الإيضاح العضدي

أبو علي الفارسي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم [وبه نستعين] الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين. أما على إثر ذلك أطال الله بقاء الأمير الجليل عضد الدولة مولانا وأدام عزه، وتأييده، ونصره، وأسبغ عليه طوله، وفضله، فإني جمعت في هذا الكتاب أبواباً من العربية متحرياً في جمعها على ما ورد به أمره أعلاه الله. فإن وافق اجتهادي ما رسم فذلك بيمن نقيبته، وحسن تنبيهه، وهدايته وإن قصر إدراك عبده عما حده مولانا أدام الله إرشاده ورشده رجوت أن يسعني صفحه لعلمه بأن الخطأ بعد التحري موضوع عن المخطيء.

الكلام يأتلف من ثلاثة أشياء: اسم، وفعل، وحرف. فما جاز الإخبار عنه من هذا الكلم فهو اسم. ومثال الإخبار عنه، كقولنا: عبد الله مقبل، وقام بكر. فمقبل خبر عن عبد الله، وقام خبر عن بكر. والاسم الدال على معنى غير معين نحو: العلم، والجهل في هذا الاعتبار كالاسم الدال على عين تقول: العلم حسن، والجهل قبيح. فيكون حسن خبراً عن العلم، كما كان مقبل خبراً عن عبد الله في قولك: عبد الله مقبل. ومن صفات الاسم جواز دخول الألف واللام عليه ولحاق التنوين له كقولنا: الغلام والفرس، وفرس، وغلام.

وأما الفعل فما كان مسنداً إلى شيء، ولم يسند إليه شيء مثال ذلك: خرج عبد الله، وينطلق بكر، واذهب ولا تضرب فقولنا: خرج، وينطلق كل واحد منهما مسند إلى الاسم الذي بعده وكذلك قولنا: اذهب ولا تضرب الفعل فيه مسند إلى ضمير المخاطب المأمور أو المنهي، وهو مضمر فيه. ولو أسند إلى الفعل شيء فقيل ضحك خرج، أو كتب ينطلق، وما أشبه ذلك لم يكن كلاما. فالاسم في باب الإسناد إليه والحديث عنه أعم من الفعل لأن الاسم كما يجوز أن يكون مخبراً عنه فقد يجوز أن يكون خبراً في قولك: زيد منطلق، والله إلهنا. والفعل في باب الأخبار أخص من الاسم لأنه إنما يكون أبداً مسنداً إلى غيره، ولا يسند غيره إليه. والفعل ينقسم بانقسام الزمان: ماض، وحاضر، ومستقبل فالماضي نحو: ذهب، وسمع، ومكث، واستخرج، ودحرج والحاضر نحو: يكتب، ويقوم، ويقرأ، وجميع ما لحقت أوله زيادة [من الزيادات الهمزة، والنون، والتاء والياء] وهذا اللفظ يشمل الحاضر والمستقبل. فإذا

دخلت عليه السين أو سوف اختص به المستقبل، وخلص له وذلك نحو: سوف يكتب، وسيقرأ. والحرف ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل، نحو لام الجر وبائه، وهل، وقد، وسوف، وحتى، وأما.

باب ما إذا إيتلف من هذه الكلم الثلاث كان كلاما مستقلا

باب ما إذا إيتلف من هذه الكلم الثلاث كان كلاما مستقلا فالاسم يأتلف مع الاسم, فيكون كلاماً مفيداً كقولنا: عمرو أخوك, وبشر صاحبك. ويأتلف الفعل مع الاسم فيكون كذلك كقولنا: كتب عبد الله, وسر بكر. ومن ذلك: زيد في الدار ويدخل الحرف على كل واحد من الجملتين فيكون كلاماً كقولنا: إن عمراً أخوك, وما بشر صاحبك, وهل كتب عبد الله, وما سر بكر, ولعل زيداً في الدار. وما عدا ما ذكر مما يمكن إيتلافه من هذه الكلم فمطرح إلا الحرف مع الاسم في النداء نحو: يا زيد, ويا عبد الله. فإن الحرف والاسم قد إيتلف منهما كلام مفيد في النداء.

باب (حد) الإعراب

باب (حد) الإعراب الإعراب أن تختلف أواخر الكلم لاختلاف العامل مثال ذلك: هذا رجل, ورأيتُ رجلاً, ومررتُ برجلٍ فالآخر من هذا الاسم قد اختلف باعتقاب الحركات (على آخره) واعتقاب هذه الحركات (المختلفة) على الآخر إنما هو لاختلاف العوامل التي هي: هذا, ورأيت, والباء في: مررتُ برجلٍ. فهذه عوامل كل واحد منها غير الآخر. وهذا الاختلاف الذي يكون في الأواخر على ضربين أحدهما اختلاف في اللفظ. والآخر اختلاف في الموضع فالاختلاف في اللفظ على ضربين أحدهما بتعاقب الحركات والآخر بالحروف. وحركات الإعراب ثلاث رفع, ونصب, وجر وقد تقدم ذكر ما يختلف آخره بها قبل.

والاختلاف الآخر بالحروف [مثاله] في الأسماء كقولهم: أخوك؛ وأبوك, وفوه, وذو مال (وحموها) وتثنية الأسماء وجمعها على حد التثنية وهو جمع السلامة نحو: مسلمان, ومسلمون وكلا إذا أضيف إلى المضمر نحو قولهم: جاءني الرجلان كلاهما ورأيت الرجلين كليهما, ومررت بالرجلين كليهما. وفي الأفعال نحو: يضربان, ويضربون, وتضربين يا امرأة. والاختلاف الكائن في الموضع دون اللفظ مثاله في الأسماء نحو: عصا, ورحى, ومثنى, ومعطى. وفي الأفعال نحو: يخشى ويغشى [يسعى]. والمعرب من الكلم صنفان, الأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة. والحروف كلها مبنية. فالأسماء المتمكنة ما لم تشابه الحروف. ولم تتضمن معناها وهي في الأمر العام لا تخلو من أن تكون اسم جنس كأسد وثور وفهم وفضل وضرب وأكل وبياض وسواد أو مشتقه من ذلك كفاهم وفاضل وآكل وضارب وأسود وأبيض أو منقولة [من ذلك] كرجل يسمى بأسد,

أو ثور, أو فضل وهذه الأسماء المعربة تكون على ضربين منصرف وغير منصرف. فالمنصرف ما دخله الجر والتنوين نحو: مررتُ برجل وذهبت إلى عمرو. وغير المنصرف ما كان ثانياً من جهتين من الجهات التسع التي تمنع الصرف, فلم يدخله الجر مع التنوين وكان في موضع الجر مفتوحا نحو: رأيتُ إبراهيمَ, ومررتُ بإبراهيم, (يا هذا) وقوله عز وجل: {فحيوا بأحسن منها}. وإذا دخلت الألف واللام على مالا ينصرف, أو أضيف إتجر, كقولك: مررتُ بالأحمر, وبأحمر القوم, وبإبراهيمهم, لأن هذا موضع قد أمن فيه التنوين. والأفعال المضارعة ما لحقت أوائلها زيادة من هذه الزيادات الأربع التي هي الهمزة في أفعل أنا, و [النون في] نفعل نحن, و [التاء في] تفعل أنت, أو هي, و [الياء في] يفعل هو. فهذه الأفعال أعربت لمضارعتها الاسم, ومشابهتها له [ذلك] أنه إذا قيل: هو يفعل, صلح أن يكون للحال والاستقبال. فإذا ألحقت السين, أو سوف, فقيل:

سيفعلُ, أو سوف يفعلُ, خلصت للاستقبال, وزال بدخول الحرف عليه الشياع الذي كان فيه قبل فصار كالاسم إذا دخل عليه لام التعريف نحو: الرجلُ [والغلام] فقصرته على مخصوص بعد أن كان شائعاً فمضارعتها الاسم أو جبت لها جملة إعرابها الذي هو الرفع, والنصب, والجزم. فأما الرفع فيها خاصة فلوقوعها موقع الاسم خاصة كقولنا: مررتُ برجلٍ يكتبُ. فيكتب ارتفع لوقوعه موقع كاتب. فالمعنى الذي رُفِعَت به غير المعنى الذي أُعربت به.

باب البناء

باب البناء البناء خلاف الإعراب, وهو أن لا يختلف الآخر باختلاف العامل. ولا يخلو البناء من أن يكون على سكون, أو على حركة فالبناء على السكون يكون في الاسم, والفعل, والحرف. فالبناء على السكون في الاسم نحو: كم, ومن, وإذ. تقول: بكم رجلاً مررتً, وكم رجلا جاءك, وكم رجلاً ضربت, فتختلف العوامل, ولا يختلف الآخر كما اختلف آخر المعرب حيث اختلف العامل. والبناء على السكون في الفعل جميع أمثلة الأمر للمخاطب إذا لم يلحق أوله حرف المضارعة نحو: اقرأ, واجلس واكتب, وقل وبع. وفي الحرف نحو: قد وهل, وبل. والمبني على الحركة [من الكلم] ينقسم بانقسام الحركات التي هي الضمة, والفتحة, والكسرة. فالبناء على الفتحة يكون في الكلم الثلاث, كما كان البناء على السكون كذلك. فالمبني على الفتح من الأسماء نحو: أين, وكيف, وحيث. وفي الأفعال جميع أمثلة الماضي نحو:

ذهب, وعلم, وظرف [وشرف] واستخرج, ودحرج, وأحر نجم وفي الحروف نحو: إن, وليت, ولعل, (وثم) , وسوف, والبناء على الكسر يكون في الاسم, والحرف [دون الفعل] فالاسم نحو: هؤلاء, وأمس, وحذار, وبداد. والحرف نحو باء الجر ولامه في لزيد, ويزيد. وكذلك البناء على الضم يكون فيها دون الفعل. فمثال الاسم المبني على الضم أول, وقبل, وبعد وعل, وياحكم في النداء. ومثاله في الحروف منذ فيمن جر بها.

باب من أحكام أواخر الأسماء المعربة

باب من أحكام أواخر الأسماء المعربة الأسماء المعربة على ضربين صحيح, ومعتل. فالصحيح في هذا الباب ما لم يكن آخره ألفا, ولا ياء ولا واوا وذلك نحو: رجل, وفرس, ووعد, وثوب, وعلم, وذكر. فهذا الضرب تتعاقب عليه حركات الإعراب. والمعتل ما كان آخره ياء, أو ألفا, أو واوا ولا يخلو ما قبل هذه الحروف المعتلة من أن يكون ساكنا, أو متحركا فإذا سكن ما قبل الواو والياء جريا مجرى الصحيح في تعاقب الحركات عليهما اعتقابها على الصحيح وذلك [قولك]: ظبي ونحي, وغزو, وحقو. والمدغم فيهما كذلك نحو: كرسي وولي [ومرضي] , (ومرمي). وعتو, وعدو وغزو. لأن المدغم يكون ساكنا فسكون الياء الأولى في كرسي ومرمي والواو الأولى في عتو ومغزو كسكون الباء في ظبي

والزاي في غزو. ويجري هذا المجرى (كساء ورداء) وآي ورأى. وإذا تحرك ما قبل هذه الحروف التي تقع في أواخر الأسماء المعتلة فلا تخلو الحركة من أن تكون فتحة أو كسرة أو ضمة. فإذا كانت الحركة فتحة كان الآخر ألفا وإذا كان ألفا كان في الأحوال الثلاث على صورة واحدة تقول: هذه رحى. ورأيت رحى, ومررت برحى. وهذه الأسماء التي [يكون] [في] أواخرها الألف على ضربين منصرف وغير منصرف. فالمنصرف يلحقه التنوين فيلتقي مع الألف فتحذف الألف لالتقاء الساكنين في الدرج تقول: هذه رحى [ي غلام] فاعلم وهذه نوى يا فتى. فإذا وقفت وقفت على الألف. وغير المنصرف لا يلحقه التنوين فتثبت الألف في الوقف والوصل تقول هذه حُبلى , وهذه بُشرى يا فتى , وذكرته ذكرى. وإن كانت

الحركة التي قبل الآخر كسرة كان الآخر ياء فإذا صار آخر الاسم ياء قبلها كسرة كان في الرفع والجر على صورة واحدة تقول: هذا قاضٍ, وذاك غاز, ومررت بقاض وغاز فيكون لفظ الجر والرفع واحداً وكذلك: هذا قاضيك, وذاك غازيك, ومررت بقاضيك وغازيك. وكذلك إذا لحق الألف واللام نحو: (هذا) القاضي, وهذا الداعي, ومررت بالقاضي والداعي. فأما في النصب فإن الياء تتحرك في هذه المواضع بالفتح وليس في الأسماء اسم في آخره حرف علة وقبلها ضمة فإذا أدى قياس إلى ذلك رفض, فأبدلت من الضمة كسرة فصار الآخر ياء مكسورا ما قبلها فإذا صار كذلك كان بمنزلة القاضي والغازي وذلك قولهم: حقو وأحق, وجرر واجر وقلنس وعرقوة قال الشاعر:

(ليث هزير مدل عند خيسته ... بالرقمتين له أجر وأعراس)

باب التثنية والجمع

باب التثنية والجمع لا يخلو الاسم المثنى من أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجروراً فإن كان مرفوعا لحقته ألف ونون نحو: رجلان, وفرسان, وشجرتان وحجران (وضربتان) وإن كان مجروراً, أو منصوبا لحقته بدل الألف ياء نحو: مررت برجلين , ورأيت رجلين فالنون مكسورة وما قبل الألف والياء مفتوح. فأما الاسم المجموع فلا يخلو من أن يجمع جمع التكسير أو (جمع) السلامة. فجمع التكسير يشمل أولى العلم وغيرهم تقول: رجل ورجال كما تقول: سبع وسباع ملك وملائكة ودرهم ودراهم وإنسان وأناسي. فأما جمع السلامة فهو الجمع الذي على حد التثنية. وسمي جمعا على حد التثنية لأنه يسلم فيه بناء الواحد كما يسلم في التثنية ولا يغير نظمه عما كان عليه في الإفراد فإنه يكون في الأمر العام لأولي العلم. وتلحقه في الرفع واو مضموم ما قبلها. وفي الجر والنصب ياء مكسورة ما قبلها. وتلحق بعد الواو الياء نون مفتوحة, وذلك قولك: هؤلاء المسلمون, وجاءني الصالحون, والزيدون, والعمرون ومررت بالصالحين, والزيدين (والعمرين)

والنصب كالجر في (هذا) الجمع, وهو جمع السلامة كما كان [مثله] في التثنية. وهذه النون التي تقع في أواخر هذه الأسماء المثناة والمجموعة بدل من الحركة والتنوين اللذين كانا في المفرد. فإن كان المجموع مؤنثا ألحق ألفا وتاء, وكانت التاء مضمونة في موضع الرفع, ومكسورة في موضع الجر. والنصب كالجر. في هذا الجمع, كما كان مثله في جمع المذكر. وتلحق التاء نون ساكنة بمنزلة النون [التي] في "مسلمون", وذلك قولك: هؤلاء مسلمان, وصالحات, ومررت بمسلمات [وصالحات] ورأيت [مسلمات] وصالحات.

باب إعراب الأفعال

باب إعراب الأفعال الأفعال على ضربين معرب ومبني: فالمعرب ما كان مضارعا للاسم, والمضارع ما كان في أوله همزة, أو نون, أو تاء, أو ياء وذلك [نحو]: أفعل أنا, ونفعل نحن, وتفعل أنت أو هي, وبفعل هو. وإعرابه على ثلاثة أضرب رفع, ونصب, وجزم. فالرفع خاصة يكون فيها لما تقدم ذكره من وقوعها موقع الأسماء وأما النصب فيها فبالحروف الناصبة لها وهي: أَنْ, ولَنْ (وكي) وإذن, ذلك نحو: لن يقوم زيد, وآمرك أن تذهب, وجئت كي تعطيني, ويقول القائل: أنا أرعى حقك, فأقول له: إذن أكرمك. وينتصب أيضا بعد حتى, والام في (نحو) قولك: سرت حتى أدخلها, وما كنت لاضربك. وبعد الفاء في جواب النفي [والاستفهام] وما أشبهه مما كان غير واجب في نحو: ما جئتني فأكرمك. وبعد الواو في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن.

والجزم فيها بالحروف الجازمة وهي: لم, ولما, ولا في النهي واللام في الأمر وذلك نحو: لم يذهب عبد الله, ولما يقم زيد, ولا تضرب أحداً, وليذهب عبد الله وليتمثل ذلك الأمر .. وحرف الجزاء وهو (نحو). إن تكرمني أكرمك وإن تعطني أعطك, فإن ثنيت الفعل في المضارع المرفوع ألحقت لعلاقة التثنية ألفاً (ولعلامة) الرفع نوناً مكسورة وذلك نحو. هما يضربان ويذهبان. وإن جمعته في الفعل المضارع المرفوع ألحقت للجمع واواً. ولعلامة الرفع نوناً مفتوحة وذلك نحو. هم يضربون ويذهبون. فإن كان هذا الفعل لمخاطب مؤنث ألحقته لعلامة التأنيث ياء مكسوراً ما قبلها, وللرفع نوناً مفتوحة فقلت. أنت تذهبين يا هذه. فإن ألحق الفعل حرفاً ناصباً أو جازماً حذفت هذه النونات فقلت. لم تفعلا, ولن تفعلا ولم يفعلوا, ولن تفعلوا, ولن تفعلي, ولم تفعلي, ولم تفعلي يا امرأة. فإن كان الفعل لجماعة مؤنث قلت. أنتن تفعلين؛ ولم تفعلن, لن تفعلن, وهن يفعلن (ولم يفعلن, ولن يفعلن) فتثبت هذه النون في [حالة] الرفع والحزم والنصب ولم تحذف لأنها علامة جمع وليست بدلالة الرفع كالنون التي تقدم ذكرها.

وإذا كان آخر الفعل واواً, أو ياء أو ألفاُ نحو: يغزو ويرمي, ويخشى فإن هذه الحروف كلها تثبت ساكنة في الرفع وتحذف كلها في الجزم نحو: لم يخش, ولم يغز ولم يرم وتتحرك الواو والياء في النصب بالفتح نحو: لن يدعو زيد, ولن يرمي عمرو. والألف تبقى في النصب على سكونها نحو: لن يخشى فيكون لفظ النصب كلفظ الرفع. والمبني من الفعال على ضربين مبني على الفتح وهو جميع أمثلة الماضي نحو: ذهب, وسمع (مكث) ومبني على السكون وهو جميع أمثلة الأمر للمخاطب نحو: اذهب, واضرب.

باب إعراب الأسماء

باب إعراب الأسماء إعراب الأسماء على ثلاثة أضرب رفع, ونصب, وجر, فالرفع في الرتبة قبل النصب والجر. وذلك أن الرفع يستغنى عن النصب والجر نحو: قام زيد, وعمرو منطلق. والنصب والجر لا يكونان حتى يتقدم الرفع نحو: قام زيد قياماً, ومر زيد بعمرو راكباً وعمرو منطلق اليوم. فأما قولهم: إن زيداً ذاهب, فمشبه بالمفعول به المقدم نحو: ضرب زيداً عمرو. وكذلك قولهم: ما بكر خارجاً مشبه بالفعل والفاعل. وإذا كان الرفع في الرتبة قبلها وجب أن يقدم عليها في الذكر.

باب الابتداء

باب الابتداء الابتداء وصف في الاسم المبتدإ يرتفع به. وصفة الاسم المبتدإ أن يكون معري من العوامل الظاهرة, ومسنداً إليه شيء ومثاله: زيد منطلق, وعمرو ذاهب, والعلم حسن والجهل قبيح, فزيد ارتفع بتعريه من العوامل الظاهرة [من] نحو: إن, وكان, وظننت, وإسناد الانطلاقي, والذهاب ونحو ذلك إليه. ومن الأسماء المرتفعة المرتفعة بالابتداء الاسم الوقع بعد لولا في نحو قولك: لولا زيد لذهب عمرو. فزيد رفع بالابتداء, وخبره محذوف, كأنه قال: لولا زيد حاضر أو مقيم, ولولا هذه هي التي معناها امتناع الشيء لوجود غيره, وذلك أن ذهاب عمرو امتنع لوجود غيره. وليست لولا هذه التي معناها التحضيض (نحو قولك: لولا أعطيت زيداً, ولولا أخذت عمراً). كقوله: (تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بنى ضو طري لولا الكمي المقنعا)

لأن الاسم بعد لولا هذه لا يرتفع بالابتداء من حيث كان معناها التحضيض. والتحضيض يقع على الفعل, والابتداء يختص به الاسم. فإذن لا يقع الاسم (المبتدأ) بعد لولا هذه التي للتحضيض كما لا يقع بعد أن التي للشرط والجزاء نحو: إن الله أمكنني من فلان [قتلته] ولا بعد إذا في نحو: إذا السماء انشقت". فإنما هذه الأسماء بعد هذه الحروف محمولة على الفعل دون الابتداء [كأنه إذا قال: إن أمكنني الله, فتقديره: إن أمكنني الله أمكنني, فأخر الفعل لأن ما ظهر يدل عليه وبعنى عنه]. ومما يرتفع من السماء بالابتداء زيد في قولهم: أين زيد وكيف عمرو فعمرو وزيد يرتفعان بالابتداء وكيف وأين خبران لمبتدإ قدما عليها لما فيهما

من معنى الاستفهام. والاستفهام لا يتقدم عليه ما كان في حيزه. وتقول: متى الخروج, ومتى الصيام ولا يجوز: متى زيد, كما لا يجوز: زيد يوم الجمعة, لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث, ظروف الأمكنة تتضمن الأحداث والجثث. ومما يرتفع بالابتداء قولهم عبد الله نحو: عبد الله ضربته وبكر مررت به. والاختيار (الجيد) في عبد الله الرفع, وضربته في موضع خبره. ويجوز أن تنصب عبد الله بفعل مضمر يكون [جوابه] الذي ظهر تفسيره كأنه قال: ضربت عبد الله ضربته, أو أهنت عبد الله ضربته. فاستغنى عن إظهار هذا الفعل لدلالة الثاني عليه. فما جاء على ذلك قوله تعالى: {والقمر قدرناه منازل} فإن عطف هذا الاسم الذي يختار فيه الرفع بالابتداء على فعل وفاعل اختبر فيه النصب وذلك قولك: قام عبد الله وزيداً ضربته, وسرت اليوم وبكراً لقيته, ومثل ذلك قوله عز وجل {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانيةً ابتدعوها} فقوله: {ورهبانية} محمول على فعل كأنه

قال: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها. ألا ترى أن الرهبانية لا يستقيم حملها على جعلها مع وصفها بقوله: ابتدعوها لأن ما يجعله هو تعالى لا يبتدعونه هم. وجعل هذه هي التي تتعدى إلى مفعول واحد لأنه بمنزلة عمل, كقوله عز وجل: {وجعل الظلمات والنور} {وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم}. وجعل فعل استُعمل على ثلاثة أضرب: أحدهما يتعدى إلى مفعول واحد وهو ما تقدم ذكره. والثاني أن يكون بمعنى التسمية فيتعدى إلى مفعولين كقوله عز وجل: {وجعل الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} وكقول القائل: جعلت البصرة بغداد, وجعلت حسنى قبيحاً. فهذا في الإعمال كحسبت وظننت في أن المفعول الثاني هو المفعول الأول. والثالث أن يكون بمعنى ألقيت كقولهم: جعلت متاعك

بعضه على بعض. أي ألقيت. قال الله عز وجل: {ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ} فهذا الضرب تتعدى فيه جعل إلى مفعولين وليس الثاني فيه هو الأول كما كان في الباب الذي قبله ولكن كقولهم: أمرتك بالخير واستغفر الله من ذنبٍ, في أن الفعل يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر. ولجعل قسم آخر وهو أن تستعمل استعمال الأفعال التي لمقاربة الفعل, والأخذ فيه كقولهم: جعل يقول, وطفق يفعل, وأخذ يقول, وكربت تغيب. وقال الشاعر: (وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل)

وأنشد سيبويه: (وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظم نابها) ومما يرتفع فيه الاسم بالابتداء قولهم: ضربي زيداً قائماً, وأكثر شُربي السويق ملتوياً, وأخطب ما يكون الأمير قائماً. فضربي, وأكثر, وأخطب يرتفع بالابتداء وقائما سد مسد خبر المبتدإ والتقدير: ضربي زيداً إذ كان قائماً أو إذا كان قائماً. زمن ذلك قولهم:

أقائم أخوك, وأذاهب الزيدان. فقائم, وذاهب يرتفعان بالابتداء وأخوك. والزيدان (يرتفعان) بفعلهما. وقد سد الفاعلان في كل واحد من المسألتين مسد خبر المبتدإ وحسن ذلك وجاز من حيث كان المعنى: أيقوم أخوك, وأيذهب الزيدان. ومما يرتفع بالابتداء قولهم: كل رجلٍ وضيعته [أي

مع ضيعته] فكل رفع بالابتداء والخبر محذوف, وأنت أعلم وربك وحسن حذف الخبر حيث طال الكلام, وكان معنى الواو كمعنى "مع" وتقول: مررت برجل سواء والعدم, فتعطف العدم على المضمر في سواء والأحسن أن تؤكد. وإن شئت رفعت سواء فقلت: سواء هو والعدم, فيرتفع هو بالابتداء والعدم معطوف عليه. وسواء خبر مقدم. ومما يرتفع بالابتداء قولهم: زيد أضربه, وعمر لا تكرمه فزيد يرتفع [ها] هنا بالابتداء والأحسن فيه النصب. فأما زيد ضربته وزيد لم أضربه, فالاختيار فيه الرفع ويجوز فيه النصب على إضمار فعل يفسره هذا الظاهر.

باب خبر المبتدإ

باب خبر المبتدإ خبر المبتدإ يكون على ضربين مفرد, وجملة. فالمفرد على ضربين: أحدهما اسم لا ضمير فيه يرجع إلى المبتدإ. والآخر ما احتمل ضميراً راجعاً إلى المبتدإ. وإعرابه إذا كان مفرداً رفع. فالأول كقولنا: بكر غلامك, وعبد الله أخوك, وهند أم عمر. والثاني ما كان فيه ضمير يرجع إلى المبتدإ, وذلك نحو: عبد الله ذاهب, وبكر ضارب, وعمرو كريم, وهند حسنة. ففي هذه الأسماء الجارية على الفعل نحو: ضارب وذاهب, والصفات المشبهة بها ضمير يعود إلى المبتدإ, وذلك الضمير مرتفع بأنه فاعل. ويدل على تضمن هذه الأسماء لهذا الضمير الذي وصفت قولهم: مررت بقوم ضارب أبوهم, ومررت بقوم عرب أجمعون فلولا

أن في ضميراً مرفوعاً يعود إلى الموصوف ما جاز أن يرتفع أجمعون لأنه ليس في هذا الكلام شيء يصح أن يحمل عليه أجمعون غير هذا الضمير. وقالوا: مررت بقاع عرفج كله. كأنهم قالوا: مررت بقاع خشن كله أو صلب كله. ولما كان اسم الفاعل يتضمن هذا الضمير الذي ذكرت ولم يكن كالضمير الذي في الفعل في البيان والظهور [الذي] في اللفظ بالعلاقات الموضوعة للمضمرين أبرزوه إذا حرى على غير من هوله وذلك نحو قولهم: هند زيد ضاربته هي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فهند يرتفع بالابتداء وزيد ابتداء ثان. وضاربته لهند وقد جرى على زيد فقد جرى على غير من هو له إذ هو لهند وقد جرى على زيد فلذلك أظهرت الضمير الذي كان في ضاربته وهو هي في قولك: ضاربته هي

فهي ترفع بأنها فاعلة ولو ثنيت لقلت: الهندان الزيدان ضاربتهما ولم تثن ضاربة فتقول: ضاربتاها لأنه يجري مجرى الفعل المقدم كقولك: مررت بامرأة ضربت بنتاها, وتضرب بنتاها ولا تقول: ضربتا بنتاها ولا تضربان بنتاها [ولو قلت: ضاربتاهما ثنيته لم يحز إلا على قول من يقول: أكلوني البراغيث] لأن الأول أكثر في استعمالهم ومن قال: ضربتا بنتاها قال في هذه المسألة إذا ثنى: الهندان الزيدان ضاربتاهما فجعل هما إظهارا لذلك الضمير وارتفاعهما بأنهما فاعلان لضاربة. وتقول: زيد الخبز آكله هو, فتظهر الضمير الذي في آكل لأنه جرى على الخبز وهو لزيد فإن نصبت على [قول] من قال: زيداً ضربته قلت: زيد الخبز آكله ولم يلزم إظهار الضمير

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[هاهنا]. وأما الجملة التي تكون خبر المبتدأ فعلى أربعة أضرب: الأول أن تكون جملة مركبة من فعل وفاعل. الثاني أن تكون مركبة من ابتداء وخبر. والثالث أن تكون شرطاً وجزاء. والرابع أن تكون ظرفاً. فالأول كقولنا: زيد قام, وزيد قام أبوه. فزيد مرتفع بالابتداء وقام في موضع خبره وفيه ذكر مرتفع بأنه فاعل. وهذا الذكر يعود المبتدإ الذي هو زيد ولولا هذا الذكر لم يصح أن تكون الجملة خبراً عن هذا المبتدإ (الذي هو زيد) ألا ترى أنه لو قال: زيد قام عمرو لم يجز فإنما كان (قام) خبراً عنه من أجل الذكر العائد منها إلى المبتدإ. وموضع قام مع الذكر الذي فيه رفع لوقوعه موقع خبر المبتدإ.

والثاني أن يكون خبر المبتدإ جملة مركبة من ابتداء وخبر وذلك نحو: زيد أبوه منطلق, وعمرو غلامه خارج. فزيد ابتداء أول وأبوه ابتداء ثان, ومنطلق خبر المبتدإ الثاني, والمبتدإ الثاني وخبره جميعاً في موضع رفع لوقوعهما موقع خبر المبتدإ الأول كما كان قولك: [زيد] قام, وقام أبوه كذلك في المسألة الأولى. ولابد من ذكر يعود من الجملة إلى المبتدإ. لو قلت: زيد عمرو منطلق لم يجز كما أنه لو قيل: زيد قام عمرو لم يجز. وقد تحذف الرواجع من هذه الجمل إلى المبتدإ الأول كقولهم: السمن منوان بدرهم والتقدير: منوان منه بدرهم. لابد من تقدير هذا في النفس ليعود الضمير الذي

في "منه" إلى المبتدإ الذي هو السمن. ومثل ذلك قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن لمن عزم الأمور}. التقدير: إن ذلك الصبر منه أي من الصابر لأن "ذلك" ابتداء. وقوله [عز وجل]: {لمن عزم الأمور} في موضع الخبر ولم يرجع إلى المبتدإ لذي هو: {ولمن صبر وغفر} ذكر من اللفظ وهذا النحو كثير. وقد جاءت هذه الجملة بأسرها محذوفة إذا كانت خبرا فإذا جاز حذف الجملة كلها كان حذف شيء منها أسهل وذلك قوله عز وجل: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر اللائي لم يحضن} والتقدير: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذفت الجملة التي هي خبر المبتدإ الثاني لدلالة ما تقدم عليه كما يحذف المفرد لذلك في نحو: زيد منطق وعمرو.

ومما حذف خبره من المبتدإ والخبر جملة قولهم: زيد ضربت أباه وعمرو, وتقول: أنتم كلكم بينكم درهم, فيكون كل بمنزلة أجمعين كأنك قلت: أنتم أجمعون بينكم درهم, فيكون. فإن جعلت كلا ابتداء ثانياً على قياس من قرأ [قيله] {قل إن الأمر كله لله}

قلت: أنتم كلكم بينهم درهم, كأنك قلت: أنتم غلمانكم بينهم درهم لأن كلا اسم موضوع للغيبة كالغلمان. وإن شئت قلت في هذا الوجه: أنتم كلكم بينكم درهم, فحملت على المعنى لأن كلا هو أنتم في المعنى ولا يجوز ذلك في الغلمان لأنهم ليسوا الأول. والثالث أن يكون خبر المبتدإ شرطاً وجزاءً. وذلك نحو: زيد إن تكرمه يكرمك, وبشر إن تعطه يشكر عمرو. فزيد ابتداء, وقولك: إن تكرمه يكرمك جملة في موضع خبره, وقد عاد الذكر منها إلى المبتدإ. والجملة في موضع رفع لوقوعها موقع الخبر. والرابع الظرف. والظرف على ضربين ظرف من المكان

وظرف من الزمان. وظروف المكان تكون إخبارا عن الأحداث والأشخاص. مثال كونها إخبارا عن الأحداث قولنا: البيع في السوق, والصلاة في المسجد, والركض في الميدان. ومثال كونها إخباراً عن الأشخاص: زيد في البيت, وعمرو في الدار, واللص في الحبس. فأما ظروف الزمان فتكون إخباراً عن الأحداث دون الأشخاص

وذلك نحو: الخروج غداً, ومقدم الحاج المحرم ولو قيل: زيد غداً, وعمرو أمس لم يستقم لأن ظروف الزمان تكون إخباراً عن الجثث. فأما قولهم الليلة الهلال, فعلى معنى: الليلة حدوث الهلال فحذف الحدوث, وأقام الهلال مقامه ويجوز أن ترفع الليلة فتقول: الليلة الهلال على تقدير: الليلة ليلة الهلال فتحذف المضاف الذي هو الليلة كما حذفت الحدوث. وخبر المبتدإ لا يخلو من أن يكون مفرداً, أو جملة. فإذا كان مفرداً كان هو هو (أو) منزلا هذا التنزيل, كقوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم} وكقوله: أبو يوسف أبو حنيفة أي يسد مسده وكقول النابغة يصف دروعا: (عُلين بكذبون وأشعرن كرة ... فهن إضالا صافيات الغلائل)

وإذا كان جملة فلابد من ذكر يعود منه إلى المبتدإ فإن قلت فقولهم: سواء علي أقمت أم قعدت, وقد خلا (من) أن يكون من هذين الضربين قيل هذا كلام محمول على المعنى والتقدير فيه: سواء على القيام والقعود (فيكون) سواء على هذا التقدير خبر مبتدإ ولما كان خبر المبتدإ إذا كان مفرداً هو المبتدأ في المعنى أو منزلا منزلته لم يجز: علمي بزيد كان ذا مال لأن علمي يرتفع بالابتداء وبزيد في موضع نصب بالمصدر. ولما كان في موضع خبر المبتدإ فيجب من أجل

ذلك أن يكون في كان ضمير يعود إلى المبتدأ وذلك الضمير هو علمي في المعنى وذا مال خبر كان واستحالت المسألة من حيث لم يكن (قولك) ذا مال هو علمي. ولو قلت: علمي بزيد كان يوم الجمعة، كان مستقيما لأن يوم الجمعة يكون خبراً عن علمي لأني أقول: كان علمي بزيد يوم الجمعة فيكون ظرف الزمان خبراً من الحدث الذي هو علمي ولا أقول: كان علمي ذا مال. واعلم أن خبر المبتدأ قد يحذف فما حذف من ذلك خبر المبتدأ بعد لولا في قولك" لولا زيد لكان خروجنا اليوم. فزيد بعد لولا يرتفع بالابتدء والخبر محذوف. وليس قولك لكان خروجنا اليوم من المبتدأ في شيء إنما هو حديث متعلق بلولا ولو كان خبر المبتد [الذي بعد لولا] لوجب أن يكون إياه في المعنى أو يكون له (فيه) ذكر مظهر أو مقدر ففي تعريته من ذلك كله دلالة على أنه ليس بخبر له وكما حذف خبر المبتدأ في هذا النحو كذلك حذف في (نخو قوله عز وجل: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاع قليل} أي تقلبهم متاع قليل. وقوله عز وجل: {بشر من ذلكم النار} أي هي النار. ومن ذلك قوله عز وجل: {فصبر جميل أي أمري أو شأني صبر جميل. أو يكون [قد] حذف الخبر فأراد: صبر

جميل أمثل أو أجمل، أو ما أشبه ذلك. وقد يجوز أن تقدم خبر المبتدأ فتقول: منطلق زيد، وضربته عمرو تريد: عمرو ضربته. ويدل على جواز تقديمه قول الشماخ: (كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظنون أن مطرح الظنون)

باب من الابتداء بالأسماء الموصولة

باب من الابتداء بالأسماء الموصولة الأسماء [المبتدأ] على ضربين ضرب عار من معنى الشرط والجزاء وضرب يتضمن معنى الشرط والجزاء. فالأول نحو: زيد، وعمرو، وعبد الله فما كان من هذا النحو لم تدخل الفاء في خبره [لأن الفاء إنما تدخل لتعطف أو لتكون جواباً] تقول: زيد منطلق ولا يجوز: زيد فمنطلق فإن جعلت زيداً خبر مبتدأ محذوف كأنك قلت: هذا زيد فمنطلق أي فهو منطلق لم يمتنع وعلى هذا قول الشاعر: (وقائلة حولان فانكح فتاتهم ... وا كرومة الحيين خلو كماهيا) أي هؤلاء خولان فانكح فتاتهم. وما كان متضمنا لمعنى الشرط والجزاء فالأسماء الموصولة والنكرات الموصوفة.

فالأسماء الموصولة نحو قولهم: الذي والتي والألف واللام في نحو: القائم، والضارب، والمعطي، وما كان في حكمها ومن وما وأي. ومعنى الموصولة أنها تم بصلات [وعوائد] تضم إليها وصلاتها لا تكون إلا جملا محتملة للصدق والكذب ولابد أن يرجع منها إلى الموصولات ذكر. فإذا استوفت الموصولات صلاتها على هذه الشرائط كانت بمنزلة اسم مفرد نحو: زيد وعمرو [وعبد الله] وتحتاج الأسماء الموصولة إلى ما يحتاج إليه زيد وعمرو حتى يستقل كلاما. والجمل التي يوصل بها هي التي ذكرت قبل أنها تكون أخباراً لمبتدأ فمثال وصل الذي بالفعل والفاعل.: الذي قام، والذي قام غلامه، والذي ضربته. فالذي اسم موصول وقام صلته وفي قام ذكر مرفوع بأنه فاعل وهو يعود إلى الذي. وإذا قلت: الذي قام غلامه؛ والذي ضربته فالعائد إلى الاسم الموصول الهاء في غلامه، وضربته. والذي قام، والذي ضربته بمنزلة زيد يحتاج إلى جزء آخر يسند إليه حتى يكون كلاما مستقلا تقول: الذي قام صاحبك

والذي ضربته منطلق فيكون بمنزلة: زيد منطلق. ويجوز دخول الفاء على الخبر إذا كان المبتدأ موصولا بالفعل أو الظرف كقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} (الخبر: فلهم أجرهم عند ربهم) ومثال الموصول بالظرف قوله: الذي في الدار فله درهم كقوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} ولا يجوز: الذي إن يكرمني يكرمك فمحسن، لأن الشرط قد استوفى جزاءه في الصلة فلا يكون له جزاءان. ولا يجوز: ليت الذي يأتيني فله درهم،

ولا لعل الذي في الدار فمكرم. وأما النكرات الموصوفة فكقولنا: كل رجل يأتيني فله درهم وكل رجل في الدار فمكرم محمول: فإذا أدخلت الفاء في خبر المبتدأ الموصول والنكرات الموصوفة آذنت بأن ما بعد الفاء مستحق بالفعل المقدم أو معناه. وإذا لم تكن الفاء في خبرها احتمل أن يكون مستحقا بفعله المتقدم أو بغيره.

باب الأخبار بالذي وبالألف واللام

باب الأخبار بالذي وبالألف واللام اعلم أن قول النحويين في نحو: قام زيد، وعمرو منطلق اخبر عن زيد من قولك: قام زيد وأخبر عن عمرو من قولهم: عمرو منطلق وأخبر عن منطلق إنما يريدون الحق الكلام الذي أو الألف واللام وصغ من قام زيد كلاما يكون زيد فيه خبر مبتدأ وكذلك في قولهم: زيد منطلق. والأخبار بالذي أعم من الأخبار بالألف واللام لأنك تخبر بالذي عما كان أوله فعلا منصرفا أو اسما محدثا عنه، ولا تخبر بالألف واللام إلا عما كان أوله فعلا [متصرفا] فإن كان مبتدأ لم تخبر عنه بالألف واللام وإنما تخبر بالذي تقول إذا قبل لك أخبر عن زيد من قولك: قام زيد: الذي قام زيد وبالألف واللام: القائم زيد فالذي اسم موصول وقام صلته وفيه ذكر مرفوع يعود إلى الذي وقد تم الذي بصلته، وزيد خبر المبتدأ الذي هو الذي وكان قبل الأخبار فاعلا.

وتقول: ضربت زيداً، فإن أخبرت عن اسمك بالألف واللام قلت: الضارب زيداً أنا، وبالذي: الذي ضرب زيداً أنا ففي كل واحد من ضرب، والضارب ذكر مرفوع يعود إلى الذي.

فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قلت: الضاربة أنا زيد فالهاء في الضاربة ترجع إلى ما دل عليه الألف واللام من [معنى] الذي وأنا يرتفع بضارب وأظهرت الضمير الذي هو أنا لأن ضارباً لك وقد جرى على الألف واللام الذي هو زيد في المعنى. فقد جرى اسم الفاعل على غير من هوله فلذلك أبرزت الفاعل ولو أخبرت بالذي لقلت: الذي ضربته زيد فلم تذكر أنا لظهور الضمير في الفعل. وإن شئت حذفت الهاء فقلت: الذي ضربت زيد تريد: ضربته فتحذف العائد الذي هو الهاء الراجع إلى الذي وتقول:

يطير الذباب فيغضب زيد فإن أخبرت عن الذباب بالذي قلت: الذي يطير فيغضب زيد الذباب (فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي يطير الذباب فيغضب زيد) ففي يغضب ذكر مرفوع يعود إلى الذي، وزيد خبر المبتدأ الذي هو الذي. فإن أخبرت عن الذباب بالألف واللام قلت: الطائر فيغضب زيد الذباب. ففي الطائر ذكر يعود على الألف واللام والذباب خبر المبتدأ. فإن أخبرت عن زيد بالألف واللام قتل: الطائر الذباب فيغضب زيد. فالراجع إلى الألف واللام الذكر الذي في: فيغضب وعطفت يفعل الذي هو يغضب على فاعل حملا على المعنى لأن معنى الطائر [الذباب] الذي يطير الذباب فيغضب [زيد] ولو قلت: يطير الذباب ويغضب زيد، فأخبرت عن الذباب لم يجز: الذي يطير ويغضب زيد الذباب، ولا: الذي يطير الذباب ويغضب زيد، إذا أردت الإخبار عن زيد كما جاز مع القاء لأن إحدى الجملتين حينئذ أجنبية من الصلة. ولو قلت: كان زيد منطلق. فأضمرت القصة والحديث لم يجز:

الكائن زيد منطلق هو ولا: الذي كان زيد منطلق هو فهذا ونحوه فيما يجوز في الأخبار بالذي وبالألف واللام. فأما ما يجوز فيه الأخبار بالذي، ولا يجوز [فيه] بالألف واللام فالمبتدأ أو خبره نحو زيد منطلق. تقول إذا أخبرت عن زيد. الذي هو منطلق (زيد) وإن أخبرت عن منطلق [قلت]. الذي زيد هو منطلق. وإن أخبرت عن الذكر الذي في منطلق لم يجز [فاعلم]. وتقول: السمن منوان بدرهم فإن أخبرت عن السمن قلت: الذي هو منوان بدرهم السمن. وإن أخبرت عن المنوين قلت:

اللذان السمن هما بدرهم منوان. فإن أخبرت عن الدرهم قلت: الذي السمن منوان به درهم. وإن رددت (منه) المحذوفة من أصل المسألة قبل الأخبار قلت: الذي السمن منوان منه به درهم. والحذف في الحسن في الإخبار مثله قبل الإخبار. وإن أخبرت عن الضمير الذي في (منه) لم يجز كما يجز الإخبار عن الضمير الذي في منطلق من قولك: زيد منطلق. وتقول: زيد ضربته فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي هو ضربته زيد فغيرت ما في ضربته من الضمير. وإن أخبرت عن التاء قلت: الذي زيد ضربته أنا [فغيرت ما في ضربته من الضمير] وإن أخبرت عن الهاء من قولك: زيد ضربته لم يجز. وتقول: ضربي زيداً قائماً فإن أخبرت عن زيد قلت: الذي ضربته قائماً زيد. وإن شئت الذي ضربني إياه (قائما) فتفصل الضمير العائد إلى الذي. وإن أخبرت عن ضربي لم يجز وكذلك إن أخبرت عن قائم (لأن الحال لا ترتفع)

باب الفاعل

باب الفاعل إعراب الفاعل رفع. وصفته أن يسند الفعل إليه مقدما عليه ومثاله:

جرى الفرس، وغنم الجيش، ويطيب الخبر، ويخرج عبد الله. وبهذا المعنى الذي ذكرت يرتفع الفاعل لا بأنه أحدث شيئا على الحقيقة فلهذا يرتفع في النفي إذا قيل: لم يخرج عبد الله كما يرتفع في الإيجاب وكذلك: أيقوم زيد. وضروب الأفعال الثلاثة الماضية والحاضرة والمستقبلية في ارتفاع الفاعل بها سواء. ومرتبة الفاعل أن يتقدم على المفعول نحو: ضرب عبد الله زيداً ويجوز أن تقدم المفعول على الفاعل كقولنا. ضرب زيداً عبد الله وفي التنزيل: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وكذلك: جاز: ضرب غلامه زيد، ولم يمتنع كما يمتنع الإضمار قبل الذكر لأن

التقدير به التأخير. فكما انك لو قلت ضرب زيد غلامه لكان إضمار زيد بعد جرى ذكره. فكذلك إذا قدم والنية به التأخير. ولو جعلت الغلام الفاعل في هذه المسألة فقلت: ضرب غلامه زيداً لم يجز كما جاز ذلك في المفعول به [فإذا قال: ضرب زيداً غلامه جاز لتقديم ذكره. وفي التنزيل: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} و {لا ينفع نفسا إيمانها}]. وتقول: ما أردت، فتكون ما في موضع نصب بأنه مفعول به (وبما مررت في الجر وما جاء بك فتكون ما في موضع رفع بالابتداء وفي جاء ضمير يعود إلى ما وذلك الضمير فاعل جاء، وبك في [موضع] نصب بأنه مفعول به. وكذلك: ما أسخطك، وما أرضاك، وتقول: أكرمني وأكرمت عبد الله، وأكرمت وأكرمني عبد الله فتحمل الاسم المذكور بعد الفعلين على الفعل الآخر ولا تحمله على الأول لأن الثاني من الفعلين أقرب إليه فقولك" أكرمني في المسألة الأولى فعل فاعله مضمر فيه على شريطة التفسير: المعنى: أكرمني عبد الله وأكرمت

عبد الله، إلا أن الفاعل أضمر قبل الذكر لأن المفعول يفسره ويدل عليه. فأن أ'مل الفعل الأول قال: أكرمني وأكرمته عبد الله تقديره: أكرمني عبد الله وأكرمته. وجاء القرآن بإعمال الثاني من الفعل في قوله عز وجل: {قال آتوني أفرغ عليه قطراً} ولو أعمل الأول لكان: آتوني أفرغه عليه قطراً أي آتوني قطراً أفرغه عليه. وكذلك قوله [تعالى]: {هاؤم اقرأوا كتابيه} على إعمال الثاني. ومن إعمال الثاني قوله: (قضى كل ذي فو في غريمه ... وغزة ممطول معنى غريمها)

ومن إعمال الأول قوله: (فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب قليل من المال) [ومما أعمل فيه الفعل الثاني قوله:

(وكستا مدماة كأن متونها ... جرى فوقها واستشعرت أون مذهب) فأعمل فيه استشغرت ولم يعمل فيه جرى لأنه أنشده بنصب لون ومثله قول الفرزدق: (ولكن نصقا لو سببت وسبني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم) وعلى هذا قول عمر بن أبي ربيعة في إعمال الأول: (إذا هي لم تستك بعود أراكة ... تنخل فاستا كت به عود إسحل)

باب الفعل المبني للمفعول به

باب الفعل المبني للمفعول به الأفعال على ضربين فعل غير متعد وفعل متعد. فالأفعال التي لا تتعدى لا تبني للمفعول به [وذلك] نحو: ذهب، وجلس، وقام، ونام. والمعتدى ما نصب مفعولا به وذلك نحو: عرفت زيداً، وأكرمت بكراً

وضربت خالداً. فعرفت وأكرمت [وضربت] مبنى للفاعل، فإن بنيته للمفعول به قلت: أكرم زيد، وعرف خالد، واستخرجت الدراهم وهذا المفعول (به) في المعنى يرتفع بإسناد الفعل إليه كما يرتفع الفاعل بذلك. وقد ينتقل الفعل الذي لا يتعدى إذا أريد تعديته بالهمزة فيقال: أذهبت زيداً. ويوصل أيضا إلى المفعول به بحرف الجر فيقال: ذهبت به. ونضعف العين من الفعل الذي لا يتعدى فيتعدى بذلك (نحو): فرح زيد وفرحته وخرج المتاع وخرجته. فإذا تعدى بأحد هذه الأشياء جاز أن يبني للمفعول به فتقول في أذهبت

زيدا: أذهب زيد وفي ذهبت بزيد: ذهب بزيد وفي فرحت زيدا: قرح زيد. والأفعال التي لا تتعدى إذا نقلت بهمزة تعدت إلى مفعول واحد. فإن الفعل يتعدى إلى مفعول فتقل بالهمزة [أو بحرف الجر أو بالتضعيف لعين الفعل] تعدى إلى مفعولين وذلك نحو: أضربت زيدا عمراً. فإن كان يتعدى إلى مفعولين فتقل بالهمزة تعدى إلى ثلاثة مفعولين وذلك نحو: أريت زيداً عمراً خير الناس فتعدى إلى ثلاثة مفعولين لأنه كان قبل النقل يتعدى إلى مفعولين في قولك: رأى زيد عمراً خير الناس. فالنقل بالهمزة عكس بناء الفعل للمفعول به لأن بناء الفعل للمفعول به ينقص معه مفعول ألا ترى أن قولنا: ضربت زيداً إذا بنيته

للمفعول به قلت: ضرب زيد، فلم يتعد إلى مفعول به. وأعطيت زيداً درهما فإذا بنيته للمفعول به قلت: أعطى زيد درهما فنقضت أحد المفعولين. والنقل بالهمزة في التعدي يزيد معه مفعول كما تقدم. وتقول: أعطيت زيداً درهما، فإن بنيت الفعل للمفعول به قلت: أعطى زيد درهما، فترفع زيدا بالفعل. فإن قدمت زيداً قلت. زيد أعطى درهما، فارتفع زيد بالابتداء، وفي أعطى ضمير يعود عليه. فإن قدمت الدرهم مع تقديمك زيداً قلت: زيد الدرهم أعطيه وإن ثنيت قلت: الزيدان الدرهمان أعطياهما، وفي الجميع: الزيدون الدراهم أعطوها. وتقول: أعطى زيد الدرهم، فتقيم زيداً مقام الفاعل وهو أحسن. ويجوز:

أعطي الدرهم زيداً، لأنهما جميعا، مفعول بهما، فجاز لذلك أن تقيم كل واحد منهما مقام الفاعل. ولو قلت: ضرب زيد الضرب لم يستقم أن ترفع الضرب، وتنصب زيداً لأن الضرب مصدر، وليس بمفعول كالدرهم. وتقول: ذهب بزيد وجلس إلى عمرو، فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لإسناد الفعل إليهما كما تقول: ما جاءني من رجل، فيكون قولك من رجل في موضع رفع. ومن قرأ: {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال] فارتفاع رجال

بشيء مضمر دل عليه يسبح، كأنه قال: يسبحه فيها رجال كما قال [الحارث بن نهيك]: (ليبك يزيد ضارع لخصوصة ... ومختبط مما تطيح الطوائح)

باب الأفعال التي لا تنصرف

باب الأفعال التي لا تنصرف وهي: ونعم وبئس وفعل للتعجب. فأما: عسى فإن فاعله على ضربين: أحدهما أن يكون اسماً كزيد وعمرو. فإذا أسندت إلى أحد هذه الأسماء لزم خبرها أن. وذلك قولك: عسى زيد أن يخرج، وعسى عبد الله أن يفهم وقال الله عز وجل: فعسى الله أن يأتي بالفتح فموضع أن مع صلتها نصب والدليل على ذلك قولهم

[في المثل] عسى الغوير أبؤسا

[ولا ينتصب في خبر عسى غير أن مع صلتها وغير أبؤس بالنصب في هذا المثل] والضرب الآخر من فاعل عسى أن تكون أن مع صلتها في موضع اسم مرفوع وذلك قولك: عسى أن يذهب عمرو فأن يذهب

في موضع رفع بأنها الفعال وقال تعالى: {عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} وربما اضطر الشاعر فحذف أن من خبر عسى تشبيها لها بكاد كما تشبه كاد بعسى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قال [الشاعر]: عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب وكما قال: قد كاد من طول البلى أن يمصحا أي يذهب. والاختيار في كاد ألا تستعمل معها أن لمقاربة الحال، وفي عسى أن تذكر معها أن [لتراخيها عن كاد].

باب نعم وبئس

باب نعم وبئس نعم وبئس فعلان ماضيان وفاعلاهما على ضربين:

أحدهما أن يكون الفاعل مضمراً قبل الذكر فيفسر بنكرة منصوبة والآخر أن يكون مظهراً.

فالمضمر نحو: نعم رجلا عبد الله، وبئس غلاما عمرو، ففي كل واحد من نعم وبئس فاعل أضمر قبل الذكر، فلزم تفسيره بالنكرة ليكون هذا التفسير في تبيينة المضمر بمنزلة تقدم الذكر له. والضرب الآخر من فاعل نعم [وبئس] أن يكون مظهراً فيه الألف واللام أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام وذلك

قولك: نعم الرجل عبد الله، وبئست المرأة هند والمضاف إلى ما فيه الالف واللام نحو قولك" نعم غلام الرجل عمرو، وبئس صاحب القوم بكر.

وقد حكى أنه (قد) جاء فاعله مظهراً على غير هذين الوجهين وليس ذلك بالشائع وأنشد في ذلك: (فنعم صاحب قوم لا سلام لهم .. وصاحب الركب عثمان بن عفانا) فأما عبد الله في قولك: نعم الرجل عبد الله فارتفاعه على أحد وجهين: أحدهما أن يكون أراد به الإبتداء فأخره كأنه كان قبل التأخير: عبد الله نعم الرجل فأخر عبد الله والنية فيه التقديم كما تقول: مررت به المسكين تريد: المسكين مررت به. فأما الرواجع إلى المبتدأ فإن الرجل لما كان شائعا ينتظم الجنس [ويجمعه] كان عبد الله داخلا تحته فصار بمنزلة الذكر الذي يعود

عليه ولذلك شبهه (سيبويه) بقولهم: زيد ذهب أخوه. ومثل ذلك قول الشاعر: (فأما الصدور لا صدور لجعفر ... ولكن أعجازاً شديدا ضريرها) وقال آخر: (فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيراً في عراض المواكب)

والوجه الآخر أن يكون عبد الله في قولك: نعم الرجل عبد الله، خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قيل: نعم الرجل قيل من هذا الذي أثنى عليه فقال: عبد الله أي هو عبد الله. واعلم أن المخصوص بالمدح أو الذم لا يكون إلا من جنس المذكور بعد نعم وبئس كعبد الله وزيد ونحوهما من الرجال. وإذا كان كذلك كان المضاف إلى القوم في قوله عز وجل: {ساء مثلا القوم الذين كذبوا} محذوفا وتقديره: ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا ولا يكون الكلام على ظاهره. فأما قوله تعالى: {بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله}

فقد يكون مثل قوله: {ساء مثلا القوم الذين كذبوا} في حذف المضاف منه فيكون موضع الذين رفعا وقد يكون موضع الذين جرا والمقصود بالذم محذوفا كما كان (المقصود بالمدح) محذوفا في قوله تعالى: {نعم العبد إنه أواب} ولم يذكر أيوب (لتقدم ذكره. وتقول: نعم الرجل رجلا زيد فإن لم تذكر رجلا) جاز، وإن ذكرته فتأكيد. قال جرير: (تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا)

باب التعجب

باب التعجب التعجب يكون بلفظين أحدهما قولك: ما أحسن زيداً، وما أعلم عمراً. والآخر ما كان على أفعل به نحو [قولك]: أكرم بزيد وأحسن بعمرو. فأما قولهم: ما أحسن زيداً فإن ما في موضع رفع بالإبتداء ولا صله لها في هذا الموضع كما لم توصل في قوله تعالى: {إن تبدوا

الصدقات فنعمان هي} فكما أن ما في هذه الآية لا صلة لها وهي وحدها اسم، كذلك في التعجب لا صلة لها.

وقولك: أعلم فعل ماضي، وفيه ضمير يعود إلى المبتدأ الذي هو ما. وذلك الضمير رفع بأنه فاعل، وزيد، وما أشبهه نصب بأنه مفعول به وتقديره: شيء أحسن زيدا. هذه الهمزة التي في أحسن هي الهمزة التي تدخل فتنقل الفعل من غير التعدي إلى التعدي إلى المفعول به وقد تقدم ذكرها. والضرب الآخر من لفظي التعجب نحو: أكرم بزيد وأعلم به. وأطيب به. وفاللفظ في هذا لفظ الأمر والمعنى معنى الخبر

والمعنى: صار زيد ذا علم وذا كرم، والجار والمجرور في موضع رفع بأنه فاعل كما أنها في قولهم: كفى بالله، وما جاءني من احد كذلك. ولا يدخل في هذا الباب من الأفعال إلا ما كان على ثلاثة أحرف [في اللفظ] فإن زاد الفعل على ثلاثة أحرف في اللفظ أو ما كان في حكم اللفظ فإنه لا يدخل في هذا الباب. فما زاد على ثلاثة أحرف

فلم يدخل في هذا الباب فنحو: انطلق واقتدر، واستخرج (ودحرج) وكذلك لم تدخل الألوان في هذا الباب نحو: احمار وإشهاب لأنها زائدة على ثلاثة حرف. فأما عور وحول وصيد فهو في الحكم زائد على ثلاثة أحرف يدل على ذلك أن الياء والواو صحتها فيه كما صحت في أسود وأبيض ولولا ذلك لا عتلتا كما اعتلتا في هاب وخاف. فإن أريد التعجب من شيء من هذا النحو قيل فيه: ما أشد استخراجه، وما أحسن احمراره، وما أشد دحرجته. ومما يجري مجرى التعجب قولهم: هذا أفضل من هذا، وزيد أعلم من عمرو، ولا يستعمل قولهم أفعل من هذا فيما لم يستعمل منه ما أفعله ولا أفعل به فلا يقال: هذا أعور من هذا، كما لم يقل: ما أعوره ولا أعور به. ولكن: هذا أشد من هذا حمرة، وأزيد

منه صمما [وأكثر دحرجة وما أشبه ذلك]

باب العوامل الداخلة على الابتداء والخبر

باب العوامل الداخلة على الابتداء والخبر وهي كان وأخواتها وإن وأخواتها وظننت وحسبت ونحوهما. فأما كان وصار وأصبح وأمسى وظل وبات [وأضحى] وما انفك وما زال وما دام وما برح وما فتئ وليس فإنها تدخل على الابتداء والخبر فيصير ما كان مرتفعا بالابتداء قبل دخول هذه الأشياء عليه مرتفعا مكان وما كان مرتفعا بأنه خبر مبتدأ منتصباً بأنه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

خبر كان وذلك قولك: كان عبد الله ذاهبا، وكان بكر خارجا وما زال أخوك كريما، ولا أكلمك [اليوم] ما دمت مقيما، وأمسى زيد مسروراً. وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فالذي يجعل اسم كان منهما المعرفة كما كان المبتدأ المعرفة [والخبر

النكرة] وذلك قولك: كان زيد منطلقا فالذي شغلت به كان المعرفة [كما كان المبتدأ المعرفة] والنكرة الخبر [ولو قلت: كان زيدا منطلق فصار الذي شغلت به كان النكرة والخبر معرفة] وقد يجيء في الشعر للإضرار الإسم نكرة والخبر معرفة ولا يجوز هذا حيث لا يضطر إليه تصحيح وزن ولا إقامة قافيه. قال الشاعر:

(قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا) فإذا اجتمع معرفتان كان لك أن تجعل أيهما شئت الإسم تقول: كان أخوك زيداً، وكان زيد أخاك. وكذلك قرئ: {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا} وما كان جواب قومه إلا أن قالوا [بالرفع والنصب].

ويستقيم أن تقدم الخبر على الأسم فتقول كان أخاك زيد، وكان منطلقاً عمرو، وقال [الله] تعالى: {وكان حقا علينا نصر

المؤمنين" وقال تعالى: {أكان للناس عجبا أن أوحينا} ويجوز أيضا: منطلقا كان زيد، وشاخصاً صار بكر لأن العامل متصرف وهكذا خبر ليس في قول المتقدمين من البصريين وهو عندي القياس فتقول: منطلقا ليس زيد. وقد ذهب قوم إلى أن تقديم خبر ليس على ليس لا يجوز، ولم يختلفوا في جواز تقديم خبرها على اسمها نحو: ليس منطلقاً زيد وتقول: زيد كان أبوه منطلقا، فترفع زيداً بالابتداء، وكان ما بعدها في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ وأبوه مرتفع بأنه اسم كان، ومنطلقا نصب بأنه خبرها. وإن شئت قلت: زيد كان أبوه منطلق، فجعلت في كان ذكرا عائدا إلى زيد وجعلت الجملة التي هي: أبوه منطلق، في موع نصب بأنه خبر كان وكذلك الحديث المروى: {كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه} وهما اللذين. وكذلك قول الشاعر:

(من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا) وقوله: (إذا ما المرء كان أبوه علبس ... فحسبك ما تريد من الكلام)

وتقول: من كان أخاك، ومن كان أخوك. فإذا رفعت قولك: أخوك كان من في موضع نصب. وإذا نصبت أخاك كان من في موضع رفع بالابتداء وفي كان كر يعود إلى من. وإذا وضعت من أيا ظهر الإعراب فيه تقول: أيهم كان أخاك وأيهم كان أخوك. وقد أجازوا في الابتداء: هو زيد منطلق على أن يكون هو ضمير القصة والحديث والجملة في موضع الخبر.

فإذا دخل على هذا الكلام كان استتر الضمير فيها، وارتفع زيد بالابتداء، ومنطلق بأنه خبر، والجملة في موضع نصب لكونها خبرا لكان، وذلك قولهم: كان زيد منطلق ونظير هذا في أن إنه زيد منطلق، قال الله عز وجل: {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم} وقد جاء هذا الضمير مؤنثا، قال الله عز وجل: {فإنها

لا تعمى الأبصار} وعلى هذا قول من قال: "أولم تكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل" ففي تكون ضمير القصة، وآية خبر مبتدأ مقدم والجملة في موضع نصب. ولا يكون التأنيث في تكن للآية، لما تقدم من أنه إذا اجتمع نكرة ومعرفة، فالاسم المعرفة. ومن ذلك قول الشاعر: (ولا نبئن أن وجهك شانه ... خموش وإن كان الحميم حميم)

[وربما اضطر شاعر فحذف الضمير من إن وليت، قال الشاعر وهو عدى بن زيد: (فليت رفعت الهم عني ساعة ... فبيتنا على ما خيلت ناعمي بال) ولا يجوز: كانت زيدا الحمى تأخذ. إن رفعت الحمى بكانت

لفصلك بين كان واسمها بأجنبي منها وهو زيد الذي هو مفعول مفعولها. فإن جعلت التأنيث في كانت للقصة ورفعت الحمى بالابتداء وجعلت تأخذ خبر المبتدأ جازت المسألة [لأن زيدا حينئذ أجنبي وهو مفعول مقدم ولم يفصل به بين الفاعل وفعله]

باب ما

باب ما

ومما يجري مجرى ليس في رفعها الاسم الذي يكون مبتدأ ونصبها الخبر ما في لغة أهل الحجاز وذلك قولهم: ما زيد ذاهبا، وما عبد الله خارجا، وجعلوها بمنزلة ليس لمشابهتها لها في نفي ما في الحال والدخول على الابتداء والخبر قال الله عز وجل: {ما هذا بشرا} و [قال] "ما هن أمهاتهم" وقد دخلت على خبرها الباء كما دخلت على خبر ليس وذلك قولهم: ما زيد بذاهب، وما بكر بخارج كما قالوا: ليس زيد بخارج. فإن نقضت النفي فقلت: ما زيد إلا منطلق لم يكن إلا الرفع قال عز وجل: "وما أمرنا إلا واحد". ومما يجري مجرى نقض النفي: ما زيد قائما بل قاعد وقياس لكن

الخفيفة أن تكون مثل بل تقول: ما زيد قاعدا لكن قائم. وكذلك إن قدمت الخبر فقلت: ما منطلق زيد، وما مسيء من أعتب [لم يكن إلا الرفع لأنه إذا تقدم خبر ما على اسمها بطل عملها لضعفها] وقد زعموا أن قوما ينصبون هذا والأكثر الأعرف غير ذلك وتقول: ما زيد بآكل طعامك، وما زيد طعامك بآكل. فإن قلت: ما طعامك زيد بآكل، ولم يجز وكذلك إن قلت: ليس طعامك (زيد) بآكل، أو ليس طعامك زيد آكلا لم يجز لما تقدم من إنه لا يفصل بين الفعل وفاعله الأجنبي. فإن أضمرت في ليست جازت المسألة ولا يجوز مع ما لأنها ليس بفعل فيضمر فيها ألا ترى أنك تقول: زيد ليس منطلقا ولا تقول: عمرو ما منطلقا. وتقول: ليس زيد بخارج ولا ذاهب أخوه فترفع قولك أخوه بذاهب.

ولو وضعت مكان الأخ أجنبيا فقلت: ليس زيد بخارج ولا ذاهب عمرو لم يجز لأنك قد عطفت بالوا على عاملين مختلفين ولو نصبت فقلت: ليس زيد بخارج ولا ذاهبا عمرو لجاز.

ولو جعل موضع ليس ما فقلت: ما زيد بخارج ولا ذاهبا عمرو لا يجز كما جاز ذلك في ليس لأنك تجيز في ليس تقدم الخبر على الاسم فتقول: ليس ذاهبا عمرو ولا تقول: ما ذاهبا عمرو. فإذا لم يجز تقديم الخبر في ما في هذا النحو فكذلك لا يجوز فيما عطفت عليه.

باب إن وأخواتها

باب إن وأخواتها وهي إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل. وهذه الحروف تدخل على المبتدأ (والخبر) فينتصب بها ما كان يرتفع بالابتداء ويرتفع بها ما كان يرتفع بخبر الابتداء وذلك قولك: إن عبد الله ذاهب وكأن عمرا أخوك، وليت بكراً صاحبنا.

ولا يجوز تقديم الخبر في هذا الباب، كما جاز في [باب] كان إلا أن يكون ظرفا نحو: إن في الدار عمراً، وإن أمامك بكرا، لأن الظرف قد اتسع فيها فإن عطفت على إن، وما عملت فيه اسماً نحو: إن زيداً منطلق وعمرو جاز في عمرو الرفع والنصب. فالرفع جوازه من وجهين: أحدهما مستحسن. وهو أن تعطف على موضع إن، وما عملت فيه لأن موضعهما رفع، ولم يتغير معنى الابتداء عما كان عليه قبل. والآخر أن تعطفه على الضمير المرفوع الذي في اسم الفاعل. فإن حمل على هذا الوجه وجب أن تؤكد فيقال: إن زيداً منطلق هو وعمرو كما جاء في قوله: {أسكن أنت وزوجك الجنة} و {إنه يراكم هو وقبيله}. والنصب أن تحمله على لفظ ما عملت فيه إن دون موضعها. ولكن في هذا الباب بمنزلة إن. فأما سائر الحروف فلا يجوز أن يحمل العطف معها على موضع الابتداء لأن موضعه قد زال بدخولها من أجل ما تضمن من معنى

الفعل ولكنه يرفع على الحمل على الضمير الذي في الخبر وينصب فيتبع ما انتصب بهذه الحروف. ويجوز دخول لام الابتداء على خبر إن وعلى اسمها إذا فصل بينهما ظرف، فمثال دخولها على الخبر: إن زيداً لمنطلق، وإن بكراً لأخوك

و [من قوله تعالى]: {إن ربهم يؤمئذ لخبير} ومثال دخولها على الاسم: إن في الدار لزيداً، وإن عندك لبكرا, فإن دخلت هذه اللام على إن على خبرها علقت الفعل

الذي يلغى عنها فلم يعمل فيها وذلك نحو: علمت إن زيداً لقائم، وظننت إن في الدار لزيداً [وهذه الأفعال التي تعلق وتلغى هي: ظننت وأخواتها]. ولا تدخل اللام إلا على اسم إن أو على خبرها أو تقع قبل الخبر. فمثال وقوعها قبل الخبر قولك: إن زيداً لطعامك آكل، وإن بكراً لفي الدار جالس. ولو قلت: إن بكرا جالس لفي الدار وإن زيداً آكل لطعامك لم يجز لأنها دخلت على فضلة وشيء مستغني عنه وإنما تدخل على اسم إن أو خبرها لأنها لام الابتداء فحكمها أن تقع قبل إن وإنما فصل بينهما كراهية اجتماع حرفين متفقين في المعنى.

واعلم أنه لا يجوز أن تقول: إن الذاهبة جاريته صاحبتها لأنك لا تفيد بالخبر شيئا لم يستفد من المبتدأ وحكم الجزء الذي هو الخبر أن يفيد ما لم يفده المبتدأ وحكم الجزء الذي هو الخبر أن يفيد ما لم يفده المبتدأ ومن ثم ضعف: سير به سير لأن قولك: سير به قد علم منه السير إلا أن تريد بقولك سير ضربا من السير أي سير واحد لا سيران

وإنما جاء في التنزيل: {فإن كانت اثنتين} لأنه بقيد العدد متجرداً من الصغر والكبر. ولا يجوز: إن المصطلح وأخاه مختصم.

رفعت الأخ أو نصبته. فإن زيد في المسألة اسم آخر وثنى الخبر فقيل: إن المصطلح [هو] وأخوه وزيادا مختصمان استقامت [المسألة]. وتقول: إنه زيد منطلق، تريد إن القصة وإن الأمر، ودق يجوز أن تحذف هذه الهاء في الشعر كما قال: (إن من لام في بني بنت حسا ... ن ألمه وأعصه في الخطوب)

وأنشدنا علي بن سليمان الأخفش: (فليت كفافا كان خيرك كله ... وشرك عني ما ارتوى الماء مرتوي) ويروي وشرك بالنصب ومرتو مرفوع والماء مرفوع إن حملت العطف على كان كان مرتو في موضع نصب وإن حملته على ليت نصبت قوله: وشرك ومرتو مرفوع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد تدخل ما على إن فتكفها عن عملها النصب وذلك نحو قوله: "إنما أنت منذر من يخشاها" وكذلك كأن، قال الله عز وجل: {كأنما يساقون إلى الموت} وكذلك لعل، قال الشاعر: (أعد نظراً يا عبد قيس لعلما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا)

باب من إن وأن

باب من إن وأن وعمل ان المفتوحة كعمل إن المكسورة. ومعناها مختلف لأن [أن] المفتوحة مع ما بعدها [من الاسم والخبر] في تأويل اسم تقول: بلغني أنك منطلق. فيكون المعنى: بلغني انطلاقك. فموضع أن وما بعدها من الاسم والخبر رفع بالفعل. وعجبت من أنك منطلق فيكون في موضع جر. علمت أنك منطلق، فيكون في موضع نصب. وأما المكسورة فإنها تقع في الموضع الذي يتعاقب عليه الابتداء والفعل فإن اختص الموضع بالاسم دون الفعل، والفعل دون الاسم وقعت المفتوحة [فيه] دون المكسورة

فمن المواضع التي تكسر فيها قولك مبتدئا: إن زيداً منطلق كسرت إن لأن الموضع يصلح للاسم والفعل وكذلك إذا وقعت بعد الاسم الموصول كقولك: أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك وقال الله عز وجل: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} ألا ترى أن الموصول يوصل تارة بالاسم وتارة بالفعل وكذلك الحياة كقولك: قال زيد إن عمراً منطلق. وتقول: لولا أنك جئتني لعاقبت زيداً، فتفتح إن لأن الموضع يختص بالاسم. وتقول لولا أنه جاء لأكرمته. فتفتح لأن الموضع يختص بالفعل. فإذ وقعت المكسورة والمفتوحة في موضع فالتأويل مختلف، تقول: أول ما أقول إني أحمد الله. فتكسر الهمزة من إني وتفتحها.

فإذا كسرتها كان كولك: أول ما أقول مبتدأ محذوف الخبر تقديره: أول قولي إني أحمد الله ثابت أو موجود. وإذا فتحت الهمزة من إني كان التقدير: أول قولي أني أحمد الله، كأنه قال: أول قولي الحمد لله. فجاز لأن الثاني هو الأول. كما تقول: أول شأني أني خارج، فتفتح لأن الخروج شأن وأمر. وتقول: ما رأيته مذ أن الله خلقني، فتفتح أن بعد مذ

[أي مذ زمن خلق الله إباي] ولابد من أن تقدر حذف المضاف قبل إن جعلت مذ حرفا، أو اسماً [وإذا كان حرفا لم يدخل إلا على أسماء الزمان، وإذا كان مبتدأ كان من أسماء الزمان] ولو قلت: علمت أن يقوم زيد، فتنصب الفعل بأن لم يجز لأن هذا من مواضع أن لأنه مما قد ثبت واستقر. كما لا يحسن: أرجو أنك تقوم، وأطمع أنك تعطيني لأنه مما لم يثبت ولم يستقر ولكن تقول: أرجو أن تقوم، وأطمع أن تعطيني، وفي التنزيل: "والذي أطمع أن يغفر لي" فإن وقعت بعد علمت أن الخفيفة كانت مخففة من الثقيلة كقوله عز وجل: "أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا" [تقديره: إنه لا يرجع إليهم قولا] وأما حسبت وأخواتها فتقع بعدها الناصية للفعل والمخففة من الثقيلة وقد قرئ: "وحسبوا ألا تكون فتنة" رفعا ونصبا.

باب ظننت وأخواتها

باب ظننت وأخواتها وهي ظننت وحسبت وأرى وعلمت ورأيت إذا لم يرد [به] إدراك البصر وزعمت [ونبئت] فهذه الأفعال تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب [الاسم] الذي كان مبتدأ بأنه المفعول الأول وتنصب [الاسم] الذي كان يرتفع بأنه خبر الابتداء بأنه المفعول الثاني وذلك قولك: ظننت عبد الله خارجاً. وخلت بكراً شاخصا وأرى زيداً ذاهبا: وقد تقع في موضع المفعول الثاني الجمل التي وقعت أخبارا

للمبتدأ وكذلك في باب كان وإن ذلك قولك: ظننت زيداً أبوه منطلق فموضوع الجملة التي هي: أبوه منطلق نصب لوقوعها في موضع المفعول الثاني، قال [الشاعر] (فإن تزعميني كنت أجهل فيكم .. فإني شريت الحلم بعدك بالجهل) وإذا ابتدأت بهذه الأفعال، فقلت" ظننت زيدا منطلقا اعملتها في المفعولين وإن وسطتها، أو أخرتها كنت بالخيار في الإعمال والإلغاء. وذلك قولن: زبد ظننت منطلق، وبكر حسبت شاخص.

قال الشاعر: (أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني ... وفي الاراجيز خلت اللؤم والخور)

فقولك في الأراجيز إذا ألغيت خلت في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ [ومقدم عليه] ولو أعملت خلت كان في موضع نصب من حيث كان يكون في موضع المفعول الثاني. وتقول: زيد ظننته منطلقا، فتجعل الهاء إن شئت ضميراً لزيد، وإن شئت ضميراً للمصدر. فإن جعلت الهاء لزيد، فإن زيداً يرتفع بالابتداء، وقولك: ظننته منطلقا في موضع خبره، وإن شئت نصبت زيدا في قول من قال: زيداً ضربته، فقلت: زيدا ظننته منطلقا (فإن جعلت الهاء كناية عن المصدر نصبت فقلت: زيداً ظننته منطلقا) كأنك قلت: زيدا ظننت ظنا منطلقا. فإن ألغيت ظننت إذا عديته إلى المصدر/ كما تلغيه إذا لم تعده رفعت فقلت" زيد ظننته منطلق، كا تقول: زيد ظننت منطلق، وأقبح من هذا أن تقول: زيد ظننت ظنا منطلق. فإن قدمت ظننته فقلت: ظننته زيداً منطلقا، ولم يكن فيهما إلا النصبن كما لم يكن إلا النصب إذا لم تعد الفعل إلى المصدر

لأن الفعل إذا عدى إلى المصدر فقدم لم يلغ. كما لا يلغي إذا لم يعد إليه. وإذا قلت: ظننت ذاك كان ذاك إشارة إلى المصدر، كأنك قلت: ظننت ذاك الظن. ولو كان إشارة إلى غيره لم يكن من المفعول الثاني بد إلا أن تجعل الظن بمعنى التهمة، فإنه يجوز حينئذ الافتصار فيه على مفعول واحد. وعلى هذا قوله تعالى: {وما هو على الغيب بظنين} أي يمتهم ومن قرأ: يضنين بالضاد أراد أنه لا يبخل بما عنده من علم الوحي، فلا يعلم أحداً به حتى يأخذ عليه حلوانا كما يفعل الكهان.

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل

باب الأسماء التي أعملت عمل الفعل وذلك أسماء الفاعلين، والمفعولين، والصفات المشبهة بها، والمصادر التي أعملت عمل الفعل، والأسماء التي سميت بها الأفعال

باب أسماء الفاعلين والمفعولين

باب أسماء الفاعلين والمفعولين اسم الفاعل على ثلاثة أضرب: أحدها أن يكون لما مضى والآخر أن يكون للحال والثالث أن يكون للمستقبل. فالذي يعمل عمل الفعل ما كان للحال أو للمستقبل دون ما مضي وإنما أعمل اسم الفاعل عمل الفعل وإذا كان جاريا عليه في حركاته وسكونه وتأنيثه وتذكيره وإنه يثنى ويجمع بالواو والنون أو الألف والتاء كما تلحق الأفعال علامة التثنية والجمع. واسم المفعول في ذلك كاسم الفاعل. وإنما يعمل عمل الفعل إذا جرى وصفا [على موصوف] أو خبراً لمبتدأً أو حالا لذي حال وذلك قولك" مررت برجل قائم أبوه، وبغلام ضارب أبوه عمراً، وبامرأة معط أبوها زيداً ردهما. فقائم، وضارب ومعط عملت عمل أفعالها التي يجري اسم الفاعل عليها. وكذلك يقول: زيد قائم أبوهن وبكر قائمة جاريته، وهذا زيد قائما غلامه. فقائما حال لزيد. وجاز ذلك للذكر الراجع من الصفة إلى الموصوف ومن الخبر إلى المبتدأ، ومن الحال إلى ذي الحال. واسم المفعول به في ذلك يجري مجرى اسم الفاعل تقول: مررت برجل مضروب أبوه، وبغلام معطى أبوه درهما كما تقول:

مررت برجل يضرب أخوه، وبغلام يعطي أخوه درهما. ومما يجري هذا المجرى قولك: أقائم أخواك، وما ذاهب غلامك. فإذا كان اسم الفاعل لما مضى لم يعمل عمل الفعل لو قلت: مررت برجل ضارب أبوه زيداً أمس لم يجز. وقد أجاز بعضهم ذلك واحتج بقوله عز وجل: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} وقال من لم يجزه إن هذه الآية لا دلالة فيها على إجازة ذلك لأنها حكاية حال. قالوا إنما أعمل اسم الفاعل عمل الفعل لمشابهته الفعل، فكما أعرب المضارع إذا كان للحال والمستقبل كذلك أعمل اسم الفاعل عمل الفعل. وكما لم يعرب الفعل الماضي كذلك لم يعمل اسم الفاعل إذا كان للماضي. وتقول: مررت برجل ضارب عمرو غدا، فتحذف التنوين ليخف اللفظ بالحذف، والمعنى معنى الإعمال وثبات التنوين وعلى هذا قوله

تعالى: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} وقوله عز وجل: {كل نفس ذائقة الموت} وقوله عز وجل: {إلا آتي الرحمن عبداً} وقال الشاعر: (سل الهموم بكل معطي رأسه ... ناج مخالط صهبة متعيس) فالمعنى فيه التنوين والنصب. فأما قولهم: هذا معطي زيد أمس ردهما. فدرهم نصب على

إضمار فعل دل عليه معط. ومثل ذلك قوله عز وجل: {فالتي إلا صباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسباناً} ولو قلت: هذا ضارب زيد اليوم وغدا عمراً، لكان قبيحا نصبت عمراً أو جررته لفصلك بين حرف العطف وما عطف به بالظرف. وقد جاء ذلك في الشعر قال الأعشى:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(يوما تراها كشبه أردية العص ... ب ويوما أديمها نغلا) فإن ثنيت اسم الفاعل فلت: هذان ضاربان زيداً غدا. وإن حذفت النون من التثنية كما حذفت التنوين من الواحد أضفت فقلت: هذان ضاربا زيد غدا والجمع: هؤلاء ضاربون زيدا، وضاربو زيد فإن ألحقت الألف واللام اسم الفاعل قلت: هذا الضارب زيدا ولا يجوز إضافة الضارب إلى زيد. فإن ثنيت قلت: هذان الضاربان زيداً

فإن حذفت النون أضفت فقلت: هذان الضاربا زيد وكذلك الجميع. وقد يجوز إذا حذفت النون من اسم الفاعل في الاثنين والجميع إذا الحقته الألف واللام أن تنصب فتقول: الضاربو زيداً، وهكذا أنشدوا: (الحافظو عورة العشيرة لا ... يأتيهم من ورائنا نطف ووكف) والأكثر الجر كما قال عز وجل: {والمقيمي الصلاة} فإن حذفت النون مما لا ألف ولا لام فيه لم يكن إلا الجر وكان النصب

لحنا وقال أبو عثمان قال أبو زيد كان أبو الشمال يقرأ حرفا يلحن فيه بعد أن كان فصيحا وهو قوله تعالى: {إنكم لذائقو العذاب الأليم}.

باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

باب الصفة المشبهة باسم الفاعل هذه الصفات مشبهة باسم الفاعل كما كان اسم الفاعل مشبها بالفعل وذلك نحو: حسن، وشديد، وكريم. وجهة شبهها باسم الفاعل أنها تذكر وتؤنث، وتثنى وتجمع بالواو والنون، والألف والتاء تقول: حسن وحسنة وحسنان [وحسنات] وحسنون وشديد وشديدة [وشديدان] وشيديدون وشديدات. وتنقص هذه الصفات عن رتبة اسن الفاعل بأنها ليست جارية على الفعل، فلم تكن على أوزان الفعل كما كان ضارب في وزن الفعل وعلى حركاته وسكونه تقول: مررت برجل حسن وجهه وشديد ساعده، وزيد كريم أبوه. فيرتفع الوجه والساعد والأب بهذه الصفات ولا يستحسنون: مررت برجل خير منه أبوه، فيرفعون الأب بخير، وإن كان صفة كما رفعوه بحسن وكريم لأن خيرا وإن كان صفة تعرت من المشابهات التي بين هذه الصفات التي ذكرتها، وبين الفعل [وذلك إنها لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث] ولابد في هذه الصفات من ذكر يعود

منها إلى الموصوف، فقولك: مررت برجل حسن وجهه، وقد عاد منه إلى الموصوف الذي هو رجل المذكور ذكرا مما ارتفع بالصفة التي هي قولنا حسن والذكر هو الهاء في وجهه، فإذا حذف الضمير من وجهه، فقيل: مررت برجل حسن الوجه، أو حسن وجه، لم يعد هذا

الذكر من الصفة إلى الموصوف، فجعل حسن للرجل دون الوجه في اللفظ، وصار الحسن شائعا في جملته، كأنه وصفه بأ، هـ حسن العامة بعد أن كان الحسن مقصوراً على الوجه دون سائره. والدليل على ذلك قولهم: مررت بإمرأة حسنة الوجه، وتأنيثهم لحسنة. فلو كان حسن بعد حذف الضمير الذي كان في وجهه على حده قبل ان يحذف لما أنث حسنة في قولهم: مررت بامرأة حسنة الوجه، وكما لم تؤنث في قولهم: مررت بامرأة حسن وجهها، لكت تأنيثهم الصفة إذ جرت على المؤنث تدل على ما ذكرت.

ولم يستحسنوا مررت برجل حسن الوجه، ولا بامرأة حسن الوجه وأنت تريد لما ذكرت [لك] من أن الصفة يحتاج فهيا إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف. ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة، كما استحسنوه في الصلة لما قالوا: مررت بامرأة حسنة الوجه. وأما قوله عز وجل: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} فليس على مفتحة لهم الأبواب منها ولا على الالف واللام سد مسد الضمير العائد من الصفة، ولكن الأبواب بدل من الضمير الذي في مفتحة. لأنك [قد] تقول: فتحت الجنان إذا فتحت أبوابها، وفي التنزيل: "وفتحت السماء فكانت أبوابا" فصار ذلك منزلة قولك: ضرب زيد رأسه: وتقول" مررت برجل حسن الوجهه، فتصف به النكرة، وإن كانت الصفة مضافة إلى ما فيه الألف واللام، لأن الإضافة في معنى الإنفصال كما كان قولك: مررت برجل ضارب زيد غدا، كذلك فإن أردت أن تصف به معرفة أدخلت الألف واللام على الصفة فقلت: مررت بزيد الحسن الوجه، وبهند الحسنة الوجه. ويجوز أن تنصب الوجه فتقول مررت بزيد الحسن الوجه، تشبيها بالضارب الرجل، كما تقول: مررت بالضارب الرجل/ فتشبهه بالحسن الوجه.

باب المصادر التي أعملت عمل الفعل

باب المصادر التي أعملت عمل الفعل المصادر التي تعمل عمل الفعل على ثلاثة أضرب. أحدها أن تنون والآخر أن تضاف. والثالث أن تدخل عليه الألف واللام. فمثال ما أعمل من المصادر وهو منون قولهم: أعجبني ضرب زيد عمراً وإن شئت: ضرب عمراً زيد فزيد يرتفع بالمصدر كما يرتفع بالفعل إذا قلت: ضرب زيد عمراً، وينتصب به أيضا، ومما جاء من ذلك في القرآن قوله عز وجل: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا} وقوله: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما} ويمكن أن يكون من هذا قوله عز وجل: {قد أنزل

الله إليكم ذكرا رسولا} كأنه قال: لا يملك أن يرزق شيئا أو أن أطعم يتيماً وأن ذكر رسولا. ومما جاء في الشعر من ذلك قوله: (فلولا رجاء النصر منك ورهبة ... عقابك قد صاروا لنا كالموارد) ولو قلت: أعجبني ضرب زيد عمراً اليوم عند زيد فجعلت الظرفين متعلقين بالمصدر لم يحز أن تقدمهما عليه. ولو جعلت اليوم متعلقا بأعجبني كأنك أردت أن الإعجاب كان [في] اليوم و [جعلت] قولك: عند زيد من صلة المصدر لم يجز لأنك فصلت بين الصلة والموصول

بشيء أجنبي [ليس] منهما. وذلك أن اليوم إذا كان من صلة أعجبني فلا ملابسة له بصلة المصدر. فإن جعلت ظرف المكان وهو قولك: عند زيد من صلة المصدر فقدمته فقلت: أعجبني ضرب زيد عمرا عند زيد اليوم جاز. وإن جعلته متعلقا بأعجبني مع اليوم جاز أيضا ولم يمتنع ان تقدمه على ضرب فتقول: أعجبني عند زيد ضرب زيدا عمرا واليوم ويجوز أيضا ان تقدمه على أعجبني فتقول: عند زيد أعجبني ضرب زيد عمراً اليوم. ومثال ما أعمل من المصادر عمل الفعل وهو مضاف قولك: ضربي زيداً حسن، وسرني ضرب عمرو خالداً فما أضفت إليه المصدر من الفاعل والمفعول انجر بالإضافة إليه وجرى الاسم الآخر على أصله تقول: أعجبني ضرب عمرو خالدا إذا كان عمرو فاعلا وضرب عمر وخالد إذا كان عمرو مفعولا. فمن إضافته إلى الفاعل قوله عز وجل: {ولولا دفع الله الناس} ومن إضافته إلى المفعول من غير أن يذكر معه الفاعل قوله تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} وقوله

تعالى: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} ومما جاء من إضافته إلى المفعول ومعه الفاعل في الشعر قوله: (أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشؤون وكيف) وإذا أضفته إلى المفعول جاز أن تنصب المعطوف عليه وتحمله على المعنى، كما قلت في اسم الفاعل: هذا ضارب زيد وعمراً، وعلى هذا قوله:

قد كنت داينت بها حسانا مخافة الإفلاس والليانا [يحسن بيع الأصل والقيانا] ويجوز على هذا: أعجبني ضرب زيد وعمرو، فترفع عمراً بحمله على المعنى إذا كان زيد فاعلا لأن موضعه إذا كان فاعلا رفع، وعلى هذا حمل وصفه على الموضع في قوله: طلب المعقب حقه المظلوم فالمعقب في المعنى فاعل.

ومثال ما أعمل من المصادر وفيه الألف واللام قولك: أعجبني الضرب زيدا عمرا، والشتم بكر خالدا قبيح, ومما جاء في الشعر من هذا قوله: (ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل) فهذا بمنزلة قولك: أن شتم بكر خالدا قبيح. وأقيس الوجوه الثلاثة في الإعمال الأول ثم المضاف. ولم أعلم شيئا من المصادر بالألف واللام معملا في التنزيل. ومن قال: عجبت من ضرب زيد عمرا، فأضاف المصدر إلى الفاعل لم يقل هذا اسم الفاعل [فتقول: عجبت من ضارب زيد كقولك: من ضرب زيد] لما يلزم فيه من إضافة الشيء إلى نفسه. وذلك أن ضاربا هو زيد في المعنى وليس الضرب إياه هو غيره.

فأما قوله: (لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا) فمن أنشد كررت كان على إعمال الضرب في مسمع. فإن قلت فهل يكون على أنه أراد: أنني كررت على مسمع فنصب كما قال:

(كأنه واضح الأقراب في لقح ... أسمى بنهن وعزته الأناصيل) يريد: عزت عليه. فلما حذف على أوصل الفعل فإن ذلك لا يحمل عليه ما وجد مندوحه عنه.

باب الأسماء التي سميت بها الأفعال

باب الأسماء التي سميت بها الأفعال وهي رويد ونحوه. وأكثر ما تستعمل هذه الأسماء في الأمر والنهي لأن الأمر والنهي قد يستغنى عنهما إذا كانا للحاضر بدلالة الأحوال فيهما على الأفعال ألا ترى أنك قد تقول لمن أشال سوطا، أو شهر سيفا: زيدا أو عمرا، وتستغنى عن قولك: أضرب وأوجع ونحو ذلك بدلالة الحال عليه. فكذلك استغنى عن الأفعال بألفاظ هذه الأسماء التي سميت بها وذلك نحو قولك: رويد زيدا تريد: أرود زيدا، وحيهل الثريد، وعليك زيدا أي ألزمه، ودونك عمراً، وإيه وتراكها ومناعها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأنشد أبو زيد: (أعياش قد ذاق القيون مرارتي ... وأوقدت ناري فأذن دونك فاصطلي) ومنه قولهم: بله زيدا، إنما هو بمنزلة دع زيدا، ومن قال: بلع زيد، جعله مصدر مضافا إلى المفعول به، كقوله عز وجل: {فضرب الرقاب} ويدلك على أن هذه الكلم أسماء وليست بحروف إن الحرف والاسم لا يستقل بهما الكلام إلا في النداء، وليس ذلك بنداء. وقد جاء شيء من ذلك في الخبر وذلك قولهم: شتان زيد وعمرو، فهذا بمنزلة بعد زيد وعمرو. وقالوا: سرعان ذي إهالة، وقالوا: هيهات زيد، يريدون [به] بعد زيد قال: (فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نواصله)

ولا يجوز أن يتقدم مفعول شيء من هذه الكلم عليها لأنها ليست كالأفعال في القوة وقوله: {كتاب الله عليكم} ليس على معنى: عليكم كتاب الله ولكن كتاب الله مصدر دل على الفعل الناصب له ما تقدم، وذلك أن قوله: حرمت عليكم أمهاتكم" فيه دلالة على أن ذلك مكتوب عليهم فانتصب كتاب الله بهذا الفعل الذي دل عليه ما تقدمه من الكلام وعلى هذا قول الشاعر: (ما إن يمس الأرض إلا منكب ... منه وحرف الساق طي المحمل)

باب الأسماء المنصوبة

باب الأسماء المنصوبة الأسماء المنصوبة على ضربين: أحدهما ما يجيء بعد تمام الكلام. والآخر ما يجيء [منتصبا] عن تمام الإسم. فما يجيء بعد تمام الكلام على ضربين: مفعول، ومشبه بالمفعول. والمفعول على ضروب: مفعول مطلق، ومفعول به، ومفعول فيه، ومفعول له. الأول من ذلك وهو: المفعول المطلق هو الذي لم يقيد بشيء من حروف الجر وهو أسماء الأحداث فالفعل غير المتعدي إلى المفعول به والمتعدي يتعدي إلى المصدر تقول: قمت قياما، ونمت نوما، وضربت ضربا، وعلمت علما، وظننت ظنا فتعدى نمت إلى المصدر كما تعدى إليه ضربت. وإذا عرفت المصدر فهو كذلك تقول: ضربت الضرب الذي تعرف، وقمت القيام الذي تعلم. وكذلك إذا ثنيت، أو جمعت تقول: ضربته ضربتين وضربان. ويتعدي الفعل إلى ما كان ضربا من الحدث، وإن لم يشتق من لفظه وذلك

[نحو قولك]: قعد القرفصاء، واشتمل الصماء، ورجع القهقري لأن قعد إذا تعدى إلى القعود الذي يشمل القرفصاء وغيره فقد تعدى إلى القرفصاء في الجملة إذا كان ضربا من القعود وكذلك الاشتمال. وإذا قلت: ضربته ضرب زيدا عمراً، وضرب الأمير اللص، فالمعنى ضربته ضربا مثل الأمير اللص، ولا يجوز انتصابه على حد ضربته ضربا، لأني لا أفعل فعل غيري، ولكن قد أفعل مثل فعله وعلى هذا قول عز وجل {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} المعنى: كتابة مثل ما كتبت عليهم, ومثل هذا في الاتساع والحذف قولهم في صريح الطلاق: أنت واحدة تقديره: أنت ذات تطليقة واحدى، فحذف المضاف والمضاف إليه وأقيم صفة المضاف إليه مقام الاسم المضاف.

باب المفعول به

باب المفعول به الأفعال على ضربين أحدهما ما لا يتعدى إلى المفعول به والآخر ما يتعدى إلى المفعول به. فما لا يتعدى إلى المفعول به نحو: قام، وغاب وذهب، فإن أردت تعديته إلى المفعول به عديته بحرف الجر فتقول: ذهبت به، وقمت به وحللت به وإن شئت قلت: أذهبته. وفي التنزيل: "يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، وفيه: "أذهبتم طيباتكم وكذلك: حللت به، وأحللته وكذلك قوله [تعالى]: "لتنوء بالعصبة أولى القوة" إنما هو نأت العصبة ونؤت بهم وكذلك قوله: (ديار التي كادت ونحن على منى ... تحل بنا لولا نجاء الركائب) أي تجعلنا نحل. وكذلك: جاء وأجأته وجاء به.

وقد تعدى الفعل الذي لا يتعدى بتضعيف العين، وذلك قولك في غاب وفرح: غيبته وفرحته. وأما الفعل المتعدى فعلى ثلاثة أضرب: أحدها ما يتعدى إلى مفعول واحد، والآخر ما يتعدى إلى مفعولين، والثالث ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين. فما يتعدى إلى مفعول واحد فقد يكون علاجا، وغير علاج. فما كان علاجا فنحو: ضربته، وقتلته، وأخذته، وكسرته، ونقلته. وما كان غير علاج فنحو: علمته، وطننته، وفهمته، وذكرته، وهويته وأفعال الحواس الخمس كلها متعدية نحو: رأيته، وشممته، وذقته ولمسته، وسمعته إلا أن سمعت يتعدى إلى مفعولين، ولابد من أن يكون الثاني مما يسمع كقولك: سمعت زيدا يقول: ولو قلت سمعت زيدا يضرب أخاك لم يجز. وفإن اقتصرت على مفعول واحد وجب أن يكون مما يسمع فإن قلت فقد جاء في التنزيل: {عل يسمعونكم إذ تدعون} فاقتصرت على مفعول واحد وليس مما يسمع فالقول إن المعنى: هل يسمعون دعاءكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما جاء في الأخرى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} ومن الأفعال ما يتعدى بحرف جر فيتسع فيه ويحذف حرف الجر

فيتعدى الفعل إلى المفعول بغير حرف [جر] فمن ذلك قولهم: دخلت البيت، والأصل [فيه]: دخلت إلى البيت، والأصل [فيه]: دخلت إلى البيت يدل على ذلك أن مصدره على فعول وإنك قد تنقله بالهمزة فتقول: أدخلته، وبحرف الجر فتقول: دخلت به، وأن مثله وخلافه غير متعديين. فخلافه خرجت ومثله غرت. وقد تزاد في الأفعال المتعدية حروف الجر، وذلك قولك: قرأت بالسورة، وقرأت السورة، وألقى بيده، وألقى يدع في القرآن: "ألم يعلم بأن الله يرى" وفي موضع آخر: {ويعلمون أن الله هو الحق المبين}.

باب الفعل الذي يتعدى إلى المفعولين

باب الفعل الذي يتعدى إلى المفعولين الأفعال المتعدية إلى مفعولين على ضربين: أحدهما يجوز الاقتصار فيه على أحدهما دون الآخر وقد تقدم ذكر هذا الضرب في باب العوامل الداخلة على الابتداء والخبر. فأما ما يتعدى إلى مفعولين ويجوز الافتصار على أحدهما فنحو: أعطيت زيدا ردهما، وكسوت عمرا ثوبا تقول: " أعطيت زيدا ولا تذكر ما أعطيته، وأعطيت درهما ولا تذكر من أعطيته. ومن هذا الباب كل فعل يتعدى إلى مفعول واحد ونقلته بالهمزة فيتعدى إلى مفعولين وذلك نحو: أضربت زيدا عمراً وتقول: أبي زيد الماء وآبيته الماء. ثال: (قد أو بيت كل ماء فهي ضاوية ... مهما تصب أفقا من بارق تشم) ومن هذا الباب ما أصله أن يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف جر ثم يتسع فيه فيحذف حرف الجر فيتعدى الفعل إلى المفعول الثاني فمن ذلك قولت: اخترات زيدا من الرجال ثم يتسع [فيه] فتقول:

اخترت الرجال زيداً، واستغفرت الله من ذنبي واستغفرت الله ذنبي وكذلك: أمرت زيدا الخيرا، وأمرته بالخير. وفي التنزيل: {افعل ما تؤمر} و {فاصدع بما تؤمر} فهذا إن جعلت ما موصولة كان على: أمرتك الخير كان الأصل: تؤمر به. فلما بنيت الفعل للمفعول به نقص مفعول من المفعولين وبقى مفعول واحد فعديت الفعل إليه فقلت: تؤمره ثم حذفت الراجع إلى الموصول كما حذفته من قوله: "أهذا الذي بعث الله رسولا" وإن جعلت ما مع الفعل بمعنى المصدر لم تحتج معه إلى راجع كما لم تحتج مع أن إلى راجع من صلتها.

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين

باب الفعل الذي يتعدى إلى ثلاثة مفعولين هذا الباب منقول بالهمزة أو يتضعيف العين من الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على احدهما دون الآخر، فلما نقلته بالهمزة او بالتضعيف صار الفاعل مفعولا أولا فتعدى الفعل إلى ثلاثة مفعولين وذلك قولك: أرى الله زيدا عمراً خير الناس، وأعلم الله زيداً عمراً أخاك. وكذلك أنبأ، ونبأ، وإنما تعدى نبأ، وأنبأ إلى ثلاثة مفعولين لأن النبأ الخبر والإخبار إعلام فأجرى مجرى أعلمت في التعدي. ولا يجوز: أعلم الله زيدا عمرا خالدا لأن المفعول الثالث في هذا الباب هو الثاني في المعنى. كما يكون الثاني في باب علمت هو الأول في المعنة. وعمرو لا يكون خالدا فإن كان الكلام الداخل عليه: علمت عمرو خالد أي يسد مسده ويقوم مقامه كما نقول: أبو يوسف أبو حنيفة أي يغنى غناءه جاز ذلك لأن الثاني حينئذ في حكم الأول وعلى هذا قوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم} أي هن مثلهن في التحريم. وليس المراد بهن أنهم والدات لأنه قد جاء في الأخرى: {إن أمهاتهم إلا اللائي

ولدنهم} فنفى أن تكون الأم غير الوالدة. وإن كان للرجل اسمان جازت المسألة على ذلك أيضا. وتقول: أعلم الله زيدا هذا قائما العلم اليقين إعلاما. فالعلم اليقين ينتصب بفعل دل عليه أعلم ولا يجوز أن ينصب بفعل دل عليه أعلم ولا يجوز أن ينصب بأعلم لأنه إذا تعدى الفعل إلى مصدر لم يجز أن يتعدى إلى آخر كما أنه إذا تعدى إلى المفعول الذي يقتضيه لم يجز أن يتعدى إلى آخر لاستيفائه ما كان يقتضيه مما يتعدى إليه. فإذا استوفت هذه الأفعال التي ذكرناها في أبوابها مفعوليها فتعدت إلى أسمائهم تعدت بعد ذلك إلى المصادر وأسماء الزمان والمكان والمفعول له والحال تقوم: ضربت زيدا يوم الجمعة أمام زيد تقويما له مجرداً من ثيابه ضربا شديدا. زيدا يوم الجمعة أمام زيد تقويما له مجردا من ثيابه ضربا شديدا. وسائر الأفعال في التعدي إلى هذه الأشياء بمنزلة ضربت قال أبو عثمان: ولا يجوز أن ينقل من هذه الأفعال غير ما استعمل منه ولم يجز: أظننت زيدا عمراً منطقا.

باب المفعول فيه

باب المفعول فيه المفعول فيه على ضربين ظرف من الزمان وظرف من المكان فجميع الأفعال تتعدى إلى جميع ظروف الزمان نكرتها ومعرفتها، وموقتها ومبهمها. وإنما تعدى إلى جميع ضروب أسماء الزمان، كما تعدى إلى جميع ضروب المصادر لاجتماعهما في (أن) الدلالة وقعت عليهما من لفظ الفعل ألا ترى أنه إذا قال: ضرب، أو يضرب علم الزمان من صيغة الفعل ولفظه كما علم المصدر منه لتصمنه حروفه. وفلما اجتمعا في هذا المعنى اجتمعا في تعدي الفعل إلى جميع ضروبهما وذلك قولك: قمت يوما وليلة، وسرت الليلة التي عرفت وقدمت شهر رمضان وخرجت غدوة، وأقمت شهراً، وانتظرته حينا. والحين اسم مبهم يقع على القليل من الزمان [والكثير] كقوله: (تناذرها الراقون من سوء سمها ... تطلقه حينا وحينا تراجع)

وقيل إنه يقع على ستة أشهر وعلى أربعين سنة. ومن ظروف الزمان ما يستعمل اسما وظرفا ومنها ما يستعملى ظرفا ولا يستعمل اسما. فما استعمل اسما وظرفا: اليوم والليلة والساعة والحين والشهر والسنة والعام، وتقول: اليوم يوم مبارك، والليلة [ليلة] أسير فيها، ومضى حين لذلك، وانسلخ الشهر، ودخلت السنة. وما استعمل ظرفا ولم يستعمل اسما فنحو: ذات مرة وبكرا [وبكرة] [وبعيدات بين] وسحراً إذا عنيت سحراً بعينه، ولم ترد سحرا من الأسحار وضحى (وضحيا) إذا أردت به ضحى يوما وعشية وعتمى إذا أردت عشية يومك، وعتمة ليلتك. فهذه الأسماء لم تستعمل إلا ظروفا وهذه الظروف ربما كان العمل فيها كلها وربما كان في بعضها. ففما يكون العمل في بعضه قولك: أتيتك يوم الجمعة، وقدمت شهر رمضان. فالإتيان في بعض يوم الجمعة والقدوم في بعض

شهر رمضان. وما كان العمل فيه كله فنحو: صمت يوما. ومن ظروف المكان: سرت فرسخا وبريداً (وميلا) فما كان من ذلك في جواب كم كان العمل فيه كله وجاز ألا يكون موقتا تقول: كم سرت فيقول: عشرين فرسخا، وكم أقمت فيقول: ثلاثين يوم. ولا يمتنع أن تقول الثلاثين يوما فتضم إلى العدد التعريف لأن التعريف لا يخرجه عن أن يكون عددا [محدوداً] وما كان جواب متى فأنه لا يكون إلا موقتا ولا يتقتضى أن يكون العمل فيه كله تقول: متى سرت فتقول: يوم الجمعة واليوم الذي قدم فيه فلان ويوما خرج فيه زيد فتوقته. ولو قال في جواب متى سرت: وقتاً أو حينا أو زمانا أو نحو ذلك لم يجز لأنه لم يرد السائل في هذا الجواب على ما كان عنده. والصيف والشتاء يكون في جواب متى ويجوز أن يكون جواب كم من حيث كان عددا.

باب الظروف من المكان

باب الظروف من المكان الظروف من المكان ليست كالظروف من الزمان في أن جميع الأفعال تتعدى إلى جميع ضروبه وإنما يتعدى الفعل الذي لا يتعدى إلى ما كان مبهما منها. ومعنى المبهم أن لا تكون لها نهاية معروفة ولا حدود محصورة كالجهات الست. فأما ما لم يكن منها مبهما فأن الفعل الذي لا يتعدى لا يتعدى إليه كما لا يتعدى إلى غير ذلك من أسماء الأشخاص الموقتة تقول: قمت أمامك، وسرت وراءك وخلفك [وقدامك] ويمينك ويسرتك وشامة زيد وكذلك عند لأنها أشد إبهاما من خلف وبابه. فأما ما كان من الأماكن مخصوصا فإن الفعل الذي لا يتعدى لا يتعدى إليه لا تقول: قمت بغداد، ولا قمت السوق، ولا قمت المسجد لأن هذه الأماكن مخصوصة كزيد وعمرو وينفصل بعضها من بعض بصور وخلق فهي في ذلك كالأناسي ونحوهم من الجثث المخصوصة وكما لا يتعدى الفعل الذي لا يتعدى إلى الأناسي كذلك لا يتعدى إلى ما كان من الأماكن بمعناهم في الاختصاص.

وقد يتسع فيحذف حرف الجر فيصل الفعل الذي لا يتعدى إلى ما كان مخصوصا من الأماكن وذلك نحو قول الشاعر: (لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب) وقال الآخر: (فلا بغينكم قنا وعوارضا ... ولأقبلت الخيل لابة ضرغد) والمعنى: كما عسل في الطريق، ولأبغينكم بقنا وعوارض. وقد استعملوا أسماء مخصوصة استعمال الظروف وحكم ذلك أن يحفظ ولا يقاس عليه وذلك قولهم: هما خطان جنابتي أنفها. ويعني الخطين اللذين اكتنفا أنف الظبية. وزيد مناط الثريا، وهو منى معقد الإزار فيريد به قرب المنزلة قال: كان منا بحيث تعكى الأزرة

وقال آخر: كان مكان الثوب من حقويها وفسر أبو عمر الأزار هاهنا المرأة فكأنه يريد أن قربه منه قرب المرأة وأنشد:

(ألا أبلغ أبا حفص رسولا ... فدى لك من أخي ثقة إزاري) واعلم أن هذه الظروف يجوز أن يتسع فيها فتنصب نصب المفعول به. فإن كنيت عنه وهو ظروف قلت: الذي سرت فيه يوم الجمعة. وإن كنيت عنه وقد اتسعت [فيه] ونصبته نصب المفعول به قلت: الذي سرته يوم الجمعة. وإذا أضفت إلى شيء منه فقلت: يا سرائر اليوم، وياضارب اليوم لم يكن إلا إسما، وخرج بالإضافة إليه عن أن يكون ظرفا لأنها إذا كانت ظرفا كانت"في" مرادة فيها ومقدرة معها بدلالة ظهورها مع علامة الضمير. فإرادة ذلك فيها يمنع الإضافة إليها ألا ترى أنك إذا حلت بين المضاف والمضاف إليه بحرف جر نحو: غلام لزيد لم تصح الإضافة ومنع منها الحرف. فقوله تعالى: "بل مكر الليل والنهار" قد خرج الليل والنهار في اللفظ بالإضافة إليها عن أن يكون ظرفين وعلى ذلك قول الشاعر: (تروحي أجدر أن قيلي ... غذدا بجنبي بارد ظليل)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومثله قول الشاعر: (رب ابن عم لسليمي مشمعل ... طباخ ساعات الكرى زاد الكسل) ومن ظروف المكان ما يستعمل اسما وظرفا. ومنها ما يستعمل ظرفا ولا يستعمل اسما فالأول كخلف وأمام والثاني نحو: عند، وسوى وسواء ويدل على استعمالهم إياه اسما قوله:

(فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلففها وأمامها) وقالوا: منازلهم يمينا وشمالا. وقال عز وجل: {عن اليمين وعن الشمال عزين} ومن ذلك قوله: (صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا)

فمن رفع مجراها بالابتداء كان اليمين في موضع الخبر كقولك: زيد عندك. ومن أبدل المجرى من الكأس جاز أن ينصب اليمين على وجهين: أحدهما أن يجعل المجرى اليمين على الاتساع أو يريد" المجرى مجرى اليمين، فيحذف المضاف وقيم المضاف إليه مقامه. والآخر أن يجعله ظرفا، فتنصب اليمين نصب الظروف ولا تنصبه بكان ويكون في موضع نصب بأنه خبر كان

ومما لا يكون إلا على حذف المضاف منه قوله الشاعر: (كأن مجر الرامسات ذيولها ... عليه قضيم بمقته الصوانع) وكذلك قول ذي الرمة:

(فظلت بملقى واحف جرع المعنى ... قياما تفالي مصلخما أميرها)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب المفعول معه

باب المفعول معه الاسم الذي ينتصب بأنه مفعول معه يعمل فيه الفعل الذي قبله بتوسط الحرف وذلك قولهم: استوى الماء والخشبة وما صنعت وأباك. فالمعنى: استوى الماء مع الخشبة، وما صنعت مع أبيك.

وقال الشاعر: (فآليت لا أنفك أحذو قصيدة ... أكون وإياها مثلا بعدي) ومما يؤول على هذا في التنزيل قوله عز وجل: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} حمله قوم على هذا حيث لم يجز أن يعطف على ما قبله وذلك أنه لا يقال: أجمعت شركائي إنما يقال: جمعت شركائي وأجمعت أمري فلما لم يجز في الواو العطف جعلها بمنزلة مع

مثل: جاء البرد والطيالسة. وقد يكون على قوله عز وجل: {فأجمعوا أمركم} يريد: فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم فيضمر للشركاء فعلا يصح أن تحمل عليه أسماؤهم كما قال: (ياليت زوجم قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا) (وزوجك في الوغي) يريد: متقلدا سيفا وحاملا رمحا لأنه لا يقال: تقلدت الرمح كما لا يقال: أجمعت الشركاء. قال أبو الحسن: قوم من النحويين يقيسون هذا في كل شيء وقوم ينصرونه على ما سمع منه. وقوى هذا القول الثاني.

باب المفعول له

باب المفعول له الاسم الذي ينتصب في هذا الباب ينتصب بالفعل الذي قبله وإنما تذكره لتعرف الغرض الذي من أجله فعلت ذاك الفعل. فهو جواب لمه، كما كان الحال جواب كيف. وذلك قولك: ضربته تقويما له، وجئتك إكراماً لك، وأكرمته حذر شره، فالمعنى: ضربته للتقويم، وجئتك للإكرام وأكرمته للحذر، فلما حذف الحرف وصل الفعل إلى المصدر فنصبه. ومما جاء في العشر من ذلك قوله: (يركب كل عاقر جمهور ... مخافة وزعل المحبور) والهؤل من تهول الههبور ويجوز أن يكون هذا المصدر معرفة ونكرة. وما أنشدته قد جاء فيه الأمران جميعاً.

باب ما انتصب على التشبيه بالمفعول

باب ما انتصب على التشبيه بالمفعول وهو على ضربين أحدهما ما كان المنصوب فيه هو المرفوع والآخر ما كان المنصوب فيه بعض المرفوع. فالأول على ضروب منها ما كان خبر كان وأخواتها وخبر ما واسم إن وقد تقدم ذكر ذلك. منها التمييز والحال. باب الحال الحال يشبه الظرف من حيث كانت مفعولا فيها كما أن الظرف كذلك، وذلك قولك: جاءني زيد راكبا، وخرج عمرو مسرعا فمعنى هذا: خرج زيد في حال الإسراع [ووقت الإسراع] فأشبهت ظروف الزمان ولذلك عملت فيها المعاني التي ليست بأفعال محضة كما عملت في الظروف فقالوا: في الدار زيد قائما. فعمل فيها المعنى الذي هو: في الدار. ولم تكن كالظروف في عمل المعنى فيها تقدمت أو تأخرت لأنها مفعول صحيح والمفعول الصحيح إنما يعمل فيه الفعل المحض فلم يجيزوا: قائما في الدار زيد، كما أجازوا: كل يوم لك ثوب فأعلموا المعنى الذي هو لك في الظرف الذي هو: كل يوم لأن معنى الفعل أضعف من الفعل المحض وإذا كان الفعل المحض يضعف عمله

فيما تقدم عليه بدلالة قولهم. زيد ضربت. وامتناعهم من رفع زيد لو أخر فأوقع بعد ضرب، فأن يضعف عمل المعنى فيما تقدم عليه أجدر فذلك أجازوا: في الدار زيد قائما، وفي الدار قائما زيد ولم يجيزوا: قائما في الدار زيد لما تقدم على المعنى لأن هذا مفعول صحيح في الأصل وإنما شبه بالظرف للمشابهة التي بينهما فلا يجب أن يسوى به كما أن ما لا ينصرف لما أجرى مجرى الفعل للشبه العارض منه فيه لم يجب أن يسوى بينه وبين الفعل في جميع أحواله. وفي الحال شبه من التمييز أيضا. وذلك أن قولك: جاء زيد، يحتمل المجيء أن يكون على ضروب شتى وصفات مختلفة فإذا قال: راكبا، أو ماشيا فقد بين بالحال الإبهام الذي كان في المجيء. كما أنه إذا قال: امتلا الإناء ماء، فقد بين بالمفسر ما امتلأ منه الإناء فلذلك كان الحال نكرة، كما كا المميز كذلك فإن قلت: فقد قالوا: طلبته جهدك وطاقتك، ورجع عوده على بدئه وأرسلها العراك، وهذه معارف وهي أحوال. فالقول أن هذه الأشياء ليست أحوالا، وإنما الحال الفعل الذي وقعت هذه المصادر في موضعه فالتقدير: طلبته يجتهد، وأرسلها تعترك، فدل جهدك والعراك على يجتهد، وتعترك. فالفعل هو الحال في الحقيقة وهذه الألفلظ دالة عليه. ويدل على صحة ذلك أن المضمرة لم تقع أحوالا في شيء لأنه لا دلالة فيها على لفظ الفعل كما في ألفاظ المصادر دلالة عليها. ألا ترى أنهم لم يجيزوا: مرورى بزيد حسن وهو بعمرو

قبيح، وإن كان هو ضمير مروى لأن هو لا دلالة فيه على لفظ الفعل، كما في لفظ المصدر دلالة على لفظه. وإذا كان الأمر على هذا فقول من ذهب إلى أن خبر كان، والمفعول الثاني من ظننت أحوال فاسد لأنه قد يقع مضمراً في نحو: كنته، وظنته إياه. وقد سد الحال مسد خبر المبتدإ في نحو: ضر بى زيداً قائماً. وقولهم: هذا بسراً أطيب منه تمراً. فبسراً وتمراً انتصبا على الحال ومعنى الكلام: هذا إذا كان بسراً أطيب منه إذا كان رطباً. ولو قال: هذا بسر أطيب

منه عنب لم يجز النصب في البسر والعنب، كما جاز في البسر والرطب لأن البسر لا يتحول عنباً كما يتحول رطباً. والحال على ضربين ضرب منتقل كقولنا: جاء زيد راكباً وضرب غير منتقل كقوله عز وجل: {وهو الحق مصدقاً}.

باب التمييز

باب التمييز جملة التمييز أن يحتمل الشيء وجوهاً فتبينه بأحدها. والعامل في التمييز يكون على ضربين فعل وغير فعل. فما عمل فيه الفعل فنحو: تفقأ زيد شحماً، وتصبب بدن عمروٍ عرقاً، وامتلأ الإناء ماءً فالمنصوب في هذا الموضع هو مرفوع في المعنى لأن المنتصب هو العرق والذي ملأ الإناء هو الماء والذي تفقأ هو الشحم. فالمرفوع هو المنصوب في هذا الباب كما كان الحال المنصوب في قولك: جاء زيد راكباً هو المرفوع في المعنى. وسيبويه لا يجيز التقديم في هذا فلا تقول: شحماً تفقأت وأجاز غيره التقديم وأنشد في ذلك: (أتهجر سلمى للفراق حبيبها ... وما كان نفساً بالفراق تطيب) قال أبو إسحاق الرواية: (وما كان نفسى بالفراق تطيب

ومن هذا الباب قوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً} [النساء: 4] وقررنا به عيناً. والمعنى: طبن به أنفساً؛ وقررنا به أعينا، فوقع الواحد موقع الجميع. وما كان العامل فيه غير فعل يذكر في باب ما ينتصب عن تمام الاسم.

باب الاستثناء

باب الاستثناء ليس يخلوا الاستثناء من أن يكون في كلام موجب أو غير موجب. فالاستثناء من الكلام الموجب نصب مثال ذلك: جاء القوم إلا زيداً وخرج أصحابك إلا عبد الله، وانطلق الناس إلا اخوتك. فانتصاب الاسم إنما هو بما تقدم في الجملة من الفعل أو معنى الفعل بتوسط إلا كما أن الاسم الذي بعد الواو في باب المفعول معه منتصب بتوسط الواو. فإن كان الكلام المذكور قبل إلا غير موجب فإنه لا يخلو من أن يكون تاماً، أو غير تام. فمثال غير التام: ما جاءني إلا زيد، وما ذهب إلا عمرو فهذا

لا يكون فيه إلا الرفع لأن الفعل مفرغ لما بعد إلا فالعامل فيه ما قبل إلا، ونحو ذلك: ما ضربت إلا زيداً، وما مررت إلا بعمروٍ. ومثال التام نحو: ما جاءني أحد، وهل جاءك رجل. فإذا استثنيت من هذا رفعت الاسم الذي بعد إلا فقلت: ما جاءنى أحد إلا زيد وهل جاءك رجل إلا زيد، ورفعته لأنك أبدلت الاسم الذي بعد إلا مما قبله فصار: ما جاءنى أحد إلا زيد بمنزلة: ما جاءنى ألا زيد. والبدل من المنصوب والمجرور بمنزلة البدل من المرفوع. وإن شئت نصبت ما بعد إلا، كما نصبت في الإيجاب لأن الكلام قد تم ها هنا في النفي كما تم في الإيجاب فقلت: ما جاءني أحد إلا زيداً. فإن قدمت المستثنى فقلت: ما جاءني إلا زيداً أحد، لم يكن في المستثنى إلا النصب لأن البدل الذي كان يجوز في قولك: ما جاءني أحد إلا زيد قد بطل بتقدم الذي كان يكون بدلا على المبدل منه فبقى النصب على أصل الاستثناء ولم يجز غيره. وقد يحمل في هذا الباب البدل على الموضع لاستحالة حمله على اللفظ وذلك قولهم: ما أتاني من أحدٍ إلا زيد، فزيد محمول على موضع الجار مع المجرور، وموضعهما رفع بأتانى، وكذلك لا أحد فيها إلا عبد الله حملت عبد الله على موضع لا مع أحد لأن الموضع رفع بالابتداء، ولم يجز الحمل على اللفظ لأن "لا" لا تعمل في المعارف، إنما تعمل في الأسماء الشائعة.

وكذلك من في قولك: ما جاءني من أحدٍ. وتقول: ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيداً، فلا يكون في زيد إلا النصب لأن المعنى: كل الناس أكل الخبز إلا زيداً. وتقول: ما جاءني إلا زيد إلا عمراً، فترفع أحد الاسمين، وتنصب الآخر. ولا يجوز رفعهما جميعاً إلا أن تدخل حرف العطف فتقول: وإلا عمرو، لأن فعلا واحداً لا يرتفع به فاعلان إلا على جهة الاشتراك بالحرف.

باب ما جاء بمعنى إلا من الكلم

باب ما جاء بمعنى إلا من الكلم قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف. فأما لإسم فنحو: غير وسوى وسواء ولاسيما: وحكم غير إذا وقعت في الإستثناء أن تعرب بالإعراب الذي يجب للاسم الواقع بعد إلا تقول: أتاني القوم غير زيدٍ. فتنصب غيراً نصبك الإسم الذي يقع بعد إلا في قولك: جاءني القوم إلا زيداً وكذلك: ما جاءني أحد غير زيدٍ، وما مررت بأحدٍ غير زيدٍ وأصل غير أن تكون صفة خلاف مثلٍ وأصل إلا أن تكون للاستثناء ثم تدخل كل واحدة منهما على صاحبتها فيجوز في قولك: جاءني القوم غير زيدٍ أن تجعل غير صفة للقوم فتقول: جاءني القوم غير زيدٍ وكذلك قوله عز وجل: {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر} [النساء: 4 - 95]. من رفعه جعله صفة للقاعدين ومن جر جعله صفة للمؤمنين ومن نصب جعله إستثناء. وكذلك إلا تقول: جاءني القوم إلا زيداً. فتنصب الإسم بعد إلا على الإستثناء ويجوز أن ترفعه إذا جعلت إلا وما بعدها صفة فتقول: جاءني القوم إلا زيد وعلى هذا قوله عز وجل: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 21 - 22] والمنصوب والمجرور في هذا كالمرفوع.

وما جاء من الأفعال فيه معنى الإستثناء فقولهم: لا يكون وليس وعداً. فإذا جاءت وفيها معنى الاستثناء ففيها إضمار إسم لا يستعمل إظهاره وذلك قولك: أتانى القوم لا يكون عمراً، وأتونى ليس زيداً تقديره: لا يكون بعضهم عمراً. وليس بعضهم زيداً. وكذلك خلا وعدا. فأما الحرف فحاشا وهو حرف فيه معنى الإستثناء تقول: أتانى القوم حاشا زيدٍ. فموضع الجار مع المجرور نصب. وكذلك خلا في قول بعضهم تقول: أتانى القوم خلا عبد الله. فإن ادخلت ما على خلا فقلت: ما خلا عبد الله نصبت عبد الله ولم يجز فيه غير ذلك وكان موضع ما وما بعدها نصبا.

باب الاستثناء المنقطع

باب الاستثناء المنقطع الاستثناء المنقطع أن لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه وذلك نحو: ما جاءنى أحد إلا حماراً. فالاختيار فيه النصب وإن كان الكلام غير موجب ومن ذلك قوله: (وما بالربع من أحدٍ إلا أوارى) فالأوارى ليس من جنس أحد. ومن ذلك قوله عز وجل:

{لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} فعاصم فاعل ومن رحم معصوم والمفعول ليس بفاعل. ومنهم من يجعله [استثناء] متصلا فيقول إن عاصما معناه: لا ذا عصمةٍ إلا من رحم. ذكر الضرب الثاني من القسمة الأولى وهو ما انتصب من الأسماء عن تمام إسم ولم ينتصب عن تمام كلام. أكثر ما يكون هذا الضرب في الأعداد والمقادير. والمقادير على ثلاثة أضرب ممسوح ومكيل وموزون. فما كان على معنى المساحة فقولهم: ما في السماء قدر راحةٍ سحاباً.

فقدر الراحة مقدار يجوز أن يكون من السحاب ومن غيره فإذا قال: سحابا بين به ذلك المبهم. وما كان على معنى الكيل فقولهم: عندي قفيزان برا فالقفيزان يكونان من البر و [من] غيره كما كان قدر الراحة كذلك. وما كان على معنى الوزن فقولهم: عندى منوان سمناً وقالوا: لي مثله رجلاً فنصبوا رجلا لحجز الإضافة بينه وبين مثلٍ. وإن لم يكن مما تقدم من المقادير ولكن لما كان مثله شائعا في أشياء مبهما صار الناصب لذلك في التبيين كتبيين الناصب في المقادير. وقول الأعشى: (يا جارتا ما أنت جاره) يجوز أن يكون موضع جاره الموقوف آخرها نصبا بأنه تمييز يدل على ذلك جواز دخول من عليها في نحو قول الآخر: (يا سيداً ما أنت من سيدٍ ... موطإ الأكناف رحب الذراع)

ويجوز أن يكون موضعها نصبا على الحال والعامل فيها ما في الكلام من معنى الفعل لأن معنى: ما أنت جاره نبلت جاره [وكرمت جاره] فتنصب جاره [على الحال] كما انتصب آية في قوله عز وجل: {هذه ناقة الله لكم آية} [الأعراف: 7 - 73] وجميع ما يفسر من المقادير والأعداد فمن تدخل عليه نحو: ما في السماء قدر راحةٍ من السحاب، ولي عشرون من الدراهم، ولله دره من الرجال. ومنه ما تدخل عليه من فتقره على إفراده كقولك: لله دره من رجلٍ

باب تمييز الأعداد

باب تمييز الأعداد أسماء الأعداد لإبهامها من حيث كانت تقع على جميع المعدودات بمنزلة المقادير في احتياجها إلى ما بينها كاحتياج المقادير إليه. وهذه الأعداد المبينة على ضربين أحدهما ما يلحقه تنوين والآخر ما يلحقه نون أو في حكم ما تلحقه النون. فالذي لحقه التنوين هو ما كان من الثلاثة إلى العشرة فهذا يضاف إلى الجمع الذي بنى لأدنى العدد وذلك ما كان على أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة وذلك نحو: ثلاثة أبياتٍ، وخمسة أثوابٍ [وثلاثة أناسى] وخمسة أجربة وأربعة غلمة. وأقل العدد العشرة فما دونها، وهكذا كان القياس في ثلاثمائة وأربعمائة أن يبين بالجمع فيقال: مئات أو مئىٍ ولكنه مما استغنى فيه بلفظ الواحد عن الجمع. وربما جاء في الشعر ثلاث مئات وأربع مئين ونحوها مضافاً إلى الجمع على القياس المتروك. ومما يبين بالواحد من أسماء الأعداد المنونة قولهم: مائة ألفٍ، ومائة درهمٍ. وكذلك ألألف تضيفه إلى المفرد فتقول: ألف درهمٍ، وألف ثوبٍ. فإن أردت تعريف شيء من ذلك بالألف واللام ألحقتهما

الإسم الثاني المضاف إليه فقلت: عشرة الأثواب، وخمسة الأبواب، وألف الدرهم، ومائة الثوب. فإذا زاد على العشرة شيء جعلت العشرة مع اسم العدد الذي زاد على العشرة إسما واحداً وبنياً على الفتح وجعل الإسم الثاني بمنزلة ما تثبت فيه النون من أسماء الأعداد وذلك قولك: أحد عشر درهماً، وثلاثة عشر درهما: فأما إثنا عشر، فإن عشرا فيه بمنزلة النون في إثنين لمعاقبتها لها وتعرب إعراب الإسم المضاف. ولا يجوز إضافة اثنى عشر كما لا يجوز

إضافة ما فيه نون التثمية، ولا يجوز حذف عشر كما نحذف النون من الإسم المثنى لزوال معنى العدد بالحذف. فإذا ضوعف أدنى العقود وهو العشرة اشتق [له] اسم من لفظ العشرة والحق الواو والنون، أو الياء والنون وذلك نحو: عشرون، وكذلك ما بعده إلى التسعين. والذي يبين به يكون واحدا نكرة نحو: عشرون درهماً. فإذا بلغ العدد المائة تركت التنوين وأضفت فقلت: مائة درهمٍ. فإن أردت التعريف عرفت الثاني فقلت: مائة الدرهم. وأن عرفت: أحد عشر درهماً ونحوه قلت: الأحد عشر درهماً، وعلى هذا القياس ما بعده إلى العشرين.

باب كم

باب كم اعلم أن كم تستعمل في موضعين في الخبر والاستفهام. فإذا استعملته في الخبر بينته بالواحد والجميع وأضفته إلى المعدود كما تضيف الأعداد المنونة وذلك قولك: كم رجلٍ عندك، وكم غلمانٍ لك. فكم موضعها رفع بالابتداء وهي مضافة إلى غلمان وعندك ولك في موضع الخبر والقياس أن تبين بالواحد من حيث كان عدداً كثيراً. فأما تبيينهم له بالجمع فعلى القياس المتروك في ثلاثمائة ونحوها. وتقول: كم رجلٍ جاءك، وإن شئت قلت: جاءوك على معنى كم دون لفظها. في القرآن: {وكم من ملكٍ في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئاً} [النجم: 26 - 53]، {وكم من قريةٍ أهلكناها} [الأعراف: 4 - 7] ثم قال: {أو هم قائلون}.

وقد تجعل كم في الخبر بمنزلة عشرين فتنصب ما بعدها ويختار ذلك إذا وقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه وذلك كقوله: (تؤم سنانا وكم دونه ... من الأرض محدودباً غارها) وأما كم إذا كانت بمعنى الاستفهام فهي بمنزلة عدد منون ولا تبين إلا بالأسماء المفردة في قول البصريين وذلك نحو: كم رجلاً جاءك، وكم غلاماً ملكت. ولا يجوز: كم غلماناً لك. كما لا يجوز: أعشرون دراهم لك.

فإن قلت: كم لك غلماناً جاز أن تنصب غلمانا على الحال ويكون العامل فيه ما في لك من معنى الفعل كأنك أردت: كم نفساً غلمانا فحذف المفسر. وعلى هذا تقول: كم درهمك، وكم درهم لك تريد: كم داقاً أو كم قيراطاً درهم لك.

وتكون كم في موضعها من الخبر والاستفهام مبتدأة ومفعولة وفاعلة في ألمعنى. فمثال الإبتداء قد تقدم. ومثال المفعول كقولك في الخبر: كم غلمان قد رأيت. وإن شئت: كم غلام قد رأيت وفي الاستفهام: كم غلاما رأيت. فموضع كم نصب بأنه مفعول به كأنك قلت: أعشرين غلاماً رأيت أو ثلاثين، فقام كم مقام أسماء العدد فانتظم جميع أسمائها. ومثال كونها فاعلة في المعنى: كم غلاماً جاءك، فكم في موضع رفع بالابتداء. ولا يكون رفعاً بالفعل كما أن قولك: زيد جاءك، لا يكون رفعا بالفعل إنما يكون رفعا بالابتداء ولا يتقدم الفعل على كم لأن الاستفهام لا يرتفع بما قبله.

وتقول. كم ترى الحرورية رجلا. إذا أعلمت ترى كأنك قلت: أعشرين رجلا ترى الحرورية. وإن شئت ألغيت فقلت: كم ترى الحرورية رجلا.

وقد يجوز أن يفصل بين كم وبين مميزها في الكلام نحو: كم في الدار رجلاً. ولا يجوز ذلك في عشرين ونحوها إلا في الشعر كقوله: (على أننى بعد ما قد مصى ... ثلاثون للهجر حولاً كميلا) يذكرنيك حنين العجول ... ونوح الحمامة تدعو هديلا) وتقول. كم جاءك رجل فتجعل كم مراراً فيكون موضعها نصباً بأنها ظرف كأنك قلت: كم يوماً أو كم مرة جاءك رجل. ومما ينتصب الإسم بعده انتصاب الأسماء بعد العدد المنون قولهم: لي عنده كذا وكذا درهماً. فكذا كناية عن العدد وفصل قولك ذا من كذا بين الكاف وبين الدرهم فانتصب على التبيين. ومما يجرى مجرى كم في أن المراد بها تكثير قولهم. كأين رجلا

جاءك فالمعنى: كم رجلا جاءك. وأكثر ما يستعمل مع من قال الله عز وجل: {وكأين من قريةٍ عتت عن أمر ربها} وقال الشاعر. (وكائن بالأباطح من صديقٍ ... يرانى لو أصبت هو المصابا)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب النداء

باب النداء الأسماء المناداة على ضربين مفرد وغير مفرد. فالمفرد على ضربين معرفة ونكرة. فالنكرة منصوبة في النداء وذلك قولك: يا رجلا، ويا غلاماً. فغلام ورجل في هذا الموضع يراد به الشائع الذي لم يختص بالقصد إليه وتوجه الخطاب نحوه كما يقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدى، ويا غلاماً أجرنى فلا يقصد بذلك غلاماً بعينه ولا رجلا. وأما المعرفة فعلى ضربين أحدهما ما كان معرفة قبل النداء والآخر ما كان متعرفا في النداء لتوجه الخطاب إليه وتخصيصه به من بين جنسه. وكلا الضربين مبنى على الضم. فمثال الأول يا زيد، ويا عمرو، وقد

نحذف "يا" من هذا النحو كما جاء في القرآن: {يوسف أعرض عن هذا}. ومثال الثاني: يا رجل ويا غلام، ويا امرأة.

فهذان الضربان بنيا على الضم لوقوعهما موقع أسماء الخطاب. وأسماء الخطاب يغلب عليها معاني الحروف بدلالة أن كل موضع تقع فيه أسماء يكون فيها دلالات على الخطاب. وقد تكون للخطاب مجردة من معاني الأسماء وذلك مثل الكاف في ذلك، وأولئك وهنالك والنجاك، والتاء في أنت. فلما وقعت هذه الأسماء في النداء مواقع الحروف، وما يغلب عليه شبه الحروف بنيت. فأما المفرد النكرة فلم يبن لأنه لم يقع هذا الموقع بدلالة أن نداءه شائع. وكذلك المضاف لأن تعرفه بالإضافة دون الوقوع موقع حروف الخطاب. فإن وصفت المفرد بالمفرد كان في الوصف ضربان الرفع والنصب. فالرفع على اللفظ والنصب على الموضع. فمثال الرفع: يا زيد

الظريف، ويا عمرو العاقل. ومثال النصب: يا عمرو العاقل. فإن وصفته بمضاف لم يكن في الصفة إلا النصب وذلك: يا زيد غلام عمرو، ويا بكر صاحب بشرٍ. والدليل على جواز وصف المفرد المضموم في النداء وإن كان قد وقع موقع مالا يوصف من حروف الخطاب أنهم كما أجروه مجرى [أسماء] الخطاب فقد أجروه مجرى الأسماء المظهرة الموضوعة للغيبة وذلك في قولهم: يا تميم كلهم، فأضافوه إلى ضمير الغيبة، كما أضافوه إلى ضمير المخاطب

في قولهم: يا تميم كلكم والتأكيد في هذا كالصفة تقول: يا بكر أجمعون وأجمعين وعطف البيان كالصفة تقول: يا زيد زيد على اللفوظ. ويا زيد زيداً، على الموضع: فأما البدل فإنك تقول: يا زيد زيدأ قبل، فلا تنون زيداً إذا أبدلت. وكذلك [تقول]: يا زيد أخانا. وتقول: يا زيد وعمرو فتعطف

بالواو عمراً على زيد. وتقول: يا زيد والحارث، وإن شئت نصبت فقلت: والحارث. وتقول: يا أيها الرجل، ويا أيها الناس، فلا يجوز في الناس والرجل إلا الرفع. وليس بمنزلة: يا زيد الظريف، لأن الرجل ها هنا هو المقصود بالنداء.

وأما غير المفرد من الأسماء المناداة فعلى ضربين: أحدهما ما كان مضافاً، والآخر ما أشبه المضاف لطوله. فالمضاف كقولك: يا عبد الله، ويا غلام بكرٍ، ويا عبد امرأةٍ ويا رجل سوء. فإن وصفت المضاف بمفرد أو مضاف لم يكن إلا نصباً لأنه لا موضع هنا مخالفاً للفظ كما كان في المفرد المضموم. فإن أبدلت من المضاف مفرداً ضمت المفرد فقلت: يا غلامنا زيد، فلم تنون زيداً لأن البدل في التقدير من جملة أخرى. فكأنك قلت: يا زيد. وأما المنادى المشابه للمضاف لطوله، فحكمه النصب كما كان المضاف كذلك. وذلك قولك: يا خيراً من زيدٍ، ويا ضارباً رجلاً فتنصب خيراً وضاربا معرفة أردت به، أو نكرة. وإنما يكون معرفة إذا قصدت به إلى واحد بعينه، كما تقصد بقولك: يا رجل إلى مخصوص

أو تجعله اسم شيء بعينه فيصير بمنزلة زيد في النداء. ألا ترى أنك لو سميت رجلا ثلاثة وثلاثين لقلت: يا ثلاثة وثلاثين فنصبت للطول. ولو ناديت جماعة هذه العدة عدتها لرفعت فقلت: يا ثلاثة والثلاثون فيمن قال يا زيد والحارث. ومن نصب الحارث نصب الثلاثين [فقال: يا ثلاثة والثلاثين] أو يا ثلاثة ويا ثلاثون [ولا يجوز: يا ثلاثة وثلاثون

لأنه يجرى مجرى قولك: يا رجل وغلام وذلك لا يجوز لأن الألف واللام إنما يحذفان من الأول ولا يحذفان من الثاني] ووجه شبه هذا الضرب بالإضافة أن الثاني مخصص للأول كما أن المضاف إليه مخصص للمضاف والأول عامل في الثاني كما أن المضاف عامل في المضاف إليه وهو من تمامه كما أن المضاف إليه من تمام المضاف. فإن نعت المفرد بابن فلان، أو بابن أبى فلان نصبت ابناً وجعلته مع الأول كالشيء الواحد فقلت: يا زيد بن عمرو، ويا بكر ابن أبى زيدٍ. والكنية في هذا الباب كالعلم. ولو أضفت الإبن إلى غير العلم لضممت الأول فقلت: يا زيد بن أخينا، ويا بكر ابن صاحب المال، وكذلك: يا رجل بن زيدٍ. وقد تدخل اللام الجارة في الإسم المنادى وذلك نحو: يا لزيدٍ

ويا لعمروٍ. وإنما تدخل هذه اللام للاستغاثة أو التعجب. فإن عطفت على هذا الإسم إسما ألحقته اللام وكسرت اللام في المعطوف فقلت: يا لزيدٍ ولعمروٍ. وقال: يا للكهول وللشبان للعجب فاللام في: يا للكهول داخلة على مدعو. وفي: للعجب داخلة على مدعو إليه.

باب الترخيم

باب الترخيم الترخيم حذف أواخر الأسماء المفردة المعرفة في النداء. ولا يرخم مستغاث به ولا يرخم اسم مضاف، ولا نكرة وإنما يرخم من الأسماء وما عمل فيه النداء البناء. فأما ما لم يبن للنداء فإنه لا يرخم. والترخيم على ضربين: أحدهما أن تحذف آخر الإسم وتدع الباقي على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون. والآخر أن تجعله بمنزلة اسم مفرد لم يحذف منه شيء. فمثال الأول أن تقول في حارثٍ، مالكٍ، وجعفرٍ، وبرثن وهرقل: يا حار، ويا جعف، ويا برث، ويا هرق أقبل. وتضم هذه الحروف كلها في القول الثاني. فإن كان في آخر اسم زيادتان زيدتا معاً حذفتهما معاً وذلك قولك في رجل اسمه مروان وسعدان: يا مرو أقبل، ويا سعد أقبل. فإن كان قبل آخر الإسم حرف مد زائد أتبعته الزائد في الحذف إذا كان الإسم على أكثر من ثلاثة أحرف فقلت في رجل اسمه منصور: يا منص. فإن كان اسمه سعيد، أو ثمود، أو حمار

قلت: يا سعي، يا حما، ويا ثمو، فيمن قال: يا حار، ويا ثمى فيمن قال: يا حار. وتقول في رجل اسمه طائفية، أو مرجانة يا طائفى أقبل، ويا مرجان تعال. فلا تحذف مع تاء التأنيث غيرها كما لا تحذف من نحو: حضر موت، ومعدى كرب إلا الإسم الثاني المضموم إلى المصدر.

باب النفي بلا

باب النفي بلا الأسماء النكرة التي تنفى بلا هي الأسماء الشائعة التي يراد بنفيها نفي الجنس. والبناء على الفتح مطرد فيها إذا كانت مفردة، كما كان البناء على الضم مطرداً في الأسماء المناداة المفردة المعرفة وذلك نحو: لا رجل في الدار، ولا غلام عند زيد. وقد يحذف الخبر مع لا هذه وذلك قولك: لا إله إلا الله. والمعنى: لا إله لنا إلا الله، أو في الوجود. ولا حول ولا قوة إلا بالله. والمنفي في هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام. مفرد، ومضاف، ومضارع للمضاف. فالمفرد على ضربين مفرد غير موصوف ومفرد موصوف. فالمفرد غير الموصوف نحو ما ذكرنا. والمفرد الموصوف يجرى إذا وصف على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تجرى الصفة على الموصوف في لفظه فتنون وذلك نحو: لا رجل ظريفاً عندك، ولا غلام صالحاً لك. والوجه الثاني أن تجعل المنفي وصفته إسما واحداً مثل خمسة عشر ونحوه فتقول: لا رجل ظريف عندك، ولا غلام صالح لك. ومثل هذا في جعلهم الصفة مع الموصوف شيئاً واحداً: يا زيد بن عمروٍ كأنك قلت: يا ابن عمرو.

والوجه الثالث أن تجرى الصفة على الموصوف على موضعه فتقول: لا رجل ظريف عندك. لأن موضع لا مع رجل رفع بأنه موضع ابتداء فتجريه على الموضع وإن شئت حذفت الخبر وقول الشاعر: (ورد جازرهم حرفاً مصرمةً ... ولا كريم من الولدان مصبوح) وإن شئت جعلت مصبوحاً صفة على الموضع وأضمرت الخبر. وإن شئت جعلته خبراً. والعطف فيما ذكرنا كالصفة تحمله على اللفظ مرة وعلى الموضع أخرى. فمن الحمل على اللفظ قوله:

ولا أب وابنا مثل مروان وابنه ومن الحمل على الموضع قوله: (هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لى إن كان ذاك ولا أب) وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فتجعل لا الثانية بمنزلة الأولى وتضمر الخبر. فإن جعلت لا الثانية هي التي تزاد في النفي نحو: ليس زيد ولا أخوه عندك كان في الإسم الواقع بعدها النصب على اللفظ كما جاء: لا أب وابناً. وجاز أيضاً فيه الرفع على الموضع فتقول: لا حول ولا قوة كما قال: ولا أب.

باب النكرة المضافة

باب النكرة المضافة النكرة المضافة تنتصب بعد لا إنتصاباً صحيحاً كما تنتصب بعد إن وذلك نحو: لا غلام رجلٍ عندك، ولا صاحب سفرٍ له: ويدل على انتصاب المضاف قولهم: لا خيراً من زيدٍ عنده. فكما انتصب خير وثبت فيه التنوين ثباته في المعرب كذلك تكون الفتحة في: [لا] غلام رجل عندك، فتحة إعراب لامتناع بناء المضاف مع غيره وجعله معه بمنزلة شيء واحد. وقد تلحق لام بالإضافة في الإضافة وذلك نحو: لا أبا لزيدٍ. فالأب منصوب بلا واللام مقحمة غير معتد بها من جهة ثبات الألف

في الأب. ومن جهة تهيئة الإسم لعمل لا فيه معتد بها. وعلى هذا تقول: لا غلامى لزيدٍ، ولا يدى بها لك فتحذف النون للإضافة كما تحذفها إذا لم تدخل اللام.

فإن قلت: لا غلامين ظريفين لك لم يجز حذف النون للإضافة كما تحذفها إذا لم تدخل اللام لأنك قد حلت بين المضاف والذي تقع الإضافة إليه بصفة المنفى فلم يحسن الفصل بين المضاف والمضاف إليه ولم يجز حذف النون من الصفة لأن ذلك إنما جاء في الاسم المنفي لا في صفته. وربما حذف الشاعر هذه اللام للحاجة والتقدير بها الثبات قال: (أبالموت الذي لابد أنى ... ملاقٍ لا أباك تخوفيني)

باب المنفي المضارع للمضاف

باب المنفي المضارع للمضاف وذلك: لا خيراً من زيدٍ عندك، ولا ضارباً بكراً في دارك ولا عشرين درهماً لك. فمضارعة هذا المضاف أنه عامل فيما بعده كما أن المضاف عامل فيما بعده والمعمول فيه من تمام الأول كما أن المضاف إليه من تمام المضاف. وتقول: لا مرور بزيدٍ ولا نزول على عمروٍ. وإن جعلت على والباء متعلقين بمحذوف كأنك قلت: لا مرور ثابت بزيدٍ، ولا نزول واقع على عمروٍ. وعلى هذا قوله تعالى: {لا تثريب

عليكم اليوم} [يوسف 12: 92]. فإن جعلت الجارين من صلة المصدر نصبت ونونت وأضمرت لهما خبراً وإن شئت أظهرته. وتقول على الوجه الأول: لا آمر بالمعروف لك. و [على الوجه الثاني]: لا آمراً يوم الجمعة لك. إذا نفيت آمرى يوم الجمعة خاصة دون سائر أيام الأسبوع. فإن عممت بالنفي جميع الآمرين قلت: لا آمر يوم الجمعة لك. فيوم الجمعة على هذا الوجه متعلق بلك ومعمول له. وعلى الوجه الأول متعلق بآمرٍ. ويقبح أن تقول: لا زيد عندك حتى تتبعه بشيء فتقول: ولا عمرو وقالوا: لا نولك أن تفعل. فلم يكرروا لأنه صار بمنزلة لا ينبغي لك وأجروها مجراها حيث كانت بمعناها كما أجروا يذر مجرى يدع لا تفاقهما في المعنى. وكذلك إذا فصل بين لا والإسم بحشو كرر لا لأن البناء فيها مع الفصل بينها وبين الإسم لا يجوز وذلك نحو: {لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون} [الصافات 37: 47]. وتقول: لا خير بخيرٍ بعده النار. فيجوز أن تجعل الباء الخبر

كما تقول: لا عيب به. والجملة صفة للإسم المجرور. فإن جعلت الجملة صفة لخبر المنفى كانت الباء في قولك: بخير للنفي كما تقول: لست بزيدٍ.

باب الأسماء المجرورة

باب الأسماء المجرورة الأسماء المجرورة على ضربين ضرب ينجر بحرف جر وضرب ينجر بإضافة اسم مثله إليه. فأما ما ينجر بحروف الجر فنحو ما ينجر بعد من نحو: خرجتُ مِن الكوفةِ إلى البصرةِ. فهي لابتداء الغاية. وتكون للتبغيض. وتكون زائدة في نحو: ما جاءني من أحدٍ. وإلى معناها الغاية. وفي معناها الوعاء وذلك نحو: المالُ في الكِيِس، واللص في الحبسِ. ويتسع فيها فيقال: زيدٌ ينظرُ في العلم، وأنا في حاجتكَ. والباء معناها الإلصاق والاختلاط كقولك: كتبتُ بالقلم، وعمل النجار بالقدوم. وتكون زائدة في قولهم: كفى بالله، وبحسبك أن تفعل، وألقى يده وألقى بيده. واللام ومعناها التحقيق والملك. ومنها رب وهي في التقليل نظيره كم في التكثير. فإذا دخلت على النكرة الظاهرة لزمتها الصفة. وذلك قولك: رب رجلٍ يفهم، ورب رجلٍ في الدار. فموضع رب مع المجرور بها في موضع نصب. والفعل الذي يتعلق به قد يحذف في كثير من الأمر للعلم به لأنها تستعمل جوابًا وتقديره: رب رجلٍ

يفهم أدركت أو لقيت. فتحذف كما حذف ما يتعلق به الجار للدلالة عليه في نحو قوله عز وجل {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ} [النمل: 12] ولم يذكر مرسلا لدلالة الحال على ذلك. ومما عمل فيه ربّ قول الأعشى: (رب رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشرٍ أقتال) فقوله: من معشر أقتال لا يكون إلا متعلقًا بمحذوف ولا يكون من صلة قوله: أسرى لأن الأسرى معطوف على رب فكما أن ما تعمل فيه رب لا بد له من صفة فكذلك ما يعطف عليه.

وقالوا: ربه رجلًا، فأضمروا معه قبل الذكر على شريطة التفسير كما فعلوا ذلك في: نعم رجلًا. وإنما دخلت رب على هذا الضمير وهي إنما تدخل على النكرات من أجل أن هذا الضمير ليس بمقصود قصده فلما كان غير معين أشبه النكرة فصار في حكمها. وقد كفوا رب بما في قولهم: ربما. كما كفوا بها غيرها ولما كانت رب إنما تأتي لما مضى وجب أن تكون ربما كذلك أيضًا تدخل على الماضي كقوله: (ربما أوفيت في علمٍ ... ترفعن ثوبي شمالات)

وقد يقع المضارع بعدها على تأويل الحكاية وذلك نحو قوله عز وجل: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحجر: 2] وهذا حكاية حال تكون كما جاء: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15]. ولا يكون هذا على إضمار كان في قياس قوله سيبويه. وقد أضمروا رب بعد الواو في نحو قوله: (وقاتم الأعماق خاوي المخترق)

وهذا ضرب آخر من حروف الجر وهو ما كان غير ملازم للجر. فمن ذلك الواو والتاء وحتى. فأما الواو فهي التي تستعمل في القسم وهي عندهم بدل من الباء التي توصل الحلف إلى المحلوف به نحو: أحلف بالله. وإنما تستعمل مع الاسم المظهر. فإذا كنيت عن المحلوف به رددت الباء فقلت: به لأفعلن. وأنشد أبو زيد: (رأى برقًا فأوضع فوق بكرٍ ... فلا بك ما أسأل ولا أغاما) والتاء في نحو: تالله لأفعلن {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وهي عندهم بدل من الواو كما كانت في تجاهٍ بدلا من الواو في واجهت ولا تستعمل إلا في اسم الله تعالى كما لم تستعمل التاء في أسنتو إلا في خلاف الخصب ولا تدخل في غير اسم الله.

باب حتى

بابُ حتى وهي تستعمل على ثلاثة أضرب: أحدها أن تكون حرف جر كإلي وذلك نحو قوله عز وجل: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]. وينتصب الفعل بعد هذه بإضمار أن كما ينتصب بعد اللام بإضمار أن. والآخر أن تكون عاطفة وذلك نحو [قولك]: ضربت القوم حتى زيدًا. فزيد من القوم. وإنما تذكر حتى لتعظيم أو تحقير أو قوة أو ضعف. فالتعظيم نحو: مات الناس حتى الأنبياء. والتحقير نحو: قدم الحاج حتى المشاة. والثالث أن تكون حرفًا من حروف الابتداء يستأنف بعدها كما يستأنف بعد أما (وإذا) وذلك نحو قوله: (وحتى الجياد ما يقدن بأرسان)

ألا ترى أنها ليست عاطفة لدخول حرف العطف عليها ولا جادة لارتفاع الاسم بعدها.

باب ما يستعمل مرة حرف جر ومرة غير حرف جر

باب ما يستعمل مرة حرف جر ومرة غير حرف جر من ذلك على وعن وكاف التشبيه ومذ ومنذ. تقول: على زيدٍ ثوبٌ فهذا حرف ألا ترى أنه متعلق بالفعل كما أن قولك: في الدار زيدٌ كذلك. وأما استعمالهم لها اسمًا فقول الشاعر: (غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيضٍ ببيداء مجهل) فدخول من عليه قد دل على أنها اسم. وتقول: رميت عن القوس فتوصل الفعل بها إلى المفعول كما توصله بالباء في نحو: مررت بزيدٍ [وقد استعملت اسمًا] قال الشاعر: (جرت عليها كل ريحٍ سيهوج ... من عن يمين الخط أو سماهيج)

فأما كاف التشبيه فالدلالة على أنها حرف وصلهم الذي بها كثيرًا في حال السعة وذلك قولهم: جاءني الذي كزيدٍ فصار ذلك بمنزلة: جاءني الذي في الدار ولم يكن عندهم بمنزلة: جاءني الذي مثل زيدٍ وقالوا: كن كما أنت ومعناه: كن كالذي أنت. ويجوز أن تكون ما كافة وقد استعملت اسما في نحو قول الأعشى: (أتنتهون ولن ينهي ذوي شططٍ ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل) فالكاف فاعلة لأن الفاعل لا يحذف.

باب مذ ومنذ

باب مذ ومنذ مذ ومنذ يجوز أن يكون كل واحد منهما اسمًا ويجوز أن يكون حرفًا جارًا. والأغلب على مذ أن تكون اسمًا للحذف. أما الموضع الذي يكونان فيه حرفي جر فقولك: منذ كم سرت. فمنذ حرف لإيصالها الفعل إلى كم. كما كانت الباء في قولك: بمن تمر، كذلك. وكذلك إذا قلت: أنت عندنا مذ الليلة فقد أضفت الكون إلى الليلة بمذ أو منذ لأن المعنى: أنت عندنا في الليلة. فهذا للوقت الحاضر. قال أبو بكر: والموضع الذي يكونان فيه اسمين يكون على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى الأمد فينتظم أول الوقت إلى آخره. والآخر أن يكون أول الوقت. فأما الأمد فقولك: لم أرك مذ يومان. أي أمد ذلك يومان. فمذ ابتداء موضعها رفع وهو اسم من أسماء الزمان، ويومان خبر لها. ولا تستعمل اسما إلا في الابتداء خاصة. والنكرة يختص بها هذا الباب [دون المعرفة] لأن الغرض السؤال عن عدة المدة التي انقطعت

الرؤية فيها. وإن خصص لم يمتنع كما أنه إذا خصص ما في جواب كم لم يمتنع لأن التخصيص فيه ليس يخرجه عن أن يكون عدة. وأما أول الوقت فقولك: ما رأيته مذ يوم الجمعة، المعنى: أول ذلك يوم الجمعة. فهذا الضرب يحتاج إلى التوقيت وتخصيص وقت بعينه. والفصل بين الرفع والجر بمذ أنك إذا جررت بمذ كان الكلام جملة واحدة. وإذا رفعت كان الكلام جملتين.

باب القسم

باب القسم القسم جملة يؤكد بها الخبر. ولما كان في الأصل جملة من الجمل التي هي من أخبار جاءت على ما جاءت عليه أخواتها من كونها مرة جملة من فعل وفاعل وأخرى من مبتدأ وخبر إلا أنها لا تستقل بأنفسها حتى تتبع بما يقسم عليه. ونظيرها من الجمل الشرط في المجازاة في أنها وإن كانت جملة فقد خرجت عن أحكام الجمل من جهة أنها لا تفيد حتى ينضم إليها الجزاء. فالجملة التي من فعل وفاعل في القسم قولهم: أحلف بالله. وكثيرًا ما يحذف أحلف للعلم به والاستغناء بذلك عنه. والتي من الابتداء والخبر قولهم: لعمرك لأفعلن، وعلى عهد الله، وأيمن الله. وهذه الأقسام تتلقى باللام وإنّ وبلا وبما وذلك قولك: والله إن زيدًا منطلق، وبالله لزيدٌ منطلقٌ، ووالله لا يقوم، وأيمن الله لأفعلن. والباء التي أضافت الحلف إلى المحلوف به في قولهم: أحلف بالله،

قد تبدل منها الواو فيقال: والله. وتبدل من الواو التاء فيقال: تالله. وفي القرآن: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57]. وتقول: والله لكذب [زيد]. وقولهم: لعمرك إن زيدًا منطلقٌ. لعمرك [فيه] يرتفع بالابتداء وخبره مضمر ولا يستعمل إظهار هذا الخبر، كما لم يستعمل إظهار خبر المبتدأ الذي بعد لولا. وقد تحذف (لا) في النفي من اللفظ [وهي مراده] وذلك قولهم: والله أفعل يريدون به: لا أفعل. وقال: (تالله يبقى على الأيام مبتقلٌ ... جون السراة رباعٍ سنه غرد) وجاز حذفها للدلالة عليها، ألا ترى أنه لو كان إيجابًا لم يخل

[الكلام] من اللام أو من النون أو منهما جميعًا. وألف أيمنٍ ألف وصل كالتي تلحق لام المعرفة. وقد يحذف حرف الجر فيصل الفعل إلى اسم المحلوف به وذلك قولك: الله لأفعلن. وربما أضمر حرف الجر فقيل: الله لأفعلن.

باب الأسماء المجرورة بإضافة أسماء مثلها إليها

باب الأسماء المجرورة بإضافة أسماءٍ مثلها إليها الإضافة على ضربين إضافة محضة وهي التي لا ينوي بها الانفصال. وإضافة غير محضة وهي ما نوى به الانفصال. والإضافة المحضة تجيء على ضربين إضافة بمعنى اللام وإضافة بمعنى من فالتي بمعنى اللام نحو قولك: دار زيدٍ، وثوب عمروٍ، وغلام بكرٍ، وكل الدراهم. فمعنى هذا: دارٌ لزيدٍ، وثوبٌ لعمروٍ، وكل للدراهم. (وكلٌ) اسم لأجزاء الشيء. وكما أنك إذا أضفت الأجزاء إلى المتجزئ كان بمعنى اللام فكذلك إذا أضفت إليه كلًا كان كذلك. ولا تضيف المعارف إنما تضاف النكرات. فإذا أضفت النكرة إلى المعرفة فاختصت بالإضافة اكتسبت من المعرفة التعريف الذي فيها نحو: غلام زيدٍ. [والكاف في أولئك وهنالك حرف خطاب وكذلك في جميع الأسماء المبهمة ولا موضع لها من الإعراب. ولو أضفت شيئًا من المبهمة لتنكر ولا يجوز تنكرها لقيام المعنى المعرف لها أبدًا فيها وهو الإشارة]

ولو أضفت معرفة إلى نكرة فقلت: هذا زيد رجلٍ تنكر. وإذا أضفت نكرة إلى نكرة اختصت بالإضافة وإن لم تتعرف نحو: راكب حمارٍ، وغلام رجلٍ. وفي الأسماء أسماء قد أضيفت إلى المعارف ولم تتعرف بذلك للإبهام الذي فيها وأنها لا تخص شيئًا بعينه فمن ذلك: غير ومثل وسوى. تقول: مررت برجلٍ غيرك، وبغلامٍ مثلك فتصف بها النكرة. وقد زعموا أن بعض العرب يجعل: واحد أمه، وعبد بطنه نكرة. ولأكثر أن يكون معرفة. ومما يضاف أسماء الظروف وذلك نحو: خلف زيدٍ، وفوق الأرض، وتحت السقف وهذه الإضافة بمعنى اللام. والإضافة التي بمعنى من [فهي] نحو قولك: ثوب خز، وبابٌ ساجٍ، وكساء صوفٍ. فمعنى هذا: ثوبٌ من خزٍ، وبابٌ من ساجٍ. وينفصل هذا من الباب الأول أن المضاف قد يقع عليه اسم المضاف إليه [ها هنا ولا يقع هناك اسم المضاف إليهم على المضاف] ألا ترى أن الباب من الساج ساجٌ والحلقة من الفضة فضة وليس غلام زيدٍ بزيدٍ.

باب الإضافة التي ليست بمحضة

باب الإضافة التي ليست بمحضة وهي على أربعة أضرب: من ذلك اسم الفاعل إذا أضفته وأنت تريد التنوين نحو: هذا ضارب زيدٍ غدًا والمعنى يضرب يدل على أنها ليست بمحضة وأنها في تقدير الانفصال أنك تصف به النكرة في نحو: هذا رجلٌ ضارب زيدٍ غدًا، فلولا تقدير الانفصال فيه ما جرى وصفًا على النكرة ولما انتصب على الحال. والثاني الصفة الجاري إعرابها على ما قبلها وهي في المعنى لما أضيفت إليه نحو: مررت برجلٍ حسن الوجه. والتقدير فيه الانفصال لأن الأصل: حسنٍ وجهه. وقد تقدم ذكر ذلك. والثالث إضافة أفعل إلى ما هو بعض له نحو قولهم: هو أفضل القوم، وأعلم الناس. فأفضل يضاف إلى جماعة هو أحدها، والجماعة

تشترك في هذه الصفة إلا أن صفته زائدة على صفتهم. ومن فيها لابتداء الغاية لأن المجرور بها هو الموضع الذي ابتدأ منه فضله بالزيادة في قوله: أفضل منه، وأفعل هذا المضاف هو الذي إذا لم يضف ولم تدخله الألف واللام وصل بمن ويكون للمذكر والمؤنث على لفظ واحد تقول: هندٌ أفضل من دعدٍ، وزيدٌ أعلم من عمروٍ. فإن دخلت الألف واللام تعاقبتاهما ومن تقول: زيدٌ الأفضل، والزيدان الأفضلان، وهم الأفاضل فثنيت وجمعت. وفي التنزيل: {إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 27] والمؤنث: الفضلى، والفضليان، والفضل، والفضليات وفي التنزيل: {فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه: 75] ومنه قول ذي الرمة: (حتى إذا ما انجلت عن وجهه فلق ... هاديه في أخريات الليل منتصب) ولا يجوز: زيد أفضل أخوته لأنك لما أضفت الإخوة إلى

ضمير زيد أخرجته منهم بإضافتك إياهم إليه. ولما خرج منهم لم يجز إضافته إليهم لخروجه عن جملتهم. كما لا يجوز: زيدٌ أفضل الحمير، لأنه ليس منها. وأفعل هذا إنما يضاف إلى شيء هو بعضه. والرابع إضافة الاسم إلى الصفة وذلك نحو: صلاة الأولى، ومسجد الجامع. فهذا كلام مخرج عن حده. والأصل فيه: الصلاة الأولى والمسجد الجامع. فمن أضاف فينبغي أن يكون أراد صلاة الساعة الأولى من زوال الشمس، ومسجد الوقت الجامع، أو اليوم الجامع. وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ} [البقرة: 94] وقال عز وجل: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} [يوسف: 109] والآخرة صفة للدار. والإضافة على

تقدير: دار الساعة الآخرة. وكذلك: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا). وقال الراعي: (وقرب جانب الغربي يأدو ... مدب السيل واجتنب الشعارا) فهذا على جانب المكان الغربي لا يكون على غير ذلك.

باب توابع الأسماء في إعرابها

باب توابع الأسماء في إعرابها وهي خمسة أشياء تأكيد، وصفة، وعطف بيان، وبدل، وعطفه بحرف. وجميع هذه التوابع يجرى عليه إعراب الاسم الذي تتبعه في الخفض والرفع والنصب. فأما التأكيد فإنه يكون بتكرير الاسم بلفظه، أو بمعناه. فمثال تكرير الاسم بلفظه [نحو]: رأيت زيداً زيداً. ومثال تكريره بمعناه نحو: رأيت زيداً نفسه، ومررت بكم أنفسكم. ويؤكد الاسم أيضاً بما يكون للإحاطة والعموم وذلك نحو: جاءني القوم أجمعون وجاءني أخواتك كلهم. وكذلك: جاءني أجمعون، وجاءوني كلهم. ولو قلت: جاءوني أنفسهم، لم يحسن حتى تؤكد فتقول: جاءوني هم أنفسهم، لأن أنفسهم اسم يلي العوامل نحو: جاءني نفس زيد، وأخرج الله نفسه. فلم يحسن لذلك أن تحمله على المضمر حتى يؤكد. كما لم يحسن ذلك في العطف. فأما كلهم فإنها وإن كانت قد تلي العوامل فإنها مشابهة لأجمعين من حيث كانت للإحاطة والعموم كأجمعين فحسن أن تجرى على المضمر من غير أن يؤكد. والمضمر والمظهر في التوكيد بهما سواء تقول: جاءوني أجمعون، كما تقول: جاءني أخواتك أجمعون، وكذلك [جاءوني] كلهم.

باب الصفة الجارية على الموصوف

باب الصفة الجارية على الموصوف الصفة مثل الموصوف في تعريفه وتنكيره. فصفة المعرفة معرفة وصفة النكرة نكرة. ولا يجوز وصف المعرفة بالنكرة ولا النكرة بالمعرفة لأن الصفة ينبغي أن تكون على وفق الموصوف في المعنى. والنكرة تدل على العموم والشياع، والمعرفة مخصوص فمن حيث لم يجز أن يكون الجميع واحداً والواحد جميعاً لم يجز أن يوصف كل واحد منهما إلا بما يلائمه وما هو وفقه. فأما النكرة فتوصف بخمسة أشياء: الأول منها ما كان حلية للموصوف، أو لشيء من سببه وذلك نحو: مررت برجل أزرق وأسود. ووصفه بما كان لشيء من سببه. وذلك نحو: مررت برجل طويل أبوه. والثاني ما كان فعلا للموصوف أو لشيء من سبيه وذلك نحو: مررت برجل ذاهب وقائم ٍ. وتصفه بما يكون لشيء من سببه فتقول: مررت برجل ذاهب أبوه وقائم غلامه. والثالث ما كان غير علاج ولا تحلية وذلك نحو: مررت برجل ٍ عالم ٍ وبرجل ٍ فهم ٍ أبوه، وبرجل ٍ ظريف ٍ غلامه. ٍ

والرابع النسب وذلك نحو: مررت برجل هاشمي وبرجل بصري. والخامس ما وصف بذي الذي بمعنى صاحب لا بقولهم ذو الذي بمعنى الذي لأن هذا لا يدخل في صفة النكرة لأنه معرفة وذلك نحو: مررت برجل ذي مال، وهذا رجلٌ ذو مال، وهذه امرأةٌ ذات مال ورجلان ذوا مال، ورجال ذووا مال، وامرأتان ذواتا مال، ونساء ذوات مال ٍ. ولا تضاف هذه الكلمة إلى المضمر لأنها تذكر ليتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس. والمرفوع والمنصوب في إجراء الصفة عليها كالمجرور. والنكرات توصف بالجمل التي ذكرت أنها تكون أخباراً للمبتدأ وتكون صلة للذي. فمن ذلك قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} فقوله: أنزلناه، جملة من فعل وفاعل وهي صفة الكتاب وموضعها رفع يدل على أن موضعه رفع أن «مبارك» الذي بعده ووصف به الكتاب وصفه بأنزلناه مرفوع، فلو ظهر في أنزلناه إعراب، كما ظهر في المفرد كان رفعا. وما كان صفة للنكرة جاز أن يكون حالا للمعرفة إلا الفعل

الماضي فإنه لا يكون حالا حتى يكون معه «قد» مضمرة أو مظهرة أو تجعل الماضي وصفاً لمحذوف، كقوله عز وجل: {أَو جَاءُكُم حَصِرَتْ صَدُورُهم} (أي: جاءوكم قوماً حصرت صدورهم) فحذف الموصوف المنتصب على الحال، وأقام صفته مقامه: ولا يجوز أن يكون «حصرت» دعاء.

باب وصف المعرفة

باب وصف المعرفة المعارف خمسة أشياء: العلم الخاص نحو: زيد وعمرو، والمضمر والمبهم، وما دخله الألف واللام، وما أضيف إلى أحد هذه الأشياء. فأما المضمر فلا يوصف بالأسماء المظهرة. وحكم الصفة أن تكون أعم من الموصوف. فالعلم الخاص يوصف بثلاثة أشياء: بالمضاف إلى مثله، وبالألف واللام، وبالأسماء المبهمة. فالمضاف نحو: مررت بزيد ٍصاحب عمرو وبزيد ٍأخيك، وبعمرو الطويل. وبالمبهم نحو: مررت بزيد ٍ هذا وبعمرو ذاك. وأما المبهمة فتوصف بأسماء الأجناس التي فيها الألف واللام نحو: مررت بهذا الرجل. وقد تقام الصفة مقام الموصوف فتقول: مررت بهذا الطويل. وأحسن [من] ذلك أن تكون صفة مقصورة على جنس كالعاقل، والكاتب، والضاحك ولا يوصف المبهم بالمضاف لا تقول: مررت بهذا ذي المال، وأنت تريد الصفة.

فأما الألف واللام فيوصف بالألف واللام، وما أضيف إلى ما فيه الألف واللام نحو: مررت بالرجل الجميل، وبالغلام صاحب القوم. وأما المضاف إلى المعرفة فيوصف بما أضيف كإضافته نحو: مررت بأخيك صاحب عمرو. وبالألف واللام كقولك: مررت بصاحبك الظريف. وبالأسماء المبهمة كقولك: مررت بصاحبك ذاك، وأخيك هذا. والعلم الخاص نحو: زيد وعمر. ولا يوصف بشيء منه لأنه ليس بحلية ولا قرابة ولا مبهم ولكن يجرى على الاسم عطف بيان كما جرى الوصف عليه.

باب عطف البيان

باب عطف البيان وعطف البيان أن يجرى الاسم الذي ليس بحلية ولا فعل، ولا نسب على الاسم الذي قبله فيبينه كما يبين هذه الأشياء التي هي صفات ما يجرى عليه. وذلك نحو: رأيت أبا عبد الله زيداً، وضربت صاحبك بكراً. فزيد، وبكر قد بينا الأول، وفصلا الأسمين من غيرهما كما يفعل الوصف ذلك، ولأنه جار مجرى الصفة في البيان [فلذلك] نزل في النداء منزلته في التنوين، والحمل على اللفظ مرة، وعلى الموضع أخرى وذلك نحو: يا [أبا] عبد الله زيداً، ويا نصرُ نصرٌ نصراً فرفعته رفعاً صحيحاً كما فعلت ذلك بالعاقل من قولك: يا زيد العاقل.

باب البدل

باب البدل والبدل يعرب بإعراب المبدل منه. وهو إما أن يكون الأول في المعنى، أو بعضه، أو مشتملا عليه، أو يكون على وجه الغلط. فالأول نحو: رأيت أخاك عمراً. وتبدل من المضر مظهراً فتقول: رأيته زيداً، وكذلك: ضربني الذي ضربته زيداً، إذا أبدلت زيداً من الهاء التي في ضربته. ومثل ذلك قوله عز وجل: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}. وبدل بعض الشيء من جميعه نحو: ضربت زيداً رأسه. فأما: ضرب زيدٌ اليد والرجل، فمثل: ضرب زيدٌ رأسه. وقد يكون المثل الأول. ومثل ذلك: صرفت وجوهها أولها. أبدل قوله: أولها من الضمير المجرور الذي أضيفت الوجوه إليه، والأول بعض الإبل، كما كان رأس زيد بعضه. وبدل الاشتمال كقولك: سلب زيدٌ ثوبه، ومنه قوله

عز وجل: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}. فالأخدود مشتمل على النار. وبدل الغلط [نحو]: مررت برجل ٍ حمار ٍ. أراد: مررت بحمار ٍ فغلط بقوله: برجل فوضع موضعه. وحق هذا أن يستعمل فيه بل فتقول: مررت برجل ٍ بل حمار ٍ:

باب حروف العطف

باب حروف العطف وصفة حروف العطف أن تشرك الاسم أو الفعل في إعراب ما قبله وهي تسعة: منها الواو في قولك: رأيت زيداً عمراً. ومعناها الجمع بين الشيئين. وقد يكون المبدوء به في اللفظ مؤخراً في المعنى. وتقول: اختصم زيدٌ وعمرو، واشترك بشر وبكر. ولا يجوز بغيرها من حروف العطف. وكذلك: المال بين زيد ٍوعمرو، لأنها تدل على الجمع والمعنى فيه لا يصح إلا بها. ولو قلته بالفاء، أو بثم لجعلت الاختصام والاشتراك من واحد. وكذلك: سيان زيد وعمرو، وسواء عبد الله وبشر. وأما قول الشاعر: (وكان سيان ألا يسرحوا نعماً ... أو يسرحوه بها واغبرت السوح) فإنما يشبه بذلك أنك تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين فيستقيم له أن يجالسهما جميعاً.

ومنها الفاء في قولك: دخلت البصرة فالكوفة. وهي تؤذن أن الثاني منها بعد الأول ومن ثم وقعت في جواب الشرط نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق. وثم مثل في هذا إلا أنها تؤذن بتراخ أزيد ممافي في الفاء.

ومنها أو وهي لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره تقول: كل السمك أو اشرب اللبن أي افعل أحدهما ولا تجمع بينهما. ومن ثم قلت: زيدٌ أو عمرٌ قام. كما تقول: أحدهما قام ولا تقول: قاما.

فإذا قلت: كل خبزاً أو لحماً أو تمراً، فأردت الإباحة فكأنك قلت. كل هذا الضرب فما ذكرته من كونه لأحد هذه الأشياء قائم فيه لأنه لو أكل واحداً من هذه الأشياء كان مؤتمراً. ولو كانت كالواو لم يكن قد إيتمر حتى تجمع بينها كلها.

وإما بمنزلتها في أنها تكون لأحد الأمرين أو الأمور إلا أنها تؤذن بان مبنى الكلام كان على الشك. وأوقد يجوز فيها أن يكون المبنى وقع على اليقين ثم أدرك الشك بعد. وليست إما بحرف عطف لأن حروف العطف لا تخلو من أن تعطف مفرداً على مفرد، أو جملة على جملة وأنت تقول: ضربت إما زيداً وإما عمراً، فتجدها عارية من هذين القسمين. وتقول: وإما عمراً، فتدخل عليه الواو ولا يجتمع حرفان لمعنى.

ومنها لا وذلك قولك: ضربت زيداً لا عمراً. ولو قلت: ما ضربت زيداً لا عمراً، أو لم أشتم بكراً لا خالداً، لم يجز لأنك لم توجب للأول شيئاً فتنفيه بلا وأنت إنما تنفي بلا ما أوجبته للأول. ومنها بل وهي تستعمل بعد النفي والإيجاب كقولك: رأيت زيداً بل عمراً، وما جاءني عمرو بل بكر، فهي أعم في الاستدراك بها من لكن. ومنها لكن وهي للاستدراك بعد النفي نحو: ما رأيت زيداً لكن عمراً، فهي بعد النفي بمنزلة بل، وأما بعد الإيجاب فإنها تدخل لترك قصة إلى قصة تامة مخالفة للأولى نحو: جاء زيد لكن عمرو لم يأت. فأما أم فإنها لا تكون إلا في الاستفهام وهي تكون فيه على ضربين: أحدهما أن تكون متصلة. والآخر أن تكون منقطعة. فأما المتصلة فإنها لا يستفهم بها حتى يحصل عند السائل العلم بما يسأل عنه بأو بقول المستفهم: أزيد عندك أو عمرو فيقول له المخبر نعم. فإذا قال نعم علم به كون أحدهما بغير عينه عنده لأن معنى:

أزيد عندك أو عمرو أحدهما عندك. فإذا قيل له في جواب هذا نعم علم به ذلك فإن أراد المستفهم أن يعين له المسئول ما علمه بسؤاله [إياه] بأو ويخصصه له سأله بأم فقال: أزيد عندك أم عمرو. فأجابه المخبر فقال: زيد أو عمر فتعين بخبر المخبر إياه ما كان قد علمه مبهما. ولو قال له في جواب: أزيد عندك أم عمرو لا أو نعم لكان قد أخطأ ولم يجبه على ما يقتضيه سؤاله كما أنه لو قال له: أيهما عندك، فقال له لا أو نعم لم يكن جواباً لما سأله عنه. وتقول: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنيفة. فيكون الجواب أحدهما بهذا اللفظ. ولا يجوز أن تقول: الحسن ولا الحسين لأن المعنى: أأحدهما أفضل أم ابن الحنفية، فالجواب يكون على ما يتضمنه السؤال. وأما [أم] المنقطعة فإنها تستعمل بعد الخبر والاستفهام جميعاً. فمثال استعمالها بعد الخبر قولهم إنها لأبلٌ أم شاء. كأنه رأى أشخاصاً فسبق إلى نفسه برؤيتها أنها إبل وأخبر على ذلك ثم شك فقال: أم شاء فصار سؤاله بأم مضرباً عما كان أخبر به، ومستأنفاً

السؤال عنه فكأنه في التمثيل: بل أهي شاء، لأن فيها دلالة على الإضراب كما في بل، وفيها دلالة على الاستفهام كما في الهمزة. فترجموا أم هذه ببل، والهمزة إلى للاستفهام لاشتمال أم على معنييهما. ومثال استعمالها بعد الاستفهام قولك: أعندك زيد أم عندك عمرو، أضرب عن استفهامه عن زيد، واستأنف الاستفهام عن عمرو، كما أضرب عن الخبر في الوجه الأول. ومما لا تكون أم فيه إلا المنقطعة قولهم: هل عند زيد أم (عندك) عمرو. فهذه لا تكون التي بمنزلة أي لأنك في أي نثبت أحد الشيئين أو الأشياء، وتدعى أحدهما وهذا المعنى إنما يكون في الهمزة بدلالة أنك قد تستفهم بها وأنت مثبت كقوله: أطرباً وأنت قنسري

ولا يجوز أن تثبت بهل لو قلت: هل طرباً. فمن ثم لم يكن مع هل إلا المنقطعة. ومنها حتى وذلك قولك: ضربت القوم حتى زيداً وقد رواه سيبويه، وأبو زيد وغيرهما عن العرب.

باب ما لا ينصرف

باب ما لا ينصرف وصف الاسم الذي لا ينصرف قد تقدم في أول الكتاب وهو أن يكون ثانياً من جهتين. ومعنى ذلك أن يجتمع فيه سببان من أسباب تسعة أو يتكرر واحد منهما فيه. وتلك الأشياء التسعة: وزن الفعل الذي يخص الفعل أو يغلب عليه. والصفة والتأنيث الذي يلزم ولا يفارق. والألف والنون المشابهتان لألفى التأنيث والتعريف والعدل والجمع الذي لا يكون على بناء الواحد والعجمة وأن يجعل الشيئان اسماً واحداً. وجميع مالا ينصرف في المعرفة ينصرف في النكرة إلا خمسة أشياء وهي ما كان آخره ألف تأنيث مقصورة كانت أو ممدودة. وأفعل صفة وفعلان الذي له فعلى والجمع الذي بعد الألف منه حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن والمعدول من النكرة مثل: مثنى وثلاث ورباع.

باب ما كان على وزن الفعل

باب ما كان على وزن الفعل لو سميت رجلا ضُرِب، أو ضورب، أو ضُرب، أو ضَرب لم تصرف لانضمام التعريف إلى وزن الفعل فإن نكرت صرفت لزوال أحد السببين. ولو سميته بأحمدَ ويشكر، ويعمرَ، ويزيد وأنكلَ وأيدع، كان كذلك أيضاً ولو سميت رجلا بأجمع فنكرته صرفته. ولو سميته بأحمر ثم نكرته لم تصرفه.

باب الصفة التي لا تنصرف

باب الصفة التي لا تنصرف من ذلك أفعل الذي له فعلاء نحو: أحمر وحمراء. فأحمر لا ينصرف في النكرة لقيام سببين فيه في [حال] التنكير. وهو الوزن الذي يغلب على الفعل، والصفة. وحمراء لا ينصرف أيضاً لاجتماع الوصف والتأنيث ولو كانت فيها مدة التأنيث لم تنصرف ألا ترى أن صحراء وطرفاء، ونحو ذلك من الأسماء لا ينصرف. وأحاد، ومثنى، وثلاث، ورباع، وثناء لا ينصرف لاجتماع العدل والوصف فيه. فإن حقرت ثناء، وأحاد صرفت لزوال العدل بالتحقير. فإن حقرت أحمر لم ينصرف لأن التحقير لم يزل بناء الفعل كما أزال العدل وذلك أنهم قد قالوا: ما أميلحه. فأمليح بناء فعل محقر [فإن سميت به منعته الصرف للتعريف ووزن الفعل وإن نكرته لم تصرفه أيضاً].

باب التأنيث

باب التأنيث المؤنث على ضربين ضرب فيه علامة التأنيث وضرب لا علامة فيه وعلامة التأنيث علامتان الألف، والتاء التي تبدل منها في الوقف الهاء. فما كان آخره ألف التأنيث مقصورة أو ممدودة فإنه لا ينصرف في النكرة للزوم الحرف وبناء الكلمة عليه. وإذا لم ينصرف في النكرة كان انصرافه في المعرفة أبعد. وبشرى، وسعدى، وليلى، وطرفاءُ وصحراءُ وحمراءُ لا ينصرف شيء منه في نكرة ولا معرفة. الهمزة في حمراءَ منقلبة عن ألف التأنيث المفردة، وإنما أبدلت همزة لوقوعها طرفاً بعد ألف زائدة يدلك على ذلك أن هذه الصورة إذا زالت زالت الهمزة وذلك في قولك في جمع صحراء: صحار فزالت الهمزة وعاد حرف اللين. وأما ما كان في آخره التاء فنحو: حمدة، وطلحة فإنك إن سميت رجلا أو امرأة بشيء من ذلك لم تصرفه فإن نكرت صرفت فقلت: مررت بطلحة وطلحة آخر، ومررت بحمدة وحمدةٍ أخرى فأما التأنيث الذي بغير علامة فلا يخلو الاسم [فيه] من أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف، أو يكون على ثلاثة أحرف. فما كان زائداً على ثلاثة أحرف فإنه لا ينصرف في المعرفة وذلك نحو: زينب، وجيأل، وسعاد ونحو امرأة أو رجل يسمى بعناق

أو أبان فهذه الأشياء لا تنصرف لغلبة التأنيث عليها، وأن الحرف الزائد على الثلاثة يتنزل منزلة العلامة الثابتة فيه بدلالة أن علامة التأنيث لم تلحقه في التحقير إلا فيما لا اعتداد به من قولهم: وريئة، وقد يديمة فصار من أجل ذلك بمنزلة ما فيه التعريف، وثبت فيه علامة التأنيث. وما كان على ثلاثة أحرف فلا يخلو من أن يكون الحرف الأوسط منه متحركا، أو ساكنا. فإن كان متحركا لم ينصرف كما لم ينصرف سعاد، وجيأل لأن الحركة فيه تنزل منزلة الحرف الزائد على ثلاثة [أحرف] كما تنزلت منزلته في جمزي في الإضافة حيث حذفوا معها الألف كما حذفو من حبارى فقالوا: جمزى، كما قالوا: حبارى ولم يثبتها أحد كما ثبتت في نحو: حبلى وذلك نحو امرأة سميت بقدم، وما أشبه هذا الاسم. فإن كان الثلاثي ساكن الأوسط صرف، ولم يصرف. فترك الصرف لاجتماع التأنيث والتعريف. والصرف لأن الاسم على غاية الخفة فقاومت الخفة أحد السببين. ومن زعم أن القياس في دعد ٍكان ألا يصرف دخل عليه في قوله هذا صرفهم لنوح، ولوط وهما أعجميان ومعرفتان: فإلزامهم الصرف لهما لخفتهما يقوى قول من صرف هنداً، ودعداً في المعرفة: ولو سميت رجلا بقدم صرفته. ولو صغرته فقلت: قديم، فلم يؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر. فأما قولهم [في] أذينة في الاسم العلم فإنما سمى به مصغراً [وكذلك عيينة سمى به مصغراً]

باب ما كان في آخره ألف ونون مضارعتان لألف التأنيث

باب ما كان في آخره ألف ونون مضارعتان لألف التأنيث الألف والنون في آخر سكران تشبهان ألفي التأنيث لامتناع علامة التأنيث من الدخول عليه كامتناعها من الدخول على حمراء [وخضراء] وطرفاء وهما زائدتان زيدتا معا كما أن ألفي التأنيث كذلك تقول في مؤنث سكران سكري فلا تلحق سكران الهاء كما لا تلحقها حمراء، ولهذه المشابهة لم تصرف رجلا يسمى سعدان، أو عثمان لأن التعريف يمنع دخول علامة التأنيث عليه فيشبه سكران كما تشبه الألف من أرطى وتترى، فيمن نون إذا سميت به ألف بشرى لأنك لا تقول في التسمية به أرطأه، كما كنت تقول قبل النقل إلى التسمية فأشبهت ألف سكري. ولو سميت رجلا برمان لم تصرفه في قول الخليل وسيبويه وصرفته في قول أبى الحسن.

باب التعريف

باب التعريف ومتى اجتمع مع التعريف سبب من الأسباب المانعة من الصرف لم ينصرف الاسم وذلك نحو [علامة] التأنيث في حمدة، والألف والنون في سعدان، وعريان، والعدل في [في] نحو: عمر، ووزن الفعل نحو: ضرب، وما يغلب عليه نحو: أحمد، وبعمر، وبشكر، والعجمة نحو. إسحاق وإسماعيل. وإن سميت رجلا سراويل لم تصرفه والقياس عندي ألا يصرف في النكرة أيضاً قبل التسمية بها.

باب العدل

باب العدل معنى العدل أن تريد لفظاً فتعدل عن اللفظ الذي تريد إلى آخر. وموضع النقل فيه أن المسموع لفظ والمراد به غيره. ويستوي العدل من المعرفة والنكرة لاستوائهما فيما ذكرت. ولا يكون العدل في المعنى. فالمعدول عن النكرة نحو: مثنى، وثلاث، ورباع فالمانع من الصرف العدل والصفة. والمعدول عن المعرفة نحو: عمر، وزفر عدلا عن عامر وزافر المعرفتين

ألا ترى أن ذلك ليس في أصول النكرات. ولو سمى رجلا نغراً أو جعلا، أو حطماً لا يصرف في المعرفة والنكرة جميعاً لأن فيها التعريف فقط دون العدل. وما عدل للمؤنث على فعال فهو على ضروب: أحدهما ما كان من اسم الفعل نحو: نزال، وتراك [دراك]. والآخر ما كان وصفاً يختص النداء في حال السعة وذلك نحو: يا لكاع، ويا خباث. وقد يكون في غير النداء نحو: جعار وقتام يراد به الضبع. وجاء أيضاً اسما للمصدر نحو: فجار، وجماد عدلتا عن الفجرة والجمود.

باب الجمع الذي لا ينصرف

باب الجمع الذي لا ينصرف هذا الجمع هو الذي يكون ثالثه ألفاً وبعدها حرفان أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن [أو حرف مشدد] وذلك نحو: مساجد, ومنابر ودواب, ومداق [وشواب] ودنانير ومفاتيح. وإنما لم يصرف لأنه جمع وليس في الآحاد الأول له مثال, فإن لحق شيئاً منه التاء [التي] للتأنيث انصرف في النكرة نحو صياقلة, وموازجة لأنه بدخول التاء عليه قد أشبه الآحاد ألا ترى أن فيها نحو الكراهية والحزابية فصرفته كما تصرفه إذا دخلته ياء النسب نحو: مدائني. ولو سميت بمساجد رجلا لم تصرفه لأنه شابه الأعجمي المعرفة حيث لم يكن له في الآحاد نظير. فإن نكرته لم تصرف أيضاً في قول أبي الحسن كما تصرف أحمر في قوله إذا نكرته بعد التسمية. فإن كان آخر شيء من ذلك ياء نحو جوارٍ وغواش حذفت الياء حذفاً فلحق التنوين في الرفع والجر فإن نصبت فقلت: رأيت جواري, أتممت لم تلحق التنوين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

باب الأسماء الأعجمية

باب الأسماء الأعجمية الأسماء الأعجمية على ضربين. أحدهما ما أعرب وهو اسم جنس. والآخر ما أعرب وهو اسم علم مخصوص. فما كان من الأول انصرف في المعرفة والنكرة لا يمنعه من الانصراف إلا ما يمنع العربي وذلك نحو: الآجر, والشاهين, والنيروز, والقرند, والإبريسم, واللجام وما أشبهها. وما أعرب وهو اسم علم منقول في حال التعريف فإنه لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة وذلك نحو: يعقوب, وإسماعيل, وجبريل وإسرائيل. تقول: مررت بإسماعيل وإسماعيل آخر فتصرفه في النكرة.

باب الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا

باب الاسمين اللذين يجعلان اسما واحداً حكم هذا الضرب ألا ينصرف في المعرفة وينصرف في الفكرة لأن الثاني منهما بمنزلة تاء التأنيث في نحو: حمدة فكما أن حمدة لا ينصرف في المعرفة وينصرف في النكرة فكذلك هذا الضرب وذلك نحو: حضرموت, وبعلبك وقالي قلا, ومعدي كرب. فأما معدي كرب فمنهم من يفتح الآخر من كرب فيجعل معدي مضافاً إليه غلا أنه فتحه لما لم يصرفه. ومنهم من يقول: معدي كرب مثل بعلبك. ومن أضاف لم يفتح الياء من معدي ولا من بادئ وقالي في بادي بدا وقالي قلا جعلوا الياء في هذه المواضع مثل ألف مثنى. فأما خمسة عشر ونحوه فمبني الآخر على الفتح

باب إعراب الأفعال وبنائها

باب إعراب الأفعال وبنائها الفعل على ضربين مبني ومعرب: فالمبني [منه] أمثلة الأمر إذا كان للمواجهة، ولم يكن في أوله حرف مضارعة وذلك نحو: إذهب، وقم. وما وافقه في اللفظ جعل بمنزلته في اللفظ، وإن لم يوافقه في المعنى وذلك [نحو] وقولك في التعجب: أكرم بزيد و «أسمع بهم وأبصر». ومن المبني أمثلة الماضي نحو: خرج، وعلم [وذهب] وظرف. فهذا مبني على الفتح كما كان الأول مبنياً على السكون ومن ذلك الفعل المضارع إذا دخل عليه النون الخفيفة أو الشديدة نحو: هل تضربن [زيداً] يا هذا، وهل تضربن يا فتى.

باب الأفعال المرفوعة

باب الأفعال المرفوعة الأفعال المضارعة ترتفع لوقوعها موقع الأسماء فلا يكون فعل مرتفع إلا بهذا الوصف مثال ذلك: مررت برجل يقوم، وهذا رجل يقوم ورأيت رجلاً يقوم. فيرتفع يقوم في هذه المواضع كلها لوقوعه موقع الاسم ألا ترى أن يقوم في هذه المواضع واقع الاسم المفرد في قولك: هذا رجل قائم، ورأيت رجلاً قائماً، ومررت برجل قائم. وكذلك: كان زيد يقوم. فيرتفع بقوم لأنه في موضع اسم منصوب كقولك كان زيد قائماً.

باب الأفعال المنصوبة

باب الأفعال المنصوبة النصب في الأفعال المضارعة لا يكون إلا بحروف وتلك الحروف: أن، ولن، وكي، وإذن. وهذه الحروف التي تنصبها على ثلاثة أضرب: حرف يظهر ولا يجوز أن يضمر نحو: لن، وإذن [وكي]. وحرف يظهر في موضع ولا يظهر في موضع آخر. وحرف يضمر في موضع ويظهر في ذلك الموضع. فما ينتصب بحرف ظاهر لا يجوز أن يضمر ما انتصب بان. ولن إنما تنفي الأفعال المستقبلة يقول القائل: سيقوم زيد، أو سوف يقوم زيد فتقول: لن يقوم:

وأما كي فتكون على ضربين: أحدهما أن تنصب الفعل بنفسها. والآخر أن تنصبه بإضمار أن. فقياس ما جاء من قوله عز وجل: {لِكَيْلا تَأْسَوْا} أن تكون ناصبة بنفسها بدلالة أنها لا تخلو من أن تكون هي الناصبة بنفسها، أو تكون بمنزلة اللام ينتصب الفعل بعدها بإضمار أن فعلا يجوز أن تكون في هذه الآية بمنزلة اللام لدخول اللام عليها ولا يدخل حرف جر على مثله. فإذا لم يجز ذلك ثبت أن انتصاب الفعل بعدها بها نفسها. وأما من قال: كيمه. فقد جعلها اللام لدخولها على الاسم وهي ما التي للاستفهام. فالفعل على هذا القول ينتصب بعدها بإضمار أن، كما ينتصب بعد اللام بذلك. ومما ينتصب الفعل بعده من الحروف التي لا تضمر إذن، وإنما تعمل

في الفعل إذا كانت جواباً، وكانت مبتدأة ولم يكن الفعل الذي بعدها معتمداً على ما قبلها وكان الفعل مستقبلا وذلك أن تقول للرجل: أنا أكرمك، فيقول: إذن أجيئك. فإن اعتمدت بالفعل على شيء قبلها رفعت وذلك قولك: أنا إذن أكرمك، ترفع لأن الفعل معتمد على الابتداء الذي هو أنا وكذلك: وإن تكرمني إذن أكرمك. وإذا وقعت على فعل الحال ألغيت أيضاً لأن أخواتها لا يعملن في فعل الحال. وذلك أن يتحدث بحديث فتقول: إذن: أظنك كاذباً، وأنت تخبر أنك في حال الظن.

ومما ينتصب بحرف يجوز أن يضمر في موضع ويظهر في ذلك الموضع قولك: يعجبني ضرب زيد ويغضب تريد: وأن يغضب. ومثل ذلك [قول الشاعر]: (للبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف) ومما انتصب بحرف لا يجوز إظهاره فيه وإن كان قد أظهر في غير هذا الموضع الفعل الواقع بعد الفاء إذا كانت جواباً لسنة أشياء [وهي]: النفي والأمر والنهي والاستفهام والعرض والتمني. ويجمع ذلك كله أنه غير واجب، والواجب الخبر المثبت دون النفي. ومثال النفي قوله: ما تأتيني فأعطيك، و {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} ومثال الأمر: إيتني فأعرف لك [ذلك] ومثال النهي:

لا تنقطع عنا فنجفوك، {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} ومثال الاستفهام: أتأتينا فنحدثك. ومثال العرض: ألا تنزل [عندنا] فتصيب خيراً. ومثال التمني: ليته عندنا فيحدثنا. فهذا الذي ينتصب بعد الفاء انتصابه بإضمار أن كأنه لما قال: لا تنقطع. فكان هذا الكلام بمنزلة: لا يكن منك انقطاع. قدر إضمار أن بعد الفاء فعطفها على مصدر الفعل المتقدم فصار التقدير: لا يكن منك انقطاع فأن نجفوك أي فجفاءٌ. فما بعد الفاء متعلق بحرف العطف بالجملة المتقدمة وإنما سماه النحويون جواباً وإن كانت جملة واحدة ولم تكن كالجزاء لمشابهته له في أن الثاني سببه الأول ألا ترى أن المعنى: إن انقطعت جفوتك. ولا يكون هذا في الموجب لو قلت: يقوم زيد فيغضب [عمرو] لم يجز ذلك إلا في الضرورة كقوله: (سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا) فالمعنى: إن ألحق أسترح والتقدير على ما تقدم وإنما يكون النصب

في هذه الأشياء إذا خالف الثاني الأول في المعنى فإن وافقه في المعنى وافقه في الإعراب وذلك نحو: ما أقوم فأحدثك ترفع إذا نفيت فأحدثك كما نفيت أقوم. ومن ذلك الواو إذا أردت بها نفي الاجتماع بين الشيئين. وذلك قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، ولا يسعني شيء ويعجز عنك. وقال الله عز وجل: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ويمكن أن يكون قوله تعالى {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} من هذا الباب ويمكن أن يكون «تكتموا» جزماً للاشتراك في النهي ومن ذلك قوله: (لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم)

وكذلك: زرني فأزورك. ولا يجوز الجزم في قولك: فأزورك لأنه لم يتقدم ما يحمله عليه ولو جاز ذلك لجاز أن تقول مبتدئاً: تحدثني تريد الأمر. ومن ذلك أو في نحو ذلك: لألزمنك أو تعطيني [حقي] ولأشكونك أو تنصفني. وإنما انتصب الفعل لأن المعنى: لألزمنك إلا أن تعطيني. وزعموا أن في بعض المصاحف: تقاتلونهم أو يسلموا وقال: (وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما) ومما ينتصب الفعل بعده حتى، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها. فالفعل بعد حتى ينتصب بإضمار أن. كما ينتصب بعد اللام في قولك: ما كان زيد ليفعل، بإضمار أن. وذلك أن حتى هذه هي الجارة للاسم في نحو قوله عز وجل: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} كما أم اللام كذلك. وإذا ثبت أنها الجارة للاسم لم تعمل في الفعل [شيئاً] وإذا

لم تعمل فيه والنصب يقتضي عاملا له ثبت أنه بإضمار أن إذ المعنى: سرت إلى دخولها. فأن المضمرة بعد حتى والفعل والفاعل جميعاً في موضع جر بحتى وحتى وأن المضمرة وما عملت فيه في موضع نصب بالفعل الواقع قبله كما أن الجار والمجرور في قولك: ذهبت إلى زيد كذلك. والفعل المنصوب الواقع بعد حتى على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى: إلى أن. والآخر أن يكون بمعنى كي. الأول كقولك: سرت حتى أدخلها. فالدخول غاية لسيرك، والسير هو الذي أدى إلى الدخول. والثاني كقولك كلمته حتى يأمر لي بشيء. فالمعنى: كلمته كي بأمر لي بشيء وكذلك: أسلمت حتى أدخل الجنة. ويرتفع الفعل بعد حتى. فإذا ارتفع بعدها كان على ضربين: أحدهما أن يكون السبب والمسبب جميعاً قد مضيا. والآخر أن يكون السبب قد مضى والمسبب الآن ويشتمل على الضربين جميعا أن الفعل فيهما فعل الحال. وليس حتى [ها] هنا [هي] الجارة للاسم كما كانت إياها في

الباب الأول ولكنها التي يقع بعدها المبتدأ كإذا، وأما كقوله: وحتى الجياد ما يقدن بأرسان فمثال الأول: سرت حتى أدخلها، أخبرت أن السير قد كان وأن الدخول كذلك. ومن ذلك قوله عز ذكره: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} في قول من رفع. فإن قلت فقد ذكرت أن الفعل في الوجهين للحال فكيف يكون في هذا الوجه للحال وقد مضى فالقول إنه على حكاية الحال، والآية التي تلوناها تدلك على ذلك. مثال الثاني وهو أن يكون السبب قد مضى وما يؤديه الآن قولك: سرت حتى أدخلها إذا أردت أن سيرك كان فيما مضى وقد انقطع ودخولك الآن. ومن ذلك: لقد رأى مني عاما أول شيئا حتى لا استطيع أن أكلمه العام بشيء. وكذلك قوله: مرض حتى لا يرجونه، وشربت حتى يجيء البعير يجر بطنه. ولو قلت: أسرت حتى أدخلها، لم يجز إلا النصب لأنك لم تثبت سيراً. فإن قلت. أيهم سار حتى يدخلها، جاز الرفع لأن السير هاهنا مثبت، وإنما الاستفهام عن صاحب السير لا عن السير. ألا ترى أنه يقال لك في

جواب ذلك زيد، أو عمرو، ولا يقال لك سار، ولا لم يسر. وتقول: كان سيري أمس حتى أدخلها، إن جعلت كان التي بمعنى وقع جاز الرفع والنصب في أدخلها. وإن جعلت كان المفتقرة إلى الخبر وجعلت أمس من صلة السير لم يجز إلا النصب لأنك إن رفعت بقيت كان بلا خبر، فإذا نصبت كان قولك: حتى أدخلها في موضع الخبر. وإن جعلت أمس متعلقاً بمحذوف، ولم تجعله من صله المصدر جاز أن تنصب الفعل بعد حتى وأن ترفع لأن كان قد استوفت خبرها كما جاز لك بعد كان المستغنية عن الخبر الرفع والنصب في قولك: حتى أدخلها:

باب الحروف الجازمة

باب الحروف الجازمة والحروف التي تجزم: لم، ولما، ولا في النهي، واللام في الأمر وإن التي للجزاء. أما لم فإنها تدخل على لفظ المضارع والمعنى معنى الماضي ألا ترى أنك تقول: لم يقم زيد أمس. فلو كان المعنى كاللفظ لم يجز هذا كما لا يجوز: يقوم زيد أمس. وأما لما فمثل لم في الجزم قال الله عز وجل: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} فجزمت [لما] كما جزمت لم. وإنما هي لم دخلت عليها ما فتغيرت بدخول ما عليها عن حال لم فوقع بعدها مثال الماضي في قولك لما جئت جئتُ، فصار بمنزلة ظرف من الزمان كأنك قلت: حين جئت جئتُ، فمن ثم جاز أن تقول: جئتُ ولما فلا تتبعها شيئاً ولا يجوز ذلك في لم، ولولا دخول ما عليها لم يجز ذلك فيها. ولا في النهي كقولك: لا تأكل ولا تقعد. واللام في الأمر كقولك: ليذهب عمرو. وفي التنزيل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وربما دخلت اللام على فعل المخاطب كقولك: لتقم يا زيد.

باب المجازاة

باب المجازاة حرف الجزاء إن المكسورة الهمزة المخففة تقول: إن تأتي آتك؛ وإن تذهب أذهب، ويمن تمر أمرر به فقولك: إن تذهب وما أشبهه من الفعل الذي يلي إن شرط، والجزاء قولك. أذهب وما أشبهه. وجزاء الشرط ثلاثة أشياء: أحدهما الفعل وقد ذكرناه. والآخر الفاء في نحو: إن تأتني فأنت مكرم محمول وإن تخرج الدلو فلك درهم. وفي التنزيل: {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا}. والثالث إذا في قوله عز وجل: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فموضع الفاء مع ما بعده جزم وكذلك موضع إذا وما بعدها بدلالة أنه لو وقع موضع ذلك فعل لظهر الجزم فيه وعلى هذا قرأ بعض القراء: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي} فجزم يذرهم لحمله إياه على موضع فلا هادي.

وقد تقع أسماء موقع إن وتلك الأسماء منها ما هي غير ظرف ومنها ما هي ظرف. فما كان غير ظرف فنحو: ما، ومن، وأيهم تقول: من تكرم أكرم، وأيهم تعط أعط، وما تركب أركب. وفي التنزيل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} وقال عز وجل: {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} فعلامة الجزم في الفعل بعد أي حذف النون التي تثبت علامة الرفع في تفعلون. وقال الله عز وجل: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بمؤمنين}. والظروف التي يجازي بها متى، وأين، وأنى، وأي حين، وحينما وإذ ما. ولا يجازي بحيث، ولا بإذ حتى يلزم كل واحد منهما ما تقول: متى يأتني آته، ومتى تأتني آتك، وأنى تقم أقم، وأين تذهب أذهب، وأي حين تركب أركب. وهذه السماء التي جوزى بها إذا نصبت انتصبت بالفعل الذي هو شرط. ولا يجوز: زيداً إن تضرب أضرب لا يجوز أن تنصبه في قول البصريين بالشرط ولا بالجزاء.

فإن قلت: إن زيداً تضرب أضرب كان زيد منتصباً بالفعل الذي هو. شرط، فإن شغلت الشرط بالضمير فقلت: إن زيداً تضربه أضرب عمراً. كان زيد منتصباً بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر، كما أن قولك. أزيداً ضربته كذلك. وقد يحذف الشرط في مواضع فلا يؤتى به لدلالة ما ذكر عليه. وتلك المواضع: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والعرض. تقول: أكرمني أكرمك. والتأويل: أكرمني فإنك إن تكرمني أكرمك. والنهي: لا تفعل يكن خيراً لك. والاستفهام: أتأتيني أحدثك، وأين بيتك أزرك، والتمني: ألا ماء أشربه. والعرض: ألا تنزل عندنا تصب خيراً. فمعنى ذلك كله: إن تفعل أفعل.

باب النون الثقيلة والخفيفة

باب النون الثقيلة والخفيفة النون الشديدة تلحق الفعل المستقبل للتأكيد فمن مواضعها أن تلحق مع اللام التي تدخل على الفعل لتلقى القسم نحو: والله لتفعلن. وقد يجوز ألا تلحق النون هذا الفعل. ولحاق النون معها أكثر. ومن مواضعها الأمر والنهي نحو: أضربن زيداً، ولا تشتمن بكراً. ولا تلحق هذه النون الماضي كما لحقت المستقبل. وتلحق فعل الاثنين في قولك: هل تفعلان ذلك، وفي القرآن: {وَلا تَتّبِعانِ سَبِيلَ الّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}. وتلحق فعل الجميع أيضاً في نحو: هل تفعلن ذلك. وفعل المؤنث في نحو. هل تفعلن يا هذه. فتحذف النون في هذه المواضع الثلاثة لأنها علامة الرفع، كما تحذف الضمة في قولك: هل تفعلن ذلك، وتلحق في فعل جماعة النساء في نحو: هل تفعلنان ذلك فتدخل هذه الألف لتفصل بين النونات، كما دخلتها في نحو: {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} لتفصل بين الهمزتين. وتكسر النون لوقوعها بعد الألف وكل موضع تدخل فيه الثقيلة فالخفيفة تدخله إلا [في] فعل الاثنين، وفعل جماعة النساء فإنها لا تدخل في هذين الموضعين في قول عامة النحويين لما يلزم من التقاء الساكنين على غير حده

في أكثر كلامهم. فمثال دخول الخفيفة على الفعل: اضربن زيداً. وللجميع: أضربن زيداً وللمؤنث: اضربن زيداً. فإن هذه النون في موضع فكان ما قبلها مفتوحاً أبدلت منها الألف وذلك نحو: أضربن زيداً تقول إذا وقفت عليه: اضرباً، وكذلك إذا وقفت على قوله عز وجل: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} قلت لنسفعا. وإن كان ما قبلها مكسوراً أو مضموماً حذفتها تقول: هل تضربن يا قوم فإن وقفت عليه قلت: هل تضربون [يا قوم] فرددت نون الرفع التي كنت حذفتها للبناء لزوال ما كنت حذفت النون من أجله فإن لقي هذه النون ساكن حذفتها فقلت في اضربن يا فتى إذا وصلتها: اضرب القوم، ولا تحركه لالتقاء الساكنين كما حركت التنويم في نحو: أحد الله، وزيد العاقل ولكن تحذفها جعلوا لما يدخل الاسم على ما يدخل الفعل فضيلة. **** تم الجزء الأول بحمد الله ومنه ويتلوه الثاني بمشيئة الله وعونه والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وافق الفراغ في يوم الأربعاء رابع عشر جمادي الآخرة من سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.

§1/1