الإمام أبو العباس ابن سريج المتوفي سنة 306 هـ وآراؤه الأصولية

حسين بن خلف الجبورى

مقدمة

الإمام أبو العباس ابن سريج المتوفي سنة 306 ص وآراؤه الأصولية تأليف د/ حسين بن خلف الجبوري كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى- مكة المَكرمة مقدمة الحمد لله وحده، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال مدبر الكائنات في أزل الآزال، ومقدر الأرزاق والآجال نحمده على فضله الدائم المتكرر، ونشكره على أفضاله التي عمنا بها. وأصلي وأسلم على البشير النذير سيدنا محمد الهادي إلى نور الإيمان من ظلمات الكفر والضلال، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. وبعدْ: إنهَ لمن فضول القول ونافلة الكلمة أن أشير هنا وأبين ما للأصول من مكانة بين العلوم الشرعية، ثم أن أشيد بمكانة علماء الأصول، لأن مكَانتهم من مكانة أصوله الفقه بين العلوم ولما كانت مكانة الأصول معروفة جلية بين العلوم فكذلك تكون مكَانة علماء الأصول جلية ظاهرة بين العلماء. وانطلاقا من هذه الأهمية ومن هذه المكانة العلمية لأصول الفقه وعلمائه فقد أقدمت على دراسة الآراء الأصولية لعالم جليل من علماء أصول الفقه وهو الإمام أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج الشافعي البغدادي المتوفي سنة 306 هـ. ودراسة آراء ابن سريج الأصولية لها أهمية كبيرة وفائدة جليلة وذلك لمكانة ابن سريج العلمية بين علماء الشافعية خصوصا وبين علماء عصره عموما. وهذا ما أثبته في دراسة حياته ومكانته العلمية ومن خلال مصنفاته ومكانة تلاميذه من بعده.

وهناك أسباب كثيرة دفعتني لأن أقوم بجمع ودراسة آراء ابن سريج الأصولية وإظهارها في مؤلف مستقل جمعتها من بطون كتب أصول الفقه التي حوت في ثناياها الأقوال الأصولية لابن سريج ومن هذه الأسباب ما يلي: أولاً: المكانة العلمية التي يتمتع بها ابن سريج بين علماء الشافعية خصوصا وعلماء عصره عموما حتى قيل عنه بأنه الشافعي الصغير. ثانياً: لقد اعتبر ابن سريج من المجتهدين وقد انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي بل اعتبر مجدد المائة الثالثة من الهجرة. ثالثاً: كثرة ما ورد له من أقوال أصولية ولما لهذه الأقوال من أهمية من الناحية العلمية الاستدلالية. رابعاً: لم يظهر كتاب في أصول الفقه للشافعية يتناول الأقوال الأصولية عند الشافعية في الفترة الزمنية التي عاش فيها ابن سريج. بل الذي ظهر هو كتاب الرسالة للإمام الشافعي ومعلوم أن الرسالة لم تتناول في ثنايا ما ورد فيها جميع أبواب الأصول وقواعده هذا مما يحتم جمع أقوال ابن سريج لأنه عاصر هذه الفترة الزمنية التي لا يوجد فيها للشافعية أصول مدونة غير الرسالة. خامساً: كثرة تلاميذ ابن سريج ومكانتهم العلمية بعد وفاته حيث إنهم قد أثروا وأثروا في المذهب الشافعي في الفترة التي عاشوا فيها. ويظهر ذلك من خلال ما أقدمه من دراسة عنهم. لعل هذه أهم الأسباب التي دفعتني وشجعتني على الكتابة عن هذا العالم الجليل في تلك الفترة الزمنية لما لها من أهمية في تاريخ الأمة الإسلامية. وقبل أن أبين عملي في هذا البحث أقول قد يقول قائل لماذا لم تقارن هذه الأقوال بآراء الآخرين من الأصوليين وتناظر بين أقوال ابن سريج وأدلته؟ أقول لو عمدت إلى أن يكون البحث بهذه الصورة لأدى إلى عدم تحقيق الهدف وهو إبراز الآراء الأصولية لابن سريج لأن ذكر بقية الأقوال سواء كانت للجمهور أم أقوال منفردة لبعض علماء الأصول سيؤدي إلى عدم إظهار آراء ابن سريج. كما أن هيئة المقارنة هذه موجودة في كتب الأصول عند كل مسألة من المسائل ولو ذكرت هنا لأدى إلى فوات الهدف من بيان آراء ابن سريج. لذا اخترت أن أذكرها منفردة وهذا ما أدى إلى عدم الرد على أقواله ومناقشتها لأن الرد والمناقشة يقتضي ذكر أقوال الآخرين وأدلتهم ومناقشتها ثم الترجيح بينها. ويمكن أن أبين عملي في إظهار هذه الأقوال والآراء بما هي عليه في هذا المؤلف فأقول:

أولاً: عملت دراسة أظنها كافية وافية عن ابن سريج أظهرت من خلالها مكانته العلمية بين علماء عصره. ثانياً: قمت بجمع وإخراج للآراء الأصولية لابن سريج من بطون الكتب الأصولية سواء كانت للشافعية أم لغيرهم واقتصرت على ذكر هذه الكتب ولم أذكر أي مرجع لم يتعرض بالذكر لآراء ابن سريج الأصولية. ثالثاً: رتبت هذه الأقوال على حسب ترتيب أبواب أصول الفقه التي جرف ترتيبها عند علماء أصول الشافعية. رابعاً: أثبت هذه الأقوال على شكل مسائل منفردة كل منها عن الأخرىَ حسب ورودها في كتب الأصول. خامساً: قمت بترتيب الأدلة وترقيمها تسلسليا حيث إنها في كثير من المسائل التي لم تكن مرتبة ولا متسلسلة، كما أني أظهرت وأبرزت أوجه الاستدلال من كل دليل من أدلته. سادساً: ذكرت أرقام الآيات والسور التي استدار بها ابن سريج. سابعاً: خرجت الأحاديث والآثار التي استدل بها ابن سريج في أقواله الأصولية. هذا وأدعو الله عز وجل مخلصا صادقا في أن يجعل عملي هذا في ميزان حسناتي يوم تنقطع الأعمال والأقوال ولا يبقى إلا ما قدم الإنسان من الإحسان وما خلف من علم نافع ينتفع به من بعده. اللهم حقق لي هذا يا رب ونجني بهذا العمل وغيره من عذابك الذي لا نقوى عليه ولا على ما هو دونه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الصراط والحساب. د. حسن بن خلف الجبوري

الدراسة عن الإمام أبي العباس ابن سريج

الدراسة عن الإمام أبي العباس ابن سريج مدخل ... الدراسة عن الإمام أبي العباس ابن سريج المتوفي سنة 306 هـ الدراسة عن الإمام أبي العباس ابن سريج الشافعي البغدادي تتناول جوانب متعددة ونواح متفرعة من حياته الشخصية والعلمية لذا أرى بيانها في المباحث الآتية:

المبحث الأول: في اسمه ونسبه ووفاته

المبحث الأول في اسمه ونسبه ووفاته هو أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس، الشافعي البغدادي. وسريج بضم السين وفتح الراء وسكون الياء بعدها الجيم. وسريج جده كان تقياً ورعا، ومشهور بالصلاح الوافر1. ولد ابن سريج سنة 248هـ ببغداد وتوفي فيها في جماد الأولى سنة 306هـ عن سبع وخمسين سنة وستة أشهر، ودفن بحجرة سويقة غالب2. وقيل يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول3.

_ 1 انظر: طبقات الشافعية 41، والفتح المبين في طبقات الأصوليين 1/165، ووفيات الأعيان 1/66. 2 انظر: المنتظم 6/149، وشذرات الذهب 2/247، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/50، وتهذيب الأسماء واللغات 2/251، وتذكرة الحفاظ 3/811، والعبر 1/450، وطبقات الشافعية 41. 3 انظر: وفيات الأعيان 1/66.

المبحث الثاني: في مكانته العلمية

المبحث الثاني: في مكانته العلمية مدخل ... المبحث الثاني في مكانته العلمية4 لابن سريج مكانته العلمية الكبيرة المشهورة إذ أنه إمام الشافعية في عصره. لذا أرى من أجل إعطاء هذه المكانة حقها في البحث، ولإنصاف الرجل كما ينبغي في مكانته العلمية التي كان يتمتع بها بين علماء زمانه. أرى أن يكون الكلام متناولاً لجميع النواحي التي تبرز هذه المكانة، ويظهر بها المقام الائق بابن سريج. ويمكن تحقيق ذلك بالجوانب الآتية:

_ 4 انظر: تاريخ بغداد 4/287، وطبقات الفقهاء 108، وتذكرة الحفاظ 3/811، والعبر 1/450، وطبقات الفقهاء الشافعية 62، وطبقات الشافعية 41، وشذرات الذهب 2/247، وسير أعلام النبلاء 14/202، والمنتظم 6/149.

أولا: ماقاله العلماء في حقه

أولاً: ما قاله العلماء في حقه: كان أبو العباس ابن سريج يلقب بالباز الأشهب، وهو من الطبقة الثالثة من طبقات الفقهاء الشافعية. كان إماماً مشهوراً وقاضياً عادلاً، وهو الذي نشر المذهب الشافعي وبسطه.

قال عنه البعض: "بأنه يفضل على جميع الأصحاب حتى على المزني، وقد أخذ عنه خلق كثير". وقال البعض في حقه: "بأنه شيخ الأصحاب وسالك سبيل الإنصاف، وصاحب الأصول والفروع، والحساب، وناقض قوانين المعترضين على الشافعي، ومعارض جوا بات الخصوم". وقال عنه الشيخ أبو حامد الاسفراييني: "نحن نجري مع ابن سيرين في ظواهر الفقه دون دقائقه". وقال أبو علي بن خيران. سمعت أبا العباس بن سريج يقول: "رأيت كأنما مطرنا كبريتا أحمر فملأت اكماجي وحجري فعبرت لي أن أرزق علما عزيزاً كعزة الكبريت الأحمر". وقال الحاكم وغيره1: سمعت حسان بن محمد يقول: "كنا في مجلس ابن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة فقام إليه شيخ من أهل العلم فقال: أبشر أيها القاضي فإن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد- يعنى للأمة- أمر دينها2 وأن الله بعث على رأس المائة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فأظهر كل سنّة وأمات كل بدعة. وبعث على رأس المائتين محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه حتى أظهر السنّة وأخفى البدعة. وبعثك على رأس الثلاثمائة حتى قويت كل سنة وضعفت كل بدعة ثم أنشأ يقول: اثنان قد مضيا فبورك فيهما ... عمر الخليفة ثم خلف السودد الشافعي الألمعي محمد ... خير البرية وابن عم محمد أرجو أبا العباس أنك ثالث ... من بعدهم سقيا لتربة أحمد قال: "فصاح أبو العباس بن سريج: وبكى فقال: لقد نعى إليّ نفسي". قال حسان: "فمات القاضي أبو العباس في تلك السنة". وجاء في تذكرة الحفاظ3. كذا في النسخة سنة ثلاث وكأنها سنة ست تصحفت. كان أبو العباس: صاحب سنة واتباع، إذ أنه سئل عن صفات الله تعالى فقال: "حرام على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تجده، وعلى الألباب أن تصف إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

_ 1 انظر: المستدرك 4/522، وشذرت الذهب 2/248، وتاريخ بغداد 6/289. 2 انظر: مختصر سنن أبي داود_ كتاب الملاحم 6/163. 3 انظر: تذكرة الحفاظ 3/811.

واشتهر النقل عن ابن سريج أنه قال: "ما رأيت من المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه، ولا يصل إلى معرفة الكلام".

ثانيا: تقديم العلماء له عليهم تقديرا لمكانته العلمية

ثانيا: تقديم العلماء له عليهم تقديرا لمكانته العلمية: ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه1 أن العلماء باتفاق يحترمون مكانة ابن سريج العلمية ويقدمونه عليهم نظرا لهذه المكانة لذا ذكر هذه الرواية مشيرا لهذا المعنى إذ قال: أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد الهروي في كتابه، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن الحسين الليثي بمصر، حدثني الحسين بن الفتح. قال: "كان ببغداد جمع للقضاة والمعدلين والفقهاء وقاموا ليمضوا إلى موضع فاتفقوا على أن يتقدمهم أبو العباس بن سريج، ومنهم من هو في سن أبيه".

_ 1 انظر: تاريخ بغداد 4/289.

ثالثا: مناظرته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم

ثالثاً: مناظرته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم ... ثالثا: مناظراته العلمية للعلماء وانتصاره فيها عليهم: ويمكن التمثيل لهذه المناظرات بالصور الآتية2: (1) اجتمع أبو العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري فاحتج أبو بكر على أن أم الولد تباع إذ قال: "أجمعنا إنها كانت أمة تباع، فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها فعليه الدليل". فقال له أبو العباس بن سريج: "وأجمعنا على أنها لما كانت حاملا لا تباع فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل". فبهت أبو بكر الظاهري. (2) كان العباس بن سريج وأبو بكر محمد بن داود الظاهري إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر محمد بن يوسف لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن مما يجرى بينهما. وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر في الحضور في المجلس. فتقدمه أبو بكر فسأله: "حدث من الشافعيين عن العَود الموجب في الظهار ما هو؟ ". فقال: "إنه إعادة القول ثانيا": وهو مذهبه، ومذهب داود فطالبه بالدليل: فشرع فيه، ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى فشرحوه فقال ابن سريج لابن داود: "يا أبا بكر أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه". فاستشاط أبو بكر من ذلك. وقال: "أتقدر أن من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة. إجماع عندي. أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك". فغضب ابن سريج وقال: "إئت يا أبا بكر بكتاب "الزهرة " أمهر منك في هذه الطريقة". فقال أبو بكر: "وبكتاب "الزهرة تعيرني؟ والله ما

_ 2 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/26.

تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إلا كنت أقول فيه: أكرر في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما وينطق سرى عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاس رده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما أن أرى حبا صحيحا مسلما" فقال له ابن سريج: "أو علي تفخر بهذا أم القول وأنا الذي أقول: وماهر بالفتح من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سنائه ضنا بحسن حديثه وعتابه ... وأكرر اللحظات في وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبداته" فقال أبو بكر لأبي عمر: "أن الله القاضي قد أقر بالميت على الحال التي ذكرها وأدعى البراءة بما يوجبه، فعليه إقامة البينة". فقال ابن سريج: "من مذهبي أن المقر إذا أقر قرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته". فقال ابن داود: "للشافعي في هذه المسئلة قولان". فقال ابن سريج: "فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة". (3) كان علي بن عيسى الوزير منحرفا عن أبي العباس بن سريج لفضل ترفعه، وتقاعده عن زيارته منصبا بالميل إلى أبي عمر المالكي القاضي لمواظبته على خدمته، ولذلك كان ما قلده من القضاء. وكانت في أبي عمر نخوة على أكفائه من فقهاء بغداد لعلو مرتبته، فحمل ذلك جماعة من الفقهاء على تتبع فتاويه حتى ظفروا له بفتوى خالف فيها الجماعة وخرق الإجماع. وأنهى ذلك إلى الخليفة والوزير فعقدوا مجلسا لذلك. وكان فيمن حضر أبو العباس بن سريج. فلم يرد على السكوت. فقال له الوزير: "ما تقول في ذلك". فقال: "ما أكاد أقول فيهم، وقد ادعوا عليه خرق الإجماع، وأعياه الانفصال عما اعترضوا به عليه، تم أن ما أفتى به قول عدة من العلماء وأعجب ما في الباب أنه قول صاحبه مالك رضي الله عنه، وهو مسطور في كتابه الفلاني" فأمر الوزير بإحضار ذلك الكتاب. فكان الأمر على ما قاله. فأعجب به غاية الإعجاب، وتعجب من حفظه لخلاف مذهبه، وغفلة أبي عمر عن مذهب صاحبه، وصار هذا من أوكد أسباب الصداقة بينه وبين الوزير. ومازالت عَناية الوزير به حتى رشحه للقضاء فامتنع أشد الامتناع. فقال: "إن امتثلت ما مثلته لك وإلا أجبرتك عليه". قال: "افعل ما بدا لك". فأمر الوزير حتى سمر عليه بابه، وعاتبه الناس على

ذلك. فقال: "أردت أن يتسامع الناس أن رجلا من أصحاب الشافعي عومل على تقلد القضاء بهذه المعاملة وهو مصر على إبائه زاهد في الدنيا". وهذا الأمر يمكن أن يكون في أخر حياته إذ أنه ذكرت كثير من المصادر أنه تولى القضاء بشيراز. (4) ناظر أبو العباس بن سريج أبا بكر محمد بن داود يوما فقال له1: "أنت تقول بالظاهر، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقل درة شرا يره. فمن يعمل نصف مثقال؟ " فسكت ابن داود طويلا. فقال له ابن سريج: "لم لا تجيب؟ " فقال: "أبلعني ريقي". فقال له أبو العباس: "أبلعتك دجلة". وقال أبو بكر بن سريج يوما: "أمهلني ساعة". فقال له: "أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة". وقال أبو بكر لابن سريج يوما: "أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس". فقال له: "هكذا البقر إذا جفت أظلافها دهنت قرونها".

_ 1 انظر: شذرات الذهب 2/247، وتهذيب الأسماء واللغات 2/251، وطبقات الفقهاء 2/108، ووفيات الأعيان 1/66.

رابعا: استدراكه على بعض العلماء فيما صدر عنهم من أحكام

رابعا. استدراكه على بعض العلماء فيما صدر عنهم من أحكام: لقد استدرك أبو العباس ابن سريج على الإمام محمد به الحسن الشيباني مسألة في الحساب وهي2. إذا خلف ابنين وأوصى لرجل بمثل نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال فإن محمد بن الحسن قال: "المسئلة محال، لأنه أستثنى ثلث المال فقط". وقال أبو العباس ابن سريج: "المسئلة من تسعة لأحد ابنيه أربعة، والثاني مثله، وواحد للموصى له وهو نصيب أحد ابنيه إلا ثلث جميع المال وإذا ضم إلى نصيب الموصي له، صار أربعة". ووجه جواب ابن سريج أنه يجعل إلا ثلث جميع المال قيدا في مثل النصيب، يعني مثل النصيب خارجا منه ثلث الأصل3.

_ 2 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21، وطبقات الفقهاء الشافعية 62. 3 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/93.

خامسا: بعض المسائل التي اهتم العلماء بنقل أحكامها عنه

خامسا: بعض المسائل التي اهتم العلماء بنقل أحكامها عنه: لقد نقل كثير من العلماء آراءه الفقهية والأصولية في كتبهم ومجالسهم العلمية حتى شاعت في الآفاق ومنها ما يلي: (1) قال الشيخ أبو حامد الاسفراييني كما نقل عنه ذلك الإمام النووي رحمه الله4.

_ 4 تهذيب الأسماء واللغات 2/251.

في تعليقه في مسئلة صفة الجلوس في التشهد الأول، قال ابن سريج: "متى عرف من أصول الشافعي شيء ذكره في كتبه عمل به. فمتى وجد في كتبه غير ذلك يؤول، ولم ينزل على ظاهره لئلا يعد قولا آخر له". (2) نقل عنه أنه قال1: "قل ما رأيت أن المتفقهة من اشتغل بالكلام فأفلح، يفوته الفقه ولا يصل إلى معرفة الكلام". (3) جاء عن السبكي في طبقاته2: أن ابن سريج قال: "يؤتى يوم القيامة بالشافعي وقد تعلق المزني يقول: رب هذا قد أفسد علومي. فأقول أنا: مهلا، بأبي إبراهيم فإني لم أزل في إصلاح ما أفسد". (4) جاء في الطبقات الكبرى3 فيما قاله الحاكم: أنه سمع الأستاذ أبا الوليد النيسابوري يقول: "سألت ابن سريج. ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" فقال: "إن القرآن أنزل ثلثا منه أحكام، وثلثا منه وعد ووعيد، وثلثا أسماء وصفات. وقد جمع في (قل هو الله أحد) الأسماء وصفات". (5) وجاء عن العبادي في طبقاته4: أن ابن سريج أفتى في قول من قال: "يا زانية أنت طالق إن شاء الله" "بأنها لم تطلق، وهو قاذف، لأن قوله يا زانية اسم لها، وخبر عن محتمل، والاستثناء لا يرجع للاسم"، وإذا قال: "يا زانية إن شاء الله". "لا يصح الاستثناء، لأنه خبر عن فعل ماض، وهو واقع، ويستحيل تعلق وقوعه بمشيئته من بعد". وإذا قال: "أنت زانية إن شاء الله" "اختلفوا فيه، وقيل لا يصح الاستثناء". قال أبو حامد المروزي: "وقطع به أنه يصح رجوعه، لأنه يجري مجرى التشبيك في الخبر. كما لو قال أنت زانية إن شاء الله". (6) جاء في طبقات السبكي5: أن قال: "كان ابن سريج يذهب كما حكاه الماوردي في الحاوي في باب "ما على القاضي في الخصوم والشهود" إلى رأَي أهل الكوفة: أن الأولى للحاكم إذا ثبت الحق ألا يسمى في سجله الشهود"، باب يقول: "ثبت عندي بشهادة من رأيت قبول قولهما احتياطا للمحكَوم له. فإنه متى سماهما فتح باب الطعن والقدح عليه". والمعروف عن الشافعية قاطبة عكسه احتياطا للمحكوم عليه. وإنه يقول ثبت عنده لشهادة فلان وفلان.

_ 1 انظر: طبقات الشافعية 1/49، وأيضا سير أعلام النبلاء 14/202، ووفيات الأعيان 1/66، وتذكرة الحفاظ 3/811. 2 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21، وتاريخ بغداد 4/287. 3 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21. 4 انظر: طبقات الفقهاء الشافعية 62. 5 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21.

(7) ما ذكره تلميذه ابن القاص في كتابه أدب القاضي1 إذ أنه قال: "سمعت أحمد ابن عمر بن سريج ينزع الحكم بشاهد ويمين من كتاب الله عز وجل من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلى قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأََوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه} "2. وسأحكي معاني ما انتزع به وإن لم أجد ألفاظه: قال رحمه الله تعالى لما قال تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ} يعني تبين {عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعنى بذلك الوصيين {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأََوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ} فيحلفان بالله، يعني وارثي الميت اللذين كان الوصيان حلفا إن ما في أيديهما من الوصية غير ما زاد عليهما. قال ابن سريج قال: "فالبيان الذي عثر على أنهما استحقا إثما به لا يخلو من أحد أربعة معان: أما أن يكون إقرارا منهما بعد إنكارهما، أو أن يكون شاهدي عدل، أو شاهداً وامرأتين أو شاهداً واحدا، وقد أجمعنا على أن الإقرار بعد الإنكار لا يوجب يمينا على الطالبين، وكذلك لو قام شاهدان أو شاهد وامرأتان، فلم يبقى إلا شاهد واحد، وكذلك استحلاف الطالبين". (8) المسألة السريجية: ينسب إلى ابن سريج ما يسمى بالمسألة السريجية أو مسألة الدور في الطلاق ومفادها3 أن يقول: الزوج لزوجته: "كلما أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاث". ثم يقول: "أنه طالق". قال ابن سريج: "لا يقع شيء للدور". وجاء عن ابن العماد الحنبلي في الشذرات: أن البلقيني قال: "يجوز تقليد مصحح الدور في السريجية، ومقلده لا يأثم وأنا لا أفتي بصحته، لأن الفروع الاجتهادية لا يعاقب عليها وإن ذلك ينفع عند الله تعالى". وجاء في هامش النجوم الزاهرة نقلا عن أبي شجاع أن ابن الصباغ قال: "وددت لو محيت هذه وابن سريج برئ مما ينسب إليه فيها".

_ 1 انظر: أدب القاض لابن القاص 1/297 تحقيق الدكتور حسين الجبوري. 2 سورة المائدة الآية: 106- 107. 3 انظر: النجوم الزاهرة 3/194، وطبقات الشافعية الكبرى 3/39، وتذكرة الحفاظ 3/811، وشذرات الذهب 2/247.

المبحث الثالث: في مصنفاته العلمية

المبحث الثالث في مصنفاته العلمية لأبي العباس بن سريج مصنفات علمية كثيرة حتى قيل أنها بلغت أربعمائة مصنف. إلا أن المشهور من هذه المصنفات ومما ذكرته المصادر بالاسم ما يلي1: (1) الرد على ابن داود في إبطال القياس. (2) التقريب بين المزني والشافعي. (3) الرد على محمد بن الحسن الشيباني. (4) مختصر في الفقه. (5) الرد على عيسى بن أبان. (6) جواب القاشاني. (7) الانتصار. (8) الغنية في فروع الشافعية. (9) البيان عن أصول الأحكام. (10) الفروق في الفروع. (11) الودائع لمنصوص الشرائع. (12) كتاب العين والدين في الوصايا.

_ 1 انظر: تاريخ بغداد 4/ 290، وسير أعلام النبلاء 14/ 201، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/48، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 251، وتذكرة الحافظ 3/ 811، والعبر1/450، وشذرات الذهب2/ 247، ووفيات الأعيان 1/66، وطبقات الشافعية الكبرى 3/22، وهدية العارفين 1/57، وتاريخ التراث العربي3/ 183، والفهرست/ 266.

المبحث الرابع: في روايته للحديث

المبحث الرابع: في روايته للحديث مدخل ... المبحث الرابع في روايته للحديث لقد ذكرت كثير من المصادر بأن لابن سريج سماعا في الحديث ورواية له لذا سأذكر أسماء من سمع عنهم الحديث وأسماء من روى عنه الحديث2.

_ 2 انظر: تذكرة الحافظ 3/ 811، وشذرات الذهب2/ 247، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 251، المنتظم 6/ 149، وسير أعلام النبلاء 14/ 201، وتاريخ بغداد4/ 287، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 21.

اولا: اسماء من سمع ابن سريج عنهم الحديث وهم كل من

أولا: أسماء من سمع ابن سريج عنهم الحديث وهم كل من: (1) الحسن بن محمد الزعفراني. (2) علي بن اشكاب.

(3) عباس محمد الدوري. (4) أحمد بن منصور الرمادي. (5) أبو داود السجستاني. (6) محمد بن سعيد العطار. (7) عباس بن عبد الله الترقفي. (8) عباس بن عبد الملك الدقيقي. (9) الحسن بن مكرم. (10) حمدان بن علي الوراق. (11) محمد بن عمران الصائع. (12) عبيد الله بن شريك البزار.

ثانيا: أسماء من حدث وروى عن ابن سريج وهم

ثانيا: أسماء من حدث وروى عن ابن سريج وهم: (1) أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. (2) أبو أحمد الغطريفي محمد بن أحمد بن الغطريف. (3) أبو الوليد حسان بن محمد. كما روى عنه غيرهم. وللتدليل على روايته للحديث يمكن أن نذكر بعض الروايات التي وردت عنه وهي1: أولا: أخبرنا أبو الفرج محمد بن عبد الله بن أحمد بن شهريار الأصبهاني، أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا أحمد بن عمر بن سريج القاضي- أبو العباس- حدثنا العباس بن محمد بن حاتم، حدثنا سورة بن الحكم القاضي قال: حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى عن ابنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به، ورجل كانت له أمة فاعتقها فتزوجها، وعبد اتقى الله، وأطاعَ مواليه" 2. ثانيا: أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، حدثنا محمد بن الغطريف- بجرحان- حدثنا الأمير أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، حدثنا أبو يحي الضرير محمد ابن سعيد العطار، حدثنا عبيدة بن حميد، حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي

_ 1 انظر: سير أعلام النبلاء 14/201، وتاريخ بغداد 4/287، وطبقات الشافعية الكبرى 3/21. 2 انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول 8/60.

ثابت عَن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب قال: كنت رجلاً مذاء، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يكفيك منه الوضوء"1. ثالثا: أخبرنا أبو محمد بن أبي عمر، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا أحمد بن محرر ومحمد ابن عبد الباقي قالا: أخبرنا طاهر بن عبد الله، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد، حدثنا أبو العباس ابن سريج، حدثنا علي بن اشكاب، حدثنا أبو بدر، حدثنا عمر بن ذر، حدثنا أبو الرصافة الباهلي من أهل الشام أن أبا أمامة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من امرىء تحضره صلاة مكتوبة فيتوضأ عندها فيحسن الوضوء ثم يصلي فيحسن الصلاة إلا غفر الله له بها ما كان بينها وبين الصلاة التي كانت قبلها من ذنوبه"2. رابعا: حدثنا ابن سريج، حدثنا الزعفراني، حدثنا وكيع، حدثنا الثوري عن ربيعة الرأي عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ فقال: "عرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستنفقها"3. خامسا: جاء في تذكرة الحفاظ4: أن حديثه في جزء الغطريفي يقع عالياً إذ قال: فأنبأنا عبد الرحمن بن أبي عمر الفقيه، أنبأنا عمر بن محمد، أنبأنا أحمد بن ملوك ومحمد بن عبد الباقي قالا: أنبأنا طاهر بن عبد الله القاضي، أنبأنا محمد بن أحمد – بجرجان - أنبأنا أبو العباس بن سريج، أنبأنا الرمادي، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء" 5 هذا إسناد صحيح لكن نسخ بعد ذلك6.

_ 1 انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول 7/199 وصحيح مسلم بشرح النووي باب المذي 3/212. 2 انظر: صحيح البخاري – كتاب الوضوء - 1/128، وصحيح مسلم بشرح النووي – كتاب الطهارة - 3/112. 3 انظر صحيح البخاري – كتاب اللقطة – 5/61، وصحيح مسلم بشرح النووي – كتاب اللقطة – 12/21 والموطأ – كتاب القضاء باللقطة – 2/126. 4 انظر: تذكرة الحفاظ 3/811. 5 انظر صحيح مسلم بشرح النووي – باب بيان أن الغسل يجب بالجماع – 4/38 وسنده في مسلم إلى أبي سعيد الخدري بسند غير ما ذكره صاحب الطبقات. 6 نسخ بحديث "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل". انظر: صحيح مسلم بشرح النووي – باب ما يوجب الغسل – 4/41 أو هو محمول على حالة الاحتلام.

المبحث الخامس: في نظمه الشعر

المبحث الخامس في نظمه الشعر نقلت بعض المصادر7 أن أبا العباس ابن سريج ينظم الشعر بل سريع البديهة في

_ 7 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/21 وتاريخ بغداد 4/287.

ذلك كما هو الحال في موقفه مع أبي بكر محمد بن داود كما سنرى قريباً. وهذا بيان لبعض ما ذكر من شعره: أولا: شعره في الرد على أبي بكر محمد بن داود الظاهري: إذ أنشد قائلا: وساهر بالغنج من لحظاته ... فذبت أمنعه لذيذ سنانه مننا بحسن حديثه وعتابه ... وأكرر اللحظات في وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولى بخاتم ربه وبراته ثانيا: ما روي عنه أنه ركب شعرا في دخول "لو": تركيبا غير عربي فقال: ولو كلما كلب عوى ملت نحوه ... أجاوبه أن الكلاب كثير ولكن مبالانى بمن صاح أو عوى ... قليل فإني بالكلاب بصير والذي عاب على أبي العباس ابن سريج هذا التركيب هو الشيخ أبو حيان رحمه الله وقد أجاب السبكي في طبقاته على أبي حيان بقوله: "لم يبين الشيخ أبو حيان وجه خروج أبي العباس عن اللسان في هذا التركيب الشعري. فإن أراد تسليطه حرف "ولو" على الجملة الاسمية فهو مذهب كثير من النحاة منهم الشيخ جمال الدين بن مالك. جوزوا أن يليها اسم ويكون معمول فعل مضمر ففسر بظاهر بعد الاسم". ثم أضاف قائلا: وقال في التسهيل: "وإن وليها اسم فهو معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم، وربما وليها اسمان مرفوعان". ومثال ما إذا وليها اسم: ما روي في المثل من قولهم "لو ذات سوار لطمئني" وقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة". وقال الشاعر: أخلان لو غير الحمام أصابكم ... عتبت ولكن ما على الدهر معتب وقال شاعر آخر: لو غيركم علق الزبير بحبله ... أدنى الجواز إلى بنى العوام وقال آخر: فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما فالأسماء التي وليت "لو" في هذا كله معمولة لفعل مضمر يفسره ما بعده، كأنه قال:

ولو لطمتني ذات سوار لطمتني. وكذا نقول في قول ابن سريج: "ولو كلما كلب" المعنى ولو كان كلما كلبا عوى. ويدل على ذلك قول الله عز وجل: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأََمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} 1. ويلزم من رد أبي حيان لهذا المذهب ودعواه أنه غير مذهب البصريين أن يكون مردودا في نفسه. وإن أراد حذف الجواب إذ التقدير: ولو كان كلما عوى كلب ملت نحوه، كي أجاوبه لسئمت أو تعبت، أو نحو ذلك لأن الكلاب كثير. فقد نص هو وغيره على جواز حذف جواب "لو" لدلالة المعنى عليه، وعليه قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} 2. وشواهده كثيرة. ثالثا: من شعر أبي العباس ابن سريج في مختصر المزني: لصيق فؤادي منذ عشرين حجة ... وصقيل ذهني والمفرج عن همي عزيز على مثلي إعارة مثله ... لما فيه من علم لطيف ومن نظم جموع لأصناف العلوم بأسرها ... فأخلق به أن لا يفارقه كمي

_ 1 سورة الإسراء آية:100. 2 سورة الأَنعام آية: 27.

المبحث السادس: في شيوخه

المبحث السادس: في شيوخه مدخل ... المبحث السادس في شيوخه درس أبو العباس ابن سريج الفقه على أبي القاسم الأنماطي وهو الذي أثر فيه أكثر من غيره. كما درس على أبي الحسن المنذري. وقد ذكرت بعض المصادر3 أنه تتلمذ على المزني. إلا أن هذا وهم وغير صحيح حيث أن الذي تتلمذ على المزني هو شيخه الأنماطي. ويمكن أن نترجم لشيخه الأنماطي والمنذري بما يلي:

_ 3 انظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين1/ 165.

اولا: الانماطى

أولا: الأنماطي: هو أبو القاسم عثمان بن سعيد بن بشار الأنماطي4 - منسوبا إلى الأنماط وهي البسط

_ 4 انظر: طبقات الشافعيِة الكبَرى 2/ 301، وشذرات الذهب2 /198، وطبقات الفقهاء 104، وطبقات الشافعية 32، وطبقات الفقهاء الشافعية 51.

التي تفرش _ كان فقيها ورعا أخذ العلم عن المزني والربيع وهو الذي نشر مذهب الشافعي ببغداد، وعليه تفقه ابن سريج، وأبو سعيد الأصطخري، وأبو علي بن خيران، ومنصور التميمي، وأبو حفص بن الوكيل البابشامي. والأنماطي بالنسبة لأهل بغداد كأبي بكر بن إسحاق بالنسبة لأهل نيسابور، فإنه أول من حمل إليهم علم المزني. توفي سنة 289هـ.

ثانيا: المنذرى

ثانيا: المنذري: هو أبو الحسن المنذري1 شيخ ابن سريج، وله مختصر في الفقه من كتب الشافعي رحمه الله من كتاب المزني.

_ 1 انظر: طبقات الفقهاء الشافعية 51.

المبحث السابع: في تلاميذه

المبحث السابع: في تلاميذه مدخل ... المبحث السابع في تلاميذه لقد درس على أبي العباس ابن سريج جمع كثير من طلبة العلم وقد استفادوا منه وأفادوا. إلا أن أبرز تلاميذه وأشهرهم هم الذين قاموا بنشر مذهبه من بعده في الآفاق وصنفوا في ذلك التصانيف الكثيرة وأظهروا براعة فائقة في حمل هذا العلم والدفاع عنه والرد على أعدائه. لذا سأترجم لأشهرهم علما وأبرزهم مكانة وهم كما يلي:

أولا: أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي المعروف بالصيرفي

أولا: أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي المعروف بالصيرفي2: الإمام الجليل الأصولي، أحد الوجوه المسفرة عن فضله، والمقالات الدالة على جلالة قدره. وكان يقال: "إنه أعلم خلق الله تعالى بالأصول بعد الشافعي". تفقه علي أبي العباس ابن سريج، وسمع الحديث من أحمد بن منصور الرمادي، وروي عنه علي ابن محمد الحلبي. له تصانيف كثيرة منها: (1) شرح الرسالة. (2) كتاب في الإجماع. (3) كتاب الشروط.

_ 2 انظر: طبقات الشافعية 63، وطبقات الفقهاء 111، وطبقات الشافعية الكبرى 3/186، وشذرات الذهب 2/325، وطبقات الفقهاء الشافعية 69.

(4) كتاب في الفتوى. (5) كتاب باسم "المستفاد في اللفظ المستجاد".

ثانيا: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاص

ثانيا: أبو العباس أحمد بن أبي أحمد المعروف بابن القاص1. إمام عصره، تفقه على أبي العباس ابن سريج، وتفقه عليه أهل طبرستان، حدث عن أبي خليفة ومحمد بن عبد الله المطين الحضرمي، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ويوسف بن يعقوب القاضي، وعبد الله بن ناجية، وغيرهم. صاحب المصنفات الكثيرة منها: (1) المفتاح. (2) أدب القاضي. (3) المواقيت. (4) التلخيص. توفي بطرسوس سنة 335 هـ.

_ 1 انظر: طبقات الشافعية 65، وطبقات الفقهاء 111، وطبقات الشافعية الكبرى 3/59، وأدب القاضي 1/27 تحقيق الدكتور حسين الجبوري.

ثالثا: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي شيخ الشافعية

ثالثا. أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي2 شيخ الشافعية: كان إماما جليلا، غواصا على المعاني، أخذ العلم عن ابن سريج، وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد، وانتشر العلم عن أصحابه إذ خرج من مجلسه إلى البلاد سبعون إماما. ثم انتقل في آخر عمره إلى مصر وشرح المختصر وصنف الأصول. وهو الذي قعد في مجلس الشافعي بمصر سنة القرامطة واجتمع الناس عليه. توفي سنة 340هـ ودفن عند ضريح الشافعي رضي الله عنهما. وقد حكى عنه حكاية غريبة ولغرابتها أذكرها عنه في هذا الموطن وهي: قال أبو إسحاق: "كان لي جار ببغداد، وكان له مال كثير وله ابن يضرب إلى السواد، ولون الرجل لا يشبهه، وكان يعترض أنه ليس منه. قال: فأتاني فقال: "عزمت على الحج، وأكثر قصدي أن استصحب ابني وأريه بعض أهل القيافة ثم فنهيته، وخرج فلما رجع قال لي: إني استحضرت مدلجيا، وأمرت بعرضه عليه في عدد من الرجال، وكان منهم الذي رأى أنه منه. وكان معنا في الرفقة. وغبت عن المجلس فنظر القائف فيهم فلم يلحقه بأحد منهم. فأخبرت بذلك وقيل لي احضر فلعله يلحقه بك. فأقبلت على ناقة يقودها عبد لنا أسود كبير السن. فلما وقع بصره علينا قال: الله أكبر الراكب أبو هذا الغلام والقائد الأسود

_ 2 انظر: طبقات الشافعية 66 وطبقات الفقهاء 112، وشذرات الذهب 2/355، وطبقات الفقهاء الشافعية 68.

أبو الراكب. فغشي علي من صعوبة ما سمعت. فلما رجعت من الحج، رجعت على والدتي لتخبرني. فأخبرتني أن أبي طلقها ثلاثا. ثم ندم فأمر هذا الغلام بنكاحها للتحليل، ففعل، فعلقت منه. وكان ذا مال كثير وليس له ولد فاستحقه ونكحني مرة ثانية".

رابعا: أبو علي الحسن بن الحسين المعروف بابن أبي هريرة

رابعا: أبو علي الحسن بن الحسين المعروف بابن أبي هريرة1: أحد أئمة الشافعية، تفقه على ابن سريج، ثم على أبي إسحاق المروزي، وصحبه إلى مصر. ثم عاد إلى بغداد وشرح شرحين للمختصر، مختصرا ومبسوطا. درس ببغداد وتخرج عليه خلق كثير. وانتهت إليه إمامة العراقيين. توفي ببغداد سنة 345 هـ.

_ 1 انظر: طبقات الشافعية 72، وطبقات الفقهاء /112 وشذرات الذهب 2/370، وطبقات الشافعية الكبرى 3/256 وطبقات الفقهاء الشافعية 77.

خامسا: أبو الوليد حسان بن محمد بن أحمد القرشي الأموي النيسابوري

خامسا: أبو الوليد حسان بن محمد بن أحمد القرشي الأموي النيسابوري2: الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج، كان زاهدا محتشما، قال عنه الحاكم: "بأنه إمام أهل الحديث بخراسان"، له كتاب المستخرج على صحيح مسلم. كما أنه شرح رسالة الإِمام الشافعي شرحا حسنا. عاش اثنتين وتسعين سنة. توفي بنيسابور سنة 349 هـ.

_ 2 انظر: طبقات الشافعية 73، وطبقات الفقهاء الشافعية 74، وشذرات الذهب 2/380، وطبقات الشافعية الكبرى 3/226.

سادسا: أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي

سادسا: أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي3: كان إماما، إذ أنه أفصح الأصحاب قلما، وأمكنهم في دقائق العلوم قدما، وأسرعهم بيانا، وأتقنهم جنانا، وأعلمهم إسنادا، وأرفعهم عمادا، انتشر عنه مذهب الشافعي بما وراء النهر، له كتاب في أصول الفقه، وله شرح الرسالة. وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء. توفي سنة 335 هـ وقيل سنة 336 هـ.

_ 3 انظر: طبقات الشافعية الكبرى 3/200، وطبقات الشافعية /88، وشذرات الذهب 3/28.

سابعا: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان

سابعا: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان4: وهو آخر أصحاب ابن سريج وفاة. أخذ عنه علماء بغداد. إذ درس بها. له مصنفات في أصول الفقه وفروعه. توفي سنة 359 هـ.

_ 4 انظر: طبقات الشافعية /84 وطبقات الفقهاء الشافعية /85.

ثامنا: أبو جعفر أحمد بن محمد الاستراباذي

ثامنا: أبو جعفر أحمد بن محمد الاستراباذي1: من أصحاب ابن سريج ومن كبار الفقهاء والمؤذنين، وأَجل العلماء المبرزين، وهو القائل: "لا وجود للسحر وإنما هو تخييل". أبو بكر أحمد بن الحسن بن سهل الفارسي2: وهو صاحب "عيون المسائل في نصوص الشافعي" تفقه على ابن سريج. مات بحدود سنة خمسين وثلاثمائة. الآراء الأصولية للإمام أبي العباس ابن سريج الشافعي البغدادي المتوفي سنة 306 هـ

_ 1 انظر: طبقات الشافعية /84، وطبقات الفقهاء الشافعية /85. 2 انظر: طبقات الشافعية 75.

الآراء الأصولية للإمام أبي العباس ابن سريج الشافعي البغدادي

الآراء الأصولية للإمام أبي العباس ابن سريج الشافعي البغدادي باب: الأحكام مسألة: طلب العلم ... الآراء الأصولية للإمام أبي العباس ابن سريج الشافعي البغدادي المتوفي سنة 306 هـ باب الأحكام (1) مسألة: طلب العلم3: قال ابن سريج: "إذا قيل لك ما الأصل في طلب العلم؟ تقول: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما اتفقت عليه الأمة. فالحجة من الكتاب قوله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} 4 فأفادنا بذلك حكم طلب العلم. وما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا العلم ولو بالصين" 5 فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم. وقد أجمعت الأمة على أن علم ما لا يسع جهله فرض على الإنسان أن يعلمه، فإذا علمه كان طلب ما سوى ذلك فضلا لا فرضا. فعلى من علمَ أن الله قد فرض عليه فرائض وتواعده على تركها أن يعلمها، وأن يسارع إلى موافقة الله تعالى فيها رغبة في ثوابه، وخوفا من عقابه، وطلبا لمرضاته، والله نسأل التوفيق بمنه وهو حسبنا ونعم الوكيل".

_ 3 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع /678. 4 سورة التوبة آية: 122. 5 انظر: الموضوعات لابن الجوزي 1/315 وجامع بيان العلم 10/807 والمقاصد الحسنة 63 إذ قال عنه نقلا عن ابن حبان بأنه باطل لا أصل له.

مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرع

(2) مسألة: حكم الأشياء قبل ورود الشرع: اختلف العلماء في حكم الأشياء قبل ورود الشرع على أقوال: فقال أبو العباس ابن سريج: "إنها على الإباحة حتى يرد الشرع بحظرها"6.

_ 6 انظر: سلاسل الذهب 19، وشرح اللمع 2/977 والفقيه والمتفقه 1/217.

وجاء في شرح الكوكب المنير1 إيراد المسألة باسم آخر وهو "الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع وبعده وخلا عن حكمها فما هو حكم هذه الأعيان" ومن العلماء من ذكرها قبل ورود الشرع. ومع ذلك فقد قال صاحب الكوكب بأن أبا العباس ابن سريج قال: "بأنها مباحة". هذا وقرر استدل ابن سريج على قوله هذا بالأدلة الآتية2 وهي: أولا: قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق} 3. وجه الاستدلال: إن هذا استفهام إنكاري وهو يفيد الذم والتوبيخ. لذا كان مقتضى الآية أن الأصل في الأعيان المنتفع بها الإباحة. ثانيا: استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم لأجل مسألته" 4 وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما سكت عنه فهو عفو" 5. وجه الاستدلال: إن الحديثين يفيدان الإباحة. ثالثا: استدل بأن هذه الأعيان ملك للَه تعالى والانتفاع بملك الغير على وجه لا يستضر به المالك جائز. والدليل على ذلك أملاك الآدميين. فإنها يجور الانتفاع بها على وجه لا يستضر به المالك مثل الاستظلاِل بظله والمشي في ضوء سراجه، ولا ضرر على الله تعالى في انتفاعنا بهذه الأعيان. فوجب أن يكون الانتفاع بها جائزا على الإطلاق. رابعا: قال: "إن الحكيم لا يخلق شيئا إلا لغرض ووجه من الحكمة يقتضي خلقه. وقد خلق الله تعالى هذه الأعيان فلا يخلو إما أن يكون خلقها للمنفعة أو المضرة. بطل أن يكون خلقها للمضرة، لأن هذا لا يليق بالحكيم. فبقي القسم الثاني وهو أنه خلقها للانتفاع بها. وإذا ثبت هذا فلا يخلو إما أن يكون خلقها لنفع نفسه أو لنفعنا، بطل أن يكون خلقها لنفع نفسه لأن الله تعالى مستغن عن ذلك. بقي أن يكون خلقها لنفع الناس، وإذا ثبت

_ 1 انظر: شرح الكوكب المنير 1/325. 2 انظر: شرح الكوكب المنير 1/325، وسلاسل الذهب 19 وشرح اللمع 2/977. 3 سورة الأعراف آية: 32. 4 انظر: صحيح مسلم - كتاب الفضائل - 4/1831 وصحيح البخاري _ باب ما يكره من كثرة السؤال _ 8/142، ومختصر سنن أبي داود _ باب لزوم السنة _ 7/13. 5 انظر: سنن أبي داود 3/485، وسنن ابن ماجة 2/1117.

هذا ثبت أن الانتفاع بها جائز، إذ لا يخرج خلقه إياها عن هذين القسمين. لأن القسم الثالث عبث ولعب، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا". ويدل عليه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} 1. خامسا: قال: بأن المباح ما لا ثواب في فعله ولا عقاب في تركه وعندكم أن من يفعل شيئا قبل الشرع لا ثواب له في فعله ولا عقاب في تركه، فقد أثبتم له حكم الإباحة. سادسا: بأن القول بالوقف يؤدي إلى ترك الوقف وذلك أن القول به لا يخلو إما أن يكون حقا يجب اعتقاده أو باطلا لا يجوز اعتقاده. فإن كان حقا وجب اعتقاده. بطل القول بالوقف. لأنه قد وجب الاعتقاد وإن كان باطلا لم يجز القول به.

_ 1 سورة البقرة آية: 29.

مسألة: شكر المنعم

(3) مسألة: شكر المنعم: اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على أقوال فقال أبو العباس ابن سريج: "يجب شكر المنعم عقلا"2. ونقل الزركشي عن تقاضى أبي بكر الباقلانيى والأستاذ أبي إسحاق الاسفرائينى في معرض الاعتذار عن ابن سريج هذا أنهما قالا: "أعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا ابن سريج وغيره، برعوا في فن الفقه، ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام، وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة فاستحسنوا عَباراتهم، وقولهم في شكر المنعم عقلا فذهبوا إلى ذلك غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة من قبح القول"3.

_ 2 انظر: سلاسل الذهب 25. 3 انظر: سلاسل الذهب/ 26، والإبهاج شرح المنهاج 1/138.

مسألة: صيغة أفعل ليست حقيقة

(4) مسألة: صيغة أفعل ليست حقيقة: صيغة أفعل تستعمل في معان متعددة قد تصاب إلى ستة عشر معنى. فهل استعملها في هذه المعاني على وجه الحقيقة أم على خلاف ذلك؟ قال البخاري في كشف الأسرار4 بأن العلماء اتفقوا على أن صيغة أفعل ليست حقيقة في جميع الوجوه لأن معنى التسخير والتعجيز والتسوية مثلا غير مستفاد من مجرد الصيغة. بل إنما يفهم ذلك من القرائن. إنما الذي وقع الاختلاف فيه أربعة أمور هي الوجوب والندب والإباحة والتهديد.

_ 4 انظر: كشف الأسرار 1/ 107.

فقال أبو العباس ابن سريج: "الأمر مشترك بين هذه الوجوه الأربعة بالاشتراك اللفظي كلفظ العين"1. وقد استدل على قوله هذا2 بما يلي: وهو أن صيغة الأمر استعملت في معان مختلفة من غير أن يثبت هو ترجيح أحدها على الباقي والأصل في الاستعمال الحقيقة. فيثبت الاشتراك الذي هو من أقسام الإجمال. فلا يجب العمل به إلا بدليل زائد يرجح أحد المعاني على سائرها لاستحالة ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح.

_ 1 انظر: قواطع الأدلة / مخطوط / رقم اللوحة 10. 2 انظر: كشف الأسرار 1/ 107، وقواطع الأدلة / مخطوط / رقم اللوحة 10.

مسألة: ما هي حقيقة الأشبه

(5) مسألة: ما هي حقيقة الأشبه: هذه المسألة موضعها عند كل الفقهاء في التخطئة والتصويب فالمجتهد إذا وقعت له واقعة يطلب النصوص من الكتاب والسنة ثم الإجماع، ثم إن أعوز المطلوب فيه فينظر في قواعد الشريعة يحاول إلحاقا ويريد جمعا ويطلب شبها فيخيل في نفسه وجود التشبه ثم يجتهد في طلب الأشبه فالمطلوب هو الأشبه. ومعنى هذا أن المسألة إذا ترددت بين أصلين في التحريم والتحليل ويجاذبها أصل التحريم وأصل التحليل فالمطلوب تقرير الأشبه، لذا اختلف العلماء في حقيقة الأشبه الذي هو المطلوب. فقال أبو العباس ابن سريج: "الأشبه المطلوب هو الذي يغلب على الظن عند تقدير ورود الشرع بحكم في المحل. أنه كان ينص على ذلك الحكم"3.

_ 3 انظر: البرهان في أصول الفقه 2/1327.

باب: العام والخاص

باب العام والخاص (1) مسألة: إذا ورد لفظ عام هل يبحث عن المخصص قبل الشروع في العمل به أم لا؟: هذه المسألة قد اختلفت ألفاظ العلماء في التعبير عن مقتضاها إذ أن من العلماء من عبر عنها بقوله: الألفاظ موضوعة للعموم4. ومنهم من قال: "هل يجب اعتقاد العموم من الصيغة والعمل بمقتضاها أو يتوقف عنها"5.

_ 4 انظر: أحكام الفصول /234. 5 انظر: سلاسل الذهب /151.

وقد اختلف العلماء في بيان حكمها على أقوال متعددة فقال أبو العباس ابن سريج: "لا يجوز التمسك بالعام ما لم يتقص في طلب المخصص، فإذا لم يوجد ذلك المخصص فحينئذ يجوز التمسك به في إثبات الحكم العام"1. وقد استدل ابن سريج بالأدلة الآتية وهي2: أولا: أن المقتضي للعموم هو الصيغة المتجردة عن القرائن ولا يعلم تجردها عن القرائن إلا بعد النظر في الأصول والبحث عن الأدلة، لأن دليل التخصيص قد يكون متصلا بلفظ العموم بالشرط والاستثناء، وقد يكون متأخرا عنه فلم يجز اعتقاد عمومه ما لم يوجد شرط العموم فيه. ثانيا: إن هذا الأمر يقاس على البينة في الحكم حيث يعتمد على ما يعلم إذا علم الحاكم عدالتها، لو كانت البينة لا تكون بينة حتى يعلم خبرها من الأسباب القادحة في العدالة، لم يجز العمل بها مع الجهل بحالها، بل يجب عليه أن يتوقف فيها حتى يكشف عن باطن حالها بسؤال أهل الخبرة والمعرفة بالشهود. كذلك في مسألتنا. ثالثا: بأنه لا طريق إلى معرفة ذلك بغير البحث والسبر وهو غير يقيني. والقول بأنه لو كان ثم مخصص لاطلع عليه العلماء غير يقيني لجواز وجوده مع عدم اطلاع أحد من العلماء عليه. وبتقدير اطلاع بعضهم عليه فنقله له أيضا غير قاطع. بل غايته أن يكون ظنيا. كيف وأنه ليس كل ما ورد فيه العام مما كثر خوض العلماء فيه، وبحثهم عنه ليصح ما قيل. رابعا: إنه بتقدير قيام المخصص لا يكون العموم حجة في صورة التخصيص فقبل البحث عن وجود المخصص يجوز أن يكون العموم حجة، وأن لا يكون، والأصل أن لا يكون حجة إبقاء للشيء على حكم الأصل. خامسا: أن اللفظ الموضوع للاستغراق هو اللفظ المتجرد عن القرائن المخصصة، ولابد من طلب التجرد لنحمل على المعنى الموضوع له اللفظ، وعند الطلب نعرض الخطاب الوارد على دلائل الشرع ليعرف هل وجد هناك دليل يخص اللفظ أولا. ثم إذا لم نجد فقد

_ 1 انظر: الأحكام للآمدي 1/ 131، والمحصول جـ1 / ق 3/ 29، وإرشاد الفحول 323، وشرح الكوكب المنير 3/ 457 إذ قال جعل ابن سريج عدم التخصيص شرطا لذا لابد من تحققه قياسا على أن كل دليل مع معارضة يجب العمل بكل دليل سمعه قبل البحث عن معارضه. وشرح اللمع 1/ 326، وكثف الأسرار 3/ 931، والإبهاج شرح المنهاج 2/ 141، والتبصرة/ 119، وقواطع الأدلة/ رقم اللوحة/ 47. 2 انظر: المراجع السابقة.

أصاب اللفظ المجرد عن قرينة مخصصة فيحمل عام الموضوع له، وهو الاستيعاب، ويعتقد ذلك.

مسألة: تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالقياس

(2) مسألة: تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالقياس: اختلف أهل العلم في جواز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بالقياس. فقال أبو العباس ابن سريج: "إن كان القياس جليا1 جاز وإن كان خفيا فلا2 مثل قياس تحريم ضرب الوالدين على تحريم التأفيف". وجاء في إرشاد الفحول3 عنه روايتان: الأولى: "أنه يقول بالتخصيص مطلقا". والثانية: "أنه يقول بالتخصيص إن كان القياس جليا" وصحح عنه الرواية الأولى. إلا إني أقول لعل الراجح هي الرواية الثانية لأن أكثر المصادر ذكرت عنه هذه الرواية دون الثانية أي التخصيص بالقياس الجلي دون غيره.

_ 1 القياس الجلي ما كانت العلة فيه منصوصة أو غير منصوصة غير أن الفارق بين الأصل والفرع مقطوع بنفي تأثيره فالأول كإلحاق ضرب الوالدين بتحريم التأفيف لهما بعلة كف الأذى عنهما، والثاني كإلحاق الأمة بالعبد في تقويم النصيب إذ لا فارق بينهما سوى المذكورة في الأصل والأنوثة في الفرع ولم يلتفت الشارع على ذلك في أحكام العتق خاصة. انظر: الأحكام للآمدي 4/3. 2 انظر: نهاية السول 2/125، والأحكام للآمدي 2/159، والمحصول جـ1/ق3/149 وشرح الكوكب المنير 3/378، وكاشف الرموز ومظهر الكنوز 1/250 وبيان المختصر 2/342. 3 انظر: إرشاد الفحول /140.

مسألة: تخصيص العموم بدليل الخطاب

(3) مسألة: تخصيص العموم بدليل الخطاب: معنى ذلك أنه إن ورد نص عام فهل لنا أن نخصصه بدليل الخطاب4 (مفهوم المخالفة) أم لا؟. اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على أقوال. فقال أبو العباس ابن سريج: "لا يجور تخصيص العموم بدليل الخطاب"5.

_ 4 دليل الخطاب معناه أن مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفا لمدلوله في محل النطق. 5 انظر: شرح اللمع 1/257، وإرشاد الفحول 141.

مسألة: هل تحمل الألفاظ على كل ما تتناوله أم على البعض؟

(4) مسألة: هل تحمل الألفاظ على كل ما تتناوله أم على البعض؟: معنى ذلك أن اللفظ إذا كان متناولا لأفراد كثيرة فهل يحمل على جميع هذه الأفراد أم أنه يكتفي بحمله على أقل ما يتناوله؟. قال أبو العباس ابن سريج: "يجب حمل الألفاظ على أقل ما يتناوله اللفظ"6. وقد استدل ابن سريج بالأدلة الآتية7

_ 6 انظر: أحكام الفصول /240. 7 انظر: المرجع السابق.

ولا: بأن أقل الجمع ثلاثة ولا يشك في أن ذلك المقدار مراد باللفظ وما زاد على ذلك مشكوك فيه. فلا يحمل اللفظ عليه إلا بدليل. ثانيا: لفظ الجميع لو اقتضى العموم لوجب إذا قال: لفلان عندي دراهم ألا يقبل منه ثلاثة دراهم. ولما أجمعنا على أنه يقبل منه ثلاثة دراهم. علمنا أن اللفظ محمول على أقل ما يتناوله.

باب: الحقيقة والمجاز

باب: الحقيقة والمجاز (1) مسألة: المجاز في القرآن: اختلف العلماء في وقوع المجاز في القرآن الكريم. فقال أبو بكر بن داود: "بأن المجاز في اللغة، وليس في القرآن مجاز". فرد عليه أبو العباس ابن سريج بوقوع المجاز في القرآن1 وقد استدل على رده بقوله تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَات} 2. وجه الاستدلال: أن الصلوات لا تهدم وإنما أراد به مواضع الصلوات. وعبر بالصلوات عنها على سبيل المجاز. وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. فلم يكن لأبي بكر من جواب على ما استدل به ابن سريج.

_ 1 انظر: شرح اللمع 170، والإبهاج شرح المنهاج 1/297. 2 سورة الحج آية: 40.

مسألة: هل يحمل اللفظ على الحقيقة قبل البحث عن المجاز أم لا؟

(2) مسألة: هل يحمل اللفظ على الحقيقة قبل البحث عن المجاز أم لا؟. معنى ذلك هل يحمل اللفظ على معناه الحقيقي ابتداء أم لابد من البحث عن معناه المجازي قبل حمله على الحقيقي؟. اختلف العلماء في ذلك على أقوال: فقال أبو العباس بن سريج: "يجب طلب المجاز قبل استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي"3.

_ 3 انظر: الإبهاج شرح المنهاج2 /142.

باب: المفهوم

باب: المفهوم (1) مسألة: مفهوم الصفة: هذه المسألة تسمى عند علماء الأصول بمسميات كثيرة منها: "مفهوم المخالفة" ومنها:

"دليل الخطاب". ومنها: "العمل بالوجوه الفاسدة". ومثلها قوله الرسول صلى الله عليه وسلم: "في سائمة الغنم زكاة" 1. وهل معنى هذا نفي الزكاة عن المعلوفة من الغنم أم لا؟. اختلف علماء الأصول في ذلك: فقال أبو العباس ابن سريج: "تعليق الحكم على صفة لا يدل على انتفاء الحكم فيما لم توجد فيه تلك الصفة2 إلا إذا جاء بلفظ الشرط". وقد استدل على قوله هذا بالأدلة الآتية3: أولا: استدل بقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} 4. وجلا الاستدلال: أنه لو كان كما قلتم لكان في الآية دليل على جواز القتل عند انتفاء خشية إملاق وهو الفقر، وليس كذلك، بل هو حرام. ثانيا: لو دل تخصيص الحكم بالصفة على نفيه عما عداه لدل تخصيصه بالاسم على نفيه عما عداه. لكن التخصيص بالأسماء لا يدل على نفيه عما عداه. فالتخصيص بالصفة وجب أن لا يدل على نفيه عما عداه. ثالثا: ثبوت الحكم في إحدى الصورتين لا يلزمه ثبوت الحكم في الصورة الأخرى والإِخبار عن ثبوت ذلك الحكم في إحدى الصورتين لا يلزمه الإِخبار عنه في الصورة الأخرى، فإذن الإخبار عن ثبوت الحكم في إحدى الصورتين لا يدل على حال الصورة الأخرى ثبوتا وعدما. رابعا: ليس في كلام العرب كلمة تدل على شيئين متضادين وهذا اللفظ يدل على إثبات الحكم ونفيه، وهذا خلاف اللغة. خامسا: لو كان تعليق الحكم على الصفة للشيء يدل على نفيه عما عداه لوجب أن لا يحسن فيه الاستفهام، كما لا يحسن في نفس النطق.

_ 1 انظر: فتح الباري _ باب الزكاة الغنم _ 3/317 وتلخيص الحبير 2/156 ومختصر سنن أبي داود _ باب في زكاة السائمة _ 2/182، والمعتبر/170. 2 انظر: الوصول إلى علم الأصول 1/342، وتنقيح المحصول 1/151، والإبهاج شرح المنهاج 1/371، ونهاية السول 1/320، والملخص في الجدل في أصول الفقه 1/69، وأحكام الفصول 522، وقواطع الأدلة /لوحة رقم71، وشرح مختصر روضة الناظر2/ 551، وشرح اللمع 1/428، وكشف الأسرار 1/107، والتبصرة 218. 3 انظر: المراجع السابقة. 4 سورة الإسراء آية: 31.

سادسا: بأن نفي الحكم عن غير المنصوص لا يفهم من مجرد الإثبات إلا بنقل متواتر من أهل اللغة، أو جار مجرى التواتر كعلمنا بأن قولهم ضروب وقتول وَأمثالهما للتكثير، وإن قولهم عليم وقدير وأقدر للمبالغة. ونقل الآحاد لا يكفي إذ الحكم على اللغة ينزل عليها كلام الله تعالى بقول الآحاد مع جواز الغلط، لا سبيل إليه، ولم يوجد. سابعا: أهل اللغة فرقوا بين العطف وبين النقض. وقد قالوا أضرب الرجال الطوال والقصار عطف، وليس بنقض. ولو كان قوله أضرب الرجال الطوال يدل على نفي ضرب القصار لكان قوله والقصار نقضا لا عطفا. ثامنا: الخبر عن ذي الصفة لا يبقي غير الموصوف، فإن الرجل إذا قال: قام أسود، أو خرج، لم يدل على نفيه عن الأبيض. بل هو مسكوت عن الأبيض فكذلك الأمر. تاسعا: بمفهوم الاسم واللقب. فإن الأسماء موضوعة لتمييز الأجناس والأشخاص كإنسان وزيد. والصفات موضوعة لتمييز النعوت والأحوال كطويل وقصير، وقائم وقاعد. فإذا كان تقييد الخطاب بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه، فإنه إذا قيل في الإبل الزكاة لا يدل ذلك على نفيها عن البقر. وجب أن يكون التقييد بالصفات بمثابته. عاشرا: كان دليل الخطاب يقتضي الحكم لكان ذلك مستنبطا من اللفظ، وما استنبط من اللفظ لا يجوز تخصيصه كالعلة. حادي عشر: ما روي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال: "قلت لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وأنا يومئذ حديث السن. أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} 1 فما أرى على أحد شيئا ألا يطوف بهما". قالت عائشة رضي الله عنها: "كلا يا ابن أخي لو كان كما قلت لكانت "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما". فهذه عائشة وهي من أهل اللسان لم تحكم للمسكوت عنه ضد حكم المنطوق به، واعتذر عروة رضي الله عنه ما اعتقد ذلك بحداثة سنه، وأنه لم يكن فقه بعد. وإذا كان هذا طريقه اللغة. وجب أن يرجع إلى قول عائشة رضي الله عنها. والله أعلم وأحكم. ثاني عشر: لو دل الخطاب المقيد بالصفة على نفي ما عداه لدل عليه إما بصريحه ولفظه، وإما بفائدته ومعناه. وليس يدل علية من كلا الوجهين. فإذا ليس يدل عليه. أما صريحه فلأنه ليس فيه ذكير لما عدا الصفة. ألا ترى أن قول القائل "أدوا عن الغنم السائمة الزكاة" ليس فيه ذكر للمعلومة أصلا.

_ 1 سورة البقرة آية: 158.

وأما المعنى: فلو دل من جهة المعنى لكان من حيث أنه لو كانت الزكاة في غير السائمة كهي في السائمة لما تكلف الشارع ذكر السوم وتعلق الزكاة باسم الغنم لأن تكلف ذكر السوم مع تعلق الزكاة بمطلق اسم الغنم تكلف لما لا فائدة فيه.

مسألة: الحكم المعلق عن شيء بكلمة "إن" هل حكم على العدم عند عدم ذلك الشيء أم لا؟

(2) مسألة: الحكم المعلق عن شيء بكلمة "إن" هل حكم على العدم عند عدم ذلك الشيء أم لا؟ نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنّ} 1 ونحو قول القائل: إذا جاءكم كريم فأكرموه. اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على أقوال كثيرة: فقال أبو العباس ابن سريج: "إنه حكم على العدم مع عدم ذلك الشرط"2. وقد استدل بالأدلة الآتية3: أولا: بأن قوله إن دخل عبدي فأعتقه. يفهم منه لغة ولا تعتقه إن لم يدخل الدار. فكما أن الدخول يوجب جواز الإعتاق فعدمه يمنع عنه فكان العدم مضافا إليه. ثانيا: أن النحويين قالوا: إن كلمة "إن" حرف شرط. ويلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط. ثالثا: الشرط هو الذي يتوقف عليه الحكم فلو ثبت الحكم مع عدمه لكان كل شيء شرطا في كل شيء حتى يكون دخول زيد الدار شرطا في كون السماء فوق الأرض. وإن وجد ذلك مع عدم الدخول. والدليل عليه ما روي أن يعلي بن أمية رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنا وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} "4. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عجبت مما عجبا منه فسألت رسول الله عليه وسلم فقال: "إنما هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" 5. فلو لم يعقل من التعليق نفي الحكم عند عدم الشرط لم يكن لتعجبها معنى، مع أنهما من فصحاء العرب. رابعا: أن فائدة وصفنا له بأنه شرط أن ينتفي الحكم بانتفائه، وإن صح أن يوجد الشرط من عدم الحكم كالشروط العقلية.

_ 1 سورة الطلاق آية: 6. 2 انظر: الأحكام للآمدي 2/226، وشرح مختصر روضة الناظر 2/585 وكشف الأسرار 3/591، وأحكام الفصول 522، والإبهاج شرح المنهاج 1/379. 3 انظر: المراجع السابقة. 4 سورة النساء آية: 101. 5 انظر: صحيح مسلم بشرح النووي _ كتاب صلاة المسافرين وقصرها _ 5/196 وسنن النسائي _ كتاب تقصير الصلاة في السفر _ 3/116، وصحيح ابن خزيمة _ كتاب الفريضة في السفر _ 2/71، والمعتبر 199.

مسألة: فحوى الخطاب (مفهوم الموافقة)

(3) مسألة: فحوى الخطاب (مفهوم الموافقة) : اختلف العلماء في حجية مفهوم الموافقة أو فحوى الخطاب فقال محمد بن داود وأهل الظاهر بأنه مفهوم من النطق فتصدي للرد عليه أبو العباس ابن سريج إذ جاء في شرح اللمع1 أنه قال: "حكي عن ابن سريج أنه ناظره محمد بن داود فألزمه الذرة فقال: "إذا قال: لا تمسك من المالك ذرة لا يجوز له أن يتناول المئين والألوف، لأن اللفظ غير موضوع له" فقال ابن داود: "لا أُسلم أن المئين والألوف ذرات مجموعة شكل ذرة منها يتناوله اللفظ" فألزمه ابن سريج نصف ذرة فقال "النصف لا يسمى ذرة" فلم يجب عنه ابن داود". قد حكي الجويني في البرهان2 أن ابن سريج قد ناظر أبو بكر بن داود حيث قال له: "أنت تلتزم الظاهر وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} 3 فما تقول فيمن يعمل مثقال ذرتين". فقال مجيبا: "الذرتان ذرة وذرة". فقال أبو العباس ابن سريج: "فلو عمل مثقال ذرة ونصف فتبلد وظهر خزيه".

_ 1 انظر: شرح اللمع 1/425. 2 انظر: البرهان في أصول الفقه 2/881. 3 سورة الزلزلة آية: 6.

باب: المجمل والمبين

باب المجمل والمبين مسألة: تأخير البيان عن وقت الخطاب: معنى ذلك إذا ورد الخطاب من الشارع وكان مجملاً فهل يمكن أن يتأخر البيان عن وقت وروده أم لا؟. اختلف علماء الأصول في هذه المسألة علي أقوال متعددة. فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب"4. وقد استدل ابن سريج بالأدلة الآتية5 وهي: أولاً: قوله عز وجل: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 6. وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 7. وجه الاستدلال: أن ثم تقتضي المهلة والتراخي. فدل على أن التفصيل يجوز أن يتأخر عن الخطاب.

_ 4 انظر: شرح اللمع 1/473، وأحكام الفصول /303، وإرشاد الفحول 153، وقواطع الأدلة رقم اللوحة 91. 5 انظر: المراجع السابقة. 6 سورة هود آية: 1. 7 سورة القيامة آية: 17.

ثانيا: أن الله تعالى أوجب الصلوات الخمس ولم يبين أوقاتها وأفعالها حتى نزل جبريل عليه السلام وبين للنبي صلى الله عليه وسلم كل صلاة في وقتها1. وبين النبي صلى الله عليه وسلم أفعالها وأوقاتها للناس وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 2 وكذلك أمر الحج حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم أفعاله للناس في العام الذي حج فيه وقال: "خذوا عني مناسككم" 3 ولو لم يجز التأخير لما أخر عن وقت الخطاب. وكذا قوله عز وجل: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 4 وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 5 ثم وقع البيان لهذه الأمور بعد ذلك بالسنة النبوية المطهرة. ثالثا: أن البيان إنما يحتاج إليه للامتثال وفعل المأمور به، كما أن القدرة يحتاج إليها الفعل المأمور به. ثم يجوز تأخير القدرة عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فكذلك تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة يجب أن يكون جائزا. رابعا: أن النسخ تخصيص للأزمان، كما أن التخصيص تخصيص للأعيان. ثم تأخير بيان النسخ عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة جائز فكذلك تأخير بيان التخصيص يجب أن يكون جائزا عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. خامسا: استدل بقوله تعالى: {وَأَهْلَكَ} 6 وحكمه تناول ابنه. وبقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} 7. ثم لما سأل ابن الزبعري عن عيسى والملائكة نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} 8. وهذا دليل البيان عن وقت الخطاب.

_ 1 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي- يعني المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل. وصلى بي الفجر فأسفر. ثم التفت إلي فقال: يا محمد هدا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين". انظر: مختصر سنن أبي داود، باب المواقيت- 1/ 231. 2 انظر: صحيح البخاري- كتاب الأذان- 1/155، والمعتمر 48 وتحفة الطالب 129. 3 انظر: صحيح مسلم- كتاب الحج- 9/ 44، ومختصر سنن أبي داود- كتاب الحج-2/416، والمتبر 48، وتحفة الطالب 129. 4 سورة النور آية: 56. 5 سورة المائدة آية: 38. 6 سورة هود آية: 40. 7 سورة الأنبياء آية:98. 8 سورة الأنبياء آية: 101.

باب: السنة

باب: السنة (1) مسألة أنواع السنن: قال أبو العباس ابن سريج مشيرا إلى حكم هذه المسألة بقوله1: "إذا قيل لك: السنن على كم ضرب؟ فقل على ضروب ثلاثة: فمنها ما يؤخذ من الأمر. والأمر أمران. أمر فرض وأمر ندب فالأوامر: إذا وردت فهي على الإيجاب حتى تقوم دلالة الندب. وضرب ثان: وهو ما أخذ عن الفعل والأفعال على ضربين: فعل عام وفعل خاص. فأفعاله صلى الله عليه وسلم على العموم حتى تقوم دلالة الخصوص، وعمومها داخل في ضربي الأمر من الفرض والندب. والضرب الثالث: ما أخذ عن العمل بحضرته صلى الله عليه وسلم يوجد منه نهي عنه. وهذا ضرب واحد وهو على الندب دون الفرض فهذه طرق السنن. والسنن فيها مجمل ومفسر، والمذهب في ذلك القضاء بمفسرها على مجملها. وفيها ناسخ ومنسوخ. فيحكم بناسخها على منسوخها. ومنها: مقدم ومؤخر فيستعمل حكم ذلك على ما يوجبه فيها. وفيها خاص وعام. والعموم أولى بنا من الخصوص حتى تقوم الدلالة على الخصوص فيما مخرجه العموم. وكذلك إذا كانت خاصة فهي على خصوصها حتى تقوم دلالة العموم".

_ 1 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع 670.

مسألة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن وظهر فيه قصد القربى

(2) مسألة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن وظهر فيه قصد القربى: المراد من فعل النبي هنا هو فعله الذي يصدر منه ابتداء بحيث لم يكن امتثالا لأمر ولا بيانا لمجمل، ولم يقرن به ما يفيد بيان صفته إلا أنه اقترن به ما يفيد قصد القربى فقد اختلف العلماء في تحديد صفته على أقوال: فقال أبو العباس ابن سريج: "يدل على الوجوب"2. وقال الشيرازي في شرح اللمع3 مشيرا إلى قول ابن سريج بأنه قال: "يدل على الوجوب ولا يحمل على غيره إلا بدليل".

_ 2 انظر: نهاية السول 2/198، والمحصول جـ2/ق1/507، والبرهان في أصول الفقه 1/489. 3 انظر: شرح اللمع 1/546، والتبصرة/ 242، وانظر أيضا بيان معاني البديع 2/939، وتنقيح المحصول 2/314، وبيان المختصر 1/285.

بينما قال عبد العزيز البخاري في كشف الأسرار1. إن ابن سريح قد قال: "بأنه يصح إطلاق الأمر عليه بطريق الحقيقة، ويجب علينا اتباعه". وجاء عنه أنه قال: "إن لم تعلم صفته في حقه، وظهر فيه قصد القربى فإنه للوجوب"2. وخلاصة ما ورد عنه أنه يقول بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن يحمل على الوجوب إن ظهر فيه قصد القربى والعبادة. وقد استدل على قوله هذا بالأدلة الآتية3: أولا: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 4. وجه الاستدلال: أن هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، لذا يجب اتباعه في أقواله وأفعاله. ثانيا: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} 5. وجه الاستدلال: أن الأمر هذا يستعمل في القول والفعل والدليل عليه قوله عز وجل {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْض} 6 وقوله عز وجل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 7. وقول الشاعر: فقلت لها: أمري إلى الله كله ... وإني إليه في الآياب لراغب والمراد من الأمر بذلك كله هو الفعل. والتحذير عن مخالفته يقتضي وجوب موافقة فعله. ثالثا: قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} 8.

_ 1 انظر: كشف الأسرار 1/102. 2 انظر: إرشاد الفحول 32، وأحكام الفصول 309. 3 انظر: شرح اللمع1/456، والمحصول جـ2/ق1/507، والبرهان في أصول الفقه1/489، وأحكام الفصول 309، والتبصرة 242. 4 سورة الأعراف آية: 158. 5 سورة النور آية: 63. 6 سورة السجدة آية: 5. 7 سورة الشورى آية: 38. 8 سورة الأحزاب آية: 21.

وجه الاستدلال: أن هذه الآية وردت في حق من تخلف عن غزوة أحد، ولم يتأس بالرسول صلى الله عليه وسلم في حضورها فتوعد على ذلك بقوله: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} وهذا إنما يستعمل عند الوعيد كما نقول "لا يترك الصلاة من يؤمن بالله واليوم الآخر. يريد بذلك أن تركها من أفعال الكفر وأفعال من لا يؤمن بالله. وبهذا لا معنى للتأسي به إلا أن يفعل الإنسان مثل فعله. رابعاً: قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} 1. وجه الاستدلال: دلت الآية الكريمة على أن محبة الله عز وجل مستلزمة للمتابعة. لكن المحبة واجبة بالإجماع، ولازم الواجب واجب فمتابعته واجبة. خامساً: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} 2. وجه الاستدلال: أنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل فعلا فقد أتانا بالفعل، فوجب عَلينا أن نأخذه. والشاهد لذلك قوله عز وجل في تتمة الآية {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} والنهي إنما يقارنه على مضادة الأمر. سادساً: قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} 3: وجه الاستدلال: لم يفرق بين طلب طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. وطاعة الله سبحانه وتعالى واجبة فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة. سابعاً: قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} 4. وجد الاستدلال: دلت الآية على أنه تعالى إنما زوجه بها ليكون حكم أمته مساويا لحكمه في ذلك وهذا هو المطلوب. ثامناً: الإجماع من الصحابة الكرام رضي الله عنهم في رجوعهم إلى قول السيدة عائشة رضي الله عنها لما اختلفوا في وجوب الغسل من التقاء الختانين. فقالت عائشة رضي الله عنها: "فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا"5 فأجمعوا على الأخذ به ووجوب فعله. وهذا إجماع منهم على أن مقتضاه الوجوب.

_ 1 سورة آل عمران آية: 31. 2 سورة الحشر آية: 7. 3 سورة المائدة آية: 92. 4 سورة الأحزاب آية: 37. 5 انظر: سنن الترمذي –باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل-1/181، ونيل الأوطار –باب موجبات الغسل-1/ 222، وتلخيص الحبير 1/ 134.

تاسعاً: استدلوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم فسألهم فقالوا: رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا"1 فدل على أن متابعته فيما يفعل واجبة. عاشراً: روي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية "انحر هديك حيث وجدته، وأحلق فإنهم يحلقون ففعل فتبعوه"2. فدل على أن فعله يقتضي الوجوب. حادي عشر: لا خلاف أنه يجوز أن يكون واجباً والاحتياط في فعله واجب لأنا لا نأمن أن يكون واجبا فنتركه. وهذا صحيح، لأنه نوى الوجوب، فإن كان واجبا فقد فعله، وإن كان ندبا سقط الوجوب، وبقي فعله نفلا، كرجل شك هل عليه فرض أم لا؟ فصلى صلاة، ونوى الفرض احتياطاً، ثم بان أنه لم يكن عليه فرض فإنها تكون نافلة. ثاني عشر: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيماً له، وبدليل العرف، والتعظيمان يشتركان في قدر من المناسبة فيجمع بينهما بالقدر المشترك، فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله. ثالث عشر: البيان تارة يكون بالقول، وتارة يكون بالفعل، ثم ثبت أن القول يقتضي الوجوب فكذلك الفعل.

_ 1 انظر: سنن الدارمي- باب الصلاة في النعلين- 1/260، وصحيح ابن خزيمة- باب الصلاة في النعلين- 2/107، والمعتبر 53. 2 انظر: مصنف عبد الرزاق 5/340.

مسألة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد من القرائن والذي لا يظهر منه قصد القربة

(3) مسألة: فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد من القرائن والذي لا يظهر منه قصد القربة. اختلف العلماء في ذلك على أقوال: فقال أبو العباس ابن سريج: "إذا لم يظهر في الفعل قصد القربة بل كان مجردا مطلقاً فإنه واجب علينا"3 إلا أن إمام الحرمين الجويني4 قد رد نسبة هذا القول إلى ابن سريج بقوله: "بأن هذا زلل وقدر الرجل عن هذا أجل". ومن قال بأن ابن سريج يقول بالوجوب فقد أحال استدلاله في هذه على ما استدل به في مسألة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم المجرد مع ظهور قصد القربة. وقد سبق ذكر هذه الأدلة في المسألة السابقة.

_ 3 انظر: إرشاد الفحول 23. 4 انظر: البرهان في أصول الفقه 1/493.

(4) مسألة: وجوب العمل بخبر الواحد: اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال عديدة. فقال أبو العباس ابن سريج: "بوجوب العمل بخبر الواحد شرعا وعقلا" وقد استدل على هذا الوجوب بالنقل والإجماع والمعقول1. أما النقل فقد استدل بالكتاب والسنة. وأدلته من الكتاب هي: أولاً: استدل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ... } الآية2. وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمر بالتوقف عند خبر الفاسق. وفي ذلك دلالة على قبول خبر العدل، وترك التوقف عند خبره. ثانياً: قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} 3. وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع من كل قائل واحدا كان أو اثنين. وهذا قبول الخبر الواحد. ثالثاً: استدل بقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} 4. وجه الاستدلال: أن الله تعالى أوجب الحذر بإنذار طائفة من فرقة، لأن لعل للترجي، وهو على الله تعالى محال فيحمل على الوجوب لاشتراكهما في الطلب. وإنذار الطائفة إخبارهم المخوف فيلزم وجوب الحذر بإخبار الطائفة، والطائفة قوم لا يحصل من خبرهم إلا الظن، لأن كل فرقة ثلاثة. فالطائفة منهم إما واحد أو اثنان. وخبر الواحد أو الاثنين لا يفيد إلا الظن. فقد وجب الحذر بإخبار من لا يفيد قولهم إلا الظن. فيجب الحذر بإخبار واحد عدل. لأن خبره يفيد الظن. ويلزم منه وجوب العمل بخبر الواحد. رابعاً: استدل بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} 5. وجه الاستدلال: أن الله تعالى تواعد على كتمان ما أنزل الله تعالى من البينات فيجب على الواحد إخبار ما سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم فوجب العمل بخبره، وإلا لم يكن لإخباره فائدة. أما أدلته من السنة فهي:

_ 1 إرشاد الفحول 43، ونهاية السول 2/231، والمحصول جـ2/ق1/507، والبرهان في أصول الفقه 1/599، والودائع بمنصوص الشرائع/671. 2 سورة الحجرات آية: 6. 3 سورة التوبة آية: 61. 4 سورة التوبة آية: 122. 5 سورة البقرة آية: 159.

أولاً: ما روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل خبر الأعرابي على رؤية هلال رمضان وذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال جاء أعرابي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال- يعني رمضان- فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: "نعم". قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله". قال: "نعم". قال: "يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا" 1. وهذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل خبر الواحد، وأخذ به. ثانيا: بعثه صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة لتبليغ الأحكام ونشر الدعوة في أماكن متفرقة من المعمورة، ومن ذلك توجيهه لمعاذ رضي الله عنه إلى اليمن. إذ روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: "أدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمسة صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد عام فقرائهم"2. أما استدلاله بالإجماع فكان كما يلي: بأنه تكرر العمل بخبر الواحد كثيرا في زمان الصحابة والتابعين في وقائع كثير وكان هذا شائعا ذائعا ولم ينكر أحد على العمل به وذلك أن تكرر العمل به من غير نكير لأحد يقضي عادة بأنهم اتفقوا على وجوب العمل بخبر الواحد. كما أن قولهم بوجوب العمل يدل قطعا أنهم اتفقوا على وجوب العمل به. وأما استدلاله بالمعقول فكان كما يلي: أولاً: بأنه إذا علم أصل كلي. كرفع المضار، وجلب المنافع، وجب عقلا العمل بالظن في تفاصيل ذلك الأصل المعلوم كما إذا أخبر واحد عدل من مضرة شيء مخصوصة وعن ضعف جدار، وجب عقلا الاحتراز بذلك الشيء المضر وعن ذلك الجدار. وهذا المعنى متحقق في خبر الواحد، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى ليبين الأحكام الشرعية المشتملة على مصالح العباد. وخبر الواحد يفيد الظن في تفاصيل تلك الأحكام والمصالح، فوجب العمل به عقلا. ثانيا. لاشك في أن خبر العدل الواحد يمكن صدقه فحينئذ يجب العمل به احتياطا

_ 1 انظر: سنن الترمذي _ كتاب الصوم _ 3/74، وسنن النسائي _ كتاب الصوم _ 4/131، وسنن الدارمي _ باب الشهادة على رؤية هلال رمضان _ 1/377، وتلخيص الحبير 2/187. 2 انظر: صحيح مسلم بشرح النووي _ كتاب الإيمان _ 1/196، وفتح الباري _ كتاب الزكاة _ 3/261.

قياسا على المتواتر، وقول المفتي لأن كل واحد منهما لما أمكن صدقة وجب العمل به، فكذلك هاهنا. ثالثا: لو لم يجب العمل بخبر الواحد لخلت أكثر الوقائع عن الحكم والتالي باطل بالإجماع. بيان الملازمة أنه إذا لم يوجد في الوقائع الحادثة دليل إلا خبر الواحد، ولا يجب العمل به لزم خلو تلك الوقائع عن الحكم.

مسألة: وجوب العمل بخبر الواحد

مسألة: وجوب العمل بخبر الواحد باب: الإجماع مسألة: كيفية الإجماع ... باب: الإجماع1 مسألة: كيفية الإجماع: قال أبو العباس ابن سريج: "إذا قيل لك ما الأصل في وجوب حكم الإجماع؟. فقل: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم". فالحجة من كتاب الله تعالى قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس} 2. وجه الاستدلال: أن الوسط هو العدل، والشهادة هو القول بالحق. ألا تراه تعالى يقول: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} 3 أي ناطقا بالحق. والحجة من السنة: ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" 4. وما قاله صلى الله عليه وسلم: "فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح" 5. وجه الاستدلال: أن الله تعالى أثبت الحجة بما هذه صفته علم بهذا النص أن المراد به الخواص من الناس لا العوام، وهم أهل العلم والقائلين بالحق. فحقيقة الإجماع القول بالحق، فإذا حصل القول بالحق من واحد فهو إجماع، وإن حصل من اثنين أو ثلاثة فهو إجماع. وما حصل من ثلاثة إلى جملة لا تحصى فهو إجماع. والحجة على أن الواحد إجماع ما اتفق عليه الناس في أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما منعت بنو حنيفة الزكاة، فكانت مطالبة أبي بكر رضي الله عنه لها بالزكاة حقا عند الكل. وما انفرد بمطالبتها غيره، وكلهم مجمعون على أن مطالبته حق. فإذا ثبت أن واحد إجماع كان الاثنان فصاعدا بمعناه.

_ 1 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع 673. 2 سورة البقرة آية: 143. 3 سورة البقرة آية: 143. 4 انظر: تلخيص الحبير 3/141، والمعتبر 57، وتحفة الطالب 146. 5 انظر: المستدرك للحاكم 3/78، وكشف الخفاء 2/ 188، والمقاصد الحسنة 367، والمعتبر 234.

باب: القياس

باب: القياس فالحجة من الكتاب ... باب: القياس قال أبو العباس ابن سريج: "إذا قيل لك ما الأصل في إثبات القياس؟. فقل كتاب الله وسنة نبيه"1. فالحجة من الكتاب: قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} 2 فالقياس استنباط بحمل فرع على أصل لاشتباه بينهما في الأصل. وقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} 3 فثبت حكم القياس. لأن القياس هو تمثيل الشيء بالشيء، وتشبيه الشيء بالشيء، فإذا جاز ذلك من فعل من لا تخفى عليه خافية ليريكم وجه ما تعلمون، فهو ممن لا يخلو من النقص والجهالة أجوز. وما قاله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُم} 4. وهذا لا سبيل إلى معرفة الحكم فيه إلا من جهة التحري والاحتياط. وهذا لا يمكن فعله إلا بتقدير العقول. وما قاله عز وجل: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم} 5. والحجة من السنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "للخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين ما كنت فاعلة". قالت: "كنت أقضيه". فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "فدين الله أحق أن يقضى" 6 فقد ثبت القياس بالكتاب والسنة. فكل حادثة أو نازلة فهي مذكورة في الأصل بالمعنى، والفرق بينهما وبين أصلهما، أن الأصل مذكور بالاسم والمعنى، والفرع مذكور بالاسم. فإذا تفرق الأصل بالمعنى، والفرع بالاسم، فقد أمر الله تعالى عند ذلك برد الفروع إلى الأصول، ألا تراه تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 7 والمنازع فيه الحادثة، والمردود إليه الأمر من الله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

_ 1 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع 676، وإرشاد الفحول 201 2 سورة النساء آية: 83. 3 سورة البقرة آية: 26 4 سورة المائدة آية:89. 5 سورة المائدة آية: 95. 6 انظر: فتح الباري- باب حج المرأة عن الرجل-4/ 67، وسنن الترمذي- كتاب الحج- 3/ 267، وصحيح مسلم بشرح النووي- كتاب الجج-9/ 97، والمعتبر 214، وتحفة الطالب 420. 7 سورة النساء آية: 59.

مسألة: إثبات الأسامي واللغات بالقياس

(2) مسألة: إثبات الأسامي واللغات بالقياس: اختلف العلماء في الحكم الذي يعلل أصله لتعديته إلى محل آخر هل يشترط فيه أن يكون شرعيا؟. فقال أبو العباس ابن سريج: "لا يشترط فيه أن يكون شرعيا بل يجرى القياس في الأسامي واللغات"1. وقبل ذكر أدلة ابن سريج في المسألة لابد من تحديد محل الخلاف لذا قال العلماء ليس الخلاف في إطلاق اسم علم تعميمه للأفراد بالنقل على ما سكت عنه، أي لم يسمع إطلاقه عليه من أهل اللغة. مثل "رجل" فإنه وضع لواحد من ذكور بني آدم، وعلم تعميمه بالنقل. فإذا أطلق على واحد لم يسمع من العرب إطلاقه عليه، لا يقال إنه إثبات بالقياس. إذ تناول اللفظ لذلك الواحد علم بالنقل، وليس أيضا الخلاف في نحو رفع فاعل لم يسمع من العرب رفعه، فإنه لا نزاع في جواز رفعه. ولا يقال أيضا أنه إثبات بالقياس إذ علم تعميم رفع الفاعل بالاستقراء. فإنا لما استقرأنا الكلام وجدنا كل ما أسند الفعل، أو شبهه إليه مقدما عليه مرفوعا، حصل عندنا قاعدة وهي: أن كل فاعل مرفوع. بحيث لم يبق شك، فإذا جعل فاعل لم يسمع رفعه من العرب مرفوعا لم يكن ذلك قياسا إذ علم بالاستقراء أن الرفع وضع لكل فاعل. بل إنما الخلاف في أنه هل يسمى مسكوت عنه مثل النبيذ مثلا الحاقا بتسمية، أي باسم مثل اسم الخمر موضوع لمعين، مثل ماء العنب المخصوص لأجل معنى، مثل التخمير. يستلزم ذلك المعنى الاسم وجودا وعدما. أي متى وجد المعنى المذكور وجد الاسم ومتى عدم عدم أم لا؟ لأنه هو القياس في اللغة وبعبارة أخرى إذا وضع اسم لمعنى دار المعنى مع اللفظ وجودا وعدما كخمر النبيذ. فبهذا وأمثاله: قال ابن سريج بأن اللغة تثبت بالقياس وقد استدل بالأدلة الآتية2: أولاً: التمسك بعموم قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} 3 فإنه يتناول كل الأقيسة واعتمادهم

_ 1 انظر: شرح اللمع 2/ 796، والمحصول جـ2/ ق1/457، والمعتمد2/ 807، ومسائل الحلاف في أصول الفقه 431، ومعاني البديع/جـ ا/ ق 1/ 388/، وكشف الأسرار3/1033، وبيان المختصر 1/56 والوصول إلى علم الأصول 1/ 110. 2 انظر: شرح اللمع 2/ 796، والمحصول جـ 2/ ق1/ 457، والمعتمد2/ 807، ومسائل الخلاف في أصول الفقه 433، ومعاني البديع جـ 2/ ق1/ 388، وكشف الأسرار3/1033، وبيان المختصر 1/ 256، والوصول إلى علم الأصول 1/ 110. 3 سورة الحشر آية: 20.

في الفرق على أن المعاني لا تناسب الألفاظ فامتنع جعل المعنى علة للاسم، بخلاف الأحكام الشرعية فإن المعاني قد تناسبها، لكنا قد بينا سقوط هذا الفرق. ثانيا: قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجم في حق ماعز لا يتناول غيره لأنه خاص به. وقضاؤه بالكفارة على الأعرابي المجامع في نهار رمضان لا يدخل فيه غيره ممن جامع في رمضان. لأن لفظه مقصور عليه، وإنما يوجب الرجم على غير ماعز في الزنى بالقياس عليه. وتثبت الكفارة في حق غير الأعرابي المجامع بالقياس عليه. ثالثا: إن العرب وضعت اسم الفرس للحيوان الذي كان في زمانهم موجودا ثم انقرض، وحدث حيوان آخر فسمي بذلك بطريق الإلحاق والقياس. رابعا: إذا جاز إجراء القياس في الأحكام الشرعية عند فهم المعنى جاز إجراء القياس في الأسامي اللغوية عند فهم المعنى، لأن المقصود من تسمية النبيذ خمرا إثبات التحريم وإيجاب الحد. خامسا: لما جاز إثبات أسماء الأعلام من غير رجوع إلى أهل اللغة فلا يمتنع مثله من الأسماء اللغوية. سادسا: وجدنا بأن العصير إذا حصلت فيه الشدة سمي خمرا، وإذا زالت الشدة لم يسم خمرا. فعلمنا أن الأسماء تجري في بابها مجرى الأحكام التي تثبت بوجود معان وتزول بزوالها. سابعا: قد ثبت بالتواتر عن أهل اللغة أنهم جوزوا القياس في اللغة. ألا ترى أن كتب النحو والتصريف والاشتقاق مملوءة من الأقيسة وأجمعت الأمة على وجوب الأخذ بتلك إذ لا يمكن تفسير القرآن والإخبار إلا بتلك القوانين فكان ذلك إجماعا بالتواتر.

مسألة: مراتب قياس الشبه

(3) مسألة: مراتب قياس الشبه: وبعض الأصوليين يسمي ذلك بقياس الأشباه. ومعناه أن الفرع يتردد بين أصلين يشبه هذا الأصل في الحكم ويشبه هذا الأصل في الصورة. مثل قتل الحر للعبد فهل دية العبد تقدر بالقياس على دية الحر، لأن العبد يشبهه في الصورة أم أنها تقدر على ما له قيمة، لأنه يشبهه في الحكم. وعندئذ قد يكون مقدار الدية أكثر من مقدارها إذا قيست على دية الحر أو يكون أقل من ذلك المقدار. لذا عبر الإمام الجويني1 عنها بقوله: "ومن أبواب الشبه: ما يتعارض فيه المعنى والشبه

_ 1 انظر: البرهان في أصول الفقه 2/1235.

على التناقض فيقع لذلك الشبه ثانيا ونحو كالتردد في أن قيمة العبد هل تضرب على العاقلة؟ فالذي يقتضيه القياس المعنوي عدم الضرب اعتبارا بجملة المملوكات. والذي يقتضيه الشبه اعتباره بالحر. ومما يلتحق بهذا الفن القول في تقدير أروش أطراف العبد بالسبب الذي يقدر به أطراف الأحرار. فالذي يقتضيه القياس المعنوي نفي التقدير، واعتبار ما ينقص من القيمة نظرا إلى المملوكات. سيما على رأي من لا يرى تقدير قيمة العبد، وتنز يلهم منزلة البهائم التي تضمن بأقصى قيمتها". وهذا هو مذهب ابن سريج.

باب: الاستصحاب

باب: الاستصحاب مسألة في صورة من صور الاستصحاب: المراد بهذه المسألة هو: أن الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع وهو راجع إلى الحكم الشرعي بأن يتفق على حكم في حالة، ثم تتغير صفة عليه فيختلفون فيه فيستدل من لم يغير الحكم باستصحاب الحال. ومثاله: إذا استدل من يقول إن المتيمم إذ رأى أن الماء في أثناء صلاته لا تبطل صلاته، لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل ذلك، فاستصحب إلى أن يدل دليل على أن رؤية الماء مبطلة. وكقول الظاهرية: يجوز بيع أم الولد. لأن الإِجماع انعقد على جوار بيع هذه الجارية قبل الاستيلاء. فنحن على ذلك الإجماع بعد الاستيلاء وهذا النوع هو محل الخلاف فذهب أبو العباس ابن سريج إلى القوال: بالاحتجاج به. وقال عنه الشوكاني بأنه الراجح1 وحجته في ذلك أن المتمسك بالاستصحاب باق على الأصل قائم في مقام المنع، فلا يجب علبه الانتقال عنه إلا بدليل يصلح لذلك. فمن ادعاه جاء به. وأورد عبد العزيز البخاري2 المسألة بقوله: "إذا كان الحكم الثابت ثابتا بدليل مطلق غير معترض للزوال وقد طلب المجتهد الدليل المزيل بقدر وسعه ولم يظهر، فقد اختلف العلماء فيه. فقال أبو العباس ابن سريج: "إنه حجة ملزمة متبعة في الشرعيات". وقد استدل على قوله هذا بما يلي3:

_ 1 انظر: إرشاد الفحول 209. 2 انظر: كشف الأسرار 3/1097. 3 انظر: كشف الأسرار 3/1097، وإرشاد الفحول 209.

وهو أن الحكم متى ما ثبت شرعا فالظاهر دوامه لما تعلق به من المصالح الدينية والدنيوية، ولا بتغير المصلحة في زمان قريب وإنما تحتمل التغيير عند تقادم العهد، فمتى طلب المجتهد الدليل المزيل، ولم يظفر به، فالظاهر عدمه. وهذا نوع اجتهاد، وإذا كان البقاء ثابتا بالاجتهاد لا يترك باجتهاد مثله ترجيح، ويكون حجة على الخصم كمن تعلق بقياس صحيح، فأنكر خصمه، وعارضه بقياس لا رجحان له على الأول. يجب أن يكون المنكر محجوبا به لأن ذلك حكم قد ثبت بقاؤه بالاجتهاد، فلا يزول إلا بدليل بترجح على الأول، وإن كان أوجب شبهة في الأول. وهذا معنى قول الفقهاء ما أمضى بالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله. ألا ترى أن الحكم المطلق في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان محتملا للنسخ ثم هو ثابت في حق من كان بعيدا عنه في حق وجوب العمل به، والإلزام على الغير، ودعوة الناس في ذلك. فعرفنا أن الاستصحاب حجة ملزمة.

باب: النسخ

باب: النسخ مسألة: أنواع النسخ ... باب النسخ (1) مسألة: أنهل النسخ: قال أبو العباس بن سريج: "إذا قيل لك النسخ على كم ضرب؟ فقل على ضروب ثلاثة"1. نسخ للحكم وتبقية للخط. ونسخ للخط وتبقية للحكم، ونسخ للخط والحكم جميعا. والحجة في ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرضاع عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس"2. فهذا ما نسخ حكمه وخطر. وأما ما نسخ خطه وثبت حكمه، فالحجة فيه ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة" 3. فهذا مما نسخ خطه وثبت حكمه وهو الرجم.

_ 1 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع /667. 2 انظر: صحيح مسلم- كتاب الرضاع- 2/ 5 107، وسنن الترمذي- كتاب الرضاع-3/ 447، وسنن الدارمي 2/80، وسنن ابن ماجة- كتاب النكاح- 1/ 625، وسنن النسائي- باب القدر الذي يحرم من الرضاع- 6/100 وموطأ الإمام مالك- كتاب الرضاع- 2/ 608. 3 انظر: سنن الترمذي- كتاب الحدود- 4/ 39، ونيل الأوطار- كتاب الحدود- 7/91.

وأما ما نسخ حكمه وثبت خطه فمثل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِه} 1. ومثل قوله عز وجل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} 2. فهذا مما نسخ حكمه وثبت خطه.

_ 1 سورة آل عمران آية: 102. 2 سورة الأنبياء آية: 98.

مسألة: نسخ القرآن والسنة

(2) مسألة: نسخ القرآن والسنة: معنى ذلك هل يمكن أن يكون القرآن ناسخاً للسنة أم لا؟. اختلف العلماء في حكم هذه المسألة على أقوال: فقال أبو العباس ابن سريج: "بجواز ذلك، إلا أنه لم يرد ولم يقع"3. وجاء في أحكام الفصول4، أنه قال: "روي عن ابن سريج أنه كان يجيز ذلك إلا أنه زعم أن ذلك لم يقع في الشرع". ومعنى ذلك أن ابن سريج يقول بجوار ذلك عقلا إلا أنه لم يقع شرعا.

_ 3 انظر: الإبهاج شرح المنهاج 2/247.

مسألة: نسخ الكتاب بالسنة المتواترة

(3) مسألة: نسخ الكتاب بالسنة المتواترة: معنى ذلك هو أن السنة المتواترة يمكن أن تكون ناسخة للكتاب أم لا؟. اختلف العلماء في حكم هذه المسألة. فقال أبو العباس ابن سريج: "بجواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، إلا أنه لم يقع شرعا"5. وجاء في كشف الأسرار6 أنه قال: "يجور عقلا، ولكن الشرع لم يرد به، ولو ورد به كان جائزا، وهو إحدى الروايتين عن ابن سريج". وجاء في الإبهاج7 أنه قال: "وذهب ابن سريج إلى جواز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة والسنة المتواترة بالكتاب إلا أنه لم يقع ولم يرد". وجاء قوله في كتاب: الودائع بمنصوص الشرائع8 أنه قال: "ولا ينسخ القرآن بالسنة لأن القرآن لا ينسخ إلا بقرآن".

_ 4 انظر: أحكام الفصول 425. 5 انظر: الأحكام للآمدي 2/272، والتبصرة 264، وشرح مختصر الروضة 1/85، وأحكام الفصول 417. 6 انظر: كشف الأسرار 3/177. 7 انظر: الإبهاج شرح المنهاج 2/247. 8 انظر: الودائع بمنصوص الشرائع 669.

وللتوفيق بين هذه النقول عنه نقول: إن ابن سريج يقول بجوار ذلك عقلا، وعدم تحققه ووقوعه شرعا. وقد استدل عام قوله هذا بالأدلة الآتية1: أولاً: استدل بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 2 وجه الاستدلال: أن النسخ بيان للمنزل، فيجب أن يكون ذلك بيانا له. ثانيا: النسخ إنما يتناول الحكم. والكتاب والسنة المتواترة في إثبات الحكم واحد، وإن اختلفا في الإعجاز. فيجب أن يتساويا في النسخ، لذا جاز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة. ثالثا: أن متواتر السنة قاطع، أن يحصل القطع بثبوته وذلك لأن المتواتر يفيد العلم الضروري، وبذلك يكون متواتر السنة من عند الله في الحقيقة، لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "أوتيت القرآن ومثله معه" 4. وإذا كان متواتر السنة قاطعا، وهو من عند الله تعالى صار كالقرآن في نسخ القران به. رابعا: بأنه لو استحال لاستحال لذاته، أو الأمر خارج عن ذاته، لكنه لا يستحيل لذاته ولا لأمر خارج، فلا يكون مستحيلا مطلقا، فيكون جائزا مطلقا.

_ 1 انظر: المرجع السابق. 2 سورة النحل آية: 44. 3 سورة النجم آية: 3 _ 4. 4 انظر: مختصر سنن أبي داود _ باب لزوم السنة _ 7/ 7، ومعالم السنن 7/ 7.

مسألة نسخ الكتاب بأخبار الآحاد

(4) مسألة نسخ الكتاب بأخبار الآحاد: اختلف أهل العلم في حكم هذه المسألة على أقوال متعددة فقال أبو العباس ابن سريج: "بعدم جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد"5. وقد استدل بالأدلة الآتية6. أولاً: الحكم الثابت بالقرآن آكد من الحكم الثابت بالسنة الآحادية، لأن سببه أقوى، وتأكد الحكم بتأكد سببه وقوته تدل على قوة موجبه، فلم يجز نسخه. ثانيا: بالقياس على الإجماع حيث قال: وإن كان الحكم الثابث به كالحكم الثابت بالقرآن، وكذلك الحكم الثابت بالإِجماع، ولما لم يجز نسخ القرآن بالإجماع فكذا لم يجز نسخه بخبر الآحاد.

_ 5 انظر: شرح اللمع 1/501. 6 انظر: المرجع السابق.

مسألة: النسخ بالقياس

(5) مسألة: النسخ بالقياس: اختلف علماء الأصول في صلاحية القياس للنسخ فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز النسخ بالقياس"1 وحجته في ذلك أن النسخ بيان كالتخصيص، فما جاز التخصيص به، جاز النسخ به أيضا.

_ 1 انظر: أصول السرخسي 2/66، وكشف الأسرار 3/109.

باب: التعاون والترجيح

باب: التعاون والترجيح مسألة: المعارضة2 في الأصل والفرع: من العلماء من ذكرها بقوله: "إذا كان الفارق معنى من الفرع يضاد الجامع هل يشترط رده إلى أصل يشهد له بناء على قبول الفارق"3. وقد اختلف العلماء القائلون بقول الفرق4 على أقوال. فقال أبو العباس ابن سريج: "أنه ليس بمعارضة العلة بعلة أخرى مستقلة، والمعارضة مقبولة، وهي أصحهما". ثم قال: "حيث أنه وإن اشتمل على المعارضة لكنها غير مقصودة. فإن قلنا إنها معارضة لم يمنع الزيادة، وإن قلنا أنه معنى يضاد الزيادة اكتفى بإثباته في الأصل، ونفيه في الفرع. وهذه الزيادة في الفرع ليس لها في جانب الأصل ثبوت، فلا حاجة إليها". وجاء في كاشف الرموز5 أن ابن سريج قال: "أنه سؤالان جواز الجمع بينهما، لأنه أضبط للغرض وأحرى للمقصود وأجمع لشعب الكلام". وجاء في البرهان6 أن ابن سريج قال: "أن الفرق ليس سؤالا على حياله واستقلاله، وإنما هو معارضة معنى الأصل بمعنى، ومعارضة العلة التي نصبها المسئول في الفرع بعلة مستقلة، ومعارضة العلة بعلة مقبولة، فإن تردد المترددون في معارضة الأصل، فالفرق عند هذا القائلَ أيل إلى ما ذكره، والمقبول منه المعارضة وقد مضى القول بالغا في قبول المعارضة".

_ 2 المعارضة لغة: عارضت فلانا في السير إذا سرت حياله وعارضته مثلما صنع إذا أتيت مثلما أتى إليك. انظر: معجم مقاييس اللغة 4/272. والمعارضة اصطلاحا: هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام الدليل عليه الخصم. انظر: التعريفات 235. 3 انظر: سلاسل الذهب /349. 4 الفرق لغة: هو تفريق ما بين الشيئين حتى يتفرقا، والفرق الفصل بين الشيئين. انظر: معجم مقاييس اللغة 4/393. واللسان 1/300. 5 انظر: كاشف الرموز 2/824. 6 انظر: البرهان في أصول الفقه 2/106.

أما جاء في الكافية1 بأنه ذكر المسألة هكذا: "وقد اختلف الذين قالوا: بالفرق في أنه هل يكفي في الفرق الاقتصار على ما ذكر معنى آخر في الأصل بحكمه من غير أن يصرف عكسه في خلاف حكمه إلى الفرع؟ ". فذهب أبو العباس ابن سريج إلى أنه يكفيه ذلك ويصير بذلك مانعا له من علته في حكمه. قال: "لأنا إذا سميناه: معارضة في الأصل اكتفى بمعنى واحد في المعارضة، ولا يكون من شرط المعارضة ذكر معنى آخر في موضع آخر على عكسه في حكمه، كما أن ابتداء المعارضة يكتفي فيها بذكر معنى آخر".

_ 1 انظر: الكافية في الجدل 316.

باب: الاجتهاد والتقليد

باب: الاجتهاد والتقليد (1) مسألة: هل للمجتهد أن يستفتي مجتهدا آخر؟: معنى ذلك هل أن المجتهد يمكن أن يستفتي مجتهدا آخر في حكم مسألة من المسائل لم يجتهد بعد في معرفة حكمها أم لا؟. اختلف العلماء في ذلك على أقوال: فقال أبو العباس ابن سريج: "يجوز للمجتهد أن يقلد مجتهدا آخر فيما يخصه إذا كان بحيث لو اشتغل بالاجتهاد لفاته الوقت"2. وقد استدل بالأدلة الآتية: أولاً: قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون} 3. وجه الاستدلال: أن العالم قبل أن يجتهد لا يعلم فوجب أن يجوز له السؤال. ثانيا: قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} 4. وجه الاستدلال: العلماء من أولي الأمر، لأن أمرهم ينفذ على الأمراء والولاة. ثالثا: قوله عز وجل: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين} 5.

_ 2 انظر: المحصول جـ2 / ق3 /116، والمعتمد 2/942، ونهاية السول 3/215، وكاشف الرموز 3/ 991، وتنقيح المحصول 3/ 751، وشرح اللمع 2/1012، وأحكام الفصول 721، وشرح الكوكب المنير 4/ 517، والوصول إلى علم الأصول 2/ 362، والتمهيد في أصول الفقه 4/ 409، ومجموع الفتاوى 10/ 204. 3 سورة النحل آية: 43. 4 سورة النساء آية: 59. 5 سورة التوبة آية: 122.

وجه الاستدلال: أوجب الشارع الحذر بإنذار من تفقه في الدين مطلقا. فوجب على العالم قبوله، كما وجب على العامي ذلك. رابعا: إجماع الصحابة: إذ روي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال لعثمان رضي الله عنه: "أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الشيخين"1 فقال: "نعم". وكان ذلك بمشهد من عظماء الصحابة، ولم ينكر عليه أحد فكان ذلك إجماعا. خامسا: أجمعنا على أنه يجوز للمجتهد أن يقبل خبر الواحد عن مجتهد آخر. بل عن عاص، وإنما جاز ذلك اعتمادا على عقله، ودينه، فهنا إذا أخبر المجتهد عن منتهى اجتهاده بعد استفراغ الوسع والطاقة. فلأن يجوز العمل به كان أولى. سادسا: أن المجتهد إذا أدى اجتهاده إلى العمل بفتوى مجتهد آخر فقد حصل ظن أن حكم الله تعالى ذلك وذلك يقتضي أن يحصل له ظن أنه لو لم يعمل به لاستحق العقاب فوجب أن يجب العمل به، دفعا للضرر المظنون. سابعا: أن بعض الصحابة كان يرجع إلى قول بعض عند سماعه من غير أن يسأله عن دليله، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجع إلى قول علي ومعاذ رضي الله عنهما ولم ينكر عليه أحد من السلف. ثامنا: أن قول المجتهد صواب وكل صواب جائز اتباعه. تاسعا: أن المجتهد العالم هنا مضطر إلى التقليد، لأنه إذا اشتغل بالاجتهاد فاتته العبادة، فوجب أن يجوز له التقليد. عاشرا: أن المجتهد إذا عجز عن الاجتهاد، إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له. فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه، وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء.

_ 1 انظر: الكامل لابن الأثير 3/36، وتاريخ الطبري 5/37، وأدب القاضي للماوردي 1/646.

مسألة: تقليد العامي للعلماء

(2) مسألة: تقليد العامي للعلماء: من المعروف أن العامي لا قدرة له على معرفة الأحكام الشرعية بنفسه، لذا لابد من أن يقلد أهل العلم في ذلك. إلا أن أهل العلم اختلفوا في أن للعامي أن يقلد من يشاء من العلماء أم أنه لابد أن يبحث عن الأعلم الأدين من أجل أن يقلده؟.

فقال أبو العباس ابن سريج: "يلزم العامي الاجتهاد في أعيان المفتين ولا يجور له أن يترك تقليد الأعلم الأدين إلى تقليد من هو دونه"1. وقد استدل بالأدلة الآتية2: أولاً: أن هذا طريقه الظن، والظن في تقليد الأعلم أقوى، فوجب المصير إليه. ثانيا: أن الثقة به أقوى.

_ 1 انظر: أحكام الفصول 722، وشرح الكوكب المنير 4/572، والتبصرة 415، وإرشاد الفحول 240، وكاشف الرموز 3/1042، وكشف الأسرار 2/1012، ومجموع الفتاوى 2/207، والمعتمد 2/939. 2 انظر: المراجع السابقة.

مسألة: هل كل مجتهد مصيب

(3) مسألة: هل كل مجتهد مصيب: معنى ذلك أن المجتهد إذا اجتهد هل يكون مصيبا في اجتهاده ولا يخطئ أم أنه محتمل للإصابة والخطأ. ومن أجل أن يتضح معنى هذه المسألة نقول بأنها مبنية على أمر آخر وهو أن لله عز وجل حكما في كل واقعة أم لا؟ فمن العلماء من قال: "بأن لله عز وجل حكما معينا لكل واقعة من الوقائع. إلا أنه لم يصلنا فإذا اجتهد المجتهد فأصابه فهو المصيب وإذا أخطأه فهو مخطئ". ومنهم أن قال: "بأنه ليس لله عز وجل حكم معين في كل واقعة من الوقائع فالوقائع التي لم يصلنا حكمها من الله تعالى فالحكم فيها موكول لاجتهاد المجتهد". لذا كل مجتهد مصيب عندهم. فهذا الخلاف نشأ عنه الخلاف في مسألتنا وهو هل كل مجتهد مصيب في اجتهاده أم لا؟. اختلف أهل العلم في ذلك. فقال أبو العباس ابن سريج: "أن الحق في واحد، ولكن الله تعالى يكلفنا إصابته، وإنما كلف الاجتهاد في طلبه فكل من اجتهد في طلبه فهو مصيب. وقد أدى ما كلف سواء كان مصيبا أو مخطئا". وقد اختلف القائلون بأن الحق واحد في الاجتهاد. فقال أبو العباس ابن سريج: "إنه وإن أخطأ في الحكم فهو مصيب في الاجتهاد"3. وقد استدل ابن سريج بما يلي4: أولاً: إجماع الصحابة على تصويب بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه ولا يجوز أن يكون إجماعهم على خطأ.

_ 3 انظر: شرح اللمع 2/1049، وإرشاد الفحول 230، والإبهاج شرح المنهاج 3/259. 4 انظر: المراجع السابقة.

ثانيا: أن المجتهد قد أدى ما كلف به. وبهذا انتهت الآراء والأقوال االأصولية لابن سريج رحمه الله تعالى. وآخر دعوانا أن الحمد والمنة والفضل لله تعالى في أن أعانني على إكمال هذا العمل وإظهاره على الهيئة التي هو عليها الآن.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... المصادر والمراجع أولاً: (1) القرآن الكر يم. (2) المعجم الفهرس لألفاظ القرآن الكريم. وضعه محمد فؤاد عبد الباقي. ثانيا: كتب الحديث: (1) صحيح البخاريَ لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ. مكتبة الإسلامي. استانبول. تركيا. (2) صحيح مسلم بشرح النووي: للإمام النووي. نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الرياض. (3) جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 هـ. نشرمكتبة الحلواني ومكتبة دار البيان. (4) الموطأ للإمام مالك بن أنس. مطبوع مع شرحه للزرقاني. (5) شرح الزرقاني على الموطأ للإمام محمد الزرقاني. دار الفكر. (6) مختصر سنن أبي داود للحافظ المنذري. تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي. دار المعرفة. بيروت. (7) المستدرك على الصحيحين في الحديث لأبي عبد الله محمد النيسابوري المعروف بالحاكم المتوفى سنة 405 هـ. مكتبة النصر. الرياض. (8) سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة المتوفى سنة 279 هـ. تحقيق أحمد محمد شاكر. دار إحياء التراث العربي. (9) سنن الدارمي: لأبي محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي المتوفى سنة 255هـ. تحقيق عبد الله هاشم المدني. الناشر حديث آحادي. باكستان. (10) فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة852 هـ. مكتبة الرياض الحديثة. الرياض.

(11) نيل الأوطار: للشيخ الإِمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1255 هـ. دار القلم. بيروت. (12) كشف الخفاء لإسماعيل بن محمد العجلوني المتوفى سنة 162هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت. (13) سنن ابن ماجة: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة المتوفى سنة 275 هـ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر. (14) مصنف عَبد الرزاق: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة 211 هـ. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. منشورات المجلس العلمي. (15) الموضوعات لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي القرشي المتوفى سنة 597 هـ. تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. الناشر محمد عبد المحسن. المكتبة السلفية. المدينة المنورة. (16) المقاصد الحسنة لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة 902هـ. تحقيق عبد الله الصديق وعبد الوهاب عبد اللطيف. دار الكَتب العلمية. بيروت (17) جامع بيان العلم لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة 463 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت. (18) تلخيص الحبير في تاريخ أحاديث الرافعي الكبير لأبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ. (19) المعتبر في تاريخ أحاديث المنهاج والمختصر: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق حمدي عبد المجيد. دار الأرقم. (20) سنن النسائي بشرح السيوطي. نشر دار الكتب العلمية. بيروت. (21) صحيح ابن خزيمة للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري المتوفى سنة 311 هـ. تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي. المكتب الإسلامي. (22) تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب للإمام ابن كثير. تحقيق الدكتور عبد الغني الكبيسي. دار حراء للنشر والتوزيع. مكة المكرمة. ثالثا. كتب أصول الفقه: (1) أصول السرخسي: لأبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى سنة 490 هـ. نشر لجنة إحياء المعارف النعمانية. حيدر آباد. الدكن. الهند. (2) البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني المتوفى سنة 478هـ. تحقيق الدكتور عبد العظيم الذيب. قطر.

(3) أحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي. تحقيق الدكتور عبد المجيد تركي. نشر دار الغرب الإسلامي. بيروت. (4) الأحكام في أصول الأحكام: لسيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الآَمدي. مكتبة محمد علي صبيح. القاهرة. (5) المحصول في علم أصول الفقه: لفخر الإِسلام محمد بن عمر بن الحسن الرازي المتوفى سنة 606 هـ. تحقيق الدكتور طه جابر العلواني. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض. (6) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفى سنة 1255 هـ. دار المعرفة. بيروت. (7) قواطع الأدلة: للسمعاني. مخطوط. (8) كشف الأسرار: لعبد العزيز البخاري. طبع المكتب الصنائع سنة 1307 هـ. القاهرة. (9) الإبهاج شرح المنهاج: لعلي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة 756 هـ. وولده تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت. (10) شرح الكوكب المنير: لمحمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار المتوفى سنة 972 هـ. تحقيق الدكتور نزيه كمال حماد والدكتور محمد مصطفى الرحيلي. نشر مركز البحث العلمي. جامعة أم القرى. مكة المكرمة. (11) شرح اللمع: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. تحقيق عبد المجيد التركي. دار الغرب الإسلامي. بيروت. (12) سلاسل الذهب للإِمام بدر الدَين الزركشي المتوفى سنة 794 هـ. رسالة دكتوراه. الجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. تحقيق الدكتور محمد المختار الشنقيطي. (13) الفقيه والَمتفقه: لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة 462 هـ. نشر دار إحياء السنة المحمدية. (14) التبصرة في أصول الفقه: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. تحقيق الدكتور محمد حسن هيتو. نشر دار الفكر. دمشق. (15) نهاية السول: لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي الشافعي المتوفى سنة 772 هـ. نشر عالم الكتب. بيروت. (16) كاشف الرموز ومظهر الكنوز للشيخ ضياء الدين التباذكاني الطوسي المتوفى سنة 706 هـ. رسالة ماجستير. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض. تحقيق يحي عبد الله السعدي.

(17) بيان المختصر لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهاني المتوفى سنة 749 هـ. تحقيق الدكتور محمد مظهر بقا. جامعة أم القرى. ومركز إحياء التراث الإسلامي. (18) الوصول إلى علم الأصول: لأبي الفتح أحمد بن علي بن برهان البغدادي المتوفى سنة 518 هـ. تحقيق الدكتور عبد الحميد عاب أبو زنيد. مكتبة المعارف. الرياض. (19) تنقيح محصول ابن الخطيب في أصول الفقه للشيخ أمين الدين مظفر بن أبي أمير التبريزي المتوفى سنة 621 هـ. رسالة دكتوراه. جامعة أم القرى. تحقيق الدكتوراه حمزة زهير حافظ. (20) شرح مختصر روضة الناظر في أصول الفقه: لسليمان بن عبد القوي الطوفي المتوفى 716 هـ. رسالة دكتوراه. جامعة أم القرى. تحقيق الدكتور بابا بن بابا بن آدو. (21) بيان معاني البديع: لشمس الدين محمود الأصفهاني المتوفى سنة 729 هـ. رسالة دكتوراه. جامعة أم القرى. تحقيق الدكتور حسام الدين موسى محمد عفانه. (22) المعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين محمد بن علي الطيب البصري المتوفى سنة 436 هـ. تحقيق محمد عبد الله. نشر المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية. دمشق. (23) مسائل الخلاف في أصول الفقه: لأبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري المتوفى سنة 436 هـ. رسالة دكتوراه. جامعة الإمام أمحمد بن سعود الإسلامية. الرياض. تحقيق الدكتور راشد بن علي الحاي. (24) منهاج الوصول إلى علم الأصول: للقاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر القاضي المتوفى سنة 685 هـ. مطبوع مع شرحه مع نهاية السول للأسنوي. (25) أصول البزدوي لأبي الحسن علي بن محمد البزدوي. مطبوع مع شرحه الأسرار للبخاري. (26) الكافية في الجدل: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني المتوفى سنة 478 هـ. تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود. مطبعة عيسى البابي الحلبي. القاهرة. (27) الملخص في الجدل: في أصول الفقه لأبي إسحاق إبراهيم الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. رسالة ماجستير. جامعة أم القرى. تحقيق الطالب محمد يوسف. (28) التمهيد في أصول الفقه: لمحفوظ بن أحمد به الحسن الكلوذاني الحنبلي المتوفى سنة 510هـ. رسالة دكتوراه. جامعة أم القرىَ. تحقيق الدكتور مفيد أبو عمشه والدكتور محمد علي إبراهيم. نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.

رابعا: كتب الفقه: (1) الودائع بمنصوص الشرائع لابن سريج المتوفى سنة 306 هـ. رسالة دكتوراه. الجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. (2) أدب القاضي: للإمام أبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاصر المتوفى سنة 335 هـ. تحقيق الدكتور حسين بن خلف الجبوري. مكتبة الصديق. الطائف. (3) مجموع الفتاوى: لشيخ الإِسلام أحمد بن تيميه. مكتبة المعارف. الرياض. (4) أدب القاضي: لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي المتوفى مسنة 450 هـ. تحقيق الدكتور محي هلال السرحان. رئاسة ديوان الأوقاف. العراق. خامسا: كتب التراجم والرجال: (1) طبقات الفقهاء للشافعية: لأبي عاصم محمد بن أحمد العبادي المتوفى سنة 458 هـ. (2) طبقات الشافعية: لأبي بكر بن هداية الله الحسيني المتوفى سنة 1014هـ تحقيق عادل نويهض. دار الآفاق الجديدة. بيروت. (3) طبقات الفقهاء: لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. تحقيق الدكتور إحسان عباس. دار الرائد. بيروت. (4) تذكرة الحفاظ: لأبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. دار إحياء التراث العربي. (5) العبر في أخبار من غبر: الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. تحقيق محمد السعيد بسيوني. دار الكتب العلمية. بيروت. (6) تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا محي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة 676 هـ. إدارة الطباعة المنيرة بيروت. (7) شذرات الذهب: لأبي الفرج عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة 1089هـ. منشورات دار الآفاق الجديدة. بيروت. (8) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ. دائرة المعارف. حيدر آباد. الدكن. الهند. (9) سير أعلام النبلاء: لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة 749 هـ. مؤسسة الرسالة. بيروت. (10) تاريخ بغداد: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 630 هـ. الناشر دار الكتاب العربي. بيروت.

(11) البداية والنهاية: لأبي الفداء الحافظ بن كثير المتوفى سنة 774 هـ. دار الكتب العلمية. بيروت. (12) النجوم الزاهرة: لأبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الاتابكي المتوفى سنة 874 هـ. طبعة مصورة من طبعة دار الكتب المصرية. القاهرة. (13) طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة 771 هـ. تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو. مطبعة عيسى الحلبي. القاهرة. (14) وفيات الأعيان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر قاضي شهبة المتوفى سنة 851هـ. تحقيق عبد العليم خان. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية. الهند. (15) الفتح المبين في طبقات الأصوليين: للشيخ عبد الله مصطفى المراغي. الطبعة الثانية. بيروت. (16) هدية العارفين: لإسماعيل باشا البغدادي المتوفى سنة 1339 هـ. دار الفكر. بيروت. (17) تاريخ التراث العربي: لفؤاد سزكين. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الرياض. (18) الفهرست: لابن النديم. الناشر دار المعرفة. بيروت. (19) الكامل في التاريخ لأبي المحاسن علي بن أبي المكارم المعروف بابن الأثير. دار الكتاب العربي. بيروت. (20) تاريخ الملوك والأمم: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري. دار القلم. بيروت.

§1/1