الإنباه إلى حكم تارك الصلاة

عبد الله بن مانع الروقي

مقدمة

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمدلله نحمده , ونستعينه, ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , كلمة قامت بها الأرض والسماوات , وفطر الله عليها جميع المخلوقات , وعليها أُسست المللة , ونصبت القبلة , ولأجلها جردت سيوف الجهاد, وبها أمر الله جميع العباد , وهي كلمة الإسلام , ومفتاح دار السلام , وأساس الفرض والسنة , ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه , وأمينه على وحيه أرسله الله رحمة للعالمين , وقدوة للسالكين , وحجة على المعاندين , وحسرة على الكافرين , أشرقت برسالته الأرض بعد ظلمتها.

وتألفت به القلوب بعد شتاتها , فصلوات الله وملائكته عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً (¬1). وعلى صحبة عصابة الإيمان , وعسكر القرآن , وجند الرحمن , ألين الأمة قلوباً , وأعمقها علماً, وأقلها تكلفاً , وأحسنها بياناً, وأعمها نصيحة, وأقربها إلى الله وسيلة , فالعلم علمهم , والفهم فهمهم , لما خصهم الله تعالى من توقد الأذهان , وفصاحة اللسان , وسعة العلم, وسهولة الأخذ , وحسن الإدراك وسلامة القصد, وتقوى الرب, فالعربية طبيعتهم وسليقتهم, والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم , ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وعلله , ولا إلى النظر في الأصول وقواعده , بل قد غنوا عن ذلك كله , فليس في حقهم , إلا أمران: أحدهما: قال تعالى كذا , أو قال رسوله كذا. الثاني: معناه كذا , وكذا. ¬

(¬1) إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 4)

وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين , وأحظى الأمة بهما , فقواهم مجتمعة عليهما, وأما المتأخرون فقواهم متفرقة , وهممهم متشعبة , فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة , والأصول وقواعده قد أخذت منها شعبة , وعلم الإسناد , وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة. فإذا وصلوا إلى النصوص النبوية-إن كان لهم همم تسافر إليها - وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلَّت من السير في غيرها, وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها , فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب تلك القوة. والمقصود: أن الصحابة -رضي الله عنهم -أغناهم الله عن ذلك كله, فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط مع ماخصوا به من قوى الأذهان وصفائها , صحتها وقوة إدراكها , وقلة الصوارف , وكثرة المعاون, وقرب العهد بنور النبوة (¬1) ¬

(¬1) إعلام الموقعين لابن القيم (4/ 148).

فرضي الله عن القوم , فإن فضائلهم لا يسطرها خطاب , ولا يتسع لها كتاب. أما بعد: فإن الصلاة أمرها عظيم , وخطبها جسيم , وقد أنزلها الله من دينه المنزلة العلية , والرتبة السَّنية , فهي عمود الإسلام , وشعار أهله , وأول ما يحاسب عليه العبد من دينه يوم الدين , والتي أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنها آخر ما يفقد من الدين, بل أخبر بكفر تاركها , ونقل ذلك عن الأصحاب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (20/ 97 - مجموع الفتاوى): " وتكفير تارك الصلاة هو المشهور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين" أ. هـ. وقد أبدى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمرها وأعاد حتى حفظ عنه في أمرها ما لم يحفظ عنه في غيرها من أبواب العلم , فالآثار فيها أكثر الآثار , وما نقل في فضلها , وصفتها ,

وأنواعها , وأحكامها , وسننها , وتوابعها , لا يدانيه نقل آخر, حتى قال أبو حاتم ابن حبًّان: " إن في أربع ركعات يصليها الإنسان ستمائة سُنَّة عن النبي" (¬1). وقد ذكرت فيما بين يديك أخي جانباً من عظمة هذه الشعيرة, انتقيته من كلام الحبر البحر الذي لا ساحل له, فارس المعقول , والمنقول, المتَفَنِّن الموهوب, الموفق , الذي ملئ علماً وديناً وعقلاً من قرنه إلى قدمه, المجدد بلا شك , شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية , نّور الله ضريحه , وأعلى درجته. آمين. وذكرت ضابط تكفير تارك الصلاة وذكرت فيما بين ذلك فوائد ملحقة بالموضوع , ومكملة له. ¬

(¬1) الرسالة المستطرفة للكتاني (ص: 47).

والله أسأله أن يتقبله مني , وأن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قاله كاتبه: أبو محمد عبدالله بن مانع الروقي

فصل

فصل قال شيخ الإسلام - رحمه الله- (7/ 609): " تنازع العلماء في تكفير من يترك شيئا من هذه الفرائض الأربع بعد الاقرار بوجوبها, فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر ظاهراً وباطناً عند سلف الأمة وأئمتها، وجماهير علمائها، وذهبت طائفة من المرجئة، وهم جهمية المرجئة: كجهم , والصالحى, وأتباعهما إلى أنه إذا كان مصدقاً بقلبه كان كافرا في الظاهر دون الباطن, وقد تقدم التنبيه على أصل هذا القول، وهو قول مبتدع في الإسلام لم يقله أحد من الأئمة , وقد تقدم أن الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر بل وغيره، وأن وجود الايمان الباطن تصديقاً وحُباً وانقياداً بدون الإِقرار الظاهر ممتنع (¬1). ¬

(¬1) أنظر مجموع الفتاوى (7/ 541) , وكذلك (7/ 525 - 526).

وأما الفرائض الأربع فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر، وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها، كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك. وأما من لم تقم عليه الحجة مثل: أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الاسلام ونحو ذلك (¬1)، أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر، كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر , وأمثال ذلك، فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم، فإن أصروا كفروا ¬

(¬1) ومنه ماروى ابن ماجه (2/ 1344): "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب .. " الحديث, وفيه: "تبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز , يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها" فهؤلاء أنجتهم الكلمة من النار؛ لأنهم معذورون بترك الإسلام , لأنهم لا يدرون عنها, ولم تبلغهم.

حينئذٍ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك, كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل (¬1). وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئاً من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد ... : أحدها: أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج-وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء- فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف، وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر. الثاني: أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الاقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند كثير من ¬

(¬1) أنظر ما ذكره شيخ الإسلام (11/ 403). والقصة أخرجها عبدالرزاق (9/ 240 - 243) والبيهقي (8/ 315).

الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة (¬1). والثالث: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعى، وطائفة من أصحاب أحمد. والرابع: يكفر بتركها , وترك الزكاة فقط ... . والخامس: بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج وهذه المسألة لها طرفان ... : أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر ... . والثاني: في إثبات الكفر الباطن ... . ¬

(¬1) صّرح بذلك في الشرح والإنابة على أصول الديانة (الإبانة الصغرى) ص: 183. والذي ذكر في الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة (الإبانة الكبرى) ص:669 الجزم بكفره.

فأما الطرف الثاني فهو مبنى على مسألة كون الإيمان قولاً وعملاً كما تقدم , ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح, ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع عن السجود الكفار كقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42، 43]. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما في الحديث الطويل-حديث التجلي-: (أنه إذا تجلى تعالى لعباده يوم القيامة سجد له المؤمنون , وبقي ظهر من كان يسجد في الدنيا رياء

وسمعة مثل الطبق لا يستطيع السجود ...) (¬1). فإذا كان هذا حال من سجد رياء، فكيف حال من لم يسجد قط؟ وثبت أيضاً: (أن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا موضع السجود, فان الله حرم على النار أن تأكله) (¬2) فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله, وكذلك ثبت في الصحيح:" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف أمته يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء" (¬3) ، فدل على أن من لم يكن غراً محجلاً لم يعرفه النبى - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكون من أمته. وقوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا ¬

(¬1) البخاري (13/ 429 - 421) ومسلم (1/ 167). (¬2) البخاري (13/ 419 - 420) ومسلم (1/ 4) , (1/ 163). (¬3) البخاري (1/ 235 - فتح) ومسلم (1/ 217).

يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 46 - 49] وقوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الإنشقاق: 20 - 23] , وكذلك قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31 - 32] ,وكذلك قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 42 - 47] , فوصفه بترك الصلاة، كما وصفه بترك التصديق، ووصفه بالتكذيب والتولي والمتولي هو: العاصي الممتنع من الطاعة , كما قال تعالى: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَاسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 16]

وكذلك وصف أهل سقر بأنهم لم يكونوا من المصلين، وكذلك قرن التكذيب بالتولي في قوله: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق: 9: 16] , وأيضاً في القرآن علق الأخوة في الدين على نفس إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كما علق ذلك على التوبة من الكفر، فاذا انتفي انتفت الأخوة (¬1) , وأيضا فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم ¬

(¬1) يشير إلى قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11] .. والأخوة الدينية لا تنتفي بالمعاصي ولو عظمت وإنما تنتفي بالكفر والله جعل القاتل عمداً أخاً للمقتول قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178].

الصلاة فمن تركها فقد كفر) (¬1) , وفي المسند:" من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه الذمة" (¬2). وأيضا فإن شعار المسلمين الصلاة، ولهذا يعبر عنهم بها فيقال: اختلف أهل الصلاة، واختلف أهل القبلة، والمصنفون لمقالات المسلمين يقولون: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين وفي الصحيح: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ما لنا، وعليه ما علينا) (¬3) , وأمثال هذه النصوص كثيرة في الكتاب والسنة. وأما الذين لم يُكفِّروا بترك الصلاة ونحوها, فليست لهم حجة إلا وهي متناولة للجاحد كتناولها ¬

(¬1) أخرجه النسائي (1/ 231) والترمذي (7/ 368 - تحفة) وابن ماجه (1079) عن بريدة - رضي الله عنه -. (¬2) أخرجه أحمد (5/ 238) وابن ماجه (2/ 1339) , وأنظر: التلخيص الحبير (2/ 148). (¬3) أخرجه البخاري (1/ 497).

للتارك، فما كان جوابهم عن الجاحد كان جواباً لهم عن التارك؛ مع أن النصوص علقت الكفر بالتولي كما تقدم، وهذا مثل استدلالهم بالعمومات التي يحتج بها المرجئة كقوله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. . . أدخله الله الجنة) (¬1) ونحو ذلك من النصوص. وأجود ما اعتمدوا (¬2) عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة) (¬3) ... ¬

(¬1) أخرجه البخاري (6/ 474) ومسلم (1/ 57). (¬2) أنظر أضواء البيان (4/ 316) والعواصم والقواصم لابن الوزير (9/ 79) والمجموع للنووي (3/ 20) والمغني ط. الحلو (3/ 357). (¬3) أخرجه أبو داود (2/ 93 - عون) والنسائي (1/ 230) وغيرهما.

قالوا: فقد جعل غير المحافظ تحت المشيئة، والكافر لا يكون تحت المشيئة، ولا دلالة في هذا , فإن الوعد بالمحافظة عليها (¬1)، والمحافظة فعلها في أوقاتها كما أمر وكما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت، كما أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر يوم الخندق، فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها، وعلى غيرها من الصلوات، وقد قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] فقيل لابن مسعود وغيره: ما إضاعتها؟ فقال: تأخيرها عن وقتها. فقالوا: ما كنا نظن ذلك إلا تركها. فقال: لو تركوها لكانوا كفاراً (¬2). ¬

(¬1) تعظيم قدرة الصلاة للمروزي (2/ 967). (¬2) ابن جرير عند تفسير الآية المذكورة بمعناه وفيه الشاهد من كلام ابن مسعود والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 36).

وكذلك قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4 - 5] ذمهم مع أنهم يصلون، لأنهم سهوا عن حقوقها الواجبة، مِن فعلها في الوقت، وإتمام أفعالها المفروضة، كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تلك صلاة المنافق , تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) (¬1) فجعل هذه صلاة المنافقين لكونه أخرها عن الوقت، ونقرها. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الأمراء بعده الذين يفعلون ما ينكر, وقالوا يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا ما صلوا) (¬2) وثبت عنه أنه قال: (سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ثم اجعلواصلاتكم معهم ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1/ 434). (¬2) أخرجه مسلم (3/ 1480).

نافلة) (¬1) فنهى عن قتالهم إذا صلوا، وكان في ذلك دلالة على أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا، وتبين أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها، وذلك ترك المحافظة عليها لا تركها , وإذا عرف الفرق بين الأمرين، فالنبى - صلى الله عليه وسلم -، إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها لا من ترك، ونفس المحافظة يقتضي أنهم صلوا، ولم يحافظوا عليها ولا يتناول من لم يحافظ، فإنه لو تناول ذلك قتلوا كفاراً مرتدين بلا ريب، ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع، حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن قط لا يكون ¬

(¬1) أخرجه مسلم (1/ 448).

إلا كافراً، ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها، كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش ويقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبياً من الأنبياء ويقول: أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذباً فيما أظهره من القول. فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء: أنه إذا أقرّ بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه , فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة التي لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على

قولهم في [مسألة الإيمان] وأن الأعمال ليست من الإيمان وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان قلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزء من الإيمان كما تقدم بيانه. وحينئذٍ فإذا كان العبد يفعل بعض المأمورات، ويترك بعضها، كان معه من الإيمان بحسب ما فعله، والإيمان يزيد وينقص، ويجتمع في العبد إيمان ونفاق؛ كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري (1/ 89) , ومسلم (1/ 78).

وبهذا تزول الشبهة في هذا الباب، فإنّ كثيراً من الناس بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام , فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض ـ كابن أُبي وأمثاله من المنافقين ـ فلأن تجرى على هؤلاء أولى وأحرى "أ. هـ.

فصل

فصل وقال رحمه الله في موضع آخر (22/ 19): "ودل الكتاب والسنة، واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها بعد الوقت (¬1)، والفرق بين من يتركها. ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال لكان الجميع سواء لكن المضيع لوقتها كان ملتزماً لوجوبها، وإنما ضيّع بعض حقوقها وهو الوقت، وأتى بالفعل فأما من لم يعلم وجوبها عليه جهلاً وضلالاً، أو علم الإيجاب ولم يلتزمه فهذا إن كان كافراً فهو مرتد، وفي وجوب القضاء عليه الخلاف المتقدم لكن هذا شبيه بكفر النفاق ". ¬

(¬1) أي الوقت الخاص لا المشترك , ويأتي ذلك.

فصل

فصل وقال رحمه الله في موضع آخر (3/ 427): "وعماد الدين الذي لا يقوم إلا به هو الصلوات الخمس المكتوبات، ويجب على المسلمين من الاعتناء بها ما لا يجب من الاعتناء بغيرها. وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة (¬1). وهي أول ما أوجبه الله من العبادات، والصلوات الخمس تولى الله إيجابها بمخاطبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج. وهي آخر ما وصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمته وقت فراق الدنيا، جعل يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) (¬2) ¬

(¬1) رواه مالك في الموطأ (1/ 6) وإسناده منقطع. (¬2) رواه أحمد (1/ 78) وابن ماجه (1625).

وهي أول ما يحاسب عليه العبد من عمله (¬1)، وآخر ما يفقد من الدين (¬2)، فإذا ذهبت ذهب الدين كله وهي عمود الدين فمتى ذهبت سقط الدين .... " (¬3) ¬

(¬1) رواه أبو داود (3/ 166 - عون). (¬2) رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ص:32) وأبو نعيم في الحلية (6/ 265) بلفظ:"أول ماتفقدون دينكم الصلاة .. " وانظر: فيض القدير (3/ 87). (¬3) وذكر نصوصاً وكلاماً في عظمة الصلاة , وانظر لزاماً (10/ 356 - 433) , (28/ 70 - 71).

فصل

فصل استدل بعضهم (¬1) بألفاظ وردت في بعض الأحاديث, كقوله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فوالَّذي نفسي بيدِه ما مجادَلةُ أحدِكم لصاحبِه في الحقِّ يكونُ له في الدُّنيا بأشدَّ من مجادلةِ المؤمنين لربَّهم في إخوانِهم الَّذين أُدخِلوا النَّارَ". قال: يقولون: ربَّنا! إخوانُنا كانوا يُصلُّون معنا، ويصومون معنا، ويحُجُّون معنا، ويجاهدون معنا فأدخلتهم النَّارَ! قال: فيقولُ: اذهبوا، فأخرِجوا من عرفتم منهم. وقال بعد ذلك: فيقولون: ربَّنا! قد أخرجنا من أمرتَنا. قال: ثمَّ يعودون فيتكلَّمون , فيقولُ: أخرِجوا من كان في قلبِه مثقالُ دينارٍ من إيمانِ ,فيُخرِجون خلقًا كثيرًا .. الحديث (¬2). ¬

(¬1) هو المحدث العلامة الألباني. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 409 - 411) برقم (20857) وأحمد (3/ 94) وانظر مسلم (1/ 169).

قال: إن المؤمنين لما شفعهم الله في إخوانهم المصلين , والصائمين , وغيرهم في المرة الأولى , فأخرجهم من النار بالعلامة , فلما شفعوا في المرات الأخرى, وأخرجوا بشراً كثيراً , لم يكن فيهم مصلون بداهة, وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانهم .. الخ والجواب أولاً عن هذا أن يقال: " ليس في الحديث أن الآخرين لا يصلون , فقوله: لم يكن فيهم مصلون بداهة , إنما هو تحميل للنص مالا يحتمل , وتعلق بما لا متعلق فيه. ثانياً: يقال: إن الأولين كانوا يصلون , ويصومون , فهم عندهم محافظة في الجملة , وهذا ظاهر فإنه عبّر عنهم بلفظة: "كان" وبعدها صيغة المضارع. قال الشنقيطي -العلامة الأصولي-في أضواء البيان (2/ 243): "وقد تقرر في الأصول أن صيغة

المضارع بعد لفظة كان في نحو يفعل كذا , تدل على كثرة التكرار , والمداومة على ذلك الفعل" (¬1) وأما من بعد هؤلاء, فليسوا كذلك فعندهم تقصير ونقص وإخلال بالفروض المذكورة , أما أنهم لا يصلون أبداً فهذا لا يفيده النص بوجه. ويقال كذلك: هذا مفهوم - لو فهم منه ترك الصلاة , وقد عرفت أن ذلك لا يفهم منه- وهو معارض بمنطوق الأحاديث المصرحة بالكفر , والمنطوق مقدم على المفهوم , وقد ذكر أهل العلم أن مثل هذه النصوص من العام المخصوص بالنصوص الدالة على الكفر. وكذلك استدلاله برواية أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً بلفظ: "الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة ... " الحديث وفيه:" وأما الديوان الذي لا يعبأ ¬

(¬1) وانظر كذلك (3/ 299 - 300) من الأضواء.

الله به شيئاً , فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه, أو صلاة تركها , فإن الله - عز وجل- يغفر ذلك, ويتجاوز إن شاء الله ... " (¬1) وذكر الشيخ أنه يشهد لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - (¬2) , وقد رجعت للحديث المذكور - أَعني حديث عائشة -فوجدته ضعيفاً كما قال الشيخ في حاشية الطحاوية [ص:326 - حديث رقم: (384)] , وهو إنما ذكره هنا كشاهد لحديث أبي سعيد في المعنى , وقد علمت التحقيق في حديث أبي سعيد , وأنه لا دلالة فيه , فعلى أي شيء يشهد حديث عائشة-رضي الله عنها-؟! وهو لا يقوم بنفسه! فسقط التمسك به بالكلية , والحمد لله. وأما قوله: يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر ¬

(¬1) رواه أحمد (6/ 240) والحاكم (4/ 575). (¬2) هو الحديث المتقدم في ذكر الشفاعة.

للتارك للصلاة , يعني على المصر والممتنع مع تهديد الحاكم له بالقتل. (¬1) أقول: هم يأبون ذلك , وهم أغنياء بالنصوص الشرعية , وما فيها من تعليلات وأوصاف , وحملها -أعني أدلة المكفر للتارك للصلاة- على الإصرار والإمتناع .. الخ, إلغاء لوصف الشارع الذي علق الحكم به , واعتبار وصف لم يجعله الشارع مناطاً للحكم. فنصوص الشرع: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة, فمن تركها فقد كفر" (¬2) فعبر بالترك وهو يقولون: فمن أصر. ¬

(¬1) وهل يمكن وقوع هذا؟ والشيخ وفقه الله نفى هذا فما باله يثبته؟! انظر السلسلة الصحيحة (1/ 132). (¬2) تقدم تخريجه ص:11.

وقوله: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" (¬1) وهم يقولون: الإصرار على الترك , وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " (¬2) , وهذا عبدالله بن شقيق يقول: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " (¬3). والقول بأنه لا يكفر إلا إذا امتنع عن الصلاة وأصر على تركها؟ ليس بشيء , لأنه يقال: هذا فيه دلالة على غلط كفره واسكتباره , ولا يقال إنه لم يكفر حتى ¬

(¬1) رواه مسلم (1/ 88) , وقد ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- الفرق بين الكفر المعرف بأل والكفر المنكر في الاقتضاء (ص:207) قلت: الكفر المعرف هو الأكبر , وهو المعهود في ألفاظ الشارع وألسنة الصحابة. (¬2) رواه مالك في الموطأ (1/ 39) وعبدالرزاق (3/ 125) وغيرهم. وحظ: نكرة في سياق النفي , فلاحظ قليل ولا كثير في الإسلام لمن ترك الصلاة. (¬3) رواه الترمذي (7/ 370) وغيره.

أصر , بل هو كافر بالترك , وإن أصر وامتنع فهذا كفر آخر أقبح (¬1) وهذا أوضح. قال ابن رجب: "ظاهر كلام أحمد وغيره من الأئمة الذين يرون كفر تارك الصلاة: أن من تركها كفر بخروج الوقت عليه, ولم يعتبروا أن يستتاب , ولا أن يُدعى إليها وعليه يدل كلام المتقدمين من أصحابنا, لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" (¬2). ¬

(¬1) وهذا من باب التنزيل وإلا مثل هذا لا يقع. (¬2) حاشية العنقري على الروض المربع (1/ 122) وحاشية ابن قاسم على الروض أيضاً (1/ 425).

حقيقة الترك الذي يكفر صاحبه

حقيقة الترك الذي يكفر صاحبه اعلم أخي أن ما ترجح من خلال النصوص من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ترك الصلاة كفر أكبر مخرج من الملة (¬1). ويفهم من كلام شيخ الإسلام أنه إذا ترك أحياناً وصلى أحياناً , أنه تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام , وقال: إن النبي ¬

(¬1) أنظر الرسالة المفردة للشيخ ابن عثيمين حفظه الله في الموضوع , فهي مليئة- على صغر حجمها- بالتحقيق المتين, ورجح فيها كفر تارك الصلاة , ولم أود إعادة ما ذكر الشيخ , وانظر فتوى الشيخ محمد بن ابراهيم في الموضوع (2/ 107) من فتاويه ورسائله حيث نقل عن ابن حزم وابن حجر الهيثمي: أن جمهور الصحابة على كفر تارك الصلاة كفر ردة وفي تعظيم قدر الصلاة (2/ 936) أنه مذهب جمهور أهل الحديث وانظر بسط الأدلة في المصدر السابق (2/ 873) والشريعة للأجري (ص: 133) وكتاب الصلاة لابن القيم.

- صلى الله عليه وسلم - أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ لا من ترك (¬1) " , وكذلك قال: إن الأئمة كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها , وذلك ترك المحافظة عليها لا تركها. وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (5/ 210 - 211): " وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: في الأمراء الذي يؤخرون الصلاة عن وقتها: " صلوا الصلاة لوقتها , واجعلوا صلاتكم معهم نافلة" , وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر (¬2) , والعصر إلى وقت الإصفرار , وذلك مما هم مذمومون عليه , ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس , فإن هؤلاء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم , ونهى عن قتال أولئك , فإنه لما ذكر أنه سيكون أمراء يفعلون ويفعلون , قالوا: ¬

(¬1) ومثله قال شيخنا الجليل ابن باز -حفظه الله-. (¬2) فسر بعضهم التأخير بأنه مع بقاء الوقت وليس بشيء. انظر تضعيف الحافظ لمن ذكر مثل هذا في الفتح (2/ 13) حيث ذكر آثاراً جياداً في تأخير الأئمة الصلاة حتى يخرج وقتها الخاص ورجحه شيخ الإسلام (22/ 61) وقال: إن تأخيرها فسق, والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق.

أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا" (¬1) , وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها , وأمر أن تصلى في الوقت, وتعاد معهم النافلة, فدل على صحة صلاتهم , ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم". وقال (5/ 210):" ولهذا كان الذي اتفق عليه العلماء أنه يمكن إعادة الصلاة في الوقت الخاص والمشترك كما يصلي الظهر بعد دخول العصر، ويؤخر العصر إلى الاصفرار فهذا تصح صلاته وعليه إثم التأخير، وهو من المذمومين في قوله تعالى {: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون} [سورة الماعون: 4 - 5] وقوله {: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [سورة مريم: 59] فإن تأخيرها عن الوقت الذي يجب فعلها فيه هو ¬

(¬1) تقدم تخريجه, وفي رواية لأحمد (5/ 28 - 195): "ما صلوا لكم الخمس" وهي صريحة في عدم الترك الدائم , والخمس هي صلاة يوم واحد.

إضاعة لها, وسهو عنها بلا نزاع أعلمه بين العلماء , وقد جاءت الآثار بذلك عن الصحابة والتابعين. وقال أيضاً (5/ 218):" والوقت المشترك بين الظهر , والعصر ,والمغرب ,والعشاء وقت لجواز فعلهما جميعاً عند العذر، وإن فعلتا لغير عذر ففاعلهما آثم، لكن هذه قد فعلت في وقت هو وقتها في الجملة ... . وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة، ونهى عن قتالهم، مع ذمهم وظلمهم. وأولئك كانوا يؤخرون الظهر إلى العصر، فجاءت طائفة من الشيعة ,فصاروا يجمعون بين الصلاتين في وقت الأولى دائما من غير عذر، فدخل في الوقت المشترك من جواز الجمع للعذر، من تأويل الولاة وتصحيح الصلاة مع إثم التفويت، ما لم يدخل في التفويت المطلق , كمن يفطر شهر رمضان عمداً ويقول: أنا أصوم في شوال، أو يؤخر الظهر والعصر عمداً، ويقول: أُصليهما بعد المغرب، ويؤخر المغرب

والعشاء ويقول: أصليهما بعد الفجر، أو يؤخر الفجر ويقول: أصليها بعد طلوع الشمس، فهذا تفويت محض بلا عذر أ. هـ. والذي يظهر لي الفرق بين التأخير في الوقت المشترك (¬1) والتأخير المحض أو الترك فقد ذكر عن أصحاب القسم الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتالهم كما تقدم عنه قريباً, وقد ذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22/ 61) أن مؤخرها عن وقتها (¬2) فاسق , والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق. فهذا تصريح منه باختلاف حكم من أخر الصلاة حتى خرج وقتها المشترك. كالظهرين والعشاءين , أو فوّت الفجر حتى طلعت الشمس بأن هذا تفويت محض , ولذلك قال في المنهاج (5/ 230): "وكثير من ¬

(¬1) انظر لزاماً تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/ 963). (¬2) يعني الوقت الخاص.

العامة والجهال يعتقدون جواز تأخيرها إلى الليل بأدنى شغل، ويرى أن صلاتها بالليل خير من أن يصليها بالنهار مع الشغل، وهذا باطل بإجماع المسلمين، بل هذا كفر .. " وقال بعد ذلك: "وقول القائل: إنها تصح وتقبل وإن أثم بالتأخير، فجعلوا فعلها بعد الغروب كفعل العصر بعد الاصفرار، وذلك جمع بين ما فرق الله ورسوله بينه .. "أ. هـ. وأقول: وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن الأمراء أنهم يميتون الصلاة ويخنقونها , وهم إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر , والعصر إلى الاصفرار (¬1) , فليت شعري! ما حال من أخرهما إلى غروب الشمس أو لم يصلهما؟! وأما شيخ الإسلام فغاية ما نقل عنه أن من يصلي أحياناً ويترك أحياناً تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة - وأنا أقول بذلك- لأن أمر مثل هذا لا ينضبط , وأما أن الشيخ يحكم بأنه مسلم أو ناج في ¬

(¬1) انظر مصنف عبد الرزاق (2/ 379 - 387) وابن شيبة (1/ 474).

الآخرة, أو تحت المشيئة فأين ذلك من كلامه؟ (¬1) وهو قد قال: "إن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض كعبد الله بن أُبي وأمثاله من المنافقين فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى". وخلاصة ما تبين لي في ضبط ما يكفر به التارك أنه إن أخر الظهرين أو أحدهما حتى تغرب الشمس , أو العشاءين أو أحدهما حتى يطلع الفجر , أو الفجر حتى تطلع الشمس أنه يكفر بذلك (¬2) , وأما تأخير الظهر إلى العصر , أو المغرب إلى العشاء فلا على ما ¬

(¬1) وقد قال الشيخ -رحمه الله-فيما تقدم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها لا من ترك, وقال أيضاً (22/ 49) لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها, وهؤلاء تحت الوعيد , وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة .. (وقال في نفس الموضع) فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى والذي يؤخرها أحياناً عن وقتها أو يترك واجباتها, فهذا تحت مشيئة الله تعالى .. قلت: وهذا موافق لعبارته الحاصرة أولاً أعلم. (¬2) وقرره إسحاق بن راهوية بما لا مزيد عليه كما في تعظيم قدر الصلاة (2/ 929, 933).وانظر التمهيد (4/ 226).

تقدم , ولكن ذلك جريمة عظيمة , وذنب كبير نسأل الله العافية. وأما قول من قال: لا يكفر إلا بترك دائم فإنما هو شيء زاده من عنده, وإلا فما الفرق بين ترك صلاة يوم أو أيام , أو ترك الصلاة شهراً , أو شهوراً , أو كان يصلي في رمضان ويترك فيما سواه , فهل يقال أن مثل هذا لا يكفر, فليختر من يقول هذا القول بعدم كفر تارك الصلاة , وليرتح فإنه ما زاد عمّا قالوه , فإن الترك الدائم الذي لا يسجد معه المرء سجدةً واحدةً لا يكاد يكون مع إيمان وتصديق (¬1). ثم يقال: ما عدد الصلوات التي بها يكون مسلماً؟ وصدق الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .. ثم هذا الذي ترك ¬

(¬1) تقدم تقرير مثل هذا.

صلاة يوم , أو شهر هل حاله إلا مثل حال من لم يصل , فالذي لا يأبه بالصلاة , ولايهمه أن تفوته بلا عذر -كما قررنا- ما الذي يمنعه أن يستقل أو يستكثر من الترك؟ وفي التنزيل {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32]. (¬1) ¬

(¬1) قال ابن عطية في تفسيره (4/ 421): "والذي أقول أن الشبة بين قاتل النفس وقاتل الكل لا يطرد من جميع الجهات , لكن الشبه قد يحصل من ثلاث جهات , إحداها: القود فإنه واحد. والثانية: الوعيد فقد وعد الله قاتل النفس بالخلود في النار, وتلك غاية العذاب , فإن فرضناه يخرج من النار بعد بسبب التوحيد , فكذلك قاتل النفس إن لو اتفق ذلك. والثالثة: انتهاك الحرمة , فإن نفساً واحدةً في ذلك وجميع الأنفس سواء, والمنتهك في واحدة ملحوظ بعين منتهك الجميع .... "

فصل

فصل قال أبو محمد بن حزم في المحلى (2/ 242): "وقد جاء عن عمر، ومعاذ وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم- أن من ترك صلاة فرض واحدةً متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" (¬1) أ. هـ. وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 394): " وقد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها حتى يخرج جميع وقتها, منهم عمر بن الخطاب , وعبدالله بن مسعود , وعبدالله بن عباس , ومعاذ بن جبل, وجابر بن عبدالله , ¬

(¬1) جاء التنصيص على التكفير بترك صلاة واحدة عند عبد بن حميد (3/ 24) برقم (1041) , ولكن سندها ضعيف من أجل الصنعاني عمر بن زيد , ولسنا بحاجة إليها لما قررنا.

وأبو الدرداء -رضي الله عنهم- , ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل , وإسحاق بن راهوية , وعبدالله ابن المبارك , والنخعي , والحكم بن عتيبة , وأيوب السختياني, وأبو داود الطيالسي , وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم -رحمه الله-"أ. هـ. واختاره كفره أيضاً: ابن حبيب من المالكية , والعز بن عبد السلام من الشافعية (¬1) , وغيرهم. ولفيف من أئمة الدعوة السلفية المباركة (¬2) , ومن آخرهم العلامة الجليل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله - (¬3) , والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين (¬4) , والشيخ عبدالرزاق عفيفي , والشيخ عبدالله بن عبد الرحمن ¬

(¬1) انظر الدرر السنية (4/ 103). (¬2) انظر الدرر السنية (8/ 188). (¬3) انظر حاشيته على فتح البارئ (2/ 275). (¬4) وله رسالة مفردة في الموضوع -تقدمت الإشارة إليها -وقد استفدت منها في مواضع.

الجبرين , والشيخ عبدالله بن غديان, والشيخ عبدالله بن قعود (¬1) , وغيرهم كثير-ولم أقصد الحصر-. ¬

(¬1) وفتاواهم بمجلة البحوث وغيرها لا تحصر.

فصل

فصل فرق بعضهم بين التارك للصلاة عمداً والتارك تهاوناً (¬1). وقد قررنا أن الشارع علّق الحكم بمحض الترك في نصوصه. ثم يقال: المتهاون والمتكاسل عن فعل الصلاة تارك لها, وحسبنا هذا منه. والحقيقة أني لم أجد فرقاً صحيحاً بين العامد والمتهاون في حقيقة الترك , وشيء آخر المتهاون عنده نوع تعمد عند التأمل والله أعلم. ¬

(¬1) انظر مقدمة الشيخ حماد الأنصاري لتعظيم قدر الصلاة (1/ 7).

فائدة

فائدة قال شيخ الإسلام (24/ 287): "وأما من شُك في حاله تجوز الصلاة عليه, إذا كان ظاهر الإسلام كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على من لم ينه عنه, وكان فيهم من لم يعلم نفاقه , كما قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101]. ومثل هؤلاء لا يجوز النهي عنه, ولكن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين على المنافقين لا تنفعهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألبس ابن أُبي قميصه: " وما يغني عنه قميصي من الله " (¬1) , وقال تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: 6] أ. هـ. ¬

(¬1) أصل القصة في الصحيح انظر الفتح (3/ 214).

ملحوظات على كتاب الصلاة

ملحوظات على كتاب الصلاة للعلامة ناصر الدين الألباني بقلم: أبي محمد عبدالله بن مانع الروقي

مقدمة

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمدلله نحمده , ونستعينه, ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن كتاب صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي صنفه الشيخ ناصر الدين الألباني كتاب نفيس في بابه مُلئ آثاراً وسنناً, وهو على صغر حجمه ليثير العجب من تتبع الشيخ واستقرائه , ولا غرو فهو المحدث المتضلع حفظه الله وأمد في عمره -آمين -, وأشهد الله على محبته فكم أحيا به الله من هالك في البدعة, وغارق في التعصب , وخامل في التقليد والتبعية, وهو من مجددي أمر هذا الدين في هذا العصر بلا شك.

1 - قوله: (السترة ووجوبها)

غير أني وجدت ملحوظات على الكتاب وذلك أثناء قراءته وتدارسه مع بعض الإخوان , فقيدتها أثناء ذلك , وآن لي أن أخرجها , وهي يسيرة , وتركت بعضها لسبب أو لآخر. 1 - قوله: (السترة ووجوبها): أقول ما رواه البخاري في كتاب: (العلم) باب: (متى يصح سماع الصغير)؟ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكباً على حمار أتان - وأنا يومئذً قد ناهزت الاحتلام - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بمنى إلى غير جدار ...) الحديث [فتح الباري (1/ 171)]. فقوله - رضي الله عنه - إلى غير جدار لا يخلو من حالين: 1 - إما أن يكون لا فائدة فيه, ومعنى ذلك أنه لغو , ولا يليق هذا. 2 - وإما أن يكون أورده لأمر ما , والسياق يدل على أنه ذكره لبيان أنه لا يوجد سترة, وصلاة النبي - صلى

الله عليه وسلم - إلى الجدار واتخاذها سترة معهودة. فمن ذلك ما رواه (أبو داود عون) (2/ 398) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "هبطنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية إذا خر فحضرت الصلاة - يعني فصلى إلى جدر فاتخذه قبله .. "الحديث وفي نسخة جدار والجدْرُ لغة في الجدار. ولذلك روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد قال: كان بين مصلى رسول - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر شاة" فتح (1/ 574) ومسلم برقم (508). وأقول أيضاً قد روى أبو يعلى الموصلي في المسند (4/ 311) (حديث رقم 2423) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار, فمررنا بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي, فنزلنا عنه وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض - أو قال من نبات الأرض - فدخلنا معه في الصلاة , فقال رجل: أكان بين يديه عنزة؟ قال: لا".

وسند الحديث: قال أبو يعلى: حدثنا علي بن الجعد أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت يحيى بن الجزار عن ابن عباس فذكره. والحديث أُعل بعدم سماع يحيى الجزار من ابن عباس, ورده الحافظ في التهذيب في ترجمة يحيى وقال: إن ذلك وقع في حديث مخصوص (¬1) " أ. هـ. وذكره وليس هو حديثنا. وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 90): سألت أبي: عن حديث رواه الحكم بن عتيبة عن يحيى الجزار عن صهيب أبي الصهباء عن ابن عباس قال: كنت راكباً على حمار فمررت بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي , قال أبي: رواه عمرو بن مرة عن يحيى الجزار عن ابن عباس ولم يذكر صهيباً , قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: هذا زاد رجلاً وذاك نقص رجلاً, وكلاهما صحيحان. ¬

(¬1) التهذيب (11/ 191 - 192).

2 - لم يورد الألباني حديث ابن أبي أوفى الذي رواه مسلم

وانظر المسند بتحقيق أحمد شاكر برقم (1965, 2258) , (3/ 4) حيث ذكر أن يحيى سمع ابن عباس ويروي عنه بالواسطة, وقال: الاسناد بمثل هذا متصل. وبكل حال الإسناد صحيح قائم , وهو صريح في عدم وجوب السترة فهو صارف للأمر بها من الوجوب إلى الاستحباب والسنية والله أعلم. 2 - لم يورد الألباني حديث ابن أبي أوفى الذي رواه مسلم برقم (476) , (204) في أدعية الرفع من الركوع ولفظه:" اللهم لك الحمد, ملء السماء وملء الأرض , وملء ما شئت من شيء بعد , اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد, اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ"وهو على شرطه في الكتاب, [ثم رأيت لفظ أبي داود:"اللهم ربنا ولك الحمد" (5/ 287) المنهل, وعند مسلم أيضاً وفيها: "اللهم ربنا ولك الحمد".] (*)

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين زيادة ليست في المطبوع وهي في أصل المؤلف حفظه الله

3 - عزا الألباني حديث ابن مسعود في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بالنظائر

3 - عزا الألباني حديث ابن مسعود في قراءته - صلى الله عليه وسلم - بالنظائر , عزاه إلى البخاري ومسلم. أقول: هو عندهما بغير لفظ التعداد, بل هو عندهم مختصر فعزوه وهم. واللفظ الذي فيه سرد السور لأبي داود وغيره. 4 - الذي يظهر أن أحاديث التسليمة الواحدة لا تقوم بنفسها فأفرادها ضعيفة, وهي مخالفة للسنة المستفيضة في صحيح مسلم وغيره من تسليمه (¬1) - صلى الله عليه وسلم - تسليمتين. وقد تتبعها ابن القيم - رحمه الله- في إعلام الموقعين (2/ 358) وبيّن ضعفها كلها, وحكم عليها العقيلي في الضعفاء (2/ 58) بأنها ضعيفة في ترجمة روح بن عطاء, وانظر تنقيح التحقيق (2/ 916). 5 - قول الشيخ: "ثم وقفت على حديث صحيح يأمر بالركعتين بعد الوتر .. " وخرجه الشيخ في الصحيحة برقم (1993) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا السفر جَهْد وثقل, فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين , فإن استيقظ وإلا كانتا له". قال: أخرجه الدارمي , وابن خزيمة , وابن ¬

(¬1) انظر فتح الباري لابن حجر (2/ 323) , و (7/ 367).

6 - قال الشيخ وقد سها ابن القيم

حبان , والدارقطني , والطبراني في الكبير أ. هـ. قلتُ: وكذلك الطحاوي والبيهقي (3/ 33). وقال عقبه: يحتمل أن يكون المراد به: ركعتان بعد الوتر. ويحتمل أن يكون أراد: فإذا أراد أن يوتر فليركع ركعتين قبل الوتر أ. هـ. قلتُ: هو الوجه عندي ولهذا قال الذهبي في المهذب في اختصار سنن البيهقي (3/ 6). "كقوله: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} .. (¬1) , وانظر معارف السنن (4/ 259) والمجموع شرح المهذب (3/ 512). 6 - قال الشيخ وقد سها ابن القيم فأنكر في الزاد صحة الرواية الجامعة بين: "اللهم" و"الواو" في قوله: "اللهم ربنا ولك الحمد .. ". قلتُ: ابن القيم ذكر هذه الرواية في أعلام الموقعين (2/ 380) المثال: (التاسع والخمسون) من رد النصوص والسنن. ¬

(¬1) سورة النحل آية: [98].

7 - قال الشيخ: " .. ولست أشك أن وضع اليدين على الصدر في هذا القيام بدعة ضلالة .. " يعني القيام بعد الركوع

7 - قال الشيخ: " .. ولست أشك أن وضع اليدين على الصدر في هذا القيام بدعة ضلالة .. " يعني القيام بعد الركوع (¬1). أقول: هذه من المسائل الاجتهادية التي لا يُحكم على المخالف فيها بأنه على بدعة, والهجوم بمثل هذه العبارات في مسائلٍ اجتهاديةٍ ليس من طريقة القوم والشيخ ناصر لا يخفاه ذلك ولهذا نُقل عن الإمام في هذه المسألة التخيير بين الوضع والإرسال كما في مسائل ابنه صالح (2/ 205) مسألة رقم (776) تحقيق د. فضل الرحمن دين محمد. هذا ما يسر الله النظر فيه , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. قاله أبو محمد عبدالله بن مانع العتيبي ¬

(¬1) رواه مسلم (2/ 592) برقم 867 وغيره.

§1/1