين المعرفة لتلاميذها. ومع التقدم التقني المعاصر الذي جعل بيئة التلميذ غنية بالجواذب التي تشد التلاميذ هنا وهناك -منها ما هو طيب ومنها ما هو سيئ- أصبحت مهمة المعلم أصعب، ليس فقط من حيث الحاجة إلى جذب التلاميذ نحو التعلم, وجعلهم يقدرون ما تقدم المدرسة إليهم من خبرات، ولكن أيضًا من حيث توجيههم وإرشادهم لمواجهة المتغيرات الجديدة في بيئتهم. والتخطيط السليم من أهم عوامل نجاح المعلم في تحمل هذه المهمات، ومن بينها المهمات الخاصة بالعمل اليومي في المدرسة.

سادسا: التخطيط لتدريس الدرس

سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس تختلف النظرة إلى تخطيط الدرس اليومي من معلم لآخر. فبعض المعلمين يرونه حجر الزاوية في نجاحهم. والبعض الآخر يرى أنه يقلل من مرونة عملهم، وقدرتهم على الاستجابة للمواقف المستجدة، وهناك فئة ثالثة ترى أنه إهدار للطاقة والجهد. ولكنا نعتقد أن هذا خلاف لا أساس له. إذ إن تخطيط الدرس اليومي يبعث في المعلم الثقة في النفس التي بها يستطيع الاستجابة للمواقف المستجدة بمهارة، كما أن خطة الدرس لا ينبغي أن تقولب المعلم بحيث لا يستطيع أن يتحرر من إسارها. بل ينبغي أن تكون من المرونة بما يجعل المعلم قادرًا على الاستجابة للمستجد في الموقف التدريسي، ثم متى كان الاستعداد والتهيئة للعمل لا يسهم في تجويده، إلا أن يكون استعدادًا في غير موضعه وتهيئة مغلوطة. وتختلف خطة الدرس طولًا وقصرًا، وتفصيلًا وإجمالًا، باختلاف خبرة المعلم. فالمعلم المبتدئ ينبغي أن يعد خطة مفصلة, يحاول فيها رسم صورة إجرائية للدرس ... أما المعلم ذو الخبرة في التدريس فإن خطة درسه تكون أقل تفصيلًا وطولًا؛ لأنه قد استفاد من خبرته في التعبير المختصر عن أفكاره؛ ولأنه قد لا يعنى بالأمور الثابتة المتكررة "الروتينية". غير أن المعلم الخبير والمعلم الجديد يستويان من حيث حاجتهما للتخطيط المفصل, عندما يواجه الأول تدريس موضوع لم يسبق له تدريسه، إذ تصبح خطة الدرس المفصلة ضرورة. وكذلك الحال بالنسبة لطالب التربية الميدانية.

وما نود تأكيده هنا أن مجرد إعداد خطة للدرس مهما بذل فيها من جهد، فإن هذا ليس وحده كافيًا لأن يقدم المعلم درسا جيدًا. فهذا شرط لازم ضروري، ولكنه -وحده- غير كاف، فهناك أمور أخرى يحتل وجودها أهمية في أداء المعلم، منها: حساسية المعلم لمدى تقبل الطلاب لأسلوب تدريسه. وحماسه لما يدرس، وقدرته على الاستجابة الفورية الصحيحة لأسئلة تلاميذه، وقدرته على إقناع تلاميذه -من خلال أدائه في التدريس- بأنه واسع الاطلاع متعدد المواهب. ومع ذلك، فإننا إذا ما تدبرنا هذا الموقف مليا لوجدنا أن كلا من هذه الأمور يعود -بالدرجة الأولى- إلى التخطيط الوافي للدرس. فمثلًا، المعلم الذي يطلع على مصادر متعددة أثناء تخطيطه للدرس، ويعمل فكره في أنسب الطرائق التي يتسخدمها في تدريسه، وفي البدائل الممكنة لها، يحقق الكثير مما ذكرناه آنفًا. وبذلك يظل تخطيط الدرس يحتل مكانًا رحيبًا في أداء المعلم، وبصورة أشد في أداء طالب التربية الميدانية. وعندما يفكر المعلم في تخطيط الدرس نجد أنه -على وجه العموم- يجيب على السؤال: كيف يستطيع المعلم التخطيط لتعليم مجموعة معينة من التلاميذ في فترة زمنية محدودة قدرًا مناسبًا من الخبرات, ويحسن استثمارها لتوجيه سلوكهم نحو تحقيق الأهداف التربوية المطلوبة، وتنميتهم التنمية المستهدفة؟ وسوف نحاول فيما يلي الإجابة عن هذا السؤال، وسنبدأ بتحديد أهم أسس تخطيط الدرس. أ- أهم أسس تخطيط الدرس: 1- إن لخطة الدرس عناصر ينبغي أن يراعيها المعلم في تخطيطه للدرس: تختلف وجهات النظر بالنسبة لعناصر خطة الدرس. فهناك من يجعلها سبعة عناصر هي: الأهداف والأنشطة والتوقيتات والأمثلة والأسئلة والواجبات والتقويم "10، 102"، وهناك من يجعلها خمسة هي: الأهداف والأنشطة والمواد والواجبات والتقويم "6، 155"، وهناك من يجعلها ستة، هي: الأهداف وإثارة دوافع التلاميذ والأسلوب والأنشطة والمواد والواجبات والتقويم. "9، 93" وهناك من يجعلها ستة مختلفة عن السابقات، وهي: الأهداف، والخبرات السابقة التي يحتاجها الدرس والوسائل والأنشطة ومناقشة الدرس والتطبيقات والتقويم "5، 104". ويلاحظ -فيما سبق- أن هناك اتفاقًا على أن الأهداف والأنشطة والمواد التعليمية والتقويم، عناصر أساسية في خطة الدرس. وهناك عناصر أخرى تختلف حولها وجهات النظر. وهذا الاختلاف لا يعني عدم أهميتها، ولكن يعني الاختلاف في وجوب ذكرها كعناصر مستقلة في خطة الدرس. فمثلًا لا يختلف اثنان من

خبراء المناهج على وجوب إثارة دوافع التلاميذ نحو الدرس. ومع هذا لم تذكر كعنصر مستقل إلا في مثال واحد من الأمثلة التي أوردناها، وليس هناك من لا يدرك أهمية استيعاب التلميذ للدروس السابقة كي يتابع الدرس الحالي. ومع هذا لم تذكر كعنصر مستقل سوى مرة واحدة. ومن ذلك يمكن أن نستنتج أن هناك آراء ترى أن عناصر معينة يمكن تضمينها, ولكن لا ترى أن تذكر كعنصر مستقل في خطة الدرس رغم أهميتها. ولما كانت الخطة التفصيلية للدرس هي أهم ما يساعد المتعلم الجديد وطالب التربية الميدانية، فإننا سوف نقترح عناصر خطة لتدريس الدرس, نرى أنها تساعد بخاصة كلا من المعلم المبتدئ وطالب التربية الميدانية على اكتساب المهارات التدريسية الخاصة بإعداد خطة الدرس، وهي: - التمهيد. - الأهداف. - الأنشطة وتقنية التعليم. - التوقيت. - طريقة العرض. - التطبيقات. - الوجبات المنزلية. - التقويم. وسوف نعطي فيما يلي فكرة سريعة عن كل عنصر من هذه العناصر. أولًا: 1- التمهيد: للتمهيد وظائف عدة من أهمها: إثارة دوافع التلميذ نحو الدرس، والربط بين الدرس وما سبقه من دروس، وإظهار أهمية الدرس. وعمومًا، فإن التمهيد الناجح يمهد لدرس ناجح، وفشل المعلم في التمهيد لدرسه يقوده - في الغالب- إلى درس غير موفق. من هنا كان التخطيط للتمهيد مركز مباشر وفعال، يساعد المعلم الجديد وطالب التربية الميدانية -بخاصة- على أداء درس ناجح. 2- الأهداف: وهي تحدد الصورة النهائية المرغوبة لسلوك التلاميذ بعد تحصيلهم الدرس؛ لذلك، فإن تحديدها يوفر للدرس منارات يسير في ضوئها, وأسسا يقوم بناء على مدى تحقيقها. 3- الأنشطة وتقنية التعليم: ينبغي أن يحدد المعلم ما ينبغي أن يستعين به من وسائل لتقنية التعليم وما سوف تخدمه من أغراض، وأن يعدها. كما ينبغي أن يحدد المعلم ما سوف يقوم به التلاميذ من أنشطة في الدرس, سواء داخل المدرسة أو خارجها، وأن يخطط -أثناء إعداد خطة الدرس- لتنفيذ ذلك. 4- التوقيت: ويشمل توزيع الوقت بين مختلف أجزاء الدرس بما يتناسب مع حاجة كل جزء منه، وهذا العنصر ضروري جدا لكل من طالب التربية الميدانية والمعلم المبتدئ. فكثيرًا

ما يفشل طالب التربية الميدانية في توزيع وقت الدرس بين أجزائه عند تخطيط الدرس وفي أثناء تدريسه، وكثيرًا ما ينتهي وقت الدرس دون أن يستطيع طالب التربية الميدانية إنهاءه، وكذلك الحال بالنسبة للمعلم المبتدئ. من هنا كان من الضروري أن يتدرب الطالب على توزيع وقت الدرس بين أجزائه وعلى الالتزام به. وتقل أهمية هذا العنصر بالنسبة للمعلم الذي اكتسب خبرة كافية في تخطيط الدرس وتدريسه. 5- طريقة العرض: وتشمل عرض المادة التعليمية، كما تشمل تفاصيل خطوات الدرس ومهمات كل من المعلم والتلميذ فيها، وتتكامل فيها الأنشطة والوسائل وطريقة التدريس. بل يتكامل فيها جميع جوانب النشاط التدريسي داخل الفصل وصولًا إلى أداء عملية تعليمية ناجحة، وإحداث التربية المنشودة. ففي المادة التعليمية، عموما يوجد: مفاهيم، وحقائق، وتطبيقات. ووعي المعلم بهذه الأجزاء, وتحديدها في أثناء تخطيطه للدرس يساعده على معالجتها جيدًا في أثناء التدريس. وتشمل طريقة العرض توزيع نشاط الموقف التعليمي بين المعلم والتلاميذ. فمن الأهمية بمكان أن يحدد المعلم نشاط التلاميذ ومراحله، بمعنى أن يحدد في خطة الدرس أنه لتهيئة التلاميذ للدرس سوف يطلب من أحدهم أو من واحد معين منهم تقريرًا شفويا عن كذا، أو أن المعلم سوف يعرض فيلما معينًا، أو أن الفصل سوف يشترك في مناقشة جماعية. فإذا فرضن أن المعلم سوف يقوم بتدريس "الحال" يمكن أن يكون من نشاط التلاميذ لتوضيح مفهوم الحال أن يدخل أحدهم الفصل مسرعًا ويسأل المعلم التلاميذ أن يصفوا حال زميلهم أثناء دخوله الفصل، ويمكن أن يكون نشاط التلاميذ هو استنتاج تعريف للحال أو تلخيص الدرس أو إعطاء أمثلة مختلفة للحال. وتشمل طريقة العرض -أيضًا- تحديد طرائق التدريس المختلفة لمراحل الدرس. فقد تناسب مرحلة ما في الدرس طريقة المناقشة بينما تناسب أخرى الطريقة الاستقرائية أو طريقة المحاضرة. المهم أنه ينبغي أن يحدد المعلم أثناء إعداده الدرس نوع النشاط الذي سوف يقوم به الطلاب في مختلف مراحل الدرس وطرائق العرض المناسبة لكل مرحلة. ومما يساعد المعلم على تقديم عرض جيد لدرسه، إعطاء أمثلة أثناء التدريس. فلذلك أكثر من وظيفة، إذ يمكن استخدام أمثلة لاستقراء قاعدة عامة مثل التعريف، أو قاعدة إعراب، أو حكم من الأحكام الفقهية، أو نظرية من نظريات الهندسة، أو إيضاح التطبيقات المختلفة لقاعدة سبق تدريسها. كما يمكن استخدام الأمثلة لتقويم مدى استيعاب التلاميذ لما درس.

هذه الأمثلة قد يقدمها المعلم ليستقرئ التلاميذ منها، وقد يقدمها التلاميذ تطبيقًا لقاعدة. وفي كلا الحالين ينبغي أن يعد لها المعلم أثناء تخطيطه للدرس. ومن أهم ما يساعد المعلم في أدائه لعرض فعال لدرسه توجيه أسئلة للتلاميذ كي يجيبوا عليها بأنفسهم. وتشمل طريقة العرض كيف يمكن توظيف وسيلة تقنية التعليم في عرض الدرس توظيفًا فعالًا، وماذا يهدف إليه من استخدامها؟ ومتى؟ وما المدخل المناسب لتكامل عرضها مع الدرس؟ وما علاقة التلاميذ بعرضها؟ وما دور المدرس في عرضها؟ وما الوقت الذي سوف يخصص لعرضها؟ مثل هذه الأسئلة يحدد المعلم لها إجابات تقريبية في أثناء التخطيط لعرض الدرس، وكذلك الأمر بالنسبة للحوار بينه وبين تلاميذه والمناقشات التي تدور أثناء الدرس. وتساعد طريقة العرض المعلم على اكتساب المهارة في توجيه مسار المناقشات نحو محور الدرس، واستنتاج معلومات الدرس والخبرات المتعلقة به، وما دامت وظيفة المعلم هي التوجيه وما دام نشاط التلاميذ وإيجابيتهم هما أساس التدريس، فإن توجيه الأسئلة للتلاميذ يصبح العمود الفقري للدرس. ونظرًا لأهمية الأسئلة في عرض الدرس فإن المؤلف يرى أن خطة الدرس ينبغي أن تكون سلسلة من الأسئلة التي تكون إجابات التلاميذ عليها هي مضمون الدرس. ولكن تحديد هذه الأسئلة وصياغتها يحتاج إلى تفكير وتدبر ودربة. ومكان هذا وزمانه هو في أثناء إعداد خطة عرض الدرس. 6- التطبيقات: درس بدون تطبيقات مثله مثل الشجر المثمر بلا ثمر. فجميع النشاط التدريسي يهدف إلى تطبيق ما يشمله من مفاهيم وحقائق ومهارات, في مواقف متنوعه داخل المدرسة وخارجها، وفي المقررات الدراسية الأخرى وفي الحياة, والتطبيقات ليس لها وقت معين في الدرس، فقد تمتد على طول الدرس، ولكن قد يحدث تركيز يعليها في مرحلة من مراحله. ومن أهم وظائف التطبيقات أنها ترسخ الدرس في أذهان التلاميذ. فحفظ التعميمات أو الأحكام أو القواعد أمر، واسترجاعها وتطبيق كل منها أمر آخر. فكم من طالب يستطيع أن يذكر لك تعريف الاستعارة أو الكناية. أو يذكر لك منطوق قاعدة في الجبر، ولكنه لا يستطيع أن يطبقها في التمارين، وكم من طالب يذكر لك نص نظريات الهندسة بدقة بالغة ومع ذلك لا يستطيع تطبيقها في حل التمارين. والتطبيقات مجال من المجالات التي يمارس فيها التلميذ التفكير الابتكاري. فالتلميذ عندما يفكر في صياغة مثال يطبق فيه قاعدة أو تعريفا في اللغة العربية -مثلًا- إنما يبتكر في كثير من الأحيان صورًا لغوية أو بلاغية أو اجتماعية أو غيرها.

والتطبيقات مجال مهم من مجالات التقويم. فتقويم تحصيل الطلاب لا ينبغي أن يقف عند حد ترديد القواعد والتعريفات والنظريات، ولكن ينبغي أن يمتد ليشمل مهارة الطالب في تطبيقها، وإذا لم يجد المعلم طلابه قادرين على ذلك، فلا بد من أن يراجع أسلوب تدريسه ليصلحه بما يحقق هذه القدرة، لما سبق تكتسب التطبيقات أهمية في تخطيط الدرس. 7- الواجبات المنزلية: تعطي الواجبات المنزلية بعدًا جديدًا لتقويم استيعاب التلاميذ للدرس. ولكن يخطئ كثير من المعلمين حينما يعطون الواجبات دون تحديد لأهدافها، ودون اختيار دقيق لمحتواها، ودون متابعة لإنجاز التلاميذ لها. ولعل ذكرنا -فيما يلي- لخواص الواجب المنزلي الجيد يعين المعلمين وطلاب التربية الميدانية على اختيار الواجبات المنزلية لتلاميذهم: - ينبغي أن يختار المعلم أهداف الواجب المنزلي على أساس نشاط التلاميذ في أثناء الدرس. فيمكن أن تكون أهدافه تعميق مفاهيم معينة أو مساعدة التلاميذ على اكتساب مهارات بذاتها، أو مثل ملء فراغات شعر بها المعلم أثناء تدريسه. - أن يتعاون التلاميذ مع المعلم على اختيار الواجب، وأن يكون واضحًا لهم الهدف منه، وأن يدركوا تماما دورهم بشأنه وكيف يؤدونه، وكيف يتحمل كل منهم مسؤليته المحددة في حال اشتراك مجموعة منهم في عمل واحد. - أن يراعي في اختيار الواجب المنزلي الفروق الفردية بين التلاميذ، وأن يعمل على تنمية قدرات التلاميذ وميولهم ويغذي حاجاتهم، ويعالج نقاط الضعف عندهم. - أن يكون الواجب المنزلي مجالًا لربط ما سبق أن درسه التلاميذ بالدرس الحالي، وأن يكون مجالًا لربط الدرس الحالي بالدروس القادمة ما أمكن. - أن يمهد الواجب المنزلي للدرس التالي على ألا يشكل صعوبة للتلاميذ. - أن يختار المعلم الوقت المناسب لتحديده، ويحاول إثارة دوافع التلاميذ نحو إنجازه. - ألا يكون عبئا ثقيلًا على التلميذ من حيث الوقت والجهد. - أن ينسق المعلمون فيما بينهنم، لكي لا تتراكم الواجبات المنزلية لمختلف المقررات على المتعلم.

8- التقويم: وهو العملية التي بها يمكن الوقوف على مدى تحقيق أهداف الدرس. ولكي يكون التقويم جيدًا ينبغي أن تتنوع أساليبه وأدواته، وأن يكون شاملًا وموضوعيا وصادقًا، وغير ذلك من الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في التقويم الجيد. وللتقويم هنا وظيفتان: الأولى تقويم استيعاب التلاميذ للدرس، والثانية، تقويم أداء المعلم في عرض الدرس. 2- أن الدرس الذي يقوم المعلم بإعداد خطة لتدريسه عنصر من عناصر المنهج الدراسي, وبذلك يكون تحقيق أهداف المنهج إلى جانب الأهداف الخاصة بالدرس، من أسس تخطيط الدرس: فالمنهج الدراسي له أهداف ينبغي أن تعمل جميع الدروس على تحقيقها، وبالتالي ينبغي على كل درس أن يعمل على بلوغ هذه الأهداف. فمثلًا، التربية الإسلامية، ينبغي أن تكون هدف جميع المناهج في الأقطار المسلمة، بناء عليه، فكل درس ينبغي أن يسهم في بلوغ هذا الهدف من حيث كونه مطلبًا اجتماعيا وفرديا. ولذلك بغض النظر عن موضوع الدرس أو نوع المادة الدراسية. مثال آخر لما ينبغي أن يضعه المعلم في اعتباره أثناء إعداد خطط دروسه هو تحقيق أهداف الدرس فيما يتعلق بالمواد الأخرى. فمثلًا جميع المواد الدراسية ينبغي أن تسهم في إثراء حصيلة التلميذ في اللغة العربية، وفي تقويم لسانه طبقا لقواعدها النحوية، ومن ثم يصبح هذا هدف كل درس. وذلك وفاء بأهداف المنهج الدراسي من حيث تكامل مواده. ومثال ثالث للأهداف التي ينبغي أن يراعيها المعلم، هي تحقيق أهداف المادة الدراسية، إضافة إلى الأهداف الخاصة بتدريس الدرس. فلكل مادة أهدافها الدراسية التي ينبغي أن تعمل جميع دروسها على تحقيقها، فمثلًا يكون الإسهام في تحقيق استقامة لسان الطالب بالنسبة للإعراب هدفًا من الأهداف العامة لدرس في الأفعال الناسخة، في حين يكون التعرف على الأفعال الناسخة وأثرها في الجملة الاسمية من الأهداف الخاصة بتدريس درس "الأفعال الناسخة". وهكذا ينبغي أن يدرك المعلم الأهداف المختلفة التي ينبغي أن يحققها الدرس، وأن يخطط لتحقيقها أثناء إعداده خطط دروسه.

3- أن المادة الدراسية ليست غاية في حد ذاتها، ولكنها وسيط تعلم وقناة لاتصال التلميذ بعالمه الخارجي. كثير من المعلمين -مع الأسف الشديد- لا يزالون يعيشون في مفهوم التدريس على أنه بلاغ بالمعرفة، ومن ثم فإنهم يتصورون أنهم قد أدوا مهماتهم -على الوجه الأكمل- إذا ما خططوا دروسهم ونفذوها بالشرح الوافي والعرض المفصل. هذا، مع أن البلاغ بالمعرفة لم يعد هو جوهر التدريس، ولكن أصبح جوهر التدريس هو نشاط المتعلم لاكتساب مختلف الخبرات ذاتيا، ففي هذا كشف لمدى دافعيته نحو ما يتعلمه، ومدى مواكبة قدراته لما يتعلم، ومدى وفاء ما يتعلم بحاجاته وتوافقها مع ميوله، ثم إن نشاط المتعلم في الموقف التدريسي ينبغي أن يكسبه دربة في حل المشكلات، وفي التفكير والإبداع، وفي التعليم الذاتي، وهذا ملاك الأمر كله في عملية التحصيل. أما المعرفة في مختلف الميادين فهي مفاتيح يستعين بها الطالب في فتح مغاليق الحياة. فتدريس الدراسات الإسلامية لا يحقق الهدف منه ما لم تنتقل مفاهيهما وحقائقها إلى سلوك التلاميذ، وتدريس اللغة العربية يفقد وظيفته ما لم يستخدمها التلاميذ استخدامًا صحيحًا في تعبيرهم الشفوي والتحريري. وتدريس الرياضيات لن يؤتي ثماره ما لم يساعد المتعلم على فك رموز حياته وحل مشكلاتها الكمية بصفة خاصة. وكل مما سبق، لا يمكن بلوغه بالصورة المطلوبة, ما لم يكن المتعلم عنصرًا نشطًا في الموقف التعليمي تحت إشراف المعلم وتوجيهه، وما لم يبذل المعلم الجهد الكافي لمعرفة تلاميذه أفرادًا وجماعات، بما في ذلك خصائصهم التحصيلية، ومن أهم الخطوات التي تساعد على تحقيق ذلك أن يوجه المعلم خطة الدرس إلى تحقيقه، ويوفر المناخ المناسب لإنفاذه أثناء التدريس. 4- أن الدرس حلقة في سلسلة متتابعة من الدروس: إن الذي دفعنا لتأكيد التتابع هنا أن كثيرًا من خطط الدروس تبدو وكأن الدرس وحدة تدريسية لا صلة لها بغيرها، وعلاجا لهذا الخطأ. جاءت فكرة "التخطيط لتدريس وحدة أو موضوع" تحقيقًا لمفهوم تكامل الدروس المكونة للوحدة أو الموضوع. ولذلك فإنه مع كون الدرس وحدة تدريسية مستقلة بحكم تأديته في فترة زمنية محددة، إلا أن كل درس يتخذ مما سبقه من دروس أساسًا، وهو -في الوقت نفسه- خطوة على طريق الوصول إلى الدروس التي تليه. ومن هنا كان الارتباط بين خطة تدريسه بخطط ما سبقه من دروس وما سوف يلحقه منها أمرًا ضروريا. وخاصة التتابع والاستمرار التي نؤكدها هنا ذات شعب ثلاث: الشعبة الأولى، تتعلق بالتلميذ في أمور مثل دافعيته نحو الدرس ومدى قدرته على

استعيابه، كما تتعلق بالتلاميذ كمجموعة في أمور مثل مدى تفاعلهم مع طريقة التدريس ومشاركتهم في الدرس، الأمر الذي يلقي على كاهل المعلم تخطيطه لمتابعة هذه الدافعية وهذا التفاعل واستمراريتهما. والشعبة الثانية: تتعلق بالمجتمع في أمور مثل التطبيقات الخاصة بمعلومات الدرس على المجتمع، وتطبيقاتها النابعة من المناشط الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها، في هذا المجتمع. فكلما ركزت الدروس على هذه التطبيقات واستمرت، كانت أكثر فاعلية في عملية التعليم والتعلم. وأما الشعبة الثالثة: فتتعلق بمادة الدرس واتصالها بما سبقها من الدروس وتمهيدها لما يلحقها من الدروس القادمة. وهذه الشعبة أكثر الشعب الثلاث حظوة باهتمام المعلمين في خطط دروسهم. مع أن لكل من هذه الشعب الثلاث ضرورة للامتداد والاستمرارية، وفي كثير من الأحيان يكون موقف التلميذ في أيها يكون مساعدًا لموقفه في الدرس الذي يليه. وتضيق خاصة التتابع في مادة الدرس وتتسع طبقًا لمدى الارتباط بين الدرس والدروس الأخرى، فمثلًا إذا كان درس اليوم يتناول "الجمع بدون حمل" وكان الدرس الذي يليه يتناول "الجمع بالحمل" فإن الصلة في البنية المعرفية بين الدرسين تكون كبيرة. وينبغي عند إعداد خطة الدرس الحالي أن يؤخذ في الاعتبار اتصال تأثيره على الدرس القادم؛ لأن لهذا تأثيرًا كبيرًا على المتعلمين من حيث دافعيتهم ومشاركتهم في الدرس, والقدرة على الاستيعاب، وغير ذلك. وعلى وجه العموم، ما لم يدرك المعلم هذا التتابع ويعمل على تحقيقه أثناء إعداده خطة الدرس، فإن خطة درسه سوف ينقصها عنصر من عناصر قدرتها على تقديم درس ناجح. 5- أن للمواد الدراسية الأخرى ولحياة التلاميذ اليومية مطالب من مادته التي يخطط دروسها: ضربنا فيما سبق مثلًا عن ضرورة مراعاة متطلبات التربية الإسلامية واللغة العربية من دروس جميع المواد، ونضيف هنا مطالب أخرى ينبغي أن يدركها المعلم لكي يأخذها في الاعتبار في أثناء إعداده لدرسه. مثال ذلك مطالب الفيزياء والكيمياء من الرياضيات. ففي المرحلة الثانوية يحتاج التلميذ أثناء دراسته الفيزياء والكيمياء إلى قدر معين من المعلومات في الرياضيات، وإلى مستوى مهاري معين في تناول هذه المعلومات. وفي المرحلة الابتدائية نجد دراسة المواريث والزكاة تحتاج إلى قدر معين من المعرفة في

الحساب. لذلك ينبغي أن يعرف المعلم هذه المطالب ويأخذها في الاعتبار، ليس فقط في عرض الدرس، ولكن في عناصر الدرس الأخرى والتطبيقات والواجبات المنزلية، وفي جعل هذه المطالب ميدانا من ميادين التطبيق. وكذلك الأمر بالنسبة للحياة اليومية للتلاميذ، مثل المناشط الاجتماعية والاقتصادية في بيئة المدرس بخاصة وفي المجتمع على وجه العموم. 6- أن استعداد المعلم للتخطيط لا ينبغي أن يتوقف عند حدود الدرس: كثيرًا ما يعكف المعلمون وطلاب التربية الميدانية بخاصة على الإعداد لتخطيط الدرس وإنجاز خطة تدريسه، في نفس اليوم الذي سوف يقومون بتدريسه أو قبله بيوم واحد، هذا لا يترك للمعلم فرصة لإثراء معلوماته عن موضوع الدرس بالاطلاع على مختلف المصادر, واختيار المعلومات الأنسب، ولا يتيح للمعلم فرصة تحليل مختلف التصورات عن طرائق التدريس التي يمكن أن يستخدمها في عرض الدرس, بما يعطي للتلاميذ فرصة المشاركة الإيجابية، والتنظيم الأفضل لهذه المشاركة في الدرس، ووسائل تقنية التعليم الأكثر تعبيرًا عن المفاهيم والعلاقات والحقائق التي يحتويها الدرس، والعمل على تنوع التطبيقات، وهذه مجرد أمثلة. وكثير من المعلمين لا يرجعون في تحضيرهم إلا إلى الكتاب المقرر، مما يجعل خطتهم للدرس لا تخرج عن كونها صياغة جديدة لما هو بهذا الكتاب عن موضوع الدرس، فيبدون أمام التلاميذ محدودي المعرفة، بل نسخة مكررة وربما مشوهة من الكتاب المقرر. لذلك فإنه من الأهمية بمكان أن يتعايش المعلم مع مفاهيم الدرس وحقائقه والمهارات المتعلقة به ويهضمها، وأن يبحث عن أفضل طرائق تهيئة الموقف التعليمي لمساعدة التلاميذ على اكتسابها من خلال نشاطهم الذاتي. ولا يمكن تحقيق هذا كله, ما لم يتمثل المعلم الموقف التدريسي من خلال استثماره مختلف الخبرات العملية والتربوية والاجتماعية المتاحة. وهذا لا يمكن تحقيقه في ليلة واحدة أو في يوم واحد أو بالرجوع إلى الكتاب المقرر وحده، ولكن بسعة الاطلاع والتفكير والتدبر لفترة أطول. 7- أن تتركز خطة الدرس حول محور واضح يشيد المعلم به انتباه التلاميذ إليه: ينبغي أن يكون للدرس محور يدور حوله نشاط التدريس، ويجعل المعلم قادرًا على التخطيط لجذب التلاميذ إليه بسهولة. فمن الأخطاء الشائعة بين المعلمين في إعدادهم لخطط الدروس أن البعض منهم يجعل محور تخطيطه "الفترة الزمنية للدرس". وهذا -في كثير من الأحيان- يؤدي إلى الاهتمام بشغل هذه الفترة الزمنية بنشاط تدريسي غير موجه التوجيه المطلوب.

كما أن الكثير منهم يخطئون في تخطيطهم للدروس بجعل محور اهتمامهم المادة التعليمية، وهذا يجعل التدريس يتجه إلى حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات. ولا جدال في أن الفترة الزمنية من بين ما ينبغي أن يهتم به المعلم من حيث توافق ما يدرسه معها، ولا مراء في أن المادة التعليمية هي وسيلة من وسائل تنمية خبرات التلاميذ، ولكن عطاءهما الأساسي في الدرس يرجع إلى استثمارهما في تقديم موقف تعليمي واضح، ينشط فيه التلميذ ويمارس التفكير الابتكاري وينمو نموا متكاملًا ومتوازنًا. لذلك ينبغي أن يكون المحور واضحًا للتلميذ, ويشد انتباهه ويجعله يركز تفكيره فيه، فمثلًا في درس للتعبير في اللغة العربية عن "الآثار الاجتماعية للصلاة" يمكن أن يتناول المعلم الموضوع بالاسترسال في أحكام الصلاة ربما نتيجة لسؤال من أحد التلاميذ، فيضيع من التلاميذ محور الدرس، وقد يرى المعلم أن يترك التلاميذ يعبرون بلغتهم وأسلوبهم، وقد يساعدهم على استخلاص بعض عناصر الموضوع مع استمرار توجيه نشاطهم نحو المحور. وهو "الآثار الاجتماعية للصلاة" ولا شك أن خطة الدرس هي أساس هذا التوجيه. 8- أن استخدام وسيلة تقنية التعليم ضرورة لا غنى عنها، ولكن ينبغي أن يكون استخدامها وظيفيا: من الأخطاء الشائعة لدى المعلم الجدد وطلاب التربية الميدانية -أيضًا- إهمال استخدام وسائل تقنية التعليم أو استخدامها وكأنها محور الدرس. فمن يهمل استخدام وسيلة تعليمية تعينه على التدريس يرتكب خطأ, لما للوسيلة من وظيفة مهمة في عملية التدريس. ومن يجعلها محور الدرس يرتكب الخطأ نفسه. فمن المعروف أن الاستخدام الناجح للوسيلة التعليمية يعتمد على خطوتين أساسيتين: أولًا اختيارها إذا كانت جاهزة التصنيع، وتصميمها وإنتاجها إذا كانت من إعداد المعلم. وهذا يتم أثناء تخطيط الدرس، ويتوقف عليه مدى الاستفادة من الوسيلة في التدريس. فعلى المعلم -إذن- أن يفكر جيدًا في تحليل عناصر الدرس في أثناء إعداد خطة تدريسه، وبناء على هذا التحليل يختار الوسيلة المناسبة أو يصممها. والخطوة الثانية: التي تجعل من الوسيلة التعليمية عاملًا مساعدًا للتدريس الناجح أو إحباطه، توقيت استخدام الوسيلة. فالمعلم الخبير يستطيع أن يحدد بنجاح -أثناء تقديم الدرس- موضع استخدام الوسيلة في الدرس وأسلوب استخدامها بناء على حاجة التلاميذ إليها. أما المعلم المبتدئ وطالب التربية الميدانية فقد يبالغ

في إعطاء الوسيلة التعليمية مساحة أكبر من المناسب في عملية التدريس. وغالبًا ما يحدث هذا بالنسبة لهؤلاء الذين لا يجيدون تخطيط الدرس. فهم لا يحددون في تخطيطهم وظيفة الوسيلة في الدرس، ومتى تستخدم؟ وكيف تستخدم؟ وأين تعرض في حجرة الدراسة، ولمن تعرض؟ مثل هذه الأسئلة لا بد أن توضع على بساط البحث أثناء إعداد خطة الدرس، إذ بدونها يصبح عرض الوسيلة استكمالًا لصورة الدرس من الناحية الشكلية، وقد تجعل الوسيلة الدرس يبدو وكأن محوره استعراض الوسيلة, فيضيع وقت الدرس وهدفه. ومما يوقع المعلم في هذا الخطأ -أحيانا- إقبال التلاميذ على عرض الوسيلة، فيظن المعلم أن هذا يعني إقبالهم على الدرس. وليس هذا صحيحًا دائمًا فالمحسوسات -إذا حسن عرضها- تكون أكثر قابلية لدى التلاميذ من المجردات التي يحتويها الدرس, والتي توظف الوسيلة لتجسيدها. 9- أنه لا بديل عن التقويم لمتابعة مدى تحقيق الأهداف: لا يستطيع معلم أن يقف على مدى إسهام تدريسه في تحقيق أهدافه العامة, ومدى تحقيقه لأهدافه الخاصة، بدون إجراء تقويم لأدائه التدريسي. فالمعلم يهدف إلى مساعدة تلاميذه على النمو من خلال ما يكتسبونه من خبرات تحت إشرافه بحيث يحقق أهدافًا معينة. لذلك هناك عدة أسئلة تفرض نفسها أثناء تخطيط الدرس بالنسبة لعملية التقويم من أهمها: ماذ أريد أن أحقق من نمو لدى التلاميذ؟ وكيف يمكنني التعرف عليه؟ وما أنسب أسلوب لتقويمه؟ وما أنسب الأدوات التي يمكن استخدامها في هذا التقويم؟ وما متطلبات استخدامها؟ وعلى المعلم أن يعد الأداة التي سوف يستخدمها في تقويم نمو تلاميذه. فإذا كانت هذه الوسيلة اختبارات، فعليه إعدادها، وإذا كانت مواقف أو تدريبات عملية مثل: التربية الميدانية أو الخطابة أو المناظرة، فعليه أن يخطط لها. ثم كيف يجعل من التقويم عملية مصاحبة لدرسه، وشاملة لجميع مكونات هذا الدرس، وشاملة لجميع طلابه مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، مثل هذه الخصائص المهمة للتقويم يحتاج تحقيقها إلى اهتمام خاص أثناء تخطيط الدرس. ولا شك أن المعلم -أيضًا- يحتاج إلى تقويم ذاتي، فكل معلم وبخاصة المعلم المبتدئ وطالب التربية الميدانية، يحتاج إلى متابعة كفاءة أدائه في التدريس. فلا بد من أن يسأل نفسه، ماذا كان يريد أن يحقق من أهداف؟ وما الذي لم يجعله يتوصل إلى تجويد أدائه، على وجه العموم؟ وفيما يلي أسئلة يمكن أن يتسخدمها المعلم للتقويم الذاتي. "5، 157".

9-1 هل استطعت صياغة أهداف الدرس؟ 9-2 هل بنيت معالجة الدرس على الدروس السابقة؟ 9-3 هل وزعت الوقت توزيعًا متوازنًا؟ 9-4 هل جذبت انتباه التلاميذ؟ 9-5 هل أكدت النقاط المهمة في الدرس؟ 9-6 هل استحدمت وسائل تقنية التعليم بنجاح؟ 9-7 هل حصلت على الحد الأقصى من اشتراك التلاميذ في الدرس؟ 9-8 هل طبقت بمواقف عملية؟ 9-9 هل خصصت وقتًا لتقويم أداء التلاميذ؟ 9-10 هل وضعت في تخطيطي مكانًا لغير المتوقع؟ 9-11 إذا قمت بتدريس هذا الدرس مرة أخرى، فما هي التعديلات التي أرى إدخالها على تخطيطه وتنفيذه؟ ونضيف أسئلة أخرى، مثل: 9-12 هل تحققق أهداف الدرس؟ 9-13 هل أسهم الدرس في تحقيق أهداف المنهج؟ 9-14 هل مهد الدرس للدرس التالي له؟ مثل هذه الأسئلة تضع أساسًا لتقويم المعلم لأدائه، ومن ثم تحسينه. وجميع ما سبق لا يتحقق إلا إذا أخذه المعلم في الاعتبار أثناء تخطيطه للدرس. ب- مثال لتخطيط الدرس: في ضوء الأسس السابقة سوف نحاول استعراض مثال لخطة درس. ونود أن نشير هنا إلى أن هناك صورًا شكلية مختلفة لخطة الدرس. ولكن جميع هذه الصور تشمل: تاريخ اليوم، وترتيب الحصة في اليوم الدراسي من حيث كونها الحصة الأولى أو الرابعة أو خلافة، والسنة الدراسية: وذلك لبيان ما إذا كان المستوى الدراسي هو السنة الثانية أو الثالثة أو غيرها، والفصل: لبيان ما إذا كانت الفرقة الثانية فصل أول أو "أ" أو الفرقة الثالثة فصل ثالث أو "جـ" أو غير ذلك. يضاف إلى هذا المادة الدراسية، وموضوع الدرس. وهناك كراسات للتحضير مدون فيها هذه البيانات. لذلك، فإننا سوف نركز هنا على مضمون الخطة.

وقبل تناول المثال بالتفصيل، نعطي فكرة سريعة عن واقع الموقف التدريسي وحاجاته في هذا المثال. - الطلاب المراد تدريسهم، هم طلاب المستوى الثالث بكليات الجامعة. - الموضوع المراد تدريسه هو "تخطيط الدرس". - الوقت المخصص لتدريس الدرس هو 55 دقيقة. - متوسط حجم مجموعات الطلاب 40 طالبًا تقريبًا. يحتاج الطلاب إلى كتاب من كتب المقررات التي تدرس في تخصصهم بإحدى مراحل التعليم، وليكن كتاب اللغة العربية. - يحتاج المعلم إلى الاطلاع على مجموعة من الكتب الحديثة في مجالات التخطيط للتدريس, عمومًا وطرائق التدريس وتقانة التعليم، والتقويم. ولا شك أن المعلم قد اطلع على بعض هذه الكتب أثناء إعداده. -يحتاج الطالب- لمتابعة هذ الدرس- أن يكون قد درس الأساسيات, على الأقل، في المجالات السابقة، وقد تم هذا بالنسبة لطلاب المستوى الثالث الذين يعدون لمهنة التدريس. - الدرس السابق على هذا الدرس هو "أسس تخطيط الدرس" والخبرة اللاحقة له هي التربية الميدانية بالمستوى الرابع, إضافة إلى دراسة بعض المجالات التربوية الأخرى التي تساعد الطالب على فهم المناخ المدرسي. - قد لا يتوافر وسائل تقانة التعليم بالصورة المطلوبة في هذا الحال. ينبغي على المدرس أن يصمم ويعد ما يحتاجه منها بالتعاون مع طلابه. 1- التمهيذ: "5 دقائق". يمكن أن يكون التمهيد، بأن يذكر المعلم لطلابه ما يلي: تخطيط الدرس هو حجر الزاوية في نجاح المعلم بعامة، وطالب التربية الميدانية بخاصة، فإذا بحثنا عن أسباب فشل الكثير من المعلمين لوجدنا أن معظم هذه الأسباب ترجع إلى عدم اكتسابهم للمهارات الخاصة بإعداد خطة الدرس، الأمر الذي جعلهم يفقدون الثقة في أنفسهم, ويواجهون الكثير من المشكلات، مع أن إعداد خطة الدرس ليس بالصعب، ولكنه يحتاج إلى تركيز وانتباه, لذلك أتوقع اهتمامكم الكامل وانتباهكم المركز لدرس اليوم؛ لأنه عن " تخطيط الدرس" الذي سوف يساعدكم كثيرًا على النجاح في دروسكم في "التربية الميدانية" وفي حياتكم المهنية بعد ذلك، وسف تتعلق الخطة -اليوم- بدرس "الفاعل".

2- أهداف الدرس: "15 دقيقة". أهم الأهداف العامة: يساعد تخطيط الدرس الطالب على تحقيق ما يلي: - اكتساب المهارات التدريسية. - تحقيق النمو الذاتي المهني. - اكتساب الثقة في النفس وثقة طلابه فيه. - تحقيق الأهداف العامة للمنهج، بالإضافة إلى الأهداف الخاصة بالدرس. - تقدير "تخطيط الدرس". وإدراك أهميته في اكتساب الطالب للمهارات التدريسية. أهم الأهداف الخاصة: مساعدة الطلاب على اكتساب الآتي: - معرفة عناصر "خطة الدرس". - إدراك أن تخطيط الدرس يساعد المدرس في اكتساب المهارة في كل من الآتي: 1 تحديد الأهداف وصياغتها. 2 استخدام الوسيلة التعليمية استخدامًا وظيفيا. 3 توجيه الأسئلة ومناقشة التلاميذ بما يراعي خصاص نموهم وينمي تفكيرهم الابتكاري. 4 إعداد أدوات تقويم الطلاب وحسن استخدامها. 5 اشتراك التلاميذ إيجابيا في النشاط التدريسي بالحصة. 6 التقويم الذاتي. 3- تحديد الأنشطة ووسائل تقنية التعليم "5 دقائق". لوحة تبين عناصر خطة الدرس وتنظيمها، أو فيلم يوضح هذه العناصر. ملاحظة: يمكن استخدام جهاز الإسقاط العالي -إن وجد- في توضيح عناصر الخطة وتنظيمها بدلا من اللوحة. كما يمكن استخدام فيلم -إن وجد فيلم مناسب.

4- طريقة العرض: "30 دقيقة".

سابعا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين ولما كانت مهمة المدرسة هي تمكين كل تلميذ من التعلم بأقصى طاقة تسمح بها إمكاناته، وجد المربون أن وضع جميع التلاميذ في ظروف تدريسية موحدة لا يستثمر الفروق الفردية بينهم في الوصول بعطاء كل منهم إلى حده الأقصى. ولذلك فكر المربون، في عدة طرق للتغلب على هذه الفروق الفردية في عملية التعليم والتعلم بين التلاميذ، من أهم هذه الطرق: أ- التقسيم المتجانس. ب- المقررات الشرفية أو المستوى الرفيع. جـ- التقدم السريع. أ- التقسيم المتجانس: إحدى الطرق التى استثمر بها المربون الفروق الفردية بين التلاميذ، هي تقسيمهم إلى مجموعات متجانسة من حيث قدرتهم على التحصيل، وبذلك يدرس كل من التلميذ الموهوب، والتلميذ بطيء التعلم والتلميذ المتوسط بين أقرانه وأمثاله من حيث القدرة على التحصيل، الأمر الذي يساعد على تهيئة الجو النفسي والتعليمي والتحصيلي لكل منهم بصورة أفضل. ويكون التقسيم عادة إلى ثلاث فئات هي: فئة المتفوفين، وفئة العاديين، وفئة المتخلفين دراسيا. ومن بين صور التقسيم المتجانس ما يلي: 1- عزل كل فئة في مدرسة خاصة بها. 2- عزل كل فئة في قسم أو فصل خاص بها في المدرسة ذاتها. 3- التقسيم داخل الفصل الواحد. وللتقسيم المتجانس أسس وعليه مآخذه، وله مميزات يجب أن يضعها القائمون بتخطيط المناهج والمشرفون على تطبيقها في الاعتبار، نذكر أهمها فيما يلي: أولًا: أسس التقسيم المتجانس يجب أن يكون واضحًا أن التلميذ الذي نود أن نوجهه إلى مجموعة المتخلفين دراسيا أو إلى مجموعة المتفوقين أو إلى مجموعة المتوسطين إنسان معقد تكوينه، ولا يمكن الحكم بانتمائه إلى مجموعة أو أخرى بسهولة، وتتأثر قدرته على التحصيل إلى حد كبير بمواهبه وخصائصه العقلية والجسمية والانفعالية, وبالبيئة التعليمية وبحياته خارج المدرسة، وليس بالذكاء وحده كما يعتقد البعض. ومن أجل هذا، عند الحكم على تلميذ ما بانتمائه إلى مجموعة أو أخرى من المجموعات

الثلاث، يجب أن نراعي عدة عوامل يتكامل بعضها مع بعض لتعطي صورة واضحة عن التلميذ في مختلف الخصائص العقلية والانفعالية والجسمية. والمؤلف ينصح المدرس أن يكون دقيقًا وموضوعيا في تناول كل جانب من هذه الجوانب، حتى يتكون لديه صورة صادقة عن التلميذ، وينبغي أن يراعي العوامل المهمة التي يعتمد عليها في تصنيف كل من الموهوبين والمتوسطين وبطيئي التعلم. ويمكن تحديد أهم هذه العوامل عند التقسيم المتجانس على النحو التالي: 1- نسبة الذكاء. 2- الدافع والمثابرة التي يتحلى بها التلميذ. 3- رأي المدرسين الحاليين في تحصيله اعتمادًا على الدرجات التي حصل عليها. 4- رأي المدرسين السابقين في مستوى تحصيله. 5- البطاقات التتبعية. 6- درجاته في الاختبارات المقننة -إن وجدت- التي تكشف عن الخصائص النفسية والعقلية. 7- سن التلميذ، وعدد السنوات التي تختلف فيها أثناء سني الدراسة. 8- صحة التلميذ بما في ذلك العاهات الجسمية. 9- هوايات التلميذ. 10- نوع المواد التي يرغب التلميذ في دراستها. 11- رأي الوالدين أو ولي الأمر فيما يتعلق بمستوى تحصيله. 12- المستوى التعليمي والثقافي لأسرة التلميذ، ومستواها الاقتصادي الاجتماعي. بالإضافة إلى ما سبق ينبغي مراعاة ما يلي: 13- يحسن ألا يتأخر تقسيم التلاميذ تقسيمًا متجانسًا لكي تتاح لكل فئة فرص التعليم المناسبة. فيمكن أن يتم التقسيم داخل الفصل الواحد في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية، ولكن تحديد التلاميذ المتفوقين أو بطيئي التعلم في مادة ما، يجب أن يتأخر حتى الصفوف الأولى من المرحلة الإعدادية. 14- يجب متابعة عملية التقسيم المتجانس للتلاميذ ونعني بالمتابعة هنا أن التلميذ الذي لا يحتفظ بمستواه بين التلاميذ المتفوقين لا مانع من أن يعاد إلى فئة التلاميذ العاديين، والتلميذ الذي ينتمي إلى

فئة بطيئي التعلم في مادة ما، ينبغي نقله إلى فئة التلاميذ العاديين إذا استقر أداؤه في مستوى التلميذ العادي لفترة مناسبة. فإن هذا يحفز الجميع على بذل الجهد في التحصيل. 15- التلميذ الموهوب في مادة ما لا يعني أنه موهوب في جميع المواد. فالتلميذ الموهوب في الرياضيات لا يعني بالضرورة أنه موهوب في اللغة العربية مثلًا، ولكن يجب ألا يكون الموهوب في إحدى المواد متخلفًا في أي مادة من المواد الدراسية. وما يقال عن الموهوب يقال عن بطيء التعلم. فليس صحيحًا أن التلميذ المتخلف دراسيا في إحدى المواد يكون بالضرورة متخلفًا في بقية المواد الأخرى، ولكن إذا كان التلميذ متخلفًا في الرياضيات -على سبيل المثال- ومتفوقًا في باقي المواد، فغالبًا ما يكون التلميذ في هذا الحال متخلفًا في الرياضيات لأسباب يمكن علاجها. 16- تقسيم التلاميذ إلى مجموعات متجانسة ليس هدفًا في حد ذاته, ولكنه وسيلة لتوفير مناخ دراسي أكثر ملاءمة لتكييف عملية التدريس حسب خصائص التلاميذ. فالتقسيم المتجانس يمكن من وضع مناهج تلائم قدرات التلاميذ, وحاجاتهم وميولهم، ويمكن تخطيط الجوانب الأخرى لعملية التدريس فيما يتعلق بالأنشطة ووسائل تقانة التعليم وفترة الدرس وطرائق التعليم ووسائل التقويم, حسب خصائص التلاميذ. فكما يود المتعلم أن يحقق نجاحًا فإنه يود أيضًا أن يشعر أن هذا النجاح ذو قيمة، ولن يشعر بهذا إلا إذا وجد فيما يتعلمه تحديًا لقدراته. ويتيح التوزيع المتجانس فرصة لتحدي قدرات كل من المتفوق وبطيء التعلم, وفي الوقت نفسه فيه فرصة لمراعاة إمكانات كل تلميذ على حدة. فالمتفوق يجد نفسه في حاجة إلى بذل جهد كبير في سبيل الاحتفاظ بمركزه بين فئة المتفوفين، ولا يستطيع بطيء التعلم -في الغالب- أن يحقق ذاته إلا بين أقرانه، إذ سيجد ما يتحدى تفكيره, إنما يتحدى تفكير آخرين من زملائه أيضًا. وبدون التقسم المتجانس يتجه التدريس -غالبًا- إلى التلميذ المتوسط، وفي هذا الحال يشعر التلميذ المتفوق في كثير من الأحيان بتفاهة المادة، ومن ناحية أخرى لا يستطيع التلميذ المتخلف الإلمام بالدرس، الأمر الذي يجعله يمل الدراسة.

ثانيًا: أهم المآخذ على التقسيم المتجانس ولكن التقسيم المتجانس ليس خيرًا كله، إذ يوجد عليه بعض المآخذ منها: 1- عزل المتفوقين أو المتخلفين دراسيا في مدرسة خاصة يجعل مجتمع المدرسة مختلفًا تماما عن المجتمع الخارجي، فالمتفوق لا بد أن يدرك من خلال حياته في المجتمع المدرسي، أن في مجتمعه أناسًا قدراتهم محدودة، وسلوكهم محدود بهذه القدرات، وأن يتعلم كيف يؤدي لهم خدمات, وكيف يتعامل معهم. وبالمثل يجب أن يدرك المتخلف أن في مجتمعه طاقات وقدرات تفوق قدراته، وأن في المجتمع أنماط سلوكية وفكرية أكثر كفاءة مما لديه، وأنها ليست مصدر تهديد لوجوده ولكنها مصدر طمأنينة وعون له؛ لأنها تستطيع حل المشكلات التي تواجهه كعضو في المجتمع، عندما لا يستطيع هو التصدي لها. وإحدى طرق علاج هذه المشكلة -كما يرى بعض المربين- يأتي من خلال النشاط المدرسي المشترك مع المدارس الأخرى، ففي النشاط العلمي والثقافي والرياضي والعملي مع المدارس العادية الأخرى فرصة لتفاعل جميع فئات التلاميذ. 2- في حالة عزل المتفوقين أو المتخلفين دراسيا في فصول مستقلة داخل المدرسة، قد ينعزلون عن المجتمع الكبير. ففي كثير من الأحيان، ينعزل المتفوقون في برج خاص، وينزوي المتخلفون دراسيا مبتعدين عن مجتمع المدرسة. ويرى البعض أن هناك وسائل كثيرة لتلافي حدوث ظاهرة انعزال كل من المتفوقين والمتخلفين عن المجتمع المدرسي الكبير. فمثلًا اشتراكهم في النشاط العلمي والعملي والثقافي والرياضي في المدرسة فرصة للتفاعل مع باقي التلاميذ، وكذلك في فناء المدرسة، وفي صالة المطعم، وفي الجمعية التعاونية، وغيرها من المجالات الخصبة التي تتيح فرص الاختلاط والتفاعل بين مختلف فئات التلاميذ. 3- قد يشعر المتفوقون بالعلو على المجتمع فقد يتصور المتفوقون -أحيانًا- عند عزلهم في مدارس أو فصول مستقلة أنهم طبقة خاصة، من ثم يتعالون على المجتمع ويرى بعض المربين أن إحدى وسائل علاج شعور المتفوقين بالتعالي تأتي من خلال برامج الخدمة العامة. وذلك بأن تضع المدرسة برامج للخدمات العامة في المدرسة

وفي البيئة المدرسية، يقوم به المتفوقون ويكون للتفوق فيه تقدير خاص. وهناك وسيلة أخرى لعلاج شعور المتفوقين بالتعالي، وهي دراسة تاريخ العلم. فعن طريق دراسة تاريخ العلم سوف يقف التلميذ المتفوق على المجهود الكبير الذي بذله العلماء في العصور المختلفة مثل الخوارزمي وابن حزم ونيوتين وابن سينا وابن رشد وابن الهيثم وأينشتين وغيرهم في سبيل رفاهية البشرية وسعادتها. ويجب أن تقدم دراسة التاريخ أمثال هؤلاء العلماء على أنهم قدموا للإنسانية الخير فاستحقوا دخول تاريخها. وهنا توجد فرصة يتعلم فيها المتفوق أن خدمة المجتمع -وليس التعالي عليه- هي التي تسجل للإنسان تاريخًا مجيدًا. ثالثًا: أهم ميزات التقسيم المتجانس من أهم ميزات تقسيم التلاميذ تقسيمًا متجانسًا هو تمكين المربين من تخطيط المناهج الدراسية حسب قدراتهم، فبالإضافة إلى إعطاء كل فئة من فئات المتفوقين والعاديين والمتخلفين فرصة للدراسة في الوسط الذي يناسبه, فإن اختيار المادة العلمية وتنظيمها وتخطيط تنفيذها يكون أكثر ملاءمة لخصائص كل من هذه الفئات، عندما يكون تقسيمها تقسيما متجانسا من حيث القدرة على التحصيل. ففي حال عزل تلاميذ كل فئة في مدرسة أو قسم في مدرسة أو حجرة من حجرات الدراسة, تكون مهمة المدرسة في إمداد التلاميذ بما يلائم مستواهم سهلة نسبيا. فتكون هناك مناهج خاصة وكتب خاصة لكل فئة، وكذلك الأمر عند تخطيط العمل المدرسي، وتنفيذه، وعند اختيار الأشخاص الذين سيعملون في المدرسة، وعلى رأسهم المعلمون حسب متطلبات خصائص كل فئة. رابعًا: أهم خصائص مناهج المتفوقين دراسيا 1- أن تحث المناهج التلاميذ على التفكير. 2- أن تساعد على تنمية الاتجاه نحو الاكتشاف. 3- أن تعطي للتلاميذ فرصة الابتكار والإبداع. 4- أن تبعد التلاميذ عن الجمود الفكري، وفرض حلول معينة دون أساس علمي. 5- أن يكون العمل التدريسي القائم على التكرار في حده الأدنى. 6- أن تنمي في التلميذ روح البحث والاستزادة من العلم. وذلك بالرجوع إلى المراجع لاستكمال دراسة بعض الموضوعات.

7- أن تتميز موضوعاتها بصفتي التجريد والحداثة بقدر الإمكان. 8- أن تساعد التلميذ على اكتساب مهارات التعليم الذاتي المستمر. خامسًا: أهم خصائص مناهج المتخلفين دراسيا: 1- أن تساعد التلميذ على فهم المناشط التي تجري في بيئته، وأن تكون عاملًا مساعدًا في حياته العملية والمهنية والاجتماعية. 2- أن تتخذ للمجردات مدخلًا حسيا، وأن تساعد المتعلم على فهم أسلوب حل المشكلات، بقدر الإمكان. 3- أن ترتكز على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في حياة المتعلم اليومية. 4- أن توفر للمتعلم قدرًا كافيا من التدريبات المتدرجة في الصعوبة وصولًا إلى اكتسابه المهارة وإجراء العمليات، واستيعاب المفاهيم. 5- أن تكون غنية بالأمثلة المحلولة والأشكال التوضيحية الملونة. 6- أن تكون سهلة اللغة بسيطة التراكيب. 7- أن تقسم إلى دروس قصيرة، تتدرج من السهل إلى الصعب. سادسًا: مهمات معلم التلميذ المتخلف لا شك أن الكثير من المدرسين يفضلون القيام بالتدريس للتلاميذ العاديين أو المتفوقين على التدريس للتلاميذ المتخلفين. فمدرس التلميذ يجب أن يكون عطوفًا قادرًا على التدريس العلاجي، صاحب خبرة واسعة في استخدام وسائل تقانة التعليم, وفي مجالات تطبيق مادته في الحياة اليومية للتلميذ، كما يجب أن يكون ملما بمشكلات التلميذ المتخلف وخصائصه النفسية والجسمية والعقلية. ومن أهم المشكلات التي تواجه مدرس التلميذ المتخلف هي مشكلة إثارة دوافعه نحو دراسة مادته. فعادة يكون التلميذ المتخلف غير راغب في الدراسة بالمدرسة. وكل ما يعنيه هو وأسرته أن يخرج إلى المجتمع وقد تعلم شيئا يكسب به عيشه. وفي غالب الأحيان، لا يكون عندهم ولاء لتنظيمات المدرسة التي تحتفظ به داخلها، على غير رغبة منه. كذلك ينبغي أن يبذل المعلم جهودًا مستمرة لإثارة دوافعه نحو التعلم، على وجه العموم، وإحدى وسائل تحقيق هذا التطبيق نجدها في الأعمال اليدوية, وإعداد وسائل التقانة التعليمية واستخدام الأفلام التعليمية. فهذا يساعد التلميذ المتخلف على تقبل المدرسة ويرغبه فيها. يضاف إلى ما سبق، تنويع طرائق التدريس والأنشطة وقصر فترات الدراسة "الحصة".

ومن بين ما يجب أن يراعيه المدرس بالنسبة لطاقة التلميذ الفكرية هو عدم قدرته على بلورة أفكاره بسرعة. ويستدعي هذا ألا يصر المدرس على أن ينتهي من دراسة موضوع معين, إذا وجد أن تلاميذه غير قادرين على استيعابه، فإن هذا -إن حدث- يثبط هممهم ويسبب لهم عقبات كثيرة في متابعة دراستهم فيما بعد، وخاصة بالنسبة للمواد ذات التسلسل المتتابع مثل الرياضيات. هذا بالاضافة إلى ما يسببه الفشل من عدم الثقة بالنفس. أكثر من أي تلميذ آخر، يحتاج المتخلف إلى تدريب طويل، ولكن لا يجب أن يكون هذا التدريب آليا، بل ينبغي أن يكون التدريب وظيفيا يساعد على توضيح قاعدة عامة أو نظرية أو مبدأ. ويكون اختياره بناء على احتياجات التلاميذ أنفسهم. ويساعد على جعل التدريب ذا معنى عند التلاميذ، الاحتفاظ بتسجيل خطوات تقدمه وإعلامه بها، ومتابعة هذا التسجيل، فإن هذا يساعد التلميذ على الوقوف على ما لديه من نقاط القوة في أدائه، ومن ناحية أخرى يبعث في نفسه السرور بما يحرزه من تقدم. والتلميذ المتخلف ينقصه الثقة بالنفس. ولذلك، على المدرس أن يداوم على تشجيعه. فلا شك أن تشجيع المدرس للتلميذ يعطيه فرصة لتحقيق ذاته بين زملائه في الفصل، وقد دلت التجربة على أن التلميذ المتخلف أكثر حساسية لمركزه بين زملائه في الفصل من التلميذ العادي. ومما يوفر فرصًا للنجاح وتحقيق الذات بالنسبة للتلميذ المتخلف مراعاة الفروق الفردية بين تلاميذ الفصل. ولذلك يوجه المدرس للتلميذ المتخلف السؤال الذي يتوقع أنه يستطيع الإجابة عليه، وإذا فشل التلميذ في الإجابة فالأفضل أن يوجه المدرس إليه سؤال أسهل في نفس مضمون السؤال الأول. ومما يساعد التلاميذ المتخلفين على تحقيق النجاح في الدراسة ألا يعطي المدرس أكثر من طريقة لمعالجة موضوع ما في الحصة نفسها. فمثلًا عند تدريس حل المعادلات في الرياضيات لا يجب أن يعطي المدرس أكثر من طريقة لحلها. وفي اللغة العربية لا ينبغي أن يدرس المدرس الحال والتمييز في الحصة نفسها، فالأفضل بالنسبة للتلميذ المتخلف أن يتقن طريقة واحدة لمعالجة موضوع واحدة، وألا يتشتت في دوامة عدة طرق لمعالجته. والأفضل أيضًا أن يدرس موضوعًا وتطبيقاته من أن يدرس موضوعين معًا. والتقويم المستمر من الطرائق الفعالة في التدريس للمتخلفين، فمدرس المتخلفين في حاجة ماسة إلى الوقوف على نقاط الضعف والقوة عند تلاميذه بالتقويم، وبناء على هذا التقويم يستطيع المدرس أن يخطط التدريس العلاجي اللازم. وقد يحتاج المدرس إلى اختبارات تشخيصية قبل العلاج، وقد يحتاج إلى إعادة شرح بعض الدروس، ولكن كل هذا لا يمكن أن يتم إلا في ضوء التقويم. وعلى وجه العموم، يمكن تحديد أهم واجبات معلم التلميذ المتخلف فيما يلي:

1- يجب أن يكون شرحه للدرس مبسطًا ومباشرًا، وأن تصحبه بعض التوضيحات والأمثلة من خارج المقرر على أن تكون مرتبطة بحياة التلميذ كلما أمكن، وأن يقسم المدرس الدرس إلى حلقات صغيرة يسهل على التلاميذ ربطها بعضها ببعض، وأن يقوم تحصيل التلاميذ تقويمًا مستمرا. 2- استغلال المدرس لميول التلاميذ في تدريسه. وأن يعنى دائمًا بالمواقف التعليمية والنشاط والتدريبات، لمساعدة التلاميذ على اكتساب المهارة في تناول المفاهيم والعلاقات. 3- اتخاذ نشاط التلميذ في الملعب وفي المنزل مدخلًا أساسيا للتدريس في حجرة الدراسة، وميدانا للتطبيقات. 4- التدريبات العشوائية لا تفيد التلميذ كثيرًا. ولكن توجيه التدريبات إلى ما تسفر عنه نتائج الاختبارات التشخيصية، يساعد في حل مشكلات التلميذ المتخلف. 5- ضرورة أن يعالج المدرس المفاهيم والمجردات في تؤدة وتدرج، حتى يتمكن تلاميذه من استنتاج القواعد العامة أو التعريفات المطلوبة، قبل أن يعطي المدرس تطبيقات عليها. 6- عدم إعطاء واجبات منزلية في درس ما, إلا بعد التأكد من أن تلاميذه قد فهموا الدرس جيدًا، حتى لا يحدث تدعيم لأخطائهم إذا مارسوا هذه الأخطاء أثناء أداء الواجب المنزلي. 7- الانتباه إلى أن تخلف التلميذ في مادة كالرياضيات مثلًا، قد يعود -بالدرجة الأولى- إلى ضعفه في القراءة، ومن ثم عدم قدرته على قراءة المادة التي يتعلمها وفهمها. لذلك يجب أن يتأكد المدرس من أن كل تلميذ قادر على قراءة المادة التي يعطيها لهم وفهمها. 8- من الاعتبارات المهمة التي يجب أن يأخذها المدرس في الحسبان ألا يضيف تلميذا مع المتخلفين بسبب مشكلاته السلوكية، ولكن يجب أن يكون هذا التصنيف على أساس الاعتبارات التي ذكرنا أهمها في تحديد خصائص التلميذ المتخلف. 9- من العوامل التي تساعد التلميذ المتخلف، أن يحدد المدرس أوقاتًا معينة يساعد فيها من يحتاج إليه من تلاميذه في مكتبه.

سابعًا: مهمات معلم التلميذ المتفوق يعتقد الكثيرون أن مهمة تدريس المتفوقين سهلة، ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، وأصحاب هذا الرأي يعتمدون على أن المتفوق يستطيع أن يعتمد على نفسه في التحصيل. ولكن قدرة التلميذ على الاعتماد على نفسه في حد ذاتها تحتاج إلى مدرس يفتح له الآفاق، ويساعده في حل ما يواجهه من مشكلات، وهذا بدوره يتطلب من المدرس أن يكون قويا في مادته واسع الاطلاع على أحدث التطورات فيها ومجالات تطبيقها، مثقفا ثقافة واسعة، ومن أهم ما يساعد مدرس المتفوقين، ما يلي: 1- تحضيره لتدريس درسه تحضيرًا متقنا. 2- اختيار مواقف وتدريبات تتحدى تفكير التلاميذ مع مراعاة الفروق الفردية بينهم. 3- سعة الاطلاع، في مادته وتطبيقاتها في المجالات المختلفة، وخاصة في المجالات العلمية والتقنية ومشاكل الحياة اليومية. 4- حضور مؤتمرات وندوات ولقاءات الجماعات المهنية المتخصصة في مادته وطرائق تدريسها، كوسيلة من وسائل التنمية الذاتية. 5- عقد اجتماعات فردية وجماعية مع تلاميذه لتوجيههم وحل مشكلاتهم، وذلك في غير أوقات الحصص المقررة. 6- عقد حلقات دراسية وحلقات للبحث، مع تلاميذه الذين يرغبون في دراسة موضوعات معينة. 7- تكوين جمعيات للنشاط المدرسي من تلاميذه، مثل النوادي الأدبية والعلمية والرياضية. 8- متابعة التجارب والمناشط التي تقوم بها مدارس المتفوقين الأخرى، وتبادل الخبرات مع المشرفين عليها. 9- الاحتفاظ بمكتبة حديثة في مادته، وفي طرائق تدريسها وفي مجالات تطبيقاتها. لكي يستفيد منها في تدريسه. 10- تكوين حلقات دراسية في مادته, وفي طرائق تدريسها مع مدرسي المتفوقين بالمدارس الأخرى. 11- تقسيم تلاميذه إلى مجموعات متكافئة -بقدر الإمكان- يكون تكليف كل منها بإجراء بحوث ودراسات, يشترك المعلم والتلاميذ في اختيارها والتخطيط لدراستها، أسلوبا من أساليب التدريس.

12- الحرص على الثقافة العامة في الموضوعات والقضايا المعاصرة يساعده على إشباع الاستطلاع العلمي والتقني وغيرهما لدى تلاميذه. ولا شك إن إدارة المدرسة عليها مسئولية مساعدة المعلم على تحقيق الأمور السابقة، وخاصة فيما يختص بالمكتبة والنشاط المدرسي، وتمكينه من حضور اجتماعات الجمعيات المهنية، ومن حضوره برامج التدريب، وإعفائه من المهمات الإدارية والكتابية بالمدرسة، بل يفضل تخفيف نصاب تدريسه. 8- أهم واجبات المدرس عندما يواجه فئات المتفوقين والعاديين والمتخلفين في نفس الفصل الدراسي: في حالة المدرسة الصغيرة التي لا يتوافر فيها عدد من التلاميذ من كل فئة يكفي فصل مستقل، تكون مشكلة التقسيم المتجانس أكثر تعقيدا بالنسبة للمدرس. ففي هذا الحال، يجد المدرس في نفس الفصل تلاميذ متفوقين في مادته وآخرين متخلفين فيها، وعليه أن يتيح الفرصة لكل من الفئتين للتحصيل بأقصى ما تسمح به طاقاتها إلى جانب التلاميذ العاديين الذين ينبغي أن يتيح لهم الفرصة ذاتها. إحدى وسائل التغلب على هذه المشكلة هي تقسيم الفصل إلى ثلاث مجموعات: مجموعة المتفوقين دراسيا. ومجموعة المتخلفين دراسيا، ومجموعة العاديين أو المتوسطين دراسيا، ويقوم المدرس بالتدريس للثلاث مجموعات في الوقت نفسه، وربما من ثلاثة كتب مختلفة. ولكن هناك مشكلات في هذه الطريقة، وهي أن المدرس كثيرًا ما يجد صعوبة في شغل إحدى المجموعات بعمل يستطيع أفرادها القيام به بأنفسهم, في الوقت الذي يكون هو في مساعدة المجموعتين الأخريين، وخاصة أن تلاميذ مجموعة المتخلفين لا يستطيعون -في العادة- القيام بالعمل بأنفسهم لفترة طويلة دون إرشاد ومساعدة المدرس، بل إنهم لا يستطيعون العمل فترة طويلة حتى بمساعدة المدرس. وكذلك يجد معظم المدرسين صعوبة في حفظ النظام في الفصل. وقد حاول بعض المدرسين التغلب على هذه الصعوبات بجعل التلاميذ المتفوفين يساعدون المتخلفين في الفصل. وذلك بأن يقوم التلاميذ المتفوقون بالتدريس للتلاميذ المتخلفين, في الوقت الذي يكون المدرس فيه مشغولًا بمساعدة الفئة المتوسطة. ولكن يؤخذ على هذا الإجراء أن حساسية التلاميذ المتخلفين قد تجعلهم يرفضون مساعدة المتفوقين، كما أنهم قد يعتمدون على هذه المساعدة أكثر من اللازم, وبالإضافة إلى هذا طريقة أخرى هي المساعدة الفردية خارج الفصل لإعطاء كل تلميذ الفرصة التي يحتاجها, ولم تتوافر له داخل الفصل. في حال تقسيم الفصل إلى مستويين أو ثلاثة مستويات, وحينما يكون الكتاب الذي يدرسه التلاميذ واحدًا، تكون مهمة المدرس في اختيار تمارينه وواجباته

المنزلية -بما يناسب جميع المستويات- مهمة صعبة، وبخاصة أن عليه أن يشفي غلة كل فئة من التعلم. في هذا الحال، يجب أن تتأرجح أسئلة المدرس الذي يتناول من خلالها شرح الدرس بين الصعوبة والسهولة، فيوجه السؤال الصعب إلى التلميذ المتفوق والتلميذ المتوسط، والسؤال المتوسط الصعوبة إلى التلميذ المتوسط والتلميذ المتخلف، والسؤال السهل إلى التلميذ المتخلف. وبالمثل عند اختياره للتمارين والواجبات المنزلية، وفي جميع الأحوال يجب أن يراعى أمرين هامين: - أن يجد كل تلميذ في بعض أسئلة المدرس والتمارين ما يتحدى قدراته. - أن تتيح الأسئلة والتطبيقات -على وجه العموم- فرصة الإجابة الصحيحة. ويمكن أن يقسم المدرس تلاميذه إلى أسر, بحيث تضم كل أسرة قطاعًا رأسيا من التلاميذ, يكون فيه تلاميذ متفوقون ومتوسطون ومتخلفون، ومن داخل هذا التنظيم -إذا أحسنت إدراته- قد تتوافر ظروف التعاون بين تلاميذ كل أسرة. وغني عن البيان أن مراعاة الفروق الفردية داخل كل فئة، واستخدام النشاط المدرسي والوسائل التقانية في التدريس، والتقويم المستمر، والتدريس الوقائي، والتدريس العلاجي، جميعها من أساسيات عملية التدريس عمومًا وللمتخلفين بخاصة. ب- المقررات الشرفية أو مقررات المستوى الرفيع للمتفوقين: من بين الإجراءات التي يتخذها بعض المربين لمقابلة متطلبات الفروق الفردية بين التلاميذ تنظيم مقررات خاصة للمتفوقين, ويطلق على هذه المقررات "المقررات الشرفية" أو "مقررات المستوى الرفيع". فيدرس التلميذ المتفوق البرنامج العادي مع التلاميذ العاديين، وبالإضافة إلى هذه المقررات يدرس هذه المقررات الخاصة. وتكون هذه المقررات في المواد التي أثبت التاريخ الدراسي للتلميذ تفوقه فيها. ولذلك نجد بعض المتفوقين يدرسون مقررات خا صة في الرياضيات. والبعض يدرس مقررات خاصة في العلوم، وآخرون يدرسون مقررات خاصة في اللغات وهكذا. وينبغي ملاحظة أن تطبيق هذا النظام في المدارس الصغيرة يصبح مكلفًا من الناحية المادية؛ لأن المجموعات التي تدرس كل مقرر من المقررات الشرفية تكون صغيرة، ولكنه إجراء سليم من وجهة النظر التربوية إذ إنه يتيح للتلميذ المتفوق التعمق في دراسة المادة التي يتفوق فيها. وينبغي أن تتميز هذه المقررات بالحداثة. وتكون هذه المقررات ذات فائدة أكبر، إذا كتبت مادتها خصيصًا للمتفوقين.

جـ- التقدم السريع: من بين الإجراءات التي يتخذها المربون في البلدان المتقدمة، إتاحة الفرصة لكل تلميذ أن يتقدم إلى صفوف الدراسة الأعلى حسب قدراته. وذلك بأن يسمح للتلميذ الذي أتم دراسة مقررات الصفة الأول الثانوي -مثلًا- بالانتقال إلى الصف الثاني الثانوي في أي وقت من العام وبعد أن يؤدي بنجاح الامتحانات المقررة في الصف الأول الثانوي. وبناء على هذا، فإن التلميذ المتفوق قد ينتهي من دراسة المرحلة الثانية في سنتين فقط بدلًا من ثلاث, وهذا الإجراء يعتبر مقبولًا من الناحية النظرية, ولكن إذا تذكرنا أن المادة التعليمية التي يدرسها المتفوق ينبغي أن يتوافر فيها خصائص معينة تناسب قدرات المتفوقين، نجد أن هذا الإجراء لا يساعد على قدح قدرات المتفوقين، وإثراء خبراتهم. هذا فضلًا عن الصعبوات الإدارية والإشرافية الخاصة بتطبيق هذا النظام. ويعتمد هذا النظام على تفريد التعليم، بمعنى أن يخطط المنهج بحيث يستطيع أن يسير كل تلميذ حسب قدراته بغض النظر عن بيقة زملائة. وغالبًا ما يقسم المقرر الدراسي إلى وحدات متتابعة فإذا أنجز الطالب واحدة واختبر فيها بنجاح، انتقل إلى دراسة الوحدة التالية في المقرر نفسه إذا شاء. وقد يدرس الطالب الوحدة الأولى فقط من خمس وحدات في الرياضيات -على سبيل المثال- في حين أنه قد أتم دراسة جميع الوحدات في اللغة العربية. حينئذ يستطيع التلميذ -وقد أتم دراسة مقرر اللغة العربية- أن يبدأ في دراسة الوحدة الأولى من المستوى التالي في اللغة العربية، وبعض التطبيقات لا تسمح بالانتقال إلى المستوى التالي إلا بعد إتمام دراسة جميع مقررات المستوى السابق عليه، ويستخدم في هذا النظام -في كثير من الأحيان- الحاسب الآلي أو التعليم المبرمج، ولكن يمكن تطبيقه بدونهما. وفي حال استخدام الحاسب الآلي تسجل جميع الوحدات على أشرطة, ولكل طالب فرصة الجلوس إلا الجهاز ليتابع دراسة الوحدات الخاصة به والمخزنة في الحاسب، وفي التعليم المبرمج تكون الوحدات مبرمجة في كتيبات, وكل تلميذ يأخذ الكتيبات الخاصة بالوحدات التي يدرسها. ولا يجتمع الطلاب كمجموعة مع المدرس إلا في حال وجود توجيهات عامة أو أخطاء شائعة، أما من حيث التحصيل الدراسي. فإن المدرس يساعد كل تلميذ على حدة في تخطيط برنامجه الدراسي, يحيث لا يتأخر كثيرًا في دراسة اللغة العربية -مثلًا- ويسرع كثيرًا في دراسة العلوم. فالمدرس يساعد التلميذ على التوازن والتنسيق بين مختلف المواد الدراسية في سيره الدراسي، كما يساعده على حل المشكلات التي يطلب من المدرس المساعدة في حلها، أو المشكلات التي يكتشفها المدرس نتيجة لتقويمه المستمر لأداء الطالب في الوحدات أو الموضوعات التي أنجز دراستها.

أولًا: أهم خصائص طريقة التقدم السريع 1- يعتمد الطالب في دراسته على جهده الخاص، بعد الله سبحانه وتعالى. 2- لا يكون تقدمه في الدراسة مرتبطًا بأحد من الطلاب الآخرين من زملائه. 3- يقف الطالب على نتيجة أدائه أولا بأول، وبخاصة إذا ما استخدم الحاسب الآلي والتعليم المبرمج في تقديم المادة التعليمية. 4- لا يقوم المدرس بالتدريس التقليدي، ولكنه يكون مرشدًا وموجها للطلاب، ومساعدًا لهم على تخطيط برامج سيرهم الدراسي ومشجعا لهم على الإنجاز، ومقوما لإنجازهم. ثانيًا: أهم مميزات طريقة التقدم السريع: 1- أنها تدرب الطالب على التعليم الذاتي، وهو من بين المؤهلات للتعليم المستمر، وكلاهما ضرورة لملاحقة الفيض المعرفي المعاصر. 2- تعود الطالب على الاستقلال, واتخاذ القرارات من خلال تخطيط برنامجه الدراسي، والالتزام بالوفاء بمتطلبات تنفيذه. 3- في حال استخدام التعليم المبرمج أو الحاسب الآلي بخاصة، يقف الطالب أولًا بأول على مستوى أدائه، وهذا فوق أنه حافز مستمر له على التعليم، فإنه يعود الطالب على تحمل المسئولية وعلى التقويم المستمر. 4- تخفف عن الطالب عبء عرض مستواه أمام زملائه، ولا يكون تقويم عمله على أساس قدرات الغير ومستوى تحصيلهم، بل تتيح له فرصة السير في دراسته وفق قدراته الخاصة، ويقوم أداؤه بناء على ذلك. 5- تخفف عبء التحضير والتصحيح عن المدرس، وخاصة عندما يستخدم التعليم المبرمج أو الحاسب الآلي. 6- تتيح فرصة أكبر للمدرس بأن يتعرف على طلابه، ليس من حيث خصائصهم العقلية فقط، ولكن أيضًا من حيث مختلف نواحي شخصيتهم. ثالثًا: أهم المآخذ على طريقة التقدم السريع: 1- أنها تحتاج إلى خبرات كبيرة في إعداد برامجها، وتنفيذها وتقويمها ومتابعتها.

2- أنها مكلفة إذا قورنت بالأساليب الجماعية للتدريس. 3- أنها تفقد الطالب فرصة اكتساب المهارات الاجتماعية التي يكتسبها نتيجة لتفاعله مع مجموعات الطلاب الذين يدرس معهم في التدريس الجماعي. 4- أنها لا تصلح إلا لنوع معين من الطلاب وهم -في الغالب- الذين لديهم حوافز للدراسة، أما الذين لا يقبلون على الدراسة فقد توقعهم في مشاكل التقصير، ومن ثم التخلف. 5- أنها تحتاج من المدرس إلى كفاءة في حفظ السجلات والمتابعة اليومية لأداء كل طالب، وترتيب اللقاءات معهم، فضلا عن ضرورة تمتعه بمهارات القيادة والتمكن الشامل من المادة التي يقوم بتدريسها.

خاتمة الفصل الثاني

خاتمة الفصل الثاني: في هذا الفصل: عالجنا أهم مجالاته المتصلة بتنفيذ المناهج الدراسية. وهي تلكم المجالات المتعلقة بعملية التدريس. ولقد مررنا سريعًا على التخطيط للتدريس فصلًا أو عامًا، وكذلك الأمر بالنسبة لتدريس وحدة أو موضوع. ولكننا ركزنا على سد بعض الثغرات في الأدبيات المنشورة بتناول مجالات لم تحظ بالعناية اللائقة بها من وجهة نظر المؤلف. من أمثلة هذه المجالات: التخطيط للتربية الميدانية، والتخطيط لبداية ناجحة في التدريس والتخطيط للعمل اليومي. وقد أعطينا عناية خاصة لمجالين من مجالات التخطيط: الأول, هو تخطيط الدرس, حيث قدمنا أنموذجًا يمكن أن يستفيد منه كل من المدرسين وطلاب التربية الميدانية، والثاني، هو التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين. وذلك لكون هذا الاستثمار أصبح من أكثر ملامح التربية المعاصرة، ومن الجوانب المهمة لاستثمار الطاقة البشرية في عصر أصبح الذكاء البشري المعبر الأساسي للإبداع العلمي والتقني، كما أصبح من أشد الميادين تنافسًا بين الأمم.

أهم مصادر الفصل الثاني

أهم مصادر الفصل الثاني: 1- سعد سمير لويس: "مترجم". تخطيط تنمية الموارد البشرية نماذج ومخططات تعليمية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1975. 2- شوق محمود أحمد: الاتجاهات الحديثة في تدريس الرياضيات. الرياض: دار المريخ، 1409-1989. 3- عبد الدائم عبد الله: التخطيط التربوي: أصوله وأساليبه الفنية وتطبيقاته في البلاد العربية. بيروت: دار العلم للملايين 1972. 4- فهمي محمد سيف الدين: التخطيط التعليمي: أسسه، أساليبه ومشكلاته. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1965. 5 نصحي فؤاد: التخطيط التربوي على مستوى العالم العربي. القاهرة: دار الكتاب المصري 1978. 6 - Grambs, Jean D. and John C. Carr, Modern Methods in Secondary Education " Fourth Ed." New York: Holt Rinehart and Winston , 1979. 7 - Jacobson, David and Others, Methods For Teahing, A Skills Approach London: Charles E. Merril Publishing Company, 1981 8 - Mursell, James L., Successful Teaching, Its Psychological Principles " Secon Ed " New York: Mc Graw - Hill Book Company Inc, 1954 9 - Johnson, Domovan A. and Gerald R. Rising Guidelines for Teaching Mathematics "Second Ed. " Belmont, Calif: Woods Worth Publishing Company, Inc, 1972

10 - Schorling Raleigh, Student Teaching, An Experience Program "First Ed." New York: Mc Graw - Hill Book Company Inc, 1940 11 - Sngder, Edith Roach " Ed." The Self - Contained Classeoom. Washington DC: Association for Supervision and Curriculum Deveglpment, 1960. 12 - Stratemeyer, Florence B. and Margaret Lindsey , Working With Student Teachers New York: Bareau of Publications of T.C, Columbia Un, 1958 13 - Wragg, E.C. "Ed ", Classroom Teaching Skills, the Research Findings of the Teacher Education Project. London: Nichole Publishing compay, 1984.

خاتمة الباب الأول

خاتمة الباب الأول: في هذا الباب: حاول المؤلف تقديم مفهوم كل من التخطيط للتدريس، وتخطيط المنهج الدراسي. ووصولًا إلى هذين المفهومين حاول تحديد مفهوم كل من الخبرة والمنهج الدراسي. وقد توخى التوجيه الإسلامي في جميع الأحوال. ولمزيد من إيضاح هذه المفاهيم، ومساعدة للقارئ على تطبيقها، حاول المؤلف تطبيقها في مجالات اعتبرها الأقرب إلى المناهج الدراسية والأكثر أهمية بالنسبة للمعلمين، منها مجالات غير مطروقة كثيرًا، مثل التخطيط للعمل اليومي، والتخطيط لبداية ناجحة في التدريس. ولقد اتبع المؤلف في عرض مختلف المجالات أسلوبًا إجرائيا، فإضافة إلى الأسلوب المباشر في العرض، اختار الأمثلة الموضحة التي تقرب المفهوم لذهن القارئ وتصور الموقف تصويرًا مرتبطًا بوقائع الأداء الفعلي، وتبين ما فيه من جوانب تركيز ومهارات. وفي الباب الثاني سوف يتناول -بمشيئة الله- الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي.

الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي

الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي مقدمة الباب الثاني: النظام التربوي هو أحد أنظمة المجتمع التي تتكامل مع نظمه الأخرى, مثل النظام السياسي والنظام الاقتصادي والنظام العسكري، ويتناغم معها للمحافظة على استقرار المجتمع, ودفع حركته نحو احتلال موقع متقدم في ركب التقدم. ولما كان التسارع هو سمة التغير المجتمعي المعاصر فإنه -غالبًا- ما يصاحبه تخلخل ثقافي قد يؤدي إلى تخلخل ثقافي في المجتمع، ما لم يتنبه إلى هذا القائمون على النظام التربوي في المجتمع, فيحاولوا بذل جهد مركز لوقاية المجتمع من هذا التخلخل. وتتحق الوقاية من التخلخل والحماية من الغزو الذي يصاحب التغير المجتمعي، عن طريق جهود تربوية تعمل على ترسيخ قيم المجتمع وإحداث التكامل بينها وبين التطورات المعاصرة. فقيم المجتمع هي المقومات التي تقيه من التفكك، وتشكل صمام الأمان بالنسبة لما قد يصيب المجتمع من هزات. ويتطلع التربويون إلى المناهج الدراسية كي تقوم بهذه الوقاية. ويتم هذا بأن يحدد القائمون على أمر المناهج في المجتمع الأسس التي ينبغي أن يبنوا المناهج عليها, بحيث تجمع بين خاصتين لا بد من الوفاء بهما لوقاية المجتمع من التفكك أو التخلخل: الأولى، هي المحافظة على قيم المجتمع، فهذه القيم هي الهيكل الخرساني الذي يحمي بناء المجتمع من أن ينفرط عقده. والثانية، هي مواكبة التقدم الحضاري المعاصر. والأولى تضع الثانية في إطارها الصحيح وكلتاهما تعملان على إيجاد الطاقات اللازمة لتقدم المجتمع واستثمارها وفق مقتضيات العصر. بمعنى أنه لا تعارض بين التمسك بالقيم ومواكبة التقدم المعاصر، بل إن التقدم الذي يأخذ قيم المجتمع في الاعتبار هو الأكثر تأثيرًا والأكثر إسهاما في دفع المجتمع إلى منصة الانطلاق الحضاري. ويتناول المؤلف في هذا الكتاب تلكم الأسس العامة التي ينبغي أن تراعيها المناهج الدراسية في المجتمع المسلم. فالمجتمع المسلم يهدف إلى تربية أبنائه تربية إسلامية، ومن ثم تصبح خصائص هذه التربية من الأسس المهمة التي ينبغي أن تراعيها المناهج الدراسية. وكذلك الأمر بالنسبة لخصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي؛ نظرا لتفرد هذه الخصائص وضرورتها للبنية الثقافية للمسلم، والتوجيه الإسلامي للعلوم، من حيث إنه ضروري لحماية أبناء الأمة من الغزو الثقافي. ومن ثم يرى المؤلف أن يكون أيضًا من الأسس المهمة للمناهج الدراسية، يضاف إلى ما سبق التطورات التربوية المعاصرة؛ وذلك لأن الفكر التربوي والتطبيقات التربوية في مجال المناهج الدراسية في تطور مستمر -في الوقت الحاضر- ولا يمكن أن يخطط منهج دراسي على أسس متطورة دون استثمارها في عملية التخطيط.

بالنظر إلى الأسس السابق ذكرها تستبين لنا الأفكار المغلوطة السائدة في مناهجنا الدراسية، وفي الفكر التربوي المطروح -اليوم- على الساحة الإسلامية، فالتربية الإسلامية ليست فقط تعليم بضع آيات من الذكر الحكيم وبعض الأحاديث الشريفة، ولا هي تعليم العبادات فقط كما يحدث في معظم المناهج الدراسية في عالمنا الإسلامي، والعلم الحديث الذي تغترف منه المناهج خبراتها ليس وليد الفكر الإنساني فقط، وتحصيل العلم أو عدم تحصيله ليس خيارًا حرا بالنسبة للمسلم، وليست كل معرفة واجب على المسلم تعلمها كما أنتجتها عقول البشر, فمن المعرفة ما ضرر تعلمها أكثر من نفعه، وعلى وجه العموم، ما لم توجه جميع الخبرات التي تقدمها المناهج الدراسية إلى تربية الفرد تريبة إسلامية، فإن هذه المناهج سوف تؤدي إلى تشويه تربوي، كما هو الحال -اليوم- في عالمنا الإسلامي. لذلك يالج المؤلف -في هذا الباب- أهم الأسس العامة التي يرى أن يراعيها مخططو المناهج، لتصحيح مسار المناهج الدراسية ووقايتها من الغبش الفكري والتلوث التربوي، وذلك على النحو التالي: الفصل الثالث: أهم الخصائص التربية الإسلامية. الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي. الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم. الفصل السادس: أهم التطورات التربوية المعاصرة في مجال المناهج الدراسية.

الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية

الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية مقدمة الفصل الثالث ... مقدمة الفصل الثالث: تشكل التربية الإسلامية الأساس الأول لاختيار خبرات المناهج وتنظيمها من حيث كونها تحدد نوع السلوك الذي ينبغي أن يسلكه المتعلم بعد اكتسابه لخبرات المناهج الدراسية. تقوم التربية الإسلامية على تصور الإسلام للكون والإنسان والحياة والمعرفة؛ ولذلك فإنها ترجمة دقيقة لهذا التصور. وكل اجتهاد فيها ينبع منه مباشرة أو ينسجم معه في مجمله وتفصيله. ولما كان التصور الإسلامي شاملًا للكون من حيث كينونته وبدايته ونهايته وما يحتويه من إنس وجن وحيوان وطير ونبات وجماد وكواكب وبحيرات وبحار وأنهار، وغير ذلك مما أودع الله فيه من خلق، فإن الإحاطة بهذا التصور في حيزنا هذا تكون مهمة صعبة المنال. وتصور الإسلام للإنسان تصور شامل يحيط بطبيعته ومراحل نموه ووظيفته وحقوقه وواجباته نحو نفسه ونحو غيره من المسلمين أفرادًا وجماعات، ونحو المجتمع بمختلف مؤسساته بدءا بالأسرة وانتهاء بالمجتمع المسلم كله، بل والإنسانية كلها. ونحو العلم والجهاد وأولي الأمر وفئات المجتمع الخاصة، مثل اليتامى والفقراء والمساكين وأبناء السبيل، وغير ذلك من الأمور التي تحيط بجميع شئون الإنسان في ذاته أو في غيره، لذلك فإن محاولتنا الإحاطة بهذا التصور في هذه العجالة سوف يعتريها الضعف لا محالة. وتصور الإسلام للحياة يتسع لكل ما تحيط به الحياة الدنيا والحياة الآخرة, ولمتطلبات كل من الحياتين من اعتقاد وعبادات ومعاملات وأخلاق وحساب وجزاء, وعلاقة كل منهما بالأخرى، وموقف المسلم من كل منهما، وغير ذلك من جوانب هذا التصور. وهذا أوسع من أن نحيط به هنا إحاطة شاملة. وكذلك الأمر بالنسبة للمعرفة، فإن الإحاطة بموقف الإسلام من جوانبها وخصائصها وأساليب اكتسابها وحدود تطبيقها في الحيز الذي بين أيدينا يكون طموحًا بعيدًا بلوغه. ولا ينبغي أن يفهم القارئ من إشارتنا فيما سبق لكل من الكون والإنسان والحياة والمعرفة على حدة. أننا نرى أن كلا منها منفصل عن الآخر في التصور الإسلامي، بل هي متكاملة في إنسجام تام وتصالح مستمر وتفاعل متواصل، وفي هندسة بديعة من صنع الخالق المبدع، سبحانه وتعالى.

ولكن ما أردنا إيضاحه بهذه الإشارة هو أن ما نقدمه فيما يلي من تصور للمقومات الفكرية للمنهج الدراسي لا يحيط بجميع هذه المقومات، ولكنه يشمل ما نتصوره أهم هذه المقومات فقط. ونحن على ثقة من أن تصورنا هذا يعتريه ثلاثة منطلقات للقصور الأول: يرجع إلى الطبيعة البشرية وما تتسم به من خطأ أو نسيان، والثاني: يرجع إلى ما قد يظهر من قصور في اجتهاد الكاتب شخصيا. والثالث: ما قد يصيب بعض المواقف من نقص نتيجة للاختصار الشديد تكيفًا مع الحيز المتاح. وبعد هذا الإيضاح، نعود إلى استخلاص التربية الإسلامية في ضوء الهدف من معالجتها هنا، وهي -في الوقت نفسه- الأسس الفكرية للمنهج الدراسي، من حيث كونه من أهم وسائل تحقيق هذه التربية. وذلك على النحو التالي: أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر, عالمية الغاية، شاملة الأثر. ثانيًا: التربية الإسلامية ثابتة أصولها, مرنة تطبيقاتها. ثالثًا: التربية الإسلامية تستهدف الحياتين الدنيا والآخرة في توازن واعتدال. رابًعا: التربية الإسلامية تحث المسلم على العمل بقدر طاقته. وفيها يلي نتناول كل عنصر مما سبق بشيء من التفصيل.

أولا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر

أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر الحقيقة الأولى التي بينها كتاب الله أن الإسلام هو الدين الحق, وأنه من عند الله سبحانه وتعالى، وأن رسوله لا يبتدع ولا يضيف ولا ينقص عن هوى أو نزعة ذاتية، ولكنه مبلغ لمنهج الله، موضح لحدوده، مبين لمقتضيات ربوبيته وإنفاذ منهجه في كل الأزمان والأجناس والأقوام والديار، وفي شتى الأمور والأحوال. قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: الآية 19] . وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام: الآية 125] . وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: الآية 85] .

وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُور} [الشورى: الآية 52، 53] . وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 1-5] . ويرتكز في بلاغه على حقائق هي في واقعها مسلمات هذا الدين: أولها التوحيد، فالله -في الإسلام- واحد لا شريك له، متفرد في كل شيء، لم يلد ولم يولد، وليس كمثله شيء، هو وحده الخالق البارئ المصور، هو الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، المنفرد بالألويهة في كل زمان وفي كل مكان في هذا الكون. قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1-4] . فتوحيد الألوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات من المقومات الأساسية لهذا الدين، والأدلة في القرآن الكريم على هذا كثيرة، نذكر منها. قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84، 85] . وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر: 38] . وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: الآية 11] . ومجمل القول أن التصور الإسلامي يقوم على أساس أن هناك ألوهية وعبودية، ألوهية يتفرد به الله سبحانه, وعبودية يشترك فيها كل من عداه وكل ما عداه ... كما يتفرد الله -سبحانه- بالألوهية، كذلك، "يتفرد" -تبعا لهذا- بكل خصائص الألوهية ... وكما يشترك كل حي وكل شيء -بعد ذلك- في

العبودية، كذلك يتجرد كل حي وكل شيء من خصائص الألوهية ... فهناك إذن وجدان متميزان: وجود الله ووجود ما عداه من عبيد الله, والعلاقة بين الوجودين هي علاقة الخالق بالمخلوق والإله بالعبيد.... "19، 183". والحقيقة الثانية التي تتصل بالربوبية في الإسلام شمول الرسالة للناس جميعًا. ومحمد -صلى الله عليه وسلم- نبي الإسلام لم يرسل لقوم دون قوم، بل أرسل للناس كافة دون تمييز لأحد بسبب جنس أو لون أو مركز اجتماعي أو غير ذلك من عوامل التمايز بين الناس. فالرسالة عالمية موجهة للعالمين أجمعين، وليست خاصة لقوم دون آخرين، وهذا من بين ما يميزها عن رسالات سائر الأنبياء. فكل نبي أرسل إلى قومه إلا محمدًا فقد أرسل إلى كافة البشر. قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] . وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107] . وتتضح خاصة العالمية، وخواص أخرى تتفرد به رسالة محمد، في قوله: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث لقومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة". ومن جوانب شمول رسالة الإسلام، أنها تشمل الإنسان الفرد كله: في خلقه وإخراجه إلى الوجود، وفي عقيدته وعبادته ومعاملاته، وفي سره وعلنه، وفي نفسه وأسرته ومجتمعه، وفي نومه ويقظته، في حياته وموته. باختصار في جميع مناشط الإنسان حيثما تكون ووقتما تكون. فالله محيط بها، يهدي من يشاء، ويحاسب كلا على عمله، ويعفو عمن يريد: قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] . وهكذا تتجمع الكينونة الإنسانية بكل مشتملاتها في وحدة الانتماء والتوجه إلى الله، وبذلك تكون في أقوى حالاتها، والكينونة الإنسانية حيت تتجمع على هذا النحو تصبح في خير حالاتها؛ لأنها تكون حينئذ في حالة "الوحدة" التي هي طابع الحقيقة في كل مجالاتها، فالوحدة هي حقيقة الخالق -سبحانه- والوحدة هي

حقيقة هذا الكون, على تنوع المظاهر والأشكال والأحوال، والوحدة هي حقيقة الحياة والأحياء, على تنوع الأجناس والأنواع. والوحدة هي حقيقة الإنسان, على تنوع الأفراد والاستعدادات، والوحدة هي غاية الوجود الإنساني، وهي العبادة، على تنوع مجالات العبادة وهيئاتها، وهكذا حيثما بحث الإنسان عن الحقيقة في هذا الوجود ... "19، 107". ومن أهم صور الشمول في الإسلام رد الكون كله من حيث نشأته وتسييره وتفاعلاته وتغيراته وعدمه إلى إرادة الذات الألهية السرمدية الأزلية الأبدية المطلقة. فالله سبحانه هو الذي خلق هذا الكون ابتداء، وهو الذي يحفظ ما هو محفوظ فيه، وهو الذي يغير ما هو متغير فيه، وكل حركة أو سكون فيه لا تكون إلا بأمره، فهو القاهر فوق عباده، ويعلم كوامنه وأسراره، ويكشف ما يشاء منها لعباده، فمثلًا: هذه الحياة كيف انبثقت من المادة الميتة؟ وكيف سارت -وتسير- سيرتها هذه العجيبة المحوطة بآلاف الموافقات والموازنات والتقديرات المرسومة المحسوبة بهذا الحساب الدقيق "19، 92". ولننظر إلى هذه الأجرام السماوية والمجموعات الشمسية التي تتحرك في أنساق متآلفة دون خلل, وفي توافق عجيب مع حركة الأرض وجاذبيتها, وما أودع الله فيها من حبال وبحار وأنهار وبراكين وزلازل. ولننظر إلى تركيب جسم الإنسان وأجهزته الهضمية والتنفسية، والإخراجية التي تعمل في تناغم عجيب وإنسجام بديع فيما بينها، وبينها من ناحية والحواس من ناحية أخرى. والقدرة الفائقة للإنسان على التكيف لمختلف الظروف البيئية في العالم. والملاحظة نفسها تنطبق على الحيوان والنبات. إن الكون مليء بدلائل قدرة خالقه, ابتداء ومسير كل شيء فيه، وفي القرآن دلالات كثيرة لشمول سيطرة الله على هذا الكون سيطرة شاملة كاملة. قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] . وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] . وقال تعالى: {سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35] .

وقال تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] . وقال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] . وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] . وجوهر تصور خاصة العالمية والشمول وارتباطها بالربانية إنما يمكن تلخيصه في أن أمر الكون والحياة والإنسان والأحياء والأشياء يرجع إلى إرادة الذات الإلهية السرمدية الأبدية المطلقة القادرة دائمًا، الملهمة للصواب أبدًا، وتكون عقيدة التوحيد هي البوتقة التي ينصهر فيها كل هذا. ويبين لنا سيد قطب في كتابه "نحو مجتمع إسلامي" أن مرد ذلك كله إلى عقيدة التوحيد في قوله: إن عقيدة التوحيد -بكل إشعاعاتها- تسيطر وتؤثر في مقومات النظام الاجتماعي الإسلامي، توحيد الله المطلق بلا شبهة من شرك أو تعدد، وتوحيد إرادة الله في الخلق والحفظ والضبط والحساب، وتوحيد الوجود الحادث عن توجه الإرادة الواحدة، وتوحيد الحياة في مصدرها وطبيعتها ومقوماتها، وتوحيد البشرية في مصدرها وأصلها ونشأتها وفي أجيالها وأهدافها ومصائرها، وتوحيد الدين على أيدي أمة الرسل -وهم أمة واحدة- وتوحيد الأمة المؤمنة وهي تشمل كل من آمنوا برسول الله قبل أن يرسل أخوه بعده من لدن آدم إلى خاتم المرسلين، وتوحيد الطبيعة البشرية في اعتبارها وتوجيهها، وتوحيد العقيدة والعمل والعبادة والسلوك: وتوحيد الدنيا والآخرة في التوجه إلى الله "20، 142-143". ويضيف سيد قطب قوله: ... والواقع أن العقيدة الإسلامية واضحة الأثر في كل جزئيات النظام الإسلامي، ما قرب من هذه العقيدة من الظاهر كالعبادات والأخلاق، وما بعد عنها في الظاهر كالمعاملات المالية والارتباطات الاقتصادية، والعلاقات السياسية داخلية أو دولية، بحيث يصعب إدراك طبيعة أي جانب من هذه الجوانب المتعددة وفهمها فهما حقيقيا بدون دراسة العقيدة الإسلامية، وفكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان، ثم الربط بين هذه الفكرة الكلية وبين أي جانب من الحياة في الإسلام، فردية كانت أو عائلية أو جماعية أو دولية. "20، 142".

ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها

ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها ... ثانيًا: ثابتة أصولها، مرنة تطبيقاتها هناك أصول ثابتة في الإسلام لا مجال للتغيير فيها؛ لأنها تشكل البنية الأساسية والقواعد الراسخة للدين الحنيف، ومبلغ سعي المسلم بالنسبة لهذه الأصول أن يتفهمها ويستوعبها ويطبقها. ومن خصائص هذه الأصول الثابتة أنها توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ لذلك فإنها الأساس السليم للمنهج الذي يهدي الناس كافة في حياتهم الدنيا إلى حياتهم الآخرة. وقد حدد سبحانه وتعالى هذا المنهج تحديدًا وافيًا؛ لأنه -لسابق علمه بخلقه- يعلم أن الإنسان لا يقدر على إيجاد منهج شامل ثابت كامل لحياته. وقد قال تعالى عن موافقة هذا المنهج للفطرة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] . وقال تعالى عن شموله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] . وقال تعالى عن إحاطته بالتفاصيل: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء: 12] . قال تعالى عن ثباته: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62] . {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43] . وتوجيها لاتباع هذا المنهج كما هو، وتحذيرًا من الحيود عنه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] . وقيمة "الثبات" هي وجود الميزان الثابت الذي يرجع إليه "الإنسان" بكل ما يعرض له من مشاعر وأفكار وتصورات، وبكل ما يجد في حياته من ملابسات وظروف وارتباطات فيزنها بهذا الميزان الثابت. ليرى قربها أو بعدها من الحق والصواب، ومن ثم يظل دائمًا في الدائرة المأمونة لا يشرد إلى التيه الذي لا دليل فيه من نجم ثابت، ولا من معالم هادية في الطرق. "19، 76-77".

ولكن هذه الأصول لا تعيق حركة الحياة ونموها، ولا تقيد انطلاقها واستجابتها لمتغيرات الزمان والمكان والبيئة والمعرفة، وشتى المتغيرات التي تطرأ على الإنسان والحياة والكون؛ وذلك لأن الثوابت تتعلق بالكليات والمضامين الأساسية، وتترك للإنسان درجات من الحرية في التطبيق كافية لمواجهة المتغيرات في شئون حياته داخل أطر الثوابت. وإنه لمن إعجاز منهج الله أن هذه الأصول الثابتة لا تتعارض مع حركة الحياة، بل تهديها إلى الصراط المستقيم، وتجعل منها مصدر خير وسعادة للبشرية جمعاء في كل الأزمنة, وفي شتى بقاع الأرض وفي مختلق مسافات سعي الإنسان في حياته. ومن إعجاز هذا المنهج أيضا أنه شامل لكل شيء ومتكامل في ذاته، في نسيج عجيب كل عروة فيه تكمل الأخرى في تجانس رائع يليق بجلال صاحب الصنعة -سبحانه وتعالى- ومن ثم لا يقبل زيادة أو نقصانًا، ومع ذلك، فإن هذه الأصول الثابتة، هي ذاتها حافز ومنطلق لحركة الحياة بكل أبعادها نتيجة لمرونة تطبيقاتها. والتربية الإسلامية تستمد مقوماتها من هذا الدين، فتتخذ من منهجه في الثوابت والمتغيرات أساسًا لها، وتعمل على تبيان الثوابت وترسيخها وتجذيرها في وجدان الفرد، كما تعمل على تجلية طبيعة هذه الثوابت من حيث إقدارها للفرد على مواجهة مواقف الحياة المتغيرة، كما تعمل على تبيان المرونة المتوافرة في التطبيق لبعض هذه الأصول في داخل إطارها، ومع المحافظة التامة على جوهرها، وتوظيف هذه المرونة في مواجهة المتغيرات في الحياة, وأن هذه المرونة هي من دلائل قوة هذا المنهج, وحيويته في مواجهة المستحدثات في الكون. فمن المصادر الثابتة لمنهج الإسلام الحقائق التالية: - حقيقة وجود الله وسرمديته ووحدانيته وهيمنته وتدبيره لأمر الخلق وطلاقة مشيئته. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] . وقال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] .

- حقيقة أن الكون كله من خلق الله وإبداعه. قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام: 102] . قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] . - حقيقة العبودية المطلقة لله وعموم هذه العبودية للناس والأحياء والأشياء قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1] . وقال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] . - حقيقة أن أركان الإيمان هي؛ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآحر والقدر خيره وشره. قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] . وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] . - حقيقة أن الدين عند الله الإسلام وما دونه باطل قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: 19] .

وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85] . - حقيقة أن الناس من أصل واحد، وأن القيمة الوحيدة التي يتفاضلون بها هي التقوى والعمل الصالح، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5] . قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] . - حقيقة أن رابطة التجمع الإنساني هي العقيدة، وليست اعتبارا من الاعتبارات الأخرى مثل الجنس أو اللون أو المصالح أو الطبقة أو غيرها. - حقيقة أن الإنسان مخلوق مكرم على سائر الخلائق في الأرض. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء: 70] . قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] . - حقيقة أن الدنيا دار ابتلاء وعمل، وأن الآخرة دار حساب وجزاء. وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد: 20] .

- وفيما يلي نعطي أمثلة أخرى لبعض الأصول الثابتة التي تفسح مجالًا للمرونة في تطبيقاتها: - حقيقة أن أركان الإسلام بعد الشهادتين هي إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت. قال, صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". "متفق عليه". تتضح المرونة في إقامة الصلاة أنها لا تؤدى على هيئة واحدة، فيجوز لغير القادر على تأديتها قائمًا أن يؤديها قاعدًا أو مستلقيًا في فراشه. ومن جوانب المرونة -أيضًا- السجود عند السهو عن واجب أو الشك في زيادة أو نقصان، وتتجلى المرونة في تأدية هذا الركن بفتح الباب فيها على مصراعيه بالنوافل للقادرين والمجتهدين. وتتضح المرونة في إيتاء الزكاة، جواز تأجيلها عن موعدها انتظارًا لحضور من هو أحق بها، وفتح الباب أمام من يريد أن يزيد على الحد المقرر منها. وتتضح المرونة في الصيام جواز تأجيله عند المرض أو السفر أو الحيض، وجواز التعويض عنه عند عدم القدرة عليه يقينا بإطعام مساكين، وباب الاستزادة منه للمجتهدين القادرين مفتوح بالنوافل. وتتضح المرونة في حج البيت الحرام بأنه مشروط بالاستطاعة، وتأجيله ما دام حال عدم الاستطاعة قائمًا يقينًا, حتى لو حال ذلك العذر دون تأدية هذه الفريضة، وتسقط بتأدية الحج مرة واحدة، ومع ذلك، فتأديته مفتوحة بالنوافل لمن يريد أن يزيد. ومن الثوابت إقامة الحدود وفق شرع الله, قال تعالى في حد السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38] . ومع ذلك فقد أوقف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه تطبيق هذا الحد في وقت المجاعة. - ومن الثوابت أن وظيفة الإنسان في الحياة هي عمارة الأرض. قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] .

ولكن تتجلى قدرة منهج الإسلام -مع ثبات أصوله- على مواكبة المتغيرات في كل الأزمنة والأمكنة ترك طرق هذه العمارة وأساليبها، وأدواتها دون قيد, إلا الإطار العام لهذا المنهج، فعلى الإنسان في هذه العمارة أن يستنفد قدراته ومبلغ علمه والمتاح, وما يمكن إتاحته من طرق وأساليب وأدوات للوفاء بهذا التكليف الرباني. وقد يكون مجال الوفاء بهذه الوظيفة في أقوام هي الزراعة، وقد تكون التجارة هي مجالها في أقوام ثانية، وقد تكون الصنعة هي مجالها في أقوام ثالثة. ومهما كان مجال الوفاء بهذه الوظيفة فإن المؤكد -وفق منهج الإسلام- أن تكون الطرق والأساليب والأدوات المستخدمة من أحدث ما وصل إليه العقل البشري في العصر. وبناء عليه، قد تكون عمارة الأرض في عصرنا هذا في غزو الفضاء، وقد تكون في علوم الذرة، وقد تكون في الهندسة الوراثية، وقد تكون في غير ذلك من مجالات التقدم العلمي والتقني، ومن ثم يكون كل هذا واجبًا على المسلم أن يأخذ به في كدحه لعمارة الأرض، على أن يحتكم في كل قول أو عمل في سعيه هذا إلى منهج الله. والشوى والعدل والإحسان حقائق ثابتة في منهج الله. قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] . وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] . أما كيفية تطبيق هذا كله فقد تركت للاختيار مع الالتزام بالإطار العام للمنهج. فصورة تطبيق الشورى -مثلًا- يمكن أن تتم بأكثر من طريقة، إذ يمكن أن تكون الشورى لأهل الحل والعقد، ويمكن أن تكون الشورى لذوي الاختصاص في موضوع المشورة، ويمكن أن يختار من يستشار بواسطة الجماهير فالتطبيق يختلف حسب مقتضيات الحال.

كذلك الأمر بالنسبة للعدل، فيمكن أن يتم بواسطة قضاة متخصصين، بمعنى أن يوجد قضاء للأحوال الشخصية وآخرون للأحوال المدنية، وفئة ثالثة للجنايات، ويكن أن يكون القضاء على درجات أو غير ذلك من الصور التي يحلها منهج الله, وتناسب ظروف الفرد والجماعة وتحقق مصالح المسلمين. ومن الأصول الثابتة في الإسلام الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . ولكن تنفيذ هذا، يمكن أن يتم بمختلف الطرق والأساليب، فيمكن أن تتم الدعوة بواسطة الدعاة المتخصصين المعدين لها خاصة، ويمكن أن تتم بواسطة المهنيين كالأطباء والمهندسين والمدرسين، ويمكن أن تتم بالقدرة والمثل، كما تختلف أدوات الدعوة وطرائقها مع معطيات العصر.

ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين: الدنيا والآخرة في توازن واعتدال

ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين، الدنيا والآخرة في توازن واعتدال من أهم أسس التربية الإسلامية أنها تشمل كلا من الحياتين الدنيا والآخرة, وأنها تعد الإنسان للحياتين معا، فهي تربي الإنسان ليعمل في دنياه كأنه يعيش أبدًا، فيكد ويكابد ويحسن العمل فيها ويحقق أهدافها، ويستمتع فيها بما سمح الله له من متاع، ويأخذ منها ما أحل الله فيها من طيبات، ويعطي فيها ما أوجب الله عليه من عطاء. باختصار، فإن التربية الإسلامية تهيئ الإنسان لحمل الأمانة التي حمله الله إياها في حياته الدنيا، فيحل لنفسه ما أحل الله، ويحرم على نفسه ما حرم الله، ويأخذ نفسه فيها بمنهج الله تبارك وتعالى متاعًا وامتناعًا. ومن حدود منهج الله للإنسان في الحياة الدنيا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [المائدة: 87] . وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ} [النحل: 114] .

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] . وقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] . ولكن الحق تبارك وتعالى يحذر المسلمين من الاستغراق في متاع الدنيا، ويحثهم على الاعتدال والتوازن في الأخذ من متاعها، والاعتدال والتوازن في الإعراض عنها أيضًا. بل يأخذ منها ويعرض عنها وفق المنهج الذي أنزله الله، حتى لا تستقطبه ملذات الحياة الدنيا فيغرق نفسه فيها، وحتى لا يهملها ويترك ما فيها من متاع مباح فيفوته فيها ما أحب الله له أن يتبوأ من فضلة، ولكي لا يضل الإنسان الطريق، أنزل إليه الهدى في كتابه ليترسم خطاه، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] . وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] . ومع حرص منهج الإسلام على أن يتمتع الإنسان بالحياة الدنيا وفق المنهج الرباني، فإن هذا المنهج ذاته يبين أن هذه الدنيا بما فيها من متاع، تكون الحياة فيها موقوته، وأنها معبر للحياة الآخرة التي هي دار القرار، ومن ثم لا ينبغي أن تشغل الحياة الدنيا الإنسان عن حياته الآخرة، إلا أن يكون ظالمًا لنفسه باغيًا ومتخطيا لحدود المنهج القويم. قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] . وقال تعالى: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] .

وقال تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] . وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37-39] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد: 12] . أما المؤمنون الذين عملوا للحياتين في توازن واعتدال, ولم يجرفهم تيار الدنيا ومغرياتها، فقد قال تعالى فيهم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] . وقال تعالى عنهم: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 64] . وقال تعالى عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [البقرة: 86] . وقد أكد الحق تبارك وتعالى أن الإيمان باليوم الآخر من أعمال البر في قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ} [البقرة: 177] . وبين الله في محكم كتابه أن الإيمان بالله واليوم الآخر يجعل المسلم من المأجورين عند الله، وممن لا يخافون على أنفسهم يوم الحساب، وممن يعمرون بيوت الله، فقال تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62] .

وقال تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 69] . وحث الله المسلمين على قتال من لا يؤمن بالله وباليوم الآخر. فقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] . وإن لوجود الحياة الآخرة بين خصائص التربية الإسلامية معطيات تربوية أساسية في سلوك الفرد في الحياة الدنيا. منها ضرورة إيمان الفرد بالحساب الذي بناء عليه يتقرر نوع حياته الآخرة، ومنها استشعار الفرد لمراقبة الله -تبارك وتعالى- له في أقواله وأفعاله، مراقبة محيطة شاملة دائمة دقيقة لا تخفى عنها خافية, وقد بين الحق تبارك وتعالى هذا في قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 41] . وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] . وعن ابن مسعود قال: قال -صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به". "رواه الترمذي". وقال تعالى مبينا أن كل أعمال الإنسان مسطورة في كتاب: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13, 14] . وقال تعالى في وصف سلوك الإنسان يوم القيامة، وفراره من أقرب الناس إليه انشغالًا بشأنه الخاص: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34-37] .

وقال تعالي في وصف العاصين غير الملتزمين بأوامر الله ونواهيه: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا، وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 10-12] . ومن معطيات وجود الحياة الآخرة بين مقومات التربية الإسلامية، إيمان المسلم بموجود الجنة بما فيها من ترغيب، ومن أعد الله فيها من متع لا تخطر على قلب بشر, وعد الله بها المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، المستقيمين في الحياة الدنيا على صراط الله الحميد، فقد جاء في الذكر الحكيم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الطور: 17] . وقال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الفتح: 5] . كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54, 55] . ومن الكثير الكثير الذي جاء في الكتاب الحكيم في وصف هذه الجنات، قول الحق تبارك وتعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 15] . وفي قوله تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ، فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 12-16] . ومن معطيات الإيمان بالحساب يوم القيامة، الإيمان بوجود جهنم وما فيها من ترهيب لما أعد فيها لمشركين بالله, ومن يصدون عن سبيله في الحياة الدنيا، ومن يفترون عليه الكذب وهم يعلمون، والذين لا يحكمون بما أنزل الله والمخالفين لمنهجه، وغيرهم ممن لا يستقيمون على صراط الله الحميد. قال تعالى:

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ، لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} [الرعد: 33، 34] . وقال تعالى عن المنافقين والكفار: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [التوبة: 68] . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] . ومن أهداف هذا الترغيب في الجنة والترهيب من النار حفز الإنسان على التمسك بمنهج الله في الحياة الدنيا، وتربية وازع ديني وإرادة ذاتية نابعة من نفسه, تحثه على الاستقامة على هذا المنهج وتوجيهه إلى السير وفقه في جميع شئون الحياة. وهكذا يقيم المنهج الرباني الإنسان رقيبًا على نفسه، فلا يتلبث بمعصية في غفلة من مراقبيه كما يحدث في المناهج البشرية الموضوعة، ولا يتحايل على رقابة الغير كي يفلت من قبضة القوانين. ولكنه يحاسب نفسه بنفسه، ويلزم نفسه بنفسه، ويراقب نفسه بنفسه، ويزن أعماله في الدنيا قبل أن توزن عليه في الآخرة، فهذه فتاة تقول لأمها التي أرادتها أن تخلط اللبن بالماء ما دام أمير المؤمين لن يراهما: "إذا كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن الله يرانا". وهكذا تتكامل الحياة في الدارين. فالعمل في الأولى يحدد نوع الحياة في الأخرى، والحياة في الثانية تجعل من الإنسان رقيبًا على نفسه حسيبًا لأعماله في الأولى. ومع أن الحياة الآخرة نعيم مقيم للطائعين، وأنها محط البشر جميعًا، وأن الحياة الدنيا معبر إليها، ومع أن العمل الصالح في الدنيا أساس النعيم في الآخرة, إلا أن التوازن والاعتدال في العمل لكل من الحياتين مطلب أساسي في التربية الإسلامية. نستبين هذا من قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77] .

ومن قوله -صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر, لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". "صحيح البخاري". وفيما يلي موقفان عمليان يضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيهما مثلا للاعتدال في العمل للحياتين الدنيا والآخرة، عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا, وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر, وقال الآخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ وأما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني". "صحيح البخاري". وعن أبي جحيفة وهب الله بن عبد الله رضي الله عنه عن أبيه قال: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم-بين سلمان وأبي الدرداء. فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك؟ فقال: أخوك أبو الدرداء ليس له حياة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال له: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل. فلما كان الليل, ذهب أبو الدرداء يقوم فقال له: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا جميعًا. فقال سلمان: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان". "صحيح البخاري". وهكذا تعمل التربية الإسلامية على ترسيخ كل من الحياتين الدنيا والآخرة في وجدان المسلم، وأن يجعل لكل منهما نصيبًا مفروضًا في عمله في الحياة الدنيا، وأن يحافظ على التوازن بينهما، فلا ينبغي أن تستقطبه الحياة الدنيا بما فيها من ملذات وشهوات وإغراءات، فتجرفه إلى مخالفة منهج الله. كما لا ينبغي أن يستولي عليه العمل للآخرة فيعطي وقته كله أو جله للعبادة على حساب السعي في مناكب الأرض, وطلب الرزق والعمل على إصلاح أحوال المسلمين، والتمتع بما أحل الله له.

رابعا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته قبل أن أتناول هذا الموضوع بالتحليل أرى أن أستعرض موقفًا له دلالته في تصور غير المسلمين عن قيمة العمل في الإسلام، انعكاسًا من أعمال المسلمين أنفسهم. قابلت رجلًا أمريكي الجنسية -في أحد الأسفار- عمل في إحدى البلدان العربية عدة سنوات، ودار بيننا حديث في موضوعات شتى، وودت أن أعرف إن كان قد تعلم من اللغة العربية شيئًا في أثناء إقامته هناك، فسألته عما تعلمه منها فقال: "إن شاء الله" فسألته، وماذا تعني: "إن شاء الله"، قال: عندما تريد أن تؤجل عملًا إلى أجل غير مسمى، تقول: "إن شاء الله". فهل هذا السلوك الذي عبر عنه الرجل يتفق مع منهج الإسلام؟ صحيح أن خبرة الرجل تعتبر خبرة خاصة، ولكننا نعرف أن ما عبر عنه ليس نادرًا، بل نجد له وجودا في الكثير من بلاد المسلمين في الوقت الحاضر. هذا رغم أن العمل وفق الدين الإسلامي -مع إخلاص النية لله وصحة المنهج- عبادة. وإن القرآن الكريم ليقرن العمل الصالح في كثير من آياته بالإيمان. وهذا يضع العمل الصالح في مرتبة عالية، إذ إنه دليل على صدق الإيمان بالتطبيق العملي في واقع حياة المسلم خاصة وجماعة المسلمين عامة. وتصل قيمة العلم في الإسلام مداها حين توجه الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم- المسلم ألا يكف عن أداء العمل حتى ولو قامت القيامة. وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر". "رواه أحمد في مسنده". ولقد كانت حياة محمد عليه الصلاة والسلام مدرسة في العمل الجاد المتواصل. فقد عمل في التجارة، ورعي الغنم. وكان يرتق ثوبه بنفسه، ويخصف نعله بنفسه، وكان يشارك أصحابه فيما يقومون به من أعمال. وفي غزوة الخندق -على سبيل المثال- كان يضرب بمعوله مشاركًا في حفر خندق يحمي جيش المسلمين والمدينة من الجيوش الغازية. والقصص القرآني يضرب الأمثال الكثيرة لعمل الأنبياء والرسل. فهذا نوح -عليه السلام- يعمل في بناء السفن التي ركبها هو ومن معه من المؤمنين, وهذا موسى يعمل أجيرًا لدى شعيب عليهما السلام. وهذا داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده. وهذا يوسف كان يعمل لدى فرعون.

ونستبين قيمة العمل في الإسلام من توجيه الله لمريم البتول -وهي في المخاض؛ وهو حال وهن وضعف وخوار قوة- يأمرها ربها وهي على هذا الحال بأن تهز إليها بجذع النخلة فتساقط عليها رطبًا جنيًا لتأكل وتشرب، هذا مثل مبين لقيمة العمل في الإسلام، فمع قدرة الله على أن ينزل على مريم الرطب الجني دون عناء منها, وهي المجهدة بمخاض وليدها إلا أنه -سبحانه وتعالى- يأمرها بأن تبذل جهدًا في هز النخلة -بحوله وقوته- كي تحصل على ما تتقوى به على ما هي فيه. مما سبق يتضح لنا نحن المسلمين مدى عناية الدين الحنيف بالعمل الصالح. كما يتضح لنا أن العمل من أسس الحياة وفق منهج الدين الإسلامي، ففي كتاب الله الكريم نجد الأنبياء والرسل, وقد ضربوا الأمثال في العمل بأنفسهم حتى يكونوا لنا قدوة، ويبين القرآن لنا أن العمل أساس الحياة وأن الإحسان فيه طريق للمثوبة والأجر. والعمل في الإسلام له خصائص ثابتة. الخاصة الأولى منها أنه لا بد من أن يؤسس علي النية. بمعنى أن يخلص المسلم النية لله -تعالى- في عمله: فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى, من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هاجر إليه". "متفق عليه". والخاصة الثانية هي الأخذ بالأسباب التي تنجز العمل وعلى رأسها التزود بالعلم والتقنية. وهذا يعني أن يؤهل الإنسان نفسه بالعلم والخبرة واكتساب المهارات اللازمة لأداء العمل. ولا يتواكل على أحد أو ظروف قد يتوقعها أو بدعوى التوكل على الله. مثل الأعرابي الذي قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم: لقد تركت ناقتي على باب المسجد, وتوكلت على الله. فقال له الرسول -عليه الصلاة والسلام: "اعقلها وتوكل". وهذا يعني أنه لا بد من أن يأخذ الإنسان بالأسباب في كل عمل. ففي الغزوات والحروب -على سبيل المثال- كان المسلمون يأخذون بأسباب النصر من إعداد القوة البشرية والسلاح والعتاد والتزود بالعلم عن فنون القتال وتقنيته، وفي شئون العبادة, وكانوا يجتهدون فيها ويستبقون خيراتها. والخاصة الثالثة للعمل في الإسلام الإحسان، وهذا يعني أن المسلم ينبغي أن يستفرغ الطاقة في أداء عمله. والإحسان هنا يشمل أشياء كثيرة مثل بذل الطاقة في البحث عن المصادر, وحسن استخدامها, والمهارة في التحليل والاستخلاص والتفكر والتدبر والإبداع, وتوظيف الطاقة الجسمية في بذل الجهد, والصبر في الطلب والمثابرة في المتابعة, والطاقة النفسية في حب التضحية واستمرار الدافعية واستنهاض القدرات والاستعدادت والمواهب.

وعلى وجه العموم، فإن العمل وارتفاع مستوى الإنتاج فيه من العوامل الفارقة بين الأمم. فالأمم المتقدمة تهيئ الفرص لأبنائها للعمل والإنتاج والإحسان فيه وفي تطبيقه, وتعدهم الإعداد اللازم لذلك، فتزودهم بالخبرات المناسبة لمجال العمل الذي سوف يمارسونه، وتتابع تأهيلهم بالتدريب المستمر. ومن لم يسر على هذا الدرب من الأمم تخلف وصار من القاعدين. وفي عالمنا المعاصر لم تعد الخبرات المؤهلة -اليوم- لعلم ما مؤهلة له -بالضرورة- في الغد القريب أو البعيد. فالمستحدثات العلمية والتقنية تغشى مختلف مجالات الأعمال. ولما كان التقدم فيها يتسارع تسارعًا غير مسبوق فإن مواكبة التنمية البشرية المتكاملة لهذا التسارع أضحت أمرًا لا غنى عنه؛ لإنهاض المجتمعات والسير بها نحو التقدم المنشود. وهذا يوضح ضرورة التلازم بين العلم والعمل من حيث كونهما ركيزتين للانطلاق والتقدم. هذا التلازم قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا خلت. فاشترط أن يكون العمل مسبوقًا بالنية الخالصة لله، وأن تكون النية مسبوقة بالعلم. فمن الأمور المسلم بها ألا يقدم الإنسان على عمل، ما لم يكن لديه معلومات عن هذا العمل تكون اقتناعًا عنده بضرورته وأهميته فيجد لديه دافعًا ذاتيا لإنجازه على أفضل وجه مستطاع. ويتضح فضل العلم وسبقه على القول والعمل في الخطاب الموجه للرسول الكريم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] . والخاصة الرابعة للعمل بعد إخلاص النية, والأخذ بالأسباب واستفراغ الطاقة في هذا العمل، هي التوكل بمعنى أن أداء العمل لا يعني بالضرورة تحقيق الهدف الذي يتغياه المسلم, فقضاء الحوائج وتحقيق أمر أم عدم تحقيقه يرجع إلى مشيئة الله وإرادته. فقد ورد في محكم الكتاب: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23, 24] . ولقد بدأت رسالة محمد -عليه الصلاة والسلام- بالأخذ بأسباب العلم، فأول آية أنزلت عليه هي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] .

ومما يبين سبق العلم على القول أنه أساس خشية الله، كما يتضح من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] . وحتى لا يضل الناس بالأخذ من مآتي غير مناسبة فتحبط أعمالهم، يحدد الله لهم مصادر العلم الموثوق فيها في قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . ومما هو جدير بالذكر أن عمارة الأرض التي كلف الله بها الإنسان لا تتم إلا بالعلم المتفوق, والعمل الدءوب, والتقنية المناسبة للزمان والمكان في كل عصر ومصر. ومما يثبت أن المسلم مطالب بالعلم السباق والعمل المبدع أن الله كلفه بإعداد القوة المرهبة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60] . ولا تكون القوة مرهبة ما لم تكن متفوقة على غيرها، وهذا التفوق لا يمكن أن يتأتى ما لم يستند إلى علم سباق وعمل معطاء, وتقنية غلابة يتفوق بها المسلم على المتوافر لدى الغير، فتكون بذلك قوة مرهبة. ومما يثبت أن المسلم مطالب بالعمل الصالح، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] . {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} [الحج: 14] . {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] . {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 9] . {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: 8] . ويبين الله تبارك وتعالى أن الإحسان في العمل يحقق الحصول على الأجر، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] . ويروى عن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنه نظر إلى يد تورمت من كثرة العمل فقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله". وقال صلوات الله وسلامه عليه: "لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلًا يعطيه أو يمنعه". "رواه مسلم". ويوضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن من لا يعمل ويسأل غيره العطاء يتدنى بقدر نفسه. فيقول صلوات الله وسلامه عليه: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة". "رواه مسلم".

خاتمة الفصل الثالث

خاتمة الفصل الثالث: في هذا الفصل: عالجنا الأساس الأول من الأسس العامة لاختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها، وهو: التربية الإسلامية، وقد بينا خصائص هذه التربية من حيث عالميتها ومصادرها وغاياتها وشمول أثرها، وأهم ما توجه المسلم إليه من إخلاص في العمل ودأب في طلب العلم. هذه الخصائص لكها ينبغي أن يأخذها مخططو المناهج في الاعتبار، سواء عند اختيار خبرات المناهج أن عند تنظيمها أو تقويم مردودها.

أهم مصادر الفصل الثالث

أهم مصادر الفصل الثالث: أ- القرآن الكريم. ب- صحيح مسلم. جـ- صحيح البخاري. د- فتح الباري في شرح صحيح البخاري. 1- الأبراشي، محمد عطية: التربية الإسلامية وفلاسفتها "ط3". القاهرة: دار الفكر العربي. 2- الشافعي، إبراهيم محمد. التربية الإسلامية، وطرق تدريسها. الكويت: مكتبة الفلاح، 1401هـ-1980م. 3- الشعراوي، محمد متولي. هذا هو الإسلام "ط1". القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع، 1407هـ-1987م. 4- الشيباني, عمر: فلسفة التربية الإسلامية: طرابلس: الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان 1975م. 5- النحلاوي، عبد الرحمن: أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع. دمشق: دار الفكر، 1399هـ-1979م. 6- خليل، محمد رشاد: علم النفس الإسلامي العام والتربوي "ط1". الكويت: دار القلم 1407هـ 1987م. 7- شديد، محمد: منهج القرآن في التربية. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1397هـ- 1977م. 8- عطار، ليلى عبد الرشيد: الجانب التطبيقي في التربية الإسلامية: جدة: تهامة، 1403هـ-1983م.

9- قطب، سيد: نحو مجتمع إسلامي "ط6". القاهرة: دار الشروق، 1403هـ-1983م. 10- العدالة الاجتماعية في الإسلام "ط9". بيروت: دار الشروق، 1403هـ-1983م. 11-الإسلام ومشكلات الحضارة "ط9". القاهرة دار الشروق 1408هـ-1988م. 12- قطب، محمد: منهج التربية الإسلامة. بيروت: دار الشروق 1401هـ-1981م. 13- مدكور، علي أحمد: منهج التربية الإسلامية: أصوله وتطبيقاته. الكويت: مكتبة الفلاح، 1407هـ-1987م. 14- المفاهيم الأساسية لمناهج التربية: الرياض: دار أسامة للنشر والتوزيع: 1410هـ-1989م. 15- مرسي، محمد منير: التربية الإسلامية: أصولها وتطويرها في البلاد العربية: القاهرة: عالم الكتب، 1403هـ-1983م.

الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي

الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي مقدمة الفصل الرابع: خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي هي الأساس الثاني لاختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها. فالعلم هو الوعاء الخيري الذي تنهل منه المناهج الدراسية. ولا يمكن أن يشمل هذا الوعاء ما يخالف مقومات المجتمع. فلكل مجتمع عقيدته وقيمه وتقاليده الراسخة وآماله وتطلعاته المستقبلة، وتختلف المجتمعات فيما بينها باختلاف ثقافاتها من حيث النظرة إلى الكون والإنسان والحياة, وتتقارب وتتباعد بقدر الاتفاق أو الاختلاف في هذه النظرة، لكنها لا تتطابق أبدًا بالاتفاق الكامل فيها، وهذا أمر بعيد المنال. لذلك تحرص المجتمعات على أن تحافظ نظمها التعليمية ومناهجها على معتقداتها وقيمها وتقاليدها الراسخة, وأن تعمل على وقايتها من الغزو الخارجي وصولا إلى المحافظة على هويتها الثقافية وقاية لها من عوامل التفكك والانحلال. كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المسلم. لكي يحافظ على تماسكه، ينبغي أن يحافظ على هويته الإسلامية عمومًا وعلى محتوى المناهج الدراسية، بصفة خاصة من التلوث الخارجي، ويعرف المتخصصون في المناهج الدراسية أن هذه المناهج تتأثر بالفكر السائد في المجتمع عن العلم وخصائصه. لذلك، فإنه من الأهمية بمكان أن تراعي المناهج الدراسية في المجتمع المسلم خصائص العلم الذي تستقي منه المناهج الدراسية خبراتها، وأن تكون هذه الخصائص محل رعاية من القائمين على المناهج الدراسية في العالم الإسلامي عند اختيار خبراتها وتخطيطها وتنظيمها وتقويمها ومتابعتها. ونعني بالعلم هنا جميع ما يتعلمه الإنسان في حياته، وبصورة أكثر تفصيلًا فإننا نعني به الخبرات النظرية والعملية والميدانية والتطبيقية وشتى صور الخبرات التي يكتسبها الإنسان في أثناء وجوده على الأرض ما دام حيا. وفق هذا التعريف فإن العلم يجمع الخبرات المتعلقة بالوجدان والمتعلقة بالمعرفة والمتعلقة بالمهارات وغيرها من المجالات، وأن العلم يحيط بجميع جوانب المعرفة والثقافة والحضارة والقيم والمعتقدات وجميع ما يمكن أن يحصل عليه الإنسان في الحال أو الاستقبال من معارف وخبرات, إضافة إلى ما حصله في تاريخ الإنسانية السابق كله. العلم في الإسلام له خصائص ينبغي أن يحيط بها مخططو المناهج لكي يأخذوها في الاعتبار عند اختيارهم لخبرات هذه المناهج. هذه الخصائص هي موضوع اهتمامنا في هذا الفصل من الكتاب. وسنحاول إلقاء الضوء عليها من خلال التفكير في الإجابة عن الأسئلة التالية:

- ما موقف المسلم من العلم؟ - هل للعلم -وفق التوجيه الإسلامي- من خصائص غير مسبوقة يتفرد بها؟ - هل للعلم مصادر، في الإسلام، غير ما نعرفه من مصادر بشرية مثل بحوث العلماء وملاحظاتهم وحدسهم وتجارب معاملهم؟ - هل للعلم في هذا الدين وظائف سوى تطويع البيئة للإنسان وإحكام السيطرة عليها، وإسعاد الإنسان عن طريق توفير أسباب المتاع له في حياته الدنيا؟. - وهل من غاية العلم في المجتمع المسلم غير توفير الرفاه لهذا المجتمع وفق الأهداف التي يراها لنفسه، ووفق مصالحه ومقتضيات تحقيق ما يطمح إليه من أهداف سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية. - وهل هناك حاجة للبحث عن مصادر أخرى سوى العلم لتسيير أمور الحياة؟ - وما واجب العلماء، وما أثر ما حصلوه من علم على صلتهم بالله سبحانه وتعالى؟ من خلال البحث عن إجابات لهذه الأسئلة، وبالرجوع إلى المصادر الإسلامية الأصلية سنحاول تحديد خصائص العلم -وفق التوجيه الإسلامي- على النحو التالي: أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم. ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينضب. ثالثًا: غاية العلم هي تطبيق منهج لله في الحياة. رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة، وفق منهج الله. خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي. سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله.

أولا: طلب العلم فريضة على كل مسلم

أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم يحث الإسلام المسلم على طلب العلم، ويستنفر قواه العقلية والحسية والوجدانية لكي تنهل من بحاره الشاسعة، والتربية الإسلامية -لكي تتحقق للفرد وتظل جزءًا لا يتجزأ من سلوكه- لا بد من أن تنبع من ذات المتعلم، ولا بد من أن تشمل كافة جوانب شخصيته وكافة جوانب حياته. وهذا لا يمكن أن يحدث ما لم يجد الفرد في إفراغ طاقته في العلم وفق معطيات عصره وحاجة مجتمعه وبيئته. نتبين هذا من قول الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". "رواه ابن ماجه". وقال الحق، تبارك وتعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 1] . وعنى {فَرَضْنَاهَا} ألزمناكم العمل بما فرض فيها. وكلمة "فريضة" هي الاسم من فعل "فرض" "لسان العرب، 3387". ويمكن فهم الفريضة بأنها: واجب مفروض على الإنسان أن يؤديه، ولا يجوز أن تشغله عنه المشاغل أو تقعده عنه العقبات التي يمكنه التغلب عليها. واجب يؤديه الإنسان لله تعبدًا. ومن ثم ينبغي أن يؤديه بإتقان وإخلاص؛ لأنه عمل يقرب العبد إلى ربه. وبذلك ينبغي على المسلم أن يستمر في طلب العلم طيلة حياته، وفاء لحق عبادة الله سبحانه وتعالى. ومما يؤيد هذا القول أن أول آيات أنزلت من كتاب الله الكريم على الرسول الأمين -الذي لا يعرف القراءة والكتابة- توجه إلى وسائل اكتساب العلم، وهي القراءة والكتاب، وذلك في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5] . وهذا يبين أن طلب العلم -الذي من أهم وسائله القراءة والكتابة- فريضة على المسلم. ومن أهم ما يمكن ذكره لبيان أن العلم فريضة على كل مسلم، حقيقة أن العلم مؤسس للنية، وأن النية مؤسسة للعمل، أي: إن العلم والنية يسبقان أداء الأعمال. فالعلم بوجوب العمل وأهدافه ومتطلبات أدائه ومكانه وزمانه، يكون أساسًا لأن يقرر الإنسان أنى يقوم به أو يتركه، فقد يقرر ألا يقوم بعمل ما إذا كان له الخبرة

في ذلك. وإذا قرر القيام فلا بد له من أن يكون قد عرف فيه ما يمكنه من أدائه بصورة صحيحة. فمثلًا، لا يمكن أن يصلي المسلم ما لم يعلم أن الصلاة فريضة وأن له أركانا ومواقيت وغير ذلك, لا يمكن أداء الصلاة -على الوجه الصحيح- إلا بمعرفته، وبعد هذا العلم فإنه يبدأ بالنية، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع الأعمال. ومن حيث إن النية مؤسسة للأعمال، فقد بينها حديث عمر، رضي الله عنه حين قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". "متفق عليه". وقد أورد ابن حجر في "باب العلم قبل القول والعمل"، قال ابن المنير: "أراد به أن العلم شرط من صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل". وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] . والتوجيه الرباني في هذه الآية يقدم العلم بوحدانية الله، أولا ثم يتبعه العمل وهو الاستغفار. ويحث الله -تبارك وتعالى- عباده على النظر في الكون ليتبينوا قدرته على الخلق، وليروا آياته الكبرى، وليتفكروا في بديع صنعته ويؤمنوا بوحدانيته. وذلك في كثير من آيات القرآن الكريم، منها: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 17-21] . وقد جاء في تفسير هذه الآيات في مختص تفسير ابن كثير: فنبه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه، والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه, وأنه الرب العظيم المالك المتصرف، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه. "تفسير ابن كثير: 634". وهذا النظر لا يمكن أن يصل إلى مراد هذه الآيات الكريمات ما لم يؤسس على قدرة على التحليل والتفسير والمقارنة والاستدلال والقياس. وهذا كله مهمة كل مسلم، وبالتالي، فإن العلم الذي يقدر الإنسان على القيام بهذه المهمة يصبح ضرورة

وفريضة؛ لأنه يمكن الإنسان من الوقوف على دلالات التوحيد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. واستخلاف الله -سبحانه وتعالى- للمسلم في عمارة الأرض يجعل العلم فريضة عليه. فعمارة الأرض لا يقف مداها عند حدود زمنية أو مكانية. بل هي ممتدة بامتداد الأزمنة كلها، منتشرة بانتشار الأمكنة كلها، بمعنى أن المسلم مطالب بعمارة الأرض حيثما يكون ووقتما يكون. قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] . قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] . وغني عن القول أن العمارة ينبغي أن تتم باستثمار معطيات البيئة وفق مقتضيات العصر. فلكل عصر علومه وتقنيته التي ينبغي أن يتعلمها المسلم لكي يعمر بها الأرض. فمثلًا، عصر البخار وعصر الكهرباء وعصر الذرة، وعصر الفضاء والهندسة الوراثية, علومه وتقنيته التي لا يمكن عمارة الأرض فيه واستثمارها الاستثمار الأمثل، ما لم يلم الإنسان بهما. ولكل بيئة مصادرها الطبيعية التي تحدد نوع العلم والتقنية اللازمة لاستثمارها. فالبينة الزراعية تحتاج -على سبيل المثال- إلى علوم تحليل التربة واستنباط البذور والتسميد ومقاومة الآفات وترشيد استهلاك المياه والمحافظة على البيئة من التلوث, وتسويق المحاصيل والتصنيع الزراعي، واستنباط البذور وإنتاج الجديد باستخدام الهندسة الوراثية، ومقاومة التصحر. أما حاجة استثمار البيئة التجارية من العلوم والتقنية، فتختلف عما سبق ذكره إذ ستحتاج علم وتقنية إدارة الأعمال والمحاسبة والدراسات الخاصة بحاجات الأسواق المحلية والخارجية للسلع، وبمستوى الجودة، وبمتابعة حركة السلع المنافسة، وبآليات التسويق ومهاراته. وبذلك يصبح اكتساب الخبرات اللازمة لعمارة الأرض وفق علوم العصر وتقنيته في مجال معين من مجالات مصادر البيئة فرض عين على من يقوم بواجب عمارة الأرض في هذا المجال. فالعلم إما أن يكون فرض عين على المسلم وإما أن يكون فرض كفاية، أي: إنه فرض على أي حال.

ويوضح حسين الشافعي، حدود كل من فرض العين وفرض الكفاية بقوله: وينقل الإدريسي "في التراتيب" عن فقهاء الشافعية: حكى الإمام الشافعي في "الرسالة" والغزالي في "إحياء علوم الدين" الإجماع على أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، قال القرافي في "الفروق": فمن باع، وجب عليه أن يتعلم ما عينه الله وشرعه في البيع. ومن أجر، وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة. ومن قارض، وجب عليه أن يتعلم حكم القراض، ومن صلى، وجب عليه أن يتعلم حكم الله في تلك الصلاة "1، 36-37". ويصنف الشافعي من "قوانين الأحكام الشرعية" لابن جزي، ومنه "العلم" فرض عين وفرض كفاية، ففرض العين ما يلزم من معرفة الطهارة والصلاة, فإذا دخل رمضان وجب عليه معرفة الصيام، فإن كان له مال، وجب عليه معرفة الزكاة، فإذا باع، وجب عليه معرفة البيوع، أما فرض الكفاية فهو ما زاد على ذلك. "1، 37". ويقول أحمد العسال: فهناك علوم عينية على كل مسلم ومسلمة وشاب وشابة لا يسع أيا منها من يجهلها أو يفرط في طلبها، وهو ما لا يصح إسلامه إلا بها من معرفة صحيحة للعقيدة والعبادة والمعاملات والسلوك والخوف والرجاء والتطهر من الذنوب والتوبة إلى الله وحسن تلاوة القرآن والتعرف على سيرة النبي الكريم ليحسن الاقتداء والتأسي.. وعلوم أخرى لا يتم الواجب إلا بها من سد حاجة الأمة وإعانتها على أداء رسالتها وإغنائها عن غيرها ... وهي علوم الصناعات المختلفة والطب والاقتصاد وعلوم الاجتماع والسياسة وغيرها ... فهذه كلها تعتبر من فروض الكفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإذا لم يوجد من المسلمين من يقوم بها أثمت الأمة كلها، كالحاجة إلى المجتهدين وأهل الذكر سواء بسواء. "3، 60". قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . ومما يجعل طلب العلم فريضة أن الله سبحانه وتعالى حين خلق للإنسان السمع والبصر والفؤاد، وحين خلق له اللسان والشفتين والعقل، فإنه خلق ذلك كله لكي يستخدمه الإنسان في التعلم والتبصر والتدبر في عناصر الكون من مخلوقات الله، سواء في نفسه أو في غيره. وهذا التبصر والتدبر يحتاج إلى تحصيل مستمر للعلم.

واكتساب مستمر للخبرة. وما دام هذا التبصر والتدبر والتفكر عمليات دائمة, فإن تحصيل الإنسان لآليات ممارستها تكون -أيضًا- دائمة. على وجه العموم، فإن أي عمل يقوم به المسلم ينبغي أن يبذل فيه كل جهده حتى يتقنه فقد ورد في الأثر: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم العمل أن يتقنه". "صحيح الجامع الصغير والمقاصد". والقرآن الكريم يبين أن إحسان العمل أساس لضمان الأجر، وذلك مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] . والإحسان والإتقان يستلزمان التأهل لهما بالعلم والمهارة. إضافة لما سبق، فإنه قد ورد في الأثر أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. ولكي يؤتى الإنسان الحكمة ينبغي أن يستفرغ طاقته في التعلم، بحيث يصبح العلم في حياته فريضة، وهذا ما قرره القرآن الكريم وما أرشدنا إليه نبينا عليه الصلاة والسلام، وما أفادت به المصادر الشرعية الأخرى.

ثانيا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد

ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد إن العلم يملأ جوانب حياتنا ونعتبره علامة مميزة لعصرنا الحاضر، نشهده في تصوير الأقمار الصناعية لسطح الأرض, وما عليها وما في باطنها من مياه جوفية وبترول ومعادن وأخاديد وحركة، وفي التقنية التي عبرت بالإنسان عصورًا إلى مستقبل لا يعرف مدى ما سوف يحدث فيه من تغيرات إلا الله، سبحانه وتعالى، وفي المراكب التي تسبح في الفضاء، وأصبح البعض يتهافتون على ركوبها كأنهم سيذهبون في رحلة سياحية إلى بلد مجاور، ونشهده في مخزون الهلاك والفتك الذي يهدد حياة البشرية من قنابل وصواريخ قصيرة المدى ومتوسطته وطويلته، ونشهده في استنباط طرق جديدة في الزراعة في التربة وبدون تربة، وباستخدام مياه الأنهار العذبة وباستخدام المياة المالحة التي كانت بالأمس سببا في جدب الأرض وعقمها، ونشهده في الطب حيث زراعة الأعضاء، ونشهده في الهندسة الوراثية التي فتحت آفاقا رحيبة في زراعة الجينات ساعدت -بعد الله- الإنسان على استنباط سلالات جديدة من النباتات والحيوانات، وغدًا قد نسمع ما لم يخطر على قلب بشر. فكل هذا في علم الله سبحانه وتعالى.

ومنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وما سيكشفه العلماء حتى يرث الله الأرض ومن عليها، هو كله من عند الله سبحانه وتعالى، وهو من الأسرار التي أودعها الله في الكون، يدل على هذا قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 68] . وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] . وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] . وقوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] . وما يكتشفه البشر من هذه الأسرار، هو ما يوفقهم الله تبارك وتعالى في كشفه، فبمشيئته وإذنه يكشف عالم الذرة وعالم الهندسة الوراثية وعالم الفضاء وغيرهم ما يقدرهم الله على الوصول إليه من مكنونات خلقه في الكون. فقد قال الحق تبارك وتعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] . وقال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27] . فحقائق الكون لا يبتكرها الإنسان، وإنما كانت مستورة عنه، واكتشافه لها جعله ينتفع بها في دائرة أوسع؛ لأنها كانت تؤدي مهمتها قبل أن يكتشفها, فالكهرباء كانت موجودة في الكون ولكن باكتشاف الإنسان لها استطاع أن ينقلها من ميدانها الأصيل إلى ميدان فرعي في حياته "2، 27"، ويقول الحق تبارك وتعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] . إذن، الله تبارك وتعالى يساعد الإنسان على كشف ما يشاء من الغيب، وهو بهذا الكشف لا يخلق ولكن يستنبط ما كان مستورًا عن عقله، ولذلك فإن ما لم

يدركه الإنسان بعقله ليس معدومًا، بل هو كائن، وإنما لم يشأ الله بعد أن يكشف عنه للإنسان إلى أن يشاء أن يظهره له، يقول الحق تبارك وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: 53] . ونجد في "صفوة التفاسير" هذه الآية بما بوضح أن الله -سبحانه وتعالى- قد قصد بهذه الآية أن يظهر للكفار دلالات وحججا بأن القرآن حق من عنده، وأن هذه الدلالات والحجج في أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والنبات وغير ذلك من العجائب العلوية والسفلية، في عجائب قدرة الله في خلقهم وتكوينهم. وجاء أيضًا في "صفوة التفاسير" قول القرطبي في تفسير {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} إن المراد ما في أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة. ومن خصائص العلم في الإسلام أنه لا ينفد مهما توالت السنون ومهما كشف الله للإنسان من مكنونه. والعلم الذي لا يزال في طي الغيب ولم يوفق الله الإنسان للكشف عنه، مخزون ضخم لا يمكن للإنسان أن يحيط به، ولا يمكن أن ينفد في يوم من الأيام. ومهما كان البشر بعضهم لبعض ظهيرًا في الكشف عما يخفيه الله من أسرار خلقه، فلن يستطيعوا الإحاطة بها ولا الإلمام بدقائقها. وسيظل الأمر كذلك إلى يوم القيامة. ويدل على أن العلم المغيب عن الإنسان لا ينفد قول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] . وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] . وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] .

ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة

ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة ... ثانيًا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة من المعروف أن مفهوم العبادة في الإسلام شامل. فهو لا يقتصر على أداء الشعائر التعبدية فحسب، ولكن يشمل جوانب سلوك الإنسان في جميع جوانب حياته، ويحيط بجميع نشاطات الإنسان في الاعتقاد والعبادة والمعاملات والأخلاق, ويأبى على الإنسان إلا أن يعبد الله في كل قول يقوله وكل عمله يعمله، وأن يبتغي بذلك وجه الله تعالى. وذلك مصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] . فغاية العلم، إذن، تطبيقه في الحياة، ومن وظائفه أن يزيد الإنسان معرفة بربه ليعبده حق عبادته اعتقادًا بوحدانيته، وأداء لشرائعه، والتزاما بمنهجه. وأن يؤهله للارتقاء بالحياة وفق معطيات العصر. ولا يكون هذا سلوكًا موجهًا نحو الذات فقط، ولكن نحو الغير والمجتمع أيضًا، فالمسلم لا يعيش في معزل، ولا يعمل لذاته فقط، بل هو عنصر في جماعة المسلمين، وعضو في المجتمع المسلم وفي المجتمع الإنساني. وبذلك فإن تطبيق منهج الله في كل مكان وكل زمان وكل الأمور لخدمة كل الناس غاية من غايات تحصيل العلم في الإسلام، قال الله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] . ونلاحظ هنا أن الخطاب يخص الناس كلهم، ذكرهم وأنثاهم دون تمييز لعنصر أو دين أو لون أو خلافه. وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] .

ويروي السيوطي: أن الرجل من الصحابة كان يحفظ من القرآن عشر آيات ثم لا يتجاوزها حتى يفهم معناها ويؤدي ما طلب فيها. وعلى هذا أمضى ابن عمر ثماني سنوات في حفظ سورة البقرة. ومما يوضح -أيضًا- أن تطبيق ما يتعلمه المسلم هو أساس المعرفة ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه، حين قال: كنا إذا تعلمنا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعلم ما فيه، فقيل: من العمل؟ قال: نعم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذ عمل فيما علم" "أخرجه الترمذي". طبقًا لهذا الحديث فإن الإنسان يسأل عن علمه فيم استخدمه؟ هل استخدمه في الخير أم في الشر؟ أم حبسه عن الناس فلم ينتفع به أحد، وقد أوضح الحق تبارك وتعالى وظيفة العلم في مساعدة العالم على معرفة قدرة الله وبديع صنعه وعظيم سلطانه، مما يجعل العلماء يخشون الله. نجد هذا في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] . ويقول تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 162] . والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتدبر في مكونات هذا الكون ونبحث عن أسراره، ونستخرج منه ما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا. فيقول تبارك وتعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] . ويقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] .

ويقول تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . ونلاحظ أن الخطاب هنا للناس جميعًا، ولا شك أن قيمة العلم هي في مدى أثره في حياة الناس بالتطبيق العملي، ولا شك أيضًا أن النصوص وحدها لا تضع شيئًا، وأن المبادئ وحدها لا تعيش إلا إذا تحقق آثارها في حياة الناس. ويفصل هذا إجرائيا مصطفى عبد الصادق، في قوله: إن الإسلام وتعاليمه ارتبط بالسلوك من اللحظة الأولى، فمن اللحظة التي يؤمن فيها الإنسان بأن الله واحد، وهو خالق الكون ومصدر النعم وإليه المصير، وبيده الحساب.... من تلك اللحظة يتبدل سلوك الإنسان فلا يسجد لصنم ولا يشهد الزور ولا يأكل الربا ... إلخ، بل يتحمل -في سبيل ذلك- العذاب الأليم، ولا يرجع عن الحق، ومن هنا نجد أن العلم الإسلامي ارتبط بالحياة العملية للناس؛ وذلك لأن الدين والحياة في الإسلام لا يفترقان "4، 124" فالعلم في الإسلام له أهداف محددة أهمها أن يحقق به الإنسان العبودية لله تعالى، وأن يحقق به تطبيق منهجه في الحياة: حياة الفرد وحياة الجماعة، والحياة في المجتمع على وجه العموم، ويوظف العلم فيما ينفع الناس, ويجعل كلمة الله هي العليا, ويمكن لدين الله في الأرض, ويهيئ للناس كلهم التقدم والرفاه, وهذا يخالف ما يتصوره البعض -خطأ- من أن العلم الإلهي يتعلق بالعبادات فقط وربما بالأخلاق، أما العلوم المتعلقة بالكون وربما بالحياة الدنيا فهي من صنع الإنسان. فالله سبحانه وتعالى، خلق الإنسان وأودع فيه العقل والفؤاد والبصر والسمع وغير ذلك من وسائل اتصال الإنسان بالعالم الخارجي، وأمره بأن ينظر، ويتفكر، ويتدبر ليصل إلى بديع خلق الله في نفسه وفي الكون. وبهذا فإن الله قد أمد الإنسان بوسائل البحث في ذاته وفيمن حوله وما حوله من حيوان ونبات وطير وجماد وأنساق من المجرات والنجوم والنيازك، وتكامل بين عناصر الكون وغير ذلك من المشهود أمامه. والله هو الذي استخلف الإنسان في الأرض وأمره بعمارتها. وهذا الاستخلاف ليس مطلقًا، وتلكم العمارة ليست بدون قيود، بل يحكمها منهج أنزله -الله سبحانه- ليطبقه الإنسان في حياته الدنيا في مختلف شئونها بما في ذلك اكتساب معارف وخبرات جديدة في أثناء كدحه لعمارة الأرض إنفاذا لأمر الله.

فالله -سبحانه وتعالى- هو خالق الإنسان ويعلم ما في نفسه، وهو الذي يقدره على كشف ما ستره عنه من أسرار الكون في وقت معلوم، لا يمكن لأحد سواه تقديمه أو تأخيره، وغاية سعي الإنسان في الدنيا في عبادة الله وفق منهجه. فالعلم كله من عند الله سواء ما جاءنا عن طريق أو ما وفقنا إلى اكتشافه في أثناء سعينا لعمارة الأرض، وهذا العلم لا ينفد؛ لأن أسرار خلقه غير محدودة بزمان أو مكان. والهدف من اكتساب علم الله هو تحقيق منهجه في حياة البشر جميعًا بالعمل على عبادة الله حق عبادته، والارتقاء بحياة الناس كلهم أفرادًا وجماعات باستخدام أفضل معطيات العصر، مع الالتزام بتعاليم الدين الحنيف.

رابعا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله

رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله العلم في منظور الإسلام قسمان: الأول منزل من عند الله سبحانه وتعالى يؤسس لحياة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة، ويبين صلته بربه وبنفسه وبأخيه المسلم وبمجتمعه المحلي بما في ذلك الأسرة، وبالمجتمع الإسلامي على وجه العموم، وبالحياة والكون، ويتكون هذا القسم من علوم الوحي: القرآن الكريم والسنة المطهرة الموحى بها. قال تعالى عن القرآن الكريم: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] . وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الإنسان: 23] . وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [الشورى: 7] . وعن السنة المطهرة قال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3-5] . وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] . وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] .

وموقف المسلم من علوم الوحي هو الاستيعاب والفهم والتمثل والاتباع والتطبيق. ومن بديع صنع الله -تبارك وتعالى- أن جعل التفكير في خلق الله والتدبير في صنعه والعمل على كشف أسراره ومكنوناته، فرض كفاية على المسلمين: قال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . ولم يضع الله سبحانه وتعالى قيدا على قدرة الإنسان على الإبداع والابتكار والتجديد والتحديث في أساليب حياته وطرقها، ما دام هذا يتم وفق منهج الله، وهذا الجانب المكتسب من المعرفة هو الشق الثاني من العلم وفق نظرة الدين الحنيف، وهو المخزون الخبري الذي يكشف عنه الإنسان نتيجة لتفاعله مع معطيات حياته، وما ينتقل إليه من الغير. وعليه أن يوظف هذا كله في استنباط حلول مبتكرة لما يواجه المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من مشكلات، وما يساعده على عمارة الأرض وتسخيرها لخدمة البشرية جمعاء. وهو في ذلك يعبد الله إن اتبع المنهج الذي حدد الله -تبارك وتعالى- أسسه التي أنزلها الله في علوم الوحي. بناء على ما سبق، فإن عمارة الأرض وتسخيرها ما أودع الله فيها من ثروات وطاقات وابتغاء ما بثه -الله- فيها من رزق، وما يلزم لذلك من التعرف على سنن الكون والعلم بخواص المادة وطرق الاستفادة منها في خدمة العقيدة، ونشر حقائق الإسلام وتحقيق الخير والفلاح للناس. كل ذلك يعد عبادة يتقرب بها العلماء والباحثون إلى الله، وطاعة يثاب عليها الناظرون في الكون والمكتشفون للقوانين التي تربط بين أجزائه, والمستنبطون لوسائل تسخيرها لخير الناس ومنفعتهم. وهكذا تلتقي علوم الشريعة مع الطب والهندسة والرياضيات والتربية وعلم النفس والاجتماع ... في أنها كلها علوم إسلامية, ما دامت داخل الإطار الإسلامي, وتتفق مع تصوره ومفهومه، ملتزمة بأحكامه، وكلها مطلوبة بقدر للمسلم العادي, ومطلوبة على مستوى التخصص لفقهاء الأمة ومجتهديها وعلمائها. وقد ظهرت مسميات مختلفة لهذين القسمين من العلم -علوم الوحي والعلوم المكتسبة، وذلك مثل: علوم النقل وعلوم العقل, وعلوم المقصد وعلوم الوسيلة, وكتاب الله المسطور وخلق الله المنظور، إلى غير ذلك من التسميات التي لا تمس جوهر وظيفة كل قسمة فيها من البنية المعرفية للمسلم. ومهما اختلفت التسميات، فإنه لا خلاف على أن هناك مصدرين للعلوم الإسلامية، أولهما: الوحي: وذلك في الجوانب التي يعلم الله -سبحانه وتعالى- أن

الإنسان لا يهتدي فيها إلى الحق من تلقاء نفسه، والتي لا تستقيم فيها الحياة على وجهها السليم إلا بمقررات ثابتة من عند الله المحيط بكل شيء علمًا. وثانيهما: العقل البشري، وأدواته في تفاعله مع الكون المادي نظرًا وتأملًا وتجرية وتطبيقًا في الأمور التي تركها الله العليم الحكيم لاجتهاد هذا العقل وتحاربه بشرط واحد، هو الالتزام التام فيها بالأحوال العامة الواردة في شريعة الله المنزلة بحيث لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالًا، ولا تؤدي إلى الشر والضرر والفساد في الأرض. ونحن، وإن كنا قد بينا أن للعلم في الإسلام مصدرين: أحدهما موحى به والآخر مكتسب، فإن الهدف هنا ليس تقسيم العلم إلى شقين آحدهما للدين والآخر للدنيا، وأن أحدهما منعزل عن الآخر، وأن الأول وظيفته في الحياة تختص بأمور معينة فقط مثل الدعوة والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأن الثاني يتولى شئون حياة الناس وحل مشكلاتهم, وهذه الفكرة وإن أصبحت شائعة في كثير من الأنظمة التعليمية في بلاد المسلمين, إلا أنها دخيلة على مفهوم العلم ووظيفته في الإسلام. بل إن تسربها إلى نظم التعليم في بلاد الأمة الإسلامية شطر نظام التعليم داخل كل بلد تأثرت بها إلى نظامين للتعليم: أحدهما ديني والآخر مدني، وأدى هذا إلى تقسيم علماء الأمة إلى علماء في "العلوم الدينية" وآخرين في "العلوم المدنية أو الدنيوية". فانشطر شباب الأمة أيضًا شطرين, كل شطر ينتمي إلى أحد النظامين. وكأن الدين منقطع الصلة بالحياة الدنيا، وكأن العلوم المدنية لا صلة لها بالدين. هذا الوبال نتج عن الجهل بمقومات العلم في الإسلام, فطبقًا لفطرة الإسلام كل علم يهدف إلى خدمة البشرية, ويوجه الفرد إلى أن يسلك في مختلف جوانب حياته في القول والعمل -وفق منهج الإسلام- هو علم إسلامي. وفي الإسلام تتحمل جميع العلوم -الموحى بها والمكتسب- مسئولية تربية الفرد تربية إسلامية تعده لكي يعمر الأرض ويحل ما أحل الله وينهى عما نهى عنه. ويقول أحمد العسال عن شمول العلم وارتباط بعضه بالبعض الآخر:3، 60] . كما أن شمولية العلم وارتباط بعضه بالبعض الآخر، وأن الحقيقة الكونية والإنسانية والاجتماعية منبثقة من عقيدة التوحيد، ومن الإيمان بالله الواحد الخالق المدبر، عالم الغيب والشهادة، قضية يجب أن تكون واضحة ومفهومة ولا يماري فيها إلا من ينكر البدهيات أو يعمى عن ضوء الشمس، وأن الفصام النكد الذي حدث نتيجة التفكير المادي والدنيوي الذي تسرب إلى مجتمعات المسلمين على حين غفلة أو ضعف يجب أن ينتهي وتصفى آثاره، وأن العلوم كلها في الإسلام يقصد بها

ويطلبها العمل والإخلاص الله عز وجل، وأنها وإن انقسمت حسب التخصصات وشرائح الحياة فهي تنتهي إلى علوم مقاصد وغايات, وعلوم وسائل وخدمات، وأنها ترتب حسب الأولويات والحاجات. وقصارى القول أن العلم في الإسلام يشمل جميع متطلبات تربية المسلم المعاصر. نعني به المسلم الذي يسلم مقوده في حياته لله فيعيش وفق منهجه عقيدة وشريعة وعبادة ومعاملة وخلقا، الذي يستخدم أكثر علوم العصر تقدمًا وأحدث التقنية وأفضل أدواتها في العمل على تقدم الأمة الإسلامية وحل مشكلاتها. وهذا يجمع بين الأصالة والمعاصرة النابعة من صلاح الإسلام لكل زمان ومكان. وبذلك فإن العلم في الإسلام يشمل الجبر والهندسة والكيمياء والاجتماع والتربية وعلوم الوراثة وعلوم الفضاء والآداب والفنون، إلى جانب علوم القرآن والشريعة والفقة وعلوم الحديث وعلوم اللغة وغيرها. وإلى جانب تأهيل الإنسان للحياة الدنيا وللحياة الآخرة، فإن العلم في الإسلام يشمل الغيب والمشهود المحسوس، والنظرية والتطبيق، وجميع ما يتعلق بحياة الفرد من المهد إلى اللحد، وتعليمه وتربيته، كما يشمل جميع شئون المجتمع. وكما سبق أن ذكرنا، فإن من العلم ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية, فمعرفة كل مسلم من العلوم الشرعية "علوم الوحي" القدر الذي يساعده على الحياة وفق منهج الإسلام فرض عين، أما التخصص في العلوم مثل الفقه أو النحو أو الذرة أو الهندسة أو الطب فقد جعله الله فرض كفاية على المجتمع المسلم، وفرض العين يعني بأنه يتعين على كل فرد في الأمة فعله ما لم يرخص له، أما فرض الكفاية فيمكن التعبير عنه بأنه يكفي أن يفعله من المسلمين عدد يسد حاجة الأمة مثل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقة، وغير ذلك من مقومات الحياة في الإسلام من واجبات المسلم. ومن ثم ينبغي أن يتعلم المسلم واجباته نحوها. ولا يعفيه من السؤال عنها عدم معرفته بها ما دامت مصادر المعرفة بها متوافرة حوله في المجتمع المسلم، فالعلم بها إذن فرض عين. والأمة الإسلامية في حاجة إلى متخصصين يقودون ركب الحياة فيها, ويقودنها إلى المكانة اللائقة بها. وقد وصفها لله سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] . هذه الأمة لا تكون خير أمة أخرجت للناس ما لم ترب من بين أبنائها وفق منهج الله تبارك وتعالى: عالم الشريعة القادر على الاجتهاد والبحث عن حلول إسلامية للمشكلات المعاصرة التي تواجه المسلمين، القادر على الإسهام في تبصير

أولى الأمر بشأن الحكم بما أنزل الله. وعالم الهندسة الزراعية الذي يستنبط أصنافًا جديدة من البذور التي تغل غلة غزيرة فيساعد الأمة على أن تصل إلى أقصى المستطاع في إنتاج الحبوب، وعالم الطب الذي يستنبط طرقًا وأساليب في التشخيص والعلاج، وعالم الذرة الذي يستطيع أن يطوع علوم الطبيعة النووية وغيرها لخدمة الإنسان، وللدفاع عن دين الله وأمته. ولا تستطيع أمة أن تنهض دون أن تعد -إلى جانب العلماء- الفنيين، فهؤلاء لا غنى عنهم في التقدم المعاصر، فكاتبو برامج الحاسب الآلي "الكمبيوتر" والقائمون على صيانته وغيرهم من ذوي المهارات العالية في تشغيل وصيانة مختلف الأجهزة والآلات، من عمد التقدم في الأمة، وما نهضت البلاد المتقدمة إلا بإعداد القوى البشرية عالية الكفاءة في مختلف المجالات. وهكذا نجد أن مفهوم العلم في الإسلام لا يقتصر على علوم الوحي وحدها، ولكنه يتسع -إضافة إليها- لكل العلوم المكتسبة بواسطة البشر سواء ما ينتج عن البحث أم ينتج عن البحث أم ينتج عن التطبيق في مختلف مجالات الحياة، وأن علوم الوحي تحدد إطار حركة علوم الاكتساب لكي لا تخرج الأخيرة عن الحدود التي بينها الله للعلم والعلماء في اكتساب العلم وتطبيقه، كما أن علم الاكتساب تكشف عن مجالات كثيرة مشهودة تثبت صحة ما جاء في علوم الوحي. بهذا المفهوم الواسع للعلم في الإسلام، لا نجد قضية من قضايا الحياة في كل من العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق والتقدم العلمي والتقني والاجتماعي والثقافي وغيرها من المجالات الأقل مدى مثل التقدم الاقتصادي والعسكري والسياسي وغيرها، صغيرة كانت أم كبيرة إلا وأحاط بها. فالدين الإسلامي ليس طقوسًا تعبدية ولكنه منهج حياة شامل لأمور الدنيا والآخرة في توازن واعتدال. لذلك، فإن العلم من وجهة نظر الإسلام يشمل جميع الخبرات التي يحتاجها الإنسان ليستقيم على منهج الله في جميع أمور حياتة الدنيوية والأخروية ذكرًا كان أم أنثى، كل منهما حسب فطرته ووظيفته, ووفق ما وهبه الله من إمكانات السعي في مناكب الأرض تمكينا لدين الله، وارتقاء بحياة الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء. وذلك من خلال إعداد كل من يستطيع الإسهام في هذا كله إعدادًا يناسب مقتضيات العصر.

خامسا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي إن حقائق الوحي لا يمكن أن تتعارض مع حقائق الكون التي ينتهي إليها العقل البشري؛ لأنها ربانية المصدر، وهي بذلك تؤسس على علم الله بخلقه وإحاطته بأسراره علما يقينيا وإحاطة جامعة مانعة. والعقل البشري حين يصل -بتوفيق الله- إلى حقيقة من حقائق الكون فإنها بالضرورة تنسجم مع حقائق علوم الوحي؛ وذلك لأنه لا تعارض على الإطلاق -في الإسلام- بين الحقيقة العلمية واليقينية والحقائق الموحى بها، وإذا ما حدث تعارض فإنه لا بد من أن يكون هناك خطأ في أحد أمرين: الأول: هو اعتبارنا لشيء ما حقيقة موحى بها وهي ليست كذلك. بمعنى أننا اعتبرنا أمرا ورد في القرآن -مثلًا- حقيقة قرآنية" وفق تفسيرنا نحن للقرآن وفهمنا لنصوصه فهما مغلوطًا. وهذا خطأ بين، إذ إن تفسير المفسر ليس حقيقة دينية ولا قرآنية. ويعطي فضيلة الشيخ الشعراوي لهذا مثلًا موضحًا في كتابه القيم "هذا هو الإسلام" بالتعارض الذي ظهر في وقت ما بين القول بأن الأرض مبسوطة باعتبار أن هذه حقيقة قرآنية، في حين أن العلم يقول بكرويتها. يقول فضيلته "2، 28": يوجد من يقول: إن القرآن يقول إن الأرض مبسوطة. ولذلك لما جاءت الحقيقة العلمية الكونية تقول إن الأرض كرة، بدأت تحدث فجوة بين ما تقوله الحقائق الكونية وما يقوله القرآن وفق فهم هؤلاء. فالتصادم -هنا- جاء من اعتبار حقيقة ما دينية وهي ليست كذلك. ويستشهد صاحب رأي بسطة الأرض بقول الحق تبارك وتعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19] . لكن هل {مَدَدْنَاهَا} هنا تعني بسطناها؟ الخطأ -هنا- عام لناس. فهل هي أرضي أنا أم أرضك أنت؟ أي أرض؟ ويوضح فضيلته: إذن ما دامت على إطلاقها، كان يجب أنك حين تصل إلى أي مكان في الأرض يجب أن تتحقق كلمة {مَدَدْنَاهَا} . وما دامت كلمة مددناها ما زالت تتحقق في أي بقعة من الأرض. فإن هذا لا يتحقق إذا كانت الأرض مربعة أو مثلثة، أو مستطيلة أو أي شكل مسطح؛ لأنك سوف تنتهي إلى حافتها، مهما كان شكلها المسطح، ومهما كان اتساع هذا السطح المستوي، فلابد أنك -إذن- واصل إلى حافته، وهناك تجدها

منتهية ولا تجد الأرض ممدوة، بل محدودة، وهذا يتعارض مع قوله تعالى: {مَدَدْنَاهَا} . ويستنتج فضيلته من هذا الإيضاح: ولكن إذا كانت الأرض كرة، فإنك حيث كنت ستجدها ممدوة حولك في جميع الاتجاهات: أمامك وخلفك وعن يمين وشمال, ومهما انتقلت من مكان إلى مكان فإنك واجدها ممدودة ولن تجد لها نهاية محدودة أبدًا "2، 29". وكما شرح فضيلة الشيخ الشعراوي فإن الخطأ هنا جاء من اعتبار بسطة الأرض حقيقة من حقائق الوحي وهي ليست كذلك، بل إنها التفسير البشري لحقيقة الوحي، وأما حقيقة الوحي فهي أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19] . أما تفسير {مَدَدْنَاهَا} بمعنى بسطناها فهذا أمر بشري يحتمل فيه الصواب كما يحتمل فيه الخطأ، وقد كان التفسير هنا خطأ، الأمر الذي تسبب في ظهور تصادم بين الحقيقة الكونية وهي "كروية الأرض" مع ما اعتبر خطأ "حقيقة قرآنية" وهو انبساطها أو تسطحها أو استواؤها. وهذا ينبهنا إلى أمر مهم بالنسبة لتفسيرنا لآيات القرآن الكريم. وهو أنه لا ينبغي أن ننسى أن تفسيرنا لحقائق الوحي المتعلقة بالكون، تكون -بالضرورة- محدودة بعلم المفسر بمراد التعبير الإلهي القرآني عن الحقيقة الكونية، وهذا مرتبط بمدى علمه بالحقائق الكونية من خلال الدراسات العلمية، والقدرة على التمييز بين اليقينية منها وغير اليقينية. فإذا كان علمه قاصرًا عن الوصول إلى الحقيقة الكونية فإن ثمة تصادمًا سوف يحدث بين هذه الحقيقة وتفسيره للحقيقة الدينية أو القرآنية المتعلقة به، وليس بالحقيقة الدينية أو القرآنية ذاتها. ويؤيد فضيلة الشيخ الشعراوي هذا بقوله "2، 29": ولذلك لم يفسر لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن؛ لأنه لو فسره لكان يجب أن يفسره بما تطيقه عقول معاصريه، ولو فسره بالأشياء التي توجد في القرن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين لعجب معاصروه ولاستعظموه أيما استعظام. ولو أنه -صلى الله عليه وسلم- فسره على قدر عقول معاصريه ومعلوماتهم الكونية لحجر علينا، ولجمد القرآن؛ لأن من يتصدر لتفسير القرآن بعد ذلك سيواجه بأن الرسول قد فسره كذا، وعليه ألا يزيد عن ذلك أو ينقص. لذلك فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك تفسير القرآن حتى تأخذ كل مرحلة فكرية من لمحات القرآن بقدر ما تستطيع ذلك في أمور الكونيات، أما المطلوب من الأحكام فقد بينها صلوات الله عليه وأوضحها للناس.

ويمس الشيخ الشعراوي كبد الحقيقة حين يوجه إلى سر صلاح القرآن في كل زمان ومكان حين قال: إذا كنا نريد أن نفهم القرآن مرة واحدة، نكون قد حددنا كمالات الله في كلامه، والقرآن للزمن كله وللدنيا كلها ... ولذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أول منفعل به "بالقرآن": "لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء". والواقع يؤيد هذا، فكلما بالغ الناس في الإلحاد، أظهر الله سرا من أسرار كتابه الكريم, يلفتنا به إلى أن هذا الكتاب ليس من عند البشر، وأن هذا الكتاب من عند الله الذي يعلم نهاية العالم كيف ستكون, القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] . أما الأمر الثاني الذي يظهر تصادمًا بين الحقيقة الموحى بها والحقيقة الكونية، فيأتي من تسمية رأي علمي حقيقة كونية، فهذا يجعل الحقيقة الكونية وكأنها في تصادم مع الحقيقة الموحى بها، ولا شك أن من يقع في شراك هذا التصادم غير الواقعي، يكون غافلًا عن طبيعة البحث العلمي بل عن طبيعة العلم ذاته. فكم من كشف علمي نسخ كشفًا سابقًا عليه، وكم من نظرية علمية أثبتت خطأ غيرها، وبخاصة فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية، ومن البداهة هنا أن من يقع في هذا الشرك لا يكون مؤمنا بأن القرآن منزل من عند الله؛ لأنه لو كان مؤمنا بأن القرآن كتاب الله، ما داخله أدنى شك بأن ما سمي بالحقيقة العلمية ليست "حقيقة كونية" لمجرد تعارضها مع حقيقة قرآنية؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] . وقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] . وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] . ويعطي فضيلة الشيخ الشعراوي مثالًا لاعتبار شيء ما حقيقة كونية على اعتبار أنها حقيقة علمية بالنظرية التي قال بها دارون من أن الإنسان أصله قرد، مع أن القرآن يقضي بأن كل شي خلق خلقًا مستقلا، بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49] .

وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} [يس: 36] . وفي هذا بين بأنه لا ارتقاء لعنصر من الأحياء الذين خلقهم من عنصر آخر, فلا ارتقاء للنبات من الجماد، ولا الحيوان من النبات، ولا الإنسان من الحيوان، بل كل عنصر من الأحياء خلق مستقلا عن الآخر. ويبين الحق تبارك وتعالى أن الإنسان خلق من تراب في قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] . {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [غافر: 67] . {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] . {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] . من الآيات السابقة نقف على حقيقة خلق الإنسان، ومن ناحية أخرى نجد من يعتبر أن ارتقاء الإنسان من سلالة القرد حقيقة كونية، نعيد هنا ما سبق أن بيناه بأن الإيمان يحسم الأمر هنا بيقين من أن الإنسان خلق وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل. وهذا أمر قطعي غير قابل للمناقشة أو الأخذ والرد في أنه حقيقة، ولكن المناقشة هنا هدفها هو بيان الأسباب التي يمكن أن تجعل الحقائق الكونية تبدو في تعارض مع حقيقة من حقائق الوحي. وكما يقول فضيلة الشيخ الشعراوي: "2، 30-31": نحن لا نستطيع أن نحكم الحكم اليقيني العلمي إلا على أمر تجريبي، أما ما وراء ذلك فينبغي أن نأخذه عمن يعلمه، فإذا نظرنا إلى قوله الله -تبارك وتعالى- أنه خلق الإنسان من تراب مرة، ومن طين مرة، ومن حمأ مسنون مرة، ومن صلصال كالفخار مرة, وبعد ذلك نفخ فيه الروح، نجد أننا لم نشاهد هذا كله، ومن ثم لا نستطيع أن نحكم كيف خلقنا، بل نؤمن بكيفية خلقنا بناء على ما بينه لنا الخالق، ولكننا نستطيع أن نستقرئ حقائق الكون والوجود فنجد صدق الله في غيب أخبرنا به بدليل يقيني مشاهد لنا. فانظر -مثلًا- إلى الحياة، تجد نقيضها الموت، وانظر إلى الخلق تجد نقيضه العدم. فالقضية الأساسية التي نقيس عليها هنا كل شيء على عكس بنائه. فالموت أمر مشهدي محس لنا، والموت يعني مفارقة الروح الجسد وهي آخر ما دخل فيه في أثناء خلقه. وبعد ذلك يتيبس جسمه وهذه مرحلة الصلصالية، أي: الطين المتعفن المتغير الرائحة. بعد ذلك يصير ترابًا، أي: يعود إلى سيرته الأولى. وهذا يبين أن مرحلة الفناء تسير في خط عكسي لمرحلة الخلق، فتبينها

مع أنها من أمور الغيب التي نسلم بها إيمانًا بما أنزله الله علينا في القرآن الكريم. وأما ما بدا على أنه تناقض بين حقائق الكون, على اعتبار أن الإنسان أصله قرد وما جاء في القرآن من أن الإنسان خلق من تراب "فيرجع إلى تسمية استنتاجات بشرية قائمة على غير أساس علمي سليم بأنها" حقيقة كونية". وعلى ذلك يجب أن نفهم القضية الأساسية، وهي أن الحقائق الكونية التي يصل إليها العلماء بيقين علمي، لا تتعارض بحال مع الحقائق الدينية أو القرآنية "حقائق الوحي". ونستطيع أن نضع القضية بصورة أخرى. وذلك بأن العلم في الإسلام مصدره كتابان لا ثالث لهما: الأول هو كتاب الله المسطور. وهو كلام الله الذي أوحى به -سبحانه وتعالى- إلى نبية محمد -صلى الله عليه وسلم- سطر في القرآن والسنة الموحى بها، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يتضمن هذا الكتاب أمورًا غيبها الله عن عبادة غيبا مطلقًا مثل: حساب القبر: والأجل، ويوم القيامة: أما المصدر الآخر: فهو كتاب الله المنظور، وهو الكون المشهود الذي خلقه الله -سبحانه وتعالى- وأودع ما أودع من أسرار غيبها عن عباده إلى أن تقتضي حكمته أن يكتشفوها. وكما سبق أن ذكرنا؛ الله وحده مصدر العلم كله: المسطور منه والمنظور. ومن ثم لا يمكن أن يودع في أي من الكتابين ما يتعارض مع ما أودعه في الكتاب الآخر. وهذه قضية إيمانية تعود إلى إيماننا بأن الله -سبحانه وتعالى- وحده خالق كل شيء، وأنه وحده عالم الغيب والشهادة, وأنه وحده يعلم السر وأخفى. وإذا ما بدا لنا تعارض بين حقيقة كونية مع حقيقة من حقائق "الوحي" فإن هذا يرجع كما سبق أن ذكرنا إلى أحد أمرين: إما أننا اعتبرنا حقيقة ما حقيقة كونية وهي ليست كذلك، وإما أننا فسرنا حقيقة من حقائق الوحي تفسيرًا خاطئا؛ نظرا لأن معلوماتنا عن الكون لم تصل إلى مراد الله من هذه الحقيقة.

سادسا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله

سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان وأودع فيه من القدرات والحواس والأجهزة ما يساعده على التعلم، وحثه على التدبر والتفكر في الخلق وفي نفسه، وحثه على أن يجعل من الكون كله مدرسة يتعلم منها، ومبتكرًا يبتكر فيه ما شاء الله أن يفعل، ومعملًا يجرب فيه للوصول إلى كشف كل جديد. ولم يقف الإسلام عند هذا، ولكنه وضع العلماء الذين يسخرون علمهم لنشر منهج الله وتثبيته، ويبتغون فيما يعلمون فضلًا من الله ورضوانًا في مكان علي. يبين لنا "مختصر تفسير الطبري" أن لحق تبارك وتعالى يوضح فضل العلم حين يوجه نبيه المصطفى بأن يبين للمشركين أن من يعلمون ما لهم في طاعتهم من الثواب وما عليهم في معصيتهم من العقاب لا يستوون مع الذين لا يعلمون ذلك، فهؤلاء يخبطون خبط عشواء، وإنما يعتبر بحجج الله ويتدبرها أهل العقول والحجا، لا أهل الجهل ونقص العقول، وذلك في قوله جل شأنه: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] . ويبين لنا "مختصر تفسير الطبري" أن الله تبارك وتعالى يبين لنبيه محمد أن المتمكنين من العلم, الذين رسخ العلم في قلوبهم يعلمون أنه رسول الله، وذلك في قوله عز وعلا: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [لنساء: 162] . وهكذا توضح لنا الآيات الكريمات أن للعلم فضلًا في إنارة البصيرة والكشف عن غيوم الجهل، والوصول إلى الحقيقة. وقد يبين رسول الإسلام أن طلب العلم عمل في سبيل الله، في قوله -صلى الله عليه وسلم: "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع". "رواه الترمذي". بل وضع الرسول طالب العلم في موضع أفضل من العابد. وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن أبي الدرداء، رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم. فمن أخذه أخذ بحظ وافر". "وراه أبو داود والترمذي". قال -صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". "رواه الترمذي".

وقد جعل الحق تبارك وتعالى العلم سببا لرفعة الدرجات لحامليه، وذلك في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] . ويبلغ تكريم العلماء مداه حين يقرن الله الشهادة بوحدانيته والملائكة بشهادة أولى العلم في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] . وقد جاء في مختصر تفسير ابن كثير أن هذه خصوصية, عظيمة للعلماء في هذا المقام. ويقرر الرسول المعلم أن غياب العلماء عن الأمة يتسبب في ظلالها، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالمًا، اتخذ الناس رءوسا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". "رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه". وقال -صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء". "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه". ويقدم لنا القرآن دليلًا على أن العلم يجعل حائزه معلمًا للأنبياء في قصة موسى -عليه السلام- مع الرجل الصالح. فهذا موسى عليه السلام يتعلم من الخضر، مع أن موسى كان نبيا في حين أن الخضر لم يكن نبيا، ولكن كان رجلًا صالحًا أي معلمًا صالحًا، وهذا أمر ينبغي التنبيه إليه، وقد تبع المتعلم "النبي" المعلم "غير النبي" ليتعلم منه. {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] . فلما شق على المتعلم "النبي" أن يصير على ما يعلمه المعلم. قال له المعلم: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78] . هذا مثل لإكبار المعلم واحترامه وتقديره، ودرس يتعلمه أولو البصيرة من البشر، ويبين مدى تقدير الإسلام للعلماء. ومن آيات تكريم العلماء أن يظل عطاء العلم لهم بعد مماتهم. فقد قال الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". "رواه مسلم". مما سبق نتبين أن الإسلام قد كرم العلماء بعلمهم, ليس فقط في حياتهم الدنيا، ولكن أيضًا في حياتهم الآخرة، ووضعهم في مكان علي يفضل مكان الأنبياء.

خاتمة الفصل الرابع

خاتمة الفصل الرابع: في هذا الفصل: عالجنا الأساس الثاني من الأسس العامة لاختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها، وهو: العلم وفق التوجيه الإسلامي، ومفهوم العلم ومصادره ووظيفته وموقفه من الكون والحياة, وتسهم إسهامًا مهما في تكوين نظرة المتعلم إلى الدين والكون والحياة، الأمر الذي جعل العلم من منظور الدين الحنيف من بين هذه الأسس. ونستطيع أن نلخص نتائج هذه المعالجة فيما يلي: أولًا: أن العلم كله -الموحى به والمكتسب بواسطة البشر- من عند الله سبحانه وتعالى. ثانيًا: أن الله هو الذي يهدي البشر للكشف عما غاب عنهم من هذا العلم. ثالثًا: أن هذا العلم لا يدرك له نهاية، وسيظل منهلًا للبشر يغترفون منه مهما توالت الأجيال والسنون، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. رابعًا: أن غاية العلم تحقيق منهج الله في جميع جوانب الحياة. خامسًا: إن الإسلام يكرم العلماء ويطالبهم بتوظيف العلم لصالح البشر جميعًا. سادسًا: أن العلم يحيط بجميع متطلبات الحياتين الدنيا والآخرة في توازن واعتدال. سابعًا: أن العلم تتوافق فيه حقائق الكون التي يكتشفها العقل البشري مع حقائق الوحي. ثامنًا: أن طلب العلم فريضة على كل مسلم "ذكرًا كان أم أنثى" وتيسير سبله من أهم واجبات الدولة. تاسعًا: جميع العلوم والمعارف علوم إسلامية إذا روعيت تعاليم الإسلام في اكتسابها وتطبيقاتها. ومن ثم ينبغي الاستفادة من جميع المعارف الإنسانية النافعة من وجهة النظر الإسلامية، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

أهم مصادر الفصل الرابع

أهم مصادر الفصل الرابع: إضافة إلى: القرآن الكريم والسنة المطهرة ومختصر تفسير الطبري ومختصر تفسير ابن كثير. 1- الشافعي، حسين محمود عبد اللطيف: "خطة لتكوين الداعية المفتي"، بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة وندوة التنسيق بين كليات الشريعة "ج1" "ط1". الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب الرئيس 1409هـ-1988م. 2- الشعراوي، محمد متولي: هذا هو الإسلام. القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع, 1407هـ-1987م. 3- العسال، أحمد. "توجيه طاقات الشباب المسلم لبناء المجتمع المسلم" بحوث وتوصيات ندوة تربية الشباب المسلم ودور الجامعات فيها. الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب الرئيس 1409هـ-1988م. 4- مصطفى، مصطفى عبد الصادق: "التخطيط لتعليم الشباب من منظور إسلامي" تربية الشباب المسلم ودور الجامعات فيها. الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية: مكتب الرئيس 1409هـ-1988م.

الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم

الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم مقدمة الفصل الخامس ... مقدمة الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم هو الأساس الثالث من الأسس العامة لاختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها، إذ إن عدم توجيه هذه الخبرات وفق قيم المجتمع ومعتقداته يؤدي إلى تلوث الفكر السائد فيه نتيجة للغزو الفكري من الخارج. تواجه الأمة المسلمة مشكلات في شتى بقاع الأرض. فهذه مشكلة أفغانستان تنخر في عظام الأمة عقدًا من الزمان، وهذه مشكلة فلسطين قاربت النصف قرن, وتلك مشكلات المسلمين في كل من أذربيجان ويوغسلافيا وكشمير وألبانيا وفرنسا والفلبين، وغيرها وغيرها. ففي كل ركن من أركان المعمورة نجد للمسلمين مشكلة, ناهيك عن مشكلات التخلف العلمي والتقني، وحاجة الكثير من أقطار الأمة إلى استيراد الغذاء والكساء، ووسائل الاتصال والمواصلات، إلى غير ذلك من القائمة المتنامية من المشكلات التي تعيق نمو الأمة. ولكن ماذا نتوقع من أمة تركت التربية الربانية التي خصها الله بها، وراحت تلملم من الشرق والغرب أنماطا تربوية خططت لتكوين شباب غير شبابها، ومجتمعات غير مجتمعاتها، بل لأمة غيرها، فكانت النتيجة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ومما يزيد الطين بلة أنه كلما استشعرت الأمة الإسلامية تخلفها عن ركب التقدم المعاصر أسرعت الخطى نحو الأخذ من الغير، ظنا منها أن هذا هو الحل الناجع لتخلفها. ومما جعل هذا الشتات وذاك الانفصام أكثر حدة وأشد قسوة على المجتمعات المسلمة، أنه في عالمنا الذي نعيشه -حيث الفيض المعرفي ينهال، وحيث التقنية المستحدثة تترى، وحيث استطاعت وسائل الاتصال والمواصلات أن تعبر المسافات وتجتاح الموانع، وأصبح ما يحدث في مكان ما من العالم يصل إلى أطرافه بصورة فورية، اتخذت الدول غير الإسلامية من ذلك كله معبرا لغزو ديار المسلمين غزوا تربويا، الأمر الذي تسبب في شعور شباب المسلمين بالغربة وهم في أوطانهم وبين عشيرتهم ومع أبناء دينهم. وهذا هو أخطر بلاء تتعرض له أمة. ولعله من المناسب هنا توجيه النظر إلى أن أعداء الإسلام يدركون تماما أن العودة إلى الالتزام بدين الله، هي منصة انطلاق الأمة الإسلامية، هذا ما يؤكده -بجلاء تام- القس زويمر رئيس مؤتمر القدس التبشيري في خطابه لأعضاء المؤسسات التبشيرية بقوله: إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية لها في البلاد المحمدية "المسلمة" ليس هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريم. ولكن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في تقدمها. وبذلك تكونون أنتم

-بعملكم هذا- طليعة الفتح الاستعماري في البلدان الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام السالفة خير قيام ... وهذا ما أهنئكم عليه. "7، 400"*. وأخطر أدوات الغزو الذي تتعرض له الأمة الإسلامية -من وجهة نظر المؤلف- هو ما يوجه إلى التعليم. لذلك فقد خص أعداء الإسلام التعليم بنصيب وافر من هجمتهم الشرسة ضد الإسلام والمسلمين. ولما استشعر علماء الأمة الإسلامية ما تتعرض له أمتهم من غزو تربوي يستهدف النيل من هويتها الإسلامية، استنفروا قواهم لكي يعودوا بمشارب الأمة التعليمية إلى مناهلها الصافية، ومن بين ما نادوا بالأخذ به ما عرف بـ"التوجيه الإسلامي للعلوم" موضوع اهتمامنا في هذا الفصل: وسوف يكون تناولنا اهذا الموضوع على النحو التالي: أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم. ثانيًا: مفهوم التأصيل الإسلامي للعلوم والمصطلح المناسب للتعبير عنه. ثالثًا: أسسه ومنهجه.

_ * يشير العدد الأول "7" في الثنائي المرتب "7، 400" إلى رقم المرجع في قائمة المراجع الخاصة بهذا الفصل، ويشير العدد الثاني "400" إلى رقم الصفحة في المرجع نفسه.

أولا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم

أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم 1- المحافظة على تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية إن الدافع الأول والأساسي لتوجيه العلوم توجيهًا إسلاميا هو العمل على أن تكون تربية أبناء الأمة الإسلامية تربية إسلامية. فمن الأمور المعروفة لدى المربين أن تنشئة الأجيال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على ما يكتسبونه من خبرات ومهارات وأنماط للسلوك، وما يتعلمونه من قيم وأساليب تفكير. ولذلك نجد الدين الإسلامي قد ركز -ليس على طلب العلم فقط- ولكن أيضًا على تطبيقه في الحياة. وكلما كان ما يتعلمه الفرد مرتبطًا بعقيدته وقيمه وحياته ومشكلات مجتمعه كان أكثر تأثيرًا في بناء شخصيته بناء سليمًا، وفي بناء مجتمع قوي البنيان. ولقد رأينا مثلًا حيا لهذا في مجتمع صدر الإسلام. فإن ديننا الحنيف قد رسم لنا الطريق منذ أربعة عشر قرنا خلت، حين جعلت التربية الإسلامية السلوك الذي حدده كل من القرآن الكريم والسنة المطهرة شخوصا تضرب في الأرض، وأفرادًا تسعى بين الناس، وكونت مجتمعًا متفردًا في نشره للخير والبر. وبها تربى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وأسامة وبلال وغيرهم. وغيرهم. وأصول هذه التربية ما زالت بين أيدينا، بل إن لدينا اليوم تقنية نستطيع بها تجويد تطبيقاتنا التربوية مع المحافظة على الأصول ذاتها. فمن يدرس تاريخ مجتمع صدر الإسلام، يجد أن الدين الحنيف قد كون من هؤلاء أنموذجًا فريدا لمجتمع لم تشهده البشرية من قبل ولا من بعد. مجتمع قام على منهج الله، ولم يتلبس به شيء من ركام الجاهلية أو التلوث من ثقافات خارجة عنه، ولكي يصبح أنموذج هذا المجتمع حقيقة بين ظهرانينا. ينبغي أن تكون المهمة الأولى للأمة أن تحافظ على مقوماتها، بأن توجه سلوك جميع أبنائها وفي مؤسساتها إلى الالتزام بالإسلام قولًا وعملًا، وأن يكون الجميع حراسًا على تطبيق شريعة الله. وأن تعمل كل مؤسسة فيه على أن تكون أنموذجا للمجتمع المسلم. ومن المسلم به في الوقت الحاضر، أن المجتمعات التي تعتلي منصة التقدم في العالم، قد تبوأت مكانها هذا بتربية أبنائها تربية نابعة من جذور ثقافتها. فالمجتمع الياباني حين زلزلت الهزيمة في الحرب العالمية الثانية كيانه لجأ إلى تربية خاصة به. وبهذه التربية كون أجيالًا نقلت المجتمع الياباني إلى منصة التقدم العلمي والتقني بين أمم العالم أجمع. وهذه ألمانيا، بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية نفسها لجأت إلى التربية النابعة من المجتمع الألماني. وبها انتقل الشعب الألماني إلى موقع الريادة بين أمم الأرض، وهذه أمريكا حين سبقها الاتحاد السوفيتي في تجارب الفضاء في أواخر الخمسينات لجأت إلى استنفار تربوي أمريكي، لحمًا ودمًا. وبه

أصبحت أقوى دولة في العالم دون منازع. وهذه مجرد أمثلة. يمكن أن نضيف إليها مجتمعات أوربا الغربية وغرب جنوب شرق آسيا وغيرها. مع اختلاف وسائط التربية ووسائلها في هذه المجتمعات، فإنهم يتفقون جميعًا في ضرورة أن ينبع الفكر التربوي وأهداف التربية من مقومات مجتمعاتهم، وأن تعمل هذه التربية على حل مشكلاتهم. بناء على ما سبق، فإن انطلاق هذه الأمة يتوقف على تربية أبنائها تربية إسلامية، وحمايتهم من التلوث الثقافي الذي يتعرض له من البث المباشر، وغيره من الوسائط. ب- تنقية ما علق بمناهج العلوم الاجتماعية -بخاصة- من تلوث: إن التلوث الذي لحق بالعلوم الاجتماعية -بخاصة- والعلوم العامة، لما بين ثناياها من فكر غريب وطرائق حياة وخبرات دخيلة، جعلها تخالف التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة في الكثير من منطلقاتها. ومفاهيمها وحقائقها وتطبيقاتها. ولنبدأ بمناهج العلوم الاجتماعية التي يدرسها طلاب الجامعات في العالم الإسلامي: يقول محمد قطب عن مناهج علم الاجتماع: إننا حين نتحدث في "الاجتماع" لا نجد كتبًا إسلامية تحدثنا عن الاجتماع فننقل أراء مفكري أوربا، وأن الذي ينشر على طالب العلم في معظم بلاد العالم الإسلامي هي نظريات "دور كايم" اليهودي. ويضيف فضيلته أن الأولى أن نقدم نظرية اجتماعية إسلامية متكاملة. "5، 194". ويقول محمد قطب عن مناهج علم النفس: إننا ما زلنا نقدم لطلابنا علم النفس الغربي، في حين ينبغي أن ننظر في النفس البشرية من وجهة نظر الإسلام. وما يقال هنا عن مناهج كل من علم الاجتماع وعلم النفس يقال مثله -وربما أكثر- عن مناهج كل من التربية والاقتصاد. فكل هذه المناهج ينبغي أن تؤصل من وجهة نظر الإسلام. "5، 195". وماذا عن مناهج علوم مثل التاريخ والأدب؟ لكي أجسد خطورة تأثير الغزو التربوي الناتج عن دراسة التاريخ الأجنبي، أسوق هنا ما قاله أحد مهندسي التربية الاستعمارية الأوربيين، حين ذكر ما أسماه التثقيف التاريخي. يقول الرجل الخبير في فنون الاستعمار: أما التأثير الوحيد الذي يمكن أن يتركه مثل هذا التثقيف التاريخي في عقول الأحداث -من غير الشعوب الأوربية- فإنما هو الشعور بالنقص، فيما يتعلق بثقافتهم الخاصة وبماضيهم التاريخي الخاص ... وهكذا يتربون تربية منظمة على احتقار ماضيهم ومستقبلهم اللهم إلا إذا كان مستقبلًا مستسلمًا للمثل العليا الغربية "6، 27".

هذا على وجه العموم، أما أبناء المسلمين على وجه الخصوص فقد خصهم العالم الأوربية نفسه فيما يتعلق بتعليمهم الأدب الأوربي بقوله: إن تعليم الأدب الأوربي على هذا الشكل الذي يسود اليوم الكثير من المؤسسات الإسلامية يقود إلى جعل الإسلام غريبًا في عيون الناشئة المسلمة. "6، 26". وما إخالني بحاجة إلى إضافة جديدة عن أثر تدريس مناهج العلوم الاجتماعية التي تقدمها معظم الجامعات في العالم الإسلامي إلى شباب المسلمين، بما فيها من تلوث تربوي. وماذا عن مناهج العلوم التطبيقية والبحتة؟ تحمل مناهج العلوم التطبيقية والبحتة -مثل العلوم الاجتماعية- بذور التبعية وعوامل الغزو التربوي. وقد عبر راشد المبارك عن ذلك في تساؤله الذي طرحه في "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" وفي إجاباته عليه، إذ قال: إلى أي مدى ترتبط مناهجنا في التعليم وطريقة تدريس هذه المناهج بتصورنا عن فلسفة الكون وطبيعة الحياة؟ ذلك التصور المستمد من إيماننا بالله. وبعبارة أخرى، هل هذه المناهج وطريقة تدريسها ترتبط بهذا التصور والإيمان؟ ويجيب راشد المبارك على تساؤله قائلًا: لعلي لا أكون مخطئا إذا قلت: إن المرء سيضنيه البحث دون أن يعثر على مثل هذه الصلة. إن العلوم في أكثر الجامعات الإسلامية تدرس وهي مقطوعة الصلة بهذا التصور. وتلك صورة من صور التقليد أو التبعية لما يحدث في الغرب. "5، 130". خلاصة القول: أن من يتخصص من شباب المسلمين في هذه العلوم لا يرى إلا علومًا استحدثت في الغرب أو الشرق، فيقر في أذهانهم -وحال المسلمين اليوم كما نعلم- أن التقدم وقف على غير المسلمين. وخاصة أنه يسمع الإذاعة في أجهزتهم، ويرى التلفاز الذي صنعوه، ويسمع عن الأقمار الصناعية التي ابتكروها. فهلا علمنا هؤلاء الشباب عن علماء أمتهم السابقين, وما استحدثوه في الماضي. وعلماء أمتهم المحدثين الذين يشتركون فيما يرونه من حضارة غلابة في هذه البلدان؟!! من أجل درء هذا الغزو الذي يتعرض له أبناء المسلمين, وصولًا إلى خلخلة عقيدتهم وتشويه شريعتهم وصرفهم عن العبادات وفك التزامهم بالأخلاق الإسلامية، تنادى علماء الأمة الإسلامية والغيورون على دين الله أن اغدوا على المناهج التي يدرسها أبناء أمتكم مصبحين، لتعودا بهم إلى رياض الدين الحنيف, من خلال توجيه ما يتعلمون في المدارس والجامعات، وغيرها من معاهد التعليم، وما يشاهدونه ويسمعونه ويقرءونه في وسائل الإعلام وما يؤثر في حياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، من منظور الدين الحنيف. وأن ادرسوا وحللوا وقوموا بهدف العودة إلى هذه الرياض، واستدلوا بمناهج الأولين والمحدثين, واستفيدوا من كل فكر مناسب، واشربوا من كل منهل أصيل، لتعودوا بأبناء الأمة إلى دين الله الخالص، وليكون ما يتعلمونه وفق منظور الإسلام للإنسان والكون والحياة والمعرفة. من أجل تحقيق هذا الهدف بدأ العلماء والمهتمون في البحث وتبادل الرأي وعقد المؤتمرات والندوات، ونشر الاجتهادات وتكوين اللجان، لكي يعيدوا للمناهج التعليمية في ديار الإسلام نقاءها، وإلى ثقافة الأمة صفاءها.

ثانيا: المفهوم والمصطلح

ثانيًا: المفهوم والمصطلح أ- المفهوم: يقتضي المنهج العلمي تحديد معنى المصطلحات التي سوف تستخدم في تناول القضايا العلمية حتى لا تختلف المفهومات وفق اختلاف التفسيرات المتعلقة بها. ويشتد هذا الاختلاف إذا كانت القضية المراد دراستها جديدة على ساحة البحث العلمي، إذ تكثر حولها الاجتهادات وتتباين فيها وجهات النظر، ومن بين القضايا العلمية المعاصرة التي اختلف فيها المهتمون بها، قضية توجيه العلم توجيهًا إسلاميا، فقد اختلفوا في المفهوم كما اختلفوا في المصطلح. وقبل أن نناقش الاختلاف في المفهوم، نذكر أننا نعني بالمفهوم هنا: ذلك التجريد العقلي للصفات المشتركة بين مجموعة من الخبرات أو العناصر أو الظواهر:"11، 160". فالمفهوم إذن -تصور عقلي أو فكرة مجردة، ولا يمكن التعامل معه حسيا، ولكن يمكن استخدام تمثيل حسي له، مثلما نعبر عن المثلث بثلاثة خطوط متقاطعة مثنى مثنى، ومثلما نعبر عن الخطر برسم جمجمة, ونعبر عن العدل بميزان متعادل الكفتين، ومع أن جميعها مفاهيم مجردة، كما يمكن أن نعبر عن كل منها بكلمة أو عبارة، فقد عبرنا عن هذه المفاهيم الثلاثة -على الترتيب- بالكلمات: مثلث وخطر وعدل. فماذا يمكن أن نفهم مما يشار إليه بلفظ "تأصيل العلوم" أو ماذ يعني مفهوم "تأصيل العلوم"؟ عرف أحد الباحثين التأصيل الإسلامي للعلوم بما يلي: إعادة صياغة المعرفة على أساس من علاقة الإسلام بها، أي: إعادة تجديد وترتيب المعلومات، وإعادة النظر في استنتاجات هذه المعلومات وترابطها، وإعادة تقويم النتائج وإعادة تصور الأهداف، وأن يتم ذلك بطريقة تمكن من إغناء وخدمة قضية الإسلام. "2، 54".

وعرفه آخر، بأنه: اشتقاق الأسس الشرعية والاستفادة مما توصل علماء الغرب من نتائج مادية تساهم في عمارة الأرض, وقيام الإنسان بوظيفته المرتضاة له دينا، وتوجيه هذه النتائج في سبيل تحقيق الغاية من هذا الوجود. "9، 33-34". وعرفه ثالث: بالصيغة التالية: إسلامية المعرفة أو "أسلمة المعرفة" تعني: ممارسة النشاط المعرفي كشفا وتجميعًا وتوصيلًا، من زاوية التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان. وبين ما قصده بـ"النشاط المعرفي" بأنه: إضافة أو "تسليط العقل البشري" -أو بعبارة أدق "القدرات العقلية والبشرية"- على الظواهر المادية والحيوية والروحية والإنسانية في مدى الكون والعالم والحياة. "8، 15". وعن شمول المعرفة للإنسان والكون, قال: إن قطبي التعامل: الإنسان والكون، هما من صنع الله الذي أتقن كل شيء ... فمن الطبيعي إذا أن تتشكل مفردات هذا التعامل من منظور الإيمان بالله خالق الكون والحياة والإنسان.. وكان من الطبيعي أن تسلم المعرفة بهذه الحقيقة الكبرى، أي: أن تكون "إسلامية" بهذا المعنى الواسع الذي يضع الأمر في نصابه من نطاق الملكوت الإلهي وسنته ونواميسه. وبالنسبة لنطاق الأسلمة في العلوم، قال: إن هذه "الإسلامية" لا تنسحب فقط على ما يسمى بالعلوم الصرفة "المحضة" والتطبيقية في التعامل مع الوجود، وإنما تمتد بالضرورة إلى ما يعرف بدائرة العلوم الإنسانية، بل إنها في هذه أشد ضرورة؛ لأنها المعنية بترتيب وضع الإنسان في العالم، وتنظيم حياته بما يجعله قادرًا على تحقيق مهمته في العالم "8، 16". ثم قال: ومن ثم تغدو هذه العلوم التي تعالج الإنسان فردًا، كعلم النفس مثلًا، وتلك التي تعالجه جماعة كعلم الاجتماع والتاريخ، أو تلك التي تستهدف دراسة وتنظيم مؤسساته العامة كعلوم الإدارة، أو ضبط نشاطه المعاشي كعلوم الاقتصاد، أو تنسيق علاقاته العامة كالعلوم السياسية، أو حماية حقوقه وتنظيم واجباته كالقوانين والتشريعات، أو متابعة رؤيته الجمالية ونشاطه التعبيري كالأداب والفنون. تغدو هذه العلوم جميعًا في حاجة إلى أن تتشكل هي الأخرى في دائرة "الإسلامية" وأن تستمد مناهجها وطرائق عملها، بل أن تبني مفرداتها من نسيج المعطيات الدينية التي حددها كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونماها النشاط الفقهي بمرور الزمن عن طريق استجابته للتحديات ومتابعته للمتغيرات الزمنية والمكانية، وذلك من أجل أن تصبح الحياة البشرية، بمختلف أنشطتها وصيغها إسلامية التوجيه، إسلامية الممارسة، إسلامية المفردات، ويتم بذلك تجاوز كل ما من

شأنه أن يقود إلى الثنائية أو الازدواج بين التوجيه الإلهي ذي العلم المطلق وبين اجتهادات الإنسان النسبية المتضاربة. "8، 16". وتعني "إسلامية المعرفة" عند باحث رابع: منهجية إسلامية قويمة شاملة تلتزم توجيه الوحي ولا تعطل دور العقل، بل تتمثل مقاصد الوحي وقيمه وغاياته وتدرس وتدرك, وتتمثل موضوع اهتمام الوحي وإرشاده، وهو الفرد والمجتمع الإنساني والبناء والإعمار الحضاري، وما أودع الله في هذه الكائنات والعلاقات من فطرة ومن طبع، وكيف توجه تلك الطبائع وتتفاعل وكيف تطوع وتستخدم، وكل ذلك من أجل تفهم هذه الكائنات وعلاقاتها, حتى يمكن تسخيرها لتوجيه الإسلام وغاياته. "3، 167-168". ويقول باحث خامس بعد أن سأل: ما هي "إسلامية المعرفة" التي نقترحها حلا لأزمتنا المعرفية والفكرية, وأزمة العالم معنا, وكيف يمكن تحقيقها؟ تتحقق إسلامية المعرفة بقراءة كتابين، وتؤسس على تقابلهما وتكاملهما منهجًا في البحث والاكتشاف، وهما الوحي المقروء والكون المتحرك الذي يتضمن ظواهر الوجود كافة. فالقرآن العظيم كالكون البديع، وكلاهما يدل على الآخر ويقود إليه. فالقرآن يهدي إلى الكون. والكون يدل ويرشد إلى القرآن كذلك. "1، 15". ويقول باحث سادس: التأصيل الإسلامي لهذه العلوم "علوم الإنسان" يعني العودة إلى أصول الشريعة الإسلامية باعتبارها المنهج الرئيسي, والمعيار الأساسي الذي تستمد منه هذه العلوم أسسها ومنطلقاتها في التفسير والتحليل والتقويم والتأويل, وبحيث لا يبقى من خلال عملية التأصيل تلك ما علق بهذه العلوم من شوائب نظرية وأفكار غربية أو شرقية لا تتفق مع الإسلام غاية ومنهجًا ومسارًا. "10، 30". وقدمت اللجنة الدائمة للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. تعريفًا للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بأنه: تأسيس تلك العلوم على ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من أدلة نصية، أو قواعد كلية أو اجتهادات مبنية عليها. وبذلك تستمد العلوم الاجتماعية أسسها ومنطلقاتها من الشريعة، ولا تتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن تدخل العلوم الاجتماعية في إطار العلوم الشرعية وإنما المهم ألا تتعارض معها. ونجد عملية التأصيل بهذا المفهوم العام لا تتعارض مع أي تقدم علمي وتطور منهجي، ولا تناقض المنهج الإسلامي على أساس أن الإسلام دعا إلى العلم وحث عليه.

ويعرف أحد الباحثين: "التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" على النحو التالي: التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية أو التوجيه الإسلامي للعلوم الاجتماعية -اختصارًا- بأنه بلورة أبعاد التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع والكون، واستخدام هذا التصور كأساس معرفي تنطلق منه العلوم الاجتماعية ليكون موجها لنظرياتها ومفسرًا لحقائقها ومشاهداتها التي ثبتت صحتها بالتجربة أو الدليل العلمي المحقق. "10، 11". في هذا التعريف محاولة لتوضيح الصورة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة بين معطيات التصور الإسلامي من جانب، وبين معطيات المشاهدة الحسية التجريبية من جانب آخر، على أساس أن التصور الإسلامي المنطلق من اجتها المسلمين في فهم الوحي يمثل الإطار النظري الأشمل الذي ينطلق منه التنظير لفهم الإنسان والمجتمع -سواء فيما يتصل بأحوالهما في هذه الحياة الدنيا مباشرة، أو في تأثير تلك الأحوال بما ينتظرهما في الحياة الباقية- والذي يتم في ضوئه تفسير الحقائق الأمبيريقية أو الملاحظات والمشاهدات التي يتم التوصل إليها من خلال الدراسات الواقعية. ويرى المؤلف أن تعريف "اللجنة الدائمة للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يفي بالتعبير عن مفهوم "التأصيل"، إذ بتحليل هذا التعريف، نستنتج ما يلي: 1- النظر إلى جوهر عملية "التأصيل" بأنه تحديد الأسس الشرعية المناسبة لتأسيس العلوم المراد تأصيلها عليها. وهذه خطوة مهمة في عملية التأصيل: إذ إنها تساعد المتخصصين في العلوم المراد تأصيلها -وهم ليسوا بالضرورة متخصصين في العلوم الشرعية- على معرفة الأسس الشرعية التي يمكن أن ينطلقوا منها في بناء هذه العلوم وتنميتها، كما تساعد المتخصصين في العلوم الشرعية على فهم أعمق لطبيعة العلوم المراد تأصيلها من خلال التعرف على هذه العلوم تمهيدًا لانتقاء الأسس الشرعية التي تتعلق به من نصوص الشريعة وقضاياها الكلية و ... 2- أن هذا التأصيل ينبغي أن يتناول أسس العلوم المراد توجيهها ومنطلقاتها وتحليلاتها وتطبيقاتها، ويضيف المؤلف "وبناؤها". فهذا يجعل عملية

التأصيل عملية إعادة بناء للعلوم وليس كسوتها بقشرة خارجية فقط، قد لا تصل إلى الجوهر. 3- أن هذا التأسيس ينبغي أن يستند على أدلة نصية أو قواعد كلية أو اجتهادات مبنية عليها، وليس على آراء فردية. وهذا يجعل من عملية التأصيل عملية موضوعية، وبنأى بها من التحيزات الشخصية. 4- الاعتراف بخصوصية العلوم المراد تأصيلها من حيث منهجية البحث وأساليبه وأدواته وغير ذلك، على ألا يتعارض هذا كله مع الشريعة الإسلامية، وهذا يساعد العلوم على الانطلاق في النمو، ويشجع المتخصصين فيها على الإبداع والابتكار، ولكنه -في هذا الحال- انطلاق وإبداع وابتكار موجه توجيهًا إسلاميا. ب- المصطلح: كما تعددت الرؤى بالنسبة للمفهوم تعددت المصطلحات التي تعبر عنه. فقد استخدم البعض مصطلح "أسلمة العلم" أو "أسلمة المعرفة" و"إسلامية العلوم" أو "إسلامية المعرفة". واستخدم آخرون مصطلح "تأصيل العلوم" واستخدم فريق ثالث "التوجيه الإسلامي للعلوم". ولكل مصطلح من هؤلاء إيجابياته وسلبياته. فالذين يستخدمون مصطلح "أسلمة العلوم "المعرفة"" أو مصطلح "إسلامية العلوم "المعرفة"" يرون أن العلوم وبخاصة العلوم الاجتماعية قد نمت في حضن ثقافات غير إسلامية، ومن ثم تلوثت من هذه الثقافات. وبناء عليه، فإنها في حاجة إلى أن تمحص على أساس الدين الحنيف من حيث المنطلق والمنهج والأدلة النصية والقواعد الكلية، ومن حيث عدم تعارضها مع الأحكام الشرعية في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها. والذين لا يوافقون على هذا المصطلح إنما يرون أنه ينظر إلى العلوم المراد "أسلمتها" على أنها علوم كافرة. وهي نظرة مغلوطة، إذ لا يمكن النظر إلى العلوم من حيث كونها علوم مسلمة وأخرى كافرة. فالعلوم -بذاتها- لا تؤمن ولا تكفر. والذين يستخدمون مصطلح "تأصيل العلوم" إنما يرون أن العلوم المراد تأصيلها لها أصل في الدين الإسلامي بحكم أن الإسلام شامل لجميع عناصر الكون، شامل لجميع الأزمنة والأمكنة، شامل لعلوم الوحي وعلوم الاكتساب، شامل للحياتين الدنيا والآخرة، شامل لجميع مناشط الحياة. وخاصة الشمول هذه استقصائية جامعة مانعة، وذلك مصداقا لقول الله، سبحانه وتعالى:

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] بناء على ما سبق، فإن جميع العلوم سابقها وحاضرها وغائبها لها أصل في كتاب الله -القرآن الكريم- ومن ثم فإن تصحيح مسار هذه العلوم من وجهة النظر الإسلامية تعني العودة بها إلى أصلها الذي انفصلت عنه. والذين لا يوافقون على هذا المصطلح يرون أن كلمة التأصيل تعني "العودة إلى الأصل" وهذا يعني أن جميع العلوم مثل الكيمياء والرياضيات وعلوم الحاسب الآلي وعلوم الفضاء والعلوم الاجتماعية لها أصل في القرآن. وهذا غير صحيح؛ لأن القرآن ليس كتابًا منزلًا في أي من هذه العلوم بل هو كتاب هداية يهدي -من بين ما يهدي إليه- إلى النظر إلى الكون -خلق الله المنظور- لللتدبر والتفكر في بديع صنعه, وإعمال العقل في الكشف عن كوامن خلقه، وصولًا إلى العلم اليقيني بوحدانيته والاعتراف بقدراه المتفردة، وللعمل على الوفاء بتكليفه للإنسان بعمارة الأرض. وبناء عليه، فإن اعتبار وجود أصل لكل علم في القرآن أو السنة أو غيرهما من مصادر الدين الحنيف أمر فيه نظر. والذين يستخدمون "التوجيه الإسلامي للعلوم" -والمؤلف منهم- يرون أن الإسلام دين محيط بالحياتين الدنيا والآخرة وشامل لجميع جوانب حركة الإنسان, بالمعنى الذي تؤدي هذه الإحاطة وهذا الشمول إلى صلاحه لكل زمان ومكان. وأن هذه الإحاطة الجامعة المانعة وهذا الشمول المستقصى يرجع إلى أن القرآن يحوي مبادئ عامة وقضايا كلية، تهدي الإنسان وتوجه حركته إلى اتباع منهج الله في جميع جوانب حياته سواء بالنسبة للعقيدة أو الشريعة أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، وفي جميع ما يقول وفي جميع ما يعمل. وبناء عليه، فإن اصطلاح "التوجيه الإسلامي للعلوم" ينطلق من هذه المبادئ العامة, وتلكم القضايا الكلية ليحقق خاصة صلاح الإسلام لكل زمان ومكان, مهما تغيرت العلاقات بين عناصر الكون بتغير الأزمنة والأمكنة كما, يحقق عدم تعارض الحقائق الدينية في كتاب الله المسطور -وهو القرآن الكريم- مع الحقائق الكونية في خلق الله المنظور، وهو الكون. والذين لا يوافقون على مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم" يرون أنه يتعلق بعلوم كائنة فعلًا، ويخشون ألا يمتد إلى استنباط هذه العلوم أو اكتشافها، وألا يتعرض لبنيتها والعلاقة بين عناصرها. وهذا تخوف لا مجال له، ومن وجهة نظر المؤلف إذا رجعنا إلى تعريف مفهوم "التوجيه الإسلامي للعلوم" الذي تخيرناه سابقًا من حيث إنه تأسيس للعلوم المراد توجيهها على ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من أدلة وقواعد كلية واجتهادات مبنية عليها. وأن هذه العملية تتناول أسس هذه العلوم ومنطلقاتها بحيث لا تتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية. وغني عن القول أن هذا ينطبق على جميع العلوم السابقة منها واللاحقة.

ثالثا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه

ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه أ- الأسس: يحدد أحد الباحثين هذه الأسس بقوله: يتطلب التأصيل الإسلامي للعلوم "التوجيه الإسلامي للعلوم" توافر الشروط الثلاثة الآتية مجتمعة: "1، 13". 1- انطلاق من إدراك واضح لأبعاد "التصور الإسلامي" للإنسان والمجتمع والكون، المنبثق من الكتاب والسنة, ولما يتضمنه تراث الإسلام, مما يترتبط بالتخصيص، مع نظرة نقدية لإسهامات علماء المسلمين حول قضاياه. 2- استيعاب "العلوم الحديثة" في أرقى صورها، مع القدرة على نقدها، والاستفادة منها، وتجاوزها بشكل بناء كلما اقتضى الأمر ذلك. 3- إيجاد "تكامل حقيقي" بين معطيات التصور الإسلامي من جانب، وبين إسهامات العلوم الحديثة من جانب آخر، وليس مجرد الجمع أو التجاوز المكاني أو حتى المزج بينهما دون وحدة حقيقية. يحدد باحث آخر هذه الأسس بقوله: "4، 37-41". يرتكز مفهم التوجيه الإسلامي للعلوم على أسس عامة أهمها ما يأتي: 1- عقيدة التوحيد: فتوحيد الله تعالى هو الأصل الأول, والذي بعث به رسل الله حتى تتحرر البشرية من أسر الأهواء والشهوات، وتتجرد في حياتها لله تعالى -الخالق المدبر- انقيادًا لدينه، وخضوعا لشرعه. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] . وعقيدة التوحيد في الإسلام هي حجر الزاوية في رؤية الإنسان الصائبة لحقائق الكون والإنسان والحياة. فإن الله تعالى هو الحق المطلق، وهو مصدر كل حقائق المعرفة, وصاحب التوجيه بالنظر في الكون وتدبر نظامه واستقراء الظواهر الطبيعية والإنسانية, باعتبارها من سنن الله الكونية والاجتماعية، واستنباط قوانينها العامة

وقواعدها الكلية. وبهذا يكون العلم في المفهوم الإسلامي أوسع وأشمل من المفهوم الشائع لدى فلاسفة العلم. إذ يشمل عالم الغيب بمصادره الموحى بها التي تنظم العوالم في سلك واحد وتصل أولها بآخره، وعالم الشهادة الذي يدركه الإنسان بحواسه وعقله, مع الإيمان بأن أسرار عالم الشهادة من خلق الله. وهذا يجعل العلم في المنظور الإسلامي دنيويا بالبحث في الكائنات والاستفادة من طاقاتها، وإلهيا لصلة هذه الكائنات بالله الخالق المدبر الواحد جل وعلا. واستقرار هذا المعنى في وجدان الباحث المسلم، هو الذي يوجه الحضارة الإنسانية توجيها إيمانيا مهتديا رشيدا, يحقق للإنسان الرفاه والتقدم في إطار عقيدة التوحيد. 2- استيعاب العلوم الحديثة: إن الدعوة إلى "التوجيه الإسلامي للعلوم" أو "إسلامية المعرفة" لا ترمي الميراث العلمي للحضارات السابقة وراءها ظهريا لتبدأ بمعارف جديدة، ولكنها امتداد لتلك الحضارات مع انتقاء واختيار، ولا يتأتى الانتقاء والاختيار إلا لمن أحاط بها إحاطة وافية. فعلينا أن ندرس العلوم الحديثة دراسة مستفيضة، ونستوعبها استيعابًا كاملا، ونحللها تحليلا دقيقا، وندرس نشأتها ونموها وتطورها التاريخي، فإن النتائج العلمية الخالصة في الحضارات السابقة والمعاصرة هي أساس أي بناء حضاري جديد "والتوجيه الإسلامي للعلوم" يعتمد على مسلماتها العلمية ومناهجها الرصينة, ويساعد على الإبداع الذي يزيح عن الأعين غشاوة الانبهار، وعماية التقليد, ويعين على أن تكون العلوم والمعارف المتوارثة في خدمة الفكر الإسلامي. والحضارة الإسلامية التي ننشدها ليست بالحضارة الرافضة ولا بالحضارة المقلدة، ولكنها الحضارة التي تستوعب التراث الحضاري السابق، وتنتقي وتختار وتبتكر وتبدع، وتتخلص من شوائب التغريب, وتتحرر من ذل العبودية, وتواصل مسيرة البناء الحضاري الأمثل. 3- التمكن من الأصول الإسلامية: والمنهج الإسلامي الذي نريده يوجب على الباحث أن يتمكن من منابع الثقافة الإسلامية ومصادرها الأصيلة في الكتاب والسنة، والتراث العلمي الذي تركه لنا العباقرة من العلماء المسلمين، فإن هذا هو لذي يعطينا المعايير الأساسية للنقد والتمحيص، ويضع في يدنا النبراس الذي نهتدي به إلى المنهج الإسلامي القويم، والرؤية المستقبلية "المستقبلة" لمسارنا الحضاري المرتقب.

ولا يعني هذا أن يدرس علماؤنا في مجال العلوم الكونية والعلوم الإنسانية مصادرنا الشرعية الأصيلة دراسة نصية متخصصة، فإن هذا شأن المتخصصين في العلوم الشرعية، إنما نعني بذلك أن يكون هؤلاء العلماء على إدراك كامل لأسس الإسلام العامة ومبادئه الكلية الاعتقادية والفكرية حتى يكون لديهم المعايير الصحيحة للعلوم والمعارف في مفهوم الإسلام، وتتكون لديهم ملكة النقد النزيه البصير لاستخلاص المفيد من التراث العلمي -في الحضارات كلها بعامة وفي حضارتنا بخاصة- في كل مجالات العلوم, واختيار ما يتفق مع روح الإسلام وأطر مناهجه، وذلك حتى ينطلق الإبداع الإسلامي على هدى وبصيرة يعالج مشكلات العصر وتحدياته، ويبني للإنسانية كيانا حضاريا معاصرًا على منهج علمي تحليلي متكامل, يأخذ من القديم أرسخه، ومن الحديث أروعه، ويقدم ثمارًا جديدة للمعرفة تنعم بها البشرية في ظل مبادئ الإسلام وقيمه وأهدافه وغاياته. 4- العمل الدائب على مواصلة البحث العلمي: إن العلم بحر لا ساحل له ونهر جار لا ينتهي مجراه، فالحقيقة العلمية التي يصل إليها الباحث بعد دراسة ظاهرة معينة دراسة تحليلة دقيقة لاستنباط القوانين العامة التي تفسر هذه الظواهر، لا تمثل إلا جزءًا يسيرًا من الحقائق العلمية الكبرى، وليست -في مفهوم الإسلام- غاية المطاف في البحث العلمي بل ينبغي -طبقًا لهذا المفهوم- متابعة البحث والتعمق فيه في هذه الجزئية, وفيما يتصل بها من جزئيات الكون التي لا تحصى، مما له علاقة بموضوع البحث لاكتشاف حقائق علمية جديدة وتصحيح المسار العلمي. وليس هناك في مفهوم الإسلام المعرفي من يدعي أنه وصل إلى نهاية المعرفة العلمية وبلغ ذروتها؛ لأن أسرار الكون لا تنتهي، والحقائق العلمية الكبرى عن الوجود، يكتشف العلم كل جديد فيها بالتعمق في البحث واتساع دائرته. وما يصل إليه العلماء في أبحاثهم من قوانين المعرفة يمثل جزءًا يسيرًا من تلك الحقائق العلمية الكبرى. وهذا الأساس من أسس التوجيه الإسلامي للعلوم يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] . وقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] . وقوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] .

وهذا يحمل العلماء المسلمين على استمرار البحث العلمي وتتبع جزئياته والتعمق في دراسته، فيظل العلم ناميا متطورًا تجني البشير من ثماره كل جني مستطاب، وتبدع وتبتكر وتجدد. في ضوء ما سبق يمكن أن نحدد أهم أسس عملية "التوجيه الإسلامي للعلوم على النحو التالي". 1- أن ينطلق التوجيه الإسلامي للعلوم من الدين الحنيف عقيدة وشريعة ومعاملات وأخلاقًا. فالإسلام دين متكامل الأركان. والعقيدة فيه هي حجر الزاوية، وهي تولد في المسلم الطاقة الإيمانية التي تتملك وجدانه حبا لله تمسكًا بالعبودية له وامتثالًا لأوامره ونواهيه، والشريعة تحدد مجالات حركة المسلم وحدودها وفق منهج الله. وتقدم المعاملات والأخلاق مجالات للسلوك وفق هذا المنهج. 2- أن يقوم هذا التوجيه على دراسة العلوم الحديثة دراسة مستفيضة ويحافظ على مواكبة التطورات الحديثة فيها. فإذا أردنا أن ينطلق التوجيه الإسلامي للعلوم من الدين الحنيف، فإن استيعاب كل من العلوم الشرعية ذات العلاقة والدراسة المستفيضة للعلوم المراد توجيهها إسلاميا، تكون أهم أسس هذا التوجيه على الإطلاق. فلهذه العلوم طبيعة خاصة وأساليب البحث فيها تعتمد على الملاحظة والتجريب -في كثير من الأحيان- وغيرها من الأساليب غير المتواترة في بحوث العلوم الشرعية. لذلك فإن التنسيق المطلوب بين الأسس الشرعية والعلم المراد توجيهها إسلاميا لا يتم إلا بناء على فهم واستقصاء علوم المجالين. 3- أن يقوم التوجيه الإسلامي للعلوم على حركة مستمرة ونشيطة للبحث والدراسة والاستقصاء. فهذا أمر تحتمه الضرورة لأسباب أهمها: - أن العلوم المراد توجيهها إسلاميا تخطو خطوات سريعة نحو النمو والتقدم في المجالات والأساليب والأدوات، فضلًا عن الأفكار والقيم والاتجاهات. وهذا يتطلب المتابعة على أسس علمية موجهة إسلاميا. - أن التقدم الذي يحدث في هذه العلوم، في الوقت الحاضر على الأقل، يتم في غير البلدان الإسلامية، ومن ثم لا يتم على أسس إسلامية. وهذا يتطلب استمرار عملية التوجيه الإسلامي, حماية لأبناء الأمة من التغريب والتلويث الثقافي.

- أن استخراج القواعد والمنطلقات الشرعية لهذه العلوم ينبغي أن يكون عملية مستمرة تواكب نمو العلوم المراد توجيهها. ولا يتم هذا بالصورة المطلوبة ما لم يؤسس على البحث والدراسة الموضوعية. - أن عملية التوجيه الإسلامي، عملية حديثة تحتاج إلى إنضاج ومهارات في تكوين بنيات علمية جديدة تكتسب من خلال التطبيق العلمي الرصين، الذي يؤسس على البحث والتحليل والاستنتاج. ب- المنهج: لقد أوردت "لجنة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية "بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عدة عناصر اعتبرتها متطلبات لتحقيق تعريفها لـ"التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية " الذي سبق ذكره، ويرى الكاتب أنها اجتهاد طيب نحو استخلاص أسس المنهج للتوجيه الإسلامي للعلوم. هذه العناصر هي: "1، 9-10". 1- وضع تصور إسلامي متكامل عن الإنسان والمجتمع والثقافة, بحيث يمثل الإطار الفكري العام لدراسة القضايا والموضوعات المطروحة في مجال العلوم الاجتماعية. 2- وضع منهج إسلامي متميز لتلك العلوم يطلق عليه المنهج الإسلامي للعلوم الاجتماعية, يبنى عليه قيام مدرسة متميزة في العلوم الاجتماعية تسمى: المدرسة الإسلامية في العلوم الاجتماعية. 3- العودة إلى الأصول الإسلامية والتراث الإسلامي القويم عند دراسة القضايا التربوية والاجتماعية والنفسية للاستفادة من هذا التراث. 4- إبراز المبادئ والمسلمات والمفاهيم والمنطلقات التي تعبر عن التصور الإسلامي للعلوم الاجتماعية وتصحيح النظريات والمفاهيم الاجتماعية على ضوء ذلك. 5- عرض نتائج البحوث الاجتماعية على القواعد الإسلامية والتصورات الصحيحة، فما انسجم معها قبل، وما تعارض معها رفض, وما كان جديدًا لا يناقض الحقائق والمسلمات الإسلامية قبل، باعتباره إضافة سليمة إلى المعرفة. ويرى أحد الباحثين أن الحل الصحيح لهذه القضية المنهجية الجوهرية إنما يكمن -فيما يظن- فيما أسماه "بثورة التنظير في العلوم الاجتماعية والتي تتمثل باختصار فيما يلي: "10، 43".

1- بدلًا من اعتماد النظريات العلمية في نموذج العلم التقليدي على خيال الباحث أو علي التخمين conjecture في التوصل إلى أطر تفسيرية للحقائق والتعميمات الإمبيريقية، فإننا نعتمد في النظريات الملتزمة بالتوجيه الإسلامي على أطر تفسيرية مستمدة من فهمنا للكتاب والسنة مع الاستفادة من إسهامات علماء المسلمين حول الموضوع. 2- نستمد فروض البحوث الجارية من تلك النظريات الملتزمة بالتوجيه الإسلامي, ونختبرها في الواقع بمعناه الشامل، مع مراعاة أن اختبار تلك الفروض في الواقع سيتطلب استخدام مناهج وأدوات أكثر ملاءمة للنظرة الإنسانية الروحية الجديدة للإنسان، ككائن ذي وعي وذي إرادة يوجه حياته كفاعل وليس كمجرد كائن منفعل بالمؤثرات الخارجية. 3- كلما "فشلنا في رفض" فروض البحث المستمدة من النظرية "بتعبير رجال الإحصاء" ازدادت ثقتنا في النظرية المنطلقة من التوجيه الإسلامي. وكلما ثبت لنا خطأ الفروض فإننا نعود لنراجع صحة "فهمنا" للتراث الإسلامي الذي انطلقنا منه من جهة، كما نراجع إجراءاتنا البحثية وطرقنا في القياس من جهة أخرى، ثم نقوم بتعديل الموقف بحسب ما تكشف عنه المراجعة، لكي نعاود الكرة من جديد بالصورة المألوفة لنا تماما في دورة العلم الدائبة. ويتفق المؤلف مع ما ذكره أحد المتخصصين في علم النفس عن الخطوات التي ينبغي أن تمر بها عملية التوجيه الإسلامي لعلم النفس, انطلاقًا من المدخل الشامل, وبطريقة يمكن أن تكون أساسًا لمنهج التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بصفة عامة، وفيما يلي نعرض تلك الخطوات مع شيء من التصرف الذي يجعلها قابلة للتعميم على مختلف العلوم التي يراد توجيهها إسلاميا، وسوف يضيف إليها المؤلف ما يجعلها تعبر عن وجهة نظره بالنسبة لمنهجية التوجيه الإسلامي للعلوم "14، 8-31". 1- التوصل إلى اتفاق على المسلمات المنبثقة من التصور الإسلامي الصحيح للكون والحياة والإنسان، والتي تعتبر أصولًا نهتدي بها في تحليلنا النقدي لموضوعات العلوم الاجتماعية لمعرفة ما يمكن قبوله منها, وما لا يمكن قبوله. 2- التمكن من العلم المراد تأصيله تمكنا تاما، بحيث نكون على معرفة شاملة ودقيقة بموضوعات هذا العلم، وتطوره التاريخي، ومناهجه في البحث، ونتائجه ونظرياته، والمشكلات التي لم تحسم فيه بعد.

3- التمكن من الأصول والمبادئ الإسلامية التي تتصل بموضوعات ذلك العلم اعتمادًا على ما جاء في الكتاب والسنة حول تلك الموضوعات أو ما يرتبط بها. 4- المعرفة بإسهامات علماء المسلمين، فيما يتصل بموضوعات وقضايا ذلك العلم. وتقويم تلك الإسهامات في ضوء التحليل التاريخي الذي قد يكشف عن المصادر غير الإسلامية التي تأثر بها هؤلاء العلماء. 5- التحليل لإسهامات العلم الحديث في محيط التخصص في ضوء التصور الإسلامي الشامل المشار إليه في الخطوة الأولى، وفي وضوء الأصول والمبادئ الإسلامية المحددة المتصلة بذلك العلم، المشار إليها في الخطوة الثالثة. فما اتفق مع ذك التصور وتلك الأصول أبقى عليه، وما لم يتفق أخضع للدراسة بهدف تعديله أو استبعاده. وذلك في ضوء إدراك المسلمات التي استند إليها ذلك العلم في الوصول إلى تلك النتائج. 6- إجراء البحوث النظرية والميدانية والتجريبية في مجال التخصص في ضوء التوجيه الإسلامي للإضافة إلى المعارف العلمية وإثرائها من هذا المنطلق، بما يضيف إلى الإسهامات العلمية الصحيحة، ويملأ الثغرات في الموضوعات التي لم تنجح إسهامات العلم التقليدية في تغطيتها على الوجه الصحيح. 7- التبادل العلمي بين المتخصصين في ذلك العلم، وكذلك بينهم وبين المتخصصين في العلوم الشرعية المرتبطة بموضوعه على أوسع نطاق ممكن، ضمانا لتحقيق القدر الضروري من المعرفة المشتركة, التي ينطلق منها البحث العلمي المستقبلي في هذا المجال، حتى تتحقق "وحدة المعرفة" على المستوى المؤسسي كما تحققت على المستوى البحثي. 8- إعادة صياغة موضوعات العلم وفق التوجيه الإسلامي، وإعادة كتابة المراجع والكتب الدراسية لتنطلق من المنظور الإسلامي. ويضيف المؤلف ما يلي: 9- أن المسلمات التي يراد التوصل إليها في رقم "1" ينبغي أن تنبثق من مفهوم العلم أيضًا وفق التصور الإسلامي، فللعلم في الإسلام خصائص متفردة ينبغي أن يكون لها حضور مستمر في عملية التوجيه الإسلامي للعلوم. 10- أن المعرفة المشار إليها في رقم "4" ينبغي أن ترقى إلى مستوى الدراسة والتحليل، وألا يقتصر التحليل المذكور في هذا البند على البعد التاريخي، بل يمتد إلى تحليل كامل للمحتوى بناء على أسس التوجيه الإسلامي للعلوم التي ذكرناها آنفًا. 11- العمل على تكوين مكتبة غنية بالمراجع عن التوجيه الإسلامي للعلوم من حيث دوافعه ومفهومه وأسسه ومناهجه وأساليبه ونماذج له، ودراسات نقدية للاجتهادات غي الناضجة في مجاله. 12- إيجاد حركة للتعليم المستمر في التوجيه الإسلامي للعلوم, وتنظيم مؤتمرات وندوات تتناول مختلف جوانبه، تكون ملتقى للعاملين في مجاله والمهتمين به, وبخاصة التقاء المتخصصين في كل من العلوم الشرعية والعلوم المراد توجيهها إسلاميا.

خاتمة الفصل الخامس

خاتمة الفصل الخامس: في هذا الفصل: عالجنا الأساس الثالث من الأسس العامة لتخطيط المناهج الدراسية، وهو التوجيه الإسلامي للعلوم. وهذا الأساس -على أهميته- يهمله معظم الكاتبين في المناهج، ولجدته فقد تناولنا مفهومه ومصطلحه ومنهجه. كما تناولنا مبررات ظهوره في حركة دعم الهوية الإسلامية. ولا يقف التوجيه الإسلامي للعلوم عند إحياء الانتماء إلى الإسلام والتمسك بالحياة، وفق تعاليم الدين الحنيف من خلال خبرات المناهج الدراسية إلى تحقيق ذلك، ولكن يتعدى هذا إلى استثمار التقدم المعاصر في تحديث خبرات المناهج وتطويرها وفي انتقاء هذه الخبرات وتنظيمها. أما أهم التطورات التربوية المعاصرة في مجال المناهج الدراسية فسوف نتناولها في الفصل السادس، بمشيئة الله.

أهم مصادر الفصل الخامس

أهم مصادر الفصل الخامس: 1- العلواني, طه جابر: إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم. القاهرة: دار الهداية للطباعة والنشر، 1415هـ-1995م. 2- الفاروقي, إسماعيل: إسلامية المعرفة المبادئ العامة -خطة العلم- الإنجازات "ترجمة: عبد الحميد أبو سليمان". واشنطن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1986. 3- المعهد العالمي للفكر الإسلامي: إسلامية المعرفة: المبادئ العامة، خطة العمل، الإنجازات، الرياض: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1413هـ-1992م. 4- القطان, مناع خليل: "مفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم، وأهدافه وأسسه العامة "بحث قدم إلى مؤتمر: التوجيه الإسلامي للعلوم الذي انعقد في جامعة الأزهر في الفترة من 15-20 شوال 1412هـ-. الموافق 18-23 إبريل 1992م. 5- الندوة العالمية للشباب الإسلامي: من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر ط3. الرياض: الندوة، 1404هـ-1984م. 6- الندوى، أبو الحسن علي: التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية: بيروت: مؤسسة الرسالة، 1397هـ-1977م. 7- بحوث وتوصيات ندوة تربية الشباب المسلم ودور الجامعات فيها: الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إدارة الثقافة والنشر، 1409هـ-1988م. 8- خليل، عماد الدين: مدخل إلى إسلامية المعرفة مع مخطط مقترح لإسلامية علم التاريخ ط3، الرياض: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، 1412هـ- 1992م.

9- عيسى، محمد رفقي: "نحو أسلمة علم النفس"، المسلم المعاصر، العدد 46، 1406هـ- 1986م. 10- رجب، إبراهيم عبد الرحمن: "مداخل التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، مع اهتمام خاص بمهنة المساعدة الإنسانية، بحث قدم إلى ندوة: التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية، المنعقدة بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في القاهرة في الفترة من 10-13 أغسطس 1991م. 11- إسماعيل, زكي محمد: "التأصيل الإسلامي لعلم الاجتماع.. إلى أين" بحث قدم إلى ندوة: علم الاجتماع المصري.. إلى أين؟ الذي انعقد بكلية الدراسات الإنسانية للبنات، جامعة الأزهر في الفترة من 3-5 مارس 1991م. 12- شوق، محمود أحمد: الاتجاهات الحديثة في تدريس الرياضيات، الرياض: دار المريخ، 1409هـ-1989م. 13- مركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: ندوة "التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" التي انعقدت بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عمادة البحث العلمي، 1407هـ- 1987م. 14- نجاتي، محمد عثمان: منهج التأصيل الإسلامي لعلم لنفس، بحث مقدم إلى ندوة "التأصيل الإسلامي لعلم النفس" التي نظمها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة 1989م.

الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة مقدمة الفصل السادس: نعالج في هذا الفصل الأساس الرابع من الأسس العامة لاختيار خبرات المنهج وتنظيمها. وهو التطورات التربوية المعاصرة في مجال المناهج الدراسية, إذ إن هذه التطورات تؤثر على ما ينبغي أن يتعلمه المتعلمون بحيث يتعرفون ما يجري في عالمهم من تغير، ومواكبة فكرهم ومهاراتهم, فنتيجة للتقدم العلمي، والتقني غير المسبوق، شملت هذه التطورات مختلف جوانب الحياة. فالأسرة لم تعد تتمع بالاستقرار كما كانت من قبل، والمدرسة لم تعد المصدر الأكبر للإشعاع التربوي كما كانت من قبل، والشارع لم يعد آمنا كما كان من قبل، والجار لم يعد الصاحب المؤتمن الذي كان من قبل، والبيئة لم تعد نقية كما كانت من قبل، وشئون الحياة لم تعد ميسرة كما كانت من قبل، والسلام العالمي لم يعد مستقرا كما كان من قبل، فقد انقسم إلى عالمين: عالم الكبار وعالم الصغار، والكبار يتكتلون والصغار يتقوقعون ويتفتتون. وحيث إن التربية عملية اجتماعية -بالدرجة الأولى، وأنها تتفاعل مع التغيرات في المجتمع تفاعلًا مباشرًا. وإذا حدث أن استشرفت اتجاهات حديثة سبقت بها واقع المجتمع، فإن هذا الاستشراف يكون من أهم أسسه استطلاع حاجات المجتمع وتشوف حركته نحو المستقبل. لذلك فإن المؤلف يرى أن محاولة تحديد أهم ملامح التطورات المعاصرة في المجتمع العالمي ينبغي أن تسبق محاولة تحديد الاتجاهات المعاصرة في التربية، حتيى يدرك القارئ منطلقات هذه الاتجاهات. لذلك فإننا سوف نتناول ما يلي: أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة. ثانيًا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة.

أولا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة

أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة غني عن القول، أنه لا يمكن الإحاطة بخضم التطورات العالمية المعاصرة في الحيز المتاح هنا، ولكن سيحاول المؤلف -فيما يلي- الإشارة إلى بعض ملامح التطور الأكثر تأثيرًا على التربية من هذا الخضم: 1- السرعة الفائقة للتغيرات التي تحدث في مختلف جوانب الحياة المعاصرة. 2- الاتجاه إلى تكوين كيانات بشرية كبرى تملك القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي مثل: الوحدة الأوربية، وتجمع جنوب شرق آسيا، وتجمع أمريكا وكندا والمكسيك. 3- الاتجاه نحو سيطرة الدول المتقدمة على العالم النامي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا من خلال عولمة المبادئ بعض المبادئ والعلاقات مثل اتفاقية التجارة العالمية، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، وشئون كل من الإسكان والطفل، إضافة إلى السيطرة العلمية والتقنية. 4- استخدام المعونات والقروض التي تمنحها الدول المتقدمة للدول النامية وسيلة لتوجيه حركة المجتمعات المتلقية. 5- خضوع قرارات المنظمات الدولية -في كثير من الأحيان- لمصالح الدول الكبرى، الأمر الذي يؤثر سلبيا على مصداقية هذه المنظمات, وعلى مصالح الدول الصغرى في الوقت نفسه. 6- الاتجاه في النظم السياسية نحو النظام الديموقراطي وفي النظم الاقتصادية نحو النظام الرأسمالي، وتكوين كيانات اقتصادية عابرة للقارات. 7- تشجيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات, وإزاحة العقبات التي تحد من مشاركة الجماهير أو تحجمها "3، 149". 8- استمرار اتساع الفجوة الحضارية بين الدول المتقدمة والدول النامية. 9- اختلاط الثقافات والحضارات، وشحوب الهوية القومية، والتحول إلى العصر الكوني، وضعف السيادة الإقليمية والوطنية. 10- رفض مصدري التقنية من الدول المتقدمة تزويد مستورديها من الدول النامية بالمعلومات عن التقدم المعاصر أو المتوقع، بل إن المعلومات التي

يتيحونها لهم تكون -دائمًا- غير كافية للإسهام في الانطلاق التقني. لذلك يلاحظ عدم إعطاء المبتعثين والمتدربين من أبناء الدول النامية إلى الدول المتقدمة، فرصة للاطلاع على التقدم العلمي والتقني في هذه الدول. 11- وثوب بعض التقنيات الحديثة إلى مقدمة المؤثرات على المجتمعات، مثل تقنية المعلومات والاتصالات وتقنية البيئة، وتقنية الفضاء. 12- اعتماد التنمية على سياقها الإنساني والثقافي، إذ إن التنمية الاقتصادية المزدهرة هي التنمية التي تشكل جزءًا من ثقافة الشعب. 13- استخدام البث المباشر وبخاصة "الإنترنت" في الغزو التربوي للدول وبخاصة الدول النامية. 14- حسن استثمار الطاقة البشرية في المجتمع إلى أقصى حد. إذ أصبح هذا من عوامل السبق في ركب التقدم. 15- اتباع سياسة علمية وتقنية ترتكز على تشجيع الابتكار والتقنية الإنتاجية، أكثر مما ترتكز على النقل والاستيراد والتقنية الاستهلاكية. "3، 149". 16- الاعتماد على التعليم والبحث العلمي والتقنية في تنمية المجتمعات، حتى أصبح التقدم في هذه المجالات من العوامل الفارقة بشدة بالنسبة لمدى تقدم المجتمعات أو تخلفها. 17- تحقيق مزيد من التنسيق والتكامل بين مؤسسات الإعلام ومؤسسات التعليم والتنسيق بينها من ناحية ومؤسسات المجتمع من ناحية ثانية, لضمان التناغم في دعم اتجاهات المجتمع وقيم التحديث. "3، 149".

ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة مدخل ... ثانيًا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة إنه لأمر طبيعي أن تؤثر هذه التطورات التي ذكرناها سابقًا على التربية في جميع المجتماعات وبخاصة النامية منها. لذلك أصبح التربويون في حيرة من أمرهم. ففي هذا الخضم الهائل من التغيرات، كيف يوجهون تربية الأجيال القادمة؟ وفي ظل هذا التسارع غير المسبوق، لأي عصر يربون هذه الأجيال؟ للعصر الحاضر سريع التغير؟ أم للعصر القادم غير محدد الملامح؟ وما متطلبات العصر القادم التربوية؟ وهل الماضي لم يعد له قيمة تربوية؟ ثم، هل يربون للكونية أم للقومية؟ وإذا اختاروا الكونية، فما مصير الذاتية الثقافية؟ كيف يتعاملون مع البث المباشر؟ وكيف يتعاملون مع الغزو التربوي الذي لا سبيل إلى الهروب منه؟ وكيف يمكن مواجهة الطوفان التقني العارم؟ وكيف يمكن استثماره لصالح البشرية؟ وكيف يمكن التوقي من شروره؟ وكما يتوقع القارئ لا يمكن إجابة هذه الكوكبة من الأسئلة في الحيز المتاح لنا في هذا الفصل. لذلك سوف نقتصر على تحديد أهم الاتجاهات المعاصرة التي حاول المربون بها مواجهة ما سبق ذكره في ثلاثة من الجوانب الأكثر تأثيرًا -من وجهة نظر المؤلف- على المناهج الدراسية، وهي: أ- أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم. ب- أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم. جـ- أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية.

أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم

أ- أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم: إذا اعتبرنا أن سياسة التعليم هي المبادئ والأسس العامة التي يقوم عليها التعليم في جميع نظمه وأنواعه ومراحله وخططه ومناهجه ومعلميه وغير ذلك من شئون التعليم. فإننا ندرك أنها برشدها تكون منطلق التطوير الرشيد في التربية والتعليم. ولقد كانت سياسة التعليم في الماضي تعنى بمحتوى التعليم، أي: بالمادة الدراسية، ثم تطورت إلى العناية بمحتوى التعليم وبالمتعلم معًا، ثم تطورت مرة أخرى إلى العناية بالمجتمع، إضافة إلى محتوى التعليم والمتعلم, ثم تطورت مرة رابعة للعناية بالمستقبل إضافة إلى الحاضر. ومع أن الاستقرار من طبيعة السياسات -على وجه العموم- ومنها سياسة التعليم، نظرًا للتأثير الشامل للسياسات في مختلف جوانب الأعمال والنشاطات وتطبيقاتها، إلا أن ما يشهده عصرنا من تغير سريع ومن سباق تربوي محموم بين مختلف الدول وبخاصة دول السبق، جعل التغير السريع في السياسات التعليمية حتميا لتواكب متطلبات هذا التغير. ومع أن السياسات -وبخاصة السياسة التعليمية- ترتبط -إلى حد كبير- بالظروف المحلية، إلا أنها -في الوقت الحاضر- تتأثر بالاتجاهات العالمية أكثر من أي وقت مضى؛ نظرًا لأن سهولة الاتصالات ووجود البث المباشر وكفاءة تقنية المعلومات والاتصالات قد جعلت عالمنا المعاصر أشبه بمدينة كبيرة. فما الاتجاهات الحديثة في سياسة التعليم التي نتجت عن هذه التطورات العالمية المعاصرة؟

يمكن التعبير على أهم هذه الاتجاهات على النحو التالي: أولًا: النظر إلى التربية على أنها: 1-1 استثمار ينبغي أن تتفوق مخرجاته على مدخلاته، ومن ثم فإن تطويرها ينبغي أن يلازم جميع خطواتها منذ البداية. 1-2 سبب وعامل أساسي للتقدم الاقتصادي، كما حصل في الاتحاد السوفيتي "السابق" ويحصل الآن في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية "9، 41". 1-3 تعد الأفراد والمجموعات لنوع من الحياة العلمية والعملية في مجتمعات المستقبل، وليس في المجتمعات الحالية فقط. فبينما كانت وظيفة التربية الإسلامية الأساسية في الماضي تكرار العلاقات الاجتماعية السائدة، أصبحت -اليوم- تعد الأفراد لنوع جديد من النظم والعلاقات تعتمد على التغير السريع في نواحي الحياة. 1-4 تهدف إلى تنمية مواهب الجميع إلى أقصى قدراتهم، وتحقيق هذا الهدف يتطلب أن نعين كل الطلاب على بذل الجهد إلى آخر حدود قدراتهم، واكتشاف الواعدين منهم, والحرص على تكوين العلماء من بينهم. "10، 23". 1-5 لا تهدف إلى إعداد الفرد لكسب العيش للحياة فقط، ولكن أصبح الهدف منها مساعدته على صناعة الحياة، وإنتاج كل من المعلومات والتقنية وليس استيعابها فقط. "2، 47". 2- ارتفاع عائد العملية التعليمية يتوقف -بالدرجة الأولى- على حسن اختيار المشاركين فيها -وبخاصة المعلم- وكفاءة إعدادهم واستمرار تنميتهم. 3- إتاحة فرص دائمة لكل مواطن لدخول النظام التعليمي مهما كان عمره, ومستوى تعليمه الرسمي السابق. ويعني هذا إجرائيا، أن تتعدد قنوات كل من الحركة الرأسية والحركة الأفقية بين أفرع الشجرة التعليمية، كما يعني إمكانية الانتقال عبر جسور تعليمية من تخصص إلى آخر، ومن مهنة إلى أخرى، ويكون معيار العبور على هذه الجسور هو اللاختيارات المقننة لقياس القدرة على متابعة نوع التعليم الذي يريد الفرد الالتحاق به. "1، 62".

4- التعليم المستمر حق لجميع الأفراد على المجتمع، وواجب عليهم حسن استثمار ما يتاح لهم من فرص تعليمية، ترشيدًا للإنفاق على التعليم ووفاء لحاجات التنمية. 5- امتداد فرص التعليم إلى خارج المؤسسات التلقيدية للتعليم -مثل المدارس والكليات- لتصل إلى البيوت وأماكن العمل والمكاتب والمتاحف ومراكز البحث العلمي، وإلى كل موقع يمكن للفرد فيه أن ينمو وينضج في عمله وحياته. "10، 24". 6- تجاوز المفهوم الضيق للنظم التربوية والثقافية. والاقتراب من مرحلة المجتمع المستمر في التعليم وفي اكتساب الخبرات وتطويرها، وذلك بأن يشمل التعليم والتربية حياة الفرد بأكملها، ويتناول كافة النواحي في المجتمع، بما في ذلك النواحي الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى النواحي التربوية والثقافية. "9، 26". 7- ينبغي أن تواكب نظم التربية والتعليم وخططه ومناهجه وأدواته ومرافقه حاجات كل من الفرد والمجتمع ومتطلبات التربية المعاصرة، في عالم سريع التغير. 8- تحقيق التعليم الشامل لجميع أفراد المجتمع والملبي لحاجاتهم, قوة فاعلة في تقدم المجتمع وفي تحقيق السلام الاجتماعي فيه. 9- البحث العلمي والتقدم التقني والتطوير التربوي المستمر من أهم ركائز النهوض بالعملية التعليمية. 10- التدفق العلمي والتقدم التقني يسيران بمعدلات سريعة، ومن ثم ينبغي أن ترتفع قيمة التسارع الزمني في التربية والتعليم لملاحقتها، الأمر الذي يضع على كاهل التربية إعداد الأجيال لهذا التسارع. 11- الارتباط المتزايد بين برامج التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية والتخطيط التربوي من ناحية أخرى من أهم أسس النظم التربوية. "9، 44". 12- استثمار التقنية في مجال التعليم لم يعد خيارًا، ولكنه أصبح حتمية تتطلب ملاحقة التطورات التقنية، وتوظيفها في التعليم بصورة تعطي الفائدة القصوى منها. 13- تكامل كل من: التعليم الرسمي، والتعليم الأهلي، والتعليم الموازي. وتنسيق التعليم والإعلام ضرورة عصرية لضمان التناغم في دعم القيم وتكوين الاتجاهات والتوجيه التربوي المرغوب فيه.

14- النظر إلى معاهد التعليم على أنها مراكز إشعاع حضاري في بيئتها المحلية ومجتمعها. 15- التوجيه التعليمي جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، كما أن تلاحم النظرية، والتطبيق ضرورة لكفاءتها، إضافة إلى كونها ضرورة عصرية. 16- الجمع بين الثقافة العالمية والثقافة المحلية والتوازن بينهما أصبحا مطلبًا أساسيا في التربية والتعليم. 17- ترسيخ عقيدة المجتمع وقيمه والمحافظة على هويته، وغرس الأخلاق الفاضلة فيه، والحرص على تكوين القدوة في السلوك القويم. 18- غرس احترام الحرية الشخصية في مختلف مجالات الحياة الاعتقادية والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية، والثقافية في المجتمع. 19- تنويع الخبرات والمهارات في مختلف مستويات التعليم وخططه ومناهجه وربطها بقدرات المتعلمين من ناحية، وحاجة سوق العمل من ناحية أخرى. 20- التركيز في التعليم على تربية الباحثين القادرين على الدراسات المعنية بالمستقبل, وحل مشكلات المجتمع. 21- الاهتمام بتنمية القدرات والمهارات التي تواجه المستحدثات في عالم سريع التغير مثل: القدرة على التفكير واتخاذ القرار، والمهارة في حل المشكلات، وفي الاختيار من بين البدائل وفي القيادة. 22- الحرص على الإعداد الرفيع لقيادات التعليم, والعمل على تطويرها تطويرًا مستمرا لمواكبة جميع المتغيرات والمستحدثات في العملية التعليمية.

أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم

"ب" أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *: الاتجاهات المعاصرة في تريبة المعلم كثيرة ومتعددة الجوانب: فالمعلم هو حجر الزاوية في عملية التعليم والتعلم؛ لأن مهماته تتعلق بمختلف مجالات العملية التعليمية من إدارة وإرشاد تعليمي وفني ومعالجة مشكلات المتعلم وسد الثغرات في المنهج الدراسي والتواصل مع أولياء الأمور, ومختلف أعضاء المجتمع المحلي ومؤسساته. لهذا فإن أية اتجاهات حديثه في كل من هذه المجالات تؤثر على المعلم سواء في تربيته أم في وظيفته. ومن ثم تظهر اتجاهات حديثة في تربية المعلم تواكب هذه الاتجاهات كلها، إضافة إلى حاجات المجتمع المعاصرة. وفي ضوء الاتجاهات التربوية المعاصرة والحاجات المعاصرة للمجتمع المسلم، يمكن تحديد أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم. ونذكر أهمها على النحو التالي: 1- مساعدة المعلم على اكتساب المهارات اللازمة لكل من تربية تلاميذه تربية إسلامية، وتوجيه المادة التي يدرسها توجيهًا إسلاميا، والعناية بإسهامات العلماء المسلمين فيها. لا يمكن للمعلم أن يربي تلاميذه تربية إسلامية ما لم يعد لهذه المهمة. فكل تربية لها أصولها ومصادرها وأهدافها. وقد بينا -في الفصل الثالث- أهم جوانب التربية الإسلامية التي ينبغي أن تكون من بين أسس كل من تربية المعلم وتخطيط المناهج وغيرهما من مجالات العمل التربوي. ولقد مضى على المسلمين حين من الدهر ومناهجهم الدراسية تعب من مناهل معرفة لا تستقيم مع أصول التربية التي يبغون، ولا تؤدي إلى الأهداف التي يرجون, ولا تقود إلى نوع الحياة التي ينشدون. وأخذ علماء المسلمين يدقون ناقوس الخطر الذي يغزو أمة الإسلام في أعز ما تملك، وهو عقول شبابها, بل قلدنا غير المسلمين في التوحيد بين مناهج الفتية والفتيات، ولما كانت المناهج كما سبق أن بينا قد أصابها تلوث تربوي، فقد أصبح كثير من فتياتنا -مثل كثير من فتياننا- غريبات المزاج والفكر والمظهر والمخبر، واتحذن من غير المسلمات مثلًا وقدوة، وتباكينا نحن على حالها. فهل جنينا إلا ما غرسناه بأيدينا؟ ولتصحيح مسار المناهج الدراسية ولدرء خطر التلوث التربوي ينادي علماء المسلمين اليوم بإعادة صياغة مختلف العلوم, والحرص على تقديمها للناشئة وفق التصور الإسلامي. ومن أهم ما يساعد على تحقيق هذا الهدف، وتطوير نظم إعداد المعلم وبرامجه, بحيث تعد معلمًا قادرًا على توجيه ما يعلمه لتلاميذه من خبرات توجيهًا إسلاميا. وهذا يتطلب مراعاة ذلك في إعداده الثقافي والتخصصي والمهني، وفي برامج تدريبه في أثناء الخدمة، على السواء. أما بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في تقدم العلوم، فإن القارئ المدقق في تاريخ العلوم يلاحظ طمسا متعمدًا لهذه الإسهامات، ورغم أن للمسلمين أيادي

_ * للاطلاع على مزيد من هذه الاتجاهات، فضلًا, ارجع إلى كتاب المؤلف: تربية المعلم للقرن الحادي والعشرين. الرياض: مكتبة العبيكان، 1416هـ-1995م.

بيضاء على مسيرة الحضارة الإنسانية إلا أن أعداء الإسلام يعمدون إلى طمس جهودهم والتقليل من شأنهم، متجاهلين حفظ المسلمين لتراث من سبقوهم من الضياع, حين نقلوا للعربية أعمال الهنود والإغريق, وطوروا ما وصلت إليه أيديهم في أسفارهم الكثيرة إلى أرجاء المعمورة، وأهدوا إلى أوربا مفاتيح المعرفة والبحث، التي بها فتحت أوربا طرائق الكشف والبحث العلمي. ولم يكن المسلمون ناقلين لأعمال غيرهم مطورين لها فقط، ولكن كان لعلمائهم كشوفهم في الرياضيات والفلك والكيمياء، والطب والهندسة وعلوم البحار، وغير ذلك من مجالات المعرفة, ومما يمكن ذكره في هذا الصدد أن أول كتاب ألف في الجبر هو كتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمي، وأن نظام العد الذي نستخدمه اليوم، من إسهامات العلماء المسلمين. ومن المؤسف حقا أن إسهامات العلماء المسلمين لم تأخذ حظها من الدراسة في ديار الإسلام، وإن كانت قد قتلت بحثًا في غير بلاد المسلمين، بهدف الاستفادة منها, واتخاذ السبل المناسبة لطمسها وتشويهها. وغني عن القول أن شباب المسلمين في حاجة -اليوم أكثر من أي وقت مضى- لأن يدركوا أن أمتهم لم تكن في الماضي تبعًا في ركب العلم والتقدم- كما هي اليوم. ولكن، أتى عليها حين من الدهر كانت فيه رائدة للعالم.؟ وأن مهمة هؤلاء الشباب -اليوم- هي الكدح في سبيل استعادة الأمة مكانتها التي فقدتها في هذا الركب. وتحقيقًا لهذا الهدف ظهر اتجاه قوي نحو تجلية إسهامات العلماء المسلمين، وتقديمها لأبناء المسلمين، ومن ثم العناية بها في برامج إعداد المعلم. 2- العناية بتزويد المعلم بالثقافة الإسلامية: الثقافة الإسلامية ضرورة حياة لغير المتخصصين في العلوم الشرعية, وبخاصة المعلمون منهم. فالمعلم يربي أجيالًا تعتمد عليها الأمة في مسيرتها الحضارية. وفي قيادة الصحوة الإسلامية المعاصرة وترشيدها وتوجيهها وجهة الخير لدين الله ولعباده. ومن هذا المنطلق ينبغي أن يتزود المعلم بزاد من الثقافة الإسلامية يعينه على أداء هذه المهمة بنجاح. وفاء لهذا ظهر اتجاه قوي نحو ضرورة أن يعمل برنامج تربية المعلم على تزويده بثقافة إسلامية مناسبة. ومن أهم ما يرى الكاتب أن تعنى به الثقافة الإسلامية للمعلم دراسة ما يلي: 1-2 المذاهب المعاصرة في ضوء العقيدة. فالعقيدة عماد الدين، وهي الأساس الذي يبنى عليه نظام المجتمع وهياكله التنظيمية وتعتمد

عليه تربية الأفراد والجماعات، فضلًا عن كونها الأساس الذي يقوم عليه البناء التعبدي، وهي منطلق تحرر النفس الإنسانية من العبودية لغير الله، ومن الولاء لأحد سواه، ومصدر قوة المسلم في حياته، ومنطلق اعتزازه بخالقه وخشيته في السر والعلن. ودراسة المذاهب المعاصرة في ضوء العقيدة الإسلامية تجلي العقيدة وتعين على فهم مرامي هذه المذاهب ومقاصدها ونواقصها. وفي هذا تثقيف وتوعية للمعلم. 2-2 دراسة بعض القوانين الوضعية في ضوء الشريعة الإسلامية، فإن هذا يجلي حقيقة الشريعة وقدرتها على تنظيم الحياة, وحل مشكلاتها وفق مهج الله. 2-3 السيرة النبوية العطرة فيها نماذج فريدة لم تتكرر في التاريخ. ففي حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وجهاده في سبيل الله, وصبره على المكاره وكدحه في سبيل الدعوة إلى الله, ومعاملته لأصحابه وأعدائه، مدرسة متفردة تولد في نفوس الشباب طاقات متجددة للعمل والكفاح في سبيل الحق والعدل والهداية، وتقدم لهم مثلًا وقدوة غير مسبوقة في الأخلاق الإسلامية, وفي الالتزام بمنهج الله عز وجل. 2-4 العبادات، فالعبادات -في الإسلام- ليست طقوسًا تمارس أو شعائر تؤدى فقط، ولكنها أيضًا قنوات اتصال للعبد بربه يحاسب نفسه خلالها عن أعماله. 2-5 الأخلاق الإسلامية، فقد بين الإسلام بجلاء ما ينبغي أن يتخلق به المسلم في تعامله مع جميع البشر في جميع الأمكنة والأزمنة والأحوال. 2-6 ويرشح الكاتب مقارنة الأديان لتكون المجال السادس الذي تعنى به الثقافة الإسلامية للمعلم. فمعرفة الخصائص المشتركة بينها, ونقاط التفرد في كل منها من عوامل التثقيف المهمة. 2-7 حركات الإصلاح في الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وحركات الحيود عن الطريق الصحيح للإسلام في الوقت الحاضر. ففي دراستها توعية وتنوير يحتاج إليهما المعلم في أداء رسالته.

2-8 التاريخ الإسلامي. ففيه ثراء كبير من الخبرات المفيدة في تثقيف المعلم، وفيه معارف ينبغي أن تدرك، ومواقف ينبغي أن تحيا في ذاكرة المسلمين، وأخلاق ينبغي أن تحتذى، وعبر ينبغي أن تعتبر. 2-9 التحديات المعاصرة التي تواجه المسلمين، ففيها تبصرة للمعلم بما يحيط الأمة من مخاطر ومشكلات ينبغي أن يعيها طلابه. وما نود أن نؤكده هنا هو أن الثقافة الإسلامية التي نقدمها للمعلم ينبغي أن تستنفره لتربية تلاميذه, وتوجيههم وإرشادهم, وحفز هممهم نحو دفع الأمة إلى الانطلاق الحضاري تحت راية دين الله الحنيف, وتعريفهم بماضي أمتهم وواقع حاضرها. 3- تمكين المعلم من مهارات التعبير باللغة العربية الفصحى, ومن التدريس بها: ولقد نزل القرآن بلسان عربي مبين فيه بلاغة وعليه طلاوة، نافذ بفصحاه إلى العقول, وبجرس عباراته إلى الأفئدة، وبجزالة أسلوبه إلى الوجدان. ترقى بمعانيه النفوس. وترق له القلوب، وقد أحاط بجوامع الكلم. وقد اقتضت حكة الله بأن ينزل كتابه وتسجل سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالفصحى. فظل هذان النبعان العظيمان يفيضان على أمة الإسلام بالهدى والتقوى والتمسك بحبل الله المكين. وكلما تمكن الإنسان من الفصحى كان على الارتواء منهما أقدر، ودلف إلى دين الله بصورة أقوى وأشد. وكلما سبر غورها ومهر في السباحة في بحرها، ازداد فهمًا وإدراكًا لهدي هذا الدين القيم. أما من صرفه صارف أو شغله شاغل أو تكاسل عن إتقان اللغة الفصحى، فإنه بهذا قد بنى سدا بينه وبين منابع الدين الحنيف والتراث الإسلامي الذي يبين أصول العقيدة ومقاصد الشريعة وحكمة التشريع وأسس العبادات والمعاملات وما هية الأخلاق. وإذا فات المسلم هذا كله أدركته أمية تبتليه بتخبط عقدي وتيه إيماني وتذبذب عبادي وضعف أخلاقي. ولقد أدرك أعداء الأمة الإسلامية بالغ أثر اللغة في توثيق الرباط بينها وبين دين الله الحنيف، ومن ثم وحدتها وسيادتها، فخططوا ومكروا، وأثاروا النعرات القومية، واتهموا الفصحى بالقصور عن العتير عن مواقف العصر وأساليبه وأدواته. وشجعوا كتاب العامية وأفسحوا لهم الساحات، وأخيرًا نجد أن كثيرًا من معلمي الفصحى يعلمونها بالعامية. ناهيك عن بيقة المعلمين والإداريين وبقية العاملين في مجال التعليم.

أما وسائل الإعلام فأمرها واضح للعيان في معظم البلدان العربية بخاصة، فما علينا إلا أن ننظر في الصحف اليومية، أو نستمع إلى نشرة الأخبار أو مسلسلة إذاعية لنجد الفصحى تتململ بين السطور وتحتضر بين الشفاه. أما في البلدان الإسلامية غير العربية فقد لاحقتها الحملة على اللغة العربية بأساليب متعددة منها: حجب اللغة العربية عن مناهج التعليم وإضعافها إلى حد يجعل أثرها يمحى بالتقادم, ولما كان إحياء اللغة استخدامها فقد بين اللغة العربية وجعلها اللغة الرسمية للتخاطب في البلاد. إضافة إلى هذا، تم استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية إبعادًا لأبناء المسلمين عن الألفة بالحروف كتب بها القرآن الكريم، وتشجيع علية القوم على التحدث بلغة غير عربية، وربط ذلك بالتميز الاجتماعي. والمخطط لا يزال مستمرا. ولكن العقد الأخير من الزمن حمل معه اتجاه العناية بلغة القرآن، فإزاء الحملة الشرسة على اللغة العربية وإزاء التدني الخطير في مستوى استيعابها بين خريجي المعاهد العلمية على وجه الخصوص, هبت صحوة صادقة للمحافظة عليها. ومن نتائج اتجاه العناية باللغة العربية في عالمنا العربي، الاتجاه إلى تعريب جميع العلوم ورفع مستوى المعلم فيها، ومساعدته على التدريس بها. 4- الأخذ بمبدأ التعلم مدى الحياة, والنظر إلى تربية المعلم في إطار نظام موحد: إن التطورات المعاصرة في التدفق المعرفي والتقني، والحاجة إلى استثمار التعليم استثمارًا فوريا، جعل تطبيق مبدأ التعليم مدى الحياة في تربية المعلم خطوة منطقية، كما أصبح من الاتجاهات التي ينادي بها التربويون المعاصرون، والتي بدأت تأخذ مكانها في التطبيق. فنظرا لهذه التطورات، ونظرًا للحاجات الفردية والاجتماعية المتزايدة للتعليم كمًّا ونوعًا بصورة غير مسبوق في تاريخ البشرية. ونظرًا للارتباط الذي يتوثق يومًا بعد يومًا بين التعليم وحركة الإنتاج في المجتمع، وبين التعليم والتقدم العلمي والتقني لهذا المجتمع، فإن برامج إعداد المعلم لم تعد كافية لإعداده للممارسات المهنية بقدر مقبول من الثقة. لذلك، فقد أملت هذه التطورات وتلكم الحاجات تفكيرًا جديدًا في أهداف التعليم ومن ثم في مهام المعلم. الأمر الذي جعل مراحل تربية المعلم تتوثق عراها وتتكامل في منظومة هدفها الاحتفاظ بكفاءة المعلم مدى حياته المهنية.

ولا يقف توحيد النظم عند تكامل مراحل تربية المعلم, بدءًا من اختياره إلى تعليمه مدى الحياة، ولكن يشمل أيضًا البحوث المتعلقة بهذه التربية في أي من مراحلها. وقد ساعد على هذا أن تطوير النظام يعتمد اعتمادًا كبيرًا على التغذية العائدة التي تعتمد على البحوث التقويمية بالدرجة الأولى. وبناء عليه أصبح "البحث التربوي" من عناصر تربية المعلم. وهكذا يتكامل البحث العلمي مع كل من نظام القبول إلى معاهد إعداد المعلم, ونظام إعداده ونظام تنميته في منظومة موحدة لاستمرار الاحتفاظ بكفاءة المعلم في أدائه المهني. 5- الأخذ بالتطورات المعاصرة في التقنية التربوية: لا مبالغة في القول أن التقنية المعاصرة قد جعلت حياة الإنسان تفور بالمستحدثات وتتوشح بالمفاجآت، وهي وإن كانت قد بدأت في مجالات الصناعة إلا أنها ما لبثت أن غشيت جميع دروب الحياة ومواقفها، وشغلت البشر بأخبار متابعتها؛ نظرًا لأنها تشكل ملامح المستقبل وفق نفاذها إلى أعماق الكون أرضَا وبحرًا وجوا وفضاء، ووفق إسهامها في زيادة قبضة العلم على مقدرات الإنسان، بما يوفق الله العقل البشري إلى كشفه من كوامن خلقه. ولقد كان أثر التقنية على التعليم غامرًا. فغيرت من نظمه ومناهجه وإدرته، والإشراف عليه إلى غير ذلك من الكثير الكثير الذي لا يمكن أن نفي بمعالجته هنا. ولكن غاية ما نستطيعه أن نذكر أمثلة من آثارها على تربية المعلم. يذكر عبد الرزاق عن التغير الذي حدث في مهمات المعلم بسبب تطبيق التقنية في التعليم، ما يلي: 1- أقل ممارسة لتقديم المعلومات، وأكثر ممارسة للتوجيه والنشاط نحو تحقيق الأهداف والتقويم. 2- أقل توجيها للأسئلة وتصحيحًا للكراسات، وأكثر متابعة للتقدم الفردي، وتحديد الأهداف الإجرائية للتدريس، والمناقشة الجماعية، وتفسير المعلومات. 3- اختيار المعرفة من مصادرها المتعددة والمعقدة. 4- استعراض أساليب مناقشة أوسع مدى، وأكثر عناية بالجانب الوجداني. 5- تحمل مسئولية أكبر في الجوانب الشخصية، وممارسة وظائف كان يمارسها المتخصصون في علم النفس، واستخدام تفاعل الجماعة في دفع تطوير النضج الاجتماعي والتفكير الإبداعي.

6- تقويم وتشخيص حاجات كل تلميذ وتقدمه. 7- تطوير خطط الدراسة الفردية. 8- إعداد خطط قصيرة الأجل، وأخرى طويلة الأجل للعمل داخل حجرة الدراسة، تأخذ في الاعتبار الحاجات الفردية للتلاميذ. 9- تخطيط حجرة الدراسة وتنظيمها وتخطيط وقت التعليم، لابتكار بيئة تعليمية فعالة. 10- تطوير خطط الدراسة اللازمة للمجموعات الكبيرة. 11- الإشراف على عمل الطلاب كمرشحين للمهنة. 12- دراسة النظام وتقويمه، لتطوير العمل في حجرة الدراسة. 6- العناية بأداء المعلم داخل حجرة الدراسة باستخدام أسلوب الكفايات: يرجع أسلوب الكفايات في جوهره إلى النظرية السلوكية في علم نفس التعلم، ومن أهم ملامحه الارتباط الوثيق بين النظرية والتطبيق، والتركيز على أداء المتعلم وأهدافه، وعلى ناتج عملية التعليم والتغذية العائدة من تقويمها. وتوجد ثلاث خصائص مهمة لتربية المعلم على أساس الكفايات. الأولى: هي وجود أهداف تعليمية محدد معرفة بأسلوب إجرائي ومعروفة لدى كل من المتعلم والمعلم. والثانية: هي تحديد المسئولية، بمعنى أن المتعلم يعرف أنه مسئول عن أداء الكفايات المعينة بالمستوى المطلوب وفق المعايير المحددة. أما الثالثة: فهي خاصة ضمنية تتلعق بتفريد التعليم. بمعنى أن كل متعلم له نوع من الحق في اختيار الأهداف، وفي اختيار الأنشطة التعليمية ويسير في هذه الأنشطة بسرعته الخاصة. ولذلك فإن الوقت الذي يستغرق في تنفيذ هذه الأنشطة له دلالته. ونتيجة لهذا أمكن تحديد بعض النتائج بالنسبة لتربية المعلم على أساس الكفايات ومنها: 1- انتقال التركيز في التقويم وفي المسئولية إلى الفرد. فلم يعد تقويم الفرد منسوبًا إلى موقعه أقرانه أو إلى اختبار جمعي، ولكن يقارن أداؤه بمجموعة أهداف ومعايير خاصة به. 2- انتقال التركيز من المعلم وعملية التعليم، إلى المتعلم وعملية التعلم.

3- تطبيق تريبة المعلم على أساس الكفايات تتعلق بالتقنية، فالتقنية هي محور تفريد التعليم، إذ من خلالها فقط يستطيع المتعلم التخلص من الاعتماد الكلي أو المبالغ فيه على المعلم، ومن خلالها يمكن مد فرص التعليم للفرد وتوسيعها. 4- استخدام أسلوب النظم, ويستخدم "أسلوب النظم" التغذية العائدة في تصميم المنظومات التدريسية الصغيرة، ويمكن اعتبار أسلوب النظم -مثله مثل التقنية- عاملًا مساندًا يزيد من فعاليات تربية المعلم على أساس الكفايات. 7- العناية بأداء المعلم داخل حجرة الدراسة باستخدام أسلوب التعليم المصغر: يستخدم التعليم المصغر في تدريب الطلاب الذين يعدون لمهنة التعليم، كما يستخدم أيضًا في تدريب المعلمين الذين يمارسون التعليم، وتثبيت كفاءته في الحالين، كما ساعد تطبيقه على حل الكثير من مشكلات التربية العلمية التقليدية في مراحل الإعداد، وتصحيح أخطاء الممارسة في أثناء الخدمة. والتعليم المصغر لا يخرج عن كونه عينة مصغرة لتدريس واقعي يستغرق عادة ما بين عشر دقائق وثلاثين دقيقة، ويضم ما بين أربعة إلى عشرة تلاميذ. وبذلك فإن جلسة التدريس المصغر تماثل حصة الفصل العادية من جميع الجوانب، فيما عدا كل من الطول الزمني وعدد التلاميذ الذي يكون أقل كثيرًا. ويمكن تلخيص خطوات أسلوب التعليم المصغر على النحو التالي: 1- يقوم الطالب المعلم بالتعرف من المشرف على المهارة المطلوب التدريب عليها. 2- يبدأ الطالب في التحضير للدرس موضحا الأهداف والمحتوى والطريقة. 3- يبدأ الطالب التدريس الفعلي لعدد من زملائه. 4- تبدأ عملية التقويم بواسطة المشرف. 5- تبدأ التغذية الراجعة بعد انتهاء الدرس. 6- يسمح للطالب بمراجعة درسه وإعادة تخطيطه. 7- يبدأ الطالب في التدريس مرة أخرى على مجموعة أخرى. 8- تبدأ التغذية الراجعة، للمرة الثانية.

ولقد حدثت تطورات في أسلوب التعليم المصغر نتيجة لما حدث في مجاله من تجارب وبحوث, منها: 1- أن التلاميذ الذين يتلقون التدريس من تلاميذ المدارس, وليسوا زملاء الطالب. بل إن من التوصيات المهمة أن يمثل هؤلاء التلاميذ المدارس التي سوف يقوم الطلاب بالتدريس فيها بعد التخرج. 2- هناك من يرى أن يبدأ زمن الدرس بخمس دقائق ثم يزاد إلى عشر دقائق ثم خمس عشرة دقيقة، ويرى أن زيادة الوقت على النحو المذكور يعتبر مكافأة للطالب على نجاحه في المرحلة الأولى ذات الخمس دقائق. ويناسب تكوين المهارت، ويقرب التدريس المصغر من التدريس الفعلي. 3- تختلف نتائج البحوبث بالنسبة لحضور المشرف في أثناء تدريس الطالب دروس التعليم المصغر. فبعضها أوصى بضرورة وجوده، وأخرى انتهت إلى أن وجوده سلبيا على أداء الطالب. ولا تزال البحوث تترى في متابعة التعليم المصغر بهدف تحسينه، بعد أن أثبت تفوقه على الأسلوب التقليدي للتربية الميدانية.. ويظل الباب مفتوحا لتحسينه وتطويره. مما سبق نلاحظ أن أهم خصائص التعليم المصغر ما يلي: 1- قصر مدة الدرس بالمقارنة بالدرس العادي. 2- قلة عدد التلاميذ. 3- التركيز على تعلم مهارات بذاتها. 4- التحكم في معظم المتغيرات. 5- معرفة النتيجة بعد الأداء مباشرة. 6- التركيز على تنفيذ نموذج معين من التدريس، وليس تقليد مدرس معين. 8- ظهور النموذج الإنساني في تربية المعلم: إن العصر المادي الذي نعيش فيه، وسيطرة الآلة على حياة البشر وزحف التقنية على هذه الحياة، جعل الإنسان يلهث وراء مستحدثاتها التي تمطره بوابل منها وتغرقه في مشكلاتها حتى أصبحت هي الصديق اللدود الذي لا يحبه، وفي الوقت نفسه لا يقدر على فراقه.

ويحاول البعض أن يعيد الإنسانية إلى الجسد الذي أزهقت منه في غمرة السعي إلى السبق الحضاري المادي والتفوق العلمي والتقني. والذي معه قذفوا بأنفسهم في هوة الخواء الروحي -وإن كان هذا التفوق لم يكن بالضرروة سببًا له- فنادوا بالمنهج الإنساني. وهدفنا هنا أن نلقي بعض الضوء على هذا المنهج وأثره على تربية المعلم. وذلك على النحو التالي: 8-1 أهداف المنهج الإنساني وأسسه النفسية: إن أهم أهداف المنهج الإسلامي هي إمداد المتعلم بخبرات تشعره بالمكافأة الداخلية وتسهم في تحريره وتنميته. ويرى المنهج الإنساني أن التربية عملية ديناميكية شخصية ترتبط بالتنمية الذاتية، والكمال الإنساني والاستقلال الذاتي، وينبغي أن تحقق اتجاها أسلم نحو الذات والأقران والتعلم. وتحقق الذات هو في موضع القلب من هذا المنهج، فلكل متعلم ذات خاصة ينبغي اكتشافها وبناؤها وتعليمها. وطبقًا للمنهج الإنساني فإنه ينبغي أن يسمح للمتعلمين أن يعبروا، وأن ينصرفوا، وأن يجربوا، وأن يخطئوا، وأن يروا، وأن يحصلوا على التغذية العائدة, وأن يكتشفوا من هم. وعلى المنهج الإنساني أن يمدهم بالنمو المعرفي والشخصي في الوقت نفسه. 8-2 أثر المنهج الإنساني على تربية المعلم: غني عن القول أن أي تعديل في المناهج الدراسية يستتبعه تغيير في خبرات المعلم, بما يمكنه من استيعاب هذا التعديل بصورة تجعله قادرًا على تقديم المنهج المطور إلى طلابه, بما يحقق أهداف التعديل. وإذا كان المنهج جديدًا -كما هو الحال في المنهج الإنساني- فإن حاجة المعلم إلى هضم متطلبات تطبيق المنهج الجديد وتمثلها تكون أشد. وللمنهج الإنساني مطالب من تربية المعلم أهمها: 1- أن يحتفظ المعلم بعلاقة حميمة مع تلاميذه، وأن يطلق خيالهم بتدريسه، وأن يبتكر مواقف تتحدى تفكيرهم. 2- أن يعتبر كل طالب قادر على التعلم، وعليه أن يجد المدخل المناسب لتعليمه.

3- أن يعتبر التدريس فنا، ومن ثم ينبغي أن يجلب المسرة لتلاميذه، إلى جانب حثهم على الارتقاء والإبداع. 4- أن تكون الثقة بينه وبين طلابه من مثيرات دوافعهم نحو التعلم، ومن أهم عوامل إيجاد هذه الثقة أن يكون المعلم مصدرًا للمعلومات الصحيحة، ومجددا في أساليبه. 5- أن يكون قادرًا على تفريد تعليمه، ويدفع تلاميذه إلى التعليم الذاتي. 6- أن يكون برنامج تربيته مفتوحًا ومستمرا ومتجددًا ومواكبًا لحاجات تلاميذه ومجتمعهم. 9- التركيز على البحوث وتطبيقاتها الميدانية: في عصر العلم لا بد أن تسود لغة العلم, ولغة العلم ليست رموزًا ومعادلات ونماذج, ومنظومات وجداول فقط. ولكنها -إضافة إلى ما سبق- منهج وأسلوب وفكر واتجاه. لذلك، نجد الأمم التي أخذت بالمنهج العلمي، وثبتت على هذا الاتجاه، أسرعت الخطى وطوت مسافات شاسعة على طريق التقدم، ونجد أمما أخرى ظنت، أن المنهج العلمي مضياع للوقت ومقوق للمسيرة فأصابتها الأمية العلمية، ووقعت في غياهب الجهل في عصر المعرفة المتوقدة. والمنهج العلمي لا يتحقق إلا بالبحث العلمي، فبالبحث العلمي تضبط التوجهات وتصحح الأخطاء وتحصر التعميمات في إطارها الصحيح. وتحدد المشكلات، وتعرف الأسباب ويوصف العلاج، وتفتح آفاق التقدم. ومع سرعة الخطى أصبحت الموضوعية العلمية أساسا لكل تطوير ممكن، وما كان التفاعل اللفظي داخل حجرة الدراسة والتعليم المصغر وأسلول الكفايات وغيرها وغيرها من المستحدثات التربوية في مجال تربية المعلم أو في غيره من المجالات، إلا نتيجة للبحوث العلمية. واليوم أصبح البحث -على وجه العموم وفي المجالات التربوية على وجه الخصوص- الأساس الذي يبنى عليه اتخاذ القرار والتحسين والتطوير والبناء والتخطيط والتشخيص والعلاج و....، وبدونه لا شيء من هذا يمكن إنجازه بالصورة المطلوبة. ويمكن تلخيص أهمية البحث العلمي في تربية المعلم على النحو التالي:

1- أن المعلم يحتاج إلى ممارسة البحث العلمي لكي يستطيع تطوير أدائه في مهنته؛ لذلك ينبغي أن يدرس المعلم في مرحلة إعداده، مناهج البحث وأدواته، وأن يطبق ما درسه في مواقف واقعية، وأن يكون البحث علميا على البحث جزءا أساسيا في برامج تنميته، وأن يكون البحث من الممارسات المستمرة للمعلم في أثناء عمله. 2- أن تؤسس القرارات الخاصة بالتجديد والتعديل والتحسين في نظم تربية المعلم على البحث العلمي. ولكي يسهل تطبيق هنذه البحوث، ينبغي أن يكون أصحاب القرار في تطبيقها من المتابعين لتطور مراحلها ومتعاونين في إنجازها. 3- أن يكون من يقوم بهذه البحوث أو يشرف عليها ممن لهم خبرة بتربية المعلم. 4- أن تتناول البحوث المشكلات الواقعية التي تواجه المعلمين سواء كانت خاصة بعملية التعليم أو بنظم تربية المعلمين. وأن تكون نتائجها قابلة للتطبيق، وأن يكون تطبيقها سهلا وواضحًا، وأن تكون منسقة فيما بينها، ومنسقة مع بحوث المجالات الأخرى، بقدر الإمكان. 10- اتساع قاعدة المشاركين في اتخاذ القرارات الخاصة بتربية المعلم: إن الاهتمام بقضايا التعليم -ومن أهمها تربية المعلم- لم تعد معنية بالمتخصصين في التعليم فقط، ولكن امتد الاهتمام بها إلى عامة الناس وخاصتهم من حيث إنها تعنى بتربية الأبناء في عصر يشعر الناس فيه بتعاظم الحاجة إلى التربية، وأن فهم الحياة -على وجه العموم- يتوقف على مدى ما أدرك الفرد من تعليم، وأن مشكلات العصر مثل المخدرات والتلوث البيئي والإرهاب تتطلب تعليمًا جيدًا للتعامل مع مخاطرها بذكاء، وأن سرعة إيقاع الأحداث والمنافسة الحادة على كل من مقاعد الدراسة وفرص العلم ومكان المنظمات المهنية، تحتاج -أيضًا- إلى تعليم جيد. ويعود هذا كله إلى تربية المعلم، مما جعل اتخاذ قرار بشأن هذه التربية مهمة جميع قطاعات المجتمع. يضاف إلي هذا: 1- أن التعليم أصبح عملية اجتماعية تهم المجتمع كله، وليس القائمين على التعليم فقط. ومن ثم فإن قيادات المجتمع -وبخاصة السياسيون منهم- يتطلعون إلى دور في شئونه، ولا سيما بالنسبة للمعلم.

2- أن الهيئات المهنية أصبح لها متطلبات محددة في منسوبيها، وبناء عليه، فإن هذه الهيئات ترى ضرورة اشتراكها في تسيير دفة التعليم وتربية المعلم، ضمانا لتحقيق هذه المتطلبات. 3- أن المؤسسات الإنتاجية تتطلع إلى عناصر مؤهلة أو -على الأقل- مهيأة للتأهل للعمل فيها، وأصبح هذا مبررًا لإسهام هذه المؤسسات في توجيه التعليم وتربية المعلم. 4- أن العناية باقتصاديات التعليم أدت إلى التدقيق في مخرجاته، ومن ثم فإن دافعي الضرائب ورجال الحكم يودون الاطمئنان على الاستثمار الأمثل لما ينفق على التعليم، وبخاصة بالنسبة لتربية المعلم. 5- أن التكامل المنشود بين مؤسسات التعليم -بما فيها مؤسسات تربية المعلم- والمؤسسات المجتمعية الأخرى، وبخاصة المؤسسات الإعلامية أوجد لقادة الجانبين اهتماما بما يجري لدى الطرف الآخر, وصولا إلى التنسيق والتكامل. 6- أن تغير متطلبات العمالة فتح قنوات الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسساتهم من ناحية، ومؤسسات التعليم من ناحية أخرى، مما جعل لرجال الأعمال نصيبًا مفروضًا في شئون التعليم وتربية المعلم.

أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية ... جـ- الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية: إن أهم العوامل المعاصرة التي تؤثر في المناهج هي التقدم العلمي والتقني والتطور في الفكر التربوي عمومًا, وفي البحث العلمي والتجريب التربوي، والاتجاه إلى الدراسات المستقبلة، على وجه الخصوص؛ لذلك فإننا سوف نتناول فيما يلي الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بهذه المجالات: 1- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي. 2- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالبحث العلمي والتجريب التربوي. 3- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالدراسات المستقبلة. 1- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي، على وجه العموم: إن الأبحاث التربوية في مجال المناهج الدراسية كانت -بالأمس- تبحث عن إجابات مبدئية مثل: ماذا نعلم؟ وكيف نعلم؟ ومن نعلم؟ ودارت العملية

التعليمية حول ماذا؟ وكيف؟ ومن؟ ردحا من الزمان، إلى أن أصبحت ميول المتعلم في منتصف النصف الأول من القرن العشرين الميلادي هي الركيزة الأولى للمناهج. وظهرت بناء على هذا المفهوم مناهج النشاط التي بنيت -أساسًا- على ميول المتعلم. واستخدمت أسلوب المشكلات في التعليم. إلا أنه سرعان ما اتضحت لهذه المناهج، عيوب عدة منها: أن الميول ليست مستقرة بحيث تبنى عليها مناهج مستقرة، وأن تحديدها أمر صعب، وأن الميول التي يعبر عنها المتعلم لا تتوافق -بالضرورة- مع حقيقة قدراته. كما لوحظ أن هذه المناهج لا تقدم منظومة خبرية متصلة تتتابع وتتواصل فيها الخبرات. وتغير التركيز في أسس المناهج من الميول إلى الحاجات في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، كما تحررت طرائق التدريس هي الأخرى من البحث عن المداخل والمواقف التدريسية التي تتفق -بالضرورة- مع ميول التلاميذ ورغباتهم، وانتقلت إلى مبدأ آخر في التعليم مؤداه: أنه يكمن تعليم أية خبرة لأي فرد إذا أمكن اختيار المدخل والأسلوب المناسب لتعليمه. ويلاحظ هنا تغير كبير في تربويات التعليم، فبعد أن كانت نقطة البداية ومركز الاهتمام تتعلق بالمتعلم ورغباته، أصبحت نقطة البداية ومركز الاهتمام هي حاجة المتعلم من الخبرات, وسواء نبعت هذه الحاجة من شخصه أو من المجتمع، فإن عليه أن يكتسبها، بشرط ألا يكون في عملية التعلم قسر أو قهر له، ويوظف فيها من طرائق التعليم وأساليبه، ووسائله وتقنيته ما يجعلها مقبولة وميسورة الاكتساب، بقدر المستطاع بالنسبة للمتعلم. لذلك، أخذ البحث والتجديد التربوي يتناولان الأهداف والطرائق والأساليب المختلفة لصياغة خبرات المنهج وتنظيمها بحيث يمكن تطويعها -بقدر الإمكان- للمتعلم. فظهر التنظيم الحلزوني لخبرات المناهج الذي يمكن من معالجة خبرات الموضوع نفسه بمستويات مختلفة بحيث يعمق ويتسع في كل مستوى عن المستوى السابق له، وهذا يساعد على اتصال المتعلمبالموقف في أوقات مختلفة ومرات متعددة، فيحدث تعلم مجزأ للخبرات المراد تعلمها. بل ظهرت مناهج جديدة مثل المنهج التقني والمنهج الإنساني. وظهر أيضًا مفهوم البنية المعرفية، وهي تركيب أو نسق لبناته هي المفاهيم الأساسية، يكون إطارًا مرجعيا للتفاصيل التي يمكن أن يستنتجها المتعلم من هذا النسق، وقد أنقذ هذا المفهوم المتعلم من الغرق في تفاصيل تفكك أوصال النسق وتخفي المبادئ التي توحده.

"والتنظيم المبرمج للخبرات" تنظيم آخر ظهر فيما يسمى "التعليم المبرمج" ويمكن أن يوصف هذا النوع من التنظيم بأنه إعداد للمادة التعليمية في خطوات قصيرة ومتتابعة في تسلسل بحيث تقود فيه كل خطوة إلى التي تليها، وتساعد المتعلم على التعلم الذاتي، وتوفر تعزيزًا فوريا لنجاحه. أما من حيث الأهداف، فقد ظهرت فيها اهتمامات جديدة، مثل: - أن يتجه التعليم إلى تنمية مواهب الجميع إلى أقصى قدراتهم. وتحقيق ذلك الهدف يتطلب أن نعين كل الطلاب على بذل الجهد إلى آخر حدود قدراتهم. "10، 23". - التعليم للعيش مع الآخرين، ويتطلب هذا فهمهم وفهم تاريخهم وتقاليدهم وقيمهم الروحية. - التعلم للعمل. وقد أصبح هذا يتطلب إلى جانب الإعداد لممارسة عمل معين، اكتساب المهارة في مواجهة تشكيلة من المواقف غير المتوقعة, والعمل مع فرق من الآخرين. "15، 7". - التعلم لتحقيق الذات، ويتطلب هذا حتمية أن يفهم الإنسان شخصيته بصورة أفضل، وألا تترك أية موهبة مخبأة عنده دون أن تستثمر إلى أقصى حد. "15, 8". - إذكاء القدرة على التخيل؛ وذلك لأن مجتمع الغد يحتاج إلى أن يسبق التخيل التقنية لكي نتجنب مزيدًا من البطالة وعدم المساواة في التنمية والعدل الاجتماعي. - العناية بكل من: "التعليم للمستقبل" و"التنمية الاقتصادية " و"المشاركة السياسية" فتحقيق هذا الثالوث هو شرط الضرورة، والتنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية هما شرط الكفاية. "1، 10". ولا تزال هناك تطورات أخرى تتعلق بمفهوم طرائق التعليم ووظيفتها. فقد ظهر التأكيد على التعليم الذاتي، وعلى الوصول بالتعلم إلى الحد الأقصى، بمعنى أن فترة التعليم لم تعد محدودة بأية حدود زمنية أو مكانية، وأصبحت تشمل حياة الإنسان كلها، فما دام كان الإنسان حيا فلا ينبغي أن يتوقف عن التعلم، كما أن المدى الذي يذهب إليه التعلم ينبغي أن يصل بالمتعلم إلى الحد الأقصى من إمكاناته، أي: يستنفد جميع قدراته ومهاراته التي يمكن أن يوظفها في عملية التعلم.

وفي عالم سريع التغير، مليء بالأحداث، مفعم بالتطورات والمشكلات، لا بد من أن تمد التربية المتعلم بباقة متنوعة من الخيارات في التخصصات والمقررات الدراسية، لكي يتسع مدى الخبرات وتتنوع بما يقابل الفروق الفردية بين المتعلمين. بل، وأن تيسر التعلم للجميع، ليس فقط داخل المدرسة ولكن خارجها أيضًا. فهذا هو أهم ما يمكن أن تقدمه في هذا العصر السريع الخطى نحو التغيير. فإن الثورة العلمية التقنية وسيل المعلومات الهائل المتيسر الآن للإنسان. ووجود شبكات هائلة للإعلام، مع عديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، قد عدلت كثيرا من صيغ وأشكال ونظم التعليم التقليدية، مظهرة ضعف بعضها وقوة البعض الآخر. كما وسعت من نطاق التعلم الذاتي، ويسر فكرة الاكتساب الواعي النشيط للمعرفة، بحيث أصبح التعليم الخاص بالصغار والشباب والكبار يستدعي وجود عدد كبير متنوع من أشكال وأنماط التعليم الخارجة عن نطاق المدرسة. وأخذت طرائق التدريس -أيضًا- طريقها للتقدم. فمن أمثلة المستحدثات فيها "التدريس بالفريق" بغية تكثيف الخبرات للمتعلم، وتوسيع نطاق التفاعل الإنساني في الموقف التعليمي، وقد ثبت من نتائج الدراسات التي أجريت في مجال تطبيق التعليم الفريقي، أن الجو الجماعي في المؤسسات التعليمية يساعد أفراد المجموعة في ترقية عواطفهم وميولهم, وتقليل التوترات والمشكلات النفسية، ويقود إلى تحسين علاقتهم بالمدرسين، وتوسع دائرة خبراتهم، وازدياد شعورهم بالمسئولية الاجتماعية. كما أن التعليم الفريقي يساعد الأفراد في التغلب على أزماتهم والصعوبات التي تواجههم. والقيام بوظائف وعمليات تعليمية لا تتاح لهم عادة في النظام التقليدي "مدرس وصف" كالاشتراك في الملاحظة العلمية والتحليل والتشخيص والتقويم. وتهدف التربية الحديثة إلى تكوين المجتمع الشامل، فإضافة إلى تكوين مجتمع يأخذ أفراده بأسباب التعلم الذاتي المستمر، فإنه يستثمر جميع فئاته استثمارًا كاملًا. فتعمل التربية على اكتشاف الموهوبين والمتفوقين وتربية العلماء والمخترعين من بيهم، كما تعمل في الوقت نفسه على توجيه المتوسطين والمعوقين والأقليات والمحرومين اقتصاديا إلى أنسب ما يمكنهم عمله. فهؤلاء من موارد المجتمع التي يقع استثمار قدراتها إلى أقصى ما تمكنها استعداداتها على عاتق المناهج. وما لم تنهض المناهج بهولاء -بصفة خاصة- يصبحون عبئًا ثقيلًا على المجتمع.

ولكي يتكون المجتمع المنشود، وتتاح الفرصة للأفراد بأن يعطوا جميع ما عندهم، ويستنفذوا كل ما لديهم من قدرات واستعدادات ومواهب، فإن الاتجاهات الحديثة في التعليم تقضي بأن يصل التعليم في المدرسة إلى أقصى كفاءته ويظل كذلك. كما ينبغي أن يصل التعليم خارج المدرسة قمته ويستمر عندها. ومن بين ما يحقق ذلك، أن يمتد اليوم الدراسي إلى أن يكون يومًا دراسيا كاملًا، كما يمتد العام الدراسي إلى أقصى مدى، على أن يخصص بعد ذلك أوقات للفئات الخاصة. وقد ظهر في عالم التربية والعلوم الأخرى، عدد كبير من المكتشفات والابتكارات والاختراعات تستطيع تطوير النظم التربوية، فالأبحاث الجارية في مجال دراسة الدماغ البشري وكيفية اكتساب المعرفة وتنظيمها والتقدم في نظرية المعلومات, ونتائج التجريب في علم النفس الفردي والجماعي والنماذج البنائية في العلوم بعامة وعلوم الإدارة والاقتصاد بخاصة، كلها تقدم للتربية دفعًا جديدًا نحو التطوير. ويكون في موطن القلب من هذا التغيير الالتزام بمجموعة من القيم ونظم التعلم تمكن أعضاء المجتمع أن يمدوا تفكيرهم إلى أقصى قدراتهم منذ بواكر الطفولة، وطوال فترة النضج -كبالغين- ليتعلموا أكثر كلما تغير العالم من حولهم بشكل أكبر. وتتوقف الاستفادة من هذه التطورات كلها على المناهج الدراسية؛ ذلك لأن تخطيط المناهج وتطويرها في المجتمع ينبغي أن يلاحق هذه التطورات لكي تسهم في تربية الأجيال القادرة على صياغة الحياة وفق معطيات العصر دون تجاوز لحدود المنهج الرباني. 2- الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية فيما تتلعق بالبحث العلمي والتجريب التربوي: لم تعد شئون الأمم بعامة، وشئونها التعليمية بخاصة تخضع لاجتهادات شخصية، أو تصورات فردية أو جماعية. كما أنها لم تعد تعتمد على الحدس. وبالقطع فإنها لا تترك هكذا للصدفة أو كيفما تسيرها ردود لأفعال الآخرين من البشر أو الأمم. وإنه لمن نافلة القول أن نذكر أن منبع الأساليب والتطبيقات الحديثة، ومنصة الانطلاق نحو الآفاق الرحيبة جديد مبتكر، هو البحث العلمي والدراسات الكاشفة عن مكونات الكون التي غيبها الله -سبحانه وتعالى- عن عباده إلى حين. فالبحث العلمي أسلوب موثوق فيه لحل المشكلات التي تواجهها مختلف

المجتمعات، على أسس موضوعية، ومن خلاله يمكن تقديم البدائل المختلفة لحلولها، واقتراح الصيغ المتعددة لتوظيف المستجدات في هذه الحلول، وفي غيرها من ساحات التجديد والابتكار والتحديث. إضافة إلى أنه الوسيلة الموضوعية لإنتاج المعلومات والتقنية. وفي المجالات التربوية يكون البحث العلمي ضرورة لا غنى عنها؛ لأن فيه الأساس المكين لكل بنية تربوية جديدة -سواء تعلقت هذه البنية بالنظم والخطط أم بالمناهج وأساليب العمل وخطواته -ولكل تطوير في هذه البنى. بل من خلال تطبيق نتائج البحوث التربوية يتحقق لكل تطوير تربوي مقوماته الأساسية. وتتعدد أنواع البحوث التربوية بتعدد مجالاتها. فهناك بحوث الواقع التي تتناول مكونات الواقع وتحلله إلى عناصره، وتكشف عن إيجابياته وسلبياته. ولنضرب لذلك مثالًا يتعلق بتخطيط المناهج، فإذا كان هدفنا تخطيط منهج، فإنه لا بديل لنا عن بحوث كشفية تكشف واقع المجتمع والبيئة المحلية والعوامل المؤثرة فيهما. وإلى جانب أهمية البحوث العلمية في تخطيط المناهج وبنائها فإن التجريب يحتل أهمية خاصة؛ إذ بدون البحوث التجريبية لا يمكن استقصاء مختلف العوامل التي تؤثر على التطبيق العملي، وما يكتنفه من صعوبات. وعلى وجه العموم، فإن التصدي للتوجيه الشامل للنظم التربوية والخطط والمناهج نحو استيعاب المتغيرات في كل من المتعلم والمجتمع والمادة الدراسية والاتجاهات التربوية المعاصرة, لا يمكن تحقيقه بدون العمل العلمي المتجدد المستمر القائم على رؤية الواقع وحاجاته، وعلى البحث العلمي والدراسة الموضوعية، والتخطيط والتجريب قبل الانتقال إلى التطبيق والتعميم. بهذا فقط يمكن توقع فعالية المنهج, وتحسن مخرجاته, ومواكبته لمتطلبات المجتمع الشاملة, ليس فقط بالنسبة للتنمية البشرية للمحتمع، ولكن أيضًا بالنسبة لجميع جوانب العملية التعليمية. خلاصة القول، إن البحث والتجريب هما الضمان الأكيد للتحقق من بلوغ الأهداف المحددة، وهو -في الوقت نفسه- منصة لتطوير المنهج -فيما بعد- بناء على نتائج تقويم التجريب. 3- الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالدراسات المستقبلة: في العصر الحاضر لا يمكن إغفال التطورات المتلاحقة في مختلف المجالات, فقد أصبحت المستحدثات الجديدة -المتوقع منها وغير المتوقع- مادة أساسية في وسائل الإعلام، ولقد انتقلت حلبة السباق العلمي والتقني من الكرة الأرضية إلى

الكواكب الأخرى، واستحدثت علوم جديدة مثل علوم الاتصالات وعلوم البيئة، وهذه كلها تخطو الخطوات الأولى من نشأتها وتتطور -هي وغيرها- بصورة سريعة وتفعل فعلها في حياة البشر. والبقية آتية بحول الله. وفي العصر الحاضر قفزت التقنية بالعالم إلى آفاق لم تكن في الحسبان. ونضرب لهذا مثلا بالتحكم عن بعد، ومراكب الفضاء، والأقمار الصناعية والإنسان الآلي. والبقية تأتي لتسهم مع التقدم في تغيير نمط الحياة. وفي العصر الحاضر تواجه الإنسان تحديات أخلاقية، ليس فقط في التعامل اليومي فيما نشهده اليوم من غبش في العقيدة ونكوص في العبادات، وجور في المعاملات، وتفلت في الأخلاق، ولكن أيضًا فيما يتعلق بتوجيه البحث العلمي، كما في الهندسة الحيوية -على سبيل المثال- وجهة غير أخلاقية. والبقية آتية. وفي العصر الحاضر نلحظ تلوثًا للبيئة كبيرًا. ونتيجة لهذا يتسع ثقب طبقة الأوزون. ولاتساعه عواقب وخيمة من حيث التغير في مناخ الكرة الأرضية، ومن حيث ما يترتب على اتساعه من كوارث طبيعية لا قبل للإنسان بها. وقد يحدث غدًا تغيرات جديدة تضيف مخاطر جديدة لا يعلم مداها إلا الله، سبحانه وتعالى. وفي العصر الحاضر. نعلم أن الشتاء النووي الذي يعقب التفجير النووي، يبيد الحياة على وجه الأرض، فمن لم يمت من الأحياء بفعل التفجير، سوف يقضى عليه -إن شاء الله له هذا- بفعل الشتاء النووي. ومن ثم فإن مصير البشرية أصبح يتعلق بمن بيدهم قرار الحرب النووية من البشر بعد مشيئة الله. وفي العصر الحاضر، يتحول العالم إلى كيانات كبرى. والملاحظ في هذا الأمر أن الذي يتكتل ويتوحد في الكيانات الكبيرة التي تملك ناصية التقدم العلمي والتقني والاقتصادي، أما الكيانات الصغيرة غير القادرة فلم تجد سبيلًا إلى التوحد بعد. وجود هذه الكيانات الجديدة يزيد المسيطر سيطرة والتابع تبعية. وفي العصر الحاضر. ينقسم العالم قسمين: الأول متقدم في مختلف المجالات. والثاني مختلف في مختلف المجالات، وللتسارع في التقدم تزداد الفجوة بين القسمين. وحيث إننا ننتمي في الوقت الحاضر إلى المتخلفين. فماذا نحن فاعلون؟ إجابة مثل هذا السؤال تنتمي للمستقبل. الأمر الذي يجعل من أهداف التعليم أن يعد المتعلم للأخذ بأسباب السلوك الإيجابي هذا مع المستقبل بمعنى أن نعده لتشوف المستقبل على أساس من الماضي والحاضر. وأن يتخيل صوره المحتملة

انطلاقًا من معطيات الواقع المعاصر والماضي المعاش، وأن يستخدم في سبيل ذلك مختلف الأساليب العلمية للاستطلاع والتحكم والتوجيه الكمي والنوعي، وصولًا إلى تحديد ملامح المستقبل وإعداد المتعلمين للحياة فيه، وفيما يلي نحاول إلقاء بعض الضوء على أهم جوانب هذا الإعداد: 3-1 الملامح العامة للتغيرات المستقبلة ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لمجال التعليم، على وجه العموم: الدراسات المستقبلة امتداد للدراسات التاريخية، وهي ليست تنبؤا يقوم على الرجم بالغيب، ولكنها توقعات علمية يحتمل حدوثها من حيث كونها نتيجة منطقية لدراسة الماضي والحاضر، والتعرف على سنن الكون، إلى استشراف المستقبل وتشوفه، وصولًا إلى بلورة رؤية عنه. وهي توقعات يحتمل وقوعها استمرارًا لحركة التاريخ التي تحكم الواقع، كما أنها تتضمن بدائل وخيارات وأحلامًا نتطلع إلى تحقيقها بالفعل، ولا تغيب هنا إرادة العقل وترجيح بديل على آخر، كما لا يغيب دور الحكم عند الإنسان، والمثل العليا عند المجتمع الإنساني، ويمكن تحديد أهم ملامح التغيير المتوقعة في مجال التعليم -على وجه العموم- على النحو التالي: 1- يتوقع أن تكون المعرفة من العوامل الفارقة بشدة بين المجتمعات, فالتغيرات الهائلة التي تميز عصرنا الحالي تعرض مستقبل الإنسان للخطر: وليس ما يخشى هو مجرد انقسام العالم إلى من يملكون ومن لا يملكون، بل الاتجاه الحالي الذي تسير فيه الإنسانية نحو الانقسام إلى من يعرفون ومن لا يعرفون، ومن يتفوقون بالعلم والمعرفة ومن يتخلفون بالجهل وأمية العصر. والضرر في ذلك عميم يصيب الإنسانية جمعاء. ومن ثم فلا مناص من تربية صحيحة وحقيقية؛ لأن التربية -في هذا الحال- تصبح قدر الإنسان. 2- اهتزاز الأخلاق والقيم: فالمجتمع الحديث يقدم أنواعًا من الأخطار والتهديدات. مثل: انعدام المسئولية الاجتماعية في المجتمعات الاستهلاكية، اهتزاز القيم بسبب مظاهر الظلم وانعدام العدالة، ثورة الشباب على النظم والمؤسسات القائمة لبعدها عن تحقيق حاجاتهم, والاستجابة لمشاعرهم, واحتجاجًا على الفقر والمرض والحروب، وفوق كل ذلك، ضد تسلط نظم الحكم. 3- الدعوة إلى معاهدة تعليم بلا جدران بصورة قوية. فالبعض يدعو إلى إلغاء المدارس والنظم التعليمية بدل إصلاحها بدعوى أنها أصبحت

قديمة ومتآكلة ولم تعد تناسب طبيعة العصر، كما ينادون بنزع الصفة المؤسسية عنها، أو فتحها وإزالة جدرانها ليصبح التعليم حرا ومفتوحًا وليس حكرًا على المدارس والمعاهد والجامعات. وعلى الرغم من أن هذه الدعوة تبدو دعوة جديدة، فلا غنى للإنسان عن الدراسة المنظمة في مؤسسات تربوية متخصصة في نشر العلوم والمعارف بين الأجيال بطريقة منظمة. لذلك، فإنه يتوقع أن تظل هي العامل الحاسم في إعداد الأفراد مساهمة في تنمية مجتمعاتهم، ولتولي الأعمال والمهن المنتجة. وفي المجتمعات الحديثة تدعو الحاجة إلى التعامل مع قدر هائل من المعلومات الواردة من خلال عدد كبير من المصادر بطريقة منظمة، وبواسطة وسائل واستعدادات ومهارات دقيقة ومتخصصة، وهذا الأمر يستدعي وجود نظم للمعرفة تقوم ضمن مؤسسات تربوية وتعليمية وتدريبية، أي: وجود مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز وبحوث. 4- تغيرات متوقعة في بنية التعليم: - يصبح تعليم ما قبل المدرسة الابتدائة جزءًا لا يتجزأ من النظام التعليمي. - تتوسع قاعدة التعليم الابتدائي ويبدأ في سن مبكرة عن ذي قبل. - يبقى التلاميذ في المدارس لفترة أطول. - يزيد بصورة مطردة عدد المسجلين في مراحل التعليم المختلفة. - يزيد عدد المنقطعين عن الدراسة، وكذلك الراسبون. ولا يتوقع أن يبقى أحد دون أن يتعلم مهارة معينة تجعله عضوًا فاعلًا في البيئة المتغيرة، وهذا ينطبق على المنقطعين والراسبين، إلا أن هؤلاء سوف يجدون ضالتهم في أنواع أخرى من التعليم المستمر، وإن لم يفعلوا فإنهم لن يجدوا مكانًا لهم مع الأسوياء. 5- تركيز التعليم على الإنسان نفسه، وعلى التعليم المستمر. لذلك يتوقع أن تستبعد من أي برنامج تربوي أو تعليمي أو تدريبي تلك الاتجاهات التي تدعو إلى أن يكون نشر التعليم مرتبطًا -فقط- بالقدر اللازم لتوفير اليد العاملة المطلوبة، ومن ثم يعمل على تقليص النمو في التربية لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو سياسية، فإن هدف التربية هو تمكين الإنسان من أن "يكون نفسه" ولا يجوز أن يكون هدف التربية إعداد الشباب للعمل في مهن معينة طوال حياتهم، بقدر ما يجب أن يكون تشجيع الحراك المهني والحث على السعي الدائم للتدريب والتعلم

المستمر. ولذلك يجب إعادة النظر في أهداف وطرائق ومضمون التربية دون التخلي عن فكرة نشر التعليم والمعرفة. 6- التركيز على تقدم التربية وتطوير مفاهيمها. فإذا علمنا أن هذه القفزة الهائلة في دنيا العلم والمخترعات لا تزال في بدء عهدها، وإذا أدركنا أن لهذه التقنيات استعمالات سليمة نافعة، وأخرى حربية مدمرة للإنسان ومستقبله، فإن هذا المستقبل سوف يصبح من دون شك رهنا بتقدم التربية وتطوير مفاهيمها. 7- الحاجة إلى مزيد من الترابط بين المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية. هناك اتجاه إلى تأخير عملية اختيار الطالب للتخصص في الفروع المختلفة للدراسة. كما يتوقع أن تتوسع -باستمرار- مناهج الدراسة الفنية والمهنية لمواجهة مطالب سوق العمل. ويلاحظ أن الترابط يزداد بين أنواع المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية. 8- يتوقع اختفاء فكرة النجاح والرسوب المسيطرة على التعليم. فإن فكرة النجاح والرسوب المسيطرة على النظم التربوية في معظم بلدان العالم لم تعد تلائم عصر التغير والإنسانية العلمية والديمقراطية في التربية؛ لأن كل فرد يستطيع أن ينجح في شيء ما إذا ما أتيحت له الفرصة لذلك. وأن فكرة قياس أداء جميع الطلاب بالقياس العام نفسه لا تفيد ولا تحقق شيئًا. ولهذا فإن مفهوم النجاح والرسوب سوف يتغير بمجرد أن تصبح التربية مستمرة، وأن من يفشل في سن معينة ومستوى دراسي معين خلال فترة من فترات تعليمه، سوف يجد حتمًا فرصا أخرى ولن يقضي حياته أسيرًا لفشله. 9- اتساع نطاق التعليم إلى خارج المدرسة، فالمتوقع أن التعليم خارج نطاق المدرسة سوف يتسع وينتشر، سواء على شكل حملات لمكافحة الأمية، أو برامج لتعليم الكبار، أو خدمات ثقافية تقدمها الجامعة، والمعاهد العليا أو خلال برامج الإعلام، أو برامج المنظمات المهنية. 10- يتوقع أن يصبح التخطيط التربوي أساس النظم التربوية، ومن الاتجاهات الملاحظة اليوم في عالم التربية، الارتباط بين برامج التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذا الارتباط يتوقع له أن يكون أكثر وثوقا وأكثر تأثيرًا على النظم التربوية.

3-2 ضرورات مستقبلة في مجال التعليم في العالم العربي بخاصة: وتتلاقى مع الآراء السابقة آراء أخرى تحدد إجراءت معينة لإعداد مسرح التعليم بالعالم العربي للمستقبل، نذكر منها: 1- ضرورة وجود سياسة وطنية في تطوير التعليم؛ لأن الواقع الاجتماعي الاقتصادي التربوي له متطلبات تنبع من طبيعته. ولا يمكن أن يستمد هذا التطور جذوره من مجتمعات مختلفة عن المجتمعات العربية، ولا يمكن أن يستند إرشاد هذه السياسة بتشديد قبضته المركزية. 2- هناك حاجة للبعد عن الإصلاحات الجزئية؛ نظرًا لضعف مردودها على العملية التعليمية، ولا تغير المواقف الرئيسية أو السلوك الأساسي في غرف التدريس. 3- لا يمكن للمدرسة في العالم العربي أن تعمل كمدرسة مجددة إلا بإعادة تجديد البيئة التربوية، وتجسيد الأفكار الجديدة والمستحدثات في عملية التعليم والتعلم. 4- تتعثر المدرسة في مسيرتها نحو تطوير المناهج, والتطوير التربوي بعامة إذا اصطدمت بقوانين وأنظمة ومتطلبات عفا عليها الدهر. لذلك قد يستدعي تطوير المناهج تغييرات في القوانين والأنظمة والامتحانات والسياسات المتعلقة بشئون الموظفين وإنشاء وظائف للدعم على المستوى المحلي والعربي. 5- ينبغي إسهام أصحاب المصالح المختلفة في عملية تطوير المناهج وفتح باب الاتصال معهم، وبخاصة أولياء الأمور والمعلمين والطلاب وإدارة المدرسة والجماعات بالمحيط المحلي, بدءا بتحديد الحاجات إلى عملية التنفيذ والتقويم والمتابعة. 6- مما يساعد في تطوير المناهج، إنشاء ما يلي على المستوى المحلي والعربي. - مراكز لإعداد المعلمين والمديرين ومراكز لتدريبهم أثناء الخدمة. - مراكز لإجراء التجارب والممارسات التجديدية وعرضها. - مراكز للبحث تسهم في إجراء البحوث وفي التقويم، واستحداث المواد التربوية الجديدة وإنتاجها في مراكز يمكن أن تخدم على مستوى العالم العربي. - شبكة منهجية متكاملة للتخطيط والتطوير والتقويم.

مما سبق نتبين أن الدراسات المستقبلة أصبحت هدفًا رئيسا في الحياة المعاصرة بالنسبة لجميع المجتمعات. ولكنها بالنسبة للمجتمعات المتخلفة أشد حاجة، وأكثر إلحاحًا لكي تتبين موضعها في مسيرة الأمم، وتتشوف مصيرها في خضم السباق المحموم المعاصر، وتستشرف خططها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية في ضوء الاحتمالات العلمية للمستقبل. وعالمنا الإسلامي بعامة والعربي بخاصة في حاجة -اليوم- إلى هذه الدراسات أكثر من أي وقت مضى، إذ يبدو أن الكيانات الكبرى التي بدأت تتكون من حوله، أصبحت تتمتع بالقوة الشاملة تربويا واقتصاديا وعلميا وعسكريا، وما لم تحقق بلادنا هذه القوة فإنها ستظل سوقًا لغيرها ومطمعًا لهم. وفي المجال التربوي على وجه الخصوص، تكون الدراسات المستقبلة المستندة على واقع الأمة، وهي أساس التخطيط التربوي عمومًا، وتخطيط المناهج خصوصًا. فلم يعد المعنيون بالتربية يتساءلون عن حاجات الفرد اليوم، ولكنهم يتساءلون عن حاجات الفرد والمجتمع في القريب العاجل والبعيد الآجل، ومن هنا ينطلقون إلى اختيار الخبرات التربوية. ومن بين ما يمكن أن تتصدى له المناهج في هذا الصدد تنمية طرق التفكير العلمي، وأسلوب حل المشكلات، ودراسة الاحتمالات، والسلاسل الزمنية، ولكن الأهم من الجميع هو وجود الدراسات المستقبلة في المناهج الدراسية. فقد ظهر نوع من المناهج حديثًا يمكن تسميته "منهج المستقبل" ينبع من خيارات حرة في عالم المستقبل تعتمد على دراسة الاتجاهات الحالية، وتقدير الآثار الاجتماعية المترتبة عليها، ومحاولة تحقيق مستقبل جيد بناء عليها, ويرى بعض المؤيدين لهذا المنهج أنه ينبغي "تخطيط المستقبل" وليس" التخطيط للمستقبل" هذا، يسهم في تمكين العالم الإسلامي من أن يدرك ركب التقدم المعاصر، بحول الله.

خاتمة الفصل السادس

خاتمة الفصل السادس: في هذا الفصل: حاولنا باختصار تحديد أهم الاتجاهات التربوية الحديثة التي نرى أن تكون من بين أسس تخطيط المناهج، ولقد بدأنا بتحديد أهم الاتجاهات العالمية المعاصرة، نظرًا لما لها من تأثير بالغ على الاتجاهات التربوية المعاصرة. ورغم أن ما يعنينا هنا -بالدرجة الأولى- هو الاتجاهات التربوية المعاصرة في المناهج الدراسية. فقد حاولنا أن نحدد بعض الاتجاهات المعاصرة في كل من سياسة التعليم وتربية المعلم لما لهما من أثر على المناهج, فالأولى هي قاعدة انطلاق جميع النظم التربوية، ومنها المناهج والثانية تتعلق بأهم العناصر القائمة على تنفيذ المناهج. أما بالنسبة للمناهج فقد تناولنا تحديد أهم الاتجاهات المعاصرة، في مجالات ثلاثة هي: الفكري التربوي، والبحث العلمي والتجريب التربوي، والدراسات المستقبلة.

أهم مصادر الفصل السادس

أهم مصادر الفصل السادس: 1- إبراهيم، سعد الدين "محرر". تعليم الأمة العربية في القرن الحادي والعشرين. عمان 12-14/ 5/ 1990م. مسودة التقرير التلخيصي لمشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي "الكارثة والأمل". 2- الديب، بدر "مترجم". آليات التخطيط الشامل للإصلاح التعليمي "وثيقة تعليمية من الولايات المتحدة الأمريكية: "الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1412هـ-1991م. 3- الخميسي, السيد سلامة: التربية وتحديث الإنسان العربي. القاهرة: عالم الكتب، 1988م. 4- رضا، محمد جواد: سياسات التعليم في الخليج العربي، مشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي "ط1". عمان: منتدى الفكر العربي، 1989م. 5- سرور، أحمد فتحي: استراتيجية تطوير التعليم في مصر. القاهرة: وزارة التربية والتعليم 1987م. 6- شوق، محمود أحمد: تطوير المناهج الدراسية "ط1" الرياض: دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، 1416هـ-1995م. 7- شوق، محمود أحمد: "اقتراح بنظام للدراسة بالجامعة الإسلامية" بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة, وندوة التنسيق بين كليات الشريعة "ج3". الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب الرئيس. 1409هـ-1988م.

8- شوق، محمود أحمد، ومحمد مالك محمد سعيد: تربية المعلم للقرن الحادي والعشرين "ط1". الرياض: مكتبة العبيكان. 1416هـ-1995م. 9- طه، حسين جميل: ويوسف عبد المعطي "عرض وتلخيص". تعلم لتكون، عالم التربية اليوم وغدًا، "تقرير اللجنة الدولية لليونسكو". الكويت: مكتبة الفلاح، 1399هـ-1979م. 10- عبد المعطي، يوسف "مترجم". أمة معرضة للخطر, حول حتمية إصلاح التعليم "تقرير لجنة دراسة وسائل تحقيق التفوق والسبق في التعليم في الولايات المتحد الأمريكية"، الرياض مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1404هـ-1984م. 11- علي، سعيد إسماعيل: الأمن التربوي العربي "ط1" القاهرة: عالم الكتب، 1989. 12- هلال، علي الدين: "آفاق المستقبل وتطوير التعليم" مستقبل النظام العالمي وتجارب تطوير التعليم "تحرير سعد الدين إبراهيم وآخرين". عمان: منتدى الفكر العربي، 1989م. 13- "التحديات العلمية والتقنية وآثارها المستقبلية", تقرير لجنة التحديات العلمية والتقنية، القاهرة: رابطة الجامعات الإسلامية، 1996م. 14- تقرير اللجنة المعنية بالثقافة والتنمية، تنوعنا الإبداعي "طبعة موجزة اليونسكو، 1995م. 15 - International Commission on Education for the Twenty First Century Report of the Commission, Preliminary Synthesis UNESCO. Paris, October, 1995.

خاتمة الباب الثاني

خاتمة الباب الثاني: في هذا الباب: عالج المؤلف أهم الأسس العامة لاختيار خبرات المناهج وتنظيمها، وهي خصائص التربية الإسلامية، وخصائص العلم، والتوجيه الإسلامي للعلوم، ثم التطورات التربوية المعاصرة في المناهج الدراسية. ويرى المؤلف أن هذه الأسس هي المنطلق الذي ينبغي أن ينطلق منه اختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها. بمعنى أن جميع الخبرات التي يختارها مخططو المناهج ينبغي أن تحقق خصائص كل من التربية الإسلامية, وتنسجم مع نظرة الإسلام للعلم وتحقيق التوجيه الإسلامي للعلوم، كما ينبغي أن تواكب التطورات التربوية الحديثة في المناهج الدراسية. وكذلك الأمر بالنسبة لتنظيم هذه الخبرات. وكما يتضح من الشكل، فإن المؤلف قد حدد للتربية الإسلامية خصائص أهمها: أنها ربانية المصدر، عالمية الغاية، يشمل أثرها الحياتين الدنيا والآخرة، كما يشمل جميع شئون حياة الإنسان فردا وجماعة ومؤسسات ونظما ومجتمعات وغيرها. في توازن واعتدال، ولهذه التربية أصول ثابتة لا تتغير وفق الزمان والمكان والظروف البيئية، كما أن لها تطبيقات تتغير وفق المتغيرات المحيطة. وبالنسبة للعلم، تناول المؤلف بعض خصائصه المهمة، مثل: أنه كله من عند الله، وأنه لا ينفد، وأن منه ما هو من الوحي ومنه ما هو مكتسب بواسطة الإنسان، وأن غاية اكتسابه هي تطبيقه في الحياة، وأن طالب العلم الذي يجتهد في اكتساب العلم وفي تطبيقه وفق منهج الله يكون مكرما عند الله سبحانه وتعالى، وأن حقائق العلم اليقينية لا تتعارض مع الحقائق الكونية. وبالنسبة للتوجيه الإسلامي للعلوم، قد بين المؤلف الدوافع التي تدعو للأخذ بهذا التوجيه، كما بين مفهومه وأسسه ومنهجه ومعقوقاته. أما بالنسبة للاتجاهات التربوية المعاصرة، فإن المؤلف لم يعتبرها مصدرًا لخبرات المناهج الدراسية، كما يذهب معظم الكاتبين؛ لأنه -يرى أن- صلتها بالمناهج صلة إرشادية تطويرية وليست مصدرية. وبناء على هذه الرؤية. قد حصر هذه الاتجاهات في العناية بتطبيق التقنية في مجال التربية والتعليم، ومتابعة الاتجاهات الحديثة في المناهج بخاصة وفي التربية بعامة, وتأكيدا على أهمية ثقافة المجتمع يرى المؤلف أن من بين الاتجاهات التربوية التي ينبغي الأخذ بها في الوقت الحاضر: تحقيق التربية الإسلامية، والعناية باللغة العربية وبالثقافة الإسلامية.

ويرى المؤلف أن أية خبرات تخالف هذه الأسس ينبغي أن تستبعد من دائرة اختيار خبرات المنهج الدراسي. وهذا يعني أنه عندما يختار مخططو المناهج خبرات المنهج الدراسي أو ينظموها يسألون أنفسهم أربعة أسئلة عن هذه الخبرات، هي: - هل تحقق خصائص التربية الإسلامية؟ - هل تحقق خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي؟ - هل تحقق متطلبات التوجيه الإسلامي للعلوم؟ - هل تواكب التطورات التربوية المعاصرة في مجال المناهج الدراسية؟ وفي حال إجابة كل من الأسئلة السابقة بالإيجاب، يتم اختيار الخبرات ويتم تنظيمها في صورة منهج دراسي. وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن هذه الخبرات تستبعد من الاختيار ومن ثم التنظيم. كما يرى المؤلف أن ما تعانيه المناهج الدراسية -اليوم- في معظم البلدان الإسلامية من تلوث ثقافي وتشوه فكري وانحراف تربوي، إنما يعود -بالدرجة الأولى- إلى عدم الأخذ بهذه الأسس عند اختيار خبرات المناهج الدراسية وعند تنظيمها. الأمر الذي أضعف هويتها الإسلامية، وأخذت تغرف من منابع فكرية غربية عن ثقافة المجتمع, بل مناهض لهذه الثقافة. فنقلت مناهج دراسية عن الغرب -بالدرجة الأولى- رغبة في تحقيق التقدم الذي حدث فيه. ونسي هؤلاء أن التربية عملية مجتمعية لا بد من أن تنبع من عقيدة المجتمع وقيمه. وتراعي طبيعة الحياة فيه وصولًا إلى تقوية بنيته والانطلاق به نحو التقدم. فكانوا بهذا النقل كمن حاول غرس نبات في تربة غير صالحة لغرسه، فأهلك النبات وأفسد التربة. بناء على ما سبق، فإن من أهم أساليب تصحيح مسار هذه المناهج مراعاة الأسس التي أوردها المؤلف في هذا الباب عند اختيار خبرات هذه المناهج وعند تنظيمها. أما مصادر هذه الخبرات فسوف يقدمها المؤلف في الباب التالي، بمشيئة الله تعالى.

الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي

الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي مقدمة الباب الثالث: تناول المؤلف في الباب الثاني أهم الأسس العامة التي ينبغي مراعاتها عند اختيار خبرات المنهج الدراسي وتنظيمها. والتي تستبعد جميع الخبرات التي لا تتفق معها. ويتناول المؤلف في هذا الباب المصادر التي يتخير مخططو المناهج هذه الخبرات، وهي ثلاثة مصادر: الأول: المتعلم, العنصر المستهدف بالتنمية والتوجيه، والذي تدور حوله عملية التعليم والتعلم، والذي تقوم هذه العملية بناء على مدى إحداث التغيير المطلوب في سلوكه، وبناء على تنميته إلى أقصى ما يمكن. وتكون هذه التنمية، تنمية شاملة لجميع جوانب شخصيته، روحيا وجسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا. ولا تؤتي هذه التنمية أكلها ما لم تراع طبيعة المتعلم, وتكوين شخصيته, ووظيفته في الحياة, وخصائص المراحل المختلفة لنموه. ولا تكون هذه التنمية مطلقة بدون قيود، إذ للجميع مطالب بالنسبة للأفراد الذين يعيشون فيه. فالعقيدة السائدة في المجتمع والقيم التي توجه الحياة فيه، والمهارات اللازمة لدفع عجلة تقدمه، والمؤسسات الفاعلة في حراكه مثل: الأسرة والمسجد والنوادي والمؤسسات الإعلامية وغيرها، جميعها لها مطالب في هذه التنمية، ومن ثم تتفاعل معها أخذًا وعطاء. ولذلك فإن المجتمع بما فيه من مقومات تحفظ بنيانه من التفكك, وما يحوي من ثروات طبيعية تحتاج إلى استثمار رشيد، وما يتطلبه هذا من مهارات وغير ذلك من مطالب تشكل المصدر الثاني لخبرات المناهج الدراسية. أما المصدر الثالث: فهو المجال الدراسي. فلكل مجال دراسي طبيعته وبنيته وفروعه وتطبيقاته. فمثلًا، تختلف اللغة العربية في الكيمياء وكلتاهما تختلفان عن الاجتماع. لذلك، فإن خصائص المجال الدراسي وتطبيقاته داخل المدرسة وخارجها، من المصادر الأساسية لخبرات المناهج الدراسية، وكذلك الأمر بالنسبة للثقافة العلمية، والتقنية التي أصبحت ضرورة حياة في الوقت الحاضر. هذه المصادر الثلاثة هي مجال الاهتمام في هذا الباب, على النحو التالي. الفصل السابع: أهم الخصائص المتعلم. الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع. الفصل التاسع: المجال الدراسي والثقافة العلمية والتقنية.

الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم

الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم مقدمة الفصل السابع ... مقدمة الفصل السابع: لقد خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وأودع فيه خصائص معينة تتكامل فيما بينها لتحقق له السيادة على بقية المخلوقات، وتساعده على أداء وظيفته التي كلفه الله بها في الحياة، وكما يتضح من شكل "1" فإن طبيعة الإنسان وتكوينه ومراحل نموه تؤثر في بعضها البعض كما تؤثر جميعها في وظيفة الإنسان في الحياة. وفي هذا الفصل، نعالج كلا من طبيعة الإنسان "المتعلم" وجوانب شخصيته ووظيفته ومراحل نموه، على النحو التالي: شكل "1" أهم مقومات شخصية الإنسان. أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم. ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم. ثالثًا: وظيفة المتعلم في الحياة. رابعًا: أهم مراحل نمو المتعلم.

أولا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم شكل "2" أهم جوانب طبيعة المتعلم. كما يتضح من الشكل فإن من أهم جوانب طبيعة المتعلم ما يلي: أ- أنه مخلوق من تراب: أول جانب من جوانب طبيعة الإنسان أن الله -سبحانه وتعالى- قد خلقه من تراب. فقد خلق الله الناس جميعا أميرهم وغنيهم وفقيرهم، وأسودهم وأبيضهم وطويلهم وقصيرهم وقويهم وضعيفهم وذكرهم وأنثاهم، من تراب. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [غافر: 67] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج: 5] . وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] . وأطوار خلق هؤلاء جميعا واحدة، لا تبديل فيها ولا اختلاف.

قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12-14] . وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [غافر: 67] . ب- فطر الله الإنسان على التوحيد: الجانب الثاني من جوانب طبيعة الإنسان أن الإنسان مفطور على التوحيد، فهو بفطرته يؤمن بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس له كفوا أحد. قال تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: 72] . وقال تعالى: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} [هود: 51] . وقال تعالى: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] . وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} . [الزخرف: 27] . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"؟. ويكمن فهم الفطرة على أنها حالة من السلامة والخير والحنيفية التي إذا ما تركت وشأنها فإنها تصل بصاحبها إلى معرفة الحق تبارك وتعالى، والوقوف على وحدانيته، ومن ثم إفراده بالعبادة، كما تقود صاحبها إلى كل ما جاء به الدين

الحنيف ... ، ويأتي الدين الحنيف ليثبتها ويقويها ويوصلها إلى غاياتها الخيرة التي أودعها الخالق تبارك وتعالى فيها "22، 40". وعقيدة التوحيد التي أساسها العبودية الخالصة لله وحده، هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، نجد هذا في قول الحق تبارك وتعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] . ويوضح محمد شديد أن الفطرة حاجة أساسية من حاجات الإنسان, لا يمكن أن تتوازن شخصية الإنسان إلا بالوفاء بمتطلباتها. وذلك في قوله: العقيدة في الله ليست ترفًا في التفكير، ولا نافلة للنفس، ولا حاشية على هامش الحياة، ولا مظهرًا من مظاهر الخوف أو الضعف، وإنما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وحاجة ملحة للنفس والروح، فإذا تركت ولدت فراغًا في النفس لا يملأ، وجوعة في الروح لا تسد, وخرابًا في الضمير لا يعمر. جـ- الإنسان لديه استعداد لكل من الخير والشر: الجانب الثالث من جوانب طبيعة الإنسان أن لديه استعداد للخير والشر، فقد وردت آيات كثيرة عن صفات الخير فيه وعن قدرته على فعل الخير، قال الحق تبارك وتعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] . وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11] . وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] . وقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} [القصص: 26] . ورغم أن الإنسان مفطور على التوحيد ولديه استعداد للخير، فإن لديه استعدادا لفعل الشر أيضًا، وقد بين الحق تبارك وتعالى هذا في الذكر الحكيم في مواضع كثيرة، في مثل قوله تعالى:

{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11] . وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] . وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] . وقوله تعالى: {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] . د- الإنسان مكرم عند الله: الجانب الرابع من جوانب طبيعة الإنسان أن الله سبحانه وتعالى قد كرمه على سائر المخلوقات، وخلقه في أحسن تقويم. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] . وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] . ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن جعل الملائكة تسجد له: قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71, 72] . ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن خصه باللسان والبيان: قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8-10] . وقال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3، 4] .

ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن استخلفه في الأرض استخلافًا عاما يشمل الأرض كلها، بما فيها من أحياء وجوامد على سطحها وما في بطنها. {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] . وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] . وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] . وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} [يونس: 14] . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [فاطر: 39] . ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن سخر له جميع ما في الأرض وما في السموات. فلقد سخر الله للإنسان جميع مخلوقاته. فالشمس والقمر والنجوم والنبات والطير والحيوان والجماد جميعًا مسخرة لخدمة الإنسان، بل إن دورة الحياة في الكون وتكامل عناصرها -مع اختلاف هذه العناصر- نظمها الله -سبحانه وتعالى- في نسق يساعد على تسخيرها للإنسان. فعلى الماء تتوقف الحياة كلها، وعلى النبات تتوقف حياة الحيوان والطير، وعلى الحيوان والنبات والطير تتوقف حياة الإنسان. قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14] .

وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] . هـ- جعل الله حياة الإنسان موقوتة وخلقه من جنسين فقط: الجانب الخامس لطبيعة الإنسان هو أن حياته موقوتة، فحتى لا يقود الاستخلاف والتسخير إلى حالة من الرغبة في الدنيا والسعي من أجلها والغفلة عن الآخرة، فإن مشيئة الله جعلت هذا كله لأجل مسمى بالنسبة للإنسان. قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36] . وقال تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [هود: 3] . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 2] . وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] . والإنسان الذي خلقه الله وكرمه، وميزه على سائر مخلوقاته، الإنسان الذي علمه الأسماء كلها واستخلفه في الأرض، الإنسان الذي أقامه على قدمين ووهبه البيان هو الإنسان من الجنسين: الإنسان الذكر والإنسان الأنثى، خلقهما الله من نفس واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاْ} [النساء: 1] . وجعل المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض, وكلفهما معا بطاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والزكاة، وخاطبهما معًا ووعدهما بالرحمة والمغفرة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] .

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] . وهكذا نرى أن الإسلام قد جعل من الرجل والمرأة عنصرين متكافئين في كثير من الأمور، فكلاهما مكلف، وكلاهما مأجور على عمله الصالح، وكلاهما عضو نشيط في الحياة يسعى طاعة لربه. والإنسان مخير فيما يمكنه الاختيار فيه، ومسئول عن اختياره: والجانب السادس من جوانب طبيعة الإنسان أنه مخير فيما يقع في حدود قدرته، ومسئول عن اختياره. فلقد خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وميزه عن جميع خلقه بالعقل. وبناء على نعمة العقل، سخر له جميع المخلوقات الأخرى من الحيوان والنبات والجماد. ولا شك أن العقل هو مناط التكليف، والمقياس الذي يميز به الإنسان بين مختلف الأمور التي تعرض له في حياته. وبهذا العقل أصبح الإنسان مؤهلًا لاستقبال الرسالات، وأصبح مسئولًا عن قراره بالنسبة لهذه الرسالات؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] . وفي "صفوة التفاسير"، نجد تفسير هذه الآية على النحو التالي: أي: يناله طريقا الخير والشر، والهدى والضلال؛ ليسلك طريق السعادة ويتجنب طريق الشقاوة. وهكذا يتضح أن الإنسان مؤهل للاختيار بين طريقي الخير والشر، بدليل أن خالقه، قد أعطاه فرصة هذا الاختيار بما أهله به لذلك، وليس هذا فحسب، فإنه سوف يحاسبه على هذا الاختيار، وعدل الخالق -سبحانه وتعالى- لا يمكن أن يقضي بمحاسبة الإنسان على فعل هو ليس مسؤلا عنه, بدليل أنه رفع التكليف عن الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق. مما سبق نستطيع أن نستنتج أن الاختيار بالنسبة للإنسان يقتضي توافر شروط منها:

أن يكون الإنسان ذا عقل ناضج، وأن يكون أمامه بدائل يختار من بينها، وأن يكون الموقف مهيأ لتنفيذ قرار الاختيار بعد اتخاذه. وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي: " ... إذن، ففي المنطقة التي يعرض فيها الفعل على العقل، يفعل أو لا يفعل, فتلك هي المنطقة التي يوجد فيها الاختيار، وهي منطقة التكليف من الله". ويضيف قوله: "إذن، فربط التكليف بالعقل وجودًا ونضجًا يدل عى أن مهمة التكليف هي في الأمر الاختياري الذي يجد الإنسان فيه بديلان: "يفعل" أو "لا يفعل" "6، 213". فالإنسان بما وهبه الله من قدرة على التفكير، وقنوات الاتصال بالعالم من حوله وبصيرة ينفذ بها إلى كبد الحقيقة، يستطيع أن يختار بين الخير والشر، وبين أن يفعل أيهما في وقت ما أو مكان ما، أو لا يفعل. فمثلًا، يختار من بين أنواع الطعام والشراب واللباس، ويختار من مساقات التعليم وأنواعه، ويختر من بين الوظائف، ويختار من بين النساء زوجة, ويختار من بين الرجال صديقا, ويختار من بين المساكن سكنًا. وهناك أمور أخرى لا خيرة للإنسان فيها، فهو بالنسبة لها مسير. فالإنسان لا يستطيع أن يختار تاريخ ولادته أو وفاته، ولا يختار المثول لعذاب القبر أو أن يتجاوزه، ولا أن يدخل الجنة وهو يعمل عمل أهل النار، ولا أن يختار لنفسه لنفسه درجة للحرارة معينة، ولا عددًا معينا لضربات قلبه، ولا يستطيع أن يغير من عدد آذانه أو عيونه أو أنوفه أو ألسنته. كما أنه لا يستطيع أن يختار أمه أو أباه أو أخاه أو أخته، ولا بقية أصلابه أو أرحامه. فهذه الأمور جميعها لا سبيل للإنسان أن يختار فيها، فمنها ما هو فوق قدرة الإنسان مثل عذاب القبر وتاريخ الوفاة. ومنها ما هو من الأنساق الحيوية التي خلقها الله في توازن وتكامل يسهم في استمرار الحياة، ومن ثم أخرجها عن نطاق اختياره، بل إن تدخل الإنسان فيها يكون بهدف تثبيتها على النسق الذي خلقها الله عليه، مثل درجة الحرارة ودقات القلب وعمل كل من الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وبقية أجهزة جسم الإنسان، ومنها ما لا تستقر حياة الفرد والمجتمع إلا باستقراره مثل اختيار الأصلاب والأرحام. ولكن توجد درجة من الحرية لاختيار الإنسان تتعلق بما هو مسير فيه. فمثلًا إن كان الإنسان لا خيار له بالنسبة لفترة حياته فهو مخير في أن يعمل خيرًا أو شرا

ومسئول عن عمره فيما أفناه، وإن كان الإنسان لا خيار له بالنسبة لعدد عينيه أو أذنيه وأنفه ولسانه، فإن له خيارًا في استخدامها في الخير أو الشر، وإن لم يكن له خيار في لون جسمه أو حجمه فإنه مخير في أن يرضى بما هو عليه أو يقنط. وإن لم يكن له خيار في أصلابه وأرحامه فإنه مخير في أن يصلهم أو يقطعهم. وهذه مجرد أمثلة توضح أنه فيما يتعلق بالأمور التي يسير فيها الإنسان توجد مواقف له فيها الخيرة؛ لأنه يستطيع أن يقرر في حدود قدرته العقلية أن يختار بشأنها بين فعل أو آخر. نستطيع -إذن- أن نستنتج أن الإنسان مخير فيما هو مؤهل لاتخاذ قرار راشد بشأنه، ومسير فيما لا علم له به ولا قدرة له عليه، وليس في صالحه ولا صلاح الأمة أن يقدر عليه. بل إن ترك تسييره لمبدع الكون وخالقه هو الأصلح للفرد وللأمة وللناس أجمعين. ولقد حاولنا أن نبين -فيما سبق- أهم جوانب طبيعة المتعلم التي خلقه الله -سبحانه وتعالى- عليها. ويعرف المتخصصون في التربية أن طبيعة المتعلم هي الأساس الأول في الانطلاق به نحو عملية التعليم والتعلم. ومن ثم فإن العلم بهذه الجوانب -وفق التوجيه الإسلامي- هو حجر الزاوية في تربية المتعلم تربية إسلامية. ولذلك، فإن الكاتب جعلها من المصادر المهمة لخبرات المنهج الدراسي. بمعنى أن مخططي المناهج ينبغي أن يختاروا خبرات المناهج الدراسية بحيث تتوافق مع هذه الطبيعة وتتخذ منها منطلقًا لتنمية شخصية المتعلم، وبحيث يجعلونها أساسا لتنظيم هذه الخبرات.

ثانيا: أهم جوانب شخصية المتعلم

ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم من أهم مكونات شخصية الإنسان الروح والجسم والعقل والنفس. وتمثل الروح جوهر صلة الإنسان السوية بخالقه. ولا يعلم كنهها إلا خالقها سبحانه وتعالى، ويمثل العقل مركز التغذيؤ الفكرية والمعرفية ومنطلق الإنسان للكشف عن كوامن الكون. وتمثل النفس المجال الوجداني في الإنسان، ويمثل الجسم مركز الحركة والطاقة، ويحوي قنوات الاتصال بالعالم الخارجي. ولا يمكن النظر إلى هذه المكونات كل في معزل عن الآخر فهي منظومة متفاعلة عناصرها مع بعضها البعض ويؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به، كما يتضح من شكل "3".

شكل "3" أهم مكونات الإنسان. وإذا استعرضنا آراء بعض الكاتبين المسلمين في تكوين الإنسان، نجد الأستاذ المبارك يرى أن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر هي: الجسم والعقل والروح. فيقول: الإنسان الكامل هو من نمت فيه العناصر الثلاثة مع ترتيبها في الأهمية، فالروح أعلى من العقل، والعقل أعلى من الجسم. لذلك فالجسم خادم للعقل، والعقل خادم للروح، فالروح هي التي تؤمن الأخلاق والصلة بالله، والعقل هو الذي يؤمن صلتنا بالأشياء، فهذا ضار وهذا سام، ... وهذا لا يكفي؛ لأنك قد تستعمل السام لنفسك ولغيرك، أما الروح -وهي الصلة الربانية- فهي التي تمنعك "14، 262". ومن دراستنا لوظائف الأعضاء نجد أن العقل هو الذي يترجم الإشارات من الحواس -وهي من المكونات الجسمية- إلى أفعال. وقد يكون نزوع الأفعال إلى الخير أو النشر، طبقًا لتوجيه النفس التي ألهمها الله -سبحانه وتعالى- فجورها وتقواها، كما جاء في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7, 8] . ويوضح لنا القرآن الكريم أن النفس المطمئنة هي التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30] .

كما يبين لنا أن النفس قد تنزع إلى الشر، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53] . وفينا يلي نوضح وجهة نظرنا بالنسبة لمكونات شخصية الإنسان: أ- الجسم: لا ينظر الإسلام إلى جسم الإنسان على أنه -فقط- مجموعة نامية من الخلايا، وأنها تحتاج إلى غذاء لتنمو وتصح، ومن ثم فإن الواجبات التربوية تجاه التربية الجسمية تنحصر في العمل على اكتساب السلوك الصحيح في المأكل والمشرب والملبس، واكتساب الوعي الصحي والاهتمام بالحواس وبممارسة الرياضة البدنية, والعناية بالأعضاء والاهتمام بوظائفها. ولكن -بالإضافة إلى كل ما سبق- فإن الجسم من وجهة نظر الإسلام يحوي أشياء، أخرى مثل الطاقات التي يوظفها الإنسان في حركته, وفي التعبير عن انفعالاته وعن مختلف مشاعره وأحاسيسه. يقول محمد قطب في هذا: ليس المقصود بالجسم في مجال التربية هنا هو عضلاته وحواسه ووشائجه فحسب، وإنما نقصد -كذلك- الطاقة الحيوية المنبثقة من الجسم والمتمثلة في مشاعر النفس. طاقة الدوافع الفطرية والنزوعات والانفعالات.. طاقة الحياة الحسية على أوسع نطاق. "11، 126". ولم يخلق الله الجسم ليكون مجرد وعاء تجمع فيه المكونات الحيوية للإنسان أو مخزنًا للطاقة. ولكن الله -سبحانه وتعالى- حين خلق الجسم بهذه الصورة إنما جعله في أحسن تقويم تكريمًا للإنسان. قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] . وقال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: 64] . فأقام الإنسان على قدمين، وميز كل إنسان ببنانه، ووهبه بيانا بلسانه فاستطاع به أن يفتح آفاقًا رحيبة للاتصال مع غيره من البشر, وهنا تميز الإنسان عن سائر المخلوقات. وفي هذا يقول المبارك: "إذ يميز الله بهاتين الخاصيتين: الأولى، انتصاب القامة وانطلاق اليدين، والثانية اللسان والبيان وتتبعه الكتابة" "14، 261". ويوجه الإسلام إلى العناية بالبدن، واتخاذ الأسباب التي تحافظ عليه قويا قادرًا على أداء مهامه في السعي في مناكب الأرض ليعمرها، والسعي بين الناس بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لتوفير أسباب الحياة له

ولمجتمعه. ويؤكد الإسلام هذا إلى درجة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في قوله -صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير". "صحيح مسلم". ويوجه الإسلام إلى النظافة, فوجه كتاب الله المسلمين إلى أن يأخذوا زينتهم عند الذهاب إلى المساجد, وهم يذهبون إليها خمس مرات، على الأقل، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 21] . وقال -صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل". "متفق عليه". وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان, والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب". "متفق عليه". كما وجه رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- المسلمين أن ينظفوا أسنانهم قبل كل صلاة مفروضة أو نافلة، قال: "لولا أن أشق على أمتي -أو علي الناس- لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ". "متفق عليه". وهذا أمر صريح بالمحافظة على النظافة، فلكي يصلي المسلم لا بد أن يكون متطهرًا، والتطهر يتم بغسل الجسم كله. كما ينبغي أن تكون الثياب - أيضًا- طاهرة، وأن يتوضأ بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح على رأسه وقدميه وينظف أسنانه بالسواك، وهذا يتم خمس مرات -على الأقل- في اليوم، إذا توضأ المسلم لكل صلاة. ويوجه الإسلام إلى التغذية الصحيحة والاعتدال فيها، قال الله تبارك وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] . وقال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه". "رواه أحمد والترمذي".

ويوجه الإسلام إلى الوقاية من الأمراض، لذلك حرم الإسلام المأكولات الضارة تحريمًا صريحًا. فقد جاء في محكم التنزيل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة:] . كما قال عليه السلام: "إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها". "متفق عليه". ومما هو سبق للإسلام في وقاية الإنسان من الأمراض, تحريمه للزنا وللشذوذ الجنسي، وذلك في قوله تعالى عن قوم لوط: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 80، 81] . وقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] . وفي القرن الخامس عشر من نزول القرآن، يوفق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان للكشف عن بعض حكمة هذا التحريم فيكتشف الإنسان أن الشذوذ الجنسي والزنا من أسباب مرض فقدان المناعة "الإيدز". ووقاية للمرأة والرجل من الأذى، وجه الإسلام المسلمين إلى اجتناب النساء أثناء المحيض؛ لأن المرأة تكون منكهة خائرة القوى مفتحة الأعضاء، كما يجعل دم الحيض عملية الاقتراب ذات أثر نفسي سيئ على كلا الطرفين. إضافة إلى هذا، ما قد يسببه دم الحيض للرجل من ضرر. قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] . ويوجه الإسلام الإنسان إلى المحافظة على صحة البيئة. فيأمره بقتل الهوام فيما روت عائشة -رضي الله عنها- في قولها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". "رواه مسلم والبخاري، وزاد "الحية"". وقال أيضًا:

"الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها أماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان ". "متفق عليه". وجاء في الحديث القدسي: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن". "رواه مسلم". ويوجه الإسلام إلى ضرورة الأخذ بأسباب العلاج في حال المرض. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء". "متفق عليه" مما سبق يتبين أن الإسلام قد عنى عناية فائقة بالنمو الجسمي للإنسان عن طريق التغذية السلمية، والعناية بنظافته ووقايته من الأضرار وطلب العلاج مما يصيبه من أمراض، والمحافظة على نظافة البيئة ووقايتها من مسببات الأمراض والأوبئة. ب- العقل: أما العقل في التربية لإسلامية، فإنه ركيزة الاستخلاف. فما كان الله ليستخلف الإنسان في الكون إلا بعد أن كرمه على سائر المخلوقات بنعمة العقل، وما كان ليسخر له كافة المخلوقات الأخرى ما لم يزوده بقوة التفكير والتدبر التي بها يسوس هذه المخلوقات، وما كان الله ليرسل الرسل إلى الناس ما لم يزود عباده بما يميزون به بين الحق والباطل، وما كان الله ليكلف الإنسان بعمارة الأرض ما لم يودع فيه طاقات فكرية تستثمر في عمارتها، وفي عبادته. وقد قال محمد قطب عن العقل في حديثه عن الإنسان: "العقل وسيلته إلى الله وإلى معرفة الحق، ... فيتخذ لذلك وسيلتين: الأولى هي وضع المنهج الصحيح للنظر العقلي، والثانية هي تدبر نواميس الكون وتأمل ما فيها من دقة وارتباط" "11، 92". وتفكير الإنسان في خلق الله يقود بالضرورة إلى الاعتقاد في خالقه، وبقدر ما يستطيع الإنسان أن يكشف من أسرار نواميس الكون وما أودع الخالق فيه من سنن، يتضح له عظمة الخالق وإبداع المبدع. فمجموعات الكواكب التي تسير في نسق بديع، كل في فلكه لا تحيد عنه ولا يتقدم ولا يتأخر. وهذه الأجهزة المتعددة الوظائف المتناغمة الأداء في جسم الإنسان، وهذه المكونات الدقيقة للمركبات المادية من جزيء إلى ذرة إلى نواة إلى ... لا بد لها من نسق لم يستطع العقل البشري الكشف عنه بعد. هذه الأنساق تدل على أن لهذا الكون خالقًا بادئًا له، ومنسقًا لحركته، خالق

عظيم واحد أحد، وهذا هو جوهر التوجيه القرآني للإنسان نحو التفكير في الكون. ولذلك لم يكن هناك أي تعارض بين العلم والإيمان في الإسلام، يقول محمد شديد في هذا: وحين يتفتح القلب على بعض حقائق الوجود يحس أنه أمام تناسق مطلق وجمال معجز وتدبير محير. وقد وصل العلم الحديث إلى معرفة قليل مما في السماء والأرض، فوجد أن هذا القليل محير للعقل البشري لا يملك معه إلا التسليم بوحدة المدبر ووحدة الناموس "5، 77". قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] . وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 20، 21] . فمن الركائز الأساسية في التربية الإسلامية -إذن- أن حياة الإنسان في هذا الكون هي حياة تدبر وإعمال فكر فيما أودع الله في الكون من عناصر، يكلف الإنسان باستثمارها من أجل توفير حياة أفضل لمخلوقات الله. وعناصر باطنة أخفاها الله وجعلها من أسرار هذا الكون, وكلف الإنسان بالكشف عنها لتحقيق حكمة تسخير الله لها لخدمة المخلوقات. ونجد التوجيه القرآني لتدبر خلق الله في مواضع كثيرة: منها: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20] . وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان: 10] . وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27، 28] .

وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] . ومن أهم سمات التوجيه الإسلامي توجيه العقل إلى رفض كل ما لم يقم عليه دليل عقلي أو نقلي. لذلك نجد القرآن يرد تمسك الكفار بدين آبائهم أن آباءهم يعتنقونه، ودون أن يتدبروا فيه بعقولهم. قال تعالى على لسانهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 23] . ويوجه الإسلام العقل إلى منهج تفكير يقوم على التثبت والتقصي قبل الأخذ بالأمر أو الحكم عليه؛ وذلك لأن تأسيس الحكم على جهالة يوقع في الخطأ، ومن ثم يورث الندم. قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] . ويوجه الإسلام العقل إلى أن يفكر الإنسان في حكمة التشريع. تقول عائشة عبد الرحمن في مقالها: "العقل في عقيدتنا لب الإنسان ومناط الرشد والتكليف" "8، 7". العقل في البيان القرآني هو لب الإنسان وفؤاده. لم يأت في القرآن بغير هذه الكلمات الثلاث، القلب بدلالته على العقل، ويكثر أن يجيء بدلالته على العواطف والأهواء، وكذلك الفؤاد والأفئدة، وتتمحص الألباب العقول. فأولو الألباب هم أولو العقول، باستقراء آياتها في القرآن. وعددها ست عشرة آية، مع ملحظ من التوجيه فيها إلى ذوي العقول النيرة الرشيدة، المرجوين للتدبر والتذكر والتقوي والاعتبار. مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] .

وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: 111] . وتضيف: وفي كل حال، لم تأتي في أي موضع منها بدلالتها الحسية العضوية، بل هي جميعها بدلالتها على معنويات الإنسان وعقله وعواطفه وأهوائه، باستقراء آيات القلب مفردًا ومثنى وجميعًا في اثنتين وثلاثين ومائة آية، الفؤاد والأفئدة في ست عشرة آية. وأضافت: ولكي يحافظ الإسلام على العقل، فأنه حرم كل ما يعرقل وظيفته مثل المسكرات. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] . وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كل شراب أسكر فهو حرام". "صحيح البخاري". ويشير سيد قطب إلى عناية الإسلام الفائقة بوظيفة العقل في قوله: وما من دين احتفل بالإدراك البشري، وإيقاظه وتقويم منهجه في النظر واستجابته للعمل، وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة، وتحريره من قيود الكهانة والأسرار المحظورة وصيانته في الوقت من التبدد في غير مجاله، ومن الخبط في التبيه بلا دليل ... ما من دين فعل ذلك كما فعله الإسلام. "10، 49". جـ- النفس: ذكرنا أن الجسم يحوي قنوات اتصال الإنسان بالعالم من حوله، وأن العقل هو مركز الاتصالات الذي يترجم الإشارات الواردة من الخارج إلى سلوك. ونرى أن النفس هي التي توجه هذا السلوك، فإذا كان نزوعها للخير يكون في شخصية المسلم توجه خير, أما إذا كان غير ذلك فإنه يكون في شخصية المسلم توجه شيطاني. ولأهمية النفس أقسم بها الله تبارك وتعالى, وأوضح ما ألهمه أياها من نزوع في قوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10] . ويوضح النزوع الخير للنفس في قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30] .

ويوضح النزوع غير السوي في النفس في قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف: 53] . والنفس في القرآن تطلق على الذات بجملتها "1، 245" بدليل قوله تعالى: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] . وقوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: 111] . وتطلق على الروح وحدها، كما في قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر: 27] . وقوله تعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] . ويرى ابن القيم أن للنفس ثلاثة جوانب: "1، 249". النفس المطمئة بدليل قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27] . وطبقًا لمختصر تفسير الطبري فإن تفسير هذه الآية أن الملائكة تقول لأولياء الله يوم القيامة: يا أيتها النفس التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد به أهل الإيمان في الدنيا. "2، 539". وطبقًا لصفوة التفاسير فإن هذه الآية تعني: يا أيتها النفس الطاهرة الزكية، المطمئنة بوعد الله، التي لا يلحقها اليوم خوف ولا فزع "3، 559". والنفس الثانية هي النفس اللوامة بدليل قوله تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة: 2] . وهناك أقوال كثيرة في النفس اللوامة. "1، 256". قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا يقول: ماذا أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولي، ونحو هذا الكلام.

وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب، ثم تلومه عليه، فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشقي، فإنه لا يلوم نفسه على ذنب بل يلومها على فواته. وقالت طائفة: بل هذا اللوم للنوعين، فإن كل أحد يلوم نفسه بارا كان أم فاجرًا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها. وقالت فرقة أخرى: هذا اللوم يوم القيامة، فإن كل أحد يلوم نفسه، فإن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره. والنفس الثالثة هي النفس الأمارة بالسوء، فهي النفس المذمومة، فإنها تأمر بكل سوء. وهذا من طبيعتها إلا ما وفقها الله وثبتها بإيمانها. فالنفس عند ابن القيم، نفس واحدة وليست ثلاثة أنفس، نف س واحدة لها صفات تسمى باعتبارها: فتسمى "مطمئة" باعتبار طمأنينتها إلى ربها ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، إلى غير ذلك من الصفات الخيرة المتصلة بالله. وتسمى النفس "لوامة" باعتبارها لا تزال تحث صاحبها على طاعة الله مع بذل جهده فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله. وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله ملام اللوام، فهي التي يلومها الله عز وجل. وتسمى النفس "أمارة بالسوء" باعتبارها توسوس لصاحبها بالعمل السيئ. "1، 249". ويقول نجاتي عن جوانب النفس الثلاثة قولا يميل المؤلف إلى الأخذ به: يمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلاثة وهي: النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة على أنها حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من الكمال الإنساني التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي بين الجانبين المادي والروحي. فحين تكون شخصية الإنسان في أدنى مستوياتها الإنسانية بحيث تسيطر عليها الأهواء والشهوات والملذات البدنية فإنها ينطبق عليه وصف "الأمارة بالسوء". وحينما تبلغ الشخصية أعلى مستويات الكمال حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية، فإنها تكون في الحالة التي ينطبق عليها وصف المطمئنة". وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه الإنسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء, ويسعى جاهدًا إلى الامتناع عن ارتكاب ما يغضب الله، ويسبب له تأنيب الضمير، ولكنه لا ينجح دائمًا في مسعاه، فقد يضعف ويقع في الخطيئة، ويطلق على الشخصية في هذا المستوى للنفس "اللوامة" "13، 215-216".

ومما ينبغي ذكره أيضًا أن النفس جانبًا محسوسًا، وهو ما يتصل بالجسم، ولكنها ليست كلها محسوسة. ويمكن فهم النفس في الإسلام بأنها كائن مركب من جانب مغيب لا سبيل للعلم به إلا بتعليم من الله، وجانب مشهود يمكن العلم به علمًا جزئيا، وأقول جزئيا؛ لأن الجانب المحسوس من الإنسان مرتبط بالجانب المغيب، ولا يمكنه فهمه فهما صحيحصا إلا به. "4، 71". وتستخدم كلمة القلب في القرآن بمعنى النفس أو بمعنى العقل. وكذلك الأمر بالنسبة لكلمة الفؤاد. ففي هذا ذكر الدكتور خليل: "4, 59-60". وقد جاء القلب بمعنى النفس الأمارة بالسوء في قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ، لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} [الحجر: 12، 13] . وفي قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الزمر: 45] . وفي قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12] . وفي قوله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] . وفي قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] . وفي قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] . ويذكر الدكتور خليل أن القلب جاء -أيضًا- بمعنى النفس المطمئنة في قوله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الوعد: 28] . ويستعمل القلب فيما هو من عمل النفس في مختلف العواطف والمشاعر والأحاسيس، يتضح هذا في قوله تعالى:

{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12] . وفي قوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر} [الأحزاب: 10] . وفي قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 74] . وقد أتت كلمة القلب فيما نسب للعقل، كما في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] . وفي قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعام: 25] . وتأتي كلمة "الفؤاد" في القرآن بمعنى كلمة "القلب" كما في قوله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120] . وقوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110] . وقوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] . والمؤلف يتفق مع هذه النظرة إلى كل من القلب والفؤاد. ولا يرفض أن يكون لكل منهما تفسير آخر في الحال أو الاستقبال. فقد وضع الله في خلقه من الأسرار والخبايا ما يتفرد وحده بعلمها، ولا يقدر عليها أحد من عباده إلا بإذنه. وجميع التفسيرات التي نقبلها أو نرفضها، وهي بناء على ما علمنا عنها، وعلمنا -لا شك- قاصر. والله وحده الأعلم. د- الروح: أما الروح -في الإسلام- فهي الوازع الديني والحبل المتين الذي يحفظ صلة الإنسان بالله، ويكون حضورًا مستمرا للشعور برقابة الله على تصرفات الإنسان، ودافعًا متجددًا نحو العمل على تقوية العقيدة والالتزام بالشريعة وتأدية الفرائض. وهي ضابط لتصرف الفرد على الطريق المستقيم، موجه لأعماله وأقواله للاستقامة على منهج الله. وهي إحساس غامر بموجود الله بكل صفاته وبعلمه

الأزلي. وهي الطاقة الإيمانية التي تسيطر على السلوك، وتحدد نظرة الإنسان لذاته وللكون والحياة وللنواميس الربانية. وهي في عالم السر الذي يتم فيه الاتصال بدون موصلات مادية أو عبارات أو إشارات. والروح معروف كنهها؛ لأنها من أمر الله عز وجل. يقول مصطفى محمود عن الروح: لذلك نجد أن "تمزق الأرواح سببه الأول اعتقاد أصحابها أنهم يعيشون في عالم بلا إله، وأنهم يبحثون عن عدل دون اعتقاد في عادل، ويحاولون النهوض بحياة يعتقدون أن مصيرها التراب. "12، 18". ويقول محمد قطب عنها: "الروح هي الطاقة التي يتصل بها الإنسان بالمجهول ... بالغيب المحجوب عن الناس". ويضيف: "الروح هي وسيلتنا للاتصال بالله". ويذكر أن من وظائفها: الاستشفاف والحكم التنبؤي والتخاطر "11، 45". أما على القاضي فيقول عن الروح: "الروح هي الطاقة التي يحس الإنسان بها بالغيب المحجوب عن الحواس، ووظيفتها الاتصال بالله -سبحانه وتعالى- فهي قبس من الله عز وجل". وطبقًا لما ذكره الدكتور أحمد شلبي، فإن كلمة الروح قد وردت في القرآن الكريم بثلاثة معان: الأول بمعنى جبريل عليه السلام، وذلك في الآيات، مثل قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] . وقوله تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 87] . وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194] . وقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] . وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] . وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4] .

وفي المعنى الثاني جاءت كلمة الروح بمعنى الوحي بوجه عام والقرآن بصفة خاصة. وذلك في الآيات، مثل قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] . وقوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر: 15] . وقوله تعالى: {كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] . وقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] . وفي المعنى الثالث جاءت كلمة الروح بمنعى القوة التي تحدث الحياة في الكائنات. وذلك في الآيات مثل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 28, 29] وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71, 72] . وقوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91] . وقوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] وقوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] . بناء على ما سبق فإننا نرى أنه لا يمكن أن نخضع الروح للتربية والتوجيه بالمعنى الذي نفهمه في تطبيقاتنا التربوية, فهي قد تتساوى مع النفس من حيث إنها

ثالثا: وظيفة المتعلم

ثالثًا: وظيفة المتعلم وظائف المتعلم الأساسية في الحياة، كما بينها الحق تبارك وتعالى، اثنتان: تشمل الأولى منهما الثانية إلا أننا نعطي الثانية هذه الأهمية لإبرازها فقط. كما يتضح من شكل "4". شكل "4" وظيفة المتعلم.

أ- عبادة الله: الوظيفة الأساسية بل الوظيفة الأم للإنسان في الحياة الدنيا هي عبادة الله. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56, 57] . وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] . وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] . وأهم أسس هذه العبادة ما يلي: 1- الانقياد المطلق لله: فهذا الانقياد هو أساس حياة المسلم، فهو يؤدي الفرائض لله سبحانه وتعالى، ويعمل -أينما يكون، وفي كل حين ومهما كانت طبيعة العمل الذي يعمله- فيكون علمه كله لله -سبحانه وتعالى- ما دام مراعيًا حدود الله فيه ومخلصًا النية لله. ويتسع نطاق العبودية ليشمل جميع ما يفعل الإنسان في سره وعلنه، وما يتلعق منه بذاته وما يتعلق منه بغيره من بني الإنس أو من غير بني الإنس، وما يدخل منه في نطاق الأحياء، وما يدخل منه في نطاق الجوامد والمواد. فهو في كل هذا يؤدي وظيفته الأساسية في الكون. وهي عبادة الله -سبحانه وتعالى- وهي عبادة مختارة، ويختارها الإنسان ويعتز بها ويبذل في سبيلها من نفسه وماله وبنيه وذويه كل رخيص وغال طوعًا، بل يستبق إلى ذلك ما استطاع إليه سبيلًا. ومن ثم فإن حقوق الإنسان وحرياته في تعامله مع الإنسان الآخر والمجتمع والدولة تصبح مرتبطة بعقيدة التوحيد وتربيته عليها. وهذا الانقياد هو القاعدة الكبرى التي يستمد منها المسلم نظام الحياة كله". الفرد في خلوته والناس في جمعهم، في وقت التعبد وفي وقت العمل، في وقت التعامل في تجارة أو صناعة أو سياسة أو حرب أو سلم، في وقت المودة، وفي وقت الخصومة، في كل لحظة من اللحظات يربي الإسلام الفرد على أن تكون صلته بالله، وتعامله مع الله، وخشيته من الله وحبه لله، ورجوعه إلى منهج الله". "11، 41".

قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26، 27] . 2- علاقة المسلم بالله في عبادته له مباشرة، لا وساطة فيها: قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] . وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] . وقال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] . 3- الإله المعبود في الإسلام هو عالم الغيب المحيط بكل شيء علمًا: قال تعالى: {مَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] . وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] . وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7] .

وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] . وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107] . 4- لقد ترك الله للإنسان حرية الاختيار لكن هذه الحرية مقيدة بجدود الله، وكل إنسان سوف يحاسب على اختياره في الآخرة: قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39-41] . وقال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13، 14] . وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] . وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا، وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 7-12] . وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] . وقال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 38-41] . مما سبق يتبين أن مدلول العبادة في الإسلام شامل لا يقتصر على أداء العبادات فقط. فالحياة وحدة لا تنفصل فيها العبادات عن السلوك. ومن أهم

مقوماتها عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد وبملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره. وعبادة هذه مقوماتها لا بد من أن تقود إلى تحكيم شريعة الله والسير على منهجه في القول والعمل. وفي المعاملات والأخلاق. ب- عمارة الأرض: الشق الجزئي من وظيفة الإنسان في الحياة الدنيا -لأنه جزء من عبادة الله- هو عمارة الأرض. فقد استخلف الله تبارك وتعالى الإنسان في الأرض واستعمره فيها. قال تعالى: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62] . وقال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] . وقال تعالى: {لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10] . وقال تعالى: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ} [الأعراف: 74] . وأهم أسس هذه العمارة، ما يلي: 1- إعانة الله -تبارك وتعالى- للإنسان على هذه العمارة بسبل شتى، أهما: عقيدة التوحيد التي توحد طاقة الإنسان في عبوديته لله وحده، وتحرر إرادته من أية رقابة سوى رقابته لله -سبحانه وتعالى- ثم رقابته لنفسه للالتزام بما أحل الله وتجنب ما حرم الله، وتحرر طاقته لاستثمار ما أودع الله في الأرض من خيرات. 2- وأعان الله -تبارك وتعالى- الإنسان على عمارة الأرض بأن أنزل له الشريعة التي تحدد له علاقته مع ربه وعلاقته مع نفسه وعلاقته مع غيره من البشر ومع المجتمع بعامة، وغير ذلك من العلاقات التي بينها الله -تبارك وتعالى- في كتابه الحكيم، وجاءت السنة المطهرة فوضحت

وشرحت وأضافت ما زاد الشرع وضوحًا وانسجامًا مع مقتضايات الحياة في كل عصر ومصر. 3- وأعان الله تبارك وتعالى الإنسان على عمارة الأرض بأن سخر له ما في الكون من سموات وأرض وحيوان ونبات وهواء وماء والشمس والقمر والنجوم وأنساق الكواكب وتراكيب الفضاء، وغيرها مما أودع الله في الكون من عناصر ونظم. 4- وأعان الله تبارك وتعالى الإنسان على عمارة الأرض بأن جعله قادرًا على تحصيل العلم. فأودع فيه السمع والبصر والفؤاد، ووهب العقل الذي به يفكر، واللسان الذي به يعبر، واليد التي بها يتناول، والرجل التي بها يسعى. 5- وأعان الله، تبارك وتعالى، الإنسان على عمارة الأرض بأن أودع فيه من الأجهزة ما يعوضه عما يفقده من طاقة، والأعضاء التي يمكن تعويضها من إنسان لإنسان. فنحن نسمع كل من يوم عن قلب أو كلية أو قرنية أو دم ينقل من إنسان لآخر. أما ترقيع جلد الإنسان من موضع من جسمه لموضع آخر فهذه خاصة أخرى أودعها الله في الإنسان لتساعده على التمتع بالصحة التي تعينه على عمارة الأرض. 6- واستخلاف الله الإنسان في الأرض وتسخير الكون له وإعانته على عمارة الأرض في حياته الدنيا يحاسبه الله عليه في الحياة الآخرة. فكما سبق أن بينا فإن هذه النعمة مثل غيرها -امتحان للإنسان من ربه ليرى ماذا هو صانع بها. فهل يستخدمها في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض؟ أم يستخدمها ليهلك الحرث والنسل والزرع والضرع؟ فإذا عمر الأرض لصالح البشرية كلها تكون خطاه على منهج الله، وإلا فقد حاد عن هذا المنهج. فهذه النعم لا يوفي الإنسان واجب شكر الله عليها إلا باتباع صراطه الحميد. 7- وعمارة الأرض وإن كانت تكليفًا من الحق تبارك وتعالى للإنسان ما دامت الحياة الدنيا وإلى يوم القيامة, إلا أنها بالنسبة للإنسان الفرد موقوتة بأجله في الحياة. وهذا يعني أن على الإنسان أن يستفرغ طاقته وعلمه في العمل على عمارة الأرض دون تأجيل أو تسويف؛ خشية أن يوافيه الموت الذي لا يعلم ميقاته إلا الله -سبحانه وتعالى- وهو لم يؤد الواجب الذي أناطه الله به، وهذه العمارة تعتمد على العلم الذي حض الله على اكتسابه والعمل الذي حض الله الإنسان على الدأب فيه وعلى إحسانه.

8- وللعمل -وفق منهج الله- أسس سوف نحاول فيما يلي أن نوضح أهمها، أما العلم فقد عالجناه في الفصل الرابع من هذا الكتاب بشيء من التفصيل. 8-1 لقد بين الإسلام القدرة في العمل من الأنبياء. فعمل محمد -صلى الله عليه وسلم- بالتجارة ورعي الغنم. وعمل نوح -عليه السلام- نجارًا ليبني سفينته التي أنقذته ومن اتبعه من الغرق، وعمل موسى -عليه السلام- أجيرًا لدى شعيب عليهما السلام، وعمل داود -عليه السلام- بصناعة الحديد، وعمل يوسف -عليه السلام- خازنًا ومتصرفا في أموال عزيز مصر، وعمل زكريا -عليه السلام- بالنجارة. 8-2 تتطلب عمارة الأرض -وفق منهج الله- العمل الدءوب للارتقاء بحياة البشر، والوفاء بحق نعمة تسخير ما في الكون للإنسان ويعمل المسلم مرضاة لله وحبا له ورغبة في ثوابه وخشية من الحساب في الآخرة، وهو يشعر برقابة الله له، في عمله، سواء في السر أو العلن. ويعلم أن العمل في الدنيا زاده ليوم الميعاد الذي لا يعلمه إلا الله. 8-3 يهدف الإسلام إلى عمارة الأرض في أقصى مداها وأفضل أساليبها وأكثر عطائها. لذلك، حث المسلم على العمل الجاد المثمر المتواصل. فالإنسان مكلف بالعمل الكادح ليعمر الأرض، التي جعله الله فيها خليفة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق: 6] . وقال تعالى: {قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] . 8-4 لم يرض الله للمسلمين، أن يعتكفوا في المساجد دون الضرب في مناكب الأرض, واستغلال ثرواتها لصالح البشرية، بل أمرهم بالجمع بين أداء واجبات العبادة، والعمل. فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] .

ووصل اهتمام الدين الحنيف بالعمل إلى درجة حث المسلمين عليه حتى لو أحسوا بقيام الساعة. قال -صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر". "رواه أحمد بن حنبل". عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق بها". "متفق عليه". وقال -صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة". "متفق عليه". وقال -صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". "أخرجه البخاري". 8-5 الإسلام يرغب المسلمين في إتقان عملهم فيجعل لإحسان العمل أجرًا مقررًا من الله تبارك وتعالى، ويحذر من الغش أو الخداع فيه. قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] . وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه". "رواه البيهقي". وقال -صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". "رواه مسلم بن الحجاج وأحمد بن حنبل". 8-6 لا بد من أن يؤسس العمل على النية، فأعمال المسلم لا بد من أن تكون مقصودة، يعملها المسلم وقد عقد العزم عليها، وابتغى بها وجه الله عن إرادة وتصميم وتهيؤ. عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا

يصيبها أو امرأة ينكها فهجرته إلى ما هاجر إليه". "وراه البخاري ومسلم". 8-7 الله يتابع عمل الإنسان ويحاسبه عليه، وأن التغير في حياة البشر ينبغي أن يؤسس على سعيهم لإحداثه، لذلك، فإن تقدم الأمة لا يكون بنقل الخبرة من الغير ولكن باكتسابها، ولا يكون باستيراد أدوات الإنتاج ولكن بصنعها ولا يكون بأخذ التقنية عن الغير ولكن بحيازتها وامتلاكها، ولا يكون بأخذ العلم من الآخرين ولكن بإنتاجه في مراكز البحوث ومعامل الجامعات اختصارًا. باستنفار طاقات الأمة كلها. قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ و ... } [الرعد: 11] . وقال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39-41] . 8-8 رغم تكليف الإنسان بالكدح في الحياة الدنيا للوفاء بأمانة الاستخلاف في الأرض وعمارتها, إلا أن الخالق هو الأعلم بقدرات خلقه. لذلك فإن منهج الله قد التزم بالواقعية في هذا التكليف فلم يطلب من الإنسان فوق طاقته أو قدرته. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الأعراف: 42] . وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] .

وقال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا..} [الطلاق:7] . 8-9 إن تحرر إرادة الإنسان تعتمد -إلى حد كبير- على عدم حاجته إلى أحد إلا الله, سبحانه وتعالى. ولا شك أن في سؤال الإنسان لأخيه لعطاء دون مقابل فيه مهانة للسائل وإنزال لقدره. وقال -صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة". "متفق عليه". يتضح مما سبق أن وظيفة الإنسان في الحياة الدنيا هي عبادة الله بما في ذلك عمارة الأرض. ولهذه العبادة أسس. وكذلك الأمر بالنسبة لعمارة الأرض. ومقومات هذا كله من بين مصادر خبرات المناهج الدراسية. ومن ثم فإن مراعاتها في اختيار هذه الخبرات وفي تنظيمها من بين واجبات مخططي المناهج.

رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم

رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم مدخل ... رابعًا: أهم خصائص نمو المتعلم يمر الإنسان منذ تكوينه في مراحل نمو مختلفة، لكل منها خصائص جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية ينبغي أن تراعى عند تربية الإنسان وتوجيه نموه. ولقد سبق الإسلام في العناية بالفرد من قبل تكوينه كما عني عناية فائقة بإتاحة الفرصة لنموه النمو السليم. وفيما يلي نحاول تحديد. مختلف مراحل نمو الإنسان، لتكون من بين مصادر خبرات المناهج الدراسية. وكما يتضح من الشكل التالي فقد قسمنا مراحل نمو الإنسان إلى عشرة مراحل، هي: شكل "5" مراحل نمو المتعلم.

أ- مرحلة التكوين. ب- مرحلة الرضاعة. "0-2". جـ- مرحلة الطفولة. "2-7". د- مرحلة التمييز. "7-14". هـ- مرحلة البلوغ. "14-21". ومرحلة الشباب. "21-40". ز- مرحلة الرشد. "40-60". ح- مرحلة الشيخوخة "60-80". ك- مرحلة الكهولة. "80-100". ل- مرحلة أرذل العمر "100-+".

مرحلة التكوين

أ- مرحلة التكوين: إذا فهمنا التربية بأنها -في جوهرها- عملية مقصودة لتنميه الفرد وتوجيه سلوكه بهدف تحقيق أهداف معينة، وأن المؤسسات التربوية ينبغي أن تتخذ كافة السبل لإحداث تلكم التنمية وذلكم التوجيه، فإنا نجد أن نظرة الإسلام إلى تربية الفرد غير مسبوقة في أنها بدأت العناية بالفرد قبل تكوينه في حين وجهت اهتماما خاصا إلى مرحلة التهيئة للتكوين السليم قبل الزواج، حيث يتم فيها اختيار الزوج لزوجته والزوجة لزوجها، والأساس الأول للاختيار في الحالين -وفق نظرة الإسلام- هو التمسك بمنهج الله. فقال قال -صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". "متفق عليه". وقال -صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". "رواه الترمذي". وإذا كان كل من الزوجين على دين، فإن كل طرف منهما سوف يتقي الله في معاملته للطرف الآخر. وفي رعايته له، وفي تربية أولاده، وفي التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي البعد عن المحرمات مثل شرب المسكرات وتبديد المال والتحيز لبعض الأولاد، إلى غير ذلك من دروب التمسك بالعمل الصالح، والبعد عن جميع ما يحيد عنه. وأسرة هذا شأنها تكون منبتا حسنا للأولاد. إضافة إلى ما تقدم. فإن العلم الحديث يضيف كل يوم جديدًا لأثر الوراثة التي يورثها الآباء والأجداد والأسلاف للأولاد من حيث الخصائص الجسمية والأمراض، وغير ذلك من مكونات الشخصية. وهذا يوضح الحكمة من توجيه الله للمسلمين إلى دقة الاختيار، والاختيار من ذوي الدين لما لذلك من أثر في نقاء الجسم والعقل والنفس من الأدران، والبوائق. ومن أهم جوانب حرص الإسلام على تكوين الجنين تكوينا سليمًا أن خص المرأة الحامل بحقوق تكفل لها الراحة البدنية والنفسية. والتغذية المناسبة، والرعاية الصحية الملائمة. كما رخص للحامل بالفطر في رمضان مع القضاء عند الاستطاعة. وغير ذلك من الحقوق التي نبعت من مفهوم الإسلام عن الإنسان والكون والحياة، والتي تهيئ للجنين التكوين السليم.

مرحلة الرضاعة

ب- مرحلة الرضاعة "0-2 ". وتمتد من لحظة الولادة إلى أن يتم الطفل سنتين كاملتين من العمر. وحرصًا على الرضاعة الطبيعية، يؤكد الإسلام على ضرورة إعطاء الأمهات أجورهن عن الرضاعة، كما يؤكد على ضرورة إيجاد مرضعة أخرى للطفل إذا لم ترضعه أمه، وأن تكون الرضاعة حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة. قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] . كما قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] . ومن عناية الإسلام بالطفل في مرحلتي الحمل والرضاعة أنه رخص للحامل وللمرضع بالإفطار في الصوم إذا لم يطيقانه مع القضاء عند الاستطاعة. كما وجه رسول الله بتأجيل الحد عن الحامل حتى تكفل وليدها. ومما يوضح حكمة تأكيد الإسلام على ضرورة رضاعة الطفل رضاعة طبيعية ما يتنادى به الأطباء في عصرنا هذا أن الرضاعة الطبيعية للطفل وقاية له من الكثير من الأمراض، وأفضل له من حيث نموه مما سواها. وما يوضح أهمية عناية الإسلام بتوفير المرضعة المناسبة للطفل في هذه المرحلة، حتي تعنى بالوفاء بحاجاته الأساسية، وبراحته ونظافته ... ما أكدته بحوث الأطفال من أن صلة الطفل بالعالم الخارجي في هذه المرحلة تكون من خلال حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب وإخراج وراحة وشعور بالأمان. وإذا ما توافرت هذه الحاجات تكون مرتكزات طمأنينته وسعادته قد توافرت.

ونلاحظ أن الطفل في السنة الأولى من عمره، يكون اتصاله بالعالم الخارجي عن طريق فمه -بالدرجة الأولى- ويكون دور الحواس -باستثناء السمع- ضعيفًا جدا. وحتى السمع في هذه المرحلة لا يؤدي وظيفته بصورة فعاله، إذ أن نسبة كبيرة من الأطفال في هذه المرحلة لا يميزون الأصوات، إلا أصوات من لهم بهم صلة وثيقة مثل الأم، أما حاسة اللمس فإنها لا تؤدي دورها بصورة جيدة، وخاصة في بداية المرحلة. ولذا نجد الطفل يتحسس عالمه الخارجي باللمس باليد عشوائيا, ثم يتحسن بتقدم عمره، وكذلك الأمر بالنسبة للحواس الأخرى. مما سبق نستطيع أن نستنتج أن أكثر المؤثرات على الطفل في هذه المرحلة هو ثدي المرضعة الذي لا يمده فقط بالغذاء، ولكن أيضًا بالشعور بالأمان. وهنا تتضح حكمة الإسلام في التدقيق في اختيار المرضعة، وفي عنايته الخاصة بحاضنة الطفل في هذه المرحلة، وفي العناية الخاصة بالطفل نفسه، لما لهذه الفترة من تأثير كبير على نموه الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي. ويستهوي الطفل في هذه المرحلة، الألوان الفاقعة مثل الأحمر والأصفر، وتستهويه الأجسام الكبيرة نسبيا, والأجسام المتحركة حركة بطيئة، كما تستهويه الأصوات المعتدلة ذات الإيقاع المنتظم. لذلك ينبغي مراعاة هذا عند اختيار خبرات المنهج الدراسي. بناء على ما سبق، فإن عناية مخططي المناهج الدراسية للطفل في هذه المرحلة تتركز بالدرجة الأولى في العمل على توافر التغذية المناسبة والنظافة التامة لجسمه وملابسه وفراشه, والبيئة الصالحة لنموه المتكامل، ووقايته من التغيرات المفاجئة والحادة ومن الأخطار، والعمل على علاج ما قد يظهر من أعراض غير مرغوب فيها، وإحاطته بعوامل الشعور بالأمن والأمان والاستقرار الانفعالي، وتوفير فرص الحركة المناسبة وفرص اكتساب بعض العادات السليمة.

مرحلة الطفولة

جـ- مرحلة الطفولة: "2-7". يدرك المتخصصون في التربية وعلم النفس خطورة هذه المرحلة على تكوين القيم والاتجاهات والميول عند الأطفال. ففي هذه المرحلة يتكون لدى الطفل المفاهيم الأساسية عن الدين والحياة والمعرفة. وفي هذه المرحلة يكون دور الأسرة عظيمًا, فالأسرة هي التي يمكن أن توجه الطفل إلى مزالق خطرة في العقيدة أو تتركه على فطرة التوحيد، وهي التي توفر المناخ المناسب لنمو الطفل الروحي والجسمي والعقلي والاجتماعي أو يكون المناخ غير ذلك كله. وفي هذه المرحلة ينبغي أن يتاح للطفل جو من المرح, وأن يكتسب المعرفة والسلوك من خلال اللعب المحبب إليه, وفي جو من الحنو والعطف.

وقد ضرب الرسول عليه الصلاة والسلام لنا أمثلة لهذا الحنو نذكر منها، فيما روى عنه أنه ذهب يومًا إلى المسجد وهو يحمل أمامة بنت أبي العاص فصلى، فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها. "فتح الباري بشرح البخاري". وفي هذه المرحلة تتكون أساسيات شخصية الطفل. فمن حيث النمو الجسمي، فإن النمو الحواس يكتمل تقريبًا. وفي أول المرحلة يكون الطفل قد بدأ المشي والكلام والسيطرة على عضلاته، وينتقل من المشي إلى الجري، ومن الحركة غير المنتظمة وغير الثابتة إلى الحركة المستقرة الثابتة، وفي هذه المرحلة يستطيع التنسيق الحركي، فيركب الدراجة ويقفز ويتابع إيقاع الأصواب بحركة جسمه، وفي أثناء السنة الرابعة يبدأ في السيطرة على القلم وبالتدريج يستطيع السيطرة على عضلاته. ومن حيث النمو العقلي، فإن الطفل يبدأ في فهم بعض الإرشادات وتنفيذها والبعض منهم يستطيع ذلك قبل سن الثانية، وفي بداية هذه المرحلة يستطيع الطفل أن يتعلم بعض العلاقات مثل "أمام" و"خلف" و"أكبر" و"أصغر" و ... ، وفي أثناء السنة الرابعة يستطيع أن يقوم بتلوين المساحات الواسعة، كما يمكنه كتابة الحروف والأعداد بحجم كبير، وأن يقارن بين الفراغات والحجوم، وأن يتعلم بعض المهارات العقلية البسيطة، والمهارات الحركية. ولكن ينبغي التنبه -هنا- أنه لا يزال غير قادر على تركيز انتباهه لفترة طويلة. ومن أهم خصائص هذه المرحلة قدرة الطفل على التخيل، وعلى الحفظ السريع للمواد التعليمية المنظومة، وبخاصة إذا ما قدمت من خلال مخاطبة أكثر من حاسة من حواسه الخمس. أما بالنسبة للنمو النفسي، فإن الطفل في هذه المرحلة تتركز اهتماماته حول ذاته، فهو أناني يحب ما يحقق أهدافه الخاصة بغض النظر عن أثره على الغير، ويكره ما يتعارض مع رغباته، ويكون متقلب المزاج سريع الخاطر. ولكن في نهاية هذه المرحلة تبدأ انفعالاته في الاستقرار. وبقدر الأهمية البالغة لهذه المرحلة في تكوين الطفل ينبغي أن يتحمل مخططو المناهج المسئولية عن تنميته تنمية متكاملة في جميع مجالات النمو الجسمي والعقلي والنفسي1.

_ 1 للتوسع ارجع إلى كتاب المؤلف: أساسيات المناهج الدراسية ومهماتها. الرياض: دار عالم الكتب، 1415هـ-1995م.

مرحلة التمييز

د- مرحلة التمييز: "7-14": في هذه المرحلة يكون النضج العقلي قد أصبح مهيأ لعملية تعلم مقصودة، ويكون النمو النفسي أكثر استقرارًا, بحيث يسمح بتحمل التوجيهات والأوامر والنواهي دون أن يولد انفعالات حادة بالمقارنة لما كان سابقًا. ويبدأ، في سن السابعة، تكليف الصبي بالصلاة، فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله بالنسبة لتكليف الصبية بالصلاة: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين, وفرقوا بينهم في المضاجع ". "رواه أحمد وأبو داود". وغني عن القول أن تعلم الصبي ما يرغبه في الصلاة, وكيفية أدائها يسبق قيامه بأدائها الفعلي. وهنا مؤشر أن عملية التعلم بالنسبة لهذا الطفل تسبق سن السابعة، وأنه في سن العاشرة يحاسب الطفل بدقة على أفعالة؛ لأنه قد أصبح في درجة من النضج النسبي الذي يؤهله للتمييز. وفي هذه المرحلة يبدأ الطفل في النمو الجنسي، إذ قد يبدأ في المراهقة فتبدأ القدرة على الأبوة في الظهور عند الذكر وتظهر على الأنثى الخصائص المؤهلة للأمومة. لذلك، فقد وجه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الفصل بين الصبي والفتاة في المضاجع. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين: إحداهما تشمل السنوات "7-10"، وهذه أقرب إلى "مرحلة الطفولة"، والثانية تشمل السنوات "10-14 "، وتتميز هذه ببعض الخصائص التي تختلف عن الأولى. ولكننا سوف ننظر إلى المرحلة نظرة متكاملة إلا في حال ضرورة التمييز بينهما: 1- النمو الجسمي في مرحلة التمييز: يتدرج الطفل، في هذه المرحلة، نحو التحكم الأوثق في حركة عضلاته ولكن لا يتضح الفرق في هذه القدرة عنه في مرحلة الطفولة إلا قرب نهاية المرحلة، كما يكون الطفل كثير الحركة، كثير القفز والعدو. ويلاحظ أن نمو الحواس عمومًا يتجه هو الآخر إلى النضج, فنجد أن الذوق واللمس قد وصلا إلى النضج الكامل تقريبًا، ورغم أن طول النظر لا يزال من خصائص البصر في الفترة الأولى من المرحلة، إلا أنه يقترب من النضج في الفترة الثانية منها، أما السمع والشم فينضجان تمامًا بنهاية الفترة الثانية.

2- النمو العقلي في مرحلة التمييز: لا يزال الطفل في هذه المرحلة غير قادر على استيعاب الأفكار المجردة، ولا يزال يرتبط تعلمه بالمحسوسات -بالدرجة الأولى- وبخاصة في الفترة الأولى من المرحلة. ولا يزال يتميز بالقدرة على الحفظ وبخاصة بالنسبة للمواد المنظومة. كما أنه لا يزال غير قادر على التركيز لفترة طويلة، وتقل قدرته على التخيل في الفترة الثانية عنها في الفترة الأولى من المرحلة، وفي نهاية هذه المرحلة، تظهر قدرة الطفل على التعميم طبقًا لخاصة معينة، ويتحول حبه للاستطلاع من التعرف على الأشياء إلى التعرف على أسباب الظواهر، وتنمو قدرته على التذكر المبني على الربط بين الأشياء والمواقف. بناء على ما حدث في النمو العقلي للطفل في هذه المرحلة، فإن خبرات المنهج ينبغي أن تتخذ المواقف العملية, والمشاهدات الواقعية والمواد المنظومة واللعب والنشاط الجماعي مدخلًا للتعلم. 3- النمو النفسي في مرحلة التمييز: عرفنا أن انفعالات الطفل في المرحلة السابقة تتركز حول حاجاته ورغباته الشخصية. وتظل كذلك في هذه المرحلة, ولكن تتجه حدتها نحو الهبوط. وإذ يتعلم الطفل كيف يضبط انفعالاته في نهاية المرحلة وتتحرر هذه الانفعالات نسبيا فإنها تظل حادة نسبيا في الفترة الأولى, وترتبط -أساسًا- بعدم شعور الطفل بالأمان. وتتغير أساليب التعبير عن الانفعال. فبعد أن كان البكاء هو التعبير عن الغضب في المرحلة السابقة. فإن التعبير عنه في هذه المرحلة يتم بأساليب مختلفة منها تكسير الأشياء أو إخفاؤها انتقاما من الكبار. وقد يبادر الطفل بالعدوان تعبيرًا عن الخوف، كأن يهجم على أبيه أو أخيه ليوسعه ضربًا تعبيرًا عن خشيته من أن يضرباه، كما أنه قد يعتدي على غيره لينفس عن انفعالاته، وأشد أنواع الانفعال التي تجعل الطفل ينسحب من الجماعة وينطوي على ذاته، نتيجة لعدم شعوره بالأمان بالنسبة لمن حوله. 4- النمو الاجتماعي: يقتصر مجتمع الطفل في مرحلة الطفولة على مجتمعه المباشر -بالدرجة الأولى- وهو الأسرة والرفاق في المدرسة. ففي بداية هذه المرحلة يقتصر مجتمع الطفل على مصادر الوفاء بحاجاته الأساسية. وأهمهم الأم والأب، ثم الإخوة والأخوات، ويتسع المجتمع بعد ذلك ليشمل أطفال الأسر المجاورة من رفاق اللعب، ومن يظهر عاطفة حب قوية نحو الطفل من الكبار. وأما بالنسبة لمجتمعه في المدرسة

فغالبًا يكون محدودًا بمن يتصلون به مباشرة من رفاقه في حجرة الدراسة والمدرسة. والطفل في هذه المرحلة لا يرتبط بمجتمعات أخرى ارتباطًا مستمرا. فغالبًا ما تكون علاقاته وقتية ترتبط بظروفها وتنتهي بانتهاء هذه الظروف. وفي بداية هذه المرحلة يكون الطفل مهتما بذاته. ولكن في نهايتها يتضح اهتمامه بتكوين جماعات اللعب. وفي نهاية مرحلة التمييز تبدأ الحدود بين البنين والبنات في الظهور، كما يقوى الانتماء إلى جماعات اللعب، وتكون المنافسة جماعية، ويصبح الطفل مهتما بشئونه الخاصة, ويظهر بعض العناد، ويتوقع ممن يتعامل معه أن يقدره ويقدر جماعة أصدقائه، ورغم هذا فإنه يتقبل النقد من جماعة اللعب أو من أفرادها. وفي نهاية هذه المرحلة يبدأ الميل إلى الجنس الآخر في الظهور، وإن كان هذا الميل يبدأ في شكل الرفض وعدم التقبل تغطية لهذا الميل الجديد. كما يتضح الاهتمام بالخدمة العامة مدخلًا لإثبات الذات وجذب أنظار الآخرين، والحصول على اعترافهم به وتقديرهم له.

مرحلة البلوغ أو الرشد

هـ- مرحلة البلوغ أو الرشد: "14-21". هذه المرحلة قد تبدأ قبل السنة الرابعة عشرة، فقد تبدأ مرحلة البلوغ في الحادية عشرة بالنسبة للذكور، وقد تبدأ قبل ذلك بالنسبة للفتيات، وقد تتأخر عن الخامسة عشرة. وعل كل حال، فإن ظهور علامات البلوغ هي المؤشر الحقيقي لبداية مرحلة البلوغ تلك، وهي بداية الاحتلام عند الذكر والحيض عند الأنثى، ويأخذ الذكر شكل الرجال وتأخذ الأنثى شكل الإناث. وقد وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أبناء هذه المرحلة بخاصة, وأبناء المراحل التالية بعامة قوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، من لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". "صحيح مسلم". ونظرًا للنمو السريع في هذه المرحلة، ونظرًا للحساسية الانفعالية في بدايتها، وتناقض تصرفات أبنائها بين الطفولة والرجولة، فإن توجيه هؤلاء ينبغي أن يتم بصورة مقبولة لديهم، كما أن للأصدقاء أثرًا كبيرًا عليهم. وقد حذر رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- من أثر قرناء السوء في قوله -صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير, فحامل المسك إما يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة". "رواه البخاري".

مرحلة الشباب

ومرحلة الشباب: "21-40". هذه المرحلة هي مرحلة بلوغ الأشد، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] . وهي المرحلة التي يبلغ فيها الفرد النضج الجسمي بحيث يكون قادرًا على تكوين أسرة. يقول الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ} [الأحقاف: 15] . في هذه المرحلة يتم نضج الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ويكون عطاؤه في ذروته من حيث القوة البدنية, ومن حيث القدرة على التفكير ومن حيث الاستقرار الانفعالي. ويأتي بعد ذلك مرحلة النضج ونقدرها بين السنوات "40-60" على وجه التقريب، وهذه هي المرحلة التي تلقى محمد -صلى الله عليه وسلم- الرسالة في بدايتها، وتتلو مرحلة الشيخوخة هذه المرحلة، وتأتي فيما بعد الستين. وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذه المرحلة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [غافر: 67] . وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [النحل: 70] . وقد استعاذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مرحلة أرذل العمر هذه. روى البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو: "أعوذ بالله من البخل والكسل وأرذل العمر, وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات". "رواه البخاري".

خاتمة الفصل السابع

خاتمة الفصل السابع: في هذا الفصل: تناولنا أهم خصائص المتعلم من خلال نظرة الإسلام إلى الإنسان. وذلك من حيث طبيعته ومكونات شخصيته ووظيفته وخصائص نموه في المراحل المختلفة. وبينا أن أهم جوانب طبيعة المتعلم أنه مخلوق من تراب وأنه مفطور على التوحيد, وأن لديه توجهات للخير ونوازع للشر، وأن حياته في الدنيا موقوتة, وأنه قادر على الاختيار ومسئول عن اختياره. وبينا أن شخصيته تتكون من الجسم والعقل والنفس والروح، وأن وظيفته في الحياة هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وأنه يمر في نموه بمراحل أهمها الطفولة والتمييز والبلوغ, ولكل من هذه المراحل خصائص جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية. ويدرك التربويون أن خصائص المتعلم هذه من أهم مصادر خبرات المنهج الدراسي. ولذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية الذين يرغبون في توجيه هذه المناهج توجيهًا إسلاميا، عليهم أن يجعلوا هذه الخصائص معينا لخبرات مناهجهم فإن هذا خير عون لهم -بعد الله- على تربية المتعلمين تربية إسلامية.

أهم مصادر الفصل السابع

أهم مصادر الفصل السابع: في هذا الفصل: تناولنا أهم خصائص المتعلم من خلال نظرة الإسلام إلى الإنسان. وذلك من حيث طبيعته ومكونات شخصيته ووظيفته وخصائص نموه في المراحل المختلفة. وبينا أن أهم جوانب طبيعة المتعلم أنه مخلوق من تراب وأنه مفطور على التوحيد, وأن لديه توجهات للخير ونوازع للشر، وأن حياته في الدنيا موقوتة, وأنه قادر على الاختيار ومسئول عن اختياره. وبينا أن شخصيته تتكون من الجسم والعقل والنفس والروح، وأن وظيفته في الحياة هي عبادة الله سبحانه وتعالى، وأنه يمر في نموه بمراحل أهمها الطفولة والتمييز والبلوغ, ولكل من هذه المراحل خصائص جسمية ونفسية وعقلية واجتماعية. ويدرك التربويون أن خصائص المتعلم هذه من أهم مصادر خبرات المنهج الدراسي. ولذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية الذين يرغبون في توجيه هذه المناهج توجيهًا إسلاميا، عليهم أن يجعلوا هذه الخصائص معينا لخبرات مناهجهم فإن هذا خير عون لهم -بعد الله- على تربية المتعلمين تربية إسلامية.

الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم

الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم مقدمة الفصل الثامن: يختلف الكاتبون في اشتقاق خصائص المجتمع المسلم لثراء المصادر، وكفاية الأدلة واختلاف أهداف الاشتقاق. وليس من أهدافنا استقصاء آراء الكاتبين في هذه الخصائص, ولا هو حصر هذه الخصائص، بناء على منهج معين لتحديدها، ولكن هدفنا هو تحديد أهمها بناء على الهدف من هذا الكتاب، وهو في مجمله حصر أهم خصائص المجتمع التي يمكن أن تكون مصدرًا لبناء مناهج دراسية غايتها تربية الفرد تربية إسلامية. وسوف نعنى، إن شاء الله، بالكليات دون التفاصيل. وتبني المقومات الأساسية لنظرة الإسلام للمجتمع، على نظرة الإسلام لكل من الإنسان والكون والحياة والمعرفة، فللإسلام في هذا كله نظرة تتفق مع طبيعة هذا الدين القيم. فالإنسان الذي يقول البعض أن سر وجوده هو الارتقاء من فصيلة أخرى، تعلمنا التربية الإسلامية أن الله سبحانه وتعالى خلقه من سلالة من طين. والكون الذي يرى البعض أن الطبيعة أوجدته، تعلمنا التربية الإسلامية أنه -بما فيه من أنساق ونواميس ومجرات وأحياء- من خلق الله سبحانه وتعالى. والحياة التى لا ترى تربيات كثيرة فيها سوى بعدها الدنيوي، ومن ثم تركز على أسباب الحياة ووسائلها ومادياتها ومتعها وصولًا إلى المتاع فيها وانتهاء بها، فإن التربية الإسلامية تجعلها تمتد إلى الحياة الأخرى، فتصبح الحياة الدنيا معبرًا لحياة أخرى، وعلى الإنسان أن يعمل للأولى كأنه يعيش فيها أبدًا، وأن يعمل للأخرى كأنه يموت غدًا. وللمعرفة -أيضًا- في الإسلام مفهوم خاص من حيث إنها من عند الله، وأنها لا تنفد وأنها تعنى بالمغيب والمشهود, وغير ذلك من الخصائص التي لا يتسع المجال لذكرها. واستقراء لنظرة الإسلام للمجتمع، فإن المؤلف يرى أن أهم خصائص المجتمع المسلم تتلخص فيما يلي: أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد. ثانيًا: الحكم بما أنزل الله على أساس الأخذ بالشورى والالتزام بالعدل. ثالثًا: الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رابعًا: تكوين الأسرة المسلمة. خامسًا: تحقيق التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي، بين المسلمين. سادسًا: متابعة الاجتهاد، لتقديم حلول لما لم يرد فيه نص. سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله. ثامنًا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع, والعمل على الارتقاء بالحياة فيه.

أولا: ترسيخ عقيدة التوحيد

أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد أخص ما يتميز به المجتمع المسلم أنه مجتمع العقيدة، عليها يقوم بناؤه ومنها تنبثق روابطه وقيمه وضوابط سلوكه، وبقدر ما تكون قوة العقيدة في المجتمع يكون المجتمع قويا، وبقدر ما تضعف هذه العقيدة يكون ضعفه "7، 700". وهكذا تكون العقيدة الإسلامية هي الرواسي التي تحفظ المجتمع الإسلامي من أن يهتز. وهي التي تجعل منه بنية قوية دعائمها، راسخة أركانها، ثابتة قواعدها. والعقيدة "بمفهومها اللغوي ومفهومها الاصطلاحي" تعني الحكم المستقر الذي لا يقبل الشك عند معتقده "7، 701" وهي بذلك, القوة الدافعة التي تحفظ توجه الإنسان إلى الله وحده لا شريك له, وهي الطاقة الإيمانية المتجددة لدى الأفراد، وهي حبل الله المتين الذي يحفظ وحدة المجتمع وتماسكه على طريق الهدى والرشاد. وللعقيدة مقتضيات: "7، 700-701" الأول: أن العقيدة لا تكون إلا عقيدة دينية، أي: العقيدة الإلهية التي تكون من الله سبحانه وتعالى؛ ذلك لأن أي مبدأ أو رأي أو فكرة أو مذهب مما لدى البشر لا يستقر في القلب استقرار العقيدة التي لا تقبل الشك، فالبشر يخطئون ويصيبون نتيجة لما يعرض لهم من قصور في الفكر أو الرأي أو النظر أو نسيان أو غفلة، أو يعرض لهم من مؤثرات الهوى والشهوة والنزعات الوجدانية الأخرى. والثاني: أن العقيدة خاصة بالإنسان، خصه الله بها دون غيره, حيث ميزه بالهدى والبر والخير والصلاح. والثالث: أن العقيدة الإلهية لا تقبل الشرك، فلا يستقر في قلب صاحبها سواها من المذاهب أو الأفكار، فهي عقيدة التوحيد الخالص لله، توحيده في ربوبيته وفي ألوهيته، وفي ذاته وصفاته وأفعاله. ولقد جاء جميع الرسل بالعقيدة ذاتها، عقيدة التوحيد. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] . وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59] .

وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65] . وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 61] . وقال تعالى: {إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُْ} [هود: 84] . وهذا رسول الله، يبين أن عقيدة التوحيد، هي حق من حقوق الله على العباد وأنها تنجيهم من العذاب. عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت ردف النبي. على حمار. فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله"؟. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا, وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا" , قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا". "الصحيحان". ويبين الحاق تبارك وتعالى أن من تتلبث عقيدته بالشرك فقد أثم، ولا ينال مغفرة الله أبدًا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48] . ورابطة العقيدة هي أوثق الروابط في المجتمع، فهي تتخطى حواجز الحدود الجغرافية والعرقية, وحواجز اللون والجنس. بل تتخطى كافة الحواجز، وتجعل الانتماء الوحيد للمسلم هو الدين الإسلامي. فبهذه العقيدة نجد بلالا الحبشي، وصهيبًا الرومي وسلمان الفارسي، وأبا بكر القرشي، وغيرهم يتركون وراء ظهورهم كل عوامل التمايز بينهم ويرتبطون بالعقيدة وحدها، فينصهرون في مجتمع مثالي متفرد -على مر التاريخ- في خصائصه الطيبة.

وهكذا تكون عقيدة التوحيد هي العمود الفقري لجسم الأمة الإسلامية. إذ بها يتجمع المسلمون جميعهم حول الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس له شبيه ولا ولد، وبهذه الصفات المتفردة يستقر في قلب المسلم -بعقيدة التوحيد- أن الإنسان ليس وحده في مسيرة الحياة، وأن المجتمع المسلم مجتمع رباني، فللفرد حدود في سعيه في الحياة يحددها منهج الله، وللمجتمع حدود يبينها هذا المنهج، ومن يلتزم بهذه الحدود فهو في رعاية خالق الكون، ومن ثم لا يخشى في الحق لومة لائم. فيعمل على إنفاذ منهج الله في الأرض ويسود -بذلك- الأمن والاستقرار والسلام لجميع البشر. وقبل هذا وبعده، فإن العقيدة تشبع حاجة أساسية عند الإنسان وهي حاجة الإنسان إلى الاعتقاد في قوة لا يحدها شيء، تكون له ملاذا حيث لا ملاذ، وتكون له ملجأ حين يعز عليه الملجأ. ويستمد منها القوة والأمن والأمان، وفي الوقت نفسه يخشاها حيثما يكون وفي أي وقت يكون، في سره وعلنه. والعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة لحياة الفرد كلها دنياها وآخرتها في تكامل وتوازن واعتدال إنها العقيدة التي تتسع فتشمل كل نشاط الإنسان في كل حقول الحياة، وإنها لا تتولى روح الفرد وتهمل عقله وجسده. أو تتولى شعائره وتهمل شرائعه، أو تتولى ضميره وتهمل سلوكه. وإنها لا تتولاه وتهمله جماعة، ولا تتولاه في حياته الشخصية, وتهمل نظام حكمه وعلاقاته الدولية "16، 8". لذلك فإن هذه العقيدة من أهم، بل أهم خصائص المجتمع المسلم التي ينبغي أن يضعها مخططو المناهج الدراسية في عين الاعتبار, من حيث كون المجتمع مصدرًا من مصادر هذه المناهج، وذلك عن طريق العمل على ترسيخها في أنفس المتعلمين وأفئدتهم واستثمارها في عملية التعليم والتعلم. أنها تؤسس على العقيدة الإسلامية، وأنها من أسس الدين الحنيف التي تجعل المسلم يحيا وفق ما

ثانيا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الشريعة التي يحتكم إليها المسلمون في جميع شئونهم الخاصة والعامة، ولم تترك الشريعة أمرًا من الأمور إلا أحاطت به سواء ما يخص علاقة الفرد بذاته, أو علاقة الفرد بغيره من الأفراد، أو علاقة الفرد بأسرته أو بمجتمعه بما فيه من مؤسسات، أو علاقته بالمجتمعات الأخرى مسلمة أو غير مسلمة. وبينت للناس شئونهم في السلم والحرب. وفي الرخاء والشدة، ووضعت الحدود لكل فعل. كما أوضحت الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم. وما ينبغي أن يسود المجتمع المسلم من علاقات، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره. وإن أهم ما ينبغي إدراكه بالنسبة لتحكيم الشريعة الإسلامية

أحله الله وما حرمه، ويجد في دخيلته رقابة ذاتية تمنعه في سره وعلنه من ارتكاب الخطأ، حبا في الله وتسليمًا بأوامره ونواهيه. وهذا الانسجام بين سر الفرد وعلنه، وهذا الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى, والحب فيه والبغض فيه والحرص على إنفاذ أمره وتجنب نواهيه، يجعل المسلم رقيبا على نفسه مقوما لها، آخذا بناصيتها إلى الصراط الله العزيز. والشريعة الإسلامية هي: ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق ونظم حياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة. "8، 9" ومصادر الشريعة هي الكتاب والسنة, ثم أدلة أخرى تستند إلى هذين المصدرين وهي: القياس والاستحسان والمصلحة المرسلة. "8، 73-80". ومن أهم الفروق بين الشريعة والقوانين الوضعية أن الشريعة ربانية المصدر، وفي تحكيمها طاعة لله، ودليل على الإيمان به وباليوم الآخر. وقد وجه الله توجيهًا صريحًا إلى تحكيمها. فقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] . ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اتباع الهوى، وأمر بتطبيق الشريعة في المجتمع المسلم أمرًا ملزمًا كلا وتفصيلًا فقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] . وقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] . أما الذين لا يطبقون الشريعة من المسلمين فهم -لا شك- لا يؤسسون مجتمعا مسلمًا. فالشريعة -كما أشرنا سابقًا- ليست مجموعة من القوانين التي ينفذها الناس ما دامت هناك متابعة من القائمين عليها لتنفيذها، ويتحررون من قيدها في غيبة هذه المتابعة -كما هو الحال في القوانين الوضعية- ولكنها نظام

متكامل في ذاته يجعل سر الفرد يتكامل مع علنه في خشية الله، ومن ثم لا انفصام بين سلوك الفرد في الحالتين. والإسلام نظام تتكامل عناصره مع بعضها البعض، وهذا التكامل يجعل أي خلل في تطبيق الشريعة أو تراجع عن تطبيق جزئية فيها ينعكس على بقية العناصر. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد وصف من لم يحكم بشرعه بالظلم مرة وبالكفر مرة وبالفسق مرة؛ لأن من يفعل ذلك يقوض أركان المجتمع المسلم من أساسها، ولا شك أن التراجع عن تطبيق الشريعة هو من أهم أسبباب انهيار المجتمعات المسلمة في أيامنا هذه. ومن الملاحظ أن الآيات التي تناولت المعرضين عن تحكيم شرع الله جاءت متتالية أو متقاربة، حتى يكون وقعها قويا ووعيدها شديدًا. قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] . وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] . وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] . ويقوم الحكم في الإسلام على الشورى والعدل في تطبيق شرع الله. والشورى في الإسلام تقي الحاكم من أن ينفرد بالرأي. فقد يقضي في أمور المسلمين بما لا يتفق مع منهج الله. وقد يجتهد عن غير علم بما يقضي فيه فيضل السبيل الأقوم، وقد ينحاز أو يجور. كل هذا قد يحدث عن قصد أو عن غير قصد. لذلك، كانت الشورى وجاء للحاكم من الزلل في كل الأحوال. والشورى وسيلة للوصول إلى الرأي الأصوب؛ لأنه رأي الجماعة. والجماعة هنا لا يقصد بهم الأغلبية المطلقة كما هو الحال في النظام "الديموقراطي" الذي يعتمد عل الأغلبية العددية وحدها، ولكن المقصود بالجماعة هنا جماعة الأفراد المؤهلين للاستشارة من أهل الحل والعقد، ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر في هؤلاء شرطان أساسيان، الأول: أن يكونوا منم يتقون الله في القول والعمل ولا يخشون أحدًا إلا هو، ويعملون على تحقيق منهجه في الأرض. والثاني: أن يكونوا ممن لديهم العلم الواثق والخبرة الكافية فيما يستشارون فيه. وبناء عليه فإن المستشار في الإسلام لا ينافق الحاكم ولا يخشاه، بل يصدقه القول، أما عن مدى صواب ما يشير به فعمله وخبرته يؤهلانه -بعد تو فيق الله- للوصول إلى الصواب. ومع ذلك، فهو بشر يخطئ ويصيب، ولكنه يتحرى الصدق والصواب في كل حال.

ويؤكد القرآن لكريم الشورى في أكثر من موضع. قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] . وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] . ويحدثنا التاريخ الإسلام عن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- للشورى في اتخاذ قرارته. فما حفر الخندق في غزوة الخندق إلا نتيجة المشورة، وما خرج المسلمون في غزوة بدر لمقابلة الكفار إلا بعد المشورة، وما تقررت معاملة أسرى بدر إلا بناء على مشورة. ويعتمد العدل في الإسلام على المنهج وعلى الناس وعلى القوة. أما المنهج فهو شريعة الله ... وقد أكدت الشريعة أمر العدل مع النفس، وداخل الأسرة وفي ساحة القضاء، وعلى مستوى الرعية، وحتى مع المخالفين في العقيدة، ومع من نحبهم ومن نكرههم "18، 284". قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] . وتطبيق الحدود من الدعائم المهمة للعدل في الإسلام، ومن أهم أسس استقرار الحياة في المجتمع المسلم. قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 179] . ووضع الله -سبحانه وتعالى- موازين هذه الحدود, قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] .

وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] . وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] . وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] . وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] . ويبين سلوك محمد -صلى الله عليه وسلم- قواعد للعدل والمساواة ستظل نبراسا يستضيء به طلاب العدل ومريدوه على مر الأزمان. وذلك حين جاءه من يشفع في حد من حدود الله، فأقسم بالله بأن لو سرقت ابنته فاطمة لقطع يدها. وقال عليه الصلاة والسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". رواه أحمد". كما ضرب الحكام المسلمون الأوائل أمثلة للعدل مع النفس ومع الغير من أبناء الرعية المسلمين وغير المسلمين. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحكم لنصراني من مصر بضرب ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قصاصا منه. وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه. يقاضي نصرانيا أخذ درعه -وهو أمير المؤمنين- فيحكم القاضي للنصراني بالدرع؛ لأن أمير المؤمنين ليس عنده بينة. "11، 59".

وولي الأمر الذي يحكم بشرع الله مؤسسا عل الشورى والعدل له واجب الطاعة على المسلمين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] . وهكذا يحكم سلطة الحاكم شرع الله, ويعينه المحكومون ما دام منفذًا لهذا الشرع فيهم، وإذا ما اختلفوا فيما بينهم في شي يحتكمون فيه إلى الله. فهذا أبو بكر خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصديقه يضع قواعد العلاقة بين الحاكم المسلم والمحكومين تحت إمرته في كلمات بالغة الدلالة بقوله: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم". وقال عن ذلك الإمام مالك: "لا يكون أحد إمامًا إلا على هذا الشرط". وهكذا كانت مبادرة الرعية إلى إبداء الرأي المخالف حقا مقررا لهم، بل واجبًا عليهم بمقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمبادرة ولي الأمر إلى طلب المشورة من أهلها واجبة عليه للاستدلال على حكم الله ورسوله من النصوص الشرعية المتعددة، وللاجتهاد فيما سكتت عنه النصوص "9، 135". ويتبين مما سبق، أن الحكم بالشريعة الإسلامية مؤسسا على الشورى والعدل من أهم خصائص المجتمع المسلم، فكما أن المجتمع لا يكون مسلمًا بدون عقيدة التوحيد، فإنه لا يكون مجتمعا مسلمًا ما لم يطبق شرع الله فيما شجر فيه. ومن هنا كان هذا التطبيق من الأهمية، بحيث يكون من بين العناصر المعتبرة في مصادر المنهج الدراسي.

ثالثا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإسلام دين الله في الأرض, ارتضاه الخالق لعباده بقوله، سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: 19] . وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] . ولأن الإسلام دين محيط بجميع قضايا الحياة في حالها واستقبالها، فقد جعل الله الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم مقومات المجتمع المسلم.

فبهذا يجد الناس من يذكرهم -دائمًا- بمنهج الله سبحانه وتعالى، ويوضح لهم طرائق هذا المنهج في علاج ما يواجهون من مشكلات، وما يتأتى من طروحات جديدة، ويوجه التغير في المجتمع وفق هذا المنهج. وسواء أكان حال المجتمع سيئًا -كما هو حال المجتمع المسلم اليوم -أم كان مستقرا على منهج الله، فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة؛ لأنها ضرورة ووقاية للمجتمع من المشكلات، وضرورة علاج لما يصيبه من خلل يبعده عن منهج الله، فالنفس البشرية في حاجة إلى التذكير بطريق الحق تبارك وتعالى، بل إن المؤمنين منهم خاصة ينتفعون بهذا التذكير: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] . ولأهمية الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المسلمين مكلفون بها، بقدر الاستطاعة. قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] . وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] . عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" , "رواه الترمذي". وقال -صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا". "رواه مسلم". ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر, وهو فرض كفاية. إلا أنه فرض على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية. "4، 34". ومن شأن المجتمع الإسلامي أن يكون وقافًا عند حدود الله، يحرص أفراده على معرفة أحكام الله حتى لا يتجاوز ما يحل له إلى ما يحرم عليه، وحتى لا تغريه مشتبهات المسائل بالوقوع في المحظور؛ ولأن الفرد ليس عنده من الوقت لتعلم العلم من أصوله حتى يتوصل بذلك لما يعرض له في حياته من فروع، كثيرًا ما يتردد

على شيخ الجماعة أو فقيه المحلة أو خطيب المسجد وإمامه يسأله عن كل ما يصادفه في حياته من أمور "10، 66". وللدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آداب ومنهج، لا ينبغي أن يحيد عنه من تولى شرف العمل بها، وقد بين الله تبارك وتعالى هذا المنهج في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] . وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] . وقوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] . ومجالات الدعوة كثيرة، فهي نداء الله تعالى للكافرين كي يؤمنوا وللمشركين كي يوحدوا، ولأهل الكتاب كي يسلموا، وللعصاة كي يتوبوا، وللمختلفين كي يتفقوا، وللمتفرقين كي يتحدوا، وللمتخاذلين كي يتعاونوا, وللقاعدين كي يجاهدوا, وللمتطرفين كي يعتدلوا، وللمتهاونين كي يجدوا "13، 43". ومن يحمل نداء الله هذا لا بد أن يحمله بالحسنى ولين الجانب وسعة الصدر، وأن يعتمد على الإقناع بالدليل تلو الدليل والحجة تلو الحجة، وأن يكون متواضعًا باشًّا، يعتمد على الحكمة ويقر في عقله وقلبه أنه مكلف بالبلاغ المبين بقدر طاقته، وأنه مرشد وموضح لمنهج الله، وأنه لم يكلف بتبديل السنن الكونية من أجل هداية الناس. فالله، وحده يهدي من يشاء. قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] . وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22] .

ومن أدب الدعوة ومنهجها أن يصبر الداعية على المكاره وعلى مقاومة الناس للدعوة ومحاربتهم لها، ولا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ولا يحزن، بل يتحلى بالصبر وبالتقوى وبالإيمان. قال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] . وقال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] . وقصة محمد -صلى الله عليه وسلم- مع بني ثقيف تعطينا مثلًا رائعًا في منهج الدعوة. فقد ذهب الهادي البشير إليهم يدعوهم إلى طريق الحق والصواب، فأغروا به سفهاءهم فظلوا به حتى أدموا قدميه من قذفهم بالحجارة، ولكن الهادي البشير لم ييأس، ودعا لهم بالهداية. والله سبحانه وتعالى يكرر وصيته للداعية الأولى -خاتم الأنبياء- بأن يصبر في مواضع كثيرة من الذكر. ومن أمثلتها: قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] . وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] . وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] . وللقيام بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط واجب توافرها: أولها العلم والتفقه فيما يدعو الناس إليه، وما يأمرهم به وما ينهاهم عنه. فهذا هو زاد الرحلة وزواد السفر فيها، وإذا لم يتزود الداعية به ضل طريقه، وأضل الناس. ولكن بعض من نقص علمهم يحاولون تعويضه بتهييج عواطف الناس وبالهجوم على العلماء, وفي هذا بلاء للأمة عظيم. وفي هذا يتساءل عبد الله التركي قائلًا: فإذا كان المرء لا يعلم ما يدعو إليه، فلأي شيء يدعو إذن؟ ويشير إلى هؤلاء بقوله: الذين يدخلون ميدان الدعوة بغير عدة علمية, على أن يعوضوا القحط

العلمي بالتهييج. فنقص العلم في العبارة يعوض بالنفخ في مضمونها، وبالحدة في إخراجها والتهويل في المعلومات والواقع، وبالأحكام المتسرعة، وبالحط من قيمة العلماء. "2، 14". والتركي -بهذا القول- يصف البلاء الذي وقع في بلاد المسلمين هذه الإيام، حيث تجرأ على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير المؤهلين لها، ونظرًا لضعف إعدادهم ونقص تأهيلهم لجئوا إلى الاستخفاف بالعلماء وتسفيه آرائهم، وإلى إثارة عواطف الناس ضد المجتمع وعلمائه وولاة الأمر فيه، وأخذوا يكفرون من يكفرون ونصبوا أنفسهم ولاة للأمور. والشرط الثاني في الأهمية بالنسبة لمن يتصدى لواجب الدعوة إلى الله والأمر باتباع منهجه والنهي عن مخالفته، أن يكون الداعية قدوة عملية لما يقول: فلا يرجى لإنسان أن يقنع أحدًا بعمل أمر ما، وهو شخصيا يخالفه، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] . والإسلام منهج عمل وأسلوب حياة، ومن أهم أساليبه التربوية، القدوة. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] . وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4] . وقال الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: بلى، قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه". "رواه البخاري ومسلم". وهناك شروط كثيرة أخرى في من يتصدى لواجب الدعوة لا مجال لذكرها هنا. وتتعلق هذه الشروط بالصفات الشخصية والأخلاقية, والإعداد العلمي والثقافي والمهني, واكتساب مهارات الاتصال وتقانتها, والإلمام بمشكلات المجتمعات مجال الدعوة ولغتها وواقعها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلى غير ذلك من الشروط التي لا يتسع المجال هنا لتناولها. مما سبق يتبين أن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص المجتمع المسلم التي تعمل على وقاية أبنائه من الانحراف عن الجادة، كما تسهم في علاج المشكلات التي قد تظهر فيه سواء أكانت هذه المشكلة تتعلق بالأفراد أم بالجماعات والمؤسسات أم بغير ذلك. ومن هنا فإن مخططي المناهج الدراسية ينبغي أن يعنوا عناية كبيرة بهذه الخاصة عند اختيارهم لخبرات هذه المناهج وعند تنظيمها.

رابعا: تكوين الأسرة المسلمة

رابعا: تكوين الأسرة المسلمة مدخل ... رابعًا: تكوين الأسرة المسلمة إن جميع المؤسسات في المجتمع المسلم هي مؤسات إسلامية. ومن ثم ينبغي أن تؤسس وتنظم وتدار وتقوم مخرجاتها أو نتائجها وفق التوجيه الإسلامي. ويقع عليها واجب تربية منسوبيها وتوجيه سلوكهم وفق هذا التوجيه. وعليها أن تتعاون مع المؤسسات الأخرى على تحقيق التربية الإسلامية لأبناء المجتمع. والمجتمع المسلم مجتمع طهارة وعفة، يأبى أن تختلط فيه الأنساب وتهتز فيه القيم، ويضع الأسس التي تحفظ أفراده من الوقوع في براثن الغواية والشهوة، كما يضع الحدود الرادعة لمن ينتهك حرمات الله، وتتخذ فيه جميع السبل للحماية من انتشار الفحشاء. والأسرة نواة المجتمع وإحدى مؤسساته المهمة. لذلك فقد أولاها الإسلام عناية خاصة واتخذ من أسباب تكوينها وتنظيم العلاقات فيما بين أعضائها وتحديد حقوقهم وواجباتهم، ما يحفظ تماسكها وبقاءها. وبالإضافة إلى ذلك, فقد جعل لكل من لا يلتزم بحدود الله من أعضاء الأسرة جزاء مناسبًا. ويلاحظ الباحثون في كتاب الله وسنة رسوله أن الله سبحانه وتعالى قد بين مقومات لتربية الأسرة المسلمة بما يؤسس حياتها على العفاف والتقى واتباع منهجه، ومن ثم السعادة في الدارين. ومن أهم هذه المقومات: أ- الترغيب في الزواج، وبيان أسس اختيار كل من الزوجين. ب- بيان حقوق كل من الزوجين وواجباته قبل الآخر. جـ- بيان حقوق الوالدين. د- بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم. هـ- وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك والانحراف. وفيما يلي نتناول كلا من هذه المقومات بشيء من التفصيل:

الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين

أ- الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين: إن الدين الحنيف لا يغالب الدوافع الجنسية في الفرد فيكبتها ويوقع الفرد في صراع بين دوافعه الفطرية وبين قيم المجتمع، ولا يحاول تربية الفرد المسلم بحيث يستعلي على هذه الدوافع, ويدخل في عالم يحاول فيه نسيان جسده ووجدانه ودوافعه وما لها من مطالب. إن التربية الإسلامية تنظر إلى كل هذا نظرة متوازنة وتوجد لكل جانب من جوانبه العوامل المناسبة لنموه, بما يحقق أهدافها مراعية في ذلك طبيعته. لذلك نجد الإسلام، في الحال الدافع الجنسي يربي المسلم تربية تتفق تمامًا مع طبيعة هذا الدافع، ليس فقط ليجد هذا الدافع التعبير المناسب، ولكن أيضًا لأسباب أخرى مثل حفظ النوع واستمرار البقاء وحفظ الأنساب، والمحافظة على بقاء المسلم وطهره. وتحقيقًا لهذا يشجع المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الزواج بقوله: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". "صحيح البخاري". ويتضح من هذا الحديث أن التربية الإسلامية تشجع على تكوين الأسرة وعلى التمسك بالعفة. وذلك بتشجيع الشباب على الزواج وترغيبهم في العفاف. كما نجد أنها تقدم حلا تعبديا لهؤلاء الذين لا يتوافر لديهم القدرة على الزواج وهو الصوم، كي يستطيع الفرد السيطرة على دوافعه دون الشعور بالكبت، فالصوم رياضة روحية، إضافة إلى أنه رياضة بدنية وتدريب للسيطرة على الدوافع والرغبات والميول. أما بالنسبة لاختيار الزوجين، فإننا نجد التربية الإسلامية قد حرصت على حسن اختيار قطبيها -الزوج والزوجة- لما لذلك من أثر على استقرار الأسرة بعد تكوينها. فبالنسبة لاختيار الزوجة بين الله -تبارك وتعالى- أن الصالحات من النساء حتى لو كن فقراء هن الاختيار الأفضل في الزوجات. وذلك في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] . كما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أسس اختيار الزوجة، وأمر باختيار ذوات الصلاح منهن. وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأ ة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". "متفق عليه".

كما وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اختيار الصالحين من الرجال أزواجًا لبناتهم، بل إنه أوضح أن المسلمين إذا لم يفعلوا هذا فإنهم سوف يحدثون بذلك فتنة في الأرض، وفسادًا كبيرًا. ذلك في قوله: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". "رواه الترمذي". وهكذا تؤكد التربية الإسلامية أن الحياة الأسرية لا يمكن أن تقوم على المال أو الجمال أو الحسب فقط. ولكن ركنها الركين عند التخطيط لتكوين الأسرة واختيار الزوج أو الزوجة أن يكونا من ذوي الدين, فإن هذا خليق بأن يجعلهما يرعيان الله، كلا منهما في الآخر، وفي نفسه وأهله وأصحابه وماله وجميع شئونه. ومن الملاحظ أن جميع المقومات الأخرى لاختيار كل من الزوج والزوجة مثل المال والجمال والحسب قد تضعف بالتقادم أو بتغير الأحوال. أما الدين فإنه يقوى ويكون أشد أثرًا في سلوك الفرد مع دوام التمسك بالعمل به. ومن هنا، كان أثره أقوى وأدوم. كما أن كلا من الغنى اوالفقر ليس معيارًا أساسيا في اختيار الزوج أو الزوجة؛ لأن الله وحده هو المغني. ونلاحظ أن الله -سبحانه وتعالى- قد حرم زواج الأقارب تجنبا لاختلاط الأنساب وضعف النسل، ومحافظة على وئام الأهل ولأسباب يعلمها هو. قال الحق تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] . وقد حرص الإسلام على ألا تكون تكاليف الزواج مرهقة للزوج أو الزوجة. فقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة -رضي الله عنها- من علي بن أبي طالب, وكان الصداق درع علي الحطمية. فماذا تصنع فاطمة بالدرع؟ وأي قيمة مادية لها؟ هذا دليل على أن الزواج في الإسلام ليس سلعة يشتريها القادرون. بل هو حق مشروع يعان عليه. ومثال آخر يوضح أن الزواج في الإسلام هدف نبيل لغاية شريفة هي تكوين الأسرة أن يزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا امرأة، وكان مهرها هو تعليمه لها ما يحفظ من القرآن.

بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية

ب- بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية: العلاقة الزوجية في الإسلام علاقة مودة ورحمة. بل جعل الله الزوجة سكنًا للرجل يجد فيها الحبيبة التي يودع فيها نطفته وكوامن ذاته وحفيظتة نفسه. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] . وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72] . ولا ينبغي لعلاقة المودة هذه أن تهن أو تهتز في وقت الخلافات التي تؤدي إلى الانفصال، بل ينبغي أن تظل علاقة الزوجين بالمعروف ولا يحاول الزوج بحال من الأحوال الإضرار بزوجته، إلا أن يكون ظالمًا لنفسه عند الله. قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231] . والرجال والنساء في الإسلام شركاء حياة وبناة مجتمع ورفاق مصير. يكونان معا نواة الأمة الإسلامية. وإنه لمن ضرورات الحياة -سواء في الحياة الزوجية أم في الحياة بعامة- أن تحدد حقوق الأفراد بما يحفظ التوازن بينهم. وقد حققت الشريعة الإسلامية هذا التوازن في الأسرة المسلمة. يقول الشيخ مناع القطان: بينت الشريعة الإسلامية حقوق الأسرة بما يحفظ التوازن بين أفرادها، فأعطت للمرأة الرشيدة حرية اختيار الزوج. وجعلت الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين متسقة مع الفطرة وطبيعة كل منهما. فللمرأة أهليتها الحقوقية الكاملة. تدير أموالها وتستثمرها، وتكون حاضنة لأولادها. ولها حق الإرث، وبين أحضانها تتربى أجيال المستقبل "8، 89". لقد جعل الإسلام الزواج طلبا وقبولًا وشهادة عدول. فالطلب من الرجل والقبول من الفتاة أو المرأة. والمرأة تصرح برأيها، أما الفتاة التي لم يسبق لها الزواج فيكفيها السكوت تعبيرًا عن الموافقة. ولكن لا زواج بدون موافقتها في الحالين.

فعن أبي هرية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". "صحيح مسلم". وجعل الإسلام للزوجة على زوجها حقوقًا كثيرة لا يمكن الإحاطة بها هنا، منها: الصداق والنفقة والعدل بينها وغيرها من الزوجات الأخريات، وألا يفاجئها بالدخول عليها بعد غيبة حتى لا يراها على هيئة لا يحبها. قال -صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت ليلًا لا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمشط الشعثة". "صحيح مسلم". ومن حق الزوجة على زوجها أن يحفظ سرها. فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". "صحيح مسلم". وكما أن الله سبحانه وتعالى، قرر للزوجة حقوقًا على الزوج، فقدج جعل له هو أيضًا حقوقًا عليها. منها: حق القوامة عليها. قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] . ونجد تفسير البعض لمدلول هذه الآية في قول الشيخ مناع القطان: واحتفظت الشريعة الإسلامية بالسلطة العليا في تدبير شئون الأسرة للرجل؛ لأنه أقدر على ذلك بما منحه الله من صفات القيادة في الحزم وقوة الإرادة، وبما يتحمله من أعباء النفقة، فالغنم بالغرم "8، 89". ونجد أن عقدة النكاح -في الأساس- بيد الرجل، كما نجد للرجل على زوجته: حق الطاعة والإرث وحفظ العرض وتربية الأولاد ورعاية المال وصلة الأرحام، إلى غير ذلك من الحقوق التي أوجبتها الشريعة الإسلامية على الزوجة لزوجها.

بيان حقوق الوالدين

جـ- بيان حقوق الوالدين: لقد جعل الإسلام للوالدين حقوقا لم ينلها سواهما. ويبين في جلاء ووضوح حقوقهما على أولادهما. فحقوق الوالدين على الأولاد تصل إلى حد طاعتهما طاعة مطلقة إلا في مصعية الله. وحتى لو كان الولدان غير مسلمين فإن تعاليم الإسلام تقضي بأن يصاحبهما الولد في الدنيا معروفًا. وتصل حقوق الوالدين على أولادهما في الإسلام إلى حد أن تعاليم الإسلام تقضي بألا يقول الولد لأحدهما أف عند الكبر، وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة. كما أن من واجبه أن يدعو لهما بالرحمة، يقول الحق تبارك وتعالى. {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24] . وقال تعالى: {لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] . وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] . ومن الجدير بالملاحظة في هذه الآيات الكريمات أن الله سبحانه وتعالى لم يقدم فيها على الإحسان للوالدين سوى عبادته سبحانه وتعالى. وهذا يبين مدى عناية الإسلام بحقوق الوالدين. وقد قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- البر بالوالدين على الجهاد في سبيل الله, رغم ما للجهاد من علو قدر في الإسلام، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة على وقتها". قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". "متفق عليه". وقد حض الإسلام الأم بعناية خاصة، فحث الأولاد على أن يرعوها رعاية خاصة، وأوضح فضلها في أكثر من موضع القرآن الكريم وفي السنة المطهرة. قال تعالى. {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] . وهذا رجل يأتي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن أحق الناس بحسن صحابته، فبين له الهادي البشير أن والديه هما أحق الناس بحسن الصحابة. ويؤكد على أحقية الأم في ذلك. جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أبوك". "متفق عليه".

ولم تقف حقوق رعاية الأولاد لوالديهما عند البر بهما في حياتهما. ولكن امتدت هذه الحقوق إلى الحياة الأخرى. عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم: الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". "رواه أبو داود". وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". "رواه مسلم".

بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم

بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم ... د- بييان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم إن للأولاد في الأسرة شأنا كبيرًا، فالأسرة هي البيئة التي يتشربون منها قيمهم ومعاييرهم ونظرتهم للحياة. وفي الأم يجدون المحضن الذي يأوون إليه فيشعرون بالأمن والحنان والحب، وفي الأب يجدون المثل والوقاية والمنقذ، وفي الإخوة والأخوات يجدون تلاميذ مدرسة الأسرة الذين يأخذون عنهم ما يساعدهم على فهم الحياة. ومن الأسرة يأخذ الطفل دينه فيظل على فطرته مسلمًا أو يعتنق المسيحية أو اليهودية أو المجوسية. ويكون هذا أو ذاك بناء على تعليم الأبوين وتوجيههما. وفي هذا روى أبو هريرة -رضي الله عنه، عن رسول -صلى الله عليه وسلم: قوله: "ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء". "متفق عليه". وتقع مسئولية تربية الأولاد على الأبوين بحكم مسئولية رعايتهما لهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته"، قال: وحسبت أن قد قال: "الرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته, وكلكم راع ومسئول عن رعيته". "مختصر صحيح البخاري".

وقال -صلى الله عليه وسلم: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله, ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله". "رواه مسلم". بالإضافة إلى ما سبق، فإن الإسلام قد قرر حق الأولاد في ثروة الوالدين والأقربين، وجعل لهم فيها نصيبًا مفروضًا، وذلك في قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . ويؤكد رسول الإسلام -بالفعل وليس بالقول فقط- أن الحنان والعطف على الأطفال هو حجر الزاوية في تربيتهم: عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه قال: رأيت النبي. يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت رسول الله. على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها. "مختصر صحيح مسلم". وقد بلغ عطف الرسول عليه الصلاة والسلام على الأطفال؛ أنه نعت من لا يلاطف الأطفال، ولا يداعبهم بأنه غير رحيم، بل وأنذره بأنه لن يرحم يوم القيامة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله. فقال: "من لا يرحم لا يرحم". "متفق عليه". ويضرب الرسول المعلم مثلا في احترام الطفل كي يتربى على احترام الذات. عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: "يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ"؟. قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه. "مختصر صحيح البخاري". وهكذا يضرب الرسول الأمين مثلًا للمربين في معاملة الأطفال، فهو -صاحب الرسالة- يستأذن غلامًا في أمر تقديم الشيوخ عليه، ويأبى الغلام فينفذ له الرسول رغبته. وكان الرسول الأمين حريصًا أشد الحرص على حسن تنشئة الأولاد وتربيتهم والعدل بينهم. فقد قال -صلى الله عليه وسلم:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع". "رواه أبو داود". وقد خص الإسلام الفتيان بعناية خاصة، فأبطل وأدهم. قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] . وقال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140] . مما يدل على عناية الإسلام الخاصة بالفتيات قول عائشة رضي الله عنها: "دخلت على امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت فدخل علي النبي. فأخبرته، فقال: "من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن أليهن كن له سترًا من النار". "متفق عليه. ومما يجدر بيانه أن الإسلام قد خص فئات معينة من الأولاد بمزيد من الرعاية نظرًا لضعفها وحاجتها إلى تهيئة فرص للنمو الصحيح والتنشئة السوية. من هذه الفئات الجنين قبل الولادة. والطفل بعد الولادة واليتامى والمساكين وأبناء السبيل واللقطاء.

وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف

هـ- وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف: لقد حفظ الإسلام للأسرة مقومات البقاء والمودة والتراحم والرعاية، وعني بوقايتها من التفكك بمختلف السبل التي من بينها تحديد أساليب معاملة الزوجة إذا خاف الزوج منها نشوزًا، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] . وأسلوب ثان هو تحكيم أهل الزوجين، إذا ظهرت بوادر للشقاق بين الزوجين. قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] .

وأسلوب ثالث: هو السماح للزوجين أن يعودا للزواج بعد الطلاق ما لم يكن طلاقًا بائنا، وحتى في حال الطلاق البائن سمح الإسلام للزوجين بالعودة على أن تنكح الزوجة زوجًا آخر قبل العودة، قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] . وقال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] . ووقاية الرجل والمرأة من الإغراء والغواية، وضع الإسلام منهاجا لوقاية كل منهما من الوقوع فيما نهى الله عنه. فعلى سبيل المثال، حدد محارم للمرأة لا تظهر إلا عليهم وأمر كلا من الرجل والمرأة بغض البصر وحفظ الفرج، كما أمر المرأة بعدم إظهار زينتها إلا لفئات حددها في قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور: 30، 31] . وأمر نساء المؤمنين أن يلبسن الثياب الساترة للمحرم كشفه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59] . كما وجه المؤمنات بأن يكون كلامهن واضحًا لا يحتمل التأويل من قبل المنحرفين، ولا يتبرجن: فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 32، 33] . ومن أهم عوامل وقاية الأسرة تحديد أسس العلاقات بين أعضائها. فالزواج والطلاق والرضاعة والحضانة والإرث والقوامة وبيان علاقة كل عضو من الأسرة

بالآخرين وعلاقة الأسرة بالأجانب عنها، كل هذا مما ذكرناه سابقًا وما لم يتسع المجال لذكره. من عوامل حماية الأسرة من التفكك أو الانحراف. ولكي لا يحدث اتهام دون دليل قطعي في علاقة المرأة برجل غير زوجها. فقد جعل الإسلام إثبات الفاحشة على المرأة من الأمور التي لا يرقى إليها شك؛ حفاظًا على كرامة المرأة وسمعتها، وصيانة للأسرة من التفكك، وحماية للمجتمع من الشائعات غير القائمة على دليل أبو برهان. فقال تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] . وحرصًا على نقاء المجتمع بعامة والأسرة بخاصة، اتخذ الإسلام سبلًا لعلاج ما قد يظهر من انحرافات. فتوعد الله الذين يحبون إشاعة الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم. في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] . ومحافظة على الطهارة والحب، وحماية لكيان الأسرة والمجتمع، قرر الإسلام إقامة الحد على من يرمي المتزوجات دون دليل قاطع، وأسقط عنهم أهليتهم للشهادة. بل وصفهم بالفسق، وجعل لهم عقابًا على فعلتهم. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] . أما من يخرج عن منهج الله ويقترف الزنا في حق الأسرة والمجتمع الإسلامي, فقد خصص له حدا رادعًا يشهده طائفة من المؤمنين. قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] . مما سبق يتبين أن الإسلام قد أولى الأسرة اهتمامًا كبيرًا، بدءا من اختيار الزوجين بما يحفظ للحياة الزوجية استقرارها. وسعادتها، وما يهيئ لها مناخًا مناسبًا لتنشئة الأبناء وحسن رعايتهم وتوجيههم. وجعل كل عضو فيها راعيا لبقية أعضائها. وجعل على الأسرة واجب التآخي والتآزر مع بقية الأسر في سبيل تقدم المجتمع ورفعة الإسلام. كما أوجب عليها التعاون مع مؤسسات المجتمع الأخرى مثل المسجد والمؤسسات الثقافية والإعلامية وغيرها، من أجل تربية أولادها وأولاد المسلمين تربية إسلامية، ومن أجل العمل على تقدم المجتمع ورفع راية الإسلام والمسلمين.

خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين

خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون ... خامسًا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين المجتمع المسلم مجتمع تسوده المودة والإخاء والمحبة والتعاون والأخلاق الحميدة, وتربطه عقيدة التوحيد ويؤلف بين أفراده تقوى الله سبحانه وتعالى. مجتمع متضامن متكافل متعاون على البر والتقوى. ومن أسس تقوى الله والإيمان به أن يعبده المسلم كأنه يراه، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه, وأن يدافع عن دينه وعرضه وماله, وأن يرعى حقوق أهله وجيرانه ووطنه, وأن يطيع ولي الأمر إلا في معصية الله، وأن يعينه على تحقيق الحياة -وفق منهج الله- في المجتمع، مجتمع ليس فيه ذات مصونة أو مقدسة، وليس فيه إنسان أفضل بمولده أو بجنسه أو بلونه من إنسان آخر، فالكل لآدم وآدم من تراب. ومن أهم أساليب تحقيق التضامن والتكافل والتعاون في هذا المجتمع: أ- إرساء أسس المحبة وصولًا إلى التضامن والتعاون. ب- إرساء أسس التكافل الاجتماعي. أ- إرساء أسس المحبة وصولًا إلى التضامن والتعاون: فالناس في المجتمع المسلم نشأتهم واحدة ورحلتهم في الحياة أيضًا واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] . والمجتمع المسلم، مجتمع يشمل الناس جميعًا ذكورًا وإناثًا من جميع الشعوب وجميع القبائل. وأساس التفضيل فيه هو تقوى الله سبحانه وتعالى، ومن وظائف الناس فيه التعارف والتفاهم لصالح الجميع، وأمة الإسلام أمة واحدة لا ينبغي أن تتفرق شيعًا أو أحزابًا: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] .

وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] . أناس توحدت نشأتهم، ومن وظائفهم أن يتعارفوا ويستبقوا إلى تقوى الله، فهل تنمو بينهم سوى المحبة؟ وهل يكون بينهم سوى وحدة الهدف، وشرف المقصد؟ ومع ذلك، فإن الإسلام يحدد السلوك الإجرائي للأخوة الإسلامية في الكتاب والسنة لتكون نبراسًا يهتدي به الناس في دنياهم فيحققون فيها أمنهم وأمن مجتمعهم وتضامنهم، ويفتحون آفاق التعاون المثمر بينهم. ومن ين ما وجه به الإسلام لتحقيق ذلك: 1- إيجاد فرص للتعارف والتآلف وحل المشكلات من خلال العبادات: إضافة إلى الفرص الكثيرة التي أوجدها الإسلام للتعاون والتحاب بين أفراد المجتمع المسلم، فقد شرع الله في العبادات ما يهيئ للمسلمين الالتقاء وتبادل الرأي ووحدة التوجه والانتماء وإصلاح ذات البين. فمثلًا: جميع العبادات من صلاة وصوم وغيرهما من أهم وسائل التي تنمي شعور المسلم بالعبودية لله وبالانتماء إلى الأمة الإسلامية، بكل ما يشمل هذا من معان تحيط بمختلف جوانب سلوك المسلم. فنجد في الصلاة مناسبات مقررة للقاء المسلمين: في الصلاة مع الجماعة خمس مرات في اليوم حين يتجمع أبناء الحي في رحاب بيت الله، وهنا فرصة لزوال ما قد يكون بينهم من جفوة ونمو أواصر الإخاء والمحبة، وفي صلاة الجمعة -التي لا تقبل إلا في جماعة أيضًا- يجتمع فيها جماعة أكبر نطاقًا، ومن ثم تتسع فرص الألفة والإخاء بين المسلمين وتتاح فرص لحل ما بينهم من المشكلات، وفي صلاة العيدين -التي لا تقبل إلا في جماعة إيضًا- حيث يكون التأثير الخير لتجمع المسلمين أكبر؛ نظرًا لاتساع نطاق الجماعة. إضافة إلى ما سبق، نجد في الحج فرصة سنوية لجمع شمل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها, حيث يتدارس أبناء المجتمعات المسلمة في مختلف أرجاء المعمورة شئونهم, ويتساعدون على حل مشكلاتهم وتضامن أمتهم. 2- تأدية الأمانة: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 85] .

3- احترام الملكية الخاصة وبخاصة البيوت: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 28] . 4- الإحسان إلى أهل والجار واليتيم والمسكين: قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36] . 5- عدم التفاخر: قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] . 6- اتباع آداب السلوك وقت الراحة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] . 7- العدل: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135] .

8- عيادة المريض وإطعام الجائع وسقيا العطشان: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله. قال: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يابن آدم استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يابن آدم استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي"؟. "رواه مسلم". 9- حسن الخلق: عن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله. عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق، والإثم: ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس". "رواه مسلم". وقال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". "رواه الترمذي". 10- إعطاء الطريق حقه: قال -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس في الطرقات". فقالوا: يارسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها! فقال -صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه". قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". "متفق عليه".

11- إعانة المسلم عند الحاجة وستر عيوبه: قال -صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة". "متفق عليه". 12- التراحم والتواد: قال -صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". "رواه مسلم". 13- الإحسان إلى الجار: قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] . ون أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله. "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك". "رواه مسلم". وعن ابن عمر وعائشة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". "متفق عليه". 14- التحقق من صدق الأخبار: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] . 15- اجتناب الظن والتجسس والغيبة والسخرية من الغير: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] .

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] . 16- الوفاء بالعقود: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . 17- الحث على الصبر والعفو وعدم الغلو في العقاب: قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] . وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] . وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40] . وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] . مما سبق، نلاحظ أن الإسلام يجمع بين طرفي النصيحة ببيان المرغوب فيه من الأعمال والترغيب فيها، وبيان المنهي عنه من الأعمال والترغيب عنها، وإيضاح فضل الأولى ووبال الأخرى على الفرد والمجتمع. وذلك وصولا إلى الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج معًا، بهدف بناء مجتمع على تقوى الله ومنهجه يسوده الود والتعاون والتآخي والتضامن.

التكافل الاجتماعي

ب- التكافل الاجتماعي: إنه لمن دواعي الأمن النفسي للفرد، والأمن في المجتمع على اختلاف طوائفه وطبقاته أن يعتقد الناس ويقر في قلوبهم أن ما عندهم من عرض الدنيا فإن الله مصدره، وأنه استخلفهم فيه لينفقوه في أبواب البر والخير وفق المنهج الذي بينه لهم، سواء أكان هذا العرض مالا أم غيره، فمثلًا لقد حدد الحق -تبارك وتعالى- بوضوح وجوه إنفاق المال, وأبان مهماته في الحياة بما يحفظ التكافل الاجتماعي، وبين أسس الأمن الدائم والمستقر في المجتمع. ومن أمثلة هذه الأسس ما نجده في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] . وقوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7] . وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25] . ومن أهم أسس التكافل الاجتماعي أن يكون الناس جميعهم شركاء في عناصر الحياة المهمة. وهي الماء والكلأ والنار. ولقد بين الإمام على -رضي الله عنه- أن عمارة الأرض -التي تعود على الرعية بالخير والتنمية- مقدمة على جمع الخراج. وذلك حين كتب إلى بعض ولاته يقول: "ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج من غير عمارة خرب البلاد وأهلك العباد" "8، 49". وهكذا تكون مصارف الأموال العامة قنوات لتحقيق التكافل الاجتماعي والعناية بالتنمية الاقتصادية. ولقد حذر الله المسلمين من الإسراف في إنفاق المال أو اكتنازه أو أكله بالباطل. فلا ينبغي أن يسرف المسلم فيبدد ماله وتدفعه الحاجة للسؤال, كما لا ينبغي له أن يكتنزه فلا ينتفع به بالمثوبة على إنفاقه في أبواب الخير

والبر، أو يحبسه عن الإسهام في رفاه المجتمع فلا يسهم في تنمية مجتمعه، بل ينبغي توظيفه في مشروعات التنمية فيه. قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] . وقال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] . ويضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاعدة التكافل الاجتماعي بمعناه الشامل بأن يوجه المسلم إلى ميزان العدالة المطلقة والمسئولية الذاتية في قوله:: عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه". "متفق عليه". وقوله -صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". "صحيح مسلم". ومن أبلغ ما قرره الإسلام في مجال التكافل الاجتماعي عن عنايته الخاصة باليتامى واللقطاء. فاليتيم هو من فقد أباه وهو دون البلوغ. وقد يكون هذا اليتيم رضيعًا أو طفلًا، ومن ثم فهو -على أي حال- في حاجة إلى رعاية ممن يتولى رعايته. لذلك فقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالعناية باليتيم عناية كبيرة. قال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] .

وقال تعالى: { ... لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] . وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215] . كما أمر الله تبارك وتعالى بالمحافظة على مال اليتيم، وتوعد الذين يأكلونه بالعقاب الشديد. فقال عز من قائل: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء: 2] . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] . وقد ضرب الله مثلًا عمليا للمحافظة على مال اليتيم في سورة الكهف حين وجه عبده الصالح بأن يقيم جدارًا، يريد أن ينقض؛ لأن تحته كنزًا ليتيمين. قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] . وقد وجه الرسول الكريم إلى العناية باليتيم، والرفق به، فقال -صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما" , "أخرجه أبو داود والبخاري والترمذي". ونجد صورة رائعة أخرى للتكافل الاجتماعي في الإسلام من خلال عنايته باللقيط. فاللقيط هو المولود الذي لا يعرف نسبه, حيث نبذه أهله فرارًا من تهمة الزني أو لغير ذلك. ومن حق اللقيط في الإسلام وجوب التقاطه؛ لأن في التقاطه وصيانته إحياء نفس، ويكون التقاطه فرض كفاية في حالة رؤيته من جماعة، بحيث إذا تركوه أثموا جميعًا، وكان عليهم تبعة هلاكه إذا هلك. أما إذا لم يره سوى فرد واحد فإن التقاطه يصبح فرض عين على من رآه، ومن التقطه لا يجوز له التخلي عنه؛ لأن في ذلك هلاكه "12، 114-115".

ويشترط الإسلام لحماية اللقيط أن يكون من يرعى اللقيط مسلمًا، بالغا، عاقلًا، رشيدًا، حرا، أمينا، قويا، قادرًا، عدلًا، مقيما في المدينة أو القرية التي التقط منها؛ لأن هذا أرجى لكشف نسبه "12، 15". ومن رحمة الله على اللقيط أن جعل الإنفاق عليه فرض كفاية، فإذا وجد متبرع بالإنفاق عليه سواء أكان ملتقطه أو غيره، فهذا فضل وإحسان يثاب عليه دون أن يستحق الرجوع بما أنفق، أما إذا أنفق على اللقيط بنية الرجوع عليه, وكانت النفقة بالعدل والقسط والمعروف وبإذن من الحاكم. فللمنفق حينئذ حق الرجوع على اللقيط إذا أيسر "12، 116-117" وإذا لم يتيسر من ينفق على اللقيط ينفق عليه من بيت المال. وما تكررت صورة للتكافل الاجتماعي في مجتمع إنساني كما حدثت بين الأنصار والمهاجرين. إذ كان الأنصاري يستضيف أخاه من المهاجرين وليس في بيته من الزاد إلا قوت صبيانه، فيؤثره على نفسه وعياله قائلًا لزوجته: نومي صبيانك وأطفئي السراج، وقدمي ما عندك للضيف، ونجلس معه إلى المائدة، نوهمه أننا نأكل معه ولا نأكل. ويجلسون إلى المائدة ويأكل الضيف وحده ويبيت الزوجان طاويين "9، 66". وحسب الأنصار ثناء الله عليهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] . هذا هو المجتمع المسلم الذي أسس على العقيدة الغراء والشريعة السمحة. فلولا وجود هذا المجتمع المحمدي لظن الناس أن المجتمع المسلم مجتمع معنوي لا يمكن تحقيقه في الواقع. ومجتمع هذا شأنه لا بد أن يصل إلى درجة الكمال أبعد من مألوف البشر. ولا غرو في ذلك، فهو مجتمع تكون وفق المنهج الإلهي. وعلى وجه العموم، فقد فتح الإسلام أبوابًا كثيرة للتفاعل الاجتماعي. فإضافة إلى الزكاة على اختلاف أنواعها والصدقة على اتساع مداها مثل: الهبة والعطية والفيء، رغب في الإنفاق في سبيل الله في مثل قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] . بهذه الآفاق الرحيبة من التكافل الاجتماعي. لا يتوقع أن يكون في المجتمع المسلم جائع أو محروم أو ذو حاجة ما دام متمسكًا بمنهج الله. بل يحدثنا التاريخ أنه جاء زمن لم يوجد في هذا المجتمع من يستحق الزكاة، واستقرت الجنوب في المضاجع وأقفرت الجفون من المدامع وعم الأمن والأمان.

سادسا: متابعة الاجتهاد

سادسًا: متابعة الاجتهاد يعني الاجتهاد في اللغة بذل الطاقة والوسع في تحقيق أمر من الأمور مستلزم للكلفة والمشقة، أما الاجتهاد عند علماء الأصول فهو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحسن من النفس العجز عن المزيد فيه "19، 162/ 4". ولمن يتصدى للاجتهاد. مؤهلات لا مجال للتوسع فيها هنا. ولكن نذكر منها: العلم بالقرآن الكريم ناسخه ومنسوخه, وآيات الأحاكم ومواقعها من السور. والعلم بالسنة النبوية المطهرة القولية والفعلية والتقريرية. ويسبق ذلك الإسلام وما يتضمنه من الإيمان بالله وصفاته. والعلم باللغة العربية؛ لأنها هي التي نزل بها القرآن الكريم وجاءت بها السنة المطهرة. ومعرفة ما أجمع عليه، ومعرفة مقاصد الشارع من الأحكام، ومعرفة استنباط الأحكام من الأدلة "3، 9-15"، إلى غير ذلك من الشروط الواجب توافرها في المجتهد. وللاجتهاد أركان وشروط وأقسام "17، 11-13" كما أن له أنواعًا وأطوارًا "17، 407-431" لا نرى أن نتناولها هنا، إذ يكفينا أن نشير إليها حتى يتبين للقارئ خصائص الاجتهاد ومقوماته. والمعلوم أن الاجتهاد ظل مزدهرًا حتى منتصف القرن الرابع الهجري، حينما بدأ يتضاءل رويدًا رويدًا حتى حصلت الحالة التي سميت "سد باب الاجتهاد"، الأمر الذي أردى الأمة الإسلامية في مهالك كثيرة، بل فيه مخالفة لطبيعة هذا الدين، فمن آثار ذلك تراجع الشريعة عن مواكبة متطلبات الحياة اليومية لمختلف المجتمعات الإسلامية، مما ساعد على ظهور فصل الدين عن الدنيا في بعض هذه المجتمعات "المسلمة" "1، 46". وإذا مما نظرنا في مصالح الناس وما يتفق منها مع عاداتهم وأحوالهم وأخضعنا كل ذلك للقواعد العامة وأدلة الأحكام الكلية في هذه الشريعة لاستراح الناس واطمأنوا. ولم يقع هذا الفصل الذي نراه في بعض الدول الإسلامية من الفصل بين الدين وواقع الحياة "17، 155". فينظر علماء أمتنا فيما يحقق الخير والمصلحة لهذه الأمة في ظل هذه الشريعة الخالدة. وبهذا نجعل صلاح الشريعة لكل زمان ومكان واقعا مستقرا في حياتنا يتسع لما جد من وقائع، ويستظل بظلها الناس أجمعون.

ولا شك أن انتصار الإسلام يتحقق بتحديد موقفه من قضايانا المعاصرة التي لم يفلح علماؤنا حتى الآن في التوفيق بينها وبين الإسلام. وكأن الإسلام دين عقيدة، وليس له صلة بالمعاملات أو شئون العبادات والأخلاق، وكلها تتأثر بالتغيرات التي تطرأ على المجتمع. ويحدد الشعراوي هذا بدقة في قوله: إذا استطعنا أن نحدد موقف الإسلام بشجاعة وصراحة من عمل المرأة الآن والاختلاط وتعدد الزوجات. وإذا استطعنا أن نحدد موقف الإسلام من الإعلام ووسائله والترفيه وأبعاده والسياحة وضروراتها. وإذا استطعنا أن نحدد الموانع التي تحول بين تطبيق أحكام الله وإقامة الحدود ... إذا استطعنا هذا كله أمكننا أن نحقق التواجد الفعلى للإسلام "5، 7". ونتيجة لهذا التواجد الفعلى للإسلام، ونتيجة لإظهار قدرة الإسلام على حل المشكلات المعاصرة بحلول نابعة منه، ونتيجة لثراء الإسلام بالفكر في كل زمان ومكان، "يصبح في الإمكان إعادة الثقة في نفوس الأجيال المتمردة من شبابنا في إمكانيات الإسلام وقدراته الفائقة. كدين صالح لكل زمان ومكان" "5، 8". وهناك مجال معاصر للاجتهاد هو تغير شئون الحياة بفعل التقدم العلمي والتقني، وهو مجال مهم في حياتنا يتنامى يومًا بعد يوم، ويزداد تأثيره في مجريات أمورنا، ويفرض نفسه على قضايانا، ويجعل حلولها -في بعض الأحيان- متوقفة عليه، بل قد تصبح تلكم الحلول التي لا تعتمد عليه ضررها أكثر من نفعها، وهذا يواجه المسلمين مواجهة مستمرة متجددة بتجدده، ومن ثم لا مناص من أن يجتهد علماء الإسلام ليواجهوا متطلبات هذا التقدم العلمي والتقني المعاصر من حيث تبصير المسلمين بموقفهم تجاهها. يقول فضيلة الشيخ الشعراوي في هذا الصدد: والمحور الثالث "الذي يواجه الإسلام" يتمثل في الإنجازات العلمية التي تطلع علينا كل يوم بجديد في الفلك والطب والأحياء وعلم الوراثة والفضاء وغير ذلك من المجالات العلمية، فتثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام ما لا يجد تفسيرًا أو توضيحًا حاضرا لدى الإسلام، وقد تركت في العقول الحيرة وفي النفوس الريبة، وقد تؤثر -بالسلب أو الإيجاب- على العقيدة الإسلامية. "5، 5". ويقترح الشعراوي حلا لهذه المشكلةت في قوله: والواجب الآن إزاء هذه الكشوف العلمية التي يحققها الإنسان في كثير من المجالات وتصطدم أو تتعارض -مؤقتًا- بالرؤية القرآنية أن يتزود العلماء

المسلمون بالرؤية العلمية، وأن يناظر العلم علما مثله، وأن تجب الحقيقة حقيقة مثلها، ولا ضير من معاودة النظر في كتاب الله ومراميه على ضوء المجهر العصري "5، 8-9". وكاتب هذا البحث يرى أن العبارة: "ولا ضير من معاودة النظر في كتاب الله ومراميه على ضوء المجهر العصري". ذات دلالة عميقة على صلاح الإسلام لكل زمان ومكان وعلى ضرورة استمرار الاجتهاد. ودلالة هذه العبارة ترجع إلى أن تفسير القرآن يخضع لقدرة المفسر على فهمه: ليس فقط من حيث اللغة، ولكن أيضًا من حيث مدلول الألفاظ في ضوء خبرة المفسر بمعطيات عصره. وحيث إن القرآن يحيط بكل شيء في صورة كلية وليس في صورة تفصيلية، فإن المفسرين قد يختلفون باختلاف قدرتهم على النفاذ إلى جوهر المعنى, وباختلاف خبرتهم كما ونوعًا وحداثة بالنسبة للأمور المتعلقة بالعلم والمتغيرات الكونية والمشكلات الاجتماعية. وهذا دليل على أن الله تعالى لم يهمل هذه الأمة التي أنزل إليها القرآن، ولم يعطل مداركها، ولم يرض لها الجمود، وإنما دفعها نحو العمل الدءوب على فهم القرآن وإدراك مقاصده والتفكير للوصول إلى عطائه المتجدد بتجدد معطيات العصر مع الاحتفاظ بمقومات المنهج وكلياته. ولذلك، حثنا الله تبارك وتعالى على الاجتهاد في آيات كثيرة تحض على التفكير والتدبر والتبصر، منها: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] . وقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] . ونتيجة لعدم قيام العلماء باستنباط حلول إسلامية لمشكلات العصر عن طريق الاجتهاد، وتردد القادرين منهم في ذلك، فقد تصدى للاجتهاد شباب ليسوا مؤهلين له، فضلوا وأضلوا. وفي هذا يقول الدكتور عز الدين إبراهيم: فالملاحظ الآن في العالم الإسلامي أنه بسبب كثرة الإلحاح على ضرورة فتح باب الاجتهاد ظهر بعض الشباب الذين لم يحصلوا بعد على الصفات التي تؤهلهم للنظر، ومع ذلك يتجرءون على الفتوى في أمور خطيرة مما كانت سببًا في حركات التفكير والبغي والتنطع المبغوض "1، 48".

هذا، علمًا بأن الواجب على علماء المسلمين أن يتابعوا الاجتهاد، ليس فقط من أجل المشكلات التي يواجهها المسلمون ولا يجدون لها حلا عند العلماء فينفد صبر الشباب ويغامر للفتيا دون أساس أو تأهيل لذلك، ولكن ينبغي عليهم أيضًا أن يستبقوا حدوث هذه المشكلات -باستقرائها استبصارا وحدسًا ونفاذ بصيرة- ويحاولوا استنباط حلول لها. فالحياة المعاصرة تتغير وتتبدل كل يوم، والمسلمون يقفون حيارى أماما أنماط جديدة من المكتشفات العلمية, وما تفرزها من مشكلات. وما لم يجد المسلمون لها حلول مستنبطة من الإسلام، سوف تستورد حلولها من المجتمعات الأخرى، أو يغامر غير القادرين على الفتيا بحلول منسوبة إلى الإسلام تكون في غالبها -ما لم تكن جميعها- تضليلًا للمسلمين، وهذان أمران أحلاهما مر. ولعلنا لا نذهب بعيدًا عن الواقع إذا ما قلنا: إن العزوف عن الاجتهاد قد أسهم في دفع المسلمين إلى أن يتبعوا غير المسلمين، وفي تفرق المسلمين داخل العالم الإسلامي شيعًا وأحزابًا، وفي بعد المسلمين عن جوهر عقيدتهم ومنهج دينهم القويم.

سابعا: بث روح الجهاد في سبيل الله

سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله إن الإسلام دين السلام والأمن، فحيث طبق شرعه, واتبع منهجه حل السلام والأمن بين الناس في داخل المجتمع المسلم، كما نشأت علاقات هذا المجتمع بغيره من المجتمعات على أسس حسن الجوار والمودة والتعاون لخير البشرية جمعاء. وأمن المجتمعات الخارجي، لا ينفصل عن أمنها الداخلي، فهما مترابطان, ويتأثر كل منهما بالآخر. وإذا اهتز أمن المجتمع الخارجي أثر تأثيرًا سلبيا على أمنه الداخلي, وكذلك الأمر بالنسبة لأثر الأمن الداخلي على الأمن الخارجي. لذلك أمر الإسلام بالإعداد لتوافر كلا الأمنين. فالمسلمون مكلفون بأن يجاهدوا أنفسهم وأن يجاهدوا غيرهم دفاعا عن دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم. وجهاد النفس يكون بإلزامها بمنهج الله قولًا وعملًا، والجهاد للدفاع عن دين الله والمستضعفين في الأرض يكون بدفع البغي عن ديار المسلمين في كل أرض، وفي كل وقت وحين. ويكن فهم الجهاد من الوجهة الشرعية بأنه "استفراغ الطاقة في مدافعة الأعداء، وقتالهم ويطلق على جهاد النفس والشيطان والفاسقين "14، 86". ويتسع نطاق الجهاد ليشمل جميع جوانب الحياة في المجتمع. بل إن الجهاد بهذا المعنى يصبح مع الاجتهاد مولدًا دائمًا لطاقة التغيير في المجتمع المسلم واستثمار مصادره الطبيعية لصالح المسلمين وتقدمهم.

وقد حث الله تبارك وتعالى على الجهاد في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15] . وقوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج: 78] . وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95] . وقد أوضح الرسول الأمين فضل الجهاد في سبيل الله في قوله: عن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" , قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" , قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور". "متفق عليه". وقال -صلى الله عليه وسلم- عن سهل بن سعد -رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها". "متفق عليه" وحذر الله تبارك وتعالى المسلمين من الانشغال بشئون دنياهم عن الجهاد في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] . كما حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- تاركي الجهاد في قوله: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى ديناكم". "رواه أبو داود". ومما يدل على أن الجهاد ركيزة مهمة من ركائز المجتمع المسلم، فإن الله قد جعله فرض عين على الذين يشتركون في المعارك، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] .

كما أمر الله المسلمين كافة بالجهاد. إذا ما هاجم الكفار ديار المسلمين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: {123] . كما أن إصلاح ذات البين في المجتمع المسلم جهاد في سبيل الله. وذلك حتى لا تتفكك عرى المسلمين, وينقسموا شيعًا وأحزابًا, ينتصر كل حزب لفريق من المتخاصمين، وحتى لا تستهلك قوة المسلمين في الاقتتال فيما بينهم بدلا من أن توجه ضد أعداء الله، وحتى لا يضعف المسلمين فيغري هذا أعداءهم باحتلال بلادهم وتبديل دينهم, والذهاب بطريقتهم ومنهجهم. وقاية من هذا كله كلف الله المسلمين بأن يصلحوا بين المسلمين المتقاتلين, وكسر شوكة الباغي منهم ثم عقد الصلح بينهم بالعدل والقسط. وقد جاء هذا التوجيه صريحًا في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 9، 10] . ومن أسس الجهاد في سبيل الله أن يكون المسلمون على أهبة الاستعداد دائمًا للدفاع عن دينهم وعقيدتهم. وذلك بالأخذ بأسباب القوة طبقًا لمعايير العصر ومستحدثاته، وإعداد القوة المتيقظة الواعية المؤمنة بربها الحفيظة على دينها المتمسكة بعقيدتها القادرة على الدفاع عن دين الله، إذا ما حاول أعداء المسلمين وأعداء الله غزو بلاد المسلمين. وقد جاء هذا التوجيه في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] . ومن أسس الجهاد في سبيل الله، أن يستخدم المسلمون القوة التي أمرهم الله بإعدادها للجهاد في سبيل الله, وفي سبيل نصرة المستضعفين من المؤمنين. نستبين هذا من قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] . ومن أسس الجهاد الثبات وعدم الفرار. فقد توعد الله من يولي الكفار دبره بغضبه، ووعد من يستشهد في الجهاد بالجنة، فقد قال عز وجل:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16] . وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169، 170] . وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] . ويعلق الشعراوي على ذلك بقوله: فإذا ما كان الثمن الجنة فليتعجلها "المجاهد" كما تعجلها الصحابي الذي قال لرسول الله: أليس بيني وبين الجنة إلا أن أذهب إلى هؤلاء أقاتلهم فيقتلوني؟ قال: "نعم"، وكانت في فمه تمرات، فاستطبأ أن يظل حيا إلى أن يمضغ هذه التمرات, وألقى بالتمرات خارج فمه, وخاض المعركة فقتل. "5، 100". ومن أسس الجهاد، في سبيل الله احترام المواثيق والمعاهدات في المجتمعات الأخرى، فرغم أن الإسلام يحض على نصرة المسلم، إلا أنه يستثني من هذه القاعدة ما سبق عليه ميثاق. وقد جاء هذا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72] . والإسلام لم يؤسس الأمن الخارجي للمجتمع على إعداد القوة واستخدامها ضد أعداء الله دون تدبر أو روية، فإن كثيرًا من الأهداف التي تحققها الحروب يمكن تحقيقها بصنع السلام، لذلك حض الله المسلمين على أخذ السلم إذا ما سنحت فرصته، وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61] .

ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه

ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه ... ثامنًا: حسن استثمار المصارد البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه مجتمع الأمة الإسلامية التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها خير أمة أخرجت للناس، في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] . مجتمع الأمة الإسلامية التي يبين الحق -تبارك وتعالى- أنها شهيدة على الناس, وأن الهادي البشير شهيد عليها، في قوله تعالى: {.... لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] . هذا المجتمع ينبغي أن يستنفد طاقاته في الارتقاء بطرائق الحياة فيه، وصولًا إلى أن يتبوأ مكانه ليكون خير أمة، وإلى أن يستحق مكان الشهادة على الناس، وإلى أن يكون مؤهلاء للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن بين أهم الأسس التي وضعها الله سبحانه وتعالى للارتقاء بهذا المجتمع -إلى جانب ما سبق ذكره في هذا الفصل- أن يستثمر الإنسان المصادر الطبيعية في المجتمع على أساس من العلم وتطبيقاته، وبذل الجهد والعمل الدءوب في سبيل تقدمه ووقايته من المشكلات. وذلك من خلال عمارة الأرض التي كلف الله -سبحانه وتعالى- المسلم بها. ولا شك أن وسائل هذه العمارة تحصيل العلم إلى جانب العمل. ومن يتتلمذ على كتاب الله وسنة رسوله يجد العلم مكانًا رحيبًا فيهما، كما يجد تكريم الله سبحانه وتعالى للعلماء, ورفعتهم وفضلهم على العباد من خلقه*. والدين الإسلامي منهج حياة متكامل, لا يقف عند العقيدة وحدها أو العبادات وحدها أو المعاملات وحدها أو الأخلاق، ولكنه يشمل هذا كله، مضافًا إليه ما يتعلق باستثمار جميع ما سخر الله للإنسان من نعم في نفسه وفي الكون لعمارة الأرض وفق منهج الله. وهذا ما طبقه المسلمون في صدر الإسلام، فقراء التاريخ يعرفون أنه تقديرًا للعلم وأهميته كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطلق الأسير الذي يعلم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وكان يبعث المسلمين ليتعلموا تقنية الصناعة في بلاد الشام.

_ 1 انظر الفصل الرابع في هذا الكتاب.

فالقاعدة الأولى التي تبنى عليها الحياة هي العلم بالدين، والعلم -بالضرورة- بشئون الحياة ارتقاء بها. ومن يقرأ القرآن الكريم يجده مليئا بحفز عباد الله على التدبر والتعقل, والتفكر في قدرة الله في الخلق وكشف أسرار الكون واستثمارها والاستمرار في ذلك والمواظبة عليه، والكدح فيه وصولًا إلى تنمية المجتمع والارتقاء به. فلنقرأ قوله الذي يخاطب العلماء فيه، العلماء الذين هم أكثر عباده خشية له بما أوتوا من علم بمكنونات خلقه في الكون. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27، 28] . في هذ الآيات الكريمة نجد من عناصر الكون وظواهره ما هو مجال لإعمال فكر العلماء. ومن بين العلماء هنا علماء كل من الأجناس والأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغير ذلك من العلوم الكونية. هؤلاء أيضًا مطالبون بأن ينظروا في تكوين عناصر الكون والتدبر في شأنها، وهذا النظر وذاك التدبر إذا طولب به العلماء فإنه يكون مدخلًا للارتقاء بالعلم والبحث والاسقتصاء؛ للكشف عن مكنونات الخلق بغية تسخيرها لصالح البشرية بعامة والمجتمع الإسلامي بخاصة، إضافة إلى الوقوف على عظمة الخالق. ولنقرأ قوله تبارك وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 2-4] . وهكذا يطالب الحق تبارك وتعالى في مواضع شتى من الذكر الحكيم عباده بأن يطلقوا عقولهم؛ للتفكر والتدبر والاستقراء والإحصاء والتنقيب والدراسة. وإخضاع ما حولهم من أنهار وبحار وجبال وسهول، والشمس والقمر، والثمر المختلف مذاقه رغم

أنه يسقى بماء واحد، ودورة الماء وأنساق الكواكب والنجوم، وغيرها من الظواهر الكونية, يطالبنا خالقها بالتدبر في شأنها, ليس فقط لنقف على بديع صنعه ومن ثم الإيمان به واحدًا لا إله إلا هو ولا شبيه ولا مثيل, متفردًا في ربوبيته وألوهيته وصفاته وأسمائه، ولكن أيضًا لتسخيرها وفاء بأمانة عمارة الأرض وفق منهجه، ومن ثم الارتقاء بالمجتمع واستثمار مصادره البشرية والطبيعية على أسس علمية. ولا بد من أن يقود العلم إلى إعداد القوى البشرية اللازمة للارتقاء بالحياة في المجتمع وفق تنوع مجالاتها وتعدد مستوياتها، ومن يقرأ آيات الذكر الحكيم التي تحث المسلم على التدبر والتفكر والتيقن وغيرها من مرادفات إعمال الفكر يجدها تأتي في مساقات مختلفة, منها الأنهار والبحار. ومنها الجبال. ومنها الرياح، ومنها الكواكب والنجوم، ومنها الأشجار والثمار، ومنها الإنسان نفسه، ومنها الدواب والحيوان، ومنها السموات والأرض، ومنها الشمس والقمر، وغير ذلك من المخلوقات. وفي هذا بيان باختلاف مجالات العلم والتعلم، وميادين اكتساب الخبرة التي ينبغي أن يستوعبها المسلم ويستخدمها في الارتقاء بالمجتمع. ومن يقرأ تاريخ المسلمين يجد أن الصحابة عليهم رضوان الله، كانوا يحفظون عشر آيات من القرآن ولا يحفظون غيرها إلا بعد أن يطبقوا في حياتهم ما حفظوه. وهذا يبين مدى الالتزام بتطبيق العلم. والقاعدة الثانية التي يعتمد عليها الارتقاء بالحياة في المجتمع إلى جانب العلم هي العمل. ولعلنا نلاحظ أن العمل من العوامل الفارقة بين الدول المتقدمة والدول المختلفة. ففي الدول المتقدمة نلاحظ اليوم أن ساعات العمل ونظمه ومهاراته وأخلاقياته ومن ثم إنتاجه كما ونوعًا أفضل منها في الدول المختلفة. إضافة إلى هذا فإن العمل في الدول المتقدمة يؤسس على علم حديث وتقنية متقدمة، الأمر الذي يجعل إنتاجه يتمتع بالوفرة الكمية والتميز النوعي. ومن يتتلمذ على كتاب الله وسنة رسوله، يجد أن العمل وفق منهج الله قد حظى باهتمام بالغ، فالآيات الكريمة التي تحث على العمل كثيرة، وترغيب الله للعاملين وحفزهم عليه مستمر. ونظرًا لأهمية العمل الصالح فقد اقترن بالإيمان, بل إن العمل الصادق هو ما وقر في القلب وصدقة العمل. فالعمل -إذن- ضرورة إيمانية إلى جانب أنه ضرورة حيوية للارتقاء بحياة الفرد والمجتمع. وفي القرآن الكريم نلحظ اقتران الإيمان

بالعمل، كما نتبين مدى حرص رب العالمين على ترغيب المسلمين في العمل الصالح، وعلى مكافأتهم عليه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29] . وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [البقرة: 25] . وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} [آل عمران: 75] . وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] . وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل متاعه بنفسه ويرتق ثوبه بنفسه ويخسف نعله بنفسه, ليضع العمل في الموضع المناسب من حياة أمة الإسلام، وليكون قدوة للمسلمين في العمل والجد. وهذا رسول الإسلام يجعل العمل قيمة كبرى في الحياة بقوله -صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده, وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". "البخاري وأحمد بن حنبل". وإضافة إلى أن العمل قيمة كبرى في الإسلام، فإن إنجازه في الوقت المحدد, واستثمار الوقت عمومًا هو أيضًا من القيم الكبرى في الإسلام. يقول الحق تبارك وتعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] . ويقول محمد -صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر". "رواه أحمد في مسنده". وقد حث الإسلام المسلمين على الإحسان في العمل، قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30] .

وقال الرسول الكريم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه". "رواه البيهقي". ولكي تؤتي عملية الارتقاء بالمجتمع أكلها، وتسرع خطاها ينبغي وقاية المجتمع من المشكلات. ويحرص الدين الحنيف على وقاية المجتمع المسلم من المشكلات, وعلاج ما قد يحدث منها بأساليب كثيرة، منها -كما سبق أن فصلنا- تأسيس المجتمع على عقيدة التوحيد، وتحكيم شرع الله الأعلم بخصائص عباده وما يصلحهم وما يضرهم، وتأسيس الحكم على الشورى، وإقامة العدل الذي به تطمئن القلوب وتملأ الثقة النفوس. ويكون القوي في المجتمع ضعيفًا حتى يؤخذ الحق منه، ويكون الضعيف في المجتمع قويا حتى يؤخذ الحق له، وفي هذا استقرار لشئون العباد. واتخاذ الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهاجًا لتذكير الناس وتوجيههم. والأخذ بالتعاون والتكافل بين الناس لتوفير الاستقرار والطمأنينة بينهم أفرادا وجماعات، وإشعارهم بالرباط المتين الذي يربطهم، ومن ثم لا يحقد الفقير على الغني ولا يحقر الغني الفقير. فالغني مستخلف في ماله وللفقير حق فيه. ومن عوامل وقاية المحتمع من المشكلات الجهاد والاجتهاد. فالجهاد وقاية للدين والنفس والمال والمجتمع من المشكلات، والاجتهاد هدفه الأساسي تقديم حلول لمشكلات المجتمع -وفق منهج الله- قبل أن تفعل هذه المشكلات فعلها في المجتمع, وتتفاعل مع غيرها فتستحيل إلى معمل لتفريخ مشكلات جديدة. ومن أهم عوامل الوقاية من المشكلات وعلاجها في المجتمع المسلم. كفاءة النظم التي توجه مختلف المؤسسات فيه. فللأسرة في الإسلام نظام يحدد حقوق أطرافها وواجباتهم ويهيئها للانطلاق في البناء. وللاقتصاد نظام يحدده حلاله وحرامه وآفاقه ويعمل على الارتقاء به, وللعبادة نظامها. وللحكم نظامه. وللمجتمع نظامه. وللعلاقات الدولية نظامها، وغير ذلك من النظم التي توجه الحياة في المجتمع وفق منهج الله، فيستقيم على الجادة ويعمل على الانطلاق الحضاري إذا ما طبق تطبيقًا صحيحًا, وبني على فهم سليم لمراد الله في الذكر الحكيم, ولتوجيه الرسول الكريم في السنة المطهرة. وعلى وجه العموم يعمل الإسلام على تكوين المسلم بحيث يكون قويا بدينه، قويا ببدنه، قويا بعلمه، قويا بعمله، قويا بإخوانه، قويا بعطائه لمجتمعه. كما يعمل على تكوين مجتمع قوي في التزامه بمنهج الله, وبالتضامن مع كافة مجتمعات الأمة.

خاتمة الفصل الثامن

خاتمة الفصل الثامن: في هذا الفصل: تناولنا خصائص المجتمع المسلم التي تعمل على تكوين مجتمع قوي بالعدل والإحسان وإحقاق الحق بين عناصره أفرادا وجماعات، قوي بتوجيه أبنائه ونصحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قوي باجتهاد علمائه في حل مشكلاته، وقبل كل شيء قوي بإنفاذ شرع الله وتطبيق حدوده والحرص على التمسك بالعقيدة السمحة، بالتكافل الاجتماعي والإخاء والتواد والتراحم والتعاون على البر والتقوى, وبالجهاد في سبيل الارتقاء بالحياة وفيه وفي سبيل الدفاع عن دين الله، وبالتضامن مع بقية عناصر الأمة المسلمة. جميع الخصائص السابق ذكرها للمجتمع المسلم إضافة إلى الخصائص الأخرى التي لم يذكرها المؤلف من أهم مصادر خبرات المناهج الدراسية. إذ إن المتعلم الذي هو محور الاهتمام في العملية التعليمية يعد للحياة في هذا المجتمع، ومن ثم تصبح الخبرات المتعلقة بهذه الخصائص أساسية في المناهج الدراسية، وبخاصة بالنسبة لمخططي المناهج.

أهم مصادر الفصل الثامن

أهم مصادر الفصل الثامن: إضافة إلى: القرآن الكريم والسنة المطهرة. 1- إبراهيم، عز الدين: معالم رئيسية في مسيرة الجامعات الإسلامية في العهد الحديث. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1404هـ-1984م. 2- التركي، عبد الله بن عبد المحسن: "منهج الدعوة" بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة "جـ1" الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب رئيس الرابطة، 1409هـ-1989م. 3- السعيد، عبد العزيز بن عبد الرحمن: الاجتهاد ورعاية المصلحة ودرء المفسدة في الشريعة الإسلامية، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1404هـ-1984م. 4- الشافعي، حسن محمود: "خطة لتكوين الداعية المفتي"، بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة "جـ3". الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية مكتب رئيس الرابطة، 1409هـ-1988م. 5- الشعراوي، محمد متولي: هذا هو الإسلام. القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع 1985م. 6- العسال، أحمد: "دور الجامعات الإسلامية في تطبيق الشريعة في المجتمعات الإسلامية". بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة "جـ3". الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب رئيس الرابطة، 1409هـ.

7- القطان، مناع خليل: "العقيدة والمجتمع" مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء، العدد الثاني، السنة الثانية. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1402/ 1403هـ. 8-

_ : وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مركز البحوث 1405هـ-1985م. 9- الندوة العالمية للشباب الإسلامي. الإسلام والحضارة ودور الشباب المسلم, المجلد الأول, الطبعة الثانية. الرياض: الندوة العالمية للشباب الإسلامي, 1405هـ-1985م. 10- بركة، عبد الفتاح: خطة مقترحة لتكوين الداعية المفتى "بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة "جـ1" الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب رئيس الرابطة 1409هـ-1988م. 11- شديد، محمد: منهج القرآن في التربية: بيروت: مؤسسة الرسالة، 1397هـ-1977م. 12- صالح، محمد بن أحمد: الطفل في الشريعة الإسلامية، القاهرة: المؤلف، 1986م. 13- عبد الرءوف، محمد: المشكلات التي تواجهها الدعوة داخل العالم الإسلامي وخارجه، بحوث مؤتمر دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة "جـ2". الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب رئيس الرابطة، 1409هـ-1988م. 14- عزام، محفوظ: الجهاد في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: ملحق مجلة الجندي المسلم، العدد "36"، 1405هـ-1985م.

15- قطب، سيد: الإنسان ومشكلات الحضارة. بيروت: دار الشروق، ط 6، 1403هـ-1983م. 16-

_ : السلام العالمي والإسلام. بيروت: دار الشروق، ط4، 1404هـ- 1984م. 17- مرعي، حسن أحمد: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية وبحوث أخرى. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1404هـ-1984م. 18- معتوق، إسماعيل: وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1404هـ-1984م. 19- القاموس، باب الدال، وأحكام الأحكام للآمدي.

الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية

الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية مقدمة الفصل التاسع ... الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة العلمية والتقنية مقدمة الفصل التاسع: كان مجال الدراسة دائمًا ولا يزال من أهم مصادر خبرات المناهج الدراسية. بل إن المتتبع لتطور الفكر في هذه المناهج، يجد أن مجال الدراسة كان حينا من الدهر هو المصدر الوحيد لخبراتها، وذلك فيما يعرف في تاريخ تنظيمات المناهج بمنهج المادة الدراسية. فآنذاك كان لكل مادة من المواد الدراسية منهج مستقل، بمعنى أنه كان للغة العربية منهج مستقل، كما كان لكل من الرياضيات والكيمياء والأحياء منهج مستقل، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المواد الدراسية. في هذا الوقت، كان تزكيز المناهج الدراسية على المعلومات، وكانت وظيفة المدرسة هي -بالدرجة الأولى- نقل التراث الإنساني من جيل إلى جيل. وذلك على اعتبار أن تراكم الخبرات الإنسانية من جيل إلى جيل كفيل بأن يوفر للمتعلم زادًا يمده بما يحتاج إليه في مسيرة حياته, ومع أن الأمر اختلف بعد أن دخل كل من المتعلم والمجتمع في دائرة اهتمام المناهج الدراسية، فإن مجال الدراسة لا يزال يتبوأ مكانًا خاصا بين مصادر خبرات المناهج الدراسية.

أولا: المجال الدراسي

أولا: المجال الدراسي مدخل ... أولًا: المجال الدراسي وكما هو متوقع، فإن مجالات الدراسة تختلف باختلاف طبيعتها والتطورات التي تشهدها. فمثلًا، تختلف الرياضيات من حيث بنيتها وسرعة تطورها عن التاريخ أو الاجتماع أو غيرهما. وعلو وجه العموم، فإن أهم ما ينبغي أن يراعيه مخططو المناهج بالنسبة لمجال الدراسة -من وجهة نظر المؤلف- ما يلي: أ- أساسيات المقرر الدراسي وتسلسله. ب- التطورات المعاصرة فيه. جـ- تطبيقاته. د- التوجيه الإسلامي له. هـ- إسهامات العلماء المسلمين فيه. وفيما يلي نعطي نبذة عن كل عنصر من هذه العناصر: أ- بالنسبة للأساسيات والتسلسل: نعني بالأساسيات -هنا- الخبرات التي تعتمد عليها بنية المقرر الدراسي المراد تخطيط منهجه، ولا نعني أساسيات المجال نفسه، فعلى سبيل المثال، حين

بالنسبة للأساسيات والتسلسل

أ- بالنسبة للأساسيات والتسلسل: نعني بالأساسيات -هنا- الخبرات التي تعتمد عليها بنية المقرر الدراسي المراد تخطيط منهجه، ولا نعني أساسيات المجال نفسه، فعلى سبيل المثال، حين نخطط منهجًا لرياضيات الصف الثالث الابتدائي، فإننا نعني بالأساسيات هنا موضوعات الرياضيات التي تشكل بنية منهج الرياضيات لهذا الصف بالذات. فإذا فرضنا أن هذا المنهج يحتوي على جدول الضرب والقسمة بدون باق، فإن الأساسيات هنا تصبح كما يلي: 1- مفهوم الضرب كعملية جمع متكرر، بمعنى أن: 7+7+7+7+7=7 "مكررة بالجمع 5 مرات". =7×5 ولتعميق هذا المفهوم، يمكن تناوله بصورة خارجة عن نطاق جدول الضرب، مثل: 413+413+413+413+413+413 =413× ـــ كما يمكن تناوله بصورة أخرى، مثل: 902+902+902+902+902+902+902= ــ× 7 2- حقائق جدول الضرب: وهي الحقائق المعروفة في جدول الضرب والتي ينبغي أن يستنتجها التلاميذ بأنفسهم باستخدام مفهوم الضرب، ولا يحفظوها عن ظهر قلب دون فهم. وما ينطبق على حقائق الضرب هنا ينطبق على حقاقق أي موضوع في أي مجال آخر. فهل يمكن أن يتابع متعلم دراسة الهندسة أو تطبيق نظرياتها دون استيعاب منطوق هذه النظريات، وهل يمكن أن يطبق متحدث قواعد النحو دون استعيابها استيعابًا جيدًا، وهل يمكن أن يبدع عالم في علمه دون استيعابه للقواعد الأساسية فيه. ولا يعني ما سبق إثقال المتعلم بالحفظ والاستظهار. ولكن يمكن أن يحدث الاستيعاب عن طريق التطبيقات وتنوعها واستمرارها. وهذا ما ينبغي أن يتنبه له مخططو المناهج. وتدل خبرة المربين على أن تطبيق المفهوم لاستخلاص الحقائق يعمق فهم المتعلم للمفهوم كما يعمق فهمه للحقائق. ويساعد المتعلم على استنتاج الحقيقة التي تغيب عن ذهنه، ويصحح فهم المتعلم الخاطئ عن ضرورة استظهار هذه الحقائق. ومن الملاحظ -بعد أن انتشرت الحاسبات الآلية الصغيرة- أن المتعلم لم يعد يحاول حفظ حقائق جدول الضرب -على سبيل المثال- كما كان في الماضي، ولم يعد كثير من المعلمين يحرصون على متابعة حفظ تلاميذهم لهذه الحقائق اعتقادًا.

منهم بأن الحاسبات قد تحملت عبء إجراء العمليات، ومن ثم لم يعد استيعاب التلاميذ لحقائق الضرب ضروريا من وجهة نظرهم. المؤلف لا يتفق مع هذا الاتجاه. فالحقيقة التي يتفق عليها المربون أن من أهم أهداف التعلم -اليوم- هو تنمية تفكير المتعلم ومساعدته على الإبداع والابتكار وإنتاج المعلومات، ولم يعد تخزين المعلومات في الذاكرة البشرية يحتل الأهمية التي كان يتبوؤها من قبل. والبعض يرفض حفظ أي قدر من المعلومات. وهنا يثار سؤال: هل يمكن أن يطبق المتعلم في حياته ما تعلمه دون تخزين قدر منها في ذاكرته؟ وهل يمكن أن يحدث ابتكار دون الانطلاق إليه من قاعدة المعلومات -لدى المبتكر- كافية لأن توصله إلى ما يبتكره؟ هذا القاعدة من الخبرات اللازمة لإيصال المبتكر إلى الابتكار هي الحد الأدنى لما ينبغي أن يستوعبه المتعلم، ويفضل أن يحفظه حتى يكون سهل الاستدعاء. سهل التطبيق، ومن ثم ييسر طريق الإبداع والابتكار وإنتاج المعلومات. 3- القسمة كعملية عكسية لعملية الضرب، بمعنى: 8×9= 72 تؤدي إلى 72÷8=9 كما تؤدي إلى 72÷9= 8 12×11= 132 تؤدي إلى 132÷12= 11 كما تؤدي إلى 132÷11=12 4 القسمة كعملية طرح متكرر من المقسوم، بمعنى: 132÷11 يمكن إجراؤها على النحو التالي:

يلاحظ هنا أننا كررنا طرح العدد 11 من العدد 132، 12 مرة. وبناء عليه، يكون ناتج قسمة "132÷ 11" هو 12. ويمكن إجراء هذه العملية بصورة أبسط إذا طرحنا مضاعفات العدد 11، مثل: 5- القسمة كعملية جمع متكرر المقسوم عليه، مثل: 132 ÷ 12 يمكن إجراؤها على نحو: وبذلك، فإن 132 ÷ 12= 11

ويمكن تبسيط هذه العملية إذا جمعنا مضاعفات العدد 12، مثل: وبذلك فإن 132÷12=11 وتختلف الأساسيات في المجال الواحد من مستوى لآخر، كما تختلف باختلاف مستوى التعليم وأنواعه؛ لأن أهداف المنهج الدراسي تختلف باختلاف أنواع التعليم ومستوياته. فأهداف مناهج اللغة العربية في الصف السادس الابتدائي تختلف عن أهداف مناهج اللغة العربية في الصف الثالث الإعدادي. وأهداف مناهج اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي تختلف عن أهداف مناهج اللغة الغربية في الصف الثالث من المرحلة الثانوية التجارية أو الزراعية أو الصناعية. ومن الأساسيات التي ينبغي أن يراعيها مخططو المناهج الدراسية أن البنية المعرفية لكل مجال من المجالات تشتمل على مفاهيم وحقائق، وأن الدراسة للوصول إلى مستوى الإتقان تتطلب مساعدة المتعلم إلى الوصول إلى مستوى المهارة. فلكل علم مفاهيمه وحقائقه، ففي العلوم الاجتماعية نجد الحق والأمانة والاتحاد والحب مفاهيم مجردة، وفي الرياضيات نجد المثلث والمستطيل والدائرة والفراغ مفاهيم مجردة، وفي العلوم القانونية نجد الجريمة والاعتداء والجناية والعدل مفاهيم مجردة. وللطبيعة المجردة للمفاهيم، فإن إخضاعها للمستوى الحسي يصبح مدخلًا للتعامل معها في الحياة، وفي المناهج الدراسية. لذلك قد يرمز للاتحاد بمجموعة من الأيدي الممسكة ببعضها البعض أو مجموعة عصي في حزمة، وقد يرمز للعدل بميزان متعادل الكفتين، وقد يرمز للمثلث بثلاثة قطع مستقيمة تتقاطع مثنى مثنى، أو غير ذلك من صور التمثيل الحسي لهذه المفاهيم. ولا شك أن وعي مخططي المنهج الدراسي بمفاهيم كل مجال من مجالات الدراسة وحسن تمثيلها حسيا في خبرات المناهج، والعمل على تعميق فهم المتعلمين لها يسهم إسهامًا إيجابيا في استيعاب المتعلم لها، أما إذا غفل مخططو المنهج

الدراسي عن المفاهيم التي يحتويها المنهج، فإن استيعاب المتعلمين لخبرات المنهج يصبح أمرًا بعيد المنال؛ لأن المفاهيم تشكل البنية الأساسية للمجال المراد تخطيط منهج دراسي له. الحقائق هي المكون الثاني للبنية الأساسية لأي علم أو مجال. فإذا كان المجال هو الفيزياء أو الكيمياء، فإن الحقائق تشمل القواعد والخواص والمعادلات وإذا كان المجال هو الرياضيات فمن الحقائق ما يعرف بحقائق العمليات الأساسية. ففي الحساب -على سبيل المثال- وهي حقائق الضرب وحقائق الجمع وحقائق الطرح وحقائق القسمة، وتكون حقائق الهندسة هي النظريات، ومن حقائق الجبر القواعد والنظريات والمبادئ, أم التاريخ فتكون حقائقه هي الأحداث والتواريخ، وفي العلوم القانونية تكون الحقائق هي مواد القانون. وهكذا نجد لكل علم أو مجال حقائق ينبغي أن يضمن مخططو المناهج الدراسية وجود المناسب منها بين خبرات المناهج الدراسية. وما يود المؤلف تأكيده هنا إضافة إلى توجيه انتباه مخططي المناهج الدراسية إلى العناية بالمفاهيم والحقائق هو التوازن المطلوب بين هذه المفاهيم وتلكم الحقائق. فالشائع في تخطيط المناهج الدراسية توجيه العناية إلى الحقائق على حساب المفاهيم، ومن ثم يلجأ المتعلم إلى استظهار الحقائق دون فهم في معظم الحالات؛ لأن فهم الحقائق يرتكز على جذورها وهي المفاهيم، وأشير إلى جدول الضرب لتوضيح المقصود. التلميذ الذي لا يستوعب مفهوم جدول الضرب بحيث يستطيع أن يستنتج حقائقه بنفسه، يضطر إلى حفظ هذه الحقائق عن ظهر قلب. ولعل منا من يذكر أنه حين سأل ابنه عن ناتج ضرب 5×4 بدأ الابن من 5×5. وفي غالب الأحوال إذا صعب على الابن أن يبدأ هذه البداية لا يستطيع الإجابة, في حين أنه في حال تمكنه من مفهوم جدول الضرب سيحاول الحصول على الإجابة بجمع 5+5+.. إلى 4 مرات. مثل هذه المشكلة لم تحدث -بالضرورة- نتيجة لإهمال المتعلم. ولكن قد يكون السبب فيها عدم إعطاء مفهوم الضرب العناية المناسبة عند اختيار خبرات المنهج الدراسي من قبل مخططي المناهج, أو عند تطبيق المنهج في عملية التدريس. ويعتبر المؤلف الوصول بالمتعلم إلى اكتساب المهارة في تناول كل من المفاهيم والحقائق من الأساسيات المهمة. فحيث إن عصرنا هذا يتطلب إيصال المتعلم إلى الحد الأقصى من التمكن، فإن المدخل الحاسم إلى تحقيق ذلك هو مساعدته للوصول إلى المستوى المهاري في الأداء، بمعنى أن يكتسب المهارة في تحصيل كل من المفاهيم والحقائق وتطبيقاتهما. ولا نعني بالمهارة هنا سرعة الأداء ودقته، كأن يسأل تلميذ الصف الثاني الابتدائي عن ناتج "5×6" فيجيبك الإجابة الصحيحة بسرعة. فإذا كان هذا

التلميذ ماهرًا لمجرد أنه أجاب هذه الأجابة الصحيحة. فإن الآلة الحاسبة تكون أكثر مهارة منه؛ لأنه قد يجيب إجابات صحيحة وأخرى خطأ، ولكنها تجيب دائمًا بسرعة وبدقة ولا تخطئ إلا إذا أصابها عطب أو خلل. المهارة -من وجهة نظر المؤلف- تتكون من ثلاثة عناصر، هي: السرعة والدقة والفهم. بمعنى أن تكون سرعة الإجابة ودقتها مبنية على فهم المتعلم لمكونات العملية، وما يتصل بها من مفاهيم. هذا الفهم الشامل إضافة إلى السرعة والدقة حين تتوافر ثلاثتها عند المتعلم في أداء أي عمل، يكون المتعلم قد وصل إلى المستوى المهاري الذي يوصله إلى التمكن. وهذا المستوى المهاري لا يمكن تحقيقه إلا إذا أخذه في الاعتبار مخططو المنهج الدراسي من بداية اختيارهم المنهج الدراسي. ولا ينبغي أن يترك إلى وقت تطبيق المنهج كما يتصور البعض، فالأوزان النسبية للخبرات داخل نظام المنهج الدراسي تبدأ من مرحلة اختيار الخبرات لكي يتحقق التكافؤ بينها، كل حسب الهدف منه، وحسب وظيفته بالتحديد. أما التسلسل، فينبغي على مخططي المناهج أن يراعوه حيث يلزم. فهناك مجالات يتحتم فيها مراعاة التسلسل والتتابع في الخبرات مثل الرياضيات، حيث لا يمكن تدريس القسمة قبل تدريس الجمع والطرح والضرب، ولا يمكن تدريس الضرب قبل الجمع، ولا يمكن تدريس التفاضل قبل الجبر. وهكذا. ولذلك فإن مراعاة خاصتي التسلسل والتتابع في مناهج الرياضيات في مختلف المستويات وبين خبرات الرياضيات في المنهج الواحد أمر ضروري، سواء عند اختيار خبرات المنهج أم عند تنظيمها. وهناك مجالات لا يكون التسلسل فيها أساسيا مثل التاريخ، إذ يمكن أن يعالج وفق التسلسل الزمني للأحداث, كما يمكن معالجته وفق الوحدة الموضوعية للأحداث, والاجتماع والجغرافيا والاقتصاد لا يكون التسلسل فيه أساسيا مثلما هو في الرياضيات والفيزياء، ولكن -على وجه العموم- حيثما يكون التسلسل مطلوبًا، فعلى مخططي المناهج أن يحققوه بالقدر اللازم.

بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال

ب: بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال كما ذكرنا من قبل، تشهد مختلف العلوم نهضة وتطورا غير مسبوقين، ولا فكاك لمخططي المناهج من ملاحقة هذا التطور محافظة على المناهج من التخلف. فإذا قارنا مناهج الفيزياء -على سبيل المثال- في الصف الثاني الثانوي اليوم بما كانت عليه هذه المناهج من قبل سنوات قليلة سوف نلاحظ فروقًا كبيرة بين هذه المناهج في الحالين, نتيجة للتطورات التي حدثت في مجال الفيزياء، بل إن علومًا فيزيائية جديدة قد ظهرت مثل الفيزياء النظرية والفيزياء الذرية والفيزياء النووية ففرضت نفسها على المناهج الدراسية في مختلف مستويات التعليم وأنواعه. وكذلك الأمر بالنسبة للرياضيات، فعلى سبيل المثال، لقد رحل عن عالم الهندسة، هندسة إقليدس التي احتلت المناهج الدراسية قرونا من الزمان، وظهرت علوم هندسية جديدة مثل الهندسة الوصفية وهندسة التحويلات، أما الجبر فقد ظهر فيه أنواع جديدة مثل الجبر الخطي وغير الخطي والجبر الاكتواري، وغير هذه من التطورات الكثيرة، حدثت في مختلف فروع الرياضيات. ولكن التطور الأهم في مجال الرياضيات هو ما حدث من تطور في بنيتها, وما صاحب هذا من لغة جديدة. فظهرت البنية الرياضية التي أساسها مفهوم المجموعة والتي بناء عليها تمكن الرياضيون من الوصول إلى المفاهيم البنيوية المتدرجة مثل مفهوم الزمرة ومفهوم الحلقة، ومفهوم الحقل. مثل هذه البنى كونت أطرًا جمعت مختلف فروع الرياضيات، وصاحب هذا التطور لغة جديدة ورموز جديدة للتعبير عنه، وهذه مجرد أمثلة. ومن الجدير بالذكر أن هذه المفاهيم الجديدة التي كان لا يدرسها سوى الطلاب المتخصصين في الرياضيات في المستوى الجامعي، أصبحت من بين خبرات المناهج الدراسية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، بل إن بعضًا منها يقدم الآن بالمرحلة الابتدائية، وهذا يوضح إلى أي حد تؤثر التطورات الحديثة في العلوم على المناهج الدراسية، الأمر الذي يلقي على كاهل مخططي المناهج الدارسية عبء متابعة هذه التطورات, والحرص على مواكبة المناهج لها. ولم يتوقف التطور في العلوم عند العلوم البحتة والعلوم التطبيقية، ولكنه تعداها إلى العلوم الاجتماعية أيضًا, إذ شهدت هي الأخرى تقدمًا كبيرًا، ليس فقط في المحتوى ولكن في المنهجية كذلك. ومن أهم ما يلاحظ عليها أنها أصبحت تستخدم المنهج العلمي التجريبي، كما أنها صارت تستخدم الأساليب الإحصائية بتركيز أكثر من ذي قبل. وملاحقة واهتماما بهذا التطور، نجد الجماعات المهنية والمؤسسات التربوية، والمتخصصين في مختلف المجالات والمعنيين بمناهجها، يتابعون هذا التطور ويعقدون المؤتمرات, وينظمون الندوات واللقاءات لتبادل الرأي حول كيفية استثماره في المناهج الدراسية. إضافة إلى استشراف ما يمكن أن يحدث في المسقبل القريب والبعيد من تطور في هذه المجالات.

بالنسبة للتطبيقات

جـ- بالنسبة للتطبيقات: من السمات الأساسية التي ينبغي أن يحرص على توافرها مخططو المناهج الدراسية, بالنسبة للخبرات التي تتضمنها هذه المناهج, أن تتوافر الوظيفية في هذه الخبرات بمعنى أن يكون لها تطبيقات في حياة المتعلم، سواء في حياته الخاصة أم في الحياة العامة في مجتمعه، فإن هذا إضافة إلى أنه يسهم في فتح آفاق الحياة أمام المتعلم، فإنه يجعل هذه الخبرات ذات معنى لديه، ومن ثم ييسر له استيعابها، ويوضح له التواصل والتكامل بين ما يتعلمه في المؤسسة التربوية, وما يدور من مناشط في مؤسسات المجتمع الأخرى. وبهذه المناسبة، فإنني أوصي إخواني -مخططي المناهج في عالمنا الإسلامي- بالعناية بتطبيقات خبرات المناهج الدراسية؛ لأنني أشعر بأنها لا تأخذ حقها من الاهتمام في مناهجنا، وبخاصة في بعض المناهج مثل الرياضيات ومناهج العلوم الشرعية، فمناهج الرياضيات في المرحلتين المتوسطة والثانوية بعامة ومناهج الجبر بخاصة تكاد تكون منقطعة الصلة بالمجتمع، وكثيرا ما يتساءل التلاميذ عن الهدف من دراستهم هذا وذاك. هذا التساؤل يمكن أن يختفي إذا ما حرص مخططو المناهج على تضمين خبرات المنهج تطبيقات في الحياة أو في العلوم الأخرى. وبالنسبة للجبر الذي يحظى بأكبر قدر من الأسئلة فإنني أرى -على سبيل المثال- في الجبر الخطي والاحتمالات، مجالًا لمثل هذه التطبيقات كلما كان هذا ممكنًا. أما مناهج العلوم الشرعية، فإنني أتمنى أن يحصر إخواني القائمون على تخطيطها على اختيار الخبرات المناسبة لعمر التلميذ، والمفيدة له في حياته الحاضرة. وأن ينفكوا من اختيار أبواب كاملة من كتب الفقه أو التوحيد أو الحديث، وفق ورودها في أمهات الكتب. نعم هذه الكتب نفائس ينبغي أن نتتلمذ عليها، ولكن حين نخطط المنهج ينبغي أن نختار منها يناسب عمر التلميذ, وما يفيده في حياته، وما يكون يسير الدراسة بقدر الإمكان، وأن نبسط لغة التعبير عن مضامينها بقدر المستطاع، وأن نوضح مفاهيمها بضرب الأمثال من الحياة اليومية للتلاميذ. إما أن يدرس تلميذ المرحلة الابتدائية "سلسل البول" -وبهذا التعبير نفسه- كما رأيت في مناهج المرحلة الابتدائية في إحدى البلدان الإسلامية, فإن الأمر يكون في حاجة إلى استدراك؛ لأن حالة "سلس البول" ليست من بين خبرات أطفال المرحلة الابتدائية بعامة؛ ولأن هذا التعبير فوق إدراك هؤلاء الأطفال. إن تدريس الدين الآن بحاجة إلى إعادة نظر. فهناك معلومات تقدم للكبار فقط، تشحن بها عقول الصغار، وهناك أراء للرجال تقدم على أنها وحي معصوم أو نص ثابت. وهناك أركان للأخلاق والسلوك تراجعت لتحل محلها صور فقهية ثانوية. ص87

وليتنا نبصر طلابنا الذين يدرسون علوم الدين بحقائق الدين الرئيسية، ونتجاوز القضايا والخلافات التي خلفها الفراغ والترف في بعض الأزمنة، وبيان ما هو قطعي وما هو ظني، وما هو أصلي وما هو فرعي، وتناول المذاهب المختلفة على أنها وجهات نظر ليست معصومة من الخطأ. ص87. أمر آخر فيما يتعلق بتطبيقات خبرات المناهج أن يعمل مخططو المناهج على أن تسهم المناهج في تربية المتعلمين تربية إسلامية. فعلى سبيل المثال، فإن توجيه المناهج إلى إلقاء الضوء على كل من المقبول والمرفوض -وفق التربية الإسلامية- توظيف للمنهج لرعاية هذه التربية، كما لا ينبغي أن تتناقض خبرات المناهج الدراسية في هذا الأمر. وحين ننادي بتوظيف المنهج الدراسي لتحقيق التربية الإسلامية لا ننادي كما ينادي الآخرون بتربية تحقق صالح مجتمعاتهم فقط. فالتربية الإسلامية كما بينا في الفصل الثالث ربانية المصدر عالمية الغاية، ومن ثم فهي لا تعمل لصالح مجتمع معين ولكن لصالح الإنسانية كلها، وتهدف إلى إيصال الإنسان إلى الكمال الإنساني، وتحض على البر والخير في كل زمان وفي كل مكان, وليس لقرابة أو جوار أو إلف أو مصلحة شخصية؛ بل لأنه عمل طيب يرضي الله ورسوله. لذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية أن يوجهوا مناهجهم نحو تحقيق هذه التربية على النحو الذي أجملناه في الفصل الثالث. ومن الوظائف المهمة التي ينبغي أن يراعيها مخططو المناهج الدراسية على اختلاف مجالاتها مراعاة خصائص المتعلم التي أجملناها في الفصل السابع، فكما يتضح من هذا الفصل، فإن للمتعلم طبيعة خاصة وتكوينا خاصا. ووظيفة في الحياة وسمات نمو وقدرات واستعدادات، وغير ذلك مما ذكرنا في هذا الفصل. وبدون مراعاة هذه الخصائص في جميع خطوات تخطيط المنهج الدراسي وتطبيقه لن يفي المنهج الدراسي بوظيفته نحو المتعلم. ومراعاة خصائص المجتمع من الوظائف المهمة -إيضًا- للمنهج الدراسي بغض النظر عن مجال خبراته. فكما بينا في الفصل الثامن، فإن للمجتمع المسلم خصائص مثل عقيدة التوحيد والشريعة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتهاد والتكافل الاجتماعي، لا يمكن أن يحافظ على هويته إلا بتحقيقها، وهناك خصائص أخرى لا يمكن أن يحافظ على موقعه في ركب التقدم إلا بتحقيقها مثل: الاجتهاد والجهاد وتربية العلماء والعمل على استثمار الإمكانات المتوافرة فيه, والتضامن مع المجتمعات المسلمة الأخرى.

إختصارًا للقول فإن المجتمع المسلم لا يمكن أن يقوم على أسس سليمة دون تحقيق السمات التي ذكرنا أهمها في الفصل الثامن. لذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية، بغض النظر عن مجالات تخصصاتها، أن يوجهوا المناهج لتحقيق هذه الخصائص وتطبيقها في المجتمع. ومن الوظائف التي ينبغي أن يحرص مخططو المناهج على الوفاء بها، الوفاء بحاجة المناهج الدراسية الأخرى. فعلى سبيل المثال، يحتاج تلميذ الصف الثالث الثانوي عند دراسته للفيزياء والكيمياء إلى خبرات معينة في الرياضيات. وما لم يأخذ مخططو منهج الرياضيات لهذا الصف تطبيقات الرياضيات في المناهج الدراسية الأخرى في الاعتبار، فإن هذا المنهج سوف يكون منقوصًا, ويسبب هذا النقص مشكلات كثيرة للمتعلم في دراسته للفيزياء والكيمياء، على سبيل المثال. ونسوق مثالًا آخر لوظيفة المنهج -بغض النظر عن مجال تخصصه- يتعلق باللغة العربية. فتحقيقًا لمبدأ تكامل المناهج الدراسية لمختلف مجالات الدراسة مع منهج اللغة العربية، ينبغي أن تراعي مناهج المجالات الأخرى تطبيق اللغة العربية من حيث الضبط النحوي وسلامة التراكيب وغيرها. لذلك، فإنه تصبح المحافظة على الضبط النحوي, وسلامة التراكيب وغيرها عند صياغة خبرات جميع المناهج في هذا الصف مسئولية مخططي مناهجها وفاء لحاجة المتعلم إلى اللغة العربية. وهناك وظيفة أخرى تتخطى حدود البيئة المحلية والمجتمع المحلي، ولكن في ظل العولمة التي تزحف على حياتنا اليومية، وفي ظل أهمية الاقتصاد في حياة الأمم يصبح لوظيفة المناهج الدراسية امتداد أبعد من البيئة والمجتمع المحليين. فالبيئة المحلية والمجتمع المحلي لهما مطالب من المناهج الدراسية، لا شك واجبة الوفاء. ففي بلد مثل مصر يتوقع أن تسد المناهج الدراسية حاجتها، من المختصين في استصلاح الأراضي الصحراوية واستزراعها سدا لحاجة المجتمع إلى التوسع في زراعة القمح والخروج من الشريط الزراعي الضيق حول النيل، كما أنها في حاجة إلى شباب مؤهل للاستثمار في المشروعات الصغيرة خروجًا من مصيدة البطالة. ونضرب مثلًا آخر, للوفاء بحاجة المجتمع المحلي من البلدان الخليج، فقد أنشأت هذه البلدان في وقت الطفرة الاقتصادية بنية أساسية رائعة. وتتوقع هذه البلدان من المناهج الدراسية أن تعد الخبرات القادرة على صياغة هذه البنية وتطويرها حلا لمشكلة الاعتماد على القوى العاملة الأجنبية، وبخاصة غير المسلمة. أما بالنسبة للعولمة وأهمية التنمية الاقتصادية، فإن العولمة تفرض أن يعنى المنهج الدراسي بهذا الاتجاه وما يتمخض عنه من آثار كلما كان هذا ممكنًا. وإضافة إلى ما سبق ذكره فإن التنمية الاقتصادية أصبحت تمتد إلى خارج حدود المجتمع المحلي، في كثير من الأحيان فمثلًا، مصر عندها عمالة فائضة عن حاجتها، الأمر الذي يضع على كاهل المناهج الدراسية إعدادها لسد حادة البلدان التي تحتاج إلى عمالة مثل أوربا وأفريقيا وبلدان الخليج وغيرها من البلدان. ولا يمكن الوفاء بهذا إلا عن طريق تخطيط مناهج دراسية تحققه.

بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي

د: بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي لقد أوضحنا في الفصل الخامس مفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم وأهميته وأسسه، وجعلناه من الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي. ولم يعتد الكاتبون في تخطيط المناهج الدراسية وبنائها اعتبار هذا التوجيه، أساسًا لتخطيط المناهج الدراسية وبنائها. ولكن المؤلف يشعر بالحاجة إلى تطبيق هذا التوجيه -اليوم- أكثر من أي وقت مضى، فالهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام من كل حدب وصوب تشكيكًا في عقيدتهم وتشويها لشريعتهم وطمسًا لهويتهم، والدعوة المعاصرة إلى العولمة التي جعلت الشعور بالشخصية الذاتية تتراجع في المجتمعات غير ذات السبق، والتغيرات العلمية والتقنية سريعة الخطى. كل هذا قد هز الشعور بالاستقرار في ديارنا. لذلك فإن هذه العوامل وأمثالها تحتاج منا -نحن المسلمون- إلى وقفة تربوية نراجع فيها أنفسنا, ونشخذ قوانا, ونصحح مسيرتنا التربوية. فدول السبق هي التي ترفع شعار العولمة وتفرضها على الدول الأخرى. ومع ذلك فإنها تعمل عملًا دءوبًا على الاحتفاظ بشخصيتها وثقافتها، بل تحاول فرضه عل غيرها. فهل تربي أمريكا مواطنا عالميا أم مواطنا أمريكيا؟ ومثلها روسيا واليابان وفرنسا وإنجلترا وغيرها من دول السبق. بل إن هذه الدول حاولت تكوين كيانات كبرى تستطيع فرض مصالحها على العالم مع الاحتفاظ بالخصوصيات المحلية لكل دولة, بقدر الإمكان مثال لهذا الوحدة الأوربية. ومع ذلك فالتربية في فرنسا لا تزال فرنسية، والتربية في ألمانيا لا تزال ألمانية والتربية في بريطانيا لا تزال بريطانية. من حقنا -نحن المسلمين- أن نوجه تربيتنا توجيهًا إسلاميا، وبخاصة المناهج الدراسية. ولكي يتم هذا ينبغي أن يكون جميع ما يتعرض له المتعلم -في داخل المؤسسة التربوية على وجه الخصوص، وفي المجتمع على وجه العموم- متسقًا مع التوجيه الإسلامي، على وجه العموم. وحيث إن اهتمامنا هنا ينصب على تخطيط المناهج الدراسية فإن على مخططي المناهج أن يختاروا خبرات المناهج الدراسية بما يحقق الخصائص العامة

للعلم، كما بيناها في الفصل الرابع. فلا بد أن يقر في قلب المتعلم المسلم -بغض النظر عن مستواه الدراسي أو مجال التخصيص- أن العلم كله من عند الله، وأنه لا ينفد، وأن منه الموحى به ومنه المكتسب، وأن اليقيني منه لا يتعارض مع حقائق الكون. فالوحي نزل بكتاب الله والكون من خلق الله، ومن ثم لا يمكن أن يتعارضا في شيء، وأننا نحن المسلمين مطالبون بتحصيل العلم وبذل أقصى الطاقة في ذلك، وأننا نثاب على هذا إذا ما أخلصنا النية لله وحصلنا العلم بما يرضي الله, وطبقناه فيما يرضي الله، سبحانه وتعالى. هذه الخصائص وغيرها مما ذكرنا في الفصل الرابع تتسق مع التوجيه الإسلامي، وتقي المتعلم من التلوث الفكري الذي يتسرب إليه من الأفكار التي تتعارض مع التوجيه الإسلامي. وقد سبق أن بينا في الفصل الثالث خصائص التربية الإسلامية, وأكدنا على ضرورة عناية مخططي المناهج الدراسية بهذه الخصائص. فعندما يعمل مخططو المناهج على تحقيق خصائص التربية الإسلامية، إضافة إلى تحقيق خصائص العلم. فإن المتعلم يجد اتساقًا وتناغمًا في الخبرات التي يقدمها إليه المنهج الدراسي. الأمر الذي يساعده على استيعاب هذه الخبرات التي يقدمها إليه المنهج الدراسي. الأمر الذي يساعده على استيعاب هذه الخبرات وتمثلها. ويدفعها إلى الإيمان بها فضلًا عن أنها تسهم في تربيته تربية إسلامية. ويساعد التوجيه الإسلامي للعلوم على وقاية المتعلم من التلوث الفكري. فما يحدث في كثير من مدارسنا هو أننا نقدم العلوم على أنها نتاج فكر العلماء وإبداعهم، أي: أننا نقدم علما منقطع الصلة بالله، ونحصر الهدف من تحصيل العلم في الهدف النفعي وهنا نستبعد -مرة أخرى- صلة تحصيل العلم بعبادة الله سبحانه وتعالى- ونقدم العلماء على أنهم أناس أفذاذ العقول قدراتهم الإبداعية هي التي مكنتهم من الإبداع والابتكار، ولا نذكر أن لله هو الذي وفقهم إلى ما أنجزوا, وأنهم مكرمون عند الله إذا اتبعوا أوامره ونواهيه في إبداعاتهم وابتكاراتهم، فإيضاح الصلة بين توفيق الله سبحانه وتعالى من ناحية وبين العلم والعلماء من ناحية أخرى، يسهم في التوجيه الإسلامي للمناهج كما يسهم في حماية أبناء المسلمين من التلوث الفكري. وباب آخر واسع للتلوث الفكري نفتحه على أبنائنا, حين ندرس ما يناقض تعاليم الإسلام. وسأضرب هنا مثلًا بسيطًا من مناهج مدارسنا الابتدائية يتعلق بمناهج التربية الإسلامية والرياضيات، فمدرس التربية الدينية يعلم المتعلم أن الربا محرم في الإسلام، ويعلمه معلم الرياضيات -ربما في الحصة التالية- ما يتناقض مع هذا تمامًا, حين يدرس الفائدة البسيطة والفائدة المركبة في البنوك، وهي فائدة مقطوعة مقدمًا. أي: إنها ربا بواح، وحيث إن ما يعلمه معلم الرياضيات يشهده المتعلم في المجتمع، يصبح ما يعلمه معلم التربية الإسلامية الدينية -في نظر المتعلم- تاريخًا انقضى عهده مضى وزمنه، وما كان لهذا التناقض أن يحدث لو أننا حرصنا على توجيه مناهج الرياضيات توجيهًا إسلاميا. للأسباب السابقة، فإن الحرص على توجيه المناهج الدراسية توجيها إسلاميا بدءا من اختيار خبراتها أمر مهم, يقع على عاتق مخططي هذه المناهج ومطبقيها.

بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي

هـ- بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي: حين تمر الأمم بفترات تخلف وتترك مكانها الريادي، وتجد نفسها وقد تخلت عن مكانها في الصفوف الأمامية من مسيرة التقدم، فإن من عوامل هذه الأمة وحفز أجيالها للعمل على استعادة مكانها في الطليعة تبصير أبنائها بإنجازات أسلافهم في مختلف الميادين. من أجل هذا تحرص الأمم على أن يستوعب أبناؤها ما حققته من إنجازات عبر التاريخ. والمسلمون -اليوم- ليسوا في مكان الريادة كما كانوا بالأمس. فقد تخلفوا عن ركب التقدم, وفاتهم تسارع التقدم العلمي والتقني. وأصبحوا يتلقون الجديد منهما ولا ينتجدونه، وفي كثير من الأحيان، يتلقون معونات وقروضًا من الغير يستعينون بها على سد حاجتهم من المأكل والمشرب وتسيير أمور الحياة. ومن بين دول المسلمين ما يلبس ما لا ينسج ويركب ما لا يصنع, ويعيش حياة تذكر بتلك التي كانت منذ قرون خلت. ويبين تاريخ هذه الأمة أنها كانت تحمل لواء الحضارة الإنسانية يوم أن كانت أوربا وكثير غيرها من البلدان المتقدمة اليوم، في تخلف وانحدار. فكانت ديار المسلمين منارة للعلم والنور, يشد العلماء إليها الرحال للتزود بالعلم والمعرفة؛ لأن العلماء المسلمين أخذوا عن سابقيهم من الهنود والإغريق والفرس وغيرهم, وتمثلوا ما أخذوه، ثم انتقلوا إلى مرحلة الإبداع والابتكار. يؤكد هذا فؤاد سيزكين في قوله عن إنجازات المسلمين العلمية: لسنا نخالف الحقائق التاريخية إذا اعتبرنا أن مرحلة "الأخذ والتمثل" تنتهي في أواسط القرن الثالث الهجري إلى مرحلة "الإبداع" كما يمكننا أن نصور الطابع الأساسي لبداية هذه المرحلة -أي: مرحلة الإبداع- في إدراك العلماء المسلمين بأنفسهم أنهم قادرون على الإبداع، وهم قادرون بالتالي على أن يصلوا إلى ما لم يصل إليه الإغريق من قبلهم "2، 15". ولكن القارئ لكتب الغرب عن تاريخ العلوم يجد تعتيمًا وتشويها لإنجازات المسلمين العلمية، فمعظم هذه الكتب تقفز من عصر الإغريق إلى ما يسمى "عصر النهضة" ويتجاهل عصر الحضارة الإسلامية الذي يتوسطهما، وإذا مر بإنجازات المسلمين ففي عجالة لا تعطيها حقها. مع أن المسلمين قد أسسوا علومًا

وبدءوها وما كانوا فيها بمسبوقين، كما طوروا علومًا أخرى. فمحمد بن موسى الخوارزمي هو مؤسس "علم الجبر". ونصير الدين الطوسي هو مؤسس "علم المثلثات"، هذا إضافة إلى جهود العلماء المسلمين التي أسهمت في تقدم العلوم الأخرى مثل: الكندي وابن الهيثم في الجغرافيا والشيرازي وثابت بن قرة والبناني وجابر بن أملح في الفلك وابن سينا في الطب وثابت بن قرة والبيروني والكاشي وأبو جعفر في الرياضيات وابن خلدون في الاجتماع، وابن حزم والغزالي وإخوان الصفا في التربية وابن الجوزية والزرنوجي في علم النفس. وهؤلاء مجرد أمثلة. وقليل من أبناء المسلمين المعاصرين من يعرف أن الأولين من المسلمين لهم إسهامات علمية ساعدت على تقدم البشرية. فقليل من علمائنا من اهتم بالبحث في المصادر الأصلية عن إنجازات المسلمين في العلوم، والأقل من كتب عن هذه الإنجازات. لجأ الكثير من هؤلاء إلى المراجع الأجنبية مع ما فيها من تشويه لجهود المسلمين في تقدم حضارة الإنسان. وزاد الطين بلة أن المناهج الدراسية في معظم المؤسسات التربوية في العالم الإسلامي لم تعن العناية الكافية بإسهامات العلماء المسلمين العلمية, إضافة إلى قلة ما كتب عنها للقارئ العادي. ولقصور المناهج الدراسية في العناية بإسهامات العلماء المسلمين في حضارة الإنسان أسباب كثيرة, يذكر المؤلف منها سببين رئيسيين: أحدهما: قلة المراجع والدراسات الخاصة بهذ الإسهامات, كما سبق أن ذكرنا. والثاني، أن مخططي مناهجنا الدراسية لا يهتمون كثيرًا بهذه الإسهامات. لذلك فإن طلابنا يتعلمون في مؤسساتنا التربوية أن الرياضيات من ابتكار نيوتن وغيره من غير المسلمين, ولا يعرفون أن للخوارزمي وغيره من العلماء المسلمين إسهاما في مجالها, وأن الاجتماع من ابتكار دور كايم وغيره من العلماء غير المسلمين، ولا يعرفون أن لابن خلدون وغيره من العلماء المسلمين إسهاما في مجاله, وأن التربية من ابتكار جون ديوي وغيره من العلماء المسلمين, ولا يعرفون أن ابن الجوزية وغيره من العلماء المسلمين لهم إسهامًا فيها، وأن علم النفس من ابتكار فرويد وغيره من العماء غير المسلمين, ولا يعرفون أن الزرنوجي وغيره من العلماء المسلمين لهم إسهامًا فيها. وبهذا يقر في عقولنا أبناء المسلمين أن العلماء غير المسلمين هم بناة حضارة الإنسان, وأن المسلمين ليس لهم إسهام يذكر فيها، وبخاصة أن حال المسلمين -اليوم- لا ينبئ عنهم في سالف زمانهم وعن كبير إنجازهم. علاج هذا القصور في المناهج الدراسية ينبغي -من وجهة نظر المؤلف- أن يبدأ على أيدي مخططي هذه المناهج. وذلك بأن يقدم كل منهج دراسي خبرات عن إسهامات العلماء المسلمين كلما كان هذا ممكنًا. بمعنى أنه إذا كان المنهج الدراسي

يقدم عمليتي الجمع والطرح في الحساب -على سبيل المثال- فإن المنهج يقدم للمتعلمين مفهوم كل من هاتين العمليتين, وكيفية إجراء كل منهما وتطبيقاتهما عند علماء المسلمين، وإذا كان مجال خبرات المنهج هو الفلك، فعلى المنهج الدراسي أن يقدم إسهامات العلماء المسلمين فيما يدرسه المتعلمون في الفلك. وبذلك يطلع أبناء الأمة على إنجازات أجدادهم في حضارة الإنسان. ويرى المؤلف إضافة إلى تقديم إسهامات العلماء المسلمين في كل مجال دراسي عن طريق خبرات هذا المجال، أن يخصص مقرر مستقل في منهج المؤسسة التربوية يعطي فكرة شاملة عن هذه الإسهامات. ويرى المؤلف أن أهمية عناية مخططي المناهج الدراسية بتقديم إسهامات العلماء المسلمين في المناهج الدراسية ترجع إلى ما يلى، على وجه الخصوص: 1- الإسهام في تكوين شعور الاعتزاز بالأمة الإسلامية لدى المتعلمين، وحفزهم على النهوض بها وإعادتها إلى سابق مجدها. 2- تثقيف أبناء الأمة بالنسبة لتطور الفكر في مختلف مجالات الدراسة. 3- إتاحة فرص للترويح عن المتعلمين من خلال تقديم هذه الإسهامات وتذوقها من قبل المتعلمين. 4- الوقوف على إسهامات الحضارة الإسلامية في حضارة الإنسان.

ثانيا: الثقافة العلمية والتقنية

ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية في هذا الجزء من الفصل سوف يعالج المؤلف التقدم العلمي والتقني, من حيث كونهما مصدرًا من مصارد المنهج الدراسي. ولعل القارئ يتساءل ما إذا كان المقصود هنا أن هذا المصدر يخص مجالات العلوم الطبيعية فقط أم العلوم الطبيعية والتطبيية أم أنه يخص العلوم الإنسانية أيضًا. وإجابة هذا السؤال -من وجهة نظر المؤلف-ذات ثلاث شعب: الشعبة الأولى أن المستحدث في المجال وما يتصل به من تقانة ينبغي أن يكون له نصيب مفروض في المنهج الدراسي، كما سبق أن بينا، والشعبة الثانية أن تقانة تعليم المجال هي أيضًا جزء لا يتجزأ من المنهج، أما الشعبة الثالثة فهي الثقافة التقنية التي لا غنى لكل فرد عنها, ليتفهم حركة الحياة ولغتها اللتين تتغيران بتغيرالتقدم العلمي والتقني في العالم. هذه الثقافة تجنب المتعلم الدخول في زمرة المنتمين إلى الأمية العلمية التقنية.

ويلاحظ أن كثرة الحديث عن التقدم العلمي والتقني وأثرهما على الحياة، أصبح قولًا مكرورًا، ومن ثم لم يعد يشد الانتباه عند البعض. هذا رغم أن آثاره مشهودة وفعاليته في تقدم الأمم غير منكورة. لذلك، قد يكون مفيدًا أن يقدم المؤلف للقارئ ما اطلع عليه عن تقانة التبريد. وهذا رغم أنه مجرد مثال عن تأثير التقانة فإنه مثال مبين. يقول كاتب المقال بعنوان: "رحلة البحث عن الأبدية في الخلايا": عندما عرض المتطوع الطيار الشاب مكورماك McCormac نفسه للتجربة السرية، في قسم التبريد والمعالجة الطويلة الأمد بأحد المختبرات العسكرية الأمريكية، تحت العزل المطبق عام 1939م عشية نشوب الحرب العالمية الثانية، على أن يدوم الاختبار لمدة سنة واحدة فقط، لم يخطر في بال ذلك الطيار، أنه سينام في التابوت المبرد حتى عام 1992م، في غيبوبة رهيبة لفترة تزيد عن نصف قرن. وعندما استيقظ الشاب المنسي في قاعة مهملة من مستودعات الجيش الأمريكي، من تابوت اختبار التبريد المديد، انتفض جسد الشاب يرتعش من البرد القطبي الذي كان غاطسًا فيه، ليرى العالم قد تغير، فأصبح جديدًا، ونشأة مستأنفة، وعالمًا مستحدثًا "5، 24". ولكن المفاجأة في هذه التجربة أنها لم تختصر له الزمن، ففي خلال فترة قصيرة، بعد نهوضه من مرقده، بدأت تهوd خلاياه من جديد وباتجاه متسارع رهيب، لتعوض كل السنوات بسرعة أيام وساعات، فهو الذي ولد عام 1907م ونهض في عام 1992م بعد ثلاث وخمسين سنة، من المفروض أن تتسارع خلاياه بسرعة لتلحق بالشيخوخة، حتى يصبح في فترة قصيرة لا تتجاوز العام الواحد شيخًا عجوزًا في الخامسة والثمانين، يجر أقدامه المتعبة من طول الأيام وكر السنين، وهكذا فالتبريد لم يجدد الخلايا، ولم يحافظ عليها في وضع الشباب إلا لشهور معدودة، وكل ما فعله التبريد أنه أوقف التسارع، فلما استيقظ الرجل من نومة أهل الكهف، هرعت الخلايا عائدة إلى ذاكرتها المخدرة، لتعوض الوقت الطويل الذي مر، والتخلف الذي عاشت فيه، فإذا به في فترة قصيرة وقد تيبست مفاصله، وتراجعت حيويته، واشتعل رأسه شيبًا، وتجعد جلده، وتغضنت قسمات وجهه، وبدأ ظهره في التقوس، حتى خلاياه أظهرت وضعًا حير الأطباء، فشكله كان شبابًا ولكن صبغة الدم كان تشير إلى مرض البرغريا Progeria ففي هذا المرض تصاب الخلايا بالتسارع "5، 25". ويذكر كاتب هذا المقال، أن القارورة الواحدة "من الخلايا الحية" يمكن أن تبقى محفوظة بنصف حياة في درجة الحرارة هذه مائة قرن بالتمام والكمال، فإذا كشف الغطاء بعد عشرة آلاف سنة كان حوالي نصفها ما زال على قيد الحياة، ويمكن أن يتابع مسيرة الحياة مرة أخرى بكل عنفوان "5، 29".

ويضيف: إن البكتريا التي تصدرها هذه المؤسسات "مؤسسة تكثير الخلايا" بعد تكثيرها يمكنها إبادة الجنس البشري؛ لأن السلاح البيولوجي يعد أخطر من السلاح النووي بما لا يقارن، فكلتة خمسة عشر طنا من السلاح البيولوجي كافية لإبادة الجنس البشري "5، 28". ويود المؤلف أن يوجه نظر القارئ أن تقنية التبريد التي نتحدث عنها هنا، هي تقنية عام 1939م، وهي التقنية ذاتها التي تطورت اليوم فمكنت الأطباء من إجراء عمليات القلب المفتوح بصورة مأمونة بعد تبريده تبريدًا سريعًا، هذا ما كشف عنه لغير حائزي هذه التقنية. وقد يكون عند حائزيها -بل بالضروة- أن يكون عند حائزيها الكثير مما لم يكشفوا عنه للآخرين. واليوم نادرًا ما نقرأ صحيفة يومية دون أن نجد فيها أخبارًا عن كشف علمي جديد أو تطبيق تقني حديث، أما المجلات المتخصصة فقد ضاقت صفحاتها على كثرتها عن متابعة الكشوف العلمية التي تتدفق كل يوم من مراكز البحث العلمي, والتطبيقات التقنية التي تنهمر بصورة أذهبت العقول وحيرت الأفئدة. ولا يزال السيل الجارف مستمرا. أما قضية البث المباشر فقد أصبحت قضية عالمية، كما أصحب من العسير أن ترى بيتا من وسط الأكواخ لا يعلوه ذلك العمود الممتد كأنه يد تترصد الصور من الأجواء. وحين تنتشر الأقمار الصناعية على مدى أوسع، ويتطور الإنتاج في عالم الإلكترونيات بشكل أكبر، سوف يصبح في متناول الناس في كل بقاع الأرض المشاركة في الرؤية والاستماع إلى البرامج عبر العالم كله. وحيئنذ لن تجدي أية رقابة. وهنا يتضح جلاء أن نجاة أمتنا رهن بصحوة ذاتيتها. وانطلاقها الذاتي، وتمسكها بقيمها النبيلة وهويتها الأصلية. هذه مقتطفات بسيطة عن المشهود لنا من التقدم العلمي والتقني على ساحة الحياة، فما بالنا بما هو آت، وقد أطلت علينا بشائره. فإلى أين تسير بنا البحوث العلمية والتقنية في مجال الهندسة الوراثية، والحزم الضوئية ونقل الأعضاء، والتحكم عن بعد، والتجسس من خلال الأقمار الصناعية، وطفرة المعلوماتية وغيرها. وإذا فكرنا في التطور التقني في المنظور المستقبلي القريب، نقرأ ما يلي: ستكون أجهزة الحاسوب المستقبلية بحجم مفكرة الجيب، وتتيح لك قراءة البريد الإلكتروني وإرساله. واستقبال الفاكسات وإرسالها، وتخزين النقود، ومراجعة أرصدتك لدى البنوك، والحصول على أية معلومات أو بيانات أو مواد إعلامية أو ثقافية أو تعليمية.

أما عن شبكة هذه الحواسيب فيذكر، وبدلًا من الهرولة نحو المكتبة للحصول على المراجع ومصادر المعلومات المطلوبة لإعداد التقرير، تلجأ إلى جهاز الحاسوب القابع أمامك فترسل الفاكسات والبريد الإلكتروني إلى جميع الأشخاص للاستشارة والإجابة عن أسئلتك واستفساراتك. كما تستطيع من خلال جهاز الحاسوب الشخصي هذا أن تتجول في أرجاء مكتبة الكونجرس وغيرها من المكتبات العالمية، ويمكنك الإفادة من المعلومات والبيانات التي توفرها مراكز البحوث والدراسات. وبذلك تتوافر لديك المواد اللازمة لإعداد التقرير المطلوب. كما يمكنك القيام بدراسة استطلاعية على عينة من مشتركي شبكة "إنترنيت" للحكم على قابلية تنفيذ التصور المطروح في التقرير الذي قمت بإعداده. من الأمثلة السابقة يتضح أن عالم المستقبل سيكون فيه التفوق الحضاري لهذه المجتمعات التي تستطيع توظيف العلم والتقانة التوظيف الأمثل. التقدم العلمي والتقني -إذن- أصبح لا يتوقف على استيعاب ما تجمع من معرفة عبر الزمن أو لدى الآخرين، ولكنه يعتمد - في المقام الأول- على امتلاك ناصية أدوات المعرفة. فما يشهده العالم اليوم -على ضخامته- إن هو إلا مقدمات لموجات عارمة من العلوم والمعارف التي يدخل بها العالم آفاقا مجهولة، الأمر الذي يمكن أن يعرض حياة الإنسان وبيئته إلى مخاطر غير مرئية "4، 33-34". ومهما تكن وجهة النظر التي نأخذ بها بالنسبة للنمط العام للمنهج، ومهما تكن وجهة نظرنا بالنسبة للمحتوى، فالمعترف به هو أن هناك الكثير ليتعلمه الفرد، وهو أكثر بكثير عما يتاح له أن يتعلمه خلال فترة التعليم المدرسي. ولا شك أن هناك شكلًا جديدًا لإنتاج المعرفة آخذا في النشأة والصعود جنبًا إلى جنب مع الإنتاج التقليدي للمعرفة. وهذا الشكل أو الصيغة الجديدة لإنتاج المعرفة لا يؤثر فقط على ماهية ونوع المعرفة المنتجة، ولكن - أيضًا- على الكيفية التي يتم بها إنتاجها, والمحيط البيئي التي تتم فيه مواصلة هذا الإنتاج والطريقة التي ينتظم بها، ونظم المكافآت التي يطبقها وآليات ضبط جودة الإنتاج "4، 6". وننبه هنا لما يمكن أن تصير إليه المناهج الدراسية إذا ما تجاهل مخططوها أو مطوروها التقدم العلمي والتقني المعاصر. فالذي ينبغي أن يدركه هؤلاء وهؤلاء هو أن إيقاع تطوير المناهج المعهود لم يعد مناسبًا لما نشهده من تغير من حولنا: في المجتمع، وفي العلوم، وفي التقنية ... لذلك عليهم أن يبحثوا عن أساليب جديدة ليتعلم الفرد قدرًا أكبر من ذي قبل، ويفهم بأسلوب أعمق من ذي قبل، ويبدع أكثر من ذي قبل ويستشرف بطريقة أكثر نفاذًا من ذي قبل.

وليكن في حسبان من يقومون على بناء المناهج وتطويرها أنه من الضروري بالنسبة للنظم التعليمية مهما كان مستواها أن تدخل التقنية في برامجها كجزء أساسي وتنظيمي على نطاق واسع. فإن عصرنا هو عصر التقنية العقلية المعقدة التي تتجاوز مجرد استخدام الآلات والأجهزة إلى المبادئ العلمية القائمة عليها. وأن الاستخدام الفعال والصحيح للتقنية التربوية الحديثة يمكن أن يعطي مردودًا أكبر للاستثمارات القائمة, والإمكانات المخصصة لبرامج التعليم والتدريب، كما يمكن أن يوثق العلاقة بين مراكز الدراسة ومراكز العمل والإنتاج وبذلك تضيق الهوة بين المدرسة والمجتمع، وتقل الشكوى من أن المدرسة لا تعد الدارسين لعالم العمل ذي الطبيعة المتغيرة باستمرار. ويمكن الاستخدام الصحيح لتقنية التعليم من المساهمة بصورة فعالة في برامج مكافحة الأمية والتعليم المستمر، وتيسير الدراسة لأعداد أكبر من الراغبين في التعليم، وزيادة الاستفادة من البرامج الدراسية، وإتاحة الفرص لكافة فئات المجتمع لكي تزيد من تحصيلها العلمي والثقافي، وبذلك يتحقق - تدريجيا- المجتمع المستمر في التعلم. كما ينبغي أن تعكس المواد التعليمية أحدث التطبيقات التقنية المتصلة بالمناهج المعنية، وأن تتضمن نتائج أرفع الأعمال العلمية المناسبة في كل تخصص، وأن تأخذ بأحدث الاتجاهات في التعليم والتدريس. وإذا نظرنا إلى التقدم التقني وأثره على المناهج، فإننا نجد له تأثيرًا بالغا. فإضافة إلى أن التقنية فرضت نفسها على خبرات المنهج الدراسي وأصبحت وسيلة مؤثرة في توصيل المعلومات إلى المتعلم، فإنه بناء على تقنية التعليم الحديثة استحدثت نظم جديدة وأساليب متطورة, وتغيرت مهام المشاركين في العملية التعليمية نتيجة لكفاءة أدوات التقنية الحديثة, مثل نظام التعليم المفتوح الذي أخذ ينتشر, وصولًا إلى هؤلاء الذين لا يتسع وقتهم للانخراط في التعليم التقليدي, وسدا للنقص في المعلمين، وتوسيعا لنطاق التعليم سواء من حيث مستويات المتعلمين وعددهم أم من حيث المساحة الجغرافية التي يغطيها. والواقع أن التعليم المفتوح كان أحد الحلول التي طبقتها بعض المجتمعات المتقدمة لمشكلات عدم تفرغ الدارسين لفترات طويلة من التعليم النظامي, وعدم ملاءمة النظم التعليمية ومناهجها وطرقها لحاجاتهم التي تتغير بسرعة، والطلب الملح على أنواع التعليم الذي تعجز هذه النظم عن تلبيته. ومن أهم ما أدخله التقدم التقني إلى مجال التعليم جهاز الحاسب الآلي "الكمبيوتر" فقد أحدث هذا الجهاز طفرة في تطوير العملية التعليمية، إذا استخدم

في إرسال برامج تعليمية معدة إعدادًا جيدًا بواسطة خبراء على مستوى عال من العلم والخبرة، كما أصبح وسيلة عالية الكفاءة في تخزين المعلومات وسرعة استدعائها. هذا إضافة إلى ما يقدمه للبحث العلمي من خدمات أدت به إلى تقدم مذهل في اتساع المجالات, ودقة النتائج وسرعة الإنجاز. وسوف يكون للحاسب الآلي دور حاسم ومهم في عملية التربية المستمرة. فقد ثبت من نتائج الدراسات التي جرت في هذا المجال. أن الوظائف التي يؤديها هذا الحاسب لا تتوقف على مجرد تقديم المعلومات وتخزينها, وإنما يساعد كذلك في تكوين المفاهيم وتطبيق الأساليب المختلفة, والحكم عليها وإثارة القوى الفكرية, والفضول العلمي لدى المتعلمين، فهو يساعد الفرد على أن يكتشف الحلول المحتملة لمشكلة ما، وأن يدرس الآثار والنتائج المختلفة إذا ما غير في معطياتها. وأن يصل إلى أحكام علمية ومنطقية حول المعلومات التي تقدم له أو يتعلمها. ويمكن القول بأن عملية استخدام الحاسب في التربية قد قدمت حوارًا بين الفرد المتعلم وبين نظام كامل للمعلومات والحقائق والمهارات والأحكام. وغدا، تجعل الأقمار الصناعية من العالم كله مدرسة واحدة، تتعدد مناهجها بقدر ما تبثه هذه الأقمار من برامج، ويصل عدد طلابها بقدر المتلقين للبرامج المبثوثة في مختلف أرجاء العالم. وهذا تحد خطير لمطوري المناهج ينبغي أن يلاحقوه بتطوير يواكب ما تبثه هذه الأقمار. وللأقمار الصناعية جانب آخر أكثر خطورة هو التجسس، فهذه الأقمار تكشف المستور في الكون، وتكشف المحجوب عن أعين البشر، فما موقف مخططي المناهج من هذه التعرية لحياة الأمم؟ هل يقفون مكتوفي الأيدي أم يواجهون هذا بالتوعية, وإعداد شباب الأمة لأن يواجهوا هذا الغزو بغزو مثله، وفوق ذلك أن يكونوا قادرين على الدخول في حلبة سباق تطوير هذه الأقمار، وهي حلبة لا يدخلها إلا أولو الابتكار والعزم من العالمين. وللأقمار الصناعية مهام أخرى أشد فتكا بالمجتمعات التي لا تملك المقدرات التقنية اللازمة لحماية نفسها، منها التلويث الفكري. فلكل مجتمع قيمه التي هي عماد تماسكه وأساس استقراره، فإذا ما اهتزت هذه القيم دخل المجتمع في تيه يضل به فيبعد عن أصوله، وتكون هذه هي الخطوة الأولى لانهياره. وإذ تستبدل قيم دخيلة بقيمه، ومن ثم يجتاح التلوث الفكري عقول أبنائه، والبقية معروفة بعد ذلك. ومقاومة هذا الغزو مهمة معاصرة أخرى أمام مخططي المناهج الدراسية.

ونستطيع أن نلخص ما ينبغي أن يراعيه مخططو المناهج الدراسية ومنظموها بالنسبة للتثقيف العلمي والتقني فيما يلي: 1- أن التقدم على وجه العموم وفي التنمية على وجه الخصوص، يعتمد على القوى البشرية المثقفة علميا وتقنيا تثقيفا عاما، إضافة إلى حيازتها للمستوى العلمي والتقني المناسب للتنمية ووجود نظام العمل الحافز. 2- أنه مع تقدم التقنية أصبتح الآلات هي التي تتعامل مع المواد, وتركت للإنسان مجال التفكير والإبداع وإنتاج المعرفة واكتشاف الجديد، وعلى المناهج الدراسية تكوين هذا الإنسان. 3- أن سرعة التقدم العلمي والتقني قد أفرزت مشكلتين مهمتين هما: كيف يمكن المحافظة على القيم والمبادئ الأساسية التي -عادة- ما تهتز مع سرعة التغير؟ وكيف لا تكون القيم حجر عثرة في طريق التغيير المطلوب؟ 4- أن الإبداع المنشود في مختلف المجالات -عمومًا- وفي مجال العلوم والتقنية على وجه الخصوص، لا يمكن أن يتحقق إلا في مناخ سياسي اجتماعي يمنح الفرد الثقة والأمن وحرية التفكير والتعبير. 5- أن إشاعة التفكير العلمي والتخلص من التفكير الخرافي من بين العوامل الدافعة لعجلة البحث العلمي, والتطبيق التقني في المجتمع, والحافزة على مواكبته. 6- أن الكفاءة الإدارية وسرعة اتخاذ القرار شرط لازم لاستثمار التطبيق التقني في الإنتاج بالمجتمع. 7- أنه كلما اتسعت دائرة التقدم العلمي والتدريب التقني وارتفعت المهارات التقنية بين المتعلمين في المجتمع, كان توطين التقنية وإنتاجها في المجتمع أيسر. 8- أنه يسهم في تطوير مناهج الدراسة ومواكبتها للتقدم العلمي والتقني توثيق الصلة وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات الإنتاج, ومواكبة الأولى للمتطلبات العلمية والتقنية الثانية. 9- أن التقنيات التي يبدو أنها سوف تأخذ في المستقبل القريب، هي:

- تقنية المعلومات. - تقنية الاتصالات والموصلات. - تقنية الهندسة الحيوية. - تقنية الطاقة المتجددة. - تقنية البيئة. - تقنية الفضاء. 10- أن نقل العلوم والتقنية من مجتمع إلى آخر لا يحقق تقدمًا للمجتمع المنقول إليه، وأنه لا بديل من أن ينتج كل مجتمع العلوم والتقنية التي يحتاج إليه، فبها وحدها ومهما كان مستواها يدخل عالم السباق التقني. 11- أن التطور في الحواسب الآلية وفي الإلكترونيات أحد المداخل المهمة للتقدم العلمي والتقني. 12- أن التفوق في الإنتاج يستند إلى التفوق في العلوم والتقنية. والتفوق في العلوم والتقنية يستند إلى إشاعة الثقافة العلمية والتقنية، وهذه تستند -بالدرجة الأولى- إلى مناهج دراسية متفوقة, وبرامج تعليم مستمر متميزة تعنى بهذه الثقافة. 13- أن التفوق العلمي والتقني يحتاج إلى تربية ابتكارية تقوم على إطلاق الطاقات الإبداعية للمتعلمين، ومما يساعد على إطلاق هذه الطاقات في مجال العلوم والتقنية -بخاصة- جعل الثقافة العلمية والتقنية مصدرًا من مصادر المنهج الدراسي وحسن اختيار عناصرها. 14- أن التثقيف العلمي والتقني يتطلب تعاون المؤسسات التربوية مع مؤسسات المجتمع الأخرى، وبخاصة مؤسسات الإعلام والثقافة.

خاتمة الفصل التاسع

خاتمة الفصل التاسع: في هذا الفصل: حاول المؤلف أن يعطي مرشدًا واضحًا لمخططي المناهج الدراسية بالنسبة للمجال الدارسي. وذلك عن طريق تحديد أهم الجوانب التي ينبغي أن يحرصوا على الاهتمام بها عند تخطيطهم للمناهج الدراسية, لأي من المجالات الدراسية، لا تختلف الجغرافيا - في هذا- عن الاجتماع وكلاهما لا يختلفان عن التاريخ أو غيره من المجالات الدراسية. وأهم هذه الجوانب، هي: أ- أساسيات خبرات المجال الخاصة بالمنهج الدراسي, وتسلسلها والتطورات الحديثة فيها. ب- الوظائف المختلفة التي يمكن أن تؤديها هذه الخبرات. وبخاصة فيما يتعلق بالتربية الإسلامة واللغة العربية وتطبيقاته في كل من المجتمع والمجالات الأخرى التي يدرسها المتعلم. ج- التوجيه الإسلامي لهذه الخبرات. د- إسهامات العلماء المسلمين المتصلة بخبرات المنهج الدراسي بخاصة، وبإسهامات العلماء المسلمين في حضارة الإنسان، على وجه العموم. كما قدم المؤلف في هذا المفصل مصدرًا آخر للمنهج الدراسي هو الثقافة العلمية والتقنية. وذلك من حيث كون التقدم العلمي والتقني أصبح منتشرًا في مختلف مجالات الحياة المعاصرة. ويزداد انتشاره يومًا بعد يوم، الأمر الذي جعله قاسمًا مشتركًا لمختلف مجالات النشاط الإنساني اليومية، ولذلك فإن التربية المعاصرة والمستقبلة مدعوة لأن تجعل التثقيف العلمي والتقني جزءًا من رسالتها. وتقع على كاهل مخططي المناهج ومطوريها ومطبقيها مسئولية القيام بالتثقيف المناسب، ليس فقط لمستوى المتعلم وطبيعة المجال الدراسي ومتطلبات المجتمع، ولكن أيضًا، الذي يناسب التقدم العلمي والتقني المعاصر.

أهم مصادر الفصل التاسع

أهم مصادر الفصل التاسع: 1- الغزالي, محمد: الطريق من هنا: القاهرة: دار البشير للطباعة والنشر والتوزيع، 1407هـ-1987م. 2- سزكين, فؤاد: محاضرات في تاريخ العلوم، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1399هـ-1979م. 3- شوق، محمود أحمد: الاتجاهات الحديثة في تدريس الرياضيات "طـ2". الرياض: دار المريخ، 1409هـ-1989م. 4- على، سعيد إسماعيل: الأمن التربوي العربي "طـ1". القاهرة، عالم الكتب، 1989م. 5- مجلة القافلة -العدد الخامس- المجلد الخامس والأربعون، جمادى الأولى 1417هـ- سبتمبر وأكتوبر عام 1996م.

خاتمة الباب الثالث

خاتمة الباب الثالث: في هذا الباب: عالج المؤلف مصادر المنهج الدراسي وهي -كما يتضح من الشكل- خصائص كل من المتعلم والمجتمع ومجال الدراسة والتقانة. فعالج المؤلف في الفصل السابع طبيعة المتعلم من حيث تكوين شخصيته ووظيفته في الحياة الدنيا ومراحل نموه وأهم ما اشتملت عليه طبيعته من حيث كونه مكرمًا عند الله ومستخلفًا في الأرض، وأنه مخلوق من تراب، وأنه مخير فيما هو مؤهل للاختيار فيه، ومسئول عن اختياره ومسير فيما لا يقدر على الخيرة فيه، وأن حياته الدنيا موقوتة، وأهم مكونات شخصيته، هي: الروح والجسم والعقل والنفس. وأما وظيفته فهي عبادة الله بما في ذلك عمارة الأرض. وقد قسمت مراحل نموه إلى المراحل الثماني التالية، على التوالي: مرحلة التكوين وتشمل اختيار الزوج والزوجة وفترة الحمل، تليها مرحلة الرضاعة فمرحلة الطفولة ثم مرحلة التمييز التي تعقبها مرحلة البلوغ. ويأتي بعد ذلك مرحلة الرشد فمرحلة الكهولة ثم مرحلة الشيخوخة. ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها النفسية والعقلية والجسمية والاجتماعية. وعالج المؤلف خصائص المجتمع في الفصل الثامن. ومن أهم هذه الخصائص: أن ترسخ في المجتمع عقيدة التوحيد وأن يكون الحكم فيه بما أنزل الله مؤسسا على الشورى، وأن يقام فيه واجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يسهم في تحقيق التضامن الإسلامي ويعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي، وأن يأخذ بالاجتهاد لإيجاد حلول إسلامية للمشكلات المستحدثة التي تواجه المسلمين، وأن يعمل على تربية العلماء والمجاهدين وأن يجند طاقاته البشرية لحسن استثمار ما يتوافر لديه من مصادر طبيعية, وصولًا إلى أداء واجب عمارة الأرض وفق أساليب العصر والارتقاء بمستوى الحياة فيه. والمصدر الثالث وهو المجال الدراسي، والثقافة العلمية والتقنية فقد عالجه المؤلف في الفصل التاسع. وأهم ما تناوله في المجال الدراسي أساسياته وتسلسله وتطبيقاته في داخل المنهج الدراسي وخارجه والتوجيه الإسلامي بالنسبة له، وإسهامات العلماء المسلمين فيه. أما الثقافة العلمية والتقنية فقد جعلها المؤلف -على غير المتواتر بين الكاتبين في المناهج الدراسية -مصدرًا لخبرات المناهج الدراسية؛ لأنها عنصر فاعل ومؤثر في حياتنا اليومية بحيث أصبح عدم أخذه في عين الاعتبار في تربية الأجيال

شكل "1" مصادر المنهج الدراسي.

المعاصرة والمستقبلة سوف يؤدي -من وجهة نظر المؤلف- إلى تخلف هذه الأجيال عن إيقاع العصر ومقتضيات الحياة فيه. فالعلوم والتقنية تأتي كل يوم بجديد ينبغي أن تستوعبه الأجيال وتواكب التغيرات فيه. هذه المصادر هي المنهل الذي ينبغي أن ينهل منه مخططو المناهج الدراسية, بمعنى أن تؤدي خبرات المنهج إلى تحقيق ثلاثة أهداف: الأول، تجلية خصائص هذه المصادر ودراسة المناسب منها، والثاني: تطبيق المناسب منها تطبيقًا فعليا في المناهج الدراسية بخاصة، وفي المجتمع المدرسي بعامة، والثالث، العمل على تطبيق هذه الخصائص في البيئة المحلية للمدرسة وفي المجتمع، على وجه العموم.

الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته

الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته مقدمة الباب الرابع ... لقد عالج المؤلف في الباب الأول من هذا الكتاب مفهوم كل من الخبرة والمنهج الدراسي وعناصره وتخطيطه، وبعض مجالات التخطيط المتصلة بالمناهج. وعالج في الباب الثاني الأسس العامة التي ينبغي مراعاتها عند اختيار خبرات المنهج الدراسي وعند تنظيمها. وعالج في الباب الثالث المصادر التي ينبغي أن تشتق منها خبرات هذا المنهج. وفي هذا الباب، يعالج المؤلف استثمار ما سبق في عملية تخطيط المنهج الدراسي. فكما يتضح من جدول "1" فإن تخطيط المنهج الدراسي يشمل مرحلتين أساسيتين: الأولى تختص بإعداد المنهج الدراسي، وتشمل اختيار جدول "1" خطوات تخطيط المنهج وعلاقتها بالتقويم.

خبراته وتنظيمها في صورة أهداف ومحتوى وطرائق التعليم وتقانته والمناشط المدرسية. إضافة إلى تقويم مخرجات المنهج، وقد عالج المؤلف هذا في الفصل العاشر. ويعتبر المؤلف أن هذه الخطوة مع أهميتها في تخطيط المنهج الدراسي إلا أنها تقدم اقتراحًا لمنهج دراسي. لذلك فإن المرحلة الثانية التي تشملها الخطوات العملية لتخطيط المنهج الدراسي هي تطبيق هذا المنهج الذي تم إعداده تطبيقًا ميدانيا في المدارس بأسلوب علمي وتحت إشراف خبير، فيتم تجريبه وتقويم نتائج التجريب إلى أن تستقر هذه النتائج يبدأ التعميم. وقد عالج المؤلف الخطوات الإجرائية لتطبيق المنهج في الفصل الحادي عشر، وكما يتضح من جدول1 فإن المؤلف يرى أن تتبع كل خطوات إعداد المنهج وتطبيقه بالتقويم. أما الفصل الثاني عشر فقد عالج المؤلف فيه أهم المعوقات التي يمكن أن تواجه عملية تخطيط المنهج الدراسي. يتضح من جدول "1" أن الخطوات الأربع التي يمر بها تخطيط المنهج الدراسي, وهي: الاختيار والتنظيم والتجريب والتعميم, تخضع جميعها للتقويم والتعديل ثم التقويم مرة أخرى، إلى أن تتحقق أهداف كل منها. وكما يتضح من شكل"1" فإن هناك معوقات تواجه جميع خطوات تخطيط المنهج. شكل "1" خطوات تخطيط المنهج ومعوقاتها.

وبذلك، فإن هذا الباب يشمل ما يلي: الفصل العاشر: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسي. الفصل الثاني عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي. الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي.

الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي

الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي مقدمة الفصل العاشر ... مقدمة الفصل العاشر: على وجه العموم، فإن إعداد المنهج الدراسي يأتي ترجمة للأهداف التربوية التي سوف يعمل المنهج الدراسي على تحقيقها، إذ يعتبر المنهج الدراسي مرآة تعكس الفكر التربوي السائد في المجتمع وقت إعدادها، فإذا كان الفكر التربوي -ومن ثم الأهداف التربوية- تعتبر المعلومات هي الأساس في تربية الفرد، فإن اختيار خبرات المنهج سوف يركز على المعلومات دون عناية كبيرة بالمتعلم والمجتمع، وسوف يعمل تنظيم هذه الخبرات على وضعها في صورة مرتبطة بطبيعة المعلومات، كأن يكون تنظيم المعلومات منطقيا دون كبير اعتبار لأثر هذا التنظيم على المتعلم والمجتمع. وإذا كان الفكر التربوي الذي يوجه المناهج الدراسية يركز على المتعلم فإن اختيار خبرات المناهج وتنظيمها سوف يهتمان -بالضرورة- بالمتعلم دون كبير اهتمام بالمجتمع والمادة الدراسية. وفي حال اهتمام الفكر التربوي بالتوازن بين كل من المتعلم والمجتمع والمادة الدراسية فإن اختيار خبرات المناهج وتنظيمها سوف يسير على الدرب نفسه؛ وذلك لأن الفكر التربوي السائد في المجتمع هو منطلق الأهداف العامة للتربية -على وجه العموم- وأهداف المناهج الدراسية على وجه الخصوص. واختلاف الفكر التربوي لا يرجع إلى أسباب اجتماعية فقط، بل يرجع إلى عوامل أخرى كثيرة أهمها الدراسات التي تؤثر في المناهج مثل: الدراسات الخاصة بعلم النفس التربوي والدراسات على الإنسان من حيث وظائف الأعضاء وتوجيهها في عملية التعليم والتعلم، وعلى الذكاء بصفة خاصة. ومهما اختلفت المؤثرات على إعداد المناهج الدراسية وعلى مختلف خطواته فإن عملية إعداد المنهج الدارسي تظل من أهم العمليات التي تتم على طريق تخطيط المناهج الدراسية في أي مجتمع وفي كل وقت وفي جميع الأحوال، وينبغي أن يحرص القائمون به على أن يستوعب مختلف المتغيرات التي تؤثر على المنهج الدراسي إعدادا وتطبيقًا. وفيما يلي، يحدد المؤلف الخطوات الإجرائية لإعداد المنهج بناء على ما يلي: - مفهوم المنهج الدراسي وتخطيطه ومكوناته التي ذكرها في الباب الأول. - الأسس العامة لاختيار خبرات المنهج الدراسي التي حددها في الباب الثاني. - مصادر المنهج الدراسي التي حددها في الباب الثالث. وحيث إننا هنا لا نعد منهجًا لمجال معين في مستوى دراسي بذاته، مثل الرياضيات في الصف الثالث الثانوي فنعد المنهج بذكر أهداف هذا المنهج ومحتواه وطرائق تعليمه وتقانة تعليمه ومناشطه المدرسية وتقويم مخرجاته. ولكننا معنيون هنا بأسلوب إعداد المنهج لكل المجالات وليس لمجال بذاته. ولذلك فإن المؤلف سوف

يحدد الأسس الخاصة بالأهداف وليس الأسس الخاصة بالمحتوى، والأسس الخاصة بطرائق التعليم.. بحيث تكون هذه الأسس مرشدًا لإعداد كل من عناصر المنهج الستة بناء على الأسس الخاصة به، بغض النظر عن المجال الدراسي لهذا المنهج. وبناء عليه، فإنه يمكن تحديد أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي، كما يلي: أولًا: الإعداد للمهمة. ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي. ثالثًا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي. رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التعليم. خامسًا: أهم أسس التخطيط لاستخدام تقانة التعليم. سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط. سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي. ثامنًا: تقويم المنهج الذي تم إعداده.

أولا: الإعداد للمهمة

أولا: الإعداد للمهمة ... أولً: الإعداد للمهمة يتوقف الإنجاز الكفي لأية مهمة -إلى حد كبير- على تحديد أهداف واضحة لها وحسن اختيار من سينفذونها، ثم تأتي بعد ذلك بقية مراحل الإنجاز، وهذا ما سوف يتناوله المؤلف بالنسبة لإعداد المنهج الدراسي. بمعنى أن المؤلف سوف يجيب فيما يلي على سؤالين محددين، هما: ما أهداف المنهج الدراسي، على وجه العموم؟ وما تكوين فريق العمل الذي يمكن أن يعد المنهج الدراسي بكفاءة. ويرى المؤلف أن الإجابة على هذين السؤالين تكفي للتهيئة والاستعداد لمهمة "إعداد المنهج الدراسي". أ- تحديد أهداف تخطيط المنهج الدراسي: يمكن تحديد الهدف العام من تخطيط المنهج الدراسي على النحو التالي: اقتراح منظومة من الخبرات يمكن أن تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلمين لمساعدتهم على النمو الشامل المتكامل المتوازن إلى أقصى ما تسمح به إمكانات كل منهم، وعلى السلوك قولًا وعملًا وفق تعاليم الدين الحنيف. ويمكن تحليل هذا الهدف إلى أهداف فرعية كما يلي:

اقتراح منظومة من الخبرات يمكن أن تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلمين لمساعدتهم على تحقيق ما يلي: 1- النمو المتوازن روحيا وجسميا وعقليا ونفسيا واجتماعيا إلى أقصى ما تسمح به إمكانات المتعلمين. 2- اكتساب الخبرات والاتجاهات التي تمكنهم من السلوك وفق التربية الإسلامية، ومن التزود بالمناسب من العلوم الحديثة والتقانة المعاصرة. 3- اكتساب مهارات القيادة والتفكير العلمي, وحل المشكلات والتعليم الذاتي المستمر. 4- اكتساب المهارات الفكرية والتقانية المناسبة لحسن الأداء في حياتهم اليومية. 5- المحافظة على قيم المجتمع والإسهام في تقدمه والارتقاء بالحياة فيه وحسن استثمار مصادره. 6- الإسهام في خدمة البيئة المحلية وفي حل مشكلاتها. ب- تكوين فريق العمل في إعداد المنهج الجديد: المناهج وتطبيقها عمل تعاوني يشترك فيه فريق متكامل من المتخصصين والخبراء في مجالات مختلفة، ينبغي أن يتوافر لدى كل منهم إضافة إلى التخصص، خبرة عملية لا تقل عن خمس سنوات، من هؤلاء متخصصون في كل من مناهج وطرائق تعليم المجال المراد تخطيط منهجه. فإذا كان المجال هو اللغة العربية فإننا نعني هنا المتخصصين في مناهج وطرائق تعليم اللغة العربية، وإذا كان المجال هو التاريخ فإننا نعني هنا المتخصصين في مناهج وطرائق تعليم التاريخ، وهكذا. يضاف إلى هؤلاء. المتخصصون في المجال نفسه. فإذا كان التخطيط يتناول مناهج الرياضيات فإننا نعني هنا المتخصصين في الرياضيات، وإذا كان التخطيط يتناول مناهج اللغة الإنجليزية، فإننا نعني هنا المتخصصين في اللغة الإنجليزية. يضاف إلى من سبق، متخصصون في كل من التقويم التربوي والتخطيط التربوي وعلم النفس التربوي وعلم نفس النمو وتقنية التعليم والتربية الإسلامية واللغة العربية. ويشترك من مجتمع المدرسة معلمان أو ثلاثة من الحاصلين على أعلى المؤهلات العلمية في المجال المراد تخطيط منهجه أو في طرائق تعليمه، ولهم خبرة في تعليم المنهج المرد إعداده بين خمس إلى ثماني سنوات. فلا يكون من المعلمين الجدد الذين تعوزهم الخبرة، ولا من الذين تقادم فكرهم بفعل الزمن، إلا أن يكونوا ممن حضروا أكبر عدد من الدورات التدريبية في المجال الدراسي أو في طرائق تعليمه. فإذا كان المنهج المراد إعداده هو منهج الكيمياء. فإن المعلم الذي نرشحه

للاشتراك في إعداد المنهج ينبغي أن يكون حاصلا على أعلى المؤهلات في الكيمياء أو في طرائق تعليمها، وأن يكون عدد سنوات خبرته في تعليمها ما بين خمس وثمان، إلا أن يكمن قد حصل على دورات تدريبية في طرائق تعليم الكيمياء, أو في تقويم تحصيل المتعلمين في الكيمياء, أو في استخدام تقانة التعليم في تعليم الكيمياء أو في تعليم الكيمياء للمتفوقين أو للمتخلفين دراسيا، أو غير هذه من الدورات المتعلقة بتعليم الكيمياء. ومن الأهمية بمكان أن يكون المعلم لذي يشترك في إعداد المناهج الدراسية، قد حصل على تقارير ممتازة عن أدائه في الثلاث أو الأربع سنوات الأخيرة. ولا ينبغي أن يغيب المتعلم عن الفريق القائم بإعداد المنهج، بل يجب أن يكون حضوره مستمرا بالتمثيل أو بنتائج الدراسات التي تقدم حاجاته بموضوعية للقائمين بالتخطيط. ويشترك من مجتمع الإدارة التعليمية موجهان على الأقل، يتوافر لديهما نفس المؤهلات العلمية والعملية التي ذكرناها آنفًا بالنسبة للمعلم، على الأقل، إلا أن الخبرة والتدريب يكونان في مجال التوجيه الفني للمناهج المراد إعدادها. وحتى يتحقق التنسيق بين المنهج المراد إعداده ومناهج المواد الأخرى، فإننا نقترح أن يشترك في الإعداد موجه عن كل من المواد التي يراد التنسيق مع منهجها. يضاف إلى ما سبق، ممثلون عن المجتمع، إذ ينبغي أن تتواصل المؤسسة التربوية مع المجتمع, وتتفاعل معه أخذا وعطاء، فتشترك في تحقيق أهدافه وحل مشكلاته واستثمار مصادره، كما يشترك المجتمع اشتراكًا فعليا في عملياتها ومناشطها بعامة، وفي تخطيط المناهج بخاصة. وتحقيقًا لهذه المشاركة بالنسبة لإعداد المناهج، أرى أن يسهم مع فريق العمل المكلف بتخطيط المناهج ممثل لأولياء الأمور، ترشحه المؤسسة التربوية ممن يناسب تعليمهم وخبرتهم مجال المنهج المراد إعداده يختاره أولياء الأمور. وبنفس الطريقة يختار ممثل لكل من المؤسسات السياسية والإنتاجية والخدمية والإعلامية والمنظمات المهنية.

شكل "2" تكوين فريق العمل الفني في تخطيط المنهج الدراسي.

نلاحظ أن تكوين فريق العمل في إعداد المناهج وفق التصور المقترح سابقًا، يجمع بين ذوي الاختصاص والخبرة العلمية والعملية في كل من مجال المنهج المراد تخطيطه وفي طرائق تعليمه، وفي نمو المتعلم وأساليب التعليم، إضافة إلى ممثلين عن الأسرة ومختلف مؤسسات المجتمع الخدمية والإنتاجية والمهنية والسياسية. كما يحافظ على التنسيق بين مختلف المناهج الدراسية في المؤسسة التربوية. بهذا يكون تخطيط المنهج عملًا تعاونيا ومسئولية مشتركة بين الجميع. يرى المؤلف أن لكل من هؤلاء مهمة محدودة، يذكر منها ما يلي: فبالنسبة للمتخصص في المناهج وطرائق التعليم فإن مهمته كبيرة، فهو العارف بمفهوم المنهج وأسسه ومكوناته وتنظيماته وتخطيطه وتقويمه وتطويره، وهو الملم بطرائق تعليم المجال المراد إعداد منهجه، والمتابع للتطورات الحديثة في هذا كله. والمتخصص في المجال الدراسي هو الذي يعرف أساسياته وتسلسله وتطبيقاته والمستحدثات فيه. والتقويم وتقنية التعليم عنصران من عناصر المنهج الدراسي إلا أن التطورات الحديثة فيهما جعلتهما تخصصين ذوي أهمية خاصة في العملية التعليمية يخطوان خطوات واسعة نحو الحداثة والتطور، ولا يمكن أن يستثمر إعداد المنهج المعطيات الحديثة في هذين المجالين ما لم يشترك متخصص في كل منهما في عملية الإعداد. وللمتخصص في التخطيط التربوي وعلم النفس التربوي وعلم النفس النمو مهام أخرى لا غنى عنها، فالمتخصص في التخطيط التربوي مهمته أساسية في رسم خطة العمل، وعليه وضع جميع المعلومات والإمكانات والمتطلبات في منظومة تربوية. والمتخصص في علم النفس التربوي يحدد التصورات التي يمكن الاستفادة منها, والمعلومات التي يمكن استثمارها من نظريات التعلم وتطبيقاتها في مختلف الميادين, مع توافر خصائص التعليم الجيد، أما المتخصص في علم نفس النمو فتكون من بين مهامه مراعاة خصائص النمو الروحي والعقلي والجسمي والوجداني والاجتماعي للمتعلم، وكيفية جعلها أساسًا لاختيار وتنظيم خبرات المنهج الدراسي. والمتخصص في كل من التربية الإسلامية واللغة العربية مهماتهما, ضرورة مستمرة في تخطيط مناهج جميع المواد بغض النظر عن مجال التخصص الذي ينتمي إليه المنهج الدراسي. والهدف من اشتراك الأول، هو المساعدة في توجيه المنهج توجيهًا إسلاميا وصولًا إلى تربية المتعلمين تربية إسلامية، وفي التنسيق بين المنهج ومناهج العلوم الشرعية. والهدف من اشتراك الثاني هو التأكد من سلامة لغة المصادر التي سوف تستخدم في إعداد المنهج وتطببيقه سوءا أكانت مواد تعليمية أم نشرات أم غيرها، وكذلك التنسيق بين المنهج المخطط ومناهج اللغة العربية. كما يمكن أن يسهم كلاهما في تدريب المعلمين، كل في تخصصه.

والتنسيق الأفقي بخاصة والتكامل بعامة بين المناهج الدراسية ضرورة تعليمية. لذلك فإنه من الضروري أن ينضم إلى فريق التخطيط الموجهون الفنيون لتعليم المناهج التي ينبغي التنسيق بين مناهجها والمنهج المراد تخطيطه. مثال لهذا، اشتراك الموجهين الفنيين لتعليم الفيزياء عندما يتناول التخطيط منهج الرياضيات، والعكس صحيح أيضًا. ولخبراء التطبيق الميداني مهام تتعلق بالجوانب العملية، فكل منهم قد خبر تطبيق المناهج عمليا وعايشها معايشة جعلته قادرًا على تحديد نقاط الضعف التي تعانيها وكون تصورات لعلاجها. والمتعلمون هم الذين توجه إليهم المناهج الجديدة. من ثم ينبغي أن يكون لهم حضور معتبر في تخطيط المناهج، ويمكن أن يتم هذا عن طريق الاستبانات والمقابلات الشخصية والجماعية والتجريب المبدئي وكتابة التقارير. والمعلمون والموجهون يشتركون بالحضور مع فريق التخطيط وإبداء الرأي والتعبير عن وجهات نظرهم في جميع ما يتم من أعمال في إعداد المنهج، سواء بالنسبة لملاءمتها للتعليم أم بالنسبة لتناسقها مع المناهج الأخرى، أو غير ذلك من أوجه اختيار خبرات المنهج أو تنظيمها أو تنسيقها أفقيا ورأسيا. وممثلو المجتمع لهم مهام مختلفة عن جميع من سبق ذكرهم، فأولياء الأمور هم مصدر مهم للتغذية العائدة من أبنائهم, سواء بالنسبة لصعوبة المنهج الجديد أم بالنسبة لنتائج التجريب المبدئي للمنهج، إضافة إلى خبرتهم الشخصية. أما ممثلو المؤسسات الإنتاجية والخدمية فيعبرون عن متطلبات مؤسساتهم من الخبرة في المنهج الجديد. وعلى كل حال، فإن هؤلاء يمكن أن يكون اشتراكهم دوريا على فترات محددة أو عند الحاجة. ولكن المؤكد أن إسهامهم في إعداد المنهج ضرورة لا غنى عنها. ويكون تنظيم هذا الإسهام حسب الحاجة، وكذلك الأمر بالنسبة لممثلي المنظمات والهيئات المهنية، مثل الجمعيات التربوية، والعلمية، والإعلامية. ويمكن إجمال أهم الأعمال الفنية لهذا الفريق -بالتعاون مع الجهات المعنية- في التالي: 1- دراسة حاجات كل من المتعلم والمجتمع والبيئة المحلية وأخذها في الاعتبار عند إعداد المنهج الجديد. 2- العمل على إعداد الكتب أو الكتيبات وغيرها من المصادر التي سوف تستخدم في المنهج الجديد، ومتابعتها بالتقويم والتعديل والتطوير. 3- تخطيط برامج التدريب وبخاصة تدريب المعلمين والموجهين والإشراف على تنفيذها وتقويم مخرجاتها.

4- اختيار المتدربين في هذه البرامج وفق معايير يضعونها. 5- التعاون في بث الشعور بالحاجة إلى المنهج الجديد، وحفز المواطنين على التعاون في إنجازه وحل ما يواجهه من مشكلات. 6- وضع معايير لاختيار المدارس التي يمكن أن يتم فيها تجريب المنهج الجديد، وتلك التي لها أولوية عند التوسع في التطبيق. 7- توفير الإشراف على تطبيق المنهج الجديد في المدارس سواء في فترة التجريب أم في فترة التوسع. 8- إعداد تقارير متابعة عن سير تطبيق المنهج الجديد وعن تقويم نتائجه. 9- الإشراف على الاختبارات التي يعدها المعلمون بالتعاون مع الموجهين ومتابعة تطبيقها وتصحيحها، واستخراج النتائج منها، واستثمار هذه النتائج في تحسين المنهج. 10- اقتراح عقد ندوات ومؤتمرات لمناقشة نتائج تطبيق المنهج المعد - سواء في مرحلة التجريب أم في مرحلة التوسع والتعميم- وتنظيمها واستثمار نتائجها في تحسين المنهج. 11- إعداد خطة التوسع في تطبيق المنهج الجديد وتعميمه على مختلف المدارس وتنفيذها. 12- متابعة الندوات والمؤتمرات التي تعقد في الداخل والخارج عن تخطيط المناهج بهدف الاشتراك فيها والاستفادة من نتائجها. إلى جانب الفريق الفني، يوجد فريق العمل الإداري الذي يتحمل الأعمال الإدارية بعملية الإعداد، تتضح عناصره من الشكل التالي: شكل "3" تكوين الفريق الإداري في تخطيط المنهج الدراسي.

كما يتضح من الشكل يتكون فريق العمل الإداري من التالي: 1- رئيس للفريق، يكون من رجال الإدارة العليا في وزارة التربية والتعليم المختصين بشئون المناهج، كأن يكون وكيلًا أو وكيلًا مساعدًا للوزارة، ويكون رئيسًا لفريق الإعداد بشقيه الفني والإداري. 2- خبراء في الشئون المالية والإدارية يكون لهم خبرة بالعمل في المؤسسات التعليمية لا تقل عن أربع سنوات. 3- ضابط اتصال بين الفريقين الفني والإداري يفضل أن يكون موجهًا من المشتركين في الفريق الفني. 4- سكرتير أو أكثر -حسب حاجة العمل- له خبرة في الطباعة على الحاسب باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى محاسب له خبرة في العمل بالمؤسسات التعليمية لا تقل عن أربع سنوات. ويمكن تحديد أهم مسئوليات الفريق الإداري فيما يلي: 1- الإشراف على طباعة الكتب الخاصة بالمنهج الجديد، وتأمين وجودها قبل الحاجة إليها. 2 طباعة جميع المطبوعات الأخرى التي يحتاجها المشروع, وتوزيع ما يراد توزيعه منها. 3- تزويد مكتبة مشروع التخطيط بالكتب والدوريات والمواد الأخرى التي يقترحها الفريق الفني. 4- الاشتراك في اختيار المدارس التي سيطبق فيها المشروع، بناء على المعايير التي يضعها الجهاز الفني. 5- إجراء الاتصالات الداخلية والخارجية بالهيئات المعنية بعملية إعداد المناهج الدراسية. 6- تنظيم العمل لعقد المحاضرات واللقاءات والندوات والمؤتمرات في أوقاتها المحددة والاضطلاع بالعمل الإدراي الخاص بها. 7- تنظيم اجتماعات الجهاز الفني، والقيام بالأعمال الإدارية الخاصة بها. 8- القيام بجميع الاتصالات، والأعمال الإدارية والتنظيمية الأخرى التي يطلبها الجهاز الفني. 9- اقتراح ميزانية المشروع بالتعاون مع الجهاز الفني والإنفاق منها حسب اللوائح والنظم وإعداد تقريرها.

ثانيا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي

ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي يمكن تحديد أهم هذه الأسس فيما يلي: أ- تغطية المجالات الثلاثة للأهداف، وسوف نشرح هذا بشيء من التفصيل. فالأهداف مجالات ثلاثة، حسب تقسيم بلوم. المجال الأول هو المجال المعرفي: وقد قسم بلوم وصحبه هذا المجال إلى ستة مستويات تبدأ بمعرفة المعلومات وتنتهي بالتقويم مرورا بالفهم والتطبيق والتحليل والتركيب، وقد أضاف المؤلف إلى هذه المستويات مستوى سابعًا هو الابتكار، كما هو مبين في شكل4. وأتصور أن المثال التالي يوضح ما تعنيه هذه المستويات السبعة، هب أن طالبًا قرأ موضوعًا مكتوبًا في حصة المطالعة. فالمستوى الأدنى لتحصيله يكون معرفته لمعلومات وردت في الموضوع كثيرة كانت أم قليلة. وقد تحتاج إلى أن يعيد قراءة الموضوع مرات لكي يلم بالمعلومات الواردة فيه. وإذا ألم بالمعلومات. يكون مهيأ للمستوى الثاني, وهو فهم ما في الموضوع من تعميمات أو علاقات. وإدراك طبيعة هذه العلاقات وتأثيرها في بعضها البعض. وحينئذ يكون مهيأ للمستوى الثالث، وهو تطبيق هذه التعميمات أو العلاقات في مواقف أخرى، ربما في موضوع آخر ولكن بالترتيب نفسه. وحينئذ يكون مستعدا لأن ينتقل إلى المستوى الرابع، وهو مستوى القدرة على التحليل. أي: تحليل العلاقات المركبة في الموضوع الذي قرأه إلى علاقات وتنظيمات أصغر داخل إطار العلاقات المركبة. وبذلك يمكنه أن ينتقل إلى المستوى الخامس، وهو التركيب، حيث يمكنه تركيب العناصر تركيبًا جديدًا يختلف عما ورد في الموضوع الذي قرأه. بعد ذلك يصل إلى المستوى السادس والأخير الذي حدده بلوم وأصحابه، وهو اكتساب الطالب القدرة على تقويم موضوع المطالعة أو غيره من الموضوعات وفق معايير يعدها بنفسه نتيجة لنموه في المستويات السابقة. والمؤلف يقترح مجالًا سابعًا يتلو مستوى الابتكار، حين يستطيع الطالب أن يكتب موضوعات مبتكرة دون الرجوع إلى ما قرأه في كتاب المطالعة، تتوافر فيها المعايير التي استخلصها نتيجة لنموه في المستويات السابقة.

والمجال الثاني من مجالات الأهداف هو المجال الوجداني، ويتعلق بالمعتقدات والقيم والعواطف والمشاعر والاتجاهات والتقدير. ويبدأ بمستوى الاستقبال وينتهى

بمستوى التميز، كما يتضح من شكل "5". ومستوى الاستقبال محدود بمجرد استقبال المعلومة، وقد يستجيب المتعلم لما حصل من معلومات وقد لا يستجيب. فإذا استجاب لما حصل، يكون قد وصل إلى المستوى الثاني من التمكن. فمثلًا يمكن أن يسمع فرد خطيبا في موضوع معين, فإذا استجاب بالانتباه إلى الخطيب يكون قد وصل إلى المستوى الثاني من التمكن، أما في حال عدم انتباهه للخطيب فهذا يعني أنه لا يزال في المستوى الأول. مستوى الاستقبال. وإذا استحسن ما يقوله الخطيب فإنه يكون قد انتقل إلى المستوى الثالث من التمكن، وهو مستوى الاستحسان والتقدير. بعد ذلك يصل المتعلم إلى المستوى الرابع إذا أدرك أهمية ما تشمله الخطبة من قيم أو اتجاهات فيزداد اندماجه في عملية التعلم، ويصل إلى المستوى الخامس -وهو مستوى التنظيم- إذ بدأ في تنظيم ما تعلمه من قيم أو اتجاهات أو عواطف في نظام معين وفق معيار يختاره لنفسه. وفي الخطوة الأخيرة يبتكر الفرد نظامًا خاصا به يميزه، ربما نطاقا قيميا يتعلق بعلاقاته الاجتماعية أو الأسرية أو غير ذلك. أما المجال الثالث من مجالات الأهداف فهو المجال الحركي، وهو خاص باكتساب المهارات الحركية. وكما هو موضح في شكل "6" يبدأ بمستوى الملاحظة وينتهي بمستوى الابتكار, مرورًا بمستويات التقليد والممارسة والتكييف. فالمستوى الأول -إذن- هو مستوى الملاحظة. فإذا فرضنا أن متعلما يود أن يتعلم إصلاح أعطال جهاز المذياع. فإن نفطة البدء المحتملة أن يلاحظ غيره وهو يقوم بإصلاح أعطال مثل هذا الجهاز

بعد ذلك يقلد -في المستوى الثاني- ما لاحظه من أعمال غيره ليصلح الأعطال ذاتها، وإذا نجح في الإصلاح عن طريق التقليد واكتسب مهارة فيه، فإنه يكون مؤهلا للانتقال إلى المستوى الثالث. والمستوى الثالث وهو ممارسة فحص الأجهزة وتحديد الأعطال وإصلاحها. فإذا مهر في ذلك، كان مستعدا لأن ينتقل إلى المستوى الرابع وهو التكييف. ويمكن أن يكيف في المستوى الرابع -على سبيل المثال- الأدوات التي يستعملها أو قطع الغيار التي يتسخدمها. وإذا ما اكتسب المهارة الكافية في هذا، فإن الكاتب يرى أنه يمكن أن ينتقل إلى المستوى الخامس. والمستوى الخامس -مستوى الابتكار- آفاقه واسعة. فد يكون الابتكار في الأسلوب، وقد يكون الابتكار في التصميم، وقد يكون الابتكار في استحداث أدوات أو مواد أو غير ذلك. ومما ينبغي ذكره أن هذه المجالات الثلاثة متداخلة ومتكاملة فيما بينها، وأن هذا التقسيم لغرض الدراسة فقط. فعلى سبيل المثال، الاستقبال في المستوى الأول من المجال الوجداني, والملاحظة في المستوى الأول من المجال الحركي تتأثران كثيرًا بالمعلومات التي يعرفها المتعلم عن موضوع التعلم في المجال المعرفي، كما أن الحالة الوجدانية التي يكون فيها المتعلم تؤثر كثيرًا في تحصيله المعرفي. وهكذا تكون المجالات الثلاثة منظومة ثلاثية الأبعاد تتفاعل مع بعضها البعض لتعطي أساسا لإعداد أهداف المنهج الدراسي. ب- أن تعمل الأهداف على المحافظة على فطرة كل من المتعلم والمتعلمة وتنميته تنمية شاملة ومتوازنة بما يتفق مع هذه الفطرة، وتقدح قدراته وتوجه ميوله واتجاهاته الوجهة المطلوبة. ج- أن تعمل الأهداف على الوفاء بحاجات المجتمع والمحافظة على قيمه واستثمار مصادره وحل مشكلاته وتنميته وتطوير الحياة فيه. د- أن تراعي الأهداف كلا من: الحياتين الدنيا والآخرة، والجوانب الغيبية والجوانب المشهودة من العلم. هـ- أن تعد الأهداف الإنسان لعبادة الله وعمارة الأرض في توازن واعتدال. وأن تغطي الأهداف جميع جوانب العملية التعليمية وتتيح فرصًا لتكامل جهود أعضاء المجتمع المدرسي فيها. ز- أن تتيح الأهداف دورًا مناسبًا لكل عنصر من عناصر العملية التعليمية.

ح- أن تراعي الأهداف طبيعة خبرات المنهج وتغطي جميع مستويات تحقيقها. ط- أن تعمل الأهداف على تحقيق تكامل العملية التعليمية واستمرارها وتنوع أساليبها واختلاف مستوياتها. ي: أن تتيح الأهداف فرص مواكبة كل حديث ومعاصر في العلم والتقانة وتستفيد من معطياته. ك- أن تناسب مجال الدراسة الذي يتعلق به المنهج. ل- أن تكون الأهداف متناسقة فيما بينها ومع المستويات الأخرى من الأهداف التربوية. م- أن تكون الأهداف مرنة تتوافق مع مختلف الظروف, ومنها مقتضيات التطوير. ن- أن تكون صياغة الأهداف واضحة ودقيقة وقابلة للترجمة إلى مواقف سلوكية. س- أن تكون الأهداف عملية، بمعنى أن يكون تحقيقها ممكنًا بما يمكن توافره من إمكانات في المؤسسة التربوية. وكما يتضح من شكل "7"، فإن هذه الخصائص تستمد قوامها من التربية الإسلامية. إذ طالما أن غاية هذه الأهداف هي تربية الفرد تربية إسلامية, فإن أسسها ينبغي أن تنبع من متطلباتها. وتشمل هذه الأسس جميع متطلبات تنمية كل من المتعلم والمجتمع وجميع متطلبات مجال الدراسة، بمعنى أنه إذا كان المستهدف إعداد منهج الرياضيات فإن الأهداف ينبغي أن تراعي متطلبات تعليم وتعلم هذا المجال، وتؤكد هذه الأسس مواكبة الأهداف للمعاصر من العلم والتقنية، بمعنى أن الأهداف ينبغي أن تتيح فرصا لأن يشمل المنهج المستحدث من الرياضيات -في مثالنا السابق- وتطبيقاتها في الحديث من الفيزياء والكيمياء والأحياء والإحصاء وغيرها من العلوم. كما ينبغي أن تتيح الأهداف دورًا مناسبًا لكل عنصر من عناصر العملية التعليمية، وتغطي جميع جوانبها, كما تراعي طبيعة المجالات المختلفة للخبرات. وتعمل على تكامل العملية التعليمية واستمرارها. كما تعد الإنسان لوظيفتي عبادة الله وعمارة الأرض، وتشمل كلا من الحياتين الدنيا والآخرة, وتعمل على مواكبة كل حديث ومعاصر في جميع جوانب العملية التعليمية, سواء من حيث مستواها أو الطرق المستخدمة فيها أو غير ذلك مما يتصل بها. اختصارا للقول، فإن أسس الأهداف ينبغي أن تمكنها من الإحاطة بمختلف أطراف العملية التعليمية لتصل بها إلى صورتها المثلى.

ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي

ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي ... ثالثًا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي تنقسم عملية إعداد محتوى المنهج الدراسي إلى مرحلتين الأولى: اختبار خبرات المنهج. والثانية: تنظيم هذه الخبرات، وسوف نعالج كلا من المرحلتين فيما يلي: أ- أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي. نعني باختيار خبرات المنهج الدراسي ما يلي: انتقاء المواقف التربوية من مصادر خبرات المنهج الدراسي بحيث يراعى في هذا الانتقاء: أن تحقق هذه المواقف أهداف المنهج الدراسي وأن تلتزم بمتطلبات التربية الإسلامية. ويمكن تحديد أهم أسس اختيار خبرات المنهج على النحو التالي: 1- مراعاة خصائص المتعلم*. يعرف المختصون في علم النفس التربوي أن للفرد مراحل نمو، وأن لهذا النمو جوانب منها الاعتقادي، ومنها الاجتماعي، ومنها النفسي، ومنها العقلي، ومنها الجسمي، ولكل جانب من هؤلاء مطالب ينبغي أن تتوافر، ومشكلات ينبغي أن تحل لكي يتم النمو كما ينبغي له، وللمتعلم وظيفة حددها الله له في الدنيا، كما أن له طبيعة معينة وتكوينًا بذاته، على نحو ما بينا في الفصل السابع من هذا الكتاب. لذلك، على من يختار خبرات المنهج الدراسي أن يضع هذا كله في عين الاعتبار، لكي يوفر للمتعلم متطلبات النمو السليم ومساعدته على الوفاء بوظيفته, وحل ما يعترضه من مشكلاته وصولًا إلى أن يتم النمو في جميع جوانبه على أفضل وجه ممكن، وأن يؤدي المتعلم وظيفته على أحسن ما يكون. كما ينبغي أن تنال الفروق الفردية بين المتعلمين اهتمامًا خاصا عند اختيار خبرات المنهج وعند تنظيمها. فهناك فروق فردية بين من هم في العمر الزمني ذاته، ومن هم في العمر العقلي ذاته، والأفراد ليسوا سواء في النضج الجسمي كما أنهم ليسو سواء في القدرات والحاجات، ونجد بينهم الموهوب والمتوسط ودون المتوسط. هذه الفروق من حقائق النمو التي ينبغي على من يختار خبرات المنهج ومن ينظمها مراعاتها، بحيث يقدح المنهج قدرات كل فرد ويستثمر ميوله واتجاهاته وخصائص نموه إلى أقصى حد ممكن.

_ * انظر الفصل السابع من هذا الكتاب.

2- مراعاة مقومات المجتمع1 ومتطلبات نهضته. والمجتمع وما فيه من عقيدة وقيم وموروثات، وما له من تاريخ، وما يتوافر فيه من مصادر بشرية وطبيعية ومادية، وما له من موقع جغرافي وعلاقات بمجتمعات الجوار وعلى مستوى العالم، ومسئوليات إقليمية وعالمية، ومرحلة التقدم الحضاري التي يمر بها، وما يحوزه من علم وتقانة، وما يتطلع إليه من تقدم ورفاه، وما يواجه من مشكلات، وما يتوافر لديه من مؤسسات صناعية وزراعية وخدمية، وما يطبق من نظم سياسية واقتصادية وثقافية وإدارية وتربوية ومهنية، و ... وغير ذلك من خصائص المجتمع التي ورد ذكرها في الفصل الثامن من هذا الكتاب، هي من الروافد المهمة لخبرات المنهج الدراسي، ومع أن البيئة المحلية جزء من المجتمع، إلا أن لها وضعها المتميز من حيث كونها مصدرًا لخبرات مناهج المؤسسات التربوية الكائنة فيها. فمتطلبات البيئة الزراعية من الخبرات تختلف عن متطلبات البيئة الصناعية, وكلتاهما تختلفان عن البيئة التجارية، ولذلك فإننا نؤكدها -هنا- بين روافد خبرات المناهج الدراسية في المجتمع لكي تنال حظها من الاهتمام. 3- العناية بالمجال الدراسي2. والمجالات الدراسية هي الأخرى من مصادر خبرات المنهج الدراسي المهمة. فهي مفاتيح لآفاق الحياة. وتنقسم إلى شقين: الأول، علم الوحي وهي التي أوحى بها الله لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذه تؤسس للحياة في المجتمع المسلم, وتوجه جميع أنشطة الفرد والمجتمع، وما توجه إليه واجب الاتباع، وهي لا تخضع لتغيير أو تبديل أو حذف أو إضافة. والشق الثاني هو علوم الاكتساب التي اكتسبها الإنسان -بتوفيق الله- أثناء عمارته للأرض وكدحه للارتقاء بحياته وبالحياة في مجتمعه وفي المجتمع الإنساني. ولم تكن البشرية في حاجة إلى كل من علوم الشقين في يوم من أيام سابق الزمان مثل حاجتها اليوم. فعلوم الوحي تؤسس للأخلاق الفاضلة والمعاملات الخالية من المحرمات, وتقيم الحياة على الطهارة. وما أحوجنا لهذا بعد أن بعدت الشقة بين سلوك البشر وفضليات الأمور. وظهور الجديد في علوم الشق الثاني أصبح سمة أساسية من سمات المجلات العلمية والصحافة المتخصصة إلى أن أصبحت متابعة الجديد منها أمرًا شاقا حتى على المتخصصين. وهذا يضع أمام من يختارون خبرات المناهج الدراسية صعوبة كبيرة. فأي الخبرات يختارون؟ ما يتعلق منها بالماضي أم بالحاضر؟ وما موقفهم من المستقبل؟ وكيف يمكن المحافظة على التوازن بين هذه

_ 1 انظر الفصل الثامن من هذا الكتاب. 2 انظر الفصل التاسع من هذا الكتاب.

الأزمنة. ورغم هذا، فإن عليهم أن يختاروا وعليهم أن يضعوا لاختيارهم معايير محددة تفي بالمطلوب وتحقق الأهداف المنشودة. ولكل مجال دراسي أساسيات وتسلسل وتتابع ومفاهيم وحقائق ومهارات واتجاهات حديثة وتطبيقات في المجالات الأخرى وفي المجتمع، وللعلماء المسلمين إسهامات فيه. وهذا كله ينبغي أن يكون محل اعتبار عند اختيار خبرات المنهج الدراسي. 4- العناية بالتقانة*. التقانة هي المصدر الأصعب بين مصادر خبرات المنهج؛ نظرًا لأنها تتقدم بصورة مذهلة، وأدواتها تتغير بمعدل يجعل من يحاول متابعتها يلهث خلفها، ولا يستطيع أن يدرك لها غبارًا؛ لذلك فإن الخبرات المتعلقة بها تتزايد بسرعة فائقة. ومع هذا فإن على من يختارون خبرات المنهج الدراسي أن ينتقوا من هذا الخضم الخبرات المناسبة ويحافظوا عليها ملاءمة لتحقيق الغرض منها، ويعملوا على نشر الثقافة التقانية داخل المدرسة وخارجها. 5- تقديم القدوة الصالحة: الحرص على تقديم القدوة الصالحة للمتعلم في شخص الرسول الكريم ومن صحابته الأطهار ومن القيادات الصالحة في التاريخ الإسلامي، ومن العلماء المسلمين الذي قدموا إسهامات بارزة في مختلف العلوم والفنون والآداب، في الماضي والحاضر. ومن القيادات الصالحة في الوقت الحالي، ومن غير المسلمين في المجالات المناسبة. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. 6- العناية بالعلوم الشرعية: مراعاة أن العلوم الشرعية هي أساس صياغة الشخصية المسلمة ودليل الحياة الإسلامية من حيث معرفة الأطر الصحيحة للعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق، ومن ثم ينبغي أن تتبوأ مكانها اللائق في المناهج الدراسية. 7- العناية باللغة العربية: إن اللغة العربية هي وعاء علوم الوحي، والقناة الوحيد المباشرة لتفهم ما حوت هذه العلوم من معان, وإدراك ما ورد فيها من مفاهيم وقواعد. كما أنها وعاء تراث الأمة الإسلامية؛ لذلك ينبغي أن تسهم مناهج جميع العلوم في مساعدة المتعلم على اكتساب المهارات الخاصة بإتقانها. 8- العناية بالعلوم الطبيعية والبحتة والتطبيقية: فإن هذه العلوم تعيد تشكيل حياتنا اليومية بما يستحدث فيها كل يوم. وما يستجد لها من تطبيقات. لذلك، فإن من يختار خبرات المنهج الدراسي ينبغي أن يتحرى الحديث منها لكي يسهم المنهج في تكوين الأجيال بما يناسب عصرهم من تطور في مختلف مناشط الحياة.

_ * انظر الفصل التاسع من هذا الكتاب.

9- العناية بالعلوم والفنون والآداب: إن العلوم والفنون والآداب وعلوم المستقبل والبحث العلمي. جميعها مجالات مهمة لتزويد الفرد بمفاتيح لمغاليق الحياة المعاصرة ومساعدته على سبر غورها. والتفاعل معها بثقة وإبداع. 10- العناية باللغات الأجنبية: مراعاة أن اللغات الأخرى توصل إلى فهم ثقافات من يتحدثونها. وأن بعض هذه اللغات أصبحت وعاء للتقدم العلمي والتقاني المعاصر. ومن ثم لا يمكن دراسة العلم والتقانة إلا بإتقانها. 11- تحقيق التتابع والاتصال الداخلي والخارجي. المحافظة على تتابع خبرات المنهج واتصالها عند اختيارها يحقق التتابع الداخلي لخبرات المنهج واتصالها عند تنظيمها. فعلى سبيل المثال، لا يمكن بسهولة تقديم خبرات المنهج المتعلقة بالمفعول به على خبرات المنهج الخاصة بالفاعل؛ وذلك لأن تقديم المفعول به يكون أسهل عند المعرفة المسبقة للفاعل. وكذلك الأمر بالنسبة لتقديم عملية الضرب قبل تقديم عملية الجمع في الحساب. فلكل علم تتابعات ينبغي مراعاتها عند اختيار خبرات المنهج بحيث لا توجد فجوات أو تكرار في تسلسل خبرات المنهج، بل تكون هذه الخبرات سلسلة متصلة الحلقات. وكذلك الأمر بالنسبة للمقرارت الدارسية. فمعظم المقررات لها متطلب سابق. لذلك ينبغي أن يأخذ من يختار خبرات المناهج لمختلف مستويات الدراسة ذلك في الاعتبار. أما التتابع والاتصال الخارجي فيمكن توافره بملاحظة تتابع خبرات المنهج لخبرات المنهج الذي يسبقه وتمهيدها لخبرات المنهج الذي يتلوه، فعلى سبيل المثال، تبنى خبرات منهج الرياضيات في الصف الثاني من المرحلة الثانوية على ما سبق تقديمه من خبرات الرياضيات في الصف الأول الثانوي -بالدرجة الأولى- كما تكون خبرات الصف الثاني وما سبقه أساسًا لخبرات منهج الرياضيات للصف الثالث من المرحلة الثانوية. لذلك ينبغي عند اختيار خبرات خبرات المناهج ملاحظة تتابعها واتصالها مع السابق عليها والتالي لها, والحرص على عدم وجود فجوات أو تكرار فيما بينها. 12- تحقيق التكامل الداخلي والخارجي، من الأهمية بمكان أن تتكامل خبرات المنهج فيما بينهما، فتؤسس الخبرات الشاملة أو العامة للخبرات الأكثر تخصصا، ومجالات تحقيق تكامل المنهج متعددة بتعدد مستوياته وتنوع خبراته. فمثلًا أساليب التفكير وحل المشكلات والتعليم الذاتي والمهارات الأدائية والتطبيقية والابتكارية وغير ذلك من المهارات الأساسية. ينبغي أن تتكامل في بنية معرفية دون عزل واحدة عن الأخرى. وسواء تعلقت المهارة بالمجال الحركي للأهداف أو المجال العاطفي أو الوجداني. فإنها تتحقق عن طريق خبرات في المنهج من خلال المحتوى أو طرائق التعليم أو المناشط أو التقانة أو التقويم، بحيث تتكامل جميعها

في داخل العملية التعليمية، أي: إن كل خبرة تختار للمنهج تكون مجالًا للتعلم من خلال مختلف عناصر المنهج. أما التكامل الخارجي للمنهج فيتعلق بتكامله مع مقررات المناهج الأخرى. فعلى سبيل المثال نجد مناهج الفيزياء والكيمياء تحتاج إلى خبرات معينة من مناهج الرياضيات. وكذلك الأمر بالنسبة لمناهج الإحصاء. لهذا فإنه إذا تم اختيار خبرات أحد هذه المناهج في معزل عن المناهج الأخرى. فإن هذا يكون سببا في الهدر التربوي, ويعوق مسيرة العملية التعليمية بالمستوى المطلوب. 13- تحقيق الشمول والتنوع في الخبرات: شمول خبرات المنهج وتنوعها مطلب مفهوم مقاصده مدركة غاياته؛ وذلك نظرًا لاتساع أمور الحياة وتشعبها وتنوع حاجات تنمية الفرد والمجتمع ورحابة آفاقها. والشمول والتنوع مطلب ملح -أيضًا- لمقابلة الفروق الفردية بين المتعلمين، ليس فقط في الخبرة وجوانب النمو والخصائص النفسية كما بينا من قبل، ولكن أيضًا للاختلاف في مصادر الخبرة في الأسرة نتيجة لاختلاف المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بينها، والشمول والتنوع مطلب يلح في وجوده ازحام حجرات الدراسة بالتلاميذ، ومن ثم التعددية في مستويات التحصيل والمشكلات الخاصة بها. ويدعو للشمول والتنوع والاتساع غير المسبوق في حاجات سوق العمالة والتنوع فيها. ومن أهم العوامل الداعية لشمول خبرات المنهج وتنوعها، تعدد أهداف المنهج التربوي واتساع نطاق مجالاتها ثم تنوع مستويات تحقيق هذه الأهداف. وكما يتضح من شكل "8" ينبغي وجود خبرات تركز على المفاهيم والحقائق والمهارات والتطبيقات, وإسهامات العلماء والاتجاهات الحديثة مع توجيه هذا كله توجيهًا إسلاميا.

يضاف إلى ما سبق، أن الرتابة تورث الملل وعدم التنوع يسبب العزوف، وعدم التوازن يؤدي إلى عدم التكافؤ في الحصيلة الخبرية. لذلك فإن الحرص على تنوع الخبرات، إضافة إلى أنه يجنب المتعلم هذه المشكلات فإنه يكون مدعاة إلى تأهيل المتعلم بخبرات أوسع مدى، ويساعده على استخدام قدراته المتعددة والوفاء بحاجاته المختلفة، ويتيح له فرصة أكبر لاكتساب المهارات. وإذا ما حقق اختيار خبرات المناهج، هذا كله كان أدعى إلى تقديم منهج متوازنة خبراته، متنوعة مجالاته. وكما يتضح من شكل "9" توجد خبرات محسوسة وأخرى غير محسوسة، وتوجد الخبرات المباشرة كما توجد غير المباشرة، وتوجد الخبرات البسيطة كما توجد المركبة، وغير ذلك من أنواع الخبرات المبينة في الشكل. ولكل نوع مستويات مختلفة في التحصيل، كما أن هناك فروقًا فردية بين قدرات الطلاب على تحصيلها.

14- تحقيق التوازن بين مجالات خبرات المنهج، إن أسباب التنوع الذي ذكرنا ضرورته سابقًا، يحتاج إلى ضابط آخر يحدث التكافؤ فيما بينها، وفيما بينها وبين غيرها من المؤثرات في العملية التعليمية. وذلك من خلال مراعاة التوازن بين الخبرات التي تختار في كل جانب. فالتوازن بين الخبرات الخاصة بمجالات الأهداف أمر ضروري. فمثلًا التوازن بين الخبرات المتعلقة بعبادة الله والخبرات المتعلقة بعمارة الأرض وفق منهج الله لا مندوحة عنه، والتوازن بين الخبرات المتعلقة بتربية المتعلم من حيث كونه إنسانًا وتلك التي تعده لمتابعة تعليمه في المراحل التالية أمر جوهري، والتوازن بين الاتساع والعمق في هذه الخبرات لا يمكن تجاهله. فالتوازن خاصة أساسية ينبغي أن يحققها من يختار خبرات المنهج الدراسي، حتى لا يحدث في المنهج إفراط في خبرات جانب على حساب التفريط في خبرات جانب آخر. 15- تحقيق الحداثة والمعاصرة. فإلى جانب ما سبق ذكره من الأسس المهمة لاختيار خبرت المنهج نضيف أساسًا ينطلق وجوده من طبيعة العصر الذي نعيشه. فمن أهم سمات هذا العصر ثراؤه العلمي وغزارة ما يتدفق من مناهله من مهارات. لذلك ما لم تواكب خبرات المناهج الدراسية هذه الغزارة وذاك التدفق, سوف تتخلف وتحدث انفصاما بين الأجيال التي تدرسها من ناحية ومقومات الحياة المعاصرة من ناحية أخرى، كما هو الحال الآن في عالمنا العربي الإسلامي. وهناك مجال آخر للحداثة، وهو التقانة التي تتطور بسرعة مذهلة وتتسع تطبيقاتها اتساعًا وعمقًا في حياتنا, إلى أن أصبح استيعابها من العوامل الفارقة بين الأمم في شتى بقاع الأرض. وهناك مجال هام ثالث للحداثة هو التجديد التربوي بعامة وفي مجال المناهج بخاصة. فتفريد التعليم والتعليم عن بعد والتعليم المصغر والتنظيم الحلزوني لخبرات المناهج، أو طبقًا لمفهوم البنية المعرفية والمنهج التقني والمنهج الإنساني، ما هي إلا أمثلة من المستحدثات التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار عند اختيار خبرات المنهج أو تنظيمها، يضاف إلى هذا اتباع الأسلوب العلمي في جميع العمليات الخاصة بتخطيط المناهج الدراسية. 16- تحقيق المرونة في بنية المنهج. إن التغيرات التي تتعلق بكل من المتعلم والمجتمع والعلم والتقنية والتربية والبيئة المحلية وغيرها تقتضي أن يستوعب المنهج الدراسي ما يحدث من هذه التغيرات، ويكون قابلًا للتطوير بما يواكبها دون أن تهتز بنيته أو يحتاج إلى إعادة بناء من جديد. وهذه المرونة لا تتحقق بالمستوى المطلوب ما لم يؤسس لها من يختار خبرات المنهج. فمثلًا، إذا رأى منظمو المنهج أن تتحقق هذه المرونة عن طريق إتاحة فرص لأن يختار المتعلم من مساقات تعليمية.

عدة، فإن هذا يتوقف على وفرة الخبرات التي يتيحها له من يختار خبرات المنهج لكي يستطيع تحقيق ذلك. ومن مقتضيات المرونة أن تسمح الخبرات المتاحة في المنهج -وهذه مهمة من يختارها- بأن تنظيم هذه الخبرات في مستويات عدة يراعي منظمو المنهج من خلالها الفروق الفردية بين المتعلمين, والتنوع في طرق التدريس وفي النشاط التربوي, وفتح قنوات الاتصال بين جوانب المنهج المختلفة، بحيث يصبح نظامًا تربويا متكاملًا. 17- أن تشمل مناهج المراحل الأولى من التعليم قدرًا من العلوم الشرعية يساعد على صياغة شخصية المتعلم صياغة إسلامية. وشكل "10" يقدم اقتراحًا بالنسبه لتوزيع خبرات المنهج الدراسي في مختلف مراحل الدراسة, فيما يتعلق بالخبرات الخاصة بالعلوم الشرعية واللغة والعربية والخبرات الخاصة بالعلوم الأخرى بالنسبة لغير المتخصصين في العلوم الشرعية واللغة العربية. كما يتضح من هذا الشكل، فإن الخبرات المتعلقة بالعلوم الشرعية واللغة العربية لغير المتخصصين فيها، يستمر في جميع مراحل التعليم حتى الدراسات العليا، وأنها تحتل المساحة الزمنية الكبرى في المرحلة الابتدائية, ثم تفسح مجالا للعلوم الأخرى مع التقدم في سلم التعليم؛ وذلك لأن شخصية الفرد وقيمه ونظرته

إلى الإنسان والكون والحياة تتكون في مراحل التعليم الأولى؛ ولأن المهارات المتعلقة باللغة العربية ينبغي أن تظل ملازمة للمتعلم في مسيرته التعليمية. 18- أن يبدأ المنهج بتقديم خبرات فرض العين وفق مقتضى الحال -مثل الجنس والعمر الزمني والنضج العقلي- وحاجة كل من التخصص والمهنة. وكما يلاحظ القارئ فإن خبرات فرض العين تحتل أكبر مساحة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية والثانوية؛ نظرًا لأنه بانتهاء المرحلة الثانوية على الأكثر، ينبغي أن يكون الفرد قد وقف عن يقين وبصيرة على ما لا يصح إسلامه إلا به من العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق، وإدراك ما هو من الأساسيات وما هو من الفروع. وهذا يقيه من الوقوع فريسة للدعوات المدمرة التي تجعل من الفروع أساسيات بغية إغراء شباب الأمة بالتخلي عن الأساسيات والتمسك بالفروع، ومن ثم التنازع بينهم وبين علماء الأمة، وبين من يهتمون بهذه ومن يهتمون بتلك من عامة الناس. وفرض العين لا يقف عند هذا الحد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فلكي يشارك المسلم في حياته الأسرية وفي المجتمع على هدى وبصيرة، لا بد له من

معرفة بالمفاهيم المتعلقة بإعداد ميزانية الأسرة وتنفيذها وتقويم مخرجاتها، ولا بد للمسلمة من معرفة كيفية تربية أطفالها بما يناسب طبيعتهم ونضجهم الجسمي والعقلي والنفسي. وكلاهما ينبغي أن يؤهل نفسه لخدمة مجتمعه، والتاجر والزارع والطبيب والمهندس مع أن مهنهم تتعلق بفرض الكفاية إلا أن الواجبات الشرعية المتعلقة بهذه المهن تصبح فرض عين على أصحابها، وإن كان لدى المسلم مال وجب عليه معرفة زكاته، وإذا باع واشترى وجب عليه معرفة ما يخص البيوع ... وهكذا نجد أن ما يكون فرض كفاية عند البعض يكون فرض عين عند آخرين. وعلى المنهج أن يعلمهم هذه الأمور بقدر حاجتهم. 19- أن يعمل جميع المعنيين بتخطيط مناهج العقيدة على تنقيتها من الشوائب. ينبغي تنقية العقيدة مما يشوبها من آثار المتكلمين عن فرق بادت، وعن آراء لم يعد لها معنى ولا وجود في عالمنا المعاصر، مما يشغل الطالب دون جدوى تذكر. والتأكيد على جوهر العقيدة والرد على المذاهب المعاصرة المنحرفة ودعوات الجهالة التي تلاحق الشباب لتجذبهم إليها وصولًا إلى دفعهم إلى التطرف. 20- أن لا تكون الخبرات التي يقدمها المنهج في التوحيد أو الفقه أو التفسير أو غيرها من العلوم الشرعية مجموعة من الحقائق يستظهرها الطلاب للامتحان ثم يطويها النسيان. ولكن ينبغي أن يكون حضورها مستمرا في نظرة الطلاب إلى الكون والإنسان والحياة. وذلك عن طريق إتاحة المنهج له فرص التوسع في البحث والاستقصاء وإجراء البحوث والدراسات الفردية والجماعية، والتطبيق في البحث والاستقصاء, وإجراء البحوث والدراسات الفردية والجماعية، والتطبيق في مواقف من حياة المتعلمين اليومية تثري هذه الخبرات وتغنيها وتثبتها في أذهانهم. 21- ينبغي ألا تقتصر خبرات منهج التاريخ على سرد الأحداث والوقائع في تسلسلها التاريخي أو الموضوعي فقط. ولكن ينبغي أيضًا أن يقف الطالب في النهاية على السنن التي أقام الله عليها العلاقات البشرية من حيث الأسباب والنتائج وتفنيد الأحداث والوقوف على آثارها في حركة الحياة, واستخلاص العبر وتوظيفها في تشوف المستقبل. 22- ألا تقتصر مناهج الجغرافيا عند سرد حقائق التضاريس والطقس ونشاط السكان. في كثير من الأحيان تقتصر مناهج الجغرافيا على حقائق التضاريس والطقس والنشاط السكاني وحركة المجموعات البشرية وتفاعلها الاقتصادي وغير ذلك. ولكن ينبغي أن تتعدى المناهج هذا إلى إثارة التفكير حول أمور مثل السنن الكونية, من حيث تكامل دورة الحياة في الإنسان والحيوان والنبات،

والأنساق المتعددة في الكواكب والنجوم وغيرها ووظائفها.. ودقة صنع الخالق لهذا كله، والتكامل الاقتصادي الذي يمكن أن يتحقق بين الأقطار الإسلامية ومتطلباته، والتكامل الواعي بين المسلمين وغيرهم. 23- ألا تقتصر مناهج العلوم على تقديم مجموعة من الكشوف العلمية البشرية. تتوقف خبرات مناهج العلوم في كثير من الأحيان على تقديم الكشوف العلمية البشرية وتسلسها، وتطور الفكر العلمي ومنهجه، وتكوين المادة وانشطار عناصرها أو اتحادها، وآثار ذلك كله على الإنسان، ولكن ينبغي أن يشمل أيضًا التأكيد على قدرة الله الذي أودع هذه الأسرار كلها في هذا الكون، مما يؤكد قدرة الخالق تعالى على الخلق, وعلى إقدار الإنسان على الكشف عن كوامن هذا الخلق, وحفزهم على مواكبة المستحدث في العلوم, وإطلاق طاقاتهم الإبداعية للارتقاء بالحياة الإنسانية بعامة وتقدم الأمة الإسلامية والوطن بخاصة. 24- أن يراعي تنقية مناهج العلوم الاجتماعية بخاصة مما أصابها من تلوث. ينبغي اختيار خبرات مناهج العلوم الاجتماعية وفق التوجيه الإسلامي وتجلية حقيقة الخلق بأن الله سبحانه قد خلق الكون بما فيه من أحياء وجوامد ومجرات وأنساق للكواكب وسموات وأرضين وغيرها. وخلق الإنسان على هيئته من تراب ووهبه البيان وكرمه وجعل وظيفته في الحياة الدنيا عمارة الأرض لصالح البشرية كلها، وليس لتطويعها لصالحه الخاص أو لصالح مجتمع بذاته أو أمة بذاتها دون غيرها من الأمم، وأن استغلال الإنسان للإنسان وتحقير الإنسان للإنسان وغير ذلك من العنصرية، لا يساعد على تكوين مجتمع صالح. 25- العناية بالمناسب من الفنون. يتصور البعض -خطأ- أن بين الدين الإسلامي والفنون خصومة، في حين أن الفن الإسلامي قد أثرى مسيرة الفن في العالم بإسهاماته الطيبة, ولم يرفض إلا ما يخالف منهج الله. لذلك ينبغي عند اختيار خبرات المنهج العناية بالفن مع الالتزام بحدود الدين الإسلامي في تناوله. 26- العناية بالتربية الرياضية لأهميتها في صقل شخصية المتعلم. فإضافة إلى دورها الأساسي في التربية الجسمية، فإنها تسهم في ملء أوقات فراغ المتعلم، وفي تربيته تربية اجتماعية، وتنمية قدرته على التوافق النفسي, وتنمية مهاراته القيادية والحركية. 27- العناية بإسهامات العلماء المسلمين في الحضارة الإنسانية. إن للعلماء المسلمين كشوفهم التي أسهمت في تقدم الإنسانية. ورغم ذلك لم تأخذ حقها من

الدراسة والإعلام. والمتعلم المسلم أحق الناس بدراستها ومعرفتها، والوقوف على إنجازاتها ليس فقط في الحضارة الإنسانية, ولكن أيضًا في تنمية مختلف العلوم والفنون والآداب. 28- العناية بالبحث العلمي وحل المشكلات. ينبغي أن تتيح الخبرات للمتعلم اكتساب المهارة في كل من البحث العلمي وحل المشكلات وممارسة طرق التفكير. فإن هذه الخبرات من أهم ما يحتاجه المتعلم في حياته المعاصرة. 29- العناية بالتربية القيادية. بمعنى أن تتيح الخبرات فرصًا للتربية العملية, والتطبيق الشامل على الريادة الحركية, في مواقف حقيقية تساعد على صياغة الفرد من خلال حركة جماعية نحو تحقيق واقع صحيح للحياة الإسلامية القادرة على التفاعل الواعي مع حركة العولمة والاستقطاب في الكونية، والإسهام في مسيرتها. 30- أن يراعي خصائص كل من الفتيان والفتيات. فإن لكل من الفتى والفتاة طبيعته ووظيفته في الحياة. وينبغي على المنهج الدراسي أن يقدم لكل منهما الخبرات المناسبة لفطرته واستعداداته ووظيفته في عمارة الأرض بعامة وتنمية المجتمع المسلم بخاصة؛ لأن مخالفة خبرات المنهج لهذه الفطرة تتسبب في عجز كل منهما عن الوفاء بمهماته في الارتقاء بحياته وحياة الأسرة, وفي تقدم المجتمع على وجه العموم، ويحول دون انطلاق القدرات المبدعة عند كل منهما. 31- العناية بالترفيه. إن الترفيه حافز من حوافز العمل، وعامل على تجديد الطاقة والتهيئة لبذل مزيد من الجهد في العمل. لذلك ينبغي تضمين خبرات المنهج خبرات ترفيهية مناسبة لمختلف الأعمار ومستويات النضج والبيئة الاجتماعية والطبيعية.

أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي

أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي ... 1- أن يراعي الاختيار والتنظيم خبرات المتعلمين السابقة، وطبيعتهم ووظيفتهم وخصائصهم العقلية والنفسية والجسمية ومستوى نضجهم، ويفي بمتطلبات نموهم وبحاجاتهم. من المعروف أن المتعلمين يأتون إلى المدرسة بحصيلة من الخبرات التي اكتسبوها من مصادر مختلفة، منها: مناهج التعليم السابقة والأسرة والبيئة المحلية. وتختلف هذه المصادر في ثرائها ومدى تأثيرها في المتعلم، كما يختلف عمقها واتساعها من المتعلم لآخر. ومن هنا كان من بين مهمات القائمين على تنظيم خبرات المنهج أن يقفوا على حصيلة هذه الخبرات التي سوف يؤسسون عليها تنظيمهم. ومدى تنوعها ومدى اختلاف مستوياتها بين المتعلمين. وخصائص المتعلمين هي -أيضًا- من أهم منطلقات تنظيم خبرات المناهج. فذكاء الفرد وقدراته العقلية الخاصة وميوله وحاجاته واستعدادته، وما يقبل عليه بشوق وما يدبر عنه بصدود، ومدى احتماله لبذل الجهد البدني, ومدى حاجته في كل مجال من مجالات النمو الجسمي والعقلي والوجداني، ونظرته إلى الإنسان والكون والحياة والمستقبل والمجتمع. كل هذه العناصر من بين الأسس التي يبنى عليها "تنظيم المنهج الدراسي" كما أن الفروق الفردية بين المتعلمين في كل من مجالات النمو الروحي والعقلي والنفسي والجسمي وفي النضج في هذا النمو من بين هذه الأسس. ولقد كان الوفاء بجميع ما ذكر فيما سبق أمرًا ميسورًا في الماضي. أما اليوم فقد أصبح أمرًا بالغ التعقيد. فما كان مسلمًا بصحته في الماضي أصبح اليوم محفوفا بالمخاطر. فعلى سبيل المثال كانت التغذية المتوازنة من عوامل النمو الجسمي السليم، والتوازن هنا يعود إلى مجرد الوفاء المتوازن بين العناصر الغذائية كما ونوعا. اليوم أصبح هذا غير كاف، إذ إن كمية منشطات النمو التي تستخدم للإسراع بنمو النباتات والفواكه والطيور والحيوانات، وكمية المبيدات التي تستخدم في مقاومة الآفات الزراعية تجعل مسببات الأمراض تكمن في المنتج النباتي أو الحيواني. كما أصبح التلوث السمعي والبصري والصحي يلاحق الإنسان حيثما ذهب, نتيجة لما تفرزه المصانع والسيارات ومركبات الفضاء والمحروقات وغبار التجارب على الأسلحة وغيرها. وهذا كله يضع أعباء جديدة على المناهج بأن تساعد المتعلم على النمو الجسمي السليم في هذا الخضم من مقاوماته. ولم يعد النمو الوجداني متوقفا على المؤثرات عليه من بيئة الفرد الأسرية والمجتمعية، ولكن امتدت المؤثرات إلى أقصى مدى وصلت إليه ثورة الاتصالات التي غطت الأركان الأربعة للكون. وبذلك وصلت للفرد هموم العالم كله، كما أن الإيقاع السريع للأحداث وعدم استقرار الأمن بالنسبة للفرد والمجتمعات على السواء

واحتلال الإرهاب والمخدرات والبطالة والفساد السياسي والاجتماعي مساحة واسعة في الحياة، قد أصاب الإنسان بالتوتر شبه المستمر. وشعور الإنسان بتخلفه عن اللحاق بالتدفق المعروفي, والفوران التقاني يزيد من توتره ويزيد من ضعف ثقته بنفسه، ويصيبه بالإحباط العقلي. وفي هذا الخضم من المتغيرات تتغير حاجات الإنسان وتتبدل، فعلى سبيل المثال. أصبحت حاجات في المقدمة بإلحاح مثل الحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الاستقرار الاقتصادي، والحاجة إلى الثقافة المعاصرة، والحاجة إلى المهارات التقانية، أما الحاجة إلى ظهور السلوك الإنساني الخير على مسرح حياة الأفراد والمجتمعات فقد أضحى إشباعها حلمًا بعيد المنال. وفي كل زمان، وفي كل مكان، تشرئب الأعناق إلى المؤسسات التربوية لكي تدخل حلبة تحقيق الأحلام والوفاء بالحاجات وحل المشكلات، وهذا يلقي بثقله على المناهج الدراسية اختيارًا وتنظيمًا. 1- التعرف على خبرات المتعلمين السابقة ومستواها، واتخاذها أساسًا لاختيار وتنظيم المنهج الدراسي واستثمارها في حفز المتعلمين على اكتساب الخبرات الجديدة. 2- أن يخاطب الاختيار والتنظيم مختلف العمليات العقلية لدى المتعلم مع مراعاة التوازن بينها وفق مرحلة النمو التي يمر بها, ومتطلبات تحقيق أهداف المنهج الدراسي. 3- أن يقدم التنظيم المفاهيم والحقائق والمهارات وفق أهداف المنهج الدراسي مراعيًا خصائص المتعلم. 4- أن يثير التنظيم حوافز المتعلمين نحو التعلم ونحو تقديرهم لخبرات المنهج الدراسي، ويوقفهم على أهم آثارها في حياتهم. 5- أن يساعدهم الاختيار والتنظيم على اكتساب مهارات المحافظة على صحة الدين والجسم والعقل والنفس، وكيفية الوفاء بمتطلبات النمو في هذه المجالات في توازن واعتدال. 6- أن يواكب الاختيار والتنظيم مستويات النضج في كل جانب من جوانب نمو المتعلم, ويراعي الفروق الفردية فيما بين المتعلمين.

7- أن يتيح التنظيم فرصًا لكل متعلم أن يحقق ذاته، ويستوفي حاجاته من خلال التنوع في المداخل, وطرق العرض ومجالات المهارات ومستويات الخبرات المراد تعلمها. 8- أن يحرص التنظيم على تربية المتعلم تربية إسلامية على وجه العموم، وبخاصة فيما يتعلق بواجباته نحو ربه ونفسه وأسرته والمسلمين أفرادًا وجماعات. 9- أن يتيح التنظيم للمتعلم دورًا إيجابيا في عملية التعليم والتعلم واختيار مجالات الدراسة. ويشركة في تخطيطها وتنفيذها وتقويمها، ويتيح له فرصًا لتعزيز نجاحه. 10- أن يراعي التنظيم مفهوم الإسلام عن الإنسان والكون والحياة، وبخاصة فيما يتعلق بطبيعة الإنسان وتكوينه ووظيفته ومراحل نموه. 11- أن يغطي التنظيم مختلف أنواع الخبرات -المباشرة وغير المباشرة, والمحسوسة. وشبه المحسوسة، والفردية والجماعية، والنظرية والعلمية، والميدانية ... كما يواكب مختلف مستويات التحصيل. 2- أن يراعي قيم المجتمع وحاجاته ومشكلاته وطموحاته. لكل مجتمع أنموذج من القيم من أهمها القيم الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية ينبغي أن تعمل المناهج الدراسية على ترسيخها وصولًا إلى استقرار المجتمع والمحافظة على بنيته الأساسية. ولكل مجتمع حاجات أهمها الحاجات التربوية والتنموية والأمنية، وهذه ينبغي أن يعمل المنهج على الوفاء بها. ولكل مجتمع مشكلاته التي تعيق مسيرته من أمثلتها الأمية والبطالة والتخلف الاقتصادي وندرة العمالة الماهرة، وهذه تتحمل المناهج الدراسية مسئولية الإسهام في حلها. وللمجتمع المسلم -أيضًا- قيمه وحاجاته ومشكلاته التي ينبغي أن تعمل المناهج الدراسية في مؤسساته التربوية على الوفاء بمتطلباتها، بحيث تكون من عوامل استقرار المجتمع والمحافظة على هويته وتقدمه وتحقيق أهدافه. فالحاجة إلى ترسيخ العقيدة الإسلامية والدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بالأساليب الحديثة في التنمية وملاحقة التقدم العلمي والتقاني من الحاجات الملحة لمجتمعات المسلمين. ومن مشكلات بعض المجتمعات المسلمة الأمية الروحية والتخلف عن أداء الفرائض، والانحدار الأخلاقي

والانبهار المحبط بحضارة الآخرين، وتدني مستوى الإنتاج، وندرة المياه والتحصر والحاجة إلى الطاقة, والإرهاب. وطموحات المجتمعات المسلمة كثيرة منها: أن تعوض فجوة التخلف الحضارة الحالية التي تواجهها، وأن تنهض بمجتمعاتها بحيث توفر لها المقومات الأساسية للحياة، وأن تتوحد كياناتها لكي تواكب الكيانات الكبرى التي تتكون من حولها، وأن تتبوأ مكانها اللائق بين الأمم في مسيرة التقدم المتسارع. وعلى وجه العموم، فإن أهم ما ينبغي أن ينجزه القائمون على تنظيم المنهج الدراسي للوفاء بمتطلبات المجتمع، ما يلي: 1- التركيز على مقومات المجتمع المسلم بما في هذا التمسك بالعقيدة الإسلامية وتحكيم شرع الله، والتكافل الاجتماعي، والاجتهاد في حل مشكلات الحياة الإسلامية. 2- الحث على الحرص على أداء العبادات والتمسك بالأخلاق الإسلامية والتعاون على البر والخير. 3- بيان الأسلوب الصحيح للدعوة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء المعاملات على أساس الدين الحنيف. 4- مراعاة متطلبات التربية الإسلامية فيما يتناوله تنظيم المنهج الدراسي من أفكار وطرائق للتناول. 5- بيان مقومات التضامن بين المجتمعات الإسلامية وصولًا إلى تكوين كيان إسلامي يواكب ما يتكون في العالم المعاصر من كيانات كبرى تؤثر فيه سياسيا واقتصاديا وتربويا وثقافيا. 6- العمل على كشف ما في العالم الإسلامي من خيرات, سواء في صورة مصادر بشرية أو مصادر طبيعية، وحسن استثمارها والتعاون والتنسيق والتكامل بين المجتمعات الإسلامية بشأنها. 7- العمل على حصر ما في المجتمعات الإسلامية من مشكلات مثل مشكلة التخلف العلمي والتقاني والإرهاب وحلها حلولًا ذاتية بقدر الإمكان. 8- التكامل والتنسيق بخصوص خطط التنمية في المجتمعات الإسلامية وفي توفير الخبرات اللازمة لتنفيذها.

9- العمل على اللحاق بالتقدم العلمي والتقاني المعاصر، وتوظيفهما في إنهاض العالم الإسلامي. 10- العمل على إنشاء بنك معلومات شامل عن العالم الإسلامي, يكون أساسًا لرسم خطط تنميته، ومرجعًا للباحثين في شئونه. 11- تحقيق التوازن والتكامل بين خبرات مختلف المجالات الخاصة بالحياة في المجتمع, فمثلًا يطغى الجانب التعبدي على جانب اللحاق بالتقدم العلمي والتقاني أو العكس. 12- فتح آفاق التعاون مع المجتمعات غير الإسلامية بهدف تحقيق التقدم المنشود في العالم الإسلامي، والعمل على استقرار السلام والأمن العالمي والتعاون على تحقيق الرفاه للمجتمع دون تفريط. 3- أن يحافظ على تتابع الخبرات. خاصة التتابع خاصة مهمة في البناء المعرفي، وفي عملية التعلم، فمن حيث البناء المعرفي نجد أن كل خبرة يكتسبها المتعلم تبني على سابقتها وتمهد للاحقتها, بحيث تكون المعرفة سلسلة متتابعة من الخبرات تبدأ بمستوى معين وتتجه إلى مستويات أعلى. ويمكن أن توجه خاصة التتابع في تنظيم خبرات المنهج في المجالات المعرفية وفق درجة التعقيد أو العمق أو التوسع. بمعنى أن تتبع الخبرات الأكبر عمقًا والأكثر تعقيدًا والأكثر توسعًا الأقل منها عمقًا وتعقيدا وتوسعًا، على الترتيب. ولكن هناك خبرات في المنهج لا يؤثر تطبيق خاصة التتابع عليها كثيرًا. مثل تلك المتعلقة بتعديل الاتجاهات وتنمية الميول وقدح القدرات وتكوين المدركات واكتساب الأنماط السلوكية مثل الاحترام والنظام والتعاون ... ومن الجدير بالذكر أن خاصة التتابع تعتمد في تحقيقها على عوامل كثيرة منها درجة نضح المتعلم واستعدادته وخبراته السابقة، وطبيعة الخبرات التي يتناولها التنظيم، وبيئة التعلم. 4- أن يفسح المجال لشمول الخبرات وتنوعها ومرونتها وتكاملها وتحقيق كفاءة عملية التعلم. كما سبق أن ذكرنا، إن العصر الذي نعيش فيه اليوم يتسم باتساع آفاق المعرفة وتنوعها وسرعة التغير فيها، وبتسارع التقدم التقاني الذي دفع عجلة التطور في مخلتف جوانب الحياة إلى سرعة غير مسبوقة. لذلك فإن تنظيمات المناهج ينبغي أن تفتح آفاقًا للتعليم تشمل مختلف المجالات التي تهم المتعلم, ويكون له بها حاجة في حياته وهي حاجات متنوعة متجددة وفق الإيقاع

السريع للعصر، الأمر الذي يلقي على تنظيم المنهج مسئولية تنويع الخبرات لتجمع بين الخبرات العلمية والنظرية، وبين العمق والاتساع وبين المجرد والمحسوس، وبين الوجداني والمهاري، وبين ما يتطلب الإبداع والابتكار وما يتطلب مجرد التذكر والفهم، وبين حاجات المتعلم وحاجات المجتمع. كما ينبغي أن تتوافر المرونة في تنظيم المنهج الدراسي. إذ تعتبر المرونة خاصة ضرورية لمواكبة التغيرات التي تحدث في مختلف جوانب الحياة، ولمراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين والمعلمين، وللاستجابة لحاجات المجتمع، ولكفاءة التكيف مع عوامل الاختلاف في المواقف التعليمية ولاستيعاب طرائق التعليم الحديثة وتقانته الجديدة، وللوفاء بالحاجات الطارئة للمجتمع والبيئة المحلية للمدرسة، ولإدخال عناصر التشويق والجذب على الموقف التعليمي من خلال توفير البدائل. وجميع ما سبق يساعد على كفاءة عملية التعليم والتعلم، فالموقف التعليمي الذي يتوافر فيه شمول الخبرات وتنوعها ومرونتها يكون قد قطع شوطًا على طريق النجاح، ومما يزيد أيضًا من كفاءة عملية التعلم أن تعتمد على تقديم الكليات، قبل الدخول في التفاصيل، ولذلك فإن استخدام مفهوم البنية المعرفية والتنظيم الحلزوني في تنظيم المنهج يساعد في كفاءة عملية التعليم والتعلم، يضاف لما سبق، مراعاة التوازن بين مستويات التحصيل، فلا يعطي أهمية للحفظ على حساب الفهم أو التحليل على حساب التركيب أو التقويم على حساب الإبداع. ومراعاة التوازن بين جوانب النمو, فلا تعطي أهمية للنمو العقلي على حساب النمو الجسمي، ولا النمو الوجداني على حساب النمو الاجتماعي، ولا لأي مما سبق على حساب النمو العقدي. والتكامل من طبيعة عملية النمو، بمعنى أن النمو يحدث في جميع أعضاء الجسم وجيميع مكونات الإنسان بيولوجيا ووظيفيا ونفسيا، ولا يستقل عضو بالنمو على حساب بقية الأعضاء. وكذلك التعلم يبدأ كليا قبل أن ينتقل إلى التفاصيل، بمعنى أن الإنسان حين ينظر إلى شيء فإنه ينظر -أولًا- إلى خصائصه العامة من حيث كونه إنسانًا أو حيوانا أو نباتا، كبير الحجم أو صغيره. ثم يبدأ -بعد ذلك- في النظر إلى التفاصيل. فخاصة التكامل -إذن- تعود إلى خواص النمو السليم والتعلم الأفضل. ومن ثم فإن توافرها في تنظيم المناهج الدراسية يؤدي -بالضرورة- إلى استيعاب أفضل لخبرات هذه المناهج. يضاف إلى هذا أن مواقف الحياة لا تتجزأ بحيث يكون

أحدها يتعلق بخبرات مادة التاريخ فقط، والآخر يتعلق بخبرات مادة الجغرافيا فقط، والثالث يتعلق بخبرات الرياضيات فقط، بل تحتاج هذه المواقف -لفهمها والتفاعل معها بنجاح- إلى جماع خبرات الإنسان من مختلف المصادر سواء من مجال دراسي معين أم من غيره من المجالات. لذلك كلما كانت خبرات المناهج متكاملة كانت أكثر فعالية في إعداد المتعلم لمواجهة مواقف الحياة بنجاح. ولتكامل خبرات المنهج مجال آخر إلى جانب تكاملها بالنسبة لمختلف المواد الدراسية. هو أن خبرات المنهج الدراسي لا تتجزأ على أساس عناصر المنهج الستة التي بيناها في الفصل الثاني من الباب الأول من هذا الكتاب. فلا نجد -على سبيل المثال- فئة من الخبرات تخص الأهداف وحدها. وأخرى خاصة بالمحتوى وحده وثالثة، تخص التقويم وحده، بل نجد خبرات المنهج نسقًا تربويا يصنعه "تنظيم المنهج" تتكامل فيه منظومة خبرات المنهج وفق حاجة المتعلم وطبيعة الموقف التعليمي. ويعود تكامل خبرات عناصر المنهج الدراسي إلى كون هذه العناصر تشبه -إلى حد كبير- أعضاء الكائن الحي، ومن حيث إن أعضاءه تتضح فرادى إلا أن وظائفها تتكامل إلى حد أن تدنى كفاءة عضو واحد منها يتسبب في تدني كفاءة الكائن الحي ككل. ولهذا السبب، فإننا نعتبر المنهج الدراسي نظامًا يتكون من ستة عناصر يؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به. وعملية التعلم التي ينبغي أن يعمل "تنظيم المنهج" على رفع كفاءتها, لها أسسها التي لا بديل عن توافرها لتحقيق هذه الكفاءة من بينها: تنويع خبرات التعلم ومرونتها بما يواكب الفروق الفردية في نمو المتعلمين، ويفي بالحاجات المتنامية والمختلفة للمجتمع، ويستوعب النمو السريع للمتعلم. لذلك، فإنه لكي يحقق "تنظيم المنهج" تكامل خبرات المنهج الدراسي وتنوعها ومرونتها إضافة إلى رفع كفاءة عملية التعلم، فإنه ينبغي أن يتوافر في هذا التنظيم مجموعة من الخصائص، ومن أهمها: 1- أن يترجم القائمون على "تنظيم المنهج الدراسي" أهداف المنهج ترجمة إجرائية على شكل أنماط سلوكية تناسب كلا من المتعلم والمجتمع والمقررات الدراسية والمستوى الدراسي بحيث يمكن الوقوف على مدى تحقيق هذه الأنماط بسهولة عند تطبيقها.

2- تحليل كل نمط سلوكي إلى مجالات متنوعة للتعلم: مباشرة وغير مباشرة، ونظرية وعملية، وفردية وجماعية، وغير ذلك من مجالات اكتساب الخبرات. 3- تحليل كل مجال إلى الخبرات الخاصة به على أن يتوافر في مجموعها التكامل والتنوع والمرونة، وأن تكون نسقًا تربويا يناسب نضج المتعلمين في نموهم الروحي والجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ويراعي الفروق الفردية بين المتعلمين في مختلف مجالات النمو. 4- الحرص على أن يحفز هذا النسق المتعلم نحو اكتساب خبراته ويعطيه دورًا إيجابيا في ذلك ويعزز بصفة مستمرة نجاحه. 5- مراعاة ربط هذه الخبرات بخبرات المتعلم السابقة وبحياته اليومية ومشكلاتها، وإتاحة فرص للتعلم المستمر في حلقات متواصلة. 6- إن التغير السريع في نمط الحياة اليومي يتطلب أن تركز "تنطيمات المناهج" على مساعدة المتعلم على اكتساب شخصية مرنة قادرة على التكيف مع التغير وحسن استثماره، وعلى اكتساب المهارة في استخدام طرق التفكير المختلفة، وفي ممارسة أسلوب حل المشكلات وفي البحث العلمي والتعليم الذاتي المستمر. 7- أن يلاحظ القائمون على تنظيم المناهج أن "التعلم عملية كلية" تبدأ بالإدراك الكلي للمواقف, وتتوقف على التفاعل المثمر مع البيئة يترتب عليه خبرة متعددة الجوانب لا ينفصل فيها جانب المعرفة عن المهارات أو التفكير، ومن ثم تحتاج هذه العملية إلى تنظيم للخبرات يجمع هذه الجوانب. 8- مراعاة أن التعلم يتوقف على الاستعدادات الفردية، لذلك فقد ظهر اتجاه حديث نحو "تفريد التعليم" ومعناه الاهتمام بالنواحي الفردية "للمتعلم" ومراعاة مستوى الدارس الفرد وحاجاته. 9- إن التعلم الجماعي يولد حوافز نحو التعلم, ويدفع على الإجادة فيه من خلال التنافس البناء ما دامت الخبرات المكتسبة ليست فوق مستوى قدرات المتعلمين. 10- ملاحظة أن التعلم يكون أبقى أثرًا ما استخدم فيه أكثر من حاسة وكان قائمًا على الممارسة الفعلية، وكانت خبرات التعلم ذات معنى للمتعلم.

11- أن بيئة التعلم الواضحة للمتعلم والجاذبة لانتباهه والتي يدرك المتعلم أهدافها، ويتضح له طرق تحقيقها تساعده كثيرًا على النجاح في عملية التعلم. 5- أن يساعد المعلم على أداء المهمات الجديدة التي ألقيت على عاتقه نتيجة لتعدد مصادر المعرفة. إنه لمن الأهمية بمكان أن يعمل "تنظيم خبرات المنهج" على مساعدة المعلم على أداء وظائفه الأساسية في عملية التعليم والتعلم وفق الاتجاهات الحديثة، وبما يتوافق مع قنوات المعلومات المستحدثة. فلم يعد المعلم -اليوم- هو المصدر الأول للمعلومات. بل أصبحت مصادر أخرى تنافسه في تزويد طلابه بأحدث المعلومات وأكثرها ارتباطا بتقانة العصر، من بينها شرائط الفيديو والحاسب الآلي وقنوات البث المباشر وغيرها، مما يملأ الساحة -اليوم- مبشرًا بالمستحدث من المعارف والعلوم والتقانة. وإزاء هذا التغير, تتغير وظائف مصادر المعرفة وبخاصة المعلم. لذلك، ينبغي أن يعنى "تنظيم المنهج الدراسي" بهذه الوظائف بحيث يتكامل فيما بينها بما يثري حصيلة المتعلم ويوفر له تنوع الخبرات ويساعد المعلم على تحمل المهارات الجديدة التي ألقيت على عاتقه. فعلى سبيل المثال، لم يعد المعلم ملقنا للمعلومات. ولكنه أصبح يعنى بمهمات أخرى, هو أقدر على إنجازها مما سواه من العوامل المؤثرة في عملية التعليم والتعلم. من هذه المهمات تخطيط العملية التعليمية، بما يحقق التكامل بين هذه العوامل، وإرشاد الطلاب وتوجيههم بما يساعدهم على التعليم الذاتي والاستثمار الأقصى لقدراتهم واستعداداتهم ومهاراتهم وحسن استثمار الفروق الفردية بينهم. يضاف إلى هذا كله، تقويم مخرجات المنهج وبخاصة بالنسبة لنمو التلاميذ، وتخطيط كل من التدريس الوقائي والتدريس العلاجي على وجه الخصوص، وملاحقة التطورات المعاصرة في كل من الفكر التربوي وتقانة التعليم، ومجال التخصص، وأن يشترك في برامج التدريب المختلفة، وتتاح فرص الاشتراك في حلقات لتبادل الخبرات مع الآخرين حول المستحدث في مختلف جوانب عملية التعليم والتعلم. ولكي يساعد "تنظيم المنهج الدراسي" المعلم على إنجاز مهماته الجديدة، ينبغي أن يضعها القائمون عليه في الاعتبار، وذلك من خلال تحقيق التالي، على سبيل المثال:

1- أن يكون التنظيم مرنًا بحيث يسمح للمعلم بتخطيط المواقف التعليمية التي تناسب الظروف المستجدة بالنسبة للمتعلم والمجتمع والتطور التربوي والتقاني. 2- أن تتيح التنظيم للمعلم بإعطاء المتعلم دور المشارك الفعلى في عملية التعليم والتعلم، وذلك عن طريق تمكين المعلم من تكليف المتعلم بقراءات وبحوث وتجارب عملية ودراسات ميدانية، إضافة إلى استمرار إثارة تفكيره من خلال التفاعل مع خبرات المنهج. 3- أن يعنى التنظيم بمساعدة المعلم على أن يتيح للمتعلم فرص اكتساب مهارت التعلم الذاتي المستمر عن طريق اكتسابه المهارة في البحث عن مصادر المعرفة, وحسن استثمارها والاطلاع عليها وتلخيصها والتعبير عنها بأساليب مختلفة. 4- أن يعنى التنظيم بتنويع مداخل اكتساب الخبرات في كل موضوع من موضوعات المنهج، الأمر الذي يساعد المعلم على مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين عن طريق إتاحة الفرصة لكل متعلم لاكتساب الخبرات التي تناسبه من خلال المدخل الذي يناسبه. 5- أن يساعد التنظيم المعلم على توزيع مجالات اكتساب الخبرات بين مختلف عناصر المنهج الدراسي كلما دعت الحاجة. بمعنى أن يقسمها بين طرائق التعليم وتقانته والنشاط المدرسي والتقويم إضافة إلى المحتوى، الأمر الذي يدعم التنوع في الخبرات والمواقف التعليمية ويحفز المتعلمين نحو اكتسابها. 6- أن يعنى التنظيم بتنويع أساليب التقويم وأدواته ومواقفه بما يساعد المعلم على جعل التقويم مجالا لاكتساب الخبرات التربوية، إضافة إلى كونه أداة للحكم على تحصيل المتعلم. 7- أن يساعد التنظيم المعلم على تنفيذ التدريس الوقائي والعلاجي، وإرشاد طلابه وتوجيههم إلى مجالات الدراسة المناسبة لقدراتهم واستعدادتهم. وذلك من خلال تنظيم خبرات متدرجة في مستوى الصعوبة، تركز على مكامن الخطأ المحتملة، وأخرى تركز على علاج الأخطاء التي سبق تواترها.

8- إن تقانة التعليم من أهم ما يؤثر على العملية التعليمية, ويتزايد تأثيرها على هذه العملية يومًا بعد يوم. ولكي يساعد "تنظيم المنهج" المعلم على التفاعل البناء معها ينبغي أن يهتم بالمستحدث منها. 9- أن يتيح التنظيم للمعلم التخلص من النظام التقليدي الذي يقيد الطلاب بالبقاء في حجرة الدراسة. ويمكنه من الخروج بهم إلى أماكن أخرى داخل المدرسة أو خارجها للدراسات الميدانية أو لمجرد تغيير البيئة التعليمية. 6- أن يتيح فرصًا لتعاون المعلمين بخاصة وأعضاء مجتمع المدرسة بعامة في العملية التعليمية ولبقاء المتعلمين في المدرسة يومًا دراسيا كاملًا. إن من الأهداف المهمة لتنظيم المنهج الدراسي هو توفير مناخ لتعاون عناصر المجتمع المدرسي في تخطيط هذا المنهج وتنفيذه وتقويمه وتطويره. إذ يعمل "تنظيم المنهج" على توافر مناشط فردية وأخرى جماعية يتعاون فيها مختلف عناصر المجتمع المدرسي، ومناشط تجمع بين مختلف مجالات الدراسة. ولهذا التعاون مآت عدة، من أهمها اختيار تنظيمات لخبرات المنهج الدراسي, تزيل الحواجز بين المقررات الدراسية وتعد مواقفها في صورة خبرات شاملة تتصل -أساسًا- بمواقف الحياة التي تجمع بين خبرات مختلف التخصصات الدراسية. ويمكن أن يحقق تنظيم المنهج الدراسي هذا التعاون من خلال طرائق التعليم والبحوث المشتركة والنشاط المدرسي. فمن بين طرائق التعليم ما يتطلب تعاون المعلمين على تخطيطها وتنفيذها وتقويم مخرجاتها, مثل طريقة "التدريس بالفريق" ومن بين البحوث الميدانية، ما يوجه لحل مشكلة اجتماعية تغطي دراستها أكثر من تخصص دراسي ومن ثم يتعاون فيها أكثر من معلم. والمدخل الثالث، لتعاون المعلمين والمتعلمين هو "المناشط المدرسية" ففيها فرص كثيرة لهذا التعاون، إذ منها ما هو صفي وما هو لا صفي, ويتم بعض الأخير داخل المدرسة والبعض الآخر يتم خارجها، وفي كلا الحالين فإن المناشط يمكن أن تجمع حولهما معلمي أكثر من تخصص. فعلى سبيل المثال إذا قرر القائمون على المناشط المدرسية عمل موسم ثقافي عن التنمية في البيئة المحلية للمدرسة، فإن مثل هذا المنشط سوف يحتاج تعاون مختلف عناصر مجتمع المدرسة لتنفيذه، وبينهم من ناحية وبعض عناصر مؤسسات التنمية في البيئة من ناحية أخرى. وإن تعاون المعلمين بخاصة وأعضاء المجتمع المدرسي بعامة, وتنوع الخبرات وتوازنها وشمولها وتكاملها واختلاف مستوياتها يجعل مناخ المدرسة حببًا لكل من المعلمين والمتعلمين، ويجعلهم يندمجون في عملية التعليم والتعلم، ويستمتعون

ببقائهم في المؤسسة التربوية دون ملل، وهذا يساعد على تطبيق نظام اليوم الكامل الذي ينادي التربويون بضرورة تطبيقه. وكل هذا يمكن تحقيقه من خلال "تنظيم خبرات المنهج الدراسي". ويمكن تلخيص ما يمكن أن يسهم به "تنظيم خبرات المناهج" في هذا الصدد على النحو التالي: 1- أن يتيح التنظيم أنشطة مشتركة بين أفراد المجتمع المدرسي من خلال خبرات المنهج. 2- أن يتسم التنظيم بالتكامل الداخلي، بمعنى أن تنظم خبرات عناصر المنهج في مواقف متكاملة، ومن ثم تكون مجالًا لتعاون عناصر المجتمع المدرسي على مساعدة المتعلمين على اكتساب هذه الخبرات. 3- أن يتسم التنظيم بالتكامل الخارجي بمعنى أن تتكامل خبرات مناهج مختلف المجالات الدراسية بحيث يؤسس هذا التكامل للتعاون بين معلمي هذه المجالات. 4- أن يعنى التنظيم بمختلف أنواع المناشط النظرية والعملية، والفردية والجماعية، والصفية واللا صفية، ما يتم داخل المدرسة وما يتم خارجها، ومن ثم يؤسس التنظيم من خلال هذا التعاون المعلمين وغيرهم من المشرفين على هذه المناشط. 5- أن يعنى التنظيم عناية خاصة بالخبرات المتعلقة بالنمو الروحي والجسمي والنفسي والاجتماعي إضافة إلى النمو العقلي، الأمر الذي يتيح التنوع في مجالات اكتساب خبرات المنهج، ومن ثم مساعدة المتعلمين على قضاء يوم دراسي كامل دون ملل. 6- أن يتيح تنظيم المنهج فرصًا لتفاعل المدرسة مع مؤسسات المجتمع الأخرى، الأمر الذي يدفع عناصر المجتمع المدرسي -ومنهم المعلمون- إلى التنسيق والتعاون مع هذه المؤسسات، كما يدفع منسوبي هذه المؤسسات للتعاون مع المدرسة. وهذا ييسر العمل بنظام اليوم الدراسي الكامل. 7- أن يعنى التنظيم باستخدام تقانة التعليم في عملية التعليم والتعلم، فإنها من المناشط المحببة إلى المتعلمين وتخفف العبء عن المعلمين إضافة إلى أنها مدخل لتنويع خبرات المنهج.

7- أن يستثمر الاتجاهات الحديثة في تنظيمات المناهج الدراسية على أسس تجريبية، تشهد "تنظيمات المناهج" تطورًا سريعًا انتقل بها من التنظيم المنطقي دون كبير اعتبار لطبيعة المتعلم وخصائصه إلى "التنظيم النفسي" الذي يعنى بخصائص نمو المتعلم. وقد ظهرت تنظيمات أخرى كثيرة نتيجة للبحوث النفسية والتربوية ونتيجة للتقدم التقاني. مثل "التنظيم الحلزوني", "وتنظيم البنية المعرفية" الذي يأخذ ببناء المعرفة حول مفاهيم أساسية تكون بمثابة أطر عامة يتفرع منها, وتؤسس عليها التفاصيل، وقد ظهر هذا النموذج نتيجة للنهضة التي تشهدها العلوم, والتي جاءت بعلوم حديثة لا يمكن استيعابها بسهولة إلا بناء على استحداث تنظيمات لخبرات المناهج تسهم في رفع كفاءة عملية التعليم والتعلم. والمثال الثالث الذي نعرضه هنا عكس المثال السابق. فالمثال السابق يقدم "البنية المعرفية" التي تعتمد على الكليات، أما هذا المثال فيعتمد على إطار من التفصيلات. ويعرف هذا لتنظيم بـ"التعليم المبرمج". وفيه يتم تحليل كل خطوة في عملية التعليم إلى تفاصيل جزئية بهدف تمكين المتعلم من اكتساب ما ينبغي أن يتعلمه، ويتبع كل خطوة ناجحة تعزيز لهذا النجاح. ولكي يؤسس "تنظيم المنهج" لعملية تعلم ناجحة، ينبغي أن يستفيد من ميزات التنظيمات المطروحة على الساحة, على أن يوضح كل تنظيم قبل الأخذ به موضوع التجريب إلى أن يثبت صلاحه أو عدم صلاحه. واليوم، ظهرت أسس جديدة لتنظيم المنهج، من أمثلتها: "الأساس التقاني" ويكون التركيز فيه على التقانة، و"الأساس الإنساني" وفيه يكون التركيز على التنمية الشاملة للإنسان، و"الأساس البيئي" حيث يكون التركيز على البيئة ومشكلاتها. ويرى المؤلف أن هذه الأسس جميعًا ليست إلا ردود أفعال لظواهر معينة تفرض نفسها على المناهج الدراسية، فالأساس المعرفي -على سبيل المثال- هو رد فعل لسيطرة المعرفة واحتلالها مجال الصدارة. ولما غزت التقانة عالمنا المعاصر، نادى منادون بالمنهج التقاني الذي تختار خبراته بالتركيز على التقانة وتنظم على أساس معطياتها التقانة، وكذلك الأمر بالنسبة للأسس الأخرى. كما يرى المؤلف أنه لا يمكن أن يتفرد منهج بأساس واحد من هذه الأسس دون غيره، سواء في اختيار خبراته أو في تنظيمها، فيما أن المنهج منظومة الخبرات التي تقدمها المؤسسة التربوية للمتعلم بقصد تربيته للحياة في مجتمع بذاته, وفي وقت أصبحت التقانة غاشية فيه، فإن هذا يعني أن المنهج -إلى جانب عنايته بالتقانة-

ينبغي أن يحيط بمتطلبات هذه التربية فيما يتعلق بكل من المتعلم والمعرفة والمجتمع وغير ذلك من المقتضيات التربوية المناسبة، ومن ثم فإن أي تنظيم لا بد أن يأخذ في الاعتبار جميع العوامل المؤثرة فيه, وتلك التي تسهم في تحقيق أهدافه، ولكنه قد يوجه عناية لعامل معين أكثر من غيره من العوامل. وكما يتضح من شكل "12" فإن عوامل متعددة تؤثر في "تنظيم المنهج الدراسي". 8- أن يتم الاختيار والتنظيم والتجريب والتعميم على أسس علمية. لقد مضى الزمن الذي فيه كان يختار خبرات المنهج, وينظمها لجان من عدة أفراد بناء على خبرتهم الشخصية, ودون تأسيس على عمل علمي رصين، فإذا نظرنا إلى واقع حياتنا المعاصرة، نجد أن البلدان التي لا تزال تتبع هذا الأسلوب قد غرقت في بحر من المشكلات التربوية، وهناك بلدان تصورت أن إنقاذها من التدهور التربوي الذي تعانيه يتم بالنقل من الغير، فزادت الطين بلة. وكفاية المنهج لا تتحقق إلا بتأسيسه على دراسات علمية. ومن أمثلة الدراسات العلمية التي يبنى عليها اختيار الخبرات: دراسات علمية لخبرات المتعلمين السابقة وخصائص نموهم وتاريخهم الدراسي والمستوى الاقتصادي الاجتماعي الثقافي لأسرهم والفروق الفردية فيما بينهم في هذا كله. ودراسات علمية للمجتمع وواقع الإمكانات المتوافرة فيه ومشكلاته وحاجات تنميته بعامة, وخطط التنمية فيه بخاصة, والتغير المحتمل في مطالب سوق العمل فيه, ومدى التزام أفراده ومؤسساته بالسلوك المرتجى، ودراسات علمية عن التقدم العلمي والتقاني والتربوي المعاصر، واختيار ما يلائم المجتمع من هذا التقدم.

وكذلك الأمر بالنسبة لتنظيم خبرات المنهج وتطبيقها. فلا بد من أن يؤسس كل منهما على دراسات علمية لنلعوامل التي تؤثر فيهما, الاتجاهات الحديثة في كل منهما. والتجريب هو العمود الفقري لمختلف خطوات تخطيط المنهج الدراسي، إذ بدونه لا يمكن التحقق من ملاءمة المناهج لتحقيق الأهداف التربوية. فمهما أسست عمليات المناهج على بحوث ودراسات علمية, فإن التجربة هي الحد الفاصل بين صلاحها من عدمه. لذلك، فإن المؤلف يرى أنه بعد اختيار الخبرات وتنظيمها ينبغي أن تخضع للتجريب وتقويم نتائجه. ويتم التعديل في ضوء نتائج التقويم, وتستمر متابعة التجريب والتقويم والتعديل إلى أن تستقر النتائج. وعلى وجه العموم يمكن أن يحقق القائمون على "تنظيم خبرات المنهج الدراسي" ما سبق على النحو التالي: 1- حصر نتائج الدراسات التي أجريت على كل من المتعلم والمجتمع ومجال الدراسة والتقانة. 2- دراسة تنظيمات المناهج الدراسية المختلفة، وبخاصة الحديثة منها. 3- متابعة ما يستجد من تنظيمات عن طريق دوام الاتصال بمراكز بحوث المناهج في الدول المتقدمة تربويا. 4- اختيار التنظيمات التي يرونها مناسبة لكل من المتعلم والمجتمع ومجال الدراسة والتقانة المعاصرة، وإخضاعها لمزيد من الدراسة. 5- الاستفادة من الخطوات السابقة في تكوين تنظيم أو أكثر يفي بخصائص التنظيم الجيد للمنهج الدراسي المراد إعداده. 6-وضع التنظيمات التي تم تكوينها موضع التجريب. وبناء على نتائج التجريب يختار التنظيم الأكفأ.

رابعا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس

رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس * يمكن تلخيص أهم الأسس على النحو التالي: أ- أن تراعي هذه الطرائق متطلبات تربية الطلاب تربية إسلامية. ب- أن تناسب طبيعة الطلاب ومستوى نضجهم العقلي وخصائصهم النفسية، كما تراعي خبراتهم السابقة والفروق الفردية بينهم، وتستثمر هذا كله في عملية التعليم والتعلم.

_ * انظر تعريف طريقة التدريس في كتاب المؤلف: "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته".

جـ- أن تعمل على تحقيق أهداف الدرس وأهداف المنهج الدراسي وأهداف المدرسة. د- أن تشد انتباه الطلاب، وتحفزهم على المتابعة والمشاركة الإيجابية. هـ- أن تساعد الطلاب على اكتساب المهارة في ممارسة مختلف طرائق التفكير العلمي، وحل المشكلات والتعليم الذاتي المستمر، والحوار البناء. وأن توجه الطلاب نحو البحث العلمي, والاطلاع بالمكتبة ومتابعة المصادر الجديدة المرتبطة بمجال المقرر الدراسي. ز- أن تحفز الطلاب نحو متابعة التقدم التقاني المعاصر وتطبيقه بقدر المستطاع. ح- أن تبني الدرس على ما سبقه من دروس، وتمهد لما يتلوه منها، كما تناسب طبيعة الموضوع المراد تدريسه. ط- أن تعنى بتطبيقات موضوع الدرس في المقررات الأخرى التي يدرسها الطالب وفي المجتمع. ي- أن تجمع بين العناية بكل من الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية، والمهارات العملية. ك- أن تركز مهمات المدرس فيها على التوجيه والإرشاد وإثارة حوافز التلاميذ نحو التحصيل وتوجيه الدرس نحو تحقيق أهدافه. ل- أن تناسب قدرات المعلم ومهاراته وتعمل على توثيق صلته بتلاميذه، وتدفعه للاطلاع والبحث والتجديد. م- أن يتضح فيها محور للدرس ترتبط به التفاصيل، وتتسم بالمرونة وسهولة التكيف مع المستجدات في سير الدرس. ن- أن تستثمر الأساليب الحديثة في كل من عملية التعليم والتعلم وتقانة التعليم والمناشط المدرسية، وتربط الدرس -بقدر المستطاع- بالأحداث الجارية. س- أن توفر فرصًا للعمل التعاوني فيما بين التلاميذ، وبينهم من ناحية والمعلم من ناحية أخرى. ع- أن توفر فرصًا للعمل التعاوني فيما بين المعلمين بخاصة، وفيما بين عناصر المجتمع المدرسي على وجه العموم. ف- أن تجعل من المجتمع المدرسي والبيئة المحلية للمدرسة مجالًا للعمل الميداني بقدر المستطاع، وتعنى بإسهامات العلماء المسلمين في مجال المنهج الدراسي. ص- أن تناسب الإمكانات المتوافرة في المدرسة، وما يمكن أن توفره منها. ق- أن تهتم بتقويم مدى تحقيقها لأهداف الدرس وأهداف المنهج وأهداف المدرسة.

خامسا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم

خامسًا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم *. أ- أهم أسس اختيار وسائل تقانة التعليم: 1- أن تكون ضرورية لتحقيق أهداف الدرس. 2- ألا يكون فيها مخالفة لمتطلبات التربية الإسلامية. 3- ألا تتعارض مع أعراف المجتمع وعاداته غير المخالفة لتعاليم الإسلام. 4- أن تناسب قدرات التلاميذ، واستعداداتهم ومهاراتهم وخبراتهم السابقة. 5- أن تجذب انبتاه التلاميذ وتثير تفكيرهم, وتركزه فيما يراد معالجته بإستخدامها، وتحفزهم على الاستزادة من المعرفة عما تعالجه. 6- أن تساعد التلاميذ على اكتساب أسلوب التفكير العلمي وحل المشكلات. 7- أن تكون لغتها سليمة ودقيقة ومفهومة لدى التلاميذ، وتكون صورها واضحة ومعبرة، وصوتها واضحًا ومسموعًا لجميع التلاميذ. 8- أن تكون ألونها متناسقة وموظفة توظيفًا جيدًا في تحقيق الهدف من استخدامها. 9- أن تكون بسيطة في تكوينها وتناسب الوقت المخصص لعرضها في الدرس. 10- أن تقدم ما تعالجه في موضوع الدرس بدقة ووضوح، وتواكب التقانة المتعلقة بهذا الموضوع. 11- أن يكون حجمها مناسبًا لحيز عرضها، وسهلة الاستعمال والنقل والحفظ. 12- إذا كانت مشتراة من الأسواق يفضل أن يشترك التلاميذ مع المدرس في اختيارها. وأن تكون تكلفتها في حدها الأدنى مع الاحتفاظ بالجودة. 13- يفضل أن يقوم التلاميذ بصنعها من خامات البيئة المحلية تحت إشراف المعلم.

_ * انظر تعريف تقانة التعليم في كتاب المؤلف السابق ذكره.

14- إذا كانت الوسيلة ميكانيكية، ينبغي أن تكون تسهيلات استخدامها متوافرة في المدرسة، وأن يكون استخدامها مأمونا بالنسبة للتلاميذ والمعلم، وصيانتها سهلة وقطع غيارها متوافرة. ب- أهم أسس استخدام وسائل تقانة التعليم: 1- أن يحدد الهدف من استخدامها كما يحدد موضعها في تسلسل خطوات الدرس، ويعد الحوار الذي سوف يدور بشأنها مع المتعلمين وفيما بينهم، بحيث يكون عرض الوسيلة خطوة من خطوات الدرس, وليس قبله أو بعده كما يحدث أحيانًا، إلا إذا كان موضوع الدرس يتطلب هذا. 2- أن يجرب المعلم الوسيلة قبل استخدامها للتأكد من صلاحها للاستعمال، وأن يدرب نفسه على عرضها، قبل استخدامها في الدرس. 3- أن يحرص المعلم ألا يصرف استخدام الوسيلة التلاميذ عن أهداف الدرس، بل ينبغي عليه توجيه استخدام الوسيلة نحو تحقيق هذه الأهداف. 4- أن يختار المعلم مكانًا مناسبًا في حجرة الدراسة يمكن جميع الطلاب من رؤية الوسيلة وسماع صوتها بوضوح, وقراءة الكتابة عليها بسهوله ويسر، وأن يبين لهم أجزاءها وما يمثلها كل منها، كما يوضح لهم خطة استخدامها أثناء الدرس. 5- أن يحرص المعلم -بقدر الإمكان- على أن يتيح للتلاميذ فرصة الاشتراك في استخدام الوسيلة التي يعرضها في الفصل، ما أمكن ذلك. 6- أن يكرر المعلم عرض الوسيلة، إذا ظهرت حاجة لذلك، ولا يستخدم في الدرس أكثر من وسيلة واحدة إلا عند الضرورة. 7- أن يستثمر المعلم استخدام الوسيلة في حفز التلاميذ نحو ممارسة أساليب التفكير العلمي وحل المشكلات، وحفزهم على العمل التعاوني. 8- أن يقوم المعلم العائد من استخدام الوسيلة في الدرس، واستخدام التغذية العائدة منها في تحسين استخدامه للوسائل فيما بعد.

سادسا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية

سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية * يمكن تلخيص أهم هذا الأسس فيما يلي: أ- أن تكون المناشط جزءًا لا يتجزأ من المنهج الدراسي, وتسهم في تحقيق أهدافه، ومن ثم يقوم مردودها على أساس مدى إسهامها في تحقيق هذه الأهداف. ب- ألا تخطط خبراتها ولا تنفذ بمعزل عن بقية مكونات المنهج الدراسي، ولكن يتم كل هذا من خلال خبرات المنهج الدراسي, ومندمجة فيها ومتكاملة معها. ج- أن تعنى خبراتها بتوافر مناخ مناسب لأن يكون المتعلم عنصرًا فاعلًا وله دور إيجابي في العملية التعليمية. د- أن يكون دورها المميز هو استثمارها للمواقف العلمية وللتطبيقات الميدانية وللحواس كمداخل للتعليم، بمعنى أن توفر المناشط للمتعلمين مناخًا يتناولون فيه الأشياء بأيديهم ويتفحصونها من خلال حواسهم وتطبيق ما يتعلمونه في حياتهم اليومية، وينبغي أن يصل هذا التناول إلى مدى يساعد المتعلمين على اكتساب مهارات في مختلف المجالات التربوية الاعتقادية والجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية. هـ- أن تفتح المناشط قنوات الاتصال بين المعلم مشاركًا ومشرفًا، والتلميذ متعلمًا إيجابيا، والمجتمع مجالًا للتطبيق، والحياة اليومية للمتعلمين عنصرًا متميزًا في التطبيقات، وإدارة المدرسة مشاركة ومتابعة ومقومة. وأن يتعاون هؤلاء جميعًا في تخطيط المناشط وتنفيذها وتقويمها. وأن تسهم المناشط في تنمية المتعلم تنمية متكاملة في مواقف قريبة من مواقف الحياة اليومية، وفي معالجة الفروق الفردية بينهم. ز- أن تكشف المناشط عن قدرات المتعلمين وتنميها وتشجع الموهوبين منهم على الإبداع والابتكار، وتساعد ذوي القدرات المحدودة على تحقيق ذواتهم من خلال الأعمال المناسبة لهم. ح- أن تكشف عن ميول المتعلمين واتجاهاتهم ومهاراتهم، وتعمل على تعديل غير المرغوب فيه وتنمية المناسبة منها، وتساعدهم على اكتساب ما يمكنهم اكتسابه من الميول والاتجاهات والمهارات التي يحتاجون إليها في حياتهم.

_ * انظر كتاب المؤلف السابق ذكره.

ط- أن تشجع المتعلمين على ممارسة الأعمال اليدوية واحترام ذويها وتقدير دورها في تنمية المجتمع، وفي استثمار وقت فراغ المتعلم. ي- أن تكشف عن مهارات المتعلمين الأدائية والتطبيقية، على وجه الخصوص، وتنميها وتساعدهم على اكتساب مزيد منها، وبخاصة ما يتعلق منها بحياتهم الخاصة والحياة في المجتمع مثل: - القيادة والتعاون، وتحمل المسئولية، والالتزام بالجماعة. - الأعمال المتعلقة بالحياة اليومية مثل إصلاح بعض الأجهزة المنزلية أو المدرسية البسيطة، وإعداد بعض الوسائل التعليمية، واللوحات المناسبة التي تعبر عن جمال خلق الله، والكتابة على الحاسب. - الأعمال الإلكترونية، وخاصة ما يتعلق بالأجهزة التي تستخدم في المناشط مثل مكبرات الصوت. وأجهزة التسجيل، وكذلك الحاسب الآلي. - الأعمال الكشفية ومعسكرات خدمة المجتمع وممارسة الرياضة البدنية. ك- أن تساعد المتعلمين على اكتساب الأخلاق الكريمة، مثل: الصدق والأمانة والصبر وحب النظام واحترام الآخرين والنظافة والتعاون والالتزام والمحافظة على الملكية العامة. ل- أن تعمق فهم المتعلمين للمقررات الدراسية عن طريق ممارسة الجوانب التطبيقية والعملية المتعلقة بها، وتحفزهم على دراستها وتمكنهم من الاشتراك في تخطيط ما يتعلق بها وتنفيذه وتقويمه. م- أن تنمي تذوق المتعلمين للفنون والعمارة وغيرها وتقديرهم للجمال وحبهم للتجديد والابتكار. ن- أن تساعد المتعلمين على حل مشكلاتهم الدراسية والاجتماعية والنفسية مثل عدم تقبل المقررات الدراسية والتخلف الدراسي والتسرب والشعوب بالنقص والأنانية والتسلط. س- أن تتيح فرصا لتعاون عناصر مجتمع المدرسة: مدرسين وإداريين وموظفين وعمالا ومتعلمين، وإتاحة فرص للتعاون فيما بين المتعلمين الذين ينتمون إلى مختلف مستويات الدراسة. ع- أن تتيح فرصًا لاطلاع المتعلمين على التراث الإسلامي، والوعي بإسهامات العلماء المسلمين في حضارة الإنسان وتجليتها. ف- أن تفتح قنوات الاتصال بمؤسسات المجتمع الأخرى، وتعرف المتعلمين بإسهامات هذه المؤسسات في خدمة المجتمع, وبما يتوافر فيها من فرص للعمل.

سابعا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي

سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي يمكن تلخيص هذه الأسس على النحو التالي: أ- أن تحدد للتقويم أهداف يعمل على تحقيقها. ب- أن يكون التقويم موضوعيا, ولا يتأثر بالعوامل الشخصية أو غيرها. جـ- أن يكون التقويم صادقًا، فيقوم ما يراد تقويمه فقط. د- أن يكون التقويم ثابتًا بقدر الإمكان، فيعطي النتائج نفسها تقريبًا إذا تماثلت ظروف تطبيقه والعينة التي يطبق عليها. وذلك خلال فترة زمنية محدودة. هـ- أن تتنوع فيه الأساليب، مثل: الملاحظة, المقابلة الشخصية، المقابلة الجماعية، دراسة الحالة، الاستبانة، الاختبارات, التقارير,..... وأن تتنوع فيه الأدوات، فمثلًا الاختبارات: شفوية، وعملية، ومواقف، وتحريرية, موضوعية، ومقال، ومنازل، وكتاب مفتوح ... ز- أن تختلف فيها المستويات بما يراعي الفروق الفردية بين المتعليمن. ح- أن يكون شاملًا لجميع مخرجات المنهج بالنسبة لكل من: المتعلم والمعلم وعناصر المجتمع المدرسي الأخرى والمجتمع. ط- أن يكون شاملًا لجميع جوانب النمو عند المتعلم: الروحي والعقلي والجسمي والوجداني والاجتماعي. ي- أن يكون مستمرا بحيث يبدأ مع بداية إعداد المنهج ويستمر مصاحبًا للعملية التعليمية حتى نهايتها. ك- أن يكون تعاونيا بحيث يتعاون فيه المعلم والمتعلم وبقية أعضاء المجتمع المدرسي. ل- أن يكون خبرة سارة بالنسبة للمتعلم، بقدر الإمكان.

ثامنا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده

ثامنًا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده فيما سبق في هذا الفصل أوضح المؤلف خطوات إعداد المنهج الدراسي, والأسس التي يمكن إعداد عناصر هذا المنهج بناء عليها, بحيث إذا استخدمت هذه الأسس في إعداد عناصر المنهج، فإن الناتج يكون إعداد المنهج بكامل مكوناته. ويرى أن المؤلف أن الخطوة التالية لذلك، هي تقويم المنهج الذي تم إعداده في ضوء أهداف هذا الإعداد. بمعنى أن يتم البحث فيما إذا كان هذا المنهج الذي تم إعداده يحقق الهدف منه أم لا، ويقترح خطوتين لهذه المهمة: الأولى: أن يبدأ تقويم المنهج ككل، وتقويم طريقة إعداده بواسطة الفريق الذي أعده، بالإضافة إلى مجموعة من خبراء تخطيط المناهج. والثانية: تقويم المنهج المعد بواسطة مؤتمر أو ندوة يشترك فيها خبراء في كل من: تخطيط المناهج وعلم النفس التربوي وعلم النفس التكويني والتقويم التربوي والإدارة التربوية: كما يشترك فيها ممثلون عن كل من: أولياء الأمور، ومؤسسات الخدمات والإنتاج، والقيادات السياسية والاجتماعية والإعلامية والمهنية. وفي ضوء نتائج هذا التقويم يتم تعديل المنهج، وبذلك يكون جاهزًا للتطبيق.

خاتمة الفصل العاشر

خاتمة الفصل العاشر: في هذا الفصل: بين المؤلف خطوات إعداد المنهج الدراسي، وحدد الأسس التي يمكن أن تبنى عليها مختلف عناصره بحيث تكون دليلًا لمعدي المناهج في مختلف المجالات الدراسية. وقد التزم المؤلف في تحديده لهذه الأسس بثلاثة معايير: الأول، التوجيه الإسلامي. والثاني: الفكر التربوي المعاصر في تخطيط المناهج الدراسية والثالث: الأسلوب العلمي. وتطبيقًا لهذه المعايير في معالجة خطوات إعداد المنهج الدراسي. بدأ المؤلف ببيان أهداف إعداد المنهج وانتهى بتقويم هذا الإعداد. وفيما بين الابتداء والانتهاء عالج الأسس التي تقوم عليها عناصر المنهج الدراسي الستة: الأهداف والمحتوى وطرائق التعليم وتقانة التعليم واختيار خبرات المنهج وتنظيمها. وذلك، وصولًا إلى صياغة دليل متكامل لمعدي المناهج الدراسية في عالمنا العربي والإسلامي. ولكي يكتمل تخطيط المنهج الدراسي ينبغي تطبيقه ميدانيا، وهذا هو مجال الاهتمام في الفصل التالي، بمشيئة الله.

أهم مصادر الفصل العاشر

أهم مصادر الفصل العاشر: 1- أحمد، لطفي بركات: الفكر التربوية الإسلامي، الطبعة الأولى. الرياض: دار المريخ، 1402هـ- 1982م. 2- الإبراشي، محمد عطية: التربية الإسلامية وفلاسفتها، الطبعة الثالثة. القاهرة: دار الفكر العربي، بدون تاريخ. 3- البناء عائدة عبد العظيم: الإسلام والتربية الصحيحة، الطبعة الأولى. الرياض, مكتب التربية العربي لدول الخليج 1404هـ- 1983م. 4- الحقيل، سليمان بن عبد الرحمن: التربية الإسلامية، الطبعة الأولى، الرياض: المؤلف 1412 هـ-1991م. 5- الشعراوي، محمد متولي: هذا هو الإسلام, الطبعة الدولية, القاهرة: الدار المصرية للنشر والتوزيع، 1407هـ-1987م. 6- الغزالي، محمد: تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل، الطبعة الأولى. القاهرة: دار الشرق، 1411هـ-1991م. 7- العليان، حمد بكر: التربية والتعليم في الدول الإسلامية من خلال القرن "14"، من التبعية إلى الأصالة, القاهرة، دار الأنصار 1400هـ. 8- حسن، أمينة أحمد: نظرية التربية في القرآن وتطبيقاتها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، الطبعة الأولى. القاهرة: دار المعارف 1985م.

9- يالجن، مقداد: أهداف التربية الإسلامية وغايتها, الطبعة الأولى. الرياض. بدون ناشر، 1406هـ-1986م. 10- خليل، محمد رشاد: علم النفس الإسلامي العام والتربوي، الطبعة الأولى. الكويت: دار القلم، 1407هـ-1987م. 11- سرحان: الدمرداش عبد المجيد: المناهج المعاصرة، الطبعة الرابعة. الكويت: مكتبة الفلاح، 1403هـ-1983م. 12- شديد، محمد: منهج القرآن في التربية، الطبعة الأولى. بيروت: مؤسسة الرسالة، 1397هـ-1977م. 13- شوق، محمود أحمد: أساسيات المنهج الدراسي ومهماته الرياض: دار عالم الكتب 1416هـ-1995م. 14-

_ تطوير المناهج الدراسية. الرياض: دار عالم الكتب، 1416-1995م. 15- عبد العال: حسن إبراهيم: فن التعليم عند بدر الدين بن جماعة، الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1405هـ-1985م. 16- عفيفي، محمود سراج الدين: آيات التوحيد، قوانين الله وليست قوانين الطبيعة, القاهرة: دار الفكر العربي 1412هـ-1991م. 17- قطب، سيد: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، الطبعة الثامنة. القاهرة. دار الشروق، 1403هـ-1983م. 18-

19-.......................... نحو مجتمع إسلامي، الطبعة السادسة. القاهرة: دار الشروق، 1403هـ-1983. 20- قطب، محمد: مذاهب فكرية معاصرة، الطبعة الأولى. القاهرة: دار الشروق، 1403هـ-1984م. 21- مدكور، على أحمد: منهج التربية الإسلامية أصوله وتطبيقاته، الطبعة الأولى. الكويت: مكتبة الفلاح، 1407هـ-1987م. 22- مرسي، محمد منير: التربية الإسلامية: أصولها وتطورها في البلاد العربية، طبعة منقحة. القاهرة عالم الكتب، 1983م. 23- ندوى، أبو الحسن: التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية بيروت: مؤسسة الرسالة. 1987-1977م. 24- بحوث مؤتمرات دور الجامعات الإسلامية في تكوين الدعاة وندوة التنسيق بين كليات الشريعة, الجزء الثالث. الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 1409هـ-1988م. 25- بحوث وتوصيات، ندوة تربية الشباب المسلم ودر الجامعات فيها. الرياض: إدارة الثقافة والنشر، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1409هـ-1988م. 26- Globy, Michael, Jane Greewald, and Ruth West "Eds" Curriculum Design. Londong: The English Language Society, 1977. 27 -Schwartz, Sydney L. and Helen F. Robinson, Designing Curriculum for Early Childhood. Boston: Allyn and Bacon, Inc., 1983. 28 -Paul. Hirst, Knowledge and the Curriculum. London: Routldge and Kegan Paul, 1985. 29 - J.D.Mc Nil, Curriculum: A Comprehinsive Introduction. Boston, U.S.A.: Little, Brown and Company, 1985. 30 - D. Barnes, Radical, Curiculum Study. London: Routldge & Kagan Paul, 1982.

الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد

الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد مقدمة الفصل الخادي عشر ... الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد مقدمة الفصل الحادي عشر بين المؤلف في الفصل السابق أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي. وإن كانت هذه مرحلة مهمة نحو تخطيط المنهج الدراسي, إلا أن المؤلف يرى أنه مهما توافر لهذه المرحلة من ضمانات، وتجمعت لها من خبرات، واتخذت فيها من إجراءات رشيدة، فإنها تقدم اقتراحًا بمنهج أو مشروع منهج، لا يمكن قبوله إلا بعد أن يمر بالمرحلة الثانية التي يطبق فيها تطبيقًا موضوعيا، ويخضع فيها للتقويم والتعديل إلى أن تكتشف العوامل التي تجعله يتفاعل مع منظومة عناصر عملية التعليم والتعلم تفاعلًا يتيح لها أن تعطي الحد الأقصى. وفي هذا الفصل يحاول المؤلف بيان خطوات تطبيق المنهج الدراسي التي تجعل منظومة عناصر عملية التعليم والتعلم تصل بعطائها إلى هذا الحد الأقصى. وذلك على النحو التالي: أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني. ثانيًا: إعداد متطلبات تطبيق المنهج الدراسي الجديد. ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الدراسي الجديد. رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى إعداد منهج دراسي جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته. خامسًا: تجريب المنهج الدراسي الجديد. سادسًا: تعميم المنهج الدراسي الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير.

أولا: التخطيط للتطبيق الميداني

أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني كما ذكرنا من قبل، فإنه من مسلمات العمل العلمي أن اعتماده على التخطيط وتحديد خطواته وفق معايير نابعة من طبيعة العمل نفسه وأهدافه، ورسم خطوات تنفيذه بحيث تتحقق الأهداف مع حسن توظيف الإمكانات المتاحة، واقتراح السياسات والنظم والإجراءات التي تسير العمل وتقومه. بذلك يتم رسم صورة لما يمكن أن يتم به العمل المستهدف على أفضل وجه ممكن. أ- التخطيط للتطبيق الميداني: كما يتضح من شكل "1" فإن التخطيط لتطبيق المنهج الدراسي يستطلع خطى تنفيذ التطبيق استطلاعًا مسبقًا، فيتم رسم صورة متكاملة لعملية التطبيق

بدءا بالأهداف وانتهاء بالتقويم والمتابعة، ففي الخطوة الأولى يتم تحديد الأهداف التي يتوقع أن تحققها عملية تطبيق المنهج الدراسي. بعد هذا، يتم رسم خطة التنفيذ بالكامل بما في ذلك تحديد الإمكانات ورسم السياسات. وهذا يؤدي بالضرورة إلى تقويم الإمكانات المتاحة للوقوف على مدى وفائها بالمطلوب، فإذا لم تكن وافية في وقت التخطيط، فهل يمكن توافرها في المناسب أثناء التنفيذ؟ وبالإضافة إلى تحديد المتطلبات التي ينبغي توافرها لعملية التطبيق ومدى إمكان توافرها لحسن سير العملية، تتم دراسة تفاصيل السياسات التي سوف تتبع في عملية التطبيق. فمثلًا بالنسبة لسياسة التنفيذ: هل تكون الإدارة مركزية أم لا مركزية، وما هي صلاحيات كل مستوى من مستويات التنفيذ؟ فما صلاحيات كل من مدير المؤسسة التربوية والموجه الفني والمعلم في عملية التطبيق؟ وما نظام الحوافز الذي سوف يطبق؟ هل تتوافر حوافز لجميع المشاركين؟ أم تكون الحوافز للمجيدين فقط؟ ومن هم المجيدون؟ وما الإجراءات التي يمكن اتخاذها في توزيع هذه الحوافز؟ وما الإجراءات التي يمكن اتباعها لمحاسبة المقصرين؟ اختصارا للقول، فإن عملية التخطيط تقدم تصورًا شاملًا لخطوات تطبيق المنهج وما يتعلق بها من إجراءات.

غني عن الذكر، أنه ينبغي على فريق التخطيط أن يكون ملما بالمعلومات والخبرات التي تؤهله للإسهام إيجابيا في عملية التخطيط، كالخبرات الخاصة بعملية التخطيط نفسها: بالنسبة لطبيعة عملية التخطيط وآلياتها وفق أحدث الاتجاهات. وبالنسبة لمفهوم المنهج الدراسي وتطبيقه وخطوات هذا التطبيق, وبالنسبة للمعلومات والإمكانات والسياسات والنظم والإجراءات اللازمة لعملية التطبيق. يضاف إلى هذا كله، أن يكون هذا الفريق ملما بأسس التقويم التربوي الجيد وأساليبه وأدواته. وهناك معلومات أخرى تساعد المخطط على حسن أداء عمله، منها: إحاطة فريق التخطيط بطبيعة المتعلم ووظيفته في الحياة وخصائص نموه وحاجاته ومشكلاته، ومقومات المجتمع وأهدافه وحاجاته وخططه المستقبلة. ومن المعروف أن هناك خصائص للتخطيط الجيد، من أهمها: التوظيف الأمثل للإمكانات المادية والبشرية، وتحديد مسئوليات كل من المشاركين، وتقسيم العمل إلى مراحل إذا دعت الضرورة لهذا، وجدولة العمل في كل مرحلة بحيث يتضح من الجداول الأعمال والتوقيتات والمسئوليات، ورسم خطط لتدفق التغذية العائدة وخطط لعلاج المشكلات والوقاية منها ولسرعة توظيف الخبرات المكتسبة في المراحل التالية، وغير هذه من الخصائص المهمة. ومن أهم ما ينبغي أن تتناوله عملية التخطيط هو العمل على توافر المصادر التي سوف يحتاجها القائمون بعملية التطبيق، وتحديد أساليب وخطوات العمل في مختلف مراحل هذه العملية، والتخطيط لإعداد ما تحتاجه من نماذج واختبارات ومواد تعليمية وغيرها. يضاف إلى ما سبق، أن يشمل التخطيط تحديد مؤهلات الموجهين والمعلمين الذين سوف يشتركون في التطبيق، ومواصفات المدارس التي سيتم التطبيق فيها، وقوائم الكتب والدوريات التي ينبغي أن تشملها مكتبة مدارس التطبيق، والتقدير المبدئي لميزانيته. وإنه لمن الأهمية بمكان، إيجاد آليات للتطبيق تعمل بصفة منتظمة وبأسلوب كفي. بمعنى أن يوضع نظام مستمر ومستقر بحيث لا تتخذ قرارات عاجلة وغير مدروسة، ويكون هذا النظام جزءًا من النظام التربوي ويسير العمل فيه وفق إدارة لا مركزية من حيث التنفيذ، فإن مركزية الإدارة من أشد معوقات تطبيق المناهج بخاصة والتحديد التربوي بعامة، كما سنبين في الفصل التالي.

ب- مستويات التخطيط والتطبيق: وأتصور أن تشمل هذه الآليات مستويات عدة، كأن تتكون هيئة للتطوير التربوي بعامة والمناهج بخاصة على مستوى العالم الإسلامي، وأخرى ملحقة بوزارات التربية والتعليم على المستوى المحلي في كل بلد مسلم، وثالثة على مستوى الإدارات أو المناطق التعليمية المحلية. 1- مستوى العالم الإسلامي: من أهم ما يمكن أن تعنى به هيئة التطوير التربوي على مستوى العالم الإسلامي في مجال المناهج الدراسية ما يلي: 1-1 القيام بالتنسيق بين المناهج الدراسية في مختلف البلدان الإسلامية سواء في التخطيط أم التطبيق أم التقويم أم التطوير. 1-2 الإسهام في حل المشكلات التي تواجه المناهج في كل بلد مسلم، إذا دعت الحاجة لذلك. 1-3 فتح قنوات الاتصال بين بلدان العالم الإسلامي، بهدف تبادل الخبرات والخبراء فيما بينها، فيما يتعلق بالمناهج بخاصة والتطوير التربوي بعامة. 1-4 متابعة الحديث في مجال المناهج بالخارج واستثماره في تنشيط حركة تخطيط المناهج وتطويرها بالعالم الإسلامي وترشيدها. 1-5 تنظيم دورات تدريبة لقيادات تخطيط المناهج وتطويرها في البلدان الإسلامية. 2- مستوى البلدان الإسلامية: من أهم ما يمكن أن تعنى به هيئات التطوير التربوي في كل بلد مسلم بالنسبة لتخطيط المناهج وتطويرها ما يلي: 2-1 رسم سياسة تخطيط المناهج وتطويرها في البلد المسلم، والتخطيط لتنفيذها ومتابعة التنفيذ. 2-2 إنشاء المؤسسات المحلية المعنية بتخطيط المناهج وتطويرها في المناطق أو الإدرات التعليمية. 2-3 إعداد القيادات الفنية والإدارية التي تعمل في هذه المناطق أو الإدارت وتدريبهم وتوفير متطلبات تخطيط المناهج وتطويرها في هذه المناطق وتلكم الإدارات. 2-4 مساعدة المناطق أو الإدارات التعليمية على حل ما تواجهه من مشكلات.

3- مستوى المناطق والإدارات التعليمية: من أهم ما تعنى به هيئات التطوير التربوي في المناطق أو الإدارات التعليمية بالنسبة لتخطيط المناهج وتطويرها ما يلي: 3-1 تنفيذ سياسة تخطيط المناهج وتطويرها في المنطقة أو الإدارة التعليمية. 3-2 تدريب المعلمين وغيرهم من المشاركين في تخطيط المناهج وتطويرها في المنطقة. 3-3 بث الشعور لدى أهالي المنطقة بأهمية تخطيط المناهج وتطويرها وتهيئتهم للإسهام فيها. 3-4 اختيار المدارس التي سوف تتم فيها تجارب التطبيق الميداني في المنطقة ومتابعة التطبيق فيها. 3-5 تقويم المناهج في المنطقة وتحسينها وحل ما يواجهها من مشكلات. 3-6 تبادل الخبرات مع المناطق أو الإدارات الأخرى في مجال تخطيط المناهج وتطويرها. وهكذا يمكن إيجاد التكامل الرأسي والأفقي لعملية تخطيط المناهج وتطويرها في العالم الإسلامي, وفي داخل البلدان الإسلامية، كما يمكن إيجاد تواصل مستمر بين هذه المستويات، وبينها من ناحية ونظيراتها في العالم الخارجي من ناحية أخرى. جـ- تكوين فريق العاملين في التطبيق: يرى المؤلف أن يشرف فريق إعداد المنهج الذي تم اقتراحه في الفصل السابق على عملية التطبيق كي ينسجم تطبيق المنهج مع إعداده، ويكون التطبيق ترجمة دقيقة للفكر التربوي الذي أعد المنهج بناء عليها، ويتحقق تكامل عمليتي إعداد المنهج وتطبيقه. ويرى المؤلف أن تتكون لجنة يمكن أن تسمى "لجنة المتابعة" من المتخصصين في طرائق تعليم المجال الدراسي والموجهين ومديري المدارس التي يتم فيها التطبيق والمبرزين من مدرسيها، تكون مهمتها الإشراف على عملية التطبيق من خلال زيارة المدارس التي يتم فيها التطبيق؛ للتأكد من أن كل شيء يسير وفق المخطط له، ويساعدون المعلمين على تحسين أدائهم داخل الفصول وعلى حل ما يواجهون من مشكلات. وتنقل هذه اللجنة مختلف الآراء والحاجات والمشكلات التي يرونها في مدارس التطبيق إلى الفريق الأصلي. وتشترك في اختيار الأساليب والحلول المناسبة. وتصاحب الفريق الأصلي أو بعضا منه في زياراتهم لمدارس التطبيق، وتكتب تقارير المتابعة عن سير التطبيق وما يحتاجه من متطلبات، وتقترح مراحل التوسع وتسهم في الإشراف عليه.

وغني عن القول، أن التطبيق سوف يحتاج إلى مزيد من المعلمين ومزيد من المصادر التعليمية، وغير ذلك من متطلبات التطبيق وفق التوسع في عدد مدارسه. ولا يزال هناك آخرون ينبغي أن ينضموا إلى فريق الإشراف على التطبيق من ذوي العلاقة في مجتمع مدارس التطبيق، مثل المشرف الاجتماعي أو الأخصائي النفسي لما له من صلة بأمور مثل الإرشاد التعليمي وتقسيم الطلاب وفق قدراتهم التحصيلية، ومثل المهنيين الذين سوف يصورون الأوراق ويقومون بأعمال الصيانة، والإداريين الذين سيتابعون توافر الكتب الدراسية وأدلة المعلمين وغيرها من المصادر التعليمية التي ينبغي أن تتوافر في مدارس التطبيق في الوقت المناسب. وكل من هؤلاء يكون في حاجة إلى أمرين: الأول، تحديد مسئولياته الشخصية ودرجة حريته في التصرف تحديدًا دقيقًا، والثاني، التدرب على القيام بها.

ثانيا: إعداد متطلبات التطبيق

ثانيًا: إعداد متطلبات التطبيق المواد اللازمة لعملية التطوير متنوعة. فمنها ما تتعلق بالتوعية بضرورة عملية تخطيط المنهج, وبث الشعور بالواجب نحوها، وبيان ما تحتاجه هذه العملية من إمكانات مادية وبشرية، وما يمكن أن يحدث من مشكلات في أثناء تنفيذها، ومهمات مختلف الجهات أفرادًا، وهيئات ومؤسسات تجاهها. وقد تحتاج هذه التوعية إلى نشرات وربما استبانات ومواد الندوات والمحاضرات، وبرامج تبث في الإذاعة والتلفاز، وخطب تلقى في المساجد، وبيانات منتظمة للإعلام وبخاصة للإذاعة والتلفاز ونشرات للمسئولين والقيادات والمهنيين ذوي العلاقة، وغير ذلك من المواد ذات الطبيعة الإعلامية والإخبارية وغيرها مما تستلزم طبيعة سير العمل في تطبيق المنهج التخاطب به مع الغير. وهذه تبدأ الحاجة إليها مع بداية عملية التطبيق, ويسهم فيها إلى جانب الجهاز الفني، الجهاز الإداري لعملية التطبيق. وتستمر الحاجة إليها إلى أن تنتهي هذه العملية. وهناك مواد علمية مهمة ينبغي إعدادها، منها ما يتعلق بالمصادر التعليمية الخاصة بكل من المعلمين والطلاب. وهذه هي حجر الزاوية بالنسبة لعملية تطبيق المناهج الدراسية؛ لأنها تجمع أطراف المنهج الدراسي وطرائق تعليمه في ثناياها، وتحتاج إلى فريق عمل متكامل يتعاون على إعدادها بالصورة المطلوبة والمحتوى المناسب. والواقع أن المصادر اللازمة لعملية تطبيق المنهج لا تقتصر على هذه التي تخص كلا من المتعلم والمعلم والإعلام كما يتصور البعض، ولكنها تمتد لتغطي حاجات كل من أولياء الأمور الذين يمكن أن تعد لهم نماذج لتقارير دورية عن تقدم أبنائهم في المنهج والمشكلات التي يواجهونها، وجهود المؤسسة التربوية في حلها، واستبانات يعبئونها عن ملاحظاتهم على أبنائهم، وينبغي إعداد نشرات توجه

إلى مؤسسات المجتمع والجماعات المهنية توضح لها مدى وفاء المنهج الجديد بحاجتها من الخبرات، ونشرات إلى دو النشر توضح لهم الجوانب التي ينبغي أن تسهم فيها هذه الدور؛ لإحداث التثقيف المناسب عن المنهج الجديد، وإبراز ما يتناوله من مفاهيم وحقائق ومهارات وتطبيقات، يضاف إلى ما سبق إعداد كتيبات لتثقيف كل من المتعلمين والمعلمين والموجهين ومديري المؤسسات التربوية عن المنهج الجديد وأهميته ومميزاته. ومن المصادر التي ينبغي توافرها نماذج التقويم، ليس فقط لتقويم تحصيل المتعلم وأداء المعلم داخل المؤسسة التربوية، ولكن أيضًا لتقوم المهارات التي يكتسبها المتعلمون من التدريبات العملية والتطبيقية, التي قد يؤدونها خارج المدرسة في المصانع وغيرها من المؤسسات الإنتاجية والخدمية والمهنية في المجتمع، وفيما يلي نحاول إعطاء مثال عن أهم المصادر الخاصة بكل من المتعلم والمعلم. فبالنسبة للمتعلم، ينبغي مراعاة ما يلي في المصادر الخاصة به: 1- أن تناسب مستوى نضج المتعلمين وسابق خبراتهم. ويساعد في هذا -بالدرجة الأولى- المتخصصون في علم النفس وفي المناهج وطرائق التعليم. 2- أن تستخدم أكثر أساليب التعلم عطاء بعد التجريب. ويساعد في هذا -بالدرجة الأولى- المتخصصون في علم النفس التربوي والمتخصصون في طرائق التعليم. 3- أن تتنوع طرائق عرض المادة لاختيار أفضلها. ويساعد في هذا - بالدرجة الأولى- المتخصصون في المناهج وطرائق تعليم المادة الدراسية التي يطبق منهجها. 4- أن تهتم بالتطورات الحديثة في المادة الدراسية وتكاملها الرأسي. ويساعد في هذا المتخصصون في المادة الدراسية -بالدرجة الأولى- ثم المتخصصون في طرائق التعليم. 5- أن تستخدم أحدث التقنية التعليمية المناسبة. ويساعد في هذا -بالدرجة الأولى- المتخصصون في تقنية التعليم والمتخصصون في طرائق التعليم. 6- أن تراعي التكامل الأفقي بين المنهج المراد تطبيقه ومناهج المواد الأخرى التي يدرسها المتعلمون. ويساعد في هذا -بالدرجة الأولى- الموجهون والمدرسون وموجهو المواد الأخرى ذات العلاقة ومدرسوها.

7- أن تشمل تطبيقات عن البيئة المحلية والمجتمع، ويساعد في هذا -بالدرجة الأولى- الموجهون والمعلمون والمتخصصون في المناهج وطرائق التعليم، وبعض قيادات المؤسسات الإنتاجية والخدمية والهيئات المهنية في المجتمع. 8- ألا يحدث توسع في التطبيق إلا بعد التقويم العلمي, وبناء على نتيجته يتقرر التوسع من عدمه. ويساعد في هذا فريق يتكون ممن سبق ذكرهم إضافة إلى أعضاء مجتمع المؤسسة التي يجري فيها التجريب. ويمكن أن يسهم في جميع ما سبق موجهون ومعلمون مما سبق لهم خبرة في تطبيق المناهج، فإن خبرتهم العملية لها عطاؤها المتميز. ولا تقتصر المواد التعليمية الخاصة بالمتعلمين على المحتوى الذي سوف يدرسونه. فهناك مواد التقنية التعليمية وأجهزتها وأدواتها، وقد تدعو الحاجة إلى ورشة يعد فيها المتعلمون بعض أدواتها، وهناك خطط النشاط المدرسي وما تحتاجه من اتصالات وترتيب لزيارات, وتجهيز لأدوات ومواد ولوازم أخرى، وهناك المعامل التي قد يتطلبها تطبيق المنهج، وما تحتاجه من أجهزة وأدوات ومواد. وكل هذا ينبغي توافره. ولا يمكن أن يتم تطبيق منهج ما، دون توافر مكتبة مناسبة للمتعلم، ولا نعني هنا أن تكون مكتبة مستقلة، ولكن الذي نعنيه أن تستجيب مكتبة المدرسة لحاجة المتعلم, فتحوي كتبًا مناسبة لمستوى مهاراته في القراءة ومستوى تحصيله في المادة الدراسية، ومحتواها أقرب ما يكون إلى محتوى المقرر الدراسي الذي يدرسه، ويكون فيها ثراء في التطبيقات العلمية في داخل المقرر وفي المقررات الأخرى وفي الحياة اليومية، وتتعدد فيها الكتب التي يتواتر فيها هذا كله وتتنوع. وأهم ما ينبغي توافره بالمكتبة وجود المواد التي تساعد المتعلم على التعليم الذاتي. وتحفزه على الاستمرار فيه، ويجد المتعلمون على اختلاف قدراتهم ومستويات ذكائهم ما يتحدى قدراتهم ومهاراتهم دون أن يتسبب في إحباطهم. أما المعلم، فإن المصادر اللازمة له متعددة ومتنوعة، فمن أهم هذه المصادر ما يتعلق بعملية التطبيق نفسها، فغني عن الذكر أنه لكي يسهم المعلم بفعالية ويكون على علم وبصيرة بهذه العملية، ينبغي أن يستوعبها ويعرف مهماته فيها، وبخاصة أن يحيط بأهدافها إحاطة كاملة, ويمهر في ترجمة هذه الأهداف إلى أداءات وسلوك. وأن يعرف الأساليب والخطوات التي سوف تطبق في عملية التطبيق، وأن يعرف المعوقات التي قد تعترض طريقها، ويعمل على الوقاية من الوقوع فيها، وهذا لا يتم فقط عن طريق المناقشات التي يشترك فيها مع بقية فريق التطبيق والاطلاع على

السجلات الخاصة بالعملية، ولكن بالإضافة إلى هذا، ينبغي أن يطلع على تجارب مماثلة تمت في تطبيق مناهج المجال نفسه في المجتمع نفسه بخاصة، وفي غيره من المجتمعات المتقدمة بعامة. ومن المصادر المهمة أيضًا دليل المعلم. فدليل لمعلم بالنسبة للمنهج الجديد أو المطور يعتبر حجر الزاوية فيما يتعلق بنشاط المعلم في تطبيق المنهج الجديد. فالدليل إضافة إلى أنه مرشد للمعلم، فإنه يمده بكثير من المعلومات التي يحتاج إليها. ففيه يجد لمعلم أهداف كل درس، وتوجيهات بأهم طرائق التعليم والمناشط وتقنية التعليم التي يمكنه أن يستخدمها في تقديم الدروس للمتعلمين، كما أنه يمد المعلم بنماذج من الأسئلة المتدرجة في الصعوبة عن كل درس يميز بعض منها للمتفوقين، ونماذج للاختبارات الحديثة، وإرشادات إلى مصادر يمكن أن يرجع إليها المعلم لمزيد من الاطلاع، وقد يحتوي نماذج لإعداد الدروس. ويحتاج المعلم من المكتبة إلى معلومات وافية عن عملية التقويم؛ نظرًا لأهميتها في عملية التعليم والتعلم. ومجالات التقويم كثيرة منها: تقويم أداء المعلم، وتقويم تحصيل المتعلم، وتقويم المنهج الجديد، وتقويم التوجيه الفني، وتقويم الإدارة المدرسية. وكل من هذه المجالات يحتاج إلى نموذج لتقويمه؛ لذلك ينبغي عليه أن يكون قادرًا على إعداد نماذج متعددة من الاختبارات الخاصة بتقويم كل من المتعلم والمنهج على الأقل، ويحسن تطبيقها وتحليل بياناتها وتفسير نتائجها والاستفادة من التغذية العائدة منها. ويحتاج المعلم إلى اكتساب المهارة في التدريس العلاجي والتدريس الوقائي، واستثمار التغذية العائدة في التخطيط لهما وتنفيذهما وتقويم نواتجهما، وفي استخدام الأنشطة الترويحية من تاريخ العلوم وغيره من المصادر لحفز المتعلمين على دراسة المادة. ولا يمكن تكوين هذه المهارة دون معلومات كافية متنوعة من خلال مكتبة متكاملة. ومن الأهمية بمكان أن تكون المكتبة مصدرًا للبحوث في مناهج المادة نفسها, وكيفية تغذية المتفوقين بالخبرات المناسبة لقدراتهم. ومعالجة مشكلات تحصيل المتعلمين بخاصة ومشكلاتهم الأخرى بعامة وإرشادهم في مسيرتهم التعليمية. وتشمل متطلبات التطبيق توجيهات لبقية أعضاء مجتمع المؤسسة التربوية تشمل مهمات كل منهم في تطبيق المنهج الجديد وأمثلة لأساليب أدائها بمهارة والإجراءات التي يمكنه استخدامها لتحقيق ذلك.

ثالثا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد

ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد العاملون في تنفيذ تطبيق المنهج تختلف مهماتهم وفق ما يتحملون من أعبائه. فعلى سبيل المثال، تختلف مهمة المعلم عن مهمة الموجه، وكلاهما تختلف مهمته عن مهمة مدير المدرسة، وهؤلاء جميعًا على اختلاف مهماتهم وغيرهم ينبغي أن يتدربوا كل على ما سيقوم به من مهمات تدريبا يمكنه من أدائها بمهارة. فيحتاج المعلم -كما سبق أن ذكرنا- أن يعرف أهداف التطبيق وكيف يحللها إلى سلوك فعلي للمتعلمين, وكيف يمكنه مساعدة المتعلمين على بلوغ هذا السلوك؟ ويحتاج إلى أن يتدرب على تعليم المنهج الجديد، وهذا يستدعي أن يدرس المحتوى الجديد بما له من تطبيقات في داخل المادة الدراسية وفي المواد الدراسية الأخرى وفي المجتمع وأن يدرس نظريا ويتدرب عمليا على أحدث طرائق التعليم التي يمكنه استخدامها في تعليم المنهج, مع استخدام التقنية المناسبة والنشاط المدرسي الذي يذكيها، وعلى تخطيط هذا النشاط وتنفيذه وتقويمه، وعلى توجيه تلاميذه إلى إعداد الممكن من أدوات التقنية. ومن الأهمية بمكان أن يتدرب المعلم على الأساليب المختلفة للإرشاد التعليمي للمتعلمين, وعلى التقويم الجيد وإعداد وأدواته، وأن يتدرب على تبويب المعلومات التي يحصل عليها, واستخراج النتائج منها وتفسيرها، وأن يتدرب عل استثمار التغذية العائدة من التقويم في رفع كفاءة العملية التعليمية على وجه العموم, وعلاج نقاط الضعف عند طلابه على وجه الخصوص، وعلى تخطيط كل من التدريس الوقائي والتدريس العلاجي وتنفيذه. كما ينبغي أن يتدرب على علاج الفروق الفردية بين المتعلمين وتوجيه العناية اللازمة لكل من فئات المتفوقين والمتوسطين والمتخلفين دراسيا. وأن يحرص في نشاطه التدريسي على أن يكون مشرفًا وموجهًا. وأن يترك لتلاميذه فرصة المشاركة الإيجابية في العملية التعليمية، وأن يتدرب على تبصير تلاميذه بمهماتهم نحو النهوض بالبيئة المحلية على وجه الخصوص وبالمجتمع على وجه العموم، وأن يوظف خبرات المنهج في هذا كلما كان ممكنا، وأن يكون قبل هذا كله قدوة لتلاميذه في سلوك المسلم، وأن يكتسب المهارة في التدريس باللغة العربية الفصحى, وفي توجيه تدريس مادته توجيهًا إسلاميا، وتربية تلاميذه تربية إسلامية. والموجه أيضًا له دور أساسي في تطبيق المنهج، لذلك ينبغي أن يكتسب -من خلال التدريب- المهارة فيما يوكل إليه من أعمال، وحيث إنه يشرف على أعمال المعلمين، فإن تدريبه ينبغي أن يشمل جميع ما سبق ذكره من مجالات لتدريب المعلم, إضافة إلى مفهوم التوجيه وأساليبه، وأدواته ومهاراته.

وبالإضافة إلى هذا، فإن الموجه -في معظم الأحيان- يشترك في التخطيط لعملية التطبيق. وفي إعداد المواد التعليمية التي سوف تستخدم فيها. وينبغي أن يكون الموجه قادرًا على أن يمد المعلمين بالمستحدث في مهماتهم، ويساعدهم على توقي المشكلات وعلاج ما يقع منها، ويعاونهم على نقل الخبرات فيما بينهم، ويسهم في تقويم مستوى تحصيل المتعلمين وعلاج ما قد يظهر فيه من ضعف. هذا، إضافة إلى قيامه بتقويم أعمال المعلمين أنفسهم، واقتراح ما يراه مناسبًا لرفع مستوى عملية التطبيق في مخلتف جوانبها، واقتراح ما يراه من برامج لتدريب المعلمين, والاشتراك في تنفيذ هذه البرامج. وجميع هذه الأعمال التي يقوم بها الموجه تحتاج أن يتدرب عليها لكي يقوم بها على الوجه الصحيح. فالتخطيط للتطبيق عملية فنية لها أصولها العلمية وخطواتها المنطقية التي تحتاج إلى دراسة، والمستحدث في محتوى المنهج وطرائق تعليمية والتقنية التعليمية الخاصة به. وأساليب وأدوات تقويم مخرجاته تستدعي من الموجه دراستها والتدريب على أصولها وإعداد أدواتها وعلاج مشكلاتها, وغير ذلك مما ينبغي رفع كفاءة الموجه في أدائه لكي يكون إسهامه فيها فعالًا. ومديرو المدارس هم أيضًا في حاجة إلى أن يتدربوا على الأعمال التي سوف يسهمون فيها، فبادئ ذي بدء، يعتبر المدير موجها فنيا مقيمًا، كما أنه المنسق بين مختلف العاملين في تطبيق المنهج في داخل المؤسسة التربوية، وهو الذي يقدم التسهيلات اللازمة للحصول على المواد والأدوات والأجهزة من مصادر أو كتب أو خلافه مما يلزم لعملية التطبيق. وهو واجهة المدرسة أمام سكان بيئة المدرسة وأولياء الأمور، ومنهم متلهفون على معرفة تفاصيل ما يجري في هذه العملية. وهو مشارك للموجهين وبقية قيادات التطبيق في تسيير هذه العملية، وهو من بين المصادر المهمة التي يقصدها الإعلاميون للحصول على معلومات عن سير تطبيق المنهج الجديد. هذه المهمات جميعًا وغيرها مما يضطلع به مدير المؤسسة التربوية، تحتاج إلى تدريب لكي يؤديها المدير بالكفاءة المطلوبة. وما سبق ذكره هو مجرد أمثلة لما نود أن نؤكده من ضرورة أن يتدرب كل من يشترك في عملية التطبيق -خاصة بالنسبة لمن يشتركون فيها اشتراكًا مباشرًا- إذ بدون هذا التدريب لا يمكن -من وجهة نظر المؤلف- أن تحقق هذه العملية أهدافها على الوجه المرتجى.

رابعا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته

رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته المؤسسة التربوية في أي مجتمع تعمل على تحقيق أهدافه، ويتوقع أن تتناغم أعمالها مع الظروف التي تواجهه، ويتوقع أن يتفهم أعضاؤه ما يجرى في هذه المؤسسة وأثره على مستقبل أبنائهم. كما أن المؤسسات الاجتماعية: الإنتاجية والخدمية والإعلامية والمهنية، يهمها أن تتابع ما يجري داخل المؤسسات التربوية، وما إذا كان هذا يسهم في توفير الخبرات التي تحتاجها. ومن واجب المجتمع -على وجه العموم، كما أنه من حقه- أن يتابع التغير الذي يحدث في المؤسسات التربوية، وما إذا كان هذا التغير يتجه إلى تحقيق مصالح فئة أو طبقة من المجتمع دون أخرى، ومن واجب المؤسسة التربوية أن تعمل على تكوين قناعة لدى الجميع بما يجري فيها من تجديد أو تطوير أو خلافه. ومن حق المؤسسة التربوية أن تحصل من المجتمع -أفرادا ومؤسسات وهيئات- على الدعم المادي والمعنوي لم تقوم به. فهي ليست جزيرة منعزلة عن المحيط الذي تعمل فيه، ولا هي عضو غريب عن جسم بيئتها. بل هي جزء من نسيج المجتمع وعروة من عروة بيئتها ووسيلة من وسائل تنميتها؛ لذلك فإن لها حق الدعم والرعاية من المجتمع بعامة، ومن البيئة المحلية بخاصة. لذلك، فإنه من واجب المؤسسة التربوية أن تبصر مجتمعها وبيئتها المحلية بما يجري فيها. فالقائمون على الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية والتوجيه والتعليم، والمتعلمون والموظفون والعمال بالمؤسسة التربوية، من حقهم جميعًا أن يتفهموا أهداف عملية تطبيق المنهج، وأن يدرك كل منهم واجباته نحوها، ويتكون لديه الدافع نحو أداء هذه الواجبات. يستوي في هؤلاء من له صلة مباشرة بعملية التجديد أو غير مباشرة. فكل عضو في مجتمع المؤسسة التربوية له إسهام ما -قل أو كثر- في هذه العملية، وهذا الإسهام يرتفع مستواه ويرشد وينمو -إلى حد كبير- إذا ما تكون دافع قوي عند الفرد نحو ما يعمل. جميع ما سبق لا يمكن تحقيقه دون أن يقوم المعنيون بعملية التطبيق -وعلى رأسهم فريق العمل في تطبيق المنهج- بتكوين شعور إيجابي نحوها، وأن يستخدموا في هذا الأسلوب العلمي والوسائل المختلفة شديدة الفعالية: فتخطط الأساليب التي سوف يتم بها النشر أو الإعلام، وتحدد الإجراءات التي سوف تتبع، وتختار الأدوات التي سوف تستخدم, بالإضافة إلى هذا، ينبغي أن يحرص المعنيون بالتطبيق على الحصول على التغذية العائدة من نشاطهم في عملية بث الشعور والتأكد من تحقيقها لأهدافها.

وأهم ما يمكن أن يتناوله الجهد الموجه لبث الشعوب الإيجابي نحو تطبيق المنهج الجديد هو توضيح مزايا المنهج المقترح، وإذا كان هناك منهج سابق عليه ينبغي توضيح ما أظهره التقويم من ضعف في المنهج السابق، وشرح أهداف المنهج الجديد ومزايا تحقيقها بالنسبة للمتعلمين بخاصة والمجتمع بعامة، وإلقاء الضوء على خطة التطبيق ومراحلها وما تحتاجه من إمكانات مادية وبشرية، وما قد يواجهها من صعوبات، وما يلزمها من تعاون وتآزر من مختلف الأفراد والمؤسسات والهيئات في المجتمع، ومدى الاستعدادات المتوفرة لإنجازها. ووسائل تحقيق بث الشعور الإيجابي نحو تطبيق المنهج الجديد كثيرة، منها: شرح مزايا المنهج الجديد ومدى ملاءمته لتحقيق أهداف المجتمع ووفائه بحاجات المتعلم، ومقارنته بمناهج أخرى في بلدان متقدمة مناسبة. وعرض دراسات مقارنة بين المنهج الجديد والمنهج القديم -إن وجد- وتنظيم لقاءات في المؤسسة التربوية لكل من المتعلمين وأولياء أمورهم وقيادات المجتمع، والنشر في الصحافة المحلية، وعقد ندوات إعلامية صحفية وإذاعية وتلفازية عن أهمية تطبيق المنهج الجديد وأهداف تحقيقه ومخاطر عدم إنجازه، يشترك فيها أساتذة من المتخصصين في المادة, وفي طرائق تعليمها والموجهون والمدرسون وقيادات المجتمع وأولياء الأمور، وممثلون عن إدارة التعليم وإدارة المؤسسة التربوية، وقيادات الجماعات المهنية ذات العلاقة. ومن أهم ما يود المؤلف بيانه هنا، هو أن النشاط الخاص ببث الشعور نحو تطبيق المناهج لا ينبغي أن يتوقف، ولا ينبغي أن يكون جذوة تظهر في بداية عملية التطبيق ثم تخبو. ولكن، ينبغي أن تعمل المؤسسة التربوية لكي يكون التحديث التربوي بعامة وتحديث المناهج وتطويرها بخاصة جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع. فتحديث المناهج ينبغي أن يكون عملية مستمرة، وبذلك فإن الشعور المؤيد له في المجتمع ينبغي أن يكون عملية مستمرة، وبذلك فإن الشعور المؤيد له في المجتمع ينبغي أن يظل حيا ومتواصلًا، وهذا لن يتحقق إلا إذا اتخذت المؤسسة التربوية كل السبل نحو تغذية هذا الشعور تغذية مستمرة بندوات عن أهمية تواصل التحديث التربوي, وخطواته وإنجازاته وخططه المستقبلة ونشر الوعي التربوي بين المواطنين، وتكوين جماعات لدعم تحديث المناهج في المجتمع يشترك فيها المعلمون، يكون من مهماتها توعية المجتمع ودعوته للاشتراك في أنشطة تجذبه نحو دعم العمل التربوي بعامة ودعم تحديث المناهج بخاصة. وجمعيات المعلمين والجمعيات التربوية والعلمية لها دور كبير في نشر الثقافة التربوية على وجه العموم، والتوعية بطبيعة ومتطلبات تحديث المناهج على وجه الخصوص. ومما يساعد على تركيز الشعور بالمسئولية نحو التعليم والتربية والاهتمام بدعم المناهج تجلية موقف الإسلام من تحصيل العلم، وأنه فريضة على كل مسلم، وبيان جزاء من يسهل طريقًا لطلب العلم، ومدى ما يجنيه من ثواب لقاء ذلك. بهذا يدرك الناس أن دعمهم للتعليم بعامة عمل يثابون عليه ويجزون عنه خير الجزاء في الآخرة، وأنه عمل يرضي الله ورسوله، فهذا يدفعهم إلى التعاون مع القائمين بعملية تطبيق المناهج في بث الشعور الإيجابي نحو تطبيق المناهج الجديدة. كما ينبغي الاستعانة بأئمة المساجد وخطبائها ووسائل الإعلام ومختلف العاملين في الدعوة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والنوادي الثقافية والاجتماعية والجماعات المهنية. بهذا تتكامل رسالة المؤسسات الدينية مع المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية والمهنية في نشر الوعي التربوي في المجتمع. وفي إعادة الهوية الإسلامية للعمل التربوي التي كاد أن يفقدها في بلادنا في الوقت الحاضر.

خامسا: تجريب المنهج الجديد

خامسا: تجريب المنهج الجديد التجريب التربوي هو عصب تطبيق المناهج إذ بدونه لا يمكن أن يحقق التطبيق أهدافه، ويكون -كما سبق أن ذكرنا- مجرد آراء وتصورات قد تخطئ أو تصيب. وهو أسلوب يناسب عصر العلم الذي لا يترك فيه مجال للمحاولة والخطأ. عصر توجه فيه الأعمال بحيث تستهلك الحد الأدنى من الجهد والوقت والمال، وهذا لا يتم إلا بناء على التخطيط الجيد والتنفيذ المحكم اللذين يوجه مسارهما التفكير المبدع. ولا بد من أن يشمل التجريب المنهج بكامله، وليس المحتوى فقط -كما يحدث في كثير من الأحيان- لأن التنسيق بين عناصر نظام المنهج كلها لا بد من أن يشمله التجريب، والتكامل بينها لا بد من أن يوضع في المحك، ويمكن تحديد أهم أهداف التجريب فيما يلي: أ- أهداف التجريب: من أهم أهداف التجريب: 1- الكشف عن جوانب الضعف والقوة في المنهج الجديد وفي كل من عناصره: الأهداف والمحتوى وطرائق التعليم وتقنيته والنشاط التربوي والتقويم. 2- الوقوف على مدى ملاءمة المنهج الجديد لإمكانات المتعلمين ومستوى نضجهم. 3- الوقوف على مدى تحقيق المنهج الجديد للتكامل فيما بين خبراته، وبين خبراته من ناحية وخبرات مناهج المقررات الأخرى التي يدرسها المتعلم من ناحية أخرى. 4- التحقق من محافظة خبرات المنهج على خاصتي التتابع والتكامل والاستمرار.

5- التحقق من مدى ملاءمة تطبيقات المنهج في المواد الأخرى وفي المجتمع. 6- الكشف عن مدى كفاءة التدريب الذي تلقاه المعلم بخاصة وبقية العاملين في التطبيق بعامة. 7- الوقوف على مدى كفاءة المصادر التي تمت تهيئتها لكل من المعلم والمتعلم. 8- الكشف عن مدى ملاءمة خطة التطبيق، والتعرف على بعض المشكلات التي تعترض طريقها. أما متطلبات التجريب فيمكن تحديد أهمها على الوجه التالي: ب- متطلبات التجريب: يحتاج التجريب إلى التأكد -قبل البدء في التجربة- من أمور، أهمها: 1- تحديد أهداف التجربة تحديدا واضحا ودقيقا وشاملا، وما ذكرناه آنفا أمثلة لهذه الأهداف. 2- تكوين فريق الإشراف على التجربة، وتحديد مسئوليات كل منهم بدقة. 3- التأكد من إدراك العاملين في التجربة بعامة والمعلمين والموجهين بخاصة لأهداف التجربة. 4- توفير المصادر التي سوف يستخدمها المتعلمون أثناء دراستهم بالتجربة، مثل الكتب وكتيبات الإثراء ووسائل التقنية وأدوات المناشط المدرسية وأجهزتها والأجهزة والأدوات والمواد التي سوف تستخدم في الورش والمعامل والمختبرات. 5- توفير المصادر التي سوف يستخدمها المعلمون أثناء تدريسهم بالتجربة، مثل أدلة المعلم والاختبارات والمقاييس الموضوعية والاستبانات وبطاقات الملاحظة وأجهزة تقنية التعليم وأدواته والأدوات الكتابية. 6- إيجاد التسهيلات اللازمة لللتجريب في المباني والمرافق وغيرها، مثل توافر كل من المعامل والمختبرات والورش والغرف مؤثثة بالأثاث المناسب في كل حال، وتوافر مصادر المياه والكهرباء والمصاعد وغير ذلك، مما يلزم توافره للعملية التعليمية. 7- تدريب جميع من سيعملون في التجريب، وإطلاع أولياء الأمور على خطة التجريب وبث الشعور الإيجابي نحوها في المجتمع المحلي.

8- اختيار المدارس التي سوف يطبق فيها التجريب بحيث تكون ممثلة للمدارس التي سيعمم عليها المنهج بعد التجريب، بقدر الإمكان. 9- رصد الميزانية المطلوبة للتطبيق التجريبي، وتوزيعها على أبواب إنفاقها. 10- متابعة التجريب بالتقويم متابعة مستمرة ودقيقة وشاملة، وتسجيل نتائج التقويم أولا بأول، على أن يشمل التقويم المتعلمين والمعلمين بخاصة، إضافة إلى المنهج بعناصره الستة. وتحليل نتائج التقويم وحصر جوانب القوة والضعف التي تنتج عنه. 11- رسم خطة لعلاج المشكلات، وللتحسين الشامل للتجريب، بناء على نتائج التقويم، وتطبيقها فور دراستها من قبل القائمين على التطبيق. 12- تنظيم اجتماعات مستمرة لتبادل الرأي بين القائمين على التجريب لمناقشة سير التجربة، وما قد يستجد فيها من ملاحظات، والتخطيط للخطوة أو المرحلة التالية. 13- استمرار التجريب ومتابعته بالتقويم والتعديل إلى أن تستقر نتائجه، ويتضح سير العمل فيها وتكاد تختفي مشكلاته، وتتضح ملاءمة العوامل التي تم تطبيقها فيه لتحقيق أهداف التطبيق بصفة مبدئية. 14- تنظيم ندوة أو مؤتمر يحضره المعنيون بشئون التعليم والخبراء، وفريق التطبيق لمناقشة نتائج التجريب، فإذا أوصى بصلاحها يمكن التوسع في التجريب بالتدريج. 15- إعداد الأحكام الانتقالية التي سوف يحتاجها تطبيق المنهج الجديد، وبخاصة إذا كان سيحل محل منهج قديم، الأمر الذي قد يحدث تداخلا بينهما في التطبيق حيث يوجد بواقي من المتعلمين الذين يدرسون المنهج القديم يدركهم تطبيق المنهج الجديد. 16- السعى لدى الجهات المعنية -إذا لزم الأمر- للحصول على اعترافها بالمنهج الجديد، وأنه يؤهل للحصول على الشهادة التي يسهم في الإعداد لها، كما يؤهل للدراسة في المستوى التالي.

سادسا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير

سادسًا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير التعميم عملية براقة لها جاذبية خاصة لدى كثير من المعنيين بتطبيق المناهج الدراسية. ولذلك فإنهم كثيرًا ما يقفزون إليها دون تجريب أو دون تجريب كاف وقبل أن تستقر نتائج التجريب، وفي كلا الحالين فإن الأمر جد خطير. ولكن الناس لا يشعرون بهذه الخطورة؛ لأن الأخطاء التربوية لا تهدم بيتا ولا تكسر جسرًا فيتضح الأثر للعيان، ولكنها تشوه أجيالًا ببطء، وبصورة غير مرئية تطويها السنوات بين ثناياها دون أن يشعر بها أحد. نقول هذا لكي نحذر من التسرع في التعميم، إلا بعد التجريب واستقرار نتائجه تمامًا؛ فمن المعروف أن البطء من خصائص التجريب التربوي، بل إن هذا البطء من مشكلاته. ولا ينبغي أن يتم التعميم مرة واحدة، ولكن ينبغي أن يتم رويدًا بالتوسع التدريجي، وصولًا إلى التعميم الكامل مسبوقًا بالإعداد الدقيق والمحكم. ومن أهم جوانب هذا الإعداد: 1- اختيار أنسب المدارس التي سوف يتم فيها التوسع، واستكمال ما قد يكون فيها من نواقص في متطلبات تطبيق المنهج الجديد، كالمكتبات والأثاث وأدوات التقنية والتسهيلات، وغيرها. 2- إعداد جدول زمني للتوسع التدريجي، ورسم خطة لتجهيز المرافق من معامل ومختبرات وورش وغيرها، وتنفيذ هذه الخطة بما يواكب جدول التوسع. 3- التوعية مرة أخرى بأهداف تطبيق المنهج الجديد في البيئة المحلية التي سوف يجرى فيها التوسع، وتهيئة الطلاب وأولياء أمورهم وقيادات البيئة لعملية التعميم. 4- رصد الميزانية المطلوبة، وتوزيعها وفق حاجات عملية التعميم ومناشطها. 5- إعداد الكتب وأدلة المعلم وكتيبات الإثراء والتطبيقات على نحو ما ذكرنا في التجريب، ووسائل تقنية التعليم، وأدوات النشاط المدرسي وموارده، والنشرات والنماذج المختلفة اللازمة للتقويم والمتابعة والتعميم. 6- تدريب جميع المعلمين والموجهين بخاصة، وبيقة المشاركين في عملية التعميم الذين يحتاجهم التوسع بعامة. 7- رسم خطة للتطبيق والإشراف والتقويم في كل منطقة، وللحصول على التغذية العائدة واستثمارها في التحسين والتجويد المستمرين.

8- تنظيم لقاءات وندوات ومؤتمرات تناقش مسيرة التوسع ومشكلاته ونتائجه، يحضرها المشرفون على التوسع وقيادات البيئة والقيادات المهنية ورجال الإعلام. 9- الاستمرار في عملية التوسع التدريجي، وصولًا إلى التعميم. 10- مراجعة الأحكام الانتقالية وفق مقتضى الحال. ومن أهم ما ينبغي مراعاته في عملية التوسع هذه، لا مركزية الإدارة، بمعنى أن تعطي كل مؤسسة تربوية صلاحيات إدارة عملية التعميم فيها، ومواجهة مشكلاتها وإبداع الحلول المناسبة لها، وألا ينفرد ناظر المؤسسة أو مديرها بالإدارة ولكن يشترك معه المعلمون والموجهون وممثلون عن أولياء الأمور وقيادات المجتمع. ومنح المعلم حرية الإبداع والانطلاق في التجريب في حدود الأهداف المرجوة ضرورة لحسن إسهامه في عملية التوسع. ولا يعني تعميم المنهج المطور أنه يعتبر صالحًا صلاحًا مطلقًا، ولكن يعني أنه صالح في الظروف التي ثبت صلاحه فيها؛ لذلك، يستمر صلاحه باستمرار التقويم والمتابعة وفق نمو الخبرة المكتسبة من تطبيقه ووفق المتغيرات التي تواجهه. ولا نعني هنا بالتقويم الاقتصار على تقويم تحصيل المتعلمين للمنهج الجديد، ولكن نعني تقويم جميع جوانب عملية التطبيق، ومن أهمها: 1- تقويم مدى تقبل المتعلمين للمنهج الجديد بواسطة استبانات تستطلع آراءهم, وبواسطة مناقشات جماعية وفردية، وسؤال أولياء الأمور عنهم. 2- تقويم تحصيل المتعلمين من خلال تحليل محتوى كراساتهم وإجاباتهم في الاختبارات التي يطبقها المعلمون، وتحليل إجاباتهم على اختبارات موجهة تعد خصيصا لغرض تقويم الجوانب التي يراد تقويمها. 3- تقويم مدى إسهام المنهج الجديد في تكوين مهارات التفكير العلمي، وحل المشكلات والتعليم الذاتي والتعليم المستمر، وذلك بواسطة اختبارت تعد لهذا الغرض. 4- تقويم طرائق التعليم وتقنيته والنشاطات المدرسية المستخدمة في تطبيق المنهج الجديد، للوقوف على مدى فعاليتها في تحقيق أهداف المنهج من خلال تقويم أثرها على تفكير المتعلمين وعلى استيعابهم، وأثرها على المجتمع المدرسي.

5- تقويم أساليب التقويم المستخدمة في تقويم مخرجات المنهج الجديد وأدواته، للوقوف على مدى تحقيقها للهدف من استخدامها، وذلك بدراسة محتواها وتحليل الإجابات عليها, ومعرفة أثرها فيمن طبقت عليهم، فالتقويم خبرة تربوية أيضًا. 6- تقويم الكتب التي يستخدمها المتعلمون، وهذا باستطلاع آراء كل من المعلمين والمتعلمين والموجهين ومن يشترك معهم في الإشراف على تطبيق هذه الكتب، ومتابعة أثرها في عملية التعليم والتعلم في ضوء أهداف هذا المنهج، إضافة إلى دراستها من قبل المختصين. 7- تقويم أداء المدرسين من خلال زيارتهم أثناء التدريس بواسطة الموجهين وخبراء المناهج وطرق التدريس والمديرين وغيرهم من المشتركين في الإشراف على تطبيق المنهج، ومن خلال تحليل نتائج المتعلمين في الاختبارات. 8- تقويم المصادر التي يرجع إليها المعلم وبخاصة دليل المعلم من وجهة نظر المعلمين والموجهين، ومن خلال أثره في أداء المعلم. 9- تقويم أداء الموجهين من خلال استطلاع آراء المدرسين، ومن خلال ملاحظة أدائهم في زيارات -يقومون بها بالاشتراك مع خبراء المناهج وطرائق التعليم- للمعلمين يمارس فيها الموجهون مهامهم. 10- تقويم أداء الإدارة المدرسية والإرشاد التعليمي المتوافر للمتعلمين من خلال آراء المعلمين والموجهين، ومن خلال ملاحظة الخبراء المشرفين على تطبيق المنهج الجديد الذين يزورن المدرسة. 11- تقويم الخدمات والتسهيلات المتوافرة في المبنى المدرسي والمعامل والمختبرات والورش والأثاث، وهذا من خلال استطلاع آراء المعلمين والمتعلمين للمدارس والموجهين ونظار المدارس أو مديريها ومن خلال زيارة الخبراء للمدارس إضافة إلى الاطلاع عليها. 12- تقويم مدى إسهام المنهج الجديد في تربية المتعلمين تربية إسلامية, ورفع مستوى حصيلتهم في اللغة العربية. وذلك بتحليل المواقف التي يحتويها المنهج وإحصاء المفردات اللغوية التي يقدمها، واستطلاع رأي كل من المتعلمين والمشرفين على تطبيقه، ومن خلال الاختبارات وملاحظة تغير السلوك. 13- دراسة التقارير التي يكتبها المعلمون والموجهون والنظار أو المديرون وغيرهم من المشرفين على تطبيق المنهج الجديد، ومناقشتها بواسطة فريق الإشراف الفني على المنهج، ودراسة آراء أولياء الأمور وقيادات المجتمع.

14- عقد لقاءات وندوات ومؤتمرات لدراسة ومناقشة نتائج التقويم السابق ذكره, يحضرها جميع المشرفين على المنهج الجديد والقيادات التربوية والعلمية والمهنية والإعلامية والسياسية في البيئة المحلية. 15- رسم خطة للاستفادة من نتائج الأعمال السابقة في رفع كفاءة المنهج في تحقيق التالي: 15-1 إيجابية المتعلم وفعاليته في عملية التعليم والتعلم، ومزيد من التركيز على طرق التفكير وحل المشكلات والتعليم الذاتي والابتكار والإبداع. 15-2 العناية بتوجيه الطلاب وإرشادهم، وحل مشكلاتهم، ومراعاة الفروق الفردية بينهم. 15-3 توظيف النشاط المدرسي في تنمية مواهب الطلاب من ناحية، وفتح قنوات الاتصال بالبيئة المحلية من ناحية أخرى، وسد ثغرات المنهج الدراسي من ناحية ثالثة. 15-4 توظيف تقانة التعليم وتحديثها، بما يرفع مستوى أدائها في فتح آفاق التعلم أمام المتعلمين، وييسر مهمة المعلم والعناية بإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي. 15-5 انطلاق كل من المعلم والموجه والمدير في تطوير أعمالهم وتجويد الوسائل والأدوات التي يستخدمونها. 15-6 تحقيق التربية الإسلامية وإثراء حصيلة اللغة العربية وتوجيه عملية التعليم توجيهًا إسلاميا، والعناية بخدمة البيئة المحلية للمدرسة، واستثمار إمكاناتها في تطبيق المنهج. 16- متابعة المنهج من خلال البحث العلمي متابعة مستمرة، فإن التطوير التربوي الذي يعتمد على البحث العلمي يؤتي ثمارًا لا يدركها العطب.

خاتمة الفصل الحادي عشر

خاتمة الفصل الحادي عشر: في هذا الفصل: حاولنا تحديد أهم خطوات عملية تطبيق المنهج الدراسي. وكما لاحظ القارئ فإن هذه الخطوات تهدف إلى الإلمام بعملية تطبيق المنهج الدراسي إلمامًا محيطًا، وتوظيف مختلف الإمكانات البشرية والمادية من أجل تحقيق أهدافه. وكما هو معروف بالنسبة لتطبيق المناهج الدراسية، فإنت هذه الخطوات تبدأ بتحديد الأهداف، ثم بعد ذلك يتم تكوين فريق العمل الذي يتولى التخطيط للتطبيق، ويبث الشعور بالحاجة إليه، ويعمل على إعداد المواد اللازمة له، ويشرف على تدريب العاملين فيه. وهذه جميعها خطوات مهمة على درب تطبيق المنهج ينبغي الحرص عليها. إلا أنه بدون التجريب الميداني يظل كل شيء اجتهادًا لم ينزل إلى أرض الواقع. من هنا كان التجريب الفعلي للمنهج الجديد محكا أساسيا للوقوف على مدى كفاءته قبل اتخاذ اللازم نحو تعميمه. وبهذا التعميم الذي أساسه التجريب يصبح المنهج مكتملًا مرحليا. ويتابع بعد ذلك بالتقويم للمحافظة على كفاءته, وكشف ما قد يعتريه من ضعف واتخاذ اللازم نحو علاجه، ويظل التقويم المستمر مصاحبًا للمنهج في مسيرته وصولًا إلى تطويره المستمر. وتخطيط المناهج الدراسية بما فيه التطبيق ليس طريقًا مفروشًا بالورود، ولكن يعترضه عقبات ومعوقات ينبغي أن يدركها القائمون على عملية التخطيط، ليعدوا لها العدة، ويأخذوا حذرهم منها، ويتأهبوا لعلاجها. وهذه المعوقات هي، بمشيئة الله، موضع الاهتمام في الفصل التالي:

أهم مصادر الفصل الحادي عشر

أهم مصادر الفصل الحادي عشر: 1- العظم, رفيق: الدروس الحكيمة للناشئة الإسلامية، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1409هـ-1988م. 2- الوكيل، حلمي أحمد: تطوير المناهج ط2. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1982م. 3- شوق، محمود أحمد، ومحمد مالك محمد سعيد: تربية المعلم للقرن الحادي والعشرين. الرياض: مكتبة العبيكان، 1416هـ-1995م. 4- عبد الله, عبد الرحمن صالح: المنهاج الدراسي، أسسه وصلته بالنظرية التربوية الإسلامية. الرياض. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 1406هـ-1986م. 5- قطان، مناع خليل: مزايا الثقافة الإسلامية، القاهرة: مطبعة معتوق، 1966م. 6- مجاور، محمد صلاح الدين، وفتحي عبد المقصود الديب: المنهج المدرسي: وأسسه وتطبيقاته التربوية، الطبعة السادسة. الكويت دار القلم، 1404هـ-1984م. 7- مدكور، على أحمد: المفاهيم الأساسية لمناهج التربية. الطبعةالأولى. الرياض: دار أسامة للنشر والتوزيع. 1410هـ-1989م. 8- نيكولر، هوارد، أودري: تطوير المنهج مرشد عملي، ترجمة سعيد جميل سليمان، القاهرة. دار الثقافة للطباعة والنشر، 1981م. 9- تقرير اللجنة الدولية لليونسكو حول تطوير التربية في العالم، تعلم لتكون، عالم التربية اليوم وغدًا، ترجمة حسن جميل طه ويوسف عبد المعطي، الكويت: مكتب الفلاح، 1399هـ-1979م.

10- من قضايا الفكر الإسلامي المعاصر، الطبعة الثالثة. الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وأبحاث ووقائع اللقاء الثاني للندوة العالمية للشباب الإسلامي المنعقد في الرياض، في الفترة من 23 من ذي القعدة حتى 3 ذي الحجة عام 1393هـ- الموافق 17-27/ 12/ 1973م. 11- توصيات مؤتمر التوجيه الإسلامي للعلوم، جامعة الأزهر 28/ 4- 2/ 5/ 1413هـ-24-28/ 10/ 1992م. 13 -GoodLad, John A Place Called School, Prospects for the Future. New York: Mc Graw Hill-Book Company, 1984. 13 -Mc Neil, Jhon D, Curriculum, A Comprehecive Introduction. Boston: Little Brown and Comany, 1985. 14 - Schepherd, Gene D., and William B. Ragan, Modern Elementary Curriculum. New York: Holt, Rinehart and Winston, 1982.

الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي

الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي مقدمة الفصل الثاني عشر ... مقدمة الفصل الثاني عشر: من أهم ما ينبغي مراعاته في أي عمل هو محاولة التوقي من المعوقات التي قد تعترض طريق تقدمه، والتغلب على ما يواجهه منها أولًا بأول، فإن هذا يساعد في اطراد تقدم العمل نفسه، ويسهم في ادخار الطاقات البشرية والمادية التي تستهلك في مواجهة المعوقات بعد وجودها. واستشراف المعوقات والمشكلات التي قد تعترض طريق تقدم العمل من أهم الأساليب التي تساعد المعنيين به على التوقي منها، وإعداد العدة لمواجهة ما قد يقع منها. وطريق تخطيط المناهج -في كثير من الأحيان- يكون حافلًا بالمعوقات الكثيرة: منها ما يعود إلى طبيعة التخطيط التربوي، ومنها ما يرجع إلى القائمين على عملية التخطيط، ومنها ما يعود إلى أسلوب إدارتها، ومنها ما يرجع إلى المجتمع، إلى غير هذه من المعوقات التي ينبغي اتخاذ اللازم نحو التوقي منها قبل حدوثها، كما ينبغي التأهب لمواجهتها في حال حدوثها. ويرى المؤلف أن أهم المعوقات التي تعترض طريق تخطيط المناهج ترجع إلى ما يلي: أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي. ثانيًا: معوقات خاصة بالقصور في الجوانب الفنية لعملية تخطيط المنهج الدراسي. ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية التخطيط. رابعًا: معوقات خاصة بالنواحي الإدارية. خامسًا: معوقات خاصة بالمجتمع. سادسًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب. سابعًا: معوقات خاصة بالقصور في الاعتمادات المالية.

أولا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي يواجه التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة مشكلات كثيرة، إلا أنه رغم أهمية التخطيط التربوي البالغة، فإن القصور فيه قد لا يلاحظه الكثيرون. فمثلًا قد يكون تخطيط المنهج سيئًا ومن ثم يؤدي إلى منهج معيب، ولكن الطلاب يذهبون إلى دور التعليم كل يوم ويجيئون، والمعلمون يعلمون، والموجهون يوجهون، والمديرون يديرون، وكل في فلك يسبحون، وليس هنا مؤشر واضح الدلالة -للعامة- إن كان هؤلاء جميعًا يرتقون بعملهم أم يهبطون به, أو أنهم ينفذون منهجًا سيئا. بل، قد يستفرغ هؤلاء جميعًا طاقتهم بكل إخلاص، ومع هذا لا يحسنون بقدر ما يبذلون؛ لأنهم ينفذون منهجًا سيئًا. ولا يدرك الحاجة إلى تخطيط منهج جديد في الوقت المناسب، إلا من لديهم علم وخبرة بالتقويم التربوي. فالمنهج ليس مبنى سوف تظهر فيه شروخ وتشققات حين يصيبه القدم والبلى، ولا هو بجسر سوف ينهار حين يصبح غير قادر على تحمل الأحمال التي بني لحملها، فالمبنى والجسر يتضح حالهما للعيان وتظهر سوءاتهما لكل ذي عينين، أما المناهج لا تتشقق ولا تنهار، بل قد تظل تشغل المعلمين والمتعلمين والموجهين وغيرهم عقودًا -رغم عدم صلاحها- كما لو كانت تتصف بالكفاءة والتميز. وفي النظم التربوية المتخلفة قد لا تتضح عيوب المنهج إلا بعد أن يتخرج به عدة أجيال غير صالحة، أي: بعد أن تنزل بالمجتمع قارعة التخلف عن ركب التقدم الحضاري. نظرًا لإثقال كاهلة بمتعلمين غير قادرين على قيادته في خضم التقدم بسبب تخلف خبرات المناهج التي تعلموها. ويصحب هذا التخلف أقرباؤه، وأحباؤه من الأمية الوظيفية والبطالة المقنعة والجهل بمعطيات العصر، وما تنبت كل من هذه المشكلات من براعم نامية في شجرة التخلف، ومن ناحية أخرى، فإن الآثار الإيجابية للمنهج الدراسي الجيد لا تظهر إلا بعد حين؛ ولذلك، قد لا يتحمس له كثيرون. فمع الخطورة البالغة لتدني مستوى التعليم بعامة، ومستوى المناهج على وجه الخصوص، فإن كثيرًا من متخذي القرار في الدول النامية لا يعطونها الأولوية في اهتماماتهم. فكما هو الحال الآن، فإن هذه الدول تعاني من التخلف الاقتصادي ومن ثم لا مفر لها من أن ترتب أبواب الإنفاق في ميزانياتها حسب الأهمية التي تقدرها. وفي غالب الأحايين، لا يأخذ التعليم بعامة وتحديث المناهج بخاصة، الموقع المناسب لأهميتها. وهذا يعود -بالدرجة الأولى- إلى رغبة هؤلاء في ثمار عاجلة لما ينفقون، وثمار تطوير التعليم تكون آجلة؛ لأنها تعنى باكتساب الفرد الخبرات على مدى مسيرته

التعليمية، ولا يظهر أثرها إلا في نهاية هذه المرحلة -طالت أو قصرت- وبعد وضوح آثارها في مجالات العمل. وقد يستغرق هذا وقتا أطول مما يستطيع متخذو القرار عليه صبرًا. يضاف إلى هذا، أن تخطيط المناهج عملية معقدة تحتاج إلى جهد ووقت وخبرات متفردة، وتتوقف نتائجها -إلى حد كبير- على مدى استثمار طاقات المتعلم بالأسلوب المناسب، وهذا عمل يسهل قوله ولكنه صعب التطبيق، ناهيك عن أن ثماره لا تتحقق بالصورة المرجوة إلا إذا وجدت له خطة مستمرة، وتوافرت له الإمكانات المناسبة، وواكب التقدم العلمي الذي بلغ تسارع خطاه مدى غير مسبوق، ولاحق التقدم التقني الغلاب. وهذا أمر يحتاج إلى استنهاض كل المقومات العلمية والفنية لعملية التعليم والتعلم، إلى غير هذا من الأساسيات التي لا يتحقق تخطيط المناهج بصورة فعالة إلا بها، والتي تحتاج إلى وقت وجهد لكي تؤتي ثمارها المرجوة. ولكن الذين يفهمون طبيعة التخطيط التربوي من متخذي القرار يضعونه في أولوياتهم، بل يسارعون الخطى نحوه كي يختصروا الوقت -بقدر المستطاع- تعجيلًا ليوم الحصاد، لذلك، يوفرون للتخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج على وجه الخصوص جميع الإمكانات التي يحتاجانها، تحقيقًا لحسن إعداد المتعلم الذي عليه تتوقف النهضة في كل قطاعات الإنتاج والخدمات. هؤلاء جنوا ثمار غرسهم بإعداد أجيال قادرة على استيعاب معطيات العصر، وإدراك متطلبات التقدم، ومواكبة عجلة التسارع العلمي والتقني، وتبوأت بلادهم مكان الصدارة في ركب القيادة. أما الذين لا يعنون بالتخطيط التربوي، جهلًا بأهميته أو استبطاء لثماره أو ادخارًا لنفقاته أو لغير هذه من الأسباب، فإنهم لا يعرفون طبيعة التطوير التربوي، ولا يدركون آثاره الخطيرة على المجتمع. وهم في النهاية هم الخاسرون.

ثانيا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج

ثانيًا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج يتوقف نجاح تخطيط المناهج على جوانب فنية كثيرة إذا لم تتحقق فإنه لا يبلغ غايته. ورغم بالغ أثر هذه الجوانب فإنها لا تأخذ حظها من العناية الواجبة، إما لعدم الانتباه إليها أو للتقليل من خطورتها. ونعني بالجوانب الفنية جميع ما يتعلق بالخبرات غير الإجرائية التي تخص عملية تخطيط المنهج الدراسي. ومن بين الجوانب الفنية المعوقة لعملية تخطيط المناهج الدراسية عدم إدراك القائمين بالتخطيط للمفهوم الصحيح للمنهج. فكما هو معروف فإن المنهج الدراسي نظام له مكونات ستة هي: الأهداف والمحتوى وطرائق التعليم والمناشط المدرسية والتقانة التعليمية وتقويم المخرجات. ولكن الشائع بين الكثير من التقليديين هو أن المنهج الدراسي صنو للمحتوى. ويترتب على هذا الفهم الخاطئ لنظام المنهج توجيه

تخطيطه توجيهًا معيبًا، إذ يكون التركيز -في هذا الحال- على المحتوى فقط دون غيره من المكونات، ومن ثم يكون تخطيط المنهج منقوصًا. وإنه لمن الأهمية بمكان أن تعتمد عملية التخطيط على التقويم العلمي لخطواتها, وإذا لم تخضع هذه الخطوات للتقويم. فإن هذا يكون معوقًا آخر لهذه العملية. ومعوق ثالث يتعلق بالجوانب الفنية، هو عدم رسم خطة متكاملة لعملية التخطيط تستوعب جميع النشاطات المطلوبة فيها، وتستثمر الإمكانات البشرية والمادية المتاحة لها، وتنسق بين المراحل والخطوات الخاصة بها، وتستشرف المعوقات والمشكلات التي يمكن أن تواجهها، وما لم تعد هذه الخطة إعداد جيدًا فإن هذه العملية قد تتخبط وقد تضل طريق الصواب. ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر لإعداد هذه الخطة الإحصاءات الدقيقة عن المجتمع، والمعرفة التامة بخصائص المتعلم وبطبيعة المجال الدراسي وبالتطورات الحديثة فيه وبالتقدم التقاني المعاصر, وبالقوى البشرية والمادية والأجهزة والأدوات والمواد اللازمة لعملية التخطيط، وغير ذلك مما ينبغي أن يتوافر من عناصر ضرورية لعملية تخطيط المنهج مثل: الاختبارات التحصيلية، واستبانات استطلاع الآراء. والاختبارات التي بها يمكن تحديد مستويات التحصيل، ومقاييس كل من القدرات والحاجات والميول والاتجاهات, والكشف عن الرغبات والتي بناء على نتائجها يمكن أن تتم عملية الإرشاد والتوجيه عند تطبيق المنهج، ويمكن الكشف عن الفروق الفردية ومن ثم مراعاتها في الخطة. عدم توافر هذا كله، أو عدم القدرة على رسم خطة متكاملة لتنفيذ عملية التخطيط يعيق هذه العملية عن الوصول إلى أهدافها. ومعوق رابع من المعوقات الخاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المنهج هو عدم تدريب المشتركين في عملية إعداد المنهج وتطبيقه التدريب المناسب. فلا يمكن أن نتصور أن المعلم أو الموجه أو ناظر المدرسة أو غيرهم ممن يسهمون في تنفيذ هذه العملية، سوف يؤدون مهماتهم بالكفاءة المطلوبة دون أن يتدرب كل منهم على أعماله التدريب اللازم. ورغم وضوح الأثر السلبي للتقصير في تدريب المشاركين في إعداد المنهج وتطبيقه على أداء مهماتهم فإنه -في كثير من الأحيان- لا يعطي هذا التدريب الأهمية المطلوبة. معوق خامس يتعلق بالجوانب الفنية لا ينبغي أن يغيب عن البال هو عدم إعداد الكتب والمراجع التي سوف تستخدم في التطبيق الإعداد المناسب. فكتاب المتعلم وكتاب المعلم، والمكتبة الخاصة بكل منهما هي أول المصادر التي ينبغي إعدادها قبل البدء في عملية التطبيق. وبدون إعدادها المسبق نكون قد وضعنا عقبة كئودا في طريق المنهج. وفي كثير من الأحيان يتم إعداد هذه المصادر في عجلة. وغني عن الذكر أن هذا قد يؤدي بعملية تخطيط المنهج إلى الفشل.

ومعوق سادس يتعلق بالجوانب الفنية, كثيرًا ما يواجه تخطيط المناهج هو عدم العناية بكل من التجريب والمتابعة بالتقويم المستمر. هذه هي القاصمة لعملية تخطيط المنهج؛ لأن المنهج -في هذا الحال- سوف يطبق وفق تصور المشاركين في تخطيطه. مهما كانت هذه التصورات مبنية على أسس علمية ومستمدة من خبرات عملية طويلة، ومهما اجتمع عليها من ينبغي أن يتصدى لها، فإنها تبقى تصورات تحتاج إلى أن توضح في محك التطبيق الفعلى المضبوط علميا في المكان والزمان والظروف التي سوف يعمم فيها، أي: تحتاج إلى التجريب التربوي الذي يتابعه التقويم العلمي، وأن توضع نتائج هذا التقويم موضع التنفيذ باستثمار التغذية العائدة منه. فكما يتضح من الشكل فإنها عملية متصلة الحلقات يكشف التجريب والتقويم فيها حاجة المنهج المقترح إلى التعديل. والتغذية العائدة من التقويم تحدد نوع التعديل المطلوب. ومن ثم يعاد التخطيط لإدخال التعديلات المطلوبة، ثم يعاد تجريب المنهج بعد التعديل ويتابع بالتقويم مرة أخرى. وتتكرر هذه العملية "المنهج المقترح -التجريب- التقويم -التعديل" إلى أن يستقر المنهج ثم يعمم بعد ذلك. ومن المعروف أن العزوف عن التجريب والبحث والتقويم المستمر خطأ فني شائع لأسباب كثيرة من أهمها استعجال الثمار؛ فنظرًا لأن عملية التقويم يترتب عليها إعادة التخطيط لإدخال التعديلات التي أشارت إليها التغذية العائدة من التقويم ثم تجريبها, وهذا يستغرق وقتا طويلًا بطبيعة الحال، فإن البعض يضن بهذا الوقت، كما أن هذا كله يحتاج إلى تمويل -كما سنبين فيما بعد- والبعض يضن بالمال أو لا يملكه. وهناك من يستيسر القفز من التخطيط إلى التعميم. ومهما كانت الدوافع التي تؤدي إلى العزوف عن التجريب والتقويم، ومن ثم فقدان التغذية العائدة، فإنها تضع معوقات كثيرة في طريق تخطيط المنهج الدراسي، بل تصيبه بالوهن، وتتيح فرصًا لانتشار ما في المنهج المخطط من أخطاء بين جميع الطلاب الذين يعمم عليهم هذا المنهج فيما بعد.

ومعوق سابع يتعلق بالجوانب الفنية لتخطيط المنهج الدراسي، هو عدم اختيار العناصر التي ينبغي أن تشترك في تخطيطه. ففي كثير من الأحيان، لا تتوافر في الفريق المعني بعملية التخطيط العناصر التي ينبغي أن تشارك فيها، فلا يشترك في هذا الفريق بعض العناصر المهمة، مثل: المدرسين أو قيادات المجتمع، وفي أحايين أخرى تمثل جميع العناصر، ولكن يساء اختيار بعض من يمثلونها لعدم الاختيار وفق المعايير المطلوبة. وفي كلا الحالين يكون هذا الاختيار معوقًا لعملية التخطيط. ومعوق ثامن يتعلق بالجوانب الفنية هو عدم وجود فئة من الفنين الذين يقومون بأعمال مهمة في عملية تخطيط المناهج الدراسية أو لا تأخذ -أحيانا- حظها من العناية. ومن أمثلة هؤلاء، فنيو تشغيل الأجهزة وإصلاحها، وفنيو طباعة الكتب وتجليدها، والسكرتيرون. عدم وجود هولاء في الوقت المناسب بالعدد المناسب والمستوى المهاري المناسب يشكل عائقًَا في طريق تخطيط المناهج. وفي كثير من الأحيان، يتسبب إعداد المواد التعليمية في إضافة معوق تاسع لعملية تخطيط المنهج الدراسي حين تخرج المادة التعليمية في صورة ملازم منفصلة أو تطبع على الآلة الكاتبة. فإن لهذا مثالب كثيرة. وهذه مجرد أمثلة لما يمكن أن يوجد من معوقات في طريق تخطيط المنهج الدراسي بسبب القصور في الأمور الفنية فلا يزال هناك معوقات أخرى كثيرة لم نذكرها هنا، من أمثلتها عدم تحديد خطة واضحة للعمل، أو عدم مراعاة التوازن بين عناصر المنهج عند اختيار خبراته وعدم المحافظة على خاصة التكامل بين هذه العناصر، وعدم العناية باللغة العربية، وقبل هذا وذاك عدم العناية بمتطلبات التربية الإسلامية، وعدم توجيه المنهج توجيهًا إسلاميا، وغير ذلك مما يمكن أن تهمله عملية التخطيط فيما يتعلق بأسس التخطيط أو مصادره أو خطواته.

ثالثا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي

ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي من المسلم به أن القائمين على عملية تخطيط المنهج الدراسي هم الأساس الأول لنجاجها. فتحمسهم لها، وفهمهم لجوانبها ومراحلها، وصبرهم عليها ومثابرتهم في حل مشكلاتها، واكتسابهم للخبرات المناسبة لإنجازها، وتعاونهم على تحقيق أهدافها من مقومات نجاحها، والقصور في أي من جوانبها يعيق تقدمها. ومن المعوقات المهمة لعملية تخطيط المنهج بالنسبة للقائمين عليها عملية عدم إدراكهم أو بعضهم لأهدافها, فالأهداف هي المنارات التي يهتدي بها القائمون على عملية تخطيط المناهج في عملهم. وبذلك فهي توحد توجههم وتؤسس لتعاونهم

وتمدهم بالمعايير التي يقومون بها أعمالهم. وعدم إدراك هذه الأهداف يجعل العاملين في تخطيط المناهج اتجاهاتهم شتى، ويعصب التنسيق والتعاون بينهم، وبهذا تتفرق الاتجاهات وتتعارض الاهتمامات وتتشعب الآراء. وكل هذا يعيق عملية التخطيط عن التقدم. ومعوق آخر يتعلق بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي، هو عدم فهم القائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي لمفهومها وعدم إدراكهم لأبعادها. فقد ذكرنا في هذا الكتاب أن لعملية تخطيط المناهج الدراسية مفهوما خاصا بها, وأن لها أسسا معينة، وأن لها خطوات متتابعة كل واحدة تبني على سابقتها وتمهد للاحقتها، وبينا أن القائمين عليها تتنوع خبراتهم ومهماتهم, ويمثلون جميع المعنيين بشئون المناهج الدراسية، ليس من رجال التعليم فقط، ولكن أيضًا من قيادات الإنتاج والخدمات والسياسة في البيئة المحلية للمدرسة, وفي المجتمع على وجه العموم. ولكن جميع هؤلاء ينبغي أن يكونوا مدركين لمفهوم تخطيط المنهج وأبعاده. ومعوق ثالث يخص بلاد المسلمين هو عدم إدراك القائمين على تخطيط المناهج لمفهوم المنهج الدراسي وفق التوجيه الإسلامي، فمفهوم المنهج وفق هذا التوجيه -رغم أهميته لتوجيه المناهج الوجهة الصحيحة- فإن القليل من المتخصصين في المناهج والمعنيين بها يعرفونه ونادرًا ما يطبقونه. لهذا فإن عملية تخطيط المنهج الدراسي تتم -في غالب الأحيان- وفق مفهوم آخر للمنهج الدراسي، قد يكون المفهوم القديم الذي يحدد المنهج في المعلومات التي تقدمها المدرسة لطلابها تحقيقًا لأهدافها، وهذا يؤدي إلى قصور المنهج عن التنمية الشاملة للمتعلم، فالمعلومات تتعلق بالنمو المعرفي بالدرجة الأولى، ولا تؤدي دورها المرتقب بالنسبة للنمو الروحي والنمو الاجتماعي والنمو الوجداني والنمو الجسمي، كما أن هذا المفهوم لا يساعد المنهج على القيام بوظائفه نحو المجتمع، بل ونحو المجال الدراسي، إلى غير هذا من جوانب القصور في الوظائف التي ينبغي أن يؤديها المنهج، يضاف إلى هذا، أنه لا يفي بمتطلبات التربية الإسلامية للمتعلم، كما يخالف نظرة الإسلام للإنسان والكون والحياة، على وجه العموم. ومعوق ثالث لعملية تخطيط المناهج يتعلق بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي هو نظرتهم إلى هذه العملية، فإذا ما نظروا إليها على أنها تحقق أهدافًا ينبغي العمل على تحقيقها، فإن هذا سوف يكون دافعا لهم على استفراغ طاقاتهم في الأخذ بأسباب نجاحها، أما إذا نظروا إليها على أساس مدى تأثيرها على مصالحهم الخاصة، فإن هذا قد يدفعهم إلى بذل كل جهد ممكن لإعاقتها وإفشالها. وعلى سبيل المثال. فإن من أهم أسباب مقاومة المعلمين والموجهين لتخطيط مناهج جديدة أنها سوف تبعدهم عن المألوف عندهم من خبرات. نظرًا لأن المنهج الجديد سوف

يقدم محتوى جديدًا، ومن ثم فإنهم سوف يتتلمذون من جديد لدراسة المحتوى الجديد وطرائق تعليمه.. وفي هذا الحال، قد يهتز تفوق بعض المعلمين والموجهين لاختلاف المهارات التي يتطلبها تعليم كل من المنهجين -القديم والجديد- ومن أجل هذا فقد لا يتحمس الموجهون والمعلمون لتخطيط منهج جديد. مثال آخر لأمور قد تجعل كلا من الموجهين والمعلمين لا يتحمسون لتخطيط مناهج جديدة، أن يكون المنهج الجديد سببًا في استبدال كتب دراسية بأخرى هم مؤلفوها. فمثل هذه الأمور التي تمس كيان المعلم أو التي تتعارض مع مصالحه قد تجعله يقاوم تخطيط منهج جديد، وكذلك الأمر بالنسبة للموجه. مثال ثالث قد يدفع المعلمين إلى مقاومة تخطيط منهج جديد. هو الدروس الخصوصية. فبغض النظر عن رأي المؤلف فيها، فإنها تفعل فعلها في العملية التعليمية في الكثير من بلاد المسلمين وتجثم على صدر أولياء الأمور، وتخل بتكافؤ الفرص بين الطلاب، إلى غير هذا من جوانب الخلل التي تتسبب فيه الدروس الخصوصية. ورغم هذه المساوئ فإنها أصبحت مصدر رزق لكثير من المعلمين، بل إنها قد أصبحت من ثوابت مصادر دخل المعلم في بعض البلدان. ومما يزعج كل حريص على مستقبل التعليم، فإنه لا يبدو أنه يوجد علاج قريب لهذه المشكلة. وأنها ستظل تؤثر على موقف المعلم من تخطيط المنهج الدراسي إذا ما كان له أثر سلبي على هذه الدروس. وما ينطبق على كل من المعلمين والموجهين ينطبق أيضًا على العاملين الآخرين في تخطيط المناهج الدراسية. فجميعهم سوف يقاومون تخطيط مناهج جديدة إذا كان له أثر سيئ على دخلهم. وقد تأتي المعوقات من جانب العاملين في عملية تخطيط المنهج الدراسي أنفسهم نتيجة لعدم التعاون الواجب بينهم، وقد يرجع عدم التعاون بين هؤلاء إلى كونهم يختلفون في الفكر التربوي, وقد يرجع عدم التعاون إلى اختلاف المستوى في المؤهلات العلمية. ليس معنى هذا أن المؤلف يرى ضرورة أن يكون العاملون في تخطيط المناهج في المستوى نفسه من العلم والخبرة، ولكن الذي يؤكده هنا هو ضرورة تقارب المستويات، وإلا فإن الاختلاف الكبير فيها يؤدي -أحيانا- إلى ضعف التعاون بين العاملين في هذا المجال. وهناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى هذا الضعف، مثل عدم وجود الاتصال الدائم بين هؤلاء العاملين، وعدم التنسيق والتكامل بين مهماتهم، وعدم وقوف بعضهم على أبعاد المشكلات الميدانية التي تواجهها عملية التخطيط. واختصارا للقول، فإن التعاون بين العاملين في عملية تخطيط المناهج مطلب أساسي، وغيابه أو ضعفه من العوائق المهمة لعملية التخطيط.

ومن المعوقات أيضًا عدم شعور العاملين في عملية التخطيط بالأمان، وعدم توافر الحوافز المناسبة لهم، وعدم قدرتهم على إقناع الآخرين بأهميتها. فكثيرا ما يحدث أن يعمل بعض العاملين في تخطيط المناهج الدراسية بعقود مؤقتة, أو أنهم يخشون عدم رضاء السلطات العليا عن عملهم. هذان العاملان وغيرهما من عوامل عدم الشعور بالأمن، يجعل بعض العاملين في تخطيط المنهج لا يشعرون بالاستقرار الذي يساعدهم على العطاء الكامل وفق قدراتهم. وعدم توافر الحوافز أو عدم التكافؤ في تخصيصها، ويكون أيضًا من الأسباب التي تضعف الحماس لبذل الجهد في تخطيط المناهج الجديدة. وإقناع الآخرين بضرورة المناهج الجديدة يحتاج إلى توافر خصائص في الشخصية منها المهارة في الإقناع، وقوة الشخصية، والثقة في النفس والتمتع بمهارات القيادة، وإذا لم تتوافر مثل هذه الخصائص لدى من يقودون عملية تخطيط المنهج، فإن كثيرًا من المعوقات سوف توجد في طريقها, سواء في سير العملية نفسها أم في إدرات التعليم أم في المجتمع ومؤسساته. ومن المعوقات أيضًا تمسك بعض العاملين في تخطيط المناهج بسابق خبراتهم، ومحاولة تطبيقها، فبعض المشاركين في عملية تخطيط المناهج الدراسية ممن لهم خبرات سابقة فيها، يحاولون تطبيق النماذج نفسها التي شاركوا فيها من قبل، وهذا لا يمكن أن يعطي الثمرة ذاتها التي أثمرتها من قبل، نظرًا لاختلاف معطيات العملية الحالية عن سابقتها. فالعلم والتقنية يتطوران تطورًا سريعًا، والمجتمع تتغير مطالبه، والمتعلم تختلف حاجاته، والتطبيق التربوي تتسع آفاقه وتتنوع أساليبه وطرائقه؛ لهذا فإنه إذا ما حدث وطبقت خبرات سابقة دون مراعاة هذه المتغيرات الجديدة، فإنها تكون سببًا في إعاقة التخطيط عن تحقيق أهدافه.

رابعا: معوقات إدارية

رابعًا: معوقات إدارية أهمية الإدارة بالنسبة لإنجاز الأعمال وحسن توجيهها نحو تحقيق أهدافها أمر معروف، إذ بكفاءتها يتم التعاون والتنسيق بين العاملين، وتحل المشكلات وتذلل العقبات، ويرتفع مستوى الإنتاج. وأما إذا كانت تنقصها الكفاءة المطلوبة فإنها تزرع العقبات, وتوجد المشكلات في طريق التقدم، وقد يزيد الموقف تعقيدًا حيث تقصد الإصلاح؛ لأنها -بعدم كفاءتها- تتخذ قرارات غير مدروسة وربما على أسس خاطئة. ومهما كانت أسباب العجز الإداري فإنها -في نهاية المطاف- معوقة للإنجاز.. ونعطي فيما يلي بعض الأمثلة لمعوقات تخطيط المناهج الدراسية, سببها إدارة التعليم أو إدارة المدرسة. أو إدارة عملية التخطيط.

من أخطر معوقات تخطيط المناهج التمسك الحاد بالروتين، إذ في كثير من الأحيان يحتاج إلى الأمر إلى حلول غير تقليدية، فعلى سبيل المثال، إذا أمكن تدبير تكاليف كتب المتعلمين وتم طبعها وبقي أن تنقل إلى المدرسة لتكون بين أيدي الطلاب, وقد أزف الوقت وبدأت الدراسة وأوشكت على البداية. هنا محك لكفاءة الإدارة المدرسية والإدارة التعليمية معًا. فهل ترسل الإدارة المعنية رسالة إلى إدارة النقل أو إدارة الحركة لكي تقوم هي الأخرى بإرسال رسالة أخرى إلى قسم التنفيذ حسبما يقضي الروتين، وبهذا يتأخر وصول الكتب إلى المدرسة أسبوعين أو ثلاثة, ويكون تصرف الإدارة هذا معوقًا. أم تتخطى الإدارة الروتين وتتخذ إجراءت النقل الفوري للكتب، وتكون الإدارة بهذا مساعدًا على النجاح. مثال آخر لتعويق الإدارة المدرسية لتطبيق المنهج, نسوقه من مواقف تتعلق بوسائل تقنية التعليم. فهذه الوسائل تكون عادة عهدة أمين مخزن المدرسة الذي يهمه -بالدرجة الأولى- بقاؤها في المخزن محافظا عليها أكثر من اهتمامه بفائدة الطلاب منها؛ لذلك قد يقضي الروتين بأنه إذا أراد معلم استعارتها فلا بد له من كتابة إيصال بتسلمها يقر فيه بحالتها الجيدة وصلاحها للاستعمال، إلى غير هذا مما يبرئ ذمة أمين المخزن من أي عيب قد يلحق بالوسيلة. وفي هذا ضياع لوقت المعلم وإهدار لطاقته قد يتسبب في عزوف المعلم عن استخدام الوسيلة، وبخاصة إذا كان عليه أن يعيدها بنفسه بعد استعمالها، وإلا فإنه سوف يخالف تعليمات الروتين المسطور. وتتافقم الأمور. إذا جعل ناظر المدرسة أو مديرها تداول العهدة المحفوظة في مخزن المدرسة لا يتم إلا بأمر كتابي منه -وكثير منهم يفعلون- تمكينا أكيدًا للمحافظة على عهدة المدرسة التي يكون الناظر عنها مسؤلا أمام الإدارة التعليمية؛ ولهذا، فإن تحريك أية وسيلة من وسائل التقنية أو غيرها مما هو عهدة مصونة بالمخزن يحتاج إلى أمر مباشر منه، فإذا خرج الناظر أو المدير لاجتماع خارج المدرسة، أو إذا كان في اجتماع مغلق داخل المدرسة فإن ما هو مصون بالمخزن يكون بعيد المنال، ومن ثم يتوقف عطاؤه عن العملية التعليمية. أما سوء إدارة عملية التخطيط نفسها فإن تعويقها يكون أشد بحكم صلتها المباشرة به. من أمثلة هذا التعويق، عدم تنفيذ جهازها الإداري لقرارات جهازها الفني، إذ إن حسن سير العمل وتنظيمه يتوقف على كفاءة الاتصالات الإدارية بالأشخاص والمؤسسات والإدارات التعليمية التي ينفذها الجهاز الإداري. ومن أمثلة هذه الاتصالات. الاتصال بكل من الخبراء المشاركين في عملية التخطيط وأولياء الأمور وقيادات المجتمع ومديري المؤسسات الاقتصادية, وبالمدارس التي سوف يتم فيها التجريب وبدور النشر لتأمين الكتب الدراسية، وبمؤلفي هذه الكتب وبالجهات.

التي تمد المدارس التجريبية بحاجتها، مثل وسائل تقنية التعلم ومواد النشاط المدرسي وأدواته وغيرها مما يتطلب حسن سير عملية تخطيط المنهج توافرها في الوقت المناسب. وأهم من تنفيذ الاتصالات وغيرها من الأعمال الإدارية تخطيط الأعمال الإدارية تخطيطًا جيدًا، وإيجاد إجراءات إدارية عالية الكفاءة في تنفيذها، بحيث تتم في سهولة ويسر وفي الوقت المناسب، وتنسيق كامل بين كل من مجالاتها ومراحلها والقائمين عليها. ومن مهام الجانب الإداري في عملية تخطيط المنهج إعداد الميزانية الخاصة بها والإشراف على إنفاقها، وهنا قد يحدث تغليب بند في الميزانية على آخر نتيجة للتحيز المهني أو الشخصي أو لنقص في الخبرة أو المعرفة, كأن يعنى بجانب الأجور والمكافآت على حساب إعداد الكتب الدراسية والمطبوعات والتجهيزات, أو يسقط بند من بنود الإنفاق مثل تعديل المباني التي قد تتطلبه عملية تخطيط المنهج، وقد يحدث أن يتم صرف الميزانية كلها في المرحل الأولى نتيجة لعدم الالتزام الدقيق بتوزيع الميزانية على فترات أو مراحل عملية التخطيط. ومن المعوقات الشائعة لعملية التطوير تفضيل العاملين في جوانبها الإدارية على العاملين في جوانبها الفنية في منح الحوافر، أو غير ذلك، ففي كثير من الأحيان يضع الإداريون عقبات أمام المعنيين بالجوانب الفنية، إما لعدم تحديد مهماتهم الإدارية بدقة أو رغبة في السيطرة والتحكم أو إيثارا للراحة أو لنقص في الكفاءة والخبرة، ومهما كانت الأسباب فإن عدم التوازن بين تأثير الفنيين والإداريين في عملية تخطيط المناهج يؤدي إلى خلل في سيرها. ولنوضح ما سبق، نعطي مثالا لمواقف قد يحدث فيها تفضيل الإداريين على الفنيين. ومن الأمثلة الواضحة لهذا، سرعة توافر حوافز الجهاز الإداري وتأخر حوافر أعضاء الجهاز الفني. مثال آخر، عدم توافر الأجهزة والأدوات في الوقت المناسب نظرًا لفشل الجهاز الإداري في اتخاذ الإجراءات المناسبة، أو تأخره في اتخاذها نتيجة لعدم فهمه لمراحل التخطيط وخطواته. ومعوق خطير آخر لعملية تخطيط المنهج من النواحي الإدارية، هو أن التخطيط التربوي -ومنه تخطيط المناهج- لا يتأثر فقط بالقائمين على تنفيذه ولكنه يتأثر أيضًا -وربما أكثر- بأسلوب إدارته. ففي البلدان التي تسود فيها مركزية الإدارة تكون وزارات التربية والتعليم هي مصدر جميع السلطات الإدارية

والفنية، وهي صاحبة الأمر والنهي فيما يطبق في إدارات التعليم والمدارس، أما المواطنون فليس لهم فرصة -ذات بال- للاشتراك في التخطيط للتعليم فضلًا عن تنفيذه في المدارس. وينتج عن هذا النمط الإداري مساوئ كثيرة تؤدي -ليس فقط إلى إيجاد معوقات شتى في طريق التخطيط التربوي بعامة، وتخطيط المناهج بخاصة -ولكنها تؤدي إلى إيجاد مصادر لهذه المعوقات تنمو وتتضخم وتسري كالسرطان في مؤسسات التعليم الإدارية والفنية، وكلما تقادمت تمكنت إلى أن تصيب نظام التعليم بالعقم والوهن. ويمكن تلخيص بعض المعوقات الناتجة عن مركزية الإدارة فيما يلي: 1- تكبيل التعليم بالبيروقراطية التي تمكن لروتين معوق. 2- عزل المجتمع -مؤسسات وأفرادًا- عن العملية التعليمية بعامة وعن تخطيط المناهج بخاصة، ولنا أن نتصور ما يخسره من عدم تمكينه من الارتواء من هذه المصادر الثرة. 3- عزل المدرسة -وهي صاحبة التعليم والتنوير- عن الإسهام الفعال في التخطيط للعملية التعليمية وعن الابتكار في تنفيذها. 4- بالتقادم، تتعود قيادات المجتمع عدم الاهتمام بالتعليم ومشكلاته، وهذا يكرس عزلة المدرسة عن المجتمع ويفقدها فرصة ثمينة للاستفادة من التواصل مع قيادات المجتمع ومؤسساته. 5- عزل المدرسين والمديرين وغيرهم من أعضاء المجتمع المدرسي عن اتخاذ القرارات الخاصة بالمناهج؛ نظرًا لتركيزها في الإدارة التعليمية العليا وحدها. وما نحن -في بلادنا- عن هذا ببعيدين. فما علينا إلا أن نسأل ناظر المدرسة أو مديرها، أو نسأل مدرسيها عن المناهج الجديدة حين تطبق فتأتينا الإجابة بأن الوزارة هي التي خططت، وهي التي أعدت، وهي التي.. وهي التي ... إلخ، وإذا سألته عن دوره فيها، فإن غاية ما يفعله أن يكون قد سمع مثل غيره عن مناهج جديدة قادمة لم يستشره أحد بشأنها، ولا هو سأل عنها أحدًا؛ لأنه لم يتعود أن يسأل أو يسأل حين يتعلق الأمر بتخطيط المناهج أو تطويرها. وكما يعرف المتابعون لحركة تخطيط المناهج، فإن تخطيط المناهج لا يأتي بجهد فرد مهما كان قدره، ولا هو آت بجهد أي مجموعة من الأفراد إلا إذا كانوا من المعنيين فعلًا بالمناهج، والمدرس أول من ينبغي أن يستشار ويسمع بآذان صاغية في أمر المناهج، وأول من ينبغي أن يشترك في اتخاذ القرارات الخاصة بها, فهو الذي يعرف دخائلها وهو الذي يتابع آثارها أولًا بأول، ثم يأتي الموجهون والمديرون على التوالي، وغيرهم ممن ذكرنا في فريق تخطيط المناهج. على وجه العموم، فإن المؤلف يرى أن التخطيط التربوي لا يستقيم أمره ويؤتي ثماره بالإدارة المركزية؛ لأن التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة، يهم الجميع: المدرسين، والموجهين وأولياء الأمور ومديري المؤسسات الإنتاجية والخدمية والقيادات السياسية والإعلامية والمهنية وغيرهم، فلكل هؤلاء الحق في الاشتراك فيه، فإذا حجبتهم عنه الإدارة المركزية فإنها قد عملت -بذلك- على تعويق مسيرة تخطيط مناهج جيدة.

خامسا: معوقات اجتماعية

خامسًا: معوقات اجتماعية المعوقات التي يمكن أن يتسبب فيها المجتمع لعملية تخطيط المناهج كثيرة من أهمها: أن كل فرد في المجتمع يتصور أنه يفهم في التعليم وأن الكثيرين من المتعلمين يتصورون أنهم يستطيعون أن يعلموا. لهذا نجدهم جميعا أو معظمهم يحاولون فرض آرائهم على القائمين بعملية تخطيط المناهج وتطويرها، وكثيرًا ما نسمع من يقول: "حين كنا في المدارس كان يحدث كذا وكذا، فلماذا لا نطبقه وقد تخرج من هذا النظام أفذاذ مثل فلان وفلان وفلان؟ " ويذكر أسماء بعض قيادات المجتمع المشاهير. وفي هذا الحال، من الصعب إقناع أصحاب هذا الرأي بغيره، فهو لا يقول نظريات -كما يقول القائمون على تخطيط المنهج- ولكنه يأتي بأمثلة حية من قيادات المجتمع. وفي غالب الأحيان، لا يمكن الأخذ برأي هؤلاء؛ لأن الزمان قد تجاوز هذه الخبرات بمستحدثات في العلم والتقنية وبالتغيرات في المجتمع والبيئة والمتعلم، وفي التربية نفسها. حينئذ قد يصبح هؤلاء ضد المنهج الجديد ويتحدثون بذلك في محافلهم ويؤثرون سلبيا على أبنائهم من الطلاب. وينتج عن هذا معوقات لتطبيق المناهج الجديدة داخل المدرسة وفي المجتمع. وتكون المشكلة أكثر حدة وأشد أثرًا، إذا كان الداعين إلى توجيه المناهج الجديدة -وفق خبرته الشخصية- من رجال الإعلام. إضافة إلى ما سبق، فإن الإعلام قد يضع عقبات حادة في طريق تخطيط المناهج الجديدة, ما لم يتفهم رجاله أهدافها وأسسها وأساليب تطبيقها وخطواته. وفي كل الأحوال، يمكن أن يوظف الإعلام إمكاناته الكبيرة في محاربة المناهج الجديدة، ولنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث من تأثير على المجتمع لو أن إحدى الصحف اليومية تواصل هجومها على عملية تخطيط المنهج الجديد، وتلتقط ما يحدث فيها من مشكلات وتضخمها، ولنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث في الرأي العام في البيئة المحلية، لو أن أحد مقدمي برامج الإذاعة أو التلفاز عقد سلسلة من الندوات عن مساوئ المناهج الجديدة، جمع لها مجموعة من معارضيها، ويكون الإعلام معوقًا للمناهج الجديدة إذا خضع لرأي شخصية أو أشخاص أو هيئة مؤثرة في المجتمع. فإذا

كان هوى هؤلاء مع المنهج الجديد هون الإعلام من الأخطاء، وإذا كان العكس هول الإعلام فيها. وفي كلا الحالين لا يخدم الإعلام تخطيط المنهج الجديد، وإنما يخدمه، بأن يكون موقفه موضوعيا وملتزمًا الدقة في التعبير عن الحال. من أجل هذا فإن الكثيرون من القائمين على تخطيط المناهج، لا يحبذون إطلاع الإعلام على نتائج تطبيقها قبل نضجها. واستعجال الإعلام لنتائج تطبيق المنهج الجديد يضع القائمين عليها تحت ضغط يربكهم. ويكون الموقف أكثر صعوبة إذا قارن الإعلام المنهج الجديد بنظيره في مجتمع أكثر تقدمًا تتوافر له إمكانات مادية وبشرية أفضل دون إشارة إلى هذه الإمكانات، بهذا يبدو المنهج الجديد أقل كفاءة وأقل فائدة، ولهذا أثره السيئ في عملية تخطيط المناهج. ومن المؤثرات السلبية للإعلام عدم العناية بتخطيط المناهج فلا يهتم بالتوعية بأهدافه وحاجاته وضرورة دعمه. ولا يسلط الأضواء على إنجازاته أولًا بأول، ولا يشيد بالمبرزين من العاملين فيه، إلى غير هذا من عوامل الدعم المعنوي وتثقيف المواطنين عن ضررة تحديث التعليم بعامة والمناهج بخاصة. وهناك مؤسسات اجتماعية أخرى قد تكون مصدرًا لمعوقات تخطيط المناهج أول هذه المؤسسات نقابات المعلمين وجمعياتهم. فإذا ما شعر المعلمون أن المنهج القادم سوف يمس بتفوقهم المهني أو مركزهم الأدبي أو نموهم الاقتصادي فإنهم قد يلجئون إلى تحريك نقابة المهندسين، ونقابة العلميين، ونقابة الأطباء وغيرها من النقابات المهنية، فكل هذه المؤسسات يمكن أن تقف في وجه المناهج الجديدة إذا تصورت أنها لا تتمشى مع مصالح منسوبيها. وإذا أدرك مديرو المطابع ودور النشر التي تطبع كتب الدراسة وتنشرها أن المنهج القادم سوف يحرمهم من هذه المكاسب فقد يعملون على إعاقته أو إلغائه، كلية. وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى يمكن أن تقف كل منها في وجه تخطيط المنهج الجديد, إذا ما تصورت أنه يمس مصالح أفرادها وحقوقهم المكتسبة. وقد يكون أولياء الأمور من معوقات تحطيط المنهج الدراسي الجديد. فإضافة إلى ما سبق ذكره من احتمال الرغبة في توجيه عملية التخطيط وفق منظورهم الخاص، فإن الخوف من المجهول والرغبة في توقي ما قد يحدث من مشكلات في المستقبل لأبنائهم، قد يدفع بعضهم إلى معارضة تخطيط منهج جديد، فعلى سبيل المثال، التلميذ المتفوق يود ولي أمره أن يحافظ على تفوقه، وهو لا يدري إذا كان هذا التفوق سوف يتحقق في المنهج الجديد أم لا، وولي أمر التليميذ المتخلف دراسيا يخشى أن يكون ابنه أكثر تخلفًا في المنهج الجديد. وقد ينظر ولي الأمر إلى تخطيط

منهج جديد من خلال احتمال زيادة التكلفة المادية التي قد يتكلفها ابنه، وقد ينظر ولي الأمر إلى تخطيط منهج جديد من خلال قدرته على مساعدة ابنه في دراسته، فإذا تصور أن المنهج الجديد سوف يعجزه عن مساعدة ابنه، فإنه قد يعارضه. حدث هذا في عالمنا العربي بالنسبة لمناهج الرياضيات الحديثة والفيزياء الحديثة، فحين وجد الآباء أنفسهم عاجزين عن مساعدة أبنائهم في دراستهم للمناهج الجديدة هاجموها. ومن بين معوقات تخطيط مناهج جديدة في المجتمع المشكلات الاجتماعية، ومن أهمها المشكلات الاقتصادية والأمية. فالمشكلات الاقتصادية تجعل الناس ينكبون على حل مشكلات حياتهم الأساسية مثل المأكل والمشرب والملبس والمركب, ويصرفون اهتمامهم عن مشكلات يعتبرونها آجلة، من أمثلتها ما يتعلق بالمناهج الدراسية. والأمية تجعل أفراد المجتمع غير قادرين على الإحساس بأهمية تخطيط مناهج جديدة أو تطويرها وفهم وظيفة هذا وأثره في حياتهم، ويكونون أرضًا خصبة للشائعات المغرضة ضدها. وإن أحسوا بأهمية المناهج فإنهم يعجزون عن الإسهام في تحسينها. ومن معقوات التطوير أيضًا اتساع مساحة الدولة وصعوبة المواصلات والاتصالات في داخلها، ووجود اتجاهات اجتماعية فيها ضد التجديد التربوي. فإذا طالت خطوط المواصلات نتيجة لاتساع المساحة في مجتمع ما، وكانت التضاريس الجغرافية غير متجانسة -كأن تكون جبلية- فإن المواصلات -في هذا الحال- تكون صعبة وبطيئة, وفي هذا تعويق لمسيرة تخطيط المناهج وتطويرها. أما الاتجاهات الاجتماعية، فإنها قد تكون من أشد العوامل إعاقة لتخطيط المناهج وتطويرها؛ هذا نظرًا لأن تغيير الاتجاهات عملية بطيئة تحتاج إلى جهد كبير، ووقت طويل. مثال للاتجاهات السلبية ضد تخطيط المناهج وجود اتجاهات سالبة ضد التعليم الفني وضد الأعمال المهنية والحرفية في بعض البلدان مثل بلدان الخليج. لهذا، فإنه رغم المحاولات الدائبة والحوافز السخية التي يوفرها المسئولون في هذه البلاد لتشجيع الطلاب على الالتحاق بالتعليم الفني، فإن الطلاب لا يقبلون -حتى كتابة هذه السطور- على ممارسة الأعمال الفنية والحرفية. ومن يلتحق منهم بالتعليم الفني لا يمارسه بعد تخرجه، ولكنه قد يعمل على إنشاء ورشة، ليحصل على دعم الدولة المخصص لكل من ينشئ ورشة للأعمال الفنية، ولكن يأتي بغيره ليعمل ونادرًا ما يعمل بيده. وما هذا إلا نتيجة للاتجاهات السائدة في المجتمع ضد الأعمال الحرفية ومن عدم تشجيع تطوير المناهج في هذا الاتجاه.

سادسا: معوقات سياسية

سادسًا: معوقات سياسية المعوقات السياسية -إن وجدت- تكون بالغة الأثر على تخطيط المناهج وتطويرها، وعلى العملية التعليمية كلها. من أهم هذه المعوقات عدم وجود سياسة طويلة الأمد للتخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج وتطويرها بخاصة، خطة لا تتغير بتغير المسئول عن التعليم، فإن غياب هذه السياسة يجعل تخطيط المناهج وتطويرها عرضة للإهمال أو التعطيل أو الإلغاء إذا ما تغير المسئول الذي بدأه. ففي كثير من الأحيان قد يحاول المسئول الجديد أن يبرهن أنه يصحح أخطاء وقعت، وأنه يبدأ تطويرًا جديدًا على أسس علمية سليمة. وفي سبيل تحقيق هذا، قد يهمل أو يلغي البرامج التربوية التي استحدثت في عهد سلفه، مرة بحجة أنها لا تتمشى مع قيم المجتمع ومرة بحجة أنها لا تساير التقدم المعاصر، وثالثة بحجة أنها لا تحتل الدرجة الأولى من الأهمية، وأن أمورًا أكثر منها أهمية مهملة، ومن ثم فهي أولى بالاهتمام فيستبدل الثانية بالأولى. ومهما كانت الأسباب، فإن النتيجة هي ضياع مال الدولة وجهد علمائها وتعطيل مسيرتها التربوية، وما كان لهذا أن يحدث لو وجدت سياسة طويلة الأمد للتطوير التربوي يلتزم وزراء التربية والتعليم بتنفيذها بغض النظر عن شخص الوزير، وبكل أسف فإن سياسة التخطيط التربوي طويلة الأجل ليست أسلوبًا مستقرا في معظم بلادنا الإسلامية، وهذا يعيق التقدم التربوي في هذه البلاد. ومن المعوقات المهمة أيضًا اتخاذ القرارات الخاصة بالتعليم لتحقيق أهداف سياسية، كأن يتخذ قرارا بتخفيف المناهج أوشروط القبول في مرحلة أو أكثر من مراحل التعليم إرضاء للطلاب وأولياء أمورهم أو تغطية لمشكلات أخرى مثل التخلف الاقتصادي، أو التفكك الاجتماعي أو غيرها. ومن المعوقات الخطيرة فتح أبواب القبول في التعليم النظري على حساب حاجة البلاد إلى الخبرات العملية بسبب قلة تكلفة التعليم النظري عنها في الكليات العملية أو لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن للالتحاق بالتعليم الجامعي إرضاء للجماهير. هذه كلها تسبب مشكلات تربوية وتعيق تقدم المجتمع. ومن المعوقات السياسية -أيضًا- أن يتخذ المسئول السياسي قرارًا بتغير نظام التعليم أو خططه أو مناهجه نقلًا عن دولة متقدمة، أو نتيجة لخبرة شخصية، كأن يزور المسئول دولة متقدمة، ويرى أثر التقدم فيها فيقرر التحول إلى نظامها التعليمي أو تطبيق مناهجها, دون دراسة علمية تجريبية تكشف عن مدى مناسبة هذا لقيم المجتمع وحاجاته ومرحلة تطوره، وملاءمته لقدرات المتعلمين ومتطلبات نموهم, وتعديله بعد أن يوضع موضع التجريب قبل تطبيقه، فإذا تخطى القرار السياسي كل هذا أو بعضه فإنه يتسبب في إعاقة تخطيط المناهج والتخطيط التربوي على وجه العموم. وقد يتحيز المسئول السياسي لنظام تعليمي معين، أو مناهج بذاتها بسبب سابق دراسته لها داخل بلاده أو خارجها، وتصوره أنها أفضل من المطبق حاليًا، فيتخذ قرارًا بتطبيقها دون أن تجري عليها الدراسات اللازمة. مثل هذه المواقف تكون من معوقات التخطيط العلمي للتعليم عمومًا وتخطيط المناهج على وجه الخصوص، رغم توافر حسن النية فيها.

سابعا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب

سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة, وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب هناك ظروف تضطر صاحب القرار إلى تعطيل تخطيط مناهج جديدة أو تطوير المناهج القديمة. من هذه الظروف الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأعاصير. فكما حدث في مصر عام 1413هـ-1992م حين تهدم الكثير من المدارس بسبب الزلازل وتعطلت الدراسة، ووزع التلاميذ على مدارس أخرى فاضطربت مسيرة التربية والتعليم. وكما يتوقع في مثل هذا الحال، فإن عناصر الخدمات التعليمية البشرية والمادية لا يمكنها تقديم عملية تعليمية تفي بمتطلبات التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة. ومن الظروف القاهرة أيضًا الحروب، فحين تفاجأ الدولة بحرب تفرض عليها يصبح السياسي مضطرا إلى اتخاذ قرارات تهيئ المجتمع لمواجهتها. فكما حدث نتيجة للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، واضطر الساسة في مصر إلى تعطيل الدراسة، وفتح المدارس للتدريب العسكري، وكان هذا سببًا في تعطيل التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة وسير الدراسة على وجه العموم. وكذلك الأمر بالنسبة لعدوان العراق على الكويت حين اضطرت بعض دول الخليج لإيقاف الدراسة فيها. ويحتاج التخطيط التربوي إلى قرارات لا يمكن أن يتم إلا بها، وما لم تتخذ هذه القرارات في الوقت المناسب لا يمكن البدء فيه أو إنجازه بكفاءة. من أمثلة هذه القرارات قرار البدء في التطبيق التجريبي أو التعميم، وقرار اختيار المنطقة التي يبدأ فيها، وقرار اختيار المدارس التي سوف تكون ميدانا للتجريب، وقرار نقل بعض المدرسين والموجهين من مناطق أخرى إلى المنطقة التي يجري فيها التطبيق، وقرار تفويض القائمين على التطبيق صلاحيات اتخاذ القرارات المتعلقة بها, وقرار تكوين مجموعة القائمين على التطبيق، وقرار الإجراءات الانتقالية إلى المنهج الجديد المراد تطبيقه، وقرار معادلة شهادة التخرج من المنهج الجديد, إلى غير هذه من القرارات والإجراءات التي لا يمكن اتخاذها إلا بواسطة جهة معينة لديها صلاحيات اتخاذ القرارات التي يكون تعطليها أو تأخيرها عقبة في طريق تطبيق المنهج الجديد.

ثامنا: القصور في الاعتمادات المالية

ثامنًا: القصور في الاعتمادات المالية معوقات تخطيط المنهج الجديد الناتجة عن القصور في النواحي المالية كثيرة. فأي عمل يحتاج -إضافة إلى الطاقات البشرية المدربة- إلى الأموال التي توفر له ما يحتاجه. وإذا لم تتوافر الأموال بالقدر المناسب في الوقت المناسب، فإن هذا يكون سببًا في الحيلولة دون تحقيق العمل لأهدافه المرجوة. ومن المعوقات الأساسية التى تواجه عملية تخطيط المناهج عدم توافر حوافز للمشركين فيها. فهي تحتاج إلى جهد كبير من العاملين فيها. وفي غالب الأحيان يقتضي العمل فيها بذل الجهد صباحًا ومساء: في التخطيط والتنفيذ والتقويم والمتابعة والإعلام عنها واستطلاع الآراء بشأنها في البيئة، وإعداد المواد التعليمية وغير هذه من الأعمال. وتحتاج إلى متفرغين للعمل فيها، وقد يحتاج إلى غير متفرغين. وكلتا الطائفتين ينبغي أن يتوافر لهما الحوافز المناسبة التي تعوضهما عن العمل المسائي وربما الصباحي وعن الجهد الكبير الذي يبذل، وتكون دافعًا لبذل المزيد منه. ومن المعوقات عدم توافر الميزانية اللازمة لعمل التعديلات المطلوب في المباني وتوفير الأثاث والمواد. فقد يحتاج تطبيق المنهج الجديد إلى توسعة في حجرات الدراسة، أو إيجاد صالات كبيرة تصلح للعروض المسرحية، أو إيجاد التسهيلات التي تساعد على تشغيل الأجهزة والأدوات، وقد يحتاج إلى أثاث جديد يناسب مرونة الحركة وتكوين تشكيلات متعددة لجلوس الطلاب، وقد يحتاج إلى شراء مواد مختلفة مثل الخشب والأسلاك والدهانات والأحماض، وغيرها مما قد يتطلبه تطبيق المنهج الجديد. وما لم يتوافر المال اللازم لإنجاز هذا كله، فإن عملية التطبيق لا تتم على الوجه المطلوب. ومن المهم أن تتوافر الأجهزة والأدوات ووسائل تقنية التعليم لعملية التطبيق، مثل أجهزة التصوير، وأدوات الطباعة والخرائط والسبورات الضوئية والوبرية، وجهاز الإسقاط فوق الرأس، والحاسب الآلي، والتلفاز والمذياع، والمسجل، والفيديو، ومن أمثلة ما لا يمكن أن تتم عملية التعليم والتعلم إلا بتوافره، الكتب الدراسية ودليل المعلم والمراجع والمواد الأخرى المساعدة، وإنشاء مكتبة تسد حاجات كل من الطالب والمعلم. وجميع ما سبق ذكره لا يمكن توافره، إلا إذا توافرت له الميزانية المناسبة في الوقت المحدد، وعدم وجودها في الوقت المناسب يعيق تطبيق المناهج. والمناشط المدرسية والتقويم والبحث والتجريب من المجالات التي لا غنى عنها في تطبيق المنهج الجديد، وتحتاج أيضًا إلى ميزانية لتنفيذها. فالمناشط المدرسية تحتاج إلى أدوات مثل: لوازم الرحلات والمعسكرات والتجارب المعملية وأجهزة

الكمبيوتر. والتقويم والبحث والتجريب في حاجة إلى الالآت الحاسبة والحاسب الآلي والأجهزة الأخرى المساعدة، كما يحتاج إلى كم هائل من المطبوعات. وكل هذا لا يتوافر إلا بتوافر ميزانية مناسبة لتطبيق المنهج الجديد. ويأتي المعوق الأساسي فيما يخص الاعتبارات المالية من الروتين الذي يتبع في الصرف من الاعتمادات المالية. ففي غالب الأحيان، يكون تبويب الميزانية المرصودة لتخطيط المناهج وقيود الصرف منها، من التعقيد بحيث تقف حائلًا دون تصريف الأمور في الوقت المناسب، فتضطرب الأمور ويتعطل تنفيذ البرامج المرسومة.

خاتمة الفصل الثاني عشر

خاتمة الفصل الثاني عشر: في هذا الفصل: عالج المؤلف معوقات التخطيط التربوي الأساسية التي يمكن أن تواجه تخطيط المناهج. وقد بين أن منها ما يتعلق بطبيعة التخطيط التربوي، ومنها ما يتعلق بالقصور الفني أو الإداري أو المالي، ومنها ما يتعلق بالمجتمع، كما أن منها ما يتعلق بالقرارات السياسية. وهذه المعوقات -رغم أننا صنفناها على هذا النحو- فإنها تتفاعل مع بعضها البعض تأثيرا وتأثرًا -فالمشكلات الإدارية- على سبيل المثال تؤثر على جميع جوانب العمل في عملية التخطيط. وكذلك الأمر بالنسبة للمشكلات السياسية والمالية، ومن ثم لا ينبغي أن ننظر إلى كل معوق في معزل عن الآخر، فبهذه النظرة الشاملة يمكن إيجاد حلول متكاملة لها. ومن الأهمية بمكان أن يدرك القائمون على تخطيط المناهج وجود هذه المعوقات، وأن يأخذوا بأسباب الوقاية منها قبل البدء في عملية تخطيط المناهج الجديدة، وإذا ما وقع شيء منها يكونون على بصيرة بأساليب علاجها في الوقت المناسب.

أهم مصادر الفصل الثاني عشر

أهم مصادر الفصل الثاني عشر: 1- الخميس، السيد سلامة: التربية وتحديث الإنسان العربي، الطبعة الأولى. القاهرة: عالم الكتب، 1988م. 2- السمالوطي، نبيل: الدين والتنمية في علم الاجتماع، الطبعة الأولى، الإسكندرية: دار المطبوعات الجديدة، 1992م. 3- الوكيل، حلمي أحمد: تطوير المناهج، الطبعة الثانية. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1982م. 4- بشارة, جبرائيل: "التطوير التربوي أسسه ومستلزماته" المجلة العربية للبحوث التربوية، المجلد التاسع، العدد الأول. يناير 1989م. 5- ريان، فكري حسن: تخطيط المناهج الدراسية وتطويرها، الطبعة الأولى. الكويت: مكتب الفلاح، 1401هـ-1981م. 6- عبد القادر، صديقة أحمد زكي: دور الإدارة التعليمية في تطوير المناهج، الرياض: دار المريخ، 1405هـ-1984م. 7- على، سعيد إسماعيل: الأمن التربوي العربي، الطبعة الأولى، القاهرة عالم الكتب، 1989م. 8- مدكور، مرعي: الإعلام الإسلامي وخطر التدفق الإعلامي الدولي، الطبعة الأولى. الرياض: رابطة الجامعات الإسلامية، مكتب رئيس الرابطة 1409هـ-1988م.

9- هارول، مارك: الشتاء النووي وتأثيرات الحرب النووية على الإنسانية وعلى البيئة، ترجمة عبد الله حيدر، بيروت، دار الترقي، 1986م. 10- هندي، صالح ذياب وآخرين: تخطيط المنهج وتطويره، الطبعة الأولى، عمان الأردن: دار الفكر للنشر والتوزيع، 1409هـ-1989م؟ 11- استراتيجيات التجديد في التربية وصلتها بتطوير المناهج في البلاد العربية، محاضرة غير منشورة للدكتور طاهر عبد الرازق أستاذ المناهج ووسائل التعليم بجامعة نيويورك في مدينة بافالو بالولايات المتحدة الأمريكية. 12- تقرير اللجنة الوظيفية المكلفة بدراسة وسائل تحقيق التفوق والسبق في التعليم بالولايات المتحدة الأمريكية 1983م، أمة معرضة للخطر، حول حتمية وإصلاح التعليم، ترجمة وعرض يوسف عبد المعطي، الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، 1983م. 13- ماذا يريد التربويون من الإعلاميين "الجزء الأول" الرياض: مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1404هـ-1984م. 14- ورقات عمل حول تطوير وتحديث التعليم في مصر. القاهرة، وزارة التربية والتعليم مكتب الوزير، سبتمر 1979م. 15 - Brunei-, J,s The Process of Education. Cambridge: Harvard Un Press, 1960. 16 - Dickson, George E., Richard W. Sexe, Partners for Educational Reform and Renual. California, Barkeley: McCutcha Publishing Corporation, 1973. 17 -International Bureau of Education, International Yearbook of Education Vol. xxxvll Paris: UNESCO, 1985.

خاتمة الباب الرابع

خاتمة الباب الرابع: في هذا الباب: عالج المؤلف الخطوات الإجرائية التي يمكن أن يسير على هديها مخططو المناهج الدراسية، وفق التوجيه الإسلامي، مع الأخذ بالمعاصر في الفكر التربوي في تخطيط هذه المناهج. وقد قسم المؤلف عملية التخطيط هذه إلى مرحلتين متتابعتين، الأولى: تختص بإعداد المنهج الدراسي. والثاني: تختص بوضع هذا المنهج المعد موضع التطبيق الميداني إلى أن يصبح ملائمًا لواقع البيئة التربوية التي سوف يعمم فيها في نهاية التطبيق. وفي كلتا المرحلتين حرص المؤلف على اتباع الأسلوب العلمي الذي يعتمد على التقويم المستمر لمختلف خطوات العمل، والحرص على الموضوعية في التقويم واتخاذ القرارات واختيار أفضل العناصر لإنجازها. كما عالج المؤلف المعوقات التي يمكن أن تواجه تخطيط المناهج تناولا محيطًا بهذه المعوقات مع توضيح منطلقاتها, سواء ما يتعلق منها بعملية التخطيط نفسها أم بغيرها من العوامل المؤثرة فيها. وكما يتضح من الشكل التالي، فإن المعالجة قد تميزت بالشمول والإحاطة بمختلف العناصر المؤثرة في كل من إعداد المنهج وتطبيقه ومعوقاتهما.

§1/1