الإلمام بأحاديث الأحكام ومعه حاشية ابن عبد الهادي

ابن دقيق العيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حُقق هَذَا الْكتاب عَن نُسْخَة الْحَافِظ شمس الدّين بن عبد الْهَادِي الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ والمنسوخة بِخَط يَده سنة (729 هـ) الإِلمَام بِأَحَادِيْثِ الأَحَكَامِ

جَمِيعُ الحُقُوقِ مَحْفوظَة الطَّبْعَةُ الأُولَى 1434 هـ - 2013 م ردمك: 4 - 37 - 482 - 9933 - 978 ISBN دَارُ النَّوَادِرِ سورية - لبنان - الكويت مُؤسَّسَة دَار النَّوَادِرِ م. ف - سُورية: * شَركَة دَار النَّوَادِرِ اللُّبْنَانِيَّة ش. م. م - لبْنَان * شَركَة دَارُ النَّوَادِرِ الْكُوَيْتِيَّة ذ. م. م - الكُوَيْت سورية - دمشق - ص. ب: 34306 - هَاتِف: 2227001 - فاكس: 2227011 (0096311) لبنان - بيروت - ص. ب: 14/ 5180 - هَاتِف: 652528 - فاكس: 652529 (009611) الكويت - الصالحية - برج السَّحَاب - ص. ب: 4316 حَولي - الرَّمْز البريدي: 32046 هَاتِف: 22273725 - فاكس: 22273726 (00965) www.daralnawader.com - [email protected] أسَّسهَا سَنَة: 1426 هـ - 2006 م نُورُ الدِّيْن طَالِب المُدير العَام والرَّئيس التَّنْفِيذِي

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدِّمَة التَّحْقِيْق إنَّ الحمدَ للَّهِ نحمدُه ونسَتعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللَّهِ من شرورِ أنفسِنا، وسَيِّئاتِ أعمالنا، مَنْ يهدِهِ اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدٌ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه. أمّا بعد: فإنَّ التفقُّهَ في الدِّين منزلةٌ لا يخفى شرفُها وعُلاها، ولا تَحتجِبُ عن العقل طوالعُها وأَضْواها، وأرفعُها بعد فهمِ كتاب اللَّه المُنْزَل، البحثُ عن معاني حديث نبيِّه المرسَل، إذ بذلك تثبُتُ القواعدُ ويستقِرُّ الأساس، وعنه يصدُرُ الإجماعُ ويقومُ القياس، وما تقدَّمَ شرعًا تعيَّنَ تقديمُهُ شُروعًا، وما كان مَحمولًا على الرأسِ لا يَحْسُنُ أنْ يُجْعَلَ موضوعًا. لكنَّ شَرْطَ ذلك عندنا أَنْ يُحْفَظَ هذا النِّظام، ويُجعَلَ الرأيُ هو المؤتمَّ والنصُّ هو الإمام، وتُرَدَّ المذاهبُ إليه، وتُضَمَّ الآراءُ المنتشرة حتى تقِفَ بينَ يدَيه، وأما أَنْ يُجعَلَ الفرعُ أصلًا؛ بردِّ النصِّ إليه بالتكلُّف والتَّحيُّل،

ويُحمَلَ على أبعدِ المحاملِ بلطافةِ الوَهْمِ وسَعَةِ التخيُّل، ويُرْكَبَ في تقريرِ الآراءِ الصَّعبُ والذَّلُول، ويُعْمَلَ مِنَ التأويلات ما تنفِرُ عنه النفوسُ وتَستنكِرُه العقول، فذلك عندنا مِنْ أردأ مذهبٍ وأسوأ طريقة، ولا يُعتقدُ أنَّه تحصُلُ معه النصيحةُ للدِّين على الحقيقة، وكيف يقعُ أمرٌ مع رُجحانِ مُنَافيه؟ وأنَّى يَصِحُّ الوزنُ بميزانٍ مالَ أحدُ الجانبين فيه؟ ومتى يُنْصِفُ حاكمٌ ملكَتْهُ غَضَبِيةُ العصبيةِ؟ وأينَ يقعُ الحقُّ مِنْ خاطرٍ أخذتْة العزَّةُ بالحَمِيَّة؟ وأنَّى يُحْكَمُ بالعدل عند تعادُلِ الطَّرفَين، ويظهرُ الجَوْرُ عند تَقايُلِ المُتَحرِّفَين؟! (¬1) هذا، وإنَّ كتابَ "الإلمام بأحاديث الأحكام" للإمام المُجتهد المُجدِّد ابنِ دّقيق العيد -رحمه اللَّه- لا نظيرَ له في الكتبِ المصنَّفةِ في الأحكام الجامعةِ بينَ الحلالِ والحرام، بل هو مِنْ أجلِّ ما صُنِّفَ في بابه، يحفظُه المُبتدِئ المُستفيد، ويُناظِرُ فيه الفقيهُ المُفِيد (¬2). * وقد شَرَطَ فيه -رحمه اللَّه- أن لا يورِدَ إلا حديثَ مَنْ وَثَّقه إمامٌ مِنْ مُزكِّي رُواةِ الأَخبار، وكانَ صحيحًا على طَريقةِ بعضِ أَهْلِ الحديث الحُفَّاظ، أو بعضِ أئمةِ الفُقهاء النظَّار، وقد اعتبرَ -رحمه اللَّه- هذا الشَّرطَ، ولم يشترِط الاتفاقَ مِنَ الطائفتين، لأنَّ ذلك الاشتراطَ يَضِيقُ به الحالُ جدًّا، ويوجِبُ تعذُّرَ الاحتجاجِ بكثيرٍ مما ذكرهُ الفقهاءُ، لعسرِ الاتفاق على وجودِ الشُّروط المتَّفقِ عليها، ولأنَّ الفقهاءَ قد اعتادوا أنْ يحتجُّوا بما هو نازِلٌ عن هذه ¬

_ (¬1) من خطبة الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الحافل: "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام" (1/ 5 - 6). (¬2) انظر: "الاهتمام بتلخيص الإلمام" لقطب الدين الحلبي (ص: 5).

الدرجة، فرجوعُهم إلى هذه الدرجةِ ارتفاعٌ عما قد يَعتادونه، فهو أَولى بالذِّكْرِ، ولأنَّ كثيرًا مما اختُلِفَ فيه مِنْ ذلك يرجعُ إلى أنَّه قد لا يَقْدَحُ عند التأمُّلِ في حقِّ كثير من المجتهدين، فالاقتصارُ على ما أُجمعَ عليه تضييعٌ لكثير مما تقومُ به الحجةُ عند جمعٍ من العلماء، وذلك مَفْسَدة (¬1). * وقَصَدَ -رحمه اللَّه- في تأليفه هذا الاختصارَ، وذلك لمقاصد عدةٍ منها: 1 - تركُ الأحاديث التي يكفي في الاستدلال على حُكمها كتابُ اللَّه تعالى أو إجماعُ الأمة، وإنْ وقَعَ من هذا شيءٌ في هذا الكتاب فيكونُ المقصودُ أمرًا آخرَ يتعلَّقُ بدلالة الحديث، وتَنْجرُّ الدلالةُ إلى الحكم المجمَعِ عليه انجرارًا غيرَ مقصودٍ بالوضع وحدَه، كما في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقبلُ اللَّهُ صلاةَ أحدِكم إذا أَحْدثَ حتى يتوضَّأ" (¬2)، فإنه استُدِلَّ به على وجوب طهارةِ الحَدَث، وهو أمرٌ مُجمَعٌ عليه، وليس هو المقصودُ بإيرادِ الحديث وحدَه، وإنما استدل به على أنَّ سَبْقَ الحَدَثِ مُبْطِلٌ للصلاة، مانِعٌ من البناء. 2 - ومنها: ألَّا يذكرَ أحاديثَ متعدِّدةً للدلالةِ على حكمٍ واحدٍ إلا لمعارِضٍ. 3 - ومنها: الاكتفاءُ بأتمِّ الحديثين وأكثرِهما فائدة عن أقلِّهما، أو لدخولِ مَدلوله تحت الأعمِّ فائدة، وقد يقومُ في مثل هذا معارِضٌ، وهو أن ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام" لابن دقيق العيد (1/ 26 - 27). (¬2) رواه البخاري (6554)، ومسلم (225)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

يكون الحديثُ الأقل فائدة هو الحديث المشهورُ أو المُخرَّج في "الصحيحين" فيُذكر لذلك، ويُتبَعُ بالحديث الَّذي فيه الزيادة، فإنَّ إهمالَ ما في "الصحيحين" وما اشتُهِرَ بين العلماء الاستدلالُ به غيرُ مُستحسَنٍ. 4 - ومنها: أنَّ الحديثَ الذي يستدل به قد يكون مُطوَّلًا في الصِّحاح أو في الكتب المشهورة، ويكون موضعُ الاحتجاجِ مُقتصرًا عليه، مختصَرًا في غير ذلك من الكتب، فيقتصِرُ على المختصَر، ويتركُ التخريجَ من الصحاح؛ لأنه ألْيقُ بالكتاب، ولأنه إنْ ذَكَرَ ما في الصحاح مُطولًا خَرَجَ عن المقصود الذي لأجله أخرجَ الحديث. إلى غير ذلك من المقاصد (¬1). * ولما كان المؤلفُ قد جمَع كتابًا كبيرًا في أحاديث الأحكام سمَّاه: "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام"، وقال فيه: ما وقفتُ على كتابٍ من كُتُبِ الحديث وعلومِه المتعلِّقةِ به، سُبِقْتُ بتأليفه وانتهى إليَّ، إلا أَودعتُ منه فائدةً في هذا الكتاب (¬2). وقال فيه: أنا جازِمٌ أنَّه ما وُضعَ في هذا الفنِّ مثلُه (¬3). فقد اسْتَخشَنهُ بعضُ أهلِ عصر؛ لإطالته، فعَمدَ -رحمه اللَّه- إلى اختصارِه في كتابه: "الإلمام بأحاديث الأحكام"، وسمَّاه بهذه التسمية بالنسبةِ إلى الكتابِ الكبير الَّذي قَصَدَ فيه التوسُّعَ وتكثيرَ الأحاديث وجَلْبَها من حيثُ كانت على حَسب القُدرةِ، فهو بالنسبة إليه إلمامٌ، لا بمعنى ¬

_ (¬1) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد (1/ 20 - 21). (¬2) انظر: "ملء العيبة" لابن رشيد (3/ 260). (¬3) انظر: "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد (1/ 26).

قُصُورِه في نفسه وضَعْفِه بالنسبة إلى أحاديث الأحكام (¬1). * ولا بدَّ مِنَ التنبيه إلى أنَّ المؤلِّف -رحمه اللَّه- قد وقَعَ له في كتابه هذا بعضُ الأوهامِ، وقد فَسَّرَ الحافظُ قطبُ الدِّينِ الحَلَبيُّ -وهو تلميذُ المؤلف- تلك الأوهام الواقعةَ فقال: وكان شيخُنا -رحمه اللَّه- لمَّا جَمَعَ كتابَ "الإلمام" أملاهُ تارةً على مَنْ لم يكن الحديثُ مِنْ شأنه، وتارةً كان يكتُبه في أوراق بخطِّه، وكان خَطُّه مُعلَّقًا، ويُعطيه للنُّسَّاخ، فيكتب كلُّ إنسانٍ مِنَ النُّسَّاخ ما قَدَرَ عليه، فبسببِ ذلك وقعَ في كتاب "الإلمام" مواضعُ لم يُصَوِّبْها الناسِخُ، ولم تُقرأْ على الشيخ بعد ذلك (¬2). وقد صَحَّحَ الحافظُ قطبُ الدِّين الحلبي ما قَدرَ عليه في تَلخيصه لكتاب "الإلمام" المُسمَّى: "الاهتمام". * ثمَّ كان مِنْ فضلِ اللَّه وجُودِه عَليَّ أَنْ أكرمني بالوقوفِ على نسُخةِ الإمامِ الحافظ شمسِ الدِّين بنِ عبد الهادي المَقْدِسي الحنبلي لكتاب "الإلمام" والتي خطَّها بيده (¬3)، مُحلَّاة بحواشيه المُجوَّدَةِ من التصحيح والتَّحريرِ والفوائد والنِّكات على كتاب "الإلمام"، والتي وصَفَها ابنُ قاضي ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 575). (¬2) انظر: "الاهتمام بتلخيص كتاب الإلمام" لقطب الدين الحلبي (ص: 7). (¬3) وكان الأخ الأستاذ المحقق ذو النفائس المخطوطة والنادرة نور الدين طالب قد أتحفني بهذه النسخة شرطَ إخراجها مطبوعةً بحُلَّة علمية متميزة، فله مني الشكر الجزيل، والتقدير الأثيل، فواللَّه ما علمتُه -طوالَ مصاحبتي له لأزيد من عشر سنوات- يَضِنُّ على باحث أو محقق بشيء من خزائن مكتبته النفيسة بغيةَ نشره بين أيدي أهل العلم، فاللَّه وحده يجزيه ويكافيه.

شُهْبة بأنَّها حواشٍ مفيدة (¬1). كيف لا، وهي مكتوبةٌ بخطِّ الإمام الحافظ، سليلِ أَعْرقِ الأُسَرِ العلميَّة في التاريخ. وتلميذِ شيخ الإسلام ابنِ تيميَّة والحافظِ المِزِّي، وملازِمهما، وحافظِ عُلومِهما، والناقلِ عنهما جُملًا من كلامهما في هذه الحواشي؟! وقد جاء -رحمه اللَّه- على جميع ما وقع في "الإلمام" من إشكال وإبهام، فتكلم عن الأحاديث صحة وضعفًا، وسَرَدَ الشواهد لها، وبَيَّن حال طائفة مما وقع في رجال أسانيدها، وأوضحَ غريبَ الألفاظ والكلمات إلى ذلك من الفوائد والعوائد القيمة. فحقُّ هذه النُّسخةِ أنْ تُكْتَبَ بذَوْبِ التِّبْر لا بالحِبْر، وأنْ تُقدَّمَ في الحِفْظ والدَّرْسِ على غيرها، وإنْ جاءت مطالعتُها -أعني الإلمام مع حواشيه هذه- بعد "عُمدة الأحكام" للإمام عبد الغني المَقْدسي، فقد يكونُ حافِظُهما على رَتْوةٍ من العلم، لقوةِ حُجَّته وأدِلَّته، فكلُّ ما فيهما صحيحٌ في الجملة، فليسْعَدْ أهلُ العلمِ ورُوَّامُه بهذه التُّحفةِ النَّفيسةِ، ولتنشرِحْ صدورُهم بهذه الدُّرَّة المُنِيفة. * وهذه النسخةُ مِنْ محفوظات مكتبة كُوبريلي في تركيا، برقم (250)، وتقع في (142) ورقة، جاء على غلافها اسمُ ناسخها، وهو الإمامُ الحافِظُ أبو عبد اللَّه محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الهادي المقدسي رحمه اللَّه تعالى، وعليها تملُّكات لغير واحدٍ منها تملُّكٌ لابنه عمر. وقد حُلِّيت هوامشُها -كما أسلفنا- بتحريراتِ وفوائد الإمام الحافظ شمس الدِّين، وجاء فيها أيضًا بعضُ الحواشي لغير واحدٍ من العلماء ممن ¬

_ (¬1) انظر: "تاريخ ابن قاضي شهبة" (2/ 396).

عملي في الكتاب

وقَفُوا على هذه النُّسخةِ، منهم: الإمامُ المؤرِّخُ ابنُ حِجِّي رحمه اللَّه. وجاء في آخرِها تاريخُ الفراغِ من النسخ وهو سنة (729 هـ). * * * عملي في الكتاب: 1 - نسخُ الأصلِ المخطوط بالاعتماد على النُّسخة الخطِّيَّةِ المُشَار إليها، والتي انتسخها الإمامُ الحافظُ ابنُ عبد الهادي بخطِّه. 2 - قابلتُ المنسوخَ على الأصلِ الخَطِّي مَرَّتين مع أَخوينِ من أفاضِلِ إخوتي. 3 - ضبطتُ الكتابَ مع حَواشيه بالشَّكْل شِبْهِ الكامل، وقد كان جُلُّ اعتمادي على ضبطِ الإمام الحافظ شمس الدِّين بن عبد الهادي في هذه النسخة. 4 - رقمتُ أحاديثَ الكتابِ تَرقيمًا تسلسليًا. 5 - خرَّجتُ أحاديثَ الكتاب بذِكر رقم الحديث أو الجزء والصفحة، ملتزِمًا ما خرَّجه الإمامُ ابنُ دقيق العيد، والإضافة إليه إنْ كان ثَمَّة ضرورة إلى ذلك. 6 - جعلتُ كتاب "الإلمام" منفصلًا عن حواشيه، ورمزتُ لحواشي الإمامِ الحافظ شمس الدِّين بن عبد الهادي بمزهرة هكذا (*). 7 - شرحتُ غريبَ الحديث والمُشْكِل، معتمدًا على أمَّهات كتب المعاجم؛ كـ "الصِّحاح" للجوهري، و"لسان العرب" لابن مَنظور، و"القاموس المحيط" للفيروزأبادي، و"المصباح المنير" للفَيومي، و"النهاية

في غريب الحديث" لابن الأثير. وكذا اعتمدتُ شروحَ كتبِ الحديثِ المشهورة كـ "فتح الباري" لابن حَجر، و"عمدة القاري" للعَيني، و"شرح مسلم" للنَّووي، وشروح "مصابيح السُّنة" للبيضَاوي والمُظْهِري وزَينِ العرب، و"مِرْقاة المفاتيح شرحِ مشكاة المصابيح" لمُلَّا علي القاري، و"نيل الأوطار" للشَّوكاني، و"سبل السلام" للصَّنْعاني. 8 - ختمتُ الكتابَ بفِهْرِسٍ لأطرافِ الأحاديث النَّبوية الشَّريفة، وفهرِس لأسماء الكُتُب والأبواب. 9 - قدمتُ للكتابِ بمقدِّمة عن كتابِ "الإلمامِ" لابن دقيق العيد، وحواشي الإمامِ الحافظ ابنِ عبد الهادي عليه، ثم ترجمتُ للإمامين ابنِ دقيق العيد وابنِ عبد الهادي رحمهما اللَّه تعالى. اللهم إنِّي أسألُكَ أنْ تَغمُرَني وإخواني بلُطْفِكَ ورحمتِكَ، وأنْ تجعلَنا مِنْ سالكي هَدْيكَ، ومِنَ الحافظين لسُنَّة حبيبِكَ ونبيِّكَ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، اللهمَّ آمين. وكتبه أَبو عبْد اللَّه مَحَمَّد خَلُّوف العبْد اللَّه 22 / جمادى الآخر / 1433 هـ - 13/ 5 / 2012 م دمشق الشام حرسها اللَّه من الشرور والآثام * * *

ترجمة الإمام المجتهد ابن دقيق العيد

تَرْجَمَة الإِمَام الْمُجْتَهِدِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيْدِ (¬1) ¬

_ (¬1) هذه الترجمة مقتبسة من ترجمتي المطوَّلة للإمام ابن دقيق العيد والتي أثبتُّها في مقدمة تحقيقي لكتابه الحافل: "شرح الإلمام بأحاديث الأحكام". وللاستزادة من أخباره تُنظر المصادر والمراجع التالية: "تذكرة الحفاظ" (4/ 1481)، و"المعجم المختص" كلاهما للذهبي (ص: 168)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 207)، و"مستفاد الرحلة والاغتراب" للتجيبي (ص: 16)، و"الطالع السعيد" للأُدفُوي (ص: 567)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (4/ 137)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (14/ 27)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 230)، و"الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 324)، و"شجرة النور الزكية" لابن مخلوف (1/ 158)، و"الدرر الكامنة" (5/ 348)، و"رفع الإصر عن قضاة مصر" كلاهما لابن حجر (ص: 394 - 403)، و"التبيان لبديعة البيان" لابن ناصر الدين الدمشقي (3/ 1438)، و"ذيل التقييد" لتقي الدين الحسني الفاسي (ص: 191)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 516)، و"فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي (2/ 401)، و"مرآة الجنان" لليافعي (4/ 236)، و"النجوم الزاهرة" لابن تغري بردي (8/ 79)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 5)، و"البدر الطالع" للشوكاني (2/ 229)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (1/ 135، 158، 417)، (2/ 1157، 1164، 1169، 1176، 1856)، و"الأعلام" للزركلي (6/ 283)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (11/ 70). =

اسمه ونسبه وولادته

* اسمه ونسبه وولادته: هو الإمامُ، المُجدِّدُ، المجتهد، شيخُ الإسلام، محمدُ بنُ عليِّ بنِ وهبِ بن مُطيع بن أبي طاعة المَنْفَلُوطيُّ، القُوصِي (¬1)، الثَّبَجِي، المِصْري المالكي الشافعيُّ، تقيُّ الدِّين، أبو الفتح، ابنُ القاضي الإمامِ أبي الحسن القُشيري، من ذرية بَهْزِ بن حكيم القُشَيريِّ -رضي اللَّه عنه- (¬2)، المشهورُ بـ: ابن دقيقِ العيد (¬3). وُلد في شعبان سنةَ (625 هـ)، في يَنْبُع على ساحل البحر الأحمر، عندما كان والدُه متوجِّهًا من قُوص إلى مكةَ للحج. * * * * نشأته وطلبه للعلم: نشأ الإمامُ ابنُ دقيقِ العيد في أسرة علميَّة، مشهورةٍ بالتديُّن والصلاح؛ فأبوه الشيخُ مجدُ الدِّين أبو الحسن علي، جَمَعَ بين العلم والعمل، ¬

_ = وانظر مقدمتَي تحقيق "الاقتراح في بيان الاصطلاح"، للدكتور عامر حسن صبري، و"الإمام في معرفة أحاديث الأحكام" للشيخ سعد بن عبد اللَّه آل حميد. (¬1) نسبة إلى مدينة قوص من مدن الصعيد في جنوب مصر. (¬2) قال الذهبي في "المعجم المختص" (ص: 169): فيما بلغنا. وقال الحافظ في "الدرر الكامنة" (5/ 350): ويُذْكَر ذلك. (¬3) قال الأُدفُوي في "الطالع السعيد" (ص: 435) في ترجمة والد الإمام ابن دقيق: الشيخ مجد الدين علي: وسبب تسمية جده -يعني: مطيعًا-: دقيق العيد: أنَّه كان عليه يوم عيد طيلسان شديد البياض، فقال بعضهم: كأنه دقيق العيد، فلقب به رحمه اللَّه.

والعبادة، والوَرع والتقوى، والزَّهَادة والإحسان إلى الخلائق مع اختلافهم، وبَذْلِ المجهود في اجتماع قلوبهم وائتلافهم، وقد ارتحل إليه الناسُ من سائر الأقطار، وقَصَدوه من كلِّ النواحي والأمصار (¬1). أما أمُّه: فهي بنتُ الشيخِ الصَّالحِ تقيِّ الدين مُظَفَّر بنِ عبد اللَّه المشهورِ بالمُقْترَح. قال الأُدفُوي: فأصلاهُ كريمانِ، وأبواهُ عظيمانِ. وقد ذَكَر والدُه: أنَّه أخذه عند ولادته وطاف به الكعبةَ، وجعل يدعو اللهَ أنْ يجعلَه عالمًا عاملًا. ابتدأ الشيخُ بقراءة القرآن العظيم، حتى حَصَلَ منه على حظٍّ جسيم، ونشأ بقُوص على حالة واحدة من الصَّمت والاشتغال بالعلوم، ولُزومِ الصيانة والديانة، فاشتغل بالفقهِ على مذهب الإمامين مالك والشافعيِّ على والده، وكان قد اشتغل بمذهب الشافعيِّ أيضًا على تلميذ والده الشيخِ بهاء الدين هِبَةِ اللَّه القِفْطي، وكان يقول: البهاءُ مُعلِّمي. وقرأ الأصولَ على والده، ثم سَمعَ بمِصْر والشام والحِجاز، على تحرٍّ في ذلك واحتِراز، فرحلَ إلى القاهرة؛ فقرأ على شيخِ الإسلام العزِّ ابنِ عبد السلام، وقرأ العربيةَ على الشيخ شرفِ الدِّين محمد بن أبي الفَضْل المُرْسِي، وغيره. ثم ارتحل في طلب الحديث إلى دمشقَ والإسكندريَّة وغيرهما، وسمع ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 424)، و"مرآة الجنان" لليافعي (4/ 166)، وكان قد توفي رحمه اللَّه سنة (667 هـ).

صفاته وأخلاقه

الحديثَ من والده، والشيخِ الحافظِ عبدِ العظيم المُنْذِري، وأبي العباس أحمدَ بن عبد الدائم بن نِعْمة المقدسيِّ، والحافظ أبي علي الحسن ابن محمد البَكْري، وخلائق. ثم درَّس بالمدرسة الفاضليَّة، والمدرسة المُجاورة للشافعي، والكامِليَّة، والصالحية بالقاهرة، ودرَّس بقُوص بدار الحديث ببيتٍ له. وقد اشتُهِر اسمُه في حياة مشايخه، وشاع ذكرُه، وتخرَّج به أئمة، وسَمعَ منه الخلقُ الكثير، والجمُّ الغفير مع قِلَّة تحديثه رحمه اللَّه. * * * * صفاته وأخلاقه: قال ابنُ سيِّد الناسِ: ولم يَزَلْ حافظًا للسانِه، مُقْبلًا على شانه، وَقَفَ نفسَه على العلوم وقَصَرَها، ولو شاء العادُّ أنْ يَعُدَّ كلماتهِ لحَصَرها، وله مع ذلك في الأدبِ باعٌ وِساع، وكرمُ طِباع، لم يخلُ بعضُها من حُسْنِ انطباع، حتى لقد كان محمودُ الكاتب، المحمود في تلك المذاهب، المشهود له بالتقدُّم فيما يشاء من الإنشاء على أهل المشارق والمغارب، يقول: لم ترَ عيني آدبَ منه (¬1). وكان يقول رحمه اللَّه: ما تكلَّمتُ كلمة، ولا فعلتُ فعلًا، إلا وأعددتُ له جوابًا بين يدي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 570). (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 212).

وكان -رحمه اللَّه- يُسْهِرُ ليلَه في العلم والعبادة؛ قرأ الشيخُ ليلةً، فقرأ إلى قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، فما زال يكرِّرُها إلى مَطْلَعِ الفجر (¬1). قال الصاحبُ شرفُ الدين محمد بن الصاحب: سمعتُ الشيخَ الإمامَ شهابَ الدِّين القَرافيَّ المالكيَّ يقول: أقام الشيخُ تقيُّ الدينِ أربعينَ سنةً لا ينامُ الليل، إلا أنَّه كان إذا صلَّى الصبحَ اضطجع على جَنبِهِ إلى حيثُ يتضحَّى النَّهار (¬2). وكان -رحمه اللَّه- يحاسِبُ نفسَه على الكلام، ويأخذُ عليها بالمَلَام، لكنه تولَّى القضاء في آخر عُمُره، وذاقَ مِنْ حُلْوِّه ومُرِّه، على أنَّه عَزَلَ نفسَه مرةً بعدَ مرَّة، وتنصَّلَ منه كَرَّة بعد كَرَّة. وله في القضاءِ آثارٌ حَسَنة، منها انتزاعُ أوقافٍ كانت أُخِذَت واقتُطِعَت، ومنها أنَّ القُضاة كان يُخْلَع عليهم الحَرير، فخُلِع على الشيخ الصُّوف فاستمرَّ، وكان يكتب إلى النُّواب يُذكِّرُهم ويحذِّرُهم (¬3). وكان -رحمه اللَّه- كريمًا جوادًا سخيًا. وكان يقول: ضابطُ ما يُطلبُ مِنِّي أنْ يجوزَ شرعًا، ثم لا أبخل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" (ص: 579). (¬2) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 351). (¬3) انظر: "الطالع السعيد" (ص: 596 - 597)، و"رفع الإصر" لابن حجر (ص: 396). (¬4) "الطالع السعيد"، (ص: 577).

علم الإمام ابن دقيق رحمه الله

وكان -رحمه اللَّه- متحرِّزًا جدًّا في أمر النجاسة، مشدِّدًا على نفسِه، وله في ذلك حكاياتٌ ووقائعُ عَجيبة. وكان -رحمه اللَّه- عزيزَ النفسِ، خفيفَ الروح، لطيفًا، على نُسُك وورع، ودينٍ مُتَّبع، يُنْشِدُ الشِّعر والزَّجَل والمُوشَّح، وكان يستحسن ذلك، رحمه اللَّه تعالى ورضي عنه. * * * * علم الإمام ابن دقيق رحمه اللَّه: تفرَّدَ الإمامُ ابنُ دقيقِ العيد في عُلوم كثيرة، فكانَ حافظًا مُكْثِرًا، إلا أنَّ الروايةَ عَسُرت عليه لقلَّة تحديثه، فإنَّه كان شديدَ التحرِّي في ذلك (¬1)، وكان خبيرًا بصناعة الحديث، وهو إمامُ الدنيا في فِقه الحديث والاستنباط (¬2). قال الذَّهبيُّ: أربعةٌ تعاصروا: التقيُّ ابنُ دقيق العيد، والشَّرف الدِّمياطي، والتقيُّ ابنُ تَيمية، والجمال المِزِّيُّ، قال الذهبيُّ: أعلمُهم بعلل الحديث والاستنباطِ ابنُ دقيقِ العيد، وأعلمهم بالأنساب الدِّمياطي، وأحفظُهم للمتون ابنُ تيمية، وأعلمُهم بالرجال المِزِّيُّ (¬3). وكان -رحمه اللَّه- يحقِّقُ المذهبينِ المالكيَّ والشافعيَّ تحقيقًا عظيمًا، ¬

_ (¬1) انظر: طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 212). (¬2) المرجع السابق، (9/ 244). (¬3) نقله السيوطي في "تدريب الراوي" (2/ 455) فقال: رأيت في "تذكرة" صاحبنا الحافظ جمال الدين سبط ابن حجر، فذكره.

وله اليدُ الطُّولى في الفُروع والأصول، وفي تصانيفه من الفُروع الغريبة والوجوهِ والأقاويل ما ليس في كثيرٍ من المبسوطات، ولا يعرفه كثيرٌ من النَّقَلة (¬1)، وكان لا يَسْلُكُ المِراءَ في بحثه، بل يتكلَّمُ كلماتٍ يسيرةً بسكينةٍ ولا يُراجَع (¬2). وكان -رحمه اللَّه- في نقده وتدقيقه لا يُوازى، حتى قال الشيخُ صَدْرُ الدينِ بنُ الوَكيل: إذا نَقَد وحرَّر فلا يَوفِيه أحد (¬3). فإنَّه كان -رحمه اللَّه- صحيحَ الذِّهن، كما قال علاءُ الدينِ الباجي (¬4). وله - مع ذلك - النَّظمُ الفائق، المشتملُ على المعنى البديع واللفظِ الرَّائق، السَّهلِ المُمْتنع، والمَنْهجِ المُسْتَعْذَبِ المَنْبع، والذي يَصْبو إليه كلُّ فاضل، ويستحسِنُه كلُّ أديب كامل. وله أيضًا نثرٌ أحسنُ من الدُّرر، ونظمٌ أبهجُ مِنْ عقود الجوهر، ولو لم يكن له إلا ما تضمَّنته خطبةُ "شرح الإلمام"، لشُهِدَ له من الأدبِ بأوفر الأقسام (¬5). قال الأُدفُوي: رأيتُ خزانةَ المدرسة "النّجيبة" بقُوص، فيها جملةُ كتب؛ من جملتها: "عيون الأدلة" لابنِ القَصَّار في نحوٍ من ثلاثينَ مُجلدة، ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 580). (¬2) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 349). (¬3) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 581). (¬4) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬5) المرجع السابق، (ص: 587، 589).

بلوغه رتبة الإجتهاد

وعليها علاماتٌ له، وكذلك رأيتُ كتبَ المدرسةِ "السابقية"؛ رأيت على "السننِ الكبير" للبيهقيِّ فيها في كلِّ مجلدة علامةٌ، وفيها "تاريخ الخطيب" كذلك، و"معجم الطَّبراني الكبير"، و"البسيط" للواحدي، وغير ذلك (¬1). وأخبر الشيخُ الفقيهُ سِراجُ الدين الدَّندري: أنَّه لمَّا ظَهَر "الشرح الكبير" -وهو فتحُ العزيز في شرح الوجيز- للرافعي، اشتراهُ بألف دِرْهم، وصار يُصلِّي الفرائضَ فقط، واشتغلَ بالمطالعة، إلى أنْ أنهاهُ مطالعةً (¬2). وكان -رحمه اللَّه- يقول: ما خَرَجتُ من باب من أبواب الفقه واحتجت أنَّ أعودَ إليه (¬3). * * * * بلوغه رتبةَ الإجتهاد: كانَ الإمامُ ابنُ دقيق -رحمه اللَّه- من أذكى الأئمة قريحةً، قال عن نفسه رحمه اللَّه: وافقَ اجتهادي اجتهادَ الشافعيِّ إلا في مسألتين. قال الصَّفديُّ: وحسبُكَ بمَنْ يتنزَّل ذهنُه على ذِهْنِ الشافعي (¬4). وقال الصَّفَدِي: وما أُراه إلا أنَّه بَعَثهُ اللَّهُ تعالى على رأس المئةِ ليجدِّدَ ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 580). (¬2) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬3) المرجع السابق، الموضع نفسه. (¬4) انظر: "الوافي بالوفيات" للصفدي (4/ 138).

مشاهير شيوخه

لهذه الأمةِ دينَهم (¬1). قال الذهبيُّ: وقد كانَ على رأسِ السَّبعِ مئة شيخُنا أبو الفتحِ ابنُ دقيقِ العيد (¬2). قال السُّبكي: ولم نُدْرِكْ أحدًا مِنْ مشايخنا يختلفُ في أنَّ ابنَ دقيق العيد هو العالمُ المبعوثُ على رأس السبع مئة، المشارُ إليه في الحديث المُصْطَفوي النبويُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنه أستاذُ زمانِه عِلمًا ودينًا (¬3). وقد كُتب له (بَقيَّةُ المجتهدين)، وقُرِئ بين يديه، فأقرَّ عليه (¬4). * * * * مشاهير شيوخه: 1 - ابنُ المقيَّر: الإمامُ المُسْنِدُ الصَّالح، رحلةُ الوقت، أبو الحسنِ عليُّ ¬

_ (¬1) المرجع السابق، (4/ 140). (¬2) انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/ 203). (¬3) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 209). (¬4) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 569). قلت: قال الذهبي في "السير" (14/ 203): "بيان جعلتَ (من يجدد) لفظًا يصدق على جماعة وهو أقوى"، انتهى. قلت: فيكون على رأس السبع مئة الإمام ابن دقيق العيد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام شرف الدين الدمياطي، والحافظ البرزالي، وعلم الحفاظ المزي، ومؤرخ الإسلام الذهبي، وخاتمة المحققين ابن القيم، والإمام المفسر ابن كثير، والفاضل المحقق ابن رجب، وغيرهم رحمهم اللَّه.

ابنُ الحسينِ بنِ عليِّ بن منصور بن المُقيَّر، البغداديُّ، الأَزْجيُّ، الحنبلي، كان شيخًا صالحًا، كثيرَ التهجُّدِ والعبادة والتلاوة، وكان مُشتغلًا بنفسه. قال التَّجيبي في "مستفاد الرحلة" (¬1): وهو أقدمُ مَنْ سَمِعَ عليه سنًا. توفي سنة (643 هـ) (¬2). 2 - المُنْذري: الحافظُ الكَبير، والإمامُ الثَّبْتُ النَّحْرير، عبدُ العظيمِ ابنُ عبد القويِّ بن عبد اللَّه بن سلامة، أبو مُحمد المُنْذريُّ، الشاميُّ المِصْريُّ. كان عديمَ النَّظيرِ في معرفة علمِ الحديث على اختلاف فُنونه، عالمًا بصحيحهِ وسَقيمهِ، ومَعْلُوله وطُرُقِه، متبحِّرًا في معرفة أحكامه ومَعانيه ومُشْكِله. له تصانيفُ عِدَّة منها: "الترغيب والترهيب"، و"مختصر مسلم"، و"مختصر سنن أبي داود". قال السُّبكي: وبه تَخرَّج أبو محمدٍ الدِّمياطيُّ، وإمامُ المتأخرين تقيُّ الدينِ ابنُ دقيقِ العيد. توفي سنة (656 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) (ص: 19). (¬2) انظر: "سير أعلام النبلاء" (23/ 119)، و"العبر" كلاهما للذهبي (5/ 178)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (21/ 24)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (5/ 223). (¬3) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (8/ 259)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 111)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (19/ 10)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 504)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (5/ 277).

3 - العِزُّ بنُ عبد السلام: شيخُ الإسلامِ، وحيدُ عَصْرِه، وسُلطان العلماءِ، عبدُ العزيزِ بنُ عبد السلام، أبو محمد السُّلَميُّ، الدمشقيُّ، ثم المِصْري، الشافعيُّ. بَرَعَ في الفقه والأصول، ودرَّسَ وأفتى وصَنَّف، وبلغَ رتبةَ الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسةُ المَذهب مع الزهد والورع، والأمرِ بالمعروف والنهي عن المُنكر، والصَّلابة فِي الدين. قال عنه الشيخُ ابنُ دقيق: كان ابنُ عبد السلام أحدَ سلاطينِ العلماء، ويقال: إنَّ ابنَ دقيق هو أولُ مَنْ لقَّبه بـ: سلطان العلماء. ويحكى أنَّ ابنَ عبد السلام كان يقول: ديارُ مِصْر تفتخرُ برجلين في طَرفيها: ابنُ منيِّرٍ بالإسكندريَّة، وابنُ دقيق العيد بقُوص. توفي سنة (660 هـ) (¬1). 4 - الفَخْرُ بنُ البُخَاري: مُسْنِدُ الدُّنيا، أبو الحسن علي بنُ أحمد بن عبدِ الواحد، الفخرُ بنُ البخاريِّ السَّعْدي، المقدسيُّ الصالحيُّ، الحنبليُّ. طالَ عمُره، ورحلَ الطلبةُ إليه من البلاد، وأَلْحَقَ الأسباطَ بالأجدادِ في عُلوِّ الإسناد، وقد تفرَّد في الدنيا بالرواية العالية. قال الذهبيُّ: قال شيخُنا ابنُ تيميةَ: ينشرِحُ صَدْري إذا أدخلتُ ابنَ ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (8/ 209)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 109)، و"العبر" للذهبي (5/ 265)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (13/ 235).

مشاهير تلاميذته

البخاريِّ بيني وبينَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث. توفي سنة (690 هـ) (¬1). * * * * مشاهير تلاميذته: 1 - نجمُ الدِّين بنُ الرِّفْعة الشافعيُّ: الإمامُ العلَّامة، أحمدُ بنُ محمدِ ابنِ عليِّ بن مُرْتفع، أبو العباس المِصْريُّ الشافعيُّ، حاملُ لواء الشافعية في زمانه، كان فقيهًا فاضلًا، وإمامًا في عُلوم كثيرة، وقد أثنى عليه الإمامُ ابنُ دقيق، وكان يُعظِّمه، ويقول له إذا خاطبه: يا فقيه. وله تصانيفٌ لِطاف؛ منها: "المَطْلب في شرح الوسيط" وهو أعجوبةٌ في كثرةِ النُّصوص والمَباحث، ومنها: "الكِفاية في شرح التنبيه" وقد فاقَ به على الشروحِ السابقة. توفي سنة (710 هـ) رحمه اللَّه تعالى (¬2). 2 - ابنُ سَيِّد النَّاسِ: الحافظُ العلامة المُتفنِّنُ، والأديبُ المشهورُ، محمدُ بنُ محمدِ بنِ محمد بن أحمدَ، أبو الفتح، فتحُ الدِّين اليَعْمُريُّ الشافعيُّ. ¬

_ (¬1) انظر: "العبر" للذهبي (5/ 368)، و"الوافي بالوفات" للصفدي (20/ 121)، و"المقصد الأرشد" لابن مفلح (2/ 210)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (5/ 414). (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 24)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (14/ 60)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (1/ 336)، و"مرآة الجنان" لليافعي (4/ 249)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 22)، و"البدر الطالع" للشوكاني (1/ 115).

لازمَ ابنَ دقيقٍ، وتخرَّجَ عليه في أصول الفقه، وأعادَ عِنده، وكان يحبُّه ويُؤْثِرُه، ويسمعُ كلامَه ويُثْني عليه، وَيرْكَنُ إلى نقَله، قال عمادُ الدِّين بن القَيْسَراني: كانَ ابنُ دقيق إذا حَضَرْنًا درسَه، وجاء ذكرُ أحدٍ من الصحابة والرجال قال: أَيش ترجمة هذا يا أبا الفتح؟ فيأخذُ في الكلام ويَسْرُد، والناسُ سكوتٌ، والشيخُ مُصْغٍ إلى ما يقول. قال الأُدفُوي: وشَرَعَ لشرح التِّرمذي، ولو اقتصرَ فيه على فنِّ الحديث من الكلام على الأسانيد لكَمُل، لكنه قَصَدَ أنْ يتبع شيخَه ابنَ دقيق العيد، فوقَفَ دونَ ما يُريد. توفي سنة (734 هـ) (¬1). 3 - قطبُ الدِّين الحلبيُّ: الحافظُ المُتقن المُقْرِئ المُجِيد، عبدُ الكريمِ بنُ عبدِ النور بن مُنيِّر، أبو عليٍّ الحلبيُّ ثم المِصْري، مُفيد الديارِ المِصْرية، كانَ كَيِّسًا متواضعًا، غزيرَ المعرفة، متقنًا لِمَا يقول. شرحَ سيرةَ عبدِ الغني، وشرح معظمَ صحيحِ البُخاري. توفي سنة (735 هـ) (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 268)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (2/ 295)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 476)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (1/ 219)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 523)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 108). (¬2) انظر: "المعجم المختص" للذهبي (ص: 106)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (3/ 198)، و"طبقات الحنفية" لابن أبي الوفاء (ص: 325)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 523)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 110).

4 - المِزِّيُّ: الإمامُ العلامةُ، الحافظُ الكَبير، وعُمْدَةُ الحُفَّاظ، أُعجوبةُ الزمانِ، أبو الحجاجِ يوسفُ بنُ عبدِ الرحمن بن يوسف المِزِّيُّ الشافعيُّ. قال الذهبيُّ: كان خاتمةَ الحُفَّاظِ، وناقدَ الأسانيدِ والألفاظ، وهو صاحبُ مُعْضِلاتِنا، ومُوضحُ مُشْكِلاتِنا، وكان مُحِبًّا للآثار، مُعَظِّمًا لطريقة السَّلَف. وله تصانيفُ تدلُّ على سَعَةِ علمه، وحُسْنِ معرفته، ولو لم يكن له إلا "تهذيب الكمال" لَكَفاه. توفي سنة (742 هـ) (¬1). 5 - الذَّهبيُّ: الحافظُ الكبيرُ، مؤرِّخُ الإسلام، محمدُ بنُ أحمدَ بنِ عثمانَ بنِ قايماز التُّركماني الدمشقيُّ، كان علامةَ زمانِه في الرجال وأحوالِهم، حَديدُ الفَهْم، ثاقبُ الذِّهن، جَمَعَ "تاريخ الإسلام" فأربى فيه على مَنْ تَقَدَّم بتحرير أخبارِ المُحدِّثين خصوصًا، واختصر منه مختصراتٍ كثيرةً منها: "العِبر"، و"سير أعلام النبلاء"، و"تَذْكرة الحفاظ"، و"طبقات القراء"، وغيرُ ذلك. توفي سنة (748 هـ) (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (10/ 395)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (6/ 228)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 521)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 136). (¬2) انظر: "المعجم المختص" له (ص: 71)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 100)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 66)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (2/ 114)، و"طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 521).

تصانيفه

* تصانيفه: صنَّف الإمامُ ابنُ دقيق العيد التصانيفَ البديعةَ المُفيدة، الدالَّةَ على سَعَة عِلمه، أتى فيها بكثيرٍ من الفُروعِ الغَريبة، والوجوهِ والأقاويل، مما ليس في كثيرٍ من المبسوطات، ولا يَعْرِفُهُ كثيرٌ من النَّقَلة (¬1)، ومن أشهر هذه المؤلفات: 1 - "الإمام في معرفة أحاديث الأحكام": وهو كتابٌ لا نظيرَ له في جَمْعِ طُرُقِ الحديثِ على الأبواب الفقهيَّة، وجمعِ شواهده، وشَرْحِ غَريبهِ، وضَبْطِ مُشْكِله. قال عنه مؤلِّفُه رحمه اللَّه: ما وقفتُ على كتابٍ من كتبِ الحديثِ وعلومِه المتعلِّقة به، سُبِقْتُ بتأليفه وانتهى إليَّ، إلا وأودعتُ منه فائدةً في هذا الكتاب، إلا ما كان مِنْ كتاب "التاريخ الكبير" للإمام أبي عمرَ الصَّدَفي، فإني لَمْ أره (¬2). وقال عنه أيضًا: أنا جازمٌ أنَّه ما وُضعَ في هذا الفنِّ مثلُه (¬3). وقال عنه شيخُ الإسلام ابن تَيميَّة: هو كتابُ الإسلامِ. وقال أيضًا: ما عَمِلَ أحدٌ مثلَه، ولا الحافظُ الضِّياء، ولا جَدِّي أبو البركات (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 581). (¬2) انظر: "ملء العيبة" لابن رُشيد (3/ 260). (¬3) "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 575). (¬4) المرجع السابق، (ص: 575 - 576).

وقال عنه تاجُ الدَّين السُّبكي: ومن مصنفاته: كتابُ "الإمام" في الحديث، وهو جليلٌ حافل، لم يُصنَّفْ مثلُه (¬1). ويقال: إنَّ أكثرَ الكتابِ قد عُدِم -حَسَدًا- بعده، ولم يبقَ منه إلا الجزءُ الأول مِنَ الطهارة. ويقال: إنَّ ابنَ دقيق لم يبيِّضْ منه إلا القطعةَ الموجودةَ بين يَدَي الناس. قال الأُدفُوي: لو كَمُلَتْ نسختُه في الوجود، لأغنتْ عَنْ كلِّ مُصنَّف في ذلك موجود (¬2) 2 - "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام": وهو مِنْ أجلِّ شُروح "عمدة الأحكام" للحافظ عبد الغنيِّ المَقْدسي، إنْ لم يكن أجلَّها على الإطلاق؛ لِمَا اشتملَ عليه من مباحثَ دقيقةٍ، واستنباطاتٍ عجيبةٍ. قال الأُدفُوي: ولو لم يكنْ له إلا ما أملاهُ على "العمدة"، لكان عمدةً في الشهادة بفضْلِه، والحكمِ بعلوِّ منزلتِه في العِلْم ونُبْلِه (¬3). وقال ابن فرحون: أبانَ فيه عن عِلْمٍ واسع، وذهنٍ ثاقب، ورُسوخٍ في العلم (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 212). (¬2) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 575). هذا وقد اضطلع الشيخ الفاضل سعد ابن عبد اللَّه آل حميد بأعباء تحقيقه، وأخرج القطعة الموجودة منه في أربع مجلدات. (¬3) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 575). (¬4) انظر: "الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 325).

3 - "شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه": وقد شَرحَهُ شرحًا عظيمًا، حتى قال الحافظُ قطبُ الدِّين الحلبيُّ: لم أرَ في كُتُبِ الفقه مثلَه (¬1)، قال فيه في مقدِّمته: وحُقَّ أن نشرحَ هذا الكتابَ شرحًا يُعِين الناظرينَ على فكِّ لفظِه، وفَهْمِ معانيه على وجهٍ يَسْهُلُ للماهر مساغُه وذوقُه، ويرفعُ القاصدَ فَيُلْحِقه بدرجة مَنْ هو فوقَه، ويَسْلُك سبيلَ معرفتِه ذُلُلًا، ويُدْرِكُ به ناظرُه من وضوحه أَمَلًا (¬2). قال ابن فرحون: ذكر لي شيخُنا أبو عبد اللَّه بن مَرزوق: أنَّه بلغهُ أنَّ الشيخَ تقيَّ الدين وصل في شرح ابن الحاجب إلى كتاب الحج. والذي وقع لي منه إلى آخِر التيمُّم، وأظنُّه بلغَ إلى كتاب الصلاة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: "تذكرة الحفاظ" للذهبي (4/ 1482). (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 237). وقد أثبت السبكي خطبة ومقدمة الإمام ابن دقيق لكتابه هذا، وفيها تظهر المَلَكة الأدبية والعلمية لهذا الإمام، وهي حقيقة بالقراءة والمطالعة، فلتنظر في موضعها للإفادة منها. (¬3) انظر: "الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 325). وللإمام ابن دقيق رحمه اللَّه غير ذلك من المؤلفات النافعة، فمن أراد الوقوف على أسماء مؤلفاته مجموعة، فلينظر مقدمة الدكتور عامر حسن صبري لكتاب "الاقتراح"، واللَّه ولي التوفيق.

ثناء الأئمة والعلماء عليه

* ثناء الأئمة والعلماء عليه: 1 - قال البِرْزالي: مُجْمَعٌ على غَزارة علمه، وجَودةِ ذِهْنه، وتفنُّنه في العلوم، وهو خبيرٌ بصناعة الحديث، عالمٌ بالأسماء والمتون واللغاتِ والرجال، وله اليدُ الطُّولى في الأَصْلين والعربيةِ والأدب (¬1). 2 - قال ابن الزَّمَلْكَاني: إمامُ الأئمةِ في فنِّه، وعَلَّامة العلماء في عَصره، بل ولم يكن مِنْ قَبلهِ مِنْ سنينَ مثلُه في العلم والدين والزهد والورع، تفرَّد في علوم كثيرة، وكان يَعْرِف التفسير والحديث، وكان يحقِّق المذهبين تحقيقًا عظيمًا، ويَعْرِفُ الأصلين والنحو واللغة، وإليه النهايةُ في التحقيق والتَّدقيق والغَوص على المعاني، أقرَّ له المُوافقُ والمخالف، وعظَّمَتْهُ الملوك، وكان صحيحَ الاعتقاد، قويًّا في ذات اللَّه، وليس الخبرُ كالعِيَان (¬2). 3 - قال ابنُ سَيِّدِ النَّاس: لم أرَ مثلَه فيمن رأيت، ولا حَمَلْتُ عن أجلَّ منه فيما رأيتُ ورَويت، وكان للعلومِ جامعًا، وفي فنونها بارعًا، مُقدَّمًا في معرفة عللِ الحديث على أقرانه، منفردًا بهذا الفنِّ النَّفيس في زمانه، بصيرًا بذلك، سَديدَ النظرِ في تلك المسالك، بأذكى ألمعيَّة، وأزكى لَوذعيَّة، لا يُشَق له غُبار، ولا يَجْري معه سواه في مِضْمار، وكان حسنَ الاستنباطِ للأحكام والمعاني من السنَّة والكتاب، وفكر يفتح له ما يَسْتَغْلِقُ على غيره من الأبواب، مستعينًا على ذلك بما رواه من العلوم، مُسْتبينًا ما ¬

_ (¬1) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 349). (¬2) المرجع السابق، (5/ 350).

هنالك بما حواه مِنْ مدارك الفُهوم، مُبَرِّزًا في العلوم النَّقلية والعقلية، والمسالكِ الأثريَّة، والمَدارك النظرية (¬1). 4 - قال قطبُ الدِّين الحلبيُّ: كان ممن فاقَ بالعلم والزهد، عارفًا بالمذهبين، إمامًا في الأَصلين، حافظًا في الحديث وعلومِه، يُضْربُ به المَثَلُ في ذلك، وكان آية في الإتقانِ والتحرِّي، شديدَ الخَوف، دائمَ الذِّكر (¬2). 5 - قال الذَّهبيُّ: قاضي القضاة، شيخُ الإسلامِ، كان إمامًا عديمَ النَّظير، ثخينَ الورعِ، متينَ الدِّيانة، متبحرًا في العلوم، قلَّ أن تَرى العيونُ مثلَه (¬3). وقال أيضًا: الإمامُ الفقيهُ المجتهدُ، المحدِّث الحافظ العلامة، شيخُ الإسلام (¬4). 6 - قال الأُدفُوي: الشيخُ الإمام، علَّامة العلماء الأعلام، وراويةُ فنونِ الجاهلية وعلومِ الإسلام، ذو العلومِ الشرعيَّة، والفضائل العقليَّة، والفنونِ الأدبية، والباعِ الواسع في استنباط المسائل، والأجوبةِ الشَّافية لكلِّ ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 207)، و"الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 569). (¬2) انظر: "تذكرة الحفاظ" للذهبي (4/ 1482)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 349). (¬3) انظر: "المعجم المختص" للذهبي (ص: 168). (¬4) انظر: "تذكرة الحفاظ" للذهبي (4/ 1481).

سائل، والاعتراضاتِ الصَّحيحة التي يجعلُها الباحثُ لتقرير الإشكالاتِ وسائل، والخُطَبِ الصَّادعة الفصيحة البليغة التي تُستفاد منها الرسائل (¬1). 7 - قال تاج الدين السُّبْكيُّ: الشيخُ الإمام، شيخ الإسلام، الحافظُ الزاهد الوَرِعُ النَّاسك، المجتهدُ المُطْلَق، ذو الخبرةِ التامة بعلوم الشريعة، الجامعُ بين العلم والدين (¬2). 8 - قال ابنُ كثير: الشيخُ الإمامُ العالمُ العلَّامة الحافظ، قاضي القضاة، انتهتْ إليه رِياسةُ العلمِ في زمانه، وفاقَ أقرانَه، ورَحَلَ إليه الطَّلبةُ (¬3). 9 - قال الصَّفَدِي: الشيخُ الإمامُ العَلَّامة، شيخُ الإسلام، أحدُ الأعلام، قاضي القُضاة، كان إمامًا متفنِّنا مُحَدِّثًا مُجوِّدًا، فقيهًا مدقِّقًا أصوليًا، أديبًا نَحويًا شاعرًا ناثرًا، ذكيًّا، غوَّاصًا على المعاني، مجتهدًا، قلَّ أنْ تَرى العيونُ مثلَه (¬4). 10 - قال ابنُ ناصر الدِّين الدمشقيُّ: الحافظُ العلامة الإمام، أحدُ شيوخِ الإسلام، كان إمامًا حافظًا فقيهًا مالكيًا شافعيًّا، ليس له نظير، وكان آيةً في الإتقان والتحري والتحرير (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: "الطالع السعيد" للأدفوي (ص: 568). (¬2) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 207). (¬3) انظر: "البداية والنهاية" لابن كثير (14/ 27). (¬4) انظر: "الوافي بالوفيات" للصفدي (4/ 137). (¬5) انظر: "التبيان لبديعة البيان" لابن ناصر الدين (3/ 1438).

وفاته

11 - قال السُّيوطي: الإمامُ الفقيه الحافظ، المحدِّثُ العَلَّامة، المجتهدُ، شيخُ الإسلام (¬1). * * * * وفاته: ومازال -رحمه اللَّه- في عِلْمٍ يرفعُه، وتصنيفٍ يَضعُه، ومرويٍّ يُسْمِعُه، حتى وافتهُ المَنيَّة بالقاهرة المَحْمِيَّة بإِذنه تعالى، يومَ الجمعةِ مِنْ شهر صَفَر سنةَ (702 هـ). ودُفن من يوم السبتِ بسَفْحِ المُقَطَّم، وكان ذلك يومًا مشهودًا، عزيزًا مثلُه في الوجود، سارَعَ الناسُ إليه، ووقَفَ جيشٌ يَنتظرُ الصلاةَ عليه، ورثاهُ جماعةُ من الفضلاء والأدباء، رحمه اللَّه تعالى. * * * ¬

_ (¬1) انظر: "طبقات الحفاظ" للسيوطي (ص: 516)

ترجمة الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي

تَرجَمَة الحَافِظِ شَمْسِ الدِّين بْنِ عَبْدِ الهَادِي (¬1) هو محمَّد بنُ أحمدَ بنِ عبد الهادي بنِ عبد الحميد بن عبد الهادي بنِ يوسفَ بن محمَّد بن قُدامةَ المقدسيُّ، الجَمَّاعِيليُّ الأصلِ، ثمّ الصَّالحيُّ، ¬

_ (¬1) هذه الترجمة منقولة من ترجمة الحافظ ابن رجب الحنبلي له في كتابه "ذيل طبقات الحنابلة" (5/ 115 - 123). وانظر ترجمته وأخباره في: "تذكرة الحفاظ" (4/ 1558)، و"المعجم المختص" كلاهما للذهبي (ص: 215)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (14/ 210)، و"الوافي بالوفيات" (2/ 161)، و"أعيان العصر" كلاهما للصفدي (4/ 274)، و"الرد الوافر" لابن ناصر الدين الدمشقي (ص: 29)، و"الدرر الكامنة" لابن حجر (5/ 61)، و"تاريخ ابن قاضي شُهبة" (2/ 394)، و"المقصد الأرشد" لابن مفلح (2/ 365)، و"طبقات الحفاظ" (ص: 524)، و"بغية الوعاة" كلاهما للسيوطي (1/ 29)، و"طبقات المفسرين" للداودي (2/ 83)، و"المنهج الأحمد" للعليمي (5/ 77)، و"كشف الظنون" لحاجي خليفة (1/ 158، 406 - 407، 2/ 1111)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (6/ 141)، و"البدر الطالع" للشوكاني (2/ 108)، و"هدية العارفين" للبغدادي (6/ 151)، و"أبجد العلوم" لصديق حسن خان (3/ 154)، و"الأعلام" للزركلي (5/ 326)، و"معجم المؤلفين" لكحالة (8/ 287).

المُقرِئ، الفقيه، المحدِّث، الحافظ، النَّاقد، النَّحَويُّ، المتفنِّن، شمسُ الدِّين، أبو عبد اللَّه بنُ العماد أبي العبَّاس. وُلد في رجب سنةَ أربع وسبع مئة، وقرأ بالرِّوايات، وسَمِعَ الكثير من القاضي أبي الفضل سليمانَ بنِ حمزةَ، وأبي بكر بن عبد الدَّائم، وعيسى المُطَعِّم، والحَجَّار، وزينب بنت الكمال، وخَلْقٍ كثير. وعُني بالحديث وفنونه، ومعرفة الرِّجال والعلل، وبَرَعَ في ذلك، وتفقَّه في المذهب، وأفتى، وقرأ الأصلَين والعربيَّة، وبرعَ فيها. ولازم الشَّيخ تقيَّ الدِّينِ بنَ تيميَّةَ مدَّةً، وقرأ عليه قطعة من "الأربعين في أصول الدِّين" للرَّازي، قرأ الفقه على الشيخ مجد الدِّين الحَرَّانيِّ، ولازم أبا الحجَّاج المِزِّيَّ الحافظَ حتَّى برع عليه في الرجال، وأخذ عن الذَّهبيِّ وغيره. وقد ذكره الذهبيُّ في "طبقات الحفاظ"، قال: ولد سنة خمس -أو ست وسبع مئة- واعتنى بالرجال والعلل، وبرعَ، وجَمَعَ، وتصدَّى للإفادة والاشتغال في القراءة والحديث، والفقه، والأصلَين، والنحو، وله توسُّع في العلوم، وذهن سَيَّال. وذكره في "معجمه المُختص"، وقال: عُني بفنون الحديث، ومعرفة رجاله، وذهنُه مَلِيح، وله عدّة محفوظات وتآليف، وتعاليق مفيدة، كتب عنِّي واستفدتُ منه، قال: وقد سمعتُ منه حديثًا يوم درسه بـ "الصّدريّة"، ثمَّ قال: أنا المِزِّيُّ إجازة، أنا أبو عبد اللَّه السُّرُوجِيُّ، أنا ابنُ عبد الهادي، فذكر حديثًا، هذا لفظه.

دَرَّس ابنُ عبد الهادي بـ "الصَّدرية"، درس الحديث، وبغيرها بـ "السَّفح"، وكتب بخطِّه الحسن المُتقن الكثيرَ، وصنَّف تصانيف كثيرةً بعضها كَمُلَتْ وبعضها لم يُكْمِلْه؛ لهجومِ المَنيَّةِ عليه في سِنِّ الأربعين. فمن تصانيفه: 1 - "تَنقيح التحقيق في أحاديث التعليق" لابن الجوزي، مجلدان. 2 - "الأحكام الكبرى" المرتَّبة على أحكام الحافظ الضياء، كمل منها سبع مجلدات. 3 - "الردُّ على أبي بكر الخطيب الحافظ في مسألة الجهر بالبسملة"، مجلد. 4 - "المُحرَّر في الأحكام"، مجلد. 5 - "فصل النزاع بين الخصوم في الكلام على أحاديث: أفطر الحاجم والمحجوم"، مجلد لطيف. 6 - "الكلام على أحاديث مسِّ الذَّكر"، كبير. 7 - "الكلام على أحاديث البحر: هو الطَّهور ماؤه"، جزء. 8 - "الكلام على حديث أبي سفيان: "ثلاث أُعْطِيتَهُنَّ يا رسول اللَّه"، والرّدّ على ابن حزم في قوله: إنه موضوع". 9 - كتاب "العمدة في الحُفاظ"، كمل منه مجلدان. 10 - "تعليقة في الثقات"، كمل منه مجلدان. 11 - "الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب"، مختصر ومُطَوَّل.

12 - "الكلام على أحاديث كثيرة فيها ضعف من المستدرك للحاكم". 13 - "أحاديث الصلاة على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-"، جزء. 14 - "منتقى من مختصر المختصر لابن خزيمة"، ومناقشته على أحاديث أخرجها فيه، فيها مقال، مجلد. 15 - "الكلام على أحاديث الزِّيارة"، جزء. 16 - "مصنَّف في الزّيارة"، مجلد (¬1). 17 - "الكلام على أحاديث محلّل السِّباق"، جزء. 18 - "جزء في مسافة القصر". 19 - "جزء في قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} الآية". 20 - "جزء في أحاديث الجمع بين الصلاتين في الحضر". 21 - "الإعلام في ذكر مشايخ الأئمّة الأعلام أصحاب الكتب السِّتة"، عدة أجزاء. 22 - "الكلام على حديث: الطَّواف بالبيت صلاة". 23 - "جزء كبير في مولد النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-". 24 - "تعليقة على سنن البيهقي الكبرى"، كَمُل منها مجلدان. 25 - "جزء كبير في المعجزات والكرامات". 26 - "جزء في تحريم الرِّبا". ¬

_ (¬1) وهو المشهور بـ "الصَّارم المُنْكي في الرَّد على السّبكي".

27 - "جزء في تملُّك الأب من مال ولده ما شاء". 28 - "جزء في العقيقة". 29 - "جزء في الأكل من الثِّمار التي لا حائطَ عليها". 30 - "الرّدّ على إِلْكِيَا الهَرَّاسيِّ"، جزء كبير. 31 - "ترجمة الشيخ تقي الدِّين بن تيميَّة" (¬1)، مجلد. 32 - "منتقى من تهذيب الكمال للمزِّي"، كمل منه خمسة أجزاء. 33 - "إقامة البرهان على عدم وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان"، جزء. 34 - "جزء في فضائل الحسن البَصْري -رضي اللَّه عنه-". 35 - "جزء في حَجْب الأمِّ بالإخوة" وأنها تُحجب بدون ثلاثة. 36 - "جزء في الصَّبر". 37 - "جزء في فضائل الشام". 38 - "صلاة التَّراويح"، جزء كبير. 39 - "الكلام على أحاديث لبس الخُفَّين للمُحْرِم". 40 - "جزء في صفة الجنَّة". 41 - "جزء في المراسيل". 42 - "جزء في مسألة الجَدِّ والإخوة". ¬

_ (¬1) هو المعروف بـ "العقود الدُّريَّة من مناقب شيخ الإسلام ابن تيميّة".

43 - "منتخب من مسند الإمام أحمد"، مجلدان. 44 - "منتخب من سنن البيهقي"، مجلد. 45 - "منتخب من سنن أبي داود"، مجلد لطيف. 46 - "تعليقة على التَّسهيل في النَّحو"، كمل منه مجلدان. 47 - "جزء في الكلام على حديث: أَفرضُكُم زيد". 48 - "أحاديث حياة الأنبياء في قبورهم"، جزء. 49 - "تعليقة على العلل لابن أبي حاتم"، كمل منها مجلدان. 50 - "تعليقة على الأحكام لأبي البركات بن تيمية"، لم تكمل. 51 - "منتقى من علل الدَّارقطني" مجلد. 52 - "جزء في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر". 53 - "شرح لامية ابن مالك"، جزء. 54 - "ما أُخِذَ على تصانيف أبي عبد اللَّه الذَّهبي الحافظ شيخه"، عدة أجزاء. 55 - "حواشٍ على كتاب الإلمام". 56 - "جزء في الرَّدِّ على أبي حَيَّان النَّحَوي فيما ردَّه على ابن مالك وأخطأ فيه". 57 - "جزء في اجتماع الضَّميرين". 58 - "جزء في تحقيق الهمز والإبدال في القراءات". وله ردٌّ على ابن طاهر و"ابن دِحْية" وغيرهما، وتعاليق كثيرة في الفقه

وأصوله والحديث، ومنتخبات كثيرة في أنواع العلم (¬1). وحَدَّث بشيء من مسموعاته، وسمع منه غير واحد، وقد سمعتُ من أبيه، فإنَّه عاشَ بعده نحو عشر سنين. توفي الحافظ أبو عبد اللَّه في عاشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وسبع مئة، ودفن بـ "سفح قاسيون"، وشَيَّعه خلقٌ كثير، وتأسَّفوا عليه، ورُئِيت له منامات حَسَنة رحمه اللَّه تعالى. * * * ¬

_ (¬1) ومن مؤلفات الإمام ابن عبد الهادي التي ذكرها ابن قاضي شُهبة في "تاريخه" (2/ 396): - "الكافي في الجرح والتعديل"، مجلدان، كمل الأول. - "منتخب من تفسير ابن أبي حاتم"، لم يكمل. - "مختصر روض الأُنف" في عدة أجزاء، مفيد. - "مناقب الأئمة الأربعة -رضي اللَّه عنهم-"، مجلد صغير مفيد. وله أيضًا: - "طبقات علوم الحديث"، وقد طبع في أربع مجلدات.

صُوَر المَخْطُوطَات

صورة غلاف النسخة الخطية لمكتبة كوبريلي، ويظهر عليها عدة تكلمات

صورة اللوحة الأولى من النسخة الخطية لمكتبة كوبريلي

صورة اللوحة الأخيرة من النسخة الخطية لمكتبة كوبريلي

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ للَّهِ مُنزِلِ الشرائعِ والأحكامِ، ومُفصلِ الحلالِ والحرامِ، والهادي مَن اتبعَ رضوانَه سُبُلَ السلامِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ توحيدًا هو في التقرير (¬1) مُحكَمُ النظامِ، وفي الإخلاص وافرُ الأقسامِ، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، الذي أرسلَه رحمةً للأنامِ، فعليه منه أفضلُ صلاةٍ وأكملُ سلامٍ، ثم على آله الطيِّبين الكِرَامِ، وأصحابِه نجومِ أهلِ الهُدى الأعلامِ. وبعدُ: فهذا مختصرٌ في علمِ الحديثِ، تأمَّلتُ مقصودَه تأمُّلًا، ولم أَدْعُ الأحاديثَ إليه الجَفَلى (¬2)، ولا أَلوتُ في وضعِه مُحرِّرًا، ولا أَبرزتُه كيفَ اتَّفقَ تهوُّرًا، فمَن فَهِمَ مَغزَاه شدَّ عليه يدَ الضَّنَانة (*)، وأنزلَه مِن قلبِه ¬

_ (*) البخل. (¬1) جاء على هامش الأصل: "التحرير"، إشارة إلى أنها في نسخة كذا. (¬2) يقال: دعا فلان الجَفَلَى -بالجيم المفتوحة، والفاء المفتوحة أيضًا، مقصور الألف-: إذا عمَّ بدعوته ولم يخصَّ قومًا دون قوم.

وتعظيمِه الأَعزَّينِ مكانًا ومكانةً، وسَمَّيتُه بكتاب: "الإِلمامِ بِأَحَادِيثِ الأَحْكَامِ" وشَرطِي فيه أن لا أُوردَ إلا حديثَ مَن وثَّقَه إمامٌ مِن مُزكَّى رواةِ الأخبارِ، وكان صحيحًا على طريقةِ بعضِ أهلِ الحديثِ الحُفَّاظِ، أو أئمَّةِ الفقهِ النُّظَّارِ؛ فإن لكلِّ منهم مغزًى قَصَدَه وسَلَكَه، وطريقًا أَعرضَ عنه وتَرَكَه، وفي كلٍّ خيرٌ. واللهُ تعالى يَنفعُ به دُنْيا ودِيْنا، ويجعله نورًا يسعى بين أيدينا، ويَفتحُ لدارِسِيه فيه حفظًا وفهمًا، ويُبلِّغُنا وإيَّاهم ببركتِه منزلةً من كرامتِه عُظمَى، إنه الفتَّاحُ العليمُ، الغنيُّ الكريمُ. * * *

[1] كتاب الطهارة

[1] كتاب الطهارة

[1] كتاب الطهارة 1 - عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إنَّا نرَكبُ البحرَ، ونَحمِلُ معنا القليلَ مِنَ الماءِ، فإنْ توضَّأْنا به عَطِشْنَا، أفنتَوضَّأ من ماءِ البحرِ؟ فقال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيتَتُهُ". أخرجه الأربعة: أبو داود، والتِّرْمِذي، والنَّسائي، وابن ماجه، وصحَّحه التِّرْمِذي، وأخرجه ابنُ خزيمةَ في "صحيحه"، ورجَّح ابنُ مَندَه -أيضًا- صحتَه (¬1). 2 - وعنه: أنه سمع رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يَبُولَنَّ أحدُكُمْ فِي الماءِ الدائمِ، ثم يَغتَسِلْ فِيهِ". لفظ مسلم (*) (¬2). 3 - وروى محمدُ بنُ عَجْلانَ، قال: سمعتُ أبي يحدث عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَبُولَنَّ أحدُكُمْ فِي الماءِ الدائمِ، ¬

_ (*) وهو عند الباقين بمعناه. (¬1) رواه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (59)، وابن ماجه (386)، وابن خزيمة (111). (¬2) رواه مسلم (282/ 95).

ولا يَغتَسِلْ فيه مِنَ الجَنابةِ". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 4 - وروى مسلمٌ من حديث أبي السَّائب مولى هشام بن زُهرةَ: أنه سمع أبا هريرةَ يقول: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَغتسِلُ أحدُكُمْ في الماءِ الدائمِ وهو جُنُبٌ" فقال: كيف يفعل يا أبا هريرةَ؟ قال: يَتناولُه تَناوُلًا (**) (¬2). 5 - رَوى سِمَاك بن حَرْبٍ، عن عِكرمةَ، عن ابن عباس قال: اغتسلَ بعضُ أزواجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في جَفنةٍ، فجاء النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليَتوضَّأَ منها أو يَغتسلَ، فقالت له: يا رسولَ اللَّه! إني كنتُ جُنُبًا، قال: "إنَّ الماءَ لا يَجْنُبُ". لفظ رواية أبي داود، وأخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (...) (¬3). 6 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وَقَعَ الذُّبابُ في شرابِ أحدِكُم فَلْيَغْمِسْه ثم لِيَنْرِعْه؛ فإنَّ في أحدِ جناحَيه داءً، والآخرِ شِفاءً". أخرجه البُخاري (****) (¬4). ¬

_ (*) رجالُه احتجَّ بهم مسلم. (**) وأخرجه ابن ماجه، وللنَّسائي بعضُه. (...) احتجَّ البُخاريُّ بعِكرمةَ، ومسلمٌ بسِمَاك. (****) وأبو داود وابن ماجه. (¬1) رواه أبو داود (70). (¬2) رواه مسلم (283). (¬3) رواه أبو داود (68)، والترمذي (65). (¬4) رواه البخاري (3142).

7 - وعنه مِن رواية محمدِ بن سِيرينَ قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طَهُورُ إناءِ أحدِكُم إذا وَلَغَ فيه الكلبُ أن يَغْسِلَه سبعَ مراتٍ، أُولاهُنَّ بالترابِ". أخرجه مسلم (*) (¬1). 8 - وفي رواية عليِّ بن مُسْهِر عند مسلم (**) عنِ الأعمش، عن أبي رَزِينٍ (...) وأبي صالح، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناءِ أحدِكُم فَلْيُرِقْهُ (****)، ثم لِيَغْسِلْهُ سبعَ مراتٍ" (¬2). 9 - وروى التِّرْمِذيُّ من حديث المُعْتَمِر بن سليمانَ، عن أيوبَ، عن محمدِ بنِ سِيرينَ، عن أبي هريرةَ: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُغسَلُ الإناءُ إذا وَلَغَ فيه الكلبُ سبعَ مراتٍ، أُولاهُنَّ أو أُخراهُنَّ بالترابِ، فإذا وَلَغَتْ فيه الهِرَّةُ غُسِلَ مرَّةً". ¬

_ (*) وأبو داود. (**) والنَّسائي وابن حِبَّان. (...) أبو رَزِين: هو الأَسَديُّ، واسمه مسعودُ بنُ مالك، رَوى له (م) و (4). (****) قال النسائي: أنبأ علي بن حجر، أنبأ علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وَلَغَ الكلبُ في إناءِ أحدِكُم فَلْيُرِقْهُ، ثم لِيَغْسِلْهُ سبعَ مراتٍ". قال النَّسائي: لا أعلمُ أحدًا تابَعَ عليَّ بنَ مُسهِر على قوله: "فليرقه"، كذا قال (س)، وقد رواه (م) عن محمد بن الصَّبَّاح، عن إسماعيلَ بنِ زكريا، عنِ الأعمش، واللَّه أعلم، لم يقلْ (م) في رواية إسماعيل: "فَلْيُرِقْه"، فصحَّ قولُ (س). (¬1) رواه مسلم (279/ 91 - 92). (¬2) رواه مسلم (279/ 89).

وصحَّحه التِّرْمِذي، وقد اختُلف فى رفعه (*) (¬1). 10 - وروى مالكٌ من حديث كَبشَةَ ابنةِ كعبِ بن مالك، وكانت تحتَ ابن أبي قَتادة (¬2): أن أبا قتادةَ دخلَ عليها، فسكبَتْ له وَضوءًا، فجاءت هِرَّةٌ لتَشربَ منه، فأَصغَى (¬3) لها الإناءَ حتى شَرِبَتْ، قالت كَبشةُ: فرآني أنظرُ إليه، فقال: أتَعجبينَ يا ابنةَ أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنها ليسَتْ بنَجَسٍ، إنما هي من الطَّوَّافينَ عليكم أو الطَّوَّافَاتِ". وأخرجه الأربعةُ وابنُ خُزيمةَ وابن حبَّان في "صحيحَيهما"، وصحَّحه التِّرْمِذي، وأما ابنُ مَنده فخالَفَ (¬4). 11 - وعن أنس بن مالك قال: جاء أعرابيٌّ فبَالَ في طائفة المسجد، فزجرَه الناسُ، فنهاهم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قَضَى بولَه، أمرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذَنُوبٍ (¬5) من ماءٍ فأُهرِيقَ عليه. لفظ روايةِ البُخاريِّ، وهو متفق عليه (¬6). * * * ¬

_ (*) رواه أبو داود موقوفًا، وهو الصواب فيما قيل، وقد رَواه قُرَّةُ بنُ خالد، عن محمد ابن سِيرينَ كذلك مرفوعًا أيضًا. قال الدَّارَقُطْني: ولم يُتابَعْ في "الهِرَّة". (¬1) رواه الترمذي (91). (¬2) كناية عن كونها زوجَته. (¬3) أي: أمال، والصَّغو: الميل. (¬4) رواه الإمام مالك (1/ 22)، وأبو داود (75)، والنسائي (68)، والترمذي (92)، وابن ماجه (367)، وابن خزيمة (104)، وابن حبان (1299). (¬5) الذَّنوب: الدَّلو الملأى ماء. (¬6) رواه البخاري (219)، ومسلم (284/ 99).

1 - باب الآنية

1 - باب الآنية 12 - عن معاويةَ بن سُويدٍ بن مُقَرِّن قال: دخلتُ على البراء بن عازب، فسمعته يقول: أمرَنا رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بسبعٍ، ونهَانا عن سبعٍ: أمرَنا بعيادةِ المريضِ، واتِّباعِ الجِنازةِ، وتَشْميتِ العاطسِ (¬1)، وإبرارِ القَسَمِ، أو: المُقسِمِ، ونصرِ المظلومِ، وإجابةِ الداعي (¬2)، وإفشاءِ السلامِ، ونَهَانا عن خواتيمِ، أو: عن تختُّم بالذهبِ، وعن شُربٍ بالفضةِ، وعن المَيَاثرِ (*)، وعن القَسِّيِّ (¬3)، وعن لُبْسِ الحريرِ والإستبرقِ (¬4) والدِّيباجِ. لفظ رواية مسلم في بعض وجوهه (**) (¬5). 13 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنهم كانوا عند حذيفةَ ¬

_ (*) الوجه فيه: المواثر، يقال: شيء وثير، أي: وطيء. (**) وهو عند الجماعةِ كلِّهم إلا أبا داود. (¬1) وهو الدعاء له بقولِ: يرحمك اللَّه. (¬2) والإجابة تنطلق على القول والفعل معًا. (¬3) ثوبٌ يحمل من مصر يخالطه الحرير. (¬4) هو غليظ الديباج، فارسيٌّ معرَّب. (¬5) رواه مسلم (2066).

فاسْتَسْقى (¬1)، فسقاه مَجوسيٌّ، فلما وَضَعَ القَدَحَ في يده رَمَى به (*)، وقال: لولا أني نهيتُه غيرَ مرةٍ ولا مرتين، كأنه يقول: لم أفعلْ هذا، ولكني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تَلبَسُوا الحريرَ ولا الدِّيباجَ، ولا تَشرَبُوا في آنيةِ الذهبِ ولا الفضةِ، ولا تأكلُوا في صِحَافِها؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرةِ". متفق عليه، ولفظ المتن للبُخاري (**) (¬2). 14 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيُّما إهابٍ (¬3) دُبِغَ فقد طَهُرَ". أخرجوه إلا البُخاري (¬4). 15 - وعن أبي ثَعلبةَ الخُشَنِيِّ -رضي اللَّه عنه- قال: أتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقلت: يا رسولَ اللَّه! إنَّا بأرضِ أهلِ الكتابِ، فنَأكلُ في آنيتِهم؟ وبأرضِ صيدٍ أَصيدُ بقوسي، وأَصيدُ بكلبيَ المُعلَّمِ وبكلبي الذي ليس بِمُعلَّمٍ؟ فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا مَا ذَكَرْتَ أنكم بأرضِ أهلِ الكتابِ، فلا تأكلوا في آنيتِهم إلا أن لا تجدوا بُدًّا، فإن لم تجدوا بُدًّا فاغسِلوا وكُلُوا، وأمَّا مَا ذكرْتَ أنكم بأرضِ صيدٍ، ¬

_ (*) وفي رواية: "رماه به"؛ وهو أصوب. (**) وهو في الجملة عند الجماعة كلهم. (¬1) أي: طلبَ منه السَّقي. (¬2) رواه البخاري (5110)، ومسلم (2067/ 5). (¬3) الإهاب: الجلد مطلقًا، وقيل: هو الجلد قبل أن يُدبغ. (¬4) رواه مسلم (366)، وأبو داود (4123)، والنسائي (4241)، والترمذي (1728)، وابن ماجه (3609).

فما صِدْتَ بقوسِك فاذكرِ اسمَ اللَّه وكُلْ، وما صِدْتَ بكلبِك المُعلَّمِ فاذكرِ اسمَ اللَّهِ وكُلْ، وما صدتَ بكلبِك الذي ليس بِمُعلَّم، فأدركتَ ذَكَاتَه (¬1)، فكُلْه". أخرجه البُخاري (¬2). 16 - وثبت من حديث عِمرانَ بن حُصينٍ -رضي اللَّه عنه- قال: كنَّا في سفرٍ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: ثم نزلَ فدعا بالوَضُوءِ فتوضَّأ، ونُودي بالصلاةِ فصلَّى بالناسِ، فلما انفتلَ من صلاتِه إذا هو برجلٍ معتزلٍ لم يصلِّ مع القومِ، فقال: "ما منعَك يا فلانُ أن تُصلِّيَ مع القومِ؟ " قال: أصابتْني جنابةٌ ولا ماءَ، قال: "عليكَ بالصعيدِ؛ فإنه يَكفيكَ". ثم سار النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاشتكى الناسُ إليه من العطشِ، فنزل فدعا فلانًا -كان يُسمِّيه أبو رجاء فَنَسِيَه عوفٌ- ودعا عليًّا فقال: "اذهبَا فابغيَا الماءَ". فانطلَقَا فتلقَّيَا امرأة بين مزادتَينِ، أو: سَطِيحتَينِ (¬3) من ماءٍ على بعيرٍ لها، قال: فقالا لها: أين الماءُ؟ فقالت: عَهْدي بالماءِ أمسِ هذه الساعةَ، ونَفَرُنا (¬4) خُلُوفٌ (*). قالا لها: انطلقي إذًا. وفيه: ودعا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإناءٍ، فأفرغَ فيه من أفواه المَزَادتَينِ، أو: ¬

_ (*) يعني: مسافرين. (¬1) أي: ذَبْحه. (¬2) رواه البخاري (5161)، ومسلم (1930). (¬3) المزادة والسَّطحية: الرَّاوية. (¬4) النَّفَر: عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة.

السَّطِيحتَينِ، وأَوْكَأَ أفواهَهما وأطلَقَ العَزَالِيَ (¬1)، ونُودي في الناسِ: أنِ اسقُوا واستَقُوا، فَسَقَى مَن سَقَى، واستَسقَى مَن شاء، وكان آخرَ ذلك: أن أَعْطى الذي أصابتْه الجَنابةُ إناءً من ذلك الماء، فقال: "اذْهَبْ فأَفرِغْهُ عليكَ". متفق عليه (¬2). 17 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللُّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان جُنْحُ الليلِ (¬3)، أو (¬4) أمسيتُم، فكُفُّوا صبيانَكم؛ فإنَّ الشياطينَ تنتشرُ حينَئذٍ، فإذا ذهبَ ساعةٌ من الليل فخَلُّوهم، وأَغْلِقُوا الأبوابَ، واذكروا اسمَ اللَّه؛ فإن الشياطينَ لا تفتحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوكُوا (¬5) قِرَبَكم، واذكروا اسمَ اللَّه، وخَمِّرُوا (¬6) آنيتكم، واذكُروا اسمَ اللَّه، ولو أن تَعْرُضُوا عليها شيئًا، وأطفِئوا مصابيحَكم". رواه البُخاري (¬7). * * * ¬

_ (¬1) العَزالي: جمع عزلاء، وهي عُروة المزادة يخرج منها الماء بسعة. (¬2) أخرجه البخاري (337)، ومسلم (682). (¬3) جنوح الليل: إقبالُه. (¬4) في الأصل: "إذا" ثم جاء تحتها: "أو" وكتب عندها "خ"، وهو الصواب والموافق لرواية الصحيح. (¬5) الوِكاء: الذي يُشد به رأس القِربة. (¬6) التخمير: التغطية، يقال: خَمَّر وجهه، وخمر إناءه. (¬7) رواه البخاري (5300)، ومسلم (2012).

2 - باب السواك

2 - باب السِّواك 18 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ". أخرجه النَّسائي، وابن حِبَّان في "صحيحه"، وأخرجه ابن خُزيمة بطريق أخرى في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك" (¬1). 19 - وروى مسلمٌ من حديث المِقْدام، وهو ابن شُريح، عن أبيه، عن عائشةَ: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دخلَ بيتَه يَبدأ (¬2) بالسِّواكِ (¬3). 20 - وروى جماعةٌ عن مالك، عن ابن شِهاب، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرةَ: أنه قال: لولا أنْ يَشقَّ على أمَّتِهِ، لأَمَرَهم بالسِّواكِ مع كلِّ وُضوءٍ (¬4). 21 - ورواه رَوح بن عُبادة، عن مالك، بسنده إلى أبي هريرةَ قال: قال ¬

_ (¬1) رواه النسائي (5)، وابن حبان (1067). (¬2) كذا في الأصل: "يبدأ"، وكذا في "شرح الإلمام" (3/ 41)، والذي في "صحيح مسلم" (253/ 44)، و"الإمام" للمؤلف (1/ 338): "بدأ"؛ بالماضي. (¬3) رواه مسلم (253/ 44). (¬4) رواه الإمام مالك (1/ 66).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أَشقَّ على أمَّتِي، لأَمرْتُهم بالسِّواكِ مع كلِّ وُضوءٍ". رواه ابن خُزيمةَ في "صحيحه" (¬1) (¬2). 22 - وروى مالك، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أَشُقَّ على أمَّتِي، لأَمرْتهم بالسِّواكِ عند كلِّ صلاةٍ " (*). ¬

_ (*) قال الإمام أحمد في "مسنده": ثنا يحيى، أنبأ عبيد اللَّه قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أَشقَّ على أمَّتِي لأَمرْتُهم بالسِّواك مع الوضوء، ولأَخَّرْتُ العِشاءَ إلى ثُلُثِ الليلِ، أو: شطرِ الليلِ". وقال أيضًا: حدثنا أبو عبيدة -هو الحداد، وفي إدراكه لمحمد نظر، فيحتمل أن يكون محمد بن عبيد الطنافسي-، عن محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا أن أَشُقَّ على أمَّتِي لأَمرْتُهم عند كل صلاة بوضوءٍ، ومع كلِّ وُضوءٍ بسِوَاكٍ، ولأَخَّرْتُ عِشاءَ الآخرةَ إلى ثلثِ الليلِ". قال ابن حِبَّان في "الأنواع": أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون، ثنا يعقوب بن حميد، ثنا إسماعيل بن عبد اللَّه، ثنا سليمان بن بلال، عن ابن عَجلان، عن المَقْبُري، عن أبي سَلَمة، عن عائشة: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أن أَشُقَّ على أمَّتِي لأَمرْتُهم بالسِّواك مع الوضوءِ عند كلِّ صلاةٍ". أخبرنا ابن زهير بتُسْتَرَ، ثنا عبد القُدُّوس بن محمد بن عبد الكبير، ثنا الحجَّاج بن مِنْهَال، ثنا حَمَّاد بن سَلَمة، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن المَقْبُري، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عليكم بالسِّواكِ؛ فإنه مَطهرَةٌ للفمِ، مَرضَاةٌ للرَّبِّ عز وجل". كذا رواهما ابن حِبَّان، وكلاهما وهمٌ. (¬1) رواه ابن خزيمة (140)، وأحمد (2/ 460). (¬2) رواه الإمام مالك (1/ 66)، والبخاري (847).

23 - وعن حذيفةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا قامَ من الليل يَشُوصُ فَاهُ بالسِّواكِ. أخرجوه إلا التِّرْمِذي (¬1). ويَشُوصُ؛ بمعنى: يَدْلُكُ، وقيل: يغسل، وقيل: يُنْقي. 24 - وروى مسلم من حديث أبي بُردة، عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: دخلتُ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وطَرَفُ السِّواكِ على لسانِه (¬2). 25 - ورواه أبو داود بلفظ: أتينا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نستَحْمِلُه (¬3)، فرأيتُه يَستَاكُ على لسانِه (¬4). 26 - وروى مسلم -وهو متفق عليه من رواية أبي هريرة- حديثًا فيه: "والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه! لَخُلُوفُ (¬5) فمِ الصائمِ أطيبُ عند اللَّه يومَ القيامة من ريحِ المِسكِ" (¬6). 27 - وروى مسلم من حديث عائشةَ (*) قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬

_ (*) حديثُ عائشةَ في الفِطرة قال الدَّارَقُطْني: رواه مسلم من حديث مصعب بن شَيبة، = (¬1) رواه البخاري (242)، ومسلم (255)، وأبو داود (55)، والنسائي (2)، وابن ماجه (286). (¬2) رواه مسلم (254). (¬3) أي: نسأله العملَ. (¬4) رواه أبو داود (3). (¬5) الخُلوف: تغيُّر طعم ورائحة الفم لتأخير الطعام. (¬6) رواه مسلم (1151).

"عشرٌ من الفِطرةِ: قصُّ الشاربِ، وإعفاءُ اللحيةِ (¬1)، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظفارِ، وغسلُ البَرَاجمِ (¬2)، ونتفُ الإبطِ، وحلقُ العانَةِ، وانتقاصُ الماءِ". قال زكريا: قال مصعب: ونسيتُ العاشرةَ، إلا أن تكون: المَضمَضةُ، وزاد فيه وكيع (¬3): انتقاصُ الماء، يعني: الاستنجاء (¬4). ¬

_ = عن طَلْق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشةَ، وخالفه سليمان التَّيْمي وأبو بشر جعفر بن إياس، فرَوَيَاه عن طَلْق، قال: كان يقال: قال: وهما أثبتُ من مصعب ابن شَيبة وأصحُّ حديثًا. وقد روى هذا الحديثَ النَّسائي من رواية مصعب، عن طَلْق، عن ابن الزبير، عن عائشةَ مرفوعًا، ثم قال: أنبأ محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا المُعتمِر، عن أبيه قال: سمعت طَلْقًا يذكر: عشرةً من الفِطرةِ: السِّواكَ، وقصَّ الشارب، وتقليمَ الأظفار، وغسلَ البَرَاجم، [ونتفَ الإبط، والخِتَانَ، وغسلَ الدُّبُر]، وحلقَ العانة، والاستنشاقَ، وأنا شَكَكتُ في المَضمَضة". أنبأ قتيبة: ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن طَلْق بن حبيب قال: عشر من السُّنَّة: السِّواكُ، وقصُ الشارب، والمَضمَضةُ، والاستنشاقُ، وتوفيرُ اللحية، وقصُّ الأظفار، ونتفُ الإبط، والخِتَانُ، وحلقُ العانة، وغسلُ اليدين. قال النَّسائي: وحديث سليمان التَّيْمي وجعفر بن إياس أشبهُ بالصواب من حديث مصعب بن شَيبة، ومصعبٌ مُنكَرُ الحديثِ. (¬1) أي: توفيرها وتكثيرها. (¬2) جمع بُرْجُمة، وهي المفصل الظاهر من الأصابع كلها. (¬3) كذا في الأصل، وفي "شرح الإلمام" (3/ 245): "وزاد فيه قتيبة: قال وكيع" وكذا هي في "صحيح مسلم" (261). (¬4) رواه مسلم (261).

28 - وعن أنس (¬1) -رضي اللَّه عنه- قال: وُقِّتَ لنا في قصِّ الشارب، وتقليمِ الأظفار، ونتفِ الإبط، وحلقِ العانة أن لا تُترَكَ أكثرَ من أربعينَ ليلةً. أخرجه مسلم (*) (¬2). 29 - وعن ابنِ عمرَ -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن القَزَعِ (¬3). متفق عليه (¬4). 30 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اختَتَنَ إبراهيمُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ابن ثمانينَ سَنَةً بالقَدُّومِ (¬5) ". متفق عليه (¬6). * * * ¬

_ (*) هذا الحديث من رواية جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجَوني، عن أنس، قال أبو عمر بن عبد البَرِّ: لم يَروِه إلا جعفر بن سليمان، وليس بحجةٍ لسوءِ حفظه وكثرةِ غلطه، وقال العُقَيلي: في حديث جعفر هذا نظرٌ. (¬1) في شرح الإلمام" للمؤلف (3/ 347): -"عن أبي عمران الجوني قال: قال أنس"، وقد ترجم المؤلف هناك لأبي عمران. (¬2) رواه مسلم (258). (¬3) وهو أن يحلق من الرأس أماكن ويترك أماكن. (¬4) رواه البخاري (5576)، ومسلم (2120). (¬5) وهو الآلة الذي يُنجر به، وقيل: اسم موضع. (¬6) رواه البخاري (3178)، ومسلم (2370).

3 - باب صفة الوضوء وفرائضه وسننه

3 - باب صفة الوضوء وفرائضه وسُنَنه 31 - عن حُمْرانَ مولى عثمانَ: أن عثمانَ بن عفانَ دعا بوَضوءٍ فتوضَّأ؛ فغسل كفَّيه ثلاثَ مراتٍ، ثم مَضمَضَ واستَنثَرَ واستَنشَقَ، ثم غسل وجهَه ثلاثَ مراتٍ، ثم غسل يدَه اليمنى إلى المرفقِ ثلاثَ مراتٍ، ثم غسل يدَه اليسرى مثلَ ذلك، ثم مسحَ برأسه، ثم غسل رجلَه اليمنى إلى الكعبَين ثلاثَ مراتٍ، ثم غسل رجلَه اليسرى مثلَ ذلك، ثم قال: رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضَّأ نحوَ وُضوئي هذا، ثم قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن توضَّأ نحوَ وُضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتَين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنبِه". قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغُ ما يَتوضَّأ به أحدٌ للصلاة. [لفظ مسلم] (*) (¬1). ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). (¬1) رواه مسلم (226)، وكذا البخاري (158). (¬2) قلت: في "شرح الإلمام" (3/ 402): "لفظ مسلم"، ثم ذكر المؤلف (3/ 411) في الوجه الثاني: في تصحيحه: "وقد ذكرنا تخريج مسلم له". فلذا أثبتُّه هنا، متابعةً للمؤلف في شرحه.

32 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيتُ عليًّا توضَّأ فغسل وجهَه ثلاثًا، وغسل ذراعَيه ثلاثًا، ومسحَ برأسه واحدةً. ثم قال: هكذا توضَّأ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه أبو داود (*) (¬1). 33 - وروى مالك، من حديث عبد اللَّه بن زيد، في صفة وُضوء رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ثم مسحَ رأسَه بيدَيه فأَقبَلَ بهما وأَدبَرَ، بدأ بمقدَّمِ رأسِه، ثم ذهب بهما إلى قَفَاه، ثم ردَّهُما حتى رجعَ إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجلَيه. أخرجوه من حديث مالك (¬2). وفي رواية خالد الواسطي في الحديث: ثم أدخلَ يدَه فاستخرَجَها، فمَضمَضَ واستَنشَقَ من كفٍّ واحدٍ، ففعلَ ذلك ثلاثًا. وهي في "الصحيح" (¬3). وفي رواية وُهَيب في هذا الحديث: فمَضمَضَ واستَنشَقَ واستَنثَرَ من ثلاثِ غَرَفاتٍ (**) (¬4). ¬

_ (*) رجاله احتج بهم البخاري. (**) متفق عليه. (¬1) رواه أبو داود (115). (¬2) رواه البخاري (183)، ومسلم (235)، وأبو داود (118)، والنسائي (97)، والترمذي (32)، وابن ماجه (434). (¬3) رواه البخاري (188)، ومسلم (235). (¬4) رواه البخاري (184)، ومسلم (235).

وفي رواية سليمان بن بلال في هذا الحديث: تَمَضمَضَ واستَنشَقَ ثلاثَ مراتٍ من غَرفةٍ واحدةٍ. أخرجها البُخاري (¬1). وفي رواية واسع بن حِبَّان: ومسح رأسَه بماءٍ غيرِ فضلِ يدَيه، وغسل رجلَيه حتى أَنقَاهُمَا. أخرجه مسلم (¬2). 34 - وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رجلًا أتى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! كيفَ الطُّهورُ؟ فدعا بماء في إناءٍ، فغسل كفَّيه ثلاثًا، ثم غسل وجهَه ثلاثًا، ثم غسل ذراعَيه ثلاثًا، ثم مسحَ برأسِه، فأَدخلَ إصبعَيه السَّبَّاحتَين (¬3) في أذنيَه، ومسح بإبهامَيه على ظاهر أُذنيَه، وبالسَّبَّاحتَين باطنَ أُذنيَه، ثم غسل رجلَيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: "هكذا الوُضوءُ فمَن زادَ على هذا أو نقصَ فقد أساءَ وظلمَ، أو: ظلمَ وأساءَ". أخرجه أبو داود، وإسناده صحيح إلى عمرو، فمَن احتَجَّ بنسخة عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه، فهو عنده صحيحٌ (¬4). 35 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استَيقَظَ أحدُكم من نومِه (¬5) فَلْيُفرِغْ على يدِه ثلاثَ مراتٍ قبلَ أن يُدخلَ يدَه في إنائه؛ فإنّه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (196). (¬2) رواه مسلم (236). (¬3) السَّبَّاحة والمسبِّحة والسَّبَّابة: الإصبع التي تلي الإبهام. (¬4) رواه أبو داود (135)، والنسائي (140)، وابن ماجه (422). (¬5) كذا في الأصل: "من نومه"، ولم ترد في نُسخ "شرح الإلمام" كما في المطبوع (4/ 65)، وكذا ليست في "صحيح مسلم" (278/ 88).

لا يدري فيمَ باتَتْ يدُه" (¬1). 36 - وعنه من رواية همَّام بن مُنبِّه، وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا توضَّأ أحدُكم فَلْيَستنشِقْ بمَنْخِرَيه من الماءِ، ثم لِيَنْتَثِرْ" (¬2). أخرجهما مسلم. 37 - وعن عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! أخبِرْني عن الوُضوءِ؟ قال: "أَسبغِ الوُضوءَ، وبالِغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكونَ صائمًا". أخرجه النَّسائي، والتِّرْمِذي، وصحَّحه، وابنُ خُزيمة في "صحيحه" (*). ورواه أبو داود مُطوَّلًا وفيه: "أسبغِ الوُضوءَ، وخَلِّلْ بين الأصابعِ" (¬3) (¬4). 38 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأ مرةً مرةً. أخرجه البُخاري (¬5). ¬

_ (*) وأحمد وابن ماجه. (¬1) رواه مسلم (278/ 88). (¬2) رواه مسلم (237/ 21)، وكذا البخاري (2/ 683) معلقًا. (¬3) في "شرح الإلمام" (4/ 135) بعد هذا: "وله في رواية: إذا توضأت فمضمض". وقد تكلم المؤلف عن هذه الجملة في شرحه. (¬4) رواه أبو داود (142)، والنسائي (87)، والترمذي (788)، وابن خزيمة (150). (¬5) رواه البخاري (156).

39 - وعن عثمانَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُخلِّلُ لحيتَه. أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه، وغيرُه يخالفه في التصحيح (¬1). 40 - وعن سِنَانَ بنِ ربيعةَ، عن شَهْرِ بن حَوشَب، عن أبي أُمامةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الأُذنانِ من الرأسِ"، وكان يمسحُ رأسَه مرةً، ويمسحُ المَأْقَينِ (¬2). أخرجه ابن ماجه، وسِنَانُ بنُ ربيعةَ أخرج له البُخاري (*)، وشَهْر بن حَوشَب وثَّقه أحمد ويحيى، وتكلَّم فيه غيرُهما (¬3). 41 - وروى حبيب بن زيد، عن عَبَّاد بن تميم، عن عمِّه قال: رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضَّأ، فجعل يَدْلُكُ ذراعَيه. أخرجه أبو حاتم بن حِبَّان في "صحيحه"، وذَكَر حبيبًا في كتاب "الثقات". وقال أبو حاتم الرازي: هو صالح (¬4). 42 - وروى مسلم من حديث نُعيم بن عبد اللَّه المُجْمِر قال: رأيتُ أبا هريرةَ يتوضَّأ، فغسل وجهَه فأَسبَغَ الوُضوءَ، ثم غسل يدَه اليمنى حتى أَشرَعَ في العَضُدِ، ثم يدَه اليسرى حتى أَشرَعَ في العَضُدِ، ثم مسح رأسَه، ثم غسل رجلَه اليمنى حتى أَشرَعَ في الساقِ. قال: ثم غسل رجلَه اليسرى ¬

_ (*) إنما أخرج له مقرونًا بغيره، وكذلك رَوى مسلم لشَهْرٍ مقرونًا، ووثَّقه غير أحمد ويحيى. (¬1) رواه الترمذي (31)، وكذا ابن ماجه (430). (¬2) مؤْق العين ومُوقُها ومأقَيها: طرف العين الذي يلي الأنف، وهو مخرج الدمع من العين. (¬3) رواه ابن ماجه (444)، وكذا أبو داود (134)، والترمذي (37). (¬4) رواه ابن حبان (1082).

حتى أَشرَعَ في الساقِ. ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضَّأ وقال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتم الغُرُّ (¬1) المُحجَّلُونَ (¬2) يومَ القيامة من إسباغِ الوضوءِ؛ فمَن استطاعَ منكم فَليُطِلْ غُرَّتَه وتحجيلَه" (¬3). وفي رواية: فغسل وجهَه ويدَيه، حتى كاد يَبلُغَ المَنكِبَينِ، ثم غسل رجلَيه حتى رفع إلى الساقَينِ (¬4). وفي رواية أبي حازم قال: كنتُ خلفَ أبي هريرة وهو يتوضَّأ للصلاة، فكان يمدُّ يدَه حتى يبلغَ إبطَه. الحديث (*) (¬5). 43 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: إنْ كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيُحبُّ التيمُّنَ في طَهورِه إذا تَطهَّرَ، وفي ترجُّلِه (¬6) إذا تَرجَّلَ، وفي انتعالِه إذا انتعلَ. متفق عليه، واللفظ للبُخاري (**) (¬7). 44 - وعن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأ فمسحَ بناصيتِه وعلى العِمَامةِ، والخُفَّينِ. ¬

_ (*) وفيه: "سمعتُ خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تَبلغُ الحليةُ من المؤمنِ حيث يبلغُ الوضوءُ". أخرجه مسلم والنَّسائي. (**) وهكذا لفظ مسلم. (¬1) الغُرة: بياض في جبهة الفرس. (¬2) التحجيل: بياض في اليدين والرجلين من الفرس. (¬3) رواه مسلم (246/ 34). (¬4) رواه مسلم (246/ 35)، وكذا البخاري (136). (¬5) رواه مسلم (250/ 40). (¬6) الترجُّل: تسريح الشعر. (¬7) رواه البخاري (166)، ومسلم (268).

رواه مسلم من جهة ابن المغيرة، عن أبيه (¬1). 45 - وعن الطَّحَاوي من حديث شَهْر بن حَوشَب، عن أبي أُمامةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأ فمسحَ أُذنيَه مع الرأس، وقال: "الأُذنانِ من الرأسِ". وشَهْرٌ تقدَّم (*) (¬2). 46 - وروى البَيْهَقي من حديث عبد اللَّه بن زيد: أنه رأى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يتوضَّأ، فأخذَ لصِمَاخَيه (¬3) ماءً خلافَ الماءِ الذي أخذَ لرأسِه. وقال بعد إخراجه: وهذا إسناد صحيح (**) (¬4). ¬

_ (*) قال الطحَّاوي: حدثنا نصر بن مرزوق، ثنا يحيى بن حسان، ثنا حَمَّاد بن زيد، عن سِنَان بن ربيعة، عن شَهْر بن حَوشَب، عن أبي أُمامة البَاهِلي: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأ فمسحَ أُذنيَه مع الرأس وقال: "الأُذنانِ من الرأسِ". (**) إسناده على شرط مسلم، لكنه حديثٌ مُعللٌ، أخرجه البَيْهَقي بهذا اللفظ من رواية الهيثم بن خارجةَ، عن ابن وهب، ورواه مسلم في "الصحيح" عن هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأَيْلِي وأبي الطاهر، عن ابن وهب، بإسناده: أنه رأى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ، فذكر وُضوءَه قال: ومسحَ رأسَه بماءٍ غيرِ فضلِ يدِه، ولم يَذكرِ الأُذنيَنِ. قال البَيْهَقي: وهذا أصح. وعن أنس: أنه توضَّأ وأخذ ماءً جديدًا لسِمَاخِه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتوضَّأ. رواه الطبراني في "معجمه الصغير" بإسناد ثلاثي فيه نظرٌ. وثبت عن ابن عمرَ: أنه كان يأخذ لأُذنيَه ماءً جديدًا، رواه مالك، عن نافع، عنه. (¬1) رواه مسلم (274/ 83). (¬2) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 33). (¬3) في "شرح الإلمام" للمؤلف (4/ 383)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 65): "لأذنيه" بدلِ "لصماخيه"، وهو الصواب. (¬4) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 65).

47 - وفي حديث عمرو بن عَبَسَةَ الطويل عند الدَّارَقُطْني: "ما منكم من أحدٍ يُقرِّبُ وَضوءَه فيُمضمِضُ، ويَستنشِقُ فيَنتثِرُ إلا خرجَتْ خطايا وجهِه وفِيهِ وخَيَاشِيمِه"، الحديث، "ثم يَغسل قدمَيه إلى الكعبَين كما أمرَه اللَّهُ". وهذه اللفظة أخرجها ابن خُزيمة في "صحيحه" أيضًا؛ أعني قوله: "كما أمرَه اللَّه". وأصلُ الحديث عند مسلم (¬1). 48 - وفي حديث جابر في حَجَّة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من رواية النَّسائي: "ابدَؤُوا بما بَدَأ اللَّهُ به" (¬2). والحديثُ في "الصحيح"، ولكن بصيغة الخبر: "نبَدأ"، أو: "أَبدأ" لا بصيغة الأمر، والأكثرُ في الرواية هذا، والمَخْرَج للحديث واحد (*). ¬

_ (*) حديث جابر رواه النَّسائي بصيغة الأمر عن إبراهيم بن هارون البَلْخِي، عن حاتم ابن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عنه. ورواه بصيغة الخبر: "نبَدأ" عن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر، وعن محمد بن سَلَمة والحارث بن مَسكين، قراءة عن ابن القاسم، عن مالك، عن جعفر، وعن محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم، عن شعيب، عن الليث، عن ابن الهاد، عن جعفر، وهو الصحيح. وروى ابن جرير في "التفسير": حدثني يوسف بن سلمان قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: لما دنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الصَّفَا في حَجَّته قال: " {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، ابدؤوا بما بدأ اللَّهُ بذِكرِه". فبدأ بالصَّفَا فرَقِيَ عليه. (¬1) رواه مسلم (832)، وابن خزيمة (165)، والدارقطني (1/ 107)، وهذا لفظه. (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (3968).

49 - وروى البُخاري حديث شقيق بن سَلَمة في التيمُّم، وفيه: عن عمار: فتَمرَّغتُ في الصعيد كما تَمرَّغُ الدابةُ، فذكرتُ ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "إنما كان يَكفيكَ أن تَصنعَ هكذا"، وضربَ بكفَّيه ضربةً على الأرض ثم نفضَهما، ثم مسح ظهرَ كفِّه بشمالِه، أو: ظهرَ شمالِه بكفِّه، ثم مسح بهما وجهَه (¬1). وأخرج الإسماعيلي في بعض طرقه: "إنما يَكفيكَ أن تَضربَ بيدَيك على الأرضِ، ثم تَنفُضهما، ثم تمسحَ بيمينِك على شمالِك، وشمالِك على يمينِك، ثم تمسحَ على وجهِكَ". 50 - وروى أبو داود من حديث خالد بن مَعْدَان، عن بعض أصحاب رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجُلًا (¬2)، وفي ظَهرِ قدمِه لمعةٌ قَدْرَ الدرهمِ لم يُصِبْها الماءُ، فأمرَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُعيدَ الوُضوءَ والصلاةَ. وفي إسناده بَقِيَّةُ، يَرويه عن بَحِيرٍ، وهو ابن سعد (¬3). وفي "المسند" عن أحمد: أنه قال: حدثنا بَحِير (¬4). قال الأَثْرَم: قلت لأحمدَ: هذا إسنادٌ جيدٌ؟ قال: نعم (*). 51 - وعن أنس قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَتوضَّأ بالمُدِّ، ويَغتسل بالصَّاعِ ¬

_ (*) يعني: بقية، وقد وثقه جماعة، وقد زالت تهمة تدليسه بقوله: ثنا. (¬1) رواه البخاري (340)، وكذا مسلم (368). (¬2) جاء على هامش الأصل: "توضأ"؛ أي: رأى رجلًا توضأ. (¬3) رواه أبو داود (175). (¬4) رواه الإمام أحمد (3/ 424).

إلى خمسةِ أمدادٍ. لفظ رواية مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 52 - وثبت في "الصحيحَين" من حديث المُغيرة بنِ شعبةَ: أنه صبَّ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الماءَ وهو يَتوضَّأ (¬2). 53 - وروى مسلم من حديث عمر، في حديث طويل، قال فيه: "ما منكم من أحدٍ يَتوضَّأ فيبلغ، أو: يُسبغُ الوُضوءَ، ثم يقولُ: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، وأن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنةِ الثمانيةُ، يَدخلُ مِن أيِّها شاءَ" (¬3) (¬4). 54 - وروى أبو محمد عبد اللَّه بنُ عبد الرحمن الدَّارِميُّ الحافظُ في "مسنده" من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- توضَّأ مرةً مرةً، ونَضَحَ (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (198)، ومسلم (325/ 51). (¬2) رواه البخاري (356)، ومسلم (274). (¬3) في "شرح الإلمام" (5/ 118) زيادة بعد هذا: "وعنده في رواية (234/ 17): من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". (¬4) رواه مسلم (234/ 17). (¬5) أي: نضح فرجه بعد الوضوء. قال الإمام ابن دقيق في "شرح الإلمام" (5/ 188): والانتضاح بعد الوضوء فيه أحاديث متعددة، ذكرت ما انتهى إليَّ منها وتيسَّر ذكره في كتاب "الإمام"، منها ما استضعف، ومنها ما يعلل.

ورجالُ إسنادِه رجالُ الصحيح (*) (¬1). 55 - ومن حديث بُريدة قال: أَصبحَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدعا بلالًا فقال: "يا بلالُ! بِمَ سبقتَني إلى الجنةِ؟ ما (¬2) دخلتُ الجنةَ قطُّ إلا سمعتُ خشخشتَك (¬3) أمامي"، وفيه: فقال بلال: يا رسولَ اللَّه! ما أذَّنتُ قطُّ إلا صلَّيتُ ركعتَين، وما أصابني حَدَثٌ قطُّ إلا توضَّأتُ عندها ورأيتُ أن للَّه عليَّ ركعتَين. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بهِمَا". لفظ رواية التِّرْمِذي، وحكم بصحته (¬4). * * * ¬

_ (*) قال الدَّارِمي في "مسنده": أنبأ قَبيصة، ثنا سفيان، عن زيد بن أسلمَ، عن عطاء ابن يسار، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- توضأ مرةً مرةً، ونَضَحَ [فرْجَه]. وقال في موضع آخر: ثنا أبو عاصم، ثنا الثَّوري. فذكره ولم يقل: "ونَضَحَ". وقد رُوي في النَّضْحِ أحاديثُ كثيرةٌ فيها ضعفٌ. وقد رَوى هذا الحديثَ البَيْهَقيُّ من رواية عباس الدُّوْرِي، عن قَبيصةَ، وقال: قوله: "ونَضَحَ" تفرَّد به قَبيصةُ عن سفيانَ، ورواه جماعة عن سفيانَ دون هذه الزيادة. (¬1) رواه الدارمي (711). (¬2) في هامش الأصل: (فإني)؛ أي: (فإني ما). وكتب عندها (خ). (¬3) الخشخشة: صوت كل شيء يابس إذا حُكَّ بعضُه ببعضه، والدخول في الشيء. (¬4) رواه الترمذي (3689).

4 - باب المسح على الخفين

4 - باب المسح على الخُفَّين 56 - عن صفوانَ بن عَسَّال قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرُنا إذا كنا سَفْرًا أن لا ننَزعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ وليالِيهنَّ إلا من جَنَابةٍ، ولكن من غائطٍ وبولٍ ونومٍ. صحَّحه التِّرْمِذي بعد تخريجه (¬1) (¬2). 57 - وعن عروةَ بن المغيرة، عن أبيه قال: كنتُ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفرٍ، فأَهويتُ لأِنزعَ خُفَّيهِ، فقال: "دَعْهما؛ فإني أَدخلتُهما طاهرتَينِ"، فمسحَ عليهما. لفظ رواية البُخاري (¬3). 58 - وعن شُريح بن هانئ قال: أتيتُ عائشةَ أسالُها عن المسح على الخُفَّينِ، فقالت: عليك بابن أبي طالبٍ فاسألْه، فإنه كان يُسافرُ مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألناه فقال: جعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثةَ أيامٍ وليالِيهنَّ ¬

_ (¬1) ورواه النَّسائي وابن ماجه وابن خُزيمة في "صحيحه"، ورواه ابن حِبَّان أيضًا. (ع). (¬2) رواه الترمذي (96). (¬3) رواه البخاري (203)، ومسلم (274).

للمسافرِ، ويومًا وليلةً للمُقيمِ. أخرجه مسلم (*) (¬1). 59 - وعن زُبَيد بن الصَّلت، قال: سمعتُ عمرَ يقول: إذا توضَّأ أحدُكم ولبسَ خُفَّيه فَلْيَمْسَحْ عليهما، وَلْيُصلِّ فيهما، ولا يَخلعْهما إن شاء إلا مِن جَنَابةِ. رواه الدَّارَقُطْني من جهة أسد بن موسى. وفيه قال: وثنا حَمَّاد بن سَلَمة، عن عبيد اللَّه بن أبي بكر وثابت عن أنس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَه (¬2). ¬

_ (*) قال أبو عمر بن عبد البَرِّ: واختلف الرُّواةُ في رفعِ هذا الحديث ووقفِه على عليٍّ -رضي اللَّه عنه-، قال: ومَن رفعَه أحفظُ وأضبطُ. قال الأَثْرَمُ: سمعتُ أبا عبد اللَّه يُسأل عن حديث عليٍّ في المسح: هو صحيح مرفوعًا؟ فقال: نعم، هو مرفوع. وقيل لأبي عبد اللَّه: شُريح بن هانئ صحيحُ الحديث؟ فقال: نعم، هو متقدم جدًا، رَوى الناسُ عنه. قال أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، عن ثَور، عن راشد بن سعد، عن ثَوبانَ قال: بعث رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سريةً، فأصابَهم البردُ، فلما قدموا شكَوا إليه ما أصابَهم من البرد، فأمرَهم أن يَمسحُوا على العَصَائبِ والتَّسَاخِينِ. قال أحمد: لا ينبغي أن يكونَ راشدٌ سمعَ من ثَوبانَ لأنه مات قديمًا. (¬1) رواه مسلم (276). (¬2) رواه الدارقطني (1/ 203).

وأسد بن موسى وثَّقه الكُوفي (*) والنَّسائي والبَزَّار. وقال الحاكم في "المستدرك" بعد ذكر حديث عقبة بن عامر: خرجت من الشام. وقد رُوي عن أنس مرفوعًا بإسناد صحيح، رُواتُه عن آخرهم ثقاتٌ، إلا أنه شاذٌّ بمرَّةٍ. ثم أخرج حديثَ أنسٍ المتقدمَ، وقال فيه: على شرط مسلم (¬1). * * * ¬

_ (*) ينظر في الكوفي هل هو مطين أو غيره، وقال البُخاري: أسد مشهور الحديث، يقال له: أسد السُّنَّة، وقال النَّسَائي: ثقة، ولو لم يُصنِّفْ كان خيرًا له. وقال ابن حزم: مُنكَر الحديث. والكوفي هو العِجْلي بلا شكٍّ، صرَّح به ابنُ القطَّان في موضع فقال: قال أحمد بن عبد اللَّه بن صالح الكوفي. (¬1) رواه الحاكم (642، 643).

5 - باب نواقض الوضوء، وما اختلف في ذلك

5 - باب نواقض الوضوء، وما اختُلف في ذلك 60 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينامون، ثم يُصلُّون ولا يَتوضَّؤُون. أخرجه مسلم (¬1). وفي رواية عند أحمد بن عُبيد (*): ينامون، ثم يقومون فيُصلُّون، ولا يَتوضَّؤُون على عهدِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفي رواية عند البَيْهَقي: لقد رأيتُ أصحابَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُوقَظُون للصلاة، حتى إني لأَسمعُ لأحدِهم غطيطًا (¬2)، ثم يقومون فيُصلُّون ولا يَتوضَّؤُون. قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوسٌ (¬3) (**). ¬

_ (*) هو الصفَّار. (**) في الحديث زيادةٌ تمنع ما قاله ابنُ المبارك، رواها يحيى بن سعيد القطَّان، عن شعبةَ، عن قتادةَ، عن أنس قال: كان أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينتظرون الصلاةَ،= (¬1) رواه مسلم (376). (¬2) أي: نخر. (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 120).

61 - وروى مسلم من حديث محمد بن الحَنَفية، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- أنه قال: استَحيَيتُ أن أسألَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المَذْي من أجل فاطمة، فأمرتُ المِقداد فسأله، فقال: "منه الوُضوءُ" (¬1). وعنده من رواية عن ابن عباس، عن عليٍّ فيها: "توضَّأ، وانضحْ فَرْجَك" (¬2). 62 - وروى حَمَّاد بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- (*): ¬

_ = فيَضعون جُنُوبَهم، فمِنهم مَن ينام ثم يقوم إلى الصلاة. قال قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد القطَّان، ثنا شعبة، فذكره. قال ابن القطَّان: وهو -كما ترى- صحيحٌ، من رواية إمامٍ عن شعبة، فاعلَمْه، كذا قال. وهذه الزيادة ليست معروفةً في حديث شعبة، إنما رواها ابن أبي عَروبة. قال أبو يَعلَى المَوصِلِي في "مسنده": حدثنا عبيد اللَّه بن عمر القَوَارِيري، ثنا خالد، يعني: ابن الحارث، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أو: عن أناسٍ من أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [أنهم كانوا] يَضعون جُنُوبَهم فينامون، مِنهم مَن يَتوضَّأ ومنهم مَن لا يَتوضَّأ. وقال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النَّيسابوري: قيل لأبي عبد اللَّه: حديث أنس أنهم كانوا يضطجعون؟ قال: ما قال هذا شعبةُ قطُّ، وقال: حديث شعبة: "كانوا ينامون"، وليس فيه: "يضطجعون"، وقال هشام: "كانوا يَنعَسُون"، وقد اختلفوا في حديث أنس. (*) قال الإمام أحمد: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن = (¬1) رواه مسلم (303/ 18). (¬2) رواه مسلم (303/ 19).

أن فاطمةَ بنتَ حُبيش استَفتَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إني أُستحاض فلا أَطهر، أفأدعُ الصلاةَ؟ فقال: "ذلك عِرْقٌ، وليست بالحَيضةِ، فإن أقبَلَتْ فدَعِي الصلاةَ، وإذا أَدبَرَتْ فاغسِلي عنك أثرَ الدم، وتوضَّئِي وصلَّي، فإنما ذلك عِرْقٌ، وليست بالحَيضةِ". أخرجه البَيْهَقي، ورواه مسلم مختصرًا، وأعرضَ عن لفظة "توضَّئِي" (*) (¬1). 63 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تُصلِّي المُستحَاضةُ وإن قطرَ الدمُ على الحصير -وفي رواية-: قطرًا". أخرجه أبو بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه في جمعه لحديث الأعمش (**) (¬2). ¬

_ = عروةَ، عن عائشةَ: جاءت فاطمةُ بنتُ أبي حُبيش إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسولَ اللَّه! إني امرأةٌ أُستحاض فلا أَطهر، أفأدعُ الصلاةَ؟ قال: "لا، اجتنبي الصلاةَ أيامَ مَحيضك، ثم اغتسِلي وتوضَّئِي لكل صلاةٍ، ثم صلِّي وإن قطرَ الدمُ على الحصير". وقد قال وكيع: اجلِسِي أيامَ أقرائك ثم اغتسِلي. (*) وأشار إلى أنه تركَها قصدًا، فإنه قال: وفي حديث حَمَّاد بن زيد زيادة حرف تركْنا ذِكرَه. وقال النَّوَوي: قد رَوى أبو داود وغيرُه ذكرَ الوضوء من رواية عدي بن ثابت وحبيب بن أبي ثابت، وأيوب بن أبي مسكين، قال أبو داود: وكلُّها ضعيفةٌ، واللَّه أعلم. وقال النَّسائي: لا أعلم أحدًا ذكرَ هذا الحديثَ: "وتوضَّئِي" غيرَ حَمَّاد بن زيد. (**) في إسناده انقطاع، وقد رُوي موقوفًا، وهو الأشبهُ. رواه أحمد عن وكيع، عن الأعمش، عن حبيب، عن عروةَ، عن عائشةَ مرفوعًا. (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 116)، ومسلم (333). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (155).

64 - وروى عبد الكريم الجَزَري، عن عطاء، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُقبِّل، ثم يُصلِّي ولا يَتوضَّأ (*). أخرجه الدَّارَقُطْني وغيره (**) (¬1)، ورجالُه هؤلاء رجالُ "الصحيحَين"، وقد أُعِلَّ. 65 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وجد أحدُكم في بطنِه شيئًا (¬2)، فأَشكَلَ عليه أخرج منه شيءٌ أم لا؟ فلا يَخرجُنَّ من المسجد حتى يَسمعَ صوتًا، أو يَجدَ ريحًا". أخرجه مسلم (¬3). 66 - وروى قيس (...) بن طَلْق، عن أبيه قال: خرجْنا وَفدًا حتى قدمْنا ¬

_ (*) رواه الثَّوري عن عبد الكريم، عن عطاء من قوله، قال الدَّارَقُطْني: وهو الصواب. (**) قال الإمام أحمد: وثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروةَ ابن الزبير، عن عائشةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبَّلَ بعضَ نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يَتوضَّأ. قال عروة: قلتُ لها: مَن هي إلا أنتِ؟ قال: فضحكَتْ. قال أحمد: وثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي رَوْق الهَمْداني، عن إبراهيم التَّيْمي، عن عائشةَ: "أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبَّلَ، ثم صلَّى ولم يَتوضَّأ". (...) قيس وثَّقه ابنُ مَعين في رواية وغيره، ومَن قبلَه ثقةٌ، ورُوي عن ابن مَعين أنه قال: لقد أكثرَ الناسُ في قيس بن طَلْق، وأنه لا يُحتَجُّ بحديثه، ورُوي عن أبي زُرعةَ وأبي حاتم أنهما تكلَّما فيه، وهو ثقةٌ على الصحيح، وإنما تكلَّم فيه مَن تكلَّم لروايته هذا الحديث، وهذا دورٌ، وقد روى الطبراني وصحَّحه من رواية = (¬1) رواه الدارقطني (1/ 137). (¬2) أي: كالقرقرة؛ بأن تردَّد في بطنه ريح. (¬3) رواه مسلم (362).

على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبايعْناه وصلَّينا معه، فلما قضى الصلاةَ جاءه رجلٌ كأنه بَدَوِيٌّ فقال: يا رسولَ اللَّه! ما تَرى في رجلٍ مسَّ ذَكرَه وهو في الصلاة؟ فقال: "وهل وهو إلا مضغةٌ منك، أو: بَضعةٌ منك؟ ". أخرجه أبو داود، وصحَّحه بعضهم، وتكلَّم فيه غيره (¬1). 67 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أفضَى بيده إلى فَرجِه ليس دونهَا حجابٌ، فقد وجبَ عليه الوُضوءُ" (*). أخرجه جماعة منهم: أبو عليِّ بنُ السَّكَن، ثم أبو عمرَ بنُ عبدِ البَرِّ (¬2). 68 - وعن إسماعيلَ بن عيَّاش، قال: حدثني ابن جُريج، عن أبيه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قاءَ أحدُكم في صلاته أو قلس (¬3) فَلْيَنصرِفْ ¬

_ = قيس بن طَلْق، عن أبيه مرفوعًا: "مَن مسَّ فرجَه فَلْيَتوضَّأْ"، وفي إسناده حَمَّاد بن محمد بن الحَنَفي وأيوب بن عُتبة، وهما ضعيفان". (*) رواه نافع بن أبي إبراهيم ويزيد بن عبد الملك النَّوْفَلي، عن سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرةَ، ويزيدُ ضعَّفوه، ونافع وثَّقه ابنُ مَعين وغيرُه، وتكلَّم فيه الإمام أحمد ابن حنبل، ورُوي الحديثُ من طريق يزيد، ورواه من طريقهما الطبراني وأبو حاتم بن حِبَّان في صحيحه، والحاكم وصحَّحه. وصحَّح أحمد وأبو زُرعةَ حديثَ أمِّ حبيبةَ في هذا الباب، وتكلَّم فيه البُخاري، وصحَّح التِّرْمِذيُّ وابنُ حِبَّان وغيرُهما حديثَ بُسْرةَ، وتكلَّم فيه بعضُ الأئمَّة، واللَّه أعلم. (¬1) رواه أبو داود (182)، والنسائي (165). (¬2) رواه ابن عبد البر في "التمهيد" (17/ 195)، والبيهقي (1/ 133). (¬3) أي: خرج من بطنه طعام أو شراب إلى الفم، وسواء ألقاه أو أعاده إلى بطنه، إذا كان ملءَ الفم أو دونه، فإذا غلب فهو قيء.

فَلْيَتوضَّأْ، وَلْيَبنِ على صلاتِه ما لم يَتكلَّمْ". وقال ابن جُريج: وحدثني ابنُ أبي مُلَيكةَ، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مثلَه. أخرجه الدَّارَقُطْني بالإسنادَين من وجهَين، واللفظ لأحدهما، والآخر نحوه (*). وإسماعيل بن عيَّاش وثَّقه أحمد (¬1) ويحيى بن مَعين مطلقًا في رواية، وأثنَى يزيد بن هارون على حفظه ثناءً بليغًا، وضعَّف جماعةٌ روايته عن الحجازيين، وصحَّحُوا روايته عن الشاميين. قلت: وهذا من روايته عن الحجازيين. 69 - وعن جابرِ بن سَمُرةَ: أن رجلًا سأل رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أتوضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئتَ فتَوضَّأ، وإن شئتَ فلا تتَوضَّأ". فقال: أتَوضَّأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، فتَوضَّأ من لحوم الإبل"، قال: أُصلِّي في مَرَابض (¬2) الغنم؟ قال: "نعم"، قال: أُصلِّي في مَبَارك (¬3) الإبل؟ قال: "لا". أخرجه مسلم (¬4). ¬

_ (*) المحفوظ من هذا الحديث ما رواه الجماعة، عن ابن جُرَيج، عن أبيه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد رُوي عن ابن جُرَيج، عن أبيه، عن عائشةَ، وعن ابن جُرَيج، عن ابن أبي مُلَيكةَ، عن عائشةَ، وذكر أبو حاتم الرازي أن ابن جُرَيج رواه عن أبيه، عن ابن ابي مُلَيكةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرسَلًا، فاللَّه أعلم. (¬1) هذا الحديث الذي رواه إسماعيل بن عيَّاش مرفوعًا، رواه من أصحاب السُّنَن ابنُ ماجه، وضعَّفه الشافعي وأحمد بن حنبل والذُّهلي وأبو حاتم الرازي والدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقي وغيرهم، واللَّه أعلم. (ح). (¬2) جمع مَرْبِض: مأوى الغنم ليلًا (¬3) جمع مَبْرَك: وهو موضع البروك. (¬4) رواه مسلم (360).

70 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ، ومِن حملِه الوُضوءُ"، يعني: الميت. أخرجه التِّرْمِذي وقال: حديث حسن (*) (¬1). قلت: ورجالُه رجالُ مسلم. وروى حَمَّاد بن سَلَمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، في هذا حديثًا، احتج به الظاهري، وقال أحمد وعلي بن عبد اللَّه: لا يصح في هذا الباب شيءٌ. ذكره البُخاري عنهما فيما حكاه التَّرْمِذي. * * * ¬

_ (*) وقال أحمد: هو موقوف على أبي هريرةَ، وقال أبو داود: هو منسوخٌ، وقال ابن المنذر: ليس في هذا حديثٌ يَثبت، وتكلَّم فيه الشافعي والذُّهلي وغيرهما، واللَّه أعلم. (¬1) رواه الترمذي (993).

6 - باب حكم الحدث

6 - باب حكم الحَدَث 71 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الطَّوافُ بالبيت صلاةٌ؛ إلا أنَّ اللَّهَ تعالى قد أحلَّ لكم فيه الكلامَ، فمَن تكلَّمَ فلا يتكلَّمْ إلا بخيرٍ". أخرجه الحاكم في "المستدرك" من حديث سفيان، عن عطاء بن السائب (¬1) مرفوعًا هكذا، وقد رُوي عنه غيرَ مرفوع (¬2). وعطاء هذا من الثقات الذي ن تغيَّر حفظُهم أخيرًا واختلطوا. وقال يحيى بن مَعين: وجميع مَن رَوى عن عطاء رَوى عنه في الاختلاط، إلا شعبةَ وسفيانَ. قلت: وهذا من رواية سفيان. ¬

_ (¬1) قال علي بن المَديني: سمعت يحيى بن سعيد القطَّان يقول: ما سمعتُ أحدًا من الناس يقول في عطاء شيئًا قطُّ في حديثه القديم، وما حدَّث سفيان وشعبة عن عطاء بن السائب صحيحٌ إلا حديثَينِ، كان شعبة يقول: سمعتُهما بآخرة عن زاذان. وقال الإمام أحمد: عطاء بن السائب ثقةٌ ثقةٌ رجلٌ صالحٌ. وقال ابن مَعين: اختلط، فمَن سمع منه قديمًا فهو صحيحٌ. (ح). (¬2) رواه الحاكم (1686، 1687).

72 - وروى مالك، عن عبد اللَّه بن أبي بكر، وهو ابن محمد بن عمرو بن حزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمرو بن حزم: "أنْ لا يَمَسَّ القرآنَ إلا طاهرٌ". وهذا مُرسَل، وبعض الرواة يقول: عن عبد اللَّه، عن أبيه، وبعضهم عن أبيه، عن جدِّه (¬1). ومِن الناس مَن يثبت هذا الحديثَ بشهرة الكتاب وتلقِّيه بالقَبُول، ويَرى أن ذلك يُغني عن طلب الإسناد. وثبت في "الصحيح" في حديث هِرَقْل: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب إليه: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمَّدٍ عبد اللَّه ورسولِه إلى هِرَقلَ عظيم الرُّومِ". وفيه: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] (¬2). 73 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَذكُرُ اللَّهَ على كل أحيانه. أخرجوه إلا البُخاريَّ والنَّسائيَّ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه الإمام مالك (1/ 199). (¬2) رواه البخاري (7)، ومسلم (1773). (¬3) رواه مسلم (373)، وأبو داود (18)، والترمذي (3384)، وابن ماجه (302).

7 - باب آداب قضاء الحاجة

7 - باب آداب قضاء الحاجة 74 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل الخَلاءَ وضعَ خاتَمَه. أخرجه أبو داود وقال: هذا حديث مُنكَر، و (¬1) التِّرْمِذي وصحَّحه (¬2). 75 - وعن المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: انطلق رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تَوَارَى عني، فقضى حاجتَه (*) (¬3). 76 - وعن عبد اللَّه بن جعفر قال: كان أحبَّ ما استَتَرَ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقضاء حاجته هدفٌ (¬4) أو حائشُ نخلٍ (¬5) (¬6). 77 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اتَّقُوا اللَّاعِنَين"، ¬

_ (*) الحديث متفق عليه. (¬1) في الهامش: (ولكن) وأشار عليه بـ (خ). (¬2) رواه أبو داود (19)، والترمذي (1746). (¬3) رواه البخاري (356)، ومسلم (274). (¬4) الهدف: ما ارتفع من الأرض. (¬5) أي: حائط النخل، وهو البستان. (¬6) رواه مسلم (342).

قالوا: وما اللَّاعِنانِ يا رسولَ اللَّه؟ قال: "الذي يَتخلَّى (¬1) في طريق الناس، أو في ظِلِّهم (¬2) " (¬3). أخرجهما مسلم. 78 - ورَوى أبو داود والنَّسائي حديثًا، رواه حُميد بن عبد الرحمن، عن رجلٍ (*) صحبَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كما صحبَه أبو هريرةَ، فيه: النهيُ عن البولِ في المُغتسَل (¬4). 79 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخلَ الخَلاءَ قال: "اللهم إني أَعوذُ بك من الخُبْثِ والخَبائثِ (¬5) ". اتفقوا عليه، واللفظ للبُخاري (¬6). 80 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تغوَّطَ الرجلانِ فَلْيتوارَ كلٌّ منهما عن صاحبِه، ولا يتحدَّثا على طَوْفِهما (**)؛ فإن ¬

_ (*) هو الحِمْيري، وقال ابن السَّكَن: هو الحكم بن عمرو الغِفَاري. (**) قال الجوهري: الطَّوْف: الغائط، تقول منه: طاف يطوف طوفًا، واطَّاف اطِّيافًا: إذا ذهب إلى البَرَاز ليتغوَّط. (¬1) أي: يتغوط وينجِّس. (¬2) المراد من الظل: الموضع الذي يستظله الناس، واتخذوه محل نزولهم، وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة فيه. (¬3) رواه مسلم (269). (¬4) وهو المستحَم. (¬5) أي: ذكران الشياطين وإناثهم. (¬6) رواه البخاري (142)، ومسلم (375).

اللَّهَ يَمقُتُ على ذلك". أخرجه الحافظ أبو علي بن السَّكَن، وصحَّحه الحافظ أبو الحسن بن القطَّان (*). قال أبو علي بن السَّكَن: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحَرَّاني، ثنا مِسكين بن بُكير، عن الأَوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تغوَّط الرجلانِ فَلْيَتوَارَ كلُّ واحدٍ منهما عن صاحبِه، ولا يتحدَّثا على طَوْفِهما، فإن اللَّهَ يَمقُتُ على ذلك". قال ابن السَّكَن: رواه عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن عِياض، عن أبي سعيد، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأرجو أن يكونا صحيحَين، انتهى كلامه. قال ابن القطَّان: وليس فيه تصحيحُ حديث أبي سعيد الذي فرغنا من تعليله، وإنما معنى أن القولَينِ عن يحيى، عن أبي كثير صحيحانِ، وصدق في ذلك عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: عن محمد بن عبد الرحمن، عن جابر، وأنه قال: عن عِياض، أو: هلال، عن أبي سعيد، ولم يقضِ على حديث أبي سعيد بالصحة أصلًا، ولو فعل كان مخطئًا؛ فإن الأمرَ فيه على ما بيَّنَّا، فأمَّا حديثُ جابرٍ هذا فصحيحٌ، ومحمد بن عبد الرحمن ثقة، ومِسكين بن بُكير لا بأسَ به، قال ابن مَعين وغيره: والحسن بن أحمد بن أبي شعيب صدوق، وسائر مَن في الإسناد لا يُسأل عنه، وعن يحيى بن أبي كثير في هذا المعنى، غيرَ هذا مما قد ذكره الدَّارَقُطْني عنه في "عِلَلِه"، إلا أنه لم يوصل به إليه الأسانيد، ولا حاجةَ بنا أيضًا إلى شيء منه، فلذلك لم نَعرِضْ له (¬1). ¬

_ (*) وروى أبو داود معناه من حديث أبي سعيد الخُدْري، وأخرجه ابن خُزيمة في "صحيحه". (¬1) انظر: "بيان الوهم والإيهام" (5/ 260 - 261).

81 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: ما بالَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا منذ أُنزلَ عليه القرآنُ. أخرجه الحافظ أبو عَوَانة في "مسنده الصحيح" (¬1). 82 - وقد ثبت من حديث حذيفةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى سُبَاطةَ (¬2) قومٍ، فبالَ قائمًا (*) (¬3). 83 - وفي حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى سُبَاطةَ قومٍ ففَجَّ (**) رِجلَيه (¬4) وبالَ قائمًا. أخرجه ابن خُزيمة في "صحيحه" (¬5). قال البَيْهَقي: وقد رُوي في العلة في بوله قائمًا حديثٌ لا يثبت مثلُه، أخبرناه أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المِهْرَاني، أنبأ حامد بن محمد بن عبد اللَّه المُذكِّر، ثنا يحيى بن عبد اللَّه بن ماهان الهَمْداني، وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا أبو عمران موسى بن سعيد الحَنظلي بِهَمْدانَ، ثنا يحيى بن عبد اللَّه، ثنا ابن ماهان الكَرَابيسي، ثنا حَمَّاد بن غسان الجُعفي، ثنا معن ¬

_ (*) الحديث متفق عليه. (**) "ففَشَجَ" كذا رواه بعضهم، ورواه أحمد ولفظه: "ففَحَجَ"، والحديث مُعلَّل. (¬1) رواه أبو عوانة (1/ 169). (¬2) هي المزبلة والكناسة، تكون بفناء الدار مرفقًا لأهلها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتدُّ فيها البول على البائل. (¬3) رواه البخاري (222)، ومسلم (273). (¬4) أي: فرّجَ بينهما. (¬5) رواه ابن خزيمة (63).

ابن عيسى: حدثنا مالك بن أنس، عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالَ قائمًا مِن جرحِ كان بِمَآبِضِه. وهو باطن الرُّكبة (¬1). 84 - وعن أبي قتادةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا شربَ أحدُكم فلا يَتنفَّسْ في الإناء، وإذا أتى الخَلاءَ فلا يَمَسَّ ذَكرَه بيمينه، ولا يَتسَّحْ بيمينه". لفظ رواية البُخاري. وهو في الجملة عند الجماعة كلِّهم (¬2). 85 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالدِ أُعلِّمُكم، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ فلا يَستقبِلِ القِبْلَةَ ولا يَستدبِرْها، ولا يَستطِبْ (¬3) بيمينه"، وكان يأمرُ بثلاثة أحجار، ويَنهَي عن الرَّوث والرِّمَة (¬4). لفظ رواية أبي داود، وهو عند مسلم من وجه آخر تتبعه الدَّارَقُطْني (¬5). 86 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدتَ على حاجتك فلا تَستقبِلِ القِبْلَةَ ولا بيتَ المَقدسِ. قال عبد اللَّه: لقد ارتقيتُ ¬

_ (¬1) رواه البيهقي (1/ 101). (¬2) رواه البخاري (152)، ومسلم (267)، وأبو داود (31)، والنسائي (47)، والترمذي (15)، وابن ماجه (310). (¬3) أي: يستنجي، وسمي الاستنجاء استطابة لتطييبه للبدن بإزالة الخبث الضار. (¬4) جمع رميم، وهي العظام البالية. (¬5) رواه أبو داود (8)، ومسلم (262).

على ظهر بيتٍ لنا، فرأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على لَبِنتَينِ مُستقبِلَ بيتِ المَقدسِ لحاجته. أخرجه مالكٌ أطولَ من هذا، والحديث في الجملة عند الجماعة كلِّهم (¬1). قال أحمد: ثنا هاشم بن القاسم، ثنا إسرائيل، عن يوسف بن أبي بُردة، عن أبيه قال: حدثتني عائشة: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرجَ من الغائط قال: "غُفرانَك" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه الإمام مالك (1/ 193)، والبخاري (145)، ومسلم (266)، وأبو داود (12)، والنسائي (22)، والترمذي (11)، وابن ماجه (322). (¬2) رواه الإمام أحمد (6/ 155).

8 - باب الاستنجاء والاستجمار

8 - باب الاستِنجاء والاستِجمار 87 - رَوى البُخاري من حديث عبد اللَّه، هو ابن مسعود: أتى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الغائطَ، فأَمرَني أن آتِيَهُ بثلاثةِ أحجارٍ، فوجدتُ حَجَرَينِ، والتمستُ الثالثَ فلم أجدْه، فأخذتُ رَوثةً فأَتيتُه بها، فأخذ الحَجَرَينِ وأَلقى الرَّوثةَ، وقال: "هذه رِكْسٌ" (¬1) (¬2). 88 - وروى الدَّارَقُطْنيُّ من حديث أبي هريرةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أن يُستنجَى برَوثٍ أو عَظمٍ، وقال: "إنهما لا يُطهِّرانِ". قال: إسناده صحيح (¬3). 89 - وروى عطاء بن أبي ميمونةَ، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَدخلُ الخَلاءَ، فأَحملُ أنا وغلامٌ نحوي إداوةً من ماءٍ وعَنَزَةً (¬4)، فيَستنجِي بالماء. متفق عليه (¬5). * * * ¬

_ (¬1) الركس: ردٌّ من حالة الطعام إلى حالة الرَّوث. (¬2) رواه البخاري (155). (¬3) رواه الدارقطني (1/ 56). (¬4) العَنَزة: عصا طويلة في أسفلها زج، ويقال: رمح قصير. (¬5) رواه البخاري (151)، ومسلم (271).

9 - باب أسباب الغسل

9 - باب أسباب الغُسل 90 - عن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه قال: "إنما الماءُ من الماءِ (¬1) ". لفظ مسلم (*) (¬2). 91 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ماءُ الرجلِ غليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأةِ رقيقٌ أصفرُ، فأيُّهما سبقَ كان الشَّبَهُ". أخرجه النَّسائي (**) (¬3). 92 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا جلس بين شُعَبِها ¬

_ (*) وفي لفظ لابن خُزيمة: "إنما الماءُ من الإمناء". (**) ورواه مسلم أتمَّ منه، وفيه: سُئل عن المرأة تَرى في منامها ما يَرى الرجلُ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا رأتْ ذلك فعليها الغُسلُ". (¬1) أي: إيجاب الغسل يتوقف على الإنزال، فالمراد بالماء الأول: ماء الغسل، وبالماء الثاني: المني. (¬2) رواه مسلم (343). (¬3) رواه النسائي (200).

الأربعِ، ثم جَهَدَها فقد وجبَ الغُسلُ". متفق عليه (¬1). وفي رواية لمسلم: "وإن لم يُنزلْ" (¬2). وفي رواية للبَيْهَقي: "إذا التقَى الخِتَانانِ وجبَ (¬3) الغُسلُ، أَنزلَ أو لم يُنزلْ" (¬4). وسيأتي الغُسل من الحَيض والموت. 93 - وروى ابن خُزيمة في "صحيحه" حديثًا عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، فيه: أن ثُمَامةَ بنَ أُثال أُسِرَ، وفيه: فمرَّ عليه النبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا، فأَسلَمَ، فحَلَّه وبعثَه إلى حائط أبي طلحةَ، فأمرَه أن يَغتسلَ، فاغتسلَ وصلَّى ركعتَين، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "حَسُنَ إسلامُ أخيكم" (*) (¬5). 94 - وروى عمرو بن سُلَيم الأنصاريُّ قال: أَشهدُ على أبي سعيد الخُدْري قال: أَشهدُ على رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الغُسلُ يومَ الجمعة واجبٌ على كلِّ مُحتلِمٍ، وأن يَستَنَّ (¬6)، وأن يَمسَّ طِيبًا إن وجدَ". قال عمرو: أمَّا الغُسلُ فأَشهدُ أنه واجبٌ، وأمَّا الاستنانُ والطِّيبُ فاللَّهُ ¬

_ (*) وأصله متفق عليه، وليس فيه: "فأمرَه أن يَغتسلَ". (¬1) رواه البخاري (287)، ومسلم (348). (¬2) رواه مسلم (348). (¬3) على هامش الأصل: "فقد"، وجاء فوقها (خ)؛ يعني: "فقد وجب". (¬4) رواه البيهقي (1/ 163). (¬5) رواه ابن خزيمة (253). (¬6) أي: يدلُك أسنانه بالسواك.

أعلمُ: أواجبٌ هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث. لفظ رواية البُخاري (¬1). 95 - وعن ابنِ عمرَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا جاء أحدُكم الجمعةَ فَلْيَغتسِلْ". متفق عليه (¬2). 96 - وعن الحسن، عن سَمُرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن تَوضَّأ يومَ الجمعة فبها ونِعْمَتْ، ومَن اغتسلَ فالغُسلُ أفضلُ". أخرجه التِّرْمِذي واستحسنه. ومَن يَحملْ روايةَ الحسن عن سَمُرة على السماع مطلقًا ويُصحِّحُها يُصحِّحْه (*) (¬3). 97 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يغتسلُ من أربعٍ: من الجَنَابةِ، ويومَ الجمعة، وغَسلِ الميت، والحِجَامةِ. أخرجه أبو داود وابن خُزيمة في "صحيحه"، والحاكم في في "المستدرك". وقال البَيْهَقي: رواةُ هذا الحديث كلُّهم ثقاتٌ (¬4). ¬

_ (*) رواه الحارث بن أبي أسامة، عن أبي عبد الرحمن المُقرئ، عن الربيع بن صَبِيح، عن يزيدَ الرَّقَاشي، عن أنس: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. ورواه ابن ماجه من طريق يزيد، وهو ضعيف. قال الحافظ الضياء: ورواه حَمَّاد ابن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس. (¬1) رواه البخاري (840). (¬2) رواه البخاري (837)، ومسلم (844) (¬3) رواه الترمذي (497). (¬4) رواه أبو داود (348)، وابن خزيمة (256)، والحاكم (582)، والبيهقي (1/ 299).

قلت: وقد عُلِّل، ومصعب بن شَيبة راويه قد مُسَّ أيضًا، ولكن احتج به مسلم (*). === (*) قال الإمام أحمد بن حنبل في"مسنده": حدثنا يحيى بن حَمَّاد، ثنا أبو عَوانة، عن عبد اللَّه بن أبي السَّفَر، عن مصعب بن شَيبة، عن طَلْق بن حبيب، عن عبد اللَّه ابن الزبير، عن عائشةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "يُغتسَلُ من أربعٍ: من الجمعةِ، والجَنَابةِ، والحِجَامةِ، وغَسلِ الميت".

10 - باب أحكام الحدث الأكبر

10 - باب أحكام الحدث الأكبر 98 - عن عبد اللَّه بن سَلِمة، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقرأ القرآنَ على كل حالٍ، ليس الجَنَابةَ. لفظ رواية النَّسائي، وأخرجه أبو داود والتِّرْمِذي وابن خُزيمة، والحاكم في "المستدرك". ما بين مُطوِّلٍ ومختصِرٍ (¬1). وعبد اللَّه بن سَلِمة -بكسر اللام- قيل فيه: تَعرف وتُنكر (*). 99 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتى أحدُكم أهلَه، ثم أراد أن يَعودَ فَلْيتوضَّأ". أخرجوه إلا البُخاري (¬2). وفي رواية: "بينهما وُضوءًا"، وقال: "ثم أراد أن يُعاودَ" (¬3). ¬

_ (*) ووثَّقه العِجلي وابن حِبَّان وغيرهما، وصحَّح هذا الحديثَ أيضًا شعبةُ والتِّرْمِذيُّ، ولفظه: "ما لم يكن جُنُبًا". (¬1) رواه النسائي (266)، وأبو داود (229)، والترمذي (146)، وابن خزيمة (208)، والحاكم (541). (¬2) رواه مسلم (308)، وأبو داود (220)، والنسائي في "السنن الكبرى" (9038)، والترمذي (141)، وابن ماجه (587). (¬3) رواه مسلم (308).

وفي رواية لابن خُزيمة: "إذا أراد أن يَعودَ فَلْيَتوضَّأ وُضوءَه للصلاة"؛ يعني: الذي يُجامع ثم يعود قبل أن يغتسل (¬1). وفي أخرى له: "إذا أراد أحدُكم العَودَ فَلْيَوضَّأ؛ فإنه أنشطُ للعَود" (*). وأخرجها الحاكم في "المستدرك"؛ أي: هذه الزيادة (¬2). 100 - وروى مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال: ذَكرَ عمرُ بنُ الخَطَّاب لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه تُصيبه الجَنَابةُ من الليل، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَوضَّأ واغسِلْ ذَكَرَك، ثم نَمْ". أخرجوه إلا التِّرْمِذيَّ (¬3). 101 - وعن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينامُ وهو جُنُبٌ، من غير أن يَمسَّ ماءً. أخرجه الأربعة، ورجالُه ثقاتٌ، وقال أحمد: ليس صحيحًا (¬4). ¬

_ (*) قال ابن خُزيمة في "صحيحه": حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البَزَّاز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي المُتوكل، عن أبي سعيد، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أراد أحدُكم العَودَ فَلْيتوضَّأ؛ فإنه أنشطُ له في العَودِ". (¬1) رواه ابن خزيمة (220). (¬2) رواه الحاكم (542). (¬3) رواه البخاري (286)، ومسلم (306)، وأبو داود (221)، والنسائي (260). (¬4) رواه أبو داود (228)، والنسائي (252)، والترمذي (202)، وابن ماجه (581).

ولأبي داود من حديث عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أراد أن يأكلَ أو ينامَ تَوضَّأ؛ تعني: وهو جُنُب (¬1). وفي لفظ للنَّسائي: توضَّأَ وُضوءَه للصلاة (*) (¬2). ¬

_ (*) وأخرجه مسلم، وهو عند التِّرْمِذي بلفظ آخر وصحَّحه، وتكلَّم في الذي قبلَه بأنه غلطٌ من أبي إسحاق، وكذلك تكلَّم فيه يزيد بن هارون وغيره، وصحَّحه البَيْهَقي وغيره، واللَّه أعلم. (¬1) رواه أبو داود (244). (¬2) رواه النسائي (255).

صفة الغسل

صفة الغُسل 102 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اغتَسلَ مِنَ الجَنَابة يبدأ فيَغسل يدَيه، ثمَّ يُفرغ بيمينه على شماله، فيَغسل فَرْجَه، ثم يَتوضَّأ وُضوءَه للصلاة، ثم يأخذ الماءَ فيُدخل أصابَعه في أُصول الشَّعَر، حتى إذا رأى أنْ قد استَبرَأَ حَفَنَ على رأسه ثلاث حَفَنَاتٍ، ثم أفاضَ على سائر جسده، ثم غسل رجلَيه. أخرجه مسلم، وأصله متفق عليه (¬1). وفي روايةٍ: ذكَرَ غسلَ الكَفَّينِ ثلاثًا (¬2). وفي أخرى: بدأ فغسل يدَيه قبل أن يُدخلَ يدَه في الإناء (¬3). وفي رواية للبُخاري: ثم يُخلِّل شَعرَه بيده، حتى إذا ظنَّ أنه قد أَروَى بشرتَه أفاضَ عليه الماءَ ثلاثَ مراتٍ (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (316)، والبخاري (269). (¬2) رواه مسلم (316). (¬3) رواه مسلم (316). (¬4) رواه البخاري (269).

وعند البُخاري: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اغتَسلَ من الجَنَابة دعا بشيءٍ نحو الحِلَابِ (*)، فأخذ بكفِّيه فبدأ بشقِّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم قال بهما على وسَط رأسه (¬1). وعنده في حديث ميمونةَ بعد غسل الفَرج: فضرب بيده الأرضَ فمسحَها، ثم غسلَها، فتَمضمَضَ واستَنشَقَ، وغسل وجهَه وذراعَيه، ثم صبَّ على رأسه، ثم أفاضَ على جسده، ثم تنحَّى فغسل قدمَيه، فناولتُه ثوبًا فلم يأخذْه، فانطلَقَ وهو يَنفُضُ يدَيه (¬2). وفي رواية له: ثم ضرب بيده الأرضَ مرتين أو ثلاثًا (¬3). وفي أخرى له: ثم أَفرغَ بيمينه على شماله فغَسلَ مَذَاكيرَه (¬4). 103 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قلت: يا رسولَ اللَّه! إني امرأةٌ أَشدُّ ضَفْرَ رأسي، أفأَنقضُه لغُسل الجَنَابة؟ فقال: "لا، إنما يكفيك أن تَحثِي على رأسك ثلاثَ حَثَيَاتٍ، فتَطهُرين". لفظ رواية لمسلم (¬5). ¬

_ (*) ظنَّ البُخاريُّ أن الحِلَابَ نوعٌ من الطِّيب، وهو وَهْمٌ؛ وإنما هو الإناءُ، والطِّيب هو المِحْلَب. (¬1) رواه البخاري (255)، ومسلم (318). (¬2) رواه البخاري (272). (¬3) رواه البخاري (270). (¬4) رواه البخاري (262). (¬5) رواه مسلم (330).

وفي أخرى له: أفأَنقضُه لغُسلِ الحَيضةِ والجَنَابةِ؟ فقال: "لا" (¬1). 104 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- وعن أَبِيها قالت: سألتِ امرأةٌ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كيف تَغتسلُ من حَيضتها؟ قالت: فذَكرَتْ أنه علَّمَها كيف تَغتسلُ، ثم تأخذ فِرْصةً (¬2) من مِسكٍ فتَطَهَّرُ بها، قالت: كيف أَتطهَّرُ بها؟ قال: "تَطهَّرِي بها، سبحانَ اللَّه! واستَتِرِي". وفيه: قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: فأَخذتُها واجتذبتُها إليَّ وعرفتُ ما أراد النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: "تتبَّعِي أثرَ الدم". أخرجه مسلم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (330). (¬2) أي: قطعة من صوف أو قطن. (¬3) رواه مسلم (332)، وكذا البخاري (308).

11 - باب التيمم

11 - باب التيمم 105 - عن أبي أُمامةَ -رضي اللَّه عنه-: أن نَبِيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّهَ تعالى قد فضَّلَني على الأنبياءِ"، أو قال: "أمَّتِي على الأُمَم بأربعٍ: أَرسلَني إلى الناس كافةً، وجعلَ الأرضَ كلَّها لي ولأمَّتِي طَهورًا ومسجدًا، فأينما أدركَتِ الرجلَ من أمَّتِي الصلاةُ فعندَه مسجدُه وطَهورُه، ونُصرتُ بالرُّعبِ يَسيرُ بين يدَيَّ مسيرةَ شهرٍ يُقذَفُ في قلوب أعدائي، وأُحِلَّتْ لِيَ الغنائمُ". لفظ رواية أبي عبد اللَّه الثقفي في "الفوائد"، ورواه عن قوم مُوثَّقين، وأصله عند البَيْهَقي (*) (¬1). 106 - وفي رواية مسلم من حديث حذيفةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُضِّلْنا على الناسِ بثلاثٍ: جُعِلَتْ صفوفُنا كصفوت الملائكة، وجُعلَتْ لنا الأرضُ مسجدًا، وجُعِلَتْ تربتُها لنا طَهورًا إذا لم نجدِ الماءَ". وذكر ¬

_ (*) ورواه الإمام أحمد في "مسنده"، وروى التِّرْمِذي بعضَه وصحَّحه. وعند البُخاري معناه من حديث جابر، وفيه: "وجُعلت لي الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، وأيُّما رجلٍ من أمَّتِي أَدركتْه الصلاةُ فَلْيُصلِّ"، وذكر باقيه بنحوه. (¬1) رواه البيهقي (1/ 180 - 181)، والإمام أحمد (5/ 248).

خصلة أخرى (¬1). وفي رواية للبَيْهَقي: "وجُعل ترابُها طَهورًا" (*) (¬2). ولمسلم في حديث شقيق من رواية أبي موسى عن عمار: "يكفيك أن تقولَ هكذا"، وضرب بيدَيه على الأرض، فنفض يدَيه فمسح وجهَه وكفَّيه (¬3). 107 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصَّعيدُ (¬4) وَضوءُ المسلم وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين، فإذا وجد ذلك فَلْيتقِ اللَّهَ وَلْيُمِسَّه بشرتَه؛ فإن ذلك خيرٌ". أخرجه الحافظ أبو بكر البَزَّار، وأورده ابن القطَّان في باب أحاديثَ ذكر أن أسانيدَها صِحَاحٌ (**). ¬

_ (*) قال ابن خُزيمة في "صحيحه": حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، ثنا ابن فُضَيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن رِبْعِيِّ بن حِرَاش، عن حذيفةَ بنِ اليَمَان قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فُضِّلْنا على الناسِ بثلاثٍ: جُعلَتْ لنا الأرضُ كلُّها مسجدًا، وجُعل ترابُها لنا طَهورًا إذا لم نجدِ الماءَ، وجُعلَتْ صفوفُنا كصفوف الملائكة، وأُوتيتُ هؤلاء الآياتِ من آخر سورة البقرة من بيتِ كنزٍ تحتَ العَرش، لم يُعطَ منه أحدٌ قبلي ولا أحدٌ بعدي". (**) أخرجه الدَّارَقُطْني من حديث أبي ذَر، وقال: صحيح. = (¬1) رواه مسلم (522). (¬2) أخرجه البيهقي (1/ 213). (¬3) رواه مسلم (368). (¬4) هو عند الأكثرين التراب.

108 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: خرج رجلانِ في سفرٍ، فحضرَتِ الصلاة وليس معهما ماءٌ، فتيمَّمَا صعيدًا طيِّبًا وصلَّيَا، ثم وجدَا === = وقال ابن القطَّان في حديث أبي ذَرٍّ: عندي أنه ضعيف. قال البَزَّار: ثنا مُقدَّم بن محمد المُقدَّمي: قال: حدثني عمِّي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مُقدَّم، ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سِيرينَ، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصَّعيدُ وَضوءُ المسلم وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين، فإذا وجد الماءَ فَلْيتَقِ اللَّه وَلْيُمسَّه بشرتَه؛ فإن ذلك خيرٌ". قال البَزَّار: وهذا الحديثُ لا نَعلمُه يُروَى عن أبي هريرةَ إلا من هذا الوجه، ولم نَسمعْه إلا من مُقدَّم عن عمِّه، وكان مُقدَّم ثقةً معروفَ النَّسَب، انتهى كلامه. وقد رَوى (خ) لِمُقدَّم ولعمِّه في"صحيحه". وقال ابن القطَّان في هذا الحديث: إسناده صحيح. ويُحتمل أن يكونَ دخل على مُقدَّم أو عمِّه حديثٌ في حديثٍ. ثم إني رأيتُ له علةً قد ذكرها الدَّارَقُطْني في "كتاب العِلَل"، فإنه سُئل عن حديث رُوي عن محمد بن سِيرينَ، عن أبي هريرةَ: أن أبا ذَرٍّ كان في غُنَيمةٍ له، فقدمَ المدينةَ، الحديث، وفيه: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا ذَرٍّ! الصعيد كافيك وإن لم تجد الماء عشرَ سنين، فإذا وجدتَ الماءَ فأَمِسَّه جلدَك". فقال: يرويه هشام بن حسان، واختلف عنه؛ فرواه القاسم بن يحيى بن عطاء المُقدَّمي، عن هشام، عن ابن سِيرينَ، عن أبي هريرةَ، وخالفه ثابت بن يزيد أبو زيد وزائدة رَوياه عن هشام، عن ابن سِيرينَ مُرسَلًا، وكذلك رواه أيوب السَّخْتِياني وابن عون وأشعث بن سَوَّار، عن ابن سِيرينَ مُرسلًا؛ وهو الصواب. قال بكر بن محمد، عن أبيه: إن أبا عبد اللَّه، يعني: أحمد بن حنبل قال في حديث خالد، عن أبي قِلَابة، عن عمرو بن بُجْدان، عن أبي ذَرٍّ مرفوعًا: "الصَّعيدُ الطيِّبُ هو طَهورٌ"، الحديث، قلت: عمرو بن بُجْدان معروف؟ قال: لا.

الماءَ في الوقت، فأعاد أحدُهما الصلاةَ والوضوءَ، ولم يُعِدِ الآخرُ، فأتَيَا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرَا ذلك، فقال للذي لم يُعِدْ: "أصبتَ السُّنَّةَ، وأجزأتْك صلاتُك"، وقال للذي توضأ وأعاد: "لك الأجرُ مرتَين". أخرجه أبو داود، والحكم في "المستدرك" (¬1). ولتصحيحه طريقٌ مذكورٌ في "الإمام". 109 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا نَهيتُكم عن شيءٍ فاجتَنِبُوه، وإذا أَمرتُكم بأمرٍ فَأتُوا منه ما استطعتُم". متفق عليه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (338)، والحاكم (632). (¬2) رواه البخاري (6858)، ومسلم (1337).

12 - باب الحيض

12 - باب الحيض 110 - رَوى ابنُ أبي عدي في حديث فاطمةَ بنتِ أبي حُبيش، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن دمَ الحَيضِ أسودُ يُعرَف (¬1)، فإذا كان ذلك فأَمسِكِي عن الصلاة، وإذا كان الآخرُ فتَوضَّئِي". أخرجه النَّسائي، ورجالُه رجالُ مسلم، وقال: قد رَوى هذا الحديثَ غيرُ واحدٍ، فلم يذكرْ أحدٌ منهم ما ذكر ابنُ أبي عدي (*) (¬2). وفي رواية ابن أبي عمر، عن سفيانَ في حديثها: "وإذا أَدبرَتْ فاغتَسِلِي وصَلِّي" (¬3). ¬

_ (*) رواه حَمَّاد بن زيد كذلك، وقد تقدَّم في (باب نواقض الوضوء) ذكرُه. قال أحمد: ثنا يزيد، أنبأ محمد، يعني: ابن إسحاق، عن الزُّهري، عن عروةَ، عن عائشةَ: أن زينبَ بنتَ جحش استُحيضَتْ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالغُسل لكل صلاةٍ، فإن كانت لَتُدخِلُ المِرْكَنَ مملوءً ماءً، فتَغمسُ فيه، ثم تخرج منه وإن الدمَ لَعَالِيه، فتخرج فتُصلِّي. (¬1) أي: تعرفه النساء، وقيل بكسر الراء؛ أي: له رائحة. (¬2) رواه النسائي (216). (¬3) رواه البخاري (314).

وكذلك في حديث أبي أسامة، قال: "ولكنْ دَعيِ الصلاةَ قَدْرَ الأيامِ التي كنتِ تَحيضينَ فيها، ثم اغتَسِلِي وصَلِّي" (*) (¬1). 111 - وعند أبي داودَ من رواية سُهيل بن أبي صالح، عن الزُّهري، عن عروةَ بن الزبير، عن أسماءَ بنتِ عُميس قالت: قلت: يا رسولَ اللَّه! إن فاطمةَ بنتَ أبي حُبيش استُحيضَتْ منذ كذا وكذا، فلم تُصلِّ؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سبحان اللَّه! هذا من الشيطان، لِتَجلِسْ في مِرْكَنٍ (¬2)، فإذا رأتْ صُفَارةً (¬3) فوقَ الماءِ فَلْتَغتسِلْ للظُّهر والعَصر غُسلًا واحدًا، وتغتسلْ للمغرب والعشاء غُسلًا واحدًا، وتَغتسلْ للفجر غُسلًا واحدًا، وتتوضأ فيما بين ذلك" (¬4). وسُهيل احتجَّ به مسلمٌ كثيرًا، وقد أَعلَّ بعضُهم هذا الحديثَ. 112 - وعنده أيضًا، عن حَمْنةَ بنتِ جحش قالت: كنتُ أُستحاضُ حَيضةً كثيرةً شديدةً، وفيه: "فتَحيَّضِي ستةَ أيامٍ أو سبعةَ أيامٍ علم اللَّه تعالى، ثم اغتَسِلِي وصَلِّي، حتى إذا رأيتِ أنك قد طهرتِ واستَنْقَأتِ (**) ¬

_ (*) وكلاهما عند البُخاري، لكن حديث سفيان [. . .]، وحَكى البَيْهَقي أن سفيانَ كان يَشُكُّ فيه. (**) كذا رواه المُحدِّثون، والصواب "واستَيقَنَتْ". (¬1) رواه البخاري (319). (¬2) وهو الإجَّانة التي تغسل فيها الثياب. (¬3) في هامش الأصل: "صفرة"، وجاء فوقها: (خ). (¬4) رواه أبو داود (296).

فصلِّي ثلاثًا وعشرين ليلةً، أو أربعًا وعشرين ليلةً وأيامَها، وصُومِي؛ فإن ذلك يُجزِئك، وكذلك فافعلِي في كل شهرٍ، كما يحيضُ النساءُ وكما يَطهُرْنَ، مِيقاتَ حَيضِهنَّ وطُهرِهنَّ". وأخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه، وهو من رواية عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل، وعبد اللَّه هذا مُختلَف في الاحتجاج به (*) (¬1). 113 - وعند النَّسائي من رواية ابن الهادي، في حديث عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن أمَّ حبيبةَ بنتَ جحش التي كانت تحتَ عبد الرحمن بن عوف وأنها استُحيضَتْ، فذُكر شأنُها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "ليستْ بالحَيضةِ (**)، ولكنها رَكْضَةٌ (¬2) من الرَّحِمِ، لِتَنظرْ قَدْرَ قُرُوئِها التي كانت تَحيضُ لها فتتركِ الصلاةَ، ثم تَنظرْ ما بعد ذلك فَلْتَغتسِلْ عند كل صلاةٍ". وابن الهادي هذا متفق على الاحتجاج به (...) (¬3). 114 - وعند البُخاري، عن عائشةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتَكفَ واعتَكفَ ¬

_ (*) كان أحمد وإسحاق يحتجَّان بحديثه، وقال التِّرْمِذي: صَدُوق تكلَّمُوا فيه من قِبَل حفظه، وقد ضعَّفه آخرون، وروى له البُخاري في كتاب "الأدب"، و"خلق أفعل العباد"، وغيرهما. (**) الفتح أحسن. (...) والحديث في "صحيح مسلم"، إلا أن لفظه: "فاغتَسلِي وصَلِّي"، قالت عائشة: وكانت تغتسل عند كل صلاةِ، وفيه: قال الليث: لم يذكر ابنُ شهاب أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَها أن تغتسلَ عند كل صلاةٍ، ولكنه شيءٌ فعلَتْه هي. (¬1) رواه الترمذي (128). (¬2) أي: ضربة. (¬3) رواه النسائي (356).

معه بعضُ نسائه وهي مُستحَاضَةٌ تَرى الدمَ، الحديث (¬1). 115 - وعنده، عن أمِّ عطيةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كنَّا لا نَعُدُّ الصُّفرةَ والكُدْرةَ شيئًا (¬2). وزاد أبو داود: "بعدَ الطُّهر" (¬3). وكذا الدَّارَقُطنِي، إلا أن لفظه: كنَّا لا نَعدُّ التَّرِيَّةَ بعدَ الطُّهر شيئًا، وهي الصُّفْرة والكُدْرة (*) (¬4). 116 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن اليهودَ كانوا إذا حاضَتِ المرأةُ منهم (¬5) لم يُؤاكِلُوها، ولم يُجامِعُوها في البيوت، فأنزل اللهُ عز وجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية [البقرة: 222]، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:"اصنَعُوا كلَّ شيءٍ إلا النكاحَ"، الحديث. أخرجوه إلا البُخاريَّ (¬6). ¬

_ (*) قال النَّوَوي في "شرح مسلم": قال البَيْهَقي وابن الصَّبَّاغ وغيرهما من أصحابنا: التَّرِيَّةُ: رطوبةٌ خفيفةٌ، لا صُفرةَ فيها ولا كُدرةَ، يكون على القُطنة أثرٌ لا لونٌ، قالوا: وهذا يكون بعدَ انقطاع الحَيض. (¬1) رواه البخاري (303). (¬2) رواه البخاري (320). (¬3) رواه أبو داود (307). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 219). (¬5) في هامش الأصل: "فيهم"، وجاء فوقها (خ). (¬6) رواه مسلم (302)، وأبو داود (258)، والنسائي (288)، والترمذي (2977)، وابن ماجه (644).

117 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كانت إحدانا إذا حاضَتْ أمرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تَتَّزِرَ، ثم يُباشِرُها. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 118 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرجل يأتي امرأتَه وهي حائض، قال: "يَتصدَّقُ بدينارٍ، أو: بنصفِ دينارٍ". لفظ رواية النَّسائي في "الإغراب" (*)، وأخرجه أبو داود وابن ماجه، وربما لم يَرفعه شعبة (**) (¬2) * * * ¬

_ (*) للنَّسَائي كتابُ "الإغراب"، وهو ما أغرب سفيانُ على شعبةَ، وشعبةُ على سفيانَ، أربعة أجزاء. (**) والتِّرْمِذي، ورجالُ إسناده مرفوعًا احتجَّ بهم البُخاري، وقال النَّوَوي في "شرح مسلم": وهو حديث ضعيف باتفاق الحُفَّاظ. وليس الأمرُ كما قال، وقد تكرر منه هذا في أحاديثَ صحَّحها بعضُ الأئمَّة، كحديث قيس بن طَلْق في مسِّ الذَّكر، وحديث: "لا نذرَ في معصيةٍ، وكفارتُه كفارةُ يمينٍ"، وحديث الحكم بن عمرو في النهي عن توضُّؤ الرجل بفضل المرأة، وحديث ابن مسعود في الوضوء بالنَّبِيذ، وحديث أبي هريرة: "مَن غسَّل ميتًا فَلْيَغتسِلْ"، وأحاديث إيجاب نصف صاع من حنطة في صدقة الفطر، وحديث: "نهَى عن ثمن الكلب، إلا كلبَ صيدٍ". (¬1) رواه البخاري (296)، ومسلم (293). (¬2) رواه أبو داود (264)، وابن ماجه (640).

13 - باب باب إزلة النجاسة، وذكر بعض الأعيان النجسة

13 - باب باب إزلة النجاسة، وذكر بعض الأعيان النَّجِسة 119 - عن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن الخمر تتَّخَذ خَلًّا، قال: "لا". أخرجه مسلم (¬1). 120 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُنجِّسوا أمواتَكم؛ فإن المسلمَ ليس بنجسٍ حيًّا ولا ميتًا". أخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه (*) (¬2). 121 - وروى أنس -رضي اللَّه عنه-: أنه -عليه السلام- لمَّا رَمَى الجمرةَ ونحرَ نُسكَه وحلقَ ناوَلَ الحلاقَ شقَّه الأيمنَ، ودعا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ، فقال: "احلِقْ"، فحلقَه فناوَلَه أبا طلحة، ¬

_ (*) قال الإمام أحمد بن حنبل في "المسند": ثنا معاذ بن معاذ، ثنا عكرمة بن عمار، عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير، عن عائشةَ قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسلُتُ المَني من ثوبه بعِرْقِ الإذخر، ثم يُصلِّي فيه، ويَحُتُّه من ثوبه يابسًا، ثم يُصلِّي فيه". (¬1) رواه مسلم (1983). (¬2) رواه الحاكم (1422).

فقال: "اقسِمْه بين الناس". لفظ رواية مسلم (¬1). 122 - وفي حديث طويل لسَلَمة بن الاكوع -رضي اللَّه عنه-: فأتينا خَيبرَ فحاصَرْناهم، فأصابَتْنا مَخْمَصةٌ (¬2) شديدةٌ، ثم إن اللَّهَ فتحَها عليهم، فلمَّا أمسى الناسُ اليومَ الذي فُتحت عليهم أَوقدوا نيرانًا كثيرةً، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما هذه النيرانُ؟ على أيِّ شيءٍ تُوقدون؟ "، قالوا: على لحمٍ، قال: "أيِّ لحمٍ؟ " قالوا: على لحم الحُمُر الإنسية، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَهرِيقُوها واكسِرُوها"، فقال رجل: يا رسولَ اللَّه! أَوَ نهُرِيقُها ونَغسلُها؟ فقال: "أو ذاك"، الحديث. وهو في "الصحيح" (¬3). 123 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في قصةٍ ذكرها في الحج: وإني كنتُ تحتَ ناقةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يَمَسُّني لُعَابُها، أسمعُه يُلبِّي بالحج. أخرجه البَيْهَقي هكذا مختصرًا (*) (¬4). ¬

_ (*) ورجاله ثقات. قال البَيْهَقي: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، ثنا أبو العباس بن يعقوب، أنبأ العباس بن الوليد بن مَزْيد: أخبرني أبي، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلمَ وغيره، عن ابن عمر في قصةِ ذكرها في الحج قال: وإني كنتُ تحتَ ناقةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَمسُّني لُعَابُها، أَسمعُه يُلبِّي بالحج". (¬1) رواه مسلم (1305). (¬2) أي: مجاعة. (¬3) رواه البخاري (3960)، ومسلم (1802). (¬4) رواه البيهقي (1/ 255).

124 - وفي "الصحيحين" من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّ على قبرَين، فقال: "إنهما لَيُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ؛ أما أحدُهما فكان لا يَستترُ من بوله، -وفي رواية: لا يَستَنْزه-، وأما الآخرُ فكان يمشي بالنميمة" (*) (¬1). 125 - وثبت أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طاف على بعيرٍ، وأنه قال لأمِّ سَلَمةَ: "طُوفِي من وراء الناس، وأنتِ راكبةٌ" (¬2). 126 - وصحَّح الحاكم من حديث أبي السَّمْح -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُغسَلُ من بول الجارية، ويُرَشُّ من بول الغلام". أخرجه أبو داود (**) (¬3). * * * ¬

_ (*) رُوي هذا الحديثُ بثلاثة ألفاظ: "يستتر"، و"يستَنْزه"، و"يستبرئ"؛ فالأولانِ متفق عليهما، والأخيرُ انفرد به البُخاري. (**) وفي "الصحيح" من حديث أم قيس بنت مِحصَن: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نضحَ بولَ غلامٍ بالَ عليه، وهو ابنُها. (¬1) رواه البخاري (213)، ومسلم (292). (¬2) رواه البخاري (452)، ومسلم (1276). (¬3) رواه أبو داود (376)، والنسائي (304)، وابن ماجه (526).

[2] كتاب الصلاة

[2] كتاب الصلاة

[2] كتاب الصلاة 127 - وعن أبي الزُّبير: أنه سمع جابرَ بنَ عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بين الرجلِ وبين الشِّركِ والكفرِ تركُ الصلاة" (¬1). 128 - وعن عليِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ الأحزاب: "شَغَلُونا عن الصلاةِ الوسطى صلاةِ العصر، مَلأَ اللَّهُ بيوتَهم وقبورَهم نارًا"، ثم صلَّاها بين العِشاءَينِ، بين المغربِ والعِشاءِ (¬2). وقد تبيَّن من حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى العصرَ بعدَما غربتِ الشمسُ، وصلَّى بعدَها المغربَ (*) (¬3). 129 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا رَقَدَ (¬4) أحدُكم عن الصلاة، أو غفلَ عنها فَلْيُصلِّها إذا ذكرَها؛ فإن اللَّهَ عز وجل يقول: {وَأَقِمِ ¬

_ (*) متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (82). (¬2) رواه مسلم (627). (¬3) رواه البخاري (571)، ومسلم (631). (¬4) أي: نام.

الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] " (¬1). وكلُّ هذه الأحاديث عند مسلم. 130 - وعنده في حديث لعِمرانَ بنِ حُصين، فيه: النومُ عن الصلاة حتى استيقظَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رفعَ رأسَه، فرأى الشمسَ قد بَزَغَتْ قال: "ارتَحِلُوا"، فسار، حتى إذا ابيضَّتِ الشمسُ نزل، فصلَّى بنا الغَدَاةَ، الحديث (¬2). 131 - وعند أبي داود في حديث لأبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَحَوَّلُوا عن مكانِكم الذي أصابتْكم فيه الغفلةُ"، قال: فأمرَ بلالًا فأذَّن (*) وأقام، فصلَّى (¬3). * * * ¬

_ (*) قال أبو داود: لم يَذكرْ أحدٌ الأذانَ في حديث الزُّهري، إلا الأوزعيَّ وأَبانَ العطَّارَ عن مَعمر. (¬1) رواه مسلم (684). (¬2) رواه مسلم (682). (¬3) رواه أبو داود (436).

1 - باب مواقيت الصلاة

1 - باب مواقيت الصلاة 132 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: سُئل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن وقت الصلوات، فقال: "وقتُ صلاة الفجر ما لم يَطلُعْ قَرنُ الشمسِ الأولُ، ووقتُ صلاة الظهر إذا زاغتِ الشمسُ عن بطن السماء ما لم تَحضُرِ العصرُ، ووقتُ صلاة العصر ما لم تَصفرَّ الشمسُ ويَسقطْ قَرنُها (¬1) الأولُ، ووقتُ صلاة المغرب إذا غابتِ الشمسُ ما لم يَسقطِ الشفَقُ، ووقتُ صلاة العشاء إلى نصف الليل" (¬2). 133 - وعن عائشةَ زوجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورَضِيَ عَنْهُا: أنها قالت: إن كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيُصلِّي الصُّبحَ، فينَصرفُ النساءُ مُتَلفِّعات بمروطِهنَّ (¬3)، ما يُعرَفْنَ من الغَلَس (¬4) (¬5). 134 - وعن رافع بن خَدِيج -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَصبِحُوا ¬

_ (¬1) أي: جانبها. (¬2) رواه مسلم (612). (¬3) جمع مِرْط، وهو الكِساء. (¬4) ظلمة آخر الليل. (¬5) رواه البخاري (829)، ومسلم (645).

بالصُّبح؛ فإنه أعظمُ لأجورِكم، أو: أعظمُ للأجرِ". أخرجه أبو داود وابن ماجه (*) (¬1). وفي رواية التِّرْمِذي: "أَسفِرُوا (¬2) بالفجر؛ فإنه أعظمُ للأجر" وحسَّنه (¬3). وفي لفظ للطحاوي: "أَسفِرُوا بالفجر، فكلَّما أسفرتُم فهو أعظمُ للأجرِ، أو قال: لأجورِكم" (¬4). 135 - وعن جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنه- قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي الظهرَ إذا دَحَضَتِ (¬5) الشمسُ (¬6). 136 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كان الحَرُّ فأَبرِدُوا عن الصلاة؛ فإن شدةَ الحَرِّ من فيحِ جهنم"، وذكر: "أن النارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، فأذِنَ لها في كلِّ عامٍ بنَفَسَينِ؛ نفسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف" (¬7). ¬

_ (*) والنَّسائي، ورجاله احتجَّ بهم مسلم، ورواه ابن حِبَّان وصحَّحه التِّرْمِذي. (¬1) رواه أبو داود (424)، وابن ماجه (672). (¬2) أسفر الصبح: إذا انكشف وأضاء. (¬3) رواه الترمذي (154). (¬4) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 178). (¬5) أي: مالت. (¬6) رواه مسلم (618). (¬7) رواه مسلم (617).

137 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصلِّي العصرَ والشمسُ مرتفعةٌ حيةٌ (¬1)، فيذهبُ الذاهبُ إلى العوالي، فيأتي العواليَ والشمسُ مرتفعةٌ (¬2). 138 - وعن رافع بن خَدِيج -رضي اللَّه عنه-: أنَّه قال: كنا نُصلِّي المغربَ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فينصرفُ أحدُنا وإنه لَيُبصرُ مواقعَ نبلِه (¬3) (¬4). 139 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: أَعْتَمَ (¬5) النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ ليلةٍ حتى ذهب عامةُ الليل (¬6)، وحتى نام أهلُ المسجد، ثم خرج فصلَّى، فقال: "إنه لَوقتُها لولا أن أَشقَّ على أمَّتِي" (¬7). وفي رواية: "لولا أن يُشَقَّ على أمَّتِي" (¬8). وكلُّ هذه الأحاديث عند مسلم، إلا حديثَ الإسفار بالفجر. 140 - وللبُخاري في حديثٍ رواه عن جابر -رضي اللَّه عنه-: والعِشاءُ أحيانًا وأحيانًا؛ إذا رآهم اجتمعوا عجَّلَ، وإذا رآهم أبطؤوا أخَّرَ (¬9). ¬

_ (¬1) حياتها: صفاء لونها قبل أن تصفرَّ أو تتغير، وقيل: حياتها: وجود حرِّها. (¬2) رواه مسلم (621)، والبخاري (525). (¬3) أي: المواضع التي تصل إليها سهامُه إذا رمى بها. (¬4) رواه البخاري (534)، ومسلم (637). (¬5) أي: دخل في ظلمة الليل. (¬6) أي: كثير منه لا أكثره. (¬7) رواه مسلم (638). (¬8) رواه مسلم (638). (¬9) رواه البخاري (535)، ومسلم (646).

141 - وعن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تغلبَنَّكم الأعرابُ على اسمِ صلاتِكم؛ ألا إنها العِشاءُ، وهم يُعتِمُون بالإبل (¬1) " (¬2). 142 - وعن شعبةَ، عن سيَّار بن سَلَامةَ قال: سمعتُ أبا بَرزةَ يقول: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يبالي ببعض تأخير صلاة العشاء إلى نصف الليل، وكان لا يحب النومَ قبلَها، ولا الحديثَ بعدَها. قال شعبة: ثم لقيتُه مرةً أخرى فقال: أو: ثلث الليل (¬3). أخرجهما مسلم. 143 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أدركَ ركعةً من الصبحِ قبل أن تطلعَ الشمسُ فقد أدركَ الصبحَ، ومَن أدرك ركعةً من العصر قبل أن تَغربَ الشمسُ فقد أدركَ العصرَ". متفق عليه (¬4). وفي رواية أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- عند البُخاري: "إذا أدركَ أحدُكم سجدةً من صلاة العصر قبل أن تَغربَ الشمسُ فَلْيُتمَّ صلاتَه، وإذا أدركَ سجدةً من صلاة الصبح قبل أن تَطلعَ الشمسُ فَلْيُتمَّ صلاتَه" (¬5). ¬

_ (¬1) أي: أن الأعراب يسمونها العتمة لكونهم يعتمون بحلاب الإبل؛ أي يؤخرونه إلى شدة الظلام. (¬2) رواه مسلم (644). (¬3) رواه مسلم (674)، والبخاري (737). (¬4) رواه البخاري (554)، ومسلم (80). (¬5) رواه البخاري (531).

144 - ولمسلم في حديثٍ عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أدركَ سجدةً من العصر قبل أن تَغربَ الشمسُ، أو من الصبح قبل أن تَطلعَ الشمسُ فقد أدركَها". والسَّجدة إنما هي الرَّكعة (¬1). 145 - وعن عقبةَ بن عامر الجُهَنيِّ -رضي اللَّه عنه- قال: ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنهانا أن نُصلِّيَ فيهنَّ، أو أن نَقبُرَ فيهنَّ موتانا: حين تطلعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظهيرة (¬2) حتى تميلَ الشمسُ، وحين تَضيَّفُ (¬3) الشمسُ للغروب حتى تغربَ. أخرجه مسلم (¬4). 146 - وعند النَّسائي في حديثٍ لعمرو بن عَبَسَةَ: "فإن الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ إلى طلوع الشمس، فإنها تطلع بين قَرنيَ الشيطان، وهي ساعةُ صلاة الكفَّار؛ فدَعِ الصلاةَ حتى ترتفعَ قِيدَ رمحٍ، ويذهبَ شعاعُها" (*) (¬5). 147 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا صلاةَ بعد صلاةِ الصبح حتى ترتفعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد ¬

_ (*) ورجاله احتجَّ بهم مسلم. (¬1) رواه مسلم (609). (¬2) معناه: حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظلٌّ في المشرق ولا في المغرب. (¬3) أي: تميل. (¬4) رواه مسلم (831). (¬5) رواه النسائي (572).

العصر حتى تغربَ الشمسُ". متفق عليه (¬1). 148 - وعن أبي سَلَمةَ: أنه سأل عائشةَ -رضي اللَّه عنها- عن السجدتَينِ اللتينِ كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّيهما بعد العصر؛ فقالت: كان يُصلِّيهما قبلَ العصر، ثم إنه شُغل عنهما أو نسَيهما، فصلَّاهما بعد العصر، ثم أثبتَهما، وكان إذا صلَّى صلاةً أثبتَها (¬2). أخرجه مسلم (¬3). 149 - وعنده في حديثٍ عن معاويةَ -رضي اللَّه عنه-: إذا صلَّيتَ الجمعةَ فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تَكلَّمَ أو تخرجَ؛ فإن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَنا بذلك أن لا تُوصلَ صلاةٌ بصلاةٍ حتى نتكلَّمَ أو نَخرجَ (¬4). 150 - وعن جُبير بن مُطعِم -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يا بني عبد مَناف! لا تمنعوا أحدًا طافَ بهذا البيت وصلَّى أيةَ ساعةٍ شاءَ من ليلٍ أو نهارٍ". أخرجه النَّسائي والتِّرْمِذي وصحَّحه (*) (¬5). * * * ¬

_ (*) وأبو داود وابن ماجه، ورجاله على شرط مسلم، ورواه ابن حِبَّان، وعَزَاه بعضهم إلى مسلم، وهو وهمٌ. (¬1) رواه البخاري (1765)، ومسلم (827). (¬2) في هامش الأصل: "ثبتها"، وأشار فوقها بـ (خ). (¬3) رواه مسلم (835). (¬4) رواه مسلم (883). (¬5) رواه النسائي (585)، والترمذي (868)، وأبو داود (1894)، وابن ماجه (1254).

2 - باب الأذان

2 - باب الأذان 151 - روى طلحة بن يحيى، عن عمِّه، قال: كنتُ عند معاويةَ بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه-، فجاءه المؤذِّنُ يدعوه إلى الصلاة، فقال معاوية: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "المؤذِّنون أطولُ الناس أعناقًا يومَ القيامة" (¬1). رواه مسلم (¬2). 152 - وعن مالك بن الحُوَيرث -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا حضرتِ الصلاةُ فَليُؤذِّنْ لكم أحدُكم، وَلْيَؤمَّكم أكبرُكم". متفق عليه (¬3). 153 - وعن عبد اللَّه بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: لمَّا أَمرَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالناقوس يُعمَلُ ليُضْرَبَ به للناس لجمع الصلاة طافَ بي، وأنا نائمٌ، رجلٌ يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد اللَّه! أتَبيعُ الناقوسَ؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به ¬

_ (¬1) قيل فيه: أي أكثرهم أعمالًا، وقيل: أكثرهم رجاء، وقيل: معناه: الدنو من اللَّه تعالى، وقيل: أُريد أنهم لا يلجمهم العرق يوم يبلغ أفواه الناس، وقيل غير ذلك. (¬2) رواه مسلم (387). (¬3) رواه البخاري (602)، ومسلم (674).

إلى الصلاة، قال: أفلا أَدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلى. قال: تقول: اللَّه اكبر اللَّه أكبر، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إلهَ إلا اللَّهُ. قال: ثم استأخر عني غيرَ بعيدٍ، قال: ثم تقول إذا أقمتَ الصلاةَ: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامتِ الصلاةُ، قد قامتِ الصلاةُ، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إلهَ إلا اللَّهُ، فلما أصبحتُ أتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: "إنها لَرؤيا حقٍّ إن شاء اللَّه، فقُمْ مع بلالٍ فأَلقِ عليه ما رأيتَ، فَلْيُؤذِّنْ به؛ فإنه أندى صوتًا منك". فقمتُ مع بلال، فجعلتُ أُلقيه عليه، ويُؤذِّنُ به، قال: فسمع ذلك عمرُ بنُ الخطاب -رضي اللَّه عنه- وهو في بيته، فخرج يجُرُّ رداءَه، يقول: يا رسولَ اللَّه! والذي بعثَك بالحقِّ! لقد رأيتُ مثلَ رأى، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فللَّهِ الحمدُ". أخرجه أبو داود من حديث ابن إسحاق، وصحَّحه ابن خُزيمة (¬1). 154 - وروى مسلم من حديث عامر الأحول، بسنده إلى أبي مَحذورةَ: أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّمَه هذا الأذانَ: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، أشهد أن محمدًا رسولُ اللَّه، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (499)، وابن خزيمة (370).

مرتين، الحديث (¬1). ورواه النَّسائي عن أحد شيخَي مسلم فيه، فذكر التكبيرَ في أوله مربَّعًا، ورواه جماعة عن عامر مربعًا (¬2). ورواه همام، عن عامر، بسنده إلى أبي مَحذورةَ قال: علَّمَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأذانَ تِسْعَ عشْرةَ كلمةً: "اللَّه أكبر اللَّه أكبر، اللَّه أكبر اللَّه أكبر"، الحديث، وفيه: الترجيع، والإقامة سبعَ عشرةَ كلمةً: "اللَّه أكبر اللَّه أكبر، اللَّه أكبر اللَّه أكبر"، الحديث. وفيه: تثنية التشهُّدَينِ، والحَيعَلَتَينِ، وقد قامتِ الصلاةُ. أخرجه ابن ماجه عن رجال الصحيح، وأخرجه التِّرْمِذي مختصرًا لم يزدْ على أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّمَه الأذانَ تسعَ عشرةَ كلمةً، والإقامةَ سبعَ عشرةَ كلمةً، وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬3). 155 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: مِنَ السُّنَّةِ إذا قال المؤذِّنُ في صلاة الفجر: حيَّ على الفلاح، قال: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إلهَ إلا اللَّهُ. أخرجه الدَّارَقُطْني، ورواه ابن خُزيمةَ في "صحيحه" مختصرًا، لم يذكرْ فيه تثنيةَ التثويب (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (379). (¬2) رواه النسائي (631). (¬3) رواه ابن ماجه (78)، والترمذي (192). (¬4) رواه الدارقطني (1/ 243)، وابن خزيمة (386).

156 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ بلالًا أن يَشفعَ الأذانَ، ويُوترَ الإقامةَ. أخرجه النَّسائي، وهو متفق عليه، لكن بلفظ: أُمِرَ بلالٌ (¬1). وفي لفظ عند البُخاري من جهة سليمان بن حرب، عن حَمَّاد: إلا الإقامةَ. وقيل: إنه رواه غيرُ واحدٍ عن حَمَّاد، لم يذكروا هذه اللفظةَ (¬2). 157 - وروى مسلم من حديث أبي جُحَيفة قال: أتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو بالأبطح (¬3) في قبةٍ حمراءَ من أَدَمٍ (¬4)، وفيه: فتوضَّأ، وأذَّن بلالٌ، قال: فجَعلتُ أتتبَّعُ فاه هاهنا وهاهنا، يقول يمينًا وشمالًا يقول: حىَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح (¬5). وفي رواية التِّرْمِذي: رأيتُ بلالًا يُؤذِّنُ ويَدورُ، ويَتتبَّعُ فاه هاهنا وهاهنا، وأُصبعَاهُ في أُذنيَه. وقال: حديثُ أبي جُحَيفةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (¬6). 158 - وروى الدَّارِمي في "مسنده" من حديث أبي مَحذورة مطولًا: ¬

_ (¬1) رواه النسائي (627)، والبخاري (578)، ومسلم (378). (¬2) رواه البخاري (580). (¬3) وهو الموضع المعروف، ويقال له: البطحاء، ويقال: إنه إلى منى أقرب. (¬4) جمع أديم، وهو الجلد. (¬5) رواه مسلم (503) (¬6) رواه الترمذي (597).

أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ نحوًا من عشرين رجلًا فأذَّنُوا، فأعجبَه صوتُ أبي مَحذورةَ، فعلَّمَه الأذانَ. وأخرجه ابن خُزيمةَ في "صحيحه" (*) (¬1). 159 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كان لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُؤذِّنانِ: بلالٌ، وابنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى (¬2). 160 - وعن جابر بن سَمُرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيتُ مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العيدَينِ غيرَ مرةٍ ولا مرتينِ، بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ (¬3). 161 - وعن عبد اللَّه بن رَبَاحٍ، عن أبي قتادةَ، في حديثٍ طويلٍ فيه النومُ عن الصلاة، وفيه: ثم أذَّن بلالٌ، فصلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتَينِ، ثم صلَّى الغَدَاةَ الحديث. فصنع كما كان يصنع كلَّ يوم (¬4). 162 - وفي حديث جابرٍ الطويل في صفة حَجِّ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ساقه إلى ذكر خُطبة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: بعرفة، قال: أذَّن، ثم أقامَ فصلَّى الظهرَ، ثم ¬

_ (*) رواه ابن خُزيمةَ بطوله عن يعقوب بن إبراهيم الدَّورقي، عن سعيد بن عامر، عن همام، عن عامر الأحول، عن مكحول، عن ابن مُحَيريز، عن أبي مَحذورةَ. (¬1) رواه الدارمي (1196)، وابن خزيمة (377). (¬2) رواه مسلم (380). (¬3) رواه مسلم (887). (¬4) رواه مسلم (681).

أقامَ فصلَّى العصرَ، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا. وفي هذا الحديث: حتى أتى المُزدَلِفةَ، فصلَّى بها المغربَ والعشاءَ بأذانٍ واحدٍ وإقامَتَينِ. أخرج هذه الأحاديثَ مسلم (¬1). 163 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما جاء المُزدَلِفةَ جمعَ بين المغربَ والعِشاءَ، صلَّى المغربَ ثلاثًا، والعِشاءَ ركعتينِ بإقامةٍ لكلِّ واحدةٍ منهما، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا (¬2). 164 - وفي حديث شعبة، بسنده إلى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّاهما بإقامةٍ واحدةٍ (¬3). 165 - وعن سالم، عن أبيه -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن بلالًا يُؤذِّن بليلٍ، فكُلُوا واشرَبُوا حتى يُؤذِّنَ ابنُ أمِّ مكتومٍ". لفظ رواية البُخاري (¬4). 166 - وروى حَمَّاد بن سَلَمةَ، عن أيوبَ، عن نافع، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن بلالًا أذَّن قبلَ طلوع الفجر، فأمرَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَرجعَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مسلم (1288). (¬3) رواه مسلم (1288). (¬4) رواه البخاري (597)، ومسلم (1192).

فيُناديَ: "ألا إن العبدَ نامَ، ألا إن العبدَ نامَ". أخرجه أبو داود، وقد أُعِلَّ (*) (¬1). 167 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا سمعتُم النداءَ فقُولُوا مثلَ ما يقول المُؤذِّنُ". أخرجوه أجمعون (¬2). 168 - وعن عيسى بن طلحة قال: سمعتُ معاويةَ يحدث يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا قال المؤذِّن: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، قال: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، وإذا قال: أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، قال: وأنا، ثم يَسكت". أخرجه أبو عَوانة في "صحيحه" من رواية طلحة بن يحيى، عن عيسى (**) (¬3). وهذه اللفظة، أعني قوله: "ثم يسكت" عند النَّسائي أيضًا. 169 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قال ¬

_ (*) قال الدَّارَقُطْني: هذا لا يَثبتُ، وقد رواه مَعمر عن أيوبَ مُرسَلًا، وهو أشبه بالصواب، ورواه جماعة عن نافع، عن مُؤذِّنٍ لعمرَ، عن عمرَ قولُه؛ وهو أَولى، واللَّه أعلم. (**) وهو على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (532). (¬2) رواه البخاري (586)، ومسلم (383)، وأبو داود (522)، والنسائي (673)، والترمذي (208)، وابن ماجه (720). (¬3) رواه أبو عوانة (1/ 282).

المؤذِّن: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فقال أحدُكم: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، قال: أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، ثم قال: أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، قال: أشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه، ثم قال: حيَّ على الصلاة، قال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللَّه، ثم قال: حيَّ على الفلاح، قال: لا حولَ ولا قوةَ إلا باللَّه، ثم قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، ثم قال: لا إلهَ إلا اللَّهُ، قال: لا إلهَ إلا اللَّهُ من قلبه، دخلَ الجنةَ". أخرجه مسلم (¬1). 170 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن قال حين يَسمع النداءَ: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوةِ التامةِ، والصلاةِ القائمةِ آتِ محمَّدًا الوسيلةَ والفضيلةَ، والدرجةَ الرفيعةَ (*)، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه؛ إلا حلَّتْ له الشفاعةُ يومَ القيامة". أخرجوه إلا مسلمًا (¬2). 171 - وعن مُطرِّف بن عبد اللَّه، عن عثمانَ بن أبي العاص -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسولَ اللَّه! وفي رواية: أن عثمان بن أبي العاص قال: يا رسولَ اللَّه! اجعَلْني إمامَ قومي، قال: "أنتَ إمامُهم، واقتدِ بأضعفِهم، واتِّخذْ ¬

_ (*) يُنظر في قوله: "والدرجةِ الرفيعةِ" مَن رواه؟ (¬3). (¬1) رواه مسلم (385). (¬2) رواه البخاري (589)، وأبو داود (529)، والنسائي (680)، والترمذي (211)، وابن ماجه (722). (¬3) قال السخاوي: لم أره في شيء من الروايات.

مُؤذِّنًا لا يأخذُ على الأذان أجرًا". أخرجه أبو داود (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) والنَّسائي، وإسناده على شرط مسلم، ورواه التِّرْمِذي من وجهٍ آخرَ بمعناه وحسَّنه. (¬1) رواه أبو داود (531)، والنسائي (672)، وابن ماجه (987).

3 - باب شروط الصلاة

3 - باب شروط الصلاة 172 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "لا يَقبلُ اللَّهُ صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضَّأَ". متفق عليه (¬1). وتقدَّم حديثُ ابن عباس في القبرَين. 173 - وعن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدْري، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَنظرُ الرجلُ إلى عورة الرجل، ولا المرأةُ إلى عورة المرأة، ولا يُفضي الرجلُ إلى الرجل في ثوبٍ واحدٍ (¬2)، ولا تُفضي المرأةُ إلى المرأة في ثوب واحد". لفظ مسلم (¬3). 174 - وروى بَهْزُ بن حَكيم، عن أبيه، عن جدِّه -رضي اللَّه عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! عوراتُنا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ قال: "احفظْ عورتَك، إلا من ¬

_ (¬1) رواه البخاري (6554)، ومسلم (225). (¬2) أي: بأن يكونا متجردين، سواء كان بينهما حائل أو لم يكن بينهما. (¬3) رواه مسلم (338).

زوجتك أو ما ملكَتْ يمينُك". قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! إذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال: "إن استطعتَ أن لا يَرَيَنَّها أحدٌ فلا يَرَيَنَّها". قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال: "اللَّهُ أحقُّ أن يُستحيَا من الناس". أخرجه أبو داود، ومَن يُصحِّحْ هذه النسخةَ فالحديثُ عندَه صحيحٌ لصحة الإسناد إلى بَهْز (¬1). 175 - عن أبي الدَّرْدَاء -رضي اللَّه عنه- قال: كنتُ جالسًا عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ أقبلَ أبو بكرٍ -رضي اللَّه عنه- آخذًا بطَرَف ثوبه، حتى أبدَى عن ركبتَيه (¬2)، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا صاحبُكم فقد غامَرَ"، الحديث. أخرجه البُخاري (¬3). و"غامَرَ": خاصَمَ غيرَه، كأنه دخلَ في غَمْرة الخصومة. 176 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يَقبلُ اللَّهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخِمَارٍ". أخرجه أبو داود، وقد رُوي موقوفًا (¬4). ورواه ابن خُزيمةَ في "صحيحه" بلفظ: "لا يَقبلُ اللَّهُ صلاةَ امرأةٍ قد ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (417)، والترمذي (769)، وابن ماجه (1920). (¬2) في هامش الأصل: "ركبته"، وجاء فوقها (ط). (¬3) رواه البخاري (3461). (¬4) رواه أبو داود (641)، وابن ماجه (655).

حاضتْ إلا بخِمَارٍ" (*) (¬1). 177 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن جرَّ ثوبَه خُيَلاءَ لم يَنظرِ اللَّهُ إليه يومَ القيامة". فقالت أمُّ سَلَمةَ: فكيف يَصنعُ النساءُ بذيولهنَّ؟ قال: "يُرخِينَ شِبْرًا"، قالت: إذًا تَنكشفَ أقدامُهنَّ! قال: "فيُرخِينَه ذراعًا، لا يَزِدْنَ عليه". أخرجه النَّسائي، والتِّرْمِذي وصحَّحه (¬2). 178 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الفَخذُ عَورةٌ". أخرجه البَيْهَقي من رواية أبي يحيى، عن مجاهد، عنه (**) (¬3). ¬

_ (*) ورواه التِّرْمِذي أيضًا وحسَّنه، ورجالُه مُحتَجٌّ بهم في الصحيح، خلا صفيةَ بنتَ الحارثِ راويتَه عن عائشةَ، وقد ذكرَها ابن حِبَّان في "الثقات". قال أحمد في"المسند": حدثنا بَهْز، ثنا حَمَّاد بن سَلَمةَ، ثنا قتادة ويونس، ثنا حَمَّاد، عن قتادةَ، عن محمد بن سِيرينَ، عن صفيةَ بنتِ الحارث، عن عائشةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُقبَلُ صلاةُ حائضٍ إلا بخِمَارٍ"، ورواه عن عفَّانَ، عن حَمَّاد أيضًا. (**) قال أبو يَعلى المَوصلي: ثنا زهير، ثنا يحيى بن أبي بُكير، ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: رأى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فخذَ رجلٍ خارجةً، فقال: "غَطِّ فخذَك؛ فإن فخذَ الرجلِ عَورتُه"، ورواه الإمام أحمد والتَّرْمِذي، وصحَّحه الطحاوي، واللَّه أعلم. (¬1) رواه ابن خزيمة (775). (¬2) رواه النسائي (5336)، والترمذي (1731). (¬3) رواه البيهقي (2/ 228).

179 - وثبت من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- انكشفَ فخذُه، حين أَجرَى -أي: الفَرسَ- بزُقَاقِ خَيبرَ. 180 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُصلِّي أحدُكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيءٌ". لفظ مسلم (*) (¬1). 181 - وعن سعيد بن الحارث قال: سألْنا جابرًا عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: خرجتُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعض أسفاره، فجئتُه ليلةً لبعض أمري، فوجدتُه يُصلِّي، وعليَّ ثوبٌ واحدٌ، فاشتملتُ به (¬2) وصلَّيتُ إلى جانبه، فلما انصرفَ قال: "ما السُّرَى (¬3) يا جابرُ؟ " فأخبرتُه بحاجتي، فلما فرغتُ قالَ: "ما هذا الاشتمالُ الذي رأيتُ؟ " قلت: كان ثوبًا، قال: "فإن كان واسعًا فالتَحِفْ به، وإن كان ضيقًا فَاتَّزِرْ به". لفظ رواية البُخاري (¬4). 182 - وعن أبي مَسلَمةَ (**)، قال: قلتُ لأنس بن مالك: أكان ¬

_ (*) لفظ مسلم: عاتِقِيه وعاتِقَه أيضًا. (**) هو سعيد بن يزيد، أبو مَسْلَمَةَ، كذا هو في "الصحيحين" في هذا الحديث. (¬1) رواه مسلم (516). (¬2) هذا الاشتمال: هو أن يدير الثوب على بدنه كله لا يُخرج منه يده. (¬3) أي: ما سبب سيرك ليلًا؟. (¬4) رواه البخاري (354).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي في النعلَينِ؟ قال: نعم. متفق عليه (¬1). 183 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُصلِّي نحوَ بيت المَقدس، فنَزلت {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]. فمرَّ رجلٌ من بني سَلِمةَ وهم رُكُوعٌ في صلاة الفجر، وقد صَلَّوا ركعةً، فنادى: ألا إن القِبْلةَ قد حُوِّلَتْ، فمالُوا كما هم نحوَ القِبْلة (¬2). أخرجهما مسلم. 184 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما بين المَشرقِ والمَغربِ قِبْلةٌ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (¬3). 185 - وعن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسبِّحُ على الراحلة قِبَلَ أيِّ وجهٍ توجَّه، ويُؤتِرُ عليها، غيرَ أنه لا يُصلِّي عليها المكتوبةَ (¬4). 186 - وعن زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نتَكلَّمُ في الصلاة، يُكلِّم الرجلُ مِنَّا صاحبَه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (379)، ومسلم (555). (¬2) رواه مسلم (527). (¬3) رواه الترمذي (342)، وابن ماجه (1011). (¬4) رواه البخاري (1047)، ومسلم (700).

قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فأُمِرْنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام (¬1). أخرجهما مسلم. وسيأتي حديث ذي اليدَينِ إن شاء اللَّه تعالى. 187 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التسبيحُ للرجال، والتصفيقُ للنساء" (¬2). 188 - وعن مُطرِّف، عن أبيه قال: رأيتُ الئبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي، وفي صدرِه أزيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ من البكاء (*) (¬3). أخرجهما مسلم. * * * ¬

_ (*) حديث مُطرِّف لم يَروِه مسلم، وحديث أبي هريرةَ متفق عليه، وزاد مسلم فيه: "في الصلاة"، وروى حديثَ مُطرِّف أبو داود وغيرُه. (¬1) رواه البخاري (426)، ومسلم (539). (¬2) رواه مسلم (422)، والبخاري (1145). (¬3) رواه النسائي (1214)، وابن خزيمة (900).

4 - باب صفة الصلاة

4 - باب صفة الصلاة 189 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل المسجدَ، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلَّم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم قال: "ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ". فرجع الرجل فصلَّى كما كان يُصلِّي، ثم جاء إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فسلَّم عليه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وعليك السلام"، ثم قال: "ارجع فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ"، حتى فعل ذلك ثلاثَ مرات، فقال الرجل: والذي بعثَك بالحق! ما أُحسنُ غيرَ هذا، علِّمْني. قال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّرْ، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركَعْ حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفَعْ حتى تعتدلَ قائمًا، ثم اسجُدْ حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثم ارفعْ حتى تطمئنَّ جالسًا، ثم افعلْ ذلك في صلاتك كلِّها" (¬1). وفي رواية: "إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغِ الوضوءَ، ثم استَقبِلِ القِبْلةَ فكَبِّرْ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه في الجملة (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (724)، ومسلم (397). (¬2) رواه مسلم (397).

190 - وعن محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالسًا مع نفرٍ من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكروا صلاةَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أبو حُمَيد الساعِديُّ: أنا كنتُ أحفظَكم لصلاةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، رأيتُه إذا كبَّر جعل يدَيه حَذْوَ منكبَيه، وإذا ركعَ أمكنَ يدَيه من ركبتَيه، ثم هَصَرَ ظهرَه (¬1)، فإذا رفعَ رأسَه استوى حتى يعودَ كلُّ فَقَارٍ مكانَه، فإذا سجد وضع يدَيه غيرَ مُفترِشٍ ولا قابضِهما، واستقبلَ بأطراف أصابع رجلَيه القِبْلةَ، وإذا جلس في الركعتَين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدَّم رجلَه اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مَقعَدتِه. رواه البُخاري (¬2). 191 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَستفتحُ الصلاةَ بالتكبير والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وكان إذا ركع لم يُشخِصْ (¬3) رأسَه ولم يُصوِّبْه (¬4)، ولكنْ بين ذلك، وكان إذا رفع رأسَه من الركوع لم يَسجدْ حتى يستويَ قائمًا، وكان إذا رفع رأسَه من السجدة لم يَسجدْ حتى يستويَ جالسًا، وكان يقول في كل ركعتين التحيةَ، وكان يَفرُشُ رجلَه اليسرى، ويَنصِبُ رجلَه اليمنى، وكان يَنهَى عن عُقبةِ الشيطان (¬5)، ¬

_ (¬1) أي: أماله. (¬2) رواه البخاري (794). (¬3) أي: يرفع. (¬4) أي: ينزله. (¬5) فُسِّر بالإقعاء، وهو أن يلصِقَ ألييه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض.

ويَنهَى أن يَفترشَ الرجلُ ذراعَيه افتراشَ السَّبُعِ، وكان يَختِم الصلاةَ بالتسليم. أخرجه مسلم (¬1). 192 - وعن عليِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، عن رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجَّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السماواتِ والأرضَ حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسُكي ومَحْيَاي ومَماتي للَّه ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمرتُ وأنا أولُ (¬2) المسلمين، اللهم أنتَ المَلكُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ ربِّي وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي واعترفتُ بذنبي، فاغفرْ لي ذنوبي جميعًا؛ إنه لا يَغفر الذنوبَ إلا أنتَ، واهدِنِي لأحسن الأخلاق؛ لا يَهدي لأحسنها إلا أنتَ، واصرِفْ عني سيِّئَها؛ لا يَصرف عني سيِّئَها إلا أنتَ، لبَّيكَ وسَعدَيك، والخيرُ كلُّه في يدَيك، والشرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تَبَاركتَ وتَعَاليتَ، أَستغفرُك وأَتوبُ إليك"، فإذا ركع قال: "اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشعَ لك سمعي وبصري، ولحمي وعظمي وعصبي"، وإذا رفع قال: "اللهم ربَّنا ولك الحمدُ، ملءَ السماوات وملءَ الأرض وملءَ ما بينهما، وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعدُ"، وإذا سجد قال: "اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقَه وصوَّرَه، وشقَّ سمعَه وبصرَه، تَبَاركَ اللَّهُ أحسنُ الخالقين"، ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهُّد والتسليم: "اللهم اغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (498). (¬2) في هامش الأصل: "من"، وجاء فوقها (خ).

وما أسرفتُ، وما أنتَ أعلمُ به مني، أنتَ المُقدِّمُ وأنتَ المُؤخِّرُ، لا إلهَ الا أنتَ". أخرجه مسلم (¬1). وفي رواية: إذا افتتح (¬2) الصلاةَ كبَّر، ثم قال: وذكر في رواية: أن ذلك في صلاة الليل (¬3). 193 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما جُعلَ الإمامُ لِيُؤتَمَّ به؛ فإذا كبَّر فكبِّرُوا، وإذا ركعَ فاركعُوا، وإذا قال: سمع اللَّهُ لمن حمدَه فقُولُوا: ربَّنا ولك الحمدُ، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون". أخرجه البُخاري (¬4). 194 - وعن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يرفع يدَيه حَذْوَ منكبَيه إذا افتتح الصلاةَ، وإذا كبَّر للركوع، وإذا رفع رأسَه من الركوع رفعَهما كذلك أيضًا، وقال: "سمع اللَّهُ لمن حمدَه، ربَّنا ولك الحمدُ"، وكان لا يفعل ذلك في السجود. هذه رواية مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عند البُخاري (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (771). (¬2) في هامش الأصل: "استفتح"، وجاء فوقها (خ). (¬3) رواه مسلم (771). (¬4) رواه البخاري (689). (¬5) رواه البخاري (702).

وعنده في رواية شعيب، عنه: رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- افتتح التكبيرَ في الصلاة، فرفع يدَيه حين يكبِّرُ حتى جعلَهما حذوَ منكبَيه (¬1). وفي رواية ابن جُريج عنه: إذا قام إلى الصلاة رفع يدَيه حتى تكونا حذوَ منكبَيه، ثم كبَّر (¬2). وكذلك في رواية يونس: حتى تكونا حذوَ منكبَيه، ثم كبَّر (¬3). وكلاهما عند مسلم. 195 - وعند البُخاري، عن نافع: أن ابنَ عمرَ: كان إذا دخل في الصلاة كبَّر ورفع يدَيه، وإذا ركع رفع يدَيه، وإذا قال: سمع اللَّهُ لمن حمدَه رفع يدَيه، وإذا قام من الركعتين رفع يدَيه، ورفع ذلك ابنُ عمرَ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). 196 - وعند مسلم من حديث مالك بن الحُوَيرث: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا كبَّر رفع يدَيه حتى يُحاذيَ بهما أُذنيَه، الحديث (¬5). 197 - وعنده من رواية وائل بن حُجْر، بعد ذكر رفع اليدَينِ: ثم التحفَ بثوبه، ثم وضع يدَه اليمنى على اليسرى. وفيه: فلما سجد سجد بين كفَّيه (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (705). (¬2) رواه مسلم (390). (¬3) رواه مسلم (390). (¬4) رواه البخاري (706). (¬5) رواه مسلم (391). (¬6) رواه مسلم (401).

198 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسْكِتُ بين التكبير والقراءة إسكاتةً، قال: أحسَبُه قال: هُنَيَّةً. فقلت: بابي وأمِّي يا رسولَ اللَّه! إسكاتُك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشرق والمغرب، اللهمَّ نقِّنِي من الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنسَ، اللهم اغسِلْ خطاياي بالماء والثلج والبَرَد". لفظ رواية البُخاري (¬1). 199 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام من الليل كبَّر، ثم يقول: "سُبحانَك اللهم وبحمدك، تَبَارَكَ اسمُك، وتَعَالَى جَدُّك (¬2)، ولا إلهَ غيرُك". ثم يقول: "لا إلهَ إلا اللَّهُ، ثلاثًا، ثم يقول: اللَّهُ أكبرُ كبيرًا، ثلاثًا، أعوذُ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، من هَمْزِه ونفخِه ونَفْثِه"، ثم يقرأ. رواه أبو داود من جهة جعفر بن سليمان، وقد احتجَّ به مسلم كثيرًا عن عليِّ بن عليٍّ، ووثقه وكيع ويحيى بن مَعين وأبو زُرعة، وقد أُعِلَّ الحديث (*) (¬3). ¬

_ (*) حديث الاستفتاح بـ "سبحانك اللهم" رواه التِّرْمِذي وابن ماجه من رواية عَمرةَ، عن عائشةَ، ورواه الطَّبَراني من رواية عطاء بن أبي رباح، عن عائشةَ، ورواه أيضًا من حديث عبد اللَّه بن مسعود وأبي سعيد الخُدْري وأنس بن مالك والحكم بن عمير الثُّمَالي، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬1) رواه البخاري (711). (¬2) أي: علا جلالُك وعظمتُك. (¬3) رواه أبو داود (775).

200 - وعن عُبادةَ بنِ الصامت -رضي اللَّه عنه-، يبلغ به النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاةَ لمن لم يَقرأ بفاتحة الكتاب". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 201 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيتُ مع النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمرَ وعثمانَ، فلم أسمعْ أحدًا منهم يقرأ (بسم اللَّه الرحمن الرحيم). وفي رواية الأَوزاعي عن قتادة: أنه كتب إليه يُخبره عن أنس بن مالك: أنه حدَّثه قال: صلَّيتُ خلفَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر وعمرَ وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، لا يذكرون بسم اللَّه الرحمن الرحيم في أولِ قراءةٍ ولا في آخرِها (¬2). أخرجهما مسلم. 202 - وعن نُعيم المُجْمِر قال: صلَّيتُ وراءَ أبي هريرةَ، فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأمِّ القرآن حتى بلغ {وَلَا الضَّالِّينَ}، فقال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: اللَّه أكبر، فإذا قام من الجلوس قال: اللَّه أكبر، ويقول إذا سلَّم: والذي نفسي بيده! إني لأَشبَهُكم صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه الحافظ أبو محمد بن الجارود والدَّارَقُطْني والبَيْهَقي، وذكروا أن رواته ثقات (*) (¬3). ¬

_ (*) ورواه النَّسائي وابن خُزيمة وابن حِبَّان في "صحيحيهما"، والحاكم والخطيب وصحَّحاه. (¬1) رواه البخاري (723)، ومسلم (394). (¬2) رواه مسلم (399). (¬3) رواه ابن الجارود في "المنتقى" (184)، والدارقطني (1/ 305)، والبيهقي (2/ 46).

203 - وعن عُبادةَ بنِ الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: كنا خلفَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فثقُلَتْ عليه القراءةُ، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلفَ إمامكم؟ " قلنا: نعم، هَذًّا (¬1) يا رسولَ اللَّه! فقال: "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها". أخرجه أبو داود وغيره، وفي إسناده ابنُ إسحاق؛ فمَن احتجَّ به فهو عنده صحيح (*) (¬2). 204 - ولمسلم رواية في حديثٍ لأبي موسى الأشعري طويلٍ: "وإذا قرأ فأَنصِتُوا"؛ يعني: الإمام (¬3). 205 - وعن ابن أبي أَوفَى -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا قال: يا رسولَ اللَّه! علِّمْني شيئًا يُجزِيني عن القرآن، قال: "قُلْ: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إلهَ إلا اللَّهُ، واللَّه أكبر"، الحديث. أخرجه ابن الجارود في "المنتقي" (**) (¬4). 206 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمامُ: ¬

_ (*) رواه البُخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام" وصحَّحه ووثَّق ابنَ إسحاق واحتجَّ به، ورواه أيضًا من حديث غير ابن إسحاق وصحَّحه. (**) وصحَّحه الدَّارَقُطْني، وهو عند أبي داود والنَّسائي، وفي إسناده مَن ضُعِّفَ. (¬1) الهذُّ: سرد القراءة ومداركتها في سرعة واستعجال، وقيل: أراد بالهذ: الجهر بالقراءة. (¬2) رواه أبو داود (823). (¬3) رواه مسلم (404). (¬4) رواه ابن الجارود (189)، وأبو داود (832)، والنسائي (924).

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقُولُوا: آمين؛ فإنه مَن وافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه" (¬1). وفي رواية أبي صالح، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: "وإذا أمَّن الإمام فأَمِّنُوا"، وكلاهما عند مالك رحمه اللَّه (*) (¬2). 207 - وعن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأُوليَين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتَين، يُطوِّل في الأولى ويُقصِّر في الثانية، ويُسمِعُ الآيةَ أحيانًا، وكان يقرأ في صلاة العصر بفاتحة الكتاب وسورتَين، وكان يُطوِّل في الأولى من صلاة الصبح ويُقصِّر في الثانية. لفظ رواية البُخاري (¬3). وفي رواية لمسلم: ويقرأ في الركعتَين الآخرتين بفاتحة الكتاب (¬4). 208 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأَوَّلتينِ في كل ركعة قَدْرَ ثلاثين آيةً، وفي الآخرَتينِ قَدْرَ خمسَ عَشْرةَ آيةً، أو قال: نصفَ ذلك، وفي العصر في الركعتين الأَوَّلتينِ في كل ركعة قَدْرَ خمسَ عشرةَ آيةً، وفي الآخرتين ¬

_ (*) وهو عند البُخاري أيضًا، وأصله عند الجماعة كلِّهم بألفاظ متقاربة. (¬1) رواه الإمام مالك (1/ 87). (¬2) رواه الإمام مالك (1/ 87)، والبخاري (747)، ومسلم (410). (¬3) رواه البخاري (725)، ومسلم (451). (¬4) رواه مسلم (451).

قَدْرَ نصفِ ذلك. أخرجه مسلم (¬1). 209 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: ما صلَّيتُ وراءَ أحدٍ أشبهَ صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من فلانٍ -قال سليمان: هو ابن يَسَار- كان يُطيل الركعتين الأُوليَين من صلاة الظهر ويُخفِّف الأُخريين، ويُخفِّف العصرَ، ويقرأ في المغرب بقِصَار المُفصَّل، ويقرأ في العشاء بوسَط المُفصَّل، ويقرأ في الصبح بطِوَال المُفضَّل. أخرجه النَّسائي (*) (¬2). 210 - وثبت في "الصحيح": أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ في المغرب بـ (المرسلات) و (الطور) (**) (¬3). 211 - وعن عباس بن سهل بن سعد، قال: اجتمع أبو حُمَيد وأبو أُسَيد وسهلُ بن سعد ومحمدُ بن مَسْلَمَةَ، فذكروا صلاةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال أبو ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم. (**) قال ابن عبد البَرِّ: رُوي عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه قرأ في المغرب بـ {المص} [الأعراف: 1]، وأنه قرأ فيهابـ (الصافات)، وأنه قرأ فيها بـ {حمَ} الدخان، وأنه قرأ فيها بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون)، وأنه قرأ فيها بالمعوذتين، وأنه قرأ فيها بـ (المرسلات)، وأنه كان يقرأ فيها بقِصَار المُفصَّل. قال: وهي كلُّها آثارٌ صِحَاحٌ مشهورةٌ. (¬1) رواه مسلم (452). (¬2) رواه النسائي (982). (¬3) رواه البخاري (729، 731)، ومسلم (462 - 463).

حُمَيد: أنا أعلمُكم بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركع، فوضع يدَيه على ركبتَيه كأنه قابضٌ عليهما، ووَتَرَ (*) يدَيه فنحَّاهما عن جنبَيه (¬1). أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (¬2). 212 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كشف النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- السِّتارةَ، والناسُ صفوفٌ خلفَ أبي بكر، فقال: "أيُّها الناسُ! إنه لم يَبقَ من مُبشِّرات النبوة إلا الرؤيا الصالحةُ، يَرَاها المسلم أو تُرَى له، ألا وإني نُهيتُ أن أَقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا؛ أما الركوعُ فعظِّمُوا فيه الربَّ، وأما السجودُ فاجتهدوا فيه بالدعاء؛ فقَمَنٌ (**) أن يُستجابَ لكم" (...) (¬3). 213 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكثر أن يقولَ في ركوعه وسجوده: "سُبحانَك اللهم ربَّنا وبحمدك، اللهم اغفِرْ لي"؛ يتأوَّل القرآنَ (¬4). لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬5). ¬

_ (*) رُوي بالدال وبالتشديد مع الراء. (**) الفتح أشهر. (...) أخرجه مسلم، وأبو داود والنَّسائي. (¬1) أي: أَبْعدَ مرفقيه عن جنبيه حتى كانت يده كالوتر وجنبه كالقوس. (¬2) رواه الترمذي (260). (¬3) رواه مسلم (479). (¬4) أي: يفعل ما أُمر به فيه. (¬5) رواه البخاري (784)، ومسلم (484).

214 - وعن ثابت قال: كان أنس بن مالك يَنعَتُ لنا صلاةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: فكان يُصلِّي، فإذا رفع رأسَه من الركوع قام، حتى نقولَ قد نسي. أخرجه البُخاري (¬1). 215 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يُكبِّر حين يقوم، ثم يُكبِّر حين يركع، ثم يقول: "سمع اللَّهُ لمن حمدَه"، حين يرفعَ صُلْبَه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "ربَّنا لك الحمدُ" (¬2). وروى بعضهم: "ربَّنا ولك الحمد". أخرجه البُخاري (¬3). وفي رواية أبي صالح، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قال الإمام: سمع اللَّهُ لمن حمدَه فقُولُوا: اللهم ربَّنا لك الحمدُ؛ فإنه مَن وافقَ قولُه قولَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه". لفظ البُخاري، وفي رواية غيره: "ولك" (¬4). 216 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رفع رأسَه من الركوع قال: "اللهمَّ ربَّنا لك الحمدُ مِلءَ السماوت وملءَ الأرض وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبدُ؛ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (767). (¬2) رواه مسلم (392). (¬3) رواه البخاري (756). (¬4) رواه البخاري (749)، ومسلم (409).

وكلُّنا لك عبدٌ، لا مانعَ لِمَا أَعطيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا منعتَ، ولا ينفعَ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ (¬1) ". أخرجه البُخاري (¬2) (¬3). 217 - عن وائل بن حُجْر -رضي اللَّه عنه- قال: رأيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتَيه قبل يدَيه، وإذا نهض رفع يدَيه قبل ركبتَيه. لفظ رواية التِّرْمِذي، ويقال: لا يُعرَف إلا عن شَريك (*) (¬4). 218 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا سجد أحدُكم فلا يَبْرُكْ كما يَبْرُكُ البعيرُ، وَلْيَضَعْ يدَيه قبلَ ركبتَيه". أخرجه أبو داود، واحتجَّ به بعضُ أهل الحديث. قال بعضهم: في إسناده دَرَّاج أبو السَّمح (**)، وقد قال فيه أحمد: مُنكَر الحديث. ¬

_ (*) الحديث عند الأربعة، وشَريك وثَّقه جماعة وتكلَّم فيه آخرون، واستشهد به البُخاري في "الجامع"، وروى له في "رفع اليدين في الصلاة" وغيره، وروى له مسلم في المتابعات، واحتجَّ به الباقون، واللَّه أعلم. (**) قوله: في (إسناده دَرَّاج) وهمٌ؛ إنما هو من رواية محمد بن عبد اللَّه بن حسن، عن أبي الزِّنَاد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود والتِّرْمِذي والنَّسائي والدَّارَقُطْني، وتكلم فيه البُخاري، وقال: لا، يُتابَع محمد بن عبد اللَّه بن حسن عليه. (¬1) أي: لا ينفع ذا الغنى والحظِّ منك غناه. (¬2) جاء فوقها في الأصل: (كذا)، وفي الهامش: مسلم وأبو داود والنسائي. (¬3) رواه مسلم (477). (¬4) رواه الترمذي (268)، وأبو داود (838)، والنسائي (1089)، وابن ماجه (882).

وقال الدَّارَقُطْني: متروك. وكذلك غيرهما، ووثَّقه ابنُ مَعين وغيره، وقد أخرجه النَّسائي بإسناد آخر، كلهم ثقات (¬1). 219 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُمرتُ أن أَسجدَ على سبعٍ، ولا أَكْفِتَ (¬2) الشَّعرَ ولا الثيابَ: الجبهةِ، والأنفِ، واليدَينِ، والركبتَينِ، والقدمَينِ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬3). 220 - وعن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "إذا سجدتَ فضَعْ كفَّيك، وارفَعْ مَرْفِقَيك" (¬4). 221 - وعن عبد اللَّه بن مالك ابن بُحينةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا صلَّى فرَّج يدَيه حتى يبدوَ بياضُ إبطَيه (¬5). أخرجهما مسلم. 222 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول بين السجدَتين: "اللهمَّ اغفِرْ لي وارحَمْنِي، واهدِنِي، وعافِنِي، وارزُقْنِي". أخرجه أبو داود (¬6). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (840)، والنسائي (1091). (¬2) أي: أكف. (¬3) رواه مسلم (490)، والبخاري (779). (¬4) رواه مسلم (494). (¬5) رواه مسلم (495). (¬6) رواه أبو داود (850).

وعند التِّرْمِذي: "واجبُرْنِي" بدل "واهدِنِي"، ولم يقلْ: "وعافِنِي" (¬1). وفي إسنادهما كامل أبو العلاء، وعن ابن مَعين توثيقه (*). 223 - وعن أبي قِلابةَ قال: جاءنا مالكُ بنُ الحُوَيرث، فصلَّى بنا في مسجدنا، فقال: إني لأُصلِّي بكم وما أريد الصلاةَ؛ ولكني أُريدُ أن أُريَكم كيف رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي. قال أيوب: فقلت لأبي قِلابةَ: وكيف كانت صلاتُه؛ قال: مثلَ صلاة شيخنا هذا، يعني: عمرو بن سَلِمةَ. قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يُتمُّ التكبيرَ، وإذا رفع رأسَه من السجدة الثانية جلس واعتمدَ على الأرض، ثم قام. أخرجه البُخاري (¬2). 224 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: ما زال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقنُتُ في صلاة الغَدَاة حتى فارقَ الدنيا (**) (¬3). وفي إسناده أبو جعفر الرازي، وقد وثقه غيرُ واحد، وقال النَّسائي: ليس بالقوي. 225 - وعن أبي الحوراء قال: قال الحسن بن عليٍّ: علَّمَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلماتٍ أقولُهنَّ في الوِتر، وفي رواية: في قُنوتِ الوِتر: ¬

_ (*) وقال النَّسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: لا بأسَ به. (**) رواه أحمد والدَّارُقطْني وغير واحد، وصحَّحه الحاكم وخالفَه غيرُه. (¬1) رواه الترمذي (284). (¬2) رواه البخاري (790). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 39)، والبيهقي (2/ 201).

(اللهم اهدِنِي فيمَن هدَيتَ، وعافِنِي فيمَن عافَيتَ، وتولَّنِي فيمَن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أَعطيتَ، وقِنِي شرَّ ما قضيتَ؛ إنك تقضي ولا يُقضَى عليك، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيتَ، تَبَاركتَ ربَّنا وتَعَاليتَ". أخرجه أبو داود (*) (¬1)، وهو مما أُلزم الشيخان تخريجَه. 226 - وعن عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمَه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرشَ قدمَه اليمنى، ووضع يدَه اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يدَه اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بأُصْبُعِه. أخرجه مسلم (¬2). 227 - وفي حديث لابنِ عمرَ: ويدَه اليسرى على ركبته، باسطَها عليها (¬3). 228 - وفي حديثٍ عنه: ووضع يدَه اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثًا وخمسين، وأشار بالسَّبَّابة (**) (¬4). ¬

_ (*) والتِّرْمِذي وحسَّنه، والنَّسائي ووثَق أبا الحوراء، وكذلك ابن حِبَّان ومَن عداه من رجال "الصحيحين". (**) وكلاهما عند مسلم أيضًا. (¬1) رواه أبو داود (1425). (¬2) رواه مسلم (579). (¬3) رواه مسلم (580). (¬4) رواه مسلم (580).

229 - وفي حديث ابن الزبير، عند أبي داود: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُشير بأصبعه إذا دعا، ولا يُحرِّكها (¬1). 230 - وعن عبد اللَّه، هو ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، قال: كنَّا إذا كنَّا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلامُ على اللَّه من عباده، السلامُ على فلان وفلان، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تقولوا: السلامُ على اللَّه؛ فإن اللَّهَ هو السلامُ، ولكن قولوا: التحياتُ للَّه والصلواتُ والطيِّباتُ، السلامُ عليك أيُّها النَّبِيُّ ورحمةُ اللَّه وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين؛ فإنكم إذا قلتُم ذلك أصابَ كلَّ عبدٍ صالح في السماء، وبين السماء والأرض، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، ثم ليتخيَّرْ من الدعاء أعجبَه إليه، فلْيدعو". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬2). 231 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعلِّمُنا التشهُّدَ كما يُعلِّمُنا السورةَ من القرآن، فكان يقول: "التحياتُ المُباركاتُ، الصلواتُ الطيِّباتُ للَّه، السلامُ (¬3) عليك أيُّها النَّبِيُّ ورحمةُ اللَّه وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وأشهد أن محمَّدًا رسولُ اللَّه". انفرد به مسلم (¬4). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (989). (¬2) رواه البخاري (800)، ومسلم (402). (¬3) في هامش الأصل: "سلام"، وجاء فوقها (خ). (¬4) رواه مسلم (403).

232 - وعن فَضَالة بنِ عُبيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمع النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا يدعو في صلاته، فلم يُصلِّ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "عجِلَ هذا"، ثم دعاه فقال له ولغيره: "إذا صلَّى أحدُكم فَلْيَبدأْ بتحميد اللَّه تعالى والثناء عليه، ثم لِيُصلِّ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم لِيَدع بعدُ بما شاء". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (*) (¬1). 233 - وعن أبي مسعود الأنصاريِّ -رضي اللَّه عنه- قال: أتانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عُبادةَ -رضي اللَّه عنه-، فقال له بَشير بن سعد: أمرَنا اللَّه أن نُصلِّيَ عليك يا رسولَ اللَّه! فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: فسكت رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تَمنَّينا أنه لم يُسألْه، ثم قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قولوا: اللهم صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيمَ (¬2)، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ (¬3) إنك حميدٌ مجيدٌ، والسلامُ كما قد علمتُم". أخرجه مسلم (¬4). 234 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تشهَّد أحدُكم فَلْيَستعِذْ باللَّه من أربعٍ، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن ¬

_ (*) وأبو داود والنَّسائي وغيرهما، وإسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه الترمذي (3477)، وأبو داود (1481). (¬2) في هامش الأصل: "وآل إبراهيم"، وجاء فوقها (خ). (¬3) في الهامش: "وآل إبراهيم". (¬4) رواه مسلم (405).

عذاب القبر، ومن فتنة المَحيا والمَمات، ومن شرِّ فتنة المسيح الدجَّال". لفظ مسلم (¬1). 235 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة، الحديث. وفيه: "اللهمَّ إني أعوذ بك من المَأثَم والمَغرَم (¬2) ". أخرجه مسلم (¬3). 236 - وعن أبي بكرٍ الصِّدِّيق -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يا رسولَ اللَّه! علِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قلْ: اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنتَ؛ فاغفِرْ لي مغفرةً من عندك، وارحَمْني؛ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ" (*) (¬4). 237 - وعن وائل بن حُجْر -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيتُ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يُسلِّم عن يمينه: "السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّه وبركاتُه"، حتى يُرَى بياضُ خدِّه الأيمن، وعن يساره: "السلامُ عليكم ورحمةُ اللَّه وبركاتُه"، حتى يُرَى بياضُ خدِّه الأيسر. أخرجه أبو داود (**). ¬

_ (*) متفق عليه. (**) هو في "سنن أبي داود" مختصر في إسناده موسى بن قيس الحَضرَمي، وقد وثَّقه غيرُ واحد، ولم يُضعِّفْه أحدٌ، والباقون مُحتجٌّ بهم في "الصحيح". (¬1) رواه مسلم (588). (¬2) أي: من الإثم والغُرم وهو الدين. (¬3) رواه مسلم (589). (¬4) رواه البخاري (799)، ومسلم (2705).

238 - وعن وَرَّاد مولى المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: كتب المغيرةُ بنُ شعبةَ إلى معاويةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا فرغ من الصلاة وسلَّمَ قال: "لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قديرٌ، اللهم لا مانعَ لِمَا أعطيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا منعتَ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 239 - وعن أبي الزُّبير قال: كان ابنُ الزبير يقول في دُبُر (¬2) كلِّ صلاةٍ حين يُسلِّم: "لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، لا حولَ ولا قوةَ إلا باللَّه، لا إلهَ إلا اللَّهُ ولا نَعبدُ إلا إياه، له النعمةُ وله الفضلُ، وله الثناءُ الحسنُ، لا إلهَ إلا اللَّهُ، مُخلِصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون"، وقال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُهلِّل بهنَّ (¬3) في دُبُر كلِّ صلاةٍ (¬4). 240 - وعن ثَوبانَ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا انصرفَ من صلاته استغفرَ ثلاثًا، وقال: "اللهمَّ أنتَ السلامُ ومنك السلامُ، تباركتَ ذا الجلال والإكرام"، قال الوليد: فقلت للأَوزاعي: كيف الاستغفارُ؟ قال: تقول: أستغفر اللَّهَ، أستغفر اللَّه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (808)، ومسلم (593). (¬2) أي: بعد. (¬3) أي: يُعلن بذلك ويرفع به صوته. (¬4) رواه مسلم (594). (¬5) رواه مسلم (591).

241 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن سبَّح اللَّهَ في دُبُر كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين، وحَمِدَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثين، وكبَّرَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثين فتلك تسعةٌ وتسعون، وقال تمام المئة: لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ؛ غُفِرَتْ خطاياه، وان كانت مِثْلَ زَبَدِ البحرِ (¬1) " (¬2). 242 - وعن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: كنا إذا صلَّينا خلفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أحبَبْنا أن نكونَ عن يمينه يُقبِل علينا بوجهه، قال: فسمعتُه يقول: "ربِّ قِنِي عذابَك يومَ تَبعثُ عبادَك" (¬3). انفرد بها كلِّها مسلم. * * * ¬

_ (¬1) كناية عن كثرتها. (¬2) رواه مسلم (597). (¬3) رواه مسلم (709).

5 - باب أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوي ما تقدم

5 - باب أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوي ما تقدم 243 - عن عقبةَ بنِ عامر الجُهَني -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما مِن أحدٍ يتوضَّأ فيُحسنُ الوُضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجبَتْ له الجنةُ". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 244 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا خرج يومَ العيد أمرَ بالحَربة، فتُوضَع بين يدَيه، فيُصلِّي إليها والناسُ وراءَه، وكان يَفعل ذلك في السفر، فمِن ثَمَّ اتخذها الأمراءُ (¬2). 245 - وروى مالك، عن بُسْر بن سعيد: أن زيدًا أرسله إلى أبي جُهَيم يسأله: ماذا سمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المارِّ بين يدَي المُصلِّي؟ ماذا عليه من الإثم؟ فقال أبو جُهَيم: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو يَعلم المارُّ بين يدي المُصلِّي ماذا عليه من الإثم لَكانَ أن يقفَ أربعين خيرًا له من أن يَمرَّ بين يدَيه". ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم، بل هو في (م). (¬1) رواه أبو داود (906)، ومسلم (234). (¬2) رواه البخاري (472)، ومسلم (501).

قال أبو النَّضر (*): لا أدري أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سَنَةً. متفق عليهما واللفظ للبُخاري (¬1) (¬2). ¬

_ (*) هو سالم أبو النَّضر المَدَني مولى عمر بن عبيد اللَّه التَّيمي، وهو يَرويه عن بُسْر بن سعيد. (¬1) جاء على هامش الأصل بخط مغاير: "حديث أبي جُهَيم يرويه أبو النَّضر، واختلف عليه ابن عُيينة ومالك في أمرَين: أحدهما: في الإسناد، والثاني: في المتن، فقال سفيان: عن أبي النَّضر، عن بُسْر بن سعيد: أرسلَني أبو جُهَيم إلى زيد بن خالد أسأله عن المارِّ بين يدَي المُصلِّي، فقال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لو يَعلم المارُّ بين يدَي المُصلِّي ماذا عليه كان لأَنْ يقومَ أربعين خريفًا خيرٌ له من أن يقوم بين يدَيه"، رواه البَزَّار: ثنا احمد بن عبدة الضَّبِّي، ثنا سفيان، عن أبي النَّضر، فذكره. وخالفه مالك؛ فقال: عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد قال: أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم أساله عن المارِّ بين يدَي المُصلِّي، فقال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لو يَعلم المارُّ بين يدَي المُصلِّي ماذا عليه لكان أَنْ يقف أربعين خيرًا له من أن يَمرَّ بين يدَيه" قال أبو النضر: لا أدري، قال: أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة، فجعل الحديثَ حديثَ أبي جُهَيم، ورواه بالشكِّ، وابنُ عُيينةَ جعله حديثَ زيد بن خالد وجزم بأن الأربعين من السنين، وخطَّأ سفيان بن عُيينةَ في هذا، وأعرضَ أصحابُ الصحيح عن روايته واعتمدا روايةَ مالك. وسلك ابنُ القطَّان طريقًا في الجمع غيرَ مُحقَّقةِ فقال: يُحتمَل أن يكونَ أبو جُهَيم بعث بُسْرَ بنَ سعيد إلى زيد بن خالد يسأله عن الحديث، وزيد بعثَه إلى أبي جُهَيم يسأله أيضًا بعد أن أخبرَه بما عنده، يستثبته فيما عنده، وأخبرَ كلٌّ منهما بمحفوظه، وشكَّ أحدُهما وجزمَ الآخر بأربعين خريفًا، واجتمع ذلك عند أبي النَّضر، فحدَّث به مالكًا وسفيانَ، فحفظ مالكٌ حديثَ أبي جُهَيم وحفظ سفيانُ حديثَ زيد بن خالد، ولا يَخفَى ما في هذا الكلام من الضعف والتعسُّف". (¬2) رواه البخاري (488)، ومسلم (507).

246 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: سُئل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن سترة المُصلِّي؟ فقال: "مِثلُ مُؤخِّرةِ الرَّحل (¬1) ". انفرد به مسلم (¬2). 247 - وعن سهل بن أبي حَثْمَة -رضي اللَّه عنه-، يبلغ به النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا صلَّى أحدُكم إلى سترةٍ فَلْيَدنُ منها، لا يقطعُ الشيطانُ عليه صلاتَه". أخرجه أبو داود (*) (¬3). 248 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه نَهَى أن يُصلِّيَ الرجلُ مُخْتَصِرًا. لفظ البُخاري (¬4)، وهو متفق عليه (¬5). 249 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وُضعَ عَشاءُ أحدِكم وأُقيمَتِ الصلاةُ فابدؤوا بالعَشاء، ولا تعجَلَنَّ حتى تَفرُغَ منه" (¬6). 250 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان أحدُكم في الصلاة فإنه يُناجي ربَّه، فلا يَبصُقَنَّ بين يدَيه ولا عن يمينه، ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم، وقد اختُلف في إسناده، ورُوي مُرسَلًا وموقوفًا. (¬1) مؤخرة الرحل: هو العود الذي يستند إليه راكبُ الرحل. (¬2) رواه مسلم (500). (¬3) رواه أبو داود (695). (¬4) جاء على هامش الأصل "مسلم". (¬5) رواه البخاري (1162)، ومسلم (545). (¬6) رواه البخاري (642)، ومسلم (559).

ولكن عن شماله تحتَ قدمه" (¬1). 251 - وعن مُعَيقيب -رضي اللَّه عنه-: أنهم سألوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المسح في الصلاة؟ فقال: "واحدة" (¬2). قلت: والمراد مسح الحَصى للتسوية، يتبيَّن ذلك في رواية أخرى (*). 252 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يَأمَنُ (¬3) الذي يرفع رأسَه في الصلاة قبلَ الإمامِ أن يُحوِّلَ اللَّهُ صورتَه صورةَ حمارٍ". متفق عليها كلِّها، واللفظ لمسلم (¬4). 253 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنهما- قالت: سألتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو اختلاسٌ (¬5) يختلِسُه الشيطانُ من صلاة العبد" (¬6). 254 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان قِرَامٌ (¬7) لعائشةَ تَستُر به جانبَ بيتها، ¬

_ (*) وهي في الصحيح؛ فالأَولى ذكرُها. (¬1) رواه البخاري (1156)، ومسلم (551). (¬2) رواه البخاري (1149)، ومسلم (546). (¬3) في هامش الأصل: "يؤمن". (¬4) رواه البخاري (659)، ومسلم (427). (¬5) الاختلاس: أخذ الشيء بسرعة، يقال: اختلس الشيء: إذا استلبه. (¬6) رواه البخاري (718). (¬7) هو ستر رقيق من صوف، ذو ألوان.

فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمِيطِي عنَّا قِرَامَك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويرُه تَعرِضُ في صلاتي" (¬1). انفرد بهما البُخاري. 255 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنهما- في قصة: إني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا صلاةَ بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافِعُه الأَخبثانِ (¬2) " (¬3). 256 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التثاؤبُ في الصلاة (*) من الشيطان، فإذا تثاءَبَ أحدُكم فَلْيَكظِمْ ما استطاع" (¬4). 257 - وعن جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيَنتهيَنَّ أقوامٌ يرفعون أبصارَهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجعُ إليهم" (¬5). انفرد بها مسلم. * * * ¬

_ (*) لم يقل مسلم: "في الصلاة"، وإنما ذكر ذلك التِّرْمِذي وصحَّحه، واللَّه أعلم. (¬1) رواه البخاري (367). (¬2) وهو البول والغائط. (¬3) رواه مسلم (560). (¬4) رواه مسلم (2994). (¬5) رواه مسلم (428).

6 - باب سجود السهو

6 - باب سجود السَّهو 258 - عن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فلم يَدرِ كم صلَّى ثلاثًا أو أربعًا، فَلْيَطرَحِ الشكَّ وَلْيَبنِ على ما استيقنَ، ثم يَسجدْ سجدتَين قبل أن يُسلِّمَ، فإن كان صلَّى خمسًا شَفَعْنَ له صلاتَه، وإن كان صلَّى إتمامًا لأربعٍ كانتا ترغيمًا للشيطان (¬1) ". أخرجه مسلم (¬2). وفي رواية هشام (*) بن سعد لهذا الحديث: "إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فلا يدري كم صلَى ثلاثًا أو أربعًا، فَلْيَقُمْ فَلْيُصلِّ ركعةً"، الحديث. أخرجه البَيْهَقي في "المعرفة" من حديث ابن وهب عنه وعن غيره، ولم يَرفعْه منهم غيرُه (¬3). ¬

_ (*) هشام بن سعد صَدُوقٌ، وضعَّفه النَّسائىُّ وغيرُه، وقال أحمد: ليس هو مَحكمًا للحديث، روى له في الشواهد، وذكره البُخاري تعليقًا. (¬1) أي: إغاظة له وإذلالًا، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه: أرغم اللَّه أنفه. (¬2) رواه مسلم (571). (¬3) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1128).

259 - وروى علقمة قال: قال عبد اللَّه: صلَّى لنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال إبراهيم: زاد أو نقص، فذكر الحديثَ، وفيه "إذا شكَّ أحدُكم فَلْيَتحرَّ الصوابَ، فَلْيُتمَّ عليه، ثم يَسجدْ سجدتَينِ". لفظ مسلم (¬1). وعند أبي داود (*): "فَلْيُتمَّ عليه، ثم لِيُسلِّمْ، ثم لِيَسجُدْ سجدتَينِ". ورجاله رجال الصحيحين (¬2). وفي رواية لمسلم: فقال: "إذا زاد الرجلُ أو نَقَصَ فَلْيَسجُدْ سجدتَينِ" (¬3). 260 - وعن (**) أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّى بنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إحدى صلاتَي العَشِيِّ، إما الظهرَ وإما العصرَ، فسلَّمَ في ركعتَينِ، ثم أتى جِذْعًا في قِبْلة المسجد فاستندَ إليها مَغضَبًا، وفي القوم أبو بكر وعمرُ، فهابا أن يُكلِّمَاه، وخرج سَرَعَانُ (¬4) الناس فقالوا: قُصِرَتِ الصلاةُ، فقام ذو اليدَينِ فقال: يا رسولَ اللَّه! أقُصِرَتِ الصلاةُ أم نسِيتَ؟ فنظر النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يمينًا وشمالًا، فقال: "ما يقول ذو اليدَينِ؟ " فقالوا: صدقَ، لم تُصلِّ إلا ركعتَينِ، فصلَّى ¬

_ (*) وهو عند البُخاري أيضًا. (**) محمد بن سِيرينَ، عن. (¬1) رواه البخاري (392)، ومسلم (572). (¬2) رواه أبو داود (1020)، والبخاري (392). (¬3) رواه مسلم (572). (¬4) أي: المسرعون إلى الخروج.

ركعتَينِ وسلَّم، ثم كبَّر، ثم سجد، ثم كبَّر، فرفع، ثم كبَّر وسجد، ثم كبَّر فرفع قال (*): وأُخبرتُ عن عِمرانَ بنِ الحُصين أنه قال: وسلَّم. لفظ مسلم (¬1). وفي رواية عند البُخاري: فقال: أنسَيتَ أم قُصِرَتْ؟ فقال: "لم أَنسَ ولم تُقصَرْ"، قال: بلى قد نسيتَ (¬2). وفي رواية عند أبي داود: فأَومَؤُوا: أيْ نعم. وعنده (**) في رواية في قصة ذي اليدَين: كبَّر، ثم كبَّر وسجد (¬3). 261 - وفي حديث عِمرانَ بنِ حُصين عند مسلم: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى العصرَ، فسلَّم في ثلاث ركعات، فدخل منزلَه، فقام إليه رجلٌ يقال له: الخِرْبَاق، وكان في يدَيه طُولٌ، فقال: يا رسولَ اللَّه! فذكر له صنيعَه، فخرج غضبانَ يَجُرُّ رداءَه حتى انتهى إلى الناس، فقال: "أصدقَ هذا؟ " قالوا: نعم، فصلَّى ركعةَ ثم سلَّم، ثم سجدَ سجدتَين، ثم سلَّم (¬4). ¬

_ (*) يعني: محمد بن سيرين الراوي عن أبي هريرة، كذلك قاله المؤلف في "شرح العمدة"، واستدركه على مؤلِّفها، حيث لم يذكر ابن سيرين، ثم لم يذكره هنا. (**) وإسناده على شرط الصحيح، لكنْ ذكرَ أبو داود أن قوله: "كبَّر، ثم كبَّر وسجد" لم يَذكرْها غيرُ حَمَّاد بن زيد، وكذا انفرد بقوله: "فأَمَؤُوا". (¬1) رواه مسلم (572). (¬2) رواه البخاري (1172). (¬3) رواه أبو داود (1008). (¬4) رواه مسلم (574).

وعند أبي داود عن عِمرانَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى بهم، فسَهَا، فسجد سجدتَين، ثم تشهَّد، ثم سلَّم (*) (¬1). 262 - وعن عبد اللَّه ابن بُحَينةَ الأزديِّ حليفِ بني عبد المطلب: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قامَ في صلاة الظهر وعليه جلوسٌ، فلما أتمَّ صلاتَه سجد سجدتَينِ، يُكبِّر في كل سجدةٍ وهو جالسٌ قبل أن يُسلِّمَ، وسجدَهما الناسُ معه مكانَ ما نسيَ من الجلوس. لفظ رواية مالك عند البُخاري (¬2). 263 - وعن عبد اللَّه، هو ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى الظهرَ خمسًا، فقيل له: أزِيدَ في الصلاة؟ قال: "وما ذاك؟ "، قال (¬3): صلَّيتَ خمسًا، فسجدَ سجدتَينِ بعدَما سلَّمَ. لفظ البُخاري (¬4). وفي رواية لمسلم، وفيها قصة: فسجدَ سجدتَينِ ثم سلَّم (¬5). * * * ¬

_ (*) إسناده صحيح، وتكلَّم فيه البَيْهَقي. (¬1) رواه أبو داود (1039). (¬2) رواه البخاري (1173)، ومسلم (570). (¬3) جاء في الهامش: "قالوا"، وأشار فوقها بـ (خ). (¬4) رواه البخاري (1186). (¬5) رواه مسلم (572).

7 - باب صلاة المريض

7 - باب صلاة المريض 264 - عن عِمرانَ بنِ حُصين -رضي اللَّه عنه- قال: كانت بي بَوَاسِيرُ، فسألتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الصلاة؛ فقال: "صلِّ قائمًا، فإن لم تستطعْ فقاعدًا، فإن لم تستطعْ فعلى جَنبٍ". أخرجه البُخاري (¬1). 265 - وعن أبي الزبير، عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عاد مريضًا، فرآه يُصلِّي على وسادةِ، فأخذَها فرَمَى بها، فأخذ عودًا ليُصلِّيَ عليه، فأخذَه فرَمَى به، وقال: "صلِّ على الأرض إن استَطعتَ، وإلا فأَومِ إيماءً، واجعل سجودَك أخفضَ من ركوعك". وفي رواية: "إن أَطَقتَ أن تُصلِّيَ على الأرض وإلا". لفظ البَيْهَقي فيهما (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1066). (¬2) رواه البيهقي (2/ 306).

266 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي مُتربِّعًا. أخرجه النَّسائي (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) منفردًا به، وقال: لا أعلم أحدًا رَوى هذا الحديثَ غيرُ أبي داود؛ يعني: الحَفَري، وأبو داود ثقة، ولا أحسب إلا أن هذا الحديثَ خطأ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه النسائي (1661).

8 - باب صلاة المسافر

8 - باب صلاة المسافر 267 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنهما- قالت: فُرِضَتِ الصلاةُ ركعتَينِ ركعتَينِ في الحَضَر والسَّفَر، فأُقرَّتْ صلاةُ السَّفَر، وزِيدَ في صلاة الحَضَر. متفق عليه (¬1). وعنها: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَقصُرُ في السفر ويُتِمُّ، ويُفطِرُ ويصومُ. أخرجه الدَّارَقُطْني وقال: هذا إسناد صحيح (¬2). 268 - وعن يحيى بن يزيد الهُنَائي (*) قال: سألتُ أنسَ بنَ مالك عن ¬

_ (*) "الهُنَائي" منسوب إلى هُنَاة بن مالك، بطن من الأزد، وهم بالبصرة، سُئل أبو حاتم الرازي عن الهُنَائي فقال: وقال ابن عبد البر: شيخ من أهل البصرة، ليس مثله ممن يحتمل أن يحملَ مثلَ هذا المعنى الذي خالَفَ فيه جمهورَ الصحابة والتابعين، ولا هو ممن يُوثَق به في ضبط مثل هذا الأصل، وقد يُحتمل أن يكونَ أراد ابتداء قصر الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثةَ أميال. وقال المُنذِري: ويحيى بن يزيد هذا قد نصَّ البُخاريُّ وغيرُه على أنه سمع من أنس، ولم يذكروا فيه طعنًا، والحديث فقد خرَّجه مسلم في "صحيحه"، وهو محمول على أنه أراد ابتداء القصر في السفر الطويل. (¬1) رواه البخاري (343)، ومسلم (685). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 189).

قصر الصلاة، فقال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرج مسيرةَ ثلاثةِ أميالٍ، أو: ثلاثةِ فراسخَ -شعبةُ الشاكُّ- صلَّى ركعتَينِ. أخرجه مسلم (¬1). 269 - وعن العلاء بن الحَضْرَمي -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَمكثُ المُهاجِرُ بعد قضاء نُسكِه ثلاثًا" (¬2). متفق عليه (¬3). 270 - وعن أنس بن مالك قال: خرجْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المدينة إلى مكةَ، يصلِّي ركعتَينِ حتى رجعَ، قلت: كم أقامَ بمكةَ؟ قال: عشرًا. أخرجه مسلم (¬4). 271 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: أقامَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تسعةَ عشرَ يومًا يَقصُرُ الصلاةَ، فنحن إذا سافرْنا تسعةَ عشرَ يومًا قصَرْنا، وإذا زدْنَا أتممْنَا. أخرجه البُخاري (¬5). وفي رواية لأبي داود: أقامَ سبعَ عشرةَ بمكةَ يَقصُرُ الصلاةَ (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (691). (¬2) يعني: أن الذين هاجروا من مكة قبل الفتح إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَرُم عليهم استيطان مكة والإقامة بها، ثم أبيح لهم إذا وصلوها بحج أو عمرة أو غيرها أن يقيموا بعد فراغهم ثلاثة أيام، ولا يزيدوا على الثلاثة. (¬3) رواه البخاري (3718)، ومسلم (1352). (¬4) رواه مسلم (692). (¬5) رواه البخاري (1030). (¬6) رواه أبو داود (1230).

272 - وروى مَعمَر بسنده، عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: أقام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بتَبُوكَ عشرين يومًا يَقصُرُ الصلاةَ. ورواه غيرُ مَعمَر فأرسلَه (*) (¬1). 273 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا عَجِلَ به السيرُ يُؤخِّر الظهرَ إلى وقت العصر، ثم يَنزل فيَجمعُ بينهما، فإن زاغَتِ الشمسُ قبل أن يَرتحلَ صلَّى الظهرَ، ثم ركب. أخرجه مسلم (¬2). وفي رواية البَيْهَقي: كان إذا كان في سفرٍ، فزالَتِ الشمسُ صلَّى الظهرَ والعصرَ، ثم ارتحلَ (**) (¬3). 274 - وعن نافع: أن ابنَ عمرَ كان إذا جدَّ به السَّيرُ جَمَعَ بين المغرب والعشاء بعدَما يغيبُ الشفقُ، ويقول: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جدَّ ¬

_ (*) قال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": ثنا يونس وحسن بن موسى المعنى قالا: ثنا حَمَّاد، يعني: ابن زيد، عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن ابن عباس، لا أعلمُه إلا قد رفعَه، قال: كان إذا نزل منزلًا، فأعجبَه المنزل أخَّر الظهرَ حتى يَجمعَ بين الظهر والعصر، وإذا سافر ولم يتهيَّأ له المنزل أخَّر الظهرَ حتى يأتِيَ المنزلَ، فيَجمعَ بين الظهر والعصر. قال حسن: كان إذا سافر، فنزل منزلًا. (**) هذا الحديث رواه إسحاق بن راهَوَيهِ، عن شَبابة، عن الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن أنس، ورواه عمرو الناقد، عن شَبَابة فخالف إسحاق في لفظه. (¬1) رواه أبو داود (1235). (¬2) رواه مسلم (704)، والبخاري (1061) (¬3) رواه البيهقي (3/ 162).

به السيرُ جَمَعَ بين المغرب والعِشاء. لفظ مسلم (¬1). وفي رواية ابن فُضيل (*)، عن أبيه، عن نافع وعبد اللَّه بن واقد: أن مُؤذِّنَ ابنِ عمرَ قال: الصلاة، قال: سِرْ، حتى إذا كان قبلَ غروب الشفق نزلَ فصلَّى المغربَ، ثم انتظر حتى غاب الشفقُ فصلَّى العِشاءَ، ثم قال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا عَجِلَ به أمرٌ صنعَ مثلَ ما صنعتُ (**). قيل: وبمعناه رواه ابن جابر وعطاء (¬2). 275 - وروى مالك، بسنده إلى معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-: أنهم خرجوا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامَ تَبُوكَ، فكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَجمعُ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، قال: فأخَّر الصلاةَ يومًا، ثم خرج فصلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلَّى المغربَ والعشاءَ جميعًا، الحديث (...) (¬3) ¬

_ (*) هو محمد بن فُضيل بن غزوان الضَّبِّي. (**) هذه الرواية هكذا أخرجها أبو داود حسب، وإسنادها على شرط (م) فيما قيل، وليس بصحيح، فإن (د) رواه عن محمد بن عُبيد المُحاربي، عن ابن الفضيل، ولم يروِه لابن عبيد. (...) أخرجه أبو داود والنَّسائي من حديث مالك، وهو عند مسلم من وجه آخر بمعناه. (¬1) رواه مسلم (703). (¬2) رواه أبو داود (1212). (¬3) رواه أبو داود (1206)، والنسائي (587).

276 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: جَمَعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوفٍ ولا مطرٍ. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا تحرجَ أمَّتُه (*) (¬1). وفي رواية: صلَّى لنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ جميعًا، من غير خوفٍ ولا سفرٍ (¬2). 277 - وروى عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل في حديث المُستَحَاضَة جَمْعَها بين الصلاتَين. وهو عند أبي داود وغيره. وابن عَقِيل تقدَّم (¬3). * * * ¬

_ (*) متفق عليه واللفظ لمسلم. (¬1) رواه مسلم (705). (¬2) رواه مسلم (705). (¬3) رواه أبو داود (287).

9 - باب صلاة الخوف

9 - باب صلاة الخوف 278 - روى مالك، عن يزيد بن رُومانَ، عن صالح بن خَوَّات، عن مَن صلَّى مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ ذاتِ الرِّقَاع صلاةَ الخوف: أن طائفةً صفَّتْ معه، وصفَّتْ طائفةٌ وِجاهَ العدو، فصلَّى بالتي معه ركعةً، ثم ثبتَ قائمًا وأتَمُّوا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفُّوا وِجاهَ العدو، وجاءت الطائفةُ الأخرى فصلَّى بهم الركعةَ التي بقيَتْ من صلاته، ثم ثبتَ جالسًا، وأتَمُّوا لأنفسهم، ثم سلَّم بهم. متفق عليه (¬1). 279 - وروى شعبة هذا الحديثَ من وجهٍ آخرَ عن صالح بن خَوَّات بن جُبَير، عن سهل بن أبي حَثْمَة، فبيَّن المُبهَمَ في رواية مالك (¬2). 280 - وروى البُخاري من حديث شعيب، عن الزُّهري، قال: سألتُه: هل صلَّى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، يعني: صلاة الخوف؟ فقال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه بن عمر: أن عبد اللَّه بنَ عمرَ قال: غزوتُ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3900)، ومسلم (842). (¬2) رواه البخاري (3902)، ومسلم (841).

نجدٍ، فوازَيْنا (¬1) العدوَّ، فصافَفْنَاهم (¬2)، فقام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي لنا، فقامتْ طائفةٌ معه، وأقبلتْ طائفةٌ على العدو، فركع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بِمَن معه وسجد سجدتَينِ، ثم انصرفوا مكانَ الطائفة التي لم تُصلِّ، فجاؤوا فركع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهم ركعةً وسجد سجدتَينِ، ثم سلَّم، فقام كلُّ واحدٍ منهم فركعَ لنفسِه ركعةً، وسجد سجدتَينِ (¬3). رواه مسلم من حديث نافع، عن ابن عمر بلفظ آخر، وفي آخره: قال: وقال ابن عمر: فإذا كان خوفٌ أكثرُ من ذلك فصلِّ راكبًا وقائمًا تُومِئ إيماءً (¬4). 281 - وروى البُخاري من حديث ابن جُرَيج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال نحوًا من قول مجاهد: إذا اختلطوا قيامًا. وزاد ابنُ عمرَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإن كانوا أكثرَ من ذلك صلَّوا رجالًا وركبانًا" (¬5). وهذا الذي أشار إليه من قول مجاهد، أخرجه البَيْهَقي بلفظ: إذا اختلطوا فإنما هي الإشارةُ بالرأس والتكبير (¬6). ¬

_ (¬1) أي: حاذيناه وقابلناه. (¬2) أي: جعلنا نفوسنا صفين في مقابلتهم. (¬3) رواه البخاري (900). (¬4) رواه مسلم (839). (¬5) رواه البخاري (901). (¬6) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1847).

282 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: فَرَضَ اللَّهُ الصلاةَ على لسان نبيِّكم -صلى اللَّه عليه وسلم- الحَضَر أربعًا، وفي السَّفَر ركعتَينِ، وفي الخوف ركعةً (¬1). 283 - وعن عطاء، عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: شهدتُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاةَ الخوف، فصفَفْنا صفَّينِ خلفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والعدوُّ بينَه وبينَ القِبْلة، فكبَّر النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكبَّرْنا جميعًا، ثم ركع وركَعْنا جميعًا، ثم رفع رأسَه من الركوع فرفَعْنا جميعًا، ثم انحدرَ بالسجود والصفُّ الذي يليه، وقام الصفُّ المُؤخَّرُ في نَحْر العدو (¬2)، فلما قضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- السجودَ وقام الصفُّ الذي يليه انحدرَ الصفُّ المُؤخَّرُ بالسجود وقاموا، ثم تقدَّم الصفُّ المُؤخَّرُ وتأخَّر الصفُّ المُتقدَّمُ، ثم ركع النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وركَعْنا جميعًا، ثم رفع رأسَه ورفَعْنا جميعًا، ثم انحدرَ بالسجود والصفُّ الذي يليه الذي كان مُؤخَّرًا في الركعة الأولى، وقام الصفُّ المُؤخرُ في نَحْر العدو، فلما قضى النَّبِيُّ السجودَ والصفُّ الذي يليه، انحدرَ الصفُّ المُؤخَّرُ بالسجود، فسجدوا، ثم سلَّم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وسلَّمْنَا جميعًا. قال جابر: كما يَصنعُ حَرَسُكم هؤلاء بأمرائهم (¬3). أخرجهما مسلم. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (687). (¬2) أي: في مقابلته، ونحرُ كل شيء: أولُه. (¬3) رواه مسلم (840).

10 - باب صلاة الجماعة

10 - باب صلاة الجماعة 284 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاةُ الجماعة تَفضُلُ صلاةَ الفَذِّ (¬1) بسبعٍ وعشرين درجةً" (¬2). 285 - وفي حديث أبي سعيد: "بخمسٍ وعشرين" (¬3). 286 - في حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "بخمسة وعشرين جزءًا". والكلُّ في الصحيح (¬4). 287 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده! لقد هممتُ أن آمرَ بحطبٍ فيُحطَبَ، ثم آمرَ بالصلاة فيُؤذَّنَ لها، ثم آمرَ رجلًا فيَؤُمَ الناسَ، ثم أخالِفَ إلى قومٍ فأُحرَّقَ عليهم بيوتَهم، والذي نفسي بيده! لو يَعلم أحدُهم أنه يَجدَ عَرْقًا (¬5) سمينًا أو مِرْمَاتَينِ ¬

_ (¬1) أي: الفرد. (¬2) رواه البخاري (619)، ومسلم (650). (¬3) رواه البخاري (619). (¬4) رواه مسلم (649). (¬5) هو العظم عليه بقية من اللحم.

حسنتَينِ (*) لَشَهِدَ العِشاءَ". متفق عليه (¬1). 288 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استأذَنَكم نساؤُكم بالليل إلى المسجد فَأْذَنُوا لهنَّ". لفظ رواية البُخاري (¬2). وعند أبي داود: "لا تمنعُوا نساءكم المساجدَ، وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنَّ" (¬3). 289 - وعن بُسْر بن سعيد: أن زينبَ الثَّقَفيَّةَ كانت تُحدِّث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "إذا شَهِدَتْ إحداكنَّ العِشاءَ فلا تَطيَّبْ تلك الليلةَ". أخرجه مسلم (¬4). 290 - وعند البُخاري عن أبي موسى -رضي اللَّه عنهما- قال: قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعظمُ الناس أجرًا في الصلاة أبعدُهم، فأبعدُهم ممشًى، والذي يَنتظرُ الصلاةَ حتى يُصلِّيَها مع الإمام أعظمُ أجرًا من الذي يُصلِّي ثم ينام" (¬5). ¬

_ (*) لم يقل (م): "أو مِرْمَاتَينِ حسنتَينِ". المِرْمَاة: بالكسر أفصح، وهي السهم. (¬1) رواه البخاري (618)، ومسلم (651). (¬2) رواه البخاري (827)، ومسلم (442). (¬3) رواه أبو داود (567). (¬4) رواه مسلم (443). (¬5) رواه البخاري (623).

291 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن سمع النداءَ، فلم يأتِه فلا صلاةَ له إلا مِن عذرٍ". أخرجه ابن ماجه (*) (¬1). 292 - وروى مالك، عن نافع: أن ابنَ عمرَ أذَّن بالصلاة في ليلةٍ ذاتِ بردٍ وريحٍ، فقال: ألا فصلُّوا في الرِّحال، ثم قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمرُ المُؤذِّنَ إذا كانت ليلةٌ باردةٌ أو ذاتُ مطرٍ في السفر أن يقولَ: "ألا صلُّوا في الرِّحال" (¬2). وفي رواية عبيد اللَّه عن نافع: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمرُ المُؤذِّنُ إذا كانت ليلةٌ باردةٌ أو ذاتُ مطرٍ في السفر أن يقولَ: "ألا صلُّوا في رِحالِكم". متفق عليه، واللفظ الثاني لمسلم (¬3). وفي رواية محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: نادى مُؤذِّنُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القَرَّة (**) (¬4) (¬5). 293 - وعن عبد العزيز بن صهيب قال: سُئل أنسٌ عن الثُّوم، فقال: ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم. (**) أخرجه أبو داود، وابن إسحاق صدوق. (¬1) رواه ابن ماجه (793). (¬2) رواه البخاري (635)، ومسلم (697). (¬3) رواه البخاري (606)، ومسلم (697). (¬4) القرَّة: الباردة. (¬5) رواه أبو داود (1064).

قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أكلَ من هذه الشجرة فلا يَقرَبْنَا، ولا يُصلِّي معنا". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 294 - وعن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه قال: شهدتُ مع النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَجَّةً، فصلَّيتُ معه الصبح في مسجد الخَيف، فلما قضى صلاتَه إذا هو برجلَينِ في آخر القوم لم يُصلِّيَا معه، فقال: عليَّ بهما، فجِيء بهما تُرعَد (¬2) فَرائصُهما (¬3)، فقال: "ما منعَكما أن تُصلِّيَا؟ " فقالا: يا رسولَ اللَّه! إنا قد كنا صلَّينا في رِحالِنا، فقال: "فلا تفعلا، إذا صلَّيتُما في رِحالِكما ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلُّوا معهم؛ فإنها لكما نافلةٌ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (*) (¬4). 295 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعلِّمُنا يقول: "لا تُبادِرُوا (¬5) الإمامَ، فإذا كبَّر فكبِّرُوا"، الحديث. أخرجه مسلم (¬6). وفي رواية مصعب بن محمد عند أبي داود: "إنما جُعل الأمامُ لِيُؤتَمَّ ¬

_ (*) وأبو داود والنَّسائي. (¬1) رواه البخاري (818)، ومسلم (562). (¬2) أي: ترجف وتضطرب. (¬3) جمع فريصة، وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف. (¬4) رواه الترمذي (219)، وأبو داود (575)، والنسائي (858). (¬5) أي: لا تسبقوه. (¬6) رواه مسلم (415).

به، فإذا كبَّر فكبِّرُوا، ولا تُكبِّرُوا حتى يُكبِّرَ، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يَركعَ". وفيه: "فإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يَسجدَ" (¬1). ومصعب بن محمد قد وُثِّق. 296 - وروى أبو إسحاق، عن عبد اللَّه بن يزيد قال: قال لي البراء -وهو غيرُ كَذوب-: إنهم كانوا يُصلُّون خلفَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا رفع رأسَه من الركوع لم أَرَ أحدًا يَحني ظهرَه حتى يضعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جبهتَه على الأرض، ثم نَخِرُّ من ورائه سُجَّدًا. متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). 297 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخُّرًا، فقال لهم: "تقدَّمُوا فَأْتَمُّوا بي، وَلْيَأتَمَّ بكم مَن بعدَكم، لا يزالُ قومٌ يتأخَّرُون حتى يُؤخِّرَهم اللَّهُ تعالى". أخرجه مسلم (¬3). 298 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي من الليل في حُجرته، وجدارُ الحُجرةِ قصيرٌ، فرأى الناسُ شخصَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام ناسٌ يُصلُّون بصلاته، فأصبحوا يتحدَّثون بذلك، فقام الليلةَ الثانيةَ، فقام معه أناسٌ يُصلُّون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتَينِ أو ثلاثًا، حتى إذا كان بعدَ ذلك ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (603). (¬2) رواه البخاري (778)، ومسلم (474). (¬3) رواه مسلم (438).

جلس رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لم يخرجْ، فلما أصبح ذكرَ ذلك الناسُ قال: فقال: "إني خشيتُ أن تُكتَبَ عليكم صلاةُ الليل". لفظ رواية البُخاري (¬1). 299 - وعند مسلم في رواية زيد بن ثابت: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اتخذَ حُجرةً في المسجد من حصيرٍ، فصلَّى فيها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى اجتمعَ إليه ناسٌ، ثم فقدوا صوتَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فظنُّوا أنه قد نام، الحديث. وأصله متفق عليه (¬2). 300 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: صلَّى معاذُ بنُ جبل الأنصاريُّ لأصحابه العِشاءَ فطوَّلَ عليهم، فانصرف رجلٌ مِنَّا (¬3) فصلَّى، الحديث. لفظ مسلم، وأصله متفق عليه (¬4). وفي حديث لمسلم: فانحرف رجلٌ فسلَّم، فصلَّى وحدَه (¬5). 301 - وفي حديث الأسود، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنهما- قالت: لمَّا ثَقُلَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جاء بلالٌ يُؤذِنُه بالصلاة. وفيه: "مُرُوا أبا بكر فَلْيُصلِّ بالناس"، فلما دخل في الصلاة وجد رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في نفسه خِفَّة، فقام يُهادَى (¬6) بين رجلَينِ، ورِجلاه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (696). (¬2) رواه مسلم (781)، والبخاري (698). (¬3) في هامش الأصل: "منهم"، وجاء فوقها (خ). (¬4) رواه مسلم (465)، والبخاري (669). (¬5) رواه مسلم (465). (¬6) أي: يمشي بينهما متكئًا عليهما يتمايل إليهما.

تَخُطَّان في الأرض، حتى دخل المسجدَ، فلما سمع أبو بكر حسَّه ذهب أبو بكر يتأخَّر، فأَومَأ إليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يُصلِّي قائمًا، وكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي قاعدًا، يَقتدي أبو بكر بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والناسُ يقتدون بصلاة أبي بكر. متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬1). 302 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا صلَّى أحدُكم بالناس فَلْيُخفِّفْ؛ فإن فيهم السقيمَ والضعيفَ والكبيرَ، وإذا صلَّى أحدُكم لنفسه فَلْيُطوِّلْ ما شاء". متفق عليه (¬2). 303 - وعن عمرو بن سَلِمَة -رضي اللَّه عنهما- قال: كنا بماءٍ ممرِّ الناس، وكان يمرُّ بنا الركبانُ فنَسألُهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجلُ؟ فيقولون: يزعم أن اللَّهَ أرسلَه، أَوحَى إليه كذا، أَوحَى إليه كذا، فكنتُ أَحفظ ذلك الكلامَ، فكأنما يُقَرُّ (¬3) في صدري، وكانت العربُ تَلَوَّمُ (¬4) بإسلامها، فيقولون: اتركوه وقومَه؛ فإنه إن ظهرَ عليهم فهو نبيٌّ صادقٌ. فلما كانت وقعةُ أهل الفتح بادرَ كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبدرَ أبي قومي بإسلامهم، فقال: جئتُكم واللهِ من عند نبيِّ اللَّه حقًّا، قال: "صلُّوا صلاةَ كذا في حين كذا، وصلاةَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (681)، ومسلم (418). (¬2) رواه البخاري (671)، ومسلم (467). (¬3) أي: يثبت. (¬4) أي: تنتظر.

كذا في حين كذا، فإذا حضرَتِ الصلاةُ فَلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكم، وَلْيَؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا". فنظروا فلم يكنْ أحدٌ أكثرَ قرآنًا مني؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى من الرُّكْبان، فقدَّمُوني بين أيديهم وأنا ابنُ ستِّ سنين أو سبعِ سنين، وكانت عليَّ بُردةٌ، فكنتُ إذا صلَّيتُ فسجدتُ تقلَّصَتْ عني (¬1)، فقالت امرأة من الحَي: ألا تُغطُّون عنا استَ قارئكم؟ فاشتَرَوا لي قميصًا، فما فرحتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميص. أخرجه البُخاري (¬2). 304 - وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمُهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواءً فأقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمُهم سِلْمًا (¬3)، ولا يُؤَمَّنَّ الرجلُ في سُلْطانه (¬4)، ولا يُقعَدْ في بيته على تَكْرِمَتِه (¬5) إلا بإذنه". أخرجه مسلم. وفي رواية له مكان "سِلْمًا": "سِنَّاً". وفي رواية: "يَؤُمُّ القومَ أقرؤُهم لكتاب اللَّه وأقدمُهم قراءةً، فإن ¬

_ (¬1) أي: ارتفعت إلى أعالي البدن. (¬2) رواه البخاري (4051). (¬3) أي: إسلامًا. (¬4) أي: فيما يملكه. (¬5) التكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويختص به.

كانت قراءتُهم سواءً فَلْيَؤُمَّهم أقدمُهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواءً فَلْيؤُمَّهم أكبرُهم سِنًّا، ولا يُؤَمَّنَّ الرجلُ في أهله ولا في سُلّطانه، ولا تَجلسْ على تَكْرِمَتِه في بيته إلا أن يأذنَ لك، أو: بإذنه" (¬1). 305 - وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِيَلِيني منكم أولو الأحلام والنُّهى (¬2)، ثم الذين يَلونهم، ثلاثًا، وإياكم وهَيشاتِ الأسواقِ". لفظ مسلم (¬3). والهَيش: العَيث، ويقال هاش: إذا عاث، وكأن المراد الفتن والهيج. 306 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُصُّوا صفوفَكم وقارِبُوا بينَها، وحاذُوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده! إني لأَرى الشياطينَ تدخل من خَلَلِ الصفوف، كأنها الحَذَفُ". أخرجه أبو داود عن رجال الصحيح (¬4). والحَذَف -بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة معًا-: غنم صغار، يقال: من غنم الحجاز. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (673). (¬2) أولو الأحلام: هم العقلاء، وقيل: البالغون، والنُّهى: العقلاء. (¬3) رواه مسلم (432). (¬4) رواه أبو داود (667).

307 - وعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خيرُ صفوفِ الرجال أولُها، وشرُّها آخرُها، وخيرُ صفوفِ النساء آخرُها، وشرُّها أولُها" (*) (¬1). 308 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: بتُّ عند خالتي ميمونةَ، فقام النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي من الليل، فقمتُ عن يساره، فأخذَ برأسي وأقامَني عن يمينه (¬2). 309 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيتُ أنا ويتيمٌ في بيتنا خلفَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمِّي خلفَنا أمُّ سُلَيم (¬3). لفظ البُخاري فيهما. 310 - وعن الحسن، عن أبي بَكْرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنه انتهى إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو راكعٌ، فركع قبل أن يَصِلَ إلى الصف، فذكر ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "زادَك اللَّهُ حِرْصًا، فلا (¬4) تَعُدْ". أخرجه البُخاري (¬5). 311 - وعن عمرو بن راشد، عن وابصةَ بنِ مَعبَد -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رأى رجلًا يُصلِّي خلفَ الصف وحدَه، فأمرَه أن يُعيدَ. ¬

_ (*) أخرجه مسلم. (¬1) رواه مسلم (440). (¬2) رواه البخاري (667)، ومسلم (763). (¬3) رواه البخاري (694). (¬4) في هامش الأصل: "ولا"، وجاء فوقها (خ). (¬5) رواه البخاري (750).

رواه أبو داود وغيره (¬1) (*)، وقال أحمد: حديثُ وابصةَ حسنٌ، وقال ابن المنذر: ثبَّت الحديثَ أحمدُ وإسحاقُ. 312 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا سمعتمُ الإقامةَ فامشوا إلى الصلاة، وعليكم السكينةُ والوقارُ، ولا تسرعوا؛ فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتَكم فاَتِمُّوا". اللفظ للبُخاري، وهو متفق عليه (¬2) وقد اختُلف في هذه اللفظة؛ فقيل: "فأَتِمُّوا"، وقيل: "فاقضُوا"، وكلاهما صحيح. * * * ¬

_ (*) ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وأطال الكلام في ذلك، وروى أيضًا حديث علي بن شيبان في ذلك. (¬1) رواه أبو داود (682). (¬2) رواه البخاري (610)، ومسلم (602).

11 - باب صلاة التطوع

11 - باب صلاة التطوع 313 - عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضلُ الصلاةِ طولُ القُنوتِ" (*) (¬1) (¬2). 314 - وعن ربيعةَ بنِ كعب الأسلميِّ -رضي اللَّه عنه- قال: كنتُ أبيتُ عند النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فآتيه بوَضوئه وحاجتِه، فقال لي: "سَلْ". فقلتُ: أسالُك مرافقتَك في الجنة. فقال: "أو غير ذلك؟ "، قلت: هو ذاك. قال: "فأَعِنِّي على نفسك بكثرة السجود" (**) (¬3). 315 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: حفظتُ من النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عشرَ ركعاتٍ: ركعتَينِ قبلَ الظهر، وركعتَينِ بعدها، وركعتَينِ بعدَ المغرب في بيته، وركعتَينِ بعدَ العِشاء في بيته، وركعتَينِ قبلَ صلاة الصبح؛ وكانت ساعةً لا يُدخَل على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، حدَّثتْني حفصةُ: أنه كان إذا أذَّن المُؤذِّنُ ¬

_ (*) أخرجه مسلم. (**) أخرجوه إلا البُخاري واللفظ لمسلم. (¬1) المراد بالقنوت هنا: القيام. (¬2) رواه مسلم (756). (¬3) رواه مسلم (489).

وطلع الفجرُ صلَّى ركعتين. لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬1). ولمسلم: وبعدَ الجمعة ركعتَينِ، ولم يذكر: ركعتَينِ قبلَ الصبح (¬2). 316 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يَدَعُ أربعًا قبلَ الظهر، وركعتَينِ قبلَ الغَدَاة. رواه البُخاري (¬3). 317 - وروى التِّرْمِذي من حديث أمِّ حبيبةَ زوجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالت: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن حافَظَ على أربعِ ركَعاتٍ قبلَ الظهر وأربعٍ بعدَها حرَّمَه اللَّهُ على النار". قال: هذا حديث صحيح، غريب من هذا الوجه (¬4). 318 - وروى أيضًا من حديث عاصم بن ضَمْرَةَ، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي قبلَ العصر أربعَ ركَعاتٍ، يفصل بينهنَّ بالتسليم على الملائكة المُقرَّبين ومَن تبعَهم من المسلمين والمؤمنين. وقال: هذا حديث حسن (*) (¬5). ¬

_ (*) ورواه ابن خُزيمة في "صحيحه". (¬1) رواه البخاري (1126). (¬2) رواه مسلم (882). (¬3) رواه البخاري (1127). (¬4) رواه الترمذي (428)، وأبو داود (1269)، والنسائي (1816). (¬5) رواه الترمذي (429).

قلت: وبعضُهم يُصحِّحُ روايةَ عاصم هذا عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- (*). 319 - وروى مسلم، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- حديثًا فيه: وكنا نُصلِّي على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ركعتَينِ بعدَ غروب الشمس قبلَ صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاَّهما؟ قال: كان يَرَانا نُصلِّيهما فلم يأمرْنا، ولم يَنهَنا (¬1). 320 - وروى البُخاري من حديث عبد اللَّه المُزَني، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلُّوا قبلَ صلاة المغرب -قال في الثالثة-: لمن شاء"؛ كراهيةَ أن يتخذَها الناسُ سُنَّةً (**) (¬2). 321 - وعن عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي اللَّه عنها-: أنها سُئلت عن صلاةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل؟ قالت: كان يُصلِّي بالناس العِشاءَ، ثم يرجع إلى أهله فيُصلِّي أربعًا، ثم ¬

_ (*) وثَّقه عليُّ بنُ المَدِيني والنَّسائي والعِجْلي، وصحَّحُوا حديثه، وكذلك غيرهم. (**) رواه ابن حِبَّان وزاد: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى قبلَ المغرب ركعتَينِ. قال ابن خُزيمةَ: حدثنا محمد بن العلاء بن كُرَيب، ثنا ابن مبارك، عن كَهْمَس بن الحسن، ح وثنا بُنْدَار، ثنا يزيد بن هارون، ثنا الجُرَيري وكَهْمَس، ح وثنا بُنْدَار، ثنا سالم بن نوح العطَّار، ثنا سعيد الجُرَيري، ح وثنا أحمد بن عَبْدَة، ثنا سُلَيم، يعني: ابن أخضر، ثنا كَهْمَس، جميعًا عن عبد اللَّه بن بُريدة، عن عبد اللَّه بن مُغفَّل، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينَ كلِّ أذانيَنِ صلاةٌ، بينَ كلِّ أذانيَنِ صلاةٌ"، ثم قال في الثالثة: "لمَن شاء"، هذا حديث أبي كُريب وأحمد بن عَبْدَة، زاد أبو كُريب: فكان ابنُ بُريدةَ يُصلِّي قبلَ المغرب ركعتَينِ. (¬1) رواه مسلم (836). (¬2) رواه البخاري (1128).

يأوي إلى فراشه، الحديث. أخرجه أبو داود (*) (¬1). 322 - وعنها قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي ركعتَي الفجر، فيُخفِّفُ، حتى إني لأَقولُ: هل قرأ فيها (¬2) بأمِّ الكتاب؟ (**) (¬3). 323 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ في ركعتَي الفجر: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬4). 324 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في ركعتَي الفجر في الأولى منهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآية التي في البقرة، وفي الأخيرة منهما: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52] (¬5). أخرجهما مسلم. ¬

_ (*) وفيه انقطاعٌ من جهة أن زُرَارةَ بنَ أَوفَى لم يَسمعْ من عائشةَ فيما قيل، وفي ذلك نظر، وقد روى أبو داود أيضًا من حديث شُرَيح بن هانئ، قال: سألتُ عائشةَ عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: ما صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- العِشاءَ قطُّ، فدخل عليَّ إلا صلَّى أربعَ ركعاتٍ أو ستَّ ركعاتٍ، الحديث، وفي إسناده مقاتل بن بَشير العِجْلي، وابنُ حِبَّان ذكره في كتاب "الثقات" ولم يُضغفْه أحدٌ، وباقي رجاله مُحتجٌّ بهم في "الصحيح". (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه أبو داود (1348). (¬2) في هامش الأصل: "فيهما"، وجاء فوقها (خ). (¬3) رواه البخاري (1118)، ومسلم (724). (¬4) رواه مسلم (726). (¬5) رواه مسلم (726).

325 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صلَّى ركعتَي الفجر اضطجعَ على جنبِه الأيمن. لفظ رواية البُخاري، وهو متفق عليه (¬1). 326 - وروى مالك، عن نافع وعبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا سأل النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلاةُ الليل مَثنَى مَثنَى، فإذا خشي أحدُكم الصبحَ صلَّى ركعةً واحدة تُوتِرُ له ما قد صلَّى". متفق عليه (¬2). 327 - وعند أبي داود من حديث يَعلَى، هو ابن عطاء، عن عليِّ بن عبد اللَّه البارِقي، عن ابن عمر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاةُ الليل والنهار مَثنَى مَثنَى". ورواه ابن خُزيمةَ في "صحيحه" (¬3). وسُئل البخاريُّ عن حديث يَعلَى، أصحيحٌ هو؟ فقال: نعم. وخالَفَ النَّسائيُّ فقال: هذا الحديثُ عندي خطأ، واللَّه أعلم. 328 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، يرفعه، قال: سُئل -يعني: النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ الصلاةِ أفضلُ بعدَ الصلاة المكتوبة؟ وأيُّ الصيامِ أفضلُ بعدَ شهر رمضان؟ فقال: "أفضلُ الصلاةِ بعدَ الصلاة المكتوبة الصلاةُ في جوف ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1107)، ومسلم (736). (¬2) رواه البخاري (946)، ومسلم (749). (¬3) رواه أبو داود (1295)، وابن خزيمة (1210).

الليل، وأفضلُ الصيامِ بعدَ شهرِ رمضانَ صيامُ شهرِ اللَّهِ المُحرَّمِ". انفرد به مسلم (¬1). 329 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "أحبُّ الصلاةِ إلى اللَّه صلاةُ داودَ، وأحبُّ الصيامِ إلى اللَّه صيامُ داودَ، كان ينامُ نصفَ الليل، ويقوم ثلثَه، وينام سدُسَه، ويصوم يومًا ويُفطرُ يومًا". لفظ البُخاري (¬2). 330 - وعن زيد بن خالد الجُهَني -رضي اللَّه عنه- أنه قال: لأَرمُقنَّ صلاةَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الليلةَ، فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم صلَّى ركعتَينِ طويلتَينِ طويلتَينِ طويلتَينِ، ثم صلَّى ركعتَينِ وهما دونَ اللَّتَينِ قبلَهما، ثم صلَّى ركعتَينِ وهما دونَ اللَّتَينِ قبلَهما، ثم صلَّى ركعتَينِ وهما دونَ اللَّتَينِ قبلَهما، ثم صلَّى ركعتَينِ وهما دونَ اللَّتَينِ قبلَهما، ثم أَوتَرَ. فذلك ثلاثَ عشرةَ ركعةً. انفرد به مسلم (¬3). 331 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: "اللهم لك الحمدُ أنتَ نورُ السماوات والأرض، ولك الحمدُ أنتَ قَيَّامُ السماوات والأرض، ولك الحمدُ أنتَ ربُّ السماوات والأرض ومَن فيهنَّ، أنتَ الحقُّ، ووعدُك الحقُّ، وقولُك الحقُّ، ولقاؤُك حقٌّ، والجنة حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والساعةُ حقٌّ، اللهم لك أَسلمتُ، وبك ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1163). (¬2) رواه البخاري (1079)، ومسلم (1159). (¬3) رواه مسلم (765).

آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، واليك أَنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفِرْ لي ما قدَّمتُ وأخَّرتُ، وأَسررتُ وأَعلنتُ، أنتَ إلهي لا إلهَ إلا أنتَ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 332 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قال: قال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عبد اللَّه! لا تكنْ مثلَ فلان؛ كان يقوم الليلَ، فترك قيامَ الليل". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬2). 333 - وعن عاصم بن ضَمْرَةَ، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أهلَ القرآن! أوتروا فإن اللَّهَ وِتْرٌ يحبُّ الوِترَ". أخرجه أبو داود، وعاصم يُخرِّج له الحاكمُ في "المستدرك" (¬3). 334 - وعن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اجعلُوا آخر صلاتِكم بالليل وِتْرًا". أخرجه البُخاري (*) (¬4). 335 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُوتر بتسعِ ركعاتٍ، ثم أَوترَ بسبعِ ركعاتٍ، وَيركع ركعتَينِ وهو جالسٌ بعدَ الوِتر يقرأ فيهما، فإذا أراد أن يَركعَ قام فركع. أخرجه أبو داود (**) (¬5). ¬

_ (*) ورواه مسلم أيضًا. (**) ورجاله على شرط مسلم. (¬1) رواه البخاري (1069)، ومسلم (769). (¬2) رواه البخاري (1101)، ومسلم (1159). (¬3) رواه أبو داود (1416)، والنسائي (1675)، وابن ماجه (1169). (¬4) رواه البخاري (953)، ومسلم (751). (¬5) رواه أبو داود (1351).

وقد روى مسلم هاتَينِ الركعتَينِ بعد الوِتر جالسًا، من حديث سعد بن هشام، عن عائشةَ، وليس فيه القيامُ إذا أراد أن يَركعَ. وفي رواية الحسن عن سعد: يقرأ فيهما: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، و {إِذَا زُلْزِلَتِ}. 336 - وروى أبو داود من حديث أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد: أنه دخل على عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، فسألها عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل، فقالت: كان يُصلِّي ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً من الليل، ثم إنه صلَّى إحدى عشرةَ ركعةً، وترك ركعتَينِ، ثم قُبِضَ حين قُبِضَ وهو يُصلِّي من الليل تسعَ ركعاتٍ، آخرُ صلاته من الليل الوِترُ. أخرجه ابن خُزيمةَ، عن شيخ أبي داود، فأبدل الأسودَ بمسروقٍ، وقيل: إن روايةَ أبي داود أصحُّ (*) (¬1). 337 - وعن طَلْق بن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ¬

_ (*) قال ابن خُزيمةَ في "صحيحه": حدثنا مُؤمَّل بن هشام، ثنا إسماعيل، يعني: ابن عُلَيَّة، عن منصور بن عبد الرحمن، وهو الغُدَاني الذي يقال له: الأَشلُّ، عن أبي إسحاق الهَمْداني، عن مسروق: أنه دخل على عائشةَ فسألها عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالليل، فقالت: كان يُصلِّي ثلاثَ عشرةَ ركعةَ من الليل، ثم إنه صلَّى إحدى عشرةَ ركعةً، ترك ركعتَينِ، ثم قُبِضَ حين قُبِضَ وهو يُصلي من الليل تسعَ ركعاتٍ، آخرُ صلاته من الليل الوِترُ، ثم ربما جاء إلى فراشه هذا، فيأتيه بلالٌ، فيُؤذِنُه بالصلاة". (¬1) رواه أبو داود (1363)، وابن خزيمة (1168).

"لا وِترانِ في ليلةٍ" (¬1). أخرجه أبو داود أطولَ منه، والتِّرْمِذي وقال: حديث حسن غريب. قيل: وغيره يُصحِّح الحديث (*) (¬2). 338 - وعن أُبَيِّ بن كعب -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُوتر بثلاثِ ركعاتِ: يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ويَقنُتُ قبلَ الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه: "سبحانَ المَلكِ القُدُّوسِ"، ثلاثَ مراتٍ، يُطيل في آخرهنَّ. أخرجه النَّسائي وغيره (**) (¬3). ¬

_ (*) رجاله كلُّهم ثقات. (**) وقد رُوي مُرسَلًا وموقوفًا، والذين رفعوه ثقات. قال الإمام أحمد في "المسند": حدثنا محمد بن سَلَمة، عن خُصَيف، عن عبد العزيز بن جُرَيج قال: سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: كان يقرأ في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين. روى الحاكم بإسناده عن محمد بن أنس، ثنا الأعمش، عن طلحة وزُبَيد، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبزَى، عن أبيه، عن أُبَيٍّ: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ}، و {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} و (اللَّه الواحد الصمد)، صحَّحه الحاكم، ومحمد رازيٌّ تفرد بأحاديث. (¬1) يعني: من أوتر في آخر الليل ثم صلى بعد ذلك لا يعيد الوتر. (¬2) رواه أبو داود (1439)، والترمذي (470). (¬3) رواه النسائي (1699).

339 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصلِّي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً، يُوتر من ذلك بخمسٍ، لا يجلس في شيء إلا في آخرها (¬1) (¬2). 340 - وعنها -رضي اللَّه عنها- قالت: مِن كلِّ الليلِ أَوترَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وانتهى وِترُه إلى السَّحَر. أخرجهما مسلم (¬3). 341 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أيُّكم خافَ أن لا يقومَ من آخر الليل فَلْيُوتِرْ، ثم لِيَرقُدْ، ومَن وَثِقَ بقيام الليل فَلْيُوتِرْ من آخره؛ فإن قراءةَ آخر الليل محضورةٌ، وذلك أفضلُ". انفرد به مسلم (¬4). 342 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا طلع الفجرُ فقد ذهبَ كلُّ صلاةِ الليلِ والوِترُ؛ فأوترُوا قبلَ طلوع الفجر". أخرجه التِّرْمِذي من حديث سليمان بن موسى، وقيل: إنه تفرد به، والبُخاري تكلَّم فيه من أجل أحاديثَ تفرد بها، قيل: هذا منها. وقال التِّرْمِذي: لم أسمع أحدًا من المتقدمين تكلَّم في سليمان بن موسى، وسليمان بن موسى ثقة عند أهل الحديث (¬5). ¬

_ (¬1) وهذا أحد أنواع الإيتار. (¬2) رواه مسلم (737). (¬3) رواه مسلم (745)، والبخاري (951). (¬4) رواه مسلم (755). (¬5) رواه الترمذي (469).

343 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن نامَ عن وِترِه، أو نسيَه، فَلْيُصلِّه إذا ذكرَه". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 344 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: أوصاني خليلي -صلى اللَّه عليه وسلم- بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، وركعتَي الضُّحى، وأن أُوترَ قبلَ أن أنامَ (¬2). 345 - وعن أمِّ هانئ -رضي اللَّه عنها- قالت: ذهبتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامَ الفتح، فوجدتُه يغتسل، وفاطمةُ ابنتُه تستره بثوبٍ، قالت: فسلَّمتُ عليه، فقال: "مَن هذه؟ "، فقلت: أمُّ هانئ بنتُ أبي طالب، فقال: "مرحبًا بأمِّ هانئ"، فلما فرغ من غُسله قام فصلَّى ثمانيَ ركَعاتٍ مُلتحِفًا في ثوبٍ واحدٍ، فلما انصرف قلتُ: يا رسولَ اللَّه! زعم ابنُ أمِّي عليُّ بنُ أبي طالب أنه قاتلٌ رجلًا أَجرتُه، فلانَ بن هُبَيرة، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أَجرْنا مَن أَجرتِ يا أمَّ هانئ"، فقالت أمُّ هانئ: وذلك ضحًى. لفظ مسلم فيهما (¬3). 346 - وعن زيد بن أرقمَ -رضي اللَّه عنه- قال: خرج رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل ¬

_ (*) رجاله ثقات كلهم. قال ابن حِبَّان في "الأنواع": أخبرنا محمد بن إسحاق بن خُزيمة، ثنا عَبْدة بن عبد اللَّه، ثنا أبو داود الطَّيَالِسي، ثنا هشام الدَّسْتَوائي، عن قتادة، عن أبي نَضْرة: عن أبي سعيد الخُدْري: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أدركَ الصُّبحَ ولم يُوترْ فلا وِترَ له". (¬1) رواه أبو داود (1431). (¬2) رواه البخاري (1880)، ومسلم (721). (¬3) رواه البخاري (350)، ومسلم (336).

قُبَاءٍ وهم يُصلُّون، فقال: "صلاةُ الأوَّابين إذا رَمِضَتِ الفِصَالُ (¬1) ". انفرد به مسلم (¬2). 347 - وعن عاصم بن ضَمْرة، عن عليِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا زالتِ الشمسُ، يعني: من مطلعها، قَدْرَ رمحٍ أو رمحينِ، كقَدْرِ صلاة العصر من مغربها صلَّى ركعتَينِ، ثم أَمهل حتى إذا ارتفع الضُّحى (*) صلَّى أربعَ ركَعات، ثم أَمهل حتى إذا زالتِ الشمسُ صلَّى أربعَ ركعات قبلَ الظهر حين تزول الشمس، الحديث. لفظ رواية النَّسائي (¬3). وفي رواية حُصين له: ويجعل التسليمَ في آخر ركعة، يعني: من الأربع ركعات. وعاصم تقدَّم. 348 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها، كما يُعلِّمُنا السورةَ من القرآن، يقول: "إذا همَّ أحدُكم بالأمر فَلْيَركعْ ركعتَينِ من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أَستخيرُك بعلمك، وأَستقدرُك بقدرتك، وأَسألُك من فضلك العظيم؛ فإنك تَقدرُ ولا أَقدرُ، وتَعلمُ ولا أَعلمُ، وأنتَ علَّامُ الغُيوبِ، اللهم إن ¬

_ (*) الضُّحى: أول والنهار، والضَّحاء: ارتفاع النهار. (¬1) وهي أن تحمى الرمضاء وهي الرَّمل، فتبرك الفِصال من شدة حرِّها وإحراقها أخفافها. (¬2) رواه مسلم (748). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (338).

فصل

كنتَ تَعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في دِيني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإن كنتَ تَعلمُ أن هذا الأمرَ شرٌّ لي في دِيني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله، فاصرِفْه عني واصرِفْني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم أَرضِنِي به (*). قال: ويُسمِّي حاجتَه". انفرد به البُخاري (¬1). * * * فصل 349 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم (1) تَنْزِيلُ}، السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} لفظ البُخاري (¬2). 350 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: {ص} ليس من عزائم (¬3) السجود، وقد رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسجد فيها (¬4). 351 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سجد بـ (النجم)، وسجد معه المسلمون ¬

_ (*) ليست في (خ) (¬5). (¬1) رواه البخاري (1109). (¬2) رواه البخاري (851)، ومسلم (880). (¬3) المراد بالعزائم: ما وردت العزيمة على فعله. (¬4) رواه البخاري (1019). (¬5) قلت: يعني: "به".

والمشركون والجِنُّ والإنسُ (¬1). 352 - وعن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- قال: قرأتُ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- {وَالنَّجْمِ}، فلم يَسجدْ فيها. متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬2)، واللذان قبلَه انفرد بهما. 353 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: سجَدْنا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. لفظ مسلم (¬3). 354 - وعن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: بعث النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خالدَ بنَ الوليد إلى اليَمَن يدعوهم إلى الإسلام، فذكر الحديثَ في بعثه عليًّا وإقفاله خالدًا، ثم في إسلام هَمْدان قال: فكتب عليٌّ -رضي اللَّه عنه- إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الكتابَ خرَّ ساجدًا، ثم رفع رأسَه فقال: "السلامُ على هَمْدانَ، السلامُ على هَمْدانَ". أخرجه البَيْهَقي في "المعرفة" وقال: هذا إسناد صحيح (¬4) (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1021). (¬2) رواه البخاري (1023)، ومسلم (577). (¬3) رواه مسلم (578). (¬4) جاء على هامش الأصل: "بلغ". (¬5) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1173).

12 - باب المساجد

12 - باب المساجد 355 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: أمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُطيَّب وتُنظَّفَ. أخرجه أبو داود (*) (¬1). 356 - وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "قاتلَ اللَّهُ اليهودَ، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجدَ". متفق عليه (¬2). 357 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أنه كان ينام وهو شابٌّ أعزبُ -لا أهلَ له- في مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. لفظ البُخاري (¬3). ¬

_ (*) ورواه التِّرْمِذي أيضًا مُرسَلًا، ومسندًا، وإسناد أبي داود على شرط الصحيحين. والدُّور: القبائل والمَحالُّ. (¬1) رواه أبو داود (455). (¬2) رواه البخاري (426)، ومسلم (530). (¬3) رواه البخاري (429).

358 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: بعث رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيلًا قِبَلَ نجدٍ، فجاءت برجلٍ من بني حَنيفةَ يقال له: ثُمامةُ بنُ أُثال، فربطوه بساريةٍ من سَواري المسجد، الحديث. لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬1). 359 - وعنه: أن عمرَ مرَّ بحسان بنِ ثابت وهو يُنشد الشِّعرَ في المسجد، فلحظَ إليه، فقال: قد كنتُ أُنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أَنشُدُك باللَّه! أسمعتَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أَجِبْ عني، اللهم أيِّدْه برُوحِ القُدُس؟ " قال: اللهم نعم. لفظ مسلم (¬2). 360 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن سمع رجلًا يَنشُدُ ضالَّةً في المسجد فَلْيَقلْ: لا ردَّها اللَّهُ عليك؛ فإن المساجدَ لم تُبْنَ لهذا". أخرجه مسلم (¬3). 361 - وعنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا رأيتُم مَن يبيع أو يَبتاع في المسجد فقُولُوا: لا أَربحَ اللَّهُ تجارتَك"، الحديث. أخرجه النَّسائي (*) (¬4). ¬

_ (*) في "اليوم والليلة". (¬1) رواه البخاري (450)، ومسلم (1764). (¬2) رواه مسلم (2485)، والبخاري (442). (¬3) رواه مسلم (568). (¬4) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (10004)، وفي "عمل اليوم والليلة" (176).

362 - وعن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل منكم أحدٌ أَطعم اليومَ مسكينًا؟ " فقال أبو بكر: دخلتُ المسجدَ فإذا أنا بسائلٍ يسأل، فوجدتُ كِسْرةَ خبزٍ في يد عبد الرحمن، فأخذتُها، فدفعتُها إليه. أخرجه أبو داود (*) (¬1). 363 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: أُصيب سعدٌ يومَ الخندق في الأكحل (¬2)، فضَرب النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له خيمة في المسجد يَعودُه من قريبٍ. لفظ البُخاري (¬3). 364 - وعنها قالت: لقد رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا في باب حُجرتي والحَبَشةُ يلعبون في المسجد، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسترُني بردائه، أنظر إلى لعبِهم (**) (¬4). 365 - وعنها: أن وليدةً (¬5) كانت سوداءَ لحىٍّ من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، وفيه: فجاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَسلمَتْ. قالت عائشة: ¬

_ (*) في إسناده مقال؛ فيه مبارك بن فَضَالة. (**) متفق عليه. (¬1) رواه أبو داود (1670). (¬2) هو عِرْقٌ في وسط الذراع. (¬3) رواه البخاري (451)، ومسلم (1769). (¬4) رواه البخاري (443)، ومسلم (892). (¬5) الوليدة: الأَمَة.

فكان لها خِبَاءٌ (¬1) في المسجد، أو حِفْشٌ (¬2). الحديث. أخرجه البُخاري (¬3). 366 - وعن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن كعب: أنه تَقَاضَى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَينًا كان له عليه في المسجد، فارتفعتْ أصواتُهما حتى سمعَهما رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في بيته، فخرج إليهما، فكشف سِجْفَ حُجرتِه (¬4) فنادى: "يا كعبُ"! قال: لبَّيك يا رسولَ اللَّه! قال: "ضَعْ من دَينك هذا"، وأَومَأ إليه، أي: الشَّطرَ، قال: لقد فعلتُ يا رسولَ اللَّه، قال: "قُمْ فاقضِه" (*) (¬5). 367 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البُصاقُ في المسجد خطيئةٌ، وكفَّارتُها دفنُها". متفق عليه (¬6). 368 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعةُ حتى يَتَباهَى ¬

_ (*) متفق عليه. (¬1) الخباء: واحد الأخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. (¬2) هو بيت صغير. (¬3) رواه البخاري (428). (¬4) أي: سترتها. (¬5) رواه البخاري (445)، ومسلم (552). (¬6) رواه البخاري (405)، ومسلم (552).

الناسُ في المساجد". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 369 - وعن أبي قتادةَ السَّلَمي -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دخل أحدُكم المسجدَ فَلْيَركَعْ ركعتَينِ قبلَ أن يجلسَ". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬2). * * * ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (449). (¬2) رواه البخاري (433)، ومسلم (714).

13 - باب صلاة الجمعة

13 - باب صلاة الجمعة 370 - عن الحكم بن مِيناء: أن ابنَ عمرَ وأبا هريرةَ -رضي اللَّه عنهما- قالا: سمعْنَا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقول على أعواد مِنبره: "لَيَنتهيَنَّ أقوامٌ عن وَدعِهم (¬1) الجُمعاتِ، أو لَيَختمَن اللَّهُ على قلوبهم، ثم لَيُكونُنَّ من الغافلين". أخرجه مسلم (¬2). 371 - وعن سَلَمةَ بنِ الأكوع -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نُجمِّعُ (¬3) مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا زالتِ الشمسُ، ثم نرَجع نتتبَّع الفَيء. متفق عليه (¬4). 372 - وعن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نُصلِّي مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الجمعةَ، ثم تكون القائلةُ (¬5). ¬

_ (¬1) أي: تركهم. (¬2) رواه مسلم (865). (¬3) أي: نصلي الجمعة. (¬4) رواه البخاري (3935)، ومسلم (865). (¬5) رواه البخاري (899).

373 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: بينما نحن مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ أقبلَتْ عِيرٌ تحمل طعامًا، فالتفتوا إليها، حتى ما بقي مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا اثنا عشرَ رجلًا، فنَزلت هذه الآيةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. لفظ البُخاري فيهما (¬1). 374 - وروى الدَّارَقُطْني من حديث بَقيَّةَ قال: حدثني يونس بن يزيد الأَيْلي، عن الزُّهري، عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن ابن عمر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أدركَ ركعةً من صلاة الجمعة وغيرِها فَلْيُضِفْ إليها أخرى، وقد تَمَّتْ صلاتُه" (¬2). معدود في أفراد بقيَّةَ عن يونس، وبقيَّةُ مُوثَّق، وقد زالت تهمةُ تدليسه لتصريحه بالتحديث. 375 - وعن جابر، هو ابن سَمُرة، -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخطُبُ قائمًا ثم يجلس، ثم يقوم فيَخطُبُ قائمًا، فمَن نبَّأك أنه كان يخطُب قاعدًا فقد كذبَ، فقد واللَّه صلَّيتُ معه أكثرَ من ألفَي صلاةٍ (¬3). 376 - وعن جابر، هو ابن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه، حتى كأنه مُنذِرُ جيشٍ يقول: صبَّحكم ومسَّاكم، ويقول: "بُعثتُ أنا والساعةُ كهاتَينِ"، ويَقرِنُ بين ¬

_ (¬1) رواه البخاري (894). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 10). (¬3) رواه مسلم (862).

أصبعَيه السبابة والوسطى، ويقول: "أمَّا بعدُ: فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللَّه، وخيرَ الهَدي هَديُ محمَّدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ"، ثم يقول: "أنا أَولَى بكل مؤمنٍ من نفسه؛ مَن ترك مالًا فلأهلِه، ومَن ترك دَينًا أو ضياعًا (¬1) فإلَيَّ وعليَّ". وفي رواية: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُب الناسَ؛ يَحمَدُ اللَّهَ تعالى، ويُثني عليه بما هو أهلُه، ثم يقول: "مَن يَهدِه اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وخيرُ الحديثِ كتابُ اللَّه" (¬2). 377 - وعن أختٍ (*) لعَمْرةَ قالت: أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] مِن فِي رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ الجمعة، وهو يقرأ بها على المِنبر في كل جمعة (¬3). 378 - وعن واصل بن حَيَّان قال: قال أبو وائل: خطبَنا عمارٌ فأَوجزَ وأَبلغَ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان! لقد أَبلغتَ وأَوجزتَ، فلو كنتَ تنفَّستَ (¬4)، فقال: إني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن طولَ صلاةِ الرجلِ وقِصَرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ من فقهِه، فأَطِيلُوا الصلاةَ، وأَقصِرُوا الخُطبةَ؛ فإن ¬

_ (*) هي أمُّ هشام بنتُ حارثة بن النعمان الأنصارية، وهي أخت عَمْرة بنت عبد الرحمن لأمِّها، انفرد بها مسلم. (¬1) أي: عيالًا. (¬2) رواه مسلم (867). (¬3) رواه مسلم (872). (¬4) أي: أطلتَ قليلًا.

من البيان سِحرًا" (¬1). أخرجها كلَّها مسلم. 379 - وعن سعيد بن المسيِّب: أن أبا هريرةَ -رضي اللَّه عنه- أخبره: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قلتَ لصاحبك: أنصِتْ يومَ الجمعة، والإمامُ يخطُب، فقد لَغَوتَ". لفظ مسلم (¬2). 380 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن توضَّأ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم أتى الجمعةَ، فاستمعَ وأنصتَ غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادةُ ثلاثة أيام، ومَن مسَّ الحَصى فقد لغَا" (*) (¬3). 381 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: بينما النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُب يومَ الجمعة إذ جاء رجلٌ، فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أصلَّيت يا فلان؟ " قال: لا، قال: "قمْ فاركعْ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬4). وفي رواية لمسلم: "يا سُلَيكُ! قمْ فاركعْ ركعتَينِ، وتجوَّزْ (¬5) فيهما"، ¬

_ (*) أخرجوه إلا البُخاريَّ والنَّسائي. (¬1) رواه مسلم (869). (¬2) رواه مسلم (851)، والبخاري (892). (¬3) رواه مسلم (857). (¬4) رواه البخاري (888)، ومسلم (875). (¬5) أي: تخفَّف.

ثم قال: "إذا جاء أحدُكم يومَ الجمعة، والإمامُ يخطُب، فَلْيَركعْ ركعتَينِ وَلْيَتجوَّزْ فيهما" (¬1). 382 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في حديث: وإنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في صلاةِ الجمعةِ سورةَ الجمعةِ والمنافقين (¬2). 383 - وعن النعمان بن بَشير -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقرأ في العيدَينِ وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. قال: وإذا اجتمع العيدُ والجمعةُ في يومٍ واحدٍ يقرأ بهما -أيضًا- في الصلاتَينِ (¬3). أخرجهما مسلم. 384 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا صلَّى أحدُكم الجمعةَ فَلْيُصلِّ بعدَها أربعًا". أخرجه مسلم (¬4). 385 - وروى مالك من حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن عمرَ بنَ الخطاب رأى حُلَّةً (¬5) سِيَراءَ (¬6) عند باب المسجد، يعني: تُباع، فقال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (875). (¬2) رواه مسلم (879). (¬3) رواه مسلم (878). (¬4) رواه مسلم (881). (¬5) في الأصل: "حُلَّة"، وجاء فوقها (معًا). قلت: أي: بتنوين النصب، وبالفتح على الإضافة. (¬6) نوع من البُرود فيه خطوط يخالطه حرير، وله أمثال: كحُلَّة سندس، وحلة حرير، وحلة خز.

يا رسولَ اللَّه! لو اشتَريتَ هذه، فلبستَها يومَ الجمعة وللوَفْدِ إذا قدموا عليك، الحديث (*) (¬1). 386 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان يومُ الجمعة كان على كلِّ بابٍ من أبواب المسجد ملائكةٌ يكتبون الأولَ فالأولَ، فإذا جلس الأمامُ طَوَوا الصُّحُفَ وجاؤوا يستمعون الذِّكرَ، ومَثَلُ المُهجِّرِ (¬2) كمَثَل الذي يُهدي البَدَنةَ، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كالذي يُهدي الكبشَ، ثم كالذي يُهدي الدجاجةَ، ثم كالذي يُهدي البيضةَ". أخرجه مسلم (¬3). 387 - وعنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن في الجمعة لَساعةً لا يوافقها عبدٌ مسلمٌ فيسال اللَّهَ فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، قال: وهي ساعةٌ خفيفةٌ" (**) (¬4). 388 - وعن أبي بُردةَ بن أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي عبد اللَّه بن عمر: أسمعتَ أباك يحدث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعتُه يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ¬

_ (*) اتفقا عليه من حديثه. (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (846)، رواه مسلم (2068). (¬2) التهجير: التكبير. (¬3) رواه مسلم (850). (¬4) رواه البخاري (893)، ومسلم (852).

"هي ما بين أن يجلسَ الإمامُ إلى أن تُقضَى (¬1) الصلاةُ" (*) (¬2) * * * ¬

_ (*) أخرجه مسلم وأبو داود. (¬1) في هامش الأصل: "تنقضي"، وجاء فوقها (خ). (¬2) رواه مسلم (853).

14 - باب صلاة العيدين

14 - باب صلاة العيدين 389 - عن يزيدَ بنِ خُمَير الرَّحْبي، قال: خرج عبد اللَّه بنُ بُسْر صاحبُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مع الناس يومَ عيدِ فطرٍ أو أضحًى، فأنكرَ إبطاءَ الإمام، وقال: إنا كنا قد فرغْنَا ساعتَنا هذه، وذلك حين التسبيح. أخرجه أبو داود (¬1). ويزيد بن خُمَير وثَّقَه شعبةُ ويحيى بنُ مَعين (*). وفي رواية البَيْهَقي: إنا كنا مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬2). 390 - وعن أبي عُمير بن أنس، عن عُمومةٍ له من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن رَكْبًا (¬3) جاؤوا إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يشهدون أنهم رَأَوا الهلالَ بالأمس، فأمرَهم أن ¬

_ (*) واحتجَّ به مسلم، وكذلك بباقي رجاله. (¬1) رواه أبو داود (1092). (¬2) رواه البيهقي (3/ 282). (¬3) أي: جماعة راكبين.

يُفطروا، واذا أصبحوا يغدوا إلى مُصلَّاهم. أخرجه أيضًا، وقال البَيْهَقي بعد تخريجه: هذا إسناد صحيح (¬1). 391 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، ذكر النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "وفِطْرُكم يومَ تُفْطِرون، وأضحاكم يومَ تُضَحُّون" (¬2)، الحديث. أخرجه أيضًا (*) (¬3). 392 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يغدو يومَ الفِطر حتى يأكلَ تمراتٍ. أخرجه البُخاري. وفي رواية علَّقها وأسندها الإسماعيلي: ويأكلُهنَّ وِترًا (¬4). 393 - وعند التِّرْمِذي من حديث ثَواب بن عُتبة، عن عبد اللَّه بن بُريدة، عن أبيه قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يخرج يومَ الفِطر حتى يَطْعَمَ، ولا يَطعمُ يومَ الأضحى حتى يُصلِّيَ. ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (1157)، والبيهقي (3/ 316). (¬2) أي: أن الصوم والفِطر مع الجماعة وعُظم الناس. (¬3) رواه أبو داود (2324). (¬4) رواه البخاري (1/ 325).

وثوَّاب وثَّقه يحيى بنُ مَعين (*) (¬1). 394 - وعن أمِّ عطيةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: أمرَنا، تعني: النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نُخْرِجَ في العيدَينِ العَواتقَ (¬2) وذواتِ الخُدور (¬3)، وأمرَ الحُيَّضَ أن يَعتزلْنَ مُصلَّى المسلمين. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬4). 395 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر وعمرَ كانوا يُصلُّون العيدَينِ قبلَ الخُطبة. لفظ مسلم (¬5). ¬

_ (*) وفي رواية عَبَّاس الدُّوري وإسحاق بن منصور، زاد في رواية عباس: شيخ صدوق، وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زُرعةَ، ورَأْيًا في كتابِ رواه عباس الدُّوري عن يحيى بن مَعين أنه قال: ثوَّاب بن عتبة ثقة، فأنكَرَا جميعًا ذلك، وقد روى هذا الحديثَ ابنُ ماجه وأبو حاتم البُستي، وقال التِّرْمِذي: حديث غريب، وقال: قال محمد، يعني: البخاري: لا أعرف لثوَّاب غيرَ هذا الحديث، وروى ابنُ عدي لثوَّاب هذا الحديثَ ثم قال: وثوَّاب يُعرَف بهذا الحديث وحديثٍ آخرَ، وهذا الحديث قد رواه غيرُه عن ابن بُريدة، منهم عقبة بن عبد اللَّه الأصمُّ، ولا يَلحقه بهذَينِ ضعفٌ. وقد قيَّده ابنُ ماكُولا بتشديد الواو، واللَّه أعلم. (¬1) رواه الترمذي (542). (¬2) جمع عاتق، وهي من بلغت الحلم أو قاربت، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة. (¬3) جمع خِدْر، وهو السِّتر أو البيت. (¬4) رواه البخاري (318)، ومسلم (890). (¬5) رواه مسلم (888)، والبخاري (919).

396 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه خرج يومَ الفِطر فصلَّى ركعتَينِ، لم يُصلِّ قبلَها ولا بعدَها (¬1)، الحديث. لفظ البُخاري (¬2). وعند مسلم: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يومَ أضحًى أو فِطرٍ، فصلَّى ركعتَينِ، لم يُصلِّ قبلَها (¬3) ولا بعدَهما، ثم أتى النساءَ ومعه بلالٌ فأمرَهنَّ بالصدقة، فجَعلتِ المرأةُ تُلقي خُرْصَها (¬4) وسِخَابَها (¬5). وهو متفق عليه (¬6). 397 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا رجع من المُصلَّى صلَّى ركعتَينِ. في إسناده عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل، وقد تقدَّم (*) (¬7). ¬

_ (*) والحديث عند ابن ماجه. رواه عن محمد بن يحيى، عن الهيثم بن جميل، عن عبيد اللَّه بن عمرو الرَّقي، عن عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل بن أبي طالب، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد الخُدْري قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يُصلِّي قبلَ العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلَّى ركعتَينِ، هذا إسناد صالح. (¬1) في هامش الأصل: "قبلهما ولا بعدهما"، وجاء فوقها (خ). (¬2) رواه البخاري (945). (¬3) في هامش الأصل: "قبلهما"، وجاء فوقها إشارة (صح). (¬4) الحلقة من الذهب أو الفضة، وقيل: هو القرط إذا كان بحبة واحدة. (¬5) هو قلادة من عنبر أو قرنفل أو غيره، ولا يكون فيه خرز. (¬6) رواه مسلم (884)، والبخاري (921). (¬7) رواه ابن ماجه (1293)، والبيهقي (3/ 302).

398 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم- كبَّر في العيدَينِ: في الأولى سبعًا قبلَ القراءة، وفي الأخيرة خمسًا قبلَ القراءة. أخرجه التِّرْمِذي واستحسنه في "الجامع" (*)، وذكر البَيْهَقي عنه، عن البُخاري: أنه صحَّح الحديثَ (¬1). 399 - وعن عبيد اللَّه بن عتبة، عن أبي واقد اللَّيثي -رضي اللَّه عنه- قال: سألَني عمرُ بنُ الخطاب عما قرأ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يوم العيد؟ فقلت: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1]. انفرد به مسلم (¬2). 400 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: كان النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كان يومُ عيدٍ خالَفَ الطريقَ. انفرد به البُخاري (¬3). 401 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتانِ من جواري الأنصار تُغنِّيانِ ما تَقَاولَتْ (¬4) به الأنصارُ يومَ بُعَاث (¬5)، قالت: وليستا ¬

_ (*) لم يرو الترمذي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في ذلك. إنما روى حديث كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف. (¬1) رواه الترمذي (536)، والبيهقي (3/ 286). (¬2) رواه مسلم (891). (¬3) رواه البخاري (943). (¬4) أي: ما قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء. (¬5) يوم مشهور من أيام العرب التي كانت فيها مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مئة وعشرين سنة.

بمغنِّيتَينِ، فقال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: أبِمُزمُورِ الشيطانِ في بيتِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك في يوم عيد؟! فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا أبا بكر! إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدُنا". لفظ مسلم (¬1). وقد مرَّ (¬2) حديثُ عائشةَ في لعب الحبشة في المسجد. وفي رواية فيه: وكان يومَ عيدِ يلعب السُّودانُ فيه بالدَّرَقِ (¬3) والحِرَابِ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (892)، والبخاري (909). (¬2) في هامش الأصل: "تقدم"، وفوقها (خ). (¬3) جمع دَرَقة وهي الترس الذي يتخذ من الجلود. (¬4) رواه البخاري (907)، ومسلم (892).

15 - باب ما يمنع لبسه أو يكره، وما ليس كذلك

15 - باب ما يُمنَع لُبْسُه أو يُكرَه، وما ليس كذلك 402 - عن عبد الرحمن بن غَنْم قال: حدثني أبو عامر، أو: أبو مالك، واللَّهِ يمينٌ أخرى، حدثني: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لَيَكونَنَّ في أمَّتي أقوامٌ يَستحِلُّون". قال في حديث هشام: "الخمرَ والحريرَ". وفي حديث دُحَيم: "الخَزَّ (¬1) والحريرَ والخمرَ والمعازفَ"، الحديث. أخرجه البُخاري تعليقًا، وأبو داود والإسماعيلي مُتصلًا، وهذا من لفظ الإسماعيلي (¬2). وفي ترجمة أبي داود ما يقتضي أنه "الخَزُّ" بالخاء والزاء، وزعم بعضُهم أنه تصحيفٌ، وأن الصوابَ: "الحِرَ" (¬3) بالحاء والراء بالتخفيف (*). 403 - وفي رواية جرير بن حازم في حديث استسقاء حذيفة المتقدم: أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَانا أن نشَربَ في آنية الذهب والفضة، وأن نَأكلَ فيها، وعن ¬

_ (*) قال شيخنا أبو الحجَّاج: التخفيف هو التصحيف. (¬1) وهي ثياب تنسج من الإبريسَم فقط. (¬2) رواه البخاري (5268)، وأبو داود (4039). (¬3) الحِرَ: الفرج، أي: يستحلُّون الزنا.

لُبْسِ الحريرِ والدِّيباجِ، وأن نَجلسَ عليه (¬1). 404 - وروى مسلم عن سُويد بن غَفَلةَ: أن عمرَ بنَ الخطاب خطب بالجابية، فقال: نهَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن لُبْسِ الحريرِ؛ إلا موضعَ أصبعَينِ أو ثلاثٍ أو أربعٍ (¬2). 405 - وعن قتادة: أن أنس بن مالك أنبأهم أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوَّام في لبسِ الحريرِ في السفر؛ من حِكَّةٍ كانت بهما، أو: وجعٍ كان بهما (¬3). وفي رواية: رخَّص لهما في قُمُصِ (¬4) الحريرِ في غزاةٍ لهما (¬5). 406 - وعن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: أُهدِيَتْ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حُلَّةٌ سِيَراءُ، فبعث بها إليَّ، فلبستُها، فعرفتُ الغضبَ في وجهه، فقال: "إني لم أَبعثْ بها إليك لتلبَسَها؛ وانما بعثتُ بها (*) إليك لتُشقِّقَها خُمُرًا (¬6) بين النساء" (¬7). وكلُّها عند مسلم، وبعضُها متفق عليه. ¬

_ (*) "بعثتها". (¬1) رواه البخاري (5499)، ومسلم (4067). (¬2) رواه مسلم (2069). (¬3) رواه البخاري (2762)، رواه مسلم (2076). (¬4) جمع قميص. (¬5) رواه مسلم (2076). (¬6) جمع خِمار: ما تغطي به المرأة رأسَها. (¬7) رواه مسلم (2071).

407 - وعن فُضَيل بن فَضَالة، عن أبي رجاء العُطَاردي قال: خرج علينا عِمرانُ بنُ حُصين وعليه مِطْرَفُ خَزٍّ، فقلنا: يا صاحبَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! تلبَسُ هذا؟! فقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّهَ يحبُّ إذا أنعمَ على عبدٍ نعمةً أن يُرَى أثرُ نعمتِه عليه". أخرجه البَيْهَقي (¬1)، وقال يحيى بن مَعين: فُضَيلُ بنُ فَضَالةَ الذي روى عنه شعبةُ ثقةٌ (*). 408 - وثبت النهيُ عن لُبْسِ المُعَصْفَر (¬2) من حديث عليٍّ -رضي اللَّه عنه- (¬3). 409 - وثبت لبسُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِرْطًا (¬4) مُرحَّلًا (¬5) من شَعرٍ أسودَ، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- (¬6). * * * ¬

_ (*) قال ابنُ أبي الدُّنيا في الجزء الأول من كتاب "الشكر": حدثني أبو خَيْثَمةَ وإبراهيم بن سعيد قال: ثنا رَوح بن عُبادة، ثنا شعبة، عن الفُضَيل بن فَضَالة، رجلٍ من قيس، عن أبي رجاء العُطَاردي، قال خرج علينا عِمرانُ بنُ حُصين، وعليه مِطرَفُ خَزٍّ لم نرَه عليه قبلُ ولا بعدُ، فقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَنعَمَ اللَّهُ عز وجل على عبدٍ نعمةً يحبُّ أن يُرَى أثرُ نعمتِه على عبدِه". (¬1) رواه البيهقي (3/ 271). (¬2) هو المصبوغ بالعُصفر. (¬3) رواه أبو داود (4044)، والنسائي (5179)، وابن ماجه (3602). (¬4) هو كساء معلَّم من خز أو صوف أو غير ذلك، وهو يؤتزر به. (¬5) هو الذي عليه تصاوير رَحْل الإبل أو ما يشبهه. (¬6) رواه مسلم (2081).

16 - باب صلاة الكسوف

16 - باب صلاة الكسوف 410 - عن الزُّهري، يخبر عن عروةَ، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَهَرَ في صلاة الخسوف بقراءته، فصلَّى أربعَ ركعاتٍ في ركعتَينِ وأربعَ سجداتٍ. قال الزُّهري: وأخبرني كَثير بن عباس، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه صلَّى أربعَ ركعاتٍ في ركعتَينِ وأربعَ سجداتٍ. وفي رواية يونس، عن الزُّهري في حديث أطول من هذا: وانجلَتِ (¬1) الشمسُ قبلَ أن ينصرفَ، ثم قام فخطبَ الناسَ فأَثنَى على اللَّه بما هو أهلُه، ثم قال: "إن الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آيات اللَّه"، الحديث. وفي رواية الأَوزاعي عنه: أن الشمسَ خَسَفَتْ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث (¬2) مناديًا: "الصلاةَ جامعةً"، فاجتَمَعُوا، وتقدَّم فكبَّر، الحديث. وفي رواية عُبيد بن عُمير، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى ستَّ ركعاتٍ وأربعَ سَجَداتٍ. وفي رواية عَمْرةَ عنها، قالت عائشة: فقام قيامًا طويلًا، ثم ركع ¬

_ (¬1) أي: انكشفت. (¬2) في الهامش: "فأمر".

ركوعًا طويلًا، ثم رفع فقام قيامًا طويلًا، وهو دونَ القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا، وهو دونَ ذلك الركوع الأول، ثم رفع وقد تجلَّتِ الشمسُ، فقال: "إني رأيتكم تُفتَنون في القبور كفتنة الدجَّال"، الحديث (¬1). 411 - وفي رواية عن جابر: فصلَّى ستَّ ركعاتٍ بأربعِ سجداتٍ. وفيها بعد ذكر السجدتَينِ في الأولى: ثم قام فصلى أيضًا ثلاثَ ركعاتٍ، ليس منها ركعةٌ إلا التي قبلَها أطولُ من التي بعدَها، وركوعُه فيها نحوٌ من سجوده (¬2). 412 - وروى طاوسٌ، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينَ خَسَفَتِ الشمسُ ثماني ركعاتٍ في أربعِ سَجَداتٍ (¬3). 413 - وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الشمسَ والقمرَ آيات من آيات اللَّه، يُخوِّفُ اللَّهُ بهما عبادَه، وإنهما لا يُكسَفَانِ لموت أحدٍ من الناس؛ فإذا رأيتُم منها شيئًا فصلُّوا وادعُوا حتى يُكشَفَ ما بكم" (¬4). أخرجها كلَّها مسلم، وبعضُها متفق عليه. * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1016)، ومسلم (901). (¬2) رواه مسلم (904). (¬3) رواه مسلم (908). (¬4) رواه مسلم (911).

17 - باب صلاة الاستسقاء

17 - باب صلاة الاستسقاء 414 - عن هشام بن إسحاق، وهو ابن كنانة، عن أبيه قال: أرسلَني الوليدُ بنُ عقبةَ، وهو أميرُ المدينة، إلى ابن عباس أسأله عن استسقاء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج مُتبذِّلًا (¬1) متواضعًا مُتضرِّعًا. أخرجه التِّرْمِذي وقال: حديث حسن صحيح (¬2). 415 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: اشتكى الناسُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قُحُوطَ المطر، فأمرَ بِمِنبرِ فوُضع له في المُصلَّى (*)، الحديث (**). انفرد به أبو داود، وقال: هذا حديث غريب، وإسناده جيد (¬3). 416 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يرفع يدَيه فىِ شيءٍ من دعائه إلا في الاستسقاء، حتى يُرَى بياضُ إبطَيه (¬4). ¬

_ (*) ووعد الناسَ يومًا يخرجون فبه. (**) وفيه الصلاة بعد الخُطبة. (¬1) من التبذُّل: وهو ترك التزيُّن على جهة التواضع. (¬2) رواه الترمذي (558). (¬3) رواه أبو داود (1173). (¬4) رواه البخاري (984)، ومسلم (895).

417 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- استَسقَى، فأشار بظهرِ كفَّه إلى السماء. لفظ مسلم (¬1)، والأول متفق عليه. 418 - وعنه: أن رجلًا دخل المسجدَ من بابٍ كان نحوَ دار القضاء، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمٌ يخطُب، فاستقبل رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمًا، ثم قال: يا رسولَ اللَّه! هلكَتِ الأموالُ، وانقطعَتِ السُّبُلُ؛ فادعُ اللَّهَ يُغثْنا (*). قال: فرفع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَيه فقال: "اللهم أَغثْنا" ثلاثًا، قال أنس: فلا واللَّهِ ما نَرى في السماء من سحابٍ ولا قَزَعةٍ (¬2)، وما بيننا وبين سَلْعٍ (¬3) من بيتٍ ولا دارٍ، قال: فطلعَتْ من ورائه سحابةٌ مثلُ التُّرسِ، فلما توسَّطتِ السماءَ انتشرَتْ ثم أَمطرَتْ. قال: فلا واللَّهِ ما رأينا الشمسَ سبتًا، قال: ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُب، فاستقبلَه قائمًا، فقال: يا رسولَ اللَّه! هلكَتِ الأموالُ، وانقطعَتِ السُّبُلُ؛ فادعُ اللَّهَ يُمسكْها عنا، قال: فرفع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَيه، ثم قال: "اللهم حَوَالَينا ولا عَلَينا، اللهم على الآكامِ (¬4) والظِّرابِ (**) وبطون الأودية، ومَنابتِ الشجر". قال: ¬

_ (*) "يغيثنا". (**) جمع: ظَرِب، وهو الجبل الصغير. (¬1) رواه مسلم (896). (¬2) هو سحاب متفرق. (¬3) جبل معروف بالمدينة. (¬4) جمع أكمة: التراب المجتمع، وقيل: الهضبة الضخمة.

فانقلعَتْ (¬1)، وخرجْنَا نَمشي في الشمس. قال شَرِيك: فسألتُ أنسَ بنَ مالك: أهو الرجلُ الأولُ؟ قال: لا أدري. متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). 419 - وعن عبَّاد بن تميم، عن عمِّه قال: رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ خرج يستسقي، قال: فحوَّل إلى الناس ظهرَه، واستقبلَ القِبْلةَ يدعو، ثم حوَّل رداءَه، ثم صلَّى لنا ركعتَينِ جَهَرَ فيهما بالقراءة. متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬3). وعند أبي داود في رواية: استسقى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه خميصةٌ له سوداءُ، فأراد رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذَ بأسفلها فيجعلَه أعلاها، فلما ثقلَتْ قَلَبَها (¬4). وفي لفظ: فلما ثقلَتْ عليه. ورجاله رجال الصحيح (¬5). والخَميصة: كِسَاءٌ مُربَّعٌ له عَلَمانِ. 420 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن عمرَ بنَ الخطاب كان إذا قَحَطُوا استَسقَى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسَّلُ إليك بنبيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) أي: انقطعت. (¬2) رواه البخاري (967)، ومسلم (897). (¬3) رواه البخاري (979)، ومسلم (894). (¬4) رواه أبو داود (1164). (¬5) رواه البيهقي (3/ 351).

فتَسقيَنا، وإنا نتَوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنَا. قال: فيُسْقَون (¬1). 421 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رأى المطرَ قال: "اللهم صيِّبًا نافعًا" (¬2). أخرجهما البُخاري. 422 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: أصابَنا ونحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مطرٌ، قال: فحَسَرَ (¬3) رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثوبَه حتى أصابَه من المطر، فقلنا: يا رسولَ اللَّه! لِمَ صنعتَ هذا؟ قال: "لأنه حديثُ عهدٍ بربِّه عز وجل" (¬4). أخرجه مسلم (¬5). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (964). (¬2) رواه البخاري (985). (¬3) أي: كشف بعض بدنه. (¬4) معناه: أن المطر رحمة وهو قريب العهدِ بخلق اللَّه تعالى لها، فيتبرك بها. (¬5) رواه مسلم (898).

18 - باب صلاة الجنائز وما يتبعه

18 - باب صلاة الجنائز وما يتبعه 423 - عن أنس -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يَتَمنَّيَنَّ أحدُكم الموتَ لضُرٍّ نزلَ به، ولْيَقُلْ: اللهم أحيِنِي ما دامتِ الحياةُ خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي". اتفقوا على إخراجه، واللفظ للتِّرْمِذي (¬1). 424 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول قبلَ موته بثلاثٍ: "لا يموتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ باللَّه الظنَّ". لفظ رواية أبي داود، وأخرجه مسلم وابن ماجه (¬2). 425 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقِّنُوا موتاكم: لا إلهَ إلا اللَّه". أخرجوه إلا البُخاريَّ، واللفظ لمسلم (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5347)، ومسلم (2680، 3108)، والنسائي (1820)، والترمذي (971)، وابن ماجه (4265). (¬2) رواه مسلم (2877)، وأبو داود (3113)، وابن ماجه (4167). (¬3) رواه مسلم (917).

426 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أبي سَلَمةَ وقد شقَّ بصرُه (¬1)، فأغمضَه، ثم قال: "إن الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَه البصرُ (¬2) "، فضجَّ ناس من أهله، فقال: "لا تدعُوا على أنفسكم إلا بخيرٍ؛ فإن الملائكةَ يُؤمِّنُون على ما تقولون". ثم قال: "اللهم اغفِرْ لأبي سَلَمةَ، وارفَعْ درجتَه في المَهديِّين، واخلُفْه في عَقِبِه في الغابرين، واغفِرْ لنا وله يا ربَّ العالمين، وافْسَحْ له في قبره، ونوِّرْ له فيه". أخرجوه إلا البُخاري والتِّرْمِذي (*) (¬3). 427 - وعن عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي اللَّه عنها- قالت: سُجِّيَ (¬4) رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين ماتَ بثوبٍ حِبَرَةٍ (¬5). لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬6). 428 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تزالُ نفسُ ¬

_ (*) واللفظ لمسلم. (¬1) أي: رفع بصره. (¬2) معناه: إذا خرج الروح من الجسد يتبعه البصر ناظرًا أين يذهب. (¬3) رواه مسلم (920)، وأبو داود (3118). (¬4) أي: غُطِّي جميع بدنه. (¬5) نوع من بُرود اليمن. (¬6) رواه البخاري (4187)، ومسلم (942).

المؤمنِ مُعلَّقةً بدَييه حتى يُقضَى عنه". أخرجه البَيْهَقي (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) قال أبو يَعلَى المَوصلي: حدثنا أبو مَعمَر، ثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نفسُ المؤمنِ مُعلَّقةٌ بدَينِه حتى يُقضَى عنه". ورواه التِّرْمِذي عن ابن بشار، عن ابن مهدي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عمر، وقال: حسن، وهذا أصحُّ من حديث زكريا عن سعد، عن أبي سَلَمةَ. ورواه ابن ماجه عن أبي مروان محمد بن عثمان العثماني، عن إبراهيم بن سعد. وقال البَيْهَقي: أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن يوسف الأصبهاني، أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري، أنبأ الحسن بن محمد الزَّعْفَرَاني، ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، ثنا زكريا بن أبي زائدة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تزال نفسُ المؤمنِ مُعلَّقةً بدَينِه حتى يُقضَى عنه". كذا رواه جماعة عن سعد. وأخبرنا أبو محمد جَناح بن نذير بن جَناح بالكوفة، ثنا أبو جعفر محمد بن دُحيم، أنبأ محمد بن الحسين بن أبي الحنين القَرَّاز، ثنا الفضل، يعني: ابن دُكَين، ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سَلَمة، عن أبيه، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نفسُ المؤمنِ مُعلَّقةٌ ما كان عليه دَينٌ"، وكذلك رواه شعبة وإبراهيم بن سعد، عن سعد. (¬1) رواه البيهقي (4/ 61)، والترمذي (1078)، وابن ماجه (2413).

فصل في غسل الميت

فصل في غَسْل الميت 429 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا وَقَصَه (¬1) بعيرُه، ونحن مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُحرِمٌ، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اغسِلُوه بماءٍ وسِدْرٍ، وكفِّنُوه في ثوبَينِ، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، ولا تُخمِّرُوا (¬2) رأسَه؛ فإنه يَبعثُه اللَّهُ يومَ القيامة مُلبِّدًا". لفظ رواية سعيد، عن ابن عباس للبُخاري. وفي رواية عمرو عنه: "مُلبِّيًا" (¬3). 430 - وعن يحيى بن عبَّاد، عن أبيه عبَّاد بن عبد اللَّه بن الزبير، قال: سمعتُ عائشةَ -رضي اللَّه عنها- تقول: لمَّا أرادوا غسلَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا: واللَّه ما ندري: أنُجرِّدُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كما نُجرِّدُ موتانا، أو نَغْسِلُه وعليه ثيابُه؟ فلما اختلفوا ألقَى اللَّهُ عليهم النومَ، حتى ما منهم رجلٌ إلا وذقنُه في صدره، ثم كلَّمَهم مُكلِّمٌ من ناحية البيت لا يدرون مَن هو: اغسلُوا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وعليه ثيابُه. فقاموا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فغسلُوه وعليه قميصُه، يَصبُّون الماءَ من فوق القميص، ويَدْلُكُونه بالقميص دونَ أيديهم، وكانت عائشةُ تقول: لو استَقبلْتُ من أمري ما استَدبرْتُ ما غسلَه إلا نساؤه. ¬

_ (¬1) أي: صرعه فدقّ عنقه. (¬2) أي: تغطوا. (¬3) رواه البخاري (1206)، ومسلم (1206).

رواه ابن إسحاق، عن يحيى بن عبَّاد، فعلى قول مَن وثَّقه (*): هو صحيح؛ لأن يحيى وَثَّقَ يحيى، ومسلمًا أخرج لعبَّاد، والحديثُ عند أبي داود (**) (¬1). 431 - وعن أمِّ عطيةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين أمرَها بغسلِ ابنتِه قال لها: "ابدَأْنَ بِمَيَامِنِها ومواضعِ الوضوءِ منها". متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬2). وفي لفظ للبُخاري عنها: تُوفِّيَتْ إحدى بناتِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأتانا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اغسِلْنَها بالسِّدْرِ وِترًا"، وفيه: قالت: فضفَرْنَا (¬3) شَعرَها ثلاثةَ قرونٍ، فألقَيْنَاها خلفَها (¬4). * * * ¬

_ (*) قال شعبة: ابنُ إسحاقَ أميرُ المؤمنين في الحديث، وقال ابن عُيينَةَ: لم أَرَ أحدًا يَتَّهمُ ابنَ إسحاق، وقد وثقه غيرُ واحدٍ منهم البُخاري، واحتجَّ به في "كتاب القراءة خلف الإمام"، واستشهد به في الصحيح، وأخرج له (م). (**) ورواه أحمد في "المسند" عن يعقوب، عن أبيه، عن ابن إسحاق. (¬1) رواه أبو داود (3141). (¬2) رواه البخاري (165)، ومسلم (939). (¬3) التضفير: نسج الشعر وإدخاله بعضه في بعض. (¬4) رواه البخاري (1204).

فصل في الكفن

فصل في الكَفَن 432 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كُفِّنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثلاثة أثوابٍ بِيضٍ سَحُوليَّةٍ (¬1)، ليس فيها قميصٌ ولا عِمامةٌ. أخرجوه جميعًا (¬2). 433 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: جاء عبد اللَّه بنُ عبد اللَّه بنِ أُبَيٍّ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين مات أبوه، فقال: أعطِنِي قميصَك أُكفِّنْه فيه، وصلِّ عليه. متفق عليه (¬3). 434 - وروى النَّسائي عن جابر بن عبد اللَّه (*) -رضي اللَّه عنه- حديثًا فيه: وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وَليَ أحدُكم أخاه فَلْيُحسِنْ كفنَه". وأخرجه أبو داود (**) (¬4). * * * ¬

_ (*) كذا هو في (د س). (**) وإسناده على شرط (م)، وهو عند التِّرْمِذي من حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، وقال حسن: غريب، وفي الباب عن جابر، ثم وجدته في "صحيح م". (¬1) وهي ثياب بيض نقية لا تكون إلا من القطن، وقيل غير ذلك. (¬2) رواه البخاري (1205)، ومسلم (941)، والنسائي (1898)، وأبو داود (3151)، والترمذي (996)، وابن ماجه (1469). (¬3) رواه البخاري (1210)، ومسلم (2400). (¬4) رواه النسائي (1895)، وأبو داود (3148)، ومسلم (943).

فصل في الصلاة على الميت

فصل في الصلاة على الميت 435 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَجمعُ بين الرجلَينِ من قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقول: "أيُّهم أكثرُ أخذًا للقرآن؟ "، فإذا أُشير إليه (¬1) إلى أحدِهما قدَّمَه في اللَّحد وقال: "أنا شهيدٌ على هؤلاء"، وأمرَ بدفنِهم بدمائهم، ولم يُصلِّ عليهم، ولم يُغسِّلْهم. أخرجه البُخاري (¬2). 436 - وأخرج أيضًا من حديث عقبةَ بنِ عامر: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يومًا فصلَّى على قتلى أُحُدٍ صلاتَه على الميت، ثم انصرف إلى المِنبر فقال: إني فَرَطٌ (¬3) لكم، وأنا شهيدٌ عليكم، الحديث. وفي رواية قال: صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قتلى أُحُدٍ بعد ثمانِ سنين، كالمُودِّع للأحياء والأموات. الحديث (¬4). 437 - وأخرج مسلم من حديث الغامِدية من رواية عبد اللَّه بن بُرَيدة، عن أبيه: ثم أمرَ بها فصلَّى عليها، ودُفِنَتْ (¬5). ¬

_ (¬1) جاء على الهامش: "له" وفوقها علامة (خ). (¬2) رواه البخاري (1282). (¬3) أي: سابقكم. (¬4) رواه البخاري (1279)، ومسلم (2296). (¬5) رواه مسلم (1695).

438 - وعن جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنه- قال: أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- برجلٍ قَتَلَ نفسَه بِمَشَاقِصَ، فلم يُصلِّ عليه. أخرجه مسلم، واللفظ للبَيْهَقِي (*) (¬1). 439 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: ماتَ إنسانٌ كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعودُه، فماتَ بالليل فدفنوه ليلًا، فلما أصبح أخبروه، فقال: "ما منعَكم أن تُعْلِمُوني؟ "، قالوا: كان الليلُ فكرِهْنَا -وكانت ظلمةٌ- أن نشُقَّ عليك، فأتى قبرَه فصلَّى عليه. لفظ البُخاري (¬2). 440 - وعن حذيفةَ بنِ اليَمَان -رضي اللَّه عنهما- قال: إذا مِتُّ فلا تُؤذِنُوا بي أحدًا؛ فإني أخافُ أن يكونَ نَعِيًّا (¬3)، فإني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنهَى عن النَّعِي. أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (**) (¬4). 441 - وعن كُرَيب مولى ابن عباس -رضي اللَّه عنهم-، عن عبد اللَّه بن عباس: أنه مات ابنٌ له بقُدَيدٍ (¬5) أو بعُسْفانَ (¬6)، فقال: يا كُريبُ! انظرْ ما اجتمع له من ¬

_ (*) وكذلك لفظ مسلم. (**) لم يُصحِّحْه التِّرْمِذي، بل حسَّنه فقط. (¬1) رواه مسلم (978)، والبيهقي (4/ 19). (¬2) رواه البخاري (1190). (¬3) نعاه له نَعْيًا ونَعيًّا ونعيانًا: أخبره بموته. (¬4) رواه الترمذي (986). (¬5) اسم موضع بين مكة والمدينة، وهو في الأصل اسم ماء هناك. (¬6) قرية بين مكة والمدينة.

الناس، قال: فخرجتُ فإذا ناسٌ قد اجتمعوا له، فأخبرتُه فقال: تقول: هم أربعون؟ قلت: نعم. قال: أخرجوه؛ فإني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما مِن رجلٍ مسلمٍ يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا، لا يشركون باللَّه شيئًا؛ إلا شفَّعَهم اللَّهُ فيه" (¬1). 442 - وعن أبي سَلَمةَ بنِ عبد الرحمن: أن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- لمَّا تُوفِّي سعدُ ابنُ أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجدَ حتى أُصلِّىَ عليه، فأُنكر ذلك عليها، فقالت: واللَّهِ لقد صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ابنَي بيضاءَ في المسجد، سُهيل وأخيه. أخرجهما مسلم (¬2). 443 - وعن سَمُرةَ بنِ جُنْدُب -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّيتُ وراءَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على امرأةٍ ماتَتْ في نِفَاسِها، فقام عليها وسطَها (¬3). 444 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نعَى النَّجَاشيَّ في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المُصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّر عليه أربعَ تكبيراتٍ. متفق عليهما، واللفظ للبُخاري (¬4). 445 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان زيدٌ يُكبِّر على جنائزنا ¬

_ (¬1) رواه مسلم (948). (¬2) رواه مسلم (973). (¬3) رواه البخاري (1266)، ومسلم (964). (¬4) رواه البخاري (1268)، ومسلم (951).

أربعًا، ثم إنَّه كبَّر على جنازةٍ خمسًا، فسألتُه؟ فقال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكبِّرُها. أخرجه مسلم (¬1). 446 - وعن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال: صلَّيتُ خلفَ ابنِ عباس على جنازةٍ، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لتَعلَمُوا أنها سنَّةٌ. أخرجه البُخاري (¬2). 447 - وعن عوف بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على جنازة، فحفظتُ من دعائه وهو يقول: "اللهمَّ اغفِرْ له وارحَمْه، وعافِهِ واعفُ عنه، وأكرِمْ نُزُلَه، ووَسِّعْ مُدْخَلَه، واغسِلْه بالماء والثلج والبَرَد، ونقِّه من الخطايا كما نَقَّيتَ الثوبَ الأبيضَ من الدَّنسَ، وأبدِلْه دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخِلْه الجنةَ، وأعِذْه من عذاب القبر، أو: من عذاب النار"، حتى تمنَّيتُ أن كونَ أنا ذلك الميتَ. أخرجه مسلم (¬3). 448 - وعن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أنه شهد النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى على ميتٍ، قال: سمعتُه يقول: "اللهم اغفِرْ لحيِّنا وميِّتِنا، وشاهدِنا وغائبِنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، اللهم مَن أحيَيتَه منا فأَحيِه على ¬

_ (¬1) رواه مسلم (957). (¬2) رواه البخاري (1270). (¬3) رواه مسلم (963).

فصل في حمل الجنازة والدفن

الإسلام، ومَن توفَّيتَه منا فتَوفَّه على الإيمان". أخرجه البَيْهَقي (*) (¬1). * * * فصل في حمل الجنازة والدفن 449 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أسرِعُوا بالجنازة؛ فإن تكُ صالحةً فخيرٌ تقدِّمُونها إليه (¬2)، وإن تكُ غيرَ ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬3). ¬

_ (*) قال البَيْهَقي: أخبرنا أبو الحسن بن عَبدان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفَّار، ثنا هشام ابن علي، حدثنا ابن رجاء، عن هَمَّام، ثنا يحيى بن أبي كثير، عن عبد اللَّه بن أبي قتادة، عن أبيه: أنه شهد النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى على ميتٍ، قال: فسمعتُه يقول: "اللهم اغفِرْ لحيِّنا وميِّتِنا، وشاهدِنا وغائبِنا، وصغيرِنا وكبيرِنا، وذَكَرِنا وأُنثانا". قال: وقال أبو سَلَمة مع هذا الكلام: "ومَن أحييتَه منا فأَحيِه على الإسلام، ومَن توفَّيتَه منا فتَوفَّه على الإيمان". أطال البَيْهَقي الكلامَ على هذا الحديث وغيره في هذا الباب، وحكى عن البُخاري أنه قال: حديث أبي سَلَمة، عن أبي هريرةَ وعائشةَ وأبي قتادةَ في هذا الباب غيرُ محفوظ، وأصحُّ شيءٍ في هذا الباب حديثُ عوف بن مالك. (¬1) رواه البيهقي (4/ 41). (¬2) في الهامش: "عليه"، وفوقها إشارة (خ). (¬3) رواه البخارى (1252)، ومسلم (944).

450 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن شهد الجنازةَ حتى يُصلَّى عليها فله قيراطٌ، ومَن شهدَها حتى تُدفَنَ فله قيراطانِ". قيل: وما القيرطانِ؟ قال: "مِثلُ الجبلَينِ العظيمَينِ". متفق عليه (¬1). 451 - وعن جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنه- قال: أُتي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بفرسٍ مُعْرَورًى (¬2)، فركبَه حين انصرف من جنازة ابنِ الدَّحْدَاحِ، ونحن نمشي حولَه. أخرجوه إلا البُخاري وابن ماجه، واللفظ لمسلم (¬3). 452 - وروى سفيان بن عُيَينة، عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر وعمرَ يمشون أمامَ الجِنازة. أخرجه الأربعة، واللفظ للتِّرْمِذي (¬4). وقيل: رواه جماعة من الحُفَّاظ عن الزُّهري، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمُرسَل أصحُّ. 453 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا رأيتُم الجنازةَ فقُومُوا، فمَن تبعَها فلا يَجلسْ حتى تُوضَعَ". متفق عليه (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1261)، ومسلم (945). (¬2) أي: ليس عليه سرج. (¬3) رواه مسلم (965). (¬4) رواه أبو داود (3179)، والنسائي (1944)، والترمذي (1009)، وابن ماجه (1482). (¬5) رواه البخاري (1248)، ومسلم (959).

454 - وعن عليِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام ثم قعد. أخرجه مسلم (¬1). وفي رواية: رأينا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام فقُمْنَا، وقعد فقعَدْنَا، يعني: في الجنازة (¬2). 455 - وعن أبي إسحاق قال: أَوصَى الحارثُ أن يُصلِّيَ عليه عبد اللَّه بنُ يزيدَ، فصلَّى عليه، ثم أدخلَه القبرَ مِن قِبَلِ رِجلِ القبرِ، وقال: هذا من السُّنَّة. رواه أبو داود. وقال البَيْهَقي: هذا إسناد صحيح وقد قال: هذا من السُّنَّة، فصار كالمُسنَد (¬3). 456 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا وضع الميتَ في قبره قال: "بسم اللَّه، وعلى سُنَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-". رواه أبو داود (¬4). وقال البَيْهَقي: والحديث يتفرَّد برفعه همام بن يحيى بهذا الإسناد، وهو ثقة، إلا أن شعبةَ وهشمامًا الدَّسْتَوائي رَوَيَاه عن قتادةَ موقوفًا على ابنِ عمرَ (¬5). قلت: هما أحفظُ من همام، والشيخانِ قد احتجَّا به. ¬

_ (¬1) رواه مسلم (962). (¬2) رواه مسلم (962). (¬3) رواه أبو داود (3211)، والبيهقي (4/ 54). (¬4) رواه أبو داود (3213). (¬5) رواه البيهقي (4/ 55).

457 - وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص: أن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الذي هلك فيه: أَلْحِدُوا لي لَحدًا (¬1)، وانصِبُوا عليَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كما صُنِعَ (¬2) برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه مسلم (¬3). 458 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا عَقْرَ في الإسلام". أخرجه أبو داود (*)، قال عبد الرزاق: كانوا يَعقِرُون (¬4) على القبر بقرةً أو شيئًا (¬5). 459 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كسرُ عظمِ الميتِ ككسرِه حيًّا". أخرجه مسلم (**) (¬6). ¬

_ (*) إسناده على شرط البُخاري ومسلم. (**) قوله: (أخرجه مسلم) وهمٌ؛ إنما أخرجه أبو داود، وقال ابن القطَّان: ينبغي أن يقال فيه: حسن، فإنه من رواية الدَّرَاوَرْدِي، وهو مُختلَف فيه عن سعد بن سعيد، وكان أحمد يُضعِّفه، وقال فيه ابن مَعين: صالح. وأخرج له مسلم، وقد رواه غيرُ الدَّرَاوَرْدِي عن سعد، ورواه ابن أبي عاصم من رواية حارثة بن أبي الرِّجال، عن عَمْرَةَ، عن عائشةَ. (¬1) اللحد: هو الشق تحت الجانب القبلي من القبر. (¬2) في الهامش: "فعل"، وفوقها إشارة (خ). (¬3) رواه مسلم (966). (¬4) أي: ينحرون. (¬5) رواه أبو داود (3222). (¬6) رواه أبو داود (3207).

460 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: دُفِنَ مع أبي رجلٌ، فلم تَطِبْ نفسي (¬1) حتى أخرجتُه، فجعلتُه في قبرٍ على حدةٍ. أخرجه البُخاري (¬2). 461 - وعن القاسم، وهو ابن محمد، قال: دخلتُ على عائشةَ، فقلت: يا أُمَّاه (¬3)! اكشِفِي لي عن قبرِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصاحبَيه، فكشفَتْ لي عن ثلاثةِ قبورٍ لا مُشْرِفةٍ (¬4) ولا لاطيةٍ (¬5)، مبطوحةٍ (¬6) ببَطحاءِ العَرْصةِ (¬7) الحمراءِ. أخرجه أبو داود، ثم الحاكم في "المستدرك" بزيادة: فرأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُقدَّمًا، وأبا بكر رأسُه بين كتفَي النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعمرَ رأسُه عند رِجلَي النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (*) (¬8). 462 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: نَهَى رسولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُجصَّصَ القبرُ، وأن يُقعَدَ عليه، وأن يُبنَى عليه. ¬

_ (*) في إسناده عمرو بن عثمان بن هانئ ولم يُخرجا له في "الصحيحين" شيئًا. (¬1) في الهامش: "قلبي"، وفوقها إشارة (خ). (¬2) رواه البخاري (1287). (¬3) في الهامش: "أم المؤمنين"، وفوقها إشارة (خ). (¬4) أي: مرتفعة. (¬5) مستوية على وجه الأرض. (¬6) بطحُ المكانِ: تسويته، وبطح المسجد: ألقى فيه البطحاء، وهو الحصى الصغار. (¬7) أي: برمل العرصة وهي موضع، والعرصة: موضع واسع لا بناء فيه. (¬8) رواه أبو داود (3220)، والحاكم (1368).

أخرجه مسلم، ثم الحاكم في "المستدرك" بزيادة: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُبنَى على القبور، أو تُجصَّص، أو يُقعدَ (¬1)، ونَهَى أن يُكتبَ عليه. ثم قال: هذه الأسانيد صحيحة، وليس العمل عليها؛ فإن أئمَّةَ المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوبٌ على قبورهم، وهو عملٌ أخذَه الخَلَف عن السَّلَف (¬2). وأخرج أبو داود حديثًا من رواية بَشير (*)، وفيه: وحانَتْ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرةٌ، فإذا رجلٌ يمشي في القبور، عليه نعلانِ، فقال: يا صاحبَ السِّبْتَيِّتَين (¬3)! ويحَك أَلقِ سبْتِيَّتَيكَ، فنظر الرجلُ، فلما عرف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خلعَهما، فرَمَى بهما (¬4). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" مطولًا ومختصرًا (¬5). قلت: وراويه خالد بن سُمَير، وإن ذكره ابن حِبَّان في "الثقات" فلم يُعرَف له إلا راوٍ واحدٌ (**). ¬

_ (*) هو بَشير بن مَعبَد، المعروف بابن الخَصَاصِيَة. (**) والحديث رواه البُخاري في كتاب "الأدب"، والنَّسائي. (¬1) في الهامش: "لعله: يعقد". (¬2) رواه أبو داود (3220)، والحاكم (1368). (¬3) نسبة إلى السبت، وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ، يتخذ منها النعال، وأمر بالخلع احترامًا للمقابر عن المشي بينها بهما، أو لقذر بهما، أو لاختياله في مشيه. (¬4) رواه أبو داود (3230). (¬5) رواه الحاكم (1380 - 1381).

فصل في البكاء على الميت، والتعزية، وغير ذلك

463 - وعن أمِّ عطيةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: نهُينا عن اتِّباعِ الجنائز، ولم يُعزَمْ علينا (¬1). متفق عليه (*) (¬2). * * * فصل في البكاء على الميت، والتعزية، وغير ذلك 464 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: شهدْنا ابنةَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالسٌ على القبر، فرأيتُ عينَيه تدمعانِ، فقال: "هل منكم من أحدٍ لم يقارِفِ الليلةَ (¬3)؟ " فقال أبو طلحة: أنا، قال: "فانزِلْ في قبرها"، فنزل في قبرها. أخرجه البُخاري (¬4). 465 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اثنتانِ في الناس هما بهم كفرٌ: الطعنُ في النَّسَب، والنِّياحةُ على الميت" (¬5). 466 - وعن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس ¬

_ (*) ورواه أحمد وابن ماجه أيضًا، وجوَّد أحمد إسناده. (¬1) أي: لم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات. (¬2) رواه البخاري (1219)، ومسلم (938). (¬3) أي: يكسب ذنبًا، وقيل المقارفة هنا: الجماع. (¬4) رواه البخاري (1225). (¬5) رواه مسلم (67).

منا مَن ضرب الخدودَ، وشقَّ الجيوبَ، ودعا بدعوى الجاهلية". متفق عليهما (¬1). 467 - وعن عبد اللَّه بن جعفر -رضي اللَّه عنهما- قال: لما مات، يعني: جعفرًا، قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اصنعُوا لآل جعفرٍ طعامًا، فقد جاءهم ما يَشْغَلُهم". أخرجه التِّرْمِذي مُصحِّحًا (*)، وأبو داود وابن ماجه (¬2). 468 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قال: قبَرْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا، يعني: ميتًا، فلما فَرغْنَا انصرف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وانصرفْنَا معه، فلما حاذى بابَه وقف، فإذا نحن بامرأةٍ مُقبِلةٍ، قال: أظنُّه عرفَها، فلما ذهبت إذا هي فاطمةُ -رضي اللَّه عنها-، فقال لها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أخرجك يا فاطمةُ من بيتك (¬3)؟ " قالت: أتيتُ يا رسولَ اللَّه أهلَ هذا الميت، فرحمت على ميتهم، أو: عزَّيتُهم به، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعلك بلغتِ معهم الكُدَى (¬4)؟ " قالت: معاذَ اللَّه! وقد سمعتُك تذكر فيها ما تذكر. قال: "لو بلغتِ معهم الكُدَى"، فذكر تشديدًا في ذلك، فسألتُ ربيعةَ عن الكُدَى؟ فقال: هي القبور فيما أحسِب. أخرجه أبو داود، ثم الحاكم في "المستدرك" مختصرًا ومطولًا (¬5). وفي رواية: "وعزَّيتُهم"، وفيها: "لو بلغتِ معهم الكُدَى ما رأيتِ الجنةَ حتى ¬

_ (*) لم يُصحِّحْه التِّرْمِذي، بل حسَّنه فقط. (¬1) رواه البخاري (1232)، ومسلم (103). (¬2) رواه الترمذي (998)، وأبو داود (3132)، وابن ماجه (1610). (¬3) في الهامش: "المنزل" وأشار عليها بـ (صح). (¬4) أي المقابر. (¬5) رواه أبو داود (3123)، والحاكم (1382).

فصل في زيارة القبور والسلام والدعاء

يراها جدُّ أبيك (¬1) ". وقال: حديث صحيح على شرط الشيخَين، ولم يخرجاه (¬2). وفيما قاله عندي نظرٌ؛ فإن راويه ربيعةُ بنُ سيف، لم يخرج الشيخانِ في "الصحيحين" له شيئًا فيما أعلم (*). * * * فصل في زيارة القبور والسلام والدعاء 469 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لعنَ اللَّهُ زوَّاراتِ القبور". أخرجه التِّرْمِذي (**) (¬3). ¬

_ (*) ذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات" وقال: كان يخطئ كثيرًا. وقال ابن يونس: في حديثه مناكير، يعني: سعد بن سيف. وقال البُخاري: عنده مناكير. وقال النَّسائي: ليس به بأس. وقال الدَّارَقُطْني: مصري صالح، روى له (د، ت، س). وقد ذكر ابن الجَوزي هذا الحديثَ في "الواهيات"، وقال: هذا حديث لا يثبت. وضعَّفَه عبد الحق، وقال ابن القطَّان: هو عندي حسن. وقد رُوي لهذا الحديث متابعٌ من رواية حَيْوَةَ بنِ شُرَيح، عن شُرَحبيل بن شَرِيك وربيعة بن سيف المُعَافِري، عن الحُبُلي. (**) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي إسناده عمر بن أبي سَلَمة، وقد ضعَّفه غيرُ واحد؛ منهم شعبة وابن مَعين، وذكره ابن حِبَّان في "الثقات"، وأخرجه أبو داود وغيرُه من حديث ابن عباس بإسناد حسن، ورُوي من حديث حسان بن ثابت، وقد ضعَّف عبدُ الحق حديثَ أبي هريرةَ، وحسَّنه ابن القطَّان. (¬1) وهو عبد المطلب. (¬2) رواه الحاكم (1383). (¬3) رواه الترمذي (1056)، وابن ماجه (1576).

470 - وعن ابن بُرَيدة، عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نهيتُكم عن زيارة القبور؛ فزُورُوها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوقَ ثلاثٍ (¬1)؛ فأمسِكُوا ما بدا لكم، ونهيتُكم عن النَّبِيذ إلا في سقاءٍ؛ فاشربوا في الأسقية كلِّها، ولا تشربوا مُسكِرًا". أخرجه مسلم (¬2). 471 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلما (¬3) كان ليلتُها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: "السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وآتكم ما توعدون غدًا مُؤجَّلُون، وإنَّا إن شاء اللَّهُ بكم لاحقون، اللهم اغفِرْ لأهل بَقيع الغَرقَد" (¬4). 472 - وعن سليمان بن بُرَيدة، عن أبيه قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُعلِّمُهم إذا خرجوا إلى المقابر، ففي رواية: "السلامُ على أهل الديار". وفي رواية: "السلامُ عليكم أهلَ الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إن شاء اللَّهُ بكم لَلاحقون، أسالُ اللَّهَ لنا ولكم العافية". أخرجهما مسلم (¬5). ¬

_ (¬1) أي: عن إمساكها وادخارها والأكل منها فوق ثلاث. (¬2) رواه مسلم (977). (¬3) جاء على الهامش: "لعل الصواب: لما". (¬4) رواه مسلم (974). (¬5) رواه مسلم (975).

وزاد البَيْهَقي في رواية له في حديث سليمان: "أنتم لنا فَرَطٌ (¬1)، ونحن لكم تَبَعٌ، نسأل اللَّهَ لكم العافيةَ" (¬2). 473 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنهم قد أفضَوا إلى ما قدَّمُوا" (¬3). تفرد به البُخاري (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أي: سَلَفٌ متقدِّمون. (¬2) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 79). (¬3) أي: وصلوا إلى جزاء أعمالهم. (¬4) رواه البخاري (1329).

[3] كتاب الزكاة

[3] كتاب الزكاة

[3] كتاب الزكاة 474 - عن ثُمَامة بن عبد اللَّه بن أنس: أن أنسًا حدثه: أن أبا بكر كتب له هذا الكتابَ لمَّا وجَّهَه إلى البحرين: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذه فريضةُ الصدقة التي فَرَضَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المسلمين، والتي أَمر اللَّهُ بها رسولَه، فمَن سُئلها من المسلمين على وجهها فَلْيُعطِها (¬1)، ومَن سُئل فوقَه فلا يُعطَ: "في أربعٍ وعشرين من الأبل فما دونها من الغنم في كل خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنتُ مخاضٍ (¬2) أنثى، فإذا بلغت ستًا وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنتُ لَبُونٍ (¬3) أنثى، فإذا بلغت ستًا وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّةٌ (¬4) طَرُوقةُ الجمل (¬5)، فإذا بلغت ¬

_ (¬1) أي: على هذه الكيفية المبينة. (¬2) هي التي تمت لها سنة. (¬3) هي ما لها سنتان. (¬4) هي ما لها ثلاث سنين. (¬5) أى: مركوبة للفحل.

واحدةً وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جَذَعةٌ (¬1)، فإذا بلغت، يعني: ستةً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لَبُونٍ، فاذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومئةٍ ففيها حِقَّتانِ طَرُوقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومئةٍ ففي كل أربعين بنتُ لبَوُنٍ، وفي كل خمسين حِقَةٌ، ومَن لم يكن عنده إلا أربعةٌ من الأبل فليس فيها صدقةٌ؛ إلا أن يشاء ربُّها (¬2). وفي صدقة الغنم في سائمتها (¬3) إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئةٍ شاةٌ، فاذا زادت على عشرين ومئةٍ إلى مئتين ففيها شاتانِ، فإذا زادت على مئتين إلى ثلاثِ مئةٍ ففيها ثلاثُ شِيَاهٍ، فإذا زادت على ثلاثِ مئةٍ ففي كل مئةٍ شاةٌ، فإذا كانت سائمةُ الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدةً فليس فيها صدقةٌ؛ إلا أن يشاء ربُّها، وفي الرِّقَةِ (¬4) ربعُ العُشرِ، فإن لم تكن إلا تسعين ومئةً فليس فيها شيءٌ؛ إلا أن يشاء ربُّها". أخرجه البُخاري (¬5). وأخرج بهذا الإسناد أيضًا: "ولا يُخرج في الصدقة هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ ولا تيسٌ؛ إلا (*) ما شاء المُصدِّق". ¬

_ (*) الاستثناء عائد إلى الأخير فقط؛ لأن التيسَ أكملُ من غيره، والمُصدِّق هو المُعطِي. (¬1) ما لها أربع سنين. (¬2) أي: مالكها وصاحبها. (¬3) أي: راعيتها. (¬4) هي الفضة المضروبة. (¬5) رواه البخاري (1386).

وفيه: أن أبا بكر كتب له الصدقةَ التي أمر اللَّهُ رسولَه (¬1). وبهذا الإسناد: أن أبا بكر كتب له التي فَرضَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولا يُجمَعُ بين مُتفرِّقٍ، ولا يُفرَّق بين مجتمعٍ خشيةَ الصدقة (¬2) " (¬3). وبه قال: "وما كان من خليطَينِ فإنهما يتراجعانِ بينهما بالسوية" (¬4). وبه: "مَن بلغت عنده من الإبل صدقةُ جَذَعةٍ، وليست عنده جَذَعةٌ، وعنده حِقَّةٌ فإنها تُقبَل منه الحِقَّةُ ويَجعَل معها شاتَينِ إن استيسرتا له أو عشرين درهمًا، ومَن بلغت عنده صدقةُ الحِقَّةِ وليست عنده الحِقَّةُ، وعنده الجَذَعةُ فإنها تُقبَل منه الجَذَعةُ ويعطيه المُصدِّق عشرين درهمًا أو شاتَينِ، ومَن بلغت عنده صدقةُ الحِقَّةِ، وليست عنده إلا ابنةُ لَبُونٍ فإنها تُقبَل منه بنتُ لَبُونٍ ويُعطي شاتَينِ أو عشرين درهمًا، ومَن بلغت عنده صدقةُ بنتِ لَبُونٍ، وعنده حِقَّةٌ فإنها تُقبَل منه الحِقَّةُ ويُعطيه المُصدِّق عشرين درهمًا أو شاتَينِ، ومَن بلغت عنده صدقةَ بنتِ لَبُونٍ، وليست عندَه، وعنده بنتُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1387). (¬2) معناه عند الجمهور: لا ينبغي لمالكين يجب على مال كلٍّ منهما صدقة ومالهُما متفرق بان يكون لكل منهما أربعون شاة، فتجب في مال كلٍّ منهما شاة واحدة أن يجمعا عند حضور المصدِّق فرارًا عن لزوم الشاة إلى نصفها، إذ عند الجمع يؤخذ من كل المال شاة واحدة، وعلى هذا قياس (ولا يفرق بين مجتمع) بأن يكون لكل منهما مئة شاة وشاة، فيكون عليهما عند الاجتماع ثلاث شياه أن يفرقا ما لهما ليكون على كل واحد شاة واحدة فقط. (¬3) رواه البخاري (1382). (¬4) رواه البخاري (1383).

مَخَاضٍ فإنها تُقبَل منه بنتُ مَخَاضٍ ويُعطي معها عشرين درهمًا أو شاتَينِ". وقال في هذه الرواية: "إن أبا بكر كتب له فريضةَ الصدقة التي أمر اللَّهُ تعالى ورسولُه عليه السلام: "ومَن بلغت صدقتُه بنتَ مخاضٍ، وليست عندَه، وعنده بنتُ لَبُونٍ فإنها تُقبَل منه ويُعطيه المُصدِّق عشرين درهمًا أو شاتَينِ، فإن لم يكن عندَه بنتُ مخاضٍ على وجهها، وعنده ابنُ لَبُونٍ فإنه تُقبَل منه، وليس معه شيءٌ" (¬1). وروى أبو داود من حديث ابن شهاب قال: هذه نسخةُ كتابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كتبه في الصدقة، وهو عند آل عمرَ بنِ الخطاب. قال ابن شهاب: أقرأَنيها سالم بنُ عبد اللَّه بنِ عمرَ، فوعيتُها على وجهها، وهي التي انتسخ عمرُ بنُ عبد العزيز مِن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر وسالم بن عبد اللَّه بن عمر. وفيه: "فإذا كانت إحدى وعشرين ومئةً ففيها ثلاثُ بناتِ لَبُونٍ، حتى تبلغَ تسعًا وعشرين ومئةً، فإذا كانت ثلاثين ومئةً ففيها بنتا لَبُونٍ وحِقَّةٌ، حتى تبلغَ تسعًا وثلاثين ومئةً، فإذا كانت أربعين ومئةً ففيها حِقَّتانِ وبنتُ لَبُونٍ، حتى تبلغَ تسعًا وأربعين ومئةً". وذكر الحديث إلى أن قال: "فإذا كانت مئتين ففيها أربعُ حِقَاقٍ أو خمس بنات لَبُونٍ، أيُّ السنين وُجدَتْ أُخذَتْ" (¬2). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1385). (¬2) رواه أبو داود (1570).

وهذا مُرسَل، إلا أن كونَه كتابًا متوارثًا عند آل عمرَ قد يُغني عن ذكر الإسناد فيه. 475 - وعن مسروق، عن معاذ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لما وجَّهه إلى اليمَن أمرَه أن يأخذَ من البقر مِن كلِّ ثلاثين تبيعًا أو تبيعةً (¬1)، ومِن كلٍّ أربعين مُسنَّةً (¬2)، ومِن كل حالِمٍ -يعني: محتلم- دينارًا أو عدلَه من المَعَافِرِ، ثيابٌ تكون باليمَن. أخرجه الأربعة، وقال التِّرْمِذي: هذا حديث حسن، وذكر أن بعضَهم رواه مُرسَلًا، قال: وهذا أصحُّ (¬3). وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، ولم يقل: "أو تبيعةً"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (¬4). قلت: إن كان مسروق سمع من معاذ فالأمرُ كما قال (*). 476 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن معاذًا قال: بعثَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعُهم إلى شهادة أن لا إلهَ إلا ¬

_ (*) قال ابن المَديني: صلَّى مسروقٌ خلفَ أبي بكر، ولقيَ عمرَ وعليًّا، وذكر جماعة من الصحابة، قال: ولم يسمع من عثمانَ، وكانت وفاةُ معاذ -رضي اللَّه عنه- في سنة سبعَ عشرةَ، أو: ثماني عشرةَ، واللَّه أعلم. (¬1) هو ولد البقر أول سنة وطعن في الثانية. (¬2) هي التي دخلت في الثالثة. (¬3) رواه أبو داود (1576)، والنسائي (2450)، والترمذي (623)، وابن ماجه (1803). (¬4) رواه الحاكم (1433).

اللَّهُ وأني رسولُ اللَّه"، وفيه: "فأَعلِمْهم أن اللَّهَ افترضَ عليهم صدقةً تُؤخَذ من أغنيائهم فتُردُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائمَ (¬1) أموالهم، واتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجابٌ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬2). 477 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا جَلَبَ، ولا جَنَبَ (¬3)، ولا تُؤخَذ صدقاتُهم إلا في دُورِهم". أخرجه أبو داود من حديث ابن إسحاق، عن عمرو (¬4)، وفي الاحتجاج بذلك خلافٌ (*). ¬

_ (*) قال الإمام أحمد في "المسند": حدثنا عبد الصمد، عن عبد اللَّه بن المبارك، ثنا أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تُؤخَذ صدقاتُ المسلمين على مياههم". وقال أبو داود الطَّيَالسي: ثنا ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تُؤخَذ صدقاتُ المسلمين عند مياههم، أو: عند أفنيتِهم". شكَّ أبو دواد. وقال البَيْهَقي: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنبأ أبو حامد بن بلال، ثنا أبو الأزهر، ثنا = (¬1) أي: نفائس. (¬2) رواه البخاري (1425)، ومسلم (19). (¬3) كلُّ من الجلب والجنب يكون في الزكاة والسِّباق، والجلب في الزكاة: أن ينزل المصدِّق موضعًا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهي عن ذلك، وأمر بأخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم، والجنب: أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب -أي: تحضر- إليه. (¬4) رواه أبو داود (1591).

478 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس على المسلم في عبدِه ولا فرسِه صدقةٌ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). وفي رواية لمسلم: "ليس في العبدِ صدقةٌ؛ إلا صدقةَ الفِطرِ" (¬2). 479 - وعن بَهْز بن حكيم، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "في كلِّ سائمةِ إبلٍ في كلِّ أربعين ابنةُ لَبُونٍ، لا تُفرَّق إبلٌ عن حسابها (¬3)، مَن أعطاها مُؤتَجِر (¬4) ". قال ابن العلاء: "مُؤتَجرًا بها فله أجرُها، ومَن منعَها فإنَّا آخذُوها وشطرَ مالِه، عَزْمَةً من عَزَمَاتِ ربِّنا، ليس لآل محمَّدٍ منها شيءٌ". لفظ أبي داود، وأخرجه التِّرْمِذي (*) والنَّسائي، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكرَه في تصحيح هذه الصحيفة، ولم يخرجاه (¬5). ¬

_ = يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: فحدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدَّه قال: خطب رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الناسَ عامَ الفتح، فذكر الحديث، وفيه قال: "لا جَلَبَ، ولا جَنَبَ، ولا تُؤخَذ صدقاتُهم إلا في دُورِهم". (*) لم يَروِه التِّرْمِذي، وقال الشافعي: هذا لا يُثبته أهلُ العلم بالحديث، ولو ثبت قلنا به. ورواه الإمام أحمد وصلَّح إسناده. (¬1) رواه البخاري (1394)، ومسلم (982). (¬2) رواه مسلم (982). (¬3) معناه: أن المالك لا يفرق ملكه عن ملك غيره حيث كانا خليطين. (¬4) أي: قاصدًا لأجر بإعطائها. (¬5) رواه أبو داود (1575)، والنسائي (2444)، والحاكم (1448).

قلت: تصحيحُها مُختلَفٌ فيه. 480 - وروى أبو داود من حديث ابن وهب قال: حدثني جرير بن حازم، وسمى آخرَ، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة والحارث الأعور، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ فذكر شيئًا قال في آخره: إلا أن جريرًا، قال ابن وهب: يزيد في الحديث عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس في مالٍ زكاةٌ حتى يَحولَ عليه الحَولُ" (¬1). وعاصم بن ضَمْرة ذكر ابنُ أبي حاتم عن علي بن المَديني أنه ثقةٌ، وقال النَّسائي في "التمييز": لا بأسَ به. * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (1573).

1 - باب زكاة المعشرات

1 - باب زكاة المُعشّرات 481 - عن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس في حَبٍّ ولا ثمرٍ صدقةٌ حتى تبلغَ خمسةَ أَوسُقٍ (¬1)، ولا فيما دونَ خمسِ ذَودٍ (¬2) صدقةٌ، ولا فيما دونَ خمسِ أَواقٍ (¬3) صدقةٌ". لفظ رواية لمسلم (¬4). وفي رواية: "ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ من الوَرِقِ (¬5) صدقةٌ" (¬6). 482 - وعن أبي الزبير: أنه سمع جابرَ بنَ عبد اللَّه يذكر: أنه سمع النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فيما سقَتِ الأنهارُ والغيمُ العُشرُ، وفيما سُقِيَ بالسَّانيةِ (¬7) نصفُ العُشرِ". أخرجه مسلم (¬8). ¬

_ (¬1) وهي ستون صاعًا. (¬2) من الإبل. (¬3) الأوقية الشرعية أربعون درهمًا. (¬4) رواه مسلم (979). (¬5) الفضة كلها مضروبها وغيره. (¬6) رواه البخاري (1390)، ومسلم (980). (¬7) هو البعير الذي يسقى به الماء من البئر، ويقال له الناضح. (¬8) رواه مسلم (981).

وفي رواية أبي داود: "فيما سقَتِ الأنهارُ والعيونُ العُشرُ" (¬1). وعنده من رواية سالم، عن أبيه: "فيما سقَتِ السماءُ والأنهارُ والعيونُ، أو كان بعلًا العُشرُ، وفيما سُقِي بالسَّوَاني أو النَّضْح نصفُ العُشرِ" (*) (¬2). 483 - وعن طلحة بن يحيى، عن أبي بُردة، عن أبي موسى ومعاذ بن جبل حين بعثَهما رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى اليمَن يُعلِّمانِ الناسَ أمرَ دينِهم: "لا تأخذوا الصدقةَ إلا من هذه الأربعة: الشعيرِ، والحِنطةِ، والزَّبيبِ، والتمرِ". أخرجه الحاكم (**) (¬3). وأخرج أيضًا من حديث موسى بن طلحة، عن معاذ بن جبل: أن ¬

_ (*) وإسناده على شرط مسلم، وهو عند التِّرْمِذي أيضًا بنحوه. (**) إسناده على شرط مسلم من جهة أبي موسى. قال البَيْهَقي: أنبأ علي بن أحمد بن عَبدان، أنبأ أبو القاسم سليمان بن أحمد اللَّخْمِي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بُردة، عن أبي موسى ومعاذ بن جبل: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَهما إلى اليمَن، فأمرَهما أن يُعلِّمَا الناسَ أمرَ دِينِهم وقال: "لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعيرِ، والحِنطةِ، والزَّبيبِ، والتمرِ". وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو وأبو بكر بن الحسن قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفَّان، ثنا يحيى بن آدم، ثنا الأَشجعي، عن سفيان بن سعيد، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بُردة، عن أبي موسى الأشعري ومعاذ: أنهما حين بُعثَا إلى اليمَن لم يأخذا إلا من الحِنطةِ والشعيرِ والتمرِ والزَّبيبِ. (¬1) رواه أبو داود (1597). (¬2) رواه أبو داود (1596). (¬3) رواه الحاكم في "المستدرك" (1459).

رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "فيما سقَتِ السماءُ والبعلُ والسَّيلُ العُشرُ، وفيما سُقِيَ بالنَّضحِ نصفُ العُشرِ" (*)، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القِثَّاءُ والبطيخُ والرُّمَّانُ والقَضْبُ (¬1) فقد عفا عنه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وزعم أن موسى بن طلحة تابعيٌّ كبيرٌ، لا يُنكَر أن يدركَ أيامَ معاذ. وفيما قال نظرٌ كثيرٌ؛ فإنه روي من حديث موسى (¬2) أنه قال: عندنا كتابُ معاذٍ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه إنما أخذ الصدقةَ من الحِنطةِ، والشعيرِ، والزَّبيبِ، والتمرِ" (¬3). وهذا يُشعِرُ أنه كتابٌ. وذكر أبو زُرعةَ: أن موسى عن عمرَ مُرسَلٌ، فإن كان لم يدركْ عمرَ فلم يدركْ معاذًا. 484 - وعن عبد الرحمن بن مسعود قال: جاءنا سهلُ بن أبي حَثْمَة إلى مجلسنا، قال: أمرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا خَرَصْتُم (¬4) ¬

_ (*) حديث موسى بن طلحة هو من رواية عبد اللَّه بن نافع الصايغ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد اللَّه القصة عنه، وإسحاق متروك، قاله أحمد والفَلَّاس والنَّسَائي، وقال ابن مَعين: ليس بشيءٍ، وقال أبو زُرعةَ: واهي الحديث. (¬1) القضب: هي الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، وقيل: العلف. (¬2) وروى البَيْهَقيُّ هذا الحديثَ، وقال: هو مُرسَل. (¬3) رواه الحاكم في "المستدرك" (1457 - 1458). (¬4) أي: حزرتم وخمنتم.

فجُدُّوا (¬1) ودَعُوا الثلثَ، فإن لم تَدَعُوا أو تَجدُّوا الثلثَ فدَعُوا الرُّبعَ". أخرجه أبو داود والتِّرْمِذي والنَّسائي، ثم الحاكم في "المستدرك". وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (¬2). وفيما قاله نظرٌ (*). 485 - وعن أبي أُمامة بن سهل، عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الجُعْرُورِ (¬3) ولونِ الحُبَيْقِ (¬4) أن يُؤخَذَ في الصدقة. قال الزُّهري: لونيَنِ من تمر المدينة. أخرجه أبو داود (¬5). ثم الحاكم بإسناد آخر، وزاد: وكان ناسٌ يتيمَّمُون (¬6) شرَّ ثمارهم فيُخرجونها في الصدقة، فنُهُوا عن لونيَنِ من التمر، فنَزلت: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 276]. ¬

_ (*) في إسناده: عبدُ الرحمن بن مسعود بن نيار، وقد ذكره ابنُ حبَّان في "كتاب الثقات"، وباقي رجاله مُحتجٌّ بهم في "الصحيحين". وقال البَزَّار: لم يَروِه عن سهل إلا عبدُ الرحمن بنُ مسعود بن نيار، وهو معروف، وقال القطَّان: هذا غيرُ كافٍ فيما ينبغي من عدالته، فكم من معروفٍ غيرُ ثقةٍ، والرجلُ لا يُعرَف له حالٌ، ولا يُعرَف بغير هذا. (¬1) أي: اقطعوا. (¬2) رواه أبو داود (1605)، والنسائي (2491)، والترمذي (643)، والحاكم (1464). (¬3) ضرب من الدقل يحمل رطبًا صغارًا لا خير فيه. (¬4) وهو من أردأ أنواع التمر. (¬5) رواه أبو داود (1607). (¬6) يقصدون.

وقال: صحيح على شرط البُخاري، ولم يخرجاه (*) (¬1). قلتُ: الحُبَيْق، بضمِّ الحاء المُهمَلة، وفتح الباء المُوحَّدة، وتخفيف آخر الحروف. 486 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد اللَّه بن عمرو، عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه أخذ من العسل العُشرَ". أخرجه ابن ماجه من حديث نعيم بن حَمَّاد (¬2)، وهو حافظ أخرج له البُخاري، وقد مُسَّ، عن ابن المبارك، وهو إمامٌ، عن أسامة بن زيد، وأخرج له مسلم، فمَن احتبجَّ بنسخة عمرو وبالرجلَينِ احتجَّ به (**). * * * ¬

_ (*) في إسناده سفيان بن حسين، ولم يحتجَّ به البُخاري، بل ذكره تعليقًا في "الصحيح"، وإنما احتج به في كتاب: "القراءة خلف الإمام"، وقد تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ، واللَّه أعلم. وقد تابعه سليمانُ بنُ كثير عن الزُّهري، رواه عنه أبو الوليد كذلك، فهو من هذا الوجه على شرط البُخاري، لكن رواه غيرُ أبي الوليد عن سليمان بن كثير، فأَرسلَه. قال الدَّارَقُطْني: وهو الأَولى بالصواب، واللَّه أعلم. (**) وأخرجه من طريق آخر عن أسامة، وإسناده صالح. وقال الشافعي: الحديثُ في: (أن في العسل العُشرَ) ضعيفٌ، وفي (أن لا يُؤخَذَ منه العُشرُ) ضعيفٌ؛ إلا عن عمر بن عبد العزيز. وقال البُخاري: ليس في زكاة العسل شيءٌ يصحُّ. وقال التِّرْمِذي: ولا يصحُّ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الباب كثيرُ شيءٍ. وقال ابن المنذر: ليس في وجوب صدقة العسل حديثٌ يَثبتُ عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا إجماعٌ؛ فلا زكاةَ فيه. (¬1) رواه الحاكم (1461). (¬2) رواه ابن ماجه (1824).

2 - باب زكاة الناض

2 - باب زكاة النَّاضِّ (¬1) 487 - عن سليمان بن داود، عن الزُّهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه كتب إلى أهل اليمَن بكتابٍ فيه الفرائضُ والسُّنَنُ والدِّياتُ، فذكر الحديثَ، وفيه: "وفي كلِّ أربعين دينارًا دينارٌ". أخرجه الحاكم، وقال: وسليمانُ بنُ داود الدِّمَشقي الخَولاني معروفٌ بالزُّهري، وإن كان يحيى بن مَعين غمزَه، فقد عدَّله غيرُه، ثم روى بإسناد إلى أبي حاتم أنه قال: سليمان بن داود الخَولاني عندنا ممن لا بأسَ به، وقال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا زُرعةَ يقول ذلك (¬2). 488 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المِكيالُ مِكيالُ أهلِ المدينةِ، والوزنُ وزنُ أهلِ مكةَ". أخرجه النَّسائي وأبو داود (*) (¬3). ¬

_ (*) رجاله على شرط "الصحيحين". (¬1) الناض: الدراهم والدنانير، وهي تسمية أهل الحجاز. (¬2) انظر: "المستدرك" (1447). (¬3) رواه أبو داود (3340)، والنسائي (2520).

489 - وعن عطاء، عن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها-: أنها كانت تلبَس أَوضاحًا (¬1) من ذهبٍ، فسألتْ عن ذلك النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: أكنزٌ هو؟ فقال: "إذا أُدِّيَتْ زكاتُه فليس بكنزٍ". أخرجه الحاكم من حديث محمد بن مهاجر، عن ثابت بن عَجلان وقال: صحيح على شرط البُخاري، ولم يخرجاه، وقد أخرجه أبو داود أيضًا قريبًا من لفظه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) جمع وضح، نوعٌ من الحُلُي تعمل من الفضة، سميت بها لبياضها. (¬2) رواه الحاكم (1438)، وأبو داود (1564).

3 - باب زكاة المعدن والركاز

3 - باب زكاة المَعْدِن والرِّكاز 490 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العَجْمَاءُ (¬1) جُبَارٌ (¬2)، والبئرُ جُبَارٌ، والمَعدنُ جُبَارٌ، وفي الرِّكاز (¬3) الخُمسُ". متفق عليه (*) (¬4). 491 - وعن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (*) قال الشافعي: أنبأ مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن غيرِ واحدٍ من علمائهم: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَقطعَ لبلالَ بن الحارث المُزَنيِّ معادنَ القَبَليَّةِ، وهي من ناحية الفُرع، والفرع بين مكة والمدينة، فتلك المعادنُ لا يُؤخَذُ منها إلا الزكاةُ إلى اليوم. قال الشافعي: ليس هذا مما يُثبت أهلُ الحديث، ولو ثبَّتوه لم يكن فيه روايةٌ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا إقطاعَه، فأما الزكاةُ في المعادن دونَ الخُمس فليست مَرويةً عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه. قال البَيْهَقي: هو كما قال الشافعي في رواية مالك، وقد رُوي عن عبد العزيز الدَّرَاوَرْدِي عن ربيعة موصولًا، ثم ساقه من طريق الحاكم. (¬1) أي: البهيمة، وسميت عجماء لأنها لا تتكلم. (¬2) أي: هدر لا دية فيه. (¬3) هو دفين الجاهلية. (¬4) رواه البخاري (1428)، ومسلم (1710).

أخذَ من المعادن القَبَليَّة الصدقةَ، وأنه أَقطعَ بلالَ بنَ الحارث العقيقَ أجمعَ، فلما كان عمرُ -رضي اللَّه عنه- قال لبلالٍ: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُقطِعْك لتَحتجرَه عن الناس، لم يُقطِعْك إلا لتَعملَ، قال: فأَقطعَ عمرُ بنُ الخطاب لناسٍ (¬1) العقيقَ. أخرجه الحاكم من حديث نعيم بن حَمَّاد، عن عبد العزيز بن محمد، وقال: احتجَّ البُخاري بنعيم بن حَمَّاد، ومسلم بالدَّرَاوَرْدِي، وهذا حديث صحيح، ولم يخرجاه (¬2). قلت: لعله عَلِمَ حالَ الحارث، والدَّرَاوَرْدِي: هو عبد العزيز بن محمد. والقَبَلية: بفتح القاف والباء معًا؛ قيل: منسوبة إلى ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسةُ أيام. * * * ¬

_ (¬1) جاء على الهامش: "للناس، كذا للبَيْهَقي" وأشار إلى أنها في نسخة كذا. (¬2) رواه الحاكم (1467).

4 - باب صدقة الفطر

4 - باب صدقة الفطر 492 - روى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَضَ زكاةَ الفِطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ على كلِّ حرٍّ أو عبدٍ، ذكرٍ أو أنثى من المسلمين. أخرجوه أجمعون (¬1). وفي رواية: الفِطر من رمضان (¬2). وفي رواية عبد العزيز بن أبي روَّاد، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان الناسُ يُخرِجون صدقةُ الفِطر على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ أو سُلْتٍ (¬3) أو زبيبٍ. أخرجه الحاكم، وقال: حديث صحيح، وقال في عبد العزيز: ثقةٌ عابدٌ (¬4). وأبو عمر خالفَه في التصحيح، كما دلَّ عليه كلامُه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1433)، ومسلم (984)، وأبو داود (1611)، والنسائي (2503)، والترمذي (676)، وابن ماجه (1826). (¬2) رواه مسلم (984). (¬3) نوع من الشعير يشبه البُرَّ. (¬4) رواه الحاكم (1489)، وأبو داود (1614)، والنسائي (2516).

وفي رواية الليث، عن نافع: أن عبد اللَّه بن عمر قال: أَمرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بزكاة الفِطر صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ. قال عبد اللَّه: فجعل الناسُ عدلَه مُدَّينِ مِن حِنطةٍ. وهو في "الصحيح" (¬1). 493 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نُعطيها في زمن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من زَبيبٍ. فلما جاء معاويةُ وجاءتِ السَّمْراءُ (¬2) قال: أرى مُدًّا من هذه يَعدِلُ مُدَّينِ. لفظ البُخاري (¬3). وفي رواية: كنا نُخرج زكاةَ الفِطر صاعًا من طعامٍ، وفيها: أو صاعًا من أَقِطٍ (¬4). وروى سفيان عن ابن عَجلان في حديث أبي سعيد: إنا كنا نُخرج على عهد النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال فيه: أو صاعًا من دقيقٍ. أخرجه أبو داود وقال: هذه الروايةُ وهمٌ من ابن عُيينةَ. وقال حامد، هو ابن يحيى: فأنكروا عليه الدقيقَ، فتركه سفيان (¬5) (*). ¬

_ (*) وقال البَيْهَقي: ورواه جماعة عن ابن عَجلان، منهم حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك = (¬1) رواه البخاري (1436)، ومسلم (984). (¬2) أي: القمح الشامي. (¬3) رواه البخاري (1437). (¬4) رواه البخاري (1435)، ومسلم (985). (¬5) رواه أبو داود (1618).

494 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمر بزكاة الفِطر قبلَ خروج الناس إلى المُصلَّى. لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬1). 495 - وعن عكرمة، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: فَرَضَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زكاةَ الفِطر طُهْرَةً للصائم من اللَّغو والرَّفث، وطُعمَةً للمساكين؛ مَن أدَّاها قبلَ الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدَّاها بعدَ الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات. أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي يزيد الخَولاني، وقال: فيه مروان، وكان شيخَ صدقٍ، عن سيَّار بن عبد الرحمن، وقال فيه أبو زُرعةَ: لا بأسَ به، وزعم الحاكم في "المستدرك" أنه صحيحٌ على شرط البُخاري، ولم يخرجاه (¬2). وفيما قال نظرٌ؛ فإن أبا يزيد وسيَّارًا لم يخرج لهما الشيخانِ، وكأن الحاكم أشار إلى عكرمة، فإن البُخاري احتج به. * * * ¬

_ = الوجه أخرجه مسلم في "الصحيح" ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر وحَمَّاد ابن مَسعَدَة وغيرهم، فلم يذكر أحدٌ منهم الدقيقَ غيرَ سفيان، وقد أنكر عليه، فتركه. ورُوي عن محمد بن سِيرين، عن ابن عباس مُرسَلًا موقوفًا على طريق التوهُّم، وليس بثابتٍ، ورُوي من أوجهٍ ضعيفةٍ لا تسوى ذكرها. (¬1) رواه البخاري (1438)، ومسلم (986). (¬2) رواه أبو داود (1609)، وابن ماجه (1827)، والحاكم (1488).

5 - باب قسم الصدقات

5 - باب قَسْمِ الصدقات 496 - عن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَحِلُّ الصدقةُ لغنيٍّ إلا لخمسةٍ: لعاملٍ عليها، أو لغازٍ في سبيل اللَّه، أو غنيٍّ اشتراها بماله، أو فقيرٍ تُصُدِّق عليه فأهداها لغنىٍّ، أو غارمٍ". لفظ ابن ماجه (¬1)، وقد رُوي مُرسَلًا (*). 497 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الفقر، وأعوذ بك من القِلَّة والذِّلَّة، وأعوذ بك أن أَظلِمَ أو أُظلَمَ". أخرجه أبو داود والنَّسائي (**) (¬2). 498 - وعن عبيد اللَّه بن عدي بن الخِيار قال: أخبرني رجلان: أنهما ¬

_ (*) والمُرسَل أصحُّ، والذين وصلوه ثقات، وأخرجه الحاكم وقال: على شرطهما. (**) رجاله على شرط مسلم، وقد أخرجه الحاكم وقال: على شرط (م). (¬1) رواه ابن ماجه (1841). (¬2) رواه أبو داود (1544)، والنسائي (5460).

أتَيَا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجَّة الوداع وهو يَقسِمُ الصدقةَ، فسألاه منها، فرفع فينا البصرَ وخَفَّضَه، فرآنا جَلْدَينِ (¬1)، فقال: "إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مكتسِبٍ". وهو كالذي قبلَه (*) (¬2)، وقد يُنظَر فيه. 499 - وعن قَبيصة بن مُخارق الهلالي -رضي اللَّه عنه- قال: تحمَّلتُ حَمَالةً، فأتيتُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أسأله فيها، فقال: "أقِمْ حتى تأتيَنا الصدقةُ فنأمرَ لك بها"، قال: ثم قال: "يا قَبيصةُ! إن المسألةَ لا تَحِلُّ إلا لأحدِ ثلاثةٍ: رجلٍ تحمَّل حَمَالةً (¬3)، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَها ثم يمسك (¬4)، ورجلٍ أصابتْه جائحةٌ (¬5) اجتاحت مالَه، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَ قوامًا (¬6) من عيشٍ، أو قال: سِدَادًا من عيشٍ، ورجلٍ أصابتْه فاقةٌ حتى يقولَ (**) ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى (¬7) من قومه: لقد أصابتْ فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألةُ ¬

_ (*) إسناده على شرط البُخاري. (**) كذا رواه "د". (¬1) أي: قويين. (¬2) رواه أبو داود (1633)، والنسائي (2598). (¬3) وذلك أن يتحمل الإنسان عن غيره دينًا أو دية أو يصالح بمال بين فريقين، فإنها تحل له المسألة. (¬4) أي: إلى أن يجد الحمالة أو يأخذ الصدقة، فإذا كان ذلك أمسك عن الصدقة. (¬5) أي: آفة مهلكة للثمار والأموال. (¬6) ما تقوم به حاجته. (¬7) أي: العقل الكامل.

حتى يُصيبَ قوامًا من عيشٍ، أو قال: سِدَادًا من عيشٍ، فما سواهنَّ من المسألة يا قَبيصةُ سُحْتٌ (¬1)، يكلُها صاحبُها سُحْتًا". أخرجه مسلم (¬2). 500 - وعن عبد المطلب بن ربيعة قال: اجتمع ربيعةُ بنُ الحارث والعباسُ بنُ عبد المطلب، فقالا: واللَّه لو بعثْنَا هذَينِ الغلامَينِ -قال لي وللفضل بن عباس- إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فكلَّمَاه، فأمَّرَهما على هذه الصدقات، فأدَّيَا ما يؤدِّي الناسُ، وأصابا مما يصيب الناسُ. قال: فبينما هما في ذلك جاء عليُّ بنُ أبي طالب فوقفَ عليهما، فذكرا له ذلك، فقال عليٌّ: لا تفعلا؛ فواللَّه ما هو بفاعلٍ، فانتحاه (*) ربيعةُ بنُ الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نَفَاسةً (¬3) منك علينا، فواللَّه لقد نِلتَ صهرَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فما نَفِسْنَاه عليك، قال عليٌّ: أرسِلُوهما، فانطلَقَا، واضطجع عليٌّ -رضي اللَّه عنه-. قال: فلما صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الظهرَ سَبَقاه إلى الحُجرة، فقمْنَا عندها حتى جاء، فأخذ بآذاننا ثم قال: "أخرجا ما تُصَرِّرانِ". ثم دخل ودخلْنَا عليه، وهو يومَئذٍ عند زينبَ بنتِ جحش، قال: فتَواكلْنَا الكلامَ، ثم تكلَّم أحدُنا فقال: يا رسولَ اللَّه! أنت أبرُّ الناسِ وأوصلُ الناسِ، وقد بلغْنَا النكاحَ، فجئنا لتُؤمِّرَنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدِّيَ إليك ما يؤدِّي الناسُ، ونُصيبَ كما يُصيبون. قال: فسكت طويلًا حتى ¬

_ (*) "لامه". (¬1) أي: حرام. (¬2) رواه مسلم (1044). (¬3) أي: حسدًا.

أردْنَا أن نكلِّمَه، قال: وجعلَتْ زينبُ تُلمعُ (¬1) إلينا من وراء الحجاب: أن لا تكلِّمَاه. قال: ثم قال: "إن الصدقةَ لا تنبغي لآل محمَّدٍ؛ إنما هي أوساخُ الناس، ادعيَا (¬2) لي مَحْمِيَةَ -وكان على الخُمس- ونوفلَ بنَ الحارث بن عبد المطلب، فجاءاه، فقال لِمَحْمِيَةَ: أَنكِحْ هذا الغلامَ ابنتَك -للفضل بن العباس-، فأَنكحَه، وقال لنوفل بن الحارث: أَنكِحْ هذا الغلامَ ابنتَك لي، فأَنكحَني، فقال لِمَحْمِيَةَ: أَصدِقْ عنهما من الخُمس كذا وكذا" (*). قال الزُّهري: ولم يُسمِّه لي. أخرجه مسلم (¬3). وفي رواية: فقال له: "إن هذه الصدقةَ لا تحلُّ لنا؛ إنما هي أوساخُ القوم، وإنها لا تَحِلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّدٍ" (¬4). 501 - وعن رافع بن خَدِيج -رضي اللَّه عنه- قال: أَعطَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا سفيانَ بنَ حربٍ، وصفوانَ بنَ أميةَ، وعُيَينةَ بنَ حصنٍ (**)، والأقرعَ بنَ حابسٍ، كلَّ إنسانٍ منهم مئةً من الإبل، وأَعطَى عباسَ بنَ مِرداسٍ دونَ ذلك، فقال ¬

_ (*) ثم قال لنا: "إن هذه الصدقاتِ إنما هي أوساخُ الناس، وإنها لا تحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّدٍ". كذا في مسلم. (**) وسقط "عُيينة بن حصن". (¬1) ويقال: ألمع ولمع: إذا أشار بثوبه أو بيده. (¬2) جاء على الهامش: "ادع"، وفوقه إشارة (خ). وفي الهامش أيضًا: "الصواب: ادعُوا، وكذا هو في الأصول". (¬3) رواه مسلم (1072). (¬4) رواه مسلم (1072).

عباس بن مِرداس: أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العُبَيدِ ... بَيْنَ عُيَينَةَ وَالأَقْرَعِ فَمَا كَانَ بَدْرٌ ولا حَابِسٌ ... يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي المَجْمَعِ وما كُنْتُ دُونَ امرِئٍ مِنْهُمَا ... ومَنْ تَخْفِضِ اليومَ لا يُرْفَعِ قال: فأَتَمَّ له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مئةً. أخرجه مسلم (¬1). والعُبَيد مُصغَّرًا: اسم فرس عباس. 502 - وعن جُبَير بن مُطعِم -رضي اللَّه عنه- قال: مشيتُ أنا وعثمانُ (*) فقال: يا رسولَ اللَّه! أَعطيتَ لبني المطلب وتركتَنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلةٍ واحدةٍ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما أَرى بني هاشم وبني المطلب شيئًا واحدًا". ¬

_ (*) قال البُخاري في "الصحيح": حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، ثنا الليث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن ابن المُسيِّب، عن جُبَير بن مُطعِم قال: مشيتُ أنا وعثمانُ بنُ عفانَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت: يا رسولَ اللَّه! أَعطيتَ بني المطلب وتركتَنا، ونحن وهم منك بمنزلةٍ واحدةٍ. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيءٌ واحدٌ". قال الليث: حدثني يونس وزاد جُبَير: ولم يَقسِمِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لبني عبد شمسٍ ولا لبني نوفلٍ. وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم والمطلب إخوةٌ لأمٍّ، وأمُّهم عاتكةُ بنتُ مرةَ، وكان نوفلُ أخاهم لأبيهم. (¬1) رواه مسلم (1060).

أخرجه البُخاري (¬1)، ويُروَى: (سي) بالسين المهملة. 503 - وعن أبي رافع -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمَّر رجلًا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحَبْني كيما تُصيبَ منها، فقال: لا، حتى آتِيَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأسألَه، فانطلَقَ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألَه، فقال: "إن الصدقةَ لا تحلُّ لنا، وإن موالِيَ القوم من أنفسهم". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه، وأبو داود والنَّسائي (¬2). وفي رواية: "مَولَى القوم من أنفسهم" (¬3). 504 - وعن سهل بن أبي حَثْمَة -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَدَاه بمئةٍ من إبل الصدقة. يعني: ديةَ الأنصاري الذي قُتل بخيبرَ. أخرجه أبو داود مختصرًا هكذا (¬4)، وأخرجوه كلُّهم في القصة المشهورة مختصرًا ومطولًا. 505 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوفَى -رضي اللَّه عنهما- قال: كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: "اللهم صلِّ على آلِ فلانٍ"، وأتاه أبي بصدقته، فقال: "اللهم صلِّ على آلِ أبي أَوفَى". أخرجوه إلا التِّرْمِذي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2971). (¬2) رواه الترمذي (657)، وأبو داود (1650)، والنسائي (2612). (¬3) رواه أبو داود (1650). (¬4) رواه أبو داود (1638). (¬5) رواه البخاري (1426)، ومسلم (1078)، وأبو داود (1590)، والنسائي (2459)، وابن ماجه (1796).

فصل

506 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رجل: يا نبيَّ اللَّه! إن أبي قد مات ولم يحجَّ، أفأَحجُّ عنه؟ فقال: "أرأيتَ لو كان على أبيك دَينٌ، أكنتَ قاضيَه؟ " قال: نعم، قال: "فدَينُ اللَّه أحقُّ". أخرجه النَّسائي (*) (¬1). * * * فصل 507 - عن حمزة بن عبد اللَّه، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تزال المسألةُ بأحدِكم حتى يَلقَى اللَّهَ تعالى وليس في وجهه مُزْعةُ (¬2) لحمٍ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬3). 508 - وعن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُعطي عمرَ بنَ الخطاب العَطاءَ، فيقول له عمر: أعطِه يا رسولَ اللَّه أفقرَ إليه مني، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذْه فتَموَّلْه، أو تصدَّقْ به، وما جاءك من هذا المال وأنتَ غيرُ مُشرْفٍ (¬4) ولا سائلٍ فخُذْه، وما لا، فلا تُتبِعْه ¬

_ (*) إسناده صحيح. (¬1) رواه النسائي (2639). (¬2) أي: قطعة. (¬3) رواه البخاري (1405)، ومسلم (1040). (¬4) أي: طامع.

نفسَك". قال سالم: فمِن أجلِ ذلك كان ابنُ عمرَ لا يسأل أحدًا شيئًا، ولا يردُّ شيئًا أُعطيَه. أخرجه مسلم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1045)، وكذا البخاري (6744).

6 - باب صدقة التطوع

6 - باب صدقة التطوع 509 - عن يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير حدثه: أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كلُّ امرئٍ في ظلِّ صدقتِه حتى يُفصَلَ بين الناس"، أو قال: "حتى يُحكَمَ بين الناس". قال يزيد: وكان أبو الخير لا يُخطئه يومٌ لا يتصدَّق فيه بشيءٍ ولو كعكةٍ أو بَصَلةٍ. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (¬1). 510 - وعن أبي سعيد، وهو الخُدْري -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-قال: "أيُّما مسلمٍ كَسَا مسلمًا ثوبًا على عُرْيٍ كسَاه اللَّهُ من خُضْرِ الجنةِ، وأيُّما مسلمٍ أَطعمَ مسلمًا على جوعٍ أطعمَه اللَّهُ من ثمارِ الجنةِ، وأيُّما مسلمٍ سقَى مسلمًا على ظمأٍ سَقَاه اللَّهُ عز وجل من الرَّحيقِ المختومِ". أخرجه أبو داود من حديث أبي خالد، وهو الدَّالَاني، عن نبُيح (¬2)، وقد وَثَّقَ أبو حاتم أبا خالد، وسُئل أبو زُرعةَ عن نبُيح، فقال: هو كوفي ثقة. ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (1517). (¬2) رواه أبو داود (1682).

511 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سبعةٌ يُظلُّهم اللَّهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة اللَّه عز وجل، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد، ورجلانِ تحابَّا في اللَّه؛ اجتمَعَا عليه وتفرَّقَا عليه، ورجلٌ دعتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللَّهَ، ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلمَ شمالُه ما تُنفقُ يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خاليًا ففاضَتْ عيناه". لفظ رواية البُخاري (¬1). 512 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكون في رمضانَ حين يلقَاه جبريلُ، وكان يلقَاه في كل ليلةٍ من رمضانَ فيُدارسُه القرآنَ، فَلَرسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أجودُ بالخير من الريح المُرسلَة (¬2) ". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬3). 513 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وابدأ بِمَن تَعُولُ (¬4)، وخيرُ الصدقةِ عن ظهرِ غنًى، ومَنْ يَستعفِفْ يُعِفَّه اللَّهُ، ومَن يَستغْنِ يُغنِه اللَّهُ عز وجل". ¬

_ (¬1) رواه البخاري (629)، ومسلم (1031). (¬2) المراد: كالريح في إسراعها. (¬3) رواه البخاري (6)، ومسلم (2308). (¬4) أي: من يجب عليك نفقته من العيال والأقارب.

أخرجه البُخاري (*) (¬1). 514 - وعنه أنه قال: يا رسولَ اللَّه! أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: "جُهدُ المُقِلِّ، وابدأْ بِمَن تَعُولُ". أخرجه أبو داود، وقال الحاكم: على شرط مسلم (**) (¬2). وعند أبي داود من حديثه قال: أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصدقة، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللَّه! عندي دينارٌ، قال: "تصدَّقْ به على نفسك"، فقال: عندي آخرُ، قال: "تصدَّقْ به على ولدك"، قال: عندي آخرُ، قال: "تصدَّقْ به على زوجتك، أو: زوجك"، قال: عندي آخرُ، قال: "تصدَّقْ به على ¬

_ (*) هذا الحديث رواه البُخاري بهذا اللفظ من حديث حَكيم بن حِزام، ورواه أيضًا عن أبي هريرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا، ولم يذكرْ نصَّ أبي هريرةَ فيه، فالأجودُ ذكرُه مِن حديث حَكيم. (**) في إسناده يحيى بن جَعْدة، ولم يحتجَّ به مسلم، لكنه ثقةٌ. قال الإمام أحمد بن حنبل في "المسند": حدثنا حُجَين، ثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن يحيى بن جَعْدة، عن أبي هريرةَ قال: قالوا: يا رسولَ اللَّه! أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: "جُهدُ المُقِلِّ، وابدأْ بِمَن تَعُولُ"، يحيى بن جَعْدة وثَّقَه أبو حاتم والنَّسائي وابن حِبَّان. وقال البَيْهَقي: أنبأ أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ أحمد ابن إبراهيم، ثنا ابن بُكَير، ثنا الليث، عن أبي الزبير، عن يحيى بن جَعْدة، عن أبي هريرةَ: أنه قال: يا رسولَ اللَّه! أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: "جُهدُ المُقِلِّ، وابدأْ بِمَن تَعُولُ". (¬1) رواه البخاري (1360). ورواه البخاري (1361) من حديث حكيم بن حزام. (¬2) رواه أبو داود (1677)، والحاكم (1509).

خادمك"، قال: عندي آخرُ، قال: "أنت أبصرُ". أخرجه النَّسائي (*)، وصحَّحه الحاكم (¬1). 515 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: أمرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نتصدَّقَ، فوافقَ ذلك مالًا عندي، فقلت: اليومَ أَسبقُ أبا بكر إن سبقتُه يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أبقيتَ لأهلك؟ " فقلت: مثلَه، قال: وأتى أبو بكر بكلِّ ما عندَه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أبقيتَ لأهلك؟ "، قال: أبقيتُ لهم اللَّهَ ورسولَه. قلتُ: لا أُسابقُك إلى شيءٍ أبدًا. أخرجه أبو داود، والتِّرْمِذي وصحَّحه (¬2). 516 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تصدَّقَتِ المرأةُ من طعام زوجها غيرَ مُفسِدةٍ كان لها أجرُها، ولزوجها بما كسب، وللخازن مثلُ ذلك". أخرجه البُخاري (¬3). 517 - وعنده في حديثٍ لأبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: خرج رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أَضحَى أو فِطرٍ إلى المُصلَّى، وفيه: فلما سار إلى منزله جاءت زينبُ امرأةُ ابنِ مسعودٍ تستأذن عليه، فقالت: يا نبيَّ اللَّه! إنك أمرتَ اليومَ بالصدقة، وكان ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (1691)، والنسائي (2535)، والحاكم (1514). (¬2) رواه أبو دا ود (1678)، والترمذي (3675). (¬3) رواه البخاري (1370)، ومسلم (1024).

عندي حُلِيٌّ لي، فأردتُ أن أتصدَّقَ به، فزعم ابنُ مسعود أنه وولدَه أحقُّ مَن تصدَّقتُ به عليهم. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صدقَ ابنُ مسعود، زوجُكِ وولدُكِ أحقُّ مَن تصدَّقتِ به عليهم" (¬1). * * * ¬

(¬1) رواه البخاري (1393).

[4] كتاب الصيام

[4] كتاب الصيام

[4] كتاب الصيام 518 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا رأيتُم الهلالَ فصُومُوا، وإذا رأيتُمُوه فأفطِرُوا، فإن غُمَّ عليكم فصُومُوا ثلاثين يومًا". أخرجه مسلم (¬1). 519 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومَينِ، إلا رجلٌ كان يصوم صومًا فَلْيَصُمْه". متفق عليه، واللفظ له (¬2). 520 - وعن كُرَيب: أن أمَّ الفضل بنتَ الحارث بعثتْه إلى معاويةَ بالشام، قال: فقدمتُ الشامَ فقضيتُ حاجتَها، واستهلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشام، فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الجمعة، ثم قدمتُ المدينةَ في آخر الشهر، فسألَني عبد اللَّه بنُ عباس، ثم ذكرَ الهلالَ فقال: متى رأيتُم الهلالَ؟ فقلت: رأيناه ليلةَ الجمعة، فقال: أنتَ رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه الناسُ فصامُوا، ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1081). (¬2) رواه البخاري (1815)، ومسلم (1082).

وصام معاويةُ، فقال: لكنا رأيناه ليلةَ السبت، فلا نزالُ نصومُ حتى نُكملَ ثلاثين أو نَرَاه، فقلت: أَوَلَا تكتفي برؤيةِ معاويةَ وصيامِه؟ فقال: لا، هكذا أمرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه مسلم (¬1). 521 - وعن حسين بن الحارث الجَدَلي -جَدِيلة قيس- قال: إن أميرَ مكةَ خطبَنا، فنشدَ الناسَ فقال: مَن رأى الهلالَ ليوم كذا وكذا؟ ثم قال: عَهِدَ إلينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن ننَسُكَ، فإن لم نَرَه وشهدَ شاهدا عدلٍ نسَكْنَا بشهادتهما. قال: فسألتُ الحسينَ بنَ الحارث: مَن أميرُ مكةَ؟ قال: لا أدري، ثم لقيتُه بعدُ فقال: هو الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب. لفظ رواية الدَّارَقُطْني، وقال: هذا إسناد متصل صحيح، والحديث عند أبي داود (¬2). 522 - وعنده من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: تَرَاءَى (¬3) الناسُ الهلالَ، فأخبرتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أني رأيتُه، فصامَ وأمرَ الناسَ بصيامه (*) (¬4). * * * ¬

_ (*) رجاله احتج بهم مسلم، ثم رأيتُ الحاكمَ أخرجه وقال: على شرط مسلم. (¬1) رواه مسلم (1087). (¬2) رواه الدارقطني (2/ 167)، وأبو داود (2338). (¬3) أي: اجتمع الناس للرؤية. (¬4) رواه الدارقطني (2/ 156)، وأبو داود (2343).

فصل في شرط الصوم وأدبه

فصل في شرط الصوم وأدبه 523 - عن ابن عمر، عن حفصةَ -رضي اللَّه عنهم-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن لم يُبيِّتِ الصيامَ من الليل فلا صيامَ له". لفظ رواية النَّسائي، وهو عند الأربعة، وقال الدَّارَقُطْني: رفعَه عبد اللَّه بنُ أبي بكر، وهو من الثقات الرُّفَعاء (¬1). قلت: وهو حديث اختُلف على الزُّهري في إسنادِه ورفعِه (*)، وقال التِّرْمِذي: وقد رُوي عن نافع، عن ابن عمر قوله؛ وهو أصحُّ (**). 524 - وعن عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل عليَّ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ذاتَ يومٍ فقال: "هل عندَكم شيءٌ؟ " قلت: لا، قال: "فإني إذًا صائمٌ"، ثم أتانا يومًا آخرَ فقلت: يا رسولَ اللَّه! أُهدِيَ لنا حَيسٌ (¬2)، فقال: "أَدنِيه، فلقد أصبحتُ صائمًا"، فأكلَ. ¬

_ (*) كذا قال البيهقي. (**) عن عبد اللَّه بن عبَّاد، عن المُفضَّل بن فَضَالة، حدثنى يحيى بن أيوب، عن يحيى ابن سعيد الأنصاري، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زُرَارة، عن عائشةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن لم يُبيِّتِ الصيامَ قبلَ طلوع الفجر فلا صيامَ له". قال الدَّارَقُطْني: تفرَّد به عبد اللَّه بن عباد، عن المُفضَّل بهذا الإسناد، وكلُّهم ثقاتٌ، وقد تكلَّم ابن حِبَّان في هذا الحديث لأجل عبد اللَّه. (¬1) رواه أبو داود (2454)، وا لنسائي (2331)، والترمذي (730)، والدارقطني (2/ 172). (¬2) هو التمر مع السمن والأقط.

أخرجه مسلم من حديث طلحة بن يحيى، وقد اختُلف عليه في إسناده (¬1). 525 - وعن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- قال: تسحَّرْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم بين الأذان والسَّحور؟ قال: قَدْرُ خمسين آيةً. لفظ البُخاري (¬2). 526 - وعن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يزال الناسُ بخيرٍ ما عجَّلُوا الفِطرَ". متفق عليه (¬3). 527 - وعن سلمان بن عامر الضَّبِّي (*) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "إذا أفطرَ أحدُكم فَلْيُفطِرْ على تمرٍ، فإن لم يجدْ فَلْيُفطِرْ على ماءٍ؛ فإنه طَهورٌ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (**) (¬4). 528 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الوِصَالِ، قالوا: إنك تُواصل، قال: (إني لستُ مثلَكم؛ إني أُطعَم وأُسقَى) (¬5). ¬

_ (*) ليس في الصحابة ضَبِّيٌّ غيرُه. (**) والحاكم وقال: على شرط البُخاري. (¬1) رواه مسلم (1154). (¬2) رواه البخاري (1821)، ومسلم (1097). (¬3) رواه البخاري (1856)، ومسلم (1098). (¬4) رواه الترمذي (695). (¬5) رواه البخاري (1861)، ومسلم (1102).

529 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أنه سمع النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تُواصلوا، فأيَّكم أراد أن يُواصلَ فَلْيُواصِلْ إلى السَّحَر"، الحديث. وهما عند البُخاري (¬1). 530 - وفي حديث أنس عند مسلم: "أَمَا واللَّه لو تَمَادَى (¬2) الشهرُ لَواصلتُ وِصالًا يَدع المُتعمِّقون تعمُّقَهم" (*) (¬3). 531 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به فليس للَّه حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشرابَه". أخرجه البُخاري (¬4). 532 - وعن زيد بن خالد الجُهَني -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجرِه؛ غيرَ أنه لا يَنقصُ من أجر الصائم شيئًا". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (**) (¬5). 533 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقبِّل ويُباشِرُ وهو صائمٌ، وكان أملَكَكُم لإِرْبِه (¬6). ¬

_ (*) يعني: لأجله. (**) ورواه أيضًا الإِمام أحمد وابن ماجه والنَّسائي وأبو حاتم البُسْتي. (¬1) رواه البخاري (1862). (¬2) أي: مُدَّ. (¬3) رواه مسلم (1104)، وكذا البخاري (6814). (¬4) رواه البخاري (1804). (¬5) رواه الترمذي (807)، وابن ماجه (1746). (¬6) أي: لنفسه عن الوقوع في الشهوة.

أخرجه البُخاري (¬1). وعند مسلم: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقبِّل في رمضانَ وهو صائمٌ (¬2). 534 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: أولُ ما كرهتُ الحِجامةَ للصائم أن جعفرَ بنَ أبي طالب احتَجمَ وهو صائمٌ، فمرَّ به النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "أفطرَ هذانِ"، ثم رخَّص النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدُ في الحِجَامة للصائم، وكان أنسٌ يحتجم وهو صائمٌ. أخرجه الدَّارَقُطْني وقال: كلُّهم ثقاتٌ، ولا أعلم له علَّةً (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1826). (¬2) رواه مسلم (1106). (¬3) رواه الدارقطني (2/ 182). (¬4) جاء على الهامش بخط الشيخ محمد بن إسماعيل. . . ما نصه: قال: ثنا أبو القاسم عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز، ثنا عثمان بن أبي شَيبة، ثنا خالد بن مَخلَد القَطَواني، ثنا عبد اللَّه بن المثنى، عن ثابت البُنَاني، عن أنس -رضي اللَّه عنه-، فذكرَه، وأخرجه أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد الحافظ الضياء في كتاب "المختارة" له من جهته، وهؤلاء ثقات. أما الدَّارقُطْني أولًا: فهو الحافظ العَلَم المشهور، قال الذَّهَبي: هو كالبُخاري، ودونَه في الإتقان، وإن تأخَّر عنهم في الزمان. وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: أحسنُ الناس كلامًا على حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليُّ بنُ المَديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، وعليُّ بنُ عمرَ الدَّارَقُطْني في زمانه، تُوفِّي سنةَ خمسٍ وثمانين وثلاثِ مئةٍ وله ثمانون سنةً، منسوبٌ إلى دار القُطْن، مَحلَّةٌ ببغداد. وأما شيخُه أبو القاسم البَغَوي سِبْطُ أحمد بن مَنِيع: فهو العَلَم المشهور، سمع ابني شَيبةَ وأحمدَ وابنَ المَديني ويحيى وخلفَ بنَ هشام وجدَّه أحمدَ وخلق، وانفرد عن سبعةٍ وثمانين شيخًا. =

. . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال الحافظ إسماعيل بن كثير في حوادث سنة سبعَ عشرةَ ومئتَين: وكان ثقةً حافظًا، رَوى عنه الحُفَّاظ، وله مصنفاتٌ. قال موسى بن هارون الحافظ: كان ابنُ مَنِيع ثقةً صدوقًا، قيل: إن هاهنا ناسًا يتكلَّمُون فيه، فقال: يحسدونه، ابنُ مَنِيع لا يقول إلا الحقَّ. وقال ابن أبي حاتم وغيره: يدخل في الصحيح، وذكره ابن عدي في "كامله" وتكلم فيه، وقال: حدَّث بأشياء أُنكرت عليه، وكان معه طرفٌ من معرفة الحديث والتصانيف، وقد انتُدب ابنُ الجَوزي للرد على ابن عدي في هذا الكلام، وذكر أنه تُوفي ليلةَ عيد الفِطر من هذه السَّنة، وقد استَكمل مئةَ سنةً وثلاثَ سنين وشهورًا، وهو مع ذلك صحيحُ السمعِ صحيحُ البصرِ والأسنانِ، يَطَأُ الإماءَ، وكانت وفاته ببغداد. وقال الحافظ أبو عبد اللَّه الذَّهَبي في "المغني": أبو القاسم البَغَوي عبد اللَّه بن محمد ثقةٌ تُكلم فيه بلا حُجَّةٍ. ولَعمري! إن التحاملَ لائحٌ على كلام ابن عدي ومناكده معروفٌ، ولا شكَّ في حفظ أبي أحمد وتقدُّمه، ولكنَّ الكلامَ في الحافظ أبي القاسم كالكلام في البُخاري وابن المَديني وحَمَّاد بن مسلَمة وعلقمة وغيرهم ممن اتفق العالمون على حفظه وتقدُّمه، وكقول ابن حزم في "مُحلَّاه" في التِّرْمِذي: ومَن محمد بن عيسى بن سَورة؟! وكلُّ ذلك -وللَّه الحمد- لا يَهضِمُ من قَدر المُتكلَّم فيه؛ بل هو زَلَّةٌ من المُتكلِّم، فاعلمْ ذلك، فإن هؤلاء هم نُزُك الإِسلام. وأما عثمانُ بنُ أبي شَيبة: فهو الحافظ المشهور، وهو أكبرُ سِنًا من أخيه أبي بكرٍ صاحبِ المُصنَّف، وهما شيخا الشيخَينِ، أَثنَى عليه أحمد، وقال ابن مَعين: ثقةٌ أمينٌ، وسُئل ابنُ نُمَير عنه، فقال: سبحانَ اللَّه! إنما يُسأل هو عنَّا؛ وقال أبو حاتم: صَدُوقٌ، أخرج له (ح)، (م)، (د)، (ق)، (س)، وتُوفِّي سنةَ تسعٍ وثلاثين ومئتَين، وأخوه عبد اللَّه أخرج له الجماعةُ إلا التِّرْمِذي. قال أحمد: هو أحبُّ إليَّ من أخيه عثمان، وقال يحيى بن مَعين: عثمانُ أحبَّ =

. . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إليَّ منه، والظاهر ما قاله أحمد؛ فإنه كان من الحفظ بالمحل الأرفع، وتُوفِّي سنةَ خمسٍ وثلاثين. وأما خالدُ بنُ مَخلَد القَطَواني البَجَلي: [فـ] أخرج له الجماعةُ إلا أبا داود؛ فإنه لم يخرج عنه في "السُّنَن"، وأخرج عنه في (كد)، ويكفيه أنه مُحتجٌّ به في "الصحيحين"، وغايته أنه كان يتشيَّع؛ فله رأيُه ولنا حديثُه، وقَطَوانِيٌّ: لقبٌ، وقيل: نسبة إلى موضع بالكوفة، تُوفِّي سنةَ ثلاثَ عشرةَ ومئتَين. وأما عبد اللَّه بنُ المثنى بن عبد اللَّه بن أنس: فهو والد محمد الأنصاري الحافظ المشهور، أخرج له (ح)، (ت)، (ق)، وقد تكلَّم فيه المَوصلي والعُقَيلي قبلَه، وأنكر عليه حديثًا أخرجه (ح)، وهو (كان قيسٌ بمنزلة صاحب الشُّرطة من الأمير)، وهذا القَدْح لا عبرةَ به؛ فإنه مُوثق، وقد احتج به (خ). وأما ثابتُ بنُ أسلمَ البُنَاني: فهو السيد المشهور، وأورده ابن عدي في "الكامل"، وعاب عليه ذلك الحُفَّاظُ. وذكرَ الحافظ أبو عبد اللَّه بن عبد الهادي كاتبُ هذه النسخة أن السببَ في ذلك هو أن يحيى القطَّان قال: عجبتُ من أيوبَ؛ يَدَعُ ثابتًا لا يكتب عنه، وهذا تعنُّتٌ زائدٌ. وأما أنس: فهو خادمُ رسولِ اللَّه وآخرُ الصحابةِ موتًا بالبصرة -رضي اللَّه عنه-. فانظرْ إلى نظافة هذا السند، ولا تلتفتْ إلى من أعلَّه بالقَدح في البَجَلي وعبد اللَّه بن المثنى؛ فقد تقدَمتْ حالُهما، وقد قال الإِمام عليٌّ: لا أعلم له علةً كما تقدَّم، وهو الإِمام الحافظ المُسلَّم إليه فيما يقول. وقد تَمَحَّلُوا للجواب عن هذا الحديث، وليس لهم جوابٌ يسكن إليه القلبُ، وأنهى ما عندهم أنهم لا يسلمون النَّسْح، بل يقولون: إن حديثَهم ناسخٌ، ويُردفون ذلك بأن جعفرًا قُتلَ في مؤتة، وهي قبلَ الفتح، و"أفطرَ الحاجمُ والمحجومُ" قاله -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ الفتح، وعلموا من أنفسهم أن هذا لا شيءَ، ولا مُخلصَ لهم بعد ثبوت الحديث؛ =

535 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن ذَرَعَه (¬1) القَيءُ فليس عليه قضاءٌ، ومَن استَقَاءَ فَلْيَقضِ". أخرجه الأربعة، وهذا لفظ التِّرْمِذي، ثم قال: حسن غريب، ثم قال: ولا أراه محفوظًا (¬2). قلت: رواته ثقات (*)، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما (**). ¬

_ (*) في نسخة: "رواية ثقة". (**) ظاهر قوله: (ولا أراه محفوظًا) أنه من كلام التِّرْمِذي، وليس كذلك؛ بل هو من قول البُخاري، وقد رَوى هذا الحديثَ أبو داود عن مُسدَّد، عن عيسى بن يونس، عن هشام بن حسان، عن ابن سِيرين، عن أبي هريرةَ، ورواه التِّرْمِذي عن علي = = فإن قولَه بعد ذلك ناسخٌ قطعًا، وليس فيه أنه قبلَ الفتح، وقد حرَّرتُ الكلامَ في هذا الفصل، وذكرُ الأدلة من الجانبَين في موضع آخر. وقال أبو الفرج بن الجَوزي في المختصر الذي له في "الناسخ والمنسوخ"، وهو مختصر لطيف مشهور، لمَّا ذكرَ أن حديثَ الفِطر بالحجامة منسوخٌ بهذا وبغيره، ثم تكلَّم في ردِّ ذلك وقال: فلو صحَّ حديثُ البَجَلي كان صريحًا في النسخ، غيرَ أن خالدًا طعن فيه أحمدُ وقال: له أحاديثُ مناكير، هذا معنى كلامه، ولم يتعلق إلا بالطعن في خالد، وهو غيرُ مُخلَّصٍ له كما تقدَّم، ويَعضُدُه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص في الحجامة للصائم، رواه أبو سعيد الخدري، وأخرجه النَّسائي، والدَّارَقُطْني وقال: كلُّهم ثقات، والبَيْهَقي، وابن حزم وصحَّحه واحتج به، والحافظ الضياء في "المختارة" ولا يسع هذا المقام بشكل أكثر من هذا، واللَّه أعلم. وكتبه محمد بن إسماعيل. . . ". (¬1) أي: غلبه وسبقه في الخروج. (¬2) رواه أبو داود (2380)، والنسائي (3130)، والترمذي (720)، وابن ماجه (1676)، والحاكم في "المستدرك" (1557).

536 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن نسيَ، وهو صائمٌ، فأكلَ أو شربَ فَلْيُتمَّ صومَه؛ فإنما أَطعمَه اللَّهُ وسَقَاه". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). وعند الحاكم: "مَن أكل (*) في رمضانَ ناسيًا فلا قضاءَ عليه ولا كفَّارةَ". ¬

_ = ابن حُجْر، عن عيسى بن يونس، وقال: حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام إلا من حديث عيسى، وقال محمد: لا أراه محفوظًا. ورواه النَّسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بإسناده، نحوه، وعن محمد ابن حاتم، عن حبَّان، عن عبد اللَّه، عن الأَوزاعي، عن عطاء، عن أبي هريرة. قوله: وعن محمد، عن حبَّان، عن عبد اللَّه، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، في معناه قوله. ورواه ابن ماجه عن عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازي، عن الحكم بن موسى، عن عيسى بن يونس، وعن عبيد اللَّه، عن علي بن الحسن بن سليمان أبي الشَّعثاء، عن حفص بن غياث، جميعًا عن هشام، عن ابن الزبير، عن ابن سِيرين به. وقال البَيْهَقي: تفرَّد به هشام بن حسان القُرْدُوسي، وقد أخرجه أبو داود في "السُّنَن"، وبعضُ الحُفَّاظ لا يراه محفوظًا. قال أبو داود: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول: ليس من ذا شيءٌ. وقد رُوي من وجهٍ آخرَ ضعيفٍ عن أبي هريرةَ مرفوعًا، وروي عن أبي هريرة أنه قال في القَيء: لا يُفطر، ورُوي في ذلك عن عليٍّ من قوله. وقال أبو يَعلَى المَوصلي في "مسنده": حدثنا أبو مَعمَر إسماعيل بن إبراهيم، ثنا حفص بن غياث، عن عبد اللَّه بن سعيد، عن جدِّه، عن أبي هريرةَ قال: قال: رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن ذرعَه القَيءُ فلا قضاءَ عليه، ومَن استَقَاءَ فعليه القضاءُ". هذا إسناد ضعيف. (*) "أفطر": هذا في الحاكم والبَيْهَقي. (¬1) رواه البخاري (1831)، ومسلم (1155).

فصل في مبيح الفطر وموجبه

وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (*) (¬1). * * * فصل في مُبِيح الفِطر ومُوجِبه 537 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج إلى مكةَ في رمضانَ، فصام حتى بلغَ الكَديدَ (¬2)، ثم أَفطرَ، وأَفطرَ الناسُ. أخرجه البُخاري (¬3). 538 - وفي حديث لجابرٍ في روايةٍ عند مسلمٍ: فقيل له: إن الناسَ قد شَقَّ عليهم الصيامُ، وإنما يَنظرون فيما فعلتَ، فدعا بقَدَحٍ من ماءٍ بعدَ العصر (¬4). 539 - وعن أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نُسافر مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رمضانَ؛ فما يُعاب على الصائم صومُه، ولا على المُفطِر إفطارُه. أخرجه مسلم (¬5). ¬

_ (*) وهو من رواية محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرة. قال البَيْهَقي: وهو مما تفرَّد به الأنصاري عن محمد بن عمرو، وكلُّهم ثقاتٌ. (¬1) رواه الحاكم (1569). (¬2) عين جارية بينها وبين المدينة سبع مراحل، وبينها وبين مكة قريب من مرحلتين. (¬3) رواه البخاري (1842)، ومسلم (1113). (¬4) رواه مسلم (1114). (¬5) رواه مسلم (1116).

540 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: رُخِّص للشيخ الكبير أن يُفطرَ ويُطعمَ عن كل يوم مسكينًا, ولا قضاءَ عليه. أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط البُخاري (¬1). 541 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: هلَكتُ يا رسولَ اللَّه! قال: "وما أَهلَكَك؟ "، قال: وقعتُ على امرأتي في رمضانَ، فقال: "هل تجدُ ما تُعتق رقبةً؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصومَ شهرَينِ متتابعَينِ؟ "، قال: لا، قال: "فهل تجدُ ما تُطْعِمُ ستين مسكينًا؟ ", قال: لا، قال: ثم جلس، فأُتِي النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعَرَقٍ (¬2) فيه تمرٌ، فقال: "تصدَّقْ بهذا"، فقال: على أفقرَ مني يا رسولَ اللَّه؟ فما بين لابتَيها (¬3) أهلُ بيتٍ أحوجُ إليه منا. فضحك النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: "اذهبْ فأطعِمْه أهلَك". أخرجوه أجمعون، واللفظ لمسلم (¬4). وفي رواية: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ رجلًا أفطرَ في رمضانَ أن يُعتقَ رقبةً، أو يصومَ شهرَينِ، أو يُطعمَ ستين مسكينًا (¬5). وقد ورد الأمرُ بالقضاء في رواية إبراهيم بن سعد عن الليث، وتابعه أبو أُويس ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (1607). (¬2) هو الزنبيل، ويقال له المكتل. (¬3) هما الحرَّتان، والمدينة بين حرتين، والحرَّة: الأرض الملبَّسة حجارة سوداء. (¬4) رواه البخاري (1835)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2390)، والنسائي (3114)، والترمذي (724)، وابن ماجه (1671). (¬5) رواه مسلم (1111).

عن الزُّهري، وهما عند البَيْهَقي (*) (¬1). 542 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليُّه". متفق عليه (**)، واللفظ للبُخاري (¬2). ¬

_ (*) قال البَيْهَقي: أنبأ أبو عبد اللَّه الحافظ، أنبأ أبو الوليد الفقيه، ثنا جعفر بن أحمد بن نصر، ثنا أبو مروان، ثنا إبراهيم بن سعد قال: وأخبرني الليث بن سعد، عن الزُّهري، عن حميد، عن أبي هريرةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: "اقضِ يومًا مكانَه". وكذلك رُوي عن عبد العزيز الدَّرَاوَرْدِي، عن إبراهيم بن سعد، وإبراهيم سمع الحديثَ عن الزُّهري ولم يذكر عنه هذه اللفظةَ، فذكرها عن الليث بن سعد، عن الزُّهري. ورواها أيضًا أبو أُويس المَدَني عن الزُّهري، أخبرناه محمد بن عبد اللَّه الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ الحسن بن علي بن زياد، ثنا ابن أبي أُويس، حدثني أبي: أن محمد بن مسلم بن شهاب أخبره، عن حميد بن عبد الرحمن: أن أبا هريرةَ حدثه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ الذي يُفطر يومًا في رمضانَ أن يصومَ يومًا مكانَه. ورواه أيضًا عبد الجبار بن عمر الأَيْلِي، عن الزُّهري، وليس بالقوي. وروي من رواية الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب. قال شيخنا أبو الحجاج: الظاهر أن هذه صحيحةٌ لتعدّدِ طرقها، وكان شيخُنا ابنُ تيميةَ يُضعِّفُها، واللَّه أعلم. (**) قال المؤلف في "شرح العمدة" في حديث عائشة: ليس هذا الحديثُ مما اتفق عليه الشيخانِ؛ وذلك سهوٌ. (¬1) رواه البيهقي (4/ 226). (¬2) رواه البخاري (1851)، ومسلم (1147).

فصل في قيام رمضان

فصل في قيام رمضان 543 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه". قال ابن شهاب: فتُوفِّي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمرُ على ذلك، ثم كان الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر. لفظ البُخاري (*) (¬1). 544 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج ليلةً من جوف الليل، فصلَّى في المسجد وصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناسُ فتحدثوا، فاجتمع أكثرُ منهم، فصلَّى فصلَّوا معه، فأصبح الناسُ فتحدثوا، فكَثُرُ أهلُ المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلَّى فصلَّوا بصلاته، فلما كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجرُ أَقبلَ على الناس، ثم تشهَّد فقال: "أمَّا بعدُ: فإنه لم يَخْفَ عليَّ مكانُكم، ولكني خشيتُ أن تُفرَض (**) عليكم فتَعجزوا عنها". فتُوفِّي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والأمرُ على ذلك. لفظ البُخاري (¬2). ¬

_ (*) وهو في الجملة عند الجماعة كلِّهم. (**) "تُفتَرض"، "م". (¬1) رواه البخاري (1905)، ومسلم (759). (¬2) رواه البخاري (1908).

فصل في صوم التطوع

545 - وعنها قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخل العَشرُ شدَّ مِئزَرَه، وأَحيَا ليلَه، وأَيقظَ أهلَه. متفق عليه (¬1). * * * فصل في صوم التطوع 546 - عن أبي أيوبَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن صام رمضانَ، وأَتبعَه سِتًّا من شوَّالٍ كان كصيام الدهر" (¬2). 547 - وعن أبي قَتادةَ الأنصاري -رضي اللَّه عنه- في حديث: وسُئل -يعني: النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "يُكفِّر السَّنةَ الماضيةَ والباقيةَ"، قال: وسُئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: "يُكفِّر السَّنةَ الماضيةَ"، وفيه: وسُئل عن صوم يوم الإثنين؟ فقال: "ذاك يومٌ وُلدتُ فيه، ويومٌ بُعثتُ، أو: أُنزل عليَّ فيه" (¬3). وكلُّها عند مسلم. 548 - وعنده في حديث لابن عباس: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإذا كان العامُ المُقبِلُ -إن شاء اللَّه- صمْنَا اليومَ التاسعَ". قال: فلم يأتِ العامُ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1920)، ومسلم (1174). (¬2) رواه مسلم (1164). (¬3) رواه مسلم (1162).

المُقبِلُ حتى تُوفِّيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬1). 549 - وعن أمِّ الفضل بنت الحارث: أن ناسًا اختلفوا عندَها يومَ عرفة في صوم النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال بعضهم: هو صائمٌ، وقال بعضهم: ليس بصائمٍ، فأرسلَتْ إليه بقَدَح لبنٍ، وهو واقفٌ على بعيره، فشربَه. متفق عليه (¬2). 550 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن صام يومًا في سبيل اللَّه باعَدَ اللَّهُ وجهَه عن النار سبعين خريفًا". أخرجه مسلم (*) (¬3). 551 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لم يكن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في شهرٍ من السَّنة أكثرَ صيامًا منه في شعبانَ، وكان يقول: "خُذُوا من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن اللَّه لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا". وكان يقول: "أحبُّ العملِ إلى اللَّهِ تعالى ما داوَمَ صاحبُه عليه، وإن قَلَّ". وهو كالذي قبلَه (¬4). وعنده في حديث: "لا صامَ مَن صامَ الأبَدَ، لا صامَ مَن صامَ الأبَدَ" (¬5). ¬

_ (*) ورواه البُخاري أيضًا. (¬1) رواه مسلم (1134). (¬2) رواه البخاري (1578)، ومسلم (1123). (¬3) رواه مسلم (1153)، وكذا البخاري (2685). (¬4) رواه البخاري (43)، ومسلم (782). (¬5) رواه البخاري (1876)، ومسلم (1159)، من حديث عبد اللَّه بن عمرو.

فصل في الأيام المنهي عن صومها

552 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تصومُ المرأةُ، وزوجُها شاهدٌ، يومًا من غير رمضانَ إلا بإذنه" (*) (¬1). 553 - وعنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعامٍ، وهو صائمٌ، فَلْيَقلْ: إني صائمٌ" (¬2) (**). * * * فصل في الأيام المَنهي عن صومها 554 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن صيام يومَينِ: يومِ الأضحى، ويومِ الفِطرِ (¬3). 555 - وعن نُبَيشَةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشربٍ" (¬4). أخرجهما مسلم. ¬

_ (*) أخرجوه إلا النَّسائي، واللفظ لأبي داود. (**) أخرجه مسلم وأبو داود والتِّرْمِذي. (¬1) رواه البخاري (4899)، ومسلم (1026)، وأبو داود (2458)، والترمذي (782)، وابن ماجه (1761). (¬2) رواه مسلم (1150). (¬3) رواه مسلم (1138). (¬4) رواه مسلم (1141).

556 - وروى الزُّهري، عن عروةَ، عن عائشةَ، وعن سالم، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهم- قالا: لم يُرخَّصْ في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لِمَن لم يَجِدِ الهَدْيَ. أخرجه البُخاري (¬1). 557 - وعند مسلم عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تختصُّوا ليلةَ الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تختصُّوا يومَ الجمعة بصيامٍ من بين الأيام؛ إلا أن يكونَ في صومٍ يصومه أحدُكم" (¬2). 558 - وعند التِّرْمِذي من حديثه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا انتَصفَ شعبانُ فلا تَصُومُوا". صحَّحه بعد تخريجه (¬3). 559 - وعند الأربعة عن صِلَةَ بنِ زُفَرَ قال: كنا عند عمار بن ياسر، فأُتي بشاةٍ مَصْلِيَّةٍ، فقال: كُلُوا، فتنحَّى بعضُ القوم فقال: إني صائمٌ، فقال عمار: مَن صام اليومَ الذي يُشَكُّ فيه فقد عصَى أبا القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم-. اللفظ للتِّرْمِذي (*) (¬4). 560 - وعن عبد اللَّه بن بُسْر السُّلَمي، عن أخته الصَّمَّاء: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (*) وصحَّحه، ورجاله احتج بهم مسلم. (¬1) رواه البخاري (1894). (¬2) رواه مسلم (1144). (¬3) رواه الترمذي (738)، وكذا أبو داود (2337). (¬4) رواه أبو داود (2334)، والنسائي (2188)، والترمذي (686)، وابن ماجه (1645).

قال: "لا تَصُومُوا يومَ السَّبت إلا فيما افتُرض عليكم، فإن لم يجد أحدُكم إلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أو عودَ شجرةٍ فَلْيَمْضَغْها". أخرجه أبو داود (*)، وقال الحاكم واللفظ له: صحيح على شرط البُخاري ولم يخرجاه، وله مُعارِضٌ بإسناد صحيح (**) (¬1). * * * ¬

_ (*) اختُلف في إسناده اختلافًا كثيرًا، وقال أبو داود: هذا الحديثُ منسوخٌ، وحُكي عن مالك أنه قال: هذا كذبٌ، وعن الزُّهري نحوه. وروى الليثُ عن الزُّهري: أنه كان إذا ذُكر له نهي عن صيام يوم السبت قال: هذا حديثٌ حِمْصِيٌّ. (**) قوله: (وله مُعارِض بإسناد صحيح) هو مِن قول الحاكم. ورُوي من طريق ابن المبارك: أنبأ عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه: أن كُرَيبًا أخبره: أن ابن عباس وناسًا من الصحابة بعثوني إلى أمِّ سَلَمة أسالُها عن أيِّ الأيامِ كان رسولُ اللَّه أكثرَ لها صيامًا؟ فقالت: يومَ السَّبت والأحد، فأخبرتُهم، فقاموا بأجمعهم إليها وذكروا لها ما أخبرتُهم، فقالت: صدقَ؛ إن رسولَ اللَّه أكثرُ ما كان يصوم يومُ السَّبت والأحد، وكان يقول: "إنهما يوما عيدٍ للمشركين، وأنا أريد أن أُخالفَهم". وليس هذا بِمُعارضِ لحديث ابن بُسْر؛ لأن المكروهَ هو إفرادُ يوم السَّبت بالصوم، مع أن هذا الحديثَ مُنكَرٌ، بل المعارضة ظاهرة لمن علَّل الصومَ بكونه عيدًا للمشركين، وهذا يحصل مع الإفراد. (¬1) رواه أبو داود (2421)، والحاكم (1592).

فصل في الاعتكاف

فصل في الاعتكاف 561 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتَكفَ العَشرَ الأواخرَ من رمضانَ حتى تَوفَّاه اللَّهُ عز وجل، ثم اعتكف أزواجُه من بعده (¬1). 562 - وعنها قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أراد أن يَعتكفَ صلَّى الفجرَ ثم دخل مُعتكَفَه. الحديث (¬2). وهما عند مسلم. 563 - وعنها قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اعتَكفَ يُدنِي إلَيَّ رأسَه فأُرجِّلُه، وكان لا يدخل البيتَ إلا لحاجة الإنسان. رواه مالك في "الموطأ" (*) (¬3). 564 - وعنها أنها قالت: السُّنَّةُ على المُعتكِف أن لا يَعودَ مريضًا، ولا يَشهدَ جنازةَ، ولا يَمَسَّ امرأةً ولا يُباشِرَها, ولا يخرجَ لحاجةِ؛ إلَّا إلى ما لابدَّ له منه، ولا اعتكافَ إلا بصومٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جامعٍ. أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزُّهري (¬4). ¬

_ (*) وهو متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (1922)، ومسلم (1172). (¬2) رواه مسلم (1172). (¬3) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (1/ 312)، والبخاري (1925)، ومسلم (297). (¬4) رواه أبو داود (2473).

فصل في ليلة القدر

وهو عند الليث، عن عُقيل، عنه، بزيادة في أوله قبل قولها: (والسُّنَّةُ)، وفيه: (والسُّنَّةُ فيمَن اعتكفَ أن يَصومَ)، فزعم بعضهم أنه مِن قول بعض الرواة (¬1). * * * فصل في ليلة القَدْر 565 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "التَمِسُوها في العَشر الأواخر من رمضانَ، ليلةُ القَدْر في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى". أخرجه البُخاري (¬2). 566 - وعنده في حديث لأبي سعيد الخُدْري: "وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ، وقد رأيتُني في صبيحتها أَسجدُ في ماءٍ وطينٍ"، فاستهلَّتِ السماءُ تلك الليلةَ فأَمطرَتْ، فوَكَفَ المسجدُ في مُصلَّى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلةَ إحدى وعشرين، فبَصُرَتْ (*) عيني رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونظرتُ إليه انصرف من صلاة الصبح ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً. وهو متفق عليه (**) (¬3). ¬

_ (*) بَصُرَ: يتعدى بالباء، وأَبصَرَ: بنفسه. (**) وقال ابن خُزيمة في حديث أبي سعيد: هذا حديثٌ شريفٌ شريفٌ. (¬1) رواه البيهقي (4/ 315). (¬2) رواه البخاري (1917). (¬3) رواه البخاري (1914)، ومسلم (1167).

567 - وعند مسلم في حديث عبد اللَّه بن أُنيس -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أُريت ليلةَ القَدْرِ ثم أُنسيتُها، وأَراني صبيحتَها أَسجدُ في ماءٍ وطينٍ"، قال: فمُطِرْنا في ليلةِ ثلاثٍ وعشرين، فصلَّى بنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فانصرفَ وإن أثرَ الماء والطين على جبهته وأنفه (¬1). 568 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قلت: يا رسولَ اللَّه! أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةُ القَدْرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: "قُولِي: اللهم إنك عَفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عني". أخرجه التِّرْمِذي والنَّسائي وابن ماجه وصحَّحه التِّرْمِذي (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) حديث عائشة رواه أيضًا الإِمام أحمد، والحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط الشيخَين، وفي قوله نظرٌ؛ فإنه من رواية عبد اللَّه بن بُرَيدة، عن عائشةَ، ولم يسمع منها. (¬1) رواه مسلم (1168). (¬2) رواه الترمذي (3513)، والنسائي في "السنن الكبرى" (7712)، وابن ماجه (3850).

[5] كتاب الحج

[5] كتاب الحج

[5] كتاب الحج 569 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قلت: يا رسولَ اللَّه! على النساء جهادٌ؟ قال: "نعم، عليهن جهادٌ لا قتالَ فيه: الحَجّ والعُمرة". أخرجه ابن ماجه (*) (¬1). 570 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن العُمرة: أواجبةٌ هي؟ قال: "لا، وأن تَعتَمِر فهو أفضلُ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه، وفي رواية عنه: حسن (¬2). واعتُرض عليه بالكلام في الحجاجِ بنِ أرطاةَ رافعِه، وقد رُوي موقوفًا من قول جابر، وفي بعض ألفاظه: "وأن تَعتَمِر خيرٌ لك" (¬3). ¬

_ (*) إسناده على شرط البُخاري ومسلم. قال البُخاري: وقال ابن عمر: ليس أحدٌ إلا وعليه حَجَّةٌ وعُمْرةٌ، وقال ابن عباس: إنها لَقرينتُها في كتاب اللَّه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. (¬1) رواه ابن ماجه (2901). (¬2) رواه الترمذي (931). (¬3) رواه الدارقطني في "سننه" (2/ 285).

571 - وعن الفضل -رضي اللَّه عنه-: أن امرأةً من خَثْعَمَ قالت: يا رسولَ اللَّه! إن أبي شيخٌ كبيرٌ، عليه فريضةُ اللَّه في الحج، وهو لا يستطيع أن يستويَ على ظهر بعيره؟ فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فحُجِّي عنه". أخرجه مسلم (¬1). 572 - وعن عبد اللَّه بن بُرَيدة، عن أبيه قال: جاءتِ امرأةٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: إن أمِّي ماتتْ ولم تحجَّ، أفأَحُجُّ عنها؟ قال: "نعم، فحُجِّي عنها". أخرجه مسلم والتِّرْمِذي، واللفظ له (¬2). 573 - وعن ابن عباس كما قال: رفعَتِ امرأةٌ صبيًّا لها فقالت: يا رسولَ اللَّه! ألهذا حَجٌّ؟ فقال: "نعم، ولك أجرٌ". لفظ مسلم (¬3). 574 - وروى محمد بن مِنْهال، بسنده إلى ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، رفعَه، قال: "أيُّما صبِيٍّ حجَّ، ثم بلغَ الحِنْثَ فعليه أن يَحُجَّ حَجَّةً أخرى، وأيُّما أعرابِيٍّ حَجَّ، ثم هاجَرَ فعليه أن يَحُجَّ حَجَّةً أخرى، وأيُّما عبدٍ حَجَّ، ثم أُعتِقَ فعليه حَجَّةٌ أخرى". رواه غير محمد بن مِنْهال موقوفًا، ورواه الثَّوري عن الأعمش موقوفًا أيضًا؛ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1335). (¬2) رواه مسلم (1149)، والترمذي (667). (¬3) رواه مسلم (1336).

قيل: وهو الصواب (*) (¬1). 575 - وعن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه الفاقةَ (¬2)، ثم أتاه آخرُ فشكا إليه قَطْعَ السبيل، فقال: "يا عَديُّ! هل رأيتَ الحِيرةَ؟ " قلت: لم أَرَها، وقد أُنبئتُ عنها، قال: "فإن طالت بك حياةٌ لتريَنَّ الظَّعينةَ (¬3) ترتحل من الحِيرةِ حتى تطوفَ بالكعبة، لا تخافُ ¬

_ (*) قال الخطيب في "التاريخ": أنبأ الحسن بن أبي بكر، أنبأ محمد بن أحمد بن الحسن الصَّوَّاف، ثنا إبراهيم بن هاشم بن الحسين، ثنا محمد بن المِنْهال الضرير أبو عبد اللَّه وحارث بن سُرَيج النَّقَّال قالا: ثنا يزيد بن زُرَيع، ثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما صبِيٍّ حَجَّ، ثم بلغ الحِنْثَ فعليه أن يَحُجَّ حَجَّةً أخرى، وأيُّما أعرابِيٍّ حَجَّ، ثم هاجَرَ فعليه حَجَّةٌ أخرى، وأيُّما عبدٍ حَجَّ، ثم أُعتِقَ فعليه أن يحجَّ حَجَّةً أخرى". قال الخطيب: لم يرفعْه إلا يزيدُ بنُ زُرَيع، عن شعبة؛ وهو غريبٌ. وقد صحَّحه ابن حزم وزعم أنه منسوخٌ؛ والأظهر أنه موقوفٌ على ابن عباس. وقال ابن أبي شَيبة في "مُصنَّفه": ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظَبيان، عن ابن عباس قال: احفظوا عني، ولا تقولوا: قال ابن عباس؛ أيُّما عبدٍ حَجَّ به أهلُه، ثم أُعتِقَ فعليه الحَجُّ، وأيُّما صبِيٍّ حَجَّ به أهلُه صبيًّا، ثم أدركَ فعليه حَجَّةُ الرجل، وأيُّما أعرابِيٍّ حَجَّ أعرابيًّا، ثم هاجَرَ فعليه حَجَّةُ المهاجر. كذا رواه، وهو يحتمل الرفع، واللَّه أعلم. (¬1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 179). (¬2) أي: الحاجة والفقر. (¬3) أي: المرأة، وأصل الظعينة: الهودج الذي تكون فيه المرأة على البعير، فسميت المرأة به مجازًا.

أحدًا إلا اللَّه". قلتُ فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ (¬1) طيِّئٍ الذين سَعَّرُوا (*) البلادَ؟ الحديث. أخرجه البُخاري (¬2). وعند البَغَوي في "معجمه": "تُوشك الظَّعينةُ أن ترتحلَ من الحِيرةِ بغير جِوَارٍ حتى تطوفَ بالبيت". وقيل: سنده حسن. 576 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: لبَّيك عن شُبْرُمة، قال: "مَن شبْرُمةُ؟ " قال: أخٌ لي، أو: قريبٌ لي، قال: "حجَجتَ عن نفسك؟ " قال: لا، قال: "حُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شُبْرُمَةَ". أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث قتادة، عن عَزْرَة (¬3). وذكر ابن أبي حاتم عن عليِّ بن المَديني: عَزْرَة بن عبد الرحمن ثقةٌ رَوى عنه قتادة (¬4). ورأيتُ في "كتاب التمييز" عن النَّسائي: عَزْرَة الذي رَوى عنه قتادة ليس بذلك القوي (**). ¬

_ (*) يجوز فيه التخفيف والتشديد (¬5). (**) وقد احتج به النَّسائي في "سُنَنه"، ومسلم في "صحيحه"، ووثَّقه أيضًا ابنُ مَعين، والحديثُ مرفوعًا على شرط مسلم، وقد صحَّحه البَيْهَقي وغيره. وقال الأَثْرَم: قال أبو عبد اللَّه في هذا الحديث: رفعُه خطأٌ، وقال رواه عدةٌ موقوفًا على ابن عباس. (¬1) جمع داعر، وهو الشاطر الخبيث المفسد الفاسق، والمراد: قطاع الطريق. (¬2) رواه البخاري (3400). (¬3) رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903). (¬4) انظر: "الجرح والتعديل" (7/ 21). (¬5) والمراد: الذين أوقدوا نار الفتنة في البلاد.

قلت: وقد اختُلف في رفع الحديث، رواه غُنْدَر عن شعبة، فوقفه، ورُوي عن ابن عباس من وجهٍ آخرَ موقوفًا. 577 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل يومَ فتحِ مكةَ، وعليه عِمَامةٌ سوداءُ بغيرِ إحرامٍ. أخرجه مسلم والنَّسائي (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1358)، والنسائي (2869).

1 - باب المواقيت

1 - باب المَوَاقيت 578 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَّتَ لأهل المدينة ذا الحُلَيفة، ولأهل الشام الجُحْفَةَ، ولأهل نجد قَرْنَ المَنَازل، ولأهل اليمَن يَلَمْلَمَ، وقال: "هنَّ لهنَّ ولكلِّ آتٍ أتَى عليهنَّ من غيرهنَّ (*) ممن أراد الحَجَّ أو العُمرةَ، ومَن كان دون ذلك فمِن حيث أنشأ، حتى أهلُ مكةَ من مكةَ". متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬1). 579 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اعتَمَرَ عُمرتَينِ: عُمرةً في ذي القعدة، وعُمرةً في شوال. أخرجه أبو داود (**). 580 - وعن عطاء قال: سمعتُ ابنَ عباس يحدثنا قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لامرأةٍ من الأنصار -سَمَّاها ابنُ عباس، فنسيتُ اسمَها-: ¬

_ (*) (خ): غير أهلهن. (**) رجاله على شرط "الصحيحين" (¬2). (¬1) رواه البخاري (1452)، ومسلم (1181). (¬2) وقد رواه برقم (1991).

"ما منعَكِ أن تحجِّي معنا؟ " قالت: لم يكنْ لنا إلا ناضحانِ (¬1)، فحجَّ أبو ولدِها وابنُها على ناضحٍ، وتركَ لنا ناضحًا ننَضحُ عليه. قال: "فإذا جاء رمضانُ فاعتمِرِي؛ فان عُمرةً فيه تَعدِلُ حَجَّةً". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬2). * * * ¬

_ (¬1) الناضح: البعير الذي يستقى عليه. (¬2) رواه البخاري (1764)، ومسلم (1256).

2 - باب وجوه أداء النسكين

2 - باب وجوه أداء النُّسْكَينِ 581 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: مِنَّا مَن أهلَّ بالحجِّ مفردًا، ومِنَّا مَن قَرَنَ، ومِنَّا مَن تَمتَّعَ. أخرجه مسلم (¬1). 582 - وعن سالم بن عبد اللَّه: أن ابن عمر قال: تَمتَّعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعُمرةِ إلى الحجِّ وأَهدَى، فساقَ معه الهَدْيَ من ذي الحُلَيفة، وبدأ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأهلَّ بالعُمرةِ ثم أهل بالحجِّ، فتمتَّعَ الناسُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالعُمرةِ إلى الحجِّ، فكان مِن الناس مَن أَهدَى فساق معه الهَدْيَ، ومنهم مَن لم يُهدِ، فلما قدم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مكةَ قال للناس: "مَن كان منكم أَهدَى فإنه لا يحلُّ من شيءٍ حَرُمَ منه حتى يقضيَ حجَّه، ومَن لم يكنْ منكم أَهدَى فَلْيَطُفْ بالبيت وبالصَّفَا والمَروة ويُقصِّرْ وَلْيَحلِلْ، ثم لِيُهلَّ بالحجِّ، فمَن لم يجدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثلاثةَ أيامٍ في الحجِّ وسبعةً إذا رجع إلى أهله"، فطاف حين قدم مكةَ، واستلمَ الرُّكنَ أولَ شيءٍ ثم خَبَّ (¬2) ثلاثةَ أطوافٍ ومشَى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1211). (¬2) أي: أسرع.

أربعًا، وركع حين قضَى طوافَه بالبيت عند المَقام ركعتَينِ، ثم سلَّم، فانصرف فأتى الصَّفا فطاف بالصَّفا والمَروة سبعةَ أطوافٍ، ثم لم يَحلِلْ من شيءٍ حَرُمَ منه حتى قضَى حجَّه، ونَحَرَ هَدْيَه يومَ النحر، وأفاضَ فطاف بالبيت، ثم حلَّ مِن كلِّ شيءٍ حَرُمَ منه، وفعلَ مثلَ ما فعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَن أَهدَى وساق الهَدْيَ من الناس. لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1606)، ومسلم (1227).

3 - باب الإحرام وما يحرم فيه

3 - باب الإحرام وما يُحرَم فيه 583 - عن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قدمتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو مُنِيخٌ (¬1) بالبَطحاء، فقال لي: "حجَجتَ؟ " قلت: نعم، فقال: "بِمَ أَهلَلتَ؟ " قال: قلتُ: لبَّيك بإهلالٍ كإهلالِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "قد أحسَنتَ"، الحديث. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬2). 584 - وعن سالم بن عبد اللَّه: أنه سمع أباه يقول: بَيداؤُكم (¬3) هذه التي تَكذِبُون على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، ما أهلَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا مِن عند المسجد، يعني: ذا الحُلَيفة. وهو كالذي قبلَه (¬4). 585 - وعن خَلَّاد بن السائب الأنصاريِّ، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) أي: نازل. (¬2) رواه البخاري (1637)، ومسلم (1221). (¬3) هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة. (¬4) رواه البخاري (1637)، ومسلم (1186).

قال: "أتاني جبريلُ، فأمرَني أن آمُرَ أصحابي ومَن معي أن يَرفعُوا أصواتَهم بالتلبية، أو: بالإهلال" يريد أحدَهما. رواه مالك، ثم الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي (*) (¬1). 586 - وعن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه! ماذا تأمرُنا أن نلبَسَ من الثياب في الإحرام؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تلبَسُوا القُمصَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا العمائمَ، ولا البَرَانسَ؛ إلا أن يكونَ أحدٌ ليس له نعلانِ فَلْيَلبَسِ الخُفَّينِ، وَلْيَقطَعْ أسفلَ مِن الكعبَينِ، ولا تلبَسُوا شيئًا مسَّه زعفرانٌ ولا الوَرْسُ، ولا تَنتقِبُ المرأةُ المُحرِمةُ، ولا تلبَسُ القُفَّازَينِ". أخرجه البُخاري (¬2)، وفي بعض طرق حديث ابن عمر الصحيحة: "ولا الخِفَافَ" (¬3). ورواه أبو داود من حديث ابن إسحاق، قال: فإن نافعًا مولى ابن عمر حدثني عن عبد اللَّه بن عمر: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: نَهَى النساءَ في إحرامِهنَّ عن القُفَّازَينِ والنِّقابِ، وما مسَّ الوَرسُ أو الزَّعفرانُ من الثياب، وَلْتَلبَسْ بعدَ ذلك ما أحبَّتْ من ألوان الثياب مُعصفَرًا، أو خَزًّا، أو حُلِيًّا، أو ¬

_ (*) ورواه أبو حاتم البُسْتي، ورواه أيضًا من حديث يزيد بن خالد؛ وهو وَهْمٌ. (¬1) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (1/ 334)، وأبو داود (1814)، والنسائي (2753)، والترمذي (829)، وابن ماجه (2922). (¬2) رواه البخاري (1741). (¬3) رواه البخاري (1468)، ومسلم (1177).

سراويلَ، أو قميصًا، أو خِفَافًا". أخرجه الحاكم في "المستدرك" (*) (¬1). 587 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن لم يجدْ نعلَينِ فَلْيَلبَسْ خُفَّينِ، ومَن لم يجدْ إزارًا فلْيَلبَسْ سراويلَ" (**). 588 - وعن صفوان بن يَعلَى، عن أبيه -رضي اللَّه عنه- قال: أتى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلٌ وهو بالجِعْرَانة، وأنا عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعليه مُقطَّعاتٌ، يعني: جُبّةً، وهو مُتَضَمِّخٌ (¬2) بالخَلُوق (¬3)، فقال: إني أَحرَمتُ بعُمرةٍ وعليَّ هذا، وأنا مُتَضَمِّخٌ بالخَلُوق، فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كنتَ صانعًا في حجِّك؟ " قال: أنزع عني هذه الثيابَ، وأغسلُ عني هذا الخَلُوقَ، فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما كنتَ صانعًا فَي حجِّك فاصنَعْه في عُمرتك". لفظ مسلم (¬4). ¬

_ (*) قال الحافظ عبد الغني بن سعيد في كتاب "إيضاح الإشكال في الرواة": حدثنا أبو عمرو السَّمَرْقَنْدي، ثنا أبو أمية، ثنا محمد بن عمر، ثنا الوليد بن كثير، سمع الزُّهري، عن سالم، عن أبيه، عن صفيةَ بنتِ أبي عبيد، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص للمرأة أن تلبَسَ الخُفَّينِ ولا تَقطعْهما، وكان ابنُ عمرَ يَقطعُهما، قالت صفية: فلما أخبرتُه بهذا رجع إليه. محمد بن عمر هو الواقدي؛ وهو ضعيف. (**) أخرجه مسلم (¬5). (¬1) رواه أبو داود (1827)، والحاكم (1787). (¬2) أي: مكثر. (¬3) نوع من الطيب يجعل فيه الزعفران. (¬4) رواه مسلم (1180). (¬5) برقم (1179).

وفي رواية: كيف تَرى في رجلٍ أحرَم بعُمرةٍ في جُبّةٍ بعدَما تَضَمَّخَ بطِيبٍ؟ (¬1). وفي أخرى بلفظ آخر: "أما الطِّيبُ الذي بك فاغسِلْه ثلاثَ مراتٍ، وأما الجُبَّةُ فانزِعْها" (¬2). 589 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: كنتُ أُطيِّبُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لإحرامه قبلَ أن يُحرمَ، ولِحلِّه قبلَ أن يَطوفَ بالبيت. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬3). وفي رواية: كنتُ أُطيِّبُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم يطوفُ على نسائه، ثم يُصبحُ مُحرِمًا يَنضَحُ (*) طِيبًا (¬4). 590 - وروى مالك من حديث عثمان -رضي اللَّه عنه- في قصة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَنكِحُ المُحرِمُ، ولا يُنكِحُ، ولا يَخطِبُ" (**). 591 - وعن الصَّعْب بن جَثَّامة -رضي اللَّه عنه-: أنه أَهدَى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حمارًا وحشيًّا وهو بالأَبْوَاءِ، أو: بوَدَّانَ (¬5)، فردَّه عليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رأى ¬

_ (*) الرواية بالخاء. (**) أخرجه مسلم (¬6) (¬1) رواه البخاري (4700)، ومسلم (1180). (¬2) رواه البخاري (4074)، ومسلم (1180). (¬3) رواه البخاري (1465)، ومسلم (1189). (¬4) رواه البخاري (264)، ومسلم (1192). (¬5) الأبواء وودَّان: مكانان بين مكة والمدينة. (¬6) وهو برقم (1409).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما في وجهي قال: "إنا لم نَرُدَّه عليك إلَّا أنَّا حُرُمٌ". متفق عليه (¬1). 592 - وعن أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-: أنه كان مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلَّف مع أصحابٍ له مُحرِمين، وهو غيرُ مُحرِمٍ، فرأى حمارًا وحشيًّا فاستوى على فرسه، فسأل أصحابَه أن يُناوِلُوه سَوطَه، فأَبَوا، فسألهم رمحَه، فأَبَوا عليه، فأخذه، ثم شدَّ على الحمار فقتلَه، فأكل منه بعضُ أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبَى بعضُهم، فأدركوا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألوه عن ذلك، فقال: "إنما هي طُعمةٌ أَطعَمَكُمُوها اللَّه". لفظ مسلم (¬2). في رواية: "هل معكم من لحمه شيءٌ؟ " (¬3). وفي وجه آخر: "هل منكم أحدٌ أمرَه أو أشار إليه بشيءٍ؟ " (¬4). وفي رواية قال: "أشرتُم أو أعنتُم أو أصدتُم؟ " قال شعبة: لا أدري، قال: "أعنتُم أو أَصَدْتُم" (¬5) (*). ¬

_ (*) قال أبو نعيم في "المستخرج على مسلم": ثنا فاروق الخطابي وحبيب بن الحسن قالا: ثنا أبو مسلم، ثنا أبو عاصم النَّبِيل، عن ابن جُرَيج، عن الحسن بن مسلم، عن طاوس، قال: قدم زيد بن أرقم فسأله ابنُ عباس عن لحم طيرٍ أُهدِي إلى = (¬1) رواه البخاري (1729)، ومسلم (1193). (¬2) رواه البخاري (2757)، ومسلم (1196). (¬3) رواه البخاري (2757)، ومسلم (1196). (¬4) رواه مسلم (1196). (¬5) رواه مسلم (1196).

593 - وعن سالم، عن أبيه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "خمسٌ لا جُنَاحَ على مَن قتلَهنَّ في الحَرَمِ والإحرامِ: الفأرةُ، والغُرَابُ، والحِدَأةُ، والعقربُ، والكَلبُ العَقُورُ" (¬1). لفظ مسلم (¬2). 594 - وفي وجه آخر عن إحدى نسوة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه كان يأمرُ بقتلِ الكلبِ العَقُورِ، والفأرةِ، والعقربِ، والحُدَيَّا، والغرابِ، والحيَّةِ (¬3). 595 - وفي بعض طرق حديث عائشة: "والغرابِ الأَبقعِ (¬4) " (¬5). 596 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن حجَّ للَّه، فلم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ رجع كيومِ ولدَتْه أمُّه". متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬6). 597 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرة: أن ¬

_ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو محرم، فردَّه وقال: "إنَّا حُرُمٌ"، كذا فيه: (عن لحمِ طيرٍ)، وكأنه تصحيفٌ، ثم ساقه من طريق أبي يَعلَى، عن أبي خَيْثَمة، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جُرَيج، وفيه: (لحمِ صيدٍ)، وقال: رواه مسلم عن أبي خَيْثَمة. (¬1) قيل: هو الكلب المعروف، وقيل: كل مفترس من السباع يسمى كلبًا عقورًا. (¬2) رواه البخاري (1731)، ومسلم (1199). (¬3) رواه مسلم (1200). (¬4) وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض. (¬5) رواه مسلم (1198). (¬6) رواه البخاري (1449)، ومسلم (1350).

رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رآه، وإنه يسقط القَملُ على وجهه، فقال: "أيُؤذيك هَوَامُّك؟ " قال: نعم، فأمره أن يَحلقَ وهو بالحديبيَة، ولم يبيِّنْ لهم أنهم يُحلُّون بها، وهم على طمعٍ أن يدخلوا مكةَ، فأنزل اللَّهُ الفِديةَ، فأمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُطعِمَ فَرَقًا (¬1) بين ستةٍ، أو يُهديَ شاةً، أو يصومَ ثلاثةَ أيامٍ. لفظ رواية لمجاهد عنه عند البُخاري (¬2). وفي رواية: "أو انسُكْ ما تيسَّر" (¬3). وفي حديث عبد اللَّه بن مُغفَّل، عن كعب: "أو أَطعِمْ ستةَ مساكينَ، لكل مسكينٍ نصفُ صاعٍ" (¬4). 598 - وروى مالك من حديث (*) عبد اللَّه بن حُنيَن، عن أبيه: أن عبد اللَّه بنَ عباس والمِسْورَ بنَ مَخرَمةَ اختلفا بالأَبْوَاءِ، أو: بوَدَّانَ، فقال ابن عباس: يَغسلُ المُحرِمُ رأسَه، وقال المِسْورُ: لا يَغسلُ المُحرِمُ رأسَه، فأرسله ابنُ عباس إلى أبي أيوب الأنصاري، فوجده يغتسل بين القَرنيَنِ (¬5)، وهو يُستَر بثوبٍ. قال: فسلَّمتُ عليه، فقال: مَن هذا؟ فقلت: أنا عبد اللَّه بن حُنَين، ¬

_ (*) صوابه: (إبراهيم بن). (¬1) الفَرَق: ستة عشر رطلًا. (¬2) رواه البخاري (1722). (¬3) رواه مسلم (1201). (¬4) رواه البخاري (1721). (¬5) أي: جانبي البئر، وهما الدعامتان أو الخشبتان اللتان تمتد عليهما الخشبة التي تعلق فيها البكرة.

فصل

أرسلَني إليك عبد اللَّه بنُ عباس يسألك: كيف كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَغسل رأسَه وهو مُحرِمٌ؟ قال: فوضع أبو أيوب يدَه على الثوب، فطَأطَأه حتى بدا لي رأسُه، ثم قال لإنسانٍ يصبُّ عليه: اصبُبْ، فصبَّ على رأسه، ثم حرَّك رأسَه بيده؛ فأَقبَلَ بهما وأَدبَرَ، ثم قال: هكذا رأيتُه يفعل. وأخرجاه من حديث مالك (¬1). 599 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- احتَجم وهو مُحرِمٌ. لفظ رواية التِّرْمِذي (*)، وهو متفق عليه (¬2). * * * فصل 600 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: لما فتحَ اللَّهُ عز وجل على رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مكةَ قام في الناس، فحمدَ اللَّه وأثنَى عليه، ثم قال: "إن اللَّه تعالى حَبَسَ عن مكةَ الفِيلَ، وسلَّطَ عليها رسولَه والمؤمنين، وإنها لم تُحَلَّ لأحدٍ قبلي، وإنما أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهارٍ، وإنها لن تُحلَّ لأحدٍ بعدي، فلا يُنفَّرُ (¬3) صيدُها, ولا يُختلَى (¬4) شوكُها, ولا تَحِلُّ ساقطتُها إلا لِمُنشِدٍ (¬5)، ومَن قُتل ¬

_ (*) لا حاجة إلى قوله: لفظة رواية الترمذي. (¬1) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (1/ 323)، والبخاري (1743)، ومسلم (1205). (¬2) رواه البخاري (1836)، ومسلم (1202)، والترمذي (839). (¬3) وهو إزعاج الصيد وتنحيته عن موضعه. (¬4) أي: يُقطع. (¬5) أي: مُعرِّف للُّقطة.

له قتيلٌ فهو بخير النَّظَرَينِ؛ إما أن يُفدَى، وإما أن يَقتَلَ"، فقال العباس: إلا الإذْخِرَ (¬1) يا رسولَ اللَّه! فإنا نجعلُه في بيوتنا وقبورنا، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إلا الإذْخِرَ". فقام أبو شاهٍ، رجلٌ من أهل اليمَن، فقال: اكتبوا لي يا رسولَ اللَّه! فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اكتبوا لأبي شاهٍ". قال الوليد: فقلت للأَوزاعي: ما قولُه: اكتبوا لي يا رسولَ اللَّه؟ قال: هذه الخُطبةُ التي سمعَها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬2). 601 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن إبراهيمَ حرَّمَ مكةَ، واني حرَّمتُ المدينةَ ما بين لابتَيها, لا يُقطَع عِضَاهُهَا (¬3)، ولا يُصَادُ صيدُها" (¬4). 602 - وفي حديث عاصم الأحول: سألتُ أنسًا: أحرَّم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينةَ؟ قال: نعم، هي حرامٌ لا يُختلَى خلاها (¬5). 603 - وروى مالك عن أبي هريرةَ أنه قال: لو رأيتُ الظِّبَاءَ تَرتَعُ بالمدينة ما ذَعَرتُها، قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما بينَ لابتَيها حرامٌ" (¬6). ¬

_ (¬1) هو نبت معروف طيب الريح. (¬2) رواه البخاري (2302)، ومسلم (1355). (¬3) جمع عضاهة وعضيهة: كل شجر فيه شوك. (¬4) رواه مسلم (1362). (¬5) رواه مسلم (1366)، والخلا: هو الرطب من النبات. (¬6) رواه مسلم (1372).

604 - وفي حديث عليِّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينةُ حرمٌ ما بينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ (¬1) " (¬2). وكلُّ هذه في "صحيح مسلم". 605 - وفيه عن عامر بن سعد: أن سعدًا رَكِبَ إلى قصرِه بالعَقِيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا، أو: يَخْبِطُه (¬3)، فسلبَه، فلما رجع سعدٌ جاءه أهلُ العبد، فكلَّمُوه أن يَردَّ على غلامهم، أو: عليهم ما أَخذَ من غلامهم، فقال: معاذَ اللَّه! أن أردَّ شيئًا نفَّلِنِيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأبَى أن يردَّ عليهم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) وهما جبلان. (¬2) رواه البخاري (3001)، ومسلم (1370). (¬3) أي: يضربه أو يرميه بحجر. (¬4) رواه مسلم (1364).

4 - باب صفة الحج

4 - باب صفة الحَجِّ 606 - عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: دخلتُ على جابر بن عبد اللَّه، فسأل عن القوم حتى انتهى إلَيَّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوَى بيده إلى رأسي، فنزع زرِّي الأعلى، ثم نزع زرِّي الأسفلَ، ثم وضع كفَّه بين ثدييَّ وأنا يومَئذٍ غلامٌ شابٌّ، فقال: مرحبًا بك يا ابنَ أخي، سَلْ عما شئتَ، فسألتُه وهو أعمى. وحضر وقتُ الصلاة، فقام في ساجَةٍ (¬1) مُلتحِفًا بها، كلَّما وضعَها على منكبَيه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤُه إلى جنبه على المِشْجَب (¬2)، فصلَّى بنا، فقلت: أخبِرْني عن حَجَّةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال بيده، فعقد تسعًا، فقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكث تسعَ سنين لم يحجَّ، ثم أذَّنَ في الناس في العاشرة: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حاجٌّ، فقدم المدينةَ بشرٌ كثيرٌ، كلُّهم يلتمس أن يأتَمَّ برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويعمل مثلَ عمله، فخرجْنَا معه حتى أتيْنَا ذا الحُلَيفة، فولدَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيس محمدَ بنَ أبي بكر، فأرسلَتْ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كيف أصنع؟ قال: "اغتسِلِي، واستَثفِرِي (¬3) ¬

_ (¬1) ثوب كالطيلسان وشبهه. (¬2) أعواد يوضع عليها الثياب ومتاع البيت. (¬3) أي: أمسكي موضع الدم عن السيلان بثوب ونحوه.

بثوبٍ وأَحرِمِي"، فصلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القَصوَاءَ، حتى إذا استوَتْ به ناقتُه على البَيداء نظرتُ إلى مدِّ بصري بين يدَيه مِن راكبٍ وماشٍ، وعن يمينه مثلُ ذلك، وعن يساره مثلُ ذلك، ومِن خلفِه مثلُ ذلك، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أظهُرِنا وعليه يُنْزَلُ القرآنُ، وهو يَعرف تأويلَه، وما عمل من شيءٍ عملْنَا به، فأهلَّ بالتوحيد: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والمُلكَ، لا شريكَ لك". وأهلَّ الناسُ بهذا الذي يُهلُّون به اليومَ، فلم يردَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم شيئًا منه. ولزم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلبيتَه. قال جابر: لسْنَا ننَوي إلا الحجَّ، لسْنَا نَعرفُ العُمرةَ، حتى إذا أتيْنا البيتَ معه استلمَ الرُّكنَ، فرَمَلَ ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم نَفَذَ إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فجعل المَقامَ بينَه وبينَ البيت، فكان أبي يقول -ولا أعلمُه ذكرَه إلا عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: كان يقرأ في الركعتَينِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، ثم رجع إلى الرُّكنِ فاستلمَه، ثم خرج من الباب إلى الصَّفا، فلما دنا من الصَّفا قرأ: " {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، أبدأُ بما بدأ اللَّهُ به"، فبدأ بالصَّفا، فرَقَى عليه حتى رأى البيتَ، فاستَقبلَ القِبْلةَ، فوحَّد اللَّهَ وكبَّرَه وقال: "لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيءً قديرٌ، لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه، أَنجزَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَها، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاثَ مراتٍ، ثم نزل إلى المَروة حتى انصبَّت قدماه (¬1) في بطن الوادي، حتى إذا صعدتا مشى، حتى ¬

_ (¬1) أي: انحدرتا بسهولة.

إذا أتى المَروةَ ففعل على المَروة كما فعل على الصَّفا، حتى إذا كان آخرُ طوافٍ على المَروة قال: "لو أني استَقبلتُ من أمري ما استَدبَرتُ لم أَسُقِ الهَدْيَ وجعلتُها عُمرةً، فمَن كان منكم ليس معه هَدْي فَلْيَحلَّ وَلْيَجعَلْها عُمرةً". فقام سُرَاقةُ بنُ جُعْشُم فقال: يا رسولَ اللَّه! ألِعامِنا هذا أم لأبد؟ فشبَّك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصابعَه واحدةً في الأخرى وقال: "دَخَلَتِ العُمرةُ في الحجِّ -مرتَين- لا، بل لأبدِ الأبدِ"، وقدم عليٌّ من اليمَن ببُدنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد فاطمةَ -رضي اللَّه عنها- ممن حلَّ، ولبسَتْ ثيابًا صبيغًا واكتحلَتْ، فأنكرَ ذلك عليها، فقالت: أبي أمرَني بهذا، قال: فكان عليٌّ يقول بالعراق: فذهبتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُحرِّشًا على فاطمةَ للذي صنعَتْ، مستفتيًا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما ذكرَتْ عنه، فأخبرتُه أني أنكرتُ ذلك عليها، فقال: "صدقَتْ، صدقَتْ، ماذا قلتَ حين فَرَضتَ الحَجَّ؟ " قال: قلتُ: اللهم إني أُهلُّ بما أَهلَّ به رسولُك -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "فإنَّ معي الهَدْيَ فلا تَحلَّ". قال: وكان جماعةُ الهَدْي الذي قدم به عليٌّ من اليمَن، والذي أتى به النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مئةً. قال: فحلَّ الناسُ كلُّهم وقصَّرُوا إلا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ومَن كان معه هَدْيٌ. فلما كان يومُ التَّروية توجَّهُوا إلى مِنًى فأهلُّوا بالحجِّ، وركب رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فصلَّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعِشاءَ والفجرَ، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمسُ، وأمر بقُبّةٍ من شَعرٍ تَضْربُ له بنَمِرَةَ، فسار رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا تشكُّ قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المَشعَر الحرام كما كانت قريشٌ تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أتى عرفةَ، فوجد القُبَّةَ قد ضُربَتْ له بنَمِرَةَ، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمسُ أَمر بالقَصواء، فرُحِلَتْ له، فأتى بطنَ الوادي، فخطبَ الناسَ وقال: "إن دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحُرمةِ يومِكم

هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، ألا كلُّ شيءٍ من أمر الجاهلية تحتَ قدمي موضوعٌ، ودماءُ الجاهليةِ موضوعةٌ، وإن أولَ دمٍ أَضَعُ من دمائنا دمُ ابن ربيعةَ بنِ الحارث، كان مُسترضَعًا في بني سعد فقتلَته هُذَيل، ورِبَا الجاهليةِ موضوعةٌ، وأولُ رِبًا أضعُه رِبَا (¬1) عباسِ بنِ عبد المطلب؛ فإنه موضوعٌ كلُّه. فاتقوا اللَّهَ في النساء؛ فإنكم أخذتُمُوهنَّ بأمانةِ اللَّهِ عز وجل، واستَحلَلتُم فروجَهنَّ بكلمةِ اللَّهِ، ولكم عليهنَّ أن لا يُوطِئنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرهُونه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبُوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف. وقد تركتُ فيكم ما لن تضلُّوا بعدَه إن اعتصمتُم به: كتابُ اللَّه، وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ "، قالوا: نشَهَدُ أنك قد بلَّغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ، فقال بأصبعه السبَّابة يرفعُها إلى السماء ويَنكُبُها (¬2) إلى الناس: "اللهم اشهَدْ، اللهم اشهَدْ، ثلاثَ مراتٍ"، ثم أذَّن فأقامَ، فصلَّى الظهرَ، ثم أقام فصلَّى العصرَ، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا، ثم ركبَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى أتَى الموقفَ، فجعل بطنَ ناقته القَصواء إلى الصخرات، وجعل حبلَ المُشاة بين يدَيه، واستَقبلَ القِبْلةَ، فلم يزلْ واقفًا حتى غربَتِ الشمسُ، وذهبَتِ الصُّفرةُ قليلًا حتى غاب القرصُ، وأَردفَ أسامةَ خلفَه، ودفع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد شَنَقَ (¬3) للقَصواءِ الزِّمامَ، حتى إن رأسَها لَيُصيبُ مَورِكَ (¬4) رَحلِه، ويقول بيده اليمنى: "أيُّها الناسُ! السَّكينةَ، السَّكينةَ"، كلما ¬

_ (¬1) في الهامش: "ربانا"، وعليها علامة (خ). (¬2) أي: يميلها. (¬3) أي: ضيق وضمَّ. (¬4) أي: مقدَّم.

أتى حبلًا من الحبال (¬1) أرخَى لها قليلًا حتى تصعدَ، حتى أتى المُزدلِفةَ فصلَّى بها المغربَ والعِشاءَ بأذانٍ وإقامتَينِ، ولم يُسبِّحْ بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى طلع الفجرُ، فصلَّى الفجرَ حين تبيَّن له الصبحُ بأذانٍ وإقامةٍ، ثم ركب القَصواءَ حتى أتى المَشعَرَ الحرامَ، فاستَقبلَ القِبْلةَ فدعاه وكبَّرَه، وهلَّلَه ووحَّدَه، فلم يزلْ واقفا حتى أسفرَ (¬2) جدًا، فدفع قبلَ أن تطلعَ الشمسُ، وأردفَ الفضلَ بنَ عباس، وكان رجلًا حسنَ الشَّعر أبيضَ وسيمًا. فلما دفع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّتْ به ظُعنٌ (¬3) يَجرِينَ، فطفقَ الفضلُ يَنظر إليهنَّ، فوضع رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَه على وجهه، فحوَّل الفضلُ وجهَه إلى الشقِّ الآخرِ يَنظر، فحوَّل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَه من الشِّقِّ الآخرِ على وجه الفضل، فصَرَفَ وجهَه من الشِّقِّ الآخرِ يَنظر، حتى أتى بطنَ مُحسِّرٍ، فحرَّك قليلًا، ثم سلكَ الطريقَ الوسطى التي تَخرج على الجَمرة الكبرى, حتى أتى الجَمرةَ التي عند الشجرة، فرماها بسبعِ حَصَيَاتٍ، يُكبِّر مع كل حصاةٍ منها، بحصى الخَذْف (¬4)، رمَى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المَنْحَر، فنحرَ ثلاثًا وستين بَدنةً بيده، ثم أعطَى عليًّا فنحرَ ما غَبَرَ وشَرِكَه (¬5) في هَدْيه، ثم أمرَ من كل بدنةٍ ببَضْعَةٍ فجُعلَتْ في قِدْرٍ فطُبخَتْ، فأكلا من لحمها وشربا من مَرقِها، ثم ركب رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأفاضَ إلى البيت، فصلَّى بمكةَ الظهرَ، فأتى بني عبد ¬

_ (¬1) الحبل: التل اللطيف من الرمل، والحب الذي الرمال كالجب الذي الحجر. (¬2) أي: الفجر. (¬3) جمع ظعينة، وهي المرأة. (¬4) وهي نحو حبة الباقلاء. (¬5) في الهامش: "وأشركه"، وعليها علامة (خ).

المطلب على زمزم يَسقُون، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب؛ فلولا أن يَغلبَكم الناسُ على سقايتكم لَنَزعتُ معكم، فناوَلُوه دلْوًا فشربَ منه". أخرجه مسلم (¬1). وفي رواية: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "نَحرتُ هاهنا؛ ومِنًى كلُّها مَنحَرٌ، فانحروا في رِحالِكم، ووقفتُ هاهنا؛ وعرفةُ كلّها مَوقفٌ، ووقفتُ هاهنا؛ وجَمْعٌ كلُّها مَوقفٌ" (¬2). وفي رواية: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما قدمَ مكةَ أتى الحَجَرَ فاستَلمَه، ثم مشى على يمينه، فرَمَلَ ثلاثًا ومشَى أربعًا (¬3). 607 - وعن أبي ذَرٍّ عَنْهُ قال: كانت المُتعةُ في الحجِّ لأصحابِ محمَّدٍ خاصةً. أخرجه مسلم (¬4) 608 - وعن نافع: أن ابن عمر عَنْهُ كان لا يَقدَمُ مكةَ إلا بات بذي طَوًى حتى يُصبحَ ويغتسلَ، ثم يدخلُ مكةَ نهارًا، وَيذكرُ عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه فعلَه. أخرجوه إلا التِّرْمِذي، واللفظ لمسلم (¬5). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1218). (¬2) رواه مسلم (1218). (¬3) رواه مسلم (1218). (¬4) رواه مسلم (1224). (¬5) رواه البخاري (1680)، ومسلم (1259)، وأبو داود (1865)، والنسائي (2862).

وطَوى: بفتح الطاء هو الأصحُّ، ويقال بضمِّها (*)، ويقال بكسرها. 609 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا دخل مكةَ دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها. أخرجوه إلا ابن ماجه (¬1). 610 - وعن يعلَى، هو ابن أمية، -رضي اللَّه عنه- قال: طاف النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُضطبِعًا ببُردٍ أخضرَ. لفظ أبي داود، وأخرجه ابن ماجه، والتِّرْمِذي وصحَّحه، وليس عندهما: (أخضر) (¬2). 611 - وعند أبي داود عن ابن عباس: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اضطبعَ، فاستَلمَ وكبَّرَ (¬3). 612 - وعن أبي الطُّفَيل -رضي اللَّه عنه- قال: رأيتَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يطوفُ بالبيت على راحلته، يستلمُ الرُّكنَ بِمِحْجنِه (¬4)، ثم يُقبِّله. لفظ أبي داود، وأخرجه مسلم وابن ماجه (¬5). ¬

_ (*) قال شيخنا: المشهور الضم. (¬1) رواه البخاري (1502)، ومسلم (1258)، وأبو داود (1869)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4241)، والترمذي (853). (¬2) رواه أبو داود (1883)، والترمذي (859)، وابن ماجه (2954). (¬3) رواه أبو داود (1889). (¬4) المحجن: عصا معقَّفة الرأس. (¬5) رواه مسلم (1275)، وأبو داود (1879)، وابن ماجه (2949).

613 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه مكةَ، وقد وَهَنتهم حُمَّى يثرب، قال المشركون: إنه يَقدَمُ عليكم غدًا قومٌ قد وَهَنَتْهم (¬1) الحُمَّى، وَلَقَوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحِجْرَ، فأمرَهم النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَرمُلُوا ثلاثةَ أشواطٍ، ويمشوا ما بين الرُّكنَينِ ليُري المشركين جَلَدَهم، الحديث. أخرجه مسلم (¬2). 614 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما جُعل الطوافُ بالبيت وبينَ الصَّفا والمَروة ورميُ الجمار لاقامةِ ذِكرِ اللَّهِ". أخرجه أبو داود، والتِّرْمِذي وصحَّحه (¬3). 615 - وعن عابس بن ربيعة قال: رأيتُ عمرَ يُقبِّلُ الحَجَرَ ويقول: إني لأُقبِّلُك وأَعلمُ أنك حَجَرٌ، ولولا أني رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقبِّلُك لم أُقبِّلُك. متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬4). 616 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لم أَرَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَستلمُ غيرَ الرُّكنَينِ اليمانيَّينِ. أخرجوه (*) إلا التِّرْمِذي، واللفظ لمسلم (¬5). ¬

_ (*) لم يَروِه البخاري من حديث ابن عباس؛ إنما رواه من حديث ابن عمر. (¬1) أضعفتهم. (¬2) رواه مسلم (1266). (¬3) رواه أبو داود (1888)، والترمذي (902). (¬4) رواه البخاري (1520)، ومسلم (1270). (¬5) رواه مسلم (1269)، ورواه البخاري (1531)، وأبو داود (1874)، والنسائي (2949)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

617 - وعند مسلم من حديث جابر -رضي اللَّه عنه- قال: طاف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبيت في حَجَّةِ الوداع على راحلتِه، يَستلمُ الحَجَرَ بِمِحْجنِه لأَنْ يراه الناسُ، ولِيُشرفَ ويسألوه؛ فإن الناسَ غشُوه (¬1). 618 - وعنده في حديث عن عائشة -رضي اللَّه عنها-: على بعيره يَستلمُ الرُّكنَ، كراهيةَ أن يُضرَبَ الناسُ عنه (¬2). 619 - وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه قال: غدَوْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مِنًى إلى عرفاتٍ، مِنَّا المُلبّي ومِنَّا المُكبِّرُ (¬3). 620 - وفي حديث محمد بن أبي بكر قال: قلتُ لأنس بن مالك غداةَ عرفة: ما تقول في التلبية هذا اليومَ؟ قال: سِرتُ هذا المسيرَ مع النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابِه؛ فمِنَّا المُكبِّرُ، ومِنَا المُهلِّلُ (*)، فلا يَعيبُ أحدُنا على صاحبه. أخرجه مسلم (¬4). 621 - وعن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سُئل أسامةُ بنُ زيد وأنا جالسٌ: كيف كان يسيرُ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجَّةِ الوداع حين دفعَ؟ قال: كان يسيرُ العَنَقَ، فإذا وجد فَجْوةً نصَّ. قال هشام: والنصُّ فوقَ العَنَق. ¬

_ (*) كذا رأيته في "صحيح مسلم"، وينبغي أن يكونَ: المُهِلُّ، أي: المُلبِّي. (¬1) رواه مسلم (1273)، ومعنى (غشوه): ازدحموا عليه. (¬2) رواه مسلم (1274). (¬3) رواه مسلم (1284). (¬4) رواه مسلم (1285).

رواه مالك، وأخرجه البُخاري من حديثه (¬1). والعَنَق: سيرٌ سهلٌ في سرعةٍ ليس بالشديد، والنصُّ: التحريك حتى يَستخرجَ من الناقة أقصى سيرها. 622 - وعن عبد اللَّه، هو ابن مسعود، -رضي اللَّه عنه- قال: ما رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى صلاةً إلا لميقاتِها؛ إلا صلاتَينِ: صلاةَ المغربِ والعِشاءِ بِجَمْعٍ (¬2)، وصلَّى الفجرَ يومَئذٍ قبلَ ميقاتها (¬3). لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬4). 623 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كانت سَودةُ امرأةً ضخمةً ثَبْطَةً (¬5)، فاستأذنَتْ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُفيضَ من جَمْعٍ بليلٍ، فأَذِنَ لها، الحديث. لفظ مسلم (¬6). 624 - وعنده من حديث ابن عباس قال: بعثَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الثَّقَلِ (¬7)، أو قال: في الضَّعَفَةِ مِن جَمْعٍ بليلٍ (¬8). ¬

_ (¬1) رواه الإِمام مالك في "الموطأ" (1/ 392)، والبخاري (1583)، ورواه مسلم (1286) من غير طريق مالك. (¬2) أي: بمزدلفة. (¬3) أي: وقتها المعتاد، ولكن بعد تحقق طلوع الفجر. (¬4) رواه البخاري (1598)، ومسلم (1289). (¬5) أي: ثقيلة. (¬6) رواه مسلم (1290). (¬7) هو المتاع ونحوه. (¬8) رواه مسلم (1293).

وفي رواية ابن جُرَيج، أخبرني عطاء: أن ابن عباس قال: بعثَ بي نبيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بسَحَرٍ من جَمعٍ في ثَقَلِ نبيِّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلت: أبلغَك أن ابنَ عباس قال: بُعِثَ بي بليلٍ طويلٍ؟ قال: لا، إلا كذلك: بسَحَرٍ، قلت له: فقال ابن عباس: رمَيْنا الجَمرةَ قبلَ الفجرِ؟ وأين صلَّى الفجرَ؟ قال: لا، إلا كذلك (¬1). 625 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: أرسلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأمِّ سَلَمةَ ليلةَ النَّحر، فرَمَتِ الجَمرةَ قبلَ الفجر، ثم مَضَتْ فأفاضَتْ، وكان ذلك اليومُ اليومَ الذي يكون فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يعني: عندها. أخرجه أبو داود (*)، وقال البَيْهقي: هذا إسناد صحيح لا غبارَ عليه (¬2). 626 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقدِّم ضَعَفَةَ أهلِه بليلٍ ويأمرُهم، يعني: لا يرمون الجَمرةَ حتى تطلعَ الشمسُ. أخرجه أبو داود (**). 627 - وروى عامر، هو الشَّعبي، قال: أخبرني عروة بن مُضرِّس الطائي قال: أتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بالموقف، يعني: بِجَمْعٍ، قلت: ¬

_ (*) رواه أبو داود عن هارون بن عبد اللَّه، عن ابن أبي فُدَيك، عن الضحاك بن عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وهذا الإسناد على شرط مسلم، واللَّه أعلم. (**) ورجاله ثقات كلُّهم (¬3). (¬1) رواه مسلم (1294). (¬2) رواه أبو داود (1942)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 133). (¬3) وقد رواه أبو داود برقم (1941).

جئتُ يا رسولَ اللَّه من جَبَلَي طيِّئٍ، أَكْلَلتُ مَطيَّتي (¬1)، وأَتعبتُ نفسي، واللَّهِ ما تركتُ من حبلٍ إلا وقفتُ عليه، فهل في من حجٍّ؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أدركَ معنا هذه الصلاةَ، وأتى عرفات قبلَ ذلك -يعني: ليلًا أو نهارًا- فقد تَمَّ حجُّه، وقضَى تَفَثَه (¬2) ". أخرجه الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي (¬3). وقال الحاكم في كتاب "المدخل": وهذا حديث من أصول الشريعة، مقبولٌ متداولٌ بين فقهاء الفريقَينِ، ورواتُه كلُّهم ثقاتٌ، ولم يخرجه البُخاري ولا مسلم في "الصحيحين"، إذ ليس له راوٍ عن عروة بن مُضرِّس غيرُ الشَّعبي (¬4). والحَبْل بالحاء المهملة والباء الموحدة الساكنة: ما طال من الرمل وضخم، ويقال: الحِبَال دون الجِبَال. 628 - وروى عمرو بن ميمون قال: شهدتُ عمرَ -رضي اللَّه عنه- وصلَّى بِجَمْعٍ الصبحَ، ثم قال: إن المشركين كانوا لا يُفيضون حتى تطلعَ الشمسُ ويقولون: أَشرِقْ ثَبِيرُ، كان النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خالَفَهم، ثم أفاضَ قبل أن تطلعَ الشمسُ. أخرجه البُخاري (¬5). ¬

_ (¬1) أي: أتعبت دابتي. (¬2) أي: ما عليه من المناسك. (¬3) رواه أبو داود (1950)، والنسائي (3041)، والترمذي (891)، وابن ماجه (3016). (¬4) انظر: "المدخل إلى كتاب الإكليل" (ص: 37). (¬5) رواه البخاري (1600).

629 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: إن أسامةَ كان رِدْفَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من عرفةَ إلى المُزدلِفة، ثم أردفَ الفضلَ من المُزدلِفة إلى مِنًى، فكلاهما قال: لم يزلِ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُلبِّي حتى رمَى جَمرةَ العقبة. أخرجوه (*) أجمعون (¬1). 630 - وعن أبي الزبير: أنه سمع جابرًا يقول: رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يرمي على راحلته يومَ النحر ويقول: "لِتَأخذوا عني مَنَاسِكَكُم؛ فإني لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعدَ حجَّتي هذه" (**). 631 - وعنه: قال: رمَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الجَمرةَ يومَ النَّحر ضُحًى، وأما بعدُ فإذا زالتِ الشمسُ (¬2). 632 - وعن أمِّ الحُصَين قالت: حجَجتُ مع النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَجَّةَ الوداع، فرأيتُ أسامةَ وبلالًا وأحدُهما آخذٌ بِخِطامِ ناقةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والآخرُ رافعٌ ثوبَه يَسترُه من الحَرِّ، حتى رمَى جَمرةَ العقبة. أخرجهما مسلم (¬3). ¬

_ (*) رواه هكذا البُخاري. (**) رواه مسلم والنَّسائي (¬4) (¬1) رواه البخاري (1469)، ومسلم (1282)، وأبو داود (1815)، والنسائي (3080)، والترمذي (918)، وابن ماجه (3040). (¬2) رواه مسلم (1299). (¬3) رواه مسلم (1298). (¬4) وهو برقم (1297) عند مسلم، و (3062) عند النسائي.

633 - وعن عبد الرحمن بن يزيد: أنه حجَّ مع عبد اللَّه قال: فرمَى الجَمرةَ بسبعِ حَصَيَاتٍ، وجعل البيتَ عن يساره ومِنًى عن يمينه، وقال: هذا مقامُ الذي أُنزلت عليه سورةُ البقرة. لفظ مسلم (¬1). 634 - وعن سالم بن عبد اللَّه: أن عبد اللَّه بنَ عمرَ كان يرمي الجَمرةَ الدُّنيا بسبعِ حَصَيَاتٍ، يُكبِّر على إثرِ كلِّ حصاةٍ، ثم يتقدَّم فيُسهلُ، ويقوم مُستقبِلَ القِبْلةِ قيامًا طويلًا، فيدعو ويرفع يدَيه، ثم يرمي الجَمرةَ الوسطى كذلك، فياخذ ذاتَ الشمال، فيُسهِلُ (¬2) ويقوم مُستقبِلَ القِبْلة قيامًا طويلًا، فيدعو ويرفع يدَيه، ثم يرمي الجَمرةَ ذاتَ العقبة من بطن الوادي، ولا يقفُ عندَها، ويقول: هكدا رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعل (*). 635 - وعن زياد بن جُبَير قال: رأيتُ ابنَ عمرَ أتى على رجلٍ قد أناخ بدنتَه، فقال: ابعَثْها قيامًا مُقيَّدةً، سُنَّةَ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. متفق عليه (¬3). 636 - وعن نافع: أن عبد اللَّه قال: حَلَقَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحلَقَ طائفةٌ من أصحابه، وقصَّر بعضُهم، قال عبد اللَّه: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يَرحمُ ¬

_ (*) أخرجه البُخاري (¬4). (¬1) رواه البخاري (1662)، ومسلم (1296). (¬2) أي: يقصد السهل من الأرض. (¬3) رواه البخاري (167)، ومسلم (1320). (¬4) وهو برقم (1665).

اللَّهُ المُحلِّقين"، مرةً أو مرتَينِ، ثم قال: "والمُقصِّرين". متفق عليه (*) (¬1). 637 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-[قال]: وقف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على راحلته، فطفق ناسٌ يسألونه: فيقول القائل منهم: يا رسولَ اللَّه! إني لم اكن أَشعرُ أن الرميَ قبلَ النحر، فنَحرتُ قبلَ الرمي؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فارْمِ، ولا حرجَ"، قال: وطفق آخرُ يقول: إني لم أَشعرْ أن النحرَ قبلَ الحلق، فحَلَقتُ قبلَ أن أَنحرَ؟ فيقول: "انحر، ولا حرجَ"، قال: فما سمعتُه سُئِل عن أمر مما يَنسَى المرءُ أو يَجهلُ من تقديم بعض الأمور قبلَ بعضٍ وأشباهِها إلا قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "افعلوا ذلك ولا حرجَ". لفظ مسلم (¬2). وعنده من رواية محمد بن أبي حفصة، يسنده: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأتاه رجلٌ يومَ النحر، وهو واقفٌ عند الجَمرة، فقال: يا رسولَ اللَّه! إني حَلَقتُ قبلَ أن أرميَ؟ قال: "ارْمِ، ولا حرجَ". وفيه: وأتى آخرُ فقال: إني أَفضتُ إلى البيت قبلَ أن أَرميَ؟ قال: "ارْمِ، ولا حرجَ" (¬3). 638 - وعند البُخاري من حديث ابن عباس قال: سُئل النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: رَميتُ بعدَما أَمسيتُ؟ قال: "لا حرجَ" (¬4). 639 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن العباسَ بنَ عبد المطلب استأذن ¬

_ (*) واللفظ لمسلم. (¬1) وقد رواه البخاري (1640)، ومسلم (1301). (¬2) رواه البخاري (124)، ومسلم (1306). (¬3) رواه مسلم (1306). (¬4) رواه البخاري (1636).

رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَبيتَ بمكةَ لياليَ مِنَى من أجل سقايته، فأَذِنَ له. لفظ مسلم (¬1). وروى مالك من حديث أبي البَدَّاح بن عاصم بن عدي، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَرخصَ لرِعَاءِ الإبل في البَيتوتة بغير منًى، يَرمُون يومَ النَّحر، ويَرمُون الغدَ ومِن بعدِ الغدِ ليومَينِ، ثم يَرمُون يومَ النَّفر. أخرجه الأربعة من حديث مالك، وصحَّحه التِّرْمِذي (*) (¬2). 640 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبَ يومَ النَّحر، الحديث. أخرجه البُخاري (**) (¬3). 641 - وعن ابن أبي نَجِيح، عن أبيه، عن رجلَينِ من بني بكر قالا: رأينا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخطُبُ بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته. وهي خطبةُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التي خطبَ بمنًى. أخرجه أبو داود (...) (¬4). ¬

_ (*) رواه مالك عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن أبي البَدَّاح، ورواه سفيان بن عُيَينة، عن عبد اللَّه بن أبي بكر، فخالَفَ مالكًا في لفظه، وقد رواه الإمام أحمد وأصحاب السُّنَن من حديث مالك وسفيان، واللَّه أعلم. (**) إنما رواه البُخاري من حديث ابن عباس. (...) رجاله على شرط مسلم. (¬1) رواه البخاري (1553)، ومسلم (1315). (¬2) رواه أبو داود (1975)، والنسائي (3069)، والترمذي (955)، وابن ماجه (3037). (¬3) رواه البخاري (1652) من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. (¬4) رواه أبو داود (1952).

642 - وروى الحاكم من حديث سعيد، أو: ابن عباس: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَرمُلْ في السَّبع الذي أفاضَ فيه. وقال عطاء: لا رَمَلَ فيه. قال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه (*) (¬1). 643 - وعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه صلَّى الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعِشاءَ، ورقدَ رَقْدَةً (¬2) بالمُحصَّب، ثم ركب إلى البيت فطاف به. أخرجه البُخاري والنَّسائي (¬3). 644 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: ليس التحصيبُ بشيءٍ؛ إنما هو مَنزلٌ نزل به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (¬4). 645 - وعنه قال: أُمرَ الناسُ أن يكونَ آخرَ عهدهم بالبيت؛ إلا أنه ¬

_ (*) رواه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه من حديث ابن وهب، عن ابن جرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس. وقال الدَّارَقُطْني: تفرَّد به ابن وهب، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأرسلَه حجَّاج ورَوح وعثمان بن عمر وغيرهم، عن ابن جُرَيج، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (1746). ورواه أبو داود (2001)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4170)، وابن ماجه (3060) من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. (¬2) أي: نام نومة خفيفة. (¬3) رواه البخاري (1669)، والنسائي في "السنن الكبرى" (4204). (¬4) رواه البخاري (1677)، ومسلم (1312).

خُفِّفَ عن الحائض (¬1). متفق عليهما. 646 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أنها كانت تَحمل من ماء زمزم، وتُخبر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَحملُه. أخرجه التِّرْمِذي وقال فيه: حسن غريب، والحاكم وصحَّحه (¬2). 647 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "صلاةٌ في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجدَ الحرامَ". أخرجه مسلم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1668)، ومسلم (1328). (¬2) رواه الترمذي (963)، والحاكم في "المستدرك" (1783). (¬3) رواه مسلم (1395).

5 - باب الهدي

5 - باب الهَدْي 648 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عليَّ بنَ أبي طالب أخبره: أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَه أن يقومَ على بُدنه، وأمرَه أن يَقسمَ بُدنَه كلَّها لحومَها وجلودَها وجِلَالَها (¬1) في المساكين، ولا يُعطيَ في جزارتها منها شيئًا (¬2). وفي حديث: وأن لا يعطيَ الجَزَّارَ منها، قال: نحن نُعطيه من عندنا (¬3). 649 - وعن عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى الظهرَ بذي الحُلَيفة، ثم دعا ببَدنته فأَشعَرَها في صفحة سَنَامِها الأيمن، ثم سلَتَ (¬4) الدمَ عنها، ثم قلَّدَها بنعلَينِ (¬5). 650 - وعن أبي الزبير قال: سألتُ جابرًا عن ركوب الهَدْي؟ فقال: ¬

_ (¬1) جمع جل، وهو كثوب الإنسان، تغطى به الدابة ليقيها البرد ونحوه. (¬2) رواه البخاري (1630)، ومسلم (1317). (¬3) رواه مسلم (1317). (¬4) أي: مسح وأماط. (¬5) رواه مسلم (1243)، وأبو داود (1752).

سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اركبْها بالمعروف إذا أُلْجِئتَ إليها حتى تجدَ ظَهرًا (¬1) " (¬2). 651 - وعنه قال: خرجْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُهلِّين بالحجِّ، فأمرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نشَتركَ في الإبل والبقر: كلُّ سبعةٍ منا في بَدَنةٍ (¬3). أخرجهما مسلم. 652 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: فَتَلْتُ قلائدَ بُدنِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيديَّ، ثم قلَّدَها وأَشعَرَها وأَهدَاها، فما حَرُمَ عليه شيءٌ كان أُحلَّ له (¬4). 653 - وعنها قالت: أَهدَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرة إلى البيت غنمًا، فقلَّدَها (¬5). لفظ مسلم فيهما جميعًا. 654 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن ذُؤَيَبًا أبا قَبيصةَ حدَّثه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَبعثُ معه بالبُدن، ثم يقول: إنْ عَطِبَ منها شيءٌ، فخشيتَ عليه موتًا فانحرْها، واغمِسْ نعلَها في دمِها، ثم اضرِبْ صفحتَها، ولا تَطْعَمها أنت ولا أحدٌ من أهل رفقتك. أخرجه مسلم وابن ماجه (¬6). * * * ¬

_ (¬1) أي: مركوبًا آخر. (¬2) رواه مسلم (1324). (¬3) رواه مسلم (1213). (¬4) رواه البخاري (1609)، ومسلم (1321). (¬5) رواه مسلم (1321). (¬6) رواه مسلم (1325)، وابن ماجه (3105).

6 - باب الفوات والإحصار

6 - باب الفوات والإحصار 655 - عن سالم قال: كان ابن عمر يقول: أليس حسبُكم سُنَّةَ نبيِّكم؟ إنْ حُبسَ أحدُكم عن الحجِّ طافَ بالبيت وبالصَّفا والمَروة، ثم حلَّ من كل شيءٍ حَرُمَ منه، حتى يحجَّ عامًا قابلًا فيُهدِي، أو يصومُ إن لم يجدْ هَدْيًا (¬1). 656 - وعن المِسْور -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نحرَ قبلَ أن يَحلقَ، وأمرَ أصحابَه بذلك (¬2). أخرجهما البُخاري. 657 - وعن نافع: أن عبيد اللَّه بنَ عبد اللَّه وسالمَ بنَ عبد اللَّه أخبراه: أنهما كَلَّمَا عبد اللَّه بنَ عمر لياليَ نزلَ الجيشُ بابن الزبير، فقالا: لا يَضرُّك أن لا تحجَّ العامَ؛ فإنَّا نخافُ أن يُحالَ بينَك وبينَ البيت، فقال: خرجْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحَالَ كُفَّارُ قريشٍ دونَ البيت، فنحرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هَدْيه وحلقَ رأسَه، وأُشهدُكم أني أَوجبتُ عُمرةً إن شاء اللَّه، أَنطلقُ؛ فإنْ خُلِّيَ بيني ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1715). (¬2) رواه البخاري (1716).

وبين البيت طُفتُ، كان حِيلَ بيني وبينه فعلتُ كما فعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا معه، فأَهلَّ بالعُمرةِ من ذي الحُلَيفة، ثم سار ساعةً، ثم قال: ما شأنُهما إلا واحدٌ، أُشهدُكم أني قد أَوجبتُ حَجَّةً مع عُمرتي. فلم يَحلَّ منهما حتى حلَّ يومَ النَّحر وأَهدَى، وكان يقول: لا يَحلُّ حتى يطوفَ طوافًا واحدًا حين يدخلُ مكةَ. لفظ البُخاري (¬1). 658 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: دخل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ضُبَاعةَ بنتِ الزبير فقال لها: "أردتِ الحجَّ؟ "، قالت: واللَّهِ ما أجدُني إلا وَجِعَةً، فقال: "حُجِّي واشتَرِطِي، وقولي: اللهم مَحلِّي حيث حبَستَني". متفق عليه (¬2). 659 - وعن سالم، عن أبيه: أنه كان يُنكر الاشتراطَ في الحج ويقول: أليس حسبُكم سُنَّةَ نبيِّكم. أخرجه التِّرْمِذي (*) (¬3). 660 - وعن عكرمة، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري -رضي اللَّه عنه-: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن عَرَجَ أو كُسِرَ فقد حَلَّ، وعليه حَجَّةٌ ¬

_ (*) ورواه النَّسائي أيضًا، وصحَّحه التِّرْمِذي، ورجاله رجال الصحيحين. (¬1) رواه البخاري (1713)، ومسلم (1230). (¬2) رواه البخاري (4801)، ومسلم (1207). (¬3) رواه الترمذي (942)، والنسائي (2769).

أخرى"، فسألتُ ابنَ عباس وأبا هريرة عن ذلك، فقالا: صدق. لفظ النَّسائي (¬1). وفي رواية: "وعليه الحجُّ مِن قابلٍ" (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) وأخرجه أيضًا أبو داود والتِّرْمِذي وابن ماجه وحسَّنه، وإسناده على شرط البُخاري، وقد روي عن عكرمة عن عبد اللَّه بن رافع، عن الحجاج بن عمرو، وحكَى التِّرْمِذي عن البُخاري أن هذا أصحّ، وعبد اللَّه بن رافع هذا احتج به مسلم. (¬1) رواه النسائي (2860). (¬2) رواه النسائي (2861).

7 - باب الأضحية

7 - باب الأُضحية 661 - عن جُندُب بن سفيان -رضي اللَّه عنه- قال: شهدتُ الأضاحيَ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما قضَى صلاتَه بالناس نظرَ إلى غنمٍ قد ذُبحتْ، فقال: "مَن ذبحَ قبلَ الصلاة فَلْيَذبَح شاةً مكانَها، ومَن لم يكن ذبحَ فَلْيَذبَحْ على اسم اللَّه تعالى". متفق عليه (¬1). 662 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجَّة، وأراد أحدُكم أن يُضحِّيَ فَلْيُمسِكْ عن شَعرِه وأظفارِه". أخرجه مسلم (¬2). وفي رواية: "مَن كان له ذبحٌ يذبحُه، فإذا أَهلَّ هلالُ ذي الحجَّة فلا يأخُذَنَّ من شَعرِه ولا من أظفارِه شيئًا حتى يُضحِّيَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5181)، ومسلم (1960). (¬2) رواه مسلم (1977). (¬3) رواه مسلم (1977).

663 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تذبحُوا إلا مُسنَّةً (¬1)، إلا أن يَعسُرَ عليكم، فتذبحُوا جَذَعَةً من الضأن". أخرجوه إلا البُخاري والتِّرْمِذي (¬2). 664 - وعن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطاه غنمًا يَقسمُها على صحابته ضحايا، فبقى عَتُودٌ (*)، فذُكِرَ لنبيِّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ضحِّ به أنتَ". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬3). وفي رواية لمسلم: قسمَ فينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ضحايا، فأصابَني جَذَعٌ (¬4). 665 - وعن نافع: أن ابن عمر أخبره قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَذبحُ ويَنحرُ بالمُصلَّى. أخرجه البُخاري (¬5). 666 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: ضحَّى النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بكبشَينِ أملحَينِ، ¬

_ (*) هو ولد المعز. (¬1) المسنة: هي الثنية من كل شيء؛ من الإبل والبقر والغنم فما فوقها. (¬2) رواه مسلم (1963)، وأبو داود (2797)، والنسائي (4378)، وابن ماجه (3141). (¬3) رواه البخاري (2187)، ومسلم (1965). (¬4) رواه مسلم (1965). (¬5) رواه البخاري (5232).

فرأيتُه واضعًا قدمَه على صفاحِهما يُسمِّي ويُكبِّر، فذبحهما بيده. متفق عليه (¬1). وفي رواية لمسلم قال: ويقول: "بسم اللَّه واللَّه أكبر" (¬2). 667 - وعنده في حديث لعائشةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمر بكبشٍ أقرنَ يَطَأ في سوادٍ، ويبرك في سوادٍ، وينظر في سوادٍ (¬3)، فأتَى به ليُضحِّيَ به، فقال: "يا عائشةُ! هَلُمِّي المُديةَ (¬4) "، ثم قال: "اشحَذِيها (¬5) بحجرٍ"، ففعلتُ، ثم أخذَها، وأخذ الكبشَ فأضجعَه، ثم ذبحه، ثم قال: "بسم اللَّه، اللهم تقبَّلْ من محمَّدٍ وآلِ محمدٍ ومن أمَّةِ محمَّدٍ"، ثم ضحَّى به (¬6). 668 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: صلَّى بنا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ النَّحر بالمدينة، فتقدَّم رجالٌ فنَحروا، وظنُّوا أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد نحرَ، فأمرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَن كان نحرَ قبلَه أن يُعيدَ بنحرٍ آخرَ، ولا يَنحَرُوا حتى يَنحرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5238)، ومسلم (1966). (¬2) رواه مسلم (1966). (¬3) أي: يطأ الأرض ويمشي في سواد، والمعنى: أن قوائمه وبطنه وما حول عينيه أسود. (¬4) أي: هاتِ السكين. (¬5) أي: حدِّديها. (¬6) رواه مسلم (1967). (¬7) رواه مسلم (1964).

669 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- في حديث متفق عليه: فلما كنا بمنًى أُتيتُ بلحم بقرٍ، فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: ضحَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر (¬1). 670 - وعن عُبيد بن فيروز قال: سألتُ البراءَ بنَ عازب: ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأصابعي أقصرُ من أصابعه، وأناملي أقصرُ من أنامله، فقال: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العَوراء بَيِّنٌ عَورُها، والمريضةُ بَيِّنٌ مرضُها، والعَرجاءُ بَيِّنٌ ظَلعُها (¬2)، والكَسيرُ (¬3) التي لا تُنقِي (¬4) ". قال: قلت: فإني أكرهُ أن يكونَ في السنِّ نقصٌ، فقال: "ما كرهتَ فدَعْه، ولا تُحرِّمْه على أحدٍ" (*) (¬5). 671 - وعن عليِّ بنِ أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال: أمرَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نسَتشرفَ (¬6) العينَ والأذنَ، ولا نُضحِّيَ بعَوراءَ، ولا مُقابَلَةٍ، ولا مُدَابَرَةٍ، ولا خَرقاءَ، ولا شَرقاءَ. قال زهير، وهو ابن معاوية: فقلت لأبي إسحاق، وهو السَّبيعي: أذَكَرَ عَضبًا؟ قال: لا، قلت: فما المُقابَلةُ؟ قال: يُقطَع ¬

_ (*) أخرجه الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي. (¬1) رواه البخاري (5228)، ومسلم (1211). (¬2) أي: عرجها. (¬3) أي: المنكسرة الرِّجل التي لا تقدر على المشي. (¬4) أي: المهزولة التي لا نقيَّ لعظامها، يعني: لا مخ لها. (¬5) رواه أبو داود (2802)، والنسائي (4369)، والترمذي (1497)، وابن ماجه (3144). (¬6) أي: ننظر ونتأمل.

طرفُ الأذن، قلت: فما المُدابَرةُ؟ قال: يُقطَع مؤخَّر الأذن، قلت: فما الشَّرقاءُ؟ قال: تُشَقُّ الأذنُ، قلت: فما الخَرقاءُ؟ قال: تَخرِقُ أذنَها السِّمَةُ. أخرجه الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2804)، والنسائي (4373)، والترمذي (1498)، وابن ماجه (3142).

8 - باب العقيقة

8 - باب العَقِيقة 672 - عن الحسن، عن سَمُرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتِه، تُذبَحُ عنه يومَ سابعِه، ويُحْلَقُ ويُسمَّى". أخرجه الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي (*) (¬1). 673 - وفي حديث سلمان بن عامر: مع الغلامِ عقيقتُه، فأَهرِيقُوا عنه دمًا، وأَمِيطُوا عنه الأذى. أخرجه أبو داود، وصحَّحه التِّرْمِذي، وعُلِّق في الصحيح (¬2). ¬

_ (*) ورواه البُخاري من حديث حبيب بن الشهيد قال: أمرَني ابنُ سِيرين أن أسألَ الحسنَ ممن سمع حديثَ العقيقة، فسألتُه، فقال: من سَمُرة بن جندب؟ لم يزد على هذا. وقال النَّسائي: الحسن عن سَمُرة كتاب، ولم يَسمعِ الحسنُ من سَمُرةَ إلا حديثَ العقيقة. (¬1) رواه أبو داود (2838)، والنسائي (4220)، والترمذي (1522)، وابن ماجه (3165). (¬2) رواه أبو داود (2839)، والترمذي (1515). وعلقه البخاري في "صحيحه" (5/ 2082).

674 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عَقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا. أخرجه أبو داود والنَّسائي (*) (¬1). 675 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَسمَّوا باسمي، ولا تَكَنَّوا بكنيتي". رواه البُخاري (¬2). 676 - وعن أبي الزبير، عن جابر: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن تسمَّى باسمي فلا يَكتَنِي بكنيتي، ومَن تكنَّى بكنيتي فلا يَسمَّ باسمي" (**) (¬3). 677 - وعن أمِّ كُرْز الكَعبية قالت: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "عن الغلامِ شاتانِ مُكافَأتانِ (...)، وعن الجاريةِ شاةٌ". أخرجه أبو داود، وصحَّحه التِّرْمِذي (****) (¬4). * * * ¬

_ (*) في رواية النسائي: "كبشَينِ كبشَينِ". (**) أخرجه أبو داود. وهو على شرط مسلم. (...) المشهور فتح الفاء، قاله شيخنا. (****) قال أبو داود: سمعتُ أحمدَ يقول: "مُكافَأتان": مُستويتان، أو: متقاربتان. (¬1) رواه أبو داود (2841)، والنسائي (4219). (¬2) رواه البخاري (5844)، ومسلم (2134). (¬3) رواه أبو داود (4966). (¬4) روأه أبو داود (2834)، والترمذي (1516).

9 - باب الذبائح

9 - باب الذبائح 678 - عن عَبَايةَ بنِ رِفاعةَ، عن جدِّه (*) أنه قال: يا رسولَ اللَّه! ليس لنا مُدًى، فقال: "ما أَنهرَ الدمَ، وذُكر اسمُ اللَّه فكُلُوا، ليس الظُّفرَ والسِّنَّ، === (*) قال: أبو بكر بن المنذر في كتاب "الأوسط": إن ثبت خبرُ رافع بن خَدِيج وجب القولُ به، ووقعت الذكاةُ بكل ما أنهرَ الدمَ؛ غيرَ السِّنِّ والظُّفرِ، وإن لم يَثبتْ فالقولُ بخبر عدي بن حاتم يجب، وقال أيضًا: ثبَّت أكثرُ أهل الحديث حديثَ رافع وقالوا: هو خبر مُفسر، وخبر مُرَيِّ بن قَطَري مُجمَلٌ؛ والمُفسَّرُ يقضي على المُجمَل، وقال أيضًا: وقد احتج بعضُ مَن يميل إلى قول المَديني في هذا المسألة فقال: لما اتفقوا على أن الصيدَ إذا استأنسَ وصار في المِصر أنَّ أكلَه لا يجوز إلا بأن يُذَكَّى كما يُذكَّى الأنيسُ بالذبح وجبَ تسليمُ هذا لاتفاقهم، و [لمَّا] لم يتفقوا على أن البعيرَ إذا ندَّ صارت ذكاتُه كذكاة الصيد لم يجزْ أن يُنقَلَ إلى حكم الصيد إلا بحُجَّةٍ من كتابٍ أو سُنَّةٍ أو اتفاقٍ، وتكلَّم هذا القائلُ في خبر رافع وقال: لا يصحُّ، لأنَّا لا نَعلم أحدًا رواه غيرُ عَبَاية، وقد رواه وَكيع عن الثَّوري، عن أبيه، عن عباية، عن جدِّه، ولم يقلْ: عن أبيه، عن جدِّه، وكذلك رواه أبو عَوانة وأبو الأحوص ومندل بن علي وعمر بن عبيد وحماد بن شعيب، عن سعيد بن مسروق، عن عَبَاية، عن جدِّه، ولا نَعلم لعَبَاية سماعًا من جدِّه، ولو ثبت لم يكنْ فيه دليلٌ على أن ذكاةَ البعير النادِّ كذكاة الصيد، وذكرَ الكلامَ إلى آخره؛ وفيه نظرٌ.

أما الظُّفرُ فمُدَى الحبشة، وأمَّا السِّنُّ فعظمٌ". وندَّ بعيرٌ فحبسَه، فقال: "إن لهذه الإبل أوابدَ (¬1) كأوابد الوحش، فما غلبَكم منها فاصنَعُوا به هكذا". لفظ رواية البُخاري (¬2). وفي رواية: "فرماه رجلٌ بسهمٍ، فحبسَه" (*) (¬3). 679 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمِّه". أخرجه أبو حاتم بن حِبَّان في "صحيحه" (**) (¬4). 680 - وعن ابن كعب بن مالك، عن أبيه: أن امرأةً ذبحتْ شاةً بحجرٍ، فسُئل النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فأَمرَ بأكلها. أخرجه البُخاري (¬5). ¬

_ (*) روى حديثَ عَبَايةَ بنِ رِفاعةَ أبو داود الطَّيَالسي، عن زائدةَ بنِ قدامةَ -قال أبو داود: وكان لا يُحدِّث قَدَريًّا ولا صاحبَ بدعةٍ-، عن سعيد بن مسروق، عن عَبَايةَ. قال أبو داود: قال زائدة: يَرَون ما في الدنيا حديثٌ في هذا الباب أحسنُ منه؛ قال أبو داود: وهو واللَّه من جِيَاد الحديث. (**) ورواه الإمام أحمد عن أبي عبيدة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الوَدَّاك، عن أبي سعيد. (¬1) جمع آبدة، وهي التي نَفَرت من الإنس وتوحَّشت. (¬2) رواه البخاري (5184). (¬3) رواه البخاري (2372)، ومسلم (1968). (¬4) رواه ابن حبان (5889). (¬5) رواه البخاري (5185).

681 - وعن شداد بن أوس -رضي اللَّه عنهما- قال: ثِنتانِ حفظتُهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إن اللَّهَ كتبَ الإحسانَ على كل شيءٍ؛ فإذا قتلتُم فأحسِنُوا القِتلةَ، وإذا ذبحتُم فاحسِنُوا الذَّبحَ، وَلْيُحدَّ أحدُكم شفرتَه وَلْيُرِحْ ذبيحتَه". أخرجوه إلا البُخاري (¬1). 682 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في حديث: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَعَنَ مَن اتخذَ شيئًا فيه الرُوحُ غَرَضًا (¬2). متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬3). 683 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه-: نَهَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقتَلَ شيءٌ من الدوابِّ صَبْرًا (¬4). أخرجه مسلم (¬5). 684 - وعن أبي الطُّفَيل عامر بن واثلة قال: كنتُ عند عليِّ بنِ أبي طالب، فأتاه رجلٌ فقال: ما كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسِرُّ إليك؟ قال: فغضب وقال: ما كان النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُسِرُّ إلَيَّ شيئًا يَكتمُه عن الناس، غيرَ أنه قد حدَّثني بكلماتٍ أربعٍ، قال: ما هنَّ يا أميرَ المؤمنين؟ قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَن لَعَنَ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1955)، وأبو داود (2815)، والنسائي (4405)، والترمذي (1409)، وابن ماجه (3170). (¬2) أي: هدفًا للرمي. (¬3) رواه البخاري (5196)، ومسلم (1958). (¬4) أي: حبسًا يرمى بشيء حتى يموت. (¬5) رواه مسلم (1959).

والدَه، ولَعَنَ اللَّهُ مَن ذبحَ لغير اللَّه، ولَعَنَ اللَّهُ مَن آوى مُحدِثًا، ولَعَنَ اللَّهُ مَن غيَّرَ مَنَارَ (¬1) الأرض". أخرجه مسلم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) جمع منارة، وهي علامة الأراضي التي يتميز بها حدودها، والمراد: استباحة ما ليس له مِنْ حقِّ الجار. (¬2) رواه مسلم (1978).

10 - باب الصيد

10 - باب الصيد 685 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن اتخذَ كلبًا إلا كلبَ ماشيةٍ أو صيدٍ أو زرعٍ انتَقصَ من أجرِه كلَّ يومٍ قيراطٌ". لفظ أبي داود، وأخرجه مسلم والتِّرْمِذي والنَّسائي (*) (¬1). 686 - وعن عدي بن حاتم -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أَرسلتَ كلبَك فاذكُرِ اسمَ اللَّه عليه، فإن أَمسكَ عليك، فأَدركتَه حيًّا فاذبَحْه، وإن أدركتَه قد قتلَ ولم يَأكُلْ منه فكُلْه، وإن وجدتَ مع كلبِك كلبًا غيرَه وقد قَتلَ فلا تَأكُلْ؛ فإنك لا تدري أيُّهما قتلَه، وإن رميتَ بسهمك فاذكُرِ اسمَ اللَّه، فإن كتاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلا أثرَ سهمِك فكُلْ إن شئتَ، وإن وجدتَه غريقًا في الماء فلا تَأكلْ". لفظ رواية مسلم (¬2). ¬

_ (*) حديثُ أبي هريرةَ رواه مسلم بهذا اللفظ، ورواه البُخاري، ولكنه لم يذكر الصيدَ إلا من طريق منقطعة. (¬1) رواه مسلم (1574)، وأبو داود (2844)، والترمذي (1490)، والنسائي (4289). (¬2) رواه مسلم (1929).

وفي رواية: "ما أَمسكَ عليك ولم يَأكلْ منه فكُلْه؛ فإن ذكاتَه أخذُه" (¬1). وفي رواية: قلتُ: فإن وجدتُ مع كلبي كلبًا آخرَ لا أدري أيُّهما أخذَه؟ قال: "فلا تَأكلْ؛ فإنما سَمَّيتَ على كلبِك، ولم تُسمِّ على غيرِه" (¬2). وفي حديث لأبي داود: قلتُ: أُرسل كلبي، قال: "إذا سَمَّيتَ فكُلْ، وإلا فلا تَأكلْ" (¬3). 687 - وعنه قال: سألتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن صيد المِعْرَاض (¬4)، فقال: "ما أصابَ بحدِّه فكُلْه، وما أصابَه بعَرْضِه (¬5) فهو وَقِيذٌ (¬6) " (*) (¬7). 688 - وعن أبي ثَعلبة الخُشَني -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا رميتَ بسهمِك، فغاب عنك، فأدركتَه فكُلْه؛ ما لم يُنتِنْ". أخرجه مسلم (¬8). ¬

_ (*) أخرجه البُخاري، وأصله متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (1929). (¬2) رواه البخاري (173)، ومسلم (1929). (¬3) رواه أبو داود (2854). (¬4) خشبة ثقيلة، أو عصا في طرفها حديدة، أو سهم لا ريش له بحدِّه. (¬5) أي: بغير المحدَّد منه. (¬6) أي: حرام. (¬7) رواه البخاري (1949)، ومسلم (1929). (¬8) رواه مسلم (1931).

689 - وعند أبي داود من حديث أبي ثَعلبة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صيد الكلب: "إذا أَرسلتَ كلبَك وذكرتَ اسمَ اللَّه فكُلْ وإن أكلَ منه، وكُلْ ما ردَّتْ يدُك" (¬1). وفي إسناده داودُ بنُ عمرِو عاملُ واسط، وقد وثقه يحيى بنُ مَعين، وقال العِجلي: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: شيخٌ (*). 690 - وقد جاء هذا أيضًا عند أبي داود -أعني: الأكلَ وإن أكلَ- من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن أعرابيًّا يُقال له: أبو ثَعلبة قال: يا رسولَ اللَّه! إن لي كلابًا مُكلَّبةً، فأَفتنِي في صيدها؟ فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن كان لك كلابٌ مُكلَّبةٌ فكُلْ مما أَمسَكْنَ عليك ذَكِيًّا أو غيرَ ذَكِيٍّ"، قال: وإن أكلَ منه؟ قال: "وإن أكلَ منه". قال: يا رسولَ اللَّه! أفتنِي في قوسي؟ قال: "كُلْ ما ردَّتْ عليك قوسُك". قال: ذَكِيًّا أو غيرَ ذَكِيٍّ. قال: وإن تغيَّب عني؟ قال: "وإن تغيَّبَ عنك؛ ما لم يَصِلَّ (¬2) أو تجدَ فيه أثرًا غيرَ سهمِك". قال: أَفتنِي في آنية المجوس إن اضطُررنا إليها، قال: "اغسِلْها وكُلْ فيها" (**) (¬3) ¬

_ (*) وذكره ابنُ حِبان في كتاب "الثقات"، وقال أبو زُرعةَ: ليس به بأسٌ، وباقي رجاله محتج بهم فيهما. (**) وأخرجه النَّسائي أيضًا، ولكن ليس فيه: "وإن أكلَ منه"، وإسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب. (¬1) رواه أبو داود (2852). (¬2) أي: ما لم ينتن ويتغير ريحه. (¬3) رواه أبو داود (2857)، والنسائي (4296).

691 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنهم قالوا: يا رسولَ اللَّه! إن قومًا حديثُ عهدٍ بالجاهلية يأتوننا بلُحمَانٍ لا ندري: أذَكرُوا اسمَ اللَّه عليها (¬1) أو لم يذكروا، فنَأكل منها؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سَمُّوا اللَّه وكُلُوا". لفظ أبي داود، وأخرجه البُخاري والنَّسائي وابن ماجه (¬2). 692 - وعن سعيد بن جُبَير: أن قريبًا لعبد الله بن مُغفل خَذَفَ، قال: فنهاه، وقال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن الخَذْفِ وقال: "إنها لا تصيد صيدًا، ولا تَنْكَأُ (*) عدوًّا، ولكنها تَكسرُ السِّنَّ، وتَفقَأُ العينَ"، قال: فعاد، فقال: أُحدِّثك أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عنه ثم تَخذِفُ؟! لا أكلِّمُك أبدًا. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬3). * * * ¬

_ (*) القياس: تَنكِي. (¬1) في الهامش: "عليه"، وعليها علامة (خ). (¬2) رواه البخاري (6963)، وأبو داود (2829)، وابن ماجه (3174). (¬3) رواه البخاري (5162)، ومسلم (1954).

11 - باب الأطعمة

11 - باب الأطعمة 693 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلُّ ذي نابٍ من السِّبَاعِ فأكلُه حرامٌ" (¬1). 694 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كل ذي نابٍ من السِّباع، وعن كل ذي مِخْلَبٍ من الطير (¬2). أخرجهما مسلم. 695 - وعنده من حديث أبي ثَعلبةَ قال: حرَّم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لحومَ الحُمُرِ الأهلية (¬3). 696 - وفي حديثٍ لأنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-: فأمر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا طلحة فنادى: "إن اللَّهَ ورسولَه يَنهَيَانكم عن لحوم الحُمُر؛ فإنها رِجْسٌ، أو: نَجَسٌ" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1933). (¬2) رواه مسلم (1934). (¬3) رواه البخاري (5206)، ومسلم (1936). (¬4) رواه البخاري (2829)، ومسلم (1940).

697 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سألتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الضَّبُعِ، فقال: "هو صيدٌ، ويُجعَلُ فيه كبشٌ إذا أصابه المُحرِمُ". أخرجه الأربعة، وصحَّحه التِّرْمِذي (¬1). 698 - وعنه قال: نَهَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ خَيبرَ عن لحوم الحُمُر، ورخَّص في لحوم الخيل. أخرجوه إلا التِّرْمِذي (*) وابن ماجه (¬2). وعند أبي داود: وأَذِنَ في لحوم الخيلة (**) (¬3). 699 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ خَيبرَ عن لحوم الحُمُر الأهلية، وعن الجَلَّالة وعن ركوبِها وأكلِ ثمنِها. أخرجه أبو داود والنَّسائي (¬4). ورواه الحاكم وقال: وأكلِ لحومها. وقال: عن جدِّه ¬

_ (*) رواه التِّرْمِذي بمعناه. (**) في صحيح البُخاري ومسلم: "وأَذِنَ في لحوم الخيل". (¬1) رواه أبو داود (3801)، والنسائي (2836)، والترمذي (851)، وابن ما جه (3236). (¬2) رواه البخاري (5201)، ومسلم (1941)، وأبو داود (3788). (¬3) رواه أبو داود (3788). (¬4) رواه أبو داود (3811)، والنسائي (4447).

عبد اللَّه بن عمرو (*) (¬1). 700 - وعند أبي داود عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن لَبَنِ الجَلَّالة (**) (¬2). 701 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سأل رجل رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أكل الضَّبِّ؟ فقال: "لا آكلُه، ولا أُحرِّمُه" (...) (¬3). 702 - وعن عبد اللَّه بن أبي أَوفَى -رضي اللَّه عنهما- قال: غزَونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبعَ غزواتٍ نَأكلُ الجَرَادَ (****) (¬4). 703 - وعن أنس بن مالك قال: مرَرْنَا فاستَنْفَجْنَا (¬5) أرنبًا بِمَرِّ الظَّهرانِ (¬6)، فسَعَوا عليه، فلَغَبُوا (¬7)، قال: فسعيتُ حتى أدركتُها، فأتيتُ ¬

_ (*) إسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب. (**) إسناده على شرط (خ)، وهو عند النَّسائي أيضًا. (...) متفق عليه. (****) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه الحاكم في "المستدرك" (2498). (¬2) رواه أبو داود (3786)، والنسائي (4448). (¬3) رواه البخاري (5216)، ومسلم (1943). (¬4) رواه البخاري (5176)، ومسلم (1952). (¬5) أي: أَثَرنا ونفَّرنا. (¬6) موضع قريب من مكة. (¬7) أي: أعيوا وتعبوا.

بها أبا طلحة فذبَحَها، فبعث بوركَيها، أو: فخذَيها إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقبِلَه وأكلَها. متفق عليه (¬1). 704 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: غزَونا جيشَ الخَبَطِ (¬2)، وأُمِّرَ علينا أبو عبيدة، فجُعْنَا جوعًا شديدًا، فألقَى البحرُ حوتًا ميتًا لم نَرَ مثلَه، يقال له: العَنْبَر، فأكلْنا منه نصفَ شهرٍ، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمرَّ الراكبُ تحتَه. رواه البُخاري من حديث عمرو عن جابر (¬3). ورواه مسلم من حديث أبي الزبير في قصة طويلة فيها: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رُسُلُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وفي سبيل اللَّه، وقد اضطُررتُم فكُلُوا. قال: فأقفنَا عليه شهرًا ونحن ثلاثُ مئةٍ حتى سَمِنَّا، وفيه: فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثةَ عشرَ رجلًا، فأقعدَهم في وَقْبِ (¬4) عينِه، وتزوَّدْنا من لحمه وَشَائِقَ (¬5)، فلما قدمْنَا المدينةَ أتينا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرْنا ذلك له، فقال: "هو رزقٌ أخرجه اللَّهُ لكم، فهل معكم من لحمه شيءٌ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2433)، ومسلم (1953). (¬2) الخبط: ورق الشجر، وسموا بذلك؛ لأنهم أكلوه من الجوع حتى قرحت أشداقهم بسبب حرارة ذلك الورق، وهو منصوب بنزع الخافض؛ أي: غزونا مصاحبين لجيش الخبط. (¬3) رواه البخاري (4104). (¬4) أي: داخل. (¬5) جمع وشيقة، قيل: هو القديد.

فتُطعمُوننا؟ " قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منه، فأكلَه (¬1). 705 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن قتل أربعٍ من الدواب: النملةِ، والنحلةِ، والهُدْهُدِ، والصُّرَدِ. أخرجه أبو داود عن رجال الصحيح (¬2). 706 - وعن علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحَضرمي: أن طارق بن سويد الجُعْفي سأل النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الخمر، فنهاه، أو: كره أن يصنعَها، فقال: إنما أصنعها لدواء. قال: "إنه ليس بدواءٍ؛ ولكنه داءٌ". أخرجه مسلم (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1935). (¬2) رواه أبو داود (5267). (¬3) رواه مسلم (1984).

12 - باب النذر

12 - باب النَّذر 707 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن نذرَ أن يُطيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْه، ومَن نذرَ أن يَعصيَ اللَّه فلا يَعصِه" (¬1). ¬

_ (¬1) جاء على الهامش بخط مختلف ما نصه: حديث عائشة في النذر: "مَن نذرَ أن يُطيعَ اللَّه فَلْيُطِعه، ومَن نذرَ أن يَعصيَة فلا يَعصِه"، زاد الطحاوي فيه: "وَلْيُكفِّرْ عن يمينه"، قال عبد الحق: وهذا أحسنُ إسنادًا وأصح من حديث الزُّهري عنها: "لا نذرَ في معصيةٍ، وكفَّارتُه كفَّارةُ اليمين". قال الطحاوي في "مشكل الحديث": ثنا محمد بن علي بن داود، ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، ثنا حفص بن غياث، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن نذرَ أن يُطيعَ اللَّه فَلْيُطِعه، ومَن نذرَ أن يَعصيَ اللَّه فلا يَعصِه". قال حفص: وسمعتُ ابنَ مُجبر وهو عند عبيد اللَّه، فذكرَه عن القاسم، عن عائشةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مثلَه، وقال: "يُكفِّر يمينَه". قال الطحاوي: فتأمَّلْنا ما حدَّث به حفصٌ عن ابن المُجْبَر فوجدْنا فيه أمرَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الناذرَ بالمعصية بالكفَّارة، عن غير عجزٍ منه عن إصابة ذلك بأفعاله، ولكن لعجزه عنه بمنع الشرع إياه، فعقَلْنا بذلك أن منعَ الشريعة إياه لعجزه في نذره عن فعله إياه، وأن عليه الكفَّارةَ، وأنه في ذلك كمَن سقطَ عنه النذرُ ووجب عليه في ترك فعله الكفَّارةُ. =

. . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومعنى هذا: أن الناذرَ قد التزم فعلَ المنذور، فإذا لم يَفِ بما التزمَه لزمَتْه الكفَّارةُ، كما لو التزمَ صومًا أو صلاةً، فعجز عنها، والعجز شرعًا بالمنع كالعجز حسًّا، لكن قد يقال: إن العجزَ الشَّرعيَّ مُقارِنٌ لعقد النذر، فمنعَ مِن انعقادِه، والعجزُ الطارئُ يُوجب الانتقالَ إلى البدل أو الكفَّارة، فبينهما فرقٌ. ويقال في الجواب: إن النذرَ كاليمين وأقوى، وهو لو التزمَه بيمينه لزمَتْه كفَّارةٌ قارنةُ العجزِ، أو طرأ عليه، فإذا نذرَه فقد التزمَه بنذره، فإذا منعَ منه شرعًا أو حسًا كفَّر عن يمينه، وهذا قوي. قال المُوجِبون للكفَّارة: ويدل على ذلك أيضًا حديثُ عقبة بن عامر لما نذرَتْ أختُه أن تمشيَ حافيةً غيرَ مُختمِرةٍ، وفي حديث عبد الرزاق عن ابن جُرَيج، حدثني سعيد بن أبي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة: أن أختَه نذرَتْ أن تحجَّ ماشيةَ ناشرةً شَعرَها، فأمرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصيامِ ثلاثةِ أيامٍ، وفي "سُنَن أبي داود": فأمرَها أن تُكفِّرَ عن يمينها وتَختمِرَ وتَركبَ، ولكن يُقال: الحديثُ مُختلِفٌ؛ ففي بعضه أنها أُمرَتْ أن تُهديَ بَدَنةً، وفي لفظ: أُمرَتْ أن تُكفِّرَ عن يمينها، وفي لفظ: أُمرَتْ بهما. والجواب: أن هذا لا تناقضَ فيه ولا اختلافَ فى ذلك؛ لأنها نذرَتْ أمرَينِ: أحدُهما طاعةٌ، فعجزَتْ عنها، والآخرُ معصيةٌ، وهو نشرُها شَعرَها، فأُمرَتْ بالهَدي لنذرِها المشيَ المنذورَ، كما يُؤمَر به مَن تركَ بعضَ واجبات حجِّه، وأُمرَتْ بالكفَّارة في نذرها المعصية، وهو نشرُ شَعرِها وكشفُ وجهِها، كما يُؤمَر بها مَن حلفَ على ذلك، فبعضُ الرواة رَوى الأمرَينِ، وبعضُهم اقتصرَ على أحدهما، ومَن زاد فهو ثقةٌ، وزيادتُه مقبولةٌ، لا سيما وغيرُه لم يَنفِها، وإنما غايتُه أنه سكتَ عنها، والزائدُ رَوى الحديثَ بتمامه. قالوا: ومما يدل على الكفَّارة أيضًا حديثُ عقبة: "كفَّارةُ النَّذرِ كفَّارةُ اليمين"، وحديثُ ابن عباس أيضًا: "مَن نذرَ نذرًا لم يُسمِّه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ، ومَن نذرَ نذرًا لم يُطِقْه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ"، قالوا: ونذرُ المعصية غيرُ مُطَاقٍ شرعًا، واللَّه أعلم.

أخرجوه إلا مسلمًا، واللفظ لأبي داود (¬1). 708 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه نَهَى عن النَّذر وقال: "إنه لا يأتي بخيرٍ؛ وإنما يُستخرَج به من البخيل". متفق عليه (¬2). 709 - وعن عقبة بن عامر الجُهني -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "كفَّارةُ النذرِ كفَّارةُ اليمينِ". أخرجه مسلم (¬3). 710 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن نذرَ نذرًا لم يُسمِّه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ، ومَن نذرَ نذرًا في معصيةٍ فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ، ومَن نذرَ نذرًا لا يُطيقُه فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ". أخرجه أبو داود، وذَكَر أنه رُوي موقوفًا على ابن عباس (*) (¬4). 711 - وعند مسلم في حديث طويل عن عِمران بن حُصَين: "لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك العبدُ" (¬5). ¬

_ (*) وهو مرفوعًا صحيحُ الإسناد، وسال ابنُ أبي حاتم أباه وأبا زُرعةَ عنه، فقالا: رواه وكيع، عن مغيرة، فوقفَه؛ والموقوفُ أصحُّ. (¬1) رواه البخاري (6318)، وأبو داود (3289)، والنسائي (3806)، والترمذي (1526)، وابن ماجه (2126). (¬2) رواه البخاري (6234)، ومسلم (1639). (¬3) رواه مسلم (1645). (¬4) رواه أبو داود (3322). (¬5) رواه مسلم (1641).

712 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن امرأةً أتَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسولَ اللَّه! إني نَذرتُ أن أَضربَ على رأسك بالدُّفِّ، قال: "أَوفِي بنذرك"، قالت: إني نَذرتُ أن أَذبحَ بمكان كذا وكذا -مكانٌ كان يَذبح فيه أهلُ الجاهلية- قال: "لصنمٍ؟ "، قالت: لا، قال: "لوثنٍ؟ "، قالت: لا، قال: "أَوفِ بنذرِك". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 713 - وعنده من حديث ثابت بن الضحاك قال: نذرَ رجلٌ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَنحرَ إبلًا ببُوَانةَ (¬2)، وفيه: فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل كان فيها وَثَنٌ من أوثان الجاهلية يُعبَد؟ "، قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟ " قالوا: لا، قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوفِ بنذرِك". الحديث (**) (¬3). 714 - وعن عقبة بن عامر قال: نذرَتْ أختي أن تمشيَ إلى بيت اللَّه تعالى حافيةً (...)، فأمرَتْني أن أَستفتِيَ لها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاستَفتَيتُه، فقال: "لِتَمشِ، وَلْتَركَبْ". متفق عليه (¬4). ¬

_ (*) إسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب. (**) إسناده على شرط "الصحيحين" إلى ثابت بن الضحاك. (...) لم يقل البُخاري: حافية. (¬1) رواه أبو داود (3312). (¬2) اسم موضع في أسفل مكة دون يلملم. (¬3) رواه أبو داود (3313). (¬4) رواه البخاري (1767)، ومسلم (1644).

715 - وفي حديث ابن عباس عند أبي داود: أن أختَ عقبة بن عامر نذرَتْ أن تمشيَ إلى البيت، فأمرَها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تَركبَ، وتُهديَ هَدْيًا (*) (¬1). 716 - وعنده أيضًا من حديثه: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إن أختي نذرَتْ، يعني: أن تحجَّ ماشيةً، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّهَ لا يَصنعُ بشقاءِ أختِك شيئًا، فَلْتَحجَّ راكبةً وتُكفِّرْ عن يمينها" (**) (¬2). 717 - وعنده من حديثه أيضًا قال: بينما النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخطُبُ، إذا هو برجلٍ قائمٍ في الشمس، فسَألَ عنه، فقالوا: هذا يا رسولَ اللَّه أبو إسرائيلَ، نذرَ أن يَقومَ ولا يَقعدَ، ولا يَستظلَّ، ولا يَتكلَّمَ، ويَصومَ، فقال: "مُرُوه فَلْيتكلَّمْ، وَلْيَستظلَّ، وَلْيقعُد، وَلْيُتمَّ صومَه". وأخرجه البُخاري وابن ماجه (¬3). 718 - وعنه أنه قال: استَفتَى سعدُ بنُ عُبادةَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في نذرٍ كان على أمِّه، فتُوفِّيَتْ قبل أن تَقضيَه، قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فاقضِه عنها". أخرجوه أجمعون (¬4). ¬

_ (*) وإسناده على شرط البخاري. (**) رجاله أخرج لهم مسلم. (¬1) رواه أبو داود (3296). (¬2) رواه أبو داود (3295)، والترمذي (1544). (¬3) رواه أبو داود (3300)، والبخاري (6326)، وابن ماجه (2136). (¬4) رواه البخاري (6320)، ومسلم (1638)، وأبو داود (3307)، والنسائي (3657)، والترمذي (1546)، وابن ماجه (2132).

719 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: أن رجلًا قام يومَ الفتح فقال: يا رسولَ اللَّه! إني نَذرتُ للَّه تعالى إنْ فتحَ اللَّهُ عليك أن أُصلِّيَ في بيت المَقدس ركعتَينِ، فقال: "صلِّ هاهنا"، ثم أعاد، فقال: "صلِّ هاهنا"، ثم أعاد عليه، فقال: "صلِّ هاهنا"، ثم أعاد عليه، فقال: "شأنُك إذًا". انفرد به أبو داود (*) (¬1). 720 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الرسولِ، ومسجدِ الأقصى". لفظ البُخاري (¬2). 721 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يا رسولَ اللَّه! إني نَذرتُ في الجاهلية أن أَعتكفَ ليلةً في المسجد الحرام، فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوفِ بنذرِك، فاعتَكفَ ليلةً". وهو كالذي قبلَه (¬3). 722 - وعند التِّرْمِذي من حديث عقبة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كفَّارةُ النذرِ إذا لم يُسَمَّ كفَّارةُ يمين" (**) (¬4). * * * ¬

_ (*) رجاله احتج بهم مسلم. (**) وقال: حسن صحيح غريب. (¬1) رواه أبو داود (3305). (¬2) رواه البخاري (1132)، ومسلم (1397). (¬3) رواه البخاري (1937)، ومسلم (1656). (¬4) رواه الترمذي (1528).

[6] كتاب الجهاد

[6] كتاب الجهاد

[6] كتاب الجهاد 723 - عن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاهِدُوا المشركين بأموالِكم وأنفسِكم وألسنتِكم". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 724 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن ماتَ ولم يَغزُ، ولم يُحدِّثْ به نفسَه مات على شَعبةٍ من نفاقٍ" (**) (¬2). 725 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن أعرابيًّا سأل رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الهجرة، فقال: "وَيْحَكَ! إن شأنَ الهجرةِ لَشديدٌ، فهل لك من إبلٍ؟ " قال: نعم، قال: "فهل تُؤتي (¬3) صدقتَها؟ " قال: نعم، قال: "فاعمَلْ من وراء البحار (¬4)؛ فإن اللَّه لن يَتِرَكَ من عملك شيئًا". ¬

_ (*) والنَّسائي، وإسناده على شرط مسلم. (**) أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسَائي. (¬1) رواه أبو داود (2504)، والنسائي (3096). (¬2) رواه مسلم (1910). (¬3) في الهامش: "تؤدي"، وفوقها علامة (خ). (¬4) المراد بالبحار هنا: القرى.

أخرجه مسلم (¬1). ويَتِرَك: مكسور التاء منصوب الراء، أي: يَنقصُك. 726 - وعن جرير بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: بعث رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً إلى خَثْعَمَ، فاعتَصمَ ناسٌ منهم بالسجود (¬2)، فأسرعَ فيهم القتلَ، فبلغ ذلك النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأمرَ لهم بنصف العَقل، وقال: "أنا بريءٌ مِن كلِّ مسلمٍ يُقيم بين أَظهُرِ المشركين". قالوا: يا رسولَ اللَّه! لِمَ؟ قال: "لا تَرَاءَيا (¬3) ناراهما (¬4) ". أخرجه أبو داود (*)، وذكر (**) عن جماعة أنهم لم يذكروا جريرًا (¬5). قلت: والذي أسندَه ثقةٌ عندَهم (...). ¬

_ (*) والتِّرْمِذي، وإسناده على شرط مسلم (**) يعني: التِّرْمِذي. (...) سُئل عنه الدَّرَاقُطْني، فقال: رواه أبو معاوية الضرير وصالح بن عمر، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير، ورواه حفص بن غياث، عن إسماعيل، عن قيس، عن خالد بن الوليد، قاله يوسف بن عدي عنه. ورواه أبو إسحاق الفَزَاري ومروان بن معاوية ومُعتمِر بن سليمان، عن إسماعيل، عن قيس مُرسَلًا؛ وهو الصواب. وقال التِّرْمِذي: سمعتُ محمدًا يقول: الصحيحُ حديثُ قيسٍ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُرسَلٌ. (¬1) رواه مسلم (1865)، وكذا البخاري (1384). (¬2) أي: شرع ناس منهم بالصلاة، وكانوا مسلمين. (¬3) أي: لا تتَرَاءى، أو لا نافية. (¬4) أي: لا ينزل المسلم بالموضع الذي يرى ناره المشركُ. (¬5) رواه أبو داود (2645)، والترمذي (1604).

727 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما- قال: جاء رجلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستأذنَه في الجهاد، فقال: "أَحَيٌّ والداك؟ "، قال: نعم، قال: "ففيهما فجَاهِدْ". متفق عليه (¬1). 728 - وروى الحاكم حديثًا عن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا هاجَرَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من اليمَن، وفيه: فقال: "ألك أحدٌ باليمَن؟ " فقال: أبواي، فقال: "أَذِنَا لك؟ "، قال: لا، قال: "فارجِعْ فاستَأذِنْهما، فإن أَذِنَا لك فجَاهدْ، وإلا فبِرَّهما" (*) (¬2). 729 - وروى أيضًا عن عبد اللَّه بن أبي ربيعة (**): أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في بعض مغازيه، مَرَّ بأُناسٍ من مُزَينةَ، فأَتبعَه عبدٌ لامرأةٍ منهم، فلما كان في بعض الطريق سلَّم عليه، فقال: "فلانٌ؟ " قال: نعم، قال: "ما شأنُك؟ " قال: أُجاهِدُ معك، فقال: "أَذِنَتْ لك سيدتُك؟ "، قال: لا، قال: "ارجع إليها؛ فإنَّ مَثَلَك مَثَلُ عبدٍ لا يُصلِّي إن متَّ قبلَ أن تَرجعَ إليها، واقرأ عليها السلامَ". فرجع إليها فأخبَرَها الخبرَ، قالت: آللَّهِ هو ¬

_ (*) وهو عند أبي داود، وفي إسناده دَرَّاج أبو السَّمْح، وقد وثَّقه بعضُهم وضعَّفه بعضُهم، ولم يخرجا له. (**) عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وأمُّه ثقفية، وهو والد عمر الشاعر، تُوفِّي مع عثمان. (¬1) رواه البخاري (2842)، ومسلم (2549). (¬2) رواه الحاكم (2501)، وكذا أبو داود (2530).

فصل في كيفية الجهاد وأدبه

أمرَك أن تَقرأَ عليَّ السلامَ؟ قال: "نعم". قالت: فارجِعْ فجاهِدْ معه. قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬1). 730 - وعن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: لما نزلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كلَّمَه ابنُ أمِّ مكتوم، فنزلت: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] (¬2). 731 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "القتلُ في سبيل اللَّه يُكفِّرُ كلَّ شيءٍ؛ إلا الدَّينَ" (¬3). أخرجهما مسلم. * * * فصل في كيفية الجهاد وأدبه 732 - عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: بعثَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَسْبَسَةَ عينًا يَنظرُ ما صنعَتْ عِيرُ أبي سفيان (*) (¬4). 733 - وعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم، بل رواه مسلم. (¬1) رواه الحاكم (2553). (¬2) رواه البخاري (2676)، ومسلم (1898). (¬3) رواه مسلم (1886). (¬4) رواه مسلم (1901)، وأبو داود (2618).

كان إذا أراد غزوةً ورَّى (¬1) بغيرها، وكان يقول: "الحَربُ خَدْعةٌ (*) " (¬2). لفظ أبي داود فيهما (**). 734 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: نهى رسولُ اللُّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُسافَرَ بالقرآن إلى أرض العدو. وقال مالك: أراه: مخافةَ أن يَنالَه العدو (...) (¬3). 735 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تَمَنَّوا لقاءَ العدوِّ، فإذا لقيتُمُوهم فاصبِرُوا". لفظ مسلم (****) (¬4). 736 - وعن سليمان بن بُرَيدة، عن أبيه قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإذا أمَّرَ أميرًا على جيشٍ أو سَرِيَّةٍ أَوصَاه في خاصَّتِه بتقوى اللَّه، ومَن معه مِن ¬

_ (*) وفيه لغةٌ بالضم. (**) رجاله موثوقون. (...) اتفقا عليه من حديثه، وأخرجاه من حديث غير مالك، وليس فيه قوله: (أراه)، بل قوله: (مخافةَ أن ينالَه العدو) من الحديث، وقد بيَّن ذلك أيوبُ، عن نافع، ولفظه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُسافروا بالقرآن؛ فإني أَخافُ أن ينالَه العدو". أخرجه مسلم. (****) ورواه البُخاري تعليقًا. (¬1) أي: أوهم. (¬2) رواه أبو داود (2637). (¬3) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 446)، والبخاري (2828)، ومسلم (1869). (¬4) رواه مسلم (1741). وكذا البخاري (2863) معلقًا.

المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزُوا بسم اللَّه في سبيلِ اللَّه، قاتِلُوا مَن كَفَرَ باللَّه، اغزُوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِرُوا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تَقتلُوا وليدًا، فإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعُهم إلى ثلاثةِ خِصَالٍ، أو: خِلَالٍ، فأيَّتُهنَّ ما أجابوك فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، ادعُهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، ثم ادعُهم إلى التحوُّلِ من دارِهم إلى دارِ المهاجرين، وأخبِرْهم أنهم إنْ فعلُوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أَبَوا أن يتحوَّلُوا منها فأَخبِرْهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكمُ اللَّه الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفَيء شيءٌ؛ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أَبَوا فاسأَلْهم الجزيةَ، فإن هم أجابوك فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، فإن هم أَبَوا فاستَعِنْ باللَّه وقاتِلْهم، وإذا حاصرتَ أهلَ حِصنٍ، فأرادوكَ أن تَجعَلَ لهم ذِمَّةَ اللَّهِ وذِمَّةَ نبيِّه فلا تَجعلْ لهم ذِمَّةَ اللَّهِ ولا ذمَّةَ نبيِّه، ولكنْ اجعلْ لهم ذِمَّتَك وذِمَّةَ أصحابِك؛ فإنكم أن تُخفِرُوا (¬1) ذِمَمَكم وذِمَمَ أصحابكم أهونُ من أن تُخفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وذِمَّةَ رسوله، وإِذا حاصرتَ أهلَ حِصنٍ، فأرادوك أن تُنزلَهم على حكم اللَّه فلا تُنْزِلْهم على حكم اللَّه، ولكنْ أَنزِلْهم على حكمِك؛ فإنك لا تدري: أتُصيبُ حُكمَ اللَّه فيهم أو لا؟ ". قال عبد الرحمن بن مهدي: هذا أو نحوه (¬2). 737 - وعن ابن عون قال: كتبتُ إلى نافعٍ أسألُه عن الدعاء قبلَ ¬

_ (¬1) أي: تنقضوا. (¬2) رواه مسلم (1731).

القتال؟ قال: فكتب إلَيَّ: إنما كان ذلك في أولِ الإسلام، قد أغارَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على بني المُصطلِق، وهم غارُّون (¬1)، وأنعامُهم تُسقَى على الماء، فقَتَلَ مُقاتِلَتَهم، وسَبَى سَبْيَهم، وأصاب يومَئذ -قال يحيى: أحسِبُه قال: جُوَيريةَ أو البَتَّةَ- ابنةَ الحارث، وحدثني هذا عبد اللَّه بنُ عمرَ، وكان في ذلك الجيش (¬2). أخرجهما مسلم. 738 - وعنده عن عبد اللَّه بن أبي أَوفَى -رضي اللَّه عنهما- قال: دعا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الأحزاب فقال: "اللهم مُنْزِلَ الكتابِ، سريعَ الحسابِ، أهزِمِ الأحزابَ، اللهم اهزِمْهم وزَلْزِلْهم" (¬3). 739 - وعن قيس بن عُبَاد قال: كان أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكرهون الصوتَ (¬4) عند القتال (¬5). 740 - وعن أبي بُردة، عن أبيه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مثل ذلك. أخرجه أبو داود (*) (¬6). ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما. (¬1) أي: غافلون. (¬2) رواه مسلم (1730)، وكذا البخاري (2403). (¬3) رواه مسلم (1742)، وكذا البخاري (2775). (¬4) أي: بغير ذكر اللَّه ثعالى. (¬5) رواه أبو داود (2656). (¬6) رواه أبو داود (2657).

741 - وعن النعمان بن مُقرِّن قال: شهدتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا لم يُقاتِلْ من أول النهار أخَّرَ القتالَ حتى تزولَ الشمسُ ولهبَّ الرياحُ ويَنزلَ النصرُ. لفظ أبي داود (*) (¬1). 742 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- زوجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قالت: خرج رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قِبَلَ بدر، فلما كان بِحَرَّةِ الوَبْرة (¬2) أدركَه رجلٌ قد كان يُذكَر منه جرأةٌ ونجدةٌ، ففرح أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين رأَوه، فلما أدركَه قال: يا رسولَ اللَّه! جئتُ لأتَّبِعَك وأُصيبَ معك، قال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تؤمن باللَّه ورسوله؟ " قال: لا، قال: "فارجِعْ؛ فلن أَستعينَ بِمُشرِكٍ". الحديث. أخرجوه إلا البُخاري، واللفظ لمسلم (¬3). 743 - وعن البراء -رضي اللَّه عنه- قال: لما لقيَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المشركين يومَ حُنَين نزل عن بغلته، فتَرَجَّلَ. أخرجه أبو داود (**) (¬4). وهو في "الصحيحين" في الحديث الطويل (¬5). ¬

_ (*) وأخرجه الإمام أحمد والنَّسائي. والتِّرْمِذي أيضًا وصحَّحه، والحاكم وقال: على شرط (م). (**) والحاكم وقال: على شرطهما. (¬1) رواه أبو داود (2655)، والترمذي (1613). (¬2) موضع على نحو من أربعة أميال من المدينة. (¬3) رواه مسلم (1817)، وأبو داود (2732)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8760)، والترمذي (1558)، وابن ماجه (2832). (¬4) رواه أبو داود (2658)، والحاكم (2545). (¬5) رواه البخاري (2877)، ومسلم (1776).

744 - وعن إياس بن سَلَمة، عن أبيه قال: أَمَّرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا بكر، فغزَونا ناسًا من المشركين، فبينتَاهم نَقتلُهم، وكان شعارُنا تلك الليلة: أَمِتْ أَمِتْ. قال سَلَمة: فقَتلتُ بيدي تلك الليلةَ سبعةَ أهلِ أبياتٍ من المشركين. لفظ أبي داود (*) (¬1). 745 - وعن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: تقدَّم -يعني: عتبة بن ربيعة- وتبعَه ابنُه وأخوه، فنادى: مَن يُبارِزُ؟ فانتَدب إليه شبابٌ من الأنصار، فقال: مَن أنتم؟ فأخبَرُوه، فقال: لا حاجةَ لنا فيكم؛ إنما أرَدْنا بني عمِّنا، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُمْ يا حمزةُ، قُمْ يا عليُّ، قُمْ يا عُبَيدةُ بنَ الحارث"، فأقبل حمزةُ إلى عُتبةَ، وأَقبلتُ إلى شَيبةَ، واختَلفَتْ بين عُبيدةَ والوليدِ ضربتانِ، فأَثخَنَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، ثم مِلْنَا على الوليد فقتَلْنَاه، واحتَمَلْنا عُبيدةَ. أخرجه أحمد وأبو داود (**) (¬2). ¬

_ (*) إسناده على شرط مسلم، ورواه الحاكم مختصرًا وقال: على شرطهما. (**) وهذا لفظه، وهو من رواية حارثة بن مُضرِّب، عن عليٍّ، وقد وثَّقه ابنُ مَعين، وقال أحمد: حسن الحديث، والتِّرْمِذي وابن حِبَّان يُصحِّحانِ حديثَه، ونقل ابن الجَوزي عن ابن المَديني أنه قال: هو متروك الحديث؛ وفي هذا الذي نقلَه نظرٌ. قال ابن حِبَّان: أخبرنا جعفر بن سنان القطَّان بواسط، ثنا العباس بن محمد بن حاتم، ثنا محمد بن عبيد، ثنا محمد بن عمرو، عن الزُّهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن الصَّعْب بن جَثَّامة قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا حِمَى إلا للَّه ولرسوله"، وسألتُه عن أولاد المشركين: أنَقتلُهم معهم؟ قال: "نعم؛ فإنهم منهم"، ثم نَهَى عن قتلهم يومَ حُنَين. (¬1) رواه أبو داود (2638). (¬2) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 117)، وأبو داود (2665).

746 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: وجدتُ امرأةً مقتولةً في بعض تلك المغازي، فنَهَى النَّبِيُّ عن قتل النساء والصبيان. أخرجوه إلا ابن ماجه، واللفظ لمسلم (¬1). 747 - وعن سَمُرة بن جُندُب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقتُلُوا شيوخَ المشركين، واستَبقُوا شَرْخَهم (¬2) ". أخرجه أبو داود والتِّرْمِذي (¬3)، وهو من رواية الحسن عن سَمُرة، وفي اتصاله هاهنا خلافٌ (*). 748 - وعن أَسلمَ أبي عِمران قال: كنا بالقُسْطَنطينية وعلى أهلِ مصرَ عقبةُ بنُ عامر، وعلى أهلِ الشامِ فَضَالةُ بنُ عُبَيْدُ، فخرج مِن المدينة صفٌّ عظيمٌ من الرُّوم، فصفَفْنَا لهم صفًّا عظيمًا من المسلمين، فحملَ رجلٌ من المسلمين على صفِّ الرُّوم حتى دخلَ فيهم، ثم خرج إلينا مُقبِلًا، فصاح الناسُ وقالوا: سبحانَ اللَّه! ألقى بيده إلى التَّهلُكة، فقال أبو أيوب صاحبُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ياأيُّها الناسُ! إنكم تَأَوَّلُون هذه الآيةَ على هذا التأويلَ؛ وإنما نزَلتْ هذه الآيةُ فينا -مَعشَرَ الأنصار-: إنَّا لمَّا أعز اللَّهُ دِينَه، وكثَّرَ ناصِرِيه قُلْنا بيننا بعضٌ لبعضٍ سرًّا من ¬

_ (*) قد ثبت سماعُ الحسنِ من سَمُرةَ لغير حديث، وقد تقدَّم إخراجُ البُخاري لحديث العقيقة من هذا الوجه. (¬1) رواه البخاري (2852)، ومسلم (1744)، وأبو داود (2668)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8618)، والترمذي (1569)، وهو عند ابن ماجه (2841). (¬2) أي: المراهقين الذين لم يبلغوا الحلم. (¬3) رواه أبو داود (2670)، والترمذي (1583).

رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن أموالَنا قد ضاعَتْ، فلو أنَّا أقَمْنا فيها وأصلَحْنا مَا ضاعَ منها، فأَنزل اللَّهُ في كتابه يَردُّ علينا ما هَمَمْنا به، قال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]؛ فكانت التَّهلُكةُ الإقامةَ التي أَردْنا أن نُقيمَ في أموالنا فنُصلحَها، وأُمِرْنا بالغزو. فما زال أبو أيوب غازيًا في سبيل اللَّه حتى قُبِضَ. لفظ النَّسائي (*)، وأخرجه الحافظان الحاكم وابن حِبَّان في "صحيحيهما" (¬1). 749 - وعن ابن عَتيك الأنصاري، عن أبيه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن مِن الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللَّه". وفيه: "وإن مِن الخُيَلاءَ ما يحبُّ اللَّهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللَّهُ؛ فأما الخُيَلاءُ التي يحبُّ اللَّهُ أن يتخيَّلَ العبدُ بنفسه عند القتال، وأن يَتخيَّلَ عند الصدقة، وأما الخُيَلاءُ التي يُبغِضُ اللَّهُ فالخُيَلاءُ لغير الدِّين". لفظ رواية ابن حبان في "صحيحه". وقال: هذا أبو سفيان بن جابر بن عَتِيك بن النعمان الأَشْهَلِي، لأبيه صُحبةٌ. والحديث عند أبي داود والنَّسائي (¬2). 750 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قَطَّعَ نخلَ بني النَّضِير وحَرَّقَ، ولها يقول حسان: ¬

_ (*) وأخرجه أبو داود، والتِّرْمِذي وصحَّحه. (¬1) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" (11029)، وابن حبان (4711)، والحاكم (3088). (¬2) رواه ابن حبان (295)، ورواه أبو داود (2659)، والنسائي (2558).

فصل

وهَانَ عَلَى سَرَاةِ (*) بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالبُوَيرَةِ مُستَطِيرُ وفي ذلك نزلت: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} الآية [الحشر: 5]. أخرجه الجماعةُ كلَّهم (¬1). 751 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: بعَثَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعثٍ، فقال: "إنْ وجدتُم فلانًا وفلانًا فأَحرِقُوهما بالنار" (**). أخرجوه إلا مسلمًا وابن ماجه، واللفظ لأبي داود (¬2). * * * فصل 752 - عن عبد اللَّه بن مُغفَّل -رضي اللَّه عنه- قال: أَصبتُ جِرَابًا (¬3) من شحمٍ يومَ ¬

_ (*) السَّرَاة: أشرافُ القوم ورؤساؤُهم، والمُستطير: المُنتشر. (**) هذا الحديثُ له تمامٌ، لا يجوز اختصارُه؛ روى البُخاري عن أبي هريرة قال: بعَثَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بعثٍ، فقال لنا: "إنْ لقيتم فلانًا وفلانًا -لرجلين من قريش سماهما- فحرقوهما بالنار"، قال: ثم أتيناه نودعه حين أرَدْنا الخروجَ، فقال: "إني كنت أَمرتُكم أن تُحرِقُوا فلانًا وفلانًا بالنار، وإن النارَ لا يعذِّب بها إلا اللَّهُ؛ فإن أخذتُمُوهما فاقتُلُوهما". (¬1) رواه البخاري (3807 - 3808)، ومسلم (1746)، وأبو داود (2615)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8608)، والترمذي (1552)، وابن ماجه (2844). (¬2) رواه البخاري (2853)، وأبو داود (2674)، والنسائي في "السنن الكبرى" (8613)، والترمذي (1571). (¬3) هو وعاء من جلد.

خَيبرَ، قال: فالتَزمتُه فقلتُ: لا أُعطي اليومَ أحدًا من هذا شيئًا، قال: فالتفتُ فإذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متبسمًا (*) (¬1). 753 - وعن عوف بن مالك قال: قَتلَ رجلٌ من حِمْيَرَ رجلًا من المشركين، فأراد سلبَه، فمنعَه خالدُ بنُ الوليد، وكان واليًا عليهم، فأتَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عوفُ بنُ مالك فأخبَرَه، فقال لخالدُ: "ما منعَك أن تُعطيَه سلبَه؟ " فقال: استكثرتُه يا رسولَ اللَّه! قال: "ادفَعْه إليه"، فمرَّ خالدٌ بعوفٍ، فجرَّ بردائه ثم قال: هل أنجزتُ لك ما ذكرتُ لك من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فسمعَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فاستَغْضَبَ، فقال: "لا تُعطِه يا خالدُ، لا تُعطِه يا خالدُ، هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ إنما مَثَلُكم ومَثَلُهم كمَثَلِ رجلٍ استرعي إبلًا أو غنمًا، فرعاها، ثم تحيَّن سقيَها فأوردَها حوضًا فشَرعَتْ فيه، فشربَتْ صفوَه وتَركَتْ كدرَه؛ فصَفْوُه لكم، وكَدَرُه عليهم" (¬2). وفي رواية: قال عوف: فقلت: يا خالدُ! أَمَا علمتَ أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى بالسَّلَبِ للقاتلِ؟ قال: بلى، ولكني استَكثرتُه (**) (¬3). وفي رواية الحافظ أبي بكر البِرْقَاني: أن عوفَ بنَ مالك الأشجعي قال: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى بالسَّلَبِ للقاتلِ، ولم يُخمِّسِ السَّلَبَ (...). ¬

_ (*) لفظ مسلم، وهو متفق عليه. (**) وكلاهما عند مسلم. (...) إسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه البخاري (3977)، ومسلم (1772). (¬2) رواه مسلم (1753). (¬3) رواه مسلم (1753).

وهو عند أبي داود من حديث عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى بالسَّلَبِ للقاتلِ، ولم يُخمِّسِ السَّلَبَ. ورواه من حديث إسماعيل بن عيَّاش عن الشاميِّين (*) (¬1). 754 - وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه- أنه قال: بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ نظرتُ عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا واقفٌ بين غلامَينِ من الأنصار، حديثةٍ أسنانُهما، تمنَّيتُ أن أكونَ بين أَضلَعَ (**) منهما، فغمزَني أحدُهما فقال: يا عمِّ! هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، ما حاجتُك إليه يا ابنَ أخي؟ قال: أُخبرتُ أنه يَسُبُّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والذي نفسي بيده! لئن رأيتُه لا يفارقُ سوادي سوادَه (¬2) حتى يموتَ الأعجلُ (¬3) منا، قال: فعجبتُ لذلك، فغمزَني الآخرُ فقال مثلَها، فلم أَنشَبْ (¬4) أن نظَرتُ إلى أبي ¬

_ (*) وباقي رجاله مُخرَّجٌ لهم في الصحيح. رواه أبو داود عن سعيد بن منصور، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن صفوان بن عمر، وعن عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، عن أبيه، عنهما. ورواه أحمد عن أبي المغيرة، عن صفوان، ولفظه: (لم يُخمِّسِ السَّلَبَ). ورواه أبو يَعلَى عن أبي همام، عن بقيَّةَ، عن صفوانَ، كذلك مِن رواية خالد فقط، واللَّه أعلم. (**) أقوى. (¬1) رواه أبو داود (2721). (¬2) أي: لا يفارق شخصي شخصَه. (¬3) أي: الأقرب أجلًا. (¬4) أي: ألبث.

جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تَرَيانِ؟ هذا صاحبُكم الذي تسألانِ عنه، قال: فابتدراه، فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبراه، فقال: "أيُّكما قتلَه؟ " فقال كلُّ واحدٍ منها: أنا قتلتُه، فقال: "هل مسحتُما سيفَيكما؟ " قالا: لا، فنظر في السَّيفَينِ فقال: "كلاكما قتلَه"، وقضَى بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجَموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء. لفظ مسلم (*) (¬1). 755 - وعنده من حديث أنس بن مالك: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن يَنظرُ لنا ما صنع أبو جهل؟ " فانطلق ابنُ مسعود فوجدَه قد ضربَه ابنا عفراء حتى بَرَدَ (¬2)، فأخذَ بلحيته فقال: أنت أبو جهل؛ فقال: وهل فوقَ رجل قتلتُمُوه، أو قال: قتلَه قومُه؟ قال: وقال أبو مِجْلَز: قال أبو جهل: فلو غيرُ أَكَّارٍ (**) قتلَني (...) (¬3). 756 - وعن محمد بن جُبَير بن مُطعِم، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال في أُسارَى بدرٍ: "لو كان المُطعِمُ بنُ عدي حيًّا، ثم كلَّمَني في هؤلاء ¬

_ (*) ورواه البُخاري أيضًا. (**) الفَلَّاح. (...) ورواه (خ) أيضًا. (¬1) رواه مسلم (1752)، وكذا البخاري (2972). (¬2) أي: مات. (¬3) رواه مسلم (1800)، وكذا البخاري (3795).

النَّتْنَى لَتَركتُهم له (¬1) ". متفق عليه (*) (¬2). وعند أبي داود: "لأَطلقتُهم له" (¬3). 757 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: لما كان يومُ بدرٍ وأَخَذَ، يعني: النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الفداءَ أنزل اللَّهُ -عز وجل-: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} [الأنفال: 67، 68] من الفداء، ثم أَحلَّ لهم الغنائم. لفظ أبي داود (¬4). وأخرجه مسلم في أثناء الحديث الطويل، وفيه: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: "ما تَرَون في هؤلاء الأُسارَى؟ " فقال أبو بكر: يا نبيَّ اللَّه! هم بنو العمِّ والعَشيرةُ، أَرى أن تأخذَ منهم فِديةً فتكونَ لنا قوةً على الكفار، فعسى اللَّهُ أن يَهديَهم للإسلام، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما تَرى يا ابنَ الخطاب؟ " قلت: لا، واللَّه يا رسول اللَّه! ما أَرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أَرى أن تُمكِنَّا فنَضربَ أعناقَهم، فتُمكِّنَ عليًّا من عَقِيلِ فيَضربَ عنقَه، ¬

_ (*) لم يَروِه مسلم، بل انفرد به البُخاري، واللَّه أعلم. (¬1) مكافأة له على صنيعه عندما أجار النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حين رجع من الطائف وذبَّ المشركين عنه. (¬2) رواه البخاري (2970). (¬3) رواه أبو داود (2689). (¬4) رواه أبو داود (2690).

وتُمكنِّي من فلانٍ -نسيبًا لعمرَ- فأضربَ عنقَه؛ فإن هؤلاء أئمَّةُ الكفر وصناديدُها، فهَوِيَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يَهوَ ما قلتُ، فلما كان من الغد جئتُ، فإذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر قاعدَينِ يَبكيانِ، قلت: يا رسولَ اللَّه! أَخبِرْني مِن أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبُك؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ، وإن لم أَجدْ بكاءً تَبَاكيتُ لبكائكما، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبكي للذي عَرَضَ عليَّ أصحابُك من أخذِهم الفداءَ، لقد عُرض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرةِ"، شجرة قريبةٍ من رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. الحديث (¬1). 758 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شاوَرَ حين بلغَه إقبالُ أبي سفيان، الحديث. وفيه: فنَدَبَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الناسَ، فانطلقوا حتى نزلوا بدرًا، ووَردَتْ عليهم روايا (¬2) قريشٍ، وفيهم غلامٌ أسودُ لبني الحجاج، فأخذوه، فكان أصحابُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه، فيقول: مالي علمٌ بأبي سفيان، ولكنْ هذا أبو جهل وعُتبةُ وشَيبةُ وأميةُ بنُ خلف، فإذا قال هذا ضربوه، فقال: نعم، أنا أُخبركم؛ هذا أبو سفيان. فإذا تركوه فسألوه فقال: مالي بأبي سفيانَ علمٌ، ولكنْ هذا أبو جهل وعُتبةُ وشَيبةُ وأميةُ بنُ خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضًا ضربوه، ورسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمٌ يُصلِّي، فلما رأى ذلك انصرف قال: "والذي نفسي بيده! لَتَضرِبُوه إذا صدَقَكم، وتَتركُوه إذا كَذَبَكم ". ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1763). (¬2) جمع راوية، والروايا من الإبل: الحوامل للماء.

أخرجه مسلم (*) (¬1). 759 - وعن يزيد بن هُرْمُز: أن نَجْدَةَ كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمسِ خِلَالٍ؟ فقال ابن عباس: لولا أن أكَتُمَ علمًا ما كتبتُ إليه، الحديث. وفيه: كتبتَ تسألني: هل كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهنَّ، فيُداوِينَ الجرحى، ويُحذَينَ (¬2) من الغنيمة، وأمَّا بسهمٍ فلم يَضرِبْ لهنَّ، وكتبتَ تسألني عن الخُمس: لِمَن هو؟ وإنَّا كنَّا نقول: هو لنا، فأَبَى علينا قومُنا ذلك، الحديث. أخرجه مسلم (¬3). وفي رواية: وسألتَ عن المرأة والعبد: هل كان لهما سهمٌ معلومٌ إذا حضروا البأسَ؟ وإنه لم يكنْ لهنَّ سهمٌ معلومٌ إلا أن يُحذَيَا من غنائم القوم (¬4). 760 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: بعثَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً، وأنا فيهم، قِبَلَ نجدٍ فغَنِمُوا إبلًا كثيرةً، فكانت سُهمانُهم اثني عشرَ بعيرًا أو أحدَ عشرَ بعيرًا، ونُفِّلُوا بعيرًا بعيرًا (**) (¬5). ¬

_ (*) وأبو داود. (**) متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (1779)، وأبو داود (2681). (¬2) أي: يعطين تلك العطية، وتسمى الرضخ. (¬3) رواه مسلم (1812). (¬4) رواه مسلم (1812). (¬5) رواه البخاري (2965)، ومسلم (1749).

وفي رواية الليث وعبد اللَّه: اثني عشرَ من غيرِ شكٍّ (¬1). وهما عند مسلم. وفي رواية عبيد اللَّه: ونفَّلنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعيرًا بعيرًا (*) (¬2) * * * ¬

_ (*) وكذلك هو "الصحيحين" من حديث السَّخْتِياني، عن نافع. (¬1) رواه مسلم (1749). (¬2) رواه مسلم (1749).

[7] كتاب البيوع

[7] كتاب البيوع

[7] كتاب البيوع 761 - روى مسلم من حديث سالم بن أبي الجَعد، عن جابر في قصة بعيره قال: قلت: فإن لرجلٍ عليَّ أوقيةَ ذهبٍ، فهو لك بها، قال: "قد أخذتُه، فتَبلَّغْ عليه إلى المدينة"، الحديث (¬1). 762 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه-: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول عامَ الفتح، وهو بمكة: "إن اللَّهَ ورسولَه حرَّمَ بيعَ الخَمر، والميتةَ، والخنزيرَ، والأصنامَ"، فقيل: يا رسولَ اللَّه! أرأيتَ شحومَ الميتة؛ فإنه يُطلَى بها السُّفنُ، ويُدهَنُ بها الجلودُ، ويَستصبحُ (¬2) بها الناسُ؟ فقال: "لا، هو حرامٌ"، ثم قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند ذلك: "قاتَلَ اللَّهُ اليهودَ! إن اللَّهَ -عز وجل- لما حرَّمَ عليهم شحومَها أَجْمَلُوه (*) ثم باعُوه، فأكلُوا ثمنَه" (¬3). 763 - وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن ¬

_ (*) ويقال: جَمَلُوه؛ وهو أشهر (¬4). (¬1) رواه مسلم (715). (¬2) أي: ينوِّر. (¬3) رواه البخاري (2121)، ومسلم (1581). (¬4) وأجملوه: أذابوه.

ثمنِ الكلبِ، ومَهرِ البَغِيِّ، وحُلْوانِ الكاهنِ (¬1). متفق عليهما، واللفظ لمسلم. 764 - وعن أبي الزبير قال: سألتُ جابرًا عن ثمنِ الكلبِ والسِّنَّوْرِ؟ فقال: زَجَرَ عن ذلك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه مسلم (¬2). 765 - وروى النَّسائي من حديث حَمَّاد بن سَلَمة، عن أبي الزبير، عن جابر: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن ثمنِ السِّنَّورِ والكلبِ؛ إلا كلبَ صيدٍ. أخرجه عن جماعة مُوثَّقين؛ إلا أنه ذكر أنه مُنكَرٌ (*) (¬3). 766 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا وقعَتِ الفأرةُ في السَّمنِ؛ فإن كان جامدًا فأَلقُوها وما حولَها، وإن كان ¬

_ (*) قال النَّسائي: أخبرني إبراهيم بن الحسن المِقْسَمِي، ثنا حجاج بن محمد، عن حَمَّاد بن سَلَمة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه نهَى عن ثمنِ السِّنَّوْرِ والكلبِ؛ إلا كلبَ صيدٍ. قال النَّسائي: حديث حجاج عن حَمَّاد بن سَلَمة ليس هو بصحيحٍ، ورواه في موضعٍ آخرَ بهذا الإسناد وقال: هذا حديثٌ مُنكَرٌ. وإبراهيم بن الحسن صدَّقه أبو حاتم، وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ، وحجاج بن محمد لا يُسأل عن مثله. وحَمَّاد بن سَلَمة إمامٌ له أوهامٌ، والحديثُ غيرُ صحيحٍ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه البخاري (2122)، ومسلم (1567). (¬2) رواه مسلم (1569). (¬3) رواه النَّسائي (4295).

مائعًا فلا تَقرَبُوه" (*) (¬1). 767 - وعند البُخاري من حديث ميمونة: أن فأرةً وقعتْ في سمنٍ، فماتَتْ، فسُئل النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عنها، فقال: "أَلقُوها وما حولَها، وكُلُوه" (¬2). وفي رواية عند البَيْهَقي: جامد (¬3) (**). ¬

_ (*) أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديثٌ غيرُ محفوظٍ، وقد جَمعتُ فيه جزءًا. (**) رَوى هذه الزيادةَ البَيْهَقيُّ فقال: أنبأ علي بن أحمد بن عَبدان، أنبأ أحمد بن عبيد، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا حجاج بن المِنْهال، عن سفيان، عن الزُّهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس، عن ميمونة: فذكر الحديث. وحجاج بن المِنْهال ثقةٌ، لكنه غيرُ معروفٍ بالرواية عن ابن عُيَينةَ، وأصحابُ سفيانَ المعروفون بالرواية عنه من الحجازيين وغيرهم لم يذكروا هذه اللفظةَ؛ فالظاهرُ أن ذكرَها وهمٌ من حجاج أو غيره، ولأن الغالبَ على سمنِ الحجازِ أن يكونَ مائعًا، وكونُه جامدًا نادرٌ، والسؤالُ في الغالب لا يقع إلا على الغالب، ولأن حكمَ الجامدِ ظاهرٌ، وإنما المُشكِلُ المائعُ؛ فالظاهرُ أن السؤالَ كان عنه، أو عن أعمَّ منه، فأجاب النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يَستفصِلْ، واللَّه أعلم. وقال النَّسائي: أنبأ يعقوب بن إبراهيم الدَّورَقي ومحمد بن يحيى بن عبد اللَّه النَّيسَابوري، عن عبد الرحمن، عن مالك، عن الزُّهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن ميمونةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن فأرةٍ وقعَتْ في سمنٍ جامدٍ، فقال: "خُذُوها وما حولَها فأَلقُوه". قوله: "جامد" مُلحَقٌ في نسخة الحافظ عبد الغني، رأيتُه بخطِّه، ورأيتُه مُثبَتًا في = (¬1) رواه أبو داود (3842). (¬2) رواه البخاري (233). (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/ 353).

وفي أخرى عنده: "وإن كان ذائبًا أو مائعًا لم يُؤكَل" (¬1). 768 - وعن جابر قال: باع النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُدَبَّرًا (¬2). أخرجه البُخاري هكذا مختصرًا (¬3). 769 - وروى النَّسائي من حديث ابن جُرَيج، قال: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابرًا يقول: كنا نبَيعُ سَرَارِيَنا أمَّهاتِ الأولاد، والنَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيٌّ لا نَرَى بذلك بأسًا (*) (¬4). 770 - وعند أبي داود من رواية عطاء، عن جابر بن عبد اللَّه قال: بِعْنا ¬

_ = نسختَينِ غيرِها، فاللَّه أعلم. هذه الكلمة ثابتة في رواية الكسار عن ابن السني، ساقطة في رواية حمزة عن النَّسائي. كذا رأيته في نسخة مغربية منبهًا عليه بالرموز. قاله ابن حجِّي. وقال أبو داود الطَّيَالسي في "مسنده": ثنا سفيان بن عُيَينة، عن الزُّهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس: أن فأرةً وقعَتْ في سمنٍ جامد لآلِ ميمونةَ، فأمرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُؤخَذَ الفارةُ وما حولَها. زيادةُ "جامد" في هذا الحديث وهمٌ من أبي داود، ولا نعلم أحدًا ذكرها عن ابن عُيَينةَ غيرُه وغيرُ حجاج، وأبو داود كان يحدث من حفظه، وله أوهامٌ كثيرةٌ، والصوابُ روايةُ الإثبات عن ابن عُيَينةَ بدون ذكرِه هذه الزيادةَ، واللَّه أعلم. (*) وهو عند ابن ماجه أيضًا، وإسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه البيهقي (9/ 353). (¬2) دبَّر الرجل عبده تدبيرًا: إذا أعتقه بعد موته. (¬3) رواه البخاري (6/ 2627) معلقًا. (¬4) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" (5039)، وابن ماجه (2517).

أمَّهاتِ الأولاد على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكر، فلما كان عمرُ نهانا، فانتَهَينا (*) (¬1). 771 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن بيع أمَّهاتِ الأولاد وقال: "لا يُبَعْنَ، ولا يُوهَبْنَ، ولا يُورثْنَ، يَستمتِعُ بها سيدُها ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حُرَّةٌ". أخرجه الدَّارَقُطْني (¬2)، والمعروفُ فيه الوقفُ على عمر -رضي اللَّه عنه-، والذي رفعَه ثقةٌ، قيل: ولا يصحُّ مُسنَدًا. 772 - وروى البُخاري من حديث عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه قال: دخلتُ على عائشةَ، قالت: دخلَتْ عليَّ بَرِيرةُ وهي مُكاتَبةٌ، فقالت: يا أمَّ المؤمنين! اشتَرِيني؛ فإن أهلي يبيعوني، فأَعتِقِيني، قالت: نعم، قالت: إن أهلي لا يبيعوني حتى يَشتَرِطُوا ولائي، قالت: لا حاجةَ لي فيك، فسمع ذلك النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو: بلغَه، فقال: "ما شأنُ بَرِيرَةَ؟ اشتَرِيها فأَعتِقِيها، وَلْيَشترِطُوا ما شاؤوا"، قالت: فاشتريتُها فأعتقتُها، واشترط أهلُها ولاءَها، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاءُ لِمَن أَعتقَ، وإن اشترطوا مئةَ شرطٍ" (¬3). 773 - وعن إياس بن عبدٍ صاحبِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: لا تبيعوا فضلَ الماء؛ فإن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بيع الماء (¬4). ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (3954). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 135). (¬3) رواه البخاري (2576). (¬4) رواه النَّسائي (4663).

وفي رواية عنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن بيع فضل الماء (¬1). أخرجهما النَّسائي (*). 774 - وعنده من حديث جابر: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن بيع الماء (**) (¬2). 775 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع الحَصاة، وعن بيع الغَرَر. أخرجه مسلم (¬3). 776 - وعن عمرو بن شعيب قال: حدثني أبي، عن أبيه، حتى ذكرَ عبد اللَّه بنَ عمرو: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحلُّ سَلَفٌ وبيعٌ، ولا شرطانِ في بيعٍ، ولا ربحُ ما لم يُضمَن، ولا بيعُ ما ليس عندك". أخرجه التِّرْمِذي وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: حديث صحيح على شرط جماعة من أئمة المسلمين (...) (¬4). ¬

_ (*) وصحَّحه التِّرْمِذي. (**) وأخرجه مسلم، ولفظه: نهَى عن بيع فضل الماء. (...) وذكرُ محمدِ بنِ عبد اللَّه بنِ عمرِو فيه وهمٌ، ورواه النَّسائي وابن ماجه من طرق قالوا فيها: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، كباقي الصحيفة، وهذا هو الصحيحُ؛ لأن محمدًا مات في حياة أبيه عبد اللَّه بن عمرو، وليس له ذكرٌ إلا في القليل، وهو وهمٌ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه النَّسائي (4662). (¬2) رواه النَّسائي (4660)، وكذا مسلم (1565). (¬3) رواه مسلم (1513). (¬4) رواه الترمذي (1234)، والحاكم (2185).

777 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن اشتَرَى طعامًا فلا يَبعه حتى يكتالَه" (*) (¬1). 778 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أنهم كانوا يُضرَبون على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا اشتَرَوا طعامًا جِزَافًا (¬2) أن يَبيعُوه في مكانه حتى يُحوِّلُوه. متفق عليه (¬3). 779 - وعنه قال: ابتَعتُ زيتًا في السوق، فلما استَوجبتُه (¬4) لقيَني رجلٌ فأعطاني به ربحًا جسيمًا، فأردتُ أن أضربَ على يده (¬5)، فأخذ رجلٌ من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيدُ بنُ ثابت، فقال: لا تَبِعْه حيث ابتعتَه حتى تَحوزَه إلى رحلك؛ فإن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى أن تُباعَ السلعُ حيث تُبتَاعُ، حتى يَحوزَها التجارُ إلى رحالهم. أخرجه أبو داود، في إسناده ابن إسحاق، واختُلف في الاحتجاج بحديثه، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (¬6). ¬

_ (*) أخرجه مسلم. (¬1) رواه مسلم (1528). (¬2) الجزاف: مثلَّث الجيم والكسر أفصح وأشهر، هو البيع بلا كيل ولا وزن ولا تقدير. (¬3) رواه البخاري (6460)، ومسلم (1527). (¬4) أي: صار في ملكي. (¬5) أي: أعقد معه البيع. (¬6) رواه البخاري (6460)، ومسلم (1527).

780 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع المَغانم حتى تُقسَمَ، وعن الحَبَالى أن يُوطَأْنَ حتى يَضَعْنَ ما في بطوهنَّ، وعن لحمِ كل ذي نابٍ من السِّباع. أخرجه النَّسائي (¬1). ورواه الحاكم في "المستدرك"، وفيه زيادة قال: لا تَسقِ زرعَ غيرِك، وعن لحومِ الحُمُر الأهلية (¬2). 781 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كنتُ أَبيعُ الإبلَ بالبقيع، فأَبيعُ بالدنانير وآخذُ الدراهمَ، وأَبيعُ بالدراهم وآخذُ بالدنانير، وآخذُ هذه من هذه، وأُعطي هذه من هذه، فأَتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسولَ اللَّه! رُوَيدَك أَسألْك: إني أَبيعُ الإبلَ بالبقيع، فأبيعُ بالدنانير وآخذُ الدراهمَ، وأَبيعُ بالدراهم وآخذُ الدنانيرَ، آخذُ هذه من هذه، وأُعطي هذه من هذه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا بأسَ أن تأخذَها بسعرِ يومِها؛ ما لم تفترقا وبينكما شيءٌ". لفظ رواية أبي داود، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (*) (¬3). ¬

_ (*) وصحَّحه الدَّارَقُطْني أيضًا. (¬1) رواه النَّسائي (4645). (¬2) رواه الحاكم (2336). (¬3) رواه أبو داود (3354)، والحاكم (2285).

782 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن المُزَابَنَةِ (¬1)، وعن المُحَاقَلَةِ (¬2)، وعن الثُّنْيَا (¬3)؛ إلا أن تُعلَم. أخرجه أبو داود (*) (¬4). وفي "صحيح مسلم" عن جابر: (النهي عن الثُّنْيَا) في حديثٍ ذكرَه (¬5). 783 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن بيع حَبَلِ الحَبَلةِ (**) (¬6). 784 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بيع الولاء (¬7)، وعن هِبَتِه (...) (¬8). ¬

_ (*) ورواه النَّسائي، والتِّرْمِذي وقال: حديث حسن صحيح غريب، وهو من رواية سفيان بن حسين، عن يونس بن عبيد، عن عطاء، عن جابر. (**) لفظ مسلم، وهو متفق عليه. (...) أخرجوه أجمعون. (¬1) هي بيع الرُّطب في رؤوس النخل بالتمر. (¬2) هي اكتراء الأرض بالحنطة. (¬3) وهي الاستثناء في البيع؛ كقوله: بعتك هذه الأشجار إلا بعضها، أي: دون تعيين. (¬4) رواه أبو داود (3405). (¬5) رواه مسلم (1536). (¬6) رواه البخاري (2036)، ومسلم (1514)، وقيل في تفسير (حبل الحبلة): أنه البيع بثمن مؤجل إلى أن تلد الناقة ويلد ولدها، وقيل: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال. (¬7) يعني: ولاء العتق، وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثة معتقه. (¬8) رواه البخاري (2398)، ومسلم (1506).

785 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن عَسْبِ (¬1) الفَحلِ. رواه البُخاري (¬2). 786 - وعند مسلم من حديث جابر: نهى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيع ضِرَابِ الجَمَل (¬3) (¬4). 787 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بَيعتَينِ في بَيعةٍ (¬5). أخرجه التِّرْمِذي وقال فيه: حسن صحيح (¬6). 788 - وروى ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص: أن أبا سعيد الخُدْري قال: نَهَانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بَيعتَينِ ولِبْستَينِ؛ نهَى عن المُلامَسَة والمُنابَذَة في البيع، والمُلامَسَة: لمسُ الرجلِ ثوبَ الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يُقلِّبه إلا بذلك، والمُنابَذَة: أن يَنبذَ الرجلُ إلى الرجل بثوبه ويَنبذَ الآخرُ إليه ثوبَه، فيكون ذلك بيعَهما من غيرِ نظرٍ ولا تراضٍ. متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬7). ¬

_ (¬1) أي: ماء. (¬2) رواه البخاري (2164). (¬3) أي: أخذ الأجرة على ضرابه، وينبغي لصاحب الفعل إعارته بلا أجر. (¬4) رواه مسلم (1565). (¬5) فسَّره أكثر أهل العلم يقول: بعتك هذا الثوب نقدًا بعشرة، ومؤجلًا بخمسة عشر. (¬6) رواه الترمذي (1231). (¬7) رواه البخاري (5482)، ومسلم (1512).

789 - وروى مسلم من حديث جابر: أنه باع النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعيرًا واشترط ظَهرَه إلى أهله (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) قال النَّسائي: أنبأ محمد بن منصور قال: ثنا سفيان عن أبي الزبير، عن جابر قال: أدركني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكنتُ على ناضحٍ لنا، فقلت: لا يزال لنا ناضحُ سَوءٍ، يا لَهْفَاهُ! فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَبيعُنِيه يا جابرُ؟ " قلت: بل هو لك يا رسولَ اللَّه، قال: "اللهم اغفِرْ له، اللهم ارحَمْه، قد أخذتُه بكذا وكذا، وقد أَعرتُك ظَهرَه إلى المدينة". فلما قدمتُ المدينةَ هيَّأتُه فذهبتُ به إليه، فقال: "يا بلالُ! أعطِه ثمنَه". فلما أَدبرتُ دعاني فخفتُ أن يَردَّه، فقال: "هو لك". هذا إسناد صحيح. قال ابن حجي: وروايةُ مسلمٍ المتقدمةُ في أول الباب تدل على أنه أعارَه ظَهرَه إلى المدينة بعد عقد البيع. (¬1) رواه مسلم (715)، وكذا البخاري (2569).

1 - باب الربا

1 - باب الرِّبا 790 - عن الحارث (*) بن عبد اللَّه: أن ابن مسعود قال: آكِلُ الرِّبا ومُوكِلُه وشاهداه إذا علمَا به، والواشمةُ والمستوشمةُ للحُسْنِ، ولاوي الصدقةِ (¬1)، والمُرتدُّ أعرابيًّا بعد هجرته؛ ملعونون على لسان محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ القيامة. أخرجه ابن حِبَّان في "صحيحه" (¬2). وفي "صحيح مسلم" من حديث علقمة، عن عبد اللَّه قال: لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه (¬3). 791 - وعن عُبَادةَ بنِ الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهبُ بالذهبِ، والفضةُ بالفضةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعيرِ، والتمرُ بالتمرِ، والمِلحُ بالمِلحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سواءً بسواءٍ، يدًا بيدٍ، فإذا اختلفَتْ هذه ¬

_ (*) هو الأعور، وقد ذكره ابنُ حِبَّان في كتاب "الضعفاء" وقال: كان غاليًا في التشيُّع واهيًا في الحديث؛ وكأنه ظنَّه غيرَه فوَهِمَ، واللَّه أعلم. (¬1) هو المماطل بالصدقة، الممتنع عن أدائها. (¬2) رواه ابن حبان (3252). (¬3) رواه مسلم (1597).

الأصنافُ فبِيعُوا كيف شئتُم إذا كان يدًا بيدٍ" (¬1). وفي رواية: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهَى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواءً بسواءً، عينًا بعينٍ (¬2). 792 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذهبُ بالذهبِ ورنًا بوزنٍ، والفضةُ بالفضةِ وزنًا بوزنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فمَن زاد أو استَزادَ فهو رَبَا" (¬3). أخرجها كلَّها مسلم. 793 - وفي حديث أبي سعيد الخدري: أَبصرَتْ عيناي، ووَعَاه قلبي، وسمعَتْ أذناي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تَبيعُوا الذهبَ بالذهبِ، ولا تَبيعُوا الوَرِقَ بالوَرِقِ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولا تُشِفُّوا (¬4) بعضَه على بعضٍ، ولا تَبيعُوا شيئًا غائبًا منه بناجِزٍ إلا يدًا بيدٍ". أخرجه مسلم أيضًا (¬5). 794 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن شراء (*) الذهب ¬

_ (*) يمد ويقصر. (¬1) رواه مسلم (1587). (¬2) رواه مسلم (1587). (¬3) رواه مسلم (1588). (¬4) أي: تَفْضُلوا. (¬5) رواه مسلم (1584).

بالفضة والفضة بالذهب، فقال: "إذا أَخذتَ واحدًا منها (¬1) بالآخرِ فلا يُفارِقْك صاحبُك وبينَك وبينَه شيءٌ". أخرجه الحاكم في "المستدرك" وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (*) (¬2). قلتُ: ومِن المتفق عليه قولُ عمرَ -رضي اللَّه عنه- في مصارفةِ مالكِ بنِ أوس طلحةَ بنَ عبيد اللَّه: واللَّهِ لا تُفارقُه حتى تأخذَ منه؛ فإن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الوَرِقُ بالذهبِ رِبًا؛ إلَّا هاءً وهاءً"، الحديث (¬3). 795 - وعن فَضَالة بن عُبيد قال: اشتَريتُ يومَ خَيبرَ قلادةً باثني عشرَ ¬

_ (*) قال الخطيب في "التاريخ": أنبأ البَرْقَاني قال: قرأتُ على عبد اللَّه بن عمر بن أحمد الجوهري المَروزي بها: حدثكم عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، عن أبي داود قال: كنتُ عند شعبةَ، فجاءه خليد بن طليق، يعني: ابن محمد بن عِمران بن حُصَين، قال عبد اللَّه: لا أدري كان قاضيَ أو أميرَ البصرة، قال: فسأله عن حديث سِمَاك، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في السَّلَم في اقتضاء الذهب من الوَرِق أو الوَرِق من الذهب، فقال له شعبة: أَصلحَك اللَّهُ؛ حدثني قتادة، عن سعيد بن المسيِّب، عن ابن عمر، لم يَرفعْه، وحدثني داود ابن أبي هند، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمر، لم يَرفعْه، قال: وحدثني فلان -ذكر رجلًا، قال أبو عبد الرحمن: أراه أيوب، ولكن سقط عن سعيد بن جبير- عن ابن عمر، لم يَرفعْه، ورفعَه سِمَاك، وأنا أَهابُه. (¬1) في الهامش: "منهما"، وفوقها علامة (خ). (¬2) رواه الحاكم في "المستدرك" (2285). ورواه النَّسائي (4583)، وابن ماجه (2262) نحوه. (¬3) رواه البخاري (2065)، ومسلم (1586).

دينارًا فيها ذهبٌ وخرزٌ، ففصلتُها فوجدتُ فيها أكثرَ من اثني عشرَ دينارًا، فذَكرتُ ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "لا تُبَاعُ حتى تُفصَّلَ". أخرجه مسلم (¬1). 796 - وروى أيضًا من حديث سعيد بن المسيِّب: أن أبا هريرةَ وأبا سعيد حدثاه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث أخا بني عدي الأنصاري فاستَعملَه على خَيبرَ، فقَدِمَ بتمرٍ جَنِيبٍ (¬2)، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أكُلُّ تمرِ خَيبرَ هكذا؟ " قال: لا، واللَّه يا رسولَ اللَّه؛ إنَّا نشَتري الصاعَ بالصاعَينِ من الجَمْع (¬3)، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَفعلُوا؛ ولكنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أو بِيعُوا هذا واشتَرُوا بثمنه من هذا، وكذلك الميزانُ" (¬4). وعند البُخاري في بعض الروايات المُوَصَّلة، فقال: "لا تَفعلْ، بِعِ الجَمْعَ بالدراهم، ثم اشتَرِ بالدراهم جَنِيبًا"، وقال في الميزان مثلَ ذلك (¬5). 797 - وروى أيضًا (*)، من حديث مَعمَر بن عبد اللَّه: أنه أَرسلَ غلامَه بصاعِ قمحٍ، فقال: بِعْه، ثم اشتَرِ به شعيرًا، فذهب الغلامُ فأخذ صاعًا وزيادةَ بعضِ صاعٍ، فلما جاء مَعمَرُ أخبرَه بذلك، فقال له مَعمَر: لِمَ فعلتَ ذلك؟ ¬

_ (*) يعني: مسلمًا. (¬1) رواه مسلم (1591). (¬2) نوع جيد من أنواع التمر. (¬3) نوع من التمر رديء. (¬4) رواه مسلم (1593). (¬5) رواه البخاري (2180).

انطلِقْ فرُدَّه، ولا تأخذَنَّ إلا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ فإني كنتُ أسمعُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "الطعامُ بالطعامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ". وكان طعامُنا يومَئذٍ الشعيرَ. قيل له: فإنه ليس مثلَه، قال: إني أخافُ أن يُضارِعَ (¬1). أخرجه مسلم (¬2). 798 - وعن الحسن، عن سَمُرةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن بيع الحيوانِ بالحيوانِ نسيئةَ. أخرجه الأربعة، وقال التِّرْمِذي: حسن صحيح (¬3). 799 - ورواه البَزَّار من حديث ابن عباس وقال: ليس في الباب أجلُّ إسنادًا من هذا. قلت: وقد عُلِّلَ بالإرسال، إلا أن الذي أَسندَه ثقةٌ. 800 - وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن المُزابَنَة. والمُزابَنَة: بيعُ الثمرِ بالتمرِ كيلًا، وبيعُ الكَرمِ بالزَّبيب كيلًا. لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬4). ¬

_ (¬1) أي: يشابه ويشارك، ومعناه: أخاف أن يكون في معنى المماثل فيكون له حكمه في تحريم الربا. (¬2) رواه مسلم (1592). (¬3) رواه أبو داود (3356)، والنسائي (4620)، والترمذي (1237)، وابن ماجه (2270). (¬4) رواه البخاري (2073)، ومسلم (1542).

فصل

وفي رواية عبيد اللَّه عند مسلم: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن المُزابَنَة، بيعِ ثمرِ النخل بالتمرِ كيلًا، وبيعِ العنبِ بالزَّبيبِ كيلًا، وبيعِ الحِنطةِ بالزرع كيلًا (¬1). وفي رواية: بيعِ النخلِ بالتمرِ كيلًا، وبيعِ العنب بالزَّبيب كيلًا، وعن كلِ ثمرٍ بِخَرْصِه (¬2). 801 - وعن أبي الزبير قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن بيعِ الصُّبْرَةِ من التمرِ، لا تُعلَمُ مَكِيلتُها بالكَيلِ المُسمَّى من التمر. أخرجه مسلم (¬3). * * * فصل 802 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: أتى علينا زمانٌ؛ وما يَرى أحدٌ منَّا أنه أحقُّ بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، ثم قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا الناسُ (*) تَبَايَعُوا بالعين (¬4)، واتَّبعُوا أذنابَ البقر (¬5)، وتَركُوا ¬

_ (*) كذا في كتاب ابن القطَّان. (¬1) رواه مسلم (1542). (¬2) رواه مسلم (1542). (¬3) رواه مسلم (1530). (¬4) بيع العين، ويقال: العِينة: هو أن يبيع السلعة بثمن إلى أجل ثم يشتريها قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك. (¬5) كناية عن الاشتغال بالحرث.

الجهادَ في سبيل اللَّه أَنزلَ اللَّهُ بهم بلاءً, فلم يَرفعْه عنهم حتى يُراجعوا دِينَهم". صحَّحه أبو الحسن بن القطَّان، وذكر أنه نقلَه من "كتاب الزُّهد"، يعني: لأحمد ابن حنبل (*) (¬1). 803 - وروى ابن وهب، عن عمر بن مالك (**) بسنده عن القاسم، عن أبي أُمامة (...)، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "مَن شَفَعَ لأخيه شفاعةً، فأَهدَى ¬

_ (*) ذكر ابنُ القطَّان هذا الحديثَ في كتابه من رواية علي بن عبد العزيز البَغَوي في "المنتخب"، والبَزَّار عن ابن عمر، وفي إسناده ليثُ بنُ أبي سُلَيم، ثم قال: وللحديث طريقٌ أحسنُ من هذا؛ بل هو صحيحٌ، وهو الذي قصدتُ إيرادَه، وهو ما ذكر أحمد بن حنبل رحمه اللَّه نقلته من "كتاب الزهد" له، قال: ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، هو ابن عيَّاش، عن الأعمش، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر قال: أتى علينا زمانٌ، فذكر الحديثَ المذكورَ في الأصل، ثم قال: كذا في النسخة بـ (لا)، وأراه مُصحَّفًا من (ذلًا)، وهذا الإسنادُ وكلُّ رجاله ثقاتٌ، فاعلم ذلك. قال شيخنا أبو الحجاج: رواية الأعمش عن عطاء فيها غرابةٌ، وإن كان قد رَوى عن أكبرَ منه؛ فإنه ليس مشهورًا بالرواية عنه. وقد رواه الحافظ أبو عبد اللَّه في "المختارة" من رواية فَضَالة بن حسين الضَّبيِّ، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر. (**) هو عمر بن مالك الشَّرْعَبي. (...) رَوى حديثَ أبي أُمامةَ أبو داود، عن أبي الطاهر بن السَّرح، عن ابن وهب، عن عمر بن مالك، عن عبيد اللَّه بن أبي جعفر، عن خالد بن أبى عمران، عن القاسم. وعبيد اللَّه = (¬1) انظر: "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (5/ 296).

فصل

له هديةً فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الرِّبا" (¬1) عمر بن مالك أخرج له مسلم. * * * فصل 804 - روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص لصاحب العَرِيَّةِ أن يَبيعَها بِخَرْصِها من التمر (*) (¬2). وعند مسلم من رواية عبيد اللَّه، عن نافع: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص في العَرَايا أن تُبَاعَ بِخَرْصِها كَيلًا (¬3). 805 - وللبُخاري من حديث سالم، أخبرني عبد اللَّه، عن زيد بن ثابت، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه رخَّص بعدَ ذلك في بيع العَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أو التمرِ، ولم يُرخِّصْ في غير ذلك (¬4). ولأبي داود من حديث خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ = رَوى له الجماعةُ، وخالد رَوى له مسلم. وأخطأ مَن قال: احتج به البُخاري. والقاسم: هو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي، وثَّقَه ابنُ مَعين، وصحَّح التِّرْمِذيُّ حديثَينِ من حديثه، وتكلَّم فيه جماعةٌ وضعَّفُوه. (*) اتفقا عليه من حديثه. (¬1) رواه أبو داود (3541). (¬2) رواه البخاري (2076)، ومسلم (1539). (¬3) رواه مسلم (1359). (¬4) رواه البخاري (2072).

رخَّص في بيع العَرَايا بالتمر والرُّطَب (*) (¬1). 806 - وروى مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان (**) مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رخَّص في بيع العَرَايا بِخَرْصِها فيما دونَ خمسة أَوسُقٍ، أو في خمسةِ أَوسُقٍ. شكَّ داود قال: خمسةٌ أو دونَ خمسةٍ (...) (¬2). 807 - وفي رواية بُشَير بن يَسَار، عن بعض أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل دارهم، منهم: سهل بن أبي حَثْمَة: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نهَى عن بيع الثمر بالتمر وقال: "ذلك الرِّبا، تلك المُزَابَنة"، إلا أنه رخَّص في بيع العَرِيَّةِ: النخلةِ والنخلتَينِ يأخذُها أهلُ البيت بِخَرْصِها تمرًا، يأكلونها رُطَبًا (****) (¬3). * * * ¬

_ (*) إسناده على شرط البُخاري. (**) قيل: اسمه قُزْمَان. (...) أخرجوه إلا ابن ماجه من حديثه. (****) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه أبو داود (3362). (¬2) رواه البخاري (2253)، ومسلم (1541). (¬3) رواه البخاري (2079)، ومسلم (1540).

2 - باب بيع الأصول والثمار

2 - باب بيع الأصول والثمار 808 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن ابتاعَ نخلًا بعدَ أن تُؤبَّرَ (¬1) فثمرتُها للذي باعَها؛ إلا أن يَشترطَ المُبتاعُ" (*) (¬2). 809 - وعنه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بيعِ الثمرةِ حتى يبدوَ صلاحُها، نهَى البائعَ والمشتري (**) (¬3). 810 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن بيع العنب حتى يَسودَّ، وعن بيعِ الحَبِّ حتى يَشتدَّ. أخرجه أبو داود (...)، ثم الحاكم في "المستدرك". وقال: صحيح على ¬

_ (*) أخرجوه أجمعون. (**) أخرجوه إلا التِّرْمِذي. (...) ورواه الإمام أحمد والتِّرْمِذي وابن ماجه وأبو حاتم البُسْتي. (¬1) أي: تلقَّح. (¬2) رواه البخاري (2090)، ومسلم (1543). (¬3) رواه البخاري (2082)، ومسلم (1534).

شرط مسلم، ولم يخرجاه (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) وقال التِّرْمِذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث حَمَّاد بن سَلَمة. (¬1) رواه أبو داود (3371)، والحاكم (2192). وكذا الترمذي (1228)، وابن ماجه (2217).

3 - باب بيع المصراة، والرد بالعيب

3 - باب بيع المُصَرَّاة، والردِّ بالعيب 811 - روى مالك عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تَلَقَّوا الرُّكبانَ، ولا يَبعْ بعضُكم على بيعِ بعضٍ، ولا تناجَشُوا (¬1)، ولا يَبعْ حاضرٌ لبادٍ (¬2)، ولا تُصَرُّوا الغنمَ، ومَن ابتاعَها فهو بخير النَّظَرَينِ بعد أن يحلبَها؛ إن رضيَها أمسكَها، وإن سَخِطَها ردَّها وصاعًا من تمرٍ". أخرجه البُخاري (¬3). وفي رواية عنده: "لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ، ومَن ابتاعَها فهو بخير النَّظَرَينِ"، الحديث (¬4). وفي رواية عنده أيضًا: "مَن اشتَرَى غنمًا مُصَرَّاةً، فاحتلبَها فإنْ ¬

_ (¬1) النَّجش: أن يمدح السلعة ليروِّجها، أو يزيد في الثمن ولا يريد شراءها ليغتر بذلك غيره. (¬2) التَّصرية: ربط أخلاف الشاة أو الناقة، وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها. (¬3) رواه البخاري (2043)، ومسلم (1515). (¬4) رواه البخاري (2041)، ومسلم (1515).

رضيَها أمسكَها، وإن سَخِطَها ففي حَلْبَتِها صاعٌ من تمرٍ" (¬1). وعند مسلم من حديث أبي هريرة: "مَن ابتاعَ شاةً مُصرَّاةً فهو فيها بالخِيارِ ثلاثةَ أيامٍ، إن شاءَ أمسكَها، وإن شاءَ ردَّها ورَدَّ معها صاعًا من تمرٍ" (¬2). وفي رواية: "مَن اشتَرَى شاةً مُصَرَّاةً فهو فيها بخير النَّظَرَينِ؛ إن شاء أمسكَها، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ لا سَمْرَاءَ" (¬3). وفي رواية: "صاعًا من طعامٍ لا سَمْرَاءَ" (¬4). وعند النَّسائي: "مَن ابتاع مُحَفَّلَةً (¬5) أو مُصَرَّاةً فهو بالخِيارِ ثلاثةَ أيامٍ" (¬6). 812 - وعنه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مرَّ على صُبْرَةٍ من طعامٍ، فأدخلَ يدَه فيها، فنالتْ أصابعُه بَلَلًا، فقال: "ما هذا يا صاحبَ الطعام؟ " قال: أصابتْه السماءُ يا رسول اللَّه! قال: "أفلا جعلتَه فوقَ الطعام حتى يَراه الناسُ؟ مَن غَشَّ فليس مني". أخرجه مسلم (¬7). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2044). (¬2) رواه مسلم (1524). (¬3) رواه مسلم (1524). (¬4) رواه مسلم (1524). (¬5) التحفيل: اجتماع اللبن في الضرع. (¬6) رواه النَّسائي (4489). (¬7) رواه مسلم (102).

813 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَضَى أن الخَراجَ (¬1) بالضمان. أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) رأيتُ في هذا الحديث في بعض النُّسَخ من رواية أبي هريرة؛ وهو غلطٌ، ولا أدري: هل الغلطُ من المُؤلِّف أو من النسخة؟ وقوله: (صحَّحه التِّرْمِذي) وهمٌ؛ وإنما حسَّنه فقط، وقد رَوى الحديثَ أبو داود والتِّرْمِذي والنَّسَائي وابن ماجه من رواية مَخلَد بن خُفَاف الغِفَاري، عن عروةَ، عن عائشةَ، وقد رأيتُ نسخة التِّرْمِذي وفيها: هذا حديث حسن صحيح، لكن ضرب على (صحيح)، ولم يذكر صاحبُ "الأطراف" أن التِّرْمِذي صحَّحه، وقد رُوي من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، لكن استَغربَه البُخاريُّ، وتكلَّم فيه أبو داود، واللَّه أعلم. وذكر ابن القطَّان أن حديثَ مَخلَد صحيحٌ. (¬1) الخراج: ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدًا كان أو أمة أو ملكًا. (¬2) رواه الترمذي (1285)، وأبو داود (3508)، والنسائي (4490)، وابن ماجه (2243).

4 - باب المناهي سوى ما تقدم

4 - باب المَنَاهي سوى ما تقدَّم 814 - عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يبيعُ بعضُكم على بيعِ بعضٍ، ولا تَلَقَّوا السِّلَعَ حتى تهبطَ (¬1) الأسواقَ". لفظ أبي داود (¬2)، وهو عند مسلم من غير سياقة لفظه أحال على غيره (¬3). 815 - وعند ابن ماجه: عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يبيعُ الرجلُ على بيعِ أخيه، ولا يَسُومُ على سَومِ أخيه" (¬4). والنهي أن يَستامَ الرجلُ على سَومِ أخيه عندَ مسلم في حديث يجمع مَنَاهيَ (¬5). 816 - وعند مسلم من حديث أبي هريرة: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تَلَقَّوا الجَلَبَ (¬6)، فمَن تلقَّى فاشتَرى منه شيئًا، فإذا أتى سيدُه السوقَ ¬

_ (¬1) أي: تنزل. (¬2) رواه أبو داود (3436)، وكذا البخاري (2057). (¬3) رواه مسلم (1517). (¬4) رواه ابن ماجه (2172). (¬5) رواه مسلم (1408). (¬6) أي: المجلوب، يقال: جلب الشيء: جاء به من بلد إلى بلد للتجارة.

فهو بالخِيارِ" (¬1). 817 - وعند البُخاري عن ابن عمر قال: كنا نتلقَّى الرّكبانَ فنَشتري منهم الطعامَ، فنهانا النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نبَيعَه حتى نبَلُغَ به سوقَ الطعام (¬2). 818 - وعنده عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَلَقَّوا الرُّكبانَ، ولا بيعُ حاضرٌ لبادٍ"، قال: فقلت: ما قوله: "لا بيعُ حاضرٌ لبادٍ؟ " قال: لا يكون له سِمْسَارًا (¬3). 819 - وعند مسلم من حديث جابر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يبيعُ حاضرٌ لبادٍ، دَعُوا الناسَ يَرزقُ اللَّهُ بعضَهم من بعضٍ" (¬4). 820 - وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن فرَّق بين الجارية وولدها فرَّق اللَّهُ بينه وبين أحبَّتِه يومَ القيامة". أخرجه التِّرْمِذي وقال: حسن غريب، وأخرجه الحكم وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (¬5) (*). ¬

_ (*) حديث أبي أيوب من رواية حُيَيِّ بنِ عبد اللَّه المَعَافِرِي الحُبُلي، عن أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن يزيد الحُبُلي، وقد تكلَّم الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل في حُيَيٍّ وقال: أحاديثُه مناكيرُ، وقال ابن مَعين: ليس به بأسٌ، وقال البُخاري: فيه نظرٌ، وقال النَّسَائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأسَ به إذا رَوى عنه ثقةٌ، = (¬1) رواه مسلم (1519). (¬2) رواه البخاري (2058). (¬3) رواه البخاري (2050). (¬4) رواه مسلم (1522). (¬5) رواه الترمذي (1283) والحاكم (2334).

821 - وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قدمَ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبْيٌ، فأمرَني ببيعِ أخوَينِ، فبعتُهما وفرَّقتُ بينهما، ثم أَتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَخبرتُه، فقال: "أدرِكهما، وارتَجعْهُمَا وبِعْهُمَا جميعًا، ولا تُفرِّقْ بينهما". أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه (¬1). 822 - وروى الحاكم أيضًا من حديث عُبَادة بن الصامت: قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُفرَّقَ بين الأمِّ وولدها، فقيل: يا رسولَ اللَّه! إلى متى؟ قال: "حتى يبلغَ الغلامُ، وتحيضَ الجاريةُ". ¬

_ = ولم يخرج له البُخاري ومسلم شيئًا، وقد رَوى حديثَه هذا أيضًا الإمامُ أحمدُ وأبو يَعلَى المَوصلي والرُّوْيَاني والطَّبَراني والدَّارَقُطْنِي والبَيْهَقي وغيرهم. قال البَيْهَقي: ورُوي ذلك من وجهٍ آخرَ عن أبي أيوب: أخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو صادق بن أبي الفوارس قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو عتبة، ثنا بقية، ثنا خالد بن حميد، عن العلاء بن كثير، عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن فرَّق بين الولد وأمِّه فرَّق اللَّهُ بينَه وبينَ أحبَّتِه يومَ القيامة". أبو عتبة: هو أحمد بن الفرج الحِمْصِي، وقد تكلَّم فيه محمدُ بنُ عوف وابنُ جَوصَا وابن عدي، وقال ابن أبي حاتم: محلُّه الصدقُ. وبقية مشهور بالتدليس، وقد زال ما يُخشَى من تدليسه بقوله: (ثنا). وخالد بن حميد: هو الإسكندراني، قال أبو حاتم: لا بأسَ به، ووثقَه [. . .]، والعلاء بن كثير، هو الإسكندراني، وهو صَدُوق، قال أبو حاتم: صالحُ الحديثِ لا بأسَ به. لكنه متأخرٌ لم يَسمعْ من أبي أيوب، فيكون الحديثُ منقطعًا، واللَّه أعلم. (¬1) رواه الحاكم (2331).

قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (*) (¬1). 823 - وعن مَعمَر بن عبد اللَّه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحتكِرُ إلا خاطئٌ" (**) (¬2). 824 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: غَلَا السِّعرُ على عهد النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا رسولَ اللَّه! سَعِّرْ لنا، فقال: "إن اللَّهَ هو المُسعّرُ (¬3) القابضُ الباسطُ الرازقُ، وإني لأَرجُو أن ألقَى ربِّي وليس أحدٌ منكم يُطالبُني بِمَظلَمَةٍ في دمٍ ولا مالٍ". لفظ رواية التِّرْمِذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود وابن ماجه (...) (¬4). * * * ¬

_ (*) هذا الحديث من رواية عبد اللَّه بن عمرو بن حسان، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن مكحول، عن نافع بن محمود بن الربيع، عن أبيه، عن عبادة، قال الدارقطني: وعبد اللَّه بن عمرو هذا، هو الواقعي، وهو ضعيف الحديث، رماه علي بن المديني بالكذب، ولم يروه عن سعيد غيره. (**) أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والتِّرْمِذي. (...) ورواه الإمام أحمد وأبو حاتم بن حِبَّان. (¬1) رواه الحاكم (2335)، والبيهقي (9/ 128). (¬2) رواه مسلم (1605)، وأبو داود (3447)، والترمذي (1267)، وابن ماجه (2154). (¬3) أي: إنه هو الذي يرخص الأشياء ويغليها، فلا اعتراض لأحد، ولذلك لا يجوز التسعير. (¬4) رواه الترمذي (1314)، وأبو داود (3451)، وابن ماجه (2200).

5 - باب الخيار في البيع

5 - باب الخِيار في البَيع 825 - روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "البَيِّعانِ كلُّ واحدٍ منهما بالخِيار على صاحبه ما لم يتفرَّقا، إلا بيعَ الخِيار" (¬1). وفي رواية الليث: "إذا تَبَايَعَ الرجلانِ فكلُّ واحدٍ منهما بالخِيار ما لم يتفرَّقا وكانا جميعًا، أو يُخيِّر أحدُهما الآخرَ، فإنْ خيَّر أحدُهما الآخرَ، فتبَايَعَا على ذلك فقد وجبَ البيعُ، وإن تفرَّقا بعدَ أن تَبَايَعَا، ولم يتركْ واحدٌ منهما البيعَ فقد وجبَ البيعُ" (¬2). متفق عليهما، واللفظ لمسلم. وفي رواية ابن جُرَيج: "إذا تَبَايَعَ المُتبايِعانِ بالبيع فكلُّ واحدٍ منهما بالخِيار مِن بيعِه، ما لم يتفرَّقا أو يكون بيعُهما عن خِيارٍ، فإذا كان بيعُهما عن خِيارٍ فقد وجبَ" (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2005)، ومسلم (1531). (¬2) رواه البخاري (2006)، ومسلم (1531). (¬3) رواه مسلم (1531).

وفي رواية: قال نافع: فكان إذا بايَعَ رجلًا، فأراد أن لا يُقيلَه، قام فتمشَّى هُنَيهةً، ثم رجع إليه (*) (¬1). 826 - وعند البَيْهَقي من حديث عمرو بن شعيب (**) قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"أيُّما رجلٍ ابتاعَ من رجلٍ بيعَةً فإنَّ كلَّ واحدٍ منهما بالخِيارِ حتى يتفرَّقا من مكانهما، إلا أن تكونَ صفقةُ خِيارٍ" (...) (¬2). 827 - وعن عبد اللَّه بن دينار: أنه سمع ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- يقول: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ بَيِّعَينِ لا بيعَ بينهما حتى يتفرَّقا، إلا بيعَ الخِيار" (****) (¬3). وعند أبي داود في رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد اللَّه بن ¬

_ (*) وكلاهما عند مسلم. (**) كذا وجدتُ في النسخة التي كتبتُ منها، وهو غلطٌ؛ إنما هو عن أبيه، عن جدِّه. (...) وهو عند أبي داود والتِّرْمِذي والنَّسائي. قال أحمد: حدثنا حَمَّاد بن مَسعَدة، عن ابن عَجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "البائعُ والمبتاعُ بالخِيار حتى يتفرَّقا، إلا أن تكونَ سَفْقَةَ خِيارٍ، ولا يَحلُّ له أن يُفارقَه خشيةَ أن يَستقيلَه". (****) متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (1531). (¬2) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 271). ورواه أبو داود (3456)، والنسائي (4483)، والترمذي (1247). (¬3) رواه البخاري (2007)، ومسلم (1531).

عمرو بن العاص (*): "ولا يَحلُّ له أن يُفارقَ صاحبَه خشيةَ أن يَستقيلَه" (¬1). 828 - وعنه (**): أنه سمع ابن عمر يقول: ذُكر رجلٌ لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه كان يُخدَع في البيوع، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن بايَعتَ فقُلْ: لا خِلَابة (¬2) ". فكان إذا بايَعَ قال: لا خِلَابةَ (...) (¬3). * * * ¬

_ (*) المتقدم. (**) يعني: عبد اللَّه بن دينار. (...) متفق عليه. (¬1) رواه أبو داود (3456). (¬2) أي: لا خديعة. (¬3) رواه البخاري (2276)، ومسلم (1533).

6 - باب السلم

6 - باب السَّلَم 829 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قدمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينةَ، وهم يُسلِفُون في الثمار السنةَ والسنتَينِ، فقال: "مَن سَلَّف في ثمرٍ فَلْيُسلِّفْ في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ". لفظ مسلم (¬1). وفي رواية عند البُخاري: "مَن أَسلَفَ في شيءٍ ففي كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ" (¬2). 830 - وعن محمد بن أبي مُجالد قال: أرسلَني أبو بُردةَ وعبد اللَّه بنُ شداد إلى عبدِ الرحمن بنِ أَبزَى وعبد اللَّه بنِ أبي أَوفَى، فسألتُهما عن السَّلَف؟ فقالا: كنا نُصيب المغانمَ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان يأتينا أَنباطٌ من أَنباطِ الشام (¬3)، فنُسلِفُهم في الحِنطة والزَّبيب والشعير إلى أجلٍ، قال: ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1604)، والبخاري (2124). (¬2) رواه البخاري (2125). (¬3) هم قوم من العرب دخلوا في المعجم والروم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقيين، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ويقال لهم النبط والنبيط. والأنباط قيل: =

قلت: أكان لهم زرعٌ أو لم يكن؟ قال: ما كنا نَسألُهم عن ذلك. أخرجه البُخاري (¬1). * * * ¬

_ = سموا بذلك لمعرفتهم بأنباط الماء؛ أي: استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة. (¬1) رواه البخاري (2136).

7 - باب القرض والديون

7 - باب القَرض والدُّيون 831 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أخذَ أموالَ الناس يريد أداءَها أدَّاها اللَّهُ عنه، ومَن أخذَها يريد إتلافَها أَتلَفَه اللَّه". أخرجه البُخاري (¬1). 832 - وعنه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه ذَكرَ رجلًا من بني إسرائيلَ سألَ بعضَ بني إسرائيل أن يُسلفَه (*)، فدفعَها إليه إلى أجلٍ مُسمُّى، وذكر الحديث. أخرجه البُخاري (**) (¬2). ¬

_ (*) يعني: ألفَ دينارٍ. (**) هذا الحديث رواه البُخاري تعليقًا في غير موضع، فقال: وقال الليث: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هُرْمُز، عن أبي هريرةَ، فذكره في (باب التجارة في البحر) من (كتاب البيوع)، وفي (الكَفَالة)، و (اللُّقَطة)، و (القَرْض)، و (الاستئذان). وقال في بعض النُّسَخ: حدثني عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث بهذا. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" عن يونس بن محمد، عن الليث. ورواه أبو القاسم التَّيْمِي في كتاب "الترغيب والترهيب" من رواية عاصم بن عليٍّ، عن الليث. ورواه الإسماعيلي عن أبي بكر المَرْوَزي، ثنا عاصم بن علي، ثنا الليث، فذكره. (¬1) رواه البخاري (2257). (¬2) رواه البخاري (2169).

8 - باب مداينة العبيد

8 - باب مُدايَنَة العَبيد 833 - روى مسلم من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: فذكر حديثًا فيه: "ومَن ابتاعَ عبدًا فمالُه للذي باعَه؛ إلَّا أن يَشترطَه المُبتاعُ". (*) (¬1). 834 - وروى أبو داود من حديث ابن وهب، عن ابن لَهِيعة والليث بن سعد، بسندٍ إلى عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أَعتقَ عبدًا، وله مالٌ، فمالُ العبدِ له؛ إلَّا أن يَشترطَه السيدُ". ومَن عدا ابن لَهِيعةَ من رجال الصحيح. وأخرجه ابن ماجه من وجهَينِ مفترقَينِ: أحدهما عن ابن لَهِيعةَ، والثاني عن الليث، وفيه: "إلَّا أن يَشترطَ السيدُ مالَه، فيكون له". قال: وقال ابن لَهِيعةَ: "إلَّا أن ¬

_ (*) قال البُخاري في "صحيحه": حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، ثنا الليث، حدثني ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن ابتاعَ نخلًا بعدَ أن تُؤبَّرَ فثمرتُها للبائع؛ إلا أن يَشترطَ المُبتاعُ، ومَن ابتاعَ عبدًا، وله مالٌ، فمالُه للذي باعَه؛ إلَّا أن يَشترطَ المُبتاعُ". وعن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر في العبد. (¬1) رواه مسلم (1543)، وكذا البخاري (2250).

يَستَثنِيَه السيدُ" (¬1) (¬2). 835 - وعند ابن حِبَّان في حديث جابر -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن ابتاعَ عبدًا، وله مالٌ، فله مالُه وعليه دَينُه؛ إلا أن يَشترطَ المُبتاعُ" (¬3). كذا وجدتُه "مَن ابتاعَ" فَلْيُكَشفْ عنه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3962). (¬2) رواه ابن ماجه (2529). (¬3) رواه ابن حبان (4924). (¬4) قلت: هو كذلك في "صحيح ابن حبان"، وقد روى الحديثَ البيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 5) وقال فيه: "من باع"، ثم قال: وهذا إن صحَّ فإنما أراد -واللَّه أعلم- العبدَ المأذون له في التجارة إذا كان يزيده مال وفي دين يتعلق به، فالسيد يأخذ ماله، ويقضي منه دينه.

[8] كتاب الرهن

[8] كتاب الرهن

[8] كتاب الرهن 836 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: اشتَرى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طعامًا من يهوديٍّ بنسيئةٍ، ورهنَه درعًا له من حديدٍ. لفظ رواية البُخاري (¬1). 837 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الرَّهنُ يُركَبُ بنفقته إذا كان مرهونًا، ولَبَنُ الدَّرِّ يُشرَبُ بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يَركَبُ ويَشرَبُ النفقةُ". انفرد به البُخاري (¬2). 838 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَغلَقُ الرَّهنُ (¬3)؛ له غُنمُه، وعليه غُرمُه". أخرجه الحاكم في "المستدرك" (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1962)، ومسلم (1603). (¬2) رواه البخاري (2377). (¬3) أي: لا يذهب ويتلف باطلًا، وقيل: لم يوجد له مُخلِّص. وكان هذا من فعل الجاهلية: أن الراهن إذا لم يؤدِّ ما عليه في الوقت المعين مَلَكَ المرتهن الرهن، فأبطله الإسلام. (¬4) رواه الحاكم (2315).

1 - باب التفليس

1 - باب التفليس 839 - عن الزُّهري، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَجَرَ على معاذٍ مالَه، وباعَه في دَينٍ عليه. المشهورُ فيه الإرسالُ، وأخرجه الدَّارَقُطْني، والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرطهما (¬1). 840 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: أُصيبَ رجلٌ في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ثمارٍ ابتاعَها، فكَثُرَ دَينُه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تصدَّقُوا عليه"، فتصدَّق الناسُ عليه، فلم يَبلُغْ ذلك وفاءَ دَينِه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لغُرَمائه: "خُذُوا ما وجدتُم، وليس لكم إلا ذلك" (*) (¬2). 841 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَفلَسَ الرجلُ، ¬

_ (*) أخرجوه إلا البُخاري، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه الدارقطني (4/ 230)، والحاكم (2348). (¬2) رواه مسلم (1556).

فوجدَ الرجلُ متاعَه بعينِه فهو أحقُّ به" (¬1). وفي رواية: "فهو أحقُّ به من الغُرَماء". لفظ رواية مسلم (¬2). وفي طريق آخر عنده عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الرجل الذي يُعدِم: "إذا وجدَ عندَه المتاعَ، ولم يُفرِّقْه، أنه لصاحبه الذي باعَه" (¬3). وعند أبي داود من حديث إسماعيل بن عيَّاش، عن الزُّبَيدي، عن الزُّهري: "فإن كان قد قضَاه مِن ثمنها شيئًا فما بقي فهو أُسوَةُ الغُرَماءِ (¬4)، وأيُّما امرئٍ هَلَكَ وعندَه متاعُ امرئٍ بعينِه، اقتضَى منه شيئًا أو لم يَقتضِ؛ فهو أُسوَةُ الغُرَماء" (¬5). وإسماعيل بن عيَّاش تقدَّم. وأخرجه الدَّارَقُطْني وقال: إسماعيلُ بنُ عيَّاش مُضطرِبُ الحديثِ، ولا يَثبتُ هذا الخبرُ عن الزُّهري مُسنَدًا؛ وإنما هو مُرسَلٌ (¬6). قلت: الزُّبَيدي: شيخُ إسماعيلَ شامِيٌّ، وقد اشتُهر تصحيحُ حديثِ إسماعيلَ بنِ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1559). (¬2) رواه مسلم (1559). (¬3) رواه مسلم (1559). (¬4) أي: مساوٍ لهم وكواحد منهم، يأخذ مثل ما يأخذون، ويدع ما يدعون. (¬5) رواه أبو داود (3522). (¬6) انظر: "سنن الدارقطني" (3/ 29).

عَيَّاش عن الشاميِّين؛ إلا أنه (*) شاميٌّ رَوى عن الحجازيِّين. وروى أبو داود الطَّيَالسي في "مسنده" عن ابن أبي ذئب، عن أبي المُعتمِر، عن عمر بن خَلْدَة قال: أتينا أبا هريرةَ في صاحبٍ لنا أُصيبَ، يعني: أَفلَسَ، فأصابَ رجلٌ متاعَه بعينِه، قال أبو هريرةَ: هذا الذي قضَى فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أن مَن ماتَ، أو أَفلَسَ، فأَدركَ رجلٌ متاعَه بعينِه فهو أحقُّ به؛ إلا أن يَدَع الرجلُ وفاءً" (¬1). وأخرجه أبو داود، والحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح (**) من حديث أبي المُعتمِر، مع اختلاف لفظ، دون قوله: "إلا أن يَدَعَ الرجلُ وفاءً" (...) (¬2). * * * ¬

_ (*) الضمير يرجع إلى الزُّبَيدي، وليس لذكر هذا الكلام معنًى؛ فإن الزُّبَيدي ثقةٌ مطلقًا. (**) وقال ابن المنذر: وهو مجهول الإسناد، وقال ابن عبد البَر: يرويه أبو المُعتمِر، عن الزُّرَقي، وأبو المُعتمِر غيرُ معروفٍ بحمل العلم. (...) أبو المُعتمِر: هو ابن عمرو بن رافع المَدني، وعمر بن خَلْدَة لم يخرجا لهما في "الصحيحين" شيئًا، لكن ذكرَهما ابنُ حِبَّان في كتاب "الثقات"، ولم يُضعِّفْهما أحدٌ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه الطيالسي (2375). (¬2) رواه أبو داود (3523)، والحاكم (2314).

2 - باب الحجر

2 - باب الحَجْر 842 - عن نافع، عن ابن عمر قال: عَرَضَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ أُحُدٍ في القتال، وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ سَنةً، فلم يُجِزْني، وعَرَضَني يومَ الخندق وأنا ابنُ خمسَ عشرةَ سَنةً، فأجازني. قال نافع: فقدمتُ على عمرَ بنِ عبد العزيز، وهو يومَئذٍ خليفةٌ، فحدثتُه هذا الحديثَ، فقال: إن هذا لَحَدٌّ بين الصغير والكبير، فكتب إلى عُمَّالِه: أن يَفرِضُوا لمن كان ابنَ خمسَ عشرةَ سَنةً، ومَن كان دونَ ذلك فاجعَلُوه في العِيال. لفظ رواية مسلم (¬1). 843 - وعن عطيةَ القُرَظي قال: كنتُ مِن سَبْي قُرَيظةَ، فكانوا يَنظرون، فمَن أَنبَتَ الشَّعرَ قُتل، ومَن لم يُنبِتْ لم يُقتَل، فكنتُ ممَّن لم يُنبِتْ. أخرجه أبو داود (*) (¬2). 844 - وعند البُخاري في حديثٍ طويلٍ عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: ثم ركب، ¬

_ (*) والتِّرْمِذي وصحَّحه، والنَّسائي وابن ماجه، ورواه الحاكم وقال: على شرطهما، ورواه ابن حِبَّان في كتاب "الأنواع والتقاسيم". (¬1) رواه البخاري (2521)، ومسلم (1868). (¬2) رواه أبو داود (4404).

تعني: النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ناقتَه، فسار حتى بركَتْ عند مسجدِه عليه السلام، وهو يُصلِّي فيه يومَئذٍ رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَدًا (¬1) للتمر لسهلٍ وسُهَيلٍ، يتيمَينِ في حِجْرِ أسعدَ بنِ زُرَارةَ، ثم دعا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الغلامَينِ، فساوَمَهما بالمِرْبَد ليتخذَه مسجدًا، فقالا: بل نَهَبُه لك يا رسولَ اللَّه، فأَبَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَقبلَه منهما هبةً حتى ابتاعَه منهما، ثم بَنَاه مسجدًا (¬2). 845 - وعن عمرو بن شعيب: أن أباه أخبره، عن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تجوزُ لامرأةٍ عَطِيَّةٌ إلا بإذنِ زوجِها". أخرجه أبو داود (¬3). والراوي عن عمرو ثقةٌ، فمَن احتج بهذه النسخة ويُصحِّحْها يَلزَمْه تصحيحُه. 846 - وفي رواية عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يجوز لامرأةٍ أمرٌ في مالِها إذا مَلَكَ زوجُها عصمتَها". وأخرج الحاكم هذا من حديث حَمَّاد، عن داود بن أبي هند، وحبيب المُعلِّم، عن عمرو بهذا اللفظ، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (*) (¬4). * * * ¬

_ (*) قال الإمام أحمد في "مسنده": ثنا عفان، ثنا حَمَّاد بن سَلَمة، عن داود بن أبي هند وحبيب المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقيس عن مجاهد، أحسبه عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يجوز لامرأةٍ أمرٌ في مالِها إذا مَلَكَ زوجُها عصمتَها". (¬1) المِربد: الموضع الذي يجمع فيه التمر حين قطعه. (¬2) رواه البخاري (3694). (¬3) رواه أبو داود (3547). (¬4) رواه أبو داود (3546)، والحاكم (2299).

3 - باب الصلح

3 - باب الصُّلح 847 - روى مالك عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يمنع أحدُكم جارَه أن يَغرسَ خشبةً في جداره". ثم يقول أبو هريرةَ: ما لي أراكم عنها مُعرِضين؟ واللَّه لأَرميَنَّ بها بين أكتافكم. اتفقا عليه (¬1). 848 - وروى الحاكم في "مستدركه" من حديث أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصُّلحُ بين المسلمين جائزٌ". قال: صحيح على شرطهما، وهو معروف بعبد اللَّه بن الحسين المِصِّيصي، وهو ثقةٌ (*) (¬2). 849 - وروى أبو داود من حديث كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الصُّلحُ جائزٌ بين المسلمين". ¬

_ (*) تكلم فيه ابن حبان، ولم يخرج له، قال ابن حِبَّان: يَقلبُ الأخبارَ ويَسرقُها، لا يُحتَجُّ بما انفرد به. (¬1) رواه البخاري (2331)، ومسلم (1609). (¬2) رواه الحاكم (2313).

ففي رواية: "إلا صلحًا أحلَّ حرامًا، أو حرَّم حلالًا". وفي رواية: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المسلمون على شروطِهم" (¬1). وأخرجه الحاكم من حديث كثير (*) بلفظ: "المسلمون على شروطِهم، والصُّلحُ جائزٌ بين المسلمين". وقال في هذا الحديث: رواتُه مَدَنِيُّون، ولم يخرجاه، وذكر أن له شاهدًا من حديث أنس بن مالك وعائشة (¬2). 850 - وأخرجهما من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن الجَزَري، عن خُصَيف (**)، ففي رواية: عن عروةَ، عن عائشةَ، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "المسلمون عندَ شروطِهم؛ ما وافَقَ الحقَّ" (¬3). * * * ¬

_ (*) كثير بن زيد، قال أحمد: ما أرى به بأسًا، وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثقات"، وضعَّفَه جماعةٌ منهم النَّسَائي وابن مَعين في رواية عنه، وفي أخرى: لا بأسَ به، وقد روى له البُخاري في "القراءة خلف الإمام"، وفي "كتاب الأدب" له. والوليد ابن رباح علَّق له البُخاري في "الصحيح" وقال: حسن الحديث، ووثَّقه أبو حاتم وغيره. وذكر ابن القطَّان أن حديثَ كَثيرِ بنِ زيدٍ حسنٌ. (**) عبد العزيز بن عبد الرحمن الجَزَري وخُصَيف تكلَّم فيهما غيرُ واحدٍ من الأئمَّة، وعبدُ العزيز أشدُّ ضعفًا، واتهمَه بعضُهم، ولم يخرجوا له شيئًا. (¬1) رواه أبو داود (3594). (¬2) رواه الحاكم (2309). (¬3) رواه الحاكم (2310).

4 - باب الحوالة

4 - باب الحَوَالة 851 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَطْلُ (¬1) الغنيِّ ظلمٌ، وإذا أُتبعَ أحدُكم على مليءٍ (¬2) فَلْيَتبَعْ (¬3) ". متفق عليه (¬4). 852 - وعنه: أتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلٌ يتقاضاه، فأَغلظَ له، فهَمَّ به أصحابُه، فقال: "دَعُوه؛ فإن لصاحبِ الحقِّ مقالًا". لفظ رواية البُخاري (¬5). * * * ¬

_ (¬1) أي: تأخير أداء الدين من وقت إلى وقت بغير عذر. (¬2) مُوسر. (¬3) أي: فليقبل الحوالة. (¬4) رواه البخاري (2166)، ومسلم (1564). (¬5) رواه البخاري (2183)، ومسلم (1601).

5 - باب الضمان

5 - باب الضَّمَان 853 - عن سَلَمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- قال: كنا جلوسًا عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، إذ أُتِي بجنازةٍ، فقالوا: صلِّ عليها، فقال: "هل عليه دَينٌ؟ " قالوا: لا، قال: "فهل تركَ شيئًا؟ " قالوا: لا، فصلَّى عليه. ثم أُتِي بجنازةٍ أخرى، فقالوا: يا رسولَ اللَّه! صلِّ عليها، فقال: "هل عليه دَينٌ؟ " قيل: نعم، قال: "فهل تركَ شيئًا؟ " قالوا: ثلاثةَ دنانيرَ، فصلَّى عليها. ثم أُتِي بالثالثة، قالوا: صلِّ عليها، قال: "هل تركَ شيئًا؟ " قالوا: لا، قال: "فهل عليه دَينٌ؟ " قالوا: ثلاثةُ دنانيرَ، قال: "صلُّوا على صاحبِكم"، قال أبو قتادة: صلِّ عليه يا رسولَ اللَّه، وعليَّ دَينُه، فصلَّى عليه. أخرجه البُخاري (¬1). 854 - وفي حديث عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل، عن جابر قال: مات رجلٌ فغسَّلْناه، وكفَّنَّاه، وحنَّطْناه، ووضعْناه لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث تُوضَع الجنائزُ عندَ مَقام جبريل، ثم آذنَّا رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة عليه، فجاء معنا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2168).

خُطًى (*) ثم قال: "لعلَّ على صاحبِكم دَينًا؟ " قالوا: نعم، ديناران، فتخلَّفَ، فقال له رجلٌ منا يُقال له: أبو قتادة: يا رسولَ اللَّه! هما عليَّ، فجعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "هما عليك وفي مالِك، والميتُ منهما بريءٌ؟ " قال: نعم، فصلَّى عليه، فجعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا لقيَ أبا قتادة يقول: "ما صنعَت الدينارانِ؟ " حتى (¬1) كان آخرُ ذلك قال: قد قضيتُهما يا رسولَ اللَّه، قال: "الآنَ حينَ بَردَتْ عليه جلدُه". هذه رواية الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬2). وهذا بناءً على قولِ مَن يحتجُّ بحديث عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل (**). 855 - وعن الدَّرَاوَرْدِي، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا لزمَ غَرِيمًا له بعشرةِ دنانيرَ، فقال له: واللَّهِ ما عندي قضاءٌ أَقضيكَه اليومَ، قال: فواللَّهِ لا أُفارقُك حتى تَقضيَ، أو تأتِيَ بِحميلٍ يَحملُ عنك، قال: واللَّه ما عندي قضاءٌ، ولا أجدُ حَمِيلًا يَحملُ عني، قال: فجرَّه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللَّه! هذا لازمَني واستَنظرتُه شهرًا واحدًا فأَبَى حتى أقضيَه، أو آتيَه بحميلٍ، فقلت: واللَّهِ ما أجدُ حَمِيلًا وما عندي قضاءٌ اليومَ، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل تَستنظرُه إلا شهرًا واحدًا؟ " قال: لا، قال: "فأنا أتحمَّلُ بها عنك". قال: فتحمَّلَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه، ¬

_ (*) جمع خطوة. (**) احتجَّ به جماعةٌ، وضعَّفَه الأكثرون وتركوا الاحتجاجَ بحديثه لسوء حفظه. (¬1) في الهامش: "حتى إذا"، وفوقها علامة (خ). (¬2) رواه الحاكم (2346).

فذهب الرجلُ فأتَى بقَدْرِ ما وعدَه، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أين أصبتَ هذا الذهبَ؟ " قال: من معدنٍ، قال: "فاذهب، فلا حاجةَ لنا فيها؛ ليس فيها خيرٌ". فقضاها عنه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. لفظ رواية الحاكم وقال: صحيح على شرط البُخاري لعمرو (*) بن أبي عمرو (**)، والدَّرَاوَرْدِي على شرط مسلم، ولم يخرجاه (¬1). * * * ¬

_ (*) صوابه: لعكرمة. (**) عمرو بن أبي عمرو: اتفقا على إخراج حديثه، وتكلَّم فيه بعضُ الأئمَّة، والحديث عند أبي داود وابن ماجه أيضًا. (¬1) رواه الحاكم (2228). وكذا أبو داود (3328) مختصرًا.

6 - باب الشركة

6 - باب الشَّرِكة 856 - روى أبو داود من حديث أبي حَيَّان التَّيْمِي، عن أبيه، عن أبي هريرةَ، رفعَه، قال: "إن اللَّهَ يقول: أنا ثالثُ الشريكَينِ ما لم يَخُنْ أحدُهما صاحبَه، فإذا خانهَ خرجتُ من بينهما" (¬1). ورواه الحاكم في "مستدركه" من هذا الوجه، وفيه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) رجالُه ثقاتٌ؛ إلا أن محمدَ بنَ سليمان المِصِّيصي شيخَ أبي داود فيه قال: هو مُنكَر، واللَّه أعلم. (¬1) رواه أبو داود (3383). (¬2) رواه الحاكم (2322).

7 - باب الوكالة

7 - باب الوَكَالة 857 - عن أبي نُعَيم وهب بن كَيسان، عن جابر بن عبد اللَّه: أنه سمعه يحدث قال: أردتُ الخروجَ إلى خَيبرَ، فأَتيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقلتُ: إني أردتُ الخروجَ إلى خَيبرَ، فقال: "إذا أَتيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسةَ عشرَ وَسْقًا، فإذا ابتغَى منك آيةً فضَعْ يدَك على تَرْقُوَتِه (¬1) ". الحديث، أخرجه أبو داود (¬2) (*). * * * ¬

_ (*) في إسناده ابنُ إسحاق، وقد تقدَّم، وباقيهم مُحتَجٌّ بهم في الصحيح. سقط حديث عروة البارقي في شراء الشاة: عن عروة بن أبي الجَعد البارقي قال: عَرَضَ للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَلَبٌ، فأعطاني دينارًا وقال: "أيْ عروةُ! ائتِ الجَلَبَ فاشتَرِ شاةً"، فأَتيتُ الجَلَبَ فساومتُ صاحبَه، فاشتريتُ منه شاتَينِ بدينارٍ، فجئتُ أسوقُهما، أو قال: أَقودُهما، فلقيَني رجلٌ فساوَمَني فأَبيعُه شاةً بدينارٍ، فجئتُ بالدينار وبالشاة، فقلت: يا رسولَ اللَّه! هذا دينارُكم وهذه شاتُكم، قال: "وصنعتَ كيف؟ "، فحدثتُه الحديثَ، فقال: "اللهم بارِكْ له في صفقةِ يمينِه". رواه الإمام أحمد وغيره. = (¬1) أي: حَلْقة، وفيه دليل على استحباب اتخاذ علامة بين الوكيل وموكله لا يطلع عليها غيرهما، ليعتمد الوكيل عليها في الدفع؛ لأنها أسهل من الكتاب، فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها، ولأن الخط يشتبه. (¬2) رواه أبو داود (3632).

8 - باب الإقرار

8 - باب الإقرار 858 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان عتبةُ بنُ أبي وقاص عَهِدَ إلى أخيه سعدِ بنِ أبي وقاص أن ابن وليدة زَمْعَةَ مني فاقبِضْه إليك، قالت: فلما كان عامُ الفتح أخذَه سعدُ بنُ أبي وقاص وقال: إن أخي قد كان عَهِدَ إلَيَّ فيه، فقال عبدُ بنُ زَمعةَ: أخي وابنُ وليدة أبي، وُلد على فراشه، فتساوقاه (¬1) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال سعدٌ: يا رسولَ اللَّه! إن أخي قد كان قد عَهِدَ إلَيَّ فيه، وقال عبدُ بنُ زَمعةَ: أخي وابنُ وليدة أبي، وُلد على فراشه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولدُ للفراشِ، وللعاهِرِ الحَجَرُ"، ثم قال لسودةَ ابنةِ زَمعةَ: "احتَجِبِي منه"؛ لِمَا رأى من شَبَهِه بعُتبةَ، فما رآها حتى لقيَ اللَّهَ عز وجل. أخرجه مالك في "الموطأ"، واتفقا عليه من حديث سفيان (¬2). * * * ¬

_ = * جاء على الهامش بخط مختلف: ورواه (خ)، وكلام المُنذِري في "مختصر السُّنَن" لأبي داود يُوهِم أنه ليس في البُخاري على طريق التصحيح، بل على طريق الاستطراد مع حديث الحبل، وأن مسلمًا لم يخرج له الزيادةَ؛ وفي كلامه نظرٌ، وقد طوَّل فيه، وصدَّر بأبي داود، و (ت)، و (ق)، و (حب)، وهو انتصار لمذهب [. . .]. (¬1) أي: تلازما في الذهاب، بحيث أن كلًا منهما كان كالذي يسوق الآخر. (¬2) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 739)، والبخاري (1948)، ومسلم (1457).

9 - باب العارية

9 - باب العارِيَّة 859 - روى أبو داود من حديث أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استعارَ منه أَدرُعًا (¬1) يومَ حُنَين، فقلت: أغَصبٌ يا محمَّدُ؟ قال: "لا، بل عاريةٌ مضمونةٌ" (¬2). وأخرجه النَّسائي، وذكره الحاكم في "مستدركه" (¬3)، ولعله علمَ حال أمية (*). 860 - وعن صفوانَ بنِ يَعلَى بن أمية، عن أبيه قال: قال لي ¬

_ (*) واختُلف في إسناده، ورُوي مُرسَلًا وموقوفًا، ولا نَعلم أحدًا تكلَّم في أميةَ ولا وثَّقَه، ومحلُّه الصدقُ. قال محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد اللَّه، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إلى صفوانَ بنِ أميةَ، فسأله أَدرَاعًا فقال: أغَصْبًا يا محمد؟ فقال: "بل عاريةٌ مضمونةٌ". وقال ابن وهب: أخبرني أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن صفوانَ بنَ أميةَ أَعارَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سلاحًا هي ثمانون درعًا، فقال: أعاريةً مضمونةً أم غَصْبًا؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بل عاريةٌ مضمونةٌ". (¬1) جمع دِرع. (¬2) رواه أبو داود (3562). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5779)، والحاكم (2300).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أتَتْك رُسُلي فأَعطِهِم ثلاثين درعًا وثلاثين بعيرًا (*) "، فقلت: يا رسولَ اللَّه! أعاريةٌ مضمونةٌ أم عاريةٌ مُؤَدَّاةٌ؟ فقال: "بل عاريةٌ مُؤَدَّاةٌ". أخرجه النَّسائي (**) (¬1) 861 - وروى الحسن، عن سَمُرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "على اليدِ ما أَخذَتْ حتى تُؤدِّيَ"، قال قتادة: ثم نسيَ الحسنُ وقال: هو أمينُك لا ضَمَانَ عليه، يعني: العارية. أخرجه التِّرْمِذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (...)، وذكره الحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط البُخاري (¬2). وليس كما قال، وإنما هو على شرط التِّرْمِذي كما فعل (****). * * * ¬

_ (*) صوابه: مِغْفَرًا. (**) وأبو داود، وإسناده على شرط الصحيحين، فتأمَّلْ، والصوابُ أن يُقال: رواتُه ثقاتٌ. (...) لم يُصحِّحْه التِّرْمِذي، وإنما قال: حسَّنه فقط. (****) قد تقدَّم أن البُخاريَّ أخرج روايةَ الحسنِ عن سَمُرةَ في حديث العقيقة، وقد صحَّ سماعُه له في غيره، وقد صحَّح يحيى بنُ سعيد وعليُّ بنُ المَديني سماعَ الحسنِ من سَمُرةَ لغير حديث العقيقة أيضًا، ومَن يمنع ذلك يقول: هو كتابٌ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5776)، وأبو داود (3566). (¬2) رواه الترمذي (1266)، والحاكم (2302)، وكذا أبو داود (3561).

10 - باب الوديعة

10 - باب الوَدِيعة 862 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "آيةُ المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كذبَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ، وإذا وَعدَ أَخلَفَ". متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬1). 863 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أدِّ الأمانةَ إلى مَن ائتَمَنَك، ولا تَخُنْ مَن خانَك". رواه التِّرْمِذي من حديث شَريك وقيس، عن أبي حُصَين، وقال فيه: حسن غريب (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) ورواه أبو داود، وتكلَّم فيه أبو حاتم والبَيْهَقي، وقد رواه الطَّبَراني من حديث أنس. (¬1) رواه البخاري (33)، ومسلم (59). (¬2) رواه الترمذي (1264)، وكذا أبو داود (3535).

11 - باب الغصب

11 - باب الغَصْب 864 - عن سعيد بن زيد -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن أخذَ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يُطوَّقُه يومَ القيامة مِن سبعِ أرضِين (¬1) ". متفق عليه (¬2). 865 - وعن سالم، عن أبيه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَعتقَ عبدًا بينَ اثنين، فإن كان (¬3) مُوسِرًا قُوِّمَ عليه فعَتَقَ". أخرجه البُخاري (¬4). 866 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، فأرسلَتْ إحدى أمَّهاتِ المؤمنين مع خادمٍ بقَصْعةٍ فيها طعامٌ، فضربَتْ بيدِها، فكَسرَتِ القَصْعةَ، فضمَّها وجعل فيها الطعامَ، وقال: "كُلُوا"، وحَبَسَ الرسولَ والقَصعةَ ¬

_ (¬1) معناه: أنه يكلَّف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر، ويكون كالطوق في عنقه، وقيل: إنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين، فتكون كل أرض في تلك الحالة كالطوق في عنقه. (¬2) رواه البخاري (3026)، ومسلم (1610). (¬3) أي: المعتِق. (¬4) رواه البخاري (2385).

حتى فرغوا، فدفعَ القَصعةَ الصحيحةَ وحَبَسَ المكسورةَ. لفظ رواية البُخاري (¬1). 867 - وعند التِّرْمِذي في حديث لأنس: فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طعامٌ بطعامٍ، وإناءٌ بإناءٍ". وقال فيه: حسن صحيح (¬2). 868 - وروى ابن إسحاق، عن يحيى بن عروة، عن أبيه (*): أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَحيَا أرضًا ميتةً فهي له" (¬3). 869 - وعند أبي داود فيه في رواية: لقد خبرني الذي حدثني هذا الحديث: أن رجلَينِ اختَصمَا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، غَرَسَ أحدُهما نخلًا في أرض الآخر، فقضَى لصاحب الأرض بأرضه، وأَمر صاحبَ النخل أن يُخرجَ نخلَه منها، قال: فلقد رأيتُها وإنها لَتُضرَبُ أصولُها بالفؤوس وإنها لنخلٌ عُمٌّ (¬4)، حتى أخرجتْ منها (¬5). وفي رواية: فقال الرجلُ من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأكثرُ ظني أنه ¬

_ (*) وابن إسحاق تقدَّم، ومَن عداه متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (2349). (¬2) رواه الترمذي (1359). (¬3) رواه أبو داود (3074). (¬4) أي: طِوال. (¬5) رواه أبو داود (3074).

أبو سعيد الخُدْري: فأنا رأيتُ الرجلَ يَضرِبُ في أصول النخل (¬1). وعند البَيْهَقي في هذا الحديث: "مَن أَحيَا أرضًا ميِّتةً لم تكنْ لأحدٍ قبلِه، فهي له" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3075). (¬2) رواه البيهقي (6/ 142).

12 - باب الشفعة

12 - باب الشُّفْعة 870 - عن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: قضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّفْعةِ في كلِّ ما لم يُقسَمْ، فإذا وقعَتِ الحدودُ (¬1)، وصُرِّفَتِ الطُّرقُ (¬2) فلا شُفْعةَ. أخرجه البُخاري (¬3). 871 - وعنه قال: قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّفعة في كلِّ شِرْكةٍ لم تُقسَمْ، رَبْعَةٍ (¬4) أو حائطٍ (¬5)، ولا يَحلُّ له أن يَبيعَ حتى يُؤذِنَ شريكَه، فإن شاء أخذَ، وإن شاء تركَ، فإذا باعَ ولم يُؤذِنْه فهو أحقُّ. أخرجه مسلم (¬6). 872 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الجارُ أحقُّ بشُفْعتِه، يُنتظَرُ به ¬

_ (¬1) أي: الحواجز، بأن عينت وظهر كل واحد منها بالقسمة والإفراز. (¬2) أي: بيِّنت، بأن تعددت وحصل لكل نصيب طريق مخصوص. (¬3) رواه البخاري (2100). (¬4) المنزل. (¬5) بستان. (¬6) رواه مسلم (1608).

وإن كان غائبًا، إذا كان طريقُهما واحدًا". أخرجه التِّرْمِذي من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، وقال: وعبدُ الملكِ هو ثقةٌ مأمونٌ عند أهل الحديث، لا نَعلم أحدًا تكلَّم فيه غيرُ شعبةَ من أجل هذا الحديث (*) (¬1) (¬2). 873 - وعن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬

_ (*) قال شعبة: لو جاء عبدُ الملك بآخرَ مثلِ هذا الحديث لَرميتُ بحديثه، وقال أحمد ابن حنبل: هذا حديثٌ مُنكَرٌ، وقال أيضًا: عبدُ الملك ثقةٌ يُخطئ، رفع أحاديثَ عن عطاء، واللَّه أعلم، وقال إسحاق بن إبراهيم: قال لي أبو عبد اللَّه: ليس العملُ على هذا، لا شفعة إلا للخليط. (¬1) جاء على الهامش بخط مختلف ما نصه: "فصل: لا منافاةَ بين حديث عبد الملك وبين رواية جابر المشهورة؛ فإن في حديث عبد الملك: "الجارُ أحقُّ بشُفْعةِ جارِه، يُنتظَر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقُهما واحدًا"، وحديثُ جابرٍ المشهورُ لم يَنفِ فيه استحقاقَ الشُّفعة إلا بشرط تصرُّف الطرُق، فنقول: إذا اشتَركَ الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجارُ أحقُّ بصَقَبِ جارِه؛ لحديث عبد الملك، وإذا لم يشتركا في شيءٍ من المنافع فلا شُفعةَ، لحديث جابر المشهور، وهو أحدُ الوجوهِ الثلاثةِ في مذهب أحمد وغيره، وطعنُ شعبةَ في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يَقدَحُ في عبد الملك؛ فإن عبدَ الملك ثقةُ مأمونٌ، وشعبةُ لم يكن فقيهًا ليَجمعَ بين الأحاديث إذا ظهر تعارضُها، وإنما كان إمامًا في الحفظ، وطعنُ مَن طَعَنَ عليه سواه إنما هو اتباعٌ لشعبةَ، وقد احتج مسلم في "صحيحه" بحديث عبد الملك وخرج له أحاديثَ واستشهد به (خ)، وإنما لم يخرجا هذا الحديثَ لكلامِ شعبةَ في عبد الملك بسببه". (¬2) رواه الترمذي (1369)، وكذا أبو داود (3518)، وابن ماجه (2494).

"الشَّريكُ شفيعٌ، والشُّفعةُ في كلِّ شيءٍ". أخرجه التِّرْمِذي من حديث أبي حمزة السُّكَّري مرفوعًا، وجعل المُرسَلَ أصحَّ (*). قال التِّرْمِذي: أبو حمزة ثقةٌ، يمكن أن يكونَ الخطأ من أبي حمزة، وقد جاء من حديث الطحاوي، عن عطاء، عن جابر قال: قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّفعة في كل شيءٍ (¬1) (**). * * * ¬

_ (*) وقال البَيْهَقي: قد رُوي عن أبي حمزة، عن محمد بن عبيد اللَّه، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا ولا يصح. (**) رواه جماعةٌ مرسَلًا. قال الخطيب في "التاريخ": أخبرنا محمد بن علي المُقرئ، أنبأ أبو مسلم بن مهران، أنبأ عبد المؤمن بن خلف النَّسَفي قال: سمعت أبا علي صالح بن محمد يقول: حديثُ ابن أبي مُلَيكة عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الشُّفعةُ في كل شيءٍ" خطأ، إنما أخطأ فيه أبو حمزة. ورواه أيضًا عمر بن هارون، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعمر بن هارون بَلْخِي، وهو متروكُ الحديث؛ والحديثُ باطلٌ. وقال الدَّارَقُطْني في حديث أبي حمزة: خالَفَه شعبةُ وإسرائيلُ وعمرُو بنُ أبي قيس وأبو بكر بين عياش، فرووه عن عبد العزيز، عن ابن أبي مُلَيكةَ مُرسَلًا؛ وهو الصواب، ووَهِمَ أبو حمزة في إسناده فيه؛ والصواب عن جابر. قال الطحاوي: ثنا محمد بن خزيمة، ثنا يوسف بن عدي، ثنا ابن إدريس، هو عبد اللَّه الأَوْدِي، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: "قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشُّفعة في كل شيءٍ". = (¬1) رواه الترمذي (1371).

13 - باب المساقاة

13 - باب المُسَاقاة 874 - عن نافع، عن ابن عمر: أنه أخبره: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامَلَ أهلَ خَيبرَ بشَطرِ ما يَخرجُ منها من زرعٍ أو ثمرٍ. اتفقا عليه من حديث عبيد اللَّه عن نافع. واللفظ للبُخاري (¬1). وعند مسلم في رواية عن ابن عمر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه دفع إلى يهود خَيبرَ نخلَ خَيبرَ وأرضَها، على أن يَعتَمِلُوها (¬2) من أموالهم، ولرسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شَطرُ ثمرها (¬3). ¬

_ = محمد بن خزيمة هو ابن راشد، وثقة غير واحد، وهو أول رجل وقع اسمه في كتاب الطحاوي في "تهذيب الآثار" وقال فيه: ثنا محمد بن خزيمة بن راشد وهو عندهم أحدُ الثقات، قاله ابن القطَّان، ويوسف بن عدي هو أخو زكريا بن عدي، كوفِيٌّ نزل مصرَ، وقد وثَّقَه غيرُ واحدٍ، ونسبَه ابنُ حزم في روايته هذا الحديثَ إلى القَرَاطِيسي؛ وأخطأ في ذلك، وتبعَه على الخطأ عبدُ الحقِّ، وأما القَرَاطِيسي فهو يوسف بن يزيد، وهو من الثقات أيضًا، وهو متأخر عن أخي زكريا، وهو في طبقة محمد بن خزيمة، وروى عنه الطَّبَراني "كتاب الفتن" لنعيم بن حَمَّاد وغير ذلك. (¬1) رواه البخاري (2204)، ومسلم (1551). (¬2) أي: يسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وإصلاحها. (¬3) رواه مسلم (1551).

وفي رواية: أن عمرَ بنَ الخطاب -رضي اللَّه عنه- أجلَى اليهودَ والنصارى من أرض الحجاز، وأن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا ظهرَ على خَيبرَ أراد إخراجَ اليهودِ منها، فكانت الأرضُ حين ظَهَرَ عليها للَّه ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراجَ اليهود منها، فسألتِ اليهودُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُقِرَّهم بها على أن يَكْفُوا عملَها، ولهم نصفُ الثمر، فقال لهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نُقرُّكم بها على ذلك ما شِئْنا". فقَرُّوا بها حتى أجلاهم عمرُ -رضي اللَّه عنه- إلى تيماءَ وأريحاءَ (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2213)، ومسلم (1551).

14 - باب الإجارة

14 - باب الإجارة 875 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كانت له أرضٌ فَلْيَزرَعْها أو لِيَمنَحْها أخاه، فإنْ أبَى (¬1) فَلْيُمسِكْ أرضَه" (¬2). 876 - وعن سليمان بن يسار: أن رافع بن خَدِيج قال: إن بعضَ عمومته أتاهم فقال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كانت له أرضٌ فَلْيَزرَعْها أو لِيُزرِعْها أخاه، ولا يُكَارِها بثلثٍ ولا رُبعٍ ولا بطعامٍ مُسمًّى" (*) (¬3). 877 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كنا نُخَابِرُ (¬4) ولا نَرى بذلك بأسًا، حتى زعم رافعٌ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عنها، فتَركْنَاها من أجل ذلك (¬5). 878 - وعن عبد اللَّه بن السائب قال: دخلْنا على عبد اللَّه بن مَعْقِل ¬

_ (*) ليس هو لفظ "م". (¬1) أي: صاحب الأرض عن الأمرين. (¬2) رواه البخاري (2216)، ومسلم (1544). (¬3) رواه مسلم (1536)، والنسائي (3897). (¬4) أي: نزارع. (¬5) رواه مسلم (1547).

فسألناه عن المُزَارَعَة؟ فقال: زعمَ ثابتٌ (*): أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن المُزَارَعَة، وأَمر بالمُؤَاجَرَة وقال: "لا بأسَ بها" (¬1). أخرجها مسلم. 879 - وروى مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن حنظلة بن قيس: أنه سأل رافعَ بنَ خَدِيج عن كِرَاءِ الأرضِ، فقال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كِرَاءِ الأرضِ، فقال: أبالذهبِ والوَرِقِ؟ قال: أمَّا بالذهبِ والوَرِقِ فلا بأسَ به (**) (¬2). وفي رواية الليث عن ربيعة، عن حنظلة: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كِراء الأرضِ ببعض ما يَخرجُ منها، الحديث (¬3). 880 - وعن رافع بن خَدِيج، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثمنُ الكلبِ خبيثٌ، ومَهرُ البَغِيِّ خبيثٌ، وكسبُ الحَجَّامِ خبيثٌ" (...) (¬4). 881 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: حَجَمَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عبدٌ لبني بَيَاضَةَ، فأعطاه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أجرَه، وكلَّم سيدَه، فخفَّف عنه من ضريبتِه، ولو كان ¬

_ (*) هو ابن الضحاك. (**) لفظ مسلم، والحديث في الجملة عند الجماعة كلهم. (...) أخرجه مسلم. (¬1) رواه مسلم (1549). (¬2) رواه مسلم (1547). (¬3) رواه البيهقي (6/ 132). (¬4) رواه مسلم (1568).

سُحْتًا (¬1) لم يُعطِه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. لفظ مسلم (¬2). 882 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كسبِ الإماء. أخرجه مسلم (*) (¬3). وعند ابن حِبَّان زيادة: مخافةَ أن يَبْغِينَ (¬4). 883 - وعند البُخاري في حديث لابن عباس: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ اللَّهِ (¬5) " (¬6). * * * ¬

_ (*) حديثُ أبي هريرةَ لم يخرجه مسلم، إنما رواه البُخاري فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن محمد بن جُحَادة، عن أبي حازم، عن أبي هريرةَ قال: نَهَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كسب الإماء. (¬1) أي: حرامًا. (¬2) رواه مسلم (1202). (¬3) رواه البخاري (2163). (¬4) رواه ابن حبان (5159). (¬5) استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه من التعليم، وأجازوه في الرقى. (¬6) رواه البخاري (5405).

15 - باب الجعالة

15 - باب الجِعَالة 884 - عن أبي سعيد قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في سفرةٍ سافروها حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم فأَبَوا أن يُضيِّفُوهم، فلُدِغَ سيدُ ذلك الحيِّ، فسَعَوا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضهم: لو أتيتُم هؤلاء الرَّهطَ الذين نزلوا لعل أن يكونَ عند بعضهم شيءٌ، فأَتَوهم، فقالوا: يا أيُّها الرَّهطُ! إن سيدَنا لُدِغَ، وسعَينا له بكل شيءٍ، لا ينفعُه شيءٌ, فهل عند أحدٍ منكم من شيءٍ؟ فقال بعضهم: إني واللَّه لأَرقِي، ولكني واللَّه لقد استضفناكم فلم تُضيِّفُونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلًا، فصالَحُوهم على قطيعٍ من الغنم، فانطلق يتْفُلُ عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1] , فكأنما نَشِطَ (¬1) من عِقَالٍ: فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ (¬2)، قال: فأَوفَوهم جُعْلَهم الذي صالَحُوهم عليه، فقال بعضهم: اقسِمُوا، فقال الذي رقَى: لا تفعلوا حتى نأتِيَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فنَذكرَ الذي كان، فنَنظرَ ما يأمرُ، فقدموا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (¬1) أي: حَلَّ. (¬2) أي: علة.

فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رُقيةٌ؟ "، ثم قال: "قد أَصبتُم، اقسِمُوا واضرِبُوا لي معكم سهمًا"، فضحك (*) رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه البُخاري (¬1). * * * ¬

_ (*) هذا فيه تقديم وتأخير من الرواي، وينبغي أن يكونَ الضحكُ متقدمًا. (¬1) رواه البخاري (2156).

16 - باب المسابقة

16 - باب المُسَابَقَة 885 - روى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سابَقَ بين الخيل التي قد أُضمِرَتْ (¬1) من الحَفْيَاء (¬2)، وكان أَمَدُها (¬3) ثَنِيَّةَ الوداع، وسابَقَ بين الخيل التي لم تُضْمَرُ من الثَّنِيَّةِ إلى مسجد بني زُرَيق، وأن عبد اللَّه بنَ عمرَ كان ممن سابَقَ بها. أخرجاه من حديثه (¬4). وفي رواية سفيان (*): أَجرَى الخيلَ المُضمَرَةَ من الحَفْيَاء إلى ثَنِيَّةِ الوداع، وبينهما ستةُ أميالٍ، وما لم تُضمَر من ثَنِيَّةِ الوداع إلى مسجد بني ¬

_ (*) عند البُخاري. (¬1) تضمير الخيل: أن تُظاهر عليها العلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتًا لتخف، وقيل: تشد عليها سروجًا وتجلل بالأجلَّة حتى تعرق تحتها فيذهب رهَلُها، ويشتد لحمها. (¬2) اسم موضع بينه وبين ثنية الوداع خمسة أميال أو أكثر. (¬3) أي: غايتها. (¬4) رواه البخاري (410)، ومسلم (1870).

زُرَيق، وبينهما مِيلٌ، وكنتُ فيمَن أَجرَى (¬1). 886 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سابَقَ بين الخيل، وفضَّلَ القُرَّحَ (*) في الغاية (**) (¬2). وعند ابن حبَّان: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سابَقَ بين الخيل، وجعل بينهما سَبَقًا، وجعل بينهما مُحلِّلًا وقال: "لا سَبَقَ إلا في حافرٍ أو نَصْلٍ" (¬3). 887 - وعن نافع بن أبي نافع، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سَبَقَ إلا في خُفٍّ أو حافرٍ أو نَصْلٍ" (¬4). ونافع هذا عن يحيى بن مَعين: أنه ثقةٌ (...). ¬

_ (*) القُرَّح من الخيل بمنزلة البُلَّغ من الرجال. (**) أخرجه أبو داود، وإسناده على شرط "الصحيحين"، هو من رواية عبيد اللَّه، عن نافع، عنه. (...) ولم يُضعِّفْه أحدٌ، والحديثُ عند أبي داود والتِّرْمِذي والنَّسائي، وباقي رجاله متفق عليهم، وحسَّنه التِّرْمِذي -لم أَرَ في كتاب الترمذي تحسينه، (ح) -، وقال ابن القطَّان: إسناده عندي صحيحٌ، ورواتُه كلُّهم ثقاتٌ. قال أحمد: ثنا يزيد، أنبأ محمد بن عمرو، عن أبي الحكم مولى اللَّيثيِّين، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا سبقَ إلا في خُفٍّ أو حافرٍ". ورواه النَّسائي وابن ماجه، وأبو الحكم لا يُعرَف. = (¬1) رواه البخاري (2713). (¬2) رواه أبو داود (2577). (¬3) رواه ابن حبان (4689). (¬4) رواه أبو داود (2574)، والنسائي (3586)، والترمذي (1700).

888 - وعن سفيان بن حسين، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أدخل فرسًا بين فرسَينِ وهو لا يُؤْمَنُ أن يَسبِقَ فليس بقِمَارٍ، ومَن أدخل فرسًا بين فرسَينِ وقد أَمِنَ أن يَسبقَ فهو قِمَارٌ". أخرجه أبو داود (¬1). وسفيان هذا ثقةٌ أخرج له مسلم، إلا أنه قد استُضعف في حديث الزُّهري، وقد أتبعه أبو داود برواية سعيد بن بشير، عن الزُّهري مُحِيلًا على ما قبلَه بمعناه، وسعيد وثَّقه دُحَيم (*). * * * ¬

_ = وقال ابن حبَّان في "الأنواع": أنبأ عمر بن محمد الهَمْدَاني، ثنا محمد بن عبد الأعلى، ثنا المُعتمِر بن سليمان قال: سمعت ابن أبي ذئب، يحدث عن نافع، عن أبي هريرةَ: أن نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا سبقَ إلا في خُفٍّ أو حافرٍ أو نصلٍ". (*) وقال شعبة: صَدُوقٌ، وقال أبو زُرعةَ وأبو حاتم: محلُّه الصدقُ، وضعَّفه غيرُ واحدٍ من الأئمَّة؛ والصحيحُ أن هذا الحديثَ من كلام سعيد بن المسيِّب. (¬1) رواه أبو داود (2579)، وابن ماجه (2876).

17 - باب إحياء الأموات

17 - باب إحياء الأموات 889 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَعمَرَ أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحقُّ"، قال عروة: قضَى به عمرُ في خلافته. أخرجه البُخاري (¬1). 890 - وعن سعيد بن زيد، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَحيَا أرضًا ميتةً فهي له، وليس لعِرْقٍ ظالمٍ حقٌّ". أخرجه أبو داود (*) (¬2). 891 - وثبت عن أسماءَ بنتِ أبي بكر قالت: كنتُ أنقلُ النَّوى من أرض الزبير الذي أقطعَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على رأسي (**) (¬3). ¬

_ (*) والتِّرْمِذي والنَّسائي، وقد رُوي مُرسَلًا من وجوهٍ، والذين وَصَلُوه على شرط "الصحيحين". (**) حديث متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (2210). (¬2) رواه أبو داود (3073)، والترمذي (1378). (¬3) رواه البخاري (2982)، ومسلم (2182).

892 - وعن الصَّعْب بن جَثَّامة -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا حِمَى إلا للَّه ورسوله" (¬1). متفق عليه (*) (¬2). ورواه الحاكم بزيادة: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَمَى النقيعَ (¬3) وقال: "لا حِمَى إلا للَّه ولرسوله" (¬4). 893 - وعن عروة، عن عبد اللَّه الزبير حدثه: أن رجلًا من الأنصار خاصَمَ الزبيرَ عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في شِرَاجِ (**) الحَرَّةِ التي يَسقُون بها النخلَ، فقال الأنصاري: سرِّحِ (¬5) الماءَ يَمرَّ، فأبَى عليه، فاختصما إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للزبير: "اسقِ يا زبيرُ، ثم أَرسلِ الماءَ إلى جارك"، فغضب الأنصاري فقال: أنْ كان ابنَ عمَّتِك؟! فتلوَّن وجهُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قال: "اسقِ يا زبيرُ، ثم احبِسِ الماءَ حتى يرجعَ إلى الجَدْرِ (¬6) "، فقال الزبير: ¬

_ (*) حديثُ الصعب رواه البُخاري وحدَه. (**) مجرى الماء، واحدها شَرَجَة. (¬1) قال الإمام الشافعي: يحتمل معنى الحديث شيئين؛ أحدهما: ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والآخر معناه: إلا على مِثْل ما حماه عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬2) رواه البخاري (2241). (¬3) موضع قريب من المدينة كان يجتمع فيه الماء. (¬4) رواه الحاكم في "المستدرك" (2358). (¬5) أي: أرسل. (¬6) هو أصل الحائط، وقيل: أصول الشجر.

واللَّه إني أحسِبُ هذه الآيةَ نَزلت في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65]. متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬1). 894 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُقِمْ أحدُكم أخاه، ثم يَجلِسْ في مجلسه" (*) (¬2). 895 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قام أحدُكم من مجلسه، ثم رجع إليه فهو أحقُّ به" (¬3). أخرجهما مسلم. 896 - وعن عكرمة قال: سمعتُ أبا هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا تَشَاحُّوا (**) في الطريق بسبعةِ أَذرُعٍ. أخرجه البُخاري (...) (¬4). ¬

_ (*) ورواه (خ). (**) تشاجروا. (...) قال مسلم في "صحيحه": حدثنا أبو كامل فُضَيل بن حسين الجَحْدَري، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا خالد الحَذَّاء، عن يوسف بن عبد اللَّه، عن أبيه، عن أبي هريرةَ: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا اختلفتُم فى الطريق جُعل عرضُه سبعَ أَذرُعٍ". (¬1) رواه البخاري (2231)، ومسلم (2357). (¬2) رواه مسلم (2177)، وكذا البخاري (869). (¬3) رواه مسلم (2179). (¬4) رواه البخاري (2341)، ومسلم (1613).

897 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس للنساء وسطُ الطريق" (¬1). من حديث مسلم بن خالد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن أبي مريم (¬2)، ومسلم وثِّق وضُعِّف (*). 898 - وروى مالك عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" (¬3). وهو مُرسَلٌ أسندَه الحاكم بذكر أبي سعيد الخُدْري فيه، وزعم أنه صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬4). 899 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحتَلبَنَّ أحدُكم ماشيةَ أخيه بغيرِ إذنِه، أيُحبُّ أحدُكم أن تُؤتَى مَشْرُبَتُه (¬5)، ¬

_ (*) قال ابن حِبَّان في "كتاب الأنواع": أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن موسى، ثنا الصَّلْت ابن مسعود، ثنا مسلم بن خالد، ثنا شَرِيك بن أبي نَمِر، عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس للنساء وسطُ الطريق". (¬1) قال ابن حبان في "صحيحه" (12/ 416): لفظة إخبارٍ مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه وهو مماسَّة النساء الرجال في المشي، إذ وسط الطريق الغالبُ على الرجال سلوكُه، والواجب على النساء أن يتخلَّلن الجوانب حذرَ ما يُتوقع من مماسَّتهم إياهنَّ. (¬2) رواه ابن حبان (5601) لكن من حديث مسلم بن خالد، عن شريك بن أبي نمر. (¬3) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 745). (¬4) رواه الحاكم (2345). (¬5) أي: غرفته.

وتُكسَرَ خِزانتُه (¬1)، فيُنتَثَلَ (¬2) طعامُه؛ فإنما تَخْزُنُ لهم ضُروعُ مواشيهم (¬3) " (*) (¬4). 900 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا أَتيتَ على راعٍ فنادِهِ ثلاثَ مِرارٍ، فإن أجابك وإلا فاشرَبْ في غيرِ أَنْ تُفسِدَ، فإذا أتيتَ على حائطِ بستانٍ فنَادِ صاحبَ البستان ثلاثَ مِرَارٍ، فإن أجابك وإلا فكُلْ في أن لا تُفسِدَ". أخرجه ابن ماجه (**) (¬5). 901 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُمنَعُ فضلُ الماءِ لِيُمنَعَ به الكلأُ" (...) (¬6). وعند ابن حبَّان في رواية أبي سعيد مولى بني غِفَار قال: سمعتُ أبا هريرةَ يقول: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تَمنعُوا فضلَ الماء، ¬

_ (*) اتفقا عليه من حديثه. (**) إسناده على شرط مسلم، وصحَّحه ابن حبَّان. (...) متفق عليه. (¬1) هو المكان أو الوعاء الذي يخزن فيه ما يراد حفظه. (¬2) أي: يُنثر ويُرمى. (¬3) أي: أن ضروع مواشيهم في حفظ اللبن بمنزلة خزائنكم التي تحفظ طعامكم، فمن حَلَبَ مواشيهم فكأنه كسر خزائنهم وسرق منها. (¬4) رواه البخاري (2303)، ومسلم (1726). (¬5) رواه ابن ماجه (2300). (¬6) رواه البخاري (2226)، ومسلم (1566).

ولا تَمنعُوا الكلأَ، فيُهْزُلَ المالُ، ويجوعَ العِيالُ" (¬1). وفي رواية: "لا يُباعُ فضلُ الماء ليُباعَ به الكلأُ" (¬2). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4956). (¬2) رواه مسلم (1566).

18 - باب الهبة

18 - باب الهِبَة 902 - روى مالك عن ابن شهاب، عن حُميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان بن بشير: أنهما حدثاه عن النعمان بن بشير: أن أباه أتى به إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال: "أكُلَّ ولدِك نَحلتَه مثلَه؟ " قال: لا، قال: "فأرجِعْه". متفق عليه (¬1). وعند مسلم في رواية عن الشَّعبي قال: "اتقوا اللَّهَ، واعدِلوا في أولادكم"، فرجع أبي فردَّ تلك الصدقةَ (¬2). وفي رواية: "قال: لا تُشهِدْني إذًا؛ فإني لا أَشهدُ على جَورٍ" (¬3). وفي رواية عند مسلم: "فأَشهِدْ على هذا غيري" (¬4). وفي أخرى: "أفكُلُّهم أعطيتَه مثلَ ما أعطيتَه؟ " قال: لا، قال: "فليس ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2446)، ومسلم (1623). (¬2) رواه مسلم (1623). (¬3) رواه البخاري (2507)، ومسلم (1623). (¬4) رواه مسلم (1623).

يَصلُحُ هذا، وإني لا أَشهدُ إلا على حقٍّ" (¬1). 903 - وعن طارق بن عبد اللَّه المُحاربي في حديث طويل: فلما كان العشيُّ أتانا رجلٌ فسلَّم علينا، فقال: أنا رسولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إليكم، يقول: "إن لكم أن تَأكلُوا حتى تَشبعُوا، وتَكيلُوا حتى تَستَوفُوا"، الحديث. أخرجه الدَّارَقُطْني (¬2). 904 - وعن ابن عباس قال: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "العائدُ في هِبَتِه كالكلبِ يَقِيءُ، ثم يَرجعُ يعود في قَيئِه". لفظ البُخاري، وهو متفق عليه (¬3). وفي رواية: "مَثَلُ الذي يتصدَّق بصدقةٍ، ثم يعود في صدقته كمَثَلِ الكلبِ؛ يَقِيءُ ثم يعود في قَيئِه" (¬4). 905 - وعن ابن عمر وابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَحِلُّ لرجلٍ يُعطي عطيَّهً، أو يَهبَ هِبَةً فيرجعُ فيها؛ إلا الوالدَ فيما يُعطي ولدَه"، الحديث. أخرجه أبو داود، ثم الحاكم في "مستدركه" (¬5) (*). ¬

_ (*) هو من رواية عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس؛ ورواتُه = (¬1) رواه مسلم (1624)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-. (¬2) رواه الدارقطني (3/ 44). (¬3) رواه البخاري (2449)، ومسلم (1622)، وليس عندهما: "يرجع". (¬4) رواه مسلم (1622). (¬5) رواه أبو داود (3539)، والحاكم (2298).

906 - وعن الحسن، عن سَمُرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا كانتِ الهِبَةُ لذي رَحِمٍ مَحرَمٍ لم يُرجَعْ فيها". قال (¬1): صحيح على شرط البُخاري (¬2)؛ وليس كما قال (*)، ولو قال: على شرط التِّرْمِذي كان أقربَ. 907 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقبَلُ الهديةَ، ويُثيبُ عليها (¬3). أخرجه البُخاري (¬4). 908 - وعن ابن عمر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن وَهَبَ هِبَةً فهو أحقُّ ¬

_ = ثقاتٌ، وأخرجه التِّرْمِذي أيضًا وصحَّحه، والنَّسائي وابن ماجه وأبو حاتم البُسْتي. وقال الإمام أحمد في "مسنده": ثنا يزيد، أنبأ حسين بن ذَكوان، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس: أن ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "لا يَحلُّ لرجل أن يُعطيَ العطيةَ فيَرجعَ فيها؛ إلا الوالدَ فيما يُعطي ولدَه، ومَثَلُ الذي يُعطي العطيةَ، فيَرجعُ فيها كمَثَلِ الكلبِ أكلَ حتى إذا شبعَ قاءَ، ثم رجعَ في قَيئِه". وقال أحمد أيضًا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا حسين المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال، فذكر مثلَه. (*) قد تقدَّم الكلامُ على هذا، وفي صحته عن الحسن نظرٌ. (¬1) أي: الحاكم. (¬2) رواه الحاكم (2324). (¬3) أي: يعطي الذي له يهدي له بدلها. (¬4) رواه البخاري (2445).

بها (¬1) ما لم يُثَبْ (¬2) منها". أخرجه الدَّارَقُطْني (*) (¬3). قال عبدُ الحق: رواتُه ثقاتٌ، لكنه جعلَه وهمًا، قال: والصواب: ابن عمر، عن عمر قوله. 909 - عن أبى هريرةَ: أن رجلًا أهدَى إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِقْحَةً (¬4)، فأثابه عليها بستِّ بَكَراتٍ (¬5)، فسَخِطَها الرجلُ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن يَعْذُرُني من فلانٍ؟ أهدَى إلَيَّ لِقْحَةً، فكأني أنظرُ إليها في وجه بعض أهلي، فأثبتُه منها بستِّ بَكَراتٍ فسَخِطَها، لقد هممتُ أن لا أقبلَ هديةً إلا من قُرَشيٍّ أو أنصاريٍّ أو ثَقَفيٍّ أو دَوسيٍّ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (**) (¬6). ¬

_ (*) بإسناد على شرط البُخاري ولم يُعلِّلْه؛ والصوابُ أنه موقوفٌ. (**) ورواه أبو داود مختصرًا، وفي إسناده ابن إسحاق، وقد تقدَّم. قال ابن حبان في "الأنواع": أخبرنا الحسن بن سفيان، ثنا داود بن رشيد، ثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو دوسي". (¬1) إذا أراد أن يرتجعها. (¬2) أي: يعوَّض. (¬3) رواه الدارقطني (3/ 43). (¬4) ناقة ذات لبن. (¬5) جمع بَكْرة: الفتي من الإبل. (¬6) رواه الترمذي (3945).

910 - وعن خالد بن عدي الجُهَني: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن جاءَه من أخيه معروفٌ من غير سؤالٍ ولا إشرافِ نفسٍ فَلْيَقبَلْه؛ فإنما هو رزقٌ ساقَه اللَّهُ إليه". أخرجه أبو نُعَيم الحافظ في "معرفة الصحابة"، واللفظ له. وأخرجه الحاكم في "مستدركه"، وفيه: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن بلغَه معروفٌ عن أخيه من غيرِ مسألةٍ"، وفيه: "فَلْيَقبَلْه ولا يَردَّه". وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬1). وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" (¬2). 911 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "العُمرَى (¬3) جائزةٌ". متفق عليه (¬4). 912 - وعن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَمسِكُوا عليكم أموالَكم ولا تُفسِدُوها؛ فإنه مَن أَعمَرَ عُمرَى فهي للذي أُعمِرَها حيًّا وميتًا، ولعَقِبِه". أخرجه مسلم (¬5). 913 - وعن أبي سَلَمة، عن جابر قال: إنما العُمرَى التي أجاز ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (2363). (¬2) رواه ابن حبان (3404). (¬3) العمرى مأخوذة من العُمُر، وهو أن يعطي رجلًا دارًا ويقول له: أعمرتك إياها -أي: أبحتها لك- مدة عمرك. (¬4) رواه البخاري (2483)، ومسلم (1626). (¬5) رواه مسلم (1625).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقولَ: هي لك ولعَقِبِك، فأما إذا قال: هي لك ما عشتَ؛ فإنها ترجعُ إلى صاحبها. قال مَعمَر: وكان الزُّهريُّ يُفتي به (*) (¬1). 914 - وعن جابر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُرقِبُوا (¬2)، ولا تُعمِرُوا؛ فمَن أُعمِرَ شيئًا، أو أُرقبَ فهو له" (**) (¬3). وفي رواية مالك: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيُّما رجلٍ أَعمَرَ عُمرَى له ولعقبه فإنها للذي أُعطيَها، لا تَرجعُ إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطَى عطاءً وقعَتْ فيه المواريثُ" (...) (¬4). 915 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَصُمِ المرأةُ وبعلُها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تَأذَنُ في بيته وهو شاهدٌ إلا بإذنه، وما أَنفقَتْ ¬

_ (*) لفظ مسلم، وأصله متفق عليه. (**) أخرجه أبو داود والنَّسائي، وإسناده على شرط مسلم. (...) أخرجوه إلا البُخاري وابن ماجه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه مسلم (1625). (¬2) الرُّقبى: مأخوذة من المراقبة، وهي بمعنى: العمرى، وسميت رقبى؛ لأن كلًا منهما يرقب موت الآخر لترجع إليه وكذا ورثته. (¬3) رواه أبو داود (3556)، والنسائي (3731). (¬4) رواه مسلم (1625).

من كسبِه من غيرِ أمرِه فإنَّ نصفَ أجرِه له" (*) (¬1). وسيأتي حديث لأبي أُمامة في باب الوصية. 916 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- حَمَلَ على فرسٍ في سبيل اللَّه، فوجدَه يُباع، فأراد أن يَبتاعَه، فسأل رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك، فقال: "لا تَبتَعْه، ولا تَعُدْ في صدقتك". لفظ رواية مسلم من هذا الوجه (¬2). 917 - وعن عقبة بن عامر قال: قلْنا للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنك تبعثُنا فنَنزلُ بقومٍ لا يَقْرُونا (¬3)، فما تَرى فيه؟ فقال لنا: "إن نزلتُم بقومٍ، فَأُمِرَ لكم بما ينبغي للضيف فاقبَلُوا، فإن لم يفعلوا فخُذُوا منهم حقَّ الضيف". متفق عليه، واللفظ للبُخاري (¬4). * * * ¬

_ (*) متفق عليه واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (4896)، ومسلم (1026). (¬2) رواه البخاري (2809)، ومسلم (1621). (¬3) أي: يضيفونا. (¬4) رواه البخاري (2329)، ومسلم (1727).

19 - باب اللقطة

19 - باب اللُّقَطة 918 - عن عِيَاض بن حِمَار قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن وجدَ اللُّقَطةَ فَلْيُشهِدْ ذا عدلٍ، أو: ذوَي عدلٍ، ولا يَكتُمْ، ولا يُغيِّبْ، فإن وجد صاحبَها فَلْيَردَّها عليه، وإلا فهو مالُ اللَّه عز وجل يُؤتيه مَن يشاء". أخرجه أبو داود (*) (¬1). 919 - وروى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المُنبعِث (**)، عن زيد بن خالد قال: جاء رجلٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأله عن اللُّقَطة؟ فقال: "اعرِفْ عِفَاصَها (¬2) ووِكَاءَها (¬3)، ثم عرِّفْها سَنةً، فإن جاء صاحبُها وإلا فشأنَك بها"، قال: فضالَّةُ الغنم؟ قال: "هي لك، أو لأخيك، أو للذئب"، قال: فضالَّةُ الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها ¬

_ (*) والنَّسائي وابن ماجة، ورجاله على شرط مسلم؛ بل ورجالُه إلى عِيَاض رجالُ "الصحيحين". (**) كان اسمه المضطجع. (¬1) رواه أبو داود (1709). (¬2) العِفاص: هو الوعاء الذي تكون فيه النققة جلدًا كان أو غيره. (¬3) الوِكاء: الخيط الذي يُشد به الوعاء.

سقَاؤُها (¬1) وحِذَاؤُها (¬2)، تَرِدُ الماءَ وتأكلُ الشجرَ حتى يلقَاها ربُّها". اتفقا عليه من حديث مالك، وهذه رواية البُخاري (¬3). ورواه إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة عندهما، وفيه: "عرِّفْها سَنةً، ثم اعرِفْ وِكَاءَها وعِفَاصَها، ثم استَنفِقْ بها (¬4) "، وفيه: فقال: يا رسولَ اللَّه! فضالَّةُ الغنم؟ فقال: "خُذْها؛ فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" (¬5). وفي رواية سليمان بن بلال، عن ربيعة (*): "فإن لم يَجِئْ صاحبُها كانت وديعةً عندَك" (**) (¬6). وفي رواية يحيى بن سعيد، عن يزيد (...): سُئل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اللُّقَطة الذهبِ أو الوَرِقِ؟ فقال: "اعرِفْ وِكَاءَها وعِفَاصَها ثم عرِّفْها سَنةً، ¬

_ (*) عندهما أيضًا. (**) حديثُ ضالَّة الإبلِ المكتومةِ غرامتُها ومثلُها معها، رواه أبو داود عن مَخلَد بن خالد، عن عبد الرزاق، عن مَعمَر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، أحسِبُه عن أبي هريرةَ مرفوعًا، فذكره. (...) عند البخاري. (¬1) أي: تَقْوى على ورود الماء. (¬2) أي: أخفافها؛ لأنها تقوى بها على السَّير. (¬3) رواه البخاري (2243)، ومسلم (1722). (¬4) أي: تملَّكْها ثم أنفقها على نفسك. (¬5) رواه البخاري (2304)، ومسلم (1722). (¬6) رواه البخاري (2296)، ومسلم (1722).

فإن لم تُعرَفْ فاستَنفِقْها، وَلْتكنْ وديعةً عندَك" (*) (¬1). وفي رواية حَمَّاد بن سَلَمة عند مسلم: "فإن جاء صاحبُها، فعرَفَ عِفَاصَها وعددَها ووِكَاءَها فأَعطِها إياه، وإلا فهي لك" (¬2). وعنده أيضًا من حديث سفيان وزيد بن أبي أُنيَسة وحَمَّاد بن سَلَمة، عن سَلَمة بن كُهَيل في حديث آخر: "فإنْ جاء أحدٌ يُخبرُك بعددِها ووِعَائِها ووِكَائِها فأعطِها إياه" (¬3). وفي رواية: "وإلا فهي كسبيلِ مالِك" (¬4). 920 - وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن ¬

_ (*) قال أبو داود: ثنا محمد بن المُصفَّى، ثنا محمد بن حرب، عن الزُّبَيدي، عن مروان بن رُؤبة التَّغْلِبي، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المِقدَام بن معد يكرب، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا لا يَحلُّ ذو نابٍ من السِّباع، ولا الحمارُ الأهليُّ، ولا اللُّقَطةُ من مالِ مُعاهَدٍ إلا أن يَستغنِيَ عنها، وأَيُّما رجلٍ ضافَ قومًا، فلم يَقرُوه فإن له أنَّ يُعقِبَهم بِمِثْلِ قِرَاه". انفرد به أبو داود، ومروانُ وعبدُ الرحمن وُثِّقَا. ورواه هشام بن عمار، عن يحيى بن حمزة، عن الزُّبيدي، عن عمر بن رُؤبة، عن عبد الرحمن بن أبي عوف. قال شيخنا أبو الحجاج: إسناده جيد. (¬1) رواه مسلم (1722). (¬2) رواه مسلم (1722). (¬3) رواه مسلم (1723). (¬4) رواه مسلم (1723).

جدِّه عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنَّه سُئل عن الثمر المُعلَّق؟ فقال: "مَن أصابَ بفيه من ذي خَلَّة غيرَ مُتخِذٍ خُبْنَةً (¬1) فلا شيءَ عليه، ومَن خرجَ بشيءٍ منه فعليه غَرامةُ مِثْلَيه والعقوبةُ، ومَن سرق منه شيئًا بعد أن يُؤويَه الجَرِينُ (¬2)، فبلغَ ثمنَ المِجَنِّ (¬3) فعليه القطعُ". وفيه: وسُئل عن اللُّقَطة، فقال: "ما كان منها في الطريقِ المِيتَاءَ (¬4) والقريةِ الجامعةِ فعرِّفْها سَنةً، فإنْ جاء طالبُها فادفَعْها إليه، وإن لم يأتِ فهي لك، وما كان في الخراب (¬5)، يعني: ففيها وفي الرِّكاز الخُمسُ". رواه من حديث محمد بن عجلان (*)، عن عمرو (¬6). 921 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: مر النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بتمرةٍ في الطريق، قال: ¬

_ (*) ومحمد بن عَجلان روى له مسلم، ومَن قبلَه متفق عليه، والحديث عند التِّرْمِذي والنَّسَائي أيضًا بهذا السند، وحسَّنه التِّرْمِذي، وله طرقٌ عندهم أيضًا. (¬1) الخُبنة: معطِف الإزار وطرف الثوب؛ أي: لا يأخذ منه في ثوبه. (¬2) هو موضع تجفيف التمر، وهو كالبيدر للحنطة. (¬3) وهو التُّرس، وكان ثمنه ثلاثة دراهم. (¬4) أي: طريق مسلوكة يأتيها الناس. (¬5) أي: الذي لا يُعرف له مالك. (¬6) رواه أبو داود (1710).

"لولا أني أَخافُ أنَّ تكونَ من الصدقة لأَكلتُها". أخرجه البُخاري (*) (¬1). 922 - وروى موسى بن يعقوب الزَّمَعِي، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أخبره: أن عليَّ بنَ أبي طالب دخلَ على فاطمةَ وحسنٌ وحسينٌ يبكيانِ، فقال: ما يُبكيهما؟ قالت: الجوعُ، فخرج عليٌّ فوجد دينارًا في السوق، فجاء إلى فاطمةَ فأخبرَها، فقالت: اذهبْ إلى فلانٍ اليهوديِّ فخُذْ لنا دقيقًا، فجاء اليهوديَّ فاشترى به دقيقًا، فقال اليهوديُّ: أنتَ خَتَنُ (¬2) هذا الَّذي يَزعُم أنَّه رسولُ اللَّه؟ قال: نعم، قال: فخُذْ دينارَك ولك الدقيقُ، فخرج عليٌّ حتى جاء به فاطمةَ فأخبرَها، فقالت: اذهبْ إلى فلانٍ الجزَّارِ فخُذْ لنا بدرهمٍ لحمًا، فذهبَ فَرَهَنَ الدينارَ بدرهمِ لحمٍ، فجاء به، فعَجنَتْ، ونَصبَتْ، وخَبزَتْ، وأَرسلَتْ إلى أبيها، فجاءهم، فقالت: يا رسولَ اللَّه! أَذكرُ لك؛ فإن رأيتَه حلالًا أكلْناه وأكلتَ معنا، مِن شأنِه كذا وكذا، فقال: "كُلُوا بسم اللَّه"، فأكلُوا. الحديث أخرجه أبو داود (¬3). وموسى بن يعقوب قال يحيى في رواية الدُّوري: ثقةٌ، وقال النَّسائي: ¬

_ (*) ورواه مسلم أيضًا بنحوه. (¬1) رواه البخاري (2299)، ومسلم (1071). (¬2) الخَتَن: زوج البنت. (¬3) رواه أبو داود (1716).

ليس بالقوي (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) وقال أبو داود: هو صالح، قد رَوى عنه ابنُ مهدي، وذكره ابن حَبَّان في "كتاب الثقات"، وقال ابن المَديني: هو ضعيفُ الحديث مُنكَرُ الحديث، وقد رَوى له البُخاري في "كتب الأدب" والأربعة. قال ابن خزيمة: ثنا علي بن حُجْر، ثنا إسماعيل بن جعفر، ثنا شَرِيك بن عبد اللَّه ابن أبي نَمِر، عن عطاء بن يسار أنَّه قال: وَجدَ عليُّ دينارًا، فجاء به إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: وجدتُ هذا، فقال: "عرِّفْه"، فذهب فمكث ما شاء اللَّه، قال: يا رسولَ اللَّه! عرَّفتُه، فلم أَجدْ أحدًا يتعرَّفُه، قال: "فشأنَك به" قال: فذهب فرَهَنَه بثلاثةِ دراهمَ في طعامٍ ووَدَكٍ، فبينما هو كذلك إذ جاء صاحبُه يَنشدُه، فعرَفَه، فجاء عليٌّ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسولَ اللَّه! هذا صاحبُ الدينار، قال: "أدِّه إليه". هذا مُرسَل حسن. (¬1) اختلف الناسُ في هذا الحديث؛ فمنهم مَن قال: هو حديثٌ ضعيفٌ لا يَثبتُ لحال إسناده، ولمخالفته الأحاديثَ الصحيحةَ في التعريف، ومنهم مَن قال: هو حديثٌ جيدٌ، وإنما تَركَ عليٌّ تعريفَ الدينار لأنه قليل، ومنهم مَن قال: هذا الحديثُ يخرج على قول مَن قال بوقف العقود، وفي المسألة ثلاثةُ أقوال، وقيل: يُحتمَل أن يكونَ هذا قبلَ الأمر بتعريف اللُّقَطة، ويُحتمَل أن يكونَ بعدَه، لكن لم يَبلُغْ ذلك عليًّا، وقيل: إنما لم يُعرِّفْه للضرورة، فإنهم كانوا مضطرين إلى الأكل، واللَّه أعلم". (ح).

20 - باب اللقيط

20 - باب اللَّقِيط 923 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما مِن مولودٍ إلا يُولَد على الفِطرة: فأبواه يُهوِّدانِه، ويُنصِّرانِه، ويُشَرِّكانِه"، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللَّه! أرأيتَ لو مات قبلَ ذلك؟ قال: "اللَّه أعلم بما كانوا عاملين" (*) (¬1). وفي رواية: "ما مِن مولودٍ إلا وهو على هذه المِلَّة" (¬2). ¬

_ (*) قال ابن حبَّان: أنبأ الفضل بن الحُبَاب الجُمَحي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا السَّرِي بن يحيى أبو الهيثم، وكان عاقلًا، ثنا الحسن، عن الأسود بن سَرِيع، وكان شاعرًا وكان أولَ مَن قصَّ في هذا المسجد، قال: أفضَى بهم القتلُ إلى أن قتلوا الذُّرِّيَّةَ، فبلغ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أَوَليس خيارَكم أولادُ المشركين، ما مِن مولودٍ يُولَد إلا على فِطرة الإسلام حتى يُعرِبَ، فأبواه يُهوِّدانِه ويُنصِّرانِه". قال ابن حبَّان: أراد: الفِطرةَ التي يعتقدها أهلُ الإسلام، وهي التي فَطَرَ اللَّهُ الناسَ عليها يومَ أخرجهم من صلب آدمَ من كافرٍ ومؤمنٍ، وتكلَّم على هذا الموضع بكلامٍ ضعيفٍ. (¬1) رواه مسلم (2658). (¬2) رواه مسلم (2658).

وفي رواية: "إلا على هذه المِلَّة حتى يُبيِنَ عنه لسانُه" (¬1). وفي أخرى: "حتى يُعبِّرَ عنه لسانُه" (*) (¬2). وفي رواية العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرةَ عند مسلم: "فكلُّ إنسانٍ تَلِدُه أمُّه على الفِطرة؛ أبواه بعدُ يُهوِّدانِه ويُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه، فإن كانا مُسلمَينِ فمُسلِمٌ" (¬3). * * * ¬

_ (*) متفق عليه واللفظ فيها لمسلم. (¬1) رواه مسلم (2658). (¬2) رواه مسلم (2658). (¬3) رواه مسلم (2658).

21 - باب الوقف

21 - باب الوَقْف 924 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا مات الإنسانُ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". أخرجه مسلم (¬1). 925 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: أصابَ عمرُ بخيبرَ أرضًا، فأتى إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أَصبتُ أرضًا لم أُصِبْ مالًا قطُّ أنفسَ منه، فكيف تأمرُني به؟ قال: "إن شئتَ حَبَّسْتَ (¬2) أصْلَها، وتصدَّقتَ بها". فتصدَّق عمرُ: أنَّه لا يُبَاعُ أصلُها، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ، في الفقراء والقُربى والرِّقاب وفي سبيل اللَّه والضيف وابن السبيل، لا جُناحَ على مَن وَلِيَها أن يَأكلَ منها بالمعروف، أو يُطعمَ صديقًا غيرَ مُتموِّلٍ (¬3) فيه. أخرجه البُخاري، وهو متفق عليه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1631). (¬2) أي: وقفت، والمراد: أن يقف أصل الملك ويبيح الثمر لمن وقفها عليه. (¬3) أي: غير متخذ مالًا. (¬4) رواه البخاري (2586)، ومسلم (1632).

22 - باب الوصية

22 - باب الوصية 926 - روى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ، له شيءٌ يُوصي فيه، يَبيتُ ليلتَينِ إلا ووصيتُه عندَه مكتوبةٌ". أخرجه البُخاري من حديث مالك، ومسلم من حديث عبيد اللَّه (¬1). 927 - وروى مالك عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَعُودُني عامَ حَجَّةِ الوداع، قال: وبي وجعٌ قد اشتدَّ بي، فقلتُ: يا رسولَ اللَّه! قد بلغ بي من الوجع ما تَرى، وأنا ذو مالٍ، ولا يَرثُني إلا ابنةٌ لي، أفأتصدَّقُ بثُلُثَي مالي؟ قال: "لا"، قلتُ: فالشَّطرُ؟ قال: "لا"، قلتُ: فالثلثُ؟ قال: "الثلثُ، والثلثُ كثيرٌ، أو: كبيرٌ؛ إنك أنَّ تَذَر ورثتَك أغنياءَ خيرٌ مِنْ أن تَذَرَهم عالَةً (¬2) يتكفَّفُون (¬3) الناسَ، وإنك لن تُنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللَّه ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2587)، ومسلم (1627). (¬2) أي: فقراء. (¬3) أي: يسألون الناس بأكفهم.

إلا أُجِرتَ عليها، حتى ما تَجعلُه في في امرأتِك"، الحديث (¬1). هكذا في رواية مالك: "أَفَأتصدَّقُ"، وكذا قال إبراهيم بن سعد (*) (¬2). وفي رواية عبد الملك بن عمير، عن مصعب: أفأُوصي بمالي كلِّه؟ (¬3). وكذلك في رواية حُميد بن عبد الرحمن، عن ثلاثةٍ من ولد سعد، كلُّهم يحدث عن أبيه، فيه: أفأُوصي بمالي كلِّه؟ (**) (¬4). 928 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أنَّ رجلًا أتى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إن أمِّي افتُلِتَتْ (¬5) نفسُها ولم تُوصِ، وأَظنُّها لو تكلَّمَتْ تصدَّقَتْ؛ أفلها أجرٌ إن تصدَّقتُ عنها؟ قال: "نعم". أخرجه مسلم من رواية محمد بن بشر، عن هشام (¬6). وفي رواية يحيى بن سعيد: فلي أجرٌ أنَّ أتصدَّقَ عنها؟ (¬7). ¬

_ (*) عن الزهري، وكلاهما متفق عليه. (**) وكلاهما عند مسلم. (¬1) رواه البخاري (1233)، ومسلم (1628). (¬2) رواه البخاري (3721)، ومسلم (1628). (¬3) رواه مسلم (1628). (¬4) رواه مسلم (1628). (¬5) أي: ماتت فجاة. (¬6) رواه مسلم (1004). (¬7) رواه مسلم (1004).

وكذا في رواية أبي أسامة ورَوح (¬1). وفي رواية شعيب وجعفر بن عون: أفلها أجرٌ (*) (¬2). 929 - وعن أبي أُمامة الباهلي -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في خُطبته عامَ حَجَّة الوداع: "إن اللَّهَ تعالى قد أعطَى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا وصيةَ لوارثٍ، الولدُ للفراش (¬3)، وللعاهِرِ الحَجَرُ (¬4)، وحسابُهم على اللَّه. ومَن ادَّعَى إلى غير أبيه، أو انتَمَى إلى غير مَوَاليه فعَليه لعنةُ اللَّه التابعةُ إلى يوم القيامة. لا تُنفقِ امرأةٌ من بيت زوجها إلا بإذن زوجها". قيل: يا رسولَ اللَّه! ولا الطعامَ؟ قال: "ذلك أفضلُ أموالنا". ثم قال: "العاريةُ مُؤدَّاةٌ، والمِنْحَةُ مردودةٌ" (¬5)، والدَّين مَقضيٌّ، والزعيمُ (¬6) غارمٌ". ¬

_ (*) وكلُّها عنده، والحديث متفق عليه في الجملة. (¬1) رواه مسلم (1004). (¬2) رواه مسلم (1004). (¬3) أي: إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشًا له، فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد. (¬4) أي: للزاني الخيبة، ولا حقَّ له في الولد. (¬5) هي ما يمنح الرجل صاحبه من أرض لزرعها ثم يردها، أو شاة يشرب لبنها ثم يردها، وهي في معنى العارية، وحكمها الضمان. (¬6) يعني: الضَّمين.

أخرجه التِّرْمِذي، وقال: في الباب عن عمرو بن خارجة وأنس، وهو حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود مختصرًا في (الوصية) (*) (¬1). 930 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رجلًا أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني فقيرٌ ليس لي شيءٌ، ولي يتيمٌ؟ قال: فقال: "كُلْ من مالِ يتيمِك غيرَ مُسرِفٍ ولا مُبادِرٍ (¬2) ولا مُتَأَثِّلٍ (¬3) ". أخرجه أبو داود (**) (¬4). * * * ¬

_ (*) وهو من رواية إسماعيل بن عيَّاش، عن الشامييِّن، والتِّرْمِذي إنما حسَّنه فقط لم يُصحِّحْه. (**) والنَّسائي وابن ماجه، وإسناده صحيح إلى عمرو. (¬1) رواه الترمذي (2120)، وأبو داود (3565). (¬2) أي: من غير استعجال ولا مبادرة. (¬3) أي: غير جامع مالًا. (¬4) رواه أبو داود (2872).

23 - باب العتق وصحبة المماليك

23 - باب العتق وصُحبة المماليك 931 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَعتَقَ رقبةً مؤمنةً أَعتَقَ اللَّهُ عز وجل بكلِّ إرْبٍ (¬1) منها إرْبًا منه من النار" (¬2). 932 - وعن أبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قلت: يا رسولَ اللَّه! أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: "الإِيمانُ باللَّه، والجهادُ في سبيل اللَّه"، قلت: أيُّ الرِّقابِ أفضلُ؟ قال: "أنفسُها عند أهلِها وأكثرُها ثمنًا" (¬3). الحديثان متفق عليهما، واللفظ لمسلم. 933 - روى مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أَعتَقَ شِرْكًا له في عبدٍ، فكان له ما يَبلُغُ ثمنَ العبد قُوِّمَ عليه قيمةُ العَدلِ، فأُعطي شركاؤه حصصَهم وعَتَقَ عليه العبدُ، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ". متفق عليه (¬4). ¬

_ (¬1) أي: عضو. (¬2) رواه البخاري (6337)، ومسلم (1509). (¬3) رواه البخاري (2382)، ومسلم (84). (¬4) رواه البخاري (2386)، ومسلم (1501).

وفي رواية عبيد اللَّه، عن نافع عند النَّسائي: "مَن أَعتَقَ شيئًا في مملوكٍ فعليه عتقُه كلِّه إن كان له مالٌ يَبلغُ ثمنَه، فإن لم يكن له مالٌ عَتَقَ منه نصيبُه" (¬1). وعند أبي داود من رواية سالم، عن أبيه، يبلغ به النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا كان عبدٌ بين اثنين، فأعتَقَ أحدُهم نصيبَه، فإن كان مُوسرًا يُقوَّمُ عليه قيمةً، لا وَكْسَ (¬2) ولا شَطَطَ (¬3)، ثم يُعتَقُ" (*) (¬4). 934 - وعند النَّسائي من حديث جابر وابن عمر، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَعتَقَ عبدًا، وله فيه شركاءُ فهو حُرٌّ، ويَضمَنُ نصيبَ شركائه بقيمته؛ لِمَا أساءَ مِن شركتِهم، وليس على العبد شيءٌ". رواه من حديث حفص بن عبد غيلان، عن سليمان بن موسى، عن نافع وعطاء، قال نافع: عن ابن عمر، وقال عطاء: عن جابر (**) (¬5). ¬

_ (*) وإسناده على شرط مسلم. (**) وقال النَّسائي: سليمان بن موسى ليس بذاك القوي في الحديث، ولا نعَلم أحدًا رَوى هذا عن عطاء غيرُه، وحفص بن غَيلان وثَّقه بعضُهم وضَعَّفَه بعضُهم، ورواه ابن حِبَّان من حديث حفص بن غَيلان وقال: هو من ثقات أهل الشام. (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4945). (¬2) أي: نقص. (¬3) أي: جَور. (¬4) رواه أبو داود (3947). (¬5) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4961).

935 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن أَعتَقَ شِقْصًا (¬1) له في عبدٍ فخلاصُه في ماله إن كان له مالٌ، فإن لم يكن له مالٌ استُسعِي العبدُ غيرَ مشقوقٍ عليه (¬2) ". متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬3). وعند البُخاري في رواية: "مَن أَعتَقَ شَقِيصًا له في مملوكٍ عَتَقَ كلُّه إن كان له مالٌ، وإلا استُسعِي العبدُ غيرَ مشقوقٍ عليه" (¬4). وفي رواية أبان بن يزيد، عن قتادة عند النَّسائي: "مَن أَعتَقَ شَقِيصًا له في عبده، فإنَّ عليه أنْ يُعتقَ بقيتَه إن كان له مالٌ، والا استُسعِي العبدُ غيرَ مشقوقٍ عليه" (*) (¬5). 936 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يجزي ولدٌ والدًا إلا أنَّ يَجدَه مملوكًا، فيَشتريَه فيُعتقَه". أخرجه مسلم (¬6). 937 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن مَلَكَ ذا ¬

_ (*) وأخرجه أبو داود أيضًا، وهو على شرط "الصحيحين". (¬1) أي: نصيبًا. (¬2) أي: لا يكلَّف بما يشق عليه. (¬3) رواه البخاري (2370)، ومسلم (1503). (¬4) رواه البخاري (2360). (¬5) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4965). (¬6) رواه مسلم (1510).

رَحِم مَحْرَمٍ عَتَقَ". أخرجه النَّسائي وابن ماجة من حديث ضَمْرَةَ (¬1)، وقد خُطِّئ فيه، ولم يلتفتْ بعضُهم لذلك؛ لكون ضَمْرَةَ ثقةٌ لا يضرُّ انفرادُه به (*). ¬

_ (*) رَوى هذا الحديثَ النَّسائيُّ وابنُ ماجة وأبو بكر أحمد بن عمر بن أبي عاصم والحافظ أبو بكر البَيْهَقي والحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد في "كتاب المختارة" من رواية ضَمْرَة بن ربيعة، عن الثَّوري، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا. وقال النَّسائي: لا أعلم أحدًا رَوى هذا الحديثَ عن سفيان غيرُ ضَمْرَةَ، وهو حديثٌ مُنكَرٌ. وقال البَيْهَقي: وَهِمَ فيه راويه. وقال أبو محمد بن حزم: هو خبرٌ صحيحٌ، وحَكَى عن المخالف أنَّه قال: تفرد به ضَمْرَةُ وأخطا فيه، وقال في الجواب: قلنا: متى لحقتُم بالمعتزلة في أن لا تَقبَلُوا ما رواه الواحدُ عن الواحدِ، وكم خبرٍ انفرد به راويه فقبلتُمُوه، وليتكم لا تَقبَلُون ما انفرد به مثلُ ابنِ لَهِيعَةَ وجابرٍ الجُعْفِي. قال: وأمَّا دعوى أنَّه أخطأ فباطلةٌ بلا برهانٍ. وقال عبدُ الحقِّ الإشبيلي: علَّلُوا هذا الحديثَ بأن ضَمْرَةَ تفرَّد به، ولم يُتابَعْ عليه، قال: وقال بعضُ المتأخرين: ليس انفرادُ ضَمْرَةَ بهذا الحديث علةً فيه؛ لأن ضَمْرَةَ ثقةٌ، والحديثُ صحيحٌ إذا أَسندَه ثقةٌ، ولا يضرُّه انفرادُه به، ولا إرسالُ مَن أَرسلَه، ولا توقيفُ مَن وَقَفَه. وقد رَوى هذا الحديثَ الحاكمُ في "المستدرك" أيضًا من رواية ضَمْرَةَ وقال: هو على شرط الشيخَين. وضَمْرَة بن ربيعةَ الفلسطيني: أبو عبد اللَّه الرَّمْلي، رَوى له البُخاري في (الأدب)، = (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (4897)، وابن ماجة (2525).

938 - وعن عِمران بن حُصين: أنَّ رجلًا أَعتَقَ ستةَ مملوكين عند موته، لم يكنْ له مالٌ غيرُهم، فدعا بهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فجزَّأَهم أثلاثًا، ثم أَقرَعَ بينهم، فأَعتَقَ اثنين وأَرَقَّ أربعةَ، وقال له قولًا شديدًا (¬1). أخرجه مسلم (¬2). ¬

_ = وأصحابُ "السُّنَن الأربعة". وقال الإمام أحمد: هو رجل صالحٌ، صالحُ الحديثِ، من الثقات المأمونين، لم يكن بالشام رجلٌ يُشبهُه، وهو أحبُّ إلينا من بقيَّةَ؛ وبقيَّةُ كان لا يبالي عمَّن حدَّث. وسُئل أحمدُ مرةً عن ضَمْرَةَ، فقال: ثقةٌ، إلا أنَّه رَوى حديثَينِ لا أصلَ لهما، أحدُهما هذا الحديثُ. وقال ابن مَعين والنَّسائي: ثقةٌ. وقال أبو حاتم: صالحٌ. وقال آدم بن أبي إياس: ما رأيتُ أحدًا أعقلَ لِمَا يَخرج مِن رأسه مِن ضَمْرَةَ. وقال ابن سعد: كان ثقةً مأمونًا. وقال ابن يونس: كان فقيهَهم في زمانه. وقد صحَّح حديثَ ضَمْرَةَ هذا أيضًا ابنُ القطَّان، وقال التِّرْمِذي: لم يُتَابَعْ ضَمْرَةُ على هذا الحديث، وهو حديثٌ خطأٌ عند أهل الحديث. وقال ابن عدي في "الكامل": ثنا عبد اللَّه بن محمد بن ياسين، ثنا محمد بن معاوية الأنماطي، ثنا محمد بن سَلَمة، عن بكر، عن عطاء بن عجلان، عن بن أبي مُلَيكة، عن عائشةَ قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحرَمٍ عَتَقَ". بكر: هو ابن خُنَيس، ضعيفٌ، رَوى ابن عدي هذا الحديثَ في ترجمته. وفيه عطاء بن عجلان، وهو أضعفُ منه، ورواه ابن عدي من حديث عليٍّ، من رواية عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذَّابٌ. (¬1) أي: قال في شأنه قولًا شديدًا كراهية لفعله وتغليظًا عليه. (¬2) رواه مسلم (1668).

939 - وروى أبو داود من حديث سعيد بن جُمْهَان، عن سَفِينةَ قال: كُنْتُ مملوكًا لأمِّ سَلَمةَ، فقالت: أُعتقُك وأَشترطُ عليك أن تَخدمَ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عشتَ، فقلت: وإنْ لم تشترطي عليَّ ما فارقتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما عشتُ، فأَعتقَتْني واشتَرطَتْ عليَّ (¬1). سعيد بن جُمْهَان: وثَّقه يحيى بن مَعين (*)، وقال أبو حاتم: لا يُحتَجُّ به. وقد أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد (**) (¬2). 940 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يقولَنَّ أحدُكم: عَبدي وأَمَتِي؛ كُلُّكم عبيد اللَّه، وكلُّ نسائكم إماءُ اللَّه، وَلكنْ ليَقلْ: غُلامي، وجَاريتي، وفَتَاي، وفَتَاتِي" (...) (¬3). وفي حديث آخر عنه: "ولا يَقُلْ أحدُكم: ربِّي، وَلْيَقُلْ: سيدي ومولاي" (¬4). وفي طريق أخرى: "ولا يَقُلِ العبدُ لسيِّدِه: مَولاي؛ فإنَّ ¬

_ (*) وأبو داود والنَّسائي وابن حِبَّان. (**) هذا اللفظ الذي ذكره لفظ النَّسائي. (...) أخرجه مسلم. (¬1) رواه أبو داود (3932). (¬2) رواه الحاكم (2849). (¬3) رواه مسلم (2249). (¬4) رواه البخاري (2414).

مَولاكم اللَّهُ" (¬1) (*). 941 - وعن سَمُرة بن جُندُب قال: نَهَانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نُسمِّيَ رقيقَنا أربعةَ أسماء: أَفلَح، ورَبَاح، ويَسَار، ونافع (¬2). وفي أخرى: "لا تُسمِّيَنَّ غلامَك: يَسَارًا، ولا رَبَاحًا، ولا نَجيحًا، ولا أَفلَحَ؛ فإنه تقول: أثَمَّ هو؟ فيقول: لا، إنما هنَّ أربعٌ فلا تَزيدُنَّ عليَّ". أخرجه مسلم (**) (¬3). 942 - وعن عمرو بن حُرَيث: أنَّ رسولَ اللَّه: -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما خفَّفتَ عن خادمك من عملِه كان لك أجرًا في موازينك". أخرجه أبو يَعلَى (¬4). * * * ¬

_ (*) وهو متفق عليه في الجملة. (**) قال ابن حبَّان: أخبرنا ابن قتيبة، ثنا يزيد بن مَوهَب، ثنا المُفضَّل بن فَضَالة، عن ابن جُرَيج، عن أبي الزبير: أنَّه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: هَمَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يَزجُرَ أن يُسمَّى: ميمون وبَرَكة وأَفلَح وهذا النحو، ثم تركَه. (¬1) رواه مسلم (2249). (¬2) رواه مسلم (2136). (¬3) رواه مسلم (2136). (¬4) رواه أبو يعلى في "مسنده" (1472).

24 - باب الولاء

24 - باب الوَلَاء 943 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَب، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ". رواه أبو يَعلَى المَوصلي، ثم ابن حِبَّان في "صحيحه" (¬1) (*). ¬

_ (*) قال الشافعي: أنبأ محمد بن الحسن، عن يعقوب بن إبراهيم، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا: "الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَب، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ". كذا رواه محمد بن الحسن الفقيه، عن يعقوب أبي يوسف القاضي، عن عبد اللَّه ابن دينار. وقال أبو بكر بن زياد النَّيسابوري عَقيبَ هذا الحديث: هذا خطأ؛ لأن الثقاتِ لم يَرووه هكذا، وإنما رواه الحسنُ مُرسَلًا. وقال البَيْهَقي: وقد رُوي من أوجهٍ أُخَرَ كلُّها ضعيفةٌ، ثم ذكرَها. وروى البَيْهَقي في موضعٍ آخرَ من كتابه بإسناده عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَب، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ". قال: وروي هذا موصولًا من وجهٍ آخرَ عن ابن عمرَ؛ وليس بصحيحٍ. قال أبو القاسم الطَّبَراني: حدثنا أحمد بن محمد بن صَدَقَة، ثنا محمد بن زياد الزِّيادي، ثنا يحيى بن سُلَيم الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الولاءُ لُحْمَةٌ من النَّسَب، لا يُبَاعُ ولا يُوهَبُ". = (¬1) رواه ابن حبان (4950) من طريق أبي يعلى، به.

944 - وروى ابنُ أبي شَيبة من حديث حسين المُعلِّم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: تزوَّج زيادُ (*) بنُ حذيفةَ بنِ سعيد بنِ سَهْم أمَّ وائلٍ بنتَ مَعمَر الجُمَحيةَ، فوَلدَتْ له ثلاثةَ أولادٍ، فتُوفِّيَتْ أمُّهم، فورثَها بَنُوها، رِبَاعَها (¬1) وولاءَ مَواليها، فخرج بهم عمرُو بنُ العاص معه إلى الشام، فماتوا في طاعون عَمْوَاس، فورثَهم عمرٌو، وكان عَصَبَتَهم، فلما جاء عمرٌو جاءَه بنو مَعمَرٍ فخاصموه في ولاء أختِهم إلى عمرَ بنِ الخطاب، فقال عمر: أَقضِي بينكم بما سمعتُه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ سمعتُه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: ¬

_ = قال الطَّبَراني: لم يَروِه عن إسماعيلَ بنِ أميةَ إلا يحيى بنُ سُلَيم. قال ابن معين: هذا مرسل. قلت: وما هو بالمخزومي، هذا رجل كان بمصر، روى عنه أبو هانئ حميد بن هانئ الخولاني، وروى هذا الحديث ابن حبان في "الأنواع". قال أبو يَعلَى المَوصلي: قُرئ على بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، عن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر قال: قال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَب، لا يُبَاعُ، ولا يُوهَبُ". رواه ابن حبان عن أبي يعلى (¬2). (*) صوابه: رِئاب. (¬1) أي: دُورها. (¬2) وجاء بخط آخر في الهامثى: رواه أبو الحسن [. . .]، عند الشافعي، عن محمد عن الشافعي، عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، عن عبد اللَّه ابن دينار: فزاد فيه أبا حنيفة، كتبته من خط السِّلفي، أنا أبو طالب اليوسفي، أنا الحسن بن عقيل المفتحي، أنا القاضي أبو الحسن أحمد بن الحسن الجراحي، أنا أبو العباس بن أحمد بن محمد بن عبد الخالق، ثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد بن علي بن الحسن [. . .].

"ما أَحرَزَ الوالدُ أو الولدُ فهو لعَصَبَتِه مَن كانوا"، الحديث (¬1). قال فيه أبو عمر بن عبد البَرِّ: حسن صحيح (¬2)، وأخرجه أبو داود من حديث ابن أبي شَيبة أتَمَّ (¬3). * * * ¬

_ (¬1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (31518). (¬2) انظر: "التمهيد" (3/ 61 - 62). (¬3) رواه أبو داود (2917).

25 - باب الكتابة

25 - باب الكِتَابة 945 - وعن سلمان -رضي اللَّه عنه- قال: كاتَبتُ أهلي على أن أَغرسَ لهم خمسَ مئةِ فَسِيلةٍ (¬1)، فإذا عَلِقَتْ فأنا حُرٌّ، فَأَتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فذَكرتُ له، فقال: "اغْرِسْ واشترِطْ لهم، فإذا أردتَ أن تَغرسَ فآذنِّي"، فجاء فجعل يَغرسُ، إلا واحدةً غرستُها بيدي، فعَلِقَتْ جميعُها إلا الواحدةَ. أخرجه الحاكم من حديث حَمَّاد بن سَلَمة (*) (¬2). وذكر غيرُه من طريق ابن إسحاق في قصة سلمان الطويلة، فيها: فلم أَزَلْ به -يعني بصاحبه- حتى كاتَبَني على أن أُحيِيَ له ثلاثَ مئةِ نخلةٍ، وبأربعين أُوقيةٍ من ذهبٍ، فأَخبرتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي: "اذهَبْ ففَقِّرْ ¬

_ (*) عن ابن جُرَيح، حدثني عطاء بن السائب: أنَّ عبد اللَّه بن حبيب أخبره، عن عليِّ ابن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قال: يُترَكُ للمُكاتَبِ الرُّبعُ". صحَّحه الحاكم، ورُوي موقوفًا؛ وهو أشبه. عن عاصم بن سليمان وعلي بن زيد، عن أبي عثمان النَّهدي، عن سلمان، وقال: على شرطهما. (¬1) أي: نخلة صغيرة. (¬2) رواه الحاكم (2862).

لها"، الحديث (¬1). 946 - وروى النَّسائي من حديث عليِّ بن أبي طالب وابن عباس، كلاهما عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "المُكاتَبُ يَعتِقُ منه بقَدْرِ ما أدَّى، ويُقامُ عليه الحَدُّ بقَدْرِ ما عَتَقَ منه، ويَرِثُ بقَدْرِ ما عَتَقَ منه". رواه من حديث حَمَّاد بن سَلَمة (¬2). 947 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَيُّما عبدٍ كاتَبَ على مئةٍ أُوقيةٍ، فادَّاها إلا عشرَ أَوَاقٍ فهو عبدْ، وأَيُّما عبدٍ كاتَبَ على مئةِ دينارٍ، فأدَّاها إلا عشرةَ دنانيرَ فهو عبدٌ". أخرجه أبو داود (¬3). وراويه عن عمرو عباس الجُرَيري، وقد وثَّقَه أحمد، وأخرج له مسلم؛ فمَن يُصحَّحْ هذه النسخةَ يَلزمُه تصحيحُه، والحاكمُ يَقبَلُ هذه النسخةَ، فأخرجه في "مستدركه" وصحَّحه (¬4)، وفي لفظه اختلافٌ (*). ¬

_ (*) وقد رَوى أبو داود حديثَ المُكاتَب: "عبدٌ ما بقي عليه درهمٌ" عن هارون بن عبد اللَّه، عن أبي بدر شجاع بن الوليد حدثني أبو عتبة إسماعيل بن عياش، حدثني سليمان بن سُلَيم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا. وسليمان بن سُلَيم: هو أبو سَلَمة الشاميُّ القاضي الحِمْصِي، وقد وثَّقَه يحيى بن مَعين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبَّان والدَّارَقُطْني وغير واحد، وقال عبد اللَّه بن سالم الحِمْصِي: ما كان في هذه المدينة أعبدُ منه. وقال النَّسائي: حِمْصِيٌّ ليس = (¬1) رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/ 441). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (7014). (¬3) رواه أبو داود (3927). (¬4) رواه الحاكم (2863).

948 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لما سَبَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَبَايا بني المُصطلِق وقعتْ جُوَيريةُ بنتُ الحارث في سَهْمٍ لثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ، أو: لابنِ عمِّه، فكاتَبَتْ على نفسِها. وفي الحديث: فجئتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَستعينُه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَوَمَا هو خيرٌ من ذلك؟ " فقالت: وما هو؟ قال: "أتزوَّجُكِ، وأَقضِي عنك كتابتَك؟ " قالت: نعم، الحديث. من حديث محمد بن إسحاق (¬1). * * * ¬

_ = به بأسٌ، مات سنةَ سبعٍ وأربعين ومئةٍ. وقد رواه النَّسائي من حديث عباس الجُرَيري أيضًا عن عمرو، ورواه التِّرْمِذي بمعناه من حديث يحيى بن أبي أُنيَسة، عن عمرو، وقال: غريب. قال الشافعي: لم أَعلمْ أحدًا رَوى هذا عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلا عمرٌو، وعليه فُتيا المُفتِين. ورواه النَّسائي وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة، عن عمرو، وقال النَّسائي: حجَّاجٌ ضعيفٌ لا يُحتَجُّ بحديثه. وعباس الجُرَيري: هو ابن فرُّوخ البَصْرِي، وقد رَوى له الجماعةُ، ووثَّقه أحمد وابن مَعين والنَّسائي وابن حبَّان، وقال أبو حاتم الرازي: صدوقٌ صالحُ الحديثِ، لكن قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج في ترجمته: روى عن عمرو بن شعيب إن كان محفوظًا. (¬1) رواه أبو داود (3931)، وابن حبان (4055).

26 - باب التدبير

26 - باب التدبير 949 - عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رجلًا أَعتَقَ غلامًا له عن دُبُرٍ (¬1)، فاحتاج، فأخذَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "مَن يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد اللَّه بكذا وكذا، فدفعه إليه (¬2). وفي رواية عند البُخاري من حديث محمد بن المُنكِدر، عن جابر: أنَّ رجلًا أَعتَقَ عبدًا ليس له مالٌ غيرُه، فردَّه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فابتَاعَه منه نُعيم بن النَّحَّام (¬3). وعند مسلم من رواية الليث، عن أبي الزبير في حديث فدفعَها إليه فقال: "ابدَأْ بنفسِك فتصدَّقْ عليها، فإن فَضَلَ شيءٌ فلأهلِك، فإن فَضَلَ عن أهلِك شيءٌ فلِذي قرابتِك، فإن فَضَلَ عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا وهكذا"، يقول: بين يدَيك، وعن يمينِك، وعن شمالِك (¬4). ¬

_ (¬1) أي قال له: أنت حر بعد موتي، وسمي تدبيرًا لأنه يحصل العتق فيه في دُبُر الحياة. (¬2) رواه البخاري (2034). (¬3) رواه البخاري (2284). (¬4) رواه مسلم (997).

وعند النَّسائي من رواية سَلَمة بن كُهَيل، عن عطاء، عن جابر قال: أَعتَقَ رجلٌ من الأنصار غلاما له عن دُبُرٍ، وكان محتاجًا، وكان عليه دَينٌ، فباعَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بثمانِ مئةِ درهمٍ، فأعطاه، قال: "اقض دَينَك" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه النَّسائي (5418).

27 - باب أم الولد

27 - باب أمِّ الولد 950 - عن عمرو بن الحارث خَتَنِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخي جُوَيريةَ بنتِ الحارث قال: ما ترك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عند (¬1) موته درهمًا ولا دينارًا، ولا عبدًا ولا أَمَةً، ولا شيئًا؛ إلا بغلتَه البيضاءَ وسلاحَه وأرضًا جعلَها صدقةً. أخرجه البُخاري (¬2). * * * ¬

_ (¬1) في الهامش: "بعد"، وعليها إشارة (خ). (¬2) رواه البخاري (2588).

[9] كتاب الفرائض

[9] كتاب الفرائض

[9] كتاب الفرائض 951 - عن أسامة بن زيد -رضي اللَّه عنه-: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَرِثُ المسلمُ الكافرَ، ولا يَرِثُ الكافرُ المسلمَ". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). 952 - وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَتَوارَثُ أهلُ مِلَّتَينِ" (*) (¬2). 953 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألحِقُوا ¬

_ (*) رواه أبو داود عن موسى، عن حَمَّاد، عن حبيب المُعلِّم، عن عمرو؛ وهو إسناد صحيح إلى عمرو، ورواه النَّسائي من رواية يعقوب بن عطاء وعامر الأحول، عن عمرو، ورواه ابن ماجة من رواية المُثنى بن الصبَّاح، عن عمرو. وقال أبو عمر بن عبد البَرِّ في كتاب "الفرائض" له بعد أن ذكر هذا الحديث بإسناد أبي داود: وهذا إسنادٌ لا مَطعَنَ فيه عندَ أحدٍ من أهل العلم بالحديث، وضعَّفَه في كتاب "التمهيد" له. (¬1) رواه البخاري (6383)، ومسلم (1614). (¬2) رواه أبو داود (2911)، وابن ماجة (2731).

الفرائضَ بأهلِها، فما بقي فَلِأولى رجلٍ ذَكَرٍ". متفق عليه (¬1). 954 - وعن أبي قيس قال: سمعتُ هُزَيلَ بنَ شُرَحبيلَ يقول: سُئل أبو موسى عن: ابنةٍ وابنةِ ابنٍ وأختٍ؟ فقال: للابنةِ النصفُ، وللأختِ النصفُ، وائتِ ابنَ مسعود فسيُتابعُني، فسُئل ابنُ مسعودٍ وأُخبِرَ بقول أبي موسى، فقال: لقد ضَللتُ إذًا وما أنا من المُهتدِين، أَقضِي فيها بما قضَى النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: للبنتِ النصفُ، ولابنةِ الابنِ السُّدسُ تَكملةَ (*) الثُّلُثَينِ، وما بقي فللأختِ، فأَتينا أبا موسى فأَخبَرْناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحَبْرُ فيكم. أخرجه البُخاري (¬2). وروى أبو داود من حديث عبيد اللَّه العَتَكي، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- جَعلَ للجَدَّةِ السُّدسَ إذا لم يكنْ دونَها أمٌّ (¬3). وعبيد اللَّه وُثِّقَ (**). وقال أبو حاتم: صالحٌ، وأنكر على البُخاري إدخالَه في كتاب "الضعفاء" وقال: يُحوَّل. ¬

_ (*) النصب أولى. (**) وثَّقه ابنُ مَعين وغيرُه، وقال ابن عَدي بعد أن رَوى له هذا الحديثَ: وهو عندي لا بأسَ به، وقد رَوى هذا الحديثَ النَّسائي والرُّوياني وأبو يَعلَى والدَّارَقُطْني. (¬1) رواه البخاري (6351)، ومسلم (1615). (¬2) رواه البخاري (6355). (¬3) رواه أبو داود (2895).

955 - وعن الحسن، عن عِمران بن حُصَين قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إن ابنَ ابني مات، فما لي من ميراثه؟ قال: "لك السُّدسُ"، فلما ولَّى دعاه، فقال: "لك سُدسٌ آخرُ"، فلما ولَّى، قال: "إن السُّدسَ الآخرَ طُعمةٌ". لفظ التِّرْمِذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (¬1)؛ لأنه يُصحِّح سماعَ الحسن من عِمران. وقد خُولف في هذا. وأخرجه أبو داود وزاد: قال قتادة: فلا يَدرُون مع أيِّ شيءٍ ورَّثه، قال قتادة: أقلُّ شيءٍ يرث الجَدُّ السُّدسُ (¬2). 956 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الخَالُ وارثُ مَن لا وارثَ له". أخرجه التِّرْمِذي من حديث عمرو بن مسلم، وقد أخرج له مسلم، ومسَّه بعضُهم. وقال التِّرْمِذي: هذا حديث حسن غريب، وقد أرسلَه بعضُهم، ولم يَذكرْ فيه عائشةَ (¬3). وأخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخَين، ولم يخرجاه (¬4). كذا زعم، والبُخاري لم يخرج لعمرو بن مسلم، وذكر الدَّارَقُطْني أنَّ رفعَه وهمٌ. 957 - وعن محمد بن سعيد، عن عمرو بن شعيب قال: أخبرني أبي، ¬

_ (¬1) رواه الترمذي (2099). (¬2) رواه أبو داود (2896). (¬3) رواه الترمذي (2104). (¬4) رواه الحاكم (8004).

عن جدِّي: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قام يومَ فتحِ مكةَ، فقال: "لا يَتَوارَثُ أهلُ مِلَّتينِ، والمرأةُ ترثُ من دِيَةِ زوجِها ومالِه، وهو يرثُ من دِيَتِها ومالِها؛ ما لم يَقتُلْ أحدُهما صاحبَه عمدًا، فإن قَتَلَ أحدُهما صاحبَه عمدًا لم يَرِثْ مِن دِيَتِه ومالِهِ شيئًا، وإن قَتَلَ صاحبَه خطأً وَرِثَ مِن مالِه ولم يَرِثْ من دِيَتِه". أخرجه الدَّارَقُطْني وقال: محمد بن سعيد الطائفي ثقةٌ (*) (¬1). 958 - وعن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا استَهلَّ (¬2) الصبيُّ وَرِثَ وصُلِّي عليه". أخرجه النَّسائي، ثم الحاكم في "مستدركه"، وزعم أنَّه على شرط الشيخَين (¬3)، وليس أبو الزبير عن جابر من شرط البُخاري في الأصول (**). * * * ¬

_ (*) محمد بن سعيد: راوي هذا الحديث عن عمرو، وقيل: إنه الطائفي، وقيل: إنه آخرُ مجهولٌ، وبعضُ الرواة يُسمِّيه عمرَو بنَ سعيد، وأخطأ مَن قال: هو عمرو ابن سعيد. وقد رَوى ابنُ ماجة هذا الحديثَ في "سُنَنه" عن شيخَين له؛ أحدهما يقول: عمر، والَاخر يقول: محمد؛ والأشبه أنَّ يكون هذا الحديثُ موقوفًا، فإن فيه نكارةً، واللَّه أعلم. (**) رواه النَّسائي موقوفًا على جابر بنحوه، وقد روي من غير وجه عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا، وقد صحح الترمذي الموقوف. (¬1) رواه الدارقطني (4/ 72)، وابن ماجه (2736). (¬2) أي: رفع صوته؛ ببكاء أو عطاس أو حركة دالَّة: على الحياة. (¬3) رواه النَّسائي في "السنن الكبرى" (6358)، والحاكم (8023).

[10] كتاب النكاح

[10] كتاب النكاح

[10] كتاب النكاح 959 - عن عبد اللَّه هو ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: قال لنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا مَعشَرَ الشبابِ! مَن استطاعَ منكم الباءَةَ (¬1) فَلْيَتَزوَّجْ؛ فإنه أغضُّ للبصرِ، وأَحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يَستطِعْ فعليه بالصومِ؛ فإنه له وِجَاءٌ" (¬2). متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬3). 960 - وعند مالك في حديث جابر بن عَتِيك: "والمرأةُ تموتُ بِجُمْعٍ (¬4) شهيدةٌ" (*) (¬5). 961 - وعن أنس: أنَّ نفرًا من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سألوا أزواجَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (*) وهو عند أبي داود وغيره من حديثه، ورواه ابن حبَّان من طريق مالك. (¬1) أي: الجماع، وقيل المراد: مؤن النكاح. (¬2) الوِجاء: هو رض الخصيتين، والمراد هنا: أنَّ الصوم يقطع الشهوة، ويقطع شرَّ المني كما يفعله الوجاء. (¬3) رواه البخاري (4778)، ومسلم (1400). (¬4) أي: في بطنها ولدٌ. (¬5) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 233)، ومن طريقه أبو داود (3111)، والنسائي (1846).

عن عملِه في السِّرِّ، فقال بعضُهم: لا أَتزوَّجُ النساءَ، وقال بعضُهم: لا آكُلُ اللحمَ، وقال بعضُهم: لا أَنامُ على فراشٍ. فحَمِدَ اللَّهَ وأَثنَى عليه، فقال: "ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا، لكني أُصلِّي وأَنامُ، وأَصومُ وأُفطِرُ، وأَتزوَّجُ النساءَ؛ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني". أخرجه مسلم (*) (¬1). 962 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ قال: "تُنكَحُ المرأةُ لأربع: لِمالِها، ولحسبِها، وبجمالِها، ولِدِينِها؛ فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك" (**) (¬2). 963 - وروى مسلم من حديث جابر قال: تزوَّجتُ امرأةً في عهد النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلقيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يا جابرُ! تزوَّجتَ؟ " قلت: نعم، قال: "بِكْرٌ أم ثَيِّبٌ؟ " قلت: بل ثيِّب، فقال: "فهَلَّا بِكْر (...) تُلاعِبُها"، الحديث (****) (¬3). ¬

_ (*) وروى البخاري نحوه. (**) أخرجوه إلا التِّرْمِذي. هو من رواية عبيد اللَّه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة. (...) النصب أولى، وهو في نسخة. (****) وهو عند الجماعة كلهم. (¬1) رواه مسلم (1401)، وكذا البخاري (4776). (¬2) رواه البخاري (4802)، ومسلم (1466). (¬3) رواه البخاري (1991)، ومسلم (715).

فصل

964 - وعند أبي داود: عن مَعقِل بن يسار في حديث: "تزوَّجُوا الودودَ الولودَ؛ فإني مُكاثِرٌ بكم" (¬1). رواه مُستَلِم بن سعيد، وقال أحمد بن حنبل فيه: شيخٌ ثقةٌ (*). * * * فصل 965 - عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: علَّمَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- التشهُّدَ في الصلاة، والتشهُّدَ في الحاجة، قلت: فذكرَ تشهُّدَ الصلاة ثم قال: والتشهُّدُ في الحاجة: "إن الحمدَ للَّه نَستعينُه ونَستغفرُه، ونَعوذُ باللَّه من شرور أنفسنا، مَن يَهدِه اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأَشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللَّهُ وأَشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، ويقرأ ثلاثَ آياتٍ". قال عَبْثَر: ففسَّره لنا سفيانُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]. أخرجه التِّرْمِذي (**) (¬2). ¬

_ (*) وذكره ابن حبَّان في "الثقات"، والحديث عند النَّسَائي أيضًا، وباقي رواته مُتفَقٌ عليهم. (**) الأربعة وإسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (2050). (¬2) رواه الترمذي (1105)، والنَّسائي (1164).

فصل

966 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا رَفَّأَ (*) الإنسانَ قال: "بارَكَ اللَّهُ لك، وبارَكَ عليك، وجَمَعَ بينكما في خيرٍ". أخرجه أبو داود (**) (¬1). * * * فصل 967 - عن المغيرة بن شعبة: أنَّه خطبَ امرأةً، فقال له النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انظُرْ إليها؛ فإنها أَحرَى أن يُؤدَمَ (¬2) بينكما". أخرجه التِّرْمِذي (...) (¬3). * * * فصل 968 - ثَبَتَ في حديث ابن عباس: أنَّه سمع النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُبُ يقول: "لا يَخلُوَنَّ رجُلٌ بامرأةٍ؛ إلا ومعها ذو مَحرَمٍ"، الحديث. وهو متفق عليه (¬4). ¬

_ (*) دعاءٌ له بالإصلاح إذا تزوَّج. (**) والتِّرْمِذي وصحَّحه، وإسناده على شرط مسلم. (...) وحسَّنه، والنَّسائي وابن ماجة، وإسناده على شرط "الصحيحين". (¬1) رواه أبو داود (2130)، والترمذي (1091). (¬2) أي: يؤلِّف ويوفِّق. (¬3) رواه الترمذي (1087). (¬4) رواه البخاري (2844)، ومسلم (1341).

فصل

969 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتَى فاطمةَ بعبدٍ قد وهبَه لها، قال: وعلى فاطمةَ ثوبٌ إذا قنَّعَتْ به رأسَها لم يَبلُغْ رِجلَيها، وإذا غطَّتْ به رِجلَيها لم يَبلُغْ رأسَها، فلما رأى النَّبِيُّ ما تَلقَى قال: "إنه ليس عليك بأسٌ؛ إنما هو أبوك، أو: غلامُك" (*) (¬1). 970 - وعن أبي الزبير، عن جابر: أنَّ أمَّ سَلَمةَ استأذَنتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحِجَامة: فأَمَرَ أبا طَيبةَ أنَّ يَحجُمَها. قال: حسِبتُ أنَّه قال: كان أخاها من الرَّضاعة، أو غلامًا لم يَحتلِمْ. أخرجه مسلم (¬2). * * * فصل 971 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَخطُبُ الرجلُ على خِطبةِ أخيه حتى يتركَ الخاطبُ قبلَه، أو يَأذَنَ له الخاطبُ". أخرجه أبو يَعلَى الموصلي، ثم ابن حبَّان في "صحيحه" (**) (¬3). ¬

_ (*) أخرجه أبو داود من حديث أبي جُمَيع سالم بن دينار، وقد وثَّقه ابن مَعين وابن حِبَّان، وقال أبو زُرعةَ: ليِّنُ الحديثِ. (**) وهو في صحيح البُخاري بهذا اللفظ. (¬1) رواه أبو داود (4106). (¬2) رواه مسلم (2206). (¬3) رواه أبو يعلى في "مسنده" (5807)، وابن حبان (4047)، وكذا البخاري (4848)، ومسلم (1412).

فصل

972 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لفاطمةَ بنتِ قيس: "اذهبِي إلى أمِّ شريك، ولا تُفَوِّتينا بنفسِك" (¬1). 973 - وثبت في حديث فاطمة بنت قيس: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاويةُ فصُعلُوكٌ لا مالَ له" (*) (¬2). * * * فصل 974 - في رواية عن مالك، عن أبي حازم، عن سَهْل بن سعد، في حديث الواهبة: فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد زوَّجتكَها بما معك من القرآن". هكذا فيه بلفظ التزويج (**) (¬3). وكذا رواية زائدة (¬4)، وحَمَّاد بن زيد (¬5)، وعبد العزيز بن محمد، وفُضيل بن ¬

_ (*) وهو عند الجماعة كلِّهم. (**) وهو متفق عليه من حديثه. (¬1) رواه مسلم (1480). (¬2) رواه مسلم (1480). (¬3) رواه البخاري (2186). (¬4) رواه مسلم (1425). (¬5) رواه البخاري (4741)، ومسلم (1425).

سليمان (¬1) بلفظ التزويج. وفي رواية سفيان بن عيينة: "أَنكحتُكَها" (¬2). وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: "ملَّكتُكَها" (¬3). وفي رواية مَعمَر والثَّوري: "أَملكتُكَها". وفي رواية أبي غسان: "أَمكنَّاكَها" (*) (¬4). 975 - وعند ابن حبَّان من رواية ابن جُرَيج، عن سليمان بن موسى، عن الزُّهري، عن عروة، عن عائشةَ: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نكاحَ إلا بولِيٍّ وشاهدَي عَدْلٍ، وما كان من نكاحٍ على غير ذلك فهو باطلٌ، وإن تشاجرُوا فالسلطانُ ولِيُّ مَن لا ولِيَّ له" (¬5). وذكر ابن حبَّان أنَّه لا يصحُّ في ذكر الشاهدَينِ غيرُ هذا الخبر (**). 976 - وعن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَعلِنُوا النكاحَ". ¬

_ (*) روي عن الدَّارَقُطْنِي أنه قال: الصوابُ روايةُ مَن رَوى "زوَّجتُكَها"، وأنه قال: وهم أكثر وأحفظ. (**) حديث: "لا نكاحَ إلا بولِيٍّ" رواه ابن حِبَّان وغيره من حديث أبي موسى. (¬1) رواه البخاري (4839)، ومسلم (1425). (¬2) رواه البخاري (4854). (¬3) رواه البخاري (4799). (¬4) رواه البخاري (4829) إلا أنَّه قال: "أملكناكها". (¬5) رواه ابن حبان (4075).

رواه الحاكم من حديث عبد اللَّه القُرَشي وقال: صحيح الإسناد (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) قال الإمام أحمد في "مسنده": ثنا هارون بن معروف، قال ابنه عبد اللَّه: وسمعته أنا من هارون قال: أنبأ عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني عبد اللَّه بن الأسود القُرَشي، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَعلِنُوا النكاحَ". قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سألتُ أبي عن عبد اللَّه بن الأسود القُرَشي، فقال: شيخٌ لا أَعلمُ رَوى عنه غيرُ ابنِ وهب. (¬1) رواه الحاكم (2748).

1 - باب المولى والمولي عليه

1 - باب المَولَى والمَوْليِّ عليه 977 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَيُّما امرأةٍ نَكَحَتْ بغيرِ إذنِ وليِّها فنكاحُها باطلٌ، ثلاثَ مراتٍ، فإن دخلَ بها فالمَهْرُ لها بما أصابَ منها، وإن تشاجروا فالسلطانُ ولِيُّ مَن لا ولِيَّ له". لفظ رواية أبي داود (¬1)، وبعضُهم يُعلُّه بما خُولِفَ في تأثيره. 978 - وروى مالك عن عبد اللَّه بن الفضل، عن نافع بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسِها مِن وليِّها، والبِكْرُ تُستأذَنُ، وإذنُها صُمَاتُها". انفرد به مسلم (*) (¬2). وفي رواية زيافى بن سعد، عن عبد اللَّه عند الدَّارَقُطْني (**): "الثيِّبُ أحقُّ بنفسِها مِن وليِّها" (¬3). ¬

_ (*) أخرجوه إلا البُخاري من حديثه. (**) مسلم أيضًا. (¬1) رواه أبو داود (2083). (¬2) رواه مسلم (1421). (¬3) رواه الدارقطني (3/ 240)، وكذا مسلم (1421).

979 - وعن جابر بن عبد اللَّه: أنَّ رجلًا زوَّج ابنتَه وهي بِكْرٌ من غير أمرِها، فأتَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففرَّق بينهما. أخرجه النَّسائي (¬1). 980 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستَأمَرَ، ولا تُنكَحُ البِكْرُ حتى تُستَأذَنَ"، قالوا: يا رسولَ اللَّه! وكيف إذنُها؟ قال: "أن تَسكُتَ". متفق عليه (¬2). وعند أبي داود من حديث أبي هريرة: "تُستأمَرُ اليتيمةُ في نفسها، فإن سَكَتَتْ فهو إذنُها، وإن أَبَتْ فلا جوازَ (¬3) عليها" (*) (¬4). 981 - وروى الدَّارَقُطْني من حديث صالح بن كَيسان، عن نافع بن جُبَير، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليس للولِيِّ مع الثيِّبِ أمرٌ" (**). رجاله ثقات عندهم، إلا أنَّ الدَّارَقُطْني قال: لم يَسمعْه صالح من نافع؛ إنما سمعه من عبد اللَّه بن الفضل، عنه (¬5). ¬

_ (*) وهو عند النَّسائي أيضًا، ورجاله على شرط مسلم. (**) ورواه أبو داود والنَّسائي. (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5384). (¬2) رواه البخاري (4843)، ومسلم (1419). (¬3) أي: لا تعدِّي عليها ولا إجبار. (¬4) رواه أبو داود (2093)، والنسائي (3270)، والترمذي (1109). (¬5) رواه الدارقطني (3/ 239)، وكذا أبو داود (2100)، والنسائي (3263).

قلت: وعبد اللَّه بن الفضل ثقةٌ (*). 982 - وعن عقبة بن عامر -رضي اللَّه عنه-: أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للرجل: "أتَرضَى أن أزوِّجَك فلانةً؟ " قال: نعم، وقال للمرأة: "أتَرضَينَ أن أُزوِّجَك فلانًا؟ " قالت: نعم، فزوَّج أحدَهما صاحبَه، الحديث. أخرجه أبو داود، ثم ابن حِبَّان في "صحيحه" باختلاف لفظ (**) (¬1). 983 - وعن عبد اللَّه بن محمد بن عَقِيل، عن جابر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما عبدٍ تزوَّج بغيرِ إذنِ مواليه فهو عاهرٌ (¬2) ". أخرجه أبو داود، والتِّرْمِذي (...) (¬3)، ومَن يَحتجَّ بابن عَقِيل يُصحِّحْه (****). ¬

_ (*) وقيل: إن مَعمَرًا أخطأ فيه، قاله أبو بكر بن زياد الإمام. قال ابن حِبَّان في "الأنواع": ذكر الخبر المدحض قول مَن زعم أنَّ هذا الخبرَ تفرَّد به عبد اللَّه بنُ الفضل، عن نانع بن جُبَير بن مُطعِم، أخبرنا الحسن، ثنا حِبَّان: أنبأ عبد اللَّه، عن مَعمَر، قال: حدثني صالح بن كَيسان، عن نافع بن جُبَير، عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "ليس لولِيٍّ مع الثيِّبِ أمرٌ، واليتيمةُ تُستأمَرُ، وصمتُها إقرارُها". (**) رجاله ثقات. (...) وقال فيه: حسن صحيح. (****) رواه التِّرْمِذي من رواية ابن جُرَيج، عن ابن عَقِيل وصحَّحه، ورواه من رواية زهير بن محمد، عن ابن عَقِيل وحسَّنه. (¬1) رواه أبو داود (2117)، وابن حبان (4072). (¬2) أي: زانٍ. (¬3) رواه أبو داود (2078)، والترمذي (1111).

984 - وعن الحسن، عن سَمُرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أيُّما امرأةٍ زوَّجها وليَّانِ فهي للأول منهما، وأيُّما رجلٍ باع بيعًا من رجلَينِ فهو للأول منهما". أخرجه أبو داود (*) (¬1)، ومَن يَحتجَّ بالحسن عن سَمُرةَ يَلزَمْه تصحيحُه. * * * ¬

_ (*) والترمذي وحسنه. (¬1) رواه أبو داود (2088)، والنسائي (4682)، والترمذي (1110).

2 - باب ما يحرم من النكاح، وذكر توابعه

2 - باب ما يَحْرُم من النكاح، وذِكْر توابعه 985 - روى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: نَهَى عن الشِّغَارِ، والشِّغار: أنَّ يُزوِّجَ الرجلُ ابنتَه على أن يُزوِّجَه ابنتَه، وليس بينهم صَداقٌ (¬1). ورواه عبيد اللَّه، عن نافع، وفيه: قلت لنافع: ما الشِّغَارُ؟ (¬2) متفق عليهما. 986 - وروى مسلم من حديث الربيع بن سَبْرَة الجُهَني: أنَّ أباه حدثه: أنَّه كان مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "يا أيُّها الناسُ! إني كنتُ قد أذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء؛ وإن اللَّهَ قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمَن كان عندَه منهنَّ شيءٌ فَلْيُخَلِّ سبيلَها، ولا تأخذوا مما آتيتمُوهنَّ شيئًا" (*) (¬3). 987 - وروى مالك عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ ¬

_ (*) وعنده أيضًا في رواية أخرى: أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى يومَ الفتح عن مُتعةِ النساء. (¬1) رواه البخاري (4822)، ومسلم (1415). (¬2) رواه البخاري (6559)، ومسلم (1415). (¬3) رواه مسلم (1406).

قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُجمَعُ بين المرأةِ وعمَّتِها، ولا بين المرأةِ وخالتِها" (*) (¬1). 988 - وروى مالك أيضًا عن نافع، عن نُبَيه بن وهب: أن عمرَ بنَ عبيد اللَّه أراد أن يُزوِّجَ طلحةَ بنَ عمرَ بنتَ شَيبةَ بنُ جُبَير، فأَرسلَ إلى أبانَ بنِ عثمانَ، فحضرَ ذلك وهو أميرُ الحاجِّ، فقال أبان: سمعتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ يقول: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَنكِحُ المُحرِمُ، ولا يُنكِحُ، ولا يَخطُبُ" (¬2). لفظ مسلم من هذا الوجه فيهما. وعند ابن حبَّان زيادة: "ولا يُخطَبُ عليه" (¬3). 989 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: تزوَّجَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ميمونةَ وهو مُحرِمٌ (**) (¬4). 990 - وعن زيد بن الأصم قال: حدثتني ميمونةُ بنتُ الحارث: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تزوَّجَها وهو حلالٌ، قال: وكانت خالتي وخالةَ ابنِ عباس (...) (¬5) ¬

_ (*) متفق عليه من حديثه. (**) متفق عليه. (...) أخرجه مسلم. (¬1) رواه البخاري (4820)، ومسلم (1408). (¬2) رواه مسلم (1409). (¬3) رواه ابن حبان (4124). (¬4) رواه البخاري (1740)، ومسلم (1410). (¬5) رواه مسلم (1411).

991 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: طلَّق رجلٌ امرأتَه ثلاثًا، فتزوَّجَها رجلٌ، ثم طلَّقَها قبلَ أن يَدخلَ بها، فأراد زوجُها الأولُ أن يَتزوَّجَها، فسُئل رسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك؟ فقال: "لا" حتى يَذُوقَ الآخرُ من عُسَيلتِها (¬1) ما ذاقَ الأولُ". أخرجه مسلم (¬2). 992 - وعن عمر بن نافع، عن أبيه قال: جاء رجلٌ إلى ابنِ عمرَ، فسأله عن رجلٍ طلَّق امرأتَه ثلاثًا، فتزوَّجَها أخٌ له عن غيرِ مؤامرةٍ منه، ليُحِلَّها لأخيه: هل تحلُّ للأولِ؟ قال: لا، إلا نكاحَ رغبةٍ، كنا نَعُدُّ هذا سِفَاحًا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (*) (¬3). 993 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَنكِحُ الزاني المجلودُ إلا مثلَه". أخرجه أبو داود (**) (¬4). 994 - وروى أيضًا من حديث سعيد بن المسيِّب، عن رجلٍ من ¬

_ (*) عمر بن نافع مُحتَجٌّ به في "الصحيحين" عن أبيه. (**) رجاله ثقات، وهو من رواية عمرو بن شعيب، عن سعيد المَقْبُري. (¬1) ذَوقُ العسيلة: كناية عن الجماع. (¬2) رواه مسلم (1433). (¬3) رواه الحاكم (2806). (¬4) رواه أبو داود (2052).

أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقال له: بَصْرَة، قال: تووَّجتُ امرأةً بِكْرًا في سترِها، فدخلتُ عليها، فإذا هي حُبْلَى، فقال لي النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لها الصَّدَاقُ بِمَا استَحلَلتَ مِن فَرْجِها، والولدُ عبدٌ لك، فإذا ولدَتْ فاجلِدُوها"، أو قال: "فحُدُّوها" (*). وعنده في رواية عن سعيد بن المسيِّب: أن رجلًا يُقال له: بَصْرَة بن أَكثَم نَكَحَ امرأةً، وفيها: "وفرَّق بينهما". وهذه الرواية بهذه الزيادة عند الحاكم في "المستدرك" تامةٌ، وهي مختصرةٌ عند أبي داود (**) (¬1). 995 - وعن أبي الدَّرداء -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أتى على امرأةٍ مُجِحٍّ (...) على باب فُسْطاط، فقال: "لعله يريد أن يُلِمَّ بها؟ (¬2) " فقالوا: نعم، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد هَمَمتُ أن أَلعنَه لعنًا يَدخلُ معه في قبره، كيف يُورِّثُه ¬

_ (*) هذا الحديث من رواية عبد الرزاق، عن ابن جُرَيج، عن صفوان بن سُلَيم، عن ابن المسيِّب، وهذا الإسناد في الظاهر على شرط "الصحيحين"، وصحَّحه الحاكم، لكن قال: روايه عبد الرزاق؛ إنما هو ابن جُرَيج، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان. وبَصْرَةُ: من أفراد أبي داود. (**) ورجالها على شرط (م). (...) قال شيخنا: هي بالمهملة لا غير (¬3). (¬1) رواه أبو داود (2131)، والحاكم (2746). (¬2) أي: يطأها، وكانت حاملًا مَسْبية لا يحل جماعها حتى تضع. (¬3) والمجح: المرأة الحامل التي قَرُبت ولادتها.

وهو لا يَحلُّ له، كيف يَستخدمُه وهو لا يَحلّ له؟! (¬1) ". لفظ مسلم (¬2). * * * ¬

_ (¬1) معناه: أنه قد تتأخر ولادتها ستة أشهر حيث يحتمل كون الولد من هذا السابي، ويحتمل أنه كان ممن قبله. (¬2) رواه مسلم (1441).

3 - باب الخيار في النكاح

3 - باب الخِيار في النكاح 996 - روى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشةَ زوجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنها قالت: كانت في بَرِيرةَ ثلاثةُ سُنَنٍ؛ كانت إحدى السُّنَن: أنها أُعتِقَتْ فخُيِّرَتْ في زوجها، وقال رسولُ اللَّه: "الولاءُ لِمَن أَعتَقَ". ودخل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والبُرْمَةُ (¬1) تَفُورُ بلحمٍ، فقُرِّبَ إليه خبزٌ وأُدمٌ من أُدْمِ البيتِ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألَمْ أَرَ بُرْمَةً فيها لحمٌ؟ " قالوا: بلى يا رسولَ اللَّه، ولكنَّ ذلك لحمٌ تُصدِّقَ بها على بَرِيرةَ، وأنتَ لا تأكلُ الصدقةَ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هو عليها صدقةٌ، وهو لنا هديةٌ". لفظ رواية القَعْنَبي عند الجَوهري (*) (¬2)، والحديث عند البُخاري عن عبد اللَّه بن يوسف، عن مالك (**) (¬3). ¬

_ (**) الجوهري هذا ليس بأبي محمد الحسن بن علي الجَوهري، وإنما هو جامع أحاديث "الموطأ". (**) وعند مسلم من حديث مالك أيضًا بنحوه. (¬1) أي: القِدْر. (¬2) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 562). (¬3) رواه البخاري (4975)، ومسلم (1504).

وقد اختُلف في حرية زوج بَرِيرة وعبوديته: فعند البُخاري من رواية عكرمة، عن ابن عباس قال: كان زوجُ بَرِيرةَ عبدًا يُقال له: مُغِيث، كأني أنظرُ إليه يَطُوفُ خلفَها يَبكي، ودموعُه تسيل على لحيته، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعباس: "يا عباسُ! ألا تَعجَبُ من حبِّ مُغيثٍ بَرِيرَةَ، ومن بُغضِ بَرِيرةَ مُغيثًا؟ " فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو راجعتِيه"، قالت: يا رسولَ اللَّه! تأمرُني؟ قال: "إنما أَشفَعُ"، قالت: فلا حاجةَ لي فيه (¬1). وكذلك في رواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ في قصة بَرِيرةَ: كان زوجُها عبدًا، فخيَّرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاختارَتْ نفسَها، ولو كان حرًّا لم يُخيِّرْها. هذه رواية جرير، عن هشام عند أبي داود (*) (¬2). وعند قاسم بن أَصبَغ (¬3)، من رواية موسى بن معاوية (**) قال: كان زوج بريرة حرًا. وكذلك في رواية سِمَاك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن ¬

_ (*) وعند مسلم أيضًا والتِّرْمِذي والنَّسائي. (**) موسى بن معاوية: أبو جعفر الصُّمَادِحِي، الفقيه، عالم إفريقية في وقته، رحل في طلب العلم وتفقَّه، ومات كهلًا في سنة خمسٍ وعشرين ومئتَين. (¬1) رواه البخاري (4979). (¬2) رواه أبو داود (2233)، وكذا مسلم (1504). (¬3) في "مصنفه" كما ذكر الحافظ في "الفتح" (9/ 410).

عائشةَ: أن بَرِيرةَ خيَّرَها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان زوجُها عبدًا (*) (¬1). وروى الأسود، عن عائشة رضي اللَّه عنها: أن زوجَ بَرِيرةَ كان حرًّا حينَ أُعتقَتْ، وأنها خُيِّرَتْ، فقالت: ما أحبُّ أنْ أكونَ معه، وأنَّ لي كذا وكذا (**) (¬2). * * * ¬

_ (*) أخرجه مسلم وأبو داود والنَّسائي. (**) لفظ أبي داود، وأخرجه البُخاري وقال: قولُ الأسود، يعني: أنه كان حرًا منقطعٌ، وقولُ ابن عباس: (رأيتُه عبدًا) أصحُّ، وقال في موضع آخر: هو مُرسَلٌ. (¬1) رواه مسلم (1504). (¬2) رواه أبو داود (2235).

4 - باب نكاح المشرك

4 - باب نكاح المُشرك 997 - روى مَعمَر، عن الزُّهري، عن سالم، عن أبيه: أن غَيلانَ بن سَلَمةَ أَسلَمَ وعندَه عشرُ نسوةٍ، فأَمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَختارَ منهنَّ أربعًا. رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث سفيان (*)، وسعيد (**) وعيسى بن يونس، والمُحاربي، عن مَعمَر (¬1). وفي رواية عيسى: أن يَتخيَّرَ منهنَّ أربعًا، ويتركَ سائرَهنَّ (¬2). وأخرجه التِّرْمِذي من حديث سعيد عن مَعمَر، وذَكَر عن البُخاري أنه غيرُ محفوظٍ وعلَّلَه (¬3). وكذلك مسلمٌ حَكَمَ في "التمييز" على مَعمَر بالوهم فيه، ومَن يُصحِّحْه يَعتمِدْ على عدالة مَعمَر وجلالته. ¬

_ (*) هو الثَّوري. (**) هو ابن أبي عَروبة. (¬1) رواه الحاكم (2779). (¬2) رواه الحاكم (2781). (¬3) رواه الترمذي (1128).

998 - وعن الضحَّاك بن فيروز الدَّيلمي، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! إني أَسلَمتُ وتحتي أُختانِ، قال: "طلِّقْ أيَّتَهما شئتَ". أخرجه أبو داود (¬1). وعند التِّرْمِذي: "اختَرْ أيَّتَهما شئتَ"، وقال: هذا حديث حسن (¬2). وذكر البَيْهَقي في إسناد حديث أبي داود أنه إسناد صحيح (¬3)، وأخرجه ابن حبَّان (¬4). 999 - وعن ابن عباس قال: كان المشركون على منزلتَينِ من النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانوا مشركي أهلِ حربِ يُقاتلُهم ويُقاتلُونه، ومشركي أهلِ عهدٍ لا يُقاتلُهم ولا يُقاتلونه، فكان إذا هاجرَتِ امرأةٌ من الحرب لم تُخطَبْ حتى تَحيضَ وتَطهُرَ، فإذا طَهُرَتْ حلَّ لها النكاحُ، فإن هاجَرَ زوجُها قبل أن تُنكَحَ رُدَّتْ إليه، وإن هاجَرَ عبدٌ منهم أو أَمَةٌ فهما حُرَّانِ، ولهما ما للمهاجرين. ثم ذَكَرَ مِن أهل العهد مثلَ حديث مجاهد، وإن هاجَرَ عبدٌ أو أَمَةٌ من المشركين أهلِ العهدِ لم يُرَدَّ، أو رُدَّتْ أثمانُهم. أخرجه البُخاري (¬5). 1000 - وعنه قال: أَسلمَتِ امرأةٌ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتزوَّجَتْ، فجاء زوجُها إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إني قد كنتُ أَسلَمتُ وعلِمتَ ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2243). (¬2) رواه الترمذي (1129). (¬3) انظر: "معرفة السنن والآثار" (5/ 317). (¬4) رواه ابن حبان (4155). (¬5) رواه البخاري (4982).

بإسلامي، فانتزعَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من زوجها الآخر وردَّها إلى زوجها الأول (*) (¬1). 1001 - وعنه قال: ردَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنتَه زينبَ على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يُحدِثْ شيئًا. وفي رواية: بعدَ ستِّ سنين. وفي رواية: بعدَ سنتَينِ. أخرجهما أبو داود، ثم الحاكم وصحَّحهما (¬2)، وفي الأول سِمَاك، ¬

_ (*) قال أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني داود بن الحُصين، عن عكرمة، عن عبد اللَّه بن عباس: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ ابنتَه زينبَ على أبي العاص بن الربيع، وكان إسلامُها قبلَ إسلامه بستِّ سنين على النكاح الأول، ولم يُحدِثْ شهادةً ولا صَداقًا. قال الإمام أحمد في "مسنده": ثنا وكيع، ثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا جاء مسلمًا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم جاءَتِ امرأتُه مسلمةً بعدَه، فقال: يا رسولَ اللَّه! إنها كانت أَسلمَتْ معي، فردَّها عليه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وقال: ثنا الزُّبيري وأسود بن عامر قالا: ثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "أَسلمَتِ امرأةٌ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتزوَّجَتْ، فجاء زوجُها الأولُ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إني قد أَسلَمتُ وعلِمتَ إسلامي، فنزعَها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من زوجها الآخر وردَّها على زوجها الأول. (¬1) رواه أبو داود (2239). (¬2) رواه أبو داود (2240)، والحاكم (5038).

وفي الثاني ابن إسحاق (*) * * * === (*) وكلاهما علَّق له البُخاري وروى له مسلم، وهما من رواية عكرمة، عن ابن عباس، وعكرمة احتج به البُخاري، وباقي رواتهما متفق عليهم. وقال أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في "تاريخه": ثنا بكر بن الهيثم، ثنا عبد اللَّه بن صالح، عن ابن لَهِيعة، عن موسى -يحتمل أن يكون ابن عقبة-، عن عِرَاك، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أمِّ سَلَمة: أن زينبَ أجارَتْ أبا العاص وأَسلَمَ، فأقرَّهما رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على النكاح الأول. وقال أيضًا: حدثني رَوح بن عبد المؤمن، ثنا بشر بن المُفضَّل، عن داود بن أبي هند، عن الشَّعبي: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ردَّ زينبَ على أبي العاص بالنكاح الأول؛ هذا مُرسَلٌ جيدٌ. قال الواقدي: ردَّها في المُحرَّم سنةَ سبعٍ.

[11] كتاب الصداق

[11] كتاب الصداق

[11] كتاب الصداق 1002 - عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أنه قال: سألتُ عائشةَ -رضي اللَّه عنها- زوجَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قلتُ: كم كان صَدَاقُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قالت: كان صَداقُه لأزواجه ثِنتَي عشرةَ أوقيةً ونَشًّا، قالت: أتدري ما النَّشُّ؟ قال: قلت: لا، قالت: نصفُ أوقيةٍ، فذلك خمسُ مئةِ درهمٍ، فهذا صَداقُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأزواجه. أخرجه مسلم (¬1). 1003 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: لمَّا تزوَّجَ عليٌّ فاطمةَ قال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعطِها شيئًا" قال: ما عندي شيءٌ، قال: "أين درعُك الحُطَميَّةُ؟ (¬2) " (*) (¬3). ¬

_ (*) أخرجه أبو داود والنَّسائي، ورجاله على شرط البُخاري. (¬1) رواه مسلم (1426). (¬2) منسوبة إلى الحطم، سميت بذلك لأنها تحطم السيوف، وقيل منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال له: حطمة بن محارب، كانوا يعملون الدروع. (¬3) رواه أبو داود (2125)، والنسائي (3375).

1004 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مِن يُمْنِ المرأةِ تسهيلُ أمرِها وقِلَّةُ صَداقِها". قال عروة: وأنا أقول من عندي: ومِن شؤمِها تعسيرُ أمرِها وكثرةُ صَداقِها. أخرجه الحافظان الحاكم وابن حبَّان، وذكر الحاكم أنه على شرط مسلم، واللفظ لرواية ابن حبَّان (¬1). 1005 - وعن عقبة بن عامر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أحقُّ الشروطِ أن تُوفُوا فيه ما استَحلَلتُم به الفروجَ". أخرجه البُخاري، وهو متفق عليه (¬2). 1006 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه أَعتَقَ صفيةَ، وجعلَ عِتقَها صَداقَها. لفظ مسلم (¬3). وفي رواية: وأَصدَقَها عِتقَها (¬4) 1007 - وعن خَيْثَمة بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬

_ (¬1) رواه ابن حبان (4095)، والحاكم (2739). (¬2) رواه البخاري (2572)، ومسلم (1418). (¬3) رواه البخاري (4798)، ومسلم (1365). (¬4) رواه مسلم (1365).

أن رجلًا تزوَّجَ امرأةً، فجهَّزَها إليه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبلَ أن يَنقُدَ شيئًا (*) (¬1). 1008 - وعن عبد اللَّه، هو ابن مسعود، في رجلٍ تزوَّج امرأةً فماتَ عنها ولم يَدخُلْ بها، ولم يَفرِضْ لها الصَّداقَ؟ فقال: لها الصَّداقُ كاملًا، وعليها العِدَّةُ، ولها المِيراثُ. فقال مَعقِل بن سِنَان: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى به في بِرْوَعَ بنتِ واشقٍ. لفظ رواية أبي داود (¬2). وعند التِّرْمِذي: "لها مِثلُ صَداقِ نسائها، لا وَكْسَ (¬3) ولا شَطَطَ (¬4) ". ولفظه أتَمُّ (**) (¬5). 1009 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال ¬

_ (*) هذا الحديث عند أبي داود وابن ماجه من حديث خَيْثَمة بن عبد الرحمن، عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: أَمرَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أُدْخِلَ امرأةً على زوجها قبلَ أن يُعطيَها شيئًا، وفي إسناده شَرِيك بن عبد اللَّه القاضي، وباقي رجاله متفق عليهم. (**) وصحَّحه التِّرْمِذي، وهو عند النَّسائي وابن ماجه أيضًا بطوله. (¬1) رواه البيهقي (7/ 253)، وأبو داود (2128)، وابن ماجه (1992) نحوه. (¬2) رواه أبو داود (2114). (¬3) أي: نقص. (¬4) أي: جَور. (¬5) رواه الترمذي (1145)، والنسائي (3524).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما امرأةٍ نُكِحَتْ على صَداقٍ أو حِبَاءٍ (¬1) أو عِدَةٍ قبلَ عصمةِ النكاح فهو لها (¬2)، وما كان بعدَ عصمةِ النكاح فهو لِمَن أُعطيَه، وأحقُّ ما أكُرِمَ عليه الرجلُ (¬3) ابنتُه أو أختُه". لفظ أبي داود (*) (¬4). * * * ¬

_ (*) وإسناده صحيح إلى عمرو، وهو عند النَّسَائي وابن ماجه أيضًا. (¬1) أي: عطيَّة. (¬2) دون أبيها. (¬3) أي: لأجله. (¬4) رواه أبو داود (2129).

1 - باب عشرة النساء، وما يباح من الاستمتاع بهن وما لا، وما يتزين به وما لا

1 - باب عِشْرَة النساء، وما يُبَاح من الاستمتاع بهنَّ وما لا، وما يُتزَيَّن به وما لا 1010 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن كان يؤمنُ باللَّه واليوم الآخر فلا يُؤذِي جارَه، واستَوصُوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإن أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزلْ أعوجَ، فاستَوصُوا بالنساء خيرًا". أخرجه البُخاري (*) (¬1). 1011 - عن أبي قَزَعة الباهلي، عن حَكِيم بن معاوية القُشَيري، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟ قال: "أن تُطعمَها إذا طَعِمتَ، وتَكسوَها إذا كُسِيتَ، أو: اكتَسيتَ، ولا تَضرِبِ الوجهَ ولا تُقبِّحْ (¬2)، ولا تَهجُرْ إلا في البيت". أخرجه أبو داود (¬3)، وهي ترجمة ألزم الدَّارَقُطْنيُّ الشيخَين تخريجها. ¬

_ (*) وروى مسلم نحوه. (¬1) رواه البخاري (4890). (¬2) وهو أن يقول: قبَّحك اللَّه. (¬3) رواه أبو داود (2142).

1012 - وعن عبد اللَّه بن زَمْعَة، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يَجلِدْ أحدُكم أَمَتَه جلدَ العبد، ثم يُجامِعْها في آخر اليوم" (*) (¬1). 1013 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَطرُقَ الرجلُ أهلَه ليلًا، أن يَتخوَّنهَم (¬2) أو يَلتمسَ عَثَراتِهم (**) (¬3). وعنه، من رواية الشَّعبي: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أطالَ أحدُكم الغَيبةَ فلا يَطرُقْ (¬4) أهلَه ليلًا" (¬5). 1014 - وعنه قال: قفَلْنَا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غزوةٍ، فلما ذهبْنا لنَدخلَ قال: "أَمهِلُوا حتى تدخلُوا ليلًا؛ لكي تَمتشطَ الشَّعِثَةُ، وتَستحدَّ المُغِيبَةُ (¬6) " (¬7). أخرجهما البُخاري (...). ¬

_ (*) أخرجه البُخاري منفردًا به. (**) رواه مسلم منفردًا به. (...) متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (4908). (¬2) أي: يتتبع خيانتهم ونقصانهم. (¬3) رواه مسلم (715). (¬4) أي: يأتِ. (¬5) رواه البخاري (4946). (¬6) المغيبة: هي التي غاب عنها زوجها. (¬7) رواه البخاري (4791)، ومسلم (715).

1015 - وعن أسماءَ: أن امرأةً قالت: يا رسولَ اللَّه! إن لي ضَرَّةً، فهل عليَّ جُنَاحٌ إن تشبَّعتُ من زوجي غيرَ الذي يُعطيني؟ فقال: "المُتشبِّعُ بما لم يُعط كلابسِ ثوبيَ زُورٍ" (*) (¬1). 1016 - وعن عبد الرحمن بن سعد قال: سمعتُ أبا سعيد الخُدْريَّ يقول: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن مِن شرِّ الناسِ عندَ اللَّه منزلةً يومَ القيامة الرجلَ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه (¬2)، ثم يَنْشُر سرَّها". أخرجه مسلم (¬3). 1017 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا تزوَّج أحدُكم امرأةً، أو اشتَرَى خادمًا فَلْيَقُلْ: اللهم إني أَسألُك خيرَها وخيرَ ما جَبَلْتَها عليه، وأَعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما جَبَلتَها عليه، وإذا اشتَرَى بعيرًا فَلْيَأخُذْ بذِروةِ سَنَامِه وَلْيَقُلْ مثلَ ذلك". وفي رواية: "ثم لِيَأخُذْ بناصيتها وَلْيَدعُ بالبركة في المرأة والخادم". أخرجه أبو داود (**) (¬4). 1018 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لو أن ¬

_ (*) متفق عليه. (**) والنَّسائي وابن ماجه، وهو صحيح الإسناد إلى عمرو بن شعيب. (¬1) رواه البخاري (4921)، ومسلم (2130). (¬2) الإفضاء هنا كناية عن الجماع. (¬3) رواه مسلم (1437). (¬4) رواه أبو داود (2160).

أحدَكم إذا أراد أن يأتِيَ أهلَه قال: بسم اللَّه، اللهم جنِّبْنا الشيطانَ وجنِّبِ الشيطانَ ما رزقتَنا؛ فإنه إن يُقدَّرْ بينهما ولدٌ في ذلك لم يُضرَّه شيطانٌ أبدًا". لفظ مسلم، وهو متفق عليه في الجملة (¬1). 1019 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: كنا نَعزِلُ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبلغَ ذلك نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَنهَنَا (*) (¬2). 1020 - وعن جُدَامةَ (**) بنتِ وهبٍ أختِ عُكَّاشةَ قالت: حضرتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أناسٍ، وهو يقول: "لقد هَمَمتُ أن أَنْهَى عن الغِيلةِ (¬3)، فنَظرتُ في الرُّومِ وفارسَ فإذا هم يُغِيلُون أولادَهم، فلا يَضرُّ أولادَهم ذلك شيئًا"، ثم سألوه عن العَزْلِ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذلك الوَأدُ الخَفِيُّ، وهي {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] (...) (¬4). 1021 - وعن جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما-: أن يهودَ كانت تقول: إذا أُتِيَتِ المرأةُ من دُبُرِها في قُبُلِها، ثم حَمَلَتْ كان ولدُها أحولَ، قال: فأُنزلت: ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (**) بمهملة. (...) أخرجه مسلم، وهو عند الأربعة مختصر. (¬1) رواه البخاري (141)، ومسلم (1434). (¬2) رواه البخاري (4911)، ومسلم (1440). (¬3) الغيلة: وهي أن يجامع امرأته وهي مُرضع. (¬4) رواه مسلم (1442).

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. أخرجه مسلم (*) (¬1). 1022 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَنظرُ اللَّهُ إلى رجلٍ أتَى رجلًا أو امرأةً في دُبُرٍ". أخرجه النَّسائي عن رجالٍ ثقاتٍ من رجال الصحيح (**) (¬2). 1023 - وروى النَّسائي في "السُّنَن الكبرى" من حديث أبي بكر بن أبي أُويس قال: حدثني سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عبد اللَّه بن عمر: أن رجلًا أتى امرأة في دُبرِها في عهد النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجد من ذلك وَجْدًا شديدًا، فأَنزل اللَّهُ عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] (...) (¬3). 1024 - وعن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تَحلِقَ المرأةُ رأسَها. أخرجه النَّسائى (****) (¬4). ¬

_ (*) وروى (ح) نحوه. (**) ورواه التِّرْمِذي وقال: حسن غريب، وأبو حاتم البُسْتي، وقد رُوي موقوفًا. (...) هذا الحديثُ رواتُه ثقاتٌ، ومتنُه مُنكَرٌ، قاله الحافظ الذهبي في الجزء الذي جمعه في "تحريم إتيان النساء في أدبارِهنَّ". (****) والتِّرْمِذي، وقد رُوي مُرسَلًا. قال التِّرْمِذي: فيه اضطرابٌ، وهو من رواية خِلَاس بن عمرو، عن عليٍّ، وهو ثقةٌ؛ إلا أن يحيى بن سعيد وأبا داود وأبا زُرعةَ ضعَّفُوا حديثَه عن عليٍّ، وقالوا: لم نَسمَعْ منه شيئًا. (¬1) رواه مسلم (1435)، وكذا البخاري (4254). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (9001). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8981). (¬4) رواه النسائي (5049)، والترمذي (914).

1025 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لَعَنَ اللَّهُ الواصلةَ والمُستوصِلةَ، والواشمةَ والمُستوشِمَةَ" (*) (¬1). 1026 - وعن عبد اللَّه قال: لَعَنَ اللَّهُ الواشماتِ والمُستوشِماتِ، والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلِّجاتِ (¬2) للحُسنِ المُغيِّراتِ خلقَ اللَّه. وفي هذا الحديث: ومالي لا أَلعَنُ مَن لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟! الحديث (**) (¬3). 1027 - وعن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هل اتَّخذتُم أنماطًا (¬4)؟ " قلت: يا رسولَ اللَّه! من أين لنا أنماطٌ؟ قال: "إنها ستكون" (...) (¬5). * * * ¬

_ (*) متفق عليه. (**) وهو عند الجماعة كلِّهم. (...) متفق عليه، واللفظ للبُخاري. (¬1) رواه البخاري (5589)، ومسلم (2124). (¬2) أي: مفلِّجات الأسنان بأن تبرِّد ما بين أسنانها الثنايا والرَّباعيات. (¬3) رواه البخاري (4604)، ومسلم (2125). (¬4) النَّمط -بالفتح-: ظهر فراش، ويطلق على ما تُغشَّى به الهوادج. (¬5) رواه البخاري (4866)، ومسلم (2083).

2 - باب القسم والنشوز

2 - باب القَسْم والنشُوز 1028 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن كانت له امرأتانِ يَميلُ لإحداهما على الأخرى؛ جاء يومَ القيامة أحدُ شِقَّيه مائلٌ" (*) (¬1). 1029 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقسِمُ فيَعدلُ ويقول: "اللهم هذا قَسْمِي فيما أَملكُ؛ فلا تَلُمْنِي فيما تَملكُ ولا أَملكُ"، يعني: القلب (**) (¬2). أخرجهما النَسائي وأبو داود، واللفظ في الأول للأول، وفي الثاني للثاني. 1030 - وروى خالد، عن أبي قِلابة، عن أنس بن مالك قال: إذا تزوَّجَ البِكْرَ على الثيِّبِ أقامَ عندَها سبعًا، وإذا تزوَّجَ الثيِّبَ على البِكْرِ ¬

_ (*) إسناده على شرط "الصحيحين"، وهو من أفراد همام، وقد خالَفَه هشام الدَّستَوائي؛ فرَواه عن قتادة، قال: كان يُقال. (**) إسناده على شرط مسلم؛ لأنه من حديث حَمَّاد بن سَلَمة، إلا أن حَمَّاد بن زيد رواه مُرسَلًا، قال التِّرْمِذي: وهو أصحُّ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه أبو داود (2133)، والنسائي (3942). (¬2) رواه أبو داود (2134)، والنسائي (3943).

أقامَ عندَها ثلاثًا. قال خالد: ولو قلتُ: إنه رفعَه لَصدقتُ، ولكنه قال: السُّنَّةُ كذلك (*) (¬1). ورواه بشر عن مالك (**)، ولكنه قال: السُّنَّةُ إذا تزوَّجَ البِكْرَ أقامَ عندَها سبعًا، وإذا تزوَّج الثيِّبَ أقامَ عندَها ثلاثًا (...) (¬2). 1031 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا تزوَّجَ أمَّ سَلَمةَ أقامَ عندَها ثلاثًا، وقال: "إنه ليس بكِ على أهلِك هَوَانٌ (¬3)! إن شئتِ سبَّعتُ لك، وإن سبَّعتُ لك سبَّعت لِنِسائي" (¬4). 1032 - وعن عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي اللَّه عنها- قالت: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا خرجَ أَقرَعَ بين نسائه، فطارَتِ (¬5) القُرعةُ على عائشةَ وحفصةَ، فخرَجَتَا معه (¬6). أخرجهما مسلم. ¬

_ (*) متفق عليه. (**) صوابه: خالد. (...) أخرجه البُخاري. (¬1) رواه البخاري (4916)، ومسلم (1461). (¬2) رواه البخاري (4915). (¬3) أي: لا يلحقك هوان، ولا يضيع من حقك شيء. (¬4) رواه مسلم (1460). (¬5) أي: خرجت. (¬6) رواه مسلم (2445)، وكذا البخاري (4913).

1033 - وعنها: أن سَودةَ بنتَ زَمْعَةَ لمَّا كَبِرَتْ قالت: يا رسولَ اللَّه! جَعلتُ يومي منك لعائشةَ، فكان عليه السلام يَقسِمُ لعائشةَ يومَينِ: يومَها، ويوم سَودةَ (¬1). 1034 - وعن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: كان للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تسعُ نسوةٍ، فكنَّ يَجتمِعْنَ كلَّ ليلةٍ في بيتِ التي يأتيها، فكان في بيتِ عائشةَ، فجاءت زينبُ، فمدَّ يدَه إليها، فقالت: هذه زينبُ، فكفَّ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَه، الحديث (*) (¬2). 1035 - وفي حديث لعائشةَ: وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ علينا جميعًا، وَيدنُو من كلِّ امرأة مِن غيرِ مسيسٍ، حتى يَبلُغَ التي هو يومُها، فيَبِيتُ عندَها. أخرجه أبو داود (**) (¬3). وعند البُخاري: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا انصرَفَ من العصر دخلَ على نسائه، فيَدنُو من إحداهنَّ، الحديث (¬4). ¬

_ (*) أخرجهما مسلم. (**) وهو من رواية عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن هشام، وقد تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ من الأئمَّة، إلا أنه روي عن يحيى بن مَعين، قال: وهو أَثبتُ الناس في هشام بن عروة. (¬1) رواه مسلم (1463). (¬2) رواه مسلم (1462). (¬3) رواه أبو داود (2135). (¬4) رواه البخاري (4918).

1036 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يسألُ في مرضِه الذي مات فيه: "أين أنا غدًا -يريد يومَ عائشة -؟ " فأَذِن له أزواجُه يكون حيث شاء، الحديث. أخرجه البُخاري (¬1). 1037 - وعن ثابت، عن أنس: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَطُوفُ على نسائه في الليلة الواحدة، ثم يغتسل مرةً. لفظ رواية النَّسائي (*) (¬2). 1038 - وعن زُرَارة بن أوفَى، عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا باتَتِ المرأةُ هاجرةً فراشَ زوجِها لعنَتْها الملائكةُ حتى تُصبحَ" (¬3). وفي رواية أبي حازم عنه: "إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشه فلم تأتِه، فبات غضبانًا عليها لعنَتْها الملائكةُ حتى تُصبحَ" (¬4). لفظ مسلم فيهما. * * * ¬

_ (*) وهو من حديث قتادة، عن أنس عند البُخاري، وليس فيه: "ثم يغتسل مرةً"، وفيه: "وله يومَئذِ تسعُ نسوةٍ". (¬1) رواه البخاري (4185). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (9037)، ورواه البخاري (280)، ومسلم (309) نحوه. (¬3) رواه مسلم (1436)، والبخاري (4897). (¬4) رواه مسلم (1436)، والبخاري (3065).

3 - باب الوليمة

3 - باب الوليمة 1039 - قد ثبت قولُه عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف: "أَوْلِمْ ولو بشاةٍ" (¬1). 1040 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دُعِي أحدُكم إلى الوليمةِ فَلْيَأتِها" (¬2). وفي رواية عبيد اللَّه، عن نافع: "إذا دُعِي أحدُكم إلى وليمةِ عُرسٍ فَلْيُجِبْ" (¬3). وفي رواية أيوب، عن نافع: "ائِتُوا الدعوةَ إذا دُعيتُم" (¬4). وفي رواية الزُّبَيدي، عنه: "مَن دُعِيَ إلى عُرسٍ أو نحوِه فَلْيُجِبْ" (¬5) وكلُّها عند مسلم. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (1943)، ومسلم (1427)، من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (¬2) رواه البخاري (4878)، ومسلم (1429). (¬3) رواه مسلم (1429). (¬4) رواه مسلم (1429). (¬5) رواه مسلم (1429).

1041 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "شرُّ الطعامِ طعامُ الوليمة؛ يُمنَعُها مَن يأتيها، ويُدعَى إليها مَن يَأبَاها، ومَن لم يُجبِ الدعوةَ فقد عصَى اللَّهَ ورسولَه" (¬1). 1042 - وعن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعامٍ فَلْيُجِبْ؛ فإن شاء طَعِمَ، وإن شاء تركَ" (¬2). 1043 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دُعِيَ أحدُكم فَلْيُجِبْ؛ فإن كان صائمًا فَلْيُصلِّ، وإن كان مُفطِرًا فَلْيَطعَمْ" (¬3). أخرجهما مسلم. * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1432). (¬2) رواه مسلم (1430). (¬3) رواه مسلم (1431).

4 - باب التخيير والتمليك

4 - باب التخيير والتمليك 1044 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيَّر نساءَه، فلم يكن طلاقًا. لفظ رواية مسلم (¬1). 1045 - وعن حَمَّاد بن زيد قال: قلت لأيوب السَّخْتياني: هل علمتَ أحدًا قال في: (أمرُكِ بيدِكِ) أنها ثلاثٌ غيرَ الحسن؟ قال: لا، اللهم غُفرًا، إلا ما حدثني به قتادة، عن كثير مولى ابن سَمُرةَ، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ثلاثٌ". قال أيوب: فلقيتُ كثيرًا (*) مولى ابن سَمُرةَ فسألتُه، فلم يَعرِفْه، ¬

_ (*) كثير بن أبي كثير مولى عبد الرحمن بن سَمُرة، قال العِجلي: بَصْريٌّ تابعيٌّ، ثقةٌ، والكوفي الذي حكى عنه المنتجالي: هو العِجلي، وذكر كثيرًا ابنُ حبَّان في "كتاب الثقات"، والحديث أيضًا عند أبي داود والتِّرْمِذي، ولفظ أبي داود كرواية الحاكم، وفيه: ما حدَّثتُ بهذا قطُّ، وقال التِّرْمِذي فيه عن البُخاري: إنما هو عن أبي هريرةَ موقوفٌ، ولم يَرفعْه، وقال النَّسَائي فيه: هذا حديثٌ مُنكَرٌ، واللَّه أعلم. (¬1) رواه مسلم (1477).

فذهبتُ إلى قتادةَ فأَخبرتُه، فقال: نَسِيَ. لفظ رواية النَّسائي (¬1). وأخرجه الحاكم في "مستدركه"، وفيه مولى عبد الرحمن بن سَمُرة، وفيه: فقال: ما حدَّثتُ بهذا قطُّ، وقال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح (¬2). قلت: وذكر ابن حزم أن كثيرًا مجهولٌ (¬3). وذكر المنتجالي، عن الكوفي أنه قال فيه: ثقةٌ، حكاه عن المنتجالي (*) ابنُ القطَّان (**) (¬4). * * * ¬

_ (*) المنتجالي هو أحمد بن سعيد بن حزم، سَمِيُّ والد أبي محمد علي بن أحمد بن حزم. (**) قال ابن القطَّان: فعلى هذا لا يكون الحديثُ ضعيفًا، ثم قال في آخر كتابه: ولم أَرَ ما حكاه المنتجالي في كتاب الكوفي. (¬1) رواه النسائي (3410)، وأبو داود (2204)، والترمذي (1178). (¬2) رواه الحاكم (2824). (¬3) انظر: "المحلى" (10/ 119). (¬4) انظر: "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (5/ 390).

5 - باب الخلع

5 - باب الخُلع 1046 - عن عكرمة، عن ابن عباس: أن امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ أتَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالت: يا رسولَ اللَّه! ثابتُ بنُ قيس لا أَعتِبُ عليه في خُلقٍ ولا دِينٍ، ولكني أَكرَهُ الكفرَ في الإسلام، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتَرُدِّينَ عليه حديقتَه؟ (¬1) " قالت: نعم، قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اقبَلِ الحديقةَ، وطلِّقْها تطليقةً". أخرجه البُخاري (¬2). وفي رواية: "فرُدِّيها"، وأمرَه أن يُطلِّقَها (¬3). وفي رواية: "فردَّتْ عليه"، وأمرَه بفراقها (¬4). * * * ¬

_ (¬1) أي: التي أعطاكِ بالمهر، وهي أرض ذات شجر مثمر. (¬2) رواه البخاري (4971). (¬3) رواه البخاري (4972)، وعنده: "فردتها". (¬4) رواه البخاري (4973).

6 - باب الطلاق

6 - باب الطَّلاق 1047 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثٍ: عن النائمِ حتى يَستيقظَ، وعن الصغيرِ حتى يَكبَرَ، وعن المجنونِ حتى يَعقلَ، أو: يُفيقَ" (¬1). وفي رواية: "وعن المُبتَلَى حتى يَبْرَأَ". أخرجه ابن ماجه والحاكم (*) (¬2). 1048 - وروى مالك عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسأل عمرُ بنُ الخطاب رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذلك؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها، ثم لِيُمْسِكْها حتى تَطهُرَ، ثم تَحيضَ، ثم تَطهُرَ، ثم إن شاء أَمسكَ بعدُ، وإن شاء طلَّقَ قبلَ أن يَمسَّ؛ فتلك العِدَّةُ التي أَمرَ اللَّهُ أن تُطلَّقَ لها النساءُ". لفظ رواية إسماعيل، عن مالك عند البُخاري (¬3) (**). ¬

_ (*) وأبو داود والنَّسائي، ورجاله أخرج لهم مسلم. (**) قال أبو داود الطَّيَالسي: ثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه طلَّقَ امرأتَه = (¬1) رواه النسائي (3432)، وأبو داود (4403). (¬2) رواه ابن ماجه (2041)، والحاكم (8168)، وكذا أبو داود (4398). (¬3) رواه البخاري (4953)، ومسلم (1471).

وعنده من رواية أيوب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمر قال: حُسِبَتْ عليَّ بتطليقةٍ (¬1). وعنده في رواية أبي غلاب يونس بن جُبَير: أن ابن عمر طلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ، فأتَى عمرُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فذكرَ ذلك له، فأمرَه أن يُراجَعَها، فإذا طَهُرَتْ؛ فإن أراد أن يُطلِّقَها فَلْيُطلِّقْها. قلت: فهل عَدَّ ذلك طلاقًا؟ قال: أرأيتَ إن عَجَزَ واستَحمَقَ؟ (¬2) (¬3) وعنه: أنه طلَّقَ امرأتَه وهي حائضٌ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها، ثم لِيُطَلِّقْها طاهرًا أو حاملًا". أخرجه مسلم (¬4). 1049 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن ابنةَ الجَون لمَّا أُدْخِلَتْ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ¬

_ = وهي حائضٌ، فأتَى عمرُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرَ له، جعلَها واحدةً. وقال البُخاري: وقال أبو يَعمَر: ثنا عبد الوارث، ثنا أيوب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عمر قال: حُسبَتْ عليَّ بتطليقةٍ. أبو داود الطَّيَالسي: قيل: إنه حدَّثَ أهلَ أصبهانَ أحاديثَ مِن حفظِه، فوقعَ له الوهمُ في عدةٍ منها، وقد ذكر الحُفَّاظُ له أغاليطَ؛ والظاهرُ أن هذا منها، واللَّه أعلم. (¬1) رواه البخاري (4954). (¬2) أي: عجز عن الرجعة وفَعَلَ فِعْلَ الأحمق. (¬3) رواه البخاري (4958). (¬4) رواه مسلم (1471).

ودنا منها قالت: أعوذُ باللَّه منكَ، فقال لها: "لقد عُذتِ بعظيمٍ؛ الْحَقِي بأهلِك" (*) (¬1). 1050 - وثبت في حديث كعب بن مالك، فقلت لامرأتي: الْحَقِي بأهلِك حتى يَقضيَ اللَّهُ عز وجل في هذا الأمر (¬2). 1051 - وعن يَعلَى بن حكيم، عن سعيد بن جُبَير: أنه أخبره: أنه سمع ابنَ عباس يقول: إذا خَيَّرَ امرأتَه ليست بشيءٍ، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} [الأحزاب: 21]. أخرجه البُخاري (¬3). 1052 - وعن عبد اللَّه بن علي بن يزيد بن رُكَانة، عن أبيه، عن جدِّه: أنه طلَّقَ امرأتَه البتَّةَ، فأتَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ما أردتَ؟ " قال: واحدةً، قال: "آللَّهِ" قال: آللَّهِ؟ قال: "هو على ما أردتَ". أخرجه أبو داود من حديث الزبير بن سعيد (**)، عن عبد اللَّه، ثم ابن حِبَّان ¬

_ (*) أخرجه البُخاري. (**) الزبير بن سعيد: تكلَّم فيه غيرُ واحدِ من الأئمَّة، كالإمام أحمد وابن مَعين وأبي داود والنَّسائي وزكريا الساجي، ووثَّقه ابن مَعين في رواية. وقال البُخاري في علي بن يزيد بن رُكَانة: لم يصحَّ حديثُه. وقال العُقَيلي في عبد اللَّه بن علي بن يزيد بن رُكَانة: إسنادُه مضطربٌ، ولا يُتابَعُ على حديثه. = (¬1) رواه البخاري (4955). (¬2) رواه البخاري (4156)، ومسلم (2769). (¬3) رواه البخاري (4965).

في "صحيحه" (*) (¬1). 1053 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: "ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وهَزلُهنَّ جِدٌّ: النكاحُ، والطلاقُ، والرَّجعةُ". أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن حبيب، وأخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعبد الرحمن بن حبيب هذا: ابن أَرْدَك، من ثقات المَدَنيِّين، ولم يخرجاه (**) (¬2). 1054 - وعن المِسْوَر بن مَخرَمة، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا طلاقَ قبلَ النكاح، ولا عتقَ قبلَ مِلْكٍ". أخرجه ابن ماجه من حديث هشام بن سعد (¬3)، وقد أخرج له مسلم (...). ¬

_ = وقال أبو داود: سُئل أحمدُ عن حديث رُكانة لا تثبته أنه طلَّق امرأتَه البتةَ؟ قال: لا؛ لأن ابنَ إسحاق يَرويه عن داود بن حسين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رُكَانةَ طلَّقَ امرأتَه ثلاثًا، وأهلُ المدينة يُسمُّون الثلاثَ: البتةَ. وقال أحمد بن أصرم: سُئل أبو عبد اللَّه عن حديث رُكَانة في البتة، فقال: ليس بشيءٍ. (*) ورواه الحاكم أيضًا وقال: قد انحرفا في "الصحيحين" عن الزبير بن سعيد، لكن له مُتابعٌ يصحُّ به الحديثُ، ثم ساقه من وجهٍ لا يَثبتُ. (**) وأخرجه التِّرْمِذي أيضًا وحسَّنه، وابن أَردَك ذكره ابن حِبَّان في "الثقات"، وقال النَّسائي: مُنكَرُ الحديث. وقال شيخنا: في صحة هذا الحديث نظرٌ. (...) وفيه أيضًا عن علي بن الحسين بن واقد، وقد ضعَّفَه أبو حاتم، وقال النَّسائي:= (¬1) رواه أبو داود (2208)، وابن حبان (4274). (¬2) رواه أبو داود (2194)، والحاكم (2800). (¬3) رواه ابن ماجه (2048).

1055 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن اللَّهَ عز وجل تجاوَزَ لأمَّتِي عما حدَّثَتْ بها أَنفُسَها، ما لم تَعمَلْ أو تَكلَّمْ به". لفظ رواية لمسلم، وهو متفق عليه (¬1). 1056 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن اللَّهَ وَضَعَ عن أمَّتِي الخطأَ، والنِّسيانَ، وما استُكرِهُوا عليه". أخرجه ابن ماجه (*) (¬2). 1057 - وعند مسلم عنه (**): أنه سمع ابنَ عباس يقول: إذا حَرَّمَ الرجلُ امرأتَه فهي يمينٌ يُكفِّرُها، وقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (¬3) (...). ¬

_ = لا بأسَ به، ووثَّقه ابن حبَّان. ورواه الحاكم وصحَّحه من حديث جابر، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه. (*) ورجاله على شرط "الصحيحين"؛ سوى شيخ ابن ماجه محمد بن مُصفَّى، وهو صَدُوقٌ، وقال ابن حَبَّان: يُخطئ، وقد أُعِلَّ هذا الحديثُ. وراوه الحاكم من حديث الأَوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس مرفوعًا، ولفظه: "تجاوَزَ اللَّهُ عن أمَّتِي الخطأَ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه"، وقال: على شرط البُخاري ومسلم. (**) يعني: عن سعيد بن جُبَير. (...) هذا الحديث ينبغي أن يُكتَبَ بعد حديث سعيد بن جُبَير. فصل: جاء في تحريم جمع الثلاث حديثُ محمود بن لَبيد: أُخبر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- = (¬1) رواه البخاري (4968)، ومسلم (127). (¬2) رواه ابن ماجه (2045). (¬3) رواه مسلم (1473).

. . . . . . . . . . . . === = عن رجل طلَّق امرأتَه ثلاثَ تطليقاتٍ جميعًا، فقام غضبانًا ثم قال: "أيُلعَبُ بكتاب اللَّه وأنا بين أَظهُرِكم؟! " حتى قام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللَّه! ألا أَقتلُه؟ رواه النَّسائي عن سليمان بن داود، عن ابن وهب، عن مَخرَمة بن بُكَير، عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد، فذكره. وهذا إسناد صحيح، وقد تُكلِّم فيه من وجهَينِ: أحدهما قول النَّسائي: لا أعلم رواه غيرُ مَخرَمةَ، قالوا: ولم يَسمَعْ من أبيه؛ إنما كان يحدث من كتاب أبيه. الثاني: أن أبا حاتم الرازي قال: لا يُعلَم لمحمودٍ صُحبةٌ. والجواب: إن حديثَ مَخرَمَةَ عن أبيه مُخرَّجٌ في الصحيح، ولو ثبت أنه لم يَسمعْ منه، مع كونِ ذلك شهادة على النفي فغايتُه أن يكونَ قد حدَّث عن كتاب أبيه، وهو ثقةٌ، فلولا أنه صحَّ عندَه وتيقَّن أنه من حديث أبيه وإلا لم يَستجِزْ أن يحدث به عنه، والكتابُ أبعدُ عن الغلط من السماع، وقد كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَبعَثُ كتبَه إلى الملوك وغيرهم، فتقوم بها الحُجَّةُ عليهم، ولم يكنْ يَشافِهُ الرسولَ بمضمون الكتاب، وقد عمل الصحابةُ والتابعون بما كان مكتوبًا عندَهم عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن لم يسمعوه منه، ولا أخبرَهم صاحبُ الكتاب أنه سمعَه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا كثيرٌ في الصحيح وغيره. وأمَّا صُحبةُ محمودٍ فقد قال البُخاري: له صُحبةٌ، حكاه عنه ابنُ أبي حاتم، ثم قال: وقال أَبى: لا تُعرَف له صُحبةٌ. قال ابن عبد البَرِّ: قولُ البُخاري أَولَى، وهو أولَى بأن يُذكَرَ في الصحابة من محمود بن الربيع؛ فإنه أسنُّ منه، قال: وذكره مسلم في التابعين في الطبقة الثانية منهم، فلم يصنع شيئًا، ولا علم منه ما علم غيره. وقال ابن أبي شَيبة: ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن الغَسيل، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لَبيد الأنصاري قال: كَسَفَتِ الشمسُ يومَ ماتَ إبراهيمُ ابنُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال الناسُ: كَسَفَتِ الشمسُ لموتِ إبراهيمَ، فبلغَ ذلك النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من قولِهم، فخرج وخرجْنا معه، حتى أمَّنَا في المسجد، وذكر الحديث. =

7 - باب الرجعة

7 - باب الرَّجْعَة 1058 - عن مُطرِّف بن عبد اللَّه: أن عِمرانَ بنَ حُصَين سُئل عن الرجل يُطلِّقُ امرأتَه ثم يَقعُ بها، ولم يُشهِدْ على طلاقها ولا على رجعتِها؟ فقال: طلَّقْتَ لغيرِ سُنَّةٍ، وراجعتَ لغيرِ سُنَّةٍ، أَشهِدْ على طلاقِها وعلى رَجعتِها، ولا تَعُدْ. أخرجه أبو داود (*) (¬1). * * * ¬

_ = وقال البُخاري في "التاريخ": قال أبو نعيم عن عبد الرحمن بن الغَسيل، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال: أَسرَعَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تقطَّعَتْ نعالُنا يومَ مات سعدُ بنُ معاذ. وقال أحمد في "مسنده": حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: أتى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بني عبد الأَشهَل فصلَّى بهم المغربَ، فلما سلَّم قال: "اركَعُوا هاتَينِ الرَّكعتَينِ في بيوتكم". رواه ابن خُزيمة في "صحيحه" من رواية ابن إسحاق. قال أحمد: وثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد قال: أتانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلَّى بنا المغربَ في مسجدنا، فلما سلَّمَ منها قال: "اركعُوا هاتَينِ الرَّكعتَينِ في بيوتكم". وقد رَوى له أحمدُ في "مسنده" غيرَ هذا، واللَّه أعلم. (*) وإسناده على شرط مسلم. (¬1) رواه أبو داود (2186)، وابن ماجه (2025).

8 - باب الإيلاء

8 - باب الإيلاء 1059 - عن حُميد الطويل: أنه سمع أنس بن مالك يقول: آلَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نسائه، وكانت انفكَّتْ (¬1) رِجلُه، فأقام في مَشرُبَةٍ (¬2) له تسعًا وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسولَ اللَّه! آليتَ شهرًا، قال: "الشهرُ تسعٌ وعشرون". أخرجه البُخاري (¬3). * * * ¬

_ (¬1) أي: انخلعت. (¬2) أي: غرفة. (¬3) رواه البخاري (4984).

9 - باب الأيمان

9 - باب الأيمان 1060 - روى مسلم من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كان حالفًا فلا يَحلِفْ إلا باللَّه". وكانت قريشٌ تَحلِفُ بآبائها، فقال: "لا تَحلِفُوا بآبائكم" (¬1). 1061 - ومن حديث أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حَلَفَ منكم، فقال في حلفِه: باللَّاتِ، فَلْيَقُلْ: لا إلهَ إلا اللَّهُ، ومَن قال لصاحبه: تعالَ أُقامِرْكَ؛ فَلْيَتصدَّقْ" (¬2). 1062 - ومن حديث عبد الرحمن بن سَمُرة قال: قال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عبدَ الرحمن بنَ سَمُرة! لا تَسأل الإمارةَ؛ فإنك إن أُعطيتَها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غيرِ مسألةٍ أُعِنتَ عليها، وإذا حلفتَ على أمرٍ، فرأيتَ غيرَها خيرًا منها فكفِّرْ عن يمينك، وائتِ الذي هو خيرٌ" (¬3). 1063 - وفي حديث لأبي هريرة: "مَن حلفَ على اليمين، فرأى ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1646)، وكذا البخاري (3624). (¬2) رواه البخاري (4579)، ومسلم (1647). (¬3) رواه البخاري (6248)، ومسلم (1652).

غيرَها خيرًا منها فَلْيَأتِها وَلْيُكفِّرْ عن يمينه" (*) (¬1). 1064 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اليمينُ على نيةِ المُستحلِفِ" (¬2). وفي رواية: "يمينُك على ما يُصدِّقُك عليه صاحبُك" (¬3). وفي رواية: "يُصدِّقُك به صاحبُك" (**) (¬4). 1065 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حلفَ على يمينٍ فقال: إن شاء اللَّه، فقد استَثنَى". لفظ رواية النَّسائي (¬5). وفي لفظ ابن حبَّان: "مَن حَلَفَ فقال" (¬6). 1066 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن حَلَفَ على يمينٍ واستَثنَى فهو بالخِيار؛ إن شاء أمضَى، وإن شاء ¬

_ (*) أخرجه مسلم أيضًا. (**) وكلُّها عند مسلم. (¬1) رواه مسلم (1650). (¬2) رواه مسلم (1653). (¬3) رواه مسلم (1653). (¬4) رواه مسلم (1653). (¬5) رواه النسائي (3855). (¬6) رواه ابن حبان (4339).

تركَ غيرَ حَنِثٍ". لفظ رواية ابن حبَّان، وأخرجه ابن ماجه بلفظ آخر (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) وأخرجه النَّسائي بهذا اللفظ أيضًا، وإسناده على شرط مسلم، وهو عند أبي داود بلفظ حديث أبي هريرة الذي قبلَه. (¬1) رواه ابن حبان (4342)، وابن ماجه (2105)، وكذا أبو داود (3262)، والنسائي (3793).

10 - باب الظهار

10 - باب الظِّهَار 1067 - عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رجلًا أتى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! إني ظاهَرتُ من امرأتي، فوَقعتُ عليها قبلَ أن أُكفِّرَ، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقرَبْها حتى تفعلَ ما أمرَ اللَّهُ عز وجل". أخرجه النَّسائي (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) ورجاله على شرط البُخاري، سوى الحكم بن أبان العَدَني، فإنه من رجال السُّنَن، وهو صَدُوقٌ إن شاء اللَّه. قال أبو بكر المُعافري: ليس في الظِّهارِ حديثٌ صحيحٌ يُعوَّلُ عليه، وفيما قاله نظرٌ؛ فقد صحَّحه التِّرْمِذي، ورواته صادقون. لكن قد روي مرسلًا، وهو أولى بالصواب، قاله النسائي. (¬1) رواه النسائي (3457).

11 - باب اللعان

11 - باب اللِّعَان 1068 - روى مالك عن ابن شهاب: أن سهلَ بنَ سعد الساعِديَّ أخبره: أن عُوَيمرًا العَجلانِيَّ جاء إلى عاصمِ بنِ عدي الأنصاري فقال: أرأيتَ يا عاصمُ لو أن رجلًا وجدَ مع امرأته رجلًا: أيَقتلُه فتقتلُونه؟ أم كيف يفعل؟ فسَلْ لي عن ذلك يا عاصمُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فسأل عاصمٌ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكرهَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسائلَ وعابَها، حتى كَبُرَ على عاصمٍ ما سمعَ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما رجعَ عاصمٌ إلى أهله جاءَه عُوَيمرٌ فقال: يا عاصمُ! ماذا قال لك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقال عاصمٌ لعُوَيمرٍ: لم تأتِنِي بخيرٍ؛ قد كرهَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسألةَ التي سألتُه عنها، فقال عُوَيمرٌ: واللَّه لا أنتهي حتى أسألَه عنها. فأَقبلَ عُوَيمرٌ حتى أتَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وسَطَ الناس، فقال: يا رسولَ اللَّه! أرأيتَ رجلًا وجدَ مع امرأته رجلًا: أيَقتلُه فتقتلُونه؟ أم كيف يفعل؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد نزلَ فيك وفي صاحبتك، فاذهبْ فأتِ بها". قال سهل: فتلاعَنا وأنا مع الناس عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فلما فرَغَا قال عُوَيمرٌ: كذبتُ عليها يا رسولَ اللَّه إن أمسكتُها، فطلَّقَها ثلاثًا قبلَ أن يأمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال ابن شهاب: فكانت تلك سُنَةَ المُتلاعِنَينِ. لفظ رواية مسلم (¬1). وعنده من رواية يونس، عن ابن شهاب: وكان فراقُه إيَّاها بعدُ سُنَّةً في المُتلاعِنَينِ. وفيه: قال سهل: فكانت حاملًا، وكان ابنُها يُدعَى إلى أمِّه، ثم جرَتِ السُّنَّةُ أنه يرثُ منها، وترثُ منه ما فرضَ اللَّهُ لها (¬2). ومن رواية ابن جُرَيج: فتلاعَنَا في المسجد وأنا شاهدٌ، قال: وقال في الحديث: فطلَّقَها ثلاثًا قبلَ أن يأمرَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ففارَقَها عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذلكم التفريقُ بين كلِّ مُتلاعِنَينِ" (¬3). وفي رواية ابن وهب، عن عياض (¬4) بن عبد اللَّه الفِهْري وغيره، عن ابن شهاب عند أبي داود قال: فطلَّقَها ثلاثَ تطليقاتٍ عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأنفذَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان ما صنعَ عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُنَّةً. قال سهل: حضرتُ هذا عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمضَتِ السُّنَّةُ بعدُ في المُتلاعِنَينِ أن يُفرَّقَ بينهما، ثم لا يَجتمعانِ أبدًا (¬5). 1069 - وعند مسلم في حديث لسعيد بن جُبَير، عن ابن عمر فيه ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1492)، والبخاري (4468). (¬2) رواه مسلم (1492). (¬3) رواه البخاري (5003)، ومسلم (1492). (¬4) في الأصل: "عباس"، والصواب المثبت. (¬5) رواه أبو داود (2250).

قصة: فأَنزل اللَّهُ عز وجل هؤلاء الآياتِ في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، فتَلَاهنَّ عليه ووعظَه وذكَّرَه وأخبرَه أن عذابَ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة. فقال: لا، والذي بعثَك بالحقِّ! ما كذبتُ عليها. ثم دعاها فوعظَها وذكَّرَها وأخبرَها أن عذابَ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة. قالت: لا، والذي بعثَك بالحقِّ! إنه لَكاذبٌ. فبدأ بالرجل؛ فشهد أربعَ شهاداتٍ إنه لَمِنَ الصادقين، والخامسةَ أن لعنةَ اللَّه عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنَّى بالمرأة؛ فشهدَتْ أربعَ شهاداتٍ باللَّه إنه لَمِنَ الكاذبين، والخامسةَ أن غضبَ اللَّه عليها إن كان من الصادقين، ثم فرَّق بينهما (¬1). 1070 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للمُتلاعِنَينِ: "حسابُكما على اللَّه، أحدُكما كاذبٌ، لا سبيلَ لكَ عليها". قال: يا رسولَ اللَّه! مالي؟ قال: "لا مالَ لك؛ إن كنتَ صدَقتَ عليها فهو بما استَحلَلتَ من فَرْجِها، وأن كنتَ كَذبتَ عليها فذاك أبعدُ لك منها" (¬2). وفي رواية: فرَّق رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين أخوَي بني العَجلان، وقال: "اللَّهُ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1493). (¬2) رواه البخاري (5006)، ومسلم (1493).

يعلم أن أحدَكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ " (*) (¬1). 1071 - وفي حديث ابن مسعود: فذهبَتْ لتَلعَنَ (**)، فقال لها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَهْ"، فأَبَتْ، فلَعَنَتْ (...) (¬2). 1072 - وفي حديث عكرمة، عن ابن عباس عند أبي داود: أن هلالَ بنَ أميةَ قَذَفَ امرأتَه. وفيه: ثم قامَتْ فشهدَتْ، فلما كان عندَ الخامسة أن غضبَ اللَّه عليها إن كان من الصادقين وقالوا لها: إنها مُوجِبةٌ، فتَلَكَّأَتْ (¬3) ونَكَصَتْ (¬4)، حتى ظننَّا إِنها ستَرجعُ، فقالت: لا أَفضحُ قومي سائرَ اليوم، فمَضَتْ (****) (¬5). 1073 - وعنده من حديث عبَّاد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء هلالُ بنُ أميةَ، وهو أحدُ الثلاثة الذين تاب اللَّهُ عليهم. وفيه: فقال: يا رسولَ اللَّه! إني جئتُ أهلي عِشاءً، فوَجدتُ عندَهم ¬

_ (*) متفق عليهما. (**) المعروف: لتَلتَعِنَ. (...) الحديث أخرجه مسلم وأبو داود. (****) وإسناده على شرط البُخاري. (¬1) رواه البخاري (5005)، ومسلم (1493). (¬2) رواه مسلم (1495). (¬3) أي: توقفت. (¬4) أي: رجعت وتأخرت. (¬5) رواه أبو داود (2254)، وهو عند البخاري (4470).

رجلًا، فرأيتُ بعيني وسمعتُ بأذني. وفيه: فلما كانت الخامسةُ قيل: يا هلالُ! اتقِ اللَّهَ؛ فإن عذابَ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، وإن هذه المُوجِبَةُ التي تُوجب عليك العذابَ، فقال: واللَّهِ لا يُعذِّبُني اللَّهُ عز وجل عليها، كما لم يَجلِدْني عليها. وفيه: بعد ذكر شهادة المرأة والقول لها: ففرَّق رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما، وقضَى أن لا يُدعَى ولدُها لأبٍ، ولا تُرمَى، ولا يُرمَى ولدُها، فمَن رَمَاها أو رَمَى ولدَها فعليه الحَدُّ، وقضَى أن لا بيتَ لها عليه، ولا قُوتَ مِن أجلِ أنهما يتفرَّقانِ مِن غيرِ طلاقٍ، ولا مُتوفَّى عنها. وفي آخره: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لولا الأيمانُ لَكانَ لي ولها شأنٌ" (¬1). وعبَّاد بن منصور: تكلَّم فيه غيرُ واحدٍ، وتُكلَّم في روايته عن عكرمة خصوصًا، إلا أن الجبل يحيى بن سعيد يقول فيه: عبَّاد بن منصور ثقةٌ، ليس ينبغي أن يُترَكَ حديثُه لرأي أخطأَ فيه، يريد: ما نُسِبَ إليه من القَدَر. 1074 - وعن محمد قال: سألتُ أنسَ بنَ مالك، وأنا أرى أن عندَه منه علمًا، فقال: إن هلالَ بنَ أميةَ قذفَ امرأتَه بشَرِيك بنِ سَحْماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمِّه، وكان أولَ رجلٍ لاعَنَ في الإسلام، قال: فلاعَنَها، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَبصِرُوها؛ فان جاءَتْ به أبيضَ سَبْطًا (¬2)، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (2256). (¬2) أي: مسترسل الشعر.

قَضِيءَ العينَينِ (¬1) فهو لهلالِ بنِ أميةَ، وإن جاءَتْ به أكحلَ جَعْدًا، حَمْشَ الساقَينِ (¬2) فهو لشَريكِ بنِ سَحماءَ". قال: فأُنبئتُ أنها جاءَتْ به أكحلَ جَعدًا، حَمْشَ الساقَينِ (*) (¬3). 1075 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنها-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرَ رجلًا حين أمرَ المُتلاعِنَينِ أن يَتَلاعَنَا أن يضعَ يدَه على فيه عند الخامسة، يقول: إنها مُوجِبَةٌ. لفظ أبي داود (**) (¬4). * * * ¬

_ (*) أخرجه مسلم. (**) وأخرجه النَّسائي أيضًا، ورجاله على شرط مسلم كما قيل، والصوابُ أن يُقال: إسنادُه لا بأسَ به. (¬1) أي: فاسدهما بكثرة دمع أو حمرة أو غير ذلك. (¬2) أي: دقيقهما، والحُموشة: الدقة. (¬3) رواه مسلم (1496). (¬4) رواه أبو داود (2255).

12 - باب لحاق النسب

12 - باب لِحَاق النَّسَب 1076 - عن عائشةَ أمِّ المؤمنين -رضي اللَّه عنها- قالت: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دخل عليَّ مسرورًا، تَبْرُقُ أساريرُ وجهِه، فقال: ألم تَرَي أن مُجزِّزًا نظرَ آنفًا إلى زيدِ بنِ حارثةَ وأسامةَ بنِ زيدٍ فقال: إن بعضَ هذه الأقدامِ لَمِنْ بعضٍ. متفق عليه (¬1). 1077 - وروى أبو داود من حديث الثَّوري، عن صالح الهَمْدَاني، عن الشَّعبي، عن عبد خيرٍ، عن زيد بن أرقم قال: أُتِي عليٌّ -رضي اللَّه عنه- بثلاثةٍ -وهو باليمن- وقعوا على امرأةٍ في طُهرٍ واحدٍ، فسأل اثنين: أتُقِرَّانِ بهذا الولد؟ (¬2) قالا: لا، حتى سألهم جميعًا، فجعل كلما سأل اثنين قالا: لا، فأَقرَعَ بينهم، فأَلحقَ الولدَ بالذي صارت عليه القُرعةُ، وجعل عليه ثُلثَي الدِّية. ¬

_ (¬1) رواه البخاري (3362)، ومسلم (1459). (¬2) في الهامش: "لهذا بالولد"، وأشار بـ (خ).

قال: فذُكر ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فضحك حتى بَدَتْ نواجذُه (*) (¬1). وقد روي نحو هذا عن شعبةَ، عن سَلَمةَ، سمع الشَّعبي، عن الخليل، أو: ابن الخليل (¬2). وقيل: هو مجهول. ورواه أبو داود عن الأَجلَح، عن الشَّعبي، عن عبد اللَّه بن الخليل، عن زيد بن أرقم (¬3)؛ وربما عُلِّلَ بذلك. ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث الأَجلَح، عن الشَّعبي، عن عبد اللَّه بن الخليل (**)، عن زيد بن أرقم. وقال في آخر كلامه على الحديث: فهذا الحديثُ إذًا صحيحٌ، ولم يخرجاه (...) (¬4). ¬

_ (*) وهو عند النَّسائي وابن ماجه أيضًا بهذا السند، وصحَّحه ابنُ حزم وعبدُ الحقِّ، وابنُ القطَّان وأطال الكلامَ فيه. قال الخلال: أخبرنا أحمد بن محمد الورَّاق، ثنا محمد بن حاتم بن نعيم، ثنا علي بن سعيد قال: سألتُ أحمدَ عن حديث عليٍّ في الثلاثة وقعوا على امرأةٍ، فأقرعَ بينهم؟ قال: هذا حديثٌ مُنكَرٌ، لا أدري ما هذا. (**) عبد اللَّه بن الخليل ذكره ابن حبَّان في "الثقات". (...) وقال ابن المَديني: هذا حديثٌ كُوفيٌّ، وإسنادُه صالح. (¬1) رواه أبو داود (2270). (¬2) رواه أبو داود (2271). (¬3) رواه أبو داود (2269). (¬4) رواه الحاكم (2829).

13 - باب العدد

13 - باب العِدَد 1078 - عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ اختَلعَتْ منه، فجعلَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عدَّتَها حَيضةً. أخرجه أبو داود، ثم الحاكم في "المستدرك" من حديث هشام بن يوسف، عن مَعمَر وقال: هذا حديث صحيح الإسناد؛ غيرَ أن عبدَ الرزاق أَرسلَه عن مَعمَر (*) (¬1). 1079 - وعن عمرو بن العاص قال: لا تَلبِسُوا (¬2) علينا سُنَّةَ نبيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم-: ¬

_ (*) ورواه التِّرْمِذي وقال: حديث حسن غريب، وهو من رواية عمرو بن مسلم الجَنَدي، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقد قال ابن مَعين: عمرو ليس بالقوي، وقال أحمد: ضعيفٌ، وقال مرةً: ليس بذاك. وقال ابن عدي: ليس له حديثٌ منكَرٌ جدًا فأَذكرُه، وروى له مسلم في "صحيحه" حديثا واحدًا. وقال ابن حزم: عمرو ليس بشيءٍ، ورد هذا الحديثُ لأجله. وقال صاحب "المُغنِي" في الجواب عن هذا الحديث: وحديثُهم يَرويه عكرمةُ مُرسَلًا. قال أبو بكر: هو ضعيفٌ مُرسَلٌ. وروى أبو داود عن ابن عمر قال: عِدَّةُ المُختلِعَة حَيضةٌ. قال أبو داود: ثنا القَعْنَبِي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: عِدَّةُ المُختلِعة عِدَّةُ المُطلَّقة. قال أبو داود: عندنا على هذا هو. (¬1) رواه أبو داود (2229)، والحاكم (2825). (¬2) أي: تخلِطوا.

عِدَّةُ المُتوفَّى عنها زوجُها (*) أربعةُ أشهرٍ وعشرًا، يعني: أمَّ الولد. أخرجه أبو داود (¬1). وعند الحاكم: لا تَلبِسُوا علينا سُنَّةَ نبيِّنا محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-: في أمِّ الولد إذا تُوفِّي عنها سيدُها أربعةُ أشهرٍ وعشرٌ. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخَين، ولم يخرجاه (**) (¬2). 1080 - وعن الشَّعبي، عن فاطمةَ بنتِ قيسٍ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في المُطلَّقة ثلاثًا قال: "ليس لها سُكنَى ولا نفقةَ" (¬3). وفي رواية هشام، عن أبيه، عن فاطمةَ بنتِ قيس قالت: قلت: يا رسولَ اللَّه! زوجي طلَّقَني ثلاثًا، وأخافُ أن يُقتَحَمَ عليَّ (¬4)، فأمرَها فتحوَّلَتْ (¬5). 1081 - وعن ابن جُرَيج قال: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابرَ بنَ عبد اللَّه يقول: طُلِّقَتْ خالتي، فأرادَتْ أن تَجُدَّ (¬6) نخلَها، فزجرَها رجلٌ أن ¬

_ (*) قوله: "زوجها" مقحم لا حاجة إليه. (**) قال الدَّارَقُطْني: فيه إرسالٌ؛ لأن قَبيصة بن ذُؤيب لم يسمع من عمرو بن العاص شيئًا، وفيه نظرٌ. (¬1) رواه أبو داود (2308). (¬2) رواه الحاكم (2836). (¬3) رواه مسلم (1480). (¬4) أي: يدخل عليَّ سارقٌ ونحوه. (¬5) رواه مسلم (1482). (¬6) أي: تقطع.

تَخرجَ، فأتَتِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "بلى، فجُدِّي نخلَك؛ فإنكِ عسى أن تَصدَّقِي أو تفعلِي معروفًا" (¬1). أخرجها ثلاثتَها مسلم. 1082 - وعنده من حديث أمِّ سَلَمة قالت: إن سُبَيعةَ الأَسلَميةَ نُفِسَتْ بعدَ وفاة زوجِها بليالٍ، وإنها ذَكرَتْ ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرَها أن تتزوَّجَ (¬2). وفي الحديث قصةٌ لم أذكرْها. 1083 - وعند ابن ماجه من حديث المِسْوَر بن مَخرَمة: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمرَ سُبَيعةَ أن تَنكِحَ إذا تعلَّتْ (¬3) من نفاسِها (*) (¬4). 1084 - وروى مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرَة، عن عمَّتِه زينبَ بنتِ كعبِ بنِ عُجْرَةَ: أن الفُرَيعةَ بنتَ مالكِ بنِ سِنَانٍ -وهي أختُ أبي سعيد الخُدْري- أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تسألُه أن ترجعَ إلى أهلها في بني خُدْرَة، وإن زوجَها خرج في طلب أَعبُدٍ له أَبَقُوا (¬5)، حتى إذا كان بطرفِ القَدُوم (**) لحقَهم فقتلُوه. ¬

_ (*) وإسناده صحيح، وهو عند البُخاري بلفظ الذي قبلَه. (**) قال ابن حبَّان: القَدُوم: موضع بالحجاز، وهو الموضع الذي رُوي في بعض الأخبار أن إبراهيمَ اختَتنَ بالقَدُوم. (¬1) رواه مسلم (1483). (¬2) رواه مسلم (1485). (¬3) أي: طهرت. (¬4) رواه ابن ماجه (2029)، وكذا البخاري (5014) نحوه. (¬5) أي: هربوا.

قالت: فسألتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن أَرجعَ إلى أهلي في بني خُدرة (*)؛ فإني لم يَترُكْني في مسكنِ يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم". قالت: فخرجتُ حتى إذا كنتُ في الحُجرة، أو: في المسجد دعاني، أو: أَمر بي فدُعيتُ له، فقال: "كيف قلتِ؟ " فرَدَدتُ عليه القصةَ التي ذكرتُ من شأن زوجي، قالت: فقال: "امكُثِي في بيتك حتى يَبلُغَ الكتابُ أجلَه". قالت: فاعتددتُ فيه أربعةَ أشهر وعشرًا، قالت: فلما كان عثمانُ بنُ عفَّانَ أَرسلَ إلَيَّ فسألَني عن ذلك، فأَخبرتُه، فاتَّبعَه وقضَى به. أخرجه أبو داود (**) (¬1)، ثم الحاكم من وجهَينِ، وذكر أنه صحيحُ الإسناد من ¬

_ (*) اختلف الناس في المتوفى عنها زوجها: هل يجب عليها الاعتداد في منزلها؟ فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وجوب ذلك، قال مالك: عن حميد بن قيس، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء، يمنعهن من الحج، وقال مالك أيضًا: عن نافع، عن ابن عمر: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها، وقال ابن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافع: أن عبد اللَّه ابن عمر اشتكى فؤاده، فأتته ابنته وهي في عدتها وتوفي عنها زوجها، وأرادت أن تبيت، فردها وكره أن تبيت عنده. (**) والتِّرْمِذي وقال: حسن صحيح، والنسائي وابن ماجه، وقال ابن حزم: زينبُ هذه مجهولةٌ، لم يَروِ حديثَها غيرُ سعد بن إسحاق بن كعب، وهو غيرُ مشهورٍ بالعدالة، وقال ابن عبد البَرِّ في هذا الحديث: مشهورٌ معروفٌ عند علماء الحجاز والعراق، وقال ابن القطَّان: الحديثُ صحيحٌ؛ فإن سعدَ بنَ إسحاقَ ثقةٌ، وممن وثَّقه النَّسائي، وزينبُ كذلك ثقةٌ، وفي تصحيح التِّرْمِذي إياه توثيقُها وتوثيقُ سعد، ولا يضرُّ الثقةَ أن لا يَروي عنه إلا واحدٌ. انتهى كلامه، وقد وثَّق أيضًا سعدًا ابنُ مَعين والدَّارَقُطْني وابن حبَّان. (¬1) رواه أبو داود (2300)، والترمذي (1204).

الوجهَين جميعًا، وحكى عن محمد بن يحيى الذُّهلي أنه قال: حديث صحيح (¬1). وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي خالد الأحمر، عن سعد. وفيه: فجاء نَعيُ زوجي وأنا في دارٍ من دورِ الأنصار شاسعةٍ عن دار أهلي. وفيه: "امكُثي في بيتك الذي جاء فيه نعيُ زوجِك حتى يَبلُغَ الكتابُ أجلَه" (¬2). 1085 - وعن أمِّ عطيةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُحدُّ امرأةٌ على ميتٍ فوقَ ثلاثٍ؛ إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشرًا، ولا تَلبَسُ ثوبًا مصبوغًا؛ إلا ثوبَ عَصْبٍ (¬3)، ولا تَكتحلُ، ولا تَمَسُّ طِيبًا؛ إلا إذا طَهُرَتْ نبُذَةً (¬4) من قُسطٍ أو أظفارٍ (¬5) ". أخرجه مسلم (¬6). 1086 - وعن أمِّ سَلَمةَ زوجِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "المُتوفَّى عنها لا تَلبَسُ المُعصفَرَ من الثياب، ولا المُمشَّقة (¬7)، ولا الحليَّ، ولا تَختضبُ ولا تَكتحلُ". أخرجه أبو داود (¬8). * * * ¬

_ (¬1) رواه الحاكم (2832 - 2833). (¬2) رواه ابن ماجه (2031). (¬3) ضربٌ من بُرود اليمن. (¬4) أي: قطعة. (¬5) نوعان من البخور. (¬6) رواه مسلم (938)، وكذا البخاري (5028). (¬7) أي: المصبوغة بالطين الأحمر. (¬8) رواه أبو داود (2304).

14 - باب الرضاع

14 - باب الرَّضَاع 1087 - عن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُحرِّمُ المَصَّةُ والمَصَّتانِ" (¬1). 1088 - وعن أمِّ الفضل: أن رجلًا من بني عامر بن صعصعة قال: يا نبيَّ اللَّه! هل تُحرِّمُ الرَّضعةُ الواحدةُ؟ قال: "لا" (*) (¬2). 1089 - وعند ابن حبَّان من حديث أمِّ سَلَمةَ قال: "لا يُحرِّمُ من الرَّضاع إلا ما فتقَ الأمعاءَ (¬3) " (**) (¬4). ¬

_ (*) أخرجهما مسلم. (**) قال ابن حبَّان: أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن موسى، ثنا أبو كامل الجَحْدَري، ثنا أبو عَوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أُمِّ سَلَمةَ، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُحرِّمُ من الرَّضاع إلا ما فَتَقَ الأمعاءَ". قال ابن حبَّان: أنبأ أبو يَعلَى، ثنا شُرَيح بن يونس، ثنا أبو معاوية، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن حجاج بن حجاج، عن أبيه قال: قلت: يا رسولَ اللَّه! ما يُذهبُ عني مَذمَّةَ الرَّضاعِ؟ قال: "غُرَّةُ عبدٍ أو أَمَةٍ". (¬1) رواه مسلم (1450). (¬2) رواه مسلم (1451). (¬3) أي: شق أمعاء الصبي كالطعام، ووقع منه موقع الغذاء. (¬4) رواه ابن حبان (4224).

1090 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- أنها قالت: كان فيما أُنزل من القرآن: عشرُ رَضَعاتٍ معلوماتٍ يُحرِّمْنَ، ثم نُسِخْنَ بخمسٍ معلوماتٍ، فتُوفِّي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي فيما يُقرَأ من القرآن (*) (¬1). 1091 - وعن ابن أبي مُلَيكة: أن القاسم بن محمد بن أبي بكر، أخبره أن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-، أخبرته: أن سَهلةَ بنتَ سُهَيلِ بنِ عمرٍو جاءتْ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسولَ اللَّه! إن لسالمٍ مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يَبلُغُ الرجالُ، وعلم ما يَعلَمُ الرجالُ، قال: "أَرضِعِيه تَحرُمِي عليه" (¬2). أخرجهما مسلم. 1092 - وعن مسروق قال: قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: دخل عليَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعندي رجلٌ، فاشتدَّ ذلك عليه، ورأيتُ الغضبَ في وجهه، قالت: فقلت: يا رسولَ اللَّه! إنه أخي من الرَّضاعة، قالت: فقال: "انظُرْنَ إخوتَكنَّ من الرَّضاعة؛ فإنما الرَّضاعةُ ¬

_ (*) حديث عائشة: رواه ابن حبَّان في "الأنواع" من رواية ابن الزبير، عن عائشة، ومن رواية ابن الزبير، عن أبيه مرفوعًا، ومن رواية ابن الزبير، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وقال: لست أُنكر أن يكونَ ابنُ الزبير سمع هذا الخبرَ من النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسمعه من أبيه وخالته عائشةَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمرةً أدَّى ما سمع، ومرةً رَوى عنهما، وهذا شيءٌ مستفيضٌ في الصحابة. (¬1) رواه مسلم (1452). (¬2) رواه مسلم (1453).

من المَجَاعة (¬1) " (*) (¬2). 1093 - وروى مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ أنها قالت: جاء عمِّي من الرَّضاعة فاستأذَنَ عليَّ، فأَبَيتُ أن آذَنَ له حتى أسألَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاء رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألتُه عن ذلك، فقال: "إنه عمُّكِ؛ فَأذَنِي له"، قالت: فقلت: يا رسولَ اللَّه! إنما أَرضعَتْني المرأةُ ولم يُرضِعْني الرجلُ، قالت: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنه عمُّكِ فَلْيَلِجْ عليك" (**) (¬3). 1094 - وفي حديث لأبي أُمامةَ الباهِلي -رضي اللَّه عنه-: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بينا أنا نائمٌ إذ أتاني، يعني: رجلان، فأخذا بضَبْعَي (¬4) "، الحديث. وفيه: "ثم انطلق فإذا بنساءٍ ينهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الحيَّاتُ، فقلت: ما بالُ هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللاتي يَمنَعْنَ أولادَهنَّ ألبانَهنَّ"، الحديث. أخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (¬5). * * * ¬

_ (*) متفق عليه. (**) وهو متفق عليه بنحوه. (¬1) أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، وتحل بها الخلوة، هي: حيث يكون الرضيع طفلًا يسدُّ اللبن جوعته. (¬2) رواه البخاري (2504)، ومسلم (1455). (¬3) رواه البخاري (4941)، ومسلم (1445). (¬4) أي: عضدَيَّ. (¬5) رواه الحاكم (2837).

15 - باب النفقات

15 - باب النفقات 1095 - وقد تقدَّم في خُطبة النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ولهنَّ عليكم رزقُهنَّ وكسوتُهنَّ بالمعروف" (¬1). 1096 - وعن طارق بن عبد اللَّه المُحاربي قال: دخلْنا المدينةَ فإذا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قائمٌ على المِنبر يَخطُبُ الناسَ، وهو يقول: "يا أيُّها الناسُ! يدُ المُعطِي العليا، وابدَأْ بِمَن تَعُولُ؛ أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، ثم أدناك أدناك" (*) (¬2). 1097 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "للملوكِ طعامُه وكسوتُه، ولا يُكلَّفُ من العمل إلا ما يُطيق". أخرجه مسلم (¬3). ¬

_ (*) أخرجه النَّسائي وابن حبَّان، ورجاله ثقات، وألزم الدَّارَقُطْنيُّ الشيخَين بإخراجه. (¬1) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-. (¬2) رواه النسائي (2532). (¬3) رواه مسلم (1662).

1098 - وفي حديث آخر عنه: "وابدَأْ بِمَن تَعُولُ، تقول المرأةُ: إما أن تُطعمَني وإما أن تُطلِّقَني" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (5040).

16 - باب الحضانة

16 - باب الحَضَانة 1099 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه عبد اللَّه بن عمرو: أن امرأةً قالت: يا رسولَ اللَّه! إن ابني هذا كان بطني له وِعَاءً، وثَديِي له سِقَاءً، وحِجْري له حِوَاءً (¬1)، وإنَّ أباه طلَّقَني وأراد أن ينتزعه مني؟ فقال لها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ أحقُّ؛ ما لم تَنكِحِي". أخرجه أبو داود (*) (¬2). 1100 - وروى ابن أبي شَيبة في "مسنده" من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرةَ قال؛ جاءتِ امرأةٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد طلَّقَها زوجُها، فأراد أن يأخذَ ابنَها، قال: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استَهِمَا فيه"، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- للغلام: "تخيَّرْ أيُّهما شئتَ"، فاختار أمَّه، فذهبَتْ به. حكاه أبو الحسن بن القطَّان عن أبي بكر (¬3). ¬

_ (*) وهو صحيح الإسناد، رواه الحاكم وصحَّحه. (¬1) أي: مكان يحويه ويحفظه. (¬2) رواه أبو داود (2276). (¬3) انظر: "بيان الوهم والإيهام" (5/ 208). والحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (19121).

وأخرجه أبو داود في قصة طويلة من حديث أبي ميمونة سُلمى، وفيه: "استَهِمَا عليه"، فقال زوجُها: مَن يُحاقُّنِي (¬1) في ولدي؟ فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا أبوك وهذه أمُّك، فخُذْ بيدِ أيِّهما شئتَ"، فأخذ بيدِ أمِّه، فانطلقَتْ به (*) (¬2). * * * ¬

_ (*) وأخرجه النَّسائي أيضًا بطوله، ورواه التِّرْمِذي مختصرًا قصة التخيير فقط، وقال: حسن صحيح، وأبو ميمونة: اسمه سليم. وكذلك قال غيره في اسمه، وقيل: اسمه سلمان. وقيل غير ذلك، وقد وثَّقه جماعة منهم أبو حاتم والنَّسائي. (¬1) أي: ينازعني. (¬2) رواه أبو داود (2277).

[12] كتاب الجراح

[12] كتاب الجراح

[12] كتاب الجراح 1101 - عن عبد اللَّه (*) -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلم يَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وأني رسولُ اللَّه إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفسِ، والتاركُ لدِينِه المُفارِقُ للجماعة". لفظ مسلم، وهو متفق عليه (¬1). وفي لفظ عند البُخاري: "والمارِقُ من الدِّينِ التاركُ للجماعة" (¬2). وفي لفظ عند مسلم: "التاركُ الإسلام" (¬3). وفي حديث عند النَّسائي: "زانٍ مُحصَنٌ". وفيه: "لا يحلّ قتلُ مسلمٍ إلا في إحدى ثلاثِ خِصَالٍ: رجلٍ يَقتلُ مسلمًا متعمِّدًا، ورجلٍ يخرج من الإسلام فيُحاربُ اللَّه ورسولَه، فيُقتَلَ أو يُصلَبَ أو يُنفَى من الأرض" (¬4). ¬

_ (*) هو ابن مسعود. (¬1) رواه البخاري (6484)، ومسلم (1676). (¬2) رواه البخاري (6484)، وهي رواية غير أبي ذر عن الكشميهني؛ كما في "الفتح" (12/ 201). (¬3) رواه مسلم (1676). (¬4) رواه النسائي (4048).

1102 - وعن أبي جُحَيفة -رضي اللَّه عنه- قال: قلت لعليٍّ: هل عندَكم شيءٌ من الوحي إلا ما في كتاب اللَّه؟ قال: لا، والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ! ما أَعلمُه إلا فهمٌ يُعطيه اللَّهُ رجلًا في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العَقْلُ وفكاكُ الأسير، وأن لا يُقتَلَ مسلمٌ بكافرٍ. لفظ رواية البُخاري (¬1). وعند النَّسائي: سألْنا عليًّا فقلنا: هل عندكم من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شيءٌ سوى القرآن؟ الحديث (¬2). 1103 - وعن قيس بن عُبَاد قال: انطلقتُ أنا والأشترُ إلى عليٍّ، فقلنا: هل عَهِدَ إليك نبيُّ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا يَعهَدْه إلى الناس عامةً؟ قال: لا، إلا ما كان في كتابي هذا، وأخرج كتابًا من قِرَابِ سيفِه (¬3)، فإذا فيه: "المؤمنون تَكَافَأُ دماؤُهم، وهم يدٌ على مَن سواهم، ويَسعَى بذِمَّتِهم أدناهم، ألا لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ بعهدِه، ومَن أَحدَثَ فعلى نفسِه، أو آوى مُحدِثًا فعليه لعنةُ اللَّهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين". لفظ رواية النَّسائي (¬4). وأخرجه أبو داود، وعنده: "ولا ذو عهدٍ في عهدِه" (*) (¬5). ¬

_ (*) ورجاله على شرط الصحيحين. (¬1) رواه البخاري (2882). (¬2) رواه النسائي (4744). (¬3) القِراب: وعاء من جلد يضع فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه. (¬4) رواه النسائي (4734). (¬5) رواه أبو داود (4530).

1104 - وعن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- في قصة: لولا أني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يُقَادُ الأبُ من ابنه" لَقتلتُك، هَلُمَّ دِيَتَه، فأتاه بها، فدفعَها إلى وَرَثته وتركَ أباه. قال البَيْهَقي في إسناده: وهذا إسناد صحيح (*) (¬1). 1105 - وثبت: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في قصة السِّنِّ قال: "كتابُ اللَّهِ القِصَاصُ" (¬2). 1106 - وروى الحسن، عن سَمُرةَ بنِ جُندُب: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن قتلَ عبدَه قتَلْناه، ومَن جدَعَه جدَعْنَاه، ومَن خصَاه خصَيْنَاه" (**) (¬3). ¬

_ (*) قال البَيْهَقي: أخبرناه ابن مَحْمِش من أصله، أنبأ علي بن إبراهيم بن معاوية، حدثني محمد بن مسلم بن وارَة، حدثني محمد بن سعيد بن سابق، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن منصور؛ يعني: ابن المُعتمِر، عن محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن عمر. وهو حديثٌ غريبٌ ضيقُ المَخرَج، ولا يُعرَف لمنصور روايةٌ عن ابن عجلان، وابن عجلان: ليس بذاك الثَّبْت، وعمرو بن شعيب: قد عُرف الكلامُ فيه، وأما عمرو بن قيس: فهو الرازي، وله أوهامٌ، ولم يحتجَّ به البُخاري ومسلم في كتابَيهما. وقال شيخنا أبو الحجاج: إسناده حسن. (**) أخرجه الأربعة، وقال: التِّرْمِذي: حسن غريب. (¬1) رواه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (4830). (¬2) رواه البخاري (2556)، من حديث أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-. (¬3) رواه أبو داود (4515)، والنسائي (4736)، والترمذي (1414)، وابن ماجه (2663).

والإسنادُ إلى الحسن صحيحٌ، فمَن يَحمِلْ روايتَه عن سَمُرَةَ على السماع مطلقًا ويَقبَلْها لزمَه قَبُولُه؛ إلا لِمُعارِضٍ صحيحٍ. وفي رواية: إن الحسنَ نسَيَ هذا الحديثَ، فكان يقول: لا يُقتَلُ حرٌّ بعبدٍ (¬1). 1107 - وعن أنس بن مالك: أن جاريةَ وُجد رأسُها قد رُضَّ بين حَجَرَينِ، فسألوها: مَن صنعَ هذا بك؟ فلانٌ؟ فلانٌ؟ حتى ذكروا يهوديًا، فأَومَاتْ برأسها، فأُخذ اليهوديُّ فأَقرَّ، فأَمَرَ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُرَضَّ رأسُه بالحجارة (*) (¬2). 1108 - وعن ابن المسيِّب وأبي سَلَمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرةَ قال: اقتتلَتِ امرأتانِ من هُذَيل، فرَمَتْ إحداهما الأخرى بحجر فقتلَتْها وما في بطنها، فاختَصمُوا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن دِيَةَ جنييها غُرَّةُ (¬3) عبدٍ أو وليدةٍ، وقضَى بدِيَةِ المرأةِ على عاقلتِها، فورثَها ولدُها ومَن معهم، الحديث (¬4). 1109 - وفي حديث المغيرة بن شعبة: ضربَتِ امرأةٌ ضَرَّتَها بعمودِ فُسطاطٍ وهي حُبْلَى، فقتلَتْها، قال: وإحداهما لَحْيَانية، قال: فجعل ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه أبو داود (4517). (¬2) رواه البخاري (2282)، ومسلم (1672). (¬3) الغرَّة: اسم للإنسان المملوك، ويطلق على كلٍّ من العبد والأَمَة. (¬4) رواه البخاري (6512)، ومسلم (1681).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- دِيَةَ المقتولةِ على عَصَبةِ القاتلةِ، وغُرَّةً لِمَا في بطنها، الحديث. وفي رواية: قَتَلَتْ. وفي رواية: فأَسقَطَتْ، فرُفع ذلك إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقضَى فيه بغُرَّةٍ وجعلَه على أولياء المرأة. أخرجها مسلم (¬1). 1110 - وروى أبو داود من حديث محمد، هو ابن عمرو، عن أبي سَلَمة، عن أبي هريرةَ قال: قضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجنين بغُرَّةِ عبدٍ أو أَمَةٍ، أو فرسٍ أو بغلٍ (*) (¬2). 1111 - وعن عِمران بن حُصَين: أن غلامًا لأُناسٍ فقراءَ قطعَ أُذنَ غلامٍ لأُناسٍ أغنياءَ، فأتَى أهلُه النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقالوا: يا رسولَ اللَّه! إنَّا أُناسٌ فقراءُ، فلم يَجعلْ عليه شيئًا. أخرجه أبو داود (¬3). ¬

_ (*) هكذا رواه عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، ورواه حَمَّاد بن سَلَمة وخالد ابن عبد اللَّه، عن محمد، فما ذكرا فرسًا ولا بغلًا، ولا رواه الزُّهري عن أبي سَلَمة بهذه الزيادة. ومحمد بن عمرو: رَوى عنه شعبة ومالك، ووثَّقه جماعةٌ، وتُكلِّم فيه مِن قِبَلِ حفظِه، قال أبو حاتم: يُكتَب حديثُه، وقال (س) وغيره: ليس به بأسٌ. وقال ابن حِبَّان: كان يُخطئ، وهو ثقةٌ، وقد رَوى له البُخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات، والتِّرْمِذي يُحسِّن حديثَه، واللَّه أعلم. (¬1) رواه مسلم (1682). (¬2) رواه أبو داود (4579)، والترمذي (1410). (¬3) رواه أبو داود (4590).

وعند النَّسائي فيه: فأَتَوا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يَجعلْ لهم شيئًا (*) (¬1). وعند الطحاوي في رواية له: فلم يَجعلْ بينهما قِصاصًا (¬2). 1112 - وعن محمد بن طلحة قال: طُعِنَ رجلٌ بقَرْنٍ في رِجلِه، فأتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: أَقِدْنِي، فقال: "انتظِرْ"، فعاد إليه فقال: "انتظِرْ"، فعاد إليه، فقال: "انتظِرْ"، فعاد إليه فأقادَه، فبَرِئ المُستقَادُ منه، وشَلَّتْ رِجلُ الآخر. فأتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! بَرِئَتْ رِجلُه، وشَلَّتْ رِجلي، فقال له: "قد قلتُ لك: انتظِرْ"، ولم يَرَ له شيئًا. لفظ رواية الشافعي عند البَيْهَقي (¬3)، وهو مُرسَلٌ. ورواه أبو بكر وعثمان ابنا أبي شَيبة، عن ابن عُليَّة، عن أيوب، عن عمرو، عن جابر (¬4)، فوصَلَاه كذلك، وهما من رجال "الصحيحين"، وأبو بكر من كبار الحُفاظ، ولكن الدَّارَقُطْني خطَّاهما فيه (**) (¬5). ¬

_ (*) وإسناده على شرط مسلم. (**) قال: رواه أحمد بن حنبل وغيره عن ابن عُليَّةَ مُرسَلًا، وهو المحفوظ، وقد رواه الدَّارَقُطْني أيضًا عن ابن جُرَيج من حديث محمد بن حمران، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، بنحوه، ومحمد بن حمران: صَدُوقٌ تُكلِّم فيه مِن قِبَلِ حفظِه، قال ابن عدي: له أفرادٌ وغرائبُ، وما أَرَى به بأسًا. (¬1) رواه النسائي (4751). (¬2) رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (15/ 122). (¬3) رواه البيهقي في "معرفة السنن الآثار" (4867). (¬4) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (27784). (¬5) انظر: "سنن الدارقطني" (3/ 89).

1 - باب الديات

1 - باب الدِّيَات 1113 - روى مالك عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه: أن الكتابَ الذي كتبَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمرو بن حزم في العُقُول: "إن في النفسِ مئةً من الإبل، وفي الأنفِ إذا أُوعِيَ (¬1) جدعًا (¬2) مئةٌ من الإبل، وفي المأمومةِ (¬3) ثلثُ النفس، وفي الجائفةِ (¬4) ثلثُها، وفي العينِ خمسون من الأبل، وفي اليدِ خمسون من الإبل، وفي الرِّجل خمسون من الإبل، وفي كلِّ أصبعٍ مما هنالك عشرٌ من الإبل، وفي السِّنِّ خمسٌ من الإبل، وفي المُوضِحَةِ (¬5) خمسٌ من الإبل" (¬6). ¬

_ (¬1) في الهامش: "أوعب"، وعليها إشارة (خ). (¬2) أي: استؤصل جميعه قطعًا. (¬3) أي: الشجَّة التي تصل إلى جلد الدماغ. (¬4) الطعنة التي تبلغ جوف الرأس أو البطن. (¬5) هي الشجة التي توضح العظم؛ أي: تظهره. (¬6) رواه النسائي (4857).

هذا لفظ رواية أبي مصعب، والحديثُ هكذا مُرسَلٌ (*). 1114 - وعن عمرو بن شعيب: أن أباه حدثه عن عبد اللَّه بن عمرو قال: لما افتتحَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مكةَ قال في خطبته: "في الأصابعِ عشرٌ، عشرٌ". لفظ رواية النَّسائي (¬1). وبهذا اللفظ عنده (¬2): "وفي المَوَاضح خمسٌ، خمسٌ" (¬3). 1115 - وروى يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود (**) قال: ¬

_ (*) قال يعقوب بن سفيان: لا أَعلم في جميع الكتب كتابًا أصحَّ من كتاب عمرو بن حزم، كان أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والتابعون يَرجعون إليه ويَدَعُون آراءَهم. (**) الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين، سليمان راوي هذا الحديث الطويل: اختلفوا فيه؛ فقيل: هو سليمان بن أرقم، وقيل: سليمان بن داود الخَولاني، وقد رَوى الحديثَ بطوله الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل، وأبو داود في "المرَاسيل" عن الحكم بن موسى، عن يحيى ابن حمزة. وقال أبو داود: وهذا وهمٌ من الحكم، يعني قوله: ابن داود، وإنما هو سليمان ابن أرقم، وهو متروكٌ. ورواه النَّسَائي عن عمرو بن منصور، عن الحكم بن موسى به، وعن الهيثم بن مروان بن الهيثم بن عمران، عن محمد بن بكار بن بلال، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم، وقال: هذا أشبهُ بالصواب، وسليمان بن أرقم: متروكُ الحديث. = (¬1) رواه النسائي (4843)، وأبو داود (4562). (¬2) في الهامش: "وبهذه الرواية عنده"، وفوقها إشارة (خ). (¬3) رواه النسائي (4852)، وأبو داود (4566)، والترمذي (1390)، وابن ماجه (2655).

. . . . . . . . . . . === = وقال أبو حاتم الرازي: سليمانُ لا بأسَ به، يقال: إنه سليمان بن أرقم، فاللَّه أعلم. وقال أبو الحسن بن البراء، عن عليِّ بنِ المَديني: مُنكَرُ الحديثِ، وضعَّفَه. وقال أبو يَعلَى المَوصلي، عن يحيى بن مَعين: ليس بمعروفٍ، وليس يصحُّ هذا الحديثُ. وقال أبو بكر بن أبي خَيْثَمة وعثمان بن سعيد الدَّارِمي، عن يحيى بن مَعين: ليس بشيءٍ. قال عثمان: أرجو أنه ليس كما قال يحيى؛ فإن يحيى بن حمزة أصحيحٌ هو؟ رَوى عنه أحاديثَ حِسَانًا، كأنها مستقيمةٌ. وقال البَغَوي: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل، وسُئل عن حديث الصدقات الذي يرويه يحيى بن حمزة، أصحيح هو؟ فقال: أرجو أن يكون صحيحًا، يعني: حديث الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن سليمان بن داود، عن الزُّهري، وقال أبو الحسن الهَرَوي: الحديث في أصل يحيى بن حمزة، عن سليمان بن أرقم، غلطَ عليه الحكمُ. وقال أبو زُرعةَ الدمشقي: الصواب: سليمان بن أرقم. وقال ابن مَندَه: رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطه، عن سليمان بن أرقم، عن الزُّهري؛ وهو الصواب. وقال صالح جزرة: ثنا دُحَيم قال: نظرتُ في أصل كتاب يحيى حديث عمرو بن حزم في الصدقات، فإذا هو عن سليمان بن أرقم. قال صالح: فكتب هذا الكلامَ عني مسلم بن الحجاج. وقال البَيْهَقي: وقد أثنَى على سليمان بن داود أبو زُرعةَ وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحُفَّاظ ورَأَوا هذا الحديثَ الذي رواه في الصدقات موصولَ الإسناد حسنًا، واللَّه أعلم. وقال الإمام عثمان بن سعيد الدَّارِمي: حدثنا نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن مَعمَر، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كتب لعمرو بن حزم، وساق نعيم الحديثَ بطوله. وقد تقدَّم أن مِن الناس مَن يُثبت هذا الحديثَ لشهرته وتلقِّيه بالقَبُول، وأن ذلك أقوى من الإسناد.

حدثني الزُّهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كتبَ إلى أهلِ اليمَنِ بكتابٍ فيه الفرائضُ والسُّنَنُ والدِّيَاتُ، وبعث به مع عمرو بن حزم، فقُرِئتْ على أهل اليمَن، وهذه نسختُها: "بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمَّدٍ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى شُرَحبيل بن عبد كُلال والحارث بن عبد كُلال ونعيم بن عبد كُلال، قيل: ذي رُعَين ومَعَافر وهَمْدان. أما بعد: فقد رجع رسولُكم وأعطيتُم من المغانم خُمسَ اللَّه وما كتبَه اللَّه على المؤمنين من العُشر في العِقار. وما سَقَتِ السماءُ أو كان سَيحًا (¬1) أو بعلًا ففيه العُشرُ إذا بلغ خمسةَ أَوَسُقٍ. وما سُقي بالرِّشَاءِ أو الدَّالِيةِ ففيه نصفُ العُشرِ إذا بلغ خمسةَ أَوسُقٍ. وفي كلِّ خمسٍ من الإبلِ سائمةٍ شاةٌ إلى أن تَبلُغَ أربعًا وعشرين، فإذا زادت واحدةً على أربعٍ وعشرين ففيها بنتُ مَخَاضٍ، فإن لم تُوجَدْ بنتُ مَخَاضٍ فابنُ لَبُونٍ ذكرٍ إلى أن تَبلُغَ خمسًا وثلاثين، فإذا زادت واحدةً على خمسٍ وثلاثين ففيها ابنةُ لَبُونٍ إلى أن تَبلُغَ خمسًا وأربعين، فإذا زادت واحدةً على خمسٍ وأربعين ففيها حِقَةٌ طَرُوقةُ الجمل إلى أن تَبلُغَ الستين، فإذا زادت على ستين واحدةً ففيها جَذَعَةٌ إلى أن تَبلُغَ خمسةً وسبعين، فإذا زادت على خمسٍ وسبعين واحدةً ففيها ابنتا لَبُونٍ إلى أن تَبلُغَ تسعين، فإذا زادت على ¬

_ (¬1) أي: جاريًا لا يحتاج إلى دالية.

تسعين واحدةً ففيها حِقَّتانِ طَرُوقتا الجمل إلى أن تَبلُغَ عشرين ومئةً، فما زادت ففي كلِّ أربعين بنتُ لَبُونٍ، وفي كلِّ خمسين حِقَّةٌ طَرُوقةُ الجمل. وفي كلِّ ثلاثين باقورةٌ (¬1) تَبِيعٌ جَذَعٌ أو جَذَعَةٌ، وفي كلِّ أربعين باقورةٍ بقرةٌ، وفي كلِّ أربعين شاةٍ سائمةٍ شاةٌ إلى أن تَبلُغَ عشرين ومئةً، فإذا زادت على عشرين ومئةٍ واحدةً ففيها شاتانِ إلى أن تَبلُغَ مئتَينِ، فإذا زادت واحدةً على مئتَينِ فثلاثُ شيَاهٍ إلى أن تَبلُغَ ثلاثَ مئةٍ، فما زاد ففي كلِّ مئةِ شاةٍ شاةٌ. ولا يُؤخَذ في الصدقة هَرِمَةٌ ولا عَجفَاءُ (¬2) ولا ذاتُ عَوَارٍ ولا تَيسُ الغنم. ولا يُجمَع بين مُتفرِّقٍ، ولا يُفرَّق بين مُجتمِعٍ؛ خِيفَةَ الصدقةِ. وما أُخذ من الخليطَينِ فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. وفي كلِّ خمسِ أواقٍ من الوَرِقِ خمسةُ دراهمَ، وما زاد ففي كلِّ أربعينَ درهمًا درهمٌ، وليس فيما دونَ خمسةِ أواقٍ شيءٌ، وفي كلِّ أربعين دينارًا دينارٌ. وإن الصدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لأهلِ بيتِه؛ إنما هي الزكاةُ تُزكَّى بها أنفسُهم في فقراء المؤمنين وفي سبيل اللَّه. وليس في رقيقٍ ولا مزرعةٍ ولا عُمَّالِها شيءٌ إذا كانت تُؤدِّي صدقتَها من العُشر. وليس في عبدِ المسلم ولا فرسِه شيءٌ. ¬

_ (¬1) أهل اليمن يسمون البقرة باقورة. (¬2) أي: هزيلة.

وإن أكبرَ الكبائر عندَ اللَّه يومَ القيامة: الإشراكُ باللَّه، وقتلُ النفسِ المؤمنةِ بغيرِ الحقِّ، والفرارُ في سبيل اللَّه يومَ الزحف، وعقوقُ الوالدَينِ، ورميُ المُحصَنة، وتعلُّمُ السِّحر، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم. وإن العُمرةَ الحَجُّ الأصغرُ. ولا يَمسُّ القرآنَ إلا طاهرٌ. ولا طلاقَ قبلَ إملاكٍ، ولا عتقَ حتى يَبتاعَ. ولا يُصلِّيَنَّ أحدٌ منكم في ثوبٍ واحدٍ ليس على مَنكبَيه منه شيءٌ. ولا يَحتبِيَنَّ (¬1) في ثوبٍ واحدٍ ليس بينه وبين السماء شيءٌ. ولا يُصلّيَنَّ أحدُكم في ثوبٍ واحدٍ وشِقُّه بادٍ. ولا يُصلِّيَنَّ أحدٌ منكم عاقصًا (¬2) شَعرِه. وإن مَن اعتبَطَ (¬3) مؤمنًا قَتلًا عن بيِّنةٍ فهو قَوَدٌ (¬4)؛ إلا أن يَرضَى أولياءُ المقتول، وإن في النفس مئةً من الأبل، وفي الأنفِ إذا أُوعبَ جدعُه (¬5) الدِّيَةُ، وفي اللِّسانِ الدِّيَةُ، والشَّفَتَينِ الدّيَةُ، وفي البيضتَينِ الدِّيَةُ، وفي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وفي الصَّدرِ الدِّيَةُ، وفي العينَينِ الدِّيَةُ، وفي الرِّجلِ الواحدةِ نصفُ ¬

_ (¬1) الاحتباء: أن يقعد الإنسان على أليتيه وينصب ساقيه. (¬2) العقص: أن يشد الشعر ضفيرة حول رأسه كما تفعله النساء، أو يجمع شعره فيعقده في مؤخرة رأسه. (¬3) أي: قَتَل بلا جناية كانت منه. (¬4) أي: فإن القاتل يقاد به ويقتل. (¬5) أي: قطع جميعه.

الدِّيَةِ، وفي المأمومةِ ثلثُ الدِّيَةِ، وفي الجائفةِ ثلثُ الدِّيَةِ، وفي المُنقِّلةِ (¬1) خمسَ عشرةَ من الإبل، وفي كلِّ إصبعٍ من الأصابع من اليدِ والرِّجلِ عشرٌ من الإبل، وفي السِّنِّ خمسٌ من الإبل، وفي المُوضِحَةِ خمسٌ من الإبل، وإن الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمرأة، وعلى أهلِ الذهبِ ألفُ دينارٍ". رواه أبو حاتم بن حبَّان في "صحيحه" وقال: سليمان بن داود هذا هو سليمان بن داود الخَولاني من أهل دمشق ثقةٌ، وسليمان بن داود اليمامي: لا شيءَ، جميعًا يَروِيانِ عن الزُّهري (¬2). 1116 - وعن عقبة بن أوس (*)، عن عبد اللَّه بن عمرو في حديث: "ألا إن دِيَةَ الخطأ شبهِ العمدِ ما كان بالسَّوط والعصا مئةٌ من الإبل، فيها أربعون في بطونِها أولادُها" (**) (¬3). 1117 - وعن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "هذه وهذه سواءٌ"، يعني: الخِنْصِر والإبهام. رواه البُخاري (¬4). ¬

_ (*) قال العجلي: عقبة بن أوس البصري، تابعيٌّ ثقةٌ. (**) أخرجه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه، وفيه قصة، ورجاله ثقات، وقد اختُلف في إسناده؛ فرُوي مُرسَلًا، ورُوي عن عبد اللَّه بن عمر، بدل ابن عمرو، ورُوي عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬1) هي التي تهشم وتزيل العظام عن مواضعها. (¬2) رواه ابن حبان (6559). (¬3) رواه أبو داود (4588)، والنسائي (4793)، وابن ماجه (2627). (¬4) رواه البخاري (6500).

وعند الإسماعيلي في رواية: "دِيَتُهما سواءٌ". وفي أخرى: وأشار إلى الخِنْصِر والإبهام. 1118 - وعن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "دِيَةُ المُعاهَدِ نصفُ دِيَةِ الحرِّ". أخرجه أبو داود وقال: رواه أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب (¬1). قلت: ومحمد بن إسحاق وشيخه عمرو اختُلف في الاحتجاج بهما. 1119 - وعن أبي الزبير، عن جابر قال: كَتبَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على كلِّ بطنٍ عُقُولُه (*) (¬2). 1120 - وعند أبي داود (**): أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الأصابعُ سواءٌ، والأسنان سواءٌ، الثَّنِيَّةُ والضِّرْسُ سواءٌ، هذه وهذه سواءٌ" (...) (¬3) 1121 - وعنده أيضًا قال: جعل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أصابعَ اليدَينِ ¬

_ (*) أخرجه مسلم. (**) من حديث ابن عباس. (...) وإسناده على شرط البخاري. (¬1) رواه أبو داود (4583). (¬2) رواه مسلم (1507)، والعُقُول: الديات. (¬3) رواه أبو داود (4559) من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.

والرِّجلَينِ سواءً (*) (¬1). 1122 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن قتلَ مُتعمِّدًا دُفِعَ إلى أولياء القتيل؛ فإن شاؤوا قتلُوه، وإن شاؤوا أخذُوا الدِّيَةَ، وهو ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون جَذَعَةً، وثلاثون خَلِفَةً (¬2)، وذلك عَقلُ العَمدِ، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديدٌ في العقل". لفظ رواية البَيْهَقي (**) (¬3). وفي رواية بهذا الإسناد: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "عَقلُ شبهِ العمدِ ¬

_ (*) ورجاله ثقات. قال ابن حِبَّان في "الأنواع": أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون، ثنا أبو عمار الحسين بن حُرَيث، ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دِيَةُ اليدَينِ والرِّجلَينِ سواءٌ؛ عشرةٌ من الإبل لكل إصبعٍ". أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببُسْت، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأصابعُ سواءٌ هذه وهذه". (**) وأخرجه التِّرْمِذي أيضًا وقال: حسن غريب، وهو من رواية محمد بن راشد، وقد قال فيه أحمد: ثقةٌ ثقةٌ، وقد تكلَّم فيه بعضُ الأئمَّة عن سليمان بن موسى، وقد وثَّقه جماعةٌ عن عمرو بن شعيب. (¬1) رواه أبو داود (4561)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-. (¬2) هي الحامل من الإبل، وجمعها (مخاض) من غير لفظها. (¬3) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 71).

مُغلَّظةٌ مِثلُ قتلِ العَمدِ، ولا يُقتَلُ صاحبُه، وذلك أن يَنْزُوَا (¬1) الشيطانُ بين الناس فيكونَ رميًا في عِمِّيَّا (¬2)، في غيرِ ضغينةٍ ولا حملِ سلاحٍ" (¬3) (¬4). 1123 - وعن عقبة بن أوس (*)، عن عبد اللَّه بن عمرو: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى أن مَن قُتل خطأً فدِيَتُه مئةٌ من الإبل: ثلاثون بنتَ مَخَاضٍ، وثلاثون بنتَ لَبُونٍ، وثلاثون حِقَّةً، وعشرُ بني لَبُونٍ ذُكُورٍ (¬5). أخرجه أبو داود من حديث محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، وقد وُثِّقَا (**). وزاد النَّسائي في هذا الحديث قال: فكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُقوِّمُها على أهل القرى أربعَ مئةِ دينارٍ أو عِدْلَها من الوَرِقِ، ويُقوِّمُها على أهلِ الإبلِ إذا غلَتْ رفعَ في قيمتها، وإذا هانت نقصَ من قيمتها على نحو الزمان ما كان، فبلغ قيمتُها على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين الأربعِ مئةِ دينارٍ إلى ثمانِ مئةِ دينارٍ، أو عَدْلِها من الوَرِقِ. ¬

_ (*) كذا في الأصل. صوابه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه أيضًا، كذا هو في "سنن أبي داود"، وعند النَّسائي وابن ماجه. (**) وهذا عند أبي داود أيضًا بهذا السند، إلا أنه غيرُ مُتصلٍ بما قبلَه، بل هو حديثٌ مُفرَدٌ. (¬1) النزو: الوثوب والتسرع إلى الشر. (¬2) أي: في حال يعمى أمره فلا يتبين قاتله ولا حال قتله. (¬3) أخرجه أبو داود أيضًا. (ع). (¬4) رواه البيهقي (8/ 70). (¬5) رواه أبو داود (4541)، والنسائي (4801)، وابن ماجه (2630).

قال: وقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن مَن كان عقلُه في البقر على أهل البقر مئتَي بقرةٍ، وأن مَن كان عقلُه في الشاء ألفَي شاةٍ. وقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن العقلَ ميراثٌ بين وَرَثةِ القتيلِ على فرائضِهم، فما فَضَلَ فلِلعَصَبةِ. وقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَعقِلَ المرأةَ عَصَبتُها مَن كانوا، ولا يَرثون منها شيئًا إلا ما فَضَلَ مِن وَرَثتِها، وإن قُتلت فعَقلُها بين وَرَثتِها، وهم يَقتلون قاتلَها (*) (¬1). وسيأتي في حديث القَسَامة: فَدَاه بمئةٍ من إبل الصدقة. 1124 - وعن سَلَمة بن الأكوع -رضي اللَّه عنه- في حديث: فلما تَصَافَّ القومُ كان سيفُ عامر -يعني: ابن الأكوع- فيه قِصَرٌ، فتناول به ساقَ يهوديٍّ ليَضربَه، فرجع ذُبَابُ (¬2) سيفِه فأصاب رُكبةَ عامرٍ، فمات منه. أخرجاه في "الصحيحين" (¬3). * * * ¬

_ (*) محمد بن راشد: قال فيه أبو حاتم أيضًا: كان صَدُوقًا حسنَ الحديث، وقال النَّسَائي: ثقةٌ، وقال ابن مَعين: ثقةً صَدُوقٌ، وكذلك قال غيرُه؛ وإنما ضُعِّفَ بسبب القَدَر، وأمَّا حديثُه فصحيحٌ، كذلك قال ابن عدي وغيره. (¬1) رواه النسائي (4801)، وأبو داود (4564)، وابن ماجه (2630). (¬2) أي: طرف. (¬3) رواه البخاري (3960)، ومسلم (1802).

2 - باب القسامة

2 - باب القَسَامة 1125 - روى يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار، عن سهل بن أبي حَثْمَة -قال يحيى: وحسبتُ قال: وعن رافع بن خَدِيج- قالا: خرج عبد اللَّه بنُ سهلِ بنِ زيدِ ومُحيِّصةُ بنُ مسعودِ بنِ زيدٍ، حتى إذا كانا بخيبرَ تفرَّقا في بعض ما هنالك، ثم إذا مُحيِّصةُ يجدُ عبد اللَّه بنَ سهل قتيلًا، فدفنَه، ثم أقبلَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو وحُوَيِّصةُ بنُ مسعودٍ وعبدُ الرحمن بنُ سهلٍ، وكان أصغرَ القوم، فذهب عبدُ الرحمن ليَتكلَّمَ قبلَ صاحبَيه، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كَبِّرْ، الكُبْرَ فى السِّنِّ". فصمتَ وتكلَّم صاحباه وتكلَّم معهما، فذكروا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَقتَلَ عبد اللَّه بنِ سهل، فقال لهم: "أتَحلِفُون خمسين يمينًا فتَستحقُّون صاحبَكم، أو: قاتلَكم؟ " قالوا: وكيف نَحلفُ ولم نشَهَدْ، قال: "فتبرِّئُكم يهودُ بخمسين يمينًا"، قالوا: وكيف نقَبَلُ أيمانَ قومٍ كفَّارٍ؟ فلما رأى ذلك رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعطَى عقلَه. هذه رواية الليث، عن يحيى عند مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1669).

وفي رواية حَمَّاد بن زيد، عن يحيى بن بشير، عن سهل بن أبي حَثْمَة ورافع بن خَدِيج من غيرِ شكٍّ. وفيه: فتكلَّما في أمر صاحبهما، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يُقسِمُ خمسون منكم على رجل منهم، فيُدفَعُ برُمَّتِه"، قالوا: أمرٌ لم نشَهَدْه، كيف نَحلفُ؟ قال: "فتُبَرِّئُكم يهودُ بأيمانٍ خمسين منهم"، قالوا: يا رسولَ اللَّه! قومٌ كفَّارٌ، الحديث (*) (¬1) (**). ¬

_ (*) وهي متفق عليها. (**) حديث القَسَامة: قال أبو داود: رواه بشر بن المُفضَّل ومالك، عن يحيى بن سعيد، قال فيه: "أتحَلِفوُن خمسين يمينًا وتسَتحقُّون دمَ صاحبِكم، أو: قاتلِكم؟ " ولم يَذكرْ بشرٌ (دمًا)، وقال عدة عن يحيى، كما قال حَمَّاد، يعني: ابن زيد، يعني: أن حَمَّادًا وعدَّة معه، قالوا: إن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُقسِمُ خمسون منكم على رجلٍ منهم، فيُدفَعُ برُمَّتِه". قال أبو داود: رواه ابن عُيَينةَ، عن يحيى، فبدأ بقوله: "تُبَرِّئُكم يهودُ بخمسين يمينًا يَحلفُون"، ولم يَذكرِ الاستحقاقَ. قال أبو داود: وهذا وهمٌ من ابن عُيَينةَ. قال الشافعي: إلا أن ابنَ عُيَينةَ كان لا يُثبت: أقدَّمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصاريين في الأيمان أو يهودَ؟ فيُقال له: في الحديث أنه قدَّمَ الأنصاريين، فيقول: هو ذاك، أو ما أشبه هذا. وقد رواه الشافعي عن ابن عُيَينةَ على الصواب، فبدأ بالأنصار ثم قال: وكان سفيانُ يحدثه هكذا، وربما قال: لا أدري أبدًا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالأنصار في أمر يهود؟ فيُقال له: إن الناسَ يحدثون أنه بدأ بالأنصار، قال: هو ذاك، وربما حدثه ولم يشكَّ. وذكر البَيْهَقي: أن البُخاريَّ ومسلمًا أخرجا هذا الحديثَ من حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد وبشر بن المُفضل، عن يحيى بن سعيد، واتفقوا كلُّهم على البداية بالأنصار. = (¬1) رواه مسلم (1669)، وكذا البخاري (5791).

. . . . . . . . . . . . . === =والرُّمَّة -بضم الراء-: حبلٌ يُشدُّ به الأسيرُ، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا: أخذتُ الشيءَ برُمَّتِه، أي: كلَّه، ثم استُعمل للتسليم للقَوَد، وإن لم يكن هناك حبلٌ. واختَلف الناسُ في أمر القَسَامة: فمذهبُ فقهاء المدينة والشافعي وأحمد أنه يَبدَأ بأيمان المُدَّعِين، فإن حلَفُوا استَحقُّوا، وإن نَكلُوا حلفَ المُدَّعَى عليهم خمسين يمينًا وبَرِئوا، وهذا هو عندهم مقتضى القياس؛ لأن اليمينَ عندَهم يُشرع في جنبه أقوى المُتداعِيَينِ، كما يُشرع في جنبه المُدَّعى إذا قويت بشاهدٍ واحدٍ، وكما يَحلفُ المُدَّعِي إذا نكلَ المُدَّعَى عليه، والمُدَّعُون هنا قد قوي جانبُهم باللوث. ونظيرُ هذا البَداءَةُ في اللِّعان بأيمان الزوج، هذا قول مالك وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزِّناد والليث وأحمد والشافعي. ثم اختَلف هؤلاء في مُوجِب القَسَامة؛ فقال فقهاء المدينة: مُوجبُها القتلُ، وهو ظاهرُ مذهبِ أحمد، وقال الشافعي في ظاهر مذهبه: مُوجِبُها الدِّيَةُ. وذهبت طائفةٌ إلى أنه يُبدَأ بأيمان المُدَّعَى عليهم، فيَحلفُون أولًا، رُوي هذا عن عمر والشَّعبي والنَّخَعي والثوري، وهو قولُ الكوفيِّين. ثم اختَلف هؤلاء؛ فقال الكوفيون: يَحلفُ المُدَّعَى عليهم أولًا، ويُقضَى بالدِّيَةِ على أهل المَحلة التي وُجد فيها القتيلُ، ويُروَى هذا عن عمر. وتوقفت طائفةٌ ثالثةٌ في القَسَامة، منهم: سالم وعمر بن عبد العزيز وأبو قِلَابة والحكم بن عتيبة، وإليه مال البُخاري. وعن عمر بن عبد العزيز رواية أخرى: وجوبُ القَوَد بها، وهو قولُ ابن الزبير والزُّهري وأبي ثَور وقديم قولَي الشافعي. واختَلفوا في القتل بها وباللِّعان على أربعة أقوال: أحدها: القتلُ في الموضعَين، وهو قول مالك. والثاني: عدمُ القتل فيهما، وهو قول أبي حنيفة. والثالث: القتل بالقَسَامة دون اللِّعان، وهو قول أحمد. والرابع: عكسه، وهو قول الشافعي.

وفي رواية سليمان بن بلال عند مسلم، عن يحيى بن سعيد، عن بُشَير بن يسار: أن عبد اللَّه بنَ سهلِ بنِ زيدٍ ومُحيِّصةَ بنَ مسعودِ بنِ زيدٍ الأنصاريِّيَنِ من بني حارثةَ، خرجا إلى خَيبرَ في زمانِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهي يومَئذٍ صلحٌ، وأهلُها يهودُ. وفيه: فمشَى أخو المقتول عبدُ الرحمن بنُ سهل ومُحيِّصةُ وحُوَيِّصةُ، فذكروا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شأنَ عبد اللَّه وحيث قُتل، قال: فزعم بُشَير وهو يحدث عمَّن أدركَ من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه قال لهم: "تَحلِفُون خمسين يمينًا وتَستحقُّون قاتلَكم، أو: صاحبَكم؟ " قالوا: يا رسولَ اللَّه! ما شَهِدْنا ولا حضَرْنا. فزعم أنه قال: "فتُبرِّئُكم يهودُ بخمسين يمينًا". وفيه: فزعم بُشَير: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عقلَه مِن عندِه (¬1). وكذلك في رواية هُشَيم، عن يحيى: فوَدَاه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (*) (¬2). وكذلك في رواية بشر بن المُفضَّل، عن يحيى: فعقلَه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن عندِه (¬3). وفي رواية سعيد بن عبيد، عن بُشَير بن يسار، عن سهل بن أبي حَثْمَة: ¬

_ (*) وهي عند مسلم. (¬1) رواه مسلم (1669). (¬2) رواه مسلم (1669). (¬3) رواه مسلم (1669).

فكَرِهَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُبطلَ دمَه، فوَداه بمئةٍ من إبلِ الصدقةِ (*) (¬1). وفي رواية مالك، عن أبي ليلى (**): أن عبد اللَّه بنَ عبدِ الرحمن بنِ سهلٍ، عن سهلِ بنِ أبي حَثْمَة: أنه أخبره عن رجالٍ (...) من كُبَراء قومه، الحديث. وفيه: فأتى يهودَ (****) فقال: "أنتم واللَّهِ قتلتُمُوه"، قالوا: واللَّهِ ما قتلْناه. وفيه: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إما أن يدُوا صاحبَكم، وإما أن يُؤذِنُوا بحربٍ". فكتب إليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك فكتبوا: إنَّا واللَّهِ ما قتلْناه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لِحُوَيَّصةَ ومُحَيِّصةَ وعبدِ الرحمن: "أتَحلِفُون وتَستحقُّون دمَ صاحبِكم؟ " قالوا: لا واللَّه، قال: "فتَحلِفُ لكم يهودُ"، قالوا: ليسوا مسلمين. فوَدَاه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مِن عندِه، فبعث إليهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مئةَ ناقةٍ حتى أُدخلَتْ عليهم الدارَ. قال سهل: فلقد ركضَتْني منها ناقةٌ حمراءُ (*****) (¬2). ¬

_ (*) وكلاهما متفق عليه. (**) صوابه: ابن. (...) صوابه: ورجال، كما في (خ). (****) كذا في مسلم. (*****) وهو متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (6502)، ومسلم (1669). (¬2) رواه البخاري (6769)، ومسلم (1669).

1126 - وعن رجلٍ من أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأنصار: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرَّ القَسَامةَ على ما كانت عليه في الجاهلية. أخرجه مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1670).

3 - باب صول الفحل

3 - باب صَوْل الفحل 1127 - عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن قُتلَ دونَ مالِه فهو شهيدٌ". أخرجه البُخاري (*) (¬1). 1128 - وعن صفوان بن يَعلَى: أن أجيرًا ليَعلَى بن مُنْيَة عضَّ رجلٌ ذراعَه فجذبَها، فسقطَتْ ثَنِيَّتُه، فرُفع إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأَبطلَها وقال: "أردتَ أن تَقضَمَها (¬2) كما يَقضَمُ الفحلُ" (**) (¬3). 1129 - وعن أبي هريرةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو أن رجلًا اطَّلعَ عليك بغيرِ إذنٍ، فحذفتَه (¬4) بحصاةٍ، ففقَأتْ عينَه ما كان عليك جُنَاحٌ" (¬5). ¬

_ (*) رواه مسلم أيضًا. (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (2348)، ومسلم (141). (¬2) أي: تعضها. (¬3) رواه البخاري (4155)، ومسلم (1674). (¬4) أي: رميته. (¬5) رواه البخاري (6506)، ومسلم (2158).

وفي رواية: "مَن اطَّلعَ في بيتِ قومٍ بغيرِ إذنِهم فقد حلَّ لهم أن يَفقَؤُوا عينَه". اللفظ لمسلم (¬1). وفي لفظ عند ابن حبَّان: "مَن اطَّلعَ إلى دارِ قومٍ بغيرِ إذنِهم، ففَقَؤُوا عينَه فلا دِيَةَ ولا قِصَاصَ" (¬2). 1130 - وفي حديث أنس -رضي اللَّه عنه- عند مسلم: أن رجلًا اطَّلَعَ في بعض حُجَرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام إليه بِمِشْقَصٍ (¬3)، أو: مَشَاقِصَ، فكأني أَنظرُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَختِلُه (¬4) ليَطعنَه (*) (¬5). ¬

_ (*) متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (2158). (¬2) رواه ابن حبان (6004). (¬3) هو نصل عريض للسهم. (¬4) أي: يراوغه ويستغفله. (¬5) رواه البخاري (6504)، ومسلم (2157).

4 - باب جناية البهائم وغيره

4 - باب جِنَاية البهائم وغيره 1131 - روى مَعمَر، عن الزُّهري، عن حرام (*) بن مُحيِّصة، عن أبيه: أن ناقةً للبراص بنِ عازبٍ دخلَتْ حائطًا فأَفسدَتْ فيه، فقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن على أهل الأرض حِفْظَها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظَها بالليل. أخرجه ابن حِبَّان من حديث مَعمَر، عن الزُّهري (¬1). وفي الحديث عنه اختلافٌ في الإسناد. 1132 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ¬

_ (*) هو حرام بن سعد بن مُحيِّصة، نُسب إلى جدِّه، وقيل فيه: عن أبيه، وكذلك جاء في حديث آخر، وقد قيل فيه أيضًا: عن أبيه، عن جدِّه، فاللَّه أعلم: هل هذا الحديث مُرسَلٌ، أو قيل في جدِّه عن أبيه؟ وهو عند أبي داود والنَّسائي، فَلْيُحرَّرْ من "صحيح ابن حبَّان". قال الطحاوي في هذا الحديث: وإن كان منقطعٌ لا يقوم بمثله عند المحتج به علينا حجة؛ لأنه وإن كان الأوزاعي قد وصله فإن مالكًا والأثبات من أصحاب الزهري قطعوه. (¬1) رواه ابن حبان (6008).

قال: "مَن تَطَبَّبَ (*)، ولا يُعلَم منه طبٌّ، فهو ضامنٌ". أخرجه أبو داود (**) (¬1). * * * ¬

_ (*) تَعَاطَى الطبَّ. (**) وهو من رواية الوليد بن مسلم، عن ابن جُرَيج، عن عمر، وكلاهما متفق عليه، لكن قال أبو داود في هذا الحديث: لم يَروِه غيرُ الوليد، فلا ندري: صحيح هو أم لا؟ وهو عند النَّسائي، و (ق) من حديث الوليد بن مسلم أيضًا. ورواه عن محمود بن خالد، عن الوليد، عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب، عن جده، به. ولم يقل: "عن أبيه". قال الدَّارَقُطْني: لم يُسنِدْه عن ابن جُرَيج غيرُ الوليد بن مسلم، وغيرُه يَرويه عن ابن جُرَيج، عن عمرو بن شعيب مُرسَلًا، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. (¬1) رواه أبو داود (4586)، والنسائي (4830)، وابن ما جه (3466).

5 - باب قتال الخوارج وأهل البغي

5 - باب قتال الخوارج وأهل البَغي 1133 - عن عَرْفَجَة قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ، يريد أن يَشُقَّ عصاكم أو يُفرِّقَ جماعتكم فاقتُلُوه". أخرجه مسلم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1852).

6 - باب قتل المرتد، وقبول توبته

6 - باب قتل المُرتدِّ، وقبُول توبته 1134 - عن عكرمة قال: أُتِي عليٌّ -رضي اللَّه عنه- بزنادقةٍ فأَحرقَهم، فبلغَ ذلك ابنَ عباس فقال: لو كنتُ أنا لم أُحرِّقْهم؛ لنهي رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "لا تُعذِّبُوا بعذابِ اللَّهِ"، ولَقتَلتُهم؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن بدَّلَ دِينَه فاقتُلُوه". أخرجه البُخاري (¬1). 1135 - وروى مسلم من حديث أبي موسى -في قصة ذكرها- فبعثه إلى اليمَن، ثم أتبعَه معاذَ بنَ جبل، فلما قدم عليه قال: انزلْ، وألقَى له وِسادةً، وإذا رجلٌ عندَه مُوثَقٌ، فقال: ما هذا؟ قال: هذا كان يهوديًا، فأَسلمَ، ثم راجَعَ دِينَه دِينَ السُّوء فتهوَّد، قال: لا أجلسُ حتى يُقتَلَ، قضاءُ اللَّهِ ورسوله، الحديث (¬2). 1136 - وفي حديث النَّسائي عن ابن عباس: أن أعمًى كان على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكانت له أمُّ ولدٍ، له منها ابنان، وكانت تُكثر الوقيعةَ ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2854). (¬2) رواه مسلم (1733).

برسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وتَسبُّه، فيَزجرُها فلا تَزدجرُ، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذاتَ ليلةٍ ذَكرتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فوَقعَتْ فيه، فلم أَصبِرْ أن قمتُ إلى المِعْوَلِ فوضعتُه في بطنها، فاتَّكأتُ عليها فقتلتُها، فأصبحَتْ قتيلًا. فذُكر ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجَمع الناسَ وقال: "أَنشُدُ اللَّهَ رجلًا لي عليه حقٌّ فعلَ ما فعلَ إلا قامَ"، فأَقبلَ الأعمى يَتَدَلدَلُ (¬1) فقال: يا رسولَ اللَّه! أنا صاحبُها، كانت أمَّ ولدي، وكانت بي لطيفةً رفيقةً، ولي منها ابنان مثلُ اللُّؤلوتَينِ، ولكنها كانت تُكثر الوقيعةَ فيك وتشتمُك، فأَنهاها فلا تنتهي، وأزجرُها فلا تنزجر، فلما كانت البارحةُ ذكرتُك فوقعَتْ فيك، فقمتُ إلى المِعْوَلِ فوضعتُه في بطنها، فاتَّكأتُ عليها حتى قتلتُها، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألا اشهدوا أن دمَها هَدَرٌ" (*) (¬2). 1137 - ومن حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمرتُ أن أُقاتلَ الناسَ حتى يَشهدُوا أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وأن محمَّدًا رسولُ اللَّه، ويُقيموا الصلاةَ، ويُؤتوا الزكاةَ؛ فإن فعلُوا ذلك عصمُوا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحق الإسلام، وحسابُهم على اللَّه". لفظ البُخاري (¬3). ¬

_ (*) وأخرجه أبو داود أيضًا، وهو من رواية عثمان الشحَّام، وقد احتج به مسلم، عن عكرمة، وقد احتج به البُخاري، وباقي رجاله متفق عليهم. (¬1) أي: يضطرب في مشيه. (¬2) رواه النسائي (4070)، وأبو داود (4361). (¬3) رواه البخاري (25).

وعند مسلم: "فإذا فعلُوه عصمُوا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّها" (¬1). 1138 - وعند البُخاري في حديث لأنس: "فإذا شهدوا أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وأن محمَّدًا رسولُ اللَّه، واستَقبَلُوا قِبْلتَنا، وأكلُوا ذبيحتَنا، وصلَّوا صلاتَنا حَرُمَتْ علينا دماؤُهم وأموالُهم، إلا بحقِّها" (¬2) وعند ابن حبَّان: "فقد حَرُمَتْ علينا دماؤُهم وأموالُهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم" (¬3). 1139 - وعن أسامةَ بنِ زيدٍ -رضي اللَّه عنهما- قال: بعثَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سَرِيَّةٍ، فصبَّحْنا الحُرُقاتِ من جُهَينةَ، فأدركتُ رجلًا فقال: لا إلهَ إلا اللَّهُ، فطعنتُه، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرتُه للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أقالَ: لا إلهَ إلا اللَّهُ، وقتلتَه؟ " قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّه! إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: "ألا شَقَقتَ عن قلبه حتى تعلمَ أقالَها أم لا؟ " فما زال يُكرِّرُها حتى تمنَّيتُ أني أَسلَمتُ يومَئذٍ. لفظ مسلم (¬4). 1140 - وفي حديث المقداد -رضي اللَّه عنه- أنه قال: يا رسولَ اللَّه! أرأيتَ إن لقيتُ رجلًا من الكفار فقاتَلَني، فضربَ إحدى يدَيَّ بالسيف فقطعَها، ثم لاذَ بشجرةٍ فقال: أَسلَمتُ للَّه، أفأَقتلُه يا رسولَ اللَّه بعدَ أن قالها؟ قال ¬

_ (¬1) رواه مسلم (21). (¬2) رواه البخاري (385). (¬3) رواه ابن حبان (5895). (¬4) رواه البخاري (4021)، ومسلم (96).

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقتُلْه"، قال: فقلت: يا رسولَ اللَّه! إنه قد قطعَ إحدى يدَيَّ ثم قال ذلك بعد أن قطعَها، أفأقتلُه؟ قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَقتُلْه؛ فإنْ قتلتَه فإنه بمنزلتك قبلَ أن تَقتلَه، وإنك بمنزلته قبلَ أن يقولَ كلمتَه التي قال" (*) (¬1). * * * ¬

_ (*) متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (3794)، ومسلم (95).

7 - باب حد الزنا

7 - باب حدِّ الزِّنا 1141 - عن عُبَادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذُوا عني، خُذُوا عني؛ قد جعل اللَّهُ لهنَّ سبيلًا: البِكْرُ بالبِكْر جَلدُ مئةٍ ونفيُ سَنَةٍ، والثيِّبُ بالثيِّبُ جَلدُ مئةٍ والرَّجمُ" (*) (¬1). وفي رواية (**): "البِكرُ يُجلد ويُنفى، والثيِّبُ يُجلد ويُرجَمُ" (¬2). 1142 - ومن حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وهو جالسٌ على مِنبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن اللَّه عز وجل بعثَ محمَّدًا بالحقِّ، وأَنزلَ عليه الكتابَ، فكان مما أَنزل اللَّهُ عز وجل آيةُ الرَّجم، قرَأْناها، ووَعَيْناها، وعقَلْنَاها، فرَجَمَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ورجَمْنَا بعدَه، فأَخشَى إن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائلٌ: ما نجدُ الرَّجمَ في كتاب اللَّه عز وجل، فيَضلُّوا بتركِ فريضةٍ أنزلَها اللَّهُ، وإن الرَّجمَ في كتاب اللَّه عز وجل حقٌّ على مَن زنَى إذا أُحصِنَ من الرجال ¬

_ (*) أخرجوه إلا البُخاري والنَّسائي. (**) لمسلم. (¬1) رواه مسلم (1690). (¬2) رواه مسلم (1690).

والنساء، إذا قامَتِ البيَّنةُ أو كان الحَبَلُ أو الاعترافُ (*) (¬1). 1143 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- أنه قال: أتى رجلٌ من المسلمين رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو في المسجد، فناداه فقال: يا رسولَ اللَّه! إني زَنيتُ، فأَعرضَ عنه، حتى ثنَّى ذلك عليه أربعَ مراتٍ، فلما شهدَ على نفسه أربعَ شهاداتٍ دعاه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أبِكَ جُنونٌ؟ " قال: لا، قال: "فهل أُحصنتَ؟ " قال: نعم، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهبُوا به فارجُمُوه" (**) (¬2). 1144 - وفي رواية أبي سعيد: أن رجلًا من أَسلَمَ يُقال له: ماعزُ بنُ مالك أتَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: إني أَصبتُ فاحشةً فأقِمْه عليَّ، فردَّه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مرارًا، قال: ثم سألَ قومَه، فقالوا: ما نَعلمُ به بأسًا إلا أنه قد أصاب شيئًا يَرَى أنه لا يُخرجُه إلا أن يُقامَ فيه الحَدُّ، قال: فرجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأمرَنا أن نَرجُمَه، قال: فانطلَقْنا به إلى بَقِيعِ الغَرقد، قال: فما أَوثَقْناه ولا حفَرْنا له، قال: فرمَيْناه بالعظم والمَدَر (¬3) والخَزف (¬4)، قال: فاشتدَّ واشتدَدْنا خلفَه حتى أتى عُرْضَ الحَرَّةِ، فانتصب لنا، فرمَيْناه بجلاميد (¬5) ¬

_ (*) الحديث متفق عليه، واللفظ لمسلم. (**) لفظ البُخاري، وهو متفق عليه. (¬1) رواه البخاري (6442)، ومسلم (1691). (¬2) رواه البخاري (6430)، ومسلم (1691). (¬3) هو الطين المجتمع الصلب. (¬4) هو قِطَع الفخار المنكسر. (¬5) جمع جُلمود: الحجارة الكبار.

الحَرَّةِ حتى سكتَ، الحديث (¬1). 1145 - وفي رواية سليمان بن بُرَيدة، عن أبيه قال: جاء ماعزُ بنُ مالك إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! طهِّرْني، فقال: "وَيْحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللَّهَ وتُبْ إليه"، قال: فرجع غيرَ بعيدٍ. ثم جاء فقال: يا رسولَ اللَّه! طهِّرْني، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَيْحَك! ارجِعْ فاستغفِرِ اللَّهُ وتُبْ إليه"، قال: فرجع غيرَ بعيدٍ. ثم جاء فقال: يا رسولَ اللَّه! طهِّرْني، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلك. حتى إذا كانت الرابعةُ قال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فيمَ أُطهِّرُك؟ " فقال: من الزِّنا، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبه جُنونٌ؟ " فأُخبِرَ أنه ليس بمجنونٍ، فقال: "أشَرِبَ خمرًا؟ " فقام رجلٌ فاستَنكَهَه (¬2)، فلم يجدْ منه ريحَ خمرٍ، قال: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أزَنيتَ؟ " قال: نعم، فأَمرَ به فرُجِمَ. فكان الناسُ فيه فرقتَين؛ قائلٌ يقول: لقد هَلَكَ، لقد أحاطَتْ به خطيئتُه، وقائلٌ يقول: ما توبةٌ أفضلُ من توبةِ ماعزٍ؛ جاء إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوضع يدَه في يده، ثم قال: اقتُلْني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومَين أو ثلاثةً، ثم جاء رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهم جلوسٌ، فسلَّم، ثم جلس فقال: "استَغفِرُوا لماعزِ بنِ مالك"، فقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لماعزِ بنِ مالك، قال: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد تابَ توبةً لو قُسمَتْ بين أمَّةٍ لَوسعَتْهم". قال: ثم جاءته امرأةٌ من غامد من الأزد، فقالت: يا رسولَ اللَّه! ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1694). (¬2) أي: طلب نكهته؛ أي: رائحة فمه.

طهِّرْني، فقال: "وَيْحَك! ارجِعِي واستَغفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إليه"، فقالت: أراك تريد أن تَردَّني كما رَدَدتَ ماعزَ بنَ مالك، فقال: "وما ذاك؟ " قالت: إنها حُبلَى من الزِّنا، فقال: "أزَنيتِ؟ " فقالت: نعم، فقال لها: "حتى تَضعِي ما في بطنك"، قال: فكَفَلَها رجلٌ من الأنصار حتى وضعَتْ، قال: فأتَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: قد وَضعَتِ الغامديةُ، فقال: "إذًا لا نَرجُمُها ونَدَعُ ولدَها صغيرًا، ليس له مَن يُرضعُه"، فقام رجلٌ من الأنصار فقال: إلَيَّ رَضاعُه يا نبيَّ اللَّه، قال: فرجَمَها (¬1). وفي رواية عبد اللَّه بن بُرَيدة، عن أبيه في قصة ماعز بن مالك في قصة الغامدية: فواللهِ إني لَحبُلَى، فقال: "إمَّا لا فاذهبِي حتى تَلِدِي"، فلما ولدَتْه أتَتْه بالصبي في خرقةٍ، فقالت: هذا قد ولدتُه، قال: "اذهبي فأَرضِعِيه حتى تُفطِمِيه"، فلما فطمَتْه أتته بالصبي في يدِه كسرةُ خبزٍ، فقالت: هذا يا نبيَّ اللَّه قد فطمتُه، وقد أكلَ الطعامَ، قال: فدفع الصبيَّ إلى رجلٍ من المسلمين، ثم أَمَرَ بها فحُفر لها إلى صدرها، وأَمرَ الناسَ فرَجَمُوها، الحديث (¬2). 1146 - وفي حديث عِمران بن حُصَين: أن امرأةً من جُهَينةَ أتَتْ نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي حُبلَى من الزِّنا، فقالت: أصبتُ حدًّا فأَقِمْه عليَّ. وفيه: ثم أَمرَ بها فرُجِمَتْ، ثم صلَّى عليها (*) (¬3). ¬

_ (*) وكلُّها عند مسلم، وبعضها متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (1695). (¬2) رواه مسلم (1695). (¬3) رواه مسلم (1696).

1147 - وعند التِّرْمِذي من رواية محمد بن عمرو، حدثنا أبو سَلَمة، عن أبي هريرةَ قال: جاء ماعزُ بنُ مالك الأَسلميُّ إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الحديث. وفيه: فلما وجدَ مسَّ الحجارة فرَّ يَشتدُّ، حتى مرَّ به رجلٌ معه لَحْيُ جملٍ (¬1) فضربَه به وضربَه الناسُ، حتى مات. فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه فرَّ حينَ وجدَ مسَّ الحجارةِ ومسَّ الموتِ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "هلَّا تركتُمُوه". وقال: هذا حديث حسن (¬2). ومحمد بن عمرو: أخرج له في الصحيح (*). 1148 - وعن أبي هريرةَ وزيد بن خالد الجُهَني -رضي اللَّه عنهما- أنهما قالا: إن رجلًا من الأعراب أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه! أَنشُدُك اللَّهَ إلا ما قضيتَ لي بكتاب اللَّه، فقال الخصم وهو أفقهُ منه: نعم، فاقضِ بيننا بكتاب اللَّه عز وجل وائذَنْ لي، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُلْ"، قال: إن ابني كان عَسِيفًا (¬3) على هذا فزنىَ بامرأته، وإني أُخبرتُ أن على ابني الرَّجمَ، فافتَديتُ منه بمئةِ شاةٍ ووليدةٍ، فسألتُ أهلَ العلم فأُخبرتُ أنما على ابني ¬

_ (*) قد تقدَّم ذكرُه وأن البُخاريَّ لم يخرج له إلا مقرونًا بغيره، ومسلمًا لم يخرج له إلا في المتابعات. (¬1) أي: عظم ذقنه، وهو الذي ينبت عليه الأسنان. (¬2) رواه الترمذي (1428)، وابن ماجه (2554). (¬3) أي: أجيرًا.

جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ، وأن على امرأةِ هذا الرَّجمَ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لأَقضيَنَّ بينكما بكتاب اللَّه عز وجل: الغنمُ والوليدةُ ردٌّ عليك، وعلى ابنِك جلدُ مئةٍ وتغريبُ عامٍ، واغدُ يا أُنيَسُ إلى امرأةِ هذا، فإن اعتَرفَتْ فارجُمْها". قال: فغدا عليها فاعترفَتْ، فأَمرَ بها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فرُجِمَتْ (*) (¬1). 1149 - وفي حديث جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- قال: رَجَمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من أَسلَمَ، ورجلًا من اليهودِ وامرأتَه. وفي رواية: وامرأةً (**) (¬2). 1150 - وروى مالك عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن أبي هريرةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن الأَمَةِ إذا زنَتْ ولم تُحصَنْ؟ قال: "إن زَنَتْ فاجلدُوها، ثم إن زنَتْ فاجلدُوها، ثم إن زَنَتْ فاجلدُوها ثم بِيعُوها ولو بضَفِيرٍ" (¬3). قال ابن شهاب: لا أدري: أبعدَ الثالثةِ أو الرابعة؟ (¬4) ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (**) أخرجه مسلم. (¬1) رواه البخاري (2549)، ومسلم (1697). (¬2) رواه مسلم (1701). (¬3) أي: الحبل. (¬4) رواه البخاري (2046)، ومسلم (1703).

1151 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا زَنَتْ أَمَةُ أحدِكم، فتبيَّن زِناها فَلْيجلِدْها الحَدَّ ولا يُثرِّبْ (¬1) عليها"، الحديث (*) (¬2). 1152 - وروى أبو عبد الرحمن قال: خَطَبَ عليٌّ -رضي اللَّه عنه- فقال: يا أيُّها الناسُ! أقِيمُوا على أرقَّائِكم الحَدَّ: مَن أُحصِنَ منهم ومَن لم يُحصَنْ؛ فإن أَمَةً لرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- زَنَتْ فأَمرَني أن أجلدَها، فإذا هي حديثةُ عهدٍ بنفاسٍ، فخشيتُ إن أنا جلدتُها أن أقتلَها، فذكرتُ ذلك للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أحسنتَ" (**) (¬3). 1153 - وعن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أُمامة بن سهل بن حُنَيف: أنه أخبره بعضُ أصحابِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأنصار: أنه اشتكى رجلٌ منهم حتى أضنَى (¬4)، فعاد جلدةً على عظمٍ، فدَخلَتْ عليه جاريةٌ لبعضهم، فهشَّ لها فوقعَ عليها، فلما دخل عليه رجالُ قومِه يَعُودُنَه أخبَرَهم بذلك، وقال: استَفتُوا لي رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإني قد وَقعتُ على جاريةٍ دخلَتْ عليَّ، فذكروا ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقالوا: ما رأَينا بأحدٍ من ¬

_ (*) متفق عليهما، واللفظ لمسلم. (**) أخرجه مسلم والتِّرْمِذي. (¬1) التثريب: التوبيخ واللوم على الذنب. (¬2) رواه البخاري (2119)، ومسلم (1703). (¬3) رواه مسلم (1705). (¬4) أي: أصابه الضنى، وهو شدة المرض حتى نحل جسمه.

الناس مِن الضرِّ مثلَ الذي هو به، فلو حَمَلناه إليك لتَفسَّخَتْ عظامُه، ما هو إلا جلدٌ على عظمٍ، فأَمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخذوا مئة شِمْرَاخٍ، فيَضربُوه بها ضربةً واحدةً. أخرجه أبو داود (*) (¬1). 1154 - وروى عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن وجدتُمُوه يَعملُ عملَ قومِ لوطٍ فاقتُلُوا الفاعلَ والمفعولَ بها" (**) (¬2). 1155 - وروى عمرو أيضًا، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن وجدتُمُوه وقعَ على بهيمةٍ فاقتُلُوه واقتُلُوا البهيمةَ"، فقيل لابن عباس: ما شأنُ البهيمة؟ قال: ما سمعتُ من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك شيئًا؛ ولكني أَرى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كَرِهَ أن يُؤكَلَ من لحمها أو يُنتفَعَ بها وقد عُمل بها ذلك العملُ (¬3). أخرجهما التِّرْمِذي، وعمرو: رَوى عنه مالك، ووثَّقه أبو زُرعةَ، وأخرج له البُخاري ¬

_ (*) وإسناده على شرط "الصحيحين"، خلا شيخَ أبي داود أحمد بن سعيد الهَمْدَاني، قال (س): ليس بالقوي. (**) قال أبو داود: رواه أيضًا عبَّاد بن منصور وداود بن الحصين، عن عكرمة، كذلك. (¬1) رواه أبو داود (4472)، وابن ماجه (2574). (¬2) رواه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561). (¬3) رواه الترمذي (1455).

غيرَ هذين الحديثَين، وقد مُسَّ (*) (**). * * * === (*) وقال الإمام أحمد بن حنبل وأبو حاتم: عمرٌو لا بأسَ به، وأخرج له مسلم أيضًا، وقد ضعَّفَه غيرُ واحدٍ، وتُكلِّم فيه بسبب حديث البهيمة هذا، قال البُخاري: لا أدري: سمعَه من عكرمة أم لا؟ وقال أبو داود: ليس بذاك، روى عن عكرمة، فذكر هذا الحديثَ. (**) قال أبو الشيخ: ثنا إبراهيم بن محمد بن علي، ثنا الزبير بن بكار، ثنا عبد اللَّه بن نافع، عن عاصم بن عمر بن حفص، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الذي يَعملُ عملَ قومِ لوطٍ ارجُمُوا الأعلى والأسفلَ". رواه ابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد اللَّه بن نافع الصايغ، عن عاصم ابن عمر. وعاصم: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمري، أبو عمر المَدَني، أخو عبيد اللَّه وعبد اللَّه وأبي بكر، وقد تكلَّم فيه أحمدُ وابنُ مَعين وأبو حاتم والبُخاري والجُوزَجاني والتِّرْمِذي والنَّسائي. وقال ابن حبَّان: لا يجوز الاحتجاجُ به. وذكره في كتاب "الثقات" وقال: يُخطئ ويُخالف. وقال ابن عدي: أحاديثُه حِسَانٌ. وقال البَيْهَقي: ضعيفٌ جدًا ويأتي بما لا يُتَابَعُ عليه. وقال أبو يَعلَى المَوصلي: ثنا محمد بن إسحاق المُسيَّبِي، ثنا عبد اللَّه بن نافع، عن عاصم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرةَ: أن النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الذي يَعمَلُ عملَ قومِ لوطٍ فارجُمُوا الأعلى والأسفلَ، ارجُمُوهما جميعًا".

8 - باب حد السرقة

8 - باب حدِّ السرقة 1156 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ السارقَ؛ يَسرقُ البيضهَ فتُقطَعُ يدُه، ويَسرقُ الحبلَ (¬1) فتُقطَعُ يدُه" (¬2). 1157 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: لم تُقطَعْ يدُ سارقٍ في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أقلَّ مِن ثمنِ المِجَنَّ (¬3)، حَجَفةٍ أو ترسٍ، وكلاهما ذو ثمنٍ (¬4). 1158 - وعنها، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُقطَعُ يدُ السارقِ إلا في ربعُ دينار فصاعدًا" (¬5). 1159 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قطعَ سارقًا في مِجَنٍّ، ¬

_ (¬1) ذِكْرُ البيضة والحبل للتنبيه على عظيم ما خسر السارق وهي يده في مقابلة حقير من المال. (¬2) رواه البخاري (6401)، ومسلم (1687). (¬3) المجن: اسم لكل ما يستتر به. (¬4) رواه البخاري (6408)، ومسلم (1685). (¬5) رواه البخاري (6407)، ومسلم (1684).

قيمتُه ثلاثةُ دراهمَ (¬1). 1160 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها-: أن قريشًا أهَمَّهم شأنُ المخزومية التي سَرقَتْ، فقالوا: مَن يُكلِّمُ فيها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فقالوا: ومَن يَجترِئ عليه إلا أسامةُ بنُ زيد حِبُّ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فكلَّمَه أسامةُ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أتَشفَعُ في حَدٍّ من حدود اللَّه عز وجل؟! ". ثم قام فاختطب فقال: "أيُّها الناسُ! إنما أَهلكَ الذين قبلَكم أنهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ! لو أن فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرقَتْ لَقطعتُ يدَها" (¬2). وفي رواية: كانت امرأةٌ مخزوميةٌ تَستعير المتاعَ وتَجحدُه، فأَمرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقطعِ يدِها، فأتَى أهلُها أسامةَ فكلَّمُوه، فكلَّم رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الحديث (*) (¬3). 1161 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أُتِي بسارق قد سرقَ شَمْلَةً، فقالوا: يا رسولَ اللَّه! إن هذا قد سرقَ، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما إخالُه (¬4) سرقَ"، فقال السارق: بلى يا رسولَ اللَّه، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اذهبُوا به فاقطعُوه ثم احسِمُوه، ثم ائتُونِي به"، فقُطع ثم أُتِي به، فقال: "تُبْ إلى اللَّه"، فقال: قد تُبتُ إلى اللَّه، قال: "تابَ اللَّهُ عليك". ¬

_ (*) متفق عليها كلِّها، إلا الحديثَ الأخيرَ، واللفظ فيها لمسلم. (¬1) رواه البخاري (6411)، ومسلم (1686). (¬2) رواه البخاري (3288)، ومسلم (1688). (¬3) رواه مسلم (1688). (¬4) أي: أظنه.

أخرجه الدَّارَقُطْني (*) (¬1). 1162 - وعن أبي الزبير، عن جابر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس على خائنٍ ولا مُنتهِبٍ (¬2) ولا مُختلِسٍ (¬3) قطعٌ". أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (**) (¬4). 1163 - وروى أيضًا من حديث رافع بن خَدِيج قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا قطعَ في ثَمَرٍ (¬5) ولا كثَرٍ (¬6) ". رواه من حديث واسع بن حَبَّان: أن رافع بن خَدِيج قال (...) (¬7). * * * ¬

_ (*) ورجاله على شرط مسلم، وقد رُوي مُرسَلًا؛ وهو أشبهُ. (**) وهو على شرط مسلم، وله علَّةٌ. (...) وهو على شرط الصحيحين. قال أبو حاتم بن حبَّان في كتاب "الأنواع والتقاسيم": أخبرنا أبو عَروبة بحرَّانَ، ثنا محمد بن بشار، ثنا مُؤمَّل بن إسماعيل، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس على المُختلِسِ ولا الخائنِ قطعٌ". أخبرنا محمد بن عبيد بن الفضل الكَلاعي العابد بحمص، ثنا مُؤمَّل بن إهاب، ثنا عبد الرزاق، عن ابن جُرَيج، عن أبي الزبير وعمر بن دينار، عن جابر: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ليس على مُنتهِبٍ ولا مُختلِسٍ ولا خائنٍ قطعٌ". (¬1) رواه الدارقطني (3/ 102). (¬2) النَّهب: الأخذ على وجه العلانية والقهر. (¬3) الاختلاس: أخذ الشيء من ظاهرٍ بسرعة. (¬4) رواه الترمذي (1448)، والنسائي (4971). (¬5) فسِّر بما كان معلقا بالشجر قبل أن يقطع ويُحرز. (¬6) هو جمَّار النخل. (¬7) رواه الترمذي (1449).

9 - باب حد الشرب، وذكر الأشربة

9 - باب حدِّ الشرب، وذكر الأشربة 1164 - عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلُّ مُسكِرٍ خمرٌ، وكلُّ مُسكِرٍ حرامٌ". أخرجه مسلم (¬1). 1165 - وعنده في حديث لأبي موسى -رضي اللَّه عنه-: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلُّ ما أَسكَرَ عن الصلاة فهو حرامٌ" (¬2). 1166 - وعند أبي داود من رواية شهر بن حَوشَب (*)، عن أمِّ سَلَمةَ قالت: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كل مُسكِرٍ ومُفتِّرٍ (¬3). 1167 - وعن سعد -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أنهاكم عن قليلِ ¬

_ (*) شهر بن حَوشَب: وثَّقه أحمد ويحيى والعِجلي ويعقوب بن شَيبة وغيرهم، وقال أبو زُرعةَ: لا بأسَ به، وقال ابن عدي: ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يُحتَجُ بحديثه ولا يُتديَّنُ به، وقد رَوى له مسلمٌ مقرونًا بغيره، وقد أنكر عليه قولَه في هذا الحديث: "ومُفتِّر". (¬1) رواه مسلم (2003). (¬2) رواه مسلم (1733). (¬3) رواه أبو داود (3686).

ما أَسكَرَ كثيرُه". أخرجه النَّسائي (*) (¬1). 1168 - وقد ورد: "ما أَسكَرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ" من حديث جماعة، منهم: جابر وعائشة. وأخرجه أبو داود (¬2)، وفي الأول: داود بن بكر بن أبي الفرات، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين (**). وأخرج الثاني ابن حبَّان في "صحيحه" من حديث أبي عثمان (...) (¬3). وزعم ابن القطان أنه لا يُعرَف حالُه (****) (¬4). ¬

_ (*) رجاله على شرط مسلم. (**) وقال أبو حاتم أيضًا: هو شيخٌ لا بأسَ به، ووثَّقه ابن مَعين، والحديثُ أيضًا عند ابن ماجه والتِّرْمِذي، وقال: حسن غريب من حديث جابر، ولم يَرووا له غيرَ هذا الحديث، وهو من حديث ابن المُنكِدر، عن جابر. (...) أبو عثمان هذا: اسمه عمرو بن سالم، وقيل: عمر، وثَّقه أبو داود في رواية أبي عبيد الآجري، عنه، وذكره ابن حَبَّان في "الثقات"، والحديث عند أبي داود والتِّرْمِذي، ولفظهما: "ما أَسكَرَ الفَرقُ منه فمِلءُ الكفِّ منه حرامٌ". وقال التِّرْمِذي: حديث حسن. (****) قال ابن القطَّان في هذا الحديث: ليس بصحيحٍ، وأبو عثمان هذا لا يُعرَف حالُه، وكان قاضيًا بمرو، ولم أجدْ ذكرَه في مظانِّ وجوده من مصنفات الرجال الرواة. (¬1) رواه النسائي (5608). (¬2) رواه أبو داود (3681). (¬3) رواه ابن حبان (5383). (¬4) انظر: "بيان الوهم والإيهام" (4/ 606).

1169 - وعند مسلم من رواية عطاء بن أبي رباح، عن جابر: "لا تَجمَعُوا بين الرُّطَبِ والبُسْرِ، وبين الزَّبيب والتَّمر" (¬1). وفي رواية عن عطاء: نَهَى أن يُخلَطَ الزَّبيبُ والتمرُ، والبُسْرُ والتمرُ (¬2). 1170 - وفي رواية عن أبي سعيد: نهانا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نَخلطَ بُسْرًا بتمرٍ، أو زَبيبًا بتمرٍ، أو زَبيبًا ببُسْرٍ (¬3). 1171 - وفي حديث لأبي قتادة: "ولا تَنتبِذُوا الرُّطَبَ والزَّبيبَ جميعًا، ولكن انتبِذُوا كلَّ واحدٍ على حِدَتِه" (¬4). 1172 - وعند أبي داود عن رجلٍ من أصحاب النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: نَهَى عن البَلَحِ والتمرِ، الحديث (*) (¬5). 1173 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُنقَعُ له الزَّبيبُ، فيَشربُه اليومَ والغدَ وبعدَ الغدِ إلى مساءِ الثالثة، ثم يَأمرُ به فيُسقَى أو يُهرَاقُ. أخرجه مسلم (¬6). ¬

_ (*) رجاله على شرط "الصحيحين". (¬1) رواه مسلم (1986). (¬2) رواه مسلم (1986). (¬3) رواه مسلم (1987). (¬4) رواه مسلم (1988). (¬5) رواه أبو داود (3705)، والنسائي (5547). (¬6) رواه مسلم (2004).

1174 - وعن أبي ساسان حُضَين (*) بن المنذر قال: شهدتُ عثمانَ بنَ عفَّانَ أُتِي بالوليد وقد صلَّى الصُّبحَ ركعتَينِ، ثم قال: أزيدُكم؟ فشهدَ عليه رجلانِ -أحدهما حُمْران- أنه شربَ الخمرَ، وشهدَ الآخرُ أنه رآه يتقيَّأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيَّأ حتى شربَها، فقال: يا علىُّ! قُمْ فاجلِدْه، فقال عليٌّ: قُمْ يا حسنُ فاجلِدْه، فقال الحسن: وَلِّ حارَّها مَن تولَّى قارَّها (¬1) -فكأنه وجدَ عليه- فقال: يا عبد اللَّه بنَ جعفر! قُمْ فاجلِدْه، فجلَدَه وعليٌّ يَعدُّ حتى بلغ أربعين، فقال: أَمسِكْ، ثم قال: جلَدَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمرُ ثمانين، وكلٌّ سُنَّةٌ، وهذا أحبُّ إلَيَّ. أخرجه مسلم (¬2) وحُضَين: بالضاد المعجمة. وفي حديث للبُخاري: أما ما ذكرتَ من شأن الوليد فسآخذُ فيه بالحقِّ إن شاء اللَّه، ثم دعا عليًّا فأمرَه أن يجلدَه، فجلدَه ثمانين (¬3). * * * ¬

_ (*) حُضَين - (م، د، س، ق) - بن المنذر أبو ساسان، كنيته: أبو محمد، وأبو ساسان لقب، رَوى عن عثمانَ وعليٍّ وغيرهما، رَوى عنه الحسنُ البصري وغيرُه، وثَّقه العِجلي والنَّسائي، وقال ابن خراش: صَدُوقٌ، مات سنةَ ستٍّ، وقيل: سنةَ سبعٍ وتسعين. (¬1) الحار: الشديد المكروه، والقار: البارد الهنيء الطيب، ومعناه: ولِّ شدتها وأوساخها من تولَّى هنيئها ولذتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية؛ أي: كما أن عثمان -رضي اللَّه عنه-، وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ويختصون به، يتولون نكدها وقاذوراتِها. (¬2) رواه مسلم (1707). (¬3) رواه البخاري (3493).

[13] كتاب السير سوى ما تقدم

[13] كتاب السير سوى ما تقدم

[13] كتاب السير سوى ما تقدم 1175 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: سُئل رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن الرجل يُقاتل شجاعةً، ويُقاتل حَمِيَّةً، ويُقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل اللَّه؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن قاتَلَ لتكلونَ كلمةُ اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه" (¬1). 1176 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لكلِّ غادرٍ لواءٌ يومَ القيامة، يُرفَعُ له بقَدْرِ غدرتِه، ألا ولا غادرَ أعظمُ غدرًا من أميرِ عامةٍ" (¬2). 1177 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- "الحربُ خَدْعةٌ" (¬3). أخرجها مسلم (*). ¬

_ (*) روى البُخاري حديث أبي موسى وحديث أبي هريرة. (¬1) رواه البخاري (123)، ومسلم (1904). (¬2) رواه مسلم (1738). (¬3) رواه البخاري (2865)، ومسلم (1740).

1178 - وعن عبد اللَّه بن كعب بن مالك: أن جيشًا من الأنصار كانوا بأرضِ فارسَ، معهم أميرُهم، وكان عمرُ يَعقدُ الجيوشَ في كلِّ عامٍ، فشُغل عنهم عمرُ، فلما مرَّ الأجلُ قَفَلَ (¬1) أهلُ ذلك الثَّغر، فاشتدَّ عليهم وأَوعدَهم وهم أصحابُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قالوا: يا عمرُ! إنك غفلتَ عنا وتركتَ فينا الذي أَمرَ به النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من إعقاب بعضِ الغَزِيَّةِ بعضًا. أخرجه أبو داود (*) (¬2). 1179 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَ إلى بني لَحْيانَ: "ليَخرُجْ من كلِّ رجلَينِ رجلٌ"، ثم قال للقاعد: أيُّكم خَلَفَ الخارجَ في أهله وماله بخيرٍ كان له مثلُ نصفِ أجرِ الخارجِ". أخرجه مسلم (¬3). 1180 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ فتحِ مكةَ: "لا هجرةَ، ولكنْ جهادٌ ونيَّهٌ، وإذا استُنفرتُم فانفِرُوا". متفق عليه (¬4). 1181 - وروى أبو القاسم البَغَوي، من حديث يحيى بن حمزة، عن عطاء الخُراساني، حدثني ابن مُحَيريز، عن عبد اللَّه بن السعدي قال: قال ¬

_ (*) وإسناده على شرط البُخاري إلى عبد اللَّه بن كعب. (¬1) أي: رجع. (¬2) رواه أبو داود (2960). (¬3) رواه مسلم (1896). (¬4) رواه البخاري (1737)، ومسلم (1353).

لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تنقطعُ الهجرةُ ما قُوتِلَ الكُفَّارُ". وأخرجه ابن السَّكن أتَمَّ منه (*). وأخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" من حديث بُسْر بن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه بن مُحَيريز، عن عبد اللَّه بن وقدان القُرَشي، وكان مُسترضَعًا في بني سعد بن بكر، وكان يُقال له: عبد اللَّه بن السَّعدي (¬1). وفي إسناده اختلافٌ. وهو عند النَّسائي من غير هذا الوجه (**) (¬2). 1182 - وعن عبد اللَّه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لولا أنك رسولٌ -يعني: ¬

_ (*) ورجالُه هؤلاء رجالُ "الصحيحين"، وعبد اللَّه -خ، م، د، س- بن السعدي: واسمه عمرو، وقيل: قدامة، وقيل: عبد اللَّه بن وَقدان بن عبد شمس بن عبد وُد ابن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي القُرشي العامري، كنيته: أبو محمد، وقيل له: السعدي لأنه كان مُسترضَعًا في بني سعد، له صحبةٌ، سكن الأردنَ من أرض الشام، وقال بعضهم: إن الساعديَّ رَوى عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعن عمر بن الخطاب -خ، م، د، س- حديث العمالة، وعن محمد بن حبيب المصري إن كان محفوظًا، روى عنه بُسْر بن سعيد -م، د، س- وحسان بن الضَّمري -س- وحُوَيطب -م، س- بن عبد العزى والسائب بن يزيد، وعبد اللَّه -س- بن مُحَيريز ومالك بن يَخَامر وأبو إدريس الخَولاني. قال الواقدي: تُوفِّي سنةَ سبعٍ وخمسين. (**) ورجالُه على شرط البُخاري سوى شيخِ النَّسائي عيسى بن مساور، وقد وثَّقه ابنُ حبَّان والخطيب، وقال النسائي: لا بأسَ به. (¬1) رواه ابن حبان (4866). (¬2) رواه النسائي (4172).

رسولَ مُسيلِمةَ- لَقتلتُك". أخرجه النَّسائي (¬1)، وهو في الصحيح في قصة بمعناه. 1183 - وعند النَّسائي (*) من حديث عبد اللَّه بن فيروز الدَّيلمي، عن أبيه أنه قال: أَتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- برأس الأسود العَنْسي (¬2). وراويه ضَمْرَة ثقةٌ، وقيل: لم يُتابَعْ عليه. 1184 - وعن عليٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: بعثَني رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا والزبيرَ والمقدادَ، فقال: "انطلِقُوا حتى تأتوا رَوضةَ خَاخٍ؛ فإن بها ظَعينةً (¬3) معها كتابٌ، فخُذُوه منها"، الحديث. ¬

_ (*) رواه النَّسَائي عن عيسى بن محمد بن عيسى، عن ضَمْرَة، عن السَّيْبَاني، عن عبد اللَّه بن الدَّيلمي، عن أبيه. وضَمْرَة: هو ابن ربيعة الرَّملي، وقد وثَّقه أحمد وابن مَعين والنَّسَائي وغيرهم، وقد تقدَّم الكلامُ عليه. وقال ابن القطَّان في هذا الحديث: رجالُ إسنادِه ثقاتٌ، وقال عبد الحق: لا يصحُّ، وقال ابن القطَّان: قولهم: إن الخبرَ بقتل الأسود لم يَجِئ إلا إثرَ موتِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَصحَّ، وإن أوردَه فبِطرقٍ لا تصحُّ، وقال أيضًا: وما يُقال من أن ضَمْرَةَ لا يُتابَعُ عليه لا يَضرُّه؛ فإنه ثقةٌ، ولأجل انفراده به قيل فيه: غريب، قال: ولم يتبعه أبو محمد في كتابه "الكبير" أكثرَ من قوله: لم يُتابَعْ عليه، يعني: ضَمْرَةَ، فاعلَمْ ذلك. (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8676). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8672). (¬3) أي: امرأة.

وفيه: فأخرجتْه من عِقَاصِها (¬1)، فأَتينا به النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا فيه: من حاطبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى ناسٍ من المشركين من أهلِ مكةَ، يُخبرهم ببعض أمرِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وفيه: فقال عمر: دَعْني يا رسولَ اللَّه أَضرِبْ عنقَ هذا المنافق، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنه قد شهدَ بَدرًا"، الحديث. وهو متفق عليه (¬2). 1185 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أطعِمُوا الجائعَ، وعُودُوا المريضَ، وفُكُّوا العاني (¬3) " (*) (¬4). 1186 - وعن أبي هريرةَ: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَ أبانَ بنَ سعيدِ بنِ العاصِ على سَرِيَّةٍ من المدينة قِبَلَ نجدٍ، فقدم أبانُ بنُ سعيد وأصحابُه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخيبرَ بعد أن فتحَها، الحديث. وفيه: فلم يُسهِمْ لهم رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وهو عند أبي داود من حديث إسماعيل بن عيَّاش، عن الزُّبَيدي (**) (¬5). ¬

_ (*) أخرجه البُخاري. (**) الزُّبَيدي: محمد بن الوليد، شاميٌّ ثقةٌ حُجَّةٌ، مُخرَّجٌ له في "الصحيحين". (¬1) جمع عقيصة، وهو الشعر المضفور. (¬2) رواه البخاري (2845)، ومسلم (2494). (¬3) أي: الأسير. (¬4) رواه البخاري (5058). (¬5) رواه أبو داود (2723).

1187 - وعنده من حديث ابن عمر: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أَسهَمَ لرجلٍ ولفرسِه ثلاثةَ أَسهُمٍ: سهمًا له وسهمَينِ لفرسِه (*) (¬1). وعند الدَّارَقُطْني في بعض الروايات: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُسهِمُ للخيل: للفارسِ سهمَينِ، وللراجل سهمًا (**) (¬2). 1188 - وعن أبي الجُوَيرية قال: قال لي معن بن يزيد السُّلَمي: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا نَفَلَ إلا مِن بعدِ الخُمسِ". رواه أبو بكر بن أبي شَيبة (...) (¬3). 1189 - ومن حديث رافع بن خَدِيج: أنهم أصابوا غنائمَ، فقَسَمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهم، فعَدَلَ بعيرًا بعشرِ شِيَاهٍ. وهو عند البُخاري (¬4). 1190 - وروى مالك عن زيد بن أَسلَمَ، عن أبيه قال: قال عمر: ¬

_ (*) وهو متفق عليه بغير هذا اللفظ. (**) وقد اختُلف فيه، وذكر الدَّارَقُطْني أنه وهمٌ، وكذلك قال الإمام أبو بكر بن زياد وغيرهما. (...) ورواه أحمد وأبو داود، ورجاله كلُّهم ثقات. (¬1) رواه أبو داود (2733). (¬2) رواه الدارقطني (4/ 106). (¬3) ورواه أبو داود (2753). (¬4) رواه البخاري (5223).

لولا آخِرُ المسلمين (¬1) ما افتَتحتُ قريةً إلا قسمتُها، كما قَسَمَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيبرَ (*) (¬2). 1191 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يُنفِّلُ بعضَ مَن يَبعثُ في السَّرايا لأنفسِهم خاصةً، سوى قَسْمِ عامةِ الجيشِ، والخُمسُ في ذلك واجبٌ كلُّه (**) (¬3). 1192 - وعن حبيب بن مَسلَمة قال: شهدتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نفَّلَ الرُّبعَ في البَدْأَةِ، والثُّلثَ في الرَّجعةِ. أخرجه أبو داود (...) (¬4)، وألزم الدَّارَقُطْنيُّ الشيخَينِ تخريجَ حديث حبيب بن مَسلَمة. ¬

_ (*) أخرجه البُخاري أتَمَّ منه، وأبو داود واللفظ له. (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (...) ورواه أحمد وابن ماجه وابن حبَّان البُسْتي، وهو من رواية زياد بن جارية (د)، ويقال: زيد الدمشقي (ق)، عن حبيب بن مَسلَمة، رواه عن زياد مكحولٌ، ولم يَرِو أبو داود وابن ماجه لزيادٍ غيرَ هذا الحديث، وقال أبو حاتم: هو شيخٌ مجهولٌ، ووثَّقه النَّسائي وابن حبَّان، وتكلَّم ابن القطَّان في هذا الحديث لأجل زياد (م). (¬1) أي: لو قسمت كل قرية على الفاتحين لها، لَمَا بقي شيء لمن يجيء بعدهم من المسلمين. (¬2) رواه البخاري (2209)، وأبو داود (3020). (¬3) رواه البخاري (2966)، ومسلم (1750). (¬4) رواه أبو داود (1750).

1193 - وثبت: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فدَى بامرأةٍ ناسًا من المسلمين كانوا أَسرَى بمكةَ. وهو في "صحيح مسلم" بمعناه من حديث سَلَمة (¬1). 1194 - وعنده في حديث لأبي هريرةَ: "وأيُّما قريةٍ عَصَتِ اللَّهَ ورسولَه فإن خُمسَها للهِ ولرسولِه، ثم هي لكم" (¬2). 1195 - وعن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: كانت أموالُ بني النَّضير مما أفاءَ اللَّهُ على رسوله، مما لم يُوجِفْ (¬3) عليه المسلمون بخيلٍ ولا رِكَابٍ، فكانت للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصةً، فكان يُنفقُ على أهلِه نفقةَ سَنَةٍ، وما بقي يجعله في الكُرَاع (¬4) والسلاح عُدَّةً في سبيل اللَّه تعالى (*) (¬5). 1196 - ومن حديثه أيضًا: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لأَخرجنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أَدعَ إلا مسلمًا" (**) (¬6). 1197 - وروى مالك عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث سالم مولى ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ للبُخاري. (**) أخرجوه إلا البُخاري وابن ماجه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه مسلم (1755). (¬2) رواه مسلم (1756). (¬3) أي: ما لم يؤخذ بغلبة الجيش، وأصل الإيجاف: الإسراع في السَّير. (¬4) أي: الخيل. (¬5) رواه البخاري (2748)، ومسلم (1757). (¬6) رواه مسلم (1767).

ابن مطيع (*)، عن أبي هريرةَ أنه قال: خرجْنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عامَ خَيبرَ، قال: فلم نَغنَمْ ذهبًا ولا وَرِقًا إلا الثيابَ والمتاعَ والأموالَ، قال: فوجَّه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نحوَ وادي القُرى، وقد أُهدِي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عبدٌ أسودُ يُقال له: مِدْعَم، حتى إذا كان بوادي القرى، فبينما مِدْعَمُ يَحُطَّ رَحلَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذ جاءه سهمٌ عائرٌ (¬1) فقتلَه. فقال الناس: هنيئًا له الجنةَ، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كلَّا، والذي نفسي بيدِه! إن الشَّملةَ التي أخذَها يومَ خيبرَ من المغانم لم تُصِبْها المَقَاسمُ لتشتعلُ عليه نارًا". فلما سمعوا ذلك جاء رجلٌ بشِرَاكٍ أو شراكَينِ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شِرَاكٌ من نارٍ، أو: شراكانِ من نارٍ" (**) (¬2) 1198 - وروى البُخاري من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: كنا نُصيبُ في مغازينا العسلَ والعنبَ، فنَأكلُه ولا نَرفعُه (¬3). 1199 - وعن معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه- قال: غزَونا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيبرَ فأَصبْنا غنمًا، فقَسَمَ فينا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- طائفةً، وجعل بقيتَها في المَغنَم. أخرجه أبو داود في قصته (¬4)، وذكر ابن القطَّان أن رجالَه ثقاتٌ (¬5). ¬

_ (*) هو عبد اللَّه بن مطيع بن الأسود القُرَشي العَدَوي. (**) متفق عليه. (¬1) أي: لا يُدرى مَنْ رماه. (¬2) رواه البخاري (3993)، ومسلم (115). (¬3) رواه البخاري (2985). (¬4) رواه أبو داود (2707). (¬5) انظر: "بيان الوهم والإيهام" (5/ 391).

1200 - وروى ابن حبَّان في "صحيحه" من حديث عُبَادة بن الصامت حديثًا، فيه: وقال: أخذ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ حُنين وَبَرةً من جَنبِ بعيرٍ، ثم قال: "ياأيُّها الناسُ! إنه لا يَحلُّ لي مما أفاءَ اللَّهُ عليكم قَدْرَ هذه إلا الخُمسُ، والخُمسُ مردودٌ عليكم، فأدُّوا الخَيطَ والمَخيطَ، وإياكم والغُلُولَ؛ فإنه عارٌ على أهله يومَ القيامة"، الحديث (*) (¬1). 1201 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: ذهب فرسٌ له فأخذه العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرُدَّ عليه في زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَبَقَ عبدٌ له فلحقَ بأرض الرُّوم، فظهر عليهم المسلمون، فرَدَّه عليه خالدُ بنُ الوليد بعدَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. أخرجه البُخاري تعليقًا، ووصله أبو داود، واللفظ لحديثه (**) (¬2). 1202 - وعن بُكَير بن الأَشج: أن الحسنَ بنَ عليِّ بنِ أبي رافعٍ حدثه: أن أبا رافع أخبره أنه أَقبَلَ بكتابٍ من قريشٍ إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فلما رأيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُلقِيَ في قلبي الإسلامُ، فقلت: يا رسولَ اللَّه! إني واللَّهِ لا أَرجعُ إليهم أبدًا، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إني لا أَخِيسُ (¬3) بالعهدِ، ولا أَحبِسُ البُرُدَ (¬4)، ولكن ارجِعْ إليهم، فإن كان في قلبك الذي ¬

_ (*) وروى الإمام أحمد والنَّسائي نحوه. (**) وإسناده على شرط الصحيح. (¬1) رواه ابن حبان (4855). (¬2) رواه البخاري (2902)، وأبو داود (2699). (¬3) أي: أنقض. (¬4) جمع بريد وهو الرسول.

في قلبك الآن فارجِعْ". قال: فرجعتُ إليهم، ثم إني أَقبلتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأَسلَمتُ. قال بُكَير: وأخبرني أن أبا رافع كان قِبْطيًا. لفظ رواية ابن حبَّان (¬1)، والحسن هذا لم أَرَه في كتاب ابن أبي حاتم، فإن كان عُرف حالُه فباقي الإسناد لا نظرَ فيه (*). * * * ¬

_ (*) ورواه أبو داود والنَّسَائي، ورواه الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن هارون الرُّوياني وقال: عن الحسن بن علي بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدِّه، والحسن: رَوى عنه غيرُ واحدٍ، ووثَّقه النَّسَائي وأبو حاتم بن حبَّان. (¬1) رواه ابن حبان (4877)، وأبو داود (2758).

1 - باب الجزية والمهادنة

1 - باب الجِزية والمُهَادنة 1203 - روى البُخاري في حديث: ولم يكن عمرُ أخذَ الجِزيةَ من المجوس، حتى شهدَ عبدُ الرحمن بنُ عوف: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذَها من مجوسِ هَجَر (¬1). ورواه النَّسائي من حديث عمرو، سمع بجالة: لم يكن عمر، الحديث (¬2). 1204 - وعند البُخاري في حديث صلح الحديبيَة الطويل: وكان المغيرةُ صحبَ قومًا في الجاهلية، فقتلَهم وأخذَ أموالَهم، ثم جاء فأَسلمَ، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا الإسلامُ فأَقبَلُ، وأمَّا المالُ فلستُ منه في شيءٍ". وفيه: ثم جاء نسوةٌ مؤمناتٌ، فأَنزلَ اللَّهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}، حتى بلغ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلَّق عمرُ يومَئذٍ امرأتَينِ كانتا له في الشِّرْك (¬3). وفي رواية: أن عروةَ سمع مروانَ والمِسْوَرَ، يُخبران عن أصحاب ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2987). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (8768). (¬3) رواه البخاري (2581).

رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالا: لمَّا كاتَبَ سُهيلَ بنَ عمرٍو يومَئذٍ كان فيما اشتَرط سُهيلٌ على النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أنه لا يأتيك منا أحدٌ وإن كان على دِينك إلا رَددتَه إلينا، وخلَّيتَ بيننا وبينه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتَعَضُوا منه، وأبَى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فردَّ يومَئذٍ أبا جَندل على أبيه سُهَيل، ولم يأتِه أحدٌ من الرجال إلا ردَّه في تلك المدة وإن كان مسلمًا. وجاء المؤمناتُ مهاجراتٍ، وكانت أمُّ كُلثومٍ بنتُ عقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ مِمَّن خرجَ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَئذٍ، وهي عاتقٌ (*)، فجاء أهلُها يسألون النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يرجعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِمَا أَنزل اللَّهُ عز وجل فيهنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} إلى {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] (¬1). 1205 - وعن الحسن، عن أبي بَكْرَة، عن النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن قَتلَ نفسًا مُعاهَدًا لم يَرُحْ رائحةَ (¬2) الجنة". لفظ الرواية عند ابن حبَّان (**) (¬3). * * * ¬

_ (*) البِكْر الكبيرة. (**) وهو عند النَّسائي من هذا الوجه، رواه أيضًا من حديث يونس، عن الحكم بن الأعرج، عن الأشعث، عن أبي بَكْرَة، وقال: هذا أصحُّ من حديث حَمَّاد بن سَلَمة، يعني: حديثَ الحسن، عن أبي بَكْرَة، واللَّه أعلم. وقد رواه البُخاري من حديث عبد اللَّه بن عمرو. (¬1) رواه البخاري (2564). (¬2) أي: لم يشم ريحها. (¬3) رواه ابن حبان (4881)، ورواه البخاري (6516)، من حديث عبد اللَّه بن عمرو.

2 - باب الإمامة

2 - باب الإمامة 1206 - روى مسلم من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في قصة: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن خَلَعَ يدًا من طاعةٍ لَقِيَ اللَّهَ يومَ القيامة لا حُجَّةَ له، ومَن مات وليس في عنقِه بَيعةٌ مات مِيتةً جاهليةً" (¬1). 1207 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يزال هذا الأمرُ في قريشٍ ما بقيَ مِن الناس اثنان (¬2) " (*) (¬3). 1208 - وعند البُخاري من حديث معاوية -رضي اللَّه عنه- أنه قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن هذا الأمرَ في قريشٍ لا يُعاديهم أحدٌ إلا أكبَّه اللَّهُ على وجهه؛ ما أقامُوا الدِّينَ" (¬4). 1209 - وعن عمر -رضي اللَّه عنه- في قصة، فقال: إن اللَّهَ عز وجل يحفظُ دِينَه، ¬

_ (*) وهو كالذي قبله. (¬1) رواه مسلم (1851). (¬2) أي: فيكون واحد خليفة وواحد تابع له. (¬3) رواه مسلم (1820). (¬4) رواه البخاري (3309).

واني إن لا أَستخلِفُ؛ فإن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَستخلِفْ، وإنْ أستَخلِفْ فإن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- قد استَخلَفَ (¬1). 1210 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا بُويعَ لخليفتَينِ فاقتُلُوا الآخِرَ منهما" (¬2). 1211 - وعنه قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "مَن رأى منكم مُنكَرًا فَلْيُغيِّرْه بيدِه، فإن لم يَستطِعْ فبلسانِه، فإن لم يَستطِعْ فبقلبِه؛ وذلك أضعفُ الإيمان" (¬3). 1212 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "سيكون عليكم أمراءُ فتَعرفون وتُنكرون، فمَن عَرَفَ بَرِئ، ومَن أَنكَرَ سَلِمَ، ولكن مَن رَضِيَ وتابَعَ". قال: أفلا نُقاتلهم؟ قال: "لا، ما صَلَّوا" (¬4). 1213 - وعن أبي رافع مولى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن عبد اللَّه بنَ مسعود حدثه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما مِن نبيٍّ بعثَه اللَّهُ في أمَّةٍ قبلي إلا كان له من أمَّتِه حَوَارِيُّون وأصحابٌ يأخذون بسُنَّتِه ويَقتَدُون بأمره، ثم يَخلُفُ مِن بعدِهم خُلُوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمَرُون؛ فمَن ¬

_ (¬1) رواه مسلم (1823). (¬2) رواه مسلم (1853). (¬3) رواه مسلم (49). (¬4) رواه مسلم (1854).

جاهَدَهم بيدِه فهو مؤمنٌ، ومَن جاهَدَهم بلسانِه فهو مؤمنٌ، ومَن جاهَدَهم بقلبِه فهو مؤمنٌ، وليس وراءَ ذلك من الإيمان حَبَّةُ خَردَلٍ" (¬1). 1214 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "على المرءِ المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ أو كَرِهَ إن لم يُؤمَرْ بمعصيةٍ، فإن أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سمعَ ولاطاعةَ" (¬2). أخرجها مسلم. 1215 - وروى أبو داود من حديث عقبة بن مالك قال: بعثَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سَرِيَّةً، فسلَّحْتُ رجلًا منهم سيفًا، فلما رجع قال: لو رأيتَ ما لامَنَا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "أعجزتُم إن بعثتُ رجلًا، فلم يَمضِ لأمري أن تجعلوا مكانَه مَن يمضي لأمري؟ " (¬3) (*). ¬

_ (*) رواه أبو داود عن يحيى بن مَعين، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن سليمان ابن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن بشر بن عاصم، عن عقبة بن مالك، وإسناده حسن أو صحيح. وقال ابن القطَّان: هو حديثٌ لا يصحُّ، وبشر بن عاصم هذا: مجهول الحال، وعقبة بن مالك: لم يَذكرْه البُخاري، وقال ابن السَّكَن: يقال: له صحبة، قال ابن القطَّان: وإنما أَخذ ذلك مِن قالِه مِن هذا الحديثِ ومِن حديثٍ آخرَ راويه بشر بن عاصم، وبشر بن عاصم هذا: معروف، وهو أخو نصر بن عاصم، وقد وثَّقه النَّسَائي، وعقبة بن مالك: ذكر غيرُ واحدٍ أن له صحبةً، منهم أبو حاتم الرازي، واللَّه أعلم. (¬1) رواه مسلم (50). (¬2) رواه مسلم (1839)، وكذا البخاري (2796). (¬3) رواه أبو داود (2627).

1216 - وروى مسلم من حديث مَعقِل بن يسار في قصة: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "ما مِن أميرٍ يَلِي أمرَ المسلمين، ثم لا يَجهَدُ لهم ويَنصَحُ إلا لم يَدخُلْ معهم الجنةَ" (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه مسلم (142).

3 - باب الأقضية

3 - باب الأَقضِيَة 1217 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن جُعِلَ قاضيًا فإنَّه قد ذُبحَ بغيرِ سكِّين" (*) (¬1). وفي رواية: "مَن استُعملَ على القضاء فكأنما ذُبحَ بالسِّكِّين" (¬2). أخرجهما النَّسائي من حديث عثمان الأخنسي، وقد وثَّقه يحيى بن مَعين، ومسَّه النَّسائي (**). ¬

_ (*) قال علي بن المَديني: حديث أبي هريرة، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن جُعِلَ على القضاء فقد ذُبحَ بغيرِ سِكِّينٍ": رواه ابن أبي ذئب، عن عثمان بن محمد الأخنسي، وروى عثمان هذا أحاديثَ مَنَاكيرَ عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، ورواه عبد اللَّه بن جعفر، فخالَفَ ابنَ أبي ذئب في إسناده. ورواه عن الأخنسي، عن المَقْبُري وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرةَ، والحديثُ عندي حديثُ المَقْبُري. (**) وأخرجه أبو داود والتِّرْمِذي باسنادٍ آخرَ، رواتُه كلُّهم ثقاتٌ على شرط "الصحيحين"، وحسَّنه (ت). (¬1) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5923)، وأبو داود (3572)، والترمذي (1325)، وابن ماجه (2308). (¬2) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5924).

1218 - وعن أبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يا أبا ذَرٍّ! إني أراك ضعيفًا، وإني أُحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي؛ لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ" (¬1). 1219 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اللهم إني أُحرِّجُ (¬2) على حقِّ الضعيفَينِ: اليتيم، والمرأةِ" (*) (¬3). 1220 - وعن عبد الرحمن بن سَمُرةَ قال: قال لي رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عبدَ الرحمن بنَ سَمُرةَ! لا تَسألِ الإمارةَ؛ فإنك إن أُعطيتَها عن مسألةٍ وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غيرِ مسألةٍ أُعنتَ عليها" (**) (¬4). 1221 - وعن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ قال: كتب أبي، وكتبتُ له إلى عبد اللَّه بن أبي بَكْرَةَ، وهو قاضٍ بسِجِستانَ: أن لا تَحكُمَ بين اثنين وأنتَ غضبانُ؛ فإني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا يَحكُمْ أحدٌ بين اثنين وهو غضبانُ" (¬5). 1222 - وعن عمرو بن العاص: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذا ¬

_ (*) أخرجهما مسلم. (**) الحديث. وقد تقدم، وهو متفق عليه. (¬1) رواه مسلم (1826). (¬2) أي: إني أُلحق الحرج وهو الإثم بمن ضيَّع حقَّهما. (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (9149)، وابن ماجه (3678). (¬4) رواه البخاري (6727)، ومسلم (1652). (¬5) رواه البخاري (6739)، ومسلم (1717).

حَكَمَ الحاكمُ واجتهدَ، ثم أصابَ فله أجرانِ، وإذا حَكَمَ الحاكمُ فاجتهدَ، ثم أَخطَأ فله أجرٌ" (¬1). 1223 - وعن أمِّ سَلَمةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إلَيَّ، ولعل بعضَكم أن يكونَ ألْحَنَ (¬2) بحجَّتِه من بعض، فأقضِيَ له على نحوِ مما أَسمعُ منه، فمَن قطعتُ له مِن حقِّ أخيه شيئًا فلا يَأخُذْه؛ فإنما أَقطعُ له قطعةً من النار" (*) (¬3). 1224 - وعنها قالت: أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلانِ يختصمانِ في مَوَاريثَ لهما، لم تكنْ لهما بيِّنةٌ إلا دعواهما، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال أبو داود: فذكر مثلَه، يعني: مثلَه "إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلَيَّ"، الحديث. فبكى الرجلانِ، وقال كلُّ واحدٍ منهما: حقِّي لك، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أمَّا إذ فعلتُما ما فعلتُما فاقتَسِمَا وتوخَّيَا الحقَّ، ثم استَهِمَا، ثم تحالَّا" (¬4). أخرجه أبو داود (¬5). وعنده في رواية: يختصمان في مَواريثَ وأشياءَ قد دَرَسَتْ، فقال: "إنما أَقضِي بينكم برأيي فيما لم يُنزَلْ عليَّ فيه" (¬6). ¬

_ (*) متفق عليها. (¬1) رواه البخاري (6919)، ومسلم (1716). (¬2) أي: أبلغ وأعلم بالحجة. (¬3) رواه البخاري (6566)، ومسلم (1713). (¬4) أي: ليجعل كل واحد منكما صاحبه في حلٍّ من قبله. (¬5) رواه أبو داود (3584). (¬6) رواه أبو داود (3585).

في إسنادهما أسامة بن زيد (*). 1225 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: دخلَتْ هندُ بنتُ عتبةَ امرأةُ أبي سفيانَ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسولَ اللَّه! إن أبا سفيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يُعطيني من النفقة ما يَكفيني ويكفي بَنِيَّ، إلا ما أخذتُ من ماله بغير علمه، فهل عليَّ في ذلك من جُنَاحٍ؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خُذِي من ماله بالمعروف ما يَكفيك ويكفي بَنِيك" (**) (¬1). 1226 - وعنها -رضي اللَّه عنها-: أن رجلًا أتى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُخاصمُ أباه في دَينٍ عليه، فقال نبيُّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتَ ومالُكَ لأبيكَ". أخرجه ابن حبَّان (¬2). 1227 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بينما امرأتانِ معهما ابناهما، جاء الذئبُ فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهبَ بابنكِ أنتِ، وقالت الأخرى: إنما ذهبَ بابنكِ، فتحاكَمَا إلى داودَ عليه السلامُ، فقضَى به للكبرى، فخرجَتَا على سليمانَ بنِ داودَ عليه السلامُ، فأخبرتاه، فقال: ائِتُوني بالسِّكِّين أَشقَّه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمك اللَّه، هو ابنُها، فقضَى به للصغرى". قال: قال أبو هريرة: واللَّهِ إن سمعتُ بالسِّكِّين قطُّ إلا يومَئذٍ، ما كنا ¬

_ (*) وقد رَوى له مسلم، وباقيهم متفق عليه. (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (5049)، ومسلم (1714). (¬2) رواه ابن حبان (410).

نقول إلا: المُدية (*) (¬1). 1228 - وعن عبد اللَّه بن عمرو - رضي اللَّه عنهما- قال: لَعَنَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الراشيَ والمُرتَشِيَ. أخرجه التِّرْمِذي وصحَّحه (¬2). 1229 - وعن أبي حُمَيد الساعِدي قال: استَعملَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلًا من الأَسْد، يُقال له: ابنُ اللُّتْبِيَّة، قال عمرو بن أبي عمرو: على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي، قال: فقام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على المِنبر، فحمد اللَّه وأثنَى عليه وقال: "ما بالُ عاملٍ أبعثُه، فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي، أفلا قعدَ في بيتِ أبيه وأمِّه حتى يَنظرَ أيُهدَى إليه أم لا؟ والذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه! لا ينال أحدٌ منكم منها شيئًا إلا جاء به يومَ القيامة يحملُه على عنقه، بعيرٌ له رُغَاءٌ (¬3)، أو بقرةٌ لها خُوارٌ، أو شاةٌ تيَعَرُ (¬4)، ثم رفع يدَيه حتى رأينا عفرتَي إبطَيه، ثم قال: اللهم هل بلَّغتُ؟ " مرتين (**) (¬5). * * * ¬

_ (*) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (**) متفق عليه، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (3244)، ومسلم (1720). (¬2) رواه الترمذي (1337)، وأبو داود (3580)، وابن ماجه (2313). (¬3) الرُّغاء: صوت البعير. (¬4) اليَعَار: صوت الشاة. (¬5) رواه البخاري (6578)، ومسلم (1832).

4 - باب الشهادات

4 - باب الشهادات 1230 - عن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "سِبَابُ المسلمِ فسوقٌ، وقتالُه كفرٌ" (¬1). 1231 - وعنه قال: سألتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أيُّ الذنبِ أعظمُ عندَ اللَّه؟ قال: "أن تَجعلَ للَّه ندًّا وهو خلقَك". قال: قلت له: إن ذلك لَعظيمٌ، قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: "ثم أن تَقتلَ ولدَك مخافةَ أن يَطعَمَ معك". قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: "ثم أن تُزانِيَ حليلةَ جارِك" (*) (¬2). 1232 - وعن أبي أمامة -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن اقتطعَ حقَّ امرئٍ مسلم بيمينه فقد أَوجبَ اللَّهُ له النارَ، وحرَّم عليه الجنةَ"، فقال له رجلٌ: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسولَ اللَّه؟ قال: "وإنْ قضيبٌ من أراكٍ" (**) (¬3). ¬

_ (*) متفق عليهما. (**) أخرجه مسلم والنَّسائي وابن ماجه. وأبو أمامة هذا: هو إياس بن ثعلبة الأنصاري، وليس بالباهلي. (¬1) رواه البخاري (48)، ومسلم (64). (¬2) رواه البخاري (4207)، ومسلم (86). (¬3) رواه مسلم (137).

1233 - وعن عبد الرحمن بن أبي بَكْرَة، عن أبيه قال: كنا عند النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "ألا أُنبِّئكم بأكبرِ الكبائر؟ " ثلاثًا، قلنا: بلى، قال: "الأشراكُ باللَّه، وعقوقُ الوالدَينِ، وشهادةُ الزُّور، أو: قولُ الزُّور". وكان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُتَّكِئًا فجلسَ، فما زال يُكرَّرُها حتى قلنا: ليتَه سكتَ (¬1). 1234 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقاتِ"، قيل: يا رسول اللَّه! وما هنَّ؟ قال: "الشِّركُ باللَّه، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم اللَّهُ الا بالحقِّ، وأكلُ مال اليتيم، وأكلُ الرِّبا، والتولِّي يومَ الزحف، وقذفُ المُحصَناتِ الغافلاتِ المؤمناتِ" (¬2). 1235 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إن مِن الكبائر أن يَشتُمَ الرجلُ والدَيه"، قالوا: يا رسولَ اللَّه! وهل يشتمُ الرجلُ والدَيه؟ قال: "نعم، يَسبُّ أبا الرجل فيَسبُّ أباه، ويَسبُّ أمَّه فيَسبُّ أمَّه" (*) (¬3). 1236 - وعن عبد الملك بن سعيد بن جُبَير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: خرج رجلٌ من بني سَهْم مع تميم الداري وعدي بن بَدَاء، فمات السَّهميُّ بأرضٍ ليس فيها مسلمٌ، قال: فلما قدموا بتَرِكَتِه فقدوا جامًا ¬

_ (*) متفق عليها ثلاثتِها، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه البخاري (2511)، ومسلم (87). (¬2) رواه البخاري (2615)، ومسلم (89). (¬3) رواه البخاري (5628)، ومسلم (90).

من فضةٍ مُخوَّصًا بذهبٍ، فأَحلَفَهما رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم وُجد الجامُ بمكةَ، فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي بن بَدَاء، فقام رجلان من أوليائه فحلَفَا لَشهادتُنا أحقُّ من شهادتهما، وإن الجامَ لصاحبِهم، قال: وفيهم نَزلتْ هذه الآيةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: 106]. أخرجه البُخاري (*) (¬1). والمُخوَّص: ما جُعل عليه من الذهب ما يُشبه الخُوص. 1237 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رَدَّ شهادةَ الخائنِ والخائنةِ وذي الغِمْرِ على أخيه، ورَدَّ شهادةَ القانعِ (¬2) لأهلِ البيتِ، وأجازَها لغيرهم. اختُلف في الاحتجاج بهذا وببعض رواته، وأخرجه أبو داود (**)، وقال: الغِمْر: ¬

_ (*) وأخرجه أبو داود، والتِّرْمِذي وقال: حسن غريب، وأخرجه البُخاري فقال: وقال لي عليُّ بنُ عبد اللَّه، يعني: ابنَ المَديني، ذكره، وهذه عادته في ما لم يكن على شرطه، وقد تكلم عليُّ بنُ المَديني على هذا الحديث، وقال: لا أعرف ابن أبي القاسم، وقال: وهو حديث حسن، هذا آخر كلامه. وابن أبي القاسم هذا: هو محمد بن أبي القاسم الطويل، قال يحيى بن مَعين: ثقةٌ قد كتبتُ عنه. (**) من رواية محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو، وقد تقدَّمَا. (¬1) رواه البخاري (2628). (¬2) أي: السائل المقتنع الصابر بأدنى قوت، والمراد به هنا: مَنْ كان في نفقة أحدٍ كالخادم والتابع.

الحِنَة والشَّحناء (¬1). 1238 - وروى أبو داود أيضًا عن أبي هريرة (*): أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "لا تجوزُ شهادةُ بَدَويٍّ على صاحبِ قريةٍ". رواه من حديث ابن وهب (¬2)، ورجالُه منه إلى منتهاه رجالُ الصحيح (**). 1239 - وعن زيد بن خالد الجُهَني: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ألا أُخبِرُكم بخيرِ الشهداء؛ الذي يأتي بشهادته قبلَ أن يُسألَها" (...) (¬3). * * * ¬

_ (*) هو من رواية عطاء عن أبي هريرة. (**) لكنَّ شيخَ أبي داود فيه كلامٌ، وهو أحمد بن سعيد الهَمْدَاني، وأخرجه ابن ماجه، عن حرملة، عن ابن وهب؛ فصحَّ إسنادُه إذًا. وقال البَيْهَقي: وهذا الحديثُ مما تفرد به محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار. (...) أخرجوه إلا البُخاري، واللفظ لمسلم. (¬1) رواه أبو داود (3600). (¬2) رواه أبو داود (3602)، وابن ماجه (2367). (¬3) رواه مسلم (1719).

5 - باب الدعوى والبينات

5 - باب الدَّعوى والبيِّنات 1240 - روى مسلم من حديث أبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-: أنه سمع رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: فذكر حديثًا، فيه: "ومَن ادَّعَى ما ليس له فليس منا، وَلْيَتبوَّأْ مقعدَه من النار" (¬1). 1241 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فال: "لو أُعْطِيَ الناسُ بدَعواهم لَادَّعَى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالَهم، ولكنَّ اليمينَ على المُدَّعَى عليه" (¬2) (*). ¬

_ (*) قال أبو زكريا النَّوَوي: هكذا رَوى هذا الحديثَ البُخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" مرفوعًا من رواية ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهكذا ذكره أصحاب "السُّنَن" وغيرُهم. قال القاضي عياض: وقال الأَصِيلي: لا يصحُّ مرفوعًا؛ إنما هو قول ابن عباس، كذا ذكره أيوب ونافع الجُمَحي، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن عباس. قال القاضي: قد رواه البُخاري ومسلم من رواية ابن جُرَيج مرفوعًا، هذا كلام القاضي. قلت: وقد رواه أبو داود والتِّرْمِذي بأسانيدهما، عن نافع بن عمر الجُمَحي، عن ابن أبي مُلَيكة، عن ابن عباس، عن النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مرفوعًا. قال التِّرْمِذي: = (¬1) رواه مسلم (61). (¬2) رواه البخاري (4277)، ومسلم (1711).

1242 - وعنه: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قضَى بيمينٍ وشاهدٍ (¬1). 1243 - وعن عقبة بن الحارث قال: تزوَّجتُ امرأةً، فجاءتِ امرأةٌ فقالت: إني قد أَرضعتُكما، فأتيتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "وكيف وقد قِيل؟ دَعْها عنك"، أو: نحوه. لفظ رواية البُخاري (¬2). وفي رواية: فنهاه عنها (¬3). 1244 - وعن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: جاء رجلٌ من حَضرَمَوتَ ورجلٌ من كِندَةَ إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال الحَضرَمي: يا رسولَ اللَّه! إن هذا قد غلَبَني على أرضٍ لي كانت لأبي، فقال الكِندي: هي أرضي في يدي أَزرعُها، وليس له فيها حقٌّ، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للحَضرَمي: "ألك بيِّنةٌ؟ " قال: لا، قال: "فلك يمينُه"، قال: يا رسولَ اللَّه! إن الرجلَ فاجرٌ لا يُبالي ما حلَفَ عليه، وليس يتورَّعُ من شيءٍ، فقال: "ليس لك منه إلا ذلك"، الحديث (*) (¬4). ¬

_ = حديث حسن صحيح. وجاء في رواية البَيْهَقي وغيره بإسنادٍ حسنٍ صحيحِ زيادةٌ عن ابن عباس، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لو يُعطَى الناسُ بدَعواهم لَادَّعَى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالَهم؛ لكنَّ البيِّنةَ على المُدَّعِي، واليمينَ على مَن أَنكَرَ". (*) أخرجه مسلم والتِّرْمِذي. (¬1) رواه مسلم (1712). (¬2) رواه البخاري (2517). (¬3) رواه البخاري (2516). (¬4) رواه مسلم (139).

1245 - وعن قتادة، عن سعيد بن أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه أبي موسى الأشعري: أن رجلَينِ ادَّعيَا بعيرًا، أو: دابةً إلى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليست لواحدٍ منهما بيِّنةٌ، فجعلَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما. أخرجه أبو داود من رواية سعيد، عن قتادة (¬1). وخالف همام عن قتادة بسنده، فقال: إن رجلَينِ ادَّعيَا بعيرًا على عهد النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبعث كلُّ واحدٍ منهما شاهدَينِ، فقسمَه النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما نصفَينِ (¬2). وعند النَّسائي من رواية قتادة، عن النَّضر بن أنس، عن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه: أن رجلَينِ ادَّعيَا دابةً وجداها عن رجلٍ، فأقام كل واحدٍ منهما شاهدَينِ أنها دابتُه، فقضَى بها النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما نصفَينِ (¬3). رواه ابن حبَّان من حديث قتادة، عن النَّضر بن أنس، عن بَشير بن نَهِيك، عن أبي هريرةَ: أن رجلَينِ ادَّعيَا دابةً، فأقام كلُّ واحدٍ منهما شاهدَينِ، فقضَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بينهما نصفَينِ (¬4). 1246 - وروى قتادة، عن خِلَاس بن عمرو، عن أبي رافع، عن أبي هريرةَ: أن رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اختصم إليه رجلانِ في متاعٍ، ليس لواحدٍ منهما بيِّنةٌ، ¬

_ (¬1) رواه أبو داود (3613). (¬2) رواه أبو داود (3615). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5997). (¬4) رواه ابن حبان (5068).

فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "استَهِمَا (¬1) على اليمين ما كان، أحبَّا ذلك أم كَرِهَا". أخرجه أبو داود (*) (¬2). وعند النَّسائي في هذا الإسناد: أن رجلَينِ ادَّعيَا دابةً، ولم تكنْ لهما بيِّنةٌ، فأمرَهما رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَستَهِمَا على اليمين (¬3). 1247 - وعند البُخاري عن أبي هريرة: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَرَضَ على قومٍ اليمينَ، فأَسرَعُوا، فأَمرَ أن يُسهَمَ بينهم في اليمين، أيُّهم يَحلف؟ (¬4) 1248 - وروى أبو يَعلَى (**) من حديث القاسم بن مُخوَّل البَهْزِي ثم السُّلَمي قال: سمعتُ أبي -وكان قد أدركَ الجاهليةَ والإسلامَ- يقول: نصبتُ حبائلي بالأَبواء، فوقع في حبلي ظبيٌّ فأَفلَتَ به، فخرجتُ في أثره، فوجدتُ رجلًا قد أخذَه، فتنازَعْنا فيه، فتساوَقْنا (¬5) إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوجَدْناه نازلًا بالأبواء تحتَ شجرةٍ يَستظلُّ بنِطَعٍ (¬6)، فاختصَمْنا إليه، ¬

_ (*) وكل هؤلاء رجال "الصحيحين". (**) تفرد به محمد بن سليمان بن مَسمُول، وقد ضعَّفَه أبو حاتم والنَّسَائي، وكان الحُميدي يتكلَّم فيه، وقال ابن عدي: عامةُ ما يَرويه لا يُتابَعُ عليه، لا في إسنادِه ولا في متنِه. (¬1) أي: اقترِعا. (¬2) رواه أبو داود (3616). (¬3) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (5999). (¬4) رواه البخاري (2529). (¬5) أي: تلازمنا في الذهاب بحيث أن كلًا منهما كان كالذي يسوق الآخر. (¬6) بساط من الأديم.

فقضَى به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيننا شطرَينِ، قلت: يا رسولَ اللَّه! نَلقَى الإبلَ فيها لَبُونٌ (*) وهي مُصَرَّاةٌ، وهم يحتاجون؟ قال: "نادِ صاحبَ الأبل ثلاثًا، فإن أجابك وإلا فاحلُلْ صِرَارَها، ثم اشرَبْ، ثم صُرَّ وأَبْقِ لِلَّبَنِ دواعيَه (**) ". قلت: يا رسولَ اللَّه! الضَّوَالُّ تَردُ عِلينا، هل لنا أجرٌ أن نَسقيَها؟ قال: "نعم، في كلِّ كبدٍ حرَّى (...) أجرٌ"، الحديث (****) (¬1). 1249 - وروى مالك من حديث جابر بن عبد اللَّه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مَن حلَفَ على مِنبري هذا بيمينٍ آثمةٍ تَبَوَّأْ مقعدَه من النار" (¬2). 1250 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللَّهُ، ولا يَنظرُ إليهم ولا يُزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ على فضلِ ماءً بطريقٍ يَمنعُ منه ابنَ السبيل، ورجلٌ بايَعَ رجلًا لا يُبايعُه إلا للدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفَّى له، وإلا لم يَفِ له، ورجلٌ ساوَمَ ¬

_ (*) ذات لبن. (**) يعني: أي أَبْقِ شيئًا منه كي يَدعوَ غيرَه، وهذا كقوله في حديث ضِرَارٍ: "دَعْ داعيَ اللَّبَن". (...) مقصور (¬3). (****) رواه أبو داود والنَّسائي وابن ماجه وأبو حاتم بن حبَّان. (¬1) رواه أبو داود (1568). (¬2) رواه الأمام مالك في "الموطأ" (2/ 727)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6018). (¬3) وهي على وزن سَكْرى؛ من الحر تاثيث حران، يريد: أنها لشدة حرها وقد عطشت ويبست من العطش.

رجلًا سلعةً بعد العصر، فحلفَ باللَّه لقد أُعطِيَ بها كذا وكذا، فأخذَها". لفظ رواية البُخاري (¬1). * * * ¬

_ (¬1) رواه البخاري (2527)، ومسلم (108).

[14] كتاب الجامع

[14] كتاب الجامع

[14] كتاب الجامع 1251 - عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمالُ بالنيَّةِ، وإنما لامرئ ما نوَى؛ فمَن كانت هجرتُه إلى اللَّه ورسوله فهجرتُه إلى اللَّه ورسوله، ومَن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبها، أو امرأةٍ يتزوَّجُها فهجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه". متفق عليه، واللفظ لمسلم (¬1). وعند البخاري: "بالنيَّات" (¬2). 1252 - وعن الشَّعبي، عن النعمان بن بَشير قال: سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول -وأهوى النعمان بأصبعَيه إلى أذنيَه-: "إن الحلالَ بيِّنٌ، والحرامَ بيِّنٌ، وبينهما مشتبهاتٌ لا يَعلَمُهنَّ كثيرٌ من الناس؛ فمَن اتقَى الشُّبهاتِ استَبرَأَ لدِينِه وعِرضِه، ومَن وقعَ في الشُّبهاتِ وقع في الحرام، كالراعي يَرعَى حولَ الحِمَى يُوشكُ أن يَرتَعَ فيه، ألا وإن لكلِّ مَلكٍ حِمًى، ألا وإن حِمَى اللَّه مَحارمُه، ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّه، وإذا ¬

_ (¬1) رواه البخاري (54)، ومسلم (1907). (¬2) رواه البخاري (1).

فَسَدَتْ فَسَدَ الجسدُ كلُّه؛ ألا وهي القلبُ" (¬1) 1253 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ" (¬2). 1254 - وعنها في حديث بَرِيرة: "ما كان مِن شرطٍ ليس في كتاب اللَّه فهو باطلٌ، وإن كان مئةَ شرطٍ". هذا من رواية هشام، عن أبيه عروة (¬3). ومن رواية الزُّهري، عن عروة "مَن اشتَرطَ شرطًا ليس في كتاب اللَّه عز وجل فليس له، وإن شرطَ مئةَ مرةٍ" (¬4). 1255 - ومن حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ وأن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضان" (*) (¬5). 1256 - وعن النوَّاس بن سَمْعان -رضي اللَّه عنه- في حديث: فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البِرُّ حسنُ الخُلق، والأثمُ ما حاكَ في صدرِك وكرهتَ أن يَطَّلعَ ¬

_ (*) وكلُّها متفق عليها. (¬1) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599). (¬2) رواه البخاري (2550)، ومسلم (1718). (¬3) رواه البخاري (2060)، ومسلم (1504). (¬4) رواه البخاري (2047)، ومسلم (1504). (¬5) رواه البخاري (8)، ومسلم (16).

عليه الناسُ" (¬1). 1257 - وعن تميم الدارِي -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الدِّينُ النصيحةُ"، قلنا: لِمَن؟ قال: "للَّهِ، ولكتابِه، ولرسولِه، ولأئمَّةِ المسلمين، وعامتِهم" (¬2). 1258 - وعن حذيفةَ -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كلُّ معروفٍ صدقةٌ" (¬3). 1259 - وفي حديث لأبي مسعود -رضي اللَّه عنه-: فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجرِ فاعلِه" (¬4). 1260 - وعن أبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تَحقِرَنَّ مِن المعروفِ شيئًا، ولو أن تَلقَى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ" (¬5). 1261 - وعن المغيرة بن شعبة: إني سمعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إن اللَّهَ عز وجل كَرِهَ لكم ثلاثًا: قِيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال" (¬6). وفي الحديث قصة (*). * * * ¬

_ (*) وكلُّها عند مسلم منفردًا بها، إلا الحديثَ الأخيرَ. (¬1) رواه مسلم (2553). (¬2) رواه مسلم (55). (¬3) رواه مسلم (1005). ورواه البخاري (5675)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-. (¬4) رواه مسلم (1893). (¬5) رواه مسلم (2626). (¬6) رواه البخاري (1407)، ومسلم (593).

فصل في جمل من الأمر

فصل في جُمَلٍ من الأمر 1262 - وعن أبي موسى -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَطعِمُوا الجائعَ، وعُودُوا المريضَ، وفُكُّوا العانِيَ (¬1) " (¬2). 1263 - وعن المِقدَام -رضي اللَّه عنه-، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "كِيلُوا طعامَكم يُبارَكْ لكم فيه" (*) (¬3). 1264 - وعن عامر بن سعد، عن أبيه -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمرَ بقتلِ الوَزَغِ، وسَمَّاه: فُوَيسقًا (¬4). 1265 - وعن أبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه- قال: إن خليلي أوصاني: "إذا طبختَ مَرَقًا فأَكثِرْ ماءَه، ثم انظرْ إلى أهلِ بيتٍ من جيرانك فأَصِبْهم منها بمعروفٍ" (**) (¬5). ¬

_ (*) انفرد بهما البُخاري. (**) عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بلِّغُوا عني ولو آيةَ، وحدِّثُوا عن بني إسرائيلَ ولا حرجَ، ومَن كَذَبَ علىَّ مُتعمِّدًا فَلْيتَبؤَّأْ مقعدَه من النار". رواه البُخاري. (¬1) أي: الأسير. (¬2) رواه البخاري (5058). (¬3) رواه البخاري (2021). (¬4) رواه مسلم (2238). (¬5) رواه مسلم (2625).

1266 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه-: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "اتَّقُوا الظُّلمَ؛ فإن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، واتقُوا الشُحَّ؛ فإن الشُّحَّ أهلَكَ مَن كان قبلَكم، حَمَلَهم على أن سَفَكُوا دماءَهم واستَحلُّوا مَحَارمَهم" (¬1). 1267 - وعنه قال: أُتِيَ بأبي قُحَافةَ يومَ فتحِ مكةَ، ورأسُه ولحيتُه كالثُّغَامة (¬2) بياضًا، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غيِّرُوا هذا بشيءٍ، واجتَنِبُوا السَّوادَ" (¬3). 1268 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا قامَ أحدُكم من الليل، فاستَعجَمَ (¬4) القرآنُ على لسانه، فلم يَدْرِ ما يقول فَلْيَضطحعْ" (¬5). 1269 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قام أحدُكم من الليل فَلْيَفتتِحِ الصلاةَ بركعتَينِ خفيفتَينِ" (¬6). 1270 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جُزُّوا (¬7) الشَّواربَ، وأَرخُوا اللِّحَى؛ خالِفوا المجوسَ" (¬8). 1271 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ ¬

_ (¬1) رواه مسلم (2578). (¬2) نبات له ثمر أرض. (¬3) رواه مسلم (2102). (¬4) أي: استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس. (¬5) رواه مسلم (787). (¬6) رواه مسلم (768). (¬7) الجز: قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد. (¬8) رواه مسلم (260).

الى اللَّه تعالى من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفعُك، واستَعِنْ باللَّه ولا تَعجَزْ، وإن أصابك شيءٌ فلا تَقُلْ: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَّرَ اللَّهُ وما شاء فعلَ، فإن لو تَفتحُ عملَ الشيطان" (¬1). 1272 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا سافرتُم في الخِصْبِ (¬2) فأَعَطُوا الإبلَ حظَّها من الأرض، وإذا سافرتُم في السَّنَةِ (¬3) فبَادِرُوا بها نِقْيَها (¬4)، واذا عرَّستُم فاجتَنِبُوا الطريقَ؛ فإنها طرقُ الدَّوَابِّ ومَاوَى الهَوَامِّ بالليل" (¬5). 1273 - وعنه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "أَقرَبُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجدٌ؛ فأكثِرُوا الدعاءَ" (¬6). 1274 - وعن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في غزوةٍ غزَوناها: "استكثِرُوا من النِّعال؛ فإن الرجلَ لا يزال راكبًا ما انتَعلَ (¬7) " (*) (¬8). * * * ¬

_ (*) انفرد بها كلِّها مسلم. (¬1) رواه مسلم (2664). (¬2) كثرة العُشب والمرعى. (¬3) القحط. (¬4) أي: مُخّها، والمعنى: قللوا السير حتى لا تضعف ويذهب نقيها. (¬5) رواه مسلم (1926). (¬6) رواه مسلم (482). (¬7) معناه: أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه وقلة تعبه وسلامة رجله مما يعرض في الطريق من شوك وأذى ونحوه. (¬8) رواه مسلم (2096).

فصل في جمل من النهي

فصل في جُمَل من النهي 1275 - عن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إياكم والظَّنَّ؛ فإن الظَّنَّ أكذبُ الحديث" (¬1). 1276 - وعنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يُشيرَنَّ أحدُكم الى أخيه بالسلاحِ"، الحديث (¬2). 1277 - وعن أبي سعيد الخُدْري -رضي اللَّه عنه- قال: نَهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن اختِنَاثِ الأَسقِيَة؛ أن يُشرَبَ من أفواهها (¬3). وفي رواية: واختِناثُها: أن يُقلَبَ رأسُها ثم يُشرَبَ منه (¬4). 1278 - وعن أبي أيوب -رضي اللَّه عنه-: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخيرُهما الذي يَبدأُ بالسلام" (¬5). 1279 - وعن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا أَكَلَ أحدُكم فلا يَمسَحْ يدَه حتى يَلعَقَها، أو يُلعِقَها" (¬6). ¬

_ (¬1) رواه البخاري (4849)، ومسلم (2563). (¬2) رواه البخاري (6661)، ومسلم (2617). (¬3) رواه البخاري (5302)، ومسلم (2023). (¬4) رواه مسلم (2023). (¬5) رواه البخاري (5727)، ومسلم (2560). (¬6) رواه البخاري (5140)، ومسلم (2031).

1280 - وعن عائشةَ -رضي اللَّه عنها- قالت: نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] في الدعاء (¬1). 1281 - وعنها، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يَقُلْ أحدُكم: خَبُثَتْ نفسي، ولكن لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نفسي" (*) (¬2). 1282 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه-: أن رجلًا قال للنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أَوصِنِي، قال: "لا تَغضَبْ"، فردَّد مرارًا، قال: "لا تَغضَبْ" (**) (¬3). 1283 - وعن عبد اللَّه بن يزيد الأنصاري: أن النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن المُثْلَةِ، والنُّهْبَى (...) (¬4). 1284 - وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: نهَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يَقرِنَ الرجلُ بين التمرتَينِ حتى يَستأذنَ أصحابَه (¬5). وفي رواية: قال شعبة: لا أَرَى هذه الكلمةَ إلا من قول ابن عمر، ¬

_ (*) متفق عليها كلِّها. (**) البُخاري، عن أبي هريرةَ، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا عطسَ أحدُكم فَلْيَقُلِ: الحمدُ للَّه، وَلْيقُلْ له أخوه، أو: صاحبُه: يَرحمُك اللَّهُ، فإذا قال له: يَرحمُك اللَّهُ فَلْيَقُلْ: يَهدِيكم اللَّهُ ويُصلِحُ بالَكم". (...) انفرد بهما البُخاري. (¬1) رواه البخاري (5968)، ومسلم (447). (¬2) رواه البخاري (5825)، ومسلم (2250). (¬3) رواه البخاري (5765). (¬4) رواه البخاري (5197). (¬5) رواه البخاري (2357)، ومسلم (2045).

يعني: الاستئذان (¬1). 1285 - وفي حديث عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تَترُكُوا النارَ في بيوتكم حينَ تَنامُونَ" (*) (¬2). 1286 - وعن أبي هريرةَ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن عُرِضَ عليه رَيحانٌ فلا يَردَّه؛ فإنه خفيفُ المَحمِل طيِّبُ الرِّيح" (¬3). 1287 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا قاتَلَ أحدُكم أخاه فلا يَلطِمَنَّ الوجهَ" (¬4). وفي رواية: "فَلْيَجْتَنِبِ الوجهَ" (¬5). 1288 - وعنه: أن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا دعا أحدُكم فلا يَقُلْ: اللهم اغفِرْ لي إن شئتَ، ولكنْ لِيَعزِمِ المسالةَ وَلْيُعظِّم الرغبةَ؛ فإن اللَّهَ عز وجل لا يَتَعاظَمُه شيءٌ أعطَاه" (¬6). 1289 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "انظرُوا إلى مَن هو أسفلَ منكم، ولا تَنظرُوا إلى مَن هو فوقكم؛ فهو أجدرُ ألا تَزدَرُوا نعمةَ اللَّه عليكم" (¬7). ¬

_ (*) متفق عليهما. (¬1) رواه مسلم (2045). (¬2) رواه البخاري (5935)، ومسلم (2015). (¬3) رواه مسلم (2253). (¬4) رواه مسلم (2612). (¬5) رواه البخاري (2420)، ومسلم (2612). (¬6) رواه مسلم (2679). (¬7) رواه مسلم (2963).

1290 - وعنه، عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُسمُّوا العِنَبَ: الكَرْمَ؛ فإن الكَرْمَ المسلمُ" (¬1). وفي رواية: "فإن الكَرْمَ قلبُ المؤمن" (*) (¬2). 1291 - وعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سَمَّيتُ ابنتي: بَرَّةَ، فقالت لي زينبُ بنتُ أبي سَلَمةَ: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ بَرَّةَ، فقال النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا تُزكُوا أنفسَكم، اللَّهُ أعلمُ بأهلِ البِرِّ منكم"، فقالوا: بِمَ نُسمِّيها؟ قال: "سَمُّوها: زينبَ" (**) (¬3). * * * آخر كتاب "الإلمام بأحاديث الأحكام" وصلَّى اللَّهُ على محمَّدٍ وآلِه وصحبِه أجمعين، والحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين وكان الفراغُ منه يومَ الثلاثاء خامسَ شوال سنةَ تسعٍ وعشرين وسبعِ مئةٍ * * * ¬

_ (*) أخرجها مسلم، وبعضها متفق عليه. (**) أخرجه مسلم. (¬1) رواه مسلم (2247)، والبخاري (5828). (¬2) رواه البخاري (5829)، ومسلم (2247). (¬3) رواه مسلم (2142).

§1/1