الإقناع لابن المنذر

ابن المنذر

كتاب الوضوء

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وعلى آله وسلم تسليما. كتاب الوضوء 1 - أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ،

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غَلُولٍ»

باب ذكر الأحداث التي تنقض الطهارة وتوجب الوضوء

باب ذكر الأحداث التي تنقض الطهارة وتوجب الوضوء 2 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ

حُبَيْشٍ، قَالَ: أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الْمَسْحِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَأْمُرُنَا أَلا نَنْزَعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ: نَوْمٍ، وَغَائِطٍ، وَبَوْلٍ " الذي يوجب الوضوء خروج الغائط، والريح من الدبر، وخروج البول من ذكر الرجل، وقبل الْمَرْأَة، والمذي، والنوم وإن قل عَلَى أي حال كَانَ النوم، وملامسة

باب ذكر ما يوجب الغسل

الرجل أهله، وأكل لحوم الإبل، زوال العقل بأي وجه زال عقل المرء، بجنون أو إغماء، وجميع مَا خرج من ذكر رجل أو قبل امرأة أو دبرهما، أحداث كل واحد منها ينقض الوضوء ويوجب الطهارة ودم الاستحاضة يوجب الوضوء، ويقين الطهارة لا يزيله الشك في الحدث. باب ذكر مَا يوجب الغسل 3 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ،

عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ. قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ "

باب ذكر الآنية

الذي يوجب الاغتسال خروج الْمَاء الدافق من ذكر الرجل، وقبل الْمَرْأَة في اليقظة والنوم بجماع وغير جماع، والتقاء الختانين، ويجب عَلَى الحائض، وعلى النفساء الاغتسال عند طهرهما من المحيض والنفاس، ويجب عَلَى الكافر إذا أسلم أن يغتسل، وغسل الميت المسلم واجب عَلَى من علم بموته. باب ذكر الآنية 4 - نا أَبُو مَيْسَرَةَ، قَالَ: نا عَبْدُ الأَعْلَى، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالا: نا خَالِدٌ، عَنْ

سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَغْطِيَةِ الإِنَاءِ، وَإِيكَاءِ السِّقَاءِ» يستحب تغطية الإناء بالليل للوضوء، والوضوء جائز في جميع الآنية الطاهر منها، إلا آنية الذهب والفضة، فإنا نكره الوضوء منها، ويجزئ وضوء من توضأ فيها.

باب آداب الوضوء

باب آداب الوضوء 5 - حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَجْلانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَعْقَاعُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ، فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا يَسْتَدْبِرْهَا، وَإِذَا اسْتَطَابَ فَلا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ. وَكَانَ يَأْمُرُنَا بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ» من السنة أن يتباعد من الناس من أراد الغائط ويستتر، وله أن

باب ذكر الاستنجاء

يبول بقرب الناس، ويقول عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» . وَلا يستقبل القبلة وَلا يستدبرها للغائط والبول في الصحارى، وَلا حرج عليه في المنازل، وَلا يتغوط في طرق الناس وَلا مجالسهم، وَلا أبنيتهم، وَلا يمس ذكره بيمينه، إلا أن يكون بيساره علة يلجأ إِلَى أن يمسه بيمينه، والبول قائما وجالسا مباح، والوقوف عن ذكر اللَّه والمرء جالس للغائط والبول حسن، وَلا يرد السلام من عَلَى هذه الحال، ويستحب أن يضع الخاتم الذي فِيهِ ذكر اللَّه عند دخول الخلاء. باب ذكر الاستنجاء 6 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا ابْنُ

نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ عَلَّمَكُمْ صَاحِبُكُمْ حَتَّى يُوشِكَ أَنْ يُعَلِّمَكُمُ الْخِرَاءَةَ. فَقَالَ: أَجَلْ، «نَهَانَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْعِظَامِ، وَبِالرَّجِيعِ» .

باب السواك

وَقَالَ: «لا يَكْفِي أَحَدُكُمْ دُونَ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ» يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ إِذَا أَنْقَى، وَلا يُجْزِئُهُ دُونَ ثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، وَإِنْ لَمْ تُنَقِّهْ ثَلاثَةُ أَحْجَارٍ زَادَ حَتَّى يُنَقَّى، وَلا يُجْزِئُهُ فِيمَا عَدَا الْمَخْرَجِ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إِلا الْغُسْلَ بِالْمَاءِ، وَالاسْتِنْجَاءُ مِنَ الْبَوْلِ كَالاسْتِنْجَاءِ مِنَ الْغَائِطِ، وَيُجْزِئُ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَدَرِ، وَالْخَشَبِ، وَالْخِرَقِ، وَالْقُطْنِ، وَالْخَزَفِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ، وَلا يُسْتَنْجَى بِشَيْءٍ مِنَ الأَرْوَاثِ، وَلا بِمَا اسْتُنْجِيَ بِهِ مَرَّةً إِلا أَنْ يَطْهُرَ، وَلا يُسْتَنْجَى بِالْعِظَامِ وَلا بِشَيْءٍ نَجِسٍ، وَيُسْتَحَبُّ الاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ جَمَعَ الْحِجَارَةَ وَالْمَاءَ فَحَسَنٌ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا فَرَغَ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَمْسَحَ يَدَهُ بِتُرَابٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَغْسِلُ يَدَهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الاسْتِنْجَاءِ، وَيَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْخَلاءِ: «غُفْرَانَكَ» باب السواك 7 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا يَعْلَى، قَالَ:

نا مِسْعَرٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: " بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَبْدَأُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؟ قَالَتْ: بِالسِّوَاكِ

باب ذكر الماء

يبدأ إذا أراد المرء الوضوء بالسواك، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يبدأ إذا دخل بيته، ويستاك لكل وضوء، ولقيام الليل ". باب ذكر الْمَاء 8 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَحِمَّ مِنْ فَضْلِهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي اغْتَسَلْتُ فِيهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»

باب صفة الوضوء

فالماء كله طاهر يجوز الوضوء والاغتسال به إلا مَا حلت فِيهِ نجاسة غيرت للماء طعما أو لونًا أو ريحًا، فإن ذَلِكَ لا تجوز الطهارة به، والعذب والبحر والقليل والكثير منه سواء، وَلا يجوز الوضوء بشيء من الأشربة والأطعمة والألبان والأنبذة ومياه الشجر، وَلا بما يخالط الْمَاء من الأطعمة والأشربة حَتَّى يزال عنه اسم الْمَاء، وذلك مثل: العسل، واللبن، والخل يختلط بالماء فيزول عنه اسم الْمَاء، وَلا حد فيما يغتسل به المرء أو يتوضأ إلا الكفاية. والوضوء بفضل الجنب، والحائض، والنفساء جائز، وأسآر الدواب التي يؤكل لحومها، وَلا يؤكل طاهر، وإذا ولغ الكلب من بين الدواب في الإناء غسل سبعًا إحداهن بالتراب. باب صفة الوضوء 9 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ

أَبَانٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ «تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاثًا فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ» ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

باب المسح على الخفين

إذا أردت الوضوء فأن تغسل يديك ثلاثًا أحب إلي، ويجزئ واحدة، وليس عَلَى من تركه شيء، وقال: بسم اللَّه وأنوي الطهارة، ثم مضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا إن شئت من غرفة واحدة، وإن شئت من ثلاث غرف، ثم اغسل وجهك ثلاثًا تبدأ بأعلى الوجه، وحد الوجه الذي يجب غسله، مَا بين منابت شعر الرأس إِلَى الأذنين، واللحيين، والذقن، ويمر الْمَاء عَلَى ظاهر اللحية، وتمسح المؤقين ببعض أصابعك، ثم اغسل يدك اليمنى مَا بين أطراف الأصابع إِلَى المرفق ثلاثًا واليسرى كذلك، ثم تغترف الْمَاء بكفك اليمنى، ثم تمسح الكف اليمنى عَلَى اليسرى حَتَّى تصب مَا غرفت من كفيك، ثم تمسح برأسك تبدأ بمقدم رأسك حَتَّى تبلغ أطراف شعرك عَلَى قفاك، ثم تردهما إِلَى مقدم رأسك، وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما تدخل سبابتيك في صماخي أذنيك، وتمسح بإبهاميك ظهورهما، ثم تغسل رجلك اليمنى إِلَى الكعب، والكعب: هو الناتئ، ثم اليسرى كذلك، فإذا فرغت من وضوئك، قلت: سبحانك وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ويجزيك الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا أفضل. باب المسح عَلَى الخفين 10 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ

الأَوْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» ، وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ فِي مَسْأَلَتِهِ لَجَعَلَهُ خَمْسًا

المسح عَلَى جميع الخفاف جائز لثبوت الخبر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه أمرهم أن يمسحوا عَلَى خفافهم يومًا وليلة للمقيم، وثلاثًا للمسافر يمسح عَلَى ظهور الخفين خططًا بالأصابع، ويمسح عَلَى العمامة لثبوت ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أبي

بكر، وعمر.

باب التيمم

باب التيمم 11 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكِيمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ

أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ إِنْ أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: " إِنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَذَا ". وَضَرَبَ عَفَّانُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِمَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ

يتيمم الجنب والمحدث إذا لم يجد الْمَاء، ويفعل ذَلِكَ المريض الجنب الخائف عَلَى نفسه من البرد إن اغتسل في الحضر والسفر، وَلا إعادة عَلَى واحد منهم في وقت وغير وقت، وإن وجدوا الْمَاء، ومن ثبت لَهُ أن يتيمم فله أن يتيمم في أول الوقت، ويصلي وَلا إعادة عليه إن وجد الْمَاء في الوقت، وَلا بعد خروج الوقت. وأحسن مَا قيل في طلب الْمَاء: أن ينظر الطالب يمينًا وشمالا وبين يديه وخلفه، فإن وجد الْمَاء أو دل عليه وإلا يتيمم، ويعمد الذي يريد التيمم إِلَى الصعيد، فيضرب بيديه عليه ضربة واحدة، ثم يرفعهما فيمسح بهما وجهه وكفيه، وَلا يجوز التيمم بغير الصعيد الطاهر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» .

باب صفة الاغتسال من الجنابة

وله أن يصلي بتيمم واحد صلوات مكتوبات وغير ذَلِكَ، ويتيمم لكل مكتوبة أحوط، ويتيمم في قريب السفر وبعيده، وليس عليه أن يشتري الْمَاء بأكثر من ثمنه، وإذا خاف العطش ومعه ماء بقاه للشرب، ويتيمم وَلا يعيد، ويجامع من لا ماء مَعَهُ، ويتيمم ويصلي، ويجزئه، ويتيمم لصلاة النافلة، ولتجويد القرآن. وإذا تيمم ودخل في الصلاة، ثم رأى الْمَاء لم ينصرف بل يمضي فيها، وَلا يجوز التيمم بغير نية، وكل من تيمم فعليه إن كَانَ جنبًا أن يغتسل إذا وجد الْمَاء، ويتوضأ إن كَانَ محدثًا لما يستقبل من الصلوات، وتفعل الحائض إذا طهرت من حيضتها والنفساء عند طهرهما مَا يفعله الجنب في جميع مَا ذكرناه، ويؤم المتيمم المتطهرين. باب صفة الاغتسال من الجنابة 12 - نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ:

أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ كَفَّيْهِ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِهِ، حَتَّى إِذَا خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَبْرَأَ الْبَشْرَةَ، غَرَفَ بِيَدِهِ ثَلاثَ غَرْفَاتٍ فَصَبَّهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ» فإذا أردت أن تغتسل من الجنابة فاستتر. قَالَت ميمونة: «سترت رَسُول اللَّهِ وهو يغتسل من الجنابة» . ثم أفرغ الإناء عَلَى يدك اليمنى فاغسلها، ثم صب عَلَى فرجك فاغسل فرجك بشمالك، ثم اضرب بيدك الأرض فاغسلها، ثم توضأ وضوءك للصلاة، ثم أدخل أصابعك في الْمَاء فخلل بها أصول شعرك، ثم صب عَلَى رأسك ثلاثا، وتفيض الْمَاء عَلَى جلدك كله. ويكفي صاحب الجمة والشعر الكثير أن يتسرب الْمَاء أصول شعره، ويفيض الْمَاء في الاغتسال عَلَى الميامن قبل المياسر. والمرأة كالرجل في الاغتسال والحائض كالجنب غير أن الحائض تأخذ عند طهرها

باب ذكر طهارة الثياب والأبدان

شَيْئًا من مسك أو مسك تتبع به آثار الدم اتباعًا للسنة. باب ذكر طهارة الثياب والأبدان 13 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ

الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثَّوْبِ يُصِيبُهُ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، قَالَ: لِتُحَتَّهُ ثُمَّ لِتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ " غسل الغائط، والبول، والمذي، والدم يحت من الثوب الذي يريد المرء الصلاة فِيهِ سواء قليل ذَلِكَ وكثيره، ويستحب أن يفرك المني من الثوب، وليس ذَلِكَ

بواجب، لأنه طاهر وثياب المسلمين والمشركين الصغار منهم والكبار عَلَى الطهارة، حَتَّى يوقن المرء بنجاسة فيغسلها إذا أراد الصلاة فيها، وعرق الجنب والنصراني طاهر، وإذا صلى المرء في ثوب نجس، ثم علم بعد أن صلى فلا إعادة عليه، ويغسله لما يستقبل، وإذا كَانَ عَلَى الأرض بول أو خمر أو شيء من النجاسة صب عليه من الْمَاء مقدار مَا يغلب النجاسة، فإذا فعل ذَلِكَ طهر اتباعًا لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصب دلو عَلَى بول الأعرابي،

باب الحائض

وتجوز الصلاة عَلَى كل أرض طيبة، وَلا تجوز الصلاة عَلَى الأرض النجسة إلا بأن تطهر، أو يجعل المصلي بينه وبين الأرض حائلا من بساط أو تراب أو غيره. وَلا يصلى في معاطن الإبل، ويصلى في مرابض الغنم وبول مَا يؤكل لحمه طاهر، وبول مَا لا يؤكل لحمه نجس، فابن عَلَى هذا المثال مَا يرد عليك من المسائل. باب الحائض 14 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، قَالَ: نا هِشَامٌ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْحَيْضِ وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي "

أقل الحيض عند كثير من أصحابنا يوم وليلة، وأكثره خمس عشرة، والذي يلزم في ذَلِكَ الموجود في النساء كَانَ أقل مما قلته أو أكثر، وإذا رأت البكر الدم أول مرة تمسك عن الصلاة عند كثير من أصحابنا إِلَى خمس عشرة، فإذا زادت عَلَى ذَلِكَ اغتسلت وصلت وتعيد صلاة مَا زاد عَلَى يوم وليلة. والحامل لا تحيض، وليس عَلَى الحائض قضاء الصلاة، وتقضي الصوم لا اختلاف فِيهِ. قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ، فوطء الحائض محرم، فإن وطئ امرؤ الحائض استغفر اللَّه وَلا غرم عليه في ماله. إذا طهرت الْمَرْأَة من المحيض لم توطأ حَتَّى تغتسل، والمستحاضة يطؤها زوجها إذ حكمها حكم الطاهر في الصلاة، والصوم، وقراءة القرآن،

والطواف للحج ولغير الحج، ويباشر الرجل زوجته الحائض ويتقي موضع الدم، وأكثر النفاس عند أصحابنا شهران، وإن طهرت ليوم أو أقل من يوم اغتسلت وصلت.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة باب فرض الصلاة 15 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: نا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

باب ذكر مواقيت الصلاة

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ ، فَقَالَ: إِلا أَنْ تَطَوَّعَ " ففرائض الصلاة خمس وما سواهن تطوع، وَلا اختلاف أن الظهر أربع ركعات، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والصبح ركعتان، هذا فرض المقيم، وأما المسافر ففرضه ركعتان إلا المغرب، فإن فرض المسافر فِيهِ كفرض المقيم. باب ذكر مواقيت الصلاة 16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ:

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ، قَالَ: نا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: قُمْ يَا مُحَمَّدُ، فَصَلِّ الظُّهْرَ. فَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ. فَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ. فَقَامَ فَصَلاهَا حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ سَوَاءٌ، ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ. فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الصُّبْحَ. فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ فَصَلِّ الظُّهْرَ. فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ كَانَ فَيْءُ الرَّجُلِ مِثْلَيْهِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعَصْرَ. فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ وَقْتًا وَاحِدًا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْمَغْرِبَ. فَقَامَ فَصَلاهَا ثُمَّ جَاءَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ. فَقَامَ فَصَلاهَا، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْفَجْرِ حِينَ إِسْفَارِهَا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ. فَقَامَ فَصَلاهَا، فَقَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ "

أجمع أهل العلم عَلَى أن وقت الظهر زوال الشمس، ودلت السنة عَلَى أن آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس،

الشفق

وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثلي مَا كَانَ، وإن قل، وآخر وقته لمن لا عذر لَهُ أن تصفر الشمس عَلَى ظاهر حديث عبد الله بن عمر، ولمن لَهُ عذر بنوم أو غفلة، أو الحائض تطهر، أو الغلام يبلغ، أو الكافر يسلم أن يدرك أي هؤلاء أدرك ركعة منها قبل غروب الشمس، وصلاة المغرب تجب بغروب الشمس، وآخر وقتها أن يغيب الشفق لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تفوت صلاة حَتَّى يجيء وقت الأخرى» . الشفق والشفق اسم يقع عَلَى الحمرة والبياض جميعًا في اللغة

وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها طلوع الفجر، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها. وأول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني المستطير المعترض، وآخر وقتها لغير المعذور الإسفار، وللمعذور أن يصلي فيها ركعة قبل طلوع الشمس، والتغليس بالفجر أفضل، كفعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووقت صلاة الجمعة كوقت صلاة الظهر، صلاها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الزوال،

وتعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها أفضل إلا صلاة الظهر في شدة الحر، فإنه يبرد بها للسنة. ومن نام عن صلاة أو نسيها صلاها إذا ذكرها في أي وقت ذكرها، لقوله جل ذكره: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . والثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ:

«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» . ويتطوع المرء في كل وقت إلا وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها ووقت الزوال، للسنن الدالة عَلَى ذَلِكَ، وإذا صليت

كانت لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك أمرًا عامًا. وإذا ذكرت صلاة عليك، وأنت في صلاة فصل هذه واقض تلك، ليس عليك أكثر من ذَلِكَ، وإن ذكرت صلاة عليك وأنت في وقت أخرى تخاف فوتها فابدأ بالتي تخاف فوتها، ثم صل تلك، واجمع بين الصلاتين إن شئت في وقت الأولى منها، وإن شئت في وقت الآخرة، جمع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر، وبين المغرب

والعشاء في أول وقت العشاء وَلا تطوع بينهما.

باب ما جاء في الأذان

باب مَا جَاءَ في الأذان 17 - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُحَمَّدِ، قَالَ: نا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: نا الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» لا يؤذن للصلوات كلها إلا بعد دخول أوقاتها إلا أن يكون للمسجد مؤذنان، يؤذن أحدهما للصبح خاصة قبل طلوع الفجر، والآخر بعد طلوع الفجر، كفعل بلال، وابن أم مكتوم. والأذان الذي علم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا محذورة ولم يزل عليه أهل

الحرمين قديمًا وحديثًا إِلَى هذا الوقت: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، حي عَلَى الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه» . لم يزل أهل الحرمين يؤذنون في القديم والحديث بهذا الأذان غير أن أهل المدينة، يقولون: اللَّه أكبر. مرتين في أول الأذان، وأهل مكة يقولون أربع مرات.

والإقامة فرادى، وهي أن يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رَسُول اللَّهِ، حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح، قد قامت الصلاة، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه. لحديث أنس، قَالَ: «أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة» ، ويقول في أذان الفجر بعد قوله: «حي عَلَى الفلاح» : الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم. والأذان والإقامة واجبان عَلَى كل جماعة في السفر والحضر، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بهما، وأمره عَلَى الفرض، وليس عَلَى من صلى بغير أذان وَلا إقامة إعادة، ويستقبل المؤذن القبلة، ويؤذن قائمًا عَلَى مكان مرتفع، ويجعل أصبعيه في أذنيه، وينحرف بوجهه في حي عَلَى الصلاة، حي عَلَى الفلاح يمينًا وشمالا، ويؤذن ويقيم للصلاة الفائتة، وإذا ذكر صلوات فوائت أذن للأولى منهما وأقام، ثم

يقيم لكل صلاة كذلك السنة، وإذا أراد الجمع بين الصلاتين جمع في وقت الأولى منهما، أو في وقت الآخرة، أذن للأولى وأقام فصلاها، ثم يقيم فيصلي الأخرى، كذلك فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجته حين صلى الظهر والعصر بعرفة، وصلى بجمع المغرب والعشاء، كذلك ويستمع للأذان ويقول كما يقول المؤذن، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك، ويستحب الدعاء عند الأذان رجاء الإجابة،

باب ذكر ما يقول المرء إذا خرج إلى الصلاة

ويؤذن طاهرًا ويجزيه إن أذن عَلَى غير طهارة، ويجزئ أذان الأعمى، والعبد، والمكاتب، والمدبر، والصبي، وتقديم أهل المعرفة والفضل أحسن، ويجزئ أذان الراكب، وإن أذن رجل وأقام آخر أجزأ وتؤذن الْمَرْأَة وتقيم، وتخفض صوتها، وَلا شيء عَلَيْهَا في ترك ذَلِكَ، ومن صلى وحده أذن وأقام وَلا يأخذ المؤذن عَلَى أذانه أجرًا. باب ذكر مَا يقول المرء إذا خرج إِلَى الصلاة روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " مَا خرج رجل من بيته إِلَى الصلاة، فَقَالَ: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا لم أخرج أشرًا وَلا بطرًا وَلا رياء وَلا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، إلا وكل اللَّه به سبعين ألف ملك يستغفرون لَهُ، وأقبل اللَّه عليه بوجهه حَتَّى يقضي صلاته ". فإذا خرج إِلَى الصلاة مشى نحو مَا كَانَ يمشي وعليه السكينة، فإذا دخل المسجد سلم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللهم افتح لي أبواب رحمتك» ، فإذا أتى إِلَى الصف، قَالَ: اللهم آتني أفضل مَا تؤتي أحدًا من عبادك. باب ذكر صفة الصلاة 18 - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى

بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّمَا

الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» تبدأ إذا أردت الصلاة فتنتصب قائما مستقبل القبلة وليكن بدنك وثيابك التي تصلي فيها، والبقعة التي تصلي عَلَيْهَا طواهر من النجاسات، ثم ارفع يديك حذو منكبيك، ثم قل: اللَّه أكبر. وانو الصلاة التي أردتها مع التكبير، ثم خذ شمالك بيمينك وانظر إِلَى موضع سجودك، وَلا تلتفت حَتَّى تفرغ من صلاتك، ثم إن شئت قلت: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك لَهُ وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم أن أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت

نفسي واعترفت لك بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك، وإن شئت قلت: سبحانك اللَّهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك وَلا إله غيرك أي ذَلِكَ قلت يجزيك، ثم تقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه، ويجزيك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تقرأ فاتحة الكتاب، تبتديها ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، فإذا ختمتها، فقل: آمين، تجهر به ثم تقرأ سورة، ثم ارفع يديك حذو منكبيك وكبر للركوع وهو راكعا مع التكبير، فإذا ركعت فضع كفيك عَلَى ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وجاف مرفقيك عن جنبيك، فابسط ظهرك وعنقك، وَلا تخفض أحدهما عن الآخر وتحر أن يكون رأسك في الامتداد والاستواء مع ظهرك سواء، ثم قل: سبحان ربي العظيم، ثلاثًا، ثم ارفع رأسك وقل مع رفعك رأسك سمع اللَّه لمن حمده، وارفع يديك نحو حذو المنكبين مع قولك سمع اللَّه لمن حمده، فإذا استويت قائمًا، فقل: اللهم ربنا لك الحمد. ثم خر ساجدًا تكبر مع انحطاطك وأنت تهوي للسجود، ولتقع ركبتاك عَلَى الأرض قبل يديك، ويداك قبل وجهك، واسجد عَلَى جبهتك وأنفك، وجاف مرفقيك عن جنبيك وادعم عَلَى كفيك، وصدور قدميك، واجعل كفيك حذو أذنيك، وفرج بين رجليك، واستقبل بأطراف أصابع رجليك القبلة، وترفع ظهرك، وَلا تلصق أحد فخذيك بالآخر، واسجد معتدلا، وَلا تفترش ذراعيك افتراش السبع، وضم أصابع يديك، واستقبل بها القبلة،

وقل في سجودك: سبحان ربي الأعلى، ثلاثًا، وأحب أن تقول مع ذَلِكَ: اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، تبارك اللَّه أحسن الخالقين، وتجتهد في الدعاء في السجود مَا لم تكن إمامًا تثقل عَلَى الناس، ثم ارفع رأسك وكبر مع رفعك رأسك حَتَّى تستوي جالسًا عَلَى بطن قدمك اليسرى، وانصب قدمك اليمنى، واطمئن جالسًا حَتَّى يستقر كل شيء منك، وقل وأنت جالس بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني، ثم كبر واسجد سجدة أخرى، وافعل فيها كما فعلت في الأولى، فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فكبر مع رفعك رأسك فيها. فإن شئت فانهض عَلَى صدور قدميك وَلا تجلس، وإن شئت فاستو جالسًا، ثم انهض معتمدًا عَلَى الأرض بيديك حَتَّى تستوي قائمًا، ثم افعل في الركعة الثانية كفعلك في الركعة الأولى، فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الثانية فافرش قدمك اليسرى فاقعد عَلَيْهَا، وانصب اليمنى، وضع ذراعك اليسرى عَلَى فخذك اليسرى، وابسط كفيك عَلَى ركبتيك، وضع ذراعك اليمنى عَلَى فخذك اليمنى، ثم تشهد، فقل: التحيات لله والصلوات والطيبات لله، السلام عليك أيها النَّبِيّ ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم انهض بالتكبير حَتَّى تستوي قائما، وارفع يديك عند القيام من الركعتين كرفعك يديك عند رفعك رأسك من الركوع حَتَّى تحاذي بهما منكبيك. وافعل في الركعتين الأخريين كما فعلت في الأوليين، إلا أنك تبدأ في الأخريين في كل ركعة بفاتحة الكتاب لا تزيد عَلَيْهَا، فإذا رفعت رأسك من الركعة الرابعة من السجدة الثانية فكبر مع رفعك رأسك، واقعد متوركًا عَلَى شقك الأيسر مفضيًا بمقعدتك إِلَى الأرض، وأخرج رجلك من الجانب الآخر، فأضجع اليسرى وانصب اليمنى ووجه أصابعك إِلَى القبلة إن أمكنك ذَلِكَ، وضع يديك عَلَى فخذيك، واعقد بيدك اليمنى بثنتين وحلق واحدة وأشر بالسبابة وأحنها شَيْئًا،

باب السهو

وأحب أن لا تجاوز بصرك الإصبع التي تشير بها، ثم تشهد كتشهدك في الجلسة الأولى، ثم قل: اللهم صل عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، اللهم بارك عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إنك حميد مجيد، ثم تعوذ من الأربع التي أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتعوذ منهن، فقل: اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم تقول: اللهم اغفر لي ولوالدي وتدعو بما أحببت مَا لم تكن إمامًا تثقل عَلَى الناس، فإذا فرغت فسلم عن يمينك، قل: السلام عليكم ورحمة اللَّه، وعن يسارك مثل ذَلِكَ. باب السهو 19 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا ابْنُ قَعْنَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ

مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ ثَلاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيُقِمْ رَكْعَةً ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ السَّلامِ، فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً، فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ»

كل مَا سها عنه المرء في صلاته سهوان: أحدهما قول والآخر فعل، مثل أن يجهر فيما يخافت فِيهِ أو يخافت فيما يجهر فِيهِ، أو يقول مكان سمع اللَّه لمن حمده: اللَّه أكبر، أو يتشهد وهو قائم، أو يقرأ في موضع التشهد قائما، فكل مَا كَانَ من هذا النوع، فإنه يرجع إِلَى مَا يجب عليه فيقوله، وليس عليه سجود سهو. وأما الفعل الذي يفعله ساهيًا فيجب فِيهِ سجود السهو، فهو أن يجلس فيما يقام فِيهِ، أو يقوم فيما يجلس فِيهِ وما أشبه ذَلِكَ، وإذا قام المرء من الركعتين ساهيًا لم يرجع إِلَى الجلوس وأكمل صلاته وسجد سجود السهو قبل السلام، وإذا سلم من اثنتين أتم وسجد سجود السهو بعد السلام، وإذا صلى خمسًا سجد بعد السلام، وإذا شك بنى عَلَى اليقين، وسجد قبل السلام، ثم ابن

باب ذكر ما يفسد الصلاة وما لا يفسدها

المسائل في هذا الباب عَلَى هذا المثال، ومن سها سهوين أو أكثر أجزأه لذلك كله سجدتان، وليس عَلَى من سها خلف الإمام سجود السهو، ومن نسي سجود السهو أو تركه لم يعد الصلاة، والسهو في التطوع كالسهو في الفرض، وإذا علم بسهوه ولم يدر سجد أم لا فليسجد لسهوه، وإذا شك في سجدة أو سجدتين سجد أخرى، وليس عليه لذلك سجود السهو. ومن سها عن سجدة من الركعة الأولى فذكرها وهو في الثانية ضم سجدة من الركعة الثانية إِلَى الأولى فتمت لَهُ ركعة، ويجعل الثالثة ثانية، ويلغي مَا بينهما من العمل، فابن عَلَى هذا المثال. باب ذكر مَا يفسد الصلاة وما لا يفسدها 20 - نا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: نا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي يَسَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي صَلاةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَالَ: فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ، قُلْتُ: وَاثَكَلُ أُمَّاهُ. قَالَ: فَضَرَبُوا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسَكِّتُونَنِي، قَالَ: لَكِنِّي سَكَتُّ. قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ مُعَلِّمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا سَبَّنِي وَلا ضَرَبَنِي. قَالَ: «إِنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ

النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ» أجمع أهل العلم عَلَى أن المصلي ممنوع من الكلام ودل هذا الحديث عَلَى أن الفرق بين الكلام الذي يجوز في الصلاة وَلا يجوز، فما يجوز من الكلام في الصلاة التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، وفي معنى ذَلِكَ الدعاء، وَلا يجوز في الصلاة شيء من مخاطبة الآدميين مثل تشميت العاطس، ورد السلام، وجميع مَا يخاطب به المرء الآدميين من الكلام في هذا المعنى، والمصلي ممنوع من الأكل والشرب فمن عمد وأكل أو شرب في الصلاة أعاد. وَلا أكره السلام عَلَى المصلي، ويرد بإشارة. والضحك في الصلاة يقطع الصلاة، وَلا يوجب الوضوء والتبسم لا يقطع الصلاة ويكره مس الحصى والاختصار، وَلا إعادة عَلَى من فعل ذَلِكَ، ويكره أن يصلي ناعسًا، والنعاس لا يفسد الصلاة، ويكره تغطية الفم في الصلاة إلا إذا تثاءب، فإنه يمسك عَلَى فمه،

وَلا يتنخم في الصلاة قبل وجهه، وَلا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى، وأحسن من ذَلِكَ أن يجعله في ثوبه أو يدلك بعضه ببعض لئلا يؤذي مسلمًا، تدل السنن الثابتة عَلَى ذَلِكَ. ويقتل الحية والعقرب في الصلاة، والعمل الخفيف مثل أن يتقدم المصلي خطوة أو خطوتين لا يفسد الصلاة وثبت، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حمل أمامة بنت أبي

باب ذكر الجمعة

العاص في الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها وإذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة بدأ بالعشاء» . باب ذكر الجمعة 21 - نا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ

عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»

وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «في الجمعة ساعة لا يوافقها إنسان وهو قائم يصلي يسأل اللَّه شَيْئًا إلا أعطاه إياه» . فأحسن مَا قيل في الصلاة التي يستجاب فيها الدعاء: إنها صلاة الجمعة. وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع عَلَى قلبه» . فالجمعة واجبة عَلَى الأحرار البالغين المقيمين وليس عَلَى من لم يبلغ فرض الجمعة، وَلا جمعة عَلَى المسافر، والعبد، والمكاتب، والمدبر، والمرأة، ويجزئهم إن حضروا فصلوا بصلاة الإمام، والسفر مباح يوم الجمعة مَا لم يناد المنادي، والجمعة تجب عَلَى كل جماعة قلوا أو كثروا في دار إقامة عَلَى ظاهر الآية، والبيع

والشراء يحرم ويفسخ إذا باع أحد أحدكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إِلَى أن يفرغ من الصلاة. ويستحب الاغتسال يوم الجمعة، وليس بفرض يأثم من تركه ويستحب أن يستاك، ويمس الطيب، ويلبس من أحسن ثيابه ويمشي عَلَى السكينة، وَلا يتخطى رقاب الناس، ويستحب التهجير إِلَى الجمعة، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا كَانَ يوم الجمعة كَانَ عَلَى كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر ومثل المهجر كالذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة» . ويقول عند خروجه من بيته: «بسم اللَّه، إني أعوذ بك أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علي» ، وليقل: «اللهم اجعلني اليوم من أوجه من توجه إليك، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من دعاك، وطلب إليك» ، ويسلم الإمام إذا دنا من منبره عَلَى من عند المنبر، فإذا رقي المنبر، واستقبل الناس سلم عليهم وقعد، ويؤذن المؤذن عند جلوس الإمام عَلَى المنبر، فإذا فرغ المؤذن قام فخطب، يعتمد عَلَى عصا أو قوس، ويخطب قائمًا خطبتين يفصل بينهما بجلوس، يبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه، والصلاة عَلَى رسوله والوصية بتقوى اللَّه ويقرأ { [ثم يجلس، ثم يقوم فيبدأ بحمد اللَّه ويثني ويصلي عَلَى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويوصي بتقوى اللَّه ويدعو

ويستقبل الناس إمامهم وينصتون لَهُ، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، وإن سمعت متكلمًا يتكلم فأشر إليه ليسكت، وإذا لم يسمع الخطبة ذكر اللَّه في نفسه وإن شاء قرأ القرآن» . ويشرب إذا عطش والإمام يخطب إن شاء، وَلا يشمت عاطسًا، وَلا يرد سلامًا، وإذا نعس تحول من موضعه وَلا يصلي عند الزوال في شيء من الأيام. وإذا دخل والإمام يخطب ركع ركعتين خفيفتين، ويستحب أن يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، و] إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [سورة المنافقون: 1] ، ويجزئه مَا قرأ مع فاتحة الكتاب، ومن أدرك من الجمعة ركعة أضاف إليها أخرى، وإن أدركهم جلوسًا صلى أربعًا، ولهم أن يصلوا جماعة إذا فاتتهم الجمعة. وليس لمن لا عذر لَهُ أن يتخلف عن الجمعة، وَلا يجزئه إن صلى قبل الإمام، والجمعة جائزة خلف كل إمام، ويصلي بعد الجمعة أربعًا وتجزئه ركعتان.

باب صلاة العيدين

باب صلاة العيدين 22 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو النَّصْرِ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»

صلاة العيد سنة عَلَى الحاضر والمسافر من الرجال والنساء وليس بفرض، يدل عَلَى أن ذَلِكَ ليس بفرض خبر طلحة بن عبيد اللَّه وقد ذكرناه في أول كتاب الصلاة. ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو، وترك الأكل يوم الأضحى حَتَّى يرجع، ويستحب الاغتسال للعيد كَانَ ابن عمر يفعله. ويخرج الإمام إِلَى المصلى، اقتداء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويأمر من يصلي بضعفة الناس في المسجد أمر علي بن أبي طالب بذلك. ويستحب أن يخرج من طريق ويرجع من غيره، ويكبر الإمام إذا غدا إِلَى المصلى، ويفعل ذَلِكَ الناس، وإن فعلوا ذَلِكَ عند رؤية هلال شوال فحسن. ويصلي العيد بغير أذان وَلا إقامة، ويتقدم الناس إِلَى مصلاهم، ويأتيهم الإمام إذا حلت الصلاة، ويبدأ الإمام فيكبر ثم يقول مَا قد ذكرته في باب صفة الصلاة، ثم يكبر سبع تكبيرات يفصل بين كل تكبيرتين بسكتة خفيفة، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ويركع ويسجد، فإذا قام إِلَى الركعة الثانية، قام بتكبير وكبر خمسًا قبل القراءة، ويقرأ بفاتحة الكتاب، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] ويجهر بالقراءة، ويفعل في الركوع والسجود والتشهد كما وصفت في باب صفة الصلاة. ويخطب بعد الصلاة خطبتين يفصل بينهما بجلوس عَلَى مَا وصفت في باب الجمعة،

ويكبر في أضعاف الخطبة، ويعلمهم في خطبته يوم الفطر مَا يجب عليهم من الزكاة، وعلى من تجب، ومن تعطى ويعلمهم في خطبته يوم النحر فضل يومهم، وفضل نحائرهم، وذبائحهم، وفضل استعظام ذَلِكَ واستحسانه، وما يجزئ من الضحايا، وَلا يجزئ. ووقته، ويكبر الناس خلف الصلوات من صلاة الغداة يوم عرفة إِلَى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، هذا قول عمر، وعلي، وابن عباس، وجماعة، والتكبير أن يقول: اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه والله أكبر ولله الحمد، كذلك قَالَ عمر، وعلي، وابن مسعود. ويكبر الناس في أدبار الصلوات المكتوبات والنوافل في الحضر والسفر، ومقبلين ومدبرين، قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ، وجاء عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه» . ومن فاتته صلاة العيد صلى ركعتين كصلاة الإمام، ويصلي قبل العيد وبعده مَا شاء، وإذا لم يعلموا بعيدهم إلا بعد الزوال خرجوا من الغد وصلوا صلاة العيد.

باب ذكر الإمامة

باب ذكر الإمامة 23 - وَأَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» فحضور الجماعات فرض عَلَى من لا عذر لَهُ استلالا بهذا الحديث. ويقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن أم مكتوم وقد سأله: هل لي رخصة أن أصلي في

بيتي؟ ، قَالَ: «تسمع النداء؟» ، قَالَ: نعم. قَالَ: «لا أجد لك رخصة» . ومن العذر الذي للمرء أن يتخلف من أجله عن حضور الجماعات المرض، «مرض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتخلف عن الجماعة» . وللصائم إذا حضر عشاؤه أن يبتدئ به قبل الصلاة، ولمن به غائط أو بول أن يبتدئ به قبل الصلاة بل كذلك يفعل، ويتخلف في الليلة المطيرة إن شاء عن حضور الجماعات، وإذا خاف عَلَى نفسه، أو عَلَى ماله، فله أن يتخلف عنها.

وأحق القوم بالإمامة أقرؤهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا، كذلك السنة. وتجوز إمامة غير البالغ إذا عقل الصلاة، ويؤم الأعمى والعبد إذا كَانَ أقرأهم، ويجزئ أن يؤم الأمي، وتقديم القارئ أحب إلي ويقوم القوم إِلَى صلاتهم إذا قام إمامهم، ويكبر الإمام إذا فرغ المؤذن من الإقامة، ويقوم الواحد عن يمين الإمام، فإذا جَاءَ آخر فالإمام بالخيار فإن شاء تقدمهما، وإن شاء جعلهما من ورائه. وإذا كَانَ الإمام ورجل وصبي وامرأة فقام الرجل والصبي وراء الإمام، وقامت الْمَرْأَة من ورائهم عَلَى حديث أنس، وَلا يبادر المأموم الإمام بالصلاة، وَلا يرفع قبله ويجهر الإمام عند فراغه بفاتحة الكتاب بآمين. ليؤمن من خلفه،

ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها، وذلك إذا كبر المأموم، وتمكن من الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه، ويكره للإمام أن يثقل عَلَى الناس ويستحب لَهُ التخفيف، وتدل عَلَى ذَلِكَ السنن، وإذا صلى الإمام جالسًا صلوا جلوسًا كما أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإذا صلى الإمام بالقوم وهو جنب أعاد ولم يعيدوا، وإذا فات القوم الصلاة مع الإمام صلوا جماعة أي صلاة كانت وفي أي مسجد كانوا.

وَلا يضر أن تختلف نية الإمام والمأموم. ويصلي النافلة خلف من يصلي الفرض ويصلي الفرض خلف من يصلي التطوع، وتؤم الْمَرْأَة النساء وتقوم وسطهن، وتخفض صوتها تسمع نفسها، ومن تليها في الصلاة التي تجهر فيها بالقراءة، وصلاة النساء في البيوت أفضل، ويجزيها أن تصلي مع الإمام، وليس لها أن تتطيب إذا خرجت وَلا يجزئ أن تصلي أمام الإمام، وقد قيل: يجزئ ذَلِكَ في حال الضرورة. وصاحب المنزل أحق بالإمامة في منزله من غيره، وَلا يكبر المأموم حَتَّى يكبر إمامه، ويستحب أن يكون للإمام سكتة قبل أن يفتتح القراءة، وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب، ليقرأ من خلفه، وما أدرك المأموم من صلاة الإمام يكون أوله صلاته، وللإمام إذا أحدث أن يستخلف من يتم بالقوم بقية صلاتهم، وليس يجوز لمن أكل ثومًا أبو بصلا أن يحضر الجماعة، ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا في مسجدنا» .

باب صلاة المسافر

باب صلاة المسافر 24 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ

أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «صَلاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى»

ففرض المسافر ركعتان لا يجزئه غيرهما إلا صلاة المغرب، فإنها ثلاث لا اختلاف فِيهِ، وكان ابن عمر يقصر في مسيرة اليوم. ومن خرج في حج أو عمرة أو جهاد أو مباح من تجارة وغير ذَلِكَ قصر الصلاة، وَلا يقصر الصلاة حَتَّى يخرج من بيوت بلده وإلى أن يدخل راجعًا أول بيوت بلده أو بلد يريد المقام به. وإذا صلى مقيم خلف مسافر أكمل صلاته، ويصلي المسافر خلف المقيم فرضه وينصرف،

ومن خرج في طلب ضالة أو غريم أتم الصلاة حَتَّى يقصد قصد بلد تقصر إليه الصلاة، وإذا قدم المسافر بلدًا فَقَالَ: أخرج اليوم أخرج غدًا قصر مَا لم يجمع عَلَى المقام، وفي حد المقام الذي يجب الإتمام عَلَى المسافر قولان: أحدهما: أن يتم إذا عزم عَلَى مقام خمس عشرة، روي هذا القول عن ابن عمر، وبه قَالَ الثَّوْرِيّ، والكوفيون. والقول الثاني: أن يتم إذا عزم عَلَى مقام اثنتين وعشرين صلاة. هذا قول أحمد بن حنبل. ومن نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر صلى فرضه الذي كَانَ عليه صلاة السفر،

باب ذكر صلاة الخوف

وإن نسيها في الحضر فذكرها في السفر صلى فرضه صلاة الحضر. وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله قصر الصلاة، وإذا خرج إِلَى السفر بعد زوال الشمس قبل خروج الوقت قصر الصلاة، وللملاح وصاحب السفينة والمكاري أن يقصروا لأنهم في جملة المسافرين. باب ذكر صلاة الخوف 25 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا رَوْحٌ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، وَمَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ: «تَقُومُ طَائِفَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يَقْضُوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُوا إِلَى مَقَامِ

أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ أَصْحَابُهُمْ إِلَى مَكَانِ هَؤُلاءِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وسَجَدْتَيَنْ، ثُمَّ يَقْعُدُ مَكَانَهُ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» 26- نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا رَوْحٌ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَلاةِ الْخَوْفِ ثَمَانِيَةَ أَنْوَاعٍ فِي كتاب مُخْتَصَرِ الصَّلاةِ قَالَ: وإذا كانوا في حال شدة الخوف صلوا رجالا وركبانًا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها،

باب ذكر صلاة الخسوف

مقبلين ومدبرين، وإذا صلى بعض صلاة شبه الخوف ثم أمن، بنى وأكمل صلاته، وإن صلى بعض صلاته بالأرض فحدث به شدة خوف ركب، وأتم صلاته صلاة شدة الخوف. وله إذا احتاج إِلَى القتال في الصلاة أن يقاتل ويضرب ويشير ويقبل ويدبر، ويصلي صلاة الخوف في الحضر يجعلهم طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وينتظرهم في التشهد جالسًا، ويتمون لأنفسهم وينصرفون وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعتين، ويثبت جالسًا، ويصلون لأنفسهم، فإذا جلسوا وتشهدوا سلم بهم، وإذا كانت صلاة المغرب صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعة عَلَى هذا المثال. باب ذكر صلاة الخسوف 27 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا، قَالَ: نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رَكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلا، وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ "

أحب أن تصلي صلاة الخسوف جماعة اقتداء برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى عَلَى مَا في حديث ابن عباس، وقد ذكرنا سائر الأنواع من هذا الباب في مكان آخر. ويخطب الإمام بعد الصلاة يعلمهم ويذكرهم ويعرفهم في خطبتين، أن الخسوف آية من آيات اللَّه، ويأمرهم بالدعاء والتكبير والصدقة والعتق، ويجهر بالقراءة كَانَ ابن عباس يقرأ في الركعات الأول بالبقرة، وقرأ في الركعات الأواخر بآل عمران، ويجزئه مَا قرأ في كل ركعة مع أم القرآن ويسجد سجودًا طويلا، كما ذكره عبد الله بن عمر عن سجود رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويصلي لكسوف القمر كما

باب ذكر صلاة الاستسقاء

يصلي لخسوف الشمس، ويحضر العجائز ومن لا هيئة لها منهن من الشباب صلاة الخسوف، ويصلون جماعة إذا تخلف الإمام عنها، ويصلي بعد العصر لكسوف الشمس مَا لم يقارب الغروب، ويصلي بعد طلوع الفجر لكسوف القمر مَا لم يقرب وقت طلوع الشمس، وحسن أن تصلى عند الزلزالة إذ هِيَ آية، روينا عن ابن عباس، أنه صلى في الزلزلة بالبصرة. باب ذكر صلاة الاستسقاء 28 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُنَاسٍ لِيَسْتَسْقِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَدَعَا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ»

يستحب إذا احتاج الناس الاستسقاء أن يأمر الإمام الناس قبل خروجهم بالصدقة، والصوم، والخروج من المظالم فيما لبعضهم قبل بعض في دم ومال وعرض، ويخرج بهم إِلَى المصلى ويصلي بهم ركعتين بلا أذان وَلا إقامة كصلاة العيد، وفي وقت صلاة العيد، ويكون حال الإمام وقت خروجه حال تواضع وتبذل وتخشع. ويخطب قبل الصلاة، يخطب الخطبة الأولى ويجلس، ثم يقوم فيخطب بعض الخطبة الأخرى ثم يستقبل القبلة، ويحول رداءه، ويحول الناس أرديتهم، يجعلون مَا عَلَى اليسار عَلَى اليمين، وما عَلَى اليمين عَلَى اليسار، ويكون من دعائه مَا ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يدعو به: «اللهم اسقنا غيثًا مغيثا مريئا مريعا طبقًا غدقًا عاجلا غير رائث نافعًا

باب ذكر صلاة التطوع

غير ضار» . وروينا عن عمر: أنه خرج ليستسقي فما زاد عَلَى الاستغفار حَتَّى رجع، فإن استسقى قوم فدعو بغير صلاة فحسن. باب ذكر صلاة التطوع 29 - نا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُوَيْسٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي

سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَطَوُّعًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» هذا مفسر في خبر آخر: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، وثبت

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا صلاة المكتوبة» . وروينا عنه، أنه قَالَ: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» . وروينا عنه، أنه قَالَ: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» . وقال أبو هُرَيْرَة: " أوصاني خليلي بثلاث: صوم

ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم عَلَى وتر، وقد صلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الضحى عام الفتح ثمان ركعات " ,

باب ذكر صلاة الوتر

وقال: «صلاة القاعد عَلَى النصف من صلاة القائم» . ويتطوع في السفر، ويصلي عَلَى راحلته في السفر عَلَى أي جهة توجهت به الوتر، وغيره إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع. باب ذكر صلاة الوتر 30 - نا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وقت الوتر مَا بين صلاة العشاء إِلَى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد

فات الوتر، والوتر آخر الليل، أفضل لمن قوي عليه، وأحوط أن يوتر من لم يعتد قيام الليل أول الليل، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلاة الليل مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة» . ويستحب أن يصلي المرء ركعتين ركعتين، فإذا أراد أن يوتر صلى ركعتين يقرأ في الأولى منهما بفاتحة الكتاب وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثم يسلم، ثم يقوم فيكبر، ويقرأ في الثالثة بفاتحة الكتاب، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وإن قنت قنت بعد الركوع، ويقول في قنوته: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر مَا قضيت، فإنك تقضي وَلا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت. وروينا عن عمر: أنه كَانَ يقول في القنوت في الوتر: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك وَلا نكفرك ونخلع، ونترك من يفجرك بسم اللَّه الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق. ويؤمن من خلف الإمام عَلَى دعاء الإمام ويرفع ويرفعون أيديهم، فإذا

باب سجود القرآن

فرغوا من الدعاء مسحوا بها وجوههم. باب سجود القرآن 31 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ يَا وَيْلَهُ أُمِرَ هَذَا بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ ". ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي: ص، وَفِي:

النَّجْمِ، وَفِي: إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، و: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي

خَلَقَ، وَرُوِّينَا عَنْهُ: أَنَّهُ «سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ» . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ سُجُودُ الْقُرْآنِ، فَقَالا: الأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّمْلِ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَرْيَمَ، وَالْحَجِّ أَوَّلُهُمَا، وَالْفُرْقَانِ، وَطس، وَالم تَنْزِيلٌ، وَص، وَحم السَّجْدَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً فإذا ضممت

باب ذكر قيام الليل

مَا روي عنهما إِلَى مَا روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صار خمس عشرة سجدة وكذلك نقول، ويقول في سجود القرآن مَا يقول في سجود الصلاة، ويسجد في كل وقت لا تحرم فِيهِ صلاة، ويسجد عَلَى الراحلة في السفر إيماء، ويكبر إذا سجد ويرفع رأسه بالتكبير، وليس فِيهِ تشهد وَلا سلام، وَلا يسجد إلا طاهرًا. باب ذكر قيام الليل 32 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ. فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي

أُذُنِيِه أَوْ أُذْنِهِ ". وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» فقيام الليل مستحب ومكروه تركه، وأحب أن يصلى بالليل عشر ركعات يفصل بين كل ركعتين بتسليم ثم يوتر بواحدة. ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل» . ويوقظ المرء

باب ذكر الصلاة عند العلل

أهله لقيام الليل وتوقظه هِيَ، وأفضل أوقات الليل أن ينام المرء نصفه، ويقوم ثلثه، وقيام سدسه لثبوت ذَلِكَ عن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويستحب التطوع والابتهال إِلَى اللَّه في الثلث الآخر من الليل، وأفضل الصلاة طول القنوت، غير أنه يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين، ويستحب لمن فاته حزبه من الليل بنوم أو غيره، أن يقرأه فيما بين الفجر وصلاة الصبح. باب ذكر الصلاة عند العلل 33 - نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا

وَكِيعٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ

باب ذكر حد البلوغ

حُصَيْنٍ، قَالَ: كَانَ بِي الْبَاسُورُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» هكذا يصلي من عجز عن القيام، ويستحب أن يكون في حال قعوده متربعًا، ويجزئه كيف قعد وَلا يرفع إِلَى وجهه شَيْئًا يسجد عليه، ولكنه يومئ عَلَى قدر طاقته، وليس لمن أراد أن يعالج عينيه أن يصلي مستلقيًا، فإن فعل كَانَ عاصيًا، ولم تجزه الصلاة، ترك ابن عباس معالجة عينيه من أجل الصلاة. باب ذكر حد البلوغ 34 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ

أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ حَتَّى يَفِيقَ " الاحتلام والإنبات والاستكمال خمس عشرة سنة حد لبلوغ الرجال والنساء، وفي الْمَرْأَة خصلة رابعة وهي الحيض، تكون بوجوده فيها بالغًا يجب عَلَيْهَا الفرائض، ويؤمر الصبي بالصلاة ابن سبع، ويضرب عَلَيْهَا ابن عشر.

باب ذكر اللباس في الصلاة

وليس عَلَى من أغمي عليه إعادة صلاته، ويصلي الصلاة التي أفاق في وقتها، وأحسن مَا قيل فيمن عليه صلاة واحدة لا يدري أي صلاة هِيَ أن يصلي خمس صلوات، وَلا قضاء عَلَى المجنون للصلاة وَلا للصوم، لأن القلم مرفوع عنه. باب ذكر اللباس في الصلاة 35 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ ". وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»

باب سترة المصلي

فالصلاة في الثوب الواحد تجزئ غير أن المصلي إذا كَانَ الثوب واسعًا يخالف بين طرفيه، وإذا كَانَ ضيقًا يشده عَلَى حقوه، لحديث جابر لا يجوز غير ذَلِكَ، والعورة التي يجب أن تستر عند كثير من أهل العلم مَا بين السرة إِلَى الركبة، وتستر الْمَرْأَة جميع بدنها غير كفيها ووجهها. وتصلي الأمة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد بغير قناع، ويصلي العريان الذي لا يجد مَا يستتر به قائمًا ويركع ويسجد لا يجزئه غير ذَلِكَ، ويصلون إذا كانوا جماعة صفًا واحدًا إمامهم وسطهم وإن تقدمهم أجزأهم ذَلِكَ، ويغض بعضهم عَلَى بعض بصره، وتكره الصلاة في الثوب الحرير وَلا إعادة عَلَى من صلى به. باب سترة المصلي 36 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى، عَنْ

عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ تُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ يُصَلِّي إِلَيْهَا» ، وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ» وارتفاع ذَلِكَ عن وجه الأرض قدر ذراع فصاعدًا وإن دور فلم يجد شَيْئًا خط خطًا بين يديه كالهلال، ويكره المرور بين يدي من يصلي إِلَى سترة، لحديث أبي سعيد، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إذا صلى أحدكم إِلَى شيء يستره،

باب ذكر المساجد

فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» . وليس عَلَى من صلى وبين يديه نائم شيء، ويكره أن يصلي ورجل مستقبله، وَلا يقطع الصلاة شيء وليدرأ مَا استطاع، وَلا بأس بالصلاة عَلَى الحصر والبسط ومما أنبتت الأرض وعلى جلود الأنعام، وأصوافها، وأوبارها، وأشعارها وغير ذَلِكَ، وَلا بأس بالصلاة في النعلين. باب ذكر المساجد 37 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» فليصل من دخل المسجد ركعتين قبل أن يجلس وليس بواجب. ويكره التنخم في المسجد وينظف ويطهر، وَلا بأس بالنوم في المسجد، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» . وَلا بأس أن يتمسح المحدث في المسجد مكانًا لا يتأذى بندى الطهور، وليقل عند خروجه من المسجد: «اللهم إني أسألك من فضلك» .

باب الأمر بتلقين الميت قول لا إله إلا الله

باب الأمر بتلقين الميت قول لا إله إلا اللَّه 38 - نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: نا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ

باب ذكر غسل الميت

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ» تغميض أعين الموتى سنة، ويقول الذي يغمض الميت: «بسم اللَّه وعلى ملة رَسُول اللَّهِ» ، ويستقبل بالميت القبلة، ويسجى بثوب، «سجي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في برد حبرة» . باب ذكر غسل الميت 39 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهَلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنْ

أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: " تُوُفِّيَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَنِّي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» . قَالَت حَفْصَةُ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: ضَفَّرْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا، وَأَلْقَيْنَاهَا إِلَى خَلْفِهَا، قَالَ: الْحِقْوُ

الإِزَارُ " يبدأ الغاسل فيطرح عَلَى عورة الميت خرقة يستر مَا بين سرته وركبتيه، ويمر يده عَلَى بطن الميت إمرارًا خفيفًا يغسل شيئا إن خرج منه، ويكون عَلَى يده في ذَلِكَ خرقة ملفوفة، ويستدل بنظره إِلَى الخرقة عَلَى اتقاء مَا هناك، ثم يوضأ وضوءه للصلاة، يبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ثم يغسل بالماء القراح غسلة ثم يضرب السدر أو مَا يقوم مقام السدر ويصفى، فيبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم بشق رأسه الأيسر ويغسل جميع بدنه، يبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ويبدل الخرقة التي عَلَى عورته في كل غسلة، ثم يغسل فتكون غسلة ثانية، ثم يغسل بالماء فِيهِ الكافور عَلَى مَا وصفنا بهذه ثلاث غسلات، وإن شاء غسله خمسًا عَلَى قدر الحاجة إليه، فإذا فرغ من غسله استحف في ثوب. ويغسل الرجل امرأته إذا ماتت، وتغسله هِيَ، وإذا مات رجل مع نساء لا رجل معهن يممنه، وكذلك يفعل الرجال إذا ماتت امرأة معهم.

باب ذكر الأكفان

وإذا مات المحرم غسل بماء وسدر وكفن في ثوبيه، وَلا يقرب طيبًا، كذلك السنة. وَلا يغسل الشهيد المقتول في المعركة، وَلا يصلى عليه ويغسل الجنب الميت والحائض الميتة، وَلا يغسل المسلم ذا قرابته من المشركين، ولكنه يواريه، وليس عَلَى من غسل ميتًا أن يغتسل، وإذا مات المجدور أو من يخاف تهري لحمه يمم. باب ذكر الأكفان 40 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُفِّنَ فِي ثَلاثَةَ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ، وَلا عِمَامَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إِدْرَاجًا» ، وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ عَلَى بَعْضِ الْكَلِمَةِ وَنَحْوِهَا يكفن الميت في ثلاثة أثواب كما كفن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزئ أن يكفن في ثوب أو ثوبين، وتكفن الْمَرْأَة في خمسة أثواب، درع وخمار ولفافتين وثوب لطيف يشد عَلَى وسطها، ويستحب من الأكفان البياض، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

باب الأمر باتباع الجنائز

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وكفنوا فيها موتاكم» . ويستحب تحسين الأكفان وتجمر الأكفان، ويخرج الكفن من رأس مال الميت، ويحنط الميت، وأحسن مَا استعمل في حنوطه الكافور، يبدأ بمساجده الجبهة ثم الأنف واليدين والركبتين، وصدور القدمين، ويبدأ في ذَلِكَ بالميامن، ويستعمل المسك في حنوطه. باب الأمر باتباع الجنائز 41 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هشام، عَنْ

قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عِيسَى الأَسْوَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُودُوا الْمَرْضَى وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرْكُمُ الآخِرَةَ» ويسرع بالجنائز للثابت، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أسرعوا بجنائزكم» .

ويستحب المشي أمام الجنازة للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان. وإذا رأى الرجل الجنازة فإن شاء قام وإن شاء جلس، وإذا اتبعها لم يقعد حَتَّى توضع للأخبار الدالة عَلَى ذَلِكَ، وإذا أراد حمل الجنازة بدأ فحمل ياسرة

باب ذكر الصلاة على الجنائز

السرير المقدمة عَلَى عاتقه الأيمن، ثم ياسرته المؤخرة عَلَى عاتقة الأيمن، ثم يامنة المؤخرة عَلَى عاتقه الأيسر، ثم يامنة السرير المقدمة عَلَى عاتقه الأيسر كأنه يدور عَلَيْهَا، وَلا بأس أن يحمل بين عمودي السرير عَلَى كاهله، روينا هذه عن عثمان، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هُرَيْرَة، وابن الزبير ويكره رفع الصوت عند حمل الجنائز. باب ذكر الصلاة عَلَى الجنائز 42 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا وُهَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَتُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغُوا أَنْ يَكُونُوا مِائَةً يَشْفَعُونَ لَهُ إِلا شُفِّعُوا فِيهِ»

يصلى عَلَى الميت في جميع ساعات الليل والنهار إلا في الساعات الثلاث: وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، وإذا حضر الولي والوالي فالوالي أحق بالصلاة عَلَى الميت لحديث الحسين بن علي. وولي الْمَرْأَة أحق بالصلاة عَلَيْهَا من الزوج، ويصلى عَلَى السقط إذا استهل، ويصلى عَلَى جميع المسلمين الأخيار منهم والأشرار، من قتل في حد أو مات سكران وعلى من قتل نفسه، وولد الزنى إلا الشهداء الذين أكرمهم اللَّه تترك الصلاة عليهم، ويصلى عَلَى العضو من أعضاء الإنسان، ويصلى عَلَى القبر، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى عليه،

ويصلى عَلَى الجنائز في المسجد صلي عَلَى أبي بكر، وعمر في المسجد. وتكره الصلاة عَلَى الميت بين القبور، ويصلى بالنية عَلَى الميت الغائب، صلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النجاشي،

باب صفة الصلاة على الجنائز

ويقوم الإمام من الْمَرْأَة وسطها، وعند رأس الرجل، وإذا وضعت الجنائز جعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، وإذا وضع حر وعبد، فالذي يلي الإمام منهما الحر، وإذا اختلط أهل الإسلام وأهل الشرك فلم يتميزوا صلي عليهم، وينوي بالصلاة المؤمنين، وَلا يتيمم في الحضر للصلاة عَلَى الجنازة. باب صفة الصلاة عَلَى الجنائز 43 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَعَى النَّجَاشِيَّ إِلَى أَصْحَابِهِ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» فالتكبير عَلَى الجنائز أربع يرفع يديه في كل تكبيرة، يقول: اللَّه أكبر، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، ثم يكبر الثانية ويصلي عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول:

باب دفن الموتى

اللهم صل عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما صليت عَلَى إِبْرَاهِيم، اللهم بارك عَلَى مُحَمَّد وآل مُحَمَّد كما باركت عَلَى إِبْرَاهِيم إنك حميد مجيد. ثم يكبر الثالثة، ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه عَلَى الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه عَلَى الإيمان. ثم يكبر الرابعة، ويقف كقدر مَا بين التكبيرتين يستغفر للميت ويدعو لَهُ، ثم يسلم تسليمة واحدة يميل إِلَى الشق الأيمن. باب دفن الموتى 44 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَحْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاثْنَيْنَ وَالثَّلاثَةَ، وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا»

فدفن الموتى واجب عَلَى الناس لا يسعهم غير ذَلِكَ، ويسل الميت من قبل رجل القبر كفعل أهل الحجاز بموتاهم، ويلحد الميت، وتنصب عليه اللبن نصبا، ويجعل فوق اللبن الإذخر، وإن لم يلحد لَهُ وشق فجائز. ويقول إذا وضع الميت في قبره: بسم اللَّه وعلى ملة رَسُول اللَّهِ ويستحب أن يحثي من حضر الدفن بيده ثلاث حثيات، وَلا بأس بالدفن بالليل، دفنت مسكينة عَلَى عهد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم ينكر ذَلِكَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفن أبو بكر،

وفاطمة، وعائشة ليلا، وَلا بأس بزيارة القبور يستغفر للميت، ويرق قلب الزائر، ويذكر الآخرة.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة أجمع أهل العلم عَلَى أن الزكاة تجب في تسعة أشياء في: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والزبيب إذا بلغ من كل صنف منها مَا تجب فِيهِ الزكاة. باب ذكر صدقة الإبل دل خبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن «لا صدقة فيما دون خمس ذود» . 45 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،

أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى الأَّنْصَارِيَّ، ثُمَّ الْمَازِنِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذُودٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»

باب ذكر فرائض الإبل

باب ذكر فرائض الإبل 46 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ «أَنَّ هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ، فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ

باب إذا لم يوجد السن الذي يجب في المال أو وجد دونه أو فوقه

شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى التِّسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» . وَلَيْسَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلاثِينَ وَمِائَةً، فَيَكُونُ فِي ثَلاثِينَ وَمِائَةٍ ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ باب إذا لم يوجد السن الذي يجب في المال أو وجد دونه أو فوقه 47 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ،

باب صفة صدقة البقر

قَالَ: نا أَبِي، عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ «هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ» ذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا بَيَّنَ أَسْنَانَ الإِبِلِ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ، الصَّدَقَاتُ مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وَعِنْدَهُ الْحِقَّةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ الْحِقَّةَ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ الْحِقَّةَ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلا ابْنَةَ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ اللَّبُونِ وَيُعْطِي مَعَهَا شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا شَاتَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ. وَبِهَذَا نَقُولُ باب صفة صدقة البقر 48 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: «بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَهُ أَنْ

باب صدقة الغنم

يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» ففي ثلاثين بقرة تبيع، وفي أربعين مسنة، وفي ستين تبيعان، وفي سبعين مسنة وتبيع، وفي ثمانين بقرتان مسنتان، وفي تسعين بقرة ثلاثة أتبعة، وفي مائة بقرة مسنة وتبيعان، فإذا كثرت البقر ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع. باب صدقة الغنم 49 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى

باب ذكر النهي عن الجمع بين المفترق والتفريق بين المجتمع في السوائم خشية الصدقة

الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، «وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ، وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا» باب ذكر النهي عن الجمع بين المفترق والتفريق بين المجتمع في السوائم خشية الصدقة 50 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: نا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلا تَيْسُ الْغَنَمِ إِلا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» فمما نهي عنه الجمع بين المفترق أن ينطلق ثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها لأن يسقطوا عن أنفسهم شاتين، ومما نهي عنه من التفريق بين المجتمع أن يأتي المصدق إِلَى عشرين ومائة شاة بين ثلاثة تجب عليهم شاة يفرق بينهم ليأخذ منهم ثلاث شياه. وسائر المسائل مبينة في غير هذا الموضع، وإذا كانت الماشية بين الخليطين وهو أن يسرحا ويسقيا ويروحا معًا وتختلط، فحولتها وحال عَلَيْهَا الحول من يوم اختلطا زكيا زكاة الخلطاء، وليس في عوامل الإبل والبقر صدقة، وتؤخذ صدقاتهم عَلَى مياههم وبأفنيتهم، وليس في الخيل وَلا في الخمر وَلا البغال صدقة، وليس عَلَى الرجل في عبده وَلا فرسه صدقة.

باب ما جاء في زكاة ما أخرجت الأرض

باب مَا جَاءَ في زكاة مَا أخرجت الأرض ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» . وقد ذكرت إسناده فيما مضى. 51 - نا عِلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ،

باب ذكر الخرص

وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وبهذا نقول. والصدقة واجبة في: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وَلا صدقة في سائر الحبوب والثمار، وَلا الخضر، وَلا يضم الإبل إِلَى البقر، وَلا البقر إِلَى الإبل، وَلا إِلَى الغنم وَلا يضم شيء من أصناف الحبوب إِلَى صنف غيره، وَلا يكون عَلَى الرجل شيء حَتَّى يملك من كل صنف مَا يجب فِيهِ الزكاة، والوسق ستون صاعًا بصاع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس في العسل صدقة، والعشر يجب في الحب والخراج عَلَى الأرض، وإذا استأجر رجل أرضًا فزرعها فالزكاة عَلَى المستأجر الزارع. وإذا زرع الذمي أرضًا من أرض العشر فأخرجت حبا فلا زكاة عليه، وليس للمرء أن يخرج الحشف، والتمر الرديء عن الجيد، والقياس إذا كَانَ لَهُ تمر رديء وتمر جيد أن يخرج من كل بقسطه. باب ذكر الخرص 52 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ وَهِيَ تَذْكُرُ شَأْنَ خَيْبَرَ «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ ابْنَ رَوَاحَةَ إِلَى الْيَهُودِ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ التَّمْرِ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يُخَيِّرَ يَهُودًا

باب ما جاء في زكاة الفضة

يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخِرْصِ لِكَيْ يَحْصُرَ الزَّكَاةَ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتَفْتَرِقَ» روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ في زكاة الكرم: «يخرص كما يخرص النخل، ثم تخرج زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا» . وكان عمر بن الْخَطَّابِ، يقول لسهل بن أبي حثمة: «إذا أتيت عَلَى نخل قد خرصها قوم فدع لهم قدر مَا يأكلون» . باب مَا جَاءَ في زكاة الفضة 53 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى الأَنْصَارِيَّ، ثُمَّ الْمُزَنِيَّ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ

باب زكاة الذهب

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» وأجمع أهل العلم عَلَى أن في مائتي درهم خمسة دراهم وكذلك نقول. وتخرج زكاة مَا زاد عَلَى المائتي درهم وإن قلت الزكاة كما نقول، ويقول: من خالفنا فيما زاد عَلَى الخمسة الأوسق قلت الزيادة أو كثرت. باب زكاة الذهب 54 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ نا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ

الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ، ثُمَّ أُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ يُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ، وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» فالزكاة في الذهب تجب بظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] . وهذا الخبر، وعوام أهل العلم، يقولون في عشرين مثقالا من الذهب: نصف مثقال. وَلا يجوز ضم الذهب إِلَى الورق، كما لا يجوز ضم الإبل إِلَى البقر، وفيما زاد عَلَى العشرين مثقالا ربع العشر، وفي الحلي الزكاة عَلَى ظاهر الكتاب والسنة وليس في اللؤلؤ والياقوت وسائر الجواهر زكاة.

باب ذكر الركاز والمعادن وغير ذلك

باب ذكر الركاز والمعادن وغير ذَلِكَ 55 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»

ففي الركاز الخمس قليلا كَانَ أو كثيرا، والركاز دفن الجاهلية وسواء كَانَ ذهبا، أو فضة، أو نحاسا، أو حديدا، أو جوهرا، أو غير ذَلِكَ عَلَى ظاهر الحديث، وسواء كَانَ الذي وجده: حرا أو عبدا أو مكاتبا أو امرأة أو صبيا أو ذميا، وسواء مَا وجد منه في موات أرض الإسلام أو أرض الحرب، إن فِيهِ الخمس وأربعة أخماس لمن وجده. فأما مَا يخرج من المعادن فهي فائدة يستقبل بها وبما يستفيده المرء من غير المعادن الحول إلا مَا كَانَ من نماء الماشية التي في أمهاتها الزكاة، فإن حكم ذَلِكَ حكم الأمهات. وفي العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عَلَيْهَا الحول تقوم بالأغلب من نقود البلد وتخرج زكاتها، وَلا يجوز إخراج الزكاة إلا بعد حلول الحول، وخبر العباس لا يثبت.

باب زكاة الفطر

وإذا أخرج المرء زكاة ماله فضاعت، فإن كَانَ فرط فهو ضامن، وإن لم يكن فرط أخرج زكاة مَا بقي كالشريكين يضيع بعض مالهما، يكونان شريكين فيما بقي، وإذا مات الرجل بعد وجوب الزكاة عليه أخرجت من ماله كديون الناس، والزكاة تجب في مال اليتيم كوجوبها في مال البالغ. باب زكاة الفطر 56 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ

صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» أجمع أهل العلم عَلَى أن عَلَى المرء صدقة الفطر إذا أمكنه عن نفسه وعن أولاده الأطفال الذين لا أموال لهم، وإذا كَانَ للطفل مال أخرج عنه من ماله، وعلى المرء صدقة الفطر عن مماليكه ذكرهم، وأنثاهم، صغيرهم، وكبيرهم، من غاب منهم ومن حضر، علم موضعه أو لم يعلم به، كَانَ المملوك رهنًا عند أحد أو لم يكن رهنًا. وليس عليه في عبده الذمي صدقة، لأن في الحديث: من المسلمين، وعليه في عبده المشترى للتجارة زكاة الفطر، وعليه ذَلِكَ في مكاتبه لأنه عبد مَا بقي عليه شيء، وإذا كَانَ عبد بين رجلين أخرج كل واحد منهما بقسطه عنه، وإذا كَانَ عبد قد أعتق نصفه فعلى السيد المالك لنصفه نصف صدقة الفطر. وإذا باع الرجل عبدًا عَلَى أنه والمشتري بالخيار ثلاثًا فمر

يوم الفطر في أيام الخيار فعلى البائع زكاة وكذلك لو كَانَ الخيار للبائع وحده، فإن كَانَ الخيار للمشتري فعليه صدقة الفطر، وإذا باع عبدًا بيعًا فاسدًا، فالزكاة عَلَى البائع. وليس عَلَى الرجل أن يخرج عن زوجته زكاة الفطر، ولكنها تخرج عن نفسها لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كل ذكر وأنثى» . وَلا يصح الحديث الذي فِيهِ ذكر من يمونه وهو مرسل. وليس عَلَى المرء إخراج زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه. والوقت الذي يجب فِيهِ زكاة الفطر طلوع الفجر من يوم الفطر، فكل من ملك عبدًا أو ولد لَهُ مولود قبل طلوع الفجر، فطلع الفجر والعبد في ملكه والمولود حي فعليه في كل واحد منهما زكاة الفطر. وصدقة الفطر واجبة عَلَى الأغنياء والفقراء، فمن فضل عن قوته وقوت من

باب مكيلة زكاة الفطر

يجب عليه أن يقوتهم مَا يخرج زكاة الفطر، أخرج زكاة الفطر عنهم، وَلا شيء عَلَى من لا يقدر عليه. باب مكيلة زكاة الفطر 57 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، وَقَالَ: نا يَحْيَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ» وأجمع أهل العلم عَلَى أن التمر والشعير، لا يخرج من كل واحد منهما أقل من صاع، ويجزئ عند جميعهم من البر نصف صاع، وكان ابن عمر يميل إِلَى إخراج

باب ذكر وقت إخراج صدقة الفطر

التمر، وزكاة الفطر عَلَى أهل البادية لدخولهم في جملة المسلمين يجزئهم مَا يجزئ أهل القرى من الصاع. باب ذكر وقت إخراج صدقة الفطر 58 - نا إِسْحَاقُ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الْمُصَلَّى» لا يجزئ مكان الصاع قيمته.

باب ذكر تفريق الصدقات

باب ذكر تفريق الصدقات 59 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نُمَيْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا فَصْلُ مَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: فَهُمْ جُبَاتُهَا، يُعْطَوْنَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ، وَعَلَى قَدْرِ قِيَامِهِمْ بِهَا. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَكَانَ مَالِكٌ، يَقُولُ: يُرَدُّ سَهْمُهُمْ عَلَى أَهْلِ السِّهَامِ وَلَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ. وَأَمَّا سَهْمُ الرِّقَابِ: فَإِنَّهُ تُعْتَقُ مِنْهُ الرَّقَبَةُ، وَيُعَانُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُ. وَالْغَارِمُونَ: مَنِ ادَّانَ عَلَى عِيَالِهِ أَوْ لَحِقَهُ دَيْنٌ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ. وَمِنْهُمْ سَبِيلُ اللَّهِ: يُعْطَى مِنْهَا مَنْ غَزَا مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَابْنِ السَّبِيلِ: الْمُسَافِرُ إِذَا قُطِعَ بِهِ مِنَ الْحَاجِّ أَوْ غَيْرِهِمْ. وَتُفَرَّقُ الصَّدَقَةُ فِي الأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] أَحْوَطَ. وَقَدْ قِيلَ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي بَعْضِ الأَصْنَافِ، وَدَفْعُ الصَّدَقَةِ إِلَى

باب ذكر من يحرم عليه أخذ الصدقة

الأُمَرَاءِ يُجْزِئُ، وَيُجْزِئُهُ أَنْ يُفَرِّقَ هُوَ، وَلا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطَى الذِّمِّيُّ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ باب ذكر من يحرم عليه أخذ الصدقة 60 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا نُعَيْمٌ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»

وَلا يجزئ أن يعطى منها غني وَلا من لَهُ قوة يقوى بها عَلَى الكسب، ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عَلَيْهَا، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل اللَّه، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني ". وَلا أرى أن يعطى من الصدقة من لَهُ خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب لحديث ابن مسعود: ويعطى من لَهُ دار وخادم لا يستغنى عنها. وإذا أعطى من يحسبه فقيرًا

فكان غنيا لم يجزه، ويعطي من القرابة مَا سوى الوالد والولد. وَلا يعطي المرء زوجته وَلا مملوكه، وتعطي الْمَرْأَة زوجها الفقير، وأكره نقل الزكاة من بلد إِلَى بلد، ويجزئه إن فعل، وكان عمر يرى أن تضعف الصدقة عَلَى نصارى تغلب، وتبعه عليه أهل العلم.

كتاب الصوم

كتاب الصوم باب ذكر الأمر بالصوم لرؤية الهلال 61 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، ثُمَّ

باب السحور

صُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» فغير جائز صوم يوم الشك، وَلا يجوز أن يتقدم صوم رمضان بيوم وَلا يومين إلا أن يوافق ذَلِكَ صومًا كَانَ يصومه المرء، ويقبل عَلَى رؤية هلال رمضان وهلال شوال شاهد واحد، كما يفطر المرء عند غروب الشمس، ويمتنع من الأكل مع طلوع الفجر بأذان مؤذن واحد. وقد روينا فِيهِ حديثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويصوم إذا رأى الهلال وحده، وكذلك يفطر إذا رأى هلال شوال وحده ويخفي ذَلِكَ، وَلا يجزئه الصوم إلا أن ينويه من الليل ذَلِكَ عليه في كل ليلة. باب السحور 62 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادٌ، قَالُوا: نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»

باب ما يوجب الفطر

فالسحور مندوب إليه، وليس بواجب، والفجر الذي يحرم بطلوعه الأكل والشراب والجماع هو الفجر المستطير وهو المنتشر، ويأكل إن شاء، وإن شك في طلوع الفجر فيأكل حَتَّى يوقن بطلوعه، فإن علم بعد ذَلِكَ أنه أكل في النهار فلا قضاء عليه، وإن أكل وهو يرى أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت فلا قضاء عليه. باب مَا يوجب الفطر 63 - نا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَ: لا أَجِدُهَا. قَالَ: صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لا أَجِدُ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكِيلٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، قَالَ: خُذْهَا إِذًا فَأَطْعِمْهُ عَنْكَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحْوَجُ إِلَيْهِ

مِنَّا. قَالَ: خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ " وأجمع أهل العلم عَلَى أن اللَّه عز وجل حرم عَلَى الصائم في نهار الصوم الرفث وهو: الجماع، والأكل، والشرب وأجمع أهل العلم عَلَى أن عَلَى من استقاء في نهار الصوم القضاء. فمن جامع في نهار الصوم فعليه عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين

متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا من تمر أو بر ويصوم يوما ويستغفر اللَّه، وعلى الْمَرْأَة إذا كانت صائمة وفعلت ذَلِكَ مثل مَا عَلَى الرجل، وعلى من أكل أو شرب ناسيا في الصوم القضاء وَلا كفارة عليه. ومن استقاء في نهار الصوم فعليه القضاء، وَلا شيء عَلَى من ذرعه القيء، وعلى الحاجم والمحجوم في نهار الصوم القضاء. وإذا جامع في يوم بعد يوم فعليه لكل يوم كفارة، فإذا جامع ثم مرض أو سافر لم تسقط عنه الكفارة، وإن كانت امرأة فحاضت في آخر النهار، ففيها قولان: أحدهما: وجوب الكفارة عَلَيْهَا، هذا قول مالك، وابن أبي ليلى، وقال الكوفي: لا كفارة عَلَيْهَا، وليس عَلَى من أكل أو شرب أو جامع ناسيًا شيء. وإذا تمضمض واستنشق فدخل الْمَاء حلقه فلا شيء عليه وَلا بأس بالكحل للصائم، ويستاك الصائم بالعود الرطب واليابس بالغداة والعشي. وإذا أصبح المرء جنبًا، أو كانت امرأة حائضا فطهرت آخر الليل ثم أصبحا صائمين يغتسلان، وللصائم أن يقبل ويباشر، ويؤمر الصبي بالصوم إذا أطاقه أمر ندب، وليس عَلَى النصراني يسلم في بعض الشهر لما مضى قضاء، وإذا غلب المريض أفطر، وإذا حاضت الْمَرْأَة في بعض النهار أفطرت وقضت.

باب ذكر الصوم في السفر

باب ذكر الصوم في السفر 64 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ " فإذا سافر المرء فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأيسر الأمرين أحبهما إلي، لقوله جل ذكره: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] ، ويفطر في السفر الذي يقصر في مثله الصلاة، ويفطر إذا خرج عن البيوت، وللمريض والمسافر أن يقضيا الصوم متفرقًا، وإن شاءا متتابعا، وإن مات المسافر في سفر والمريض قبل أن يبدأ فلا قضاء عليهما. وإذا كَانَ عَلَى المرء صوم نذر فمات فلوليه أن يقضيه عنه، والحائض تقضي الصوم وليس عَلَيْهَا قضاء الصلاة، لا اختلاف فِيهِ، والحامل، والمرضع يفطران ويقضيان ليس عليهما غير ذَلِكَ، وليس عَلَى الشيخ الذي لا يطيق الصوم كفارة.

باب ذكر الصوم المنهي عنه

باب ذكر الصوم المنهي عنه 65 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، قَالَ: نا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَوْمُ الْفِطْرِ، وَيَوْمُ الأَضْحَى " فصوم يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق غير جائز لنهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذَلِكَ، وَلا يجوز أن يفرد يوم الجمعة بصوم إلا أن يصوم

يومًا قبله ويومًا بعده ثبت ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يجوز الوصال في الصوم،

وَلا صوم الأبد لنهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه. وليس للمرأة أن تصوم تطوعًا إلا بإذن زوجها.

باب ذكر وقت الفطر

باب ذكر وقت الفطر 66 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَدْبَرَ النَّهَارُ وَأَقْبَلَ اللَّيْلُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»

باب ذكر الاعتكاف

ويستحب تعجيل الإفطار لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يزال الناس بخير مَا عجلوا الفطر» . ويستحب تأخير السحور، ويجب أن يفطر عَلَى تمر، فإن لم يجد فعلى ماء. باب ذكر الاعتكاف 67 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا ابْنَ شِهَابٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ» فإذا أراد المرء اعتكاف العشر الأواخر من رمضان صلى الصبح من يوم

باب ذكر ليلة القدر

عشرين، ثم دخل في معتكفه، وإن دخل عند غروب الشمس من ليلة عشرين فجائز. ويجوز الاعتكاف بغير صوم، ويجوز الاعتكاف في جميع المساجد، ويخرج إِلَى الجمعة إن اعتكف في غير مسجد جامع، فإذا فرغ عاد إِلَى اعتكافه، وَلا يخرج المعتكف من المسجد إلا لحاجة الإنسان إلا أن يلجأ إِلَى شراء مَا يقيمه من الطعام فيخرج لَهُ. والجماع يفسد الاعتكاف، وللمعتكف أن يتطيب ويأكل ويكتب العلم ويجالس العلماء ويعود المريض في المسجد، ويخرج من اعتكافه عند غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان. باب ذكر ليلة القدر 68 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» يتحراها مع ذَلِكَ في الوتر من ليالي العشر وفي ليلة سبع وعشرين خاصة. وأحوط للأمر أن لا يغفل عن إحياء الليالي العشر رجاء أن لا تفوته، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظم من أمرها، فَقَالَ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه وما تأخر» . قولا عامًا يرجى دخول جميع الذنوب صغيرها وكبيرها في ذَلِكَ.

كتاب الحج

كتاب الحج 69 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» الحج يجب عَلَى كل مستطيع إليه سبيلا بأي وجه كانت الاستطاعة، وليس عَلَى الْمَرْأَة التي لا محرم لها حج، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يحل لامرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم» . وليس للزوج منع زوجته من حجة الإسلام وله منعها من التطوع.

باب المواقيت

باب المواقيت 70 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ الْمَنَازِلَ، يُرِيدُ قَرْنَ

الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ فُهَنَّ لَهُمْ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلَ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» ويحرم أهل العراق من ذات عرق، لأنها بإزاء قرن، واتباعًا لعمر

وغيره من الصحابة، ومن مر عَلَى غير المواقيت أحرم إذا حاذى الميقات الذي يقرب منه، وَلا أحب أن يحرم قبل الميقات، والإحرام من الميقات أفضل، ومن مر بذي الحليفة فلم يحرم منها وأحرم من الجحفة فلا شيء عليه، ومن مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة فلم يحرم حَتَّى رجع إِلَى الميقات، فإن لم يفعل وأحرم فعليه دم، وميقات كل من أهله دون المواقيت مما يلي مكة مكانه حَتَّى أهل مكة يهلون منها. وإذا أسلم النصراني بمكة وأعتق العبد وبلغ الصبي، فأحرموا منها وحجوا فلا دم عليهم.

باب الاغتسال عند الإحرام

باب الاغتسال عند الإحرام 71 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: نا أَبُو غَزِيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، وَقَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْقُوبَ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ أَبُو غَزِيَّةَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ

باب ذكر تقليد الهدي وإشعاره

بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ لإِحْرَامِهِ " يستحب أن يغتسل إذا أراد الإحرام، ويجزئ من أحرم عَلَى غير طهارة، جنبًا كَانَ أو حائضًا، ويلبس الذي يريد الإحرام إزارًا ورداءً، ويتطيب بأطيب مَا يقدر عليه، ويصلي ركعتين ثم يحرم في دبرها، وإن حضرت صلاة مكتوبة أحرم بعدها، والإحرام يجزئ بغير صلاة وينوي مَا يريد أن يحرم به بقلبه ويلبي، وأحب أن يقول: اللهم إني أريد الحج إن أراد الحج، فيسره لي، وتقبله مني ومحلي حيث تحبسني. ومن أهل الحج يريد عمرة فهو مَا أراد، وإذا أراد حجة تطوع ونواها، لم تجزه عن حجة الإسلام، وإذا حج من لم يحج عن نفسه عن غيره فذلك جائز ويحج عن نفسه بعد، وإن شاء الذي يريد الإحرام أحرم بحجة، وإن شاء بعمرة، وإن شاء فرق بينهما، والتمتع أحب إلي من القران. باب ذكر تقليد الهدي وإشعاره 72 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: نا هِشَامُ عنُ

باب ذكر التلبية

قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَأَشْعَرَ الْهَدْيَ جَانِبَ السَّنَامِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ أَمَاطَ عَنْهُ الدَّمَ وَقَلَّدَهُ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ رَكِبَ نَاقَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءُ أَحْرَمَ» ، قَالَ: وَأَحْرَمَ عِنْدَ الظُّهْرِ " هكذا يفعل في الإشعار والتقليد وَلا يكون المرء بالتقليد محرمًا حَتَّى يحرم، وتشعر البقر في أسنمتها، فإن لم تكن لها أسنمة ففي موضع السنام، ويجلل بدنه وَلا يشق الجلال، ثم يفرق الجلال عَلَى المساكين إذا نحر البدن يوم النحر. باب ذكر التلبية 73 - نا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ،

عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَزِدْنَا: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَى إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ " ويقول: لبيك إله الحق لبيك. لأن ذَلِكَ فيما رويناه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن زاد فلبى في تلبيته كالزيادة التي زادها ابن عمر وشبه ذَلِكَ فلا بأس، ويرفع صوته بالتلبية، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك، وتلبي الْمَرْأَة وَلا ترفع صوتها بالتلبية، ويلبي إن شاء في الطواف وعلى الصفا والمروة.

وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة كذلك قَالَ ابن مسعود، وابن الزبير، وَلا يحرم أحد بالحج في غير أشهر الحج، فإن فعل فهي عمرة. قَالَ ابن عباس: من السنة أن لا يهل بالحج إلا في أشهر الحج، فإن فعل فهي عمرة. وقال ابن عباس: من السنة أن لا يهل بالحج إلا في أشهر الحج، وإذا أهل بحجتين فهي حجة وَلا شيء عليه في الأخرى.

باب ذكر ما يحرم على المحرم أن يفعله في إحرامه

باب ذكر مَا يحرم عَلَى المحرم أن يفعله في إحرامه أجمع أهل العلم عَلَى أن المحرم ممنوع من: الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار، وأجمعوا عَلَى أن الإحرام لا يفسد إلا بالجماع، قَالَ اللَّه تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] . كَانَ ابن عباس، يقول: إذا وقع الرجل عَلَى امرأته وهو محرم فعليهما الحج من قابل، ويتفرقان من حيث يحرمان وَلا يجتمعان حَتَّى يقضيا حجهما، وعليهما الهدي، وبقول ابن عباس نقول، وبه قَالَ عوام أهل العلم، فإذا جامع الرجل امرأته في الفرج فيما بين أن يحرم بالحج إِلَى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر فهو مفسد لحجه، وعليه أن يمضي فيها حَتَّى يأتي بجميع أعمال الحج، وعليه بدنة وحج قابل من الموضع الذي كَانَ أحرم، وعلى الْمَرْأَة إذا

باب أخذ الشعر والأظفار في الإحرام

كانت محرمة مثل مَا عَلَى الرجل سواء، وإن أتاها وهي مستكرهة أو نائمة فلا شيء عَلَيْهَا، وإذا قبل الرجل زوجته أو باشرها أو جامعها دون الفرج فأنزل فعليه شاة، وإذا ردد النظر إِلَى امرأته فأنزل فلا شيء عليه، وإذا جامع بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الإفاضة فعليه دم. باب أخذ الشعر والأظفار في الإحرام قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] . 74 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: «صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ»

باب ذكر ما نهي عنه المحرم من اللباس

وبهذا نقول وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن المحرم ممنوع من حلق شعره، ومن جزه وإتلافه بنورة أو نتف أو حرق إلا أن يضطر إِلَى ذَلِكَ، فإذا أضطر إليه حلق وافتدى بما في حديث كعب بن عجرة. ومن نتف من شعره شعرة أو شعرتين تصدق بشيء من طعام، ومن نسي فأخذ شعره أو أظفاره أو لبس أو تطيب فلا شيء عليه، وكذلك لو فعله جاهلا. وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره، وله أن يزيل مَا كَانَ مكسورًا منه، وإذا أخذ المحرم أظفاره فعليه دم، وللمحرم أن يقص أظفار الحلال، ويأخذ من شعره، وإذا لبس وتطيب وحلق في مجلس واحد أو مجالس متفرقة فعليه لكل واحد من ذَلِكَ كفارة. باب ذكر مَا نهي عنه المحرم من اللباس 75 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ

رُجَلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا. فَقَالَ: لا تَلْبَسِ الْقُمُصَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا البَّرَانِسَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا الْقَلانِسَ، وَلا الْخِفَافَ إِلا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَينِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلا تَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ وَرَسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ " فالمحرم ممنوع من لبس كل مَا نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لبسه، وله أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، ويلبس الخفين المقطوعين أسفل من الكعبين إذا لم يجد نعلين، فإذا وجد فلينزع وليخلع، فإن لم يفعل وترك ذَلِكَ عليه بعد الوجود افتداء. ويكره للمرأة المحرمة، البرقع والنقاب ولها أن تلبس الخفين وهي محرمة، وللمحرم أن يستظل عَلَى البعير وعلى سائر الدواب، وَلا يخمر المحرم رأسه، وكان عثمان بن عَفَّانَ يخمر وجهه وهو محرم، وروينا ذَلِكَ عن عبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت،

باب ذكر الصيد

وابن الزبير، وَلا يخمر المحرم رأسه بمكتل وَلا غيره، وَلا يلبس ثوبًا مسه ورس أو زعفران إلا أن يغسل ويذهب ريحه، وإذا أحرم وعليه قميص نزعه ولم يشقه. باب ذكر الصيد قَالَ اللَّه جل ذكره: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] . فقتل الصيد وجرحه وإتلافه حرام عَلَى المحرم، وإذا قتل المحرم صيدًا عمدًا فعليه جزاؤه، وليس ذَلِكَ عَلَى من قتله خطأ، كذلك قَالَ ابن عباس: وعلى من قتل الصيد في الإحرام مرة بعد مرة الجزاء في كل مرة، وهو بالخيار بين الهدي والطعام والصيام موسرًا كَانَ أو معسرًا، فإن شاء ذبح إن كَانَ للصيد مثل النعم، وإن شاء قوم الهدي دراهم، وقوم الدراهم طعامًا، وأعطى كل مسكين مدين من الطعام، وإن شاء صام مكان كل مدين يومًا كذلك قَالَ ابن عباس. وإذا أصاب المحرم نعامة فعليه بدنة، وفي الضبع كبش، وفي الظبي شاة، وفي الأرنب عناق، وفي اليربوع، قولان: أحدهما: أن عليه جفرة، كذلك قَالَ عمر بن الْخَطَّابِ، وقال النخعي، ومالك:

عليه قيمته. وفي الضب، قولان: أحدهما: أن عليه فِيهِ جديا، هذا قول عمر، وقال مجاهد: عليه حفنة من طعام. وكان ابن عباس وغير واحد من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرون في حمام مكة شاة، وبه قَالَ أكثر أهل العلم. وفي الطير غير الحمام قيمته، وفي الجماعة يقتلون الصيد قولان: أحدهما: أن عليهم جزاء واحدًا، فهذا قول ابن عمر. والثاني: أن عَلَى كل واحد منهم جزاء، فهذا قول الشَّافِعِيّ،

والنخعي، والحسن البصري، ومالك، والثوري. وفي بيض الصيد قيمته، وإذا دل المحرم الحلال عَلَى صيد فقتله فلا شيء عَلَى المحرم، وإذا دل الحلال المحرم عَلَى صيد فقتله فعلى المحرم القاتل الجزاء، وإذا ذبح المحرم الصيد وسمى اللَّه لم يحرم أكله وعليه الجزاء، ويجزئ المحرم الصيد الصغير بصغير من النعم، وليس بين القارن والمفرد فرق في جزاء الصيد. وليس للمحرم أن يقتل صيدًا يهدى لَهُ، وَلا يشتريه استدلالا بحديث الصعب بن جثامة،

باب ذكر ما أبيح للمحرم أن يفعله في إحرامه

وليس عليه إرسال مَا كَانَ في يديه من الصيد قبل أن يحرم إذا أحرم، وَلا أحب أن يأكل المحرم من لحم صيد اصطيد من أجله، وله أن يأكل مَا سوى ذَلِكَ، وصيد البحر مباح للمحرم اصطياده وأكله، وبيعه وشراؤه. باب ذكر مَا أبيح للمحرم أن يفعله في إحرامه 76 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ " للمحرم أن يقتل جميع مَا هو مذكور في هذا الحديث وله قتل الحية والذيب والسباع كلها سوى الضبع، وله قتل النسر والعقاب وكل ذي مخلب من الطير، والزنبور، والبق، والبراغيث، والقمل، ويحتجم المحرم، وليس لَهُ أن يزيل الشعر عن نفسه، فإن فعل افتدى. ويغسل رأسه ويديه بالماء والسدر، ويستاك ويأكل

باب ذكر دخول مكة

الشيرج والزيت ويستعملهما في بدنه ورأسه، لأن ذَلِكَ ليس بطيب منهي عنه. وينظر المحرم في المرآة، ويتقلد السيف والقوس ويقاتل اللصوص، ويتجر في الجواري والطيب، وينحر الإبل ويذبح البقر والغنم والدجاج والحمام الذي ليس لَهُ أصل في الوحشي، ويأكل الخشكنانج والملح الأصفر إذا لم يكن للزعفران فِيهِ طعم وَلا ريح، ويغسل ثيابه، ويدخل الحمام، ويزيل الوسخ عن نفسه ويحك بدنه، وَلا يقطع الشعر، وينزع ضرسه ويفتح العرق، ويداوي جرحه، ويعالج إن كَانَ به شقاق بالشحم والشمع، ويفرد بعيره وجمله. والأمر إن كَانَ مباحًا قبل الإحرام فهو عَلَى أصل الإباحة بعد الإحرام إلا أن يمنع المحرم من شيء حجه فيمتنع منه، وتلبس الْمَرْأَة المحرمة الحلي وتختضب. باب ذكر دخول مكة 77 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي الْبَطْحَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى»

ويستحب أن يغتسل المرء إذا أراد دخول مكة، ويستحب أن يرفع يديه إذا رأى البيت، وليقل إذا دخل المسجد: «اللهم افتح لي أبواب رحمتك» . ويضطبع: وهو أن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه عَلَى منكبه الأيسر، ويشمر الأيسر، وليبتدئ الطواف من حذو الركن الأسود، وليقل: بسم اللَّه والله أكبر. وليقبل الركن الأسود، أو يستلمه ويقبل يده، ويمضي عَلَى يمينه ويرمل ثلاثة أطواف من الركن الأسود إليه ويمشي أربعة، ويستلم الركن اليماني، ويقول بين الركنين: «ربنا آتنا في الدُّنْيَا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار» . فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام ويجزئه حيث صلاهما، ثم يرجع إِلَى الركن فيستلمه. ثم يخرج إِلَى الصفا، ويرقى عليه، ويكبر اللَّه ويوحده، ويقول: «لا إله إلا اللَّه وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» . ثم يمشي وإذا بلغ بطن المسيل سعى سعيًا شديدًا بين الميلين، ثم يمشي إِلَى المروة ويرقى عَلَيْهَا ويفعل عَلَى المروة كفعله عَلَى الصفا، يكمل سعيه عَلَى هذا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإن كَانَ قارنًا أو حاجًا أقام عَلَى إحرامه إِلَى يوم النحر، وإن كَانَ معتمرًا حل، وإن كَانَ إمامًا خطبهم يوم سابع وبعد صلاة الظهر يعلم الناس أمر حجهم، ثم يفعل يوم التروية إذا أراد الخروج إلي منى من الاغتسال والتجرد لَهُ والطيب، كما بينت في أول الكتاب، ويروح إِلَى منى فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، فإذا طلعت الشمس صار إِلَى عرفة فيقيم بها حَتَّى إذا زالت الشمس، فإن كَانَ إمامًا أتى المسجد وجلس عَلَى المنبر، ثم يقوم فيخطب خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ثم يؤذن المؤذن ويقيم ويصلي الظهر، ثم يقيم فيصلي العصر، ثم يروح إِلَى الموقف فيقف به. وعرفة كلها موقف مَا خلا بطن عرنة، ويدعو، ويكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا غربت الشمس دفع من عرفة وسار سيرا

غير تعب عَلَى السكينة حَتَّى يأتي مزدلفة، فإذا أتاها جمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة ويبيت بها، حَتَّى إذا طلع الفجر أذن وأقام وصلى الصبح، ثم يأتي المشعر الحرام ويقف عنده ويكثر من حمد اللَّه جل وعلا، ويدعو ويتضرع ويسأل اللَّه جميع حوائجه، وليس لأحد أن يدفع قبل الإمام إلا الضعفة أرخص لهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدفعوا بليل وليست الرخصة إلا لهم، ومن فاته عرفة أو مزدلفة خرج بعمل عمرة وقد فاته الحج، ثم يدفع قبل طلوع الشمس وقت صلاة المسفرين بصلاة الصبح حَتَّى يأتي بطن محسر، فإذا انصبت قدماه في وادي محسر حرك دابته إن كَانَ راكبًا حَتَّى يخرج منه، وإن كَانَ راجلا فليتجنب وذلك قدر رمية بحجر، ثم يسلك الطريق الوسطى إِلَى الجمرة فيرميها بسبع حصيات من بطن الوادي يكبر مع كل حصاة، يجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره، ويستقبل الجمرة ويقطع التلبية إذا رماها، ثم ينحر إن كانت مَعَهُ بدنة أو يذبح إن كانت مَعَهُ بقرة أو شاة، ويحلق رأسه أو يقصر، ويطوف طواف الإفاضة، فإذا فعل ذَلِكَ حل لَهُ كل شيء.

باب ذكر وقت رمي الجمار

باب ذكر وقت رمي الجمار 78 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوَّلَ يَوْمٍ ضَحَّى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ» فأحب أن لا ترمى الجمرة يوم النحر إلا بعد طلوع الشمس اقتداء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويجزئ الرمي بعد طلوع الفجر، لأنه رمي بالنهار، وَلا يجزئه أن يرمي قبل طلوع الفجر، وأحب أن يلتقط الحصى لرمي الجمار يوم النحر من المزدلفة، ومن حيث أخذه يجزئه، وَلا يجزئه الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال، يبدأ

باب ذكر الهدي

في يوم القر، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات، ثم يتقدم أمامهما مما يلي الكعبة، يستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو ويطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي فيقف كذلك ويدعو ثم ينصرف، فيأتي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات، ثم ينصرف وَلا يقف عندها. ومن نسي الرمي بالنهار رمى بالليل وَلا شيء عليه، ومن فاته شيء من الرمي رمى في أيام التشريق، فإذا مضت أيام التشريق فقد فات الرمي وعليه دم فيما نسي من الجمار، أو ترك إذا كَانَ الذي نسي جمرة فما فوقها، وَلا يجزئ الرمي إلا بالحصى، ويرمى عن المريض العاجز عن الرمي، وعن الصبي الصغير. باب ذكر الهدي 79 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مِنًى كُلُّهَا

مَنْحَرٌ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ» «نحر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنحر» ، ويستحب أن ينحر المرء نسكه بيده، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نحر أكثر بدنه بيده» ، ويجزئه أن ينحر غيره، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دفع بعض بدنه إِلَى علي فنحرها» وليقل الناحر أو الذابح: «بسم اللَّه والله أكبر» . وليحد شفرته وتنحر الإبل معقولة اليد اليسرى قائمة عَلَى ثلاثة، ويجزئه كيف نحرها. وَلا يجوز من الضحايا أربع: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى، للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ ذَلِكَ، ويجزئ من الإبل والبقر والمعز الثني، ويجزئ من الضأن الجذع لمن عسر

باب ذكر الحلق والتقصير

عليه الثني، ويتصدق بجلال البدن والجلود، والنعال والقلائد. ويستحب الأكل من هدي التطوع وَلا يأكل من الواجب، والنحر يوم النحر، وأيام منى كلها، وتجزئ البدنة عن سبعة متمتعين وغيرهم وكذلك البقرة، ويستقبل بالذبيحة القبلة استحسانا، وما استيسر من الهدي بشاة، وله أن يركب البدنة إذا احتاج إليها ويجزئ الهدي، وإن اشتريت من منى ولم يوقف بها بعرفة وَلا يجزئ الذبح إلا بعد طلوع الفجر من يوم النحر باب ذكر الحلق والتقصير 80 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» والحلق أفضل من التقصير، إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا، فَقَالَ: «اللهم ارحم المحلقين» . ثلاثا ودعا للمقصرين واحدة، ويجزئه التقصير، وثبت عنه أنه

ناول الحالق شقه الأيمن ثم شقه الأيسر. وليس عَلَى من لا شعر عَلَى رأسه شيء، ومن لبد رأسه أو عفصه حلق، والحلق يوم النحر أحب إلينا، وإن أخر ذَلِكَ حَتَّى رجع إِلَى بلده حلق وَلا شيء عليه،

باب ذكر الزيارة

وليس عَلَى النساء حلق، ولكن الْمَرْأَة تقصر من أطراف شعرها قدر أنملة، ويستحب أن يأخذ من أظفاره وشاربه يوم النحر بعد الحلق، ونحب أن يمس طيبًا بعد الرمي، والحلق يوم النحر اتباعًا للسنة. باب ذكر الزيارة 81 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» فاستحب أن يطوف الطواف الواجب يوم النحر، وَلا شيء عَلَى من طاف في أيام التشريق أو بعد خروج التشريق، وَلا يجوز أن يطوف أقل من سبع، وَلا يطوف إلا طاهرًا، وليس عليه أن يرمل في طواف الزيارة إلا رجل عليه السعي بين الصفا والمروة، فإن من عليه سعي رمل في طوافه، وَلا يجوز الطواف إلا بنية.

باب ذكر المقام بمنى ليالي التشريق

باب ذكر المقام بمنى ليالي التشريق 82 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الْعَبَّاسَ «اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ» روينا عن عائشة: أنها قَالَتْ: «أفاض رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إِلَى منى فمكث فيها ليالي أيام التشريق» . وليس عَلَى من قدم نسكًا قبل نسك شيء مما يفعل في يوم النحر، ويخطب الإمام يوم النحر بمنى يعلمهم كيف يفعلون فيما يبقى عليهم من مناسكهم.

فالسنة أن يقيم الناس بمنى ليالي أيام التشريق إلا أهل سقاية العباس بن عبد المطلب من بين أهل الميقات وإلا الرعاء، فإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرخص لهم في البيتوتة يرمون يوم النحر ثم يرمون من الغد أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، إلا لمن نفر النفر الأول، فإنه إذا نفر في ذَلِكَ اليوم سقط عنه المبيت ليلة النفر الكبير ولجميع الناس أن ينفروا النفر الأول لأهل الآفاق، ولأهل مكة، ولمن أراد من الغرباء المقام بمكة. ووقت النفر الأول فيما بين أن تزول الشمس إِلَى أن تغرب الشمس، فإذا غربت الشمس زال وقت النفر، ولم ينفر إلا من الغد، بعد زوال الشمس ويستحب لمن خرج نافرًا عن منى أن يذكر اللَّه، ويقول: «ربنا آتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» . قَالَ اللَّه تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200] .

باب ذكر العمرة

باب ذكر العمرة 83 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا الْمُقْرِي، وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجَرْمِيُّ، قَالا: نا هَمَّامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ،

أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ أَوْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ . وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ، اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ عَنْكَ أَثَرَ الْخَلُوقِ. أَوْ قَالَ: الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا صَنَعْتَ فِي حَجَّتِكَ " فيتقي المعتمر في عمرته من اللباس والطيب وقتل الصيد وأخذ الشعر وتقليم الأظفار والجماع والقبلة والمباشرة مَا يتقيه الحاج لا فرق بينهما فيما يتقيه كل واحد منهما وَلا فيما عَلَى كل واحد منهما، إذا أتى مانهي عنه من الجزاء والفدية، ويجتمعان في بعض مَا عليهما من العمل ويتفرقان في أشياء. فأما مَا يجتمعان فِيهِ ففي المواقيت التي سنها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحاج والمعتمرين، والاغتسال للإحرام واللباس عند الإحرام والتطيب قبل الإحرام والصلاة عند الإحرام، والاشتراط عند الإحرام وتقليد البدن والإشعار والتجليل والتلبيد إلا مَا بينا من وقت قطع كل واحد منهما التلبية، وسنن الطواف، وصلاة الطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق والتقصير. وأما مَا يفترقان فِيهِ مما ينفرد بعمله الحاج من الخروج إِلَى منى وعرفة والرجوع إِلَى المزدلفة، وسائر أعمال الحج من الرمي والمقام بمنى، وسائر مَا ذكرناه في كتاب الحج مما ينفرد بعمله الحاج. والعمرة فريضة استدلالا بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ، والدلائل

قد ذكرتها في كتاب المناسك، وللمرء أن يعتمر قبل أن يحج، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اعتمر عمرة قبل الحج» ، ويحرم المكي والمقيم بها من الجعرانة أو التنعيم،

ويجزئه أن يحرم بها عند خروجه من الحرم، وتجوز العمرة في الشهر مرارًا، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «العمرة إِلَى العمرة كفارة لما بينهما» . ويقطع المعتمر التلبية إذا افتتح الطواف، والحاج إذا رمى جمرة العقبة، وفضل العمرة في الشهور كلها واحد إلا في شهر رمضان، فإن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عمرة في رمضان تعدل حجة» .

باب ذكر الأمر بطواف البيت

باب ذكر الأمر بطواف البيت 84 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: نا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، إِلا الْحُيَّضَ رَخَّصَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»

باب ذكر الإحصار

وثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا ينفرن أحد حَتَّى يكون آخر عهده بالبيت» . فعلى كل خارج إِلَى أي مكان خرج من الحرم قرب الموضع أو بعد طواف الوداع إلا الحائض والنفساء في معناهما، ومن خرج ولم يودع فكان قريبًا رجع فودع، وإن لم يفع فلا شيء عليه. وقد قيل: عليه دم، وليس لَهُ أن يشتغل بعد طواف الوداع بشيء. قَالَ عطاء: إنما هو خاتم يختم لَهُ به، وإذا ودع البيت، ثم أقام أعاد طواف الوداع، وَلا يجوز حبس الجمال عَلَى الْمَرْأَة الحائض، وليس عَلَى من خرج ليعتمر من التنعيم طواف الوداع وإذا أراد المرء طواف الوداع، بالبيت فطاف به سبعًا ليس فِيهِ رمل وَلا اضطباع، ثم يقف بالملتزم بين الباب والركن الأسود يدعو ويسأل اللَّه قبول حجه، ثم يأتي المقام فيصلي خلفه ركعتين ويجزئه حيث صلاهما، ويشرب من ماء زمزم استحسانًا، ثم يرجع إِلَى الملتزم، ويدعو ثم يستلم الركن ويمضي متوجهًا إِلَى بلده. باب ذكر الإحصار قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . فإذا أحصر المرء المحرم بعدو فله أن يحل ويرجع، يقدم الذبح قبل الحلق، ثم يحلق أو يقصر، وليس عليه قضاء إلا أن لا يكون حج حجة الإسلام فيحجها. كَانَ ابن

باب الحج عن الزمنى وعن الموتى

عباس، يقول: «لا حصر إلا حصر العدو» . وبمعناه قَالَ ابن عمر، ومالك، والشافعي، ومن فاته الحج فليطف ويسعى ويحلق أو يقصر، وعليه حج قابل والهدي في قول عمر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وقد قَالَ بذلك عامة العلماء، وقال ابن عباس: ليس عليه حج قابل. باب الحج عن الزمنى وعن الموتى 85 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:

سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكْتُ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَهَلْ تَرَى أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ . فَقَالَ: نَعَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ نَفَعَهُ. وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، أَيُجْزِئُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهَا؟ ، قَالَ: نَعَمْ " فالحج عن الميت وعن الزمن الذي لا يستطيع الثبوت عَلَى الراحلة جائز، حجة الإسلام وحجة النذر إذ هِيَ في معنى حجة الإسلام إذ كل واحد منها واجب، وَلا يجوز حج التطوع عن الميت ويدل عَلَى أن حجة الإسلام من رأس المال لما شبهها بديون الآدميين، ويدل عَلَى أن إباحة حج الْمَرْأَة عن الرجل، والأجرة عن الحج جائزة. كما يجوز عَلَى سائر الأعمال وأحب أن يحج المرء عن نفسه، ثم يحج عن غيره، فإن حج عن غيره أجزأ ذَلِكَ عن حجه وعليه حجة الإسلام، وَلا يجوز الحج إلا بنية لدخوله في جملة قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنية» . وَلا يثبت خبر شبرمة.

باب تحريم صيد الحرم وعضاهه

وفرض الحج ساقط عمن لم يبلغ وعن المعتوه حَتَّى يفيق، وعن العبد حَتَّى يعتق، فإن حج صبي قبل أن يبلغ، أو حج عبد قبل أن يعتق فعليهما حجة الإسلام إذا بلغ الصبي أو أعتق العبد، وإذا أحرم الصبي الذي لم يبلغ والعبد، ثم بلغ الصبي وأعتق العبد، قبل عرفة لم يجزهما عن حجة الإسلام. باب تحريم صيد الحرم وعضاهه 86 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: نا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا يُعَضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» . وَفِي غَيْرِ

هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى الإِذْخِرَ وأجمع أهل العلم عَلَى أن صيد الحرم محرم عَلَى الحلال والمحرم. ولمن بيده صيد قد اصطاده في الحل أن يدخله الحرم ويذبحه، فيها استدلالا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أقر النغير الذي كَانَ بيد أبي عمير بالمدينة» ، وقد حرم من صيد المدينة مَا حرم من صيد

مكة، وهو محرم كَانَ القاتل حرامًا أو حلالا. وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم قطع شجر الحرم، واختلفوا فيما يجب عَلَى من قطع شجرة من شجر الحرم، وكان مالك، يقول: لا شيء عليه. وقال الشَّافِعِيّ: عليه في الشجرة الكبيرة بقرة وفي دون ذَلِكَ شاة. وَلا بأس بأن يرعى المرء حشيش الحرم وليس لَهُ أن يحتش من الحرم إلا الإذخر الذي استثناه الرسول، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حرم مَا بين لابتي المدينة لا ينفر صيدها، وَلا يعضد شجرها» .

كتاب البيوع

كتاب البيوع قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . فكان عَلَى ظاهر قوله: «أحل اللَّه البيع» . عَلَى أن كل بيع جائز، فلما قَالَ: «وحرم الربا» . دل عَلَى أن من البيوع مَا يجوز وما لا يجوز، فمما ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن بيع الغرر» . 87 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ بَيْعِ الْحَصَى» ونهيه عن بيع الغرر كلام مجمل يدخل في أبواب من البيوع فمن الغرر

المضامين والملاقيح، والملاقيح: بيع الأجنة في بطون النوق، والمضامين: ماء في أصلاب الفحول. ومنه نهيه عن بيع الملامسة والمنابذة. والملامسة: أن يمس الرجل

الثوب بيده وَلا ينشره وَلا يقلبه، فإذا مسه وجب البيع، والمنابذة: أن يقول الرجل: إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع. ومما يدخل في بيوع الغرر بيوع الألبان في ضروع الأنعام، وبيع الأصواف عَلَى ظهورها. ومن ذَلِكَ نهيه عن بيع السنين ومن ذَلِكَ نهيه عن بيع مَا لا يملكه المرء، وهو بيع مَا في ملك غيره،

باب ذكر ما نهي عن بيعه مما لا يجوز ملكه

ومن بيوع الغرر بيع العبد الآبق والبعير الشارد وبيع السمك في الآجام، وبيع البصل والثوم والجزر والفجل مغيبًا في الأرض، وبيع القصيل جزة وبيع تراب الصاغة والمعادن، وبيع مَا تنبت شجر التين والقثاء بطن بعد بطن وما في معنى ذَلِكَ. باب ذكر مَا نهي عن بيعه مما لا يجوز ملكه قَالَ اللَّه جل ذكره: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] .

88 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ» . فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُدْهَنُ بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَنْفِعُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لا، هِيَ حَرَامٌ» . ثُمَّ قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَّلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» فبيع الميتة حرام بكتاب اللَّه عز وجل وبالخبر الثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبإجماع أهل العلم عليه، وكذلك الخمر، والخنزير، والدم، والسمن، والزيت الذائبين، وسائر الدهان الواقع فِيهِ الفأرة الميتة، وَلا يجوز الانتفاع بشيء من ذَلِكَ،

باب ذكر ما يكره وينهى عنه من الغش والخداع في البيوع

ومما يحرم بيعه وَلا يجوز الحر يباع. وَلا يجوز أن يتخذ الخمر خلا، وكل مَا يتخذ للهو وَلا يصلح لغيره مثل: العيدان، والطنابير، والمزامير، والنرد وما أشبه ذَلِكَ فبيعه غير جائز، وَلا يجوز بيع الكلاب وَلا السباع وَلا عظام الفيل، وليس عَلَى من أتلف كلبا غرم. باب ذكر مَا يكره وينهى عنه من الغش والخداع في البيوع 89 - نا حَاتِمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: نا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيعِ فَمَنِ اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثًا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فالتصرية من الغرر والخداع، فكما لا يجوز الغرر والخداع في هذا المكان كذلك لا يجوز ذَلِكَ في شيء من أنواع البيوع. فمن اشترى مصراة فهو بالخيار بعد الحلب ثلاثة أيام إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها ورد معها صاعًا من تمر، لا يجوز أن يرد غير ذَلِكَ

وثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن النجش» ، والنجش: أن يعطي الرجل الرجل بالسلعة ثمنا وهو لا يريد الشراء ليقتدي به السوام. وثبت أنه «نهي عن بيع الحاضر للبادي» ، وَلا مأثم عليه إن أشار عَلَى البدوي ولم

يبع لَهُ، وَلا يجوز تلقي السلع حَتَّى تهبط بها الأسواق لحديث ابن عمر، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن تلقى الركبان فابتاع سلعة فالبائع بالخيار إذا أتى السوق وَلا خيار للمشتري، وَلا يحل التطفيف في الكيل والوزن.

باب ذكر البيوع التي نهي عنها

باب ذكر البيوع التي نهي عنها 90 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» فمن بيعتين في بيعة، أن يقول: خذ هذا الثوب بدينار نقدًا أو بدينار ونصف إِلَى وقت معلوم. ومن ذَلِكَ: أن يقول: خذ هذا الثوب بدينار عَلَى أن الدينار إذا حل أعطيتني به عشرين درهمًا. وَلا يجوز أن يقول: أبيعك هذا الثوب إلا شهر بكذا عَلَى أنك إن حبسته عني شهرًا آخر فهو بكذا، وَلا يجوز أن يبيعه بيعًا عَلَى أن يقرضه مع البيع قرضًا، وهذا مما نهي عنه من بيع وسلف، وَلا يجوز بيع الدين بالدين ومن ذَلِكَ أن يحل لَهُ عليه طعام من سلم، فيجعل ذَلِكَ عليه سلما في شيء آخر إِلَى أجل آخر، وذلك من بيع الدين بالدين، ومن بيع الطعام قبل أن يقبض، ويجوز أن يبيع الرجل من الحيوان اثنين بواحد يدًا بيد، ومن أجناس مختلفة، «اشترى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدًا بعبدين أسودين» . ويكره بيع اللحم بالحيوان وليس

فِيهِ حديث يثبت، وَلا يجوز أن يبيع فضل الْمَاء، ويجوز بيع الْمَاء المعلوم في القربة أو الراوية، وَلا يجوز بيع مَا هو منه مجهول مثل أن يبيعه مَا يجري في نهر يومًا وليلة، وذلك لأنه مجهول قد يزيد وينقص، وَلا يوقف لَهُ عَلَى حد،

ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يبع بعضكم عَلَى بيع بعض» . و «نهى أن يستام الرجل عَلَى سوم أخيه» ، وذلك إذا تقاربا وركن البائع إِلَى السلعة ولم يبق إلا العقد، وإذا كَانَ عَلَى غير ذَلِكَ فجائز للحديث الذي روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «باع قدحا وحلسا فيمن يزيد» . وثبت، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

«نهى عن بيع الطعام قبل أن يقبض» وهذا قول عوام أهل العلم وفي هذا إباحة أن يبيع غير الطعام قبل أن يقبض، وَلا يجوز التفريق بين الوالدة وولدها في البيع والولد صغير، وَلا يجوز احتكار الطعام الذي هو قوت للناس عليهم، وَلا يجوز منع الناس من احتكار غير الطعام، وَلا يجوز أن يسعر عَلَى الناس الطعام، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتنع من ذَلِكَ.

باب ذكر الربا وتفسيره

باب ذكر الربا وتفسيره 91 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: نا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلا بِمِثْلٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ مِثْلَ ذَلِكَ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ»

وبهذا نقول، وهو قول عوام أهل العلم، وَلا يجوز بيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب، وَلا بأس أن يبيع دينارًا بدراهم وثوب، وَلا بأس بأن يشتري الفضة بالذهب جزافًا، لأن أكثر مَا فِيهِ أن يكونا متفاضلين، وقد أجازت السنة التفاضل بينهما، وهو قوله: «بيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم» . وإذا كَانَ للرجل عَلَى الرجل دنانير فله أن يأخذ بها دراهم يقبضها قبل أن يتفرقا، وَلا يجوز الخيار في الصرف، وَلا يجوز إلا أن يقبض كل واحد منهما من صاحبه جميع مَا اصطرفاه، قبل أن يتفرقا، وحكم كل مَا يكال أو يوزن مما يؤكل أو يشرب حكم مَا نهى عنه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك مثل: الزبيب، والأرز، والحمص، والسكر وما أشبه ذَلِكَ من المأكول، والمشروب، لا يجوز بيع شيء من ذَلِكَ بجنسه إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وإذا اختلف الصنفان فلا بأس بالتفاضل فِيهِ يدا بيد، وما خرج عن المكيل والموزون من المأكول والمشروب فلا بأس بأن يباع الشيء منه بالشيء من جنسه متفاضلا يدا بيد، وذلك مثل: الرمان، والتفاح، والسفرجل، والبطيخ، والخيار، والقثاء، وهذا قول سعيد بن المسيب. وَلا بأس ببيع مَا يكال ويوزن مما لا يؤكل وَلا يشرب اثنان بواحد يدا بيد، ونسيئة إذا كَانَ الأجل فِيهِ معروفا موصوفا، وذلك مثل: القطن، والصوف، والورس، والحناء، والعصفر، والحديد، والرصاص، والنحاس وما أشبه ذَلِكَ، وكذلك الثياب المنسوخة كلها،

باب ذكر بيوع الثمار

ويجوز بيع رطل من لحم الضأن برطلين من لحم البقر يدًا بيد، وَلا يجوز نسيئة وقد دخل هذا وما أشبهه في جملة مَا يثبت، والجواب في الألبان كالجواب في اللحمان يجوز بيع الشيء منه بالشيء من غير جنسه، متفاضلا يدا بيد وَلا يجوز نسيئة، وَلا يجوز بيع الصبرة بالطعام بالصبرة من جنسه، وإذا اختلف الصنفان فلا بأس بالتفاضل فِيهِ يدا بيد، وَلا يجوز بيع التمرة بالتمرتين، ويجوز بيع الفلس بالفلسين، وَلا يجوز بيع الرطب بالتمر لأن الرطب ينقص إذا يبس. باب ذكر بيوع الثمار 92 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ» أجمع أهل العلم عَلَى القول بهذا الحديث، وبدو صلاح الثمار أن تطعم

رطبا، أو تصفر أو تحمر، وجميع ثمار الأشجار كالنخل يجوز بيع ذَلِكَ إذا طاب أول ثمرها، وروينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «نهى عن بيع العنب حَتَّى يسود» ، وثبت أنه «نهى عن بيع السنبل حَتَّى يبيض» ، وثبت عنه، أنه قَالَ: «من باع نخلا فيها ثمر قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط

المبتاع» . والإبار التلقيح. وإذا اشترى الرجل تمرا فأصابتها جائحة بعد أن يخلى بين المشتري وبين التمر فهي من مال المشتري، وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة وبيع السنين» ، والمحاقلة: أن يبيع الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة

فرق تمر. ورخص في بيع العرايا بخرصها، وذلك مستثنى من جملة نهيه عن بيع التمر

باب الخيار في البيع والعيوب توجد في السلع

بالتمر، وَلا يجوز أن يباع من العرايا إلا دون خمسة أوسق. وبيع السنين: أن يبيع الرجل ثمن نخله سنتين، ويقال: إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما رخص في بيع العرايا، أن قومًا شكوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الثمار تأتي وَلا نقد معهم، ومعهم تمر من بقايا أقواتهم، فرخص لهم أن يبتاعوا من الثمار بخرصها ترفقًا بأهل الفاقة. باب الخيار في البيع والعيوب توجد في السلع 93 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ»

والافتراق افتراق الأبدان، ومعنى قوله: إلا بيع الخيار. أن يقول أحد المتبايعين للآخر: اختر إنفاذ البيع أو فسخه، فإذا اختار إمضاء البيع تم البيع، وإن لم يفترقا، وإذا تبايعا وشرطا خيار شهر أو أقل أو أكثر فالبيع جائز، وللذي اشترط الخيار إِلَى الوقت الذي اشترط الخيار إليه، وقد ذكرنا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تصروا الإبل» . وقال: «من غشنا فليس منا» . وقال: «الدين النصيحة» . وقال: «لا يحل لمسلم إن باع من أخيه بيعًا فِيهِ عيب إلا بينه لَهُ» . وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن من اشترى سلعة ووجد بها عيبًا كَانَ عند البائع لم يعلم

باب ذكر السلم

به المشتري أن لَهُ الرد، وإذا باع سلعة بالبراءة من العيوب لم يبرأ إلا من عيب بينه للمشتري. وإذا اشترى الرجل من الرجل سلعة وبها عيب لم يعلم به المشتري وحدث عنده عيب آخر، ففيها قولان: أحدهما: أن يرجع عَلَى البائع بأرش العيب الأول. والثاني: أن يرد السلعة، ويرد مَا نقصه العيب الذي حدث عند المشتري. وإذا كانت سلع فوجد ببعضها عيبًا رد الجميع، أو حبس الجميع، وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «الخراج بالضمان» . فإذ اشترى عبدًا ودارًا فاستغل ذَلِكَ ثم وجد بهما عيبًا ردهما وكانت لَهُ الغلة. باب ذكر السلم قَالَ تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] . 94 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ

أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ فِي سَنَتَيْنِ وَثَلاثٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فالسلم الجائز أن يسلم الرجل إِلَى الرجل في دنانير معلومة، في طعام معلوم موصوف بكيل معلوم إِلَى أجل معلوم أو وزن معلوم يدفع إليه الدنانير قبل أن يفترقا من الموضع الذي تبايعا فِيهِ، ويكون ذَلِكَ من طعام بلد ضخم لا يخطئ مثلها، ويسمى المكان الذي يقتضى فِيهِ، وَلا يجوز السلم إِلَى أجل مجهول،

باب ذكر الأقضية في البيوع

والسلم جائز في الحيوان من الدواب والرقيق، وكذلك يجوز السلف في الثياب، وفي اللحم، وفي الشحم، والفواكه، والحبوب كلها. والسمك بعد أن يوصف ذَلِكَ بما يجب أن يوصف، والرهن، والحميل جائز في السلم، وله أن يقبله فيما أسلم فِيهِ وفي بعضه. باب ذكر الأقضية في البيوع 95 - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وبهذا نقول فإذا اشترى الرجل عبدا واشترط ماله، عينا كَانَ المال أو دينا، أقل مما اشتراه به أو أكثر، علم مقداره أو لم يعلم لحكم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكمًا تامًا. وأجمع أهل العلم: عَلَى أن من باع معلومًا من السلع خاصة، بمعلوم من الثمن وقد عرف البائع والمشتري السلعة إن البيع جائز. وإذا باعه سلعة لم يرها المشتري ووصفها لَهُ البائع فالبيع جائز، فإن وجدها عَلَى الصفة فلا خيار لَهُ، وإن وجدها عَلَى غير الصفة كَانَ لَهُ الخيار إن شاء أمسك وإن شاء رد بما يكون ذَلِكَ لَهُ في العيب يجده بالسلعة، وإذا باع مَا يملك وما لا يملك فالبيع باطل، ويستحب أن يشهد عَلَى البيع. وإذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وتفاسخا، فإن كانت السلعة مستهلكة فكذلك يتحالفان ويتفاسخان، ويرد قيمة السلعة، وإن اختلفا في قيمتها فالقول قول المشتري مع يمينه، وهذا سبيل كل غارم إذا لم تكن بينة أن القول قوله مع يمينه. وإذا اشترى عشرة أثواب بعشرة دنانير فزاد ثوب أو نقص ثوب فالبيع فاسد والتولية بيع والشركة بيع، والإقالة فسخ بيع، وَلا بأس بالإقالة في الطعام وغيره.

وإذا اشترى الزيت أو السمن في الظروف عَلَى أن توزن الظروف إذا فرغ ذَلِكَ، وتطرح من جملة الوزن فالشراء جائز. وإن اشترى الرجل من الرجل دابة واشترط ظهرها إِلَى مكان معلوم فذلك جائز، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اشترى من جابر جملا واستثنى جابر ظهره إِلَى أهله» ، وكذلك الدار تباع ويستثنى السكن وقتا معلوما، ويجوز أن يبيع الأمة ويستثني حملها، لأن المستثنى لم يبع إنما وقع البيع عَلَى معلوم. وإذا كَانَ لَهُ أن يبيع جارية قد أعتق مَا في بطنها، لأن البيع في الجارية دون الولد كَانَ في البيع كذلك إذا باع الجارية دون الولد. ويجوز أن يبيع الثوب بدينار إلا قيراطًا، وَلا يجوز أن يباع بدينار إلا درهمًا، وَلا يجوز أن يباع النخل نخلات بعدد بغير أعيانهن، وله أن يستثني الثلث أو الربع أو أقل أو أكثر بعد أن يكون المستثنى معلومًا جزءا من أجزاء،

باب الشفعة

وَلا يجوز البيع إِلَى الحصاد والدياس، وقدوم الحاج، وقدوم الغزاة، وَلا يجوز أن يكون الأجل إلا معلوما. باب الشفعة 96 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ» وبهذا نقول، وَلا اختلاف بين أهل العلم في إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما يباع من أرض أو دار أو حائط، وَلا شفعة لغير الشريك، وَلا شفعة

باب الشركة

في العروض والحيوان وَلا فيما لا يحتمل القسم، لأنه لما أوجب الشفعة فيما تقع عليه الحدود دل عَلَى أن لا شفعة فيما لا يقع عليه الحدود. والشفعة ثابتة للصغير، والغائب، والأعرابي، والذمي لدخولهم في جملة الشركاء الذين جعل لهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشفعة والعهدة للشفيع عَلَى المشتري، وإذا نكح الرجل الْمَرْأَة عَلَى شقص من دار فلا شفعة فِيهِ، وإذا طلب الشركاء الشفعة وحقوقهم متفاوتة أخذوا ذَلِكَ عَلَى رءوس الرجال. باب الشركة أجمع أهل العلم عَلَى أن الشركة الصحيحة أن يخرج كل واحد من الشريكين مالا، دنانير أو دراهم مثل مال صاحبه، ثم يخلطا ذَلِكَ حَتَّى يصير مالا لا يتميز عَلَى أن يبيعا ويشتريا مَا رأيا عَلَى أن مَا كَانَ فِيهِ من الربح فبينهما، وما كَانَ من نقصان فعليهما، وَلا تجوز الشركة بالعروض وَلا بغير الدنانير والدراهم، وَلا يجوز أن يكون رأس مال أحدهما أكثر من رأس مال صاحبه، وَلا يجوز أن يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم، وَلا تجوز شركة الأبدان.

باب الرهن

باب الرهن قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] . 97 - وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: نا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَهَنَ دِرْعًا وَأَخَذَ طَعَامًا» وكل مَا جاز أن يباع جاز أن يرهن، وَلا يتم الرهن إلا بالقبض. وإذا هلك الرهن فمن مال الراهن. وقبض العدل الرهن جائز بأمر المرتهن لأنه في معنى وكيله، وإذا اختلف الراهن والمرتهن في المال فالقول قول المرتهن مع يمينه، وإن أتلف المرتهن الرهن واختلفا في قيمته فالقول قول المرتهن مع يمينه. وإذا رهن الرجل عند الرجل عبدًا فهو ممنوع من بيعه وهبته وعتقه، وإن كانت أمة فهو ممنوع من وطئها، ونماء الرهن للراهن، ونقصانه عليه، وَلا يكون ثمر الشجر ونتاج الماشية وألبانها رهنًا معها ذَلِكَ كله للراهن، ونفقة الرقيق، وعلف الدواب المرهونة عَلَى الراهن، ورهن الشقص جائز كما يجوز بيعه، وإذا رهن رهونًا بمال فقضى بعض المال لم يجب إخراج شيء من الرهون حَتَّى يقبض جميع حقه.

باب المضاربة

باب المضاربة أجمع أهل العلم عَلَى إباحة المضاربة بالدنانير والدراهم، وذلك أن يدفع الرجل إِلَى الرجل الدنانير أو الدراهم عَلَى أن يبيع ويشتري مَا رأى من أنواع التجارة عَلَى أن مَا رزق اللَّه فِيهِ من فضل بعد أن يقبض رب المال رأس المال فللعامل من ذَلِكَ الفضل ثلثه أو نصفه، وما بقي فلرب المال، وَلا تجوز المضاربة بالعروض. وَلا يجوز أن يقول: لك نصف الربح إلا عشرة دراهم أو لك نصف الربح وعشرة دراهم. وإذا اختلفا في بيع السلع فالقول قول من دعا إِلَى البيع. باب الإجارات قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] . فللمرء أن يستأجر الدار قد عرفها وقتًا معلوما بأجر معلوم عَلَى أن يسكنها، فإذا صحت الإجارة عَلَى هذا فللمستأجر أن يكري الدار بأقل مما اكتراه أو بأكثر وله أن يسكنها. والكراء حال إلا أن يشترطه إِلَى مدة معلومة فيكون إِلَى المدة التي ذكرها، وكذلك يكتري العبد والدابة والأرض عَلَى مَا ذكرناه. فإذا ثبت الكراء لم يجز إبطاله بموتهما وَلا بموت أحدهما بل يقوم وارث الميت منهما مقام المورث. وَلا يجوز فسخ الإجازة بأن يبدو لهما أو لأحدهما بعذر يذكره وَلا بغير عذر، وللرجل أن يستأجر الْمَرْأَة لترضع ولدًا لَهُ قد عرفاه وقتًا معلومًا بأجر معلوم، وَلا يجوز أن تستأجر بطعامها وكسوتها. إلا أن يكون ذَلِكَ معلومًا معروفًا كما يكون في باب المسلم. وَلا يجوز كراء المحامل والزوامل حَتَّى يعرف الجمال والمكتري الراكبين والظروف وجميع مَا يحمل من الْمَاء والزاد وغير ذَلِكَ، وتكون الإجارة أمرًا معلوما والموضع الذي إليه اكتري معلوما.

وَلا يجوز تضمين الصناع إلا فيما جنت أيديهم وَلا بأس باستئجار الثياب والحلي والسيف والسرج واللجام وما أشبه ذَلِكَ بعد أن يكون الأجر معلوما والوقت معلوما، وَلا بأس بأجور المعلمين، وَلا تجوز إجارة النائحة والمغنية، وقد ثبت، أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن عسب الفحل» ، فالكراء الذي يأخذه المرء عَلَى ضراب الفحل غير جائز

وَلا بأس بأجر الكيال والوزان والقاسم وكسب الحجام غير محرم، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أعطى الحجام أجره» ، والنهي الذي وقع فِيهِ نهي تنزيه لا نهي تحريم.

كتاب الأيمان والنذور

كتاب الأيمان والنذور 99 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عُبَيْدٌ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ

حَالِفًا فَلا يَحْلِفْ إِلا بِاللَّهِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَلا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» أجمع أهل العلم عَلَى أن من حلف، فَقَالَ: بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة. وإذا حلف باسم من أسماء اللَّه فعليه الكفارة، وإذا قَالَ: وعظمة اللَّه، وعزة اللَّه، وجلال اللَّه يريد بذلك اليمين، أو لا نية لَهُ فهي يمين، وإذا قَالَ: عليه عهد اللَّه وميثاقه وأراد اليمين فهي يمين. وإذا قَالَ: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فيفعل ذَلِكَ فلا كفارة عليه، ومن حلف بصدقة ماله، أو قَالَ: مالي في سبيل اللَّه إن فعلت كذا فحنث كفر عن يمينه، وكذلك لو حلف بالحج والعمرة أو بأحدهما أو بالعتق إذا لم يحلف بعتق رقبة يملكها فحنث عليه كفارة يمين. وإذا قَالَ: غلامي فلان حر إن فعلت كذا أو امرأتي فلانة طالق إن فعلت كذا فحنث وقع الطلاق والعتق، وإذا حلف المرء واستثنى في يمينه فلا حنث عليه للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من حلف واستثنى فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حنث» ، وإنما يكون مستثنى إذا تكلم بالاستثناء متصلا بيمينه، والاستثناء في العتق والطلاق جائز، ومن حلف فاقتطع بيمينه مال امرئ مسلم فليستغفر اللَّه وَلا كفارة عليه إذ هِيَ أعظم من أن يكفرها مَا يكفر اليمين. واللغو: هو قول المرء: لا والله وبلى والله

باب النذور

والحانث في يمينه مخير بين أن يطعم عشرة مساكين عشرة أمداد من قمح أو مما يقتاته أهل بلده أو يكسو عشرة مساكين، يكسو كل واحد منهم مَا وقع عليه اسم كسوة، أو يعتق رقبة أي ذَلِكَ فعل يجزيه، فإن لم يجد السبيل إِلَى شيء من ذَلِكَ صام ثلاثة أيام وَلا يجزئه أن يخرج قيمة الطعام وَلا الكسوة وَلا الرقبة، ويجزئه أن يكفر قبل أن يحنث ويكفر بعد الحنث أحوط. وَلا يجوز في كفارة اليمين أن يطعم خمسة ويكسو خمسة، ويجزئ في الكسوة الإزار أو العمامة أو القميص ويجزئه أي رقبة يعتق بعد أن لا تكون زمنى مثل الأعمى أو المقعد أو مقطوع اليدين أو أشلهما أو الرجلين، وذلك أن يكون مَا بالمعتق من العيوب لا يضر بالعمل إضرارًا بينا. باب النذور قَالَ اللَّه تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] . 100 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلا يَعْصِهِ»

وإذا قَالَ المرء: إن شفاني اللَّه من علتي أو شفى مريضي، أو رد علي غائبي، أو سلم مالي، أو علمني القرآن أو العلم، فعلي من الصوم كذا أو من الصلاة كذا أو من الصدقة كذا، فكان ذَلِكَ، فعليه أن يأتي بما جعل لله عَلَى نفسه. ومن نذر معصية فلا وفاء لنذره، وَلا كفارة تلزمه، ومن نذر المشي إِلَى الكعبة أو مسجد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى بنذره، لأن ذَلِكَ طاعة لله، وقال نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه» . وقال: " لا تشد الرحال إلا إِلَى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الأقصى ". وإذا نذر الصلاة في مسجد بين المقدس أجزأه أن يصلي في المسجد الحرام لحديث رويناه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ. وإذا نذر أن ينحر ولده فلا شيء عليه لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من نذر أن يعصي اللَّه فلا يعصه» .

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض قَالَ اللَّه جل ذكره: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . جعل اللَّه مال الميت بين جميع ولده للذكر مثل حظ الأنثيين، إذا لم يكن معهم أصحاب فرائض، فإن كَانَ معهم أصحاب فرائض بدئ بهم فأعطوا فرائضهم، وقاموا فيما يبقى من المال قيامهم في جميع المال إذا لم يكن منهم من لَهُ فرض معلوم. وفرض اللَّه للبنت الواحدة النصف وما فوق الثنتين من البنات الثلثين. وأجمع أهل العلم عَلَى أن للثنتين من البنات الثلثين وليس لبني الابن وبنات الابن مع بني الصلب شيء، فإن لم يكن للميت ولد لصلبه وترك بني ابنه وبنات ابنه، فإنهم يقومون مقام ولد الصلب، ذكرهم كذكرهم وأنثاهم كأنثاهم. وولد البنات لا يحجبون وَلا يرثون، وليس لبنات الابن مع بنات الصلب ميراث إذا استكمل بنات الصلب الثلثين إلا أن يكون مع بنات الابن ذكر، فيكون مَا يفضل عن بنات الصلب لهم جميعًا للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن ترك الميت بنتًا أو ابنة ابن أو

باب ميراث الأبوين

بنات ابن، فللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين حظ، فإن ترك بنتًا وابن ابن فللابنة النصف، وما بقي فلابن الابن، فإن ترك ثلاث بنات ابن بعضهن أسفل من بعض فللعليا منهن النصف وللتي تليها السدس وما بقي فللعصبة. باب ميراث الأبوين قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] . ففرض اللَّه لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس، وسواء كَانَ الولد ذكرا أو أنثى فإن ترك ابنا وأبوين فللأبوين لكل واحد منهما السدس وما بقي فللابن، وإن ترك بنتًا وأبوين فللابنة النصف، وللأبوين السدسان وما بقي فللأب، لأنه أقرب العصبة، فإن ترك ابنتين وأبوين فللابنتين الثلثان وللأبوين السدسان، فإن ترك بنين وبنات وأبوين فللأبوين السدسان، وما بقي فبين البنين والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين، وميراث الأبوين مع ولد الابن ذكورًا كانوا أو إناثًا عَلَى مَا وصفنا سواء كميراثهما مع الولد. وقال اللَّه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] . فأعلم جل ذكره أن الأبوين إذا ورثاه أن للأم الثلث ودل ذَلِكَ أن الباقي هو الثلثان للأب لما أعلم قوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] . وقال اللَّه تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ، فحجب الأم عن الثلث بالإخوة، وَلا شيء للإخوة معهما، استدلالا بقوله: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] ، والأخوان يحجبان الأم عن الثلث لحجج قد ذكرناها في كتابنا. وإذا مات الرجل وخلف امرأة وأبوين فللمرأة الربع وللأم ثلث مَا بقي وما بقي فللأب، ولو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين كَانَ للزوج النصف وللأم ثلث مَا بقي وما بقي فللأب.

باب ميراث الزوجين كل واحد منهما من صاحبه

باب ميراث الزوجين كل واحد منهما من صاحبه قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] . وقال: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] . وأجمع أهل العلم عَلَى أن الزوج يرث من زوجته، إذا لم تترك ولدًا وَلا ولد ابن، النصف، فإن تركت ولدا أو ولد ابن، ذكرا كَانَ أو أنثى ورثها زوجها الربع، وترث الْمَرْأَة من زوجها إذا هو لم يترك ولدا وَلا ولد ابن الربع، فإن ترك ولدا أو ولد ابن ذكرا كَانَ أو أنثى ورثته الْمَرْأَة الثمن. وحكم الواحدة من الأزواج والاثنتين والثلاث والأربع في الربع أو في الثمن عَلَى مَا بينا هن شركاء في أي ذَلِكَ جاز لهن كل هذا مجمع عليه لا خلاف فِيهِ.

باب ذكر ميراث الإخوة والأخوات

باب ذكر ميراث الإخوة والأخوات قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا} [النساء: 176] . وأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة من الأب والأم أو من الأب ذكورا كانوا أو إناثًا، لا يرثون مع الابن وَلا مع ابن الابن وإن سفل وَلا مع الأب، وأنهم مع البنات وبنات الابن عصبة لهم مَا يفضل من المال يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين كل هذا مجمع عليه، والأخوات مع البنات عصبة في قول أكثر أهل العلم. وفرض اللَّه تعالى في كتابه للواحدة والثنتين من الأخوات، ولم يفرض لما فوق الثنتين في كتابه فرضًا. وأجمع أهل العلم عَلَى أن للأخوات وإن كثرن الثلثين، وقال جل ذكره: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] وأجمع أهل العلم عَلَى أن للأخ من الأب والأم جميع المال، فإن ترك أخا وأختا أو إخوة وأخوات لأب وأم، فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ،

وذلك إذا لم يخلف الميت أحدًا من أصحاب الفروض، فإن خلف معهم أحدًا لَهُ فرض معلوم بدئ بفرضه فأعطيه ثم يكون الباقي لهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة والأخوات من الأب لا يرثون مع الإخوة والأخوات من الأب والأم شيئا، وأجمعوا عَلَى الإخوة والأخوات من الأب يقومون مقام الإخوة والأخوات من الأب والأم، ذكورهم كذكورهم وإناثهم كإناثهم إذا لم يكن للميت إخوة وأخوات لأب وأم. وأجمعوا عَلَى أن لا ميراث للأخوات من الأب إذا استكملن الأخوات من الأب والأم الثلثين إلا أن يكون معهن ذكر، فإن كَانَ معهن ذكر كَانَ الفاضل عن الإخوة من الأب والأم للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، والإخوة من الأب يرثون مَا فضل عن الأخت من الأب والأم. فإن ترك أختًا لأب وأم وأختًا أو أخوات من الأب والأم للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، والإخوة من الأب يرثون مَا فضل عن الأخت من الأب والأم. فإن ترك أختًا لأب وأم وأختًا أو أخوات لأب فللأخت من الأب والأم النصف، وللأخت أو الأخوات من الأب السدس تكملة الثلثين وما بقي فللعصبة، وإن ترك أختًا لأب وأم وإخوة وأخوات من الأب ففي قول زيد بن ثابت للأخت من الأب والأم النصف، وما بقي فللإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين، وبه قَالَ مالك، والثوري، والشافعي، والنعمان، ومن تبعهم.

مسألة: امرأة ماتت وتركت زوجها وأمها وستة إخوة متفرقين فللزوج النصف وللأم السدس، وللأخ والأخت من الأم الثلث، وسقط الأخ والأخت من الأب والأم، والأخ والأخت من الأب وهذا عَلَى قول علي، وابن مسعود، وروي ذَلِكَ عن أبي موسى الأشعري. وهؤلاء أصحاب فرائض ولم يبق للعصبة شيء، قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] . فأجمع أهل العلم عَلَى أن الإخوة من الأم لا يرثون مع ولد الصلب ذكرا كَانَ الولد أو أنثى، وَلا مع ولد الابن وإن سفل ذكرا كَانَ أو أنثى، وَلا مع أب وَلا مع جد، وَلا أبي الأب وإن بعد، فإذا لم يترك

باب ميراث الجدة

الميت أحدًا ممن ذكرنا وترك أخًا وأختًا لأم فله أو لها السدس فريضة، فإن ترك أخا وأختًا من أمه فالثلث بينهما سواء لا فضل للذكر عَلَى الأنثى، وإن كانوا إخوة وأخوات من أم فالثلث بينهم لا فضل للذكر عَلَى الأنثى، وكل هذا إجماع. باب ميراث الجدة أجمع أهل العلم عَلَى أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم، وأجمعوا عَلَى أن الأم تحجب أمها وأم الأب، وأجمعوا عَلَى أن الأب لا يحجب الجدة أم الأم. واختلفوا في توريث الجدة وابنها حي وأصح ذَلِكَ أنها ترث، وأجمعوا عَلَى أن الجدتين إذا اجتمعتا وإحداهما أقرب من الأخرى وهما من وجه واحد أن السدس

باب العول في الفرائض

لأقربهما، فأما أم أبي الأم فإنها تسقط في قول أكثر أهل العلم. باب العول في الفرائض أكثر أهل العلم يرون أن الفريضة تعول، من ذَلِكَ: إذا ماتت امرأة وتركت زوجا وأما وأختين لأب وأم وأختين لأم، فللزوج ثلاثة أسهم من عشرة أسهم، وللأم سهم من عشرة أسهم، وللأختين للأب والأم أربعة أسهم من عشرة أسهم وللأختين للأم سهمان. فإن مات رجل وترك امرأة وأختين لأب وأم وأختين لأم، فإن للأختين من الأب والأم ثمانية أسهم من خمسة عشر سهما، وللأختين من الأم أربعة أسهم، وللمرأة ثلاثة أسهم فابن عَلَى هذا المثال مَا ورد عليك من المسائل في هذا الباب. باب ذكر ميراث الجد أجمع عوام أهل العلم عَلَى أن الجد أبا الأب لا يحجبه عن الميراث غير الأب، وأنزلوا الجد بمنزلة الأب في الحجب والميراث إذا لم يترك الميت أبا أقرب منه في جميع المواضع إلا مع الإخوة والأخوات، والذي نقول به قول أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أن الجد أب وهو قول ابن عباس، وابن الزبير.

باب ذكر ميراث المسلم من الكافر والكافر من المسلم

باب ذكر ميراث المسلم من الكافر والكافر من المسلم 101 - نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ

باب جامع المواريث

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وبهذا نقول، وإذا ارتد الرجل عن الإسلام ومات أو قتل عَلَى كفره لم يرثه ورثته المسلمون، وَلا يرثهم لو ماتوا وهو مرتد ويوضع ماله في بيت المال. باب جامع المواريث أجمع أهل العلم عَلَى أن القاتل عمدًا لا يرث من مال من قتله وَلا من ديته شيئا، وأجمعوا عَلَى أن القاتل خطأ لا يرث من دية من قتله شيئا، واختلفوا في ميراث القاتل خطأ من ميراث من قتله فأصح ذَلِكَ أن يرث من سائر ماله سوى الدية. وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرق بين المتلاعنين، وألحق الولد بالمرأة» ،

وإذا ثبت ذَلِكَ ثبت أن لا عصبة لَهُ من قبل أَبِيهِ ترثه، فإن مات ابن الملاعنة وخلف أمه وزوجته وولدا ذكورا أو إناثًا فماله مقسوم بين ورثته عَلَى قدر مواريثهم، فإن ترك ورثة يستحقون بعض المال كَانَ مَا فضل عليهم لموالي أمه إن كانت أمه مولاة، وإن كانت عربية فما فضل عنهم لبيت مال المسلمين، وميراث ولد الزنى كميراث ابن الملاعنة سواء، والمماليك لا يحجبون وَلا يرثون وهو قول زيد بن ثابت وعامة أهل العلم، وإذا أسلم الرجل عن ميراث قبل أن يقسم الميراث فلا شيء لهما، وأهل الذمة يرث بعضهم بعضا، يرث اليهودي النصراني، والنصراني المجوسي. ويرث الأسير ويورث مَا دام ثابتًا عَلَى دينه، وإذا مات الرجل وزوجته حبلى فالولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا

واستهل، فإذا خرج ميتًا لم يرث. وحكم دية الرجل إذا قتل كحكم سائر مال المقتول تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه، ثم يقسم مَا فضل عن ذَلِكَ عَلَى ورثته ترث منه الزوجة والزوج والإخوة للأم. قَالَ الضحاك بن سُفْيَان الكلبي: كتب إلي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن «أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» ، وأخذ بذلك عمر، ولم يختلف كل من حفظت عنه من أهل العلم، أن الخنثى يورث من حيث يبول

باب ذكر الولاء

إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل، وإن بال من حيث تبول الْمَرْأَة ورث ميراث امرأة، وإن بال منهما جميعًا وكان مشكلا ففيه اختلاف. والذي نقول به أن يعطى ميراث امرأة وأوقف الباقي حَتَّى يصطلح هو والورثة والحميل إذا قامت بينة بنسبه ورث، ومن لم تقم بينة لم يرث، والحميل: مَا ولد في الشرك فتعارفوا في بلاد الإسلام، وأقر بعضهم بقرابة بعض. وإذا مات القوم لا يدري من مات منهم قبل صاحبه ورث الأحياء من الأموات، ولم يورث الأموات بعضهم من بعض وهذا قول زيد بن ثابت. باب ذكر الولاء 102 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تَعْتِقُهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ الْوَلاءَ لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «نهى عن بيع الولاء وعن هبته» . فبيع الولاء وهبته لا يجوز. وإذا أعتق الرجل عبدًا سائبة فالولاء لَهُ، وإذا أعتق المسلم عبدًا نصرانيًا أو نصراني عبدًا مسلما فالولاء للمعتق، وَلا يرثه مولاه إن مات عَلَى غير دينه لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يرث المسلم الكافر، وَلا الكافر المسلم» . ولم يختلف أهل العلم أن الرجل إذا مات ولم يخلف أحدًا إلا مولاه الذي أعتقه وهو عَلَى دينه أن المال لَهُ، فإن مات المولى المعتق ثُمَّ مات المولى المعتق ولم يخلف وارثًا وَلا ذا رحم، فإن كَانَ للمولى المعتق يوم يموت المولى المعتق أولاد ذكور وإناث فمال المولى المعتق لذكور ولده دون إناثهم، لأن النساء لا يرثن من الولاء إلا مَا أعتقن أو أعتق من أعتقن، وإذا أعتقت الْمَرْأَة عبدًا ثُمَّ ماتت وخلفت ولدًا ذكورًا وإناثًا، فولاء مواليها لذكور ولدها دون إناثهم، وإذا مات الرجل وترك ثلاثة بنين ومولى لَهُ ثُمَّ مات أحد البنين، وترك ابنين، ثُمَّ مات الثاني وترك ثلاثة بنين ثُمَّ مات المولى، فإن ابن الميت وهو عم هؤلاء يرثه دون بني أخيه،

وهذا معنى قولهم: الولاء للكبر، وإن مات الثالث من ولد المعتق وخلف ابنا ثُمَّ مات المولى المعتق، كَانَ ميراثه بينهم أسداسًا لكل واحد منهم السدس. ومن روينا عنه، أنه قَالَ: الولاء للكبر، عمر، وعثمان، وعلي، وزيد، وابن مسعود وهو قول المدني والكوفي والشافعي فإن مات المولى المعتق وترك أباه وابنه ثم مات المولى المعتق، فالمال لابن مولاه دون أَبِيهِ وهذا قول مالك بن أنس، والشافعي، والنعمان، وكذلك إن ترك ابنه وجده فالمال للابن، وإن ترك جده، وأخاه لأبيه، ولأمه، فالمال في قول من جعل الجد أبا للجد، وهكذا قول الزُّهْرِيّ، وإسحاق. وإذا تزوج العبد مولاة

لقوم فأولدها أولادا فولاؤهم لمولى أمه، فإن أعتق بعد ذَلِكَ جر ولاء ولده إِلَى مواليه، يروى هذا القول عن: عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، والزبير، وزيد بن ثابت، وبه قَالَ مالك، والشافعي، والنعمان. وإذا أسلم رجل عَلَى يدي رجل لم يكن مولى لَهُ يرثه إن مات، وَلا يكون الولاء إلا لمعتق، واللقيط حر لأن أصل الناس الحرية. وإذا مات الرجل وترك بنتًا لا وارث لَهُ غيرها فلها النصف، وما بقي فلبيت مال المسلمين، ولست أرى توريث ذوي الأرحام.

كتاب النكاح

كتاب النكاح باب الحث عَلَى النكاح لمن قدر عليه 103 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَيْسَ مَعَنَا شَيْءٌ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ»

باب إبطال النكاح بغير ولي

وذلك أن تركن إِلَى الخاطب، فإذا ركنت إليه ولم يبق إلا العقد لم يجز حينئذ أن يخطب المرء عَلَى خطبة أخيه. باب إبطال النكاح بغير ولي 104 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي

إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا نِكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ» فالنكاح لا يجوز إلا بولي والأولياء العصبة، فإن لم يكن ولي فالسلطان ولي من لا ولي لَهُ، فإن نكحت امرأة بغير إذن وليها أو السلطان، إن لم يكن لها ولي، فالنكاح باطل، فإن لم يصبها فرق بينهما، فإن أصابها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها، ويلحق به ولد إن ولدته وتكون عَلَيْهَا العدة، وله أن ينكحها نكاحًا مستأنفًا صحيحًا، وَلا تكون الْمَرْأَة ولية لنفسها، وَلا يكون الكافر وليا لمسلمة، وَلا يكون العبد وليا بحال، وكذلك السفيه وغير البالغ. وللمرء أن يزوج البنت البكر التي لم تبلغ بغير إذنها استدلالا

بحديث عائشة وليس ذَلِكَ إلا للأب والجد، وليس ذَلِكَ للأوصياء وَلا لسائر الأولياء. ويعقد الرجل النكاح عَلَى ابنه الذي لم يبلغ، فأما البكر البالغ فليس للأب وَلا لأحد من الأولياء أن يعقد عَلَيْهَا النكاح إلا بإذنها، للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «لا تنكح البكر حَتَّى تستأذن، وَلا الثيب حَتَّى تستأمر» وإذا زوج الولي الْمَرْأَة بغير إذنها فبلغها فأجازت لم يجز النكاح حَتَّى تجدد نكاحًا بإذنها. وإذا زوج الوليان الْمَرْأَة فالأول أحق، ونكاح الثاني باطل دخل بها أو لم يدخل بها. وإذا زوج الرجلان الْمَرْأَة لا يدري أيهما أول، فالنكاح باطل لاحتمال أن يكونا عقدا نكاحها في وقت واحد، وللمرء أن يعتق جاريته، ويجعل صداقها عتقها اقتداء برسول اللَّه

باب المهور

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أعتق صفية وجعل صداقها عتقها، والنكاح قد ينعقد بغير شهود. باب المهور 105 - نا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»

دل قوله جل ذكره: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] ، عَلَى إباحة المهر الكثير، وليس لأقل المهر حد يوقف عليه، فكل مَا جاز أن يكون مبيعا جاز أن يكون مهرا، وإن كَانَ درهمًا أو دانقًا إذا تراضى به الزوجان، ثبت بأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لرجل: «التمس ولو خاتمًا من حديد» . والنكاح ينعقد بغير تسمية صداق، فإذا أنكح الرجل الْمَرْأَة ولم يسم لها صداقًا،

فإن دخل بها فلها مهر مثلها، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة، وكل من تزوج امرأة عَلَى مهر حرام أو مجهول، والحرام: مثل أن يتزوجها عَلَى خمر أو خنزير أو حر وما أشبه ذَلِكَ، فالنكاح ينعقد عَلَى أي ذَلِكَ عقد، وهو في معنى من لم يسم لها مهرا، فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة، وإن دخل عَلَيْهَا فلها صداق مثلها، وإن ماتت قبل أن يفرض لها صداقا فلها مهر نسائها لا وكس وَلا شطط عَلَى حديث معقل بن سنان الأشجعي.

والنكاح جائز عَلَى أن يعلمها من القرآن { [كذا، السورة يسميها. وإذا تصادقا عَلَى المهر واختلفا في القبض، فَقَالَ الزوج: قد قبضت المهر. وقالت: لم أقبضه، فالقول قولها مع يمينها، طالت الأيام أو لم تطل، وكذلك لو اختلف ورثته وورثتها فالقول قول ورثتها مع أيمانهم، وللمرأة إذا نكحها الرجل أن تمتنع من الدخول حَتَّى يوفيها صداقها والذي بيده عقدة النكاح الزوج. وقد ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن نكاح الشغار» ، والشغار: أن ينكح الرجل الرجل ابنته أو أخته، عَلَى أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته، والنكاح في ذَلِكَ باطل

والمهر يجب بالمسيس، وكان عمر بن الْخَطَّابِ، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن عمر، يقولون: «إذا أغلق باب أو أرخي ستر، فقد وجب الصداق» ، وَلا يصح عن غيرهم من الصحابة خلاف قولهم. وإذا وهبت الْمَرْأَة نفسها للرجل فالهبة باطلة، وليس ذَلِكَ لغير رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإذا نكح الرجل الْمَرْأَة وشرط لها أن لا ينكح عَلَيْهَا وَلا يتسرى عَلَيْهَا، وَلا يفرق بينها وبين أهلها وَلا يخرجها من بلدها فالنكاح جائز والشرط باطل، فإن كَانَ نقصها لبعض هذه الشروط من مهرها أو في مهر مثلها، وله أن يفعل كل مَا أباح اللَّه لَهُ. ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كل شرط ليس في كتاب اللَّه فهو باطل وإن كَانَ مائة شرط» ، ونكاح المتعة حرام، للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه نهى عنه، وقال: «وهو حرام إِلَى يوم القيامة» . وإذا أعتقت الأمة وهي تحت عبد فلها الخيار وَلا خيار لها إذا كَانَ زوجها حرا، وإنما جعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيار لبريرة، لأن زوجها كَانَ عبدًا،

باب ذكر ما يحرم على المرء نكاحه من النسب

وكان عمر بن الْخَطَّابِ يرى أن يؤجل العنين سنة، وروي ذَلِكَ عن: ابن مسعود، والمغيرة بن شعبة، وبه قَالَ عوام أهل العلم. وإذا نكحت الْمَرْأَة رجلا فكان مجبوبا ولم تعلم فلها الخيار، وإن كانت علمت فلا خيار لها. وإذا اختلف الرجل والمرأة في متاع البيت ولم تكن بينة فالمتاع بينهما نصفان، كَانَ المتاع مما يصلح للرجال والنساء أو لأحدهما. باب ذكر مَا يحرم عَلَى المرء نكاحه من النسب قَالَ اللَّه جل ذكره:] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [سورة النساء: 23] ، إِلَى قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] . وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم من ذكر اللَّه في هذه الآية، فإذا نكح الْمَرْأَة ثم طلقها أو ماتت فأمها حرام عليه دخل بالمرأة أو لم يدخل بها، وَلا يحرم عليه نكاح ابنتها إذا فارق الأم أو لم يكن دخل بها، وابنة الربيبة وابنة ابنتها حرام عليه إذا كَانَ دخل بالجدة.

وَلا يحل نكاح نساء الآباء وَلا نكاح حلائل الأبناء، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] . ولقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] . والرضاع في ذَلِكَ كله بمنزلة النسب لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يحرم من الرضاع مَا يحرم من النسب» . وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تنكح الْمَرْأَة عَلَى عمتها وَلا عَلَى خالتها وَلا الخالة عَلَى ابنة أختها» . وللرجل أن ينكح امرأة الرجل وابنته من غيرها،

باب ذكر الرضاع

يجمع بينهما، وله أن يتزوج الْمَرْأَة ويتزوج ابنه ابنتها، وينكح الْمَرْأَة ويزوج ابنه أمها، وإذا طلق الرجل الْمَرْأَة ثلاثا حل لَهُ نكاح أختها، وإن كانت المطلقة في العدة، وله أن ينكح كذلك أربعًا سواها. وإذا فجر الرجل بأم امرأته لم يحرم عليه نكاح امرأته، لا يحرم الحرام الحلال، وليس مع من حرم عليه زوجته حجة، ونكاح المريض جائز كما يجوز نكاح الصحيح، وَلا يجوز لامرأة المفقود أن تتزوج وإن طالت الأيام حَتَّى تعلم يقين وفاته، وإذا بلغ الْمَرْأَة وقاة زوجها فاعتدت ونكحت، ثم قدم الزوج الأول، فإن كَانَ الثاني قد دخل بها فلها مهرها من الثاني، ويعتزلها الثاني وتعتد وهي زوجة الأول في ذَلِكَ كله غير أنه لا يطؤها حَتَّى تنقضي عدتها من الثاني، وإن كانت ولدت من الثاني ولدًا فالأولاد لاحقون به، وإذا طلق الرجل الْمَرْأَة طلاقًا يملك رجعتها، فاعتدت ونكحت رجلا ثم أقام الزوج الأول بينة أنه كَانَ راجعها في العدة بطل نكاح الثاني، وهي زوجة الأول والجواب في المهر والعدة، وولد إن كانت ولدته من الثاني كما أجبنا به في المسألة قبل. باب ذكر الرضاع 106 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ»

وبهذا نقول فإن أرضعت امرأة الرجل جارية حرمت عَلَى أَبِيهِ وعلى ابنه وعلى جده وعلى بني بنيه وبني بناته، وعلى كل ولد لَهُ ذكر وولد ولده، وعلى كل جد لَهُ من قبل أَبِيهِ وأمه، وإذا كَانَ المرضع غلاما حرم عليه ولد الْمَرْأَة التي أرضعته، وأولاد الرجل الذي أرضع هذا الصبي بلبنه وَلا تحل لَهُ عمته من الرضاعة وَلا خالته وَلا ابنة أخيه وَلا ابنة أخته، وَلا بأس أن يتزوج الرجل الْمَرْأَة التي أرضعت ابنه، كذلك يتزوج ابنة الْمَرْأَة التي هِيَ رضيع أَبِيهِ ولأخي هذا الغلام المرضع أن يتزوج الْمَرْأَة التي أرضعت أخاه، ويتزوج ابنتها التي هِيَ رضيع أخيه، وينكح الرجل ابنة عمه وابنة عمته من الرضاعة وابنة خاله وابنة خالته من الرضاعة، كل مَا أبيح لَهُ نكاحه من النسب أبيح لَهُ نكاحه من الرضاع. وَلا يجمع بين أختين من الرضاعة، وَلا بين الْمَرْأَة وعمتها، وَلا بين الْمَرْأَة وخالتها من الرضاع وهذا كله قول مالك، والشافعي، والكوفي، وَلا تحرم الرضعة وَلا الرضعتان، والذي يحرم ثلاث رضعات استدلالا بالسنة، وَلا

باب ذكر نكاح العبيد والإماء

رضاع بعد الحولين استدلالا بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] . ولقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الرضاعة من المجاعة» . وَلا يقع التحريم إلا بألبان الآدميات. باب ذكر نكاح العبيد والإماء قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] . فإذا اجتمع أن لا يجد الحر السبيل إِلَى نكاح حرة، وخاف عَلَى نفسه الزنى حل لَهُ أن ينكح أمة مؤمنة. وَلا يحل نكاح إماء أهل الكتاب بحال، وإنما تحل الأمة الكتابية بملك اليمين، وإذا نكح الحر أمة، وهو يجد السبيل إِلَى نكاح حرة فنكاحه باطل، فإن لم يصبها فلا مهر لها، وَلا متعة، فإن أصابها فلها مهر مثلها، ويفرق بينهما عَلَى كل حال، وَلا يتزوج الْمَرْأَة الأمة عَلَى الحرة وله أن ينكح الحرة عَلَى الأمة، وَلا ينكح الحر إذا حل لَهُ النكاح الإماء إلا أمة واحدة، وَلا يكون بيع الأمة طلاقها. وَلا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن سيدها، وَلا ينكح العبد إلا بإذن سيده، ومذهب ابن عمر، وابن عباس أن العبيد يتسرون بإذن مواليهم، وكان عمر بن

باب التسوية بين الضرائر

الْخَطَّابِ، يقول: ينكح العبد ثنتين وطلاقه ثنتان. وإذا تزوج العبد امرأة حرة وذكر أنه حر فلها الخيار إذا علمت أنه عبد، وأجمع أهل العلم عَلَى أن تزوج الْمَرْأَة عبدها باطل، وإذا ملكت الْمَرْأَة من زوجها شقصًا بطل النكاح، كذلك قول أهل العلم. باب التسوية بين الضرائر 107 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: نا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ» . وَثَبَتَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ» فهذا الحديث وغيره يدل عَلَى وجوب العدل بين النساء فيما يملكه، وَلا حرج عليه فيما لا يملكه من الهوى والحب. وقد روينا عن أنس بن مالك، أنه قَالَ: «للبكر سبع وللثيب ثلاث» ،

باب ذكر وجوب النفقات والكسوة

فإذا تزوج الرجل الْمَرْأَة البكر أقام عندها عند دخوله عَلَيْهَا سبعًا، وإن كانت ثيبًا أقام عندها ثلاثًا لا يتخلف فيها عن حضور الجماعات، وَلا عن أداء الحقوق، فإذا انقضت السبع أو الثلاث رجع فقسم بينهن بالسواء لا فرق بين المسلمة والذمية، وإن كانت حرة وأمة قسم للحرة يومين وللأمة يومًا، وإذا رضيت الْمَرْأَة بترك حقها من قسم ونفقة فلا حرج عليه في ذَلِكَ، فإن رجعت عاد فأعطاها مَا لا يجب لها. باب ذكر وجوب النفقات والكسوة 108 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ لِي إِلا مَا يَدْخُلُ بَيْتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» فنفقة الزوجة واجبة عَلَى الزوج إلا أن تكون ناشزًا ممتنعة، فإن نفقتها تسقط في حال امتناعها ونشوزها، فعلى الزوج أن ينفق عَلَى زوجته بالمعروف عَلَى قدر

طاقته ويساره، وعليه الكسوة بالمعروف، لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» . وإنما يكسو كل أهل بلد مما يكتسي أهل ذَلِكَ البلد عَلَى قدر مَا يكتسيه الموسر والمعسر. وكل من يحفظ عنه من أهل العلم يوجبون نفقة خادم واحد للتي لا تخدم نفسها، ونفقة الوالدين تجب في مال الولد وذلك إذا لم يكن لهما مال، وَلا يرجعان إِلَى كسب يغنيهما، ونفقة الولد تجب في مال الوالد مَا داموا صغارًا لا مال لهم وَلا كسب، وكل من أوجبنا عليه النفقة فكذلك نوجب عليه الكسوة، وإذا طلق الرجل امرأته فهي أحق بالأولاد مَا لم تتزوج الْمَرْأَة، ويصير الولد ابن سبع سنين، فيخير بين أَبِيهِ وأمه في قول أصحابنا، وإنما تكون الأم أحق بهم مَا لم تتزوج، فإذا تزوجت فلا حق لها.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق باب الطلاق للعدة التي أمر اللَّه أن تطلق لها النساء 109 - نا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرِ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فِلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إِنْ شَاءَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعْهَا أَوْ يُمْسِكْهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَّاءُ» فمن أراد أن يطلق زوجته للسنة طلقها واحدة وهي طاهر من حيضة لم

يكن طلقها فيها وَلا جامعها في ذَلِكَ الطهر، ولمن فعل هذا الرجعة إذا كانت مدخولًا بها مَا لم تنقض العدة، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حامل طلقة فهو مطلق للسنة. وإذا كانت زوجة المرء صغيرة لم تبلغ أو كبيرة قد يئست من المحيض فلا وقت لطلاقها، يطلقها متى شاء، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لزمه الطلاق، وإذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها واحدة فقد بانت بها منه وله أن يخطبها مع الخطاب، وإذا طلقها ثلاثا قبل أن يدخل بها لم تحل لَهُ حَتَّى تنكح زوجا غيره، وإذا طلقها ولم يقل ثلاثًا وأراد ثلاثا حرمت عليه حَتَّى تنكح زوجًا غيره. وإذا قَالَ الرجل لزوجته اعتدي، أو أنت خلية، أو برية، أو بائن، أو بتة، أو الحقي بأهلك، أو حبلك عَلَى غاربك، أو قد وهبتك لأهلك قبلوها أو ردوها، وما أشبه ذَلِكَ من الكلام سئل مَا أردت، فإن أراد طلاقا، كَانَ طلاقا وكان مَا أراد من عدم الطلاق، وإن لم يرد طلاقًا حلف ولم يلزمه طلاق، ومن عزم عَلَى الطلاق بقلبه ولم ينطق به بلسانه لم يلزمه. ومن طلق امرأته بأي لسان طلق لزمه الطلاق. وإذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لم يلزمه شيء، وإن اختارت نفسها لزمه الطلاق وتكون تطليقة يملك الزوج الرجعة وأمرها أمر المملكة أمرها إذا رد الطلاق إليها، وإن فارقا مجلسهما لأن من وكل بشيء فهو وكيل مَا لم يعزله الموكل. وَلا طلاق إلا من بعد النكاح، ومن طلق واستثنى لم يلزمه الطلاق، وإذا طلق المريض امرأته ثلاثا لم ترثه وَلا يرثها إن ماتت، وَلا يلزم الطلاق إلا بالغ صحيح وَلا طلاق لصبي وَلا لمعتوه. وقد اختلف في طلاق السكران، وكان عثمان بن عَفَّانَ لا يلزمه الطلاق، وإذا طلق الأخرس بإشارة وفهم ذَلِكَ عنه لزمه الطلاق، وجد الطلاق وهزله سواء. وإذا طلق الرجل زوجته إِلَى شهر أو إِلَى سنة لم يلزمه الطلاق قبل الوقت، وإذا طلق

الرجل نصف أو ثلث أو ربع تطليقة لزمته تطليقة، وإذا قَالَ: رأسك أو رجلك أو أي عضو منها أوقع الطلاق عليه لزمه الطلاق، وإذا شك الرجل طلق زوجته أم لا لم يلزمه الطلاق حَتَّى يوقن به، والورع أن يلزم نفسه الطلاق. وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا لم تحل لَهُ حَتَّى تنكح زوجًا غيره بنكاح رغبة، وَلا يحلها للزوج الأول أن ينكحها، يريد التحليل، وإذا نكحت نكاحًا صحيحًا لم يحلها للأول حَتَّى يجامعها الثاني، فإذا صح ذَلِكَ وفارقها الثاني وانقضت عدتها، حلت للأول بنكاح جديد. وإذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين، وتزوجت زوجًا ثم رجعت إِلَى زوجها الأول كانت عنده عَلَى مَا بقي من الطلاق. وإذا قَالَ الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين. لزمته تطليقة، وإذا قَالَ: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا. لزمه ثلاث. وإذا أسلم النصراني قبل زوجته النصرانية فهما عَلَى النكاح، وإن أسلمت هِيَ قبله انفسخ وإن أسلما معًا فهما عَلَى النكاح، وإذا كانا حربيين فأيهما أسلم قبل صاحبه انفسخ النكاح، وإن أسلما فهما عَلَى النكاح، وإن أسلم الرجل وعنده عشر نسوة وأسلمن مَعَهُ اختار منهن أربعًا، وإذا أسلم وعنده أختان اختار أيتهما شاء.

كتاب الخلع

كتاب الخلع 110 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتِ الطَّلاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . قَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229]

فيحرم عَلَى الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا في باب الخلع إلا بعد الخوف الذي ذكره اللَّه، فإذا كَانَ النشوز من قبلها وهو بغض الزوج فله أن يأخذ منها مَا اتفقا عليه، لقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . وكان ابن عباس، يقول: الفداء ليس بطلاق. وإذا خالع الرجل امرأته ثم طلقها لم يلحقها طلاق، والخلع جائز دون السلطان.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] . والإيلاء أن يحلف الرجل بأي يمين حلف بها تمنع اليمين التي حلف بها جماعًا أكثر من أربعة أشهر، فإذا فعل ذَلِكَ كَانَ موليًا. والفيء الجماع، فإذا آلى الرجل من امرأته ثم وطئها في الأربعة الأشهر كفر عن يمينه، فإن لم يطأها وقف عند الأربعة أشهر إذا طالبته الْمَرْأَة، فإما أن يفيء، وإما أن يطلق، وليس لأحد أن يطلب ذَلِكَ إلا الزوجة. وإيلاء الرجل من زوجته قبل الدخول بها وبعده سواء. وإذا حلف ألا يطأ فلانة ثم نكحها لم يكن إيلاء يحكم به عليه. وإيلاء الحر والعبد سواء، وكذلك المكاتب والمدبر. وإيلاء الذمي مثل إيلاء المسلم إذا رضي بحكمنا.

كتاب الظهار

كتاب الظهار قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] . 111 - نا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: نا عَبْدُ الأَعْلَى، قَالَ: نا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ جَمِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ امْرَأً بِهِ لَمَمٌ، فَإِذَا اشْتَدَّ لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ» والظهار يكون من كل زوجة مسلمة وذمية، حرة وأمة، صغيرة وكبيرة. والظهار: أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، والظهار بذوات المحارم كهو من الأم. وإذا ظاهر الرجل من ثلاث نسوة لزمه لكل واحدة كفارة، كما يلزمه إذا طلقهن لكل زوجة تطليقة، وإذا ظاهرت الْمَرْأَة من زوجها فليس بشيء. وإذا ظاهر الرجل من أمته أو

أم ولده فليس بظهار، واختلفوا في قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] ، فَقَالَ الحسن، وقتادة، والزُّهْرِيّ: الوطء. وقال مالك: إذا أجمع عَلَى الوطء. وقال الثَّوْرِيّ: إذا تكلم بالظهار فقد وجب عليه. وقال الشَّافِعِيّ: إذا أمسكها بعد الظهار ولم يحرمها عليه بكلام أو غيره فقد لزمته الكفارة. وإذا جامع الرجل زوجته التي ظاهر منها قبل أن يكفر كفر وليس عليه للجماع كفارة، وَلا يحرم عَلَى المظاهر تقبيل امرأته وَلا مباشرتها قبل أن يكفر. وظهار العبد مثل ظهار الحر ويكفر بالصوم، وإذا قَالَ: أنت علي كظهر أمي إن شاء اللَّه، فليس بشيء، ويجزئ المظاهر أي رقبة أعتق بعد أن تكون في حال الزمانة، وَلا يكون بها عيب يضر بالعمل ضررًا بينًا، وَلا يجوز إن لم يجد رقبة إلا صوم شهرين متتابعين، فإن لم يطق الصوم أطعم ستين مسكينًا ستين مكيالًا من قمح أو تمر.

كتاب اللعان

كتاب اللعان 112 - نا حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا إِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فإذا نكح الرجل الْمَرْأَة نكاحًا ثابتًا ثم جاءت بعد عقد النكاح بولد لستة أشهر فأكثر فالولد لاحق به إذا أمكن وصوله إليها، وكان الزوج ممن يطأ، وإن كَانَ الزوج طفلا لا يطأ مثله أو مجبوبًا، أو علم أنه لم يصل إليها لبعد مسافة مَا بين موضعه وموضعها لم يلحق بأحد من هؤلاء ولد إن جاءت به. وإذا قذف الرجل امرأته بالزنى وانتفى من ولدها لاعن الحاكم بينهما، ووقعت الفرقة

باب العدد

بينهما بعد إتمام اللعان، ولم يجتمعا لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للملاعن: «لا سبيل لك عَلَيْهَا» . ويلحق الولد بالأم. وإذا طلق الرجل امرأته طلقة يملك رجعتها، ثم قذفها لاعنها، فإن طلقها ثلاثا ثم قذفها لم يلاعنها، وعليه الحد إن لم يأت بأربعة شهداء إلا أن تكون حاملا فيلاعن لينفي عن نفسه الولد. وإذا قذفها وهي زوجته قبل أن يدخل بها لاعنها، وإذا قَالَ لها: لم أجدك عذراء فلا حد عليه، ومن رمى الملاعنة أو ولدها فعليه الحد، وإذا قَالَ الرجل لامرأته: يَا زانية. أو قَالَ: رأيتها تزني فسواء. واللعان بين كل زوجين عَلَى ظاهر قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] ، يلاعن الحر الحرة المسلمة والحرة الذمية، والأمة المسلمة، والمحدود والعبد تحته الحرة أو الأمة، والأعمى يلاعن زوجته. وإذا امتنع الرجل من الالتعان حد إلا إن يأتي بأربعة شهداء يجب عَلَيْهَا بشهادتهم الحد، فيسقط عنه الحد، فإذا لاعن الزوج، وامتنعت من اللعان حدت استدلالا بقوله: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] . وإذا قذف الرجل زوجته ثم أكذب نفسه حد إن طلبت ذَلِكَ. باب العدد قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] .

وأجمع أهل العلم عَلَى أن عدة الحرة المسلمة من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا مدخولا بها أو غير مدخول بها، صغيرة كانت أم كبيرة، تقيم المعتدة في المنزل الذي كانت تسكنه أيام حياته إلا أن تخرج منه فيكون لها عذر في الخروج، وإن كَانَ المتوفى عنها حاملا فأجلها أن تضع حملها، فإن وضعت حملها وزوجها عَلَى السرير، لم يدفن انقضت عدتها، وحل لها النكاح. وإذا طلق الرجل امرأته واحدة يملك رجعتها فلها السكنى والنفقة، فإن طلقها ثلاثا فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ولكن لها السكنى، وإن كانت حاملا، أنفق عَلَيْهَا حَتَّى تضع حملها. وإذا كانت الحامل متوفى عنها فالنفقة في مال الزوج الميت وَلا سكنى لها. وإذا قَالَت المطلقة ثلاثا: أنا حامل أريها النساء، وَلا يقبل قول أقل من أربع منهن، فإن قلن إنها حامل أنفق عَلَيْهَا، فإن علم بعد أن أنفق أن لا حمل بها رجع عَلَيْهَا بما أخذت. وليس للملاعنة نفقة وَلا سكنى لحديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قضى أن لا بيت لها وَلا قوت» . وأجل المطلقة الحامل أن تضع حملها لا اختلاف فِيهِ، وإذا طلقت الْمَرْأَة المتوفى عنها زوجها وفي بطنها أولاد لا تنقضي عدتها إلا بوضع آخر الحمل، والعدة تنقضي بالسقط تسقطه الْمَرْأَة إذا استبان خلقه. وإذا طلق الرجل امرأته في كل مرة تطليقة فعدتها من الطلاق الأول مَا لم يراجعها، فإن راجعها في العدة ثم طلقها فعدتها من الطلاق الآخر، وإذا غاب الرجل عن زوجته فبلغها وفاته أو طلاقه فعدتها من يوم مات أو طلق. وإذا طلق الرجل امرأته فحاضت حيضة أو حيضتين لم تنقض عدتها إلا بالحيضة الثالثة. وإذا طلقت الصبية التي لم تبلغ، والبالغ التي لم تحض فحاضت قبل أن تنقضي الشهور بيوم أو أقل استأنفت العدة بالمحيض، والعشر التي مع الأربعة الأشهر عشرة أيام بلياليها.

كَانَ عثمان بن عَفَّانَ، وابن عمر، يقولان: عدة المختلعة حيضة، وقد روي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ابن عمر، يقول: عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة وكذلك نقول. وكان عمر بن الْخَطَّابِ، يقول: ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين. وقال ابن عمر: إن لم تحض شهر ونصف.

وعدة الأمة الحامل من وفاة زوجها أن تضع حملها، فإن لم تكن حاملا فعدتها شهران وخمس ليال، وإذا طلقت الأمة طلاقا يملك الزوج الرجعة ثم أعتقت أكملت عدة حرة، والطلاق بالرجال، والعدة بالنساء.

كتاب الإحداد

كتاب الإحداد 113 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . وَفِي حَدِيثِ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ إِلا عَلَى زَوْجٍ» دل هذا الحديث عَلَى تحريم إحداد المسلمات من النساء عَلَى غير أزواجهن فوق ثلاث، ويدل عَلَى أن الذمية لا إحداد عَلَيْهَا. والأمة داخلة في جملة الأزواج، ويجنب ولي الصبية المتوفى عنها مَا تجتنبه البالغ من النساء وليس ذَلِكَ عَلَى أم الولد، وجملة مَا تجتنبه الْمَرْأَة في إحدادها لبس المعصفر من الثياب والممشق والحلي والخضاب والكحل والطيب والزينة وليس عَلَى المطلقة ثلاثًا إحداد.

باب المتعة المفروضة في الكتاب للمطلقة قبل الدخول من غير تسمية صداق

باب المتعة المفروضة في الكتاب للمطلقة قبل الدخول من غير تسمية صداق قَالَ اللَّه جل ذكره: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] . فالمتعة واجبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يسم لها صداق عَلَى ظاهر الآية. فأما سائر المطلقات فمعنى حثهم عَلَى المتعة عَلَى معنى التفضل والإحسان وليس لأقل المتعة حد يوقف عليه وَلا لأكثره منتهى ينتهى إليه، ويفرض الحاكم ذَلِكَ عَلَى المطلق عَلَى قدر يسره وعسره.

كتاب الرجعة

كتاب الرجعة قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ، يعني: في العدة، ولم يختلف أهل العلم أن الحر إذا طلق امرأته الحرة المدخول بها تطليقة أو تطليقتين أنه أحق برجعتها حَتَّى تنقضي العدة. وقال اللَّه جل ذكره: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] . قَالَ أهل التفسير: إنها الرجعة ويشهد إذا أراد أن يرتجع، ويقول: قد ارتجعت زوجتي فلانة أو قد راجعتها أو رددتها إلي، فإذا قَالَ ذَلِكَ فهي رجعة، والرجعة تكون باللسان كما يكون الطلاق باللسان. وللرجل أن يراجع زوجته التي يملك مراجعتها في العدة وإن كرهت ذَلِكَ، وليس عليه أن يجعل لذلك مهرا وَلا يزيد في مهرها، وإذا ادعت المطلقة انقضاء العدة في مدة يمكن انقضاء العدة في تلك المدة، فالقول قولها مع يمينها، وإذا ادعت من ذَلِكَ مَا لا يمكن تصديقها لم تصدق وذلك أن تقول بعد عشرة أيام من طلاق الزوج: قد حضت ثلاث حيض وطهرت. والأقراء الأطهار، فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد حلت من عدتها، وحلت للأزواج إذا كَانَ المطلق أوقع عَلَيْهَا الطلاق وهي طاهر، وإذا طلق الرجل امرأته وهي حائض أو نفساء جبر عَلَى رجعتها، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عمر أن يأمر ابن عمر بذلك.

كتاب الحدود

كتاب الحدود باب أحكام السراق قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . 114 - نا عَلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَزْمٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا»

وَلا يجوز قطع يد السارق إلا أن يسرق ربع دينار فصاعدًا أو مَا قيمته ربع دينار أو أكثر من ذَلِكَ مَا كَانَ الشيء المسروق مما يجوز ملكه إذا سرق ذَلِكَ من حرزه، ويجب القطع عَلَى السارق بإقراره وبالبينة تشهد عليه بذلك. وإذا أقر السارق بسرقة فوجب عليه القطع قطعت يده، حضر رب الشيء أو لم يحضر. ومن سرق عبدًا صغيرًا من حرزه قطع، ومن سرق حرًا لم يقطع، وكل مَا سرق مما قيمته ربع دينار من الطعام، والفاكهة الرطبة، واليابسة، والحشيش، والزجاج، والأبازير، والتوابل، والحطب، والحبوب كلها وجب قطع يد السارق إذا سرق ذَلِكَ من حرزه. وَلا قطع في تمر معلق وَلا كثر، وَلا يقطع في الماشية إلا مَا آواه المراح من ذَلِكَ، وَلا يجب قطع يد السارق حَتَّى يخرج المتاع من الحرز، وعلى النباش القطع إذا أخرج الكفن من القبر، وعلى الطرار القطع. وليس عَلَى مختلس وَلا منتهب وَلا خائن قطع، وليس عَلَى من استعار متاعًا فجحده قطع، وكل سارق سرق من مال أَبِيهِ أو أمه أو أخيه أو جدته أو خالته أو من ذات محرم منه فعليه القطع

عَلَى ظاهر كتاب اللَّه تبارك وتعالى. وكذلك الزوج يسرق مال زوجته، والزوجة تسرق مال زوجها، وإذا أقر السارق بالسرقة مرة وجب قطع يده، وإذا سرق قطعت يده اليمنى، ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى، وقد اختلفوا فِيهِ إن سرق بعد ذَلِكَ. وَلا يجب قتل السارق بعد قطع الأطراف، وتحسم يد السارق، والعبد داخل في جملة من أمر اللَّه بقطع يده إذا سرق آبقا كَانَ أو غير آبق. وليس عَلَى العبد يسرق من مال مولاه قطع، وإذا قطعت يد السارق ووجد المتاع مَعَهُ بعينه وجب رد ذَلِكَ عَلَى مالكه، فإن كَانَ استهلك المتاع فعليه قيمته، وكل مَا لا ثمن لَهُ مثل الخمر، والخنزير، والميتة فلا قطع فِيهِ، كَانَ المسروق منه مسلما أو ذميا. ويقام الحد عَلَى السارق في أرض الإسلام وأرض الحرب، وحد البلوغ الذي يوجب الحدود أن يحتلم أو يكمل خمس عشرة سنة أو ينبت الشعر. والمرأة تجب عَلَيْهَا الفرائض والحدود إذا حاضت، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من ستر عَلَى مسلم ستر اللَّه عليه» . ومن رأى مسلما عَلَى حد من حدود اللَّه ستر عليه ووعظه، فإن بلغ ذَلِكَ الإمام لم يسعه إلا إقامة الحد، روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» .

باب المحاربين

باب المحاربين قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] . فمن الحق الذي يحل به دم المسلم أن يكفر الرجل بعد إيمانه. 115 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ فِي الدَّارِ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لا يَحِلُّ قَتْلُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثِ خِلالٍ: بِكُفْرٍ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ بِزِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ بِقَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ بِهَا "

باب ذكر إقامة الحدود في الزنى

فهذا مستنثى من الآية التي ذكرها اللَّه، وقال اللَّه جل ذكره: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] . نزلت هذه الآية في المسلمين، فمن خرج عَلَى المسلمين فقطع الطريق، وأخاف السبيل، وسعى في الأرض بإفساد فهو محارب، وقد اختلفوا فيما يجب عَلَى من فعل ذَلِكَ، فَقَالَ قوم: إذا خارج محاربا فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، ثم صلب، وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل، وإن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي وهو قول جماعة. قَالَ الشَّافِعِيّ: يقام عليهم الحدود عَلَى قدر أفعالهم. وقال مالك، وجماعة: الإمام مخير في الحكم عَلَى المحاربين يحكم عليهم بأي الأحكام التي أوجبها اللَّه جل وعز من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي عَلَى ظاهر الآية. وإذا تاب المحارب الذي قد جنى الجنايات قبل أن يقدر عليه الإمام سقط عنه مَا كَانَ لله من حد وأخذ بحقوق الآدميين ومن خرج عَلَى المسلمين في مصر من الأمصار فحكمه كحكم من خرج من الصحراء. باب ذكر إقامة الحدود في الزنى قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32] ، وقال عز

وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] ، {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] . 116 - نا يَحْيَى، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ؟ ، قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ". قِيلَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» ، قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كتابهِ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا} [الفرقان: 68] " أمر اللَّه جل ذكره أمرًا عامًا بجلد الزاني مائة جلدة فذلك واجب عَلَى كل زان بكرًا كَانَ أم ثيبًا، وثبت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» .

واستعمل علي بن أبي طالب بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلد شراحة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة. وروي ذَلِكَ عن أبي بن كعب. والإحصان الذي يوجب الرجم المجمع عليه، أن ينكح الحر المسلم الحرة المسلمة نكاحًا صحيحًا، ويدخل عَلَيْهَا ويطأها في الفرج، فإذا كَانَ ذَلِكَ فهو محصن يجب عليه الرجم إذا زنى.

وجملة مَا يكون به الرجل محصنًا أن يتزوج امرأة مسلمة حرة أو أمة أو ذمية حرة ويطأها بعد النكاح، فإذا فعل ذَلِكَ كَانَ محصنًا، وكذلك الحرة إذا تزوجها الحر، أو المكاتب أو العبد المعتق بعضه، نكاحًا صحيحًا ثم وطئها فهي محصنة يجب عَلَى كل واحد منهما إذا صار محصنًا بما ذكرناه الرجم إن زنى. وليس في الحفر للمرجوم خبر يثبت، وحسن لو حفر لَهُ ويداوم عَلَى المرجوم

الرجم حَتَّى يموت. وَلا يقام عَلَى الحبلى الحد حَتَّى تضع حملها، فإذا وضعت حملها رجمت. وإذا أقر الرجل أو الْمَرْأَة بالزنى ووصف الزنى رجم لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنيس: «واغد يَا أنيس عَلَى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» .

وإذا أقر الرجل بالزنى مرة ثم رجع، لم يقبل رجوعه وأقيم عليه الحد، وليس في الأخبار أن ماعزًا رجع عما أقر به،

وإذا أقر الذمي بالزنى ورضي بحكمنا حكمنا عليه بأحكام أهل الإسلام. وإذا أقر العبد بالزنى ووصفه حد، وإذا اجتمعت عَلَى الرجل حدود أقيمت عليه كلها ولم يجز إسقاط شيء منها. وإذا أراد الإمام أن يقيم الحد عَلَى الزاني وكان جلدًا لم يجرده ويترك عليه قميصًا، وَلا يترك عليه منها مَا يمنعه ألم الضرب ويأمر بضربه ضربًا مؤلمًا لا يشق اللحم، وقد قيل: يضرب الرجل قائما والمرأة جالسة، وهذا حسن، ويتقى الوجه، للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه» . كذلك لا يضرب الفرج، ويعطى كل عضو حقه إلا الخاصرة أو موضع يخاف منه التلف. وَلا يمد المضروب، وَلا يرفع الضارب يده حَتَّى يرى إبطه، وَلا يقيم الحدود إلا مأمون عالم بالحدود، وتكره إقامة الحدود في المساجد، وَلا يجوز القول في التعزيز إلا واحدًا من قولين: إما أن لا يجاوز عشر جلدات لحديث روي لم يثبت عندي بعد، أو يكون للإمام أن يضرب عَلَى قدر الجناية، وشروع الفاعل

في الشر مَا لم تبلغ حدا، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمر بأن يجلد البكر مائة ويغرب عامًا» . ينفى من بلده إِلَى بلد آخر قرب البلد أم بعد، لأن ذَلِكَ يقع عليه اسم النفي، وإذا زنى الرجل بحرة مسلمة أو ذمية أو أمة أو كانت الأمة لزوجته أو لأبيه أو لأمه أو لأحد من قراباته، وتزوج خامسة وعنده أربع زوجات وهو يعلم أن اللَّه حرم ذَلِكَ، فعليه الحد في ذَلِكَ كله. وإذا زنى البالغ بالصغيرة أو المعتوهة وجب عَلَى البالغ الحد، وَلا حد عَلَى الصغيرة،

باب ذكر إقامة الحدود على العبيد والإماء

وَلا عَلَى المعتوهة، وإذا حملت امرأة المجبوب أو الصبي الذي لم يبلغ ويجامع مثله عَلَى نفسها فعليها الحد، وَلا حد عليه. باب ذكر إقامة الحدود عَلَى العبيد والإماء قَالَ اللَّه ذكره: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] . 117 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، فَقَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ «»

باب القذف

فإذا أقر العبد والأمة بالزنى مرة واحدة وجب عَلَى أيهما زنى الحد. والحد الذي يجب عليه مَا يتبعض وهو أن يجلد خمسين، وَلا يجوز أن يرجم، لأن الرجم لا نصف لَهُ، قد يموت بحجر واحد، وَلا يموت بمائة حجر. وللرجل أن يقيم الحد عَلَى عبده وأمته دون السلطان غير أنه لا يقيم عليهما الحد حَتَّى يصح زناهما، ويقام عَلَى العبد الحد إذا أقر بالزنى، وإن أنكر مولاه ذَلِكَ. وَلا يقبل في الزنى أقل من أربعة شهداء عدول، ويصفون الزنى بأن يقولوا رأينا ذَلِكَ منه في ذَلِكَ منها مثل: المرود في المكحلة، والرشا في البئر. فإذا شهدوا بذلك وجب إقامة الحد عَلَى الزاني، وكان عمر بن الْخَطَّابِ يوجب عَلَى الشهود إذا لم يتموا أربعة الحد، وقال بقوله عوام أهل العلم، وَلا تقبل شهادة النساء في الحدود. وإذا اختلف الشهود في الشهادة لم تجب إقامة الحد عَلَى المشهود عليه. باب القذف قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . وأجمع أهل العلم عَلَى أن علي قاذف المحصنة بالزنى الحد إذا طلبت المقذوفة ذَلِكَ وأنكرت مَا رماها به، ولم يكن مع القاذف أربعة شهود يشهدون عَلَى صدق مَا قَالَ،

باب حد الخمر

وَلا حد عَلَى من قذف نصرانية في قول عامة أهل العلم كَانَ ولدها من مسلم أو لم يكن، وكذلك نقول. وَلا يحد المملوك في القذف إلا أربعين، وليس عَلَى قاذف المملوك حد، ولكن يعزر. وإذا نفى الرجل الرجل من أَبِيهِ، فَقَالَ: لست ابن فلان وأمه حرة مسلمة فعليه الحد، وإن كانت نصرانية عزر. وإذا قذف الرجل أباه أو جده أو أحد أجداده، فعليه الحد، وإذا قذف الرجل ابنه ففيه قولان: أحدهما: أن عليه الحد وهذا قول عمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس. والآخر: لا حد عليه والأول أصح. وإذا قَالَ الرجل للرجل: يَا يهودي، أو يَا نصراني. عزر، وإذا قذف الرجل جماعة بكلمة واحدة أو كلمات فعليه لكل واحد حد. وإذا عفى المقذوف عن القاذف فلا حد عليه ويستخلف الرجل المدعى عليه القذف إذا طلب ذَلِكَ المدعي والتعريض لا يوجب الحد ولكن يعزر. وإذا قَالَ الرجل للرجل: يَا فاسق يَا فاجر. فلا حد عليه ويعزر، وكذلك إذا قَالَ لَهُ: يَا سارق، يَا شارب الخمر، يَا كافر، يَا خائن. باب حد الخمر 118 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: نا

هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالْقُرَى وَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: نَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ". قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ " فإذا شرب الرجل الخمر وجب جلده لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من شرب الخمر فاجلدوه» .

وأكثر أهل العلم، يقولون: يضرب ثمانين. وقال آخرون: أربعين. وعلى من شرب قليل مَا يسكر كثيره الحد.

كتاب الجراحات

كتاب الجراحات قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] . 119 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعٍ، قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيٍّ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى أَحَدٍ.

قَالَ: لا إِلا مَا فِي قَوْسِي هَذَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ كتابا. فَإِذَا فِي كتابهِ ذَلِكَ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» ، وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الْحُرَّ يُقَادُ بِهِ الْحُرَّ وقال كثير من أهل العلم: أن بين الرجل

والمرأة القصاص في النفس. وهو قول مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والكوفي، وفي قوله: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» ، دليل عَلَى ذَلِكَ، وفي القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس قولان: أحدهما: أن بينهما القصاص، استدلالا بقوله: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» . والآخر: أن لا القصاص بينهما، لأنهم لما قالوا: أن لا قصاص بينهما فيما دون النفس. وجب كذلك أن لا يكون بينهما في النفس قصاص، لأن القليل إذا وجب منه وجب منع الكثير والقليل، والقول الأول قول الثَّوْرِيّ، والكوفي، والقول الثاني قول مالك، والشافعي، وإذا قتل العبد الحر عمدًا قتل إن شاء الأولياء، في القولين جميعًا. وَلا يجوز قتل المؤمن بالكافر للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «لا يقتل مؤمن بكافر» .

وفي قتل الوالد بالولد، قولان: أحدهما: أن لا يقاد به. والقول الثاني: أن بينهما القود. والثاني أصح، وليس فِيهِ إجماع إلا مالكا، وابن نافع، وابن عبد الحكم، قالوا: إذا قتله صبرًا قتل به. وَلا يجوز أن يقتل الرجل بعبده، لا يثبت خبر شبرمة، وبين العبيد والإماء

القصاص في النفس وفيما دون النفس. وسيد العبد المقتول الولي في ذَلِكَ بالخيار، فإن أراد القود، وكان القتل عمدًا أقيد به، وإن أراد أن يعفو عنه عَلَى غير شيء يأخذه فله ذَلِكَ وإن أراد قيمة عبده، فإن شاء سيد العبد القاتل أن يدفع ثمن العبد المقتول فعل وبرئ العبد من القتل وإلا أسلم العبد القاتل في قول المدني. وفي قول الشَّافِعِيّ: يباع العبد القاتل فيدفع من ثمنه إِلَى سيد العبد المقتول قيمة عبده، فإن فضل عن ذَلِكَ فضل كَانَ لسيد العبد القاتل، وإن لم يف بذلك فليس لسيد العبد المقتول غير ذَلِكَ، وفي النفر يقتلون الرجل، قولان: أحدهما: أن يقتلوا به هذا قول عمر، وبه قَالَ:

باب ذكر وجوه القتل

مالك، والثوري، والشافعي ومن تبعهم وهو قول أكثر أهل العلم. والقول الثاني: لا يقتل اثنان بواحد، روي هذا القول عن معاذ، وابن الزبير، وبه قَالَ: ابن سيرين، والزُّهْرِيّ، وقال الزُّهْرِيّ، والثوري، والكوفي: لا تقطع يدان بيد. وقال الشَّافِعِيّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق: يقطع أيديهما. باب ذكر وجوه القتل القتل عَلَى ثلاثة وجوه: العمد، والخطأ، وشبه العمد. فالعمد: أن يضرب الرجل الرجل بحديدة محدودة مثل: السيف، والخنجر، والسكينة وما أشبه ذَلِكَ مما يشق بحده، ومن ذَلِكَ أن يضرب بالعصا والسوط الضرب الذي الأغلب أنه يقتل أو يشدخ رأسه بالحجر الثقيل وما أشبهه، فعلى من عمد ففعل ذَلِكَ فأقل القود، ورض يهودي رأس جارية

بين حجرين فأمر به النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فرض رأسه بالحجرين» . والخطأ: أن يرمي المرء الشيء فيصيب غيره مثل أن يرمي الرجل غرضًا أو مشركًا لَهُ رميه، فيصيب مسلمًا فهذا وما أشبهه خطأ، والدية في ذَلِكَ عَلَى عاقلة القاتل، وعلى القاتل الكفارة. وشبه العمد: مَا يصاب بسوط أو عصا مما الأغلب أن ذَلِكَ لا يقتله فيؤتى عَلَى نفسه منه، فالدية في ذَلِكَ مغلظة عَلَى عاقلة القاتل. وإذا حبس رجل رجلا عَلَى رجل حَتَّى قتله، فالقود عَلَى القاتل، وعلى الحابس الأدب. وإذا وجد الرجل مع امرأته رجلا لم يقتله حَتَّى يأتي بأربعة شهداء، فإن قتله وَلا بينة مَعَهُ أقيد منه، وإذا اقتص من الجاني فيما دون النفس فتلف من القصاص فالحق قتله، وَلا شيء عَلَى المقتص.

باب ذكر الخيار الذي جعل لولي المقتول

باب ذكر الخيار الذي جعل لولي المقتول 120 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: نا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ، قَالَ: وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ» وبهذا نقول، وإذا كَانَ لولي المقتول الخيار بين أن يعفو أو يأخذ الدية أو يقتل، فكذلك للمجروح الخيار إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ مَا يجب لَهُ من دية الجرح، وإن شاء عفا، وإذا قتل الرجل الرجل، وللمقتول ورثة صغار حبس القاتل حَتَّى يبلغ الصغار، وإن عفا بعض الورثة صارت دية. وإذا قتل الرجل جماعة، فجاء الأول يطلب القود قيد منه، وكان للباقين الديات في ماله، وإن جاءوا معًا فطلبوا القود فقتل لم يكن لهم غير ذَلِكَ، ويقطع السارق في الحرم، ويجلد الزاني وتقام الحدود كلها في الحرم، وَلا يجوز أن يقتص من جرح حَتَّى تبرأ الجراحة. باب ذكر الجراحات التي لا توجب قودًا وَلا عقلا 121 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، وَحَسِبْتُ أَنَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فَحْلٍ يَقْضِمُهَا» وبهذا نقول، وقد ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «العجماء جرحها جبار» . وإذا انفلتت الدابة من يد

صاحبها فأصابت نفسًا أو جرحًا فلا عقل فِيهِ وَلا قود، وهذا قول: مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان، ومن تبعهم، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لو أن امرءًا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصيات ففقأت عينه مَا كَانَ عليك جناح» ، وبهذا نقول. وإذا أسلم الرجل من المشركين ثم رجع إِلَى قومه وأقام بينهم فأصابه المسلمون خطأ في سرية، أو في غزاة فلا دية لَهُ، ويعتق الذي أصابه رقبة، روينا عن ابن عباس، أنه قَالَ في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء: 92] مَا هذا معناه.

كتاب الديات

كتاب الديات قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] . 122 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا إِنَّ قَتِيلَ الْخَطَإِ شِبْهَ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلادُهَا» . وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وهذا دية العمد، ودية الخطأ أخماسًا خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض، وخمس بنات لبون وخمس جذاع، وخمس حقاق. ودية الْمَرْأَة عَلَى النصف من دية الرجل لا أعلمهم يختلفون فِيهِ، وعقل جراحات الْمَرْأَة عَلَى النصف من عقل الرجل فيما قل أو كثر، ودية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم وهو الأقل مما قيل فِيهِ، وديات نساء أهل

الكتاب عَلَى النصف من ديات رجالهم. ودية المجوس ثمان مائة درهم، كذلك روي أن عمر حكم به، وبه قَالَ كثير من أهل العلم، وجراحاتهم من دياتهم كقدر جراحات المسلمين من دياتهم. وأول الشجاج: الدامية: وهي التي تدمى من غير أن تسيل، ثم الدامغة: وهي التي يسيل منها الدم، ثم الباضعة: وهي التي تشق اللحم، ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق، والسمحاق: جلدة أو قشرة رقيقة بين اللحم والعظم. وليس في ذَلِكَ كله أرش معلوم ولكن حكومة. وجاء الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «جعل في الموضحة خمسًا من الإبل» ،

وأجمع أهل العلم عَلَى القول به، وليس بين موضحة الوجه وَلا موضحة الرأس فرق، فأما مَا كَانَ من موضحة في سوى الرأس والوجه فليس فيها إلا الاجتهاد. وليس في الهاشمة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر يثبت، وأكثر أهل العلم، يقولون: في الهاشمة عشرة من الإبل، ومنهم من قَالَ فيها حكومة، وإذا لم يثبت خبر ولم يكن إجماع فالنظر عَلَى هذا يدل. والهاشمة: التي تهشم العظم، وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «في المنقلة خمس عشرة من الإبل» . وَلا أعلم في ذَلِكَ

اختلافًا. والمنقلة التي ينقل منها العظم، وليس في المنقلة وَلا في الهاشمة وَلا المأمومة قود. وفي المأمومة ثلث الدية وهذا قول عوام أهل العلم، وإذا ضرب الرجل الرجل ضربة فأذهب عقله ففيه الدية. وأجمع عوام أهل العلم عَلَى أن في السمع الدية، وقال كثير منهم: في الأذنين الدية، وفي كل أذن نصف الدية، وليس في الشعر عقل فلا يثبت حكم معلوم، والذي يجب فِيهِ أقل مَا قيل وهو حكومة. وفي الحاجبين حكومة إلا أن يكون أوضح عن العظم فيكون فِيهِ موضحة، وفي العينين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية. وفي الأعور تفقأ عينه التي ينظر بها الدية، والقصاص بين الأعور والصحيح كهو بين سائر الناس لا فضل لعين عَلَى عين، قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] وَلا فضل للعين الحسناء الجميلة عَلَى العين القبيحة السمجة، وفي العين القائمة التي لا يبصر بها صاحبها حكومة، وفي كل جفن من الجفون ربع الدية. وليس في الأهداب يجنى عَلَيْهَا فلا تنبت إلا حكومة، وفي العين إذا فقئت عمدًا القصاص، يؤمر بمرآة فتحمى ثم يوضع القطن عَلَى العين التي لا قصاص فيها، ثم تؤخذ المرآة بكلبتين فتدني من عينه حَتَّى تسيل عينه. جَاءَ الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «في الأنف إذا أوعب جدعًا

الدية» . والقصاص في الأنف كالقصاص من سائر الأعضاء، وما أصيب من الأنف فبحسابه من الدية إذا كَانَ القطع من دون العظم، وفي الشفتين الدية، في كل واحدة نصف الدية، وهذا قول: مالك، والشافعي، والنعمان ومن تبعهم. وما قطع من الشفتين فبحسابه. جَاءَ الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «وفي السن خمس من الإبل» . وبه نقول: لا فضل للثنايا منها عَلَى الأنياب والرباعيات والأضراس، وإذا جنى الرجل عَلَى سن رجل فاسودت ففيها حكومة، وإذا قلع سن الصبي الذي لم يثغر به انتظر به، فإذا يئس من أن ينبت فله أرشها، وإذا نبتت ناقصة عن التي تقاربها كَانَ عليه من الأرش بقدر نقصانها، وإذا قلع الرجل السن الزائدة فليس فيها إلا حكومة. جَاءَ الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «جعل في اللسان الدية» ، ففي اللسان الدية، وإن قطع بعض اللسان فذهب الكلام ففيه الدية، وإذا قطع منه مَا يذهب بعض الكلام ففيه من الدية بحساب مَا ذهب من الكلام، والكلام الذي يعتبر به ذَلِكَ حروف التهجي ثمانية وعشرون حرفًا، وأحسن مَا قيل في لسان الأخرس أن فِيهِ حكومة. وكان الشَّافِعِيّ، يقول: في اللحيين الدية، وفي اللهاة تقطع حكومة. جَاءَ الحديث

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «في اليد خمسون من الإبل، وفي الرجل خمسون» . وأنه قَالَ: «في الأصابع عشر عشر» . ففي الأنامل عشر عشر من الإبل لا فضل لبعضها عَلَى بعض، والأنامل سواء في كل أنملة ثلث دية الإصبع إلا الإبهام، فإنها أنملتان في كل أنملة نصف دية الإصبع، وفي اليد الشلاء حكومة، وفي ثدي الْمَرْأَة نصف ديتها، وفي الثديين الدية، وإذا قطعت الحلمة فذهب الرضاع ففيها نصف الدية، وسواء ثدي الشابة والعجوز والعاقر، وفي ثدي الرجل حكومة. وإذا انكسر صلب الرجل فلم يقدر أن يمشي، وذهب ماؤه ففيه الدية، وثبت أن عمر بن الْخَطَّابِ، قَالَ: «وفي الضلع جمل، وفي الترقوة جمل، وفي الجائفة ثلث الدية» وقد أجمعوا عَلَى أن لا قصاص فيها، وفي الذكر الدية، وفي الحشفة تقطع وحدها الدية، وذك الخصي كذكر الفحل لأنه عضو، وفي البيضتين الدية، وفي كل واحدة نصف الدية، لا فضل لليسرى عَلَى اليمنى. وإذا قطع شفر الْمَرْأَة فمنع الجماع ففيها الدية، والشابة والكبيرة في ذَلِكَ سواء، وفي

باب ذكر الجنايات التي توجب العقل ولا توجب القود

الأليتين الدية، في كل واحدة منها نصف الدية، وفي الرجلين الدية، وفي كل واحدة منهما نصف الدية. وليس في العظام تكسر قصاص، ومعنى قولهم: حكومة. أن ينظر إِلَى الجروح لو كَانَ عبدًا كم قيمته قبل أن يجرح؟ ، فإن قالوا: مائة دينار. قيل: كم قيمته وبه الجرح الذي أصابه بعدما تنتهي الجراحة؟ فإذا قيل: خمسة وتسعون ففي الجرح الذي أصيب نصف عشر الدية. وإن قالوا: تسعين ففيه عشر الدية، ثم ابن مَا ورد عليك من المسائل في هذا الباب عَلَى هذا المثال إن شاء اللَّه تعالى. باب ذكر الجنايات التي توجب العقل وَلا توجب القود وإذا اصطدم الفارسان فماتا، وماتت دابتاهما فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه، وذلك أن كل واحد منهما مات من فعله وفعل صاحبه، وفي مال كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه، وللمرء إذا احتاج إِلَى الحجامة أن يحتجم بل تستحب الحجامة لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير مَا تداويتم به الحجامة والقسط البحري» . فإذا استعان المرء بطبيب ليفتح لَهُ عروقًا أو يقطع منه مَا فِيهِ صلاح بدنه، ففعل مَا أمر به ولم يتعد ذَلِكَ إِلَى غيره فلا ضمان عليه وإن تلف المعالج منه. وإذا استأجر الرجل أجراء يحفرون لَهُ بئرًا أو يبنون لَهُ بناء فأصيبوا في بعض أعمالهم فلا ضمان عَلَى المستأجر لأنه لم يجن ولم يتعد. وإن حمل صبيًا لم يبلغ، أو استعان بمملوك رجل بغير إذن سيده فتلف ضمن كل واحد منهما.

كتاب المعاقل

كتاب المعاقل قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] ، وقال جل ذكره: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] . 123 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لُقَيْطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي ابْنٌ لِي، قَالَ: " هَذَا ابْنُكَ. قُلْتُ: أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: لا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلا تَجْنِي عَلَيْهِ «

فالواجب عَلَى ظاهر كتاب اللَّه جل وعز، وسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يؤخذ امرؤ بجناية غيره، فلما ثبت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه» جعل الدية في قتل الخطأ عَلَى العاقلة "، وجب تسليم ذَلِكَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستثناء مَا دلت عليه السنة من ظاهر الكتاب والسنة. 124 - نا عَلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِغُرَّةٍ تُوُفِّيَتْ «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا، وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا "

والعاقلة العصبة، وكل من يحفظ عنه من أهل العلم، يقول: ولد الْمَرْأَة من غير عصبتها لا يعقلون عنها، وكذلك إخوتها من أمها لا يعقلون عنها. ويقولون: إن الصبي الذي لم يبلغ والمرأة لا يعقلون مع العاقلة، وإن الحر الفقير لا يلزمه من الدية شيء، ويلزم لكل رجل من العاقلة أقل مَا قيل وهو ربع دينار، وإن ضاق الأمر ولم يكن في عصبتها العدد الذي يحملون الدية ضموا إِلَى أقرب القبائل إليهم. ودية الخطأ يجب أن يقضى بها عَلَى العاقلة وما زاد عَلَى ثلث الدية تلزم العاقلة لإجماع أهل العلم، ومقدار الغرة يحكم به عَلَى العاقلة لأن ذكر ذَلِكَ موجود في حديث المغيرة بن شعبة، وكل مختلف فِيهِ بعد ذَلِكَ فمردود إِلَى أن يلزم الجاني لدلالة الكتاب والسنة، ويقضى بالدية عَلَى العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة منها ثلث الدية، ويجل النصف في سنتين، في السنة الأولى الثلث وفي التي تليها السدس، ويجعل الثلثين في سنتين. وليس تعقل العاقلة الجنايات عَلَى الأموال، وَلا تعقل من دية العمد شَيْئًا. وكل مَا أخطأ الإمام من عقل جراح يلزم مثله العاقلة فهو عَلَى عاقلة الإمام دون بيت المال. ودية شبه العمد عَلَى العاقلة، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جعل دية الْمَرْأَة التي ضربت بعمود فسطاط قتلت به عَلَى العاقلة» . وإذا قتل من لا عصبة لَهُ وله أموال

باب ذكر الجنين

قتل خطأ، عقل عنه مواليه من فوق، لأنهم يرثونه إذا مات كذلك يعقلون عنه. باب ذكر الجنين 125 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ الْخُزَاعِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: " ضَرَبَتْ حُرَّةٌ ضُرَّةً لَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِيَتِهَا عَلَى عَصَبَةِ الْعَاقِلَةِ وَبِمَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةً، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُغَرِّمُنِي مَنْ لا طَعِمَ وَلا شَرِبَ وَلا صَاحَ وَلا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَسْجَعُ سَجْعَ الأَعْرَابِ " والحكم فِي الأجنة سواء لا فرق بين ذكرانهم وإناثهم، وإن طرحته حيًا ففي الذكر الدية كاملة، وفي الأنثى نصف الدية، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ دليل عَلَى أن الجنين الذي قضى فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغرة سقط ميت، وقيمة الغرة التي يجب قبولها نصف عشر دية الرجل وهذا قول: مالك، والشافعي، والكوفي، ومن

باب ذكر الكفارة التي تلزم القاتل

تبعهم. وتؤدى الغرة من أي جنس شاء، وقد قيل: ابن سبع أو ثمان سنين وفي جنين الأمة عشر قيمتها، استدلالا بأن فِي جنين الحرة عشر ديتها، وهذا قول: الحسن البصري، والنخعي، والزُّهْرِيّ، والمدني، والشافعي. وفي جنين الكتابية عشر دية الأم، وفي جنين المجوسية عشر دية الأم، وَلا قود عَلَى من ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا حيا ثم مات، وإذا طرحت الْمَرْأَة أجنة ففي كل جنين منهم غرة. ودية الجنين موروثة عَلَى كتاب اللَّه، وإذا اختلف الجاني وورثة الجنين، فَقَالَ الجاني: ألقته ميتًا. وقال ورثة الجنين: ألقته حيا. فالقول قول الجاني مع يمينه إن لم تكن بينة. باب ذكر الكفارة التي تلزم القاتل قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] . وأجمع أهل العلم عَلَى أن عَلَى القاتل خطأ رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إِلَى أهله. وليس عَلَى من قتل عمدًا رقبة إذ لا حجة مع من أوجب ذَلِكَ. وعلى من ضرب بطن امرأة فألقت جنينًا الكفارة. باب ذكر أحكام العبيد والإماء فِي الجراحات والديات وإذا قتل الرجل العبد فعليه قيمته بالغة مَا بلغت، وإن كانت ديات،

وفي إجماع أهل العلم عَلَى استواء ديات أحرار المسلمين، واختلاف أثمان العبيد بيان ودلالة عَلَى افتراق أحوالهم وأحوال الأحرار، وكثير من أهل العلم، يقولون: إن جراحات العبيد تجري عَلَى مَا يجري عليه جراحات الأحرار، وإذا جنى المكاتب فجنايته فِي رقبته، وما جني عليه فله أخذ الأرش من الجاني، يضمه إِلَى مَا بيده. وعلى المكاتب فِي جنايته الأقل من قيمته، أو الجناية يؤديها مع الكتابة، فإن أداها وأدى الكتابة عتق، وإن عجز عنها وعن الكتابة رد رقيقًا، وقيل: للسيد أمر جنايته، فإن فداه سلمت لَهُ رقبته وإن أبى أن يفديه، ففيها قولان: أحدهما: أن يسلمه إِلَى صاحب الجناية. والقول الآخر: أن يباع فِيهِ وقد ذكرت فيما مضى هذا معناه. وجناية المدبر كجناية سائر العبيد، وفي المدبر يقتل قيمته مملوكا، وكان عمر بن الْخَطَّابِ يعتق أم الولد إذا مات سيدها وهذا قول كثير من أهل العلم. وجناية أم الولد فِي الجناية عَلَيْهَا كجنايات سائر الإماء، والجنايات عَلَى الدواب، وعلى سائر الأموال فِي مال الجاني عمدًا كانت الجنايات أو خطأ.

كتاب القسامة

كتاب القسامة 126 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهِلْ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ لِحَاجَةٍ فَتَفَرَّقَا فِي نَخْلِهِمَا فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ أَخُوهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَابْنَا عَمِّهِ مُحَيِّصَةُ، وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَتَكَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ: «كَبِّرِ الْكُبْرُ» . يَقُولُ: يَبْدَأُ بِالْكَلامِ الأَكْبَرُ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَصْغَرَ مِنْ صَاحِبَيْهِ، تَكَلَّمَا فِي قَتْلِ صَاحِبِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» . قَالُوا: لَمْ نَشْهَدْ فَكَيْفَ نَحْلِفُ؟ قَالَ: تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ ". قَالُوا: قَوْمٌ كُفَّارٌ. قَالَ: فَوَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَتَهُ مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ فَرَكَضَتْنِي رَكْضَةً فِي مِرْبَدٍ لَهُمْ " وقد اختلف فِي القود بالقسامة فكان ابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، والليث بن سعد، وأحمد، وأبو ثور،

وجماعة يرون أن يقاد بالقسامة وأبى ذَلِكَ غيرهم. فِي حديث مالك: «تحلفون وتستحقون دم صاحبكم» . دليل عَلَى صحة هذا القول، وكان مالك، والشافعي، يقولان: إذا شهد شاهد واحد عدل عَلَى رجل أنه قتله، وجب الحكم بالقسامة. وَلا يقتسم إلا وارث المقتول عمدًا كَانَ القتل أو خطأ. وإذا وجد الرجل بين الناس مقتولا فِي الزحام لا يدري من قتله، ففيها قولان: أحدهما: أن يودي من بيت المال، يروى هذا القول عن: عمر، وعلي، وبه قَالَ الثَّوْرِيّ، وقيل: إن دمه هدر.

هذا قول مالك، وَلا يثبت حديث عمر، ويجزي فِي القسامة أن يحلف بالله، وَلا تجب القسامة فيما دون النفس.

كتاب الضحايا

كتاب الضحايا 127 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلالَ ذِي الْحَجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا»

فالضحية لا تجب فرضًا استدلالا بهذا الحديث، إذ لو كَانَ فرضًا لم يجعل ذَلِكَ إِلَى إرادة المضحي، ووقت الأضحى بعد طلوع الشمس مقدار مَا يصلي الإمام ويخطب، وَلا يجزئ أن يضحي قبل هذا الوقت ووقت الأضحى يوم النحر، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، ويستحب أن يذبح ضحيته بيده، وله أن يأمر غيره أن يضحي عنه. و «ضحى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين أملحين» ، وروي عنه أنه قَالَ: «خير الضحية الكبش الأقرن» . وأعلى مَا يتقرب به إِلَى اللَّه يوم النحر البدنة، ثم البقرة، ثم الكبش من الضأن، ثم المعز، وكل مَا عظم من النسك وغلا ثمنه كَانَ أفضل، استدلالا بقوله: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] ، وبالثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه سئل أي الرقاب أفضل؟ ، قَالَ: «أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها» . والجذع من

المعز لا يجزئ، والجذع من الضأن يجزئ عند من لا يجد مسنة، وَلا يجزئ من الإبل والبقر إلا الثني فأكثر، ويشترك السبعة فِي البقرة والبدنة متمتعين ومضحين، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا يجزئ من الضحايا أربع: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي ". وفي هذا دليل أن كل نقص غير الأربع التي خصهن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جائز، والتام أفضل من الناقص، وتقسم جلود البدن ولحومها وجلالها، وَلا يعطى الجزار فِي جزارتها منها شَيْئًا، وإن أوفاه جعله أعطاه إن كَانَ مسكينًا كما يعطي غيره. قَالَ اللَّه تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} [البقرة: 58] ، فكل مَا كَانَ أصله تطوعًا فالأكل منه جائز، وَلا يؤكل من الفرض من ذَلِكَ، وقوله: فكلوا منها. أمر ندب لا أن فرضًا أن يؤكل منها، وإذا دخل العشر لم يأخذ من شعره وأظفاره شَيْئًا إذا أراد أن يضحي.

كتاب العقيقة

كتاب العقيقة 128 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ سِبَاعِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ كُرْزٍ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» .

وَيُسْتَحَبُّ تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ، وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخَذَ مَرَّةً تَمْرَةً فَمَضَغَهَا، ثُمَّ حَنَّكَ بِهَا أَخًا لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ» . وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقَّ عَنْ حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ بِكَبْشَيْنِ» . فَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الصَّبِيِّ يَوْمَ سَابِعٍ وَيُسَمَّى، وَيُمَاطُ عَنْ رَأْسِهِ الأَذَى، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِوَزْنِ شَعْرِ رَأْسِ الصَّبِيِّ ورقًا، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُمَسَّ رَأْسُ الصَّبِيِّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِ الْعَقِيقَةِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ.

باب ذكر الختان

«وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بَعْضُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ» ، وَإِنْ شَاءَ كَسَرَ عِظَامَ الْعَقِيقَةِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ والتسمية عَلَى العقيقة كالتسمية عَلَى الضحية، قَالَ عطاء: يقول: بسم الله، هذه عقيقة فلان. وَلا يجوز فِي العقيقة شيء من العيوب المذكورة فِي باب الضحايا. باب ذكر الختان 129 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الأَشْعَثِ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مِنَ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ،

باب ذكر الفرعة والعتيرة

وَقَصُّ الشَّارِبِ " وقد اختلف الناس فِي وقت الختان، كَانَ مالك يقول: عامة مَا رأيت الختان عندنا إذا أثغر، وقال الليث بن سعد: مَا بين السبع سنين إِلَى العشرة. وكان الحسن يكره الختان يوم سابعة. ولست أعلم حجة تمنع من ذَلِكَ، وكان ذَلِكَ عندنا جائزًا. باب ذكر الفرعة والعتيرة 130 - نا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ» . وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ

النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ وهذا شيء كَانَ أهل الجاهلية يفعلونه. قَالَ أبو عبيد: قَالَ أبو عمرو: وهي الفرعة، بنصب الراء، وهو أول ولد تلده الناقة كانوا يذبحون ذَلِكَ لآلهتهم فِي الجاهلية فنهوا عن ذَلِكَ. وأما العتيرة: فهي ذبيحة كانت تذبح فِي رجب يتقرب بها أهل الجاهلية، ثم جَاءَ الإسلام فكان عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نسخ بعد، حديث أَبِي هُرَيْرَةَ يدل عَلَى نسخ ذَلِكَ.

كتاب الذبائح

كتاب الذبائح باب تحسين الذبح وتحديد السكين 131 - نا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلِيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن صبر البهائم» ، وهو

أن يصبر حيًا ثم يرمى حَتَّى يقتل. وقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصيد يصاد: «أنهروا الدم بما شئتم واذكروا اسم اللَّه» . وفي حديث رافع بن خديج: «مَا أنهر الدم وذكر عليه اسم اللَّه فكلوا ليس السن والظفر» .

ويستحب أن تنحر الإبل وتذبح البقر والغنم، قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَذَبَحُوهَا} [البقرة: 71] ، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] . وهكذا أحب أن يفعل فإن ذبح مَا ينحر أو نحر مَا يذبح لم يحرم أكله، وذبيحة الصبي الذي يعقل والمرأة جائزة إذا أطاقا، وَلا يجوز أكل ذبيحة المجنون والسكران، وذبيحة الأخرس إذا عقل، والجنب جائزة. وَلا يحل للسارق أن يذبح شاة غيره، وَلا للمحرم أن يذبح شيئا من الصيد، فإن فعلا وسميا اللَّه لم يحرم أكل ذبيحتيهما، وإذا ذبحت الشاة أو الدجاجة من قفاها فأتي عَلَى المذابح وهي حية لم يحرم أكلها وأكره ذَلِكَ، ويكره أن يقطع من الشاة المذبوحة شيئا قبل أن تبرد، فإن فعل فاعل ذَلِكَ لم يحرم أكل لحمها. ويستحب أن يستقبل بالذبيحة القبلة، وَلا يحرم أكل ذبيحة لم يستقبل بها القبلة، ومن ترك التسمية عامدًا لم تؤكل ذبيحته، وَلا أرى أن تؤكل ذبيحة نسي الذابح أن يذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا. ويقول الذابح إذا ذبح: بسم اللَّه والله أكبر، وإذا ند شيء من البهائم فعل به كما يفعل بالصيد يرمى ويكون ذَلِكَ ذكاته، وكان ابن عباس، يقول فِي البعير يتردى فِي البئر: يطعن من قبل خاصرته. وروي معنى ذَلِكَ عن علي، وابن عمر. وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر، ولابد من ذبحه إذا خرج حيًا، روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «ذكاة الجنين ذكاة أمه» .

ذكر ذبائح أهل الكتاب

ذكر ذبائح أهل الكتاب قَالَ اللَّه جل ذكره: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . 132 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: نا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتَ طَعَامًا لا أَتْرُكُهُ إِلا تَحَرُّجًا، قَالَ: «لا يَتَخَلَّجْنَ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ فِيهِ نَصْرَانِيَّةً» وأجمع أهل العلم عَلَى أن ذبائح أهل الكتاب لنا حلال إذا ذكروا اسم اللَّه عَلَيْهَا إلا حديث حكي عن مالك فِي شحم شاة ذبحها يهودي، فإنه بلغني عنه أنه قَالَ: لا يؤكل. وحكي عنه أنه قَالَ: لا أحرمه. فإن ذبح الكتابي فذكر اسم اللَّه أكلت ذبيحته، وإن لم يذكر اسم اللَّه أو ذبح باسم المسيح لم يحل أكل ذبيحته، وإذا غاب عنا أمره أكلنا ذبيحته كما نأكل مَا غاب عنا من ذبائح المسلمين، وَلا يجوز أكل ذبائح الصابئين، والذبائح من دار أهل

الحرب مباح، وذبائح أهل الكتاب من أهل الحرب مباح، وذبائح نساء أهل الكتاب وصبيانهم مباح، وتكره ذبائح المجوس وينهى عنه.

كتاب الصيد

كتاب الصيد قَالَ الله جل ذكره: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] . 133 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، " إِنَّا نُرْسِلُ كِلابًا مُعَلَّمَةً فَيُمْسِكْنَ عَلَيْنَا قَالَ: إِنْ أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ. قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلَ قَالَ: وَإِنْ قَتَلَ؟ مَا لَمْ يُشْرِكْهُ كَلْبٌ غَيْرُهُ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ. قَالَ: مَا خَزَقَ فَكُلْ، وَمَا أَصَابَ بِعَرْضٍ فَلا تَأْكُلَ " الكلاب جوارح يجوز أكل مَا أمسكن عَلَى المرسل إذا ذكر اسم اللَّه عَلَيْهَا، وكان المعلم مسلما، وقد روينا عن عدي بن حاتم، أنه قَالَ: سألت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البازي، فَقَالَ: «إذا أمسك عليك فكل» .

باب ذكر صيد السهام والمعراض

فإذا دعا الكلب صاحبه فأجابه واستشلاه فاتبع الصيد وأمسكه فهو معلم بأول فعلة فعلها، ويجوز أكل مَا اصطاد فِي المرة الثانية إذا أرسله صاحبه وسمى اسم اللَّه عليه، وإذا أكل الكلب مما اصطاد لم يجز أكله، كَانَ الذي أكل الكلب منه قليلا أو كثيرا، والبازي يأكل من الصيد فِي معنى الكلب لا يؤكل منه، وإذا شرب الكلب من دم الصيد لم يحرم أكله، لأنه ليس بآكل منه شيئا. وإذا أمسك الكلب الذي أرسله صاحب الصيد فمات فِي يده أكل، عَلَى ظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، وإذا شرك الكلب المرسل كلب آخر فتعاونا عَلَى قتله لم يؤكل، وإذا أرسل كلبه عَلَى الصيد ووجد الصيد فِي يده حيًا، فإن ذبحه أكله وإن لم يمكنه ذبحه حَتَّى مات أكله، وإن أمكنه ذبحه فلم يذبحه حَتَّى مات لم يأكله، وإذا انفلت كلب من يد صاحبه فاصطاد لم يؤكل، وصيد أهل الكتاب حل للمسلمين كذبائحهم، وَلا يجوز أكل صيد المجوس إلا الحيتان والجراد، فإنهما لا تحتاجان إِلَى ذكاة ويؤكل من ذَلِكَ مَا اصطاده المجوس. باب ذكر صيد السهام والمعراض 134 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا، عَنْ

عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ بِالْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: مَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَمَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ ". وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْ»

إذا رمى الرامي الصيد وسمى اللَّه فأصاب بحده وخزق أكل، وما أصاب بحده ولم يخزق أو أصاب بعرضه لم يؤكل. وإذا رمى الرامي الصيد بسهم فغاب عنه فرأى فِيهِ سهمه، ولم ير فِيهِ أثر غيره، وعلم أن سهمه قتله أكل تدل الأخبار عَلَى ذَلِكَ.

وإذا سقطت الرمية فِي الْمَاء وقد أتى السهم عَلَى المذابح أكل، لأنه صيد قد ذكي، وسقط فِي الْمَاء وَلا يضره بعد الذكاة سقوط فِي الْمَاء، وإذا لم يكن كذلك فوقع فِي الْمَاء لم يؤكل، لأنه لا يدري الْمَاء قتله أم سهمه. وإذا رمى الرجل الصيد فأبان منه عضوًا ثم أدرك ذكاته أكل الصيد المذكى، ولم يأكل العضو الذي أبان منه، وإن ضرب صيدًا فأبان منه عضوا أو قطعه باثنتين فمات مكانه من ضربه أكل القطعتين جميعًا، لأن الذكاة وقعت بهما، وَلا يجوز أكل ذبيحة المرتد، وكذلك لا يجوز أكل صيده، وإذا نصب الرجل الشبكة فوقع فيها صيد فمات لم يؤكل.

كتاب الوديعة

كتاب الوديعة قَالَ اللَّه جل ذكره: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] . والأمانات يجب أداؤها إِلَى الأبرار والفجار، وعلى المودع حفظ الوديعة وإحرازها، وليس عليه غرم فيما تلف من الحرز. وإذا كانت الوديعة دراهم فاختلطت بدراهم المودع فلا ضمان عليه، وإن خلطها المودع بدراهم ولم يتميز فتلفت ضمن. وإذا قَالَ المودع: ضاعت الوديعة وأنكر ذَلِكَ، فالقول قول المودع مع يمينه، وكذلك القول، قوله إذا قَالَ: رددتها عليك وأنكر ذَلِكَ ربها. وإذا أخرج المودع الوديعة من مكانها ثم ردها إِلَى حيث كانت لغير عذر وتلفت ضمن. وأجمع أهل العلم عَلَى أن المودع ممنوع من استعمال الوديعة ومن إتلافها، وعلى إباحة استعمال الوديعة بإذن مالكها. وإذا تعدى المودع فِي الوديعة واشترى بها شيئا نظر، فإن اشترى السلعة بعين المال فالشراء فاسد، ولم يملك السلعة، فإن اشترى السلعة بغير عينها فالشراء صحيح، ويضمن مثل المال الذي أتلف والربح لَهُ، وإن كانت الوديعة دابة فأنفق عَلَيْهَا المودع بغير إذن ربها لم يرجع بشيء لأنه متطوع.

كتاب العارية

كتاب العارية أجمع أهل العلم عَلَى أن المستعير لا يملك بالعارية الشيء المستعار، وعلى أن لَهُ أن يستعمل مَا استعار فيما أذن لَهُ أن يستعمله فِيهِ، وعلى أن المستعير إن أتلف الشيء المستعار أن عليه ضمانه، كل هذا مجمع عليه، واختلفوا فِي وجوب الضمان عليه إن تلفت العارية من غير جناية. لا يضمن عندي لأني لا أعلم لمن ضمنه حجة أخبار صفوان مختلف فِي أسانديها، ومتونها، لا تقوم بها الحجة.

وإذا استعار الرجل من الرجل الأرض عَلَى أن يغرس فيها ويبني، ولم يوقت فيها وقتًا، أو وقت وقتًا، فلرب الأرض إخراجه منها متى شاء، وليس عَلَى رب الأرض قيمة البناء وَلا الغرس، وَلا أعلم مع من أوجب قيمة الغراس والبناء عَلَى رب الأرض حجة، وإذا استعار رجل من رجل دابة فقضى حاجته ثم ردها ولم يلق صاحبها فربطها فِي معلف صاحبها، وتلفت ضمن لأن عليه أن يردها إِلَى من أخذها منه، أو عَلَى من يقوم مقامه. وإذا قَالَ المستعير: أعرتني الدابة إِلَى بلد كذا، وقال رب الدابة: بل أعرتك عَلَى بلد كذا، فالقول قول رب الدابة، وعليه كراء المثل فيما ركب مما زاد عَلَى مَا أقر به رب الدابة. وإذا قَالَ المستعير: أعرتني. وقال رب الدابة: أكريتك. فالقول قول رب الدابة وعليه كراء المثل فيما ركب.

كتاب اللقطة

كتاب اللقطة 135 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَهُمْ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلا فَشَأْنُكَ بِهَا» . قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ

لِلذِّئْبِ» . قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: «مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» وبهذا نقول، وَلا فرق عندي بين اللقطة اليسيرة أو الكثيرة إلا مثل التمرة التي قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لولا أن تكون صدقة لأكلتها» . والذي نرى أن تعرف اللقطة إذا وجدت بغير مكة سنة عَلَى ظاهر حديث زيد بن خالد، ثم لَهُ إذا عرفها سنة ولم يأت صاحبها الانتفاع بها، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وإلا فشأنك بها» . لا فرق بين الموسر والمعسر فِيهِ، وله أن يتصدق بها، وله أن يمسكها لا ينتفع بها وَلا يتصدق، فمن انتفع بها أو تصدق بها ثم جَاءَ صاحبها ضمن لَهُ مثلها إن كَانَ لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وله أن يعرفها فِي كل موضع إلا فِي المساجد، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سمع رجلا ينشد ضالة: «لا أداها اللَّه إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا» . ويشهد عَلَى

اللقطة ذوي عدل وَلا يكتم وَلا يغيب. وإذا جَاءَ من يخبر بصفتها وجب دفعها إليه للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «إن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فادفعها إليه» . والعفاص الوكاء والطرف التي تكون فِيهِ النفقة، والوكاء: الخيط الذي يشد به. وإذا أخذ المرء اللقطة ليحفظها عَلَى ربها فضاعت فلا ضمان عليه، وإن أخرها ليذهب بها فضاعت ضمن، وَلا يجوز أخذ ضالة الإبل أين وجدها من الأرض، وكذلك ضالة البقر، فأما ضالة الغنم توجد بالبراري فمباح أخذها، وليس لَهُ أن يأخذ مَا يجد بالقرى منها، لأنه سبق قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لك أو لأخيك أو للذئب» . دليل عَلَى أن الذي أبيح من أخذها، مَا يوجد حيث تكون الذئاب. وإذا وجد رجل ضالة أو التقط لقطة فجاء بها إِلَى صاحبها، وطلب جعلا فلا شيء لَهُ كَانَ الواجد ممن يعرف بطلب الضوال أو لم يكن كذلك. وإذا وجد رجل عنبرًا عَلَى ساحل البحر أخذها وَلا شيء عليه فيها

كتاب اللقيط

كتاب اللقيط حر عند عوام أهل العلم وحكمه حكم المسلمين إذا وجد فِي بلاد الإسلام، وليس عَلَى الذي وجد اللقيط نفقته، فإن أنفق عليه بغير أمر حاكم فهو متطوع وَلا شيء لَهُ، وإن أنفق عليه بأمر الإمام ففي قول: الثَّوْرِيّ، والشافعي، والكوفي، يلزم ذَلِكَ اللقيط إذا بلغ وكانت النفقة بالمعروف. وإذا كَانَ اللقيط حيث لا إمام فِيهِ وجب عَلَى المسلمين إحياؤه، فإذا أحيوه لم يرجعوا عليه بشيء منه، فإذا ادعى الذي التقطه أنه ابنه لحق به، ولو ادعت امرأة أن اللقيط ابنها لم يقبل قولها فِي قول: الثَّوْرِيّ، والشافعي، والكوفي، وإذا ادعى الذي وجده أنه عبده لم يقبل منه قوله لأن اللقيط حر. وإذا قتل اللقيط فأمره إِلَى الإمام إن شاء قتل قاتله، وإن شاء أخذ ديته ووضعه فِي بيت المال، لأن السلطان ولي من لا ولي لَهُ، وإذا قتل اللقيط خطأ، فعلى عاقلة القاتل دية توضع فِي بيت المال. وإذا مات اللقيط قبل أن يبلغ فميراثه فِي بيت مال المسلمين يصرفه الإمام حيث يجب، فإن بلغ ونكح وولد لَهُ ثم مات، فميراثه بين ورثته عَلَى فرائض اللَّه، وإذا وجد مَعَهُ مال فهو لَهُ.

باب أحكام الإباق

باب أحكام الإباق 136 - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فِي الدُّنْيَا، كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ» فمن معونة المسلم أخاه المسلم حفظ عبيده عليه، وما خاف عليه أن يضيع من أمواله، وإذا كَانَ ذَلِكَ واجبًا عليه فلا جعل لَهُ فيما يجب عليه أن يقوم به. وإذا قَالَ الرجل: من جَاءَ بعبد فلان الآبق فله دينار، فجاء به رجل فله دينار، وإذا أخذ عبدًا آبقًا ليرده إِلَى مولاه فهو متطوع، وَلا يرجع عليه بشيء. وإذا أعتق الرجل عبده الآبق وقع عليه العتق، وإذا جنى العبد الآبق أو جني عليه أو قذف أو زنى أو سرق أو شرب الخمر حكم عليه فِي جميع مَا ذكرناه كالحكم عَلَى من ليس بآبق.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا 137 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ نَافِعًا، حَدَّثَهُمْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» والوصية غير واجبة إلا عَلَى رجل عليه دين أو قبله أمانة، فإن عَلَى من كَانَ عنده مال لقوم أن يكتب وصيته ويخبر بما عليه، لأن اللَّه قد أوجب أداء الأمانات

إِلَى أهلها. وفي قوله فِي حديث حماد بن زيد: لَهُ شيء يريد أن يوصي فِيهِ دليل عَلَى أن الوصية غير لازمة إذ لو كانت واجبة لم يجعل ذَلِكَ إِلَى إرادة الموصي، والوصية جائزة للقرابة ولغير القرابة، والوصية للوارث لا تجوز، لا اختلاف فِي ذَلِكَ أعلمه. وإذا استأذن الرجل ورثته فِي مرضه أن يوصي بأكثر من الثلث أو يوصي لوارث فأذنوا لَهُ، ثم رجعوا بعد موته لم يلزمهم ذَلِكَ، لأنهم أجازوا شيئا لم يملكوه، وإن أجازوا ذَلِكَ بعد وفاته فهو لازم لهم. ويستحب إذا أوصى المرء أن ينقص من الثلث شيئا لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الثلث والثلث كثير» . ويستحب أن يدع

المرء ورثته أغنياء لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» . وإذا أوصى الرجل لقرابته فالقرابة من قبل الأب والأم سواء، يعطون عَلَى رءوسهم، لا يفضل الذكر عَلَى الأنثى، لأنهم أعطوا باسم القرابة، وإذا أوصى لعصبته، فالعصبة من قبل الأب وَلا يكونون من قبل الأم، وإذا قَالَ: ثلث مالي لبني فلان فليس لمواليهم شيء، وإذا أوصى الرجل بزكاة ماله وعليه حجة الإسلام أخرج ذَلِكَ من رأس ماله. وإذا أعتق الرجل فِي مرضه الذي مات فِيهِ كَانَ من ثلث ماله يبدى عَلَى الوصايا، وإذا أوصى بعتق رقبة بعينها من رقيقه، وأوصى لناس شتى كَانَ ذَلِكَ كله من الثلث، وإذا أعتق فِي مرضه ستة مملوكين لَهُ، لا مال لَهُ غيرهم وجب أن يقرع بينهم إذا كانت قيمتهم سواء فيعتق منهم اثنين بالقرعة ويرق سائرهم. وإذا أوصى الرجل بوصية ثم أوصى بوصية أخرى نفذت جميعًا إذا خرجتا من الثلث، وإن لم يخرج ذَلِكَ كله من الثلث تحاصوا جميعًا فِي الثلث إلا أن يكون فِي الوصية الثانية دلالة عَلَى رجوعه عن الوصية الأولى. وإقرار الرجل جائز فِي مرضه للوارث ولغيره، والوصية جائزة إِلَى الأحرار البالغين من الرجال والنساء، وَلا تجوز الوصية إِلَى الذمي وَلا إِلَى السفيه، وتجوز وصية الذمي إِلَى المسلم، وتجوز وصية المحجور عليه، والصبي الذي لم يبلغ إذا أصابا الحق فِي ثلث أموالهما، روينا إجازة وصية الصبي عن عمر بن الْخَطَّابِ، ويجوز أن يوصي الذمي للمسلم بما يجوز للمسلم ملكه،

باب الهدايا والعطايا

وللرجل أن يرجع فِي جميع وصاياه العتق وغيره، وله أن يرجع فِي التدبير. وإذا أوصى الرجل لرجل بالوصية فلم يقبلها فهي ترجع إِلَى ورثة الموصي، وليس للوصي أن يوصي بما أوصي به إليه إِلَى غيره إلا أن يكون الموصي جعل ذَلِكَ إليه. وإذا أوصى الرجل إِلَى الرجلين فليس لأحدهما أن ينفذ شَيْئًا من وصاياه إلا مع صاحبه، وليس للحاكم نزع المال من يد الموصى الثقة، فإن ضعف الوصي عن القيام بالوصية ضم إليه من يقوم مَعَهُ بالوصية، وإن تبينت منه خيانة أبدل مكانه غيره. باب الهدايا والعطايا 138 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ» يدل هذا الحديث عَلَى استحباب قبول الهدايا والهبات، وإن كانت يسيرة قليلة، وأجمع أهل العلم عَلَى أنه إذا وهب لرجل دارًا أو عبدًا عَلَى غير عوض بطيب من نفس المعطي، وسلطه عَلَى قبضه، وقبضه الموهوب لَهُ وحازه أن الهبة تامة.

باب ذكر الرجوع في الهبات

وهبة الشقص من الدار والعبد جائز، ويقبضه كما يقبض الشقص المشترى منهما، وهذا قول عوام أهل العلم إلا رجلا شذ عنهم لا معنى لقوله. باب ذكر الرجوع فِي الهبات 139 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: نا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُعْطِي عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» فكل من وهب هبة وقبضها الموهوب لَهُ بأمر الواهب فليس لَهُ أن يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده عَلَى ظاهر الحديث، وفي حديث ابن عباس مَا يؤيد هذا،

وهو قوله: «ليس لنا مثل السوء، العائد فِي هبته كالعائد فِي قيئه» . وسواء كَانَ الموهوب لَهُ ذا رحم محرم ورجلا من الأجنبيين عَلَى ظاهر الحديث، وكذلك الزوج يهب لامرأته والمرأة تهب لزوجها مهرا كَانَ أو غير ذَلِكَ، قَالَ اللَّه جل وعز: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] . وسواء كَانَ الشيء الموهوب مستهلكًا أو غير مستهلك، وكل مَا ذكرناه إذا لم تكن الهبة لثواب، فإن كانت الهبة لثواب فاشترط ثوابًا معلومًا، فإن أثابه الموهوب لَهُ صحت الهبة، وإن كَانَ الثواب مجهولا فالهبة غير جائزة، وإذا نكحت الْمَرْأَة أو لم تنكح فهبتها جائزة، وإن وهبت بغير إذن زوجها جاز استدلالا بقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا معشر النساء، تصدقن» . قَالَ: فجعلت الْمَرْأَة تلقي بالخاتم والخرص والشيء، وليس فِي شيء من الأخبار أنهن استأذن أزواجهن. وإذا وهب الذمي للمسلم مَا يجوز أن يملكه المسلم فالهبة جائزة، وكذلك المسلم يهب للذمي مَا تجوز هبته، وليس للرجل أن يهب من مال ولده شيئا بغير إذنه.

باب الأمر بالتسوية بين الأولاد في العطايا

باب الأمر بالتسوية بين الأولاد فِي العطايا 140 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا فِطْرٌ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ: انْطَلَقَ أَبِي بَشِيرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ يُعْطِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ لَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ بِيَدِهِ: «هَكَذَا سَوِّ»

قوله: سو. يدل عَلَى أن الذي يجب أن يعطي الأنثى مثل الذكر، وليس لَهُ أن يعطي بعضا ويدع البعض لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سو. فإن فعل لم يجز لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تشهدني عَلَى جور» . وللمرء إذا وهب ولده شَيْئًا أن يرجع فِيهِ مادام الشيء قائما، لقوله: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده» . والأم فِي ذَلِكَ بمنزلة الأب، وَلا تتم هبة الرجل للبالغ من ولده إلا بالقبض، وإذا كَانَ الولد طفلا فللأب أن يقبض لَهُ من نفسه ويصح ذَلِكَ لولده. ذكر العمري والرقبي 141 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: نا زُهَيْرٌ، قَالَ: نا أَبُو

الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ» فعلى ظاهر هذا الحديث المعمر أحق بما أعمر حيا وميتًا لظاهر هذا الخبر، وللأخبار التي ذكرناها فِي كتاب العمرى والرقبى سواء، قَالَ: هِيَ لك حياتك. أو قَالَ: هِيَ لك ولعقبك من بعدك. وكان أحمد، وإسحاق، يقولان: الرقبى مثل العمرى لا يرجع إِلَى الأول أبدًا. وقال الثَّوْرِيّ: لا أراهما إلا واحدا.

كتاب المكاتب قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] . واختلف أهل العلم فِي وجوب الكتابة إذا سأل ذَلِكَ المملوك وعلم فِيهِ خيرًا، فكان عطاء، يقول: مَا أراه إلا واجبًا. وبه قَالَ عمرو بن دينار، وسأل سيرين أنس بن مالك الكتابة فأبى أنس فرفع عليه عمر بن الْخَطَّابِ الدرة، وتلا: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] ، فكاتبه أنس، وقال آخرون: ليست الكتابة بواجبة، من شاء فعل ومن شاء لم يفعل، هذا قول: مالك، والثوري، والشافعي. وَلا بأس أن يكاتب المرء من لا حرفة لَهُ استدلالا بأن بريرة كوتبت

وَلا تعلم لها حرفة فلم ينكر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتابتها. وإذا كاتب المرء مملوكه وضع من كتابته شَيْئًا، لقول اللَّه جل ذكره: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] ، وإذا كاتب الرجل عبده كاتبه عَلَى مَا يجوز لَهُ أن يملك مما لَهُ عدد أو وزن أو كيل نجومًا معلومة معروفة من شهور العرب، ويصف مَا يكاتبه عليه كما يوصف ذَلِكَ فِي أبواب السلم يؤدي إليه كل نجم شيئا معلومًا عَلَى أنه حر إذا أدى ذَلِكَ إليه فِي النجوم التي ذكرها، فإذا أدى ذَلِكَ كَانَ حرا. وللمكاتب أن يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي ويتصرف فيما لَهُ فِيهِ الحظ والتوفير وينفق عَلَى نفسه، ويكتسي بالمعروف وليس لَهُ أن يتكفل بكفالة، وَلا يضمن ضمانًا، وليس لَهُ أن يسافر، وَلا ينكح إلا بإذن مولاه. وللسيد أن يبيع مكاتبه وليس للذي اشتراه أن يبطل كتابته إلا أن يعجز عن أداء نجم من النجوم، وإنما أجزنا بيع المكاتب لأن بريرة بيعت بعلم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت مكاتبة، فلم ينكر ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يعلم فِي شيء من الأخبار أنها كانت عجزت فأبطل كتابتها ثم بيعت، بل بيعت وهي مكاتبة، وإذا عجز المكاتب فلسيده أن يبطل كتابته ويرده فِي الرق بحضرة سلطان كَانَ ذَلِكَ أبو بغير حضرة سلطان، عجز مكاتب لابن عمر فرده مملوكا، وأمسك مَا أخذ منه. وللسيد أن يعجز مكاتبه عند أول نجم من نجومه يعجز عَنْهُ، والمكاتب عبد مَا بقي عليه درهم، فإذا مات المكاتب وخلف مالا أخذه سيده ولم يرثه ولده، لأنه مات عبدًا، وجناية المكاتب عليه يؤديها مع النجوم، وعليه فِي جنايته الأقل من قيمته يوم جنى الجناية، فإن قدر عَلَى أن يؤدي مَا وجب عليه بالجناية

مع النجوم إِلَى السيد أداها، فإن شاء أداها قبل الكتابة وله أن يؤدي الكتابة قبل الجناية، وإن عجز عن ذَلِكَ ولم يكن بيده مال ففيها قولان: أحدهما: أن يخير الحاكم السيد بين أن يتطوع أن يفديه بالأقل من أرش الجناية أو بقيمته، فإن لم يفعل بيع عليه، وأعطى أهل الجنايات مَا يجب لهم غير أنهم ليس لهم أكثر من ثمنه الذي بلغ. والقول الثاني: أن يخير السيد أن يفديه بما ذكرناه أو يسلم العبد إليهم. والجناية عَلَى المكاتب كالجناية عَلَى العبد يأخذه المكاتب ويستعين به فِي كتابته. وليس للوصي أن يكاتب عبدًا ليتيم، وليس للأب أن يكاتب عبيد أولاده الصغار.

كتاب المدبر

كتاب المدبر إذا قَالَ الرجل لعبده وهو صحيح أو مريض: أنت حر بعد موتي، أو أنت حر إذا مت. ولم يرجع عن ذَلِكَ حَتَّى مات فالعبد المدبر يخرج من ثلث ماله بعد قضاء دين إن كَانَ عليه، فالحرية تجب لَهُ بعد موت السيد لا أعلم فِي ذَلِكَ اختلافًا، وإذا قَالَ: أنت حر بعد موتي بشهر وهو يخرج من الثلث فهو كما قَالَ. وإذا قَالَ: إن مت من مرضي هذا أو فِي سفري هذا. فمات فِي مرضه أو فِي سفره فهو حر من الثلث أو كما قَالَ، فإن صح من مرضه أو قدم من سفره ثم مات لم يعتق، وَلا يعتق المدبر إلا بعد موت السيد إلا أن يعتقه السيد فيقع عليه العتق. وللمرء أن يبيع مدبره، وله أن يرجع فِيهِ بغير بيع لأن التدبير وصية، وله أن يرجع فِي وصاياه. 142 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: " أَعْتَقَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي؟»

فَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَا أَبْتَاعُهُ " يباع المدبر فِي حياة الرجل فِي دينه، وبعد وفاته إذا كَانَ عليه دين. وإذا كَانَ العبد بين رجلين فدبر أحدهما حصته فنصيبه مدبر وَلا قيمة عليه لشريكه، وَلا يجب أن يتقاوماه وشريكه الذي لم يدبر حصته إن شاء باع، وإن شاء وهب، وإن شاء أمسك. وإذا كَانَ العبد بين رجلين فدبر أحدهما حصته، وأعتق الآخر قوم عَلَى المعتق إن كَانَ موسرًا حصته الذي دبر، وإن كَانَ معسرًا عتق نصيبه ونصيب شريكه مدبر كما كَانَ. وللمرء أن يدبر مكاتبه، فإن مات السيد قبل أن يؤدي الكتابة عتق إذا خرج من الثلث وإن أدى المكاتب قبل موت السيد عتق بالكتابة، وله أن يكاتب مدبره. فإن مات السيد أعتق بالتدبير، وإن أدى الكتابة قبل وفاة السيد صار حرًا.

والأكثر من أهل العلم، يقولون: أولاد المدبرة بمنزلتها يعتقون بعتقها، ويرقون برقها، وروي هذا القول عن ابن عمر، وبه قَالَ مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي وعليه جملة أهل العلم فِي عامة البلدان، وللسيد أن يأخذ مال مدبره كما يأخذ أموال عبيده، وإذا مات عبد المدبر وَلا مال لَهُ غيره عتق ثلثه ورق ثلثاه.

كتاب أم الولد

كتاب أم الولد وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا اشترى جارية شراء صحيحًا، وأولدها، أن أحكامها أحكام الإماء فِي أكثر أمورها. واختلفوا فيما لسيدها من بيعها وإخراجها من ملكه بغير العتق فمنع من بيعها أمير المؤمنين عمر بن الْخَطَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ، وأوجب عتقها إذا مات السيد وقال بقول عمر مالك بن أنس، وأهل المدينة، وسفيان الثَّوْرِيّ، والحسن بن صالح،

والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وقد احتجوا بحجج قد أثبتها فِي غير هذا الكتاب. وأجمع أهل العلم عَلَى أن ولد أم الولد من سيدها حر، وقال أكثر أهل العلم: أولادها من غير السيد يعتقون بعتقها. وإذا تزوج رجل أمة قوم فأولدها، ثم اشتراها، لم تكن أم ولد يمنع من بيعها حَتَّى تحمل منه بعد أن ملكها، وتلد، والولد الذي يحكم لأمه إذا ولدته بحكم أمهات الأولاد أن تلد ولدًا تامًا، وتسقط سقطًا مخلقًا أو مَا يعلم يقينًا أنه خلق آدمي. وإذا أسلمت أم ولد النصراني حيل بينه وبينها، ويؤخذ بالنفقة عَلَيْهَا، وتعمل لَهُ مثل مَا يعمل مثلها، فإن أسلم خلي بينه وبينها، وإن مات قبل أن يسلم عتقت بموته.

وجناية أم الولد يضمن السيد الأقل من قيمتها أو الجناية، والجناية عَلَيْهَا كالجناية عَلَى سائر الإماء، وإذا أعتق الرجل أم ولده فِي مرضه، ومات، عتقت كَانَ لَهُ مال غيرها أو لم يكن فِي قول المدني، والشافعي، والكوفي.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد باب ذكر فضل الجهاد فِي سبيل اللَّه 143 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ بِاللَّهِ» . قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ أَوْ عُمْرَةٌ» . وَثَبَتَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَغُدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَثَبَتَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ الَّذِي

لا يَفْتُرُ عَنْ صِيَامٍ وَلا صَلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ» . وَقَالَ: «لا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا» . وَقَالَ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى

باب ذكر فضل الخروج في السرايا وفضل الشهادة وفضل الحرس في سبيل الله وفضل الرباط

النَّارِ» . وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» باب ذكر فضل الخروج فِي السرايا وفضل الشهادة وفضل الحرس فِي سبيل اللَّه وفضل الرباط 144 - نا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ

سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ذَكْوَانَ أَبَا صَالِحٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَحْبَبْتُ أَنْ لا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو أَوْ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنْ لا أَجِدُ سِعَةً فَأَحْمِلُهُمْ، وَلا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ مَعِي وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، فَلَوَدَدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ» . وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ يُعْقَرَ جَوَادُكَ وَيُهْرَاقَ دَمُكَ» . رُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: فَأَيُّ الْقَتْلِ أَشْرَفُ؟ قَالَ: «مَنْ أُهْرِيقَ دَمُهُ وَعُقِرَ جَوَادُهُ» . وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

باب ذكر فضل ارتباط الخيل في سبيل الله وما في ذلك من البركة في العاجل والأجر والثواب في الآجل

وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِي مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ» . وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «حَرَسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةِ صِيَامٌ نَهَارُهَا وَقِيَامٌ لَيْلُهَا» . وَرُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ حَارِسَ الْحَرَسِ» باب ذكر فضل ارتباط الخيل فِي سبيل اللَّه وما فِي ذَلِكَ من البركة فِي العاجل والأجر والثواب فِي الآجل قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] .

باب ذكر فضيلة الرمي وإعداد القوة لمحاربة العدو

145 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» . وَرُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ كَانَ شِبَعُهُ، وَرِيُّهُ، وَبَوْلُهُ، وَرَوْثُهُ حَسَنَاتٍ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " باب ذكر فضيلة الرمي وإعداد القوة لمحاربة العدو 146 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ أُسَامَةَ، أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ، حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، إِنَّ الأَرْضَ سَتُفْتَحُ لَكُمْ وَتُكْفُوا الْمُؤْنَةَ فَلا يَعْجَزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَلْهُوَ بِأَسْهُمِهِ» ومر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفر يرمون، فَقَالَ: «رميا بني إِسْمَاعِيل فإن أباكم كَانَ راميا» . وروينا عَنْهُ، أنه قَالَ: " ليس من اللهو إلا ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته امرأته، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرمي بعد مَا علمه، فإنها نعمة كفرها، أو قَالَ: كفر بها ". وروينا عَنْهُ، أنه قَالَ: «من رمى العدو بسهم فبلغ سهمه أخطأ أو أصاب كَانَ

باب ذكر آداب الأسفار

كعدل رقبة» . باب ذكر آداب الأسفار 147 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: «لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ سَفَرٍ لِجِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ إِلا يَوْمَ الْخَمِيسِ» ويستحب أن يبكر بالخروج إِلَى الغزو، للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «اللهم بارك لأمتي فِي بكورها» . ويستحب أن يتزود المرء للسفر اتباعا لأمر اللَّه واقتداء برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ اللَّه تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] . و «زود رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناسًا خرجوا جرابًا من تمر» . وقالت عائشة فِي خروج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر حين أذن اللَّه لنبيه عليه السلام فِي الخروج من مكة: «فجهزناهما أحسن الجهاز، فصنعنا لهما سفرة فِي جراب» .

ويستحب أن يودع المسلم أخاه، ويقول كما قَالَ ابن عمر لقزعة: تعال أودعك كما ودعني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتم عملك» . وروينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أخذ بيد رجل أراد سفرًا، فَقَالَ لَهُ: «فِي حفظ اللَّه وكنفه، زودك اللَّه التقوى وغفر ذنبك ووجهك فِي الخير أين مَا توجهت» .

ويستحب للخارج إِلَى السفر أن يقول مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقوله إذا سافر: «اللهم أنت الصاحب فِي السفر والخليفة فِي الأهل، اللهم اصحبنا فِي سفرنا واخلفنا فِي أهلنا، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، ومن الحور بعد الكور، ودعوة المظلوم وسوء المنظر فِي الأهل والمال» . ويستحب للمرء أن يقول عند خروجه من بيته: «بسم اللَّه لا حول وَلا قوة إلا بالله التكلان عَلَى اللَّه» . وروينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ يقوله إذا خرج من بيته. ويستحب أن يقول إذا استوى عَلَى بعيره خارجًا إِلَى سفره مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله، كَانَ يكبر ثلاثا، ثم يقول: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا لَهُ مقرنين، وإنا إِلَى ربنا منقلبون، اللهم إنا نسألك البر والتقوى والعمل بما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا واطو عنا بعده» . ويستحب الرفق بالدواب، ويستحب الدلجة لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل» . ويكره التعريس عَلَى جراد الطريق لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنها مأوى الهوام بالليل» .

ويستحب أن يقال مَا روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إذا غزا أو سافر فأدركه الليل، يقول: «يَا أرض ربي وربك اللَّه، أعوذ بالله من شرك وشر مَا فيك، وشر مَا دب عليك، أعوذ بالله من كل أسد وأسود حية وعقرب ومن شر ساكن البلد، ومن شر والد وما ولد» . ويستحب إذا بدا لَهُ الفجر فِي السفر، أن يقول: «سمع سامع بحمد اللَّه وبنعمته وبحسن بلائه، ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذا بالله من النار» . بلغنا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقول ذَلِكَ ثلاث مرات يرفع بها صوته. ويستحب أن يقول مَا روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كَانَ يقول إذا صعد أكمة أو

نشزا من الأرض: «اللهم لك الشرف عَلَى كل شرف، ولك الحمد عَلَى كل حال» . ويستحب أن يقول المرء عند رؤية القرى اللواتي يريد المسافر دخولها مَا ذكر، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم ير قرية يريد دخولها إلا قَالَ حين يراها: «اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير مَا فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر مَا فيها» . وكان يقول: " إذا نزل أحدكم منزلا فليقل: أعوذ بكلمات اللَّه التامات من شر مَا خلق، فإنه لا يضره شيء حَتَّى يرتحل منه ". ويستحب إذا نزل منزلا أن لا يرتحل منه حَتَّى يصلي ركعتين لحديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ لا ينزل منزلا فيرتحل منه حَتَّى يودعه بركعتين» ،

باب ذكر فرض الجهاد

ويكره لعن الدواب لحديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لرجل لعن بعيره: «لا تسر معنا عَلَى بعير ملعون» . ويكره ضرب الدواب عَلَى الوجوه «لنهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الضرب فِي الوجه، وعن الوسم فِي الوجه» . فِي نهيه عن الضرب عَلَى الوجه مع ضربه البعير الذي كَانَ عليه جابر دليل عَلَى إباحة ضرب الدواب عَلَى غير الوجه. باب ذكر فرض الجهاد بعث اللَّه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الناس جميعا أهل الكتاب وسائر المشركين، فَقَالَ جل ثناؤه: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [إِلَى قوله: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ سورة الأعراف: 158] ، وجاء الحديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل معنى كتاب اللَّه عز وجل. 148 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلُّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ يُرْعَبُ الْعَدُوُّ مِنِّي عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَقِيلَ لِي سَلْ تُعْطَ فَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أقام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة مرة يدعو إِلَى اللَّه وإلى الإيمان به، وينهي عن الشرك ولم يؤمر فِي ذَلِكَ بقتال، بل أمره اللَّه جل ذكره بأن يعرض عنهم، فَقَالَ: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106] ، وقال: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] ، فأتى بأمره لما أذن لهم فِي القتال فنزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] . قَالَ ابن عباس: فهي أول آية نزلت فِي القتال، وأوجب عليهم الخروج من مكة، وأمرهم أن يهجروا دار الشرك، واستثنى منهم مستضعفين {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [النساء: 98] ، يقول مخرجًا {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] ، قيل: طريقا إِلَى المدينة فعذر هؤلاء. وقال فِي الذين تخلفوا ممن لا عذر لهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [النساء: 97] ، وقد بينت هذا فِي مختصر كتاب الجهاد بتمامه.

وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] ، قيل: شديد عليكم. وقال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} [التوبة: 5] . وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أمرت أن أقاتل الناس حَتَّى يقولوا لا إله إلا اللَّه» . 149 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ» فكأن ظاهر الآية أن الأمر بقتال المشركين وقتلهم عامة فدل قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، عَلَى مراد اللَّه، وأنه إنما أراد قتال أهل الشرك من أهل الأوثان وغيرهم دون من أعطى الجزية من أهل الكتاب. ودل خبر ابن عباس، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» . عَلَى أن الهجرة إنما كانت واجبة إِلَى أن فتح اللَّه

باب ذكر فرض القتال ومن يلزمه الحضور ومن له عذر له أن يتخلف من أجله

جل ذكره مكة. باب ذكر فرض القتال ومن يلزمه الحضور ومن لَهُ عذر لَهُ أن يتخلف من أجله قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] . فاحتمل أن يكون ذَلِكَ مفروضا عَلَى الجميع كالصلاة، والصوم، واحتمل أن يكون ذَلِكَ مفروضا عَلَى الكفاية، فإذا قام بثغور المسلمين من فِيهِ الكفاية سقط الإثم عن المتخلفين، فدل قوله: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ، عَلَى سقوط الإثم عن المتخلف إذا قام بالعدو من فِيهِ الكفاية، لأنه لما وعد المتخلف عن الجهاد، لقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] ، دل عَلَى أنه غير حرج، ودل قوله: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] ، عَلَى مثال هذا المعنى مع أنا لا نعلم لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة خرج فيها إلا وقد تخلف عَنْهُ فيها رجال، وتخلف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن سرايا أخرجها، ففي تخلفه عن الخروج مع السرايا مع قوله فِي خبر أبي سعيد الخدري: «لينبعث من كل رجلين رجل والأجر بينهما» . دليل عَلَى مَا قلناه. وللرجل أن يتخلف عن الجهاد من أجل والديه لحديث عبد الله بن عمرو:

150 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، نا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ. قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ ، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " وذلك مَا لم يقع النفير، فإذا وقع النفير فليس لأحد أن يتخلف لحديث أبي قتادة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث جيش الأمراء واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال فِي آخر الحديث: «أيها الناس اخرجوا فأمدوا إخوانكم وَلا يتخلف

أحد» . ولمن عليه دين أن يتخلف عن الغزو من أجل الدين الذي عليه استدلالا بقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للرجل، الذي قَالَ لَهُ: إن قتلت فِي سبيل اللَّه صابرًا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر اللَّه عني خطاياي؟ قَالَ: «نعم إلا الدين كذلك قَالَ لي جبريل عليه السلام» . وللمريض أن يتخلف عن الغزو، والزمن، كذلك يقال: إن قوله تعالى: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ، نزل فِي ابن أم مكتوم، وليس للعبد أن يغزو إلا بإذن سيده.

باب الأمر بطاعة الأمراء

باب الأمر بطاعة الأمراء قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ، فكان أبو هُرَيْرَة، يقول فِي قوله: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] : هم الأمراء، وقال ابن عباس: نزلت فِي عبد الله بن حذافة السهمي بعثه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سرية، وروينا عن جابر، أنه قَالَ: هم الفقهاء. 151 - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ

اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» فطاعة الأئمة تجب مَا لم تكن معصية استدلالا بخبر ابن عمر، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «السمع والطاعة عَلَى المرء المسلم فيما أحب وكره مَا لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع وَلا طاعة» . وإنما تجب طاعتهم فيما أطاقه المرء واستطاعه، لأن جرير بن عبد الله، قَالَ: بايعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «علام تبايعني» . فقلت: عَلَى السمع والطاعة فلقنني: فيما استطعت والنصح لكل مسلم.

باب الأفعال التي يستحب أن يفعلها الأئمة قبل القتال

للإمام أن يؤمر عَلَى الأحرار مملوك إذا كَانَ موضعا لذلك، ثم يجب عَلَى الفور طاعته، لأن أبا ذر، قَالَ: «وصاني النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أسمع وأطيع، ولو لعبد مجدع الأطراف» . ويستحب للإمام أن يرفق برعيته لحديث عائشة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق قلبه بهم فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه» . باب الأفعال التي يستحب أن يفعلها الأئمة قبل القتال يستحب للإمام أن يبعث بين يدي جيوشه إذا دخل أرض العدو العيون والطلائع ليتعرف أخبار العدو استنانا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بعث عام الحديبية بين يديه عينا لَهُ من خزاعة يخبره عن قريش.

152 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟» قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟» قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ» . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْقِدَ الإِمَامُ الأَلْوِيَةَ لِيَجْتَمِعَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى رَايَةٍ أَوْ لِوَاءٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ طَلَبُهُمْ عِنْدَ حَاجَتِهِ إِلَيْهِمْ، يُقَالُ: إِنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً

مِنْ نَمِرَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُشَاوِرَ الإِمَامُ أَصْحَابَهُ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ عَدُوِّهِمْ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَهُمْ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ بَدْرٍ، وَاسْتَشَارَهُمْ فِي أَمْرِ الأُسَارَى، وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَتَأَدَّبَ بِهِ أَهْلُ الإِسْلامِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] ، قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ إِلَيْهِمْ حَاجَةٌ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُبَايِعَ أَصْحَابَهُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ جَابِرٌ: بَايَعْنَاهُ وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ سَمُرَةٌ، بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ ويستحب للإمام أن ينزل الناس منازلهم ويجعل لهم مصاف، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] ، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قصة الفتح: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جعل خالد بن الوليد عَلَى المجنبة اليمنى، وجعل الزبير بن العوام عَلَى المجنبة اليسرى، واستعمل أبا عبيدة عَلَى البياذقة فِي بطن الوادي» . ويكره تمني لقاء العدو لحديث ابن أبي أوفى، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا فإن الجنة تحت ظلال السيوف» . ويستحب أن يدعو الإمام إذا خاف قومًا، ويقول مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقوله إذا خاف قومًا: «اللهم إني أجعلك فِي نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم» . ودعا عَلَى الأحزاب، فَقَالَ: «اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم

الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم» . ويستحب للإمام إذا لم يقاتل أول النهار أن يؤخر القتال إِلَى أن تزول الشمس وتهب الرياح، وينزل النصر لحديث النعمان بن مقرن، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ يفعل ذَلِكَ.

باب ذكر دعاء المشركين إلى الإسلام

باب ذكر دعاء المشركين إِلَى الإسلام 153 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: " كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنْ دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، وَقَدْ أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى الْمَاءَ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيهِمْ ". وَكَانَتْ جُوَيْرِيَةُ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ، أَخْبَرَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّهُ شَهِدَ ذَلِكَ إذا قاتل الإمام من لم تبلغه الدعوة بدأ قبل القتال فدعاهم إِلَى الإسلام، وليس عليه أن يعيد الدعاء عَلَى من قد بلغته الدعوة. ويستحب أن يستأذن المبارز الإمام إذا أراد البراز، وَلا يحرم عليه أن يبارز أو يدعو إِلَى البراز بغير إذنه لأن أبا قتادة بارز رجلا يوم حنين، وَلا نعلم أنه استأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ.

ويكره للقوم ترك مصافهم فِي الحرب لغير ضرورة، ونزلت هذه الآية: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152] ، فِي الرماة أصحاب عبد الله بن جبير لما تركوا المكان الذي أقامهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ. وللإمام أن يأمر بقتال المشرك الذي لا عهد بينه وبينه غرة وخداعًا، استدلالا بقتل الذين قتلوا كعب بن الأشرف بإذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وللمحرم أن يقاتل إذا قوتل لقول

باب من يجوز قتله من المشركين ومن يجب الوقوف عن قتله

أبي بكر: يَا نبي اللَّه، إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكنه من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، وقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فروحوا إذا» . وذلك زمن الحديبية. باب من يجوز قتله من المشركين ومن يجب الوقوف عن قتله قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] . قد ذكرنا فيما مضى، أن الوقوف عن قتال أهل الكتاب يجب إذًا، إذا أدوا الجزية، استدلالا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ إِلَى قوله: وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . ويجب الوقوف عن قتل الرسل استدلالا بخبر ابن مسعود: 154 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكِيرٍ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: نا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِذْ جَاءَهُ ابْنُ النَّوَّاحَةِ رَسُولا مِنْ

مُسَيْلَمَةَ قَدْ بَعَثَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَابْنُ وَابِزٍ: وَقَالَ: فَكَلَّمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمَا: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» . فَقَالا لَهُ: اشْهَدْ أَنْتَ أَنَّ مُسَيْلَمَةَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُمَا: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ كُنْتُ قَاتِلا رَسُولا لَقَتَلْتُكُمَا»

ومما يجب أن يستثنى من ظاهر الآية، ويوقف عن قتله النساء والصبيان لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، للذي قَالَ لَهُ: الحق خالدًا فلا يقتلن ذرية وَلا عسيفًا. ولحديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى فِي بعض مغازيه امرأة مقتولة «فنهى عن قتل النساء والصبيان» . وذلك إذا لم تقاتل الْمَرْأَة، فإن قاتلت قوتلت استدلالا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما وقف عَلَى الْمَرْأَة المقتولة: «مَا كانت هذه تقاتل» . فدل ذَلِكَ عَلَى أنها لو كانت تقاتل لجاز قتلها.

وإنما نهى عن قتلهم أن يقصد قصدهم بالقتل لا من يغتاب منهم من البيات، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أباح البيات عَلَى الدار وسئل عن ذراري المشركين يصابون فِي البيات، فَقَالَ: «هم منهم» . دل عَلَى أن لا مأثم عَلَى من أصاب منهم فِي البيات امرأة أو صبيا. وَلا أعلم حجة قاطعة يجب بها الامتناع من قتل الرهبان والشيوخ والمرضى من ظاهر الكتاب، وكان مالك، والليث بن سعد، وجماعة يرون الوقوف عن قتل الرهبان لخبر أبي بكر الصديق ونهيه عن ذَلِكَ، «ويجب عَلَى ولاة السرايا إذا طرقوا قومًا وسمعوا

أذانًا أن يمسكوا عن قتالهم، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سن ذَلِكَ» . وللإمام أن يحاصر الحصون استدلالا، بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حاصر أهل الطائف» ، وله أن

ينصب عليهم المجانيق والعرادات، ويرميهم بالحجارة والنشاب وبالنيران والعقارب والحيات، وكلما نكوهم به ويشقوا عليهم الْمَاء ليرحلوهم فِيهِ ويفرقوهم، ولهم أن يخربوا العامر ويقطعوا الأشجار المثمرة وغير ذَلِكَ، وَلا يقفوا عن ذَلِكَ استدلالا بقول اللَّه جل ذكره: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5] . ولأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حرق نخل بني النضير وقطع» . واللينة: ألوان النخل إلا العجوة، قَالَ مجاهد: فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعها، وبتحديد من قطعها عن الإثم وإنما قطعها وتركها بإذنه. ويحرم أن يبدأ فيمثل بالكفار «لنهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المثلة» ، ومباح أن يمثل بمن مثل منهم، استدلالا بقوله تعالى: {وَإِنْ

عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . ولما أباح القصاص فِي كتابه دل عَلَى أن المثلة التي نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها أن يبتدئ المرء فيفعل مَا ليس لَهُ أن يفعله إلا أن يأتي مَا أبيح لَهُ فِي القصاص. وَلا يحل صبر ذي الروح من بني آدم والبهائم والطيور «لنهي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صبر البهيمة» ، ولقوله: «لا تتخذوا شيئا فِيهِ الروح غرضا» . وَلا يحل تحريق

باب ذكر التغليظ في الفرار من الزحف

النحل وَلا تفريقه، وَلا يجوز عقر البهيمة إلا لأكل استدلالا بقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله اللَّه عن قتله ". قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وما حقها. قَالَ: أن يذبحها فيأكلها كلها وَلا يقطع رأسها فيرمي به ". باب ذكر التغليظ فِي الفرار من الزحف قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] ، وقال جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] . 155 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: الْمُعَلَّى بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْكَبَائِرُ سَبْعٌ أَوَّلُهُنَّ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا، وَفِرَارٌ مِنَ الزَّحْفِ، وَرَمْيُ الْمُحْصَنَاتِ، وَانْقِلابٌ إِلَى الأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَةٍ "

وإذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدو لم يحل لهم الانصراف عنهم مولين إلا متحرفين لقتال أو متحيزين إِلَى فئة. وإن كَانَ العدو أكثر من ضعفيهم فالأعلى والأفضل لهم الصبر عليهم، فإن ولوا عنهم فِي هذه الحال فلا مأثم عليهم، لقوله جل ذكره: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] . قَالَ ابن عباس: فرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة وَلا قوم من عشرة أمثالهم، فجهد الناس ذَلِكَ، وشق عليهم، فنزلت الآية الأخرى {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] ، إِلَى قوله: {أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 66] ، فرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين وَلا قوم من مثليهم، ونقص من النصر بقدر مَا خفف من العدد. وقوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] ، إِلَى قوله: {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] ، معناه: إن لم يعف عَنْهُ، يدل عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] ، ويدل عَلَى مثل ذَلِكَ قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [آل عمران: 155] ، إِلَى قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 155] . وقد روي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " ومن قَالَ: أستغفر اللَّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه، وإن كَانَ فارا من الزحف ".

باب الجزية

باب الجزية قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ إِلَى قوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ التوبة آية 29} . 156 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَنَزِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرَ» فأخذ الجزية يجب من عرب أهل الكتاب وعجمهم لدخولهم فِي جملة الآية، ويجب أخذ الجزية من المجوس لحديث عبد الرحمن بن عوف، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» . ولأني لا أعلمهم اختلفوا فِي أن أخذ الجزية

يجب إذا أدوها، وَلا يجوز أخذ الجزية من الصابئين. وأعلى مَا جاءنا فِي السامرة، قول عمر بن الْخَطَّابِ: «هم طائفة من أهل الكتاب» . فأما سائر المشركين سوى اليهود، والنصارى، والمجوس من عبدة النيران والأوثان، وسائر أهل الشرك، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل، وأما نصارى بني تغلب فقد جاءت الأخبار عن عمر بأنه ضعف عليهم الصدقة، وتركهم لما خوف من أمرهم، ولما قطعوا الفرات فصالحهم واشترط عليهم فيما صالحهم عليه أن لا ينصروا أبناءهم، فقد قيل إنهم نقضوا الصلح، فَقَالَ قائل: يجب قتالهم كما يجب قتال سائر أهل الأوثان. واحتج: بأن عليا كَانَ يكره ذبائح نصارى بني تغلب، ويقول: «إنهم لا يتمسكون من

النصرانية إلا بشرب الخمر» . ودل خبر معاذ بن جبل عَلَى أن لا جزية عَلَى غير البالغ وَلا عَلَى النساء. وثبت أن عمر بن الْخَطَّابِ كتب إِلَى أمراء الأجناد أن لا يضربوا الجزية إلا عَلَى من جرت عليه المواسي، وَلا تضرب الجزية عَلَى النساء والصبيان. وَلا جزية عَلَى مغلوب عَلَى عقله، وتؤخذ الجزية من الشيخ الفاني، ومن الزمن، وكل من أحفظ عَنْهُ من أهل العلم يرى أن لا جزية عَلَى العبيد، وحكم المكاتب والمدبر كحكم العبد، وَلا جزية عَلَى الفقير الذي لا يجد مَا يؤدي منه الجزية، وليس عَلَى من أسلم قبل أن يحول الحول جزية، وإذا وجبت الجزية عَلَى رجل من أهل الكتاب بحول الحول لم يسقط عَنْهُ مَا قد وجب عليه، وإذا بذل أهل الكتاب من الابتداء دينارًا عن كل رأس وجب قبول ذَلِكَ منه. ومن قد صولح عَلَى أكثر من ذَلِكَ وجب أخذ مَا صولح عليه منه، وله أن يأخذ مكان الجزية التي وجبت عليه عرضًا من العروض، لقوله: دينارا أو عدله معافر. وقضى عمر بن الْخَطَّابِ عَلَى أهل الذمة ضيافة ثلاثة أيام، وعلف دوابهم، وما يصلحهم وذلك واجب عليهم عَلَى مَا صولحوا عليه، وَلا يجوز أن تؤخذ منهم أثمان الخمر، والخنازير.

وينبغي للإمام أن يأمر بالرفق بأهل الذمة، وينهى عن تعذيبهم لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن اللَّه يعذب الذين يعذبون الناس فِي الدُّنْيَا» . ويقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير» . ويؤخذ أهل الذمة بما كتب به عمر بن الْخَطَّابِ رضي اللَّه عَنْهُ إِلَى أمراء الأجناد: كتب أن يختموا فِي رقاب أهل الجزية بالرصاص، ويصلحوا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا عَلَى الأكف عرضًا، وَلا يدعوهم يتشبهون بالمسلمين فِي ركوبهم، وأن يربطوا الكستيجات فِي

أوساطهم ليعرف زيهم من زي أهل الإسلام، ويمنعوا من إظهار الصليب، وضرب النواقيس فِي بلاد الإسلام. وَلا يجوز أن يصالح الإمام أحدًا من أهل الذمة عَلَى سكنى الحجاز، وإذا مر الذمي بالحجاز لم يجز أن يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث. وليس عَلَى أهل الذمة فِي شيء من أموالهم صدقة إلا مَا ذكر من أمر بني تغلب. وكل قرية افتتحت عنوة فعلى الإمام قسم جميعها كما فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر، وسواء قليل أموال المشركين وكثيره من أرض أو دار أو غير ذَلِكَ يجب

قسمه عَلَى مَا فِي { [الأنفال كقسم الدنانير والدراهم، ويقال: إن عمر استطاب أنفس القوم لما أوقف السواد، والأخبار فِيهِ عن عمر مختلفة.

باب ذكر الغلول وتعظيم أمره

باب ذكر الغلول وتعظيم أمره قَالَ اللَّه جل ذكره:] وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة آل عمران: 161] . 157 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ سَالِمٍ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالأَمْوَالَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضُبَيْبٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي غَلَّهَا يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لِتَشْتَعِلَ عَلَيْهِ نَارًا» . فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا يُعَاقَبُ بِهِ الْغَالُّ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ،

وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُحَرَّقُ رَحْلُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ لا يُعَاقَبُ النَّاسُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَرَأَى اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ ويجب عَلَى الغال رد مَا غل إِلَى صاحب المقسم، فإن فات أعطى الإمام خمسه وتصدق بالباقي. والطعام فِي بلاد الحرب مباح من شاء أخذ منه حاجته، لأنه خارج من أبواب الغلول، داخل فِي مَا أبيح تدل عليه السنن. وعلف الدواب مثله، وليس

لأحد أن يبيع من ذَلِكَ شيئا، فإن باع منه شيئا دفع قيمته إِلَى صاحب المقسم وما كَانَ من بعد ذَلِكَ من حبل أو جراب أو سقي أو نعل أو ظرف أو غيره فهو محظور، لا رخصة فِي شيء من ذَلِكَ غير الطعام «لأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برد الخيط والمخيط» .

باب ذكر قسم خمس الغنيمة

وإذا اضطر رجل إِلَى ركوب دابة من دواب العدو يستعملها فِي معمعة الحروب أو شيء من السلاح فله استعماله مَا دام الحرب قائما، لأن ذَلِكَ حال ضرورة، ولأني لا أعلم فِي ذَلِكَ اختلافا، وإذا وجد رجل ركازا فِي دار الحرب فِي موات أراضيهم فهو لواجده، ويؤدي الخمس إِلَى الإمام. باب ذكر قسم خمس الغنيمة قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، فقوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، لله مفتاح كلام لأن لله الدُّنْيَا والآخرة يدل عَلَى صحة ذَلِكَ قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» فقد خص اللَّه نبيه بأن جعل لَهُ خمس الخمس من الغنائم، وخص بالصفي يختار من الغنيمة فرسا أو عبدا أو دابة أو مَا شاء منه، وجعل لَهُ سهمًا فِي الغنيمة كسهم رجل ممن حضر الوقعة حضرها أو لم يحضرها. واختلف فيما يجب أن يفعل فِي سهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته، فَقَالَ بعضهم: يرد عَلَى الذين كانوا مَعَهُ فِي الخمس وهم: ذوو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، فيقسم بينهم: رباعا، وهذا أحب مَا قيل فِيهِ إلي والله أعلم. فأما سهم ذي القربى فإنه يقسم بين بني هاشم، وبني المطلب عَلَى حديث جبير بن مطعم،

قَالَ: نا يحيى، قَالَ: نا مسدد، قَالَ: لما كَانَ يوم خيبر وضع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم ذوي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس، فانطلقت أنا، وعثمان بن عَفَّانَ حَتَّى أتينا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك اللَّه به منهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنا وبنو المطلب لا نفترق فِي جاهلية وَلا إسلام، إنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه» .

باب السلب والنفل

فسهم ذوي القربى ثابت لهم بكتاب اللَّه وسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يجوز إبطال ذَلِكَ بوجه بل لا سبيل إِلَى العدل عن ظاهر الكتاب والسنة، ويعطى الذكر منهم كما تعطى الأنثى، لأنهم أعطوا باسم القرابة، وهذا خارج عن أبواب المواريث، لأنهم أعطوا باسم القرابة كما يعطى المساكين باسم المسكنة. وَلا فرق بين ذكرهم وأنثاهم ويعطى الغني منهم والفقير، لأن القرآن عَلَى ظاهره لم يستثن منهم غنيًا دون فقير. باب السلب والنفل قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، ففي ترك رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخمس السلب دليل عَلَى أن المراد من قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، بعض الغنيمة لا الجميع. 159 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ

يُخَمِّسِ السَّلَبَ» فيجب أن يبدأ من جملة الغنيمة فيعطى القاتل السلب للثابت عن أبي قتادة، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من قتل قتيلا لَهُ عليه بينة فله سلبه» . فالسلب يجب أن يعطى كل قاتل قتل كافرا فِي الحرب وغير الحرب فِي الإقبال والإدبار، هاربا كَانَ المقتول أو مدبرا لأصحابه عَلَى الوجوه كلها، وقد كَانَ سلمة بن الأكوع قتل قتيلا هاربا موليا فِي غير الحرب فحكم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بسلبه،

وسواء أذن الإمام فِي ذَلِكَ أو لم يأذن فِيهِ، وسواء قليل السلب وكثيره. فإذا ضرب رجل رجلا من المشركين فأزمنه وأتى آخر فأجهز عليه حكم بالسلب للذي أزمنه، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح» ، وقد كَانَ أزمنه وأجهز عليه ابن مسعود بعد ذَلِكَ.

والسلب الذي يستحقه القاتل: منطقته وسيفه ودرعه، وإسواريه وبيضته وساعداه وساقاه، ورايته وفرسه الذي هو عليه بسرجه ولجامه. وللإمام أن ينفل السرية فِي البداءة الربع بعد الخمس وفي القفول الثلث بعد الخمس فِي حديث حبيب بن مسلمة، عَنِ

باب قسم أربعة أخماس الغنيمة

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. باب قسم أربعة أخماس الغنيمة قَالَ اللَّه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، فأعلم اللَّه فِي كتابه من يستحق خمس الغنيمة، ودل قسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مقدار مَا يستحقه الفارس والراجل منه. 160 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْهَمَ لِرَجُلٍ وَلِفَرَسِهِ ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ: لِلرَّجُلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ ".

وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّاجِلِ سَهْمًا لا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ بِأَفْرَاسٍ لَمْ يُعْطَ لأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍّ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ سَهْمُ الْفَارِسِ، وَالْبَرَاذِينُ، وَالْمَقَارِفُ يُسْهَمُ لَهَا سَهْمَانِ الْخَيْلِ، لأَنَّ اسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا. وَإِذَا كَانَ مَعَ غَزَاةِ الْبَحْرِ خَيْلٌ أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ مِنْهُمْ سَهْمُ الْفَارِسِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ فَارِسًا أُسْهِمَ لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَ ذَلِكَ رَاجِلا. وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْوَقْعَةَ وَغَنِمُوا الْغَنَائِمَ وَحَازُوهَا ثُمَّ مَاتَ رَجُلٌ فَلَهُ سَهْمُهُ يُوَرَّثُ فِيهِ وَرَثَتُهُ، وَإِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ مَرِيضًا أَوْ كَانَ صَحِيحًا أَوْ تَاجِرًا مِمَّنْ يُقَاتِلُ أَوْ لا يُقَاتِلُ فَلَهُ سَهْمُ الْمُقَاتِلِ كتب عمر بن الْخَطَّابِ إِلَى عمار بن ياسر: «أن الغنيمة لمن شهد الوقعة» . وللأجير سهمه إذا حضر القتال استدلالا بخبر سلمة بن الأكوع، ذكر: أنه «كَانَ

تبيعا لطلحة، وأن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاه سهم الفارس والراجل» . وإذا حضر العبيد، وغير البالغين، والنساء القتال وغنموا لم يسهم لأحد منهم وأرضخ لهم. وَلا أحب أن يستعان بالمشركين فإن استعان بهم إمام أرضخ لهم. روينا عن أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار يسقين الْمَاء ويداوين الجرحى» . فإذا غلب العدو عَلَى مال المسلم فأخذه المسلمون منهم فصاحبه أحق به قبل القسم وبعده. وَلا يجوز نقل ملك مال المسلم عن ماله إلا بحجة وَلا نعلم حجة توجب ذَلِكَ بل خبر عمران بن حصين يدل عَلَى مَا قلناه، لأن الأنصارية أخذت ناقة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العدو ونذرت إن اللَّه نجاها عَلَيْهَا أن تنحرها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا وفاء لنذر فِي معصية اللَّه، وَلا فيما لا يملك ابن آدم» . وإنما أخذت الناقة منهم بعد مَا أحرزوها، فدل عَلَى أن المشركين لا يملكون عَلَى المسلمين شيئا.

باب الحكم في رقاب أهل العنوة من الأسر أو الفداء أو القتل

وللإمام أن يقسم الغنائم فِي دار الحرب استدلالا بقسم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خيبر للفرس سهمين ولصاحبه سهم، وإن شاء الإمام أخر ذَلِكَ إِلَى أن يخرج من بلاد الحرب هو فِي ذَلِكَ بالخيار. باب الحكم فِي رقاب أهل العنوة من الأسر أو الفداء أو القتل قَالَ اللَّه جل ذكره: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [مُحَمَّد: 4] . 161 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: نا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ

بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الأَسْرَى إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ عِدَّتُهُمْ مِنْهُمْ. قَالُوا: الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنْهَا عِدَّتُهُمْ ". وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَسْرَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» . فَدَلَّ هَذَانَ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ الْخِيَارَ

باب ذكر وجوب فكاك الأسرى من أيدي المشركين

بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ الأَسْرَى أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ وَيُطْلِقَهُمْ، فَالإِمَامُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَى بَعْضٍ وَقَتَلَ بَعْضًا، وَفَادَى بِبَعْضٍ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إِلا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ دِينِ اللَّهِ وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ، وَقَتْلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٌ باب ذكر وجوب فكاك الأسرى من أيدي المشركين 162 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» . قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي: الأَسِيرُ روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفكوا عانيهم بالمعروف، وإصلاح بين المسلمين» ، وقد ثبت، أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فادى برجل من العدو رجلين من المسلمين» .

وقال ابن عباس: دخلت عَلَى عمر حين طعن، فمسعته يقول: واعلموا أن كل أسير من أسرى المسلمين أن فكاكه من بيت مال المسلمين. وسئل مالك بن أنس: أواجب عَلَى المسلمين افتداء من أسر منهم؟ قَالَ: نعم أليس واجب عليهم أن يقاتلوا عنهم حَتَّى يستنقذوهم؟ فقيل: بلى. فَقَالَ: فكيف لا يفتدوهم بأموالهم. وإذا دخل رجل بلاد العدو فاشترى أسيرا من أيديهم فهو متطوع لا يرجع عَلَى الأسير بشيء، لأنا لا نعلم حجة توجب ذَلِكَ، فإن أمره الأسير أن يفديه بشيء معلوم ففداه بما أمره به رجع به عَلَى الأسير، وإن اختلف هو والأسير، فَقَالَ: أمرتني أن أفديك. وقال: لم آمرك، فالقول قول الأسير مع يمينه، وإذا خرج رقيق أهل الحرب إِلَى دار الإسلام فهم أحرار، «أعتق رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين» . وكل من أحفظ عَنْهُ من أهل العلم أن التفريق بين الولد وأمه والولد طفل غير جائز، وممن قَالَ ذَلِكَ: مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأصحاب الرأي، ومن تبعهم. فأما غير من ذكرناه من الإخوة وسائر القرابات فلا نعلم حجة توجب المنع من التفريق بينهم.

باب الأمان

باب الأمان 163 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كتاب شَيْءٌ إِلا كتاب اللَّهِ وَشَيْءٌ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرَفٌ وَلا عَدْلٌ» روينا عن أبي عبيدة بني الجراح، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يجير عَلَى المسلمين بعضهم» . أجمع أهل العلم عَلَى أن أمان والي الجيش والرجل الحر الذي يقاتل جائز عَلَى جميعهم، ودل ظاهر قوله: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» . عَلَى أن

أمان العبد جائز وكذلك الْمَرْأَة، لأن أم هانئ أجارت رجلين، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قد أجرنا من أجرت» . وَلا يجوز أمان الذمي وَلا الصبي، وأمان الأجير جائز، وإذا أشار الرجل بالأمان فهو جائز وبأي لغة أمن الرجل لزم أمانه، قَالَ عمر: إذا

قَالَ: مترس أو لا تذهل. فقد آمنه لأن اللَّه يعلم الألسنة. وإذا أسلم الرجل فِي دار الحرب أحرز بإسلامه مَا كَانَ لَهُ من مال، ولم يتعرض لأطفال ولده، وَلا يقع السبي عَلَى مسلم. وتقام الحدود فِي أرض الحرب كما تقام فِي دار الإسلام أمر اللَّه بقطع السارق، وجلد الزاني، والقاذف، وأوجب القصاص فِي كتابه فإقامة مَا أوجب اللَّه تجب إذ لا حجة توجب الوقوف عن ذَلِكَ فِي مكان دون مكان. وإذا أسلم رقيق أهل الذمة بيعوا عليهم لا اختلاف منهم فِي ذَلِكَ أعلمه. وثبت، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى أن يسافر بالقرآن إِلَى أرض العدو» .

باب ذكر مصالحة الإمام أهل الشرك

وإذا اشترى رجل أمة فِي دار الحرب فله أن يطأها فِي دار الحرب إذا اشتراها. وإذا أسر الرجل وأرسلوه أو دخل مسلم دار الحرب بأمان فليس لَهُ أن يخوفهم، لأن الغدر لا يجوز، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ينصب للغادر لواء يوم الْقِيَامَة يقال هذه غدرة فلان» . باب ذكر مصالحة الإمام أهل الشرك 164 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: نا سُفْيَانُ،

عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ: مَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلُوهَا مِنْ قَابِلٍ، فَيُقِيمُونَ بِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يَدْخُلُهَا إِلا بِجَلَبَانِ السِّلاحِ الْقَوْسِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ "، قَالَ: فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ

فللإمام أن يصالح أهل الشرك عَلَى جهة النظر لأهل الإسلام كما صالح النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشا وذلك إذا كثر العدو، واشتدت شوكتهم لكثرة عددهم، وقلة من ناوأهم من المسلمين إِلَى مدة معلومة. وَلا يجوز أن يصالحهم إِلَى غير مدة، لأن فِي ذَلِكَ ترك قتال المشركين، وذلك غير جائز، وَلا أحب أن يجاوز بالمدة عشر سنين، لأن ذَلِكَ أكثر مَا قيل إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هادن قريشا إليه، وإذا هادنهم عَلَى مَا فِيهِ الصلاح لأهل الإسلام لم يجز لَهُ أن يحل عقدة حَتَّى ينقضي أمرها. روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ ذَلِكَ، وثبت أنه قَالَ: «لكل

باب المال يجعل في سبيل الله وغير ذلك

غادر لواء يوم الْقِيَامَة» . وإذا نقض من بينه وبين الإمام العهد، فللإمام قتله، وأخذ ماله وسبي ذراريه، استدلالا بفعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نقضت قريظة العهد الذي كَانَ بينهم وبينه قتل رجالهم، وقسم نساءهم وأموالهم. وللإمام أن يبدأ من خاف خيانته بالحرب إذا وجد دلالة عَلَى ذَلِكَ، قَالَ جل ذكره: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] أحب. قيل فِي قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] ، إن معناها. فإما توقنن منهم خيانة وغدرا أو خلافا وغشا {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] ، أعلمهم أنك قد جازيتهم حَتَّى يصيروا مثلك فِي ذَلِكَ، فذلك السواء. باب المال يجعل فِي سبيل اللَّه وغير ذَلِكَ 165 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ " عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ

باب الحكم في قسم الفيء

وَقَفَهَا يَبِيعَهَا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَبْتَاعُهَا، قَالَ: لا تَبْتَعْهَا، وَلا تَرْجِعَنَّ فِي صَدَقَتِكَ " فإذا حمل الرجل عَلَى دابة فِي سبيل اللَّه فله إذا غزا عَلَيْهَا أن يبيعها كما يبيع سائر أمواله، ويمسكها إن شاء، وليس لَهُ أن يبيعها قبل أن يغزو عَلَيْهَا. وإذا أعطى الرجل مالا ليجعله فِي سبيل اللَّه فليس لَهُ أن يأخذ لنفسه منه شيئا. وإذا أوصى الرجل بأن يجعل الشيء من ماله فِي سبيل اللَّه جعل فِي الغزو، وأكره أن يدخل الرجل أرض الحرب حيث تجري أحكام أهل الشرك عليه، وإن بايعهم لم يحرم البيع إذا كَانَ مما يجوز بين المسلمين. باب الحكم فِي قسم الفيء قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] إِلَى قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] . 166 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، قَالَ: " قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَتَّى بَلَغَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] . ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ حَتَّى بَلَغَ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 41] ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلاءِ. ثُمَّ قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى حَتَّى بَلَغَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 7 - 10] ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ

باب ذكر ما يقوله المسافر ويفعله عند رجوعه من السفر

اسْتَوْعَبَتِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً وَلَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِيَ وَهُوَ بِسُوقِ خَيْبَرَ نَصِيبُهُ مِنْهَا لَمْ يَعْرَقْ بِهَا جَبِينُهُ " والفيء كل مَا أخذه الإمام من أهل الشرك عَلَى صلح، ومثل جزية تؤخذ منهم، أو مال، رجل يموت منهم وَلا وارث لَهُ، وما أشبه ذَلِكَ من الأموال يعطى منه أعطية المقاتلة، وأرزاق الذرية، ويجرى عَلَى الحكام والولاة وعلى المسلمين وقرائهم وفي النوائب التي تنوب المسلمين مثل: إصلاح الجسور، والقناطر، والحصون التي فِي أطراف بلاد الإسلام، والزيادة فِي الكراع والسلاح فِي ثغور المسلمين وما أشبه ذَلِكَ مما فِيهِ صلاح أهل الإسلام. باب ذكر مَا يقوله المسافر ويفعله عند رجوعه من السفر 167 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , وَغَيْرُهُمْ، أَنَّ نَافِعًا، حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ»

قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُسْرِعَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ لِلثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُسْرِعْ إِلَى أَهْلِهِ» . وَيُسْتَحَبُّ إِذَا قَدِمَ الْمَرْءُ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ لا يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلا لأَنْ تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ. وَيُسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ إِذَا أَرَادَ الْقُدُومَ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يُؤَذِّنُ النَّاسَ أَنَّهُ قَادِمٌ وَقْتَ كَذَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمَرْءُ الدُّخُولَ إِلَى أَهْلِهِ، قَالَ: «تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنَا أَوْبًا لا يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا» . كُلُّ ذَلِكَ رُوِّينَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَدْ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلا نَهَارًا أَوْ فِي الضُّحَى، فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ»

كتاب السبق والرمي

كتاب السبق والرمي قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ، وثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «ألا إن القوة الرمي» . 168 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ أَبِي نَافِعٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لا سَبَقَ إِلا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» فالسبق فِي الخف والحافر والنصل جائز، وَلا يجوز السبق فِي غير ذَلِكَ، وذلك مثل أن يتسابق الرجلان عَلَى أقدامهما أو يلعبا بالمداحي ويمسك فِي يده شيئا،

فيقول: أزكيه. فيزكيه فيصيبه أو عَلَى أن يصرع رجلا أو يشيل حجرا ثقيلا بيده عَلَى معنى الرهان، فأما عَلَى غير معنى الرهان، فلو تسابق الرجلان عَلَى أقدامهما لم يكره ذَلِكَ للثابت عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها قَالَتْ: «سابقت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني» . وكان الشَّافِعِيّ، يقول: قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا سبق إلا فِي خف أو حافر أو نصل» . يجمع معنيين: أحدهما: أن كل نصل رمي به من سهم أو نشابة أو مَا ينكأ العدو بنكايتها، وكل حافر من خيل وحمر وبغال وكل خف من إبل بخت أو عراب، داخل فِي هذا المعنى يحل فِيهِ السبق. والمعنى الثاني: أنه يحرم السبق إلا فِي هذا والأسباق ثلاثة: سبق يعطيه الوالي وغير الوالي من ماله وذلك مثل أن يسبق بين الخيل إِلَى غاية، فيجعل للسابق شيئا معلوما، وإن شاء جعل للمصلى. والثالث، والرابع، فهذا

حلال. والثاني: يجمع وجهين وذلك مثل الرجلين يريدان أن يستبقا بفرسيهما وَلا يريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجان سباقين، وَلا يجوز إلا بمحلل وهو أن يجعل بينهما فرسا، وَلا يجوز حَتَّى يكون فرسا كفؤا للفرسين لا يأمنان أن يسبقهما ويخرج كل واحد منهما مَا تراضيا عليه، ويتواضعانه عَلَى يدي رجل يثقان به أو يضمنانه، ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما كَانَ السبقان لَهُ، وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله، وأخذ سبق صاحبه، وإن أتيا مستويين لم يأخذ أحدهما من صاحبه شيئا. والأصل فِي المحلل حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: 169 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنَّهُ لا يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَإِنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ»

وقد روينا عن عمر بن عبد العزيز، أنه قَالَ: لا يحملن عَلَى الخيل عند الإجراء إلا كل محتلم، وكره مالك حمل الصبيان الصغار عَلَى الخيل التي تجري للرهان. ويكره أن يجنب الرجل بجنب فرسه الذي يسابق عليه فرسا عريا ليس عليه أحد حَتَّى إذا دنا تحول راكبه عَلَى الفرس المجنوب وأخذ به السبق، يقال: إن قوله: لا جنب. هذا معناه، وقد قيل فِي قوله: لا جلب. أن يجلب وراء الفرس حَتَّى يدفوا ويحرك وراءه الشيء يستحث به، وقيل غير ذَلِكَ فِي حديث عمران بن حصين، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لا جلب وَلا جنب.

كتاب آداب القضاة

كتاب آداب القضاة قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26] . 170 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَتَبَ أَبِي إِلَى ابْنِهِ وَهُوَ بِسِجِسْتَانَ أَنْ لا يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَحْكُمُ أَحَدُكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ»

باب الحكم بالظاهر من الأمور

فلا ينبغي للقاضي أن يقضي وهو غضبان وكل حال أتى عليه بغير فهمه أو عقله وقف عن الحكم فِيهِ، وذلك إذا جاع أو اهتم أو حزن أو نعس، وله أن يقضي فِي المسجد وفي منزله، ويقضي فِي أرفق المواضع بالعامة أحب إلي، وإذا دخل المسجد للقضاء أو لغيره لم يجلس حَتَّى يركع ركعتين يدعو اللَّه عند فراغه منهما بالتوفيق والتسديد والعصمة، ثم يجلس للحكم مستقبلا القبلة. وإذا صار القاضي إِلَى مجلسه يسلم عَلَى القوم، ويجلس الخصمان بين يديه، ويسوي بينهما فِي المجلس، وفي النظر إليهما لا يرفع أحدهما عَلَى صاحبه، ويقدم الناس الأول فالأول، وإذا تقدم الخصمان إليه تركهما ليتكلم المدعي منهما، فإن جهلا ذَلِكَ، قَالَ: ليبدأ المدعي منكما، فإذا فرغ المدعي من دعواه تكلم المدعى عليه. روينا عن عمر بن الْخَطَّابِ، أنه قَالَ فيما كتب إِلَى أبي موسى الأشعري: وآس بين الناس فِي مجلسك ووجهك وقضائك حَتَّى لا يطمع شريف فِي حيفك، وَلا ييأس ضعيف من عدلك. وَلا ينبغي لأحد أن يلي القضاء حَتَّى يكون عالما بكتاب الله وسنن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما أجمع أهل العلم عليه، وبما اختلفوا فِيهِ، جيد العقل أمينا فطنا، فإذا تبين لَهُ الحق حكم به، وإن ورد عليه مشكل من الحكم أحضر لَهُ أهل المعرفة بالكتاب والسنة، وسألهم عن مَا ورد عليه، فإذا أخبروه بما عندهم وأدلى كل واحد منهم بحجته نظر إِلَى القول الذي تدل عليه الحجة فأخذ به بعد أن يتبين لَهُ ذَلِكَ. باب الحكم بالظاهر من الأمور 171 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقٍّ أَخِيهِ فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» يدل هذا الحديث عَلَى معان منها: أن الواجب عَلَى الحاكم أن يقضي بالظاهر من الأمور، ويدل عَلَى أن قضاء القاضي لا يحرم حلالا وَلا يحل حراما وعلى أن حرامًا عَلَى الحاكم أن يحمل الناس عَلَى الظنون لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فأقضي لَهُ عَلَى نحو مما أسمع منه» . وللقاضي أن يصلح بين الخصمين، فإن أبيا الصلح حملهما عَلَى مَا يجب، انطلق رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شيء كَانَ بين ناس من الأنصار ليصلح بينهم،

ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصلح جائز بين المسلمين» . وللقاضي أن يقضي بعلمه، قد قضى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهند فِي مال أبي سُفْيَان بنفقتها ونفقة ولدها لعلمه بما يجب لهم ولم تحضر هند لدعواها بينة. وإذا تقدم إِلَى القاضي من لا يعرف لسانه أجزأه أن يترجم عنهم لَهُ رجل واحد استدلالا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمر زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود» ، قَالَ: فكنت أكتب لهم إذا كتبوا إليه، وأقرأ لَهُ إذا كتبوا إليه.

والقضاء عَلَى الغائب جائز استدلالا بقضاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أبي سُفْيَان بنفقة هند وولدها وأبو سُفْيَان غير حاضر، واختلف أهل العلم فِي الحكم بين أهل الكتاب: فَقَالَ مالك، وجماعة: الإمام بالخيار إن شاء حكم بينهم، وإن شاء تركهم وحكامهم. وقال الأوزاعي، والكوفي: عَلَى الإمام أن يحكم بينهم واحتج كل فريق بحجج. والقول الأول أحبهما إلي،

باب ذكر التغليظ في الرشا

والأعلى والأسلم ترك الدخول فِي القضاء استدلالا بحديث ابن عمر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " استعمل رجلا عَلَى عمل، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حد لي. فَقَالَ: اجلس أو الزم بيتك ". فإن بلي رجل بالقضاء وكان مستغنيا فأفضل لَهُ أن يعمل لله محتسبا، فإن احتاج ارتزق عَلَى قدر عمله من مال الفيء، وليس للقاضي أن يحكم بشيء يجده فِي ديوانه بخطه حَتَّى يحفظ ذَلِكَ ويذكره، لأن الخط يكتب عَلَى الخط، وللقاضي أن يتخذ كاتبا ثقة عدلا فطنا، وأسلم لَهُ أن يكون كاتب نفسه، فإن اتخذ كاتبا لم يتخذه ذميا وَلا أحدا لا تقبل شهادته. باب ذكر التغليظ فِي الرشا 172 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُرْشِي وَالرَّاشِي فِي الْحُكْمِ» قَالَ عبد الله بن مسعود: السحت الرشوة فِي

الدين. فحرم عَلَى القاضي أن يأخذ الرشوة فِي الأحكام، فيدفع بها حقا ويثبت بها باطلا، وإذا تبين للقاضي حق لرجل عَلَى رجل فامتنع من إنفاذ الحكم عَلَى من وجب عليه ذَلِكَ حَتَّى أعطاه شيئا، ثم أنفذ ذَلِكَ الحكم عَلَى من يجب، كَانَ حكمه مردودا، لأنه حرج عند امتناعه من إنفاذ الحكم طمعا أن يأخذ شيئا عن الأمانة وصار مجروحا غير عدل، وصار لما كَانَ هكذا حكمه غير جائز، وأكره للقاضي أن يفتي فِي الأحكام، قَالَ شريح: «إنما أقضي وَلا أفتي» . وأما الفتيا فِي سائر أمور الدين من الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج وفي غير باب القضاء فيجيب به القاضي، لا يسعه أن يمتنع من الجواب فيما يعلمه منه.

كتاب الدعوى والبينات

كتاب الدعوى والبينات 173 - قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ: نا سِمَاكٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ، وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لا. . . . قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، لَيْسَ يَتَوَرَعُّ مِنْ شَيْءٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ» . قَالَ: فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَلَمَّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ إِنْ يَحْلِفْ عَلَى مَا لَهُ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ»

باب ذكر الأيمان التي يجب أن يستحلف بها من تجب عليه اليمين

أجمع أهل العلم عَلَى أن البينة عَلَى المدعي واليمين عَلَى المدعى عليه. ومعنى قوله: «البينة عَلَى المدعي» . أن يستحق بها لا أنها واجبة عليه يؤخذ بها، وكذلك قوله: «واليمين عَلَى المدعى عليه» . أي: يبدأ بها لا أنه يؤخذ بها عَلَى كل حال، فإذا تقدم الخصمان إِلَى الحاكم فادعى أحدهما عَلَى صاحبه شيئا نظر فيما يدعيه، فإذا كَانَ ذَلِكَ معلوما سأل المدعى عليه عما ادعاه، فإن أقر به غرم ذَلِكَ وإلا سأل المدعي الحاكم إثبات ذَلِكَ فِي كتاب أثبته لَهُ وأشهد عليه، وإن سأله أن يرفع إليه مَا أقر لَهُ به أمره برفعه، فإن فعل برئ، وإن امتنع من ذَلِكَ وسأل حبسه حبس فِي قول أكثر أهل العلم إلا أن يعلم الحاكم أنه معدم، فإذا علم ذَلِكَ لم يكن لَهُ حبسه، لقوله جل ذكره: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] . فإن أنكر المدعى عليه مَا ادعاه المدعي سأل المدعي بينة تشهد لَهُ بما ادعاه، فإن أتاه بشاهدين أو رجل وامرأتين يشهدون لَهُ بما ادعاه قضى لَهُ بحقه، فإن ذكر أنه لا بينة لَهُ وسأل استحلافه استحلف لَهُ. باب ذكر الأيمان التي يجب أن يستحلف بها من تجب عليه اليمين يستحلف الحاكم المدعى عليه بالله الذي لا إله إلا هو مَا لفلان بن فلان هذا قبلك وَلا عندك وَلا عليك هذا المال الذي ادعاه وَلا شيء منه.

174 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ خَصْمَانِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ حَقًّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُدَّعِي: " أَقِمْ بَيِّنَتُكَ عَلَى حَقِّكَ؟ . قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلآخَرِ: احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ. قَالَ: فَحَلَفَ " وليس للحاكم أن يستحلف المدعى عليه بالطلاق والعتاق والحج والسبيل وما أشبه ذَلِكَ، وَلا يستحلف عَلَى المصحف، ولو استحلفه الحاكم بالله أجزأ، قَالَ عثمان لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه.

وقد دخل فِي جملة قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المسلمون، وأهل الكتاب، الرجال، والنساء، الأحرار، والعبيد ومن علم بينه وبين خصمه معاملة أو لم يعلم، وقد أمر اللَّه نبيه أن يحكم بين أهل الكتاب بالقسط، وَلا نعلم حجة توجب أن يستحلف أهل الكتاب فِي مكان بعينه، وَلا يمين غير اليمين التي يستحلف بها المسلمون. واختلف فِي اليمين بين البيت والمقام بمكة وعند منبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فكان مالك، والشافعي ومن تبعهما من أهل الحرمين يرون اليمين بالمدينة عند منبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مالك: يحلف عَلَى منبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثلاثة دراهم. وقال الشَّافِعِيّ: إذا كَانَ المال عشرين دينارا استحلفه بمكة بين البيت والمقام، وأهل الكوفة لا يرون الاستحلاف بين البيت والمقام، وَلا عند منبر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما يستحلف الحاكم فِي كل بلد فِي مجلسه. وَلا يجوز أن يقال فيمن وجبت عليه اليمين فأبى اليمين إلا واحدًا من قولين: أحدهما: أن ترد اليمين عَلَى المدعي ويحلف ويستحق مَا ادعى، وأن يؤخر المدعى عليه باليمين حَتَّى يحلف. فأما إيجاب المال بالنكول فلا معنى لَهُ، وإذا أقام الرجل البينة عَلَى المال يدعيه، فليس عليه أن يحلف مع بينته، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل المدعى عليه يبرأ باليمين، كذلك يجب أن يستحق المدعي المال بالبينة إلا أن يدعي المدعي عليه أن خصمه أبرأه من المال أو قبضه فيوجب عليه اليمين، لأن هذه دعوى غير الأولى، وإذا استخلف الرجل خصمه عند الحاكم ثم أتى بينة تشهد لَهُ عَلَى المدعى عليه

أخذت ببينه وحكم لَهُ بالمال. وكان الشَّافِعِيّ، وأحمد، والنعمان، يقولون: يستحلف الرجل فيما وليه بنفسه عَلَى البت وفيما وليه غيره عَلَى العلم. وقد عمم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقوله: «البينة عَلَى المدعي واليمين عَلَى المدعى عليه» . وكل مدعى دخل فِي ذَلِكَ النكاح والطلاق والعتاق وسائر الأحكام، فكل امرأة ادعت طلاقا أو عبد ادعى حرية وجب استحلاف المدعى عليه منهما، وإذا ادعى عَلَى المرء دعوى باطلا حلف بالله صادقًا وَلا مأثم عليه، وَلا فرق بين الأيمان فِي غير باب القسامة وبين الأيمان فِي سائر الحقوق، وإنما يجب أن يستحلف فِي الدماء وفي سائر الحقوق يمينا واحدة عَلَى ظاهر حديث ابن عباس. 175 - نا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمُ ادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ»

باب ذكر الحكم باليمين مع الشاهد الواحد

باب ذكر الحكم باليمين مع الشاهد الواحد 176 - نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ»

وقال باليمين مع الشاهد سعيد بن المسيب، وشريح، والقاسم بن مُحَمَّد، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد اللَّه بن عبد الله بن عتبة، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الزناد،

باب ذكر البينتين تتكافأ بالدعوى في الشيء الواحد

ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيدة، وأبو ثور، وخالف ذَلِكَ الأوزاعي، والكوفي. وإنما يحكم باليمين مع الشاهد عند من يرى الحكم به فِي الأموال. وإذا أقام العبد شاهدا أن مولاه أعتقه لم يحلف مَعَهُ ويعتق، ولكن لَهُ أن يستحلف السيد، وَلا يثبت الولاء بشاهد ويمين، وَلا يحلف الغلام الذي لم يبلغ مع شاهده، ويحلف النصراني عند مالك، والشافعي مع شاهده المسلم، وتحلف الْمَرْأَة فِي قولهما مع شاهدها وَلا يستحق الخصم بيمينه مع شهادة امرأتين حقا. وإذا توفي الرجل وله ديون عَلَى الناس بشاهد واحد وعليه ديون، وقالت الورثة لا نحلف مع شاهدنا، لم يحلف الغرماء فِي قول الشَّافِعِيّ. باب ذكر البينتين تتكافأ بالدعوى فِي الشيء الواحد 177 - نا حَاتِمُ بْنُ يُونُسَ الْجُرْجَانِيُّ، قَالَ: نا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ،

قَالَ: نا هَمَّامٌ، قَالَ: نا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، «فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَعِيرِ نِصْفَيْنِ» وإذا ادعى الرجلان دارا، فَقَالَ كل واحد منهما: داري، وفي يدي فليس عَلَى الحاكم أن ينظر بينهما، لأن كل واحد منهما لا يدعي قبل صاحبه شيئا وَلا فِي يده، فإن كانت الدار فِي أيديهما، وأقام كل واحد منهما بينة عادلة تصدق دعواه، فإن الدار تترك بأيديهما لكل واحد منهما النصف عَلَى ظاهر مَا هِيَ بأيديهما وإن لم تكن لأحد منهما بينة، والدار بأيديهما، فادعى كل واحد منهما جميع الدار حلف كل واحد منهما لصاحبه عَلَى دعواه وتركت الدار بأيديهما. وإن حلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، ففي قول الشَّافِعِيّ، وأبي ثور يرد اليمين عَلَى صاحبه، فإذا حلف استحق مَا بيد صاحبه، وإن أقام أحدهما بالبينة، ولم تكن للآخر بينة استحق الذي أقام البينة الدار جميعا. والجواب فِي الثوب والعبد الصغير والإناء والدابة، وكل مَا يدعياه الرجلان فيما بأيديهما كالجواب فِي الدار لا فرق بين ذَلِكَ.

واختلفوا فِي الرجلين يدعيان الشيء ليس فِي أيديهما، ويقيم كل واحد منهما بينة، تصدق قوله: ففي قول أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد يقرع بينهما، فمن خرجت لَهُ القرعة صار لَهُ مَا ادعاه. ومن حجة من قَالَ هذا القول: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، 178 - نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَابَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ «فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ» .

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: يقضى به بينهما بنصفين، وفيه قول ثالث وهو أن يخرج الشيء من يد من هو بيده ويوقف حَتَّى يصطلحا عليه، لأن من المحال أن تكون الدار فِي حال واحدة بكمالها لكل واحد منهما. وإذا كَانَ الشيء بيد الرجل فادعاه آخر، وأقام كل واحد منهما البينة عَلَى أن الشيء لَهُ فصاحب اليد أولى لفضل قوة سببه عَلَى سبب صاحبه، هذا قول الشَّافِعِيِّ. وقال أحمد بن حنبل: البينة بينة المدعي الذي ليس بيده الشيء ويسلم إليه. واحتج بظاهر الحديث قوله: «البينة عَلَى المدعي» . وقال أحمد: ليس بين المباح وبين غيره فرق، ويحكم بالشيء للذي ليس فِي يده.

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ إِلَى قوله: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وندب جل ذكره إِلَى الإشهاد فِي غير آية من كتابه، فَقَالَ عند ذكر الطلاق والرجعة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، وقال تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] . باب ذكر فضل إقامة الشهادة قبل أن يسأل الشاهد إقامتها 179 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْل أَنْ يُسْأَلَهَا أَوْ يُخْبِرُ بِشَهَادَتِهِ قَبْل أَنْ يُسْأَلَهَا» .

باب ذكر من يجب قبول شهادته ومن لا يجوز قبول شهادته

وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالإِشْرَاكِ بِاللَّهِ» . ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {30} حُنَفَاءَ لِلَّهِ} [الحج: 30-31] فإذا شهد الرجل عند الحاكم بشهادة، فاحتمل أن يكون فيها مخطئا أو مغفلا أو كَانَ لَهُ مخرج مما شهد به بوجه فلا شيء عليه، وإن لم يكن لَهُ من ذَلِكَ مخرج شهد به لئلا يغتر به، وقد قيل: يؤدب. باب ذكر من يجب قبول شهادته ومن لا يجوز قبول شهادته قَالَ اللَّه جل ذكره: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . وقال جل ثناؤه: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] ، فكل مسلم قبله شهادة فعليه القيام بها، وعلى الحاكم قبولها منه عَلَى ظاهر كتاب اللَّه، وسواء كَانَ الشاهد والد المشهود به لَهُ أو ولده. وتجوز شهادة الأخ لأخيه إذا كَانَ عدلا، وكذلك تجوز شهادة الزوج لزوجته، وشهادة الْمَرْأَة لزوجها، وتجوز شهادة الأعمى والعبد لدخولهما فِي ظاهر قوله تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ

الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وَلا تقبل شهادة من لم يبلغ الحلم، ويجب قبول شهادة ولد الزنى إذا كَانَ عدلا لدخوله فِي ظاهر الآية، وليس عليه من ذنب والديه شيء لأن اللَّه تعالى يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . وإذا كَانَ الزانيان إذا تابا وأصلحا، وجب قبول شهادتهما فمن لم يزن، ولم تظهر منه ريبة أولى بقبول شهادته، ويقال: إن معنى الحديث الذي روي أن ولد الزنى شر الثلاثة، وإن زانيين زنيا فولد بينهما ولد فأسلما وبقي الولد لم يسلم، فقيل: ولد الزنى شر الثلاثة، لأنهما أسلما ولم يسلم هو. وَلا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما هما فِيهِ شريكان، وتجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا شركة بينهما فِيهِ، وإذا كانت الخصومة قائمة بين الشاهد والخصم لم تقبل شهادة الشاهد، لا أعلم فِي ذَلِكَ اختلافا بينهم، وإذا قَالَ الخصم: إن الشاهد لي عدو

ولم يعلم ذَلِكَ لم يقبل قوله. وشهادة الأجير جائزة للمستأجر فيما لا يتولاه الأجير، وشهادة الوكيل للموكل بهذه المنزلة. وشهادة الصديق لصديقه جائزة، والأخرس شهادته مقبولة إذا كانت إشارة تفهم عَنْهُ استدلالا بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه أشار إليهم فِي الصلاة أن اجلسوا ففهموا عَنْهُ ذَلِكَ واستعملوه، لأن ذَلِكَ كَانَ عندهم حقا. وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن من الشعر حكمة» . فدل عَلَى أن من تكلم بحكمة وقالها مقبول الشهادة. وإذا شرب الرجل خمرا ثم تاب فشهد شهادة يجب قبولها منه إذا كَانَ عدلا. وكل من أتى حدا من الحدود فأقيم عليه ثم تاب وأصلح فشهد بشهادة وجب قبول شهادته، قاذفًا كَانَ أو غير قاذف، وَلا يكون القاذف أسوأ حالا من الزاني، فإذا وجب قبول شهادة الزاني

باب ذكر شهادات النساء

إذا شهد بشهادة بعد أن يتوب، فالقاذف أولى بذلك إذا تاب. وأجمع أهل العلم عَلَى أن لا شهادة للمجنون فِي حال جنونه. وإذا شهد الذي يجن ويفيق بشهادة فِي حال إفاقته وجب قبولها. وإذا سمع الرجلان الرجل يقر لرجل بمال وصف ذَلِكَ من غصب أو ثمن سلعة أو من قرض فلازم لهما أن يؤديا الشهادة، وعلى الحاكم قبولها منهما وسواء علم المقر بالشيء بمكانهما وقت أقر به أو لم يعلم، مختفيين كانا فِي ذَلِكَ الوقت أو ظاهرين. وَلا تجوز شهادة أهل الشرك عَلَى مسلم وَلا مشرك، وإذا لم يجز قبول شهادة الكذاب من أهل الإسلام فرد شهادة من كذب عَلَى اللَّه أولى من شهادة الكذاب المسلم. باب ذكر شهادات النساء قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] ، ودل خبر أبي سُفْيَان عَلَى عدد من يجب قبول شهادته من النساء. 180 - نا عَلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى وَانْصَرَفَ فَقَامَ بِوَعْظِ النَّاسِ، وَقَالَ: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ، أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ

باب جامع الشهادة

يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ» . فَقُلْنَ لَهُ: مَا نُقْصَانُ عَقْلِنَا وَدِينِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَوَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟» قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: «فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَوَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» وقد أجمع أهل العلم عَلَى أن شهادة المرأتين مع الرجل جائزة فِي الديون والأموال، وَلا تجوز عندي شهادتهن فِي الحدود والقصاص فِي النفس فما دونها، والنكاح والطلاق والعتق والوكالة، وإثبات كتاب الوصية، وَلا تجوز شهادتهن وإن كثرن فِي شيء من الأموال والديون إلا أن يكون معهن رجل. وتجوز شهادتهن فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع والعيوب والاستهلال، وَلا يقبل منهن فِي ذَلِكَ أقل من أربع نسوة استدلالا: بأن اللَّه أقام شهادة امرأتين مع رجل مقام رجلين ففيه دلالة عَلَى أن أقل مَا يقبل منه فيما ذكرناه أربع نسوة استدلالا بما ذكرت. باب جامع الشهادة وإذا شهد الشاهدان من الورثة عَلَى الميت بدين لقوم قبلت شهاداتهم، وقضي بذلك فِي مال الميت وإن كانوا غير عدول أوجب عليهم إخراج حصتهم من مال الميت. وإذا شهد أصحاب الوصايا بأن الميت أوصى لهم بالثلث لم تقبل شهادتهم، لأنهم يجرون بشهادتهم إِلَى أنفسهم مالا، وإذا كَانَ الظاهر من أمر الشاهد الطاعة والمروءة ولم تظهر لَهُ معصية وجب قبول شهادته. وَلا تقبل الجرحة إلا من اثنين، وكذلك لا يعدل الشاهد أقل من اثنين، وإذا جرح الشاهد قوم وعدله آخرون فالجرح أولى من التعديل، لأن التعديل يكون عَلَى الظاهر والجرح يكون عَلَى الباطن. وإذا شهد الكافر والصغير والفاسق بشهادة فردت ثم أسلم الكافر، وبلغ الصبي، وصلح

الفاسق وأناب، وصاروا عدولا فشهدوا بتلك الشهادات وجب قبولها، لأن الحاكم إن كَانَ عالما بأحوالهم وقت شهدوا بالشهادة الأولى لم يقبلها ولم يسأل عنهم. وإن كَانَ وقت شهدوا جاهلا بأحوالهم كتبها وسأل عنهم ثم ردها فلا فرق بينهم فِي ذَلِكَ، وَلا أعلم مع من قبل شهادة الكافر والصغير إذا بلغ هذا وأسلم الآخر وكانا عدلين، ورد شهادة العدل غيرهما فرقا. فأما العبيد فشهادتهم جائزة إذا كانوا عدولا قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن شهادة أربعة عَلَى شهادة شاهدين جائزة فِي الأموال. واختلفوا فيما سوى ذَلِكَ من الحدود، وكان الشعبي، والنخعي، والكوفي لا يجيزون الشهادة عَلَى الشهادة فِي الحدود والقذف وكل شيء من الحقوق. والاختلاف من الشهادة تنصرف عَلَى وجهين: أحدهما: الشهادة عَلَى الإقرار كالرجل يشهد الرجل بمكة عَلَى أن لزيد عليه كذا ويشهد آخر عَلَى مثل ذَلِكَ الإقرار بالمدينة، فهذا وما أشبهه الشهادة عَلَيْهَا جائزة. والوجه الآخر: الشهادة عَلَى الأفعال فِي الأماكن المختلفة كالرجل يشهد أن زيدا قتل عمرا بالمدينة، ويشهد آخر عَلَى أن زيدا قتل عمرا بمكة فهذا وما أشبه ذَلِكَ الشهادة فِيهِ مردودة، لأن عمرا إذا قتل بالمدينة فغير جائز أن يقتل ثانيا بمكة. والشهادة عَلَى الخط لا تجوز إذا لم يذكر الشاهد الشهادة، قَالَ اللَّه تعالى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] . وإذا شهد الشاهدان عَلَى رجل بقتل فقتل، أو بقطع يد فقطعت ثم رجعا عن الشهادة سئلا، فإن قَالا: تعمدنا كَانَ عليهما القود فِي النفس إلا أن يختار الأولياء الدية فيكون

ذَلِكَ لهم وفيما دون النفس فِي قول يقتل الجماعة بالواحد، وإن قَالا: أخطأنا فعليهما الدية فِي النفس أو دية اليد، وإذا شهدا عَلَى رجل بأنه طلق زوجته ثلاثا ثم رجعا عن الشهادة، وكان مدخولا بها فعليهما مهر مثلها. وإذا شهدا عَلَى رجل بمال فحكم به الحاكم، ثم رجعا غرما المال، وكذلك لو شهدا عَلَى عتق عبد فحكم بعتقه، ثم رجعا غرما قيمته. وإذا أحضر القوم رجلين، وقالوا لهما: لا تشهدا علينا بما نقول، فأقر بعضهم لبعض بشيء معلوم، ثم تناكروا، وسأل المدعي الشاهدين الشهادة لم يسعهما كتمانها. وإذا سئل الشاهد شهادة قبله، فَقَالَ: ليس عندي شهادة، ثم أدى الشهادة وجب قبولها، لأنه تذكر بعد نسيان. وإذا شهد رجلان عَلَى رجل بأنه أعتق عبده فردت شهادتهما ثم اشتراه أحدهما عتق عليه، لأنه أقر بأنه حر لما شهد أن المالك أعتقه. ويقبل عَلَى القتل وعلى سائر الحقوق شاهدان، وَلا يقبل فِي الزنى أقل من أربعة شهداء.

كتاب الذبائح

كتاب الذبائح 181 - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: نا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِشَاةٍ لِمَوْلاةٍ لَهَا قَدْ أُعْطِيَتْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ مَيْتَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوْ أَخَذُوا إِهَابَهَا فَدَبَغُوهُ، فَانْتَفَعُوا بِهِ» . فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: «إِنَّمَا حُرِّمَ مِنَ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» فالانتفاع بجلود الأنعام وما يقع عليه الذكاة وهي حية بعد الدباغ جائز عَلَى ظاهر هذا الحديث، وليس كذلك جلود مَا لا يجوز أكل لحمه من السباع أن تفترش نهيا عاما، والذي يجب علينا أن

نستعمل كل حديث فِي موضعه، وقد حرم اللَّه الميتة فِي كتابه، فجلود السباع محرمة عَلَى ظاهر تحريم اللَّه الميتة، وعلى ظاهر تحريم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذي ناب من السباع، وجلود مَا تقع عليه الذكاة من الأنعام وغيره مستثنى من ظاهر الآية، وظاهر السنة إذا دبغت بخبر ميمونة.

وأجمع أهل العلم عَلَى إباحة الانتفاع بأشعار الأنعام وأوبارها وأصوافها إذا أخذ ذَلِكَ منها وهي أحياء، وأجمعوا عَلَى أن الشاة أو البعير أو البقرة إذا قطع من أي ذَلِكَ عضو وهو حي أن المقطوع منه ذَلِكَ نجس محرم، فلما أجمعوا عَلَى الفرق بينهما دل عَلَى افتراق أحوالهما وعلى أن الأصواف والأشعار والأوبار ظاهرة لا تحتاج إِلَى الذكاة أخذ ذَلِكَ منها وهن أحياء أو بعد الموت.

باب ذكر الخبر الدال على طهارة شعور بني آدم

باب ذكر الخبر الدال عَلَى طهارة شعور بني آدم 182 - نا حَاتِمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: نا هِشَامٌ الْفِرْدَوْسِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقْبَةِ، وَذَبَحَ نُسُكَهُ «نَاوَلَ الْحَالِقَ شَقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ نَاوَلَ الْحَالِقَ شَقَّهُ الأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ» فشعور بني آدم طاهرة استدلالا بهذا الحديث، إذ لو لم يكن ذَلِكَ طاهرا لما قسم ذَلِكَ بين الناس، وليس لأحد أن يقول ذَلِكَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاص بغير حجة عَلَى أن حجة من قَالَ إن المني طاهر، قول عائشة: «فركت المني من ثوب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» . ولن يدخل أحد فِي أحدهما شيئا إلا دخل فِي الآخر مثله، وَلا يظن ظان «أن فِي لعن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الواصلة والمستوصلة» دليل عَلَى نجاسة شعور بني آدم، لأن اللعن يلحق كل من علم فوصل شيئا من شعور بني آدم أو شعور البهائم، وليس مع من فرق بين شعور بني آدم وشعور البهائم حجة،

باب ذكر سقوط الميتة في الزيت أو السمن

والانتفاع بشعر الخنزير محرم للحزر ولغيره لدخوله فِي جملة تحريم اللَّه الخنزير، ودخل فِي تحريم اللَّه الميتة عظام الفيل، وعظام الميتة، وَلا يجوز الانتفاع بشيء منه بحال. باب ذكر سقوط الميتة فِي الزيت أو السمن 183 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ، قَالَ: «إِذَا كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلا تَقْرَبُوهُ» فِي قوله: «وإن كَانَ مائعا فلا تقربوه» . وقيل: عَلَى أن بيعه والانتفاع به للمصابيح والدباغ غير جائز مع مَا فِي حديث جابر من البيان الذي لا يحتمل إلا معنى

واحدا، لما قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شحوم الميتة فإنه يدهن بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستنفع بها الناس. فَقَالَ: «لا هِيَ حرام» . ثم قَالَ: «قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم الشحوم جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه» . وَلا بأس بأكل البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة إذا كانت شديدة صليبة، كما لا يكون بها بأس إذا وقعت فِي بول أو غيره فغسلت، والمسك طاهر يجوز الانتفاع به واستعماله لحديث أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد «كَانَ لَهُ مسك يتطيب به» ، ولقوله: «إن أطيب الطيب المسك» .

باب ذكر تحريم كل ذي ناب من السباع

باب ذكر تحريم كل ذي ناب من السباع 184 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» ، وَثَبَتَ عَنْهُ، أَنَّهُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» فالنهي عن كل ذي ناب من السباع يقع عَلَى لحومها وجلودها والانتفاع بها إلا مَا استثناه الخبر، فإنا قد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «جعل الضبع صيدا، وقضى فيها إذا قتلها المحرم كبشا» ، وجاءت الأخبار بالرخصة فيها عن عمر،

وعلي، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هُرَيْرَة. فالضبع مباح أكلها لخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولقول من ذكرنا من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثعلب، وسائر السباع مردود إِلَى تحريم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل ذي ناب من السباع» .

كتاب الاستبراء

كتاب الاستبراء باب ذكر النهي عن وطء الحمالى من السبايا حَتَّى يضعن حملهن 185 - نا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ أَوْ قَالَ: خِبَاءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّ

صَاحِبَ هَذِهِ أَنْ يُلِمَّ بِهَا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَرِقُهُ وَهُوَ لا يَحِلُّ لَهُ» وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى منع أن يطأ الرجل جارية يملكها من السبي وهي حامل حَتَّى تضع حملها، وَلا حائل حَتَّى تحيض حيضة. فوطء الحامل لا يجوز حَتَّى تضع حملها، ووطء غير الحامل لا يجوز حَتَّى تحيض حيضة، وثبت أن ابن عمر، كَانَ يقول: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرأها إن شاء. وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من كَانَ يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأتين شيئا من السبي حَتَّى يستبرئها» . ودل هذا الحديث عَلَى أن وطء غير

الثيب غير مباح قبل الاستبراء. وقد روينا عن ابن عمر، أنه قَالَ: إذا اشتراها من امرأة أو اشتراها بكرا لم يستبرئها. فعلى هذا القول إنما جعل الاستبراء لبراءة الرحم من الحمل فكل من ملك جارية يعلم أنها لم توطأ بعدما حاضت فِي ملك سيدها إِلَى أن ملكها فلا استبراء عليه. وقد روينا هذا المذهب عن جماعة من الأوائل، وإذا اشترى الرجل جارية فلا ينبغي لَهُ أن يقبل وَلا يباشر حَتَّى يستبرئها لعل بها حملا يجب ردها عَلَى بائعها فيكون قد تلذذ بأم ولد لغيره، وليس كذلك الجارية يملكها الرجل من السبي، لأن هذه إذا وقعت فِي سهمه فظهر بها حمل لم يردها عَلَى أحد، وقد روينا عن ابن عمر، أنه قَالَ: «وقع سهمي عَلَى جارية كأن عنقها إبريق فضة فما ملكت نفسي أن قبلتها والناس ينظرن» . وَلا يجب مواضعة الجارية إذا باعها الرجل للاستبراء والتحفظ فِي هذا قبل البيع، وإذا كاتب الرجل جارية لَهُ ثم عجزت ورجعت إليه فلا استبراء عليه، وإذا اشترى جارية فحاضت بعد افتراقهما عند البائع حيضة ثم قبضها، وطئها إن شاء، وإذا وطئ المشتري الجارية قبل أن يستبرئها فقد أساء وَلا شيء عليه، وإذا اشترى الرجل الجارية فوضعها عَلَى يدي عدل حَتَّى يعطي الثمن فحاضت عند العدل، أجزت تلك الحيضة من الاستبراء، وإذا رهن الرجل الجارية ثم افتكها سيدها وطئها، وليس عليه استبراء، وإذا باع الرجل الجارية بيعا فاسدا فردها عَلَى البائع ولم يكن المشتري وطئها فليس عَلَى البائع استبراء، وإن كَانَ المشتري وطئها لم يطأها البائع حَتَّى يستبرئها. وإذا ملك الرجل الجارية بهبة أو ميراث أو وصية لم يطأها حَتَّى يستبرئها، وإن ورث جارية أو أوصي لَهُ

بها فحاضت بعد موت الموصي أو الميت ثم قبضها أجزأه تلك الحيضة، وإذا باع الرجل مدبرة لَهُ ثم اشتراها فعليه أن يستبرئها، وإذا ارتدت جارية الرجل ثم رجعت إِلَى الإسلام لم يستبرئها، ويجب للرجل إذا وطئ أمته أن لا يزوجها حَتَّى يستبرئها بحيضة، كما يستحب للبائع أن لا يبيع أمة كَانَ يطؤها حَتَّى يستبرئها بحيضة، فإن باع رجل جارية كَانَ يطؤها قيل: يستبرئها أو زوج رجل أمة كَانَ يطؤها قيل: يستبرئها فالنكاح والبيع جائزان، وعلى المشتري والناكح أن لا يطأها واحد منهما حَتَّى يستبرئها بحيضة لا فرق بينهما. وإذا تزوج رجل أمة أو اشترى آخر أمة، وقد علما جميعا أنها لم توطأ، أو كانت بكرا فليس عَلَى الزوج وَلا عَلَى المشتري استبراء، وعدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضة ثبت ذَلِكَ عن ابن عمر، وهو أقل مَا قيل، وَلا حجة مع من أوجب أكثر من ذَلِكَ، وليس عَلَى الزانية عدة، وَلا يجب عَلَى من تزوجها أن يستبرئها. وإن كَانَ لها زوج فليس يجب عليه الوقوف عن وطئها، لأني لا أعلم حجة توجب ذَلِكَ، وقد أصاب ابن عباس جارية فجرت، ونكاح الْمَرْأَة الحامل من الفجور جائز، وَلا يطؤها الذي ينكحها حَتَّى تضع «لنهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن وطء الحبالى من السبايا» .

وإذا تزوج الرجل الْمَرْأَة ولها ولد من غيره، فمات بعض أولادها الذي من غيره وقف الزوج عن وطئها ليعلم هل بها حمل فيرث مع إخوته أم لا، وقد روينا معنى ذَلِكَ عن: عمر، وعلي، والصعب بن جثامة. فإذا سبيت الْمَرْأَة ولها زوج فِي دار الحرب أو سبي زوجها معها ووقعا فِي سهم الرجل، أو مفترقين فوقوع السبي عَلَيْهَا انفساخ لنكاح الزوج، وهذا تأويل قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] ، قَالَ ابن

عباس: من النساء كلهم إلا ذوات الأزواج من السبايا، وروي ذَلِكَ عن: ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري. قَالَ جل ذكره: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] ، وقال جل ثناؤه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5-6] . وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم أن يجمع الرجل بين عقد نكاح، أختين حرتين كانتا أو مملوكتين أو مسلمة وكتابية، فإن جمع رجل بين نكاح أختين فِي عقدة واحدة لم ينعقد نكاحهما، وإذا

تزوج واحدة، ثم تزوج أختها ثبت نكاح الأولى ولم ينعقد نكاح الآخرة. وأجمعوا عَلَى شراء الرجل الأختين من ملك اليمين جائز فِي عقد واحد، وكذلك الْمَرْأَة وابنتها، فإن أراد أن يطأها فقد جاءت الأخبار عن الأجلة من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم: عمر بن الْخَطَّابِ، وعثمان بن عَفَّانَ، وعلي بن أبي

طالب، وابن مسعود، وعمار بن ياسر،

وغيرهم بالمنع من ذَلِكَ فمنهم من كره ذَلِكَ، ومنهم من منع منه عَلَى وجه التنزيه، وذلك بين فِي ألفاظ أخبارهم، وقال عثمان: أحلتها آية وحرمتها آية ولم أكن لأفعل ذَلِكَ. ونحن نكره من ذَلِكَ مَا كرهوه، ونقف عَنْهُ كما وقفوا عَنْهُ، ولو لم يكن فِي الوقوف عَنْهُ شيء إلا قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحلال بين والحرام بين، وبين ذَلِكَ أمور مشتبهات» . لكان فِي ذَلِكَ كفاية، فإذا ملك الرجل أختين مملوكتين فوطئ إحداهما ثم أراد وطء الأخرى حرم فرج التي كَانَ يطأ عَلَى نفسه ببيع أو نكاح أو غير ذَلِكَ ووطئ الأخرى، فإذا رجعت الأولى التي كَانَ يطأ إليه بشراء أو طلاق زوج فأراد أن يطأها حرم فرج التي كَانَ يطأ بعد الأولى عَلَى نفسه، ووطئ التي رجعت إليه وهكذا يفعل كلما أراد وطء واحدة وعنده أخرى يطؤها عَلَى هذا المثال.

باب الحث على اجتناب الشبهات

باب الحث عَلَى اجتناب الشبهات 186 - نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْقَيْسِيُّ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا، ونا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمَهُ» . وَفِي خَبَرِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ» والشبهات تصرف عَلَى وجه ثلاثة: أحدها: أن يعلم أن الشيء حرام ثم

يشك هل حل لَهُ أم لا فلا يحل مَا هو محرم إلا بأن يعلم أن قد حل لَهُ الشيء المحرم كالصيد محرم أكله بغير ذكاة، فإذا شك فِي ذكاته لم يحل مَا هو محرم إلا بيقين، وأصل ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك فخالطته أكلب لم تسم عَلَيْهَا، فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله» . فلم يبح مَا هو محرم إلا بيقين الذكاة، ومن ذَلِكَ أن يكون للرجل أخ لا وارث لَهُ غيره فيبلغه وفاته، وعنده لأخيه جارية فلا يحل لَهُ وطؤها حَتَّى يوقن بوفاة أَخِيهِ، لأنها كانت محرمة عليه فلا يباح مَا كَانَ محرما بالشك حَتَّى يوقن بوفاته وما كَانَ فِي معنى هذا. والوجه الثاني: أن يكون الشيء للمرء حلالا ثم يشك فِي تحريمه عليه فلا يحرم مَا كَانَ هكذا حَتَّى يوقن بالتحريم مثل الزوجة تكون للرجل فيشك فِي طلاقها، والعبد يكون للرجل فيشك فِي عتقه، والأصل فِي هذا قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمصلي يشك فِي الحدث: «لا تنصرف حَتَّى تجد ريحا أو تسمع صوتا» . والوجه الثالث: أن يشكل عَلَى الإنسان الشيء لا يدري حرام هو أو

حلال، فالورع والأعلى الوقوف عن التقدم عَلَى مَا هذا سبيله حَتَّى يوقن بالإباحة والأصل فِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بتمرة، فَقَالَ: «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» . وَلا يجوز أن ينسب من قَالَ هذا إِلَى أخذ الحرام المحض لاحتمال أن يكون ذَلِكَ حلالا، فأهل الورع يستعملون فيما كَانَ من هذا النوع مَا استعمله النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التمرة التي وجدها، وفي خبر عطية السعدي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حَتَّى يدع مَا لا بأس به حذرا لما به البأس» . يعرفك أنه لا يبلغ اسم التقوى عبد عند اللَّه إلا بتركه مَا لا بأس به، وفي خبر أبي أمامة: «إذا حاك فِي صدرك شيء فدعه» .

باب ذكر إباحة جمع المال وطلبه من الحلال

وقد اختلف أهل العلم فِي مبايعة من يغلب عَلَى ماله الحرام، فرخص فِيهِ قوم، واحتجوا فِيهِ بقبول قوم من الأوائل هدايا وجوائز بعض من لا ترضى حاله، ووقف عن قبول جوائز من يغلب عَلَى ماله الحرام أو يخالط ماله الحرام: سعيد بن المسيب، والقاسم بن مُحَمَّد، وبسر بن سعيد، ومحمد بن واسع، وسفيان الثَّوْرِيّ، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وقد ذكرت هذا الباب فِي موضع آخر بتمامه. باب ذكر إباحة جمع المال وطلبه من الحلال 187 - نا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكِسَائِيُّ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: نا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِلالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: «إِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، إِنَّ هَذَا الْمَالَ نِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَأَعْطَى مِنْهُ الْمَسَاكِينَ، وَالْيَتَامَى، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَرُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «لا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النَّعِيمِ» . وَقَالَ: «أَجْمِلُوا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ كُلا مُيَسَّرٌ لَهُ مَا كُتِبَ لَهُ» وروينا عَنْهُ، أنه قَالَ: «خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح» . وقال: " مَا أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، قَالَ: وكان داود لا يأكل إلا من عمل يده ". وثبت عَنْهُ، أنه قَالَ: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب عَلَى ظهره فيكف بها وجهه خير لَهُ من أن يسأل الناس أشياء أعطوه أو منعوه» .

كتاب الكفالة والحوالة

كتاب الكفالة والحوالة باب ذكر وجوب ضمان الدين عن الميت 188 - نا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ لِيُصَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «عَلَيْهِ دَيْنٌ؟» قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ. قَالَ: «تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟» قَالُوا: لا. قَالَ: «فَصَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وفي امتناع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلي عَلَى الرجل قبل ضمان أبي قتادة الدينارين عَنْهُ، وفي صلاته عليه بعد ضمان ذَلِكَ دليل عَلَى صحة ضمان أبي قتادة، وعلى وجوب الضمان عَلَى الضامن ترك الميت مالا أم لم يتركه. وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «الدين مقضي والزعيم غارم» . والزعيم الحميل، وكذلك الكفيل والقبيل، وهي أسماء لمعنى واحد، فإذا ضمن الرجل المال عن الرجل وجب المال عَلَى الضامن ولم يبرأ الذي عليه الدين، فلرب المال أن يأخذ أيهما شاء، والدليل عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل أبا قتادة بعد ضمانه، فَقَالَ: «أقضيت عَنْهُ؟» قَالَ: نعم. قَالَ: «الآن قد بردت عن جلده» . فإذا ضمن الرجل عن الرجل المال، وأدى ذَلِكَ إِلَى الطالب نظر، فإن كَانَ ضمانه عَنْهُ بأمره رجع بالشيء عليه، وإن كَانَ ضمن ذَلِكَ بغير أمره لم يرجع عليه وكان متطوعا بالضمان. وإذا احتال الرجل بالمال يكون لَهُ عَلَى الرجل فقد تحول المال عن الذي كَانَ عليه إِلَى المحال عليه، وَلا سبيل للمحتال بالمال إِلَى صاحبه الأول بإفلاس الذي أحيل عليه بالمال أو موته، وذلك أن الحق إذا تحول لم يجز رده إِلَى الذي أحال بغير حجة، وَلا نعلم

حجة توجب الرجوع عَلَى المحيل بوجه من الوجوه. وَلا يجوز أن يأخذ الضامن عَلَى ضمانه جعلا، وَلا يجوز أن يتكفل الرجل عن الرجل بدين غير مسمى، وَلا بمال غير معلوم، وذلك مثل أن يقول: مَا وجب لك عَلَى فلان فعلي وما أشبه ذَلِكَ، وليس للعبد المأذون لَهُ فِي التجارة أن يتكفل بنفس رجل وَلا بمال، فإن فعل لم يجز ذَلِكَ. وإذا مات الرجل وعليه ديون إِلَى أجل فقد اختلف فِيهِ، فَقَالَ الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، والزُّهْرِيّ، ومالك، والثوري، والشافعي: تحل الديون بموته. وقال ابن سيرين، وعبيد اللَّه بن الْحَسَنِ، وأحمد، وإسحاق: الدين إِلَى أجله إن وثقوا بالورثة. والقول الآخر أحب القولين إلي، ولم يختلفوا أن مَا كَانَ للميت من ديون أنها إِلَى آجالها. وأكثر أهل العلم، يقولون: لا تجوز الكفالة فِي الحدود، واختلفوا فِي الكفالة فِي النفس،

فأجاز ذَلِكَ مالك، وسفيان الثَّوْرِيّ، والليث بن سعد، وأحمد، والنعمان. وقال الشَّافِعِيّ مرة كما قَالَ هؤلاء، وقال مرة: هِيَ ضعيفة. وَلا أعلم حجة توجب ذَلِكَ إلا قول أهل العلم

كتاب الحجر

كتاب الحجر قَالَ الله جل ذكره: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] . وقال اللَّه جل ثناؤه: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] . الرشد الصلاح فِي الدين وحفظ المال، وَلا يجوز أن يدفع إِلَى اليتيم المال إلا أن يكون صالحا فِي دينه حافظا لماله، وإذا كَانَ كذلك فقد أجمعوا عَلَى أن وجوب دفع المال إليه لازم، وإذا لم يكن كذلك لم يجز دفع المال إليه باختلاف، لا حجة مع قائله فِيهِ، والحجر يجب عَلَى كل مضيع لماله صغيرا كَانَ أو كبيرا، وقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن اللَّه كره لكم ثلاثا» . 189 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَزِيدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ،

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ، وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ " وما كره اللَّه لنا فمحرم علينا فعله، فالواجب أن يمنع المضيع لماله من إضاعته، ويحال بينه وبينه، وقد منع اللَّه من الفساد، وخبر أنه لا يحب الفساد فالمفسد لماله داخل فِي النهي وهو ممنوع منه، وإذا بلغ الغلام وأونس منه الرشد، ثم أفسد بعد ذَلِكَ فهو محجور عليه، لأن العلة التي من أجلها وجب منعه من ماله بعد بلوغه الفساد عادت، فمتى عاد عاد مفسدا، فقد رجعت العلة ووجب الحجر عليه. وليس للمحجور عليه أن ينكح إلا بإذن وليه، فإن فعل فسخ النكاح، وإذا نذر المحجور عليه نذورا، أو حلف بأيمان فحنث فيها، ووجب عليه كفارات لأيمانه، لم تطلق يده فِي ماله، وصام عن كل يمين ثلاثة أيام، ويصوم عن ظهاره إذا ظاهر، وَلا يجوز عتق المحجور عليه وَلا بيعه وَلا شراؤه. ولو اشترى أباه لم ينعقد شراؤه، فيعتق عليه وليس لوليه أن يمنعه من حجة الإسلام وعمرته، ويدفع المال إِلَى من ينفقه عليه فِي الطريق بالمعروف، وإذا كَانَ للمحجور عليه والدان وولد أنفق عليهم من ماله وكل مَا يصيبه المحجور عليه فِي إحرامه مما فِيهِ الفدية من قتل صيد أو لباس أو حلق شعر فعليه فِي ذَلِكَ الصوم. وإذا اختلعت المحجور عَلَيْهَا من زوجها بمال فسمي طلاقا كَانَ طلاقا يملك فِيهِ الزوج الرجعة، وَلا يلزمها مَا اختلعت به منه، وإقرار المحجور عليه جائز عَلَى نفسه بالزنى، والسرقة، وشرب الخمر، والقذف، تقام عليه الحدود كلها بإقراره، وَلا أعلم فِي هذا اختلافا. وإذا أقر لقوم بمال فِي حال الحجر أنه استهلكه عليهم لم يلزمه فِي حال الحجر وعليه تأديته إليهم إذا أطلق عَنْهُ الحجر، وإن كانت امرأة محجور عَلَيْهَا فنكحت أبطل نكاحها وليس لها أن تنكح إلا بإذن وليها.

كتاب التفليس

كتاب التفليس 190 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» وبخبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نقول وقد روينا ذَلِكَ عن: عمر، وعلي، فإذا أفلس الرجل فوجد البائع متاعه بعينه فهو أحق به من غيره للثابت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يقول قائل إن المعنى فِي قوله: «فوجد رجل متاعه بعينه» . إنما هو وديعة أو مَا أشبه ذَلِكَ لأن فِي حديث هشام بن يحيى، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «فوجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها» . وإذا وجد البائع سلعته عند المفلس وقد قبض بعض الثمن، كأن كَانَ عبدا فقبض البائع نصف ثمنه ثم أفلس، ففي هذه ثلاثة أقاويل: أحدها: أن يأخذ نصف العبد هذا مذهب الشَّافِعِيّ. والقول الثاني: أن يرد الذي قبض إن شاء ويأخذ العبد هذا قول مالك. والقول الثالث: أن يكون أسوة الغرماء هذا قول النعمان. وإذا وجد بعض السلع عند المشتري وقد باع بعضها وهو مفلس أخذ البائع بقي وضرب مع الغرماء بحصة الذي باع.

وإذا ارتفع ثمن السلعة المشتراة وأفلس المشتري، فصاحبها أحق بها، وإن رغب المفلس أو الغرماء فِي إمساكها، وعرضوا الثمن عَلَى البائع كَانَ لهم ذَلِكَ. وإن كانت المشتراة أمة فولدت أولادا عند المشتري ثم أفلس أخذ البائع الأمة دون الولد، وكان الولد للمشتري، فإن كانوا أطفالا بيعوا جميعا، وأخذ البائع حصة الإماء والغرماء حصة الأولاد لئلا يفرق بينهم، وإن كَانَ المشتري بياض أرض فبنى فيها المشتري ثم أفلس واختار البائع أخذ عين ماله بيع ذَلِكَ، واقتسموا الثمن لبائع الأرض من ذَلِكَ حصة أرضه وللغرماء حصة البناء. وإذا حجر القاضي عَلَى المفلس لم يجز بيعه وَلا شراؤه وَلا هبته وَلا عتقه حَتَّى يقضي الدين الذي عليه، وإن أقر بعد الحجر بدين لقوم لزمه ذَلِكَ فيما بيده وضربوا فِي ماله جميعا بالحصص، وليس لَهُ بعد أن يحجر عليه القاضي أن يقضي بعض غرمائه دون بعض، وما فعل قبل ذَلِكَ لم يرد. وإذا أفلس الصانع فأقر النساج منهم بأن هذا الغزل لفلان أو أقر الصائغ بأن هذه السبيكة لفلان فإقرارهم لازم لهم، ويجب دفع مَا أقروا به من ذَلِكَ إِلَى من أقروا لهم به. وأكثر أهل العلم يرون حبس المفلس إِلَى أن يعلم أن لا شيء مَعَهُ، وليس يخلو القول عندي فِي ذَلِكَ من أحد ثلاثة وجوه: إما أن يكون موسرا مانعا لما عليه، وَلا يظهر لَهُ مال يوجد السبيل إِلَى قضاء مَا عليه، فإذا كَانَ ذَلِكَ وجب أن يعاقب بالحبس ليخرج مما عليه. وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه «أمر رجلا بلزوم رجل لَهُ عليه حق» ،

وهذا فِي معنى الحبس وَلا أعلم فِي الحبس خبرا يثبت من جهة النقل.

والوجه الثاني: أن يكون الذي عليه الدين معسرًا فلا سبيل إِلَى حبس المعسر، لأن اللَّه جل ذكره، قَالَ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، ولأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ للرجل الذي أصيب فِي ثمار: «خذوا مَا وجدتم وليس لكم إلا ذَلِكَ» . والوجه الثالث: أن يكون أخذ أموال الناس وَلا تشهد لَهُ بينة بالعدم وَلا عليه باليسار، وَلا نعلم جائحة أذهبت ماله فحبس هذا يجب، لأن العلم قد أحاط بأخذه الأموال، وَلا يعلم خروجها من يده فيعذر بذلك، فحبس هذا يجب. وَلا يغفل القاضي المسألة عَنْهُ، فإذا صح عنده إفلاسه أطلقه ثم لا يعده إِلَى الحبس حَتَّى يعلم أنه استفاد مالا فيفعل فِي أمره مَا ذكرته لك. وكل مَا عزل من مال المفلس من الدنانير والدراهم والعروض وغير ذَلِكَ لأصحابه الذين فلسوه فتلفه من المفلس حَتَّى يقبضوه. وإذا سأل الغرماء أن يؤاجر المفلس ويؤخذ كسبه بعد نفقته ونفقة عياله فيقتضون منه مالهم فذلك غير جائز، لأن اللَّه أنظر المعسر، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] ، وديون المفلس والديون التي عليه إِلَى آجالها لا يحل منها شيء بإفلاسه. وإذا أفلس الرجل فقسم ماله بين غرمائه ثم ادان دينا من غيرهم ثم فلس

ثانيا فلا فرق فِي ماله الذي وجد بيده بين الأولين والآخرين يقسم بينهم جميعا. وإذا أحلف القاضي المفلس: أحلفه بالله الذي لا إله إلا هو مَا يملك، وَلا يجد لغرمائه قضاء بوجه من الوجوه فِي عرض وَلا نقد وَلا غير ذَلِكَ، وَلا يجوز أن يقول صاحب المال للذي عليه: أضع عنك وتعجل لي، روينا عن زيد بن ثابت، وابن عمر: أنهما كرها ذَلِكَ، وبه قَالَ مالك، والثوري، والكوفي.

كتاب المزارعة

كتاب المزارعة ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عامل أهل خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من ثمر أو زرع» . 191 - نا علي بن عبد العزيز بن عبيد، قَالَ: «عامل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من ثمر أو زرع» . والقول بظاهر هذا الخبر يجب، وممن روينا عَنْهُ من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنهم كانوا يعطون أرضهم بالثلث والربع، علي بن أبي طالب،

وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وخباب، وابن عمر، وأنس، ومعاذ بن جبل، فدفع الأرض والنخل بالثلث والربع جائز لثبوت الخبر عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأما أخبار رافع بن خديج التي احتج بها من خالفنا فتلك أخبار معلولة كلها، وقد

ذكرنا عللها فِي غير هذا الكتاب، قَالَ أحمد: يروى عن رافع فِي هذا ضروب كأنه أراد أن ذَلِكَ يوهن ذاك الحديث. وفيمن يخرج البذر قولان: أحدهما: أنه من عند رب الأرض هذا قول أحمد، وإسحاق، وقال غيرهما: مَا نبالي من عند أيهما كَانَ، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يشترط ذَلِكَ حيث دفع خيبر إِلَى العمال. وللرجل أن يستأجر الأرض وقتا معلوما بالدنانير والدراهم إذا كانت معلومة. ومن أجاز ذَلِكَ من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سعد بن أبي وقاص، ورافع بن خديج، وابن عباس، وابن عمر، وبه قَالَ جماعة من

التابعين، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي وهو قول عوام أهل العلم من علماء الأمصار. وَلا بأس أن يستأجر الرجل الأرض بطعام معلوم موصوف ليس مما تخرج الأرض، ولكن يكون ذَلِكَ فِي ذمة المكتري يوصف كما يوصف فِي السلم فذلك جائز، وَلا يجوز أن تكترى الأرض بربع مَا يخرج منها وَلا بشيء منه. وإذا اشترك النفر عَلَى أن البقر من عند أحدهم والأرض من عند الآخر والبذر من عند أحدهم، والعمل عَلَى أحدهم فزرعوا عَلَى هذا، عَلَى أن الزرع أرباعا لكل واحد منهم ربعه، فالزرع لصاحب البذر، ولصاحب الأرض أجر مثل الأرض، ولصاحب البقر أجر مثل البقر، وللعامل أجر مثله، وليس عَلَى صاحب البذر أن يتصدق بشيء منه. وإذا كَانَ بين الرجلين أرض ولهما دواب وغلمان فزرعا ببذرهما وأعوانهما الأرض عَلَى أن مَا أخرج اللَّه فِي ذَلِكَ من شيء فهو بينهما، فهذا جائز لأن أحدهما لا يفضل صاحبه بشيء. وإذا استأجر الرجل الأرض إجارة صحيحة فزرعها، وانقضت المدة وفي الأرض زرع، فعليه إذا انقضت المدة قلع الزرع، وإذا اكترى أرضا عَلَى أن يزرعها فأراد أن يغرسها فليس ذَلِكَ لَهُ. وإذا استأجرها عَلَى أن يزرعها نوعا من الزرع فأراد أن يزرعها غير مَا شرط، فإن كَانَ لا ضرر عَلَى الأرض فِي ذَلِكَ أكثر من إضرار مَا اشترط أن يزرع فلا شيء عليه، وإن كَانَ ذَلِكَ أضر بالأرض مما شرط فليس لَهُ ذَلِكَ، وَلا يجوز أن تكترى الأرض ويشترط ثمر نخل

فيها كثر ذَلِكَ أم قل، لأن ذَلِكَ اكتراء النخل، ولأنه لا يعلم كرى الأرض من حصة ثمن الثمر وهو يفسد من وجوه. ويكره أن يزرع بالعدة، كَانَ ابن عمر يكره ذَلِكَ، وإذا اكترى أرضا عَلَى أنه إن زرعها حنطة فكراؤها عشرة دنانير، وإن زرعها شعيرا فكراؤها ثمانية دنانير فالكراء فاسد، فإن أدرك قبل الزرع فسخ، وإن زرعها فعليه كراء المثل. وإذا اكترى الرجل أرضا كراء صحيحا، ثم جَاءَ فَقَالَ: لا أجدر بذرا فقد لزمه الكراء، وليس ذَلِكَ بعذر يفسخ به الكراء، وَلا يجوز أن يكتري الرجل أرضا من رجل ليرعى فيها دوابه سنة، لأن ذَلِكَ لا يوقف عَلَى حد مَا وقف عليه الكراء، وقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يغرس رجل مسلم غرسا وَلا زرعا فيأكل منه دابة أو إنسان أو سبع أو طائر أو شيء إلا صار لَهُ فِيهِ أجر» .

كتاب المساقاة

كتاب المساقاة ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عامل أهل خيبر عَلَى شطر مَا يخرج من تمر أو زرع. 192 - نا أَبُو مَيْسَرَةَ، قَالَ: نا ابْنُ خَلادٍ وَابْنُ الصَّبَّاحِ، قَالا: نا يَحْيَى، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» فدفع النخل جائز مساقاة عَلَى النصف أو الثلث أو الربع أو عَلَى جزء من أجزاء معلوم، ودفع الكرم مساقاة كدفع النخل لا فرق بينهما، وَلا أعلم أحدا خالف مَا ذكرناه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا النعمان، وَلا يعلم لَهُ معنى إذ هو مخالف للسنة، ولأبي بكر، وعمر لأن أبا بكر أقر اليهود بخيبر بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقرهم عمر إِلَى أن أجلاهم وما زال أهل الحرمين عليه قديما

وحديثا، وترك يعقوب، ومحمد قول صاحبهما، وقالا: بالسنة التي ذكرناها. واختلفوا فِي المساقاة فِي غير النخل والعنب، فكان مالك، يقول: تجوز المساقاة فِي كل أصل وكرم وزيتون أو تين أو فرسك أو مَا أشبه ذَلِكَ من الأصول، وبه قَالَ أبو

ثور، ويعقوب، ومحمد، وكان الشَّافِعِيّ لا يجيز المساقاة إلا فِي النخل والعنب. القول الأول أصح، وَلا بأس بالمساقاة فِي البعل من النخل، لأن فِيهِ أعمالا سوى السقي. وأكثر أهل العلم يكرهون المساقاة عَلَى شجر لم تطعم، وإذا دفع الرجل إِلَى الرجل نخلا معاملة ولم يسم سنة، وَلا أكثر من ذَلِكَ فهو جائز عَلَى ظاهر دفع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخل خيبر إِلَى اليهود، وفي الحديث: «نقركم عَلَى ذَلِكَ مَا شئنا» . ومما يجوز أن يشترط فِي المساقاة عَلَى العامل خم العين وسرو الشرب، وإبار النخل، وقطع الجريد وجداد التمر، فأما سد الحظار فكان مالك يجيز أن يشترطه رب النخل عَلَى العامل، وَلا يجوز فِي قول الشَّافِعِيّ، وقال مالك، والشافعي: لا بأس أن يشترط المساقاة عَلَى رب النخل غلمانا يعملون مَعَهُ وليس لَهُ أن يستعملهم فِي غير ذَلِكَ المال. ونفقة الرقيق فِي قول مالك عَلَى المساقي لا ينبغي أن يشترط نفقتهم عَلَى رب المال. وفي قول الشَّافِعِيّ: نفقة الرقيق عَلَى مَا تشارطا عليه.

وإذا كَانَ للرجل حائطان فله أن يعامل عَلَى أحدهما بعينه بالنصف، وعلى الآخر بالثلث وتخرج الزكاة من التمر، ثم يقتسمان مَا بقي عَلَى مَا اشترطا عليه. وإذا دفع رجل إِلَى رجل نخلا معاملة سنين معلومة عَلَى النصف أو الثلث فهو جائز، فإن أراد أحدهما الرجوع بعد أن عقدا ذَلِكَ مثل انقضاء المدة فليس لَهُ ذَلِكَ إلا أن يمرض العامل، فيقيم مقامه ثقة غيره، فإن ادعى رب المال أن العامل خائن، وقال: أخاف أن يفسد علي نخلي سئل عن ذَلِكَ، فإن صحت خيانته قيل للعامل: أقم مكانها ثقة يقوم بما يجب عليك أن تقوم به، فإذا أثمرت النخل أخذت حصتك، وقبض رب المال حصته، وكانت أجرة القيم عَلَى العامل. وإذا دفع رجل إِلَى رجل نخلا معاملة فمات أحدهما قام ورثته فِي ذَلِكَ مقامه إن كَانَ الميت صاحب النخل، وإن كَانَ الميت العامل قام ورثته مقامه إن شاءوا، وإذا دفع الرجل إِلَى الرجل نخلا معاملة عَلَى أن لرب النخل دنانير معلومة أو وسقًا من التمر يخص به، أو شرط العامل لنفسه فالمعاملة عَلَى هذا فاسدة لا تجوز.

باب السلف

باب السلف أجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل مَا لَهُ مثل من الأطعمة المكيل منها والموزون جائزة، دل خبر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أن استلاف الحيوان جائز. وإذا استقرض الرجل من الرجل قرضا مما يجوز أن يقرض فرد عليه مثله فهو جائز، وللمقرض أخذ ذَلِكَ وَلا يحل أن يشترط عليه إذا أقرضه هدية أو هبة أو زيادة، فإن فعل ذَلِكَ كَانَ ربا لا يحل للآخذ وَلا للمعطي، وإن رد عليه أفضل منه عَلَى غير شرط فلا بأس به، ويكره أن يهدي المستقرض للمقرض هدية بسبب قرضه، وإن كانت عادتهما قد جرت بهدايا فلا بأس أن يمضيا عَلَى عادتهما. وإنما يكره أن يحدث شيئا بسبب القرض لم يكن،

وَلا بأس أن يعطي الرجل الدنانير بأرض عَلَى معنى القرض ويعطيه بأرض أخرى قرب مَا بين البلدين أو بعد إذا لم يشترط فيما يعطي صرفا أو خيرا مما قبضه منه، وَلا يحل أن يعطيه دنانير قطعا عَلَى أن يرد عليه صحاحا أو يدفع إليه دنانير عَلَى صرف يذكر أنه من الدراهم، لا يحل شيء من ذَلِكَ. وإذا أسلف الرجل من الرجل فلوسًا أو دراهم فأفسدها السلطان أو أبطلها فليس لَهُ إلا مثل فلوسه التي أعطى أو دراهمه، وإذا أقرضه دنانير معلومة إِلَى سنة فأحب إلي وأحسن أن لا يطالبه قبل الأجل، فإن فعل فله أن يأخذه منه متى شاء، وَلا بأس إذا أقرضه دنانير أن يأخذ مكانها دراهم يقبض ذَلِكَ مكانه، وإذا أقرضه حنطة فله أن يأخذ مكانها شعيرا يقبضه مكانه أقل من الحنطة أو أكثر، وإذا استقرض منه دراهم عددا فله أن يرد عليه عددا وليس هذا ببيع، وقد رخص غير واحد من أهل العلم للجيران أن يستقرض بعضهم من بعض الخبز.

كتاب المرتد

كتاب المرتد قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] . 193 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ، وَكَانَ فِي الدَّارِ مَدْخَلٌ كُنَّا إِذَا دَخَلْنَاهُ سَمِعْنَا كَلامَ مَنْ عَلَى الْبَلاطِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيُوَاعِدُونِي بِالْقَتْلِ أَلْفًا. فَقُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: بِمَ يَقْتُلُونِي؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ «، فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ، وَلا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلا مِنْهُ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي اللَّهُ، وَلا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ يَقْتُلُونِي؟» فإذا ارتد الرجل عن الإسلام أحببت أن يستتاب ثلاثا اتباعا لعمر، ولو قتله إمام لم أر عليه شيئا، لأني لا أعلم خبرا ثابتا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يوجب

باب ذكر ارتداد المرأة المسلمة

ذَلِكَ، بل قد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من بدل دينه فاقتلوه» . باب ذكر ارتداد الْمَرْأَة المسلمة ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ قولا عاما: «من بدل دينه فاقتلوه» . 194 - نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّائِغُ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ فَاقْتُلُوهُ وَلا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» ، يَعْنِي: النَّارَ دخل فِي قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من بدل دينه فاقتلوه» الرجال والنساء ويلزم من خالف مَا قلناه خلاف الخبر من جهة أخرى، وذلك أنه يقول: دخل الرجال والنساء فِي قوله: «أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفسا بغير نفس» . فالمقرون إليهما يكون حكمه حكمهما عَلَى أن المناقضة لا تفارق من خالفنا، لأنه خرج عن ظاهر الحديث وأوجب عَلَيْهَا إذا ارتدت حبسا من عند نفسه لا حجة مَعَهُ به، وحكم العبد والأمة يرتدان حكم الحر المسلم لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من بدل دينه فاقتلوه» .

باب ذكر المغلوب على عقله والسكران يتكلمان بالكفر

باب ذكر المغلوب عَلَى عقله والسكران يتكلمان بالكفر أجمع كل من يحفظ قوله من العلماء عَلَى أن المجنون فِي حال جنونه إذا تكلم بالكفر، أنه مسلم كما كَانَ قبل ذَلِكَ. وقد اختلف فيمن تكلم بالكفر وهو سكران فألزمته طائفة الارتداد، وكان عثمان بن عَفَّانَ، يقول: «لا طلاق للسكران وَلا للمعتوه» . ومن حجة من لا يلزمه الارتداد: أن المكره عَلَى الكفر لما سقط حكم الكفر عَنْهُ لارتفاع مراده، وجب كذلك أن يسقط حكم السلطان عَنْهُ لارتفاع مراده، وفي قولهم: إن السكران إذا ارتد لم يستتب فِي سكره ولم يقتل دليل عَلَى أن لا معنى لارتداده. «وقد حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدماء» ، وَلا يجوز أن يهراق دم باختلاف، لا حجة مع موجبه، والعبد والحر والمكاتب والمدبر فِي ذَلِكَ سواء كل من ارتد منهم وجب قتله إن لم يتب.

باب ذكر ما يجب على من سب النبي صلى الله عليه وسلم

باب ذكر مَا يجب عَلَى من سب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 195 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا يَعْلَى، قَالَ: نا الأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: " مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَتَغَيَّظُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الَّذِي تَتَغَيَّظُ عَلَيْهِ؟ ، قَالَ: وَلِمَ تَسْأَلُ؟ ، قُلْتُ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ لأَذْهَبَ عِظَمَ كَلِمَتِي غَضَبُهُ. قَالَ: مَا كَانَتْ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "،

باب ذكر المكره على الكفر

وَمِنْ ذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، لأَنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وقد روينا عن ابن عمر، أنه قيل لَهُ: إن رجلا سب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لو سمعته لقتلته، وأجمع عوام أهل العلم عَلَى وجوب القتل عَلَى من سب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا قول: مالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق ومن تبعهم. باب ذكر المكره عَلَى الكفر قَالَ اللَّه جل ذكره: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] 196 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .

باب ذكر استتابة الزنديق

وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] ، وَعَذَرَ اللَّهُ الْمُكْرَهَ وَطَرَحَ عَنْهُ الْحَرَجَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ الْكُفْرُ، بَلْ هُوَ عَلَى إِيمَانِهِ لا يَضُرُّهُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ الْمُطَّلِعُ عَلَى ضَمِيرِهِ يَعْلَمُ صِدْقَ نِيَّتِهِ باب ذكر استتابة الزنديق قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {1} اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 1-2] . 197 - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَد، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي اخْتَلَفْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ، ضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ

باب ذكر مال المرتد المقتول على ردته

يَدِي، فَلَمَّا أَهْوَيْتُ إِلَيْهِ لأَقْتُلَهُ، قَالَ: " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَقْتُلُهُ أَمْ أَدَعُهُ؟ قَالَ: بَلْ دَعْهُ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي. قَالَ: فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا، فَقَالَ: «إِنْ قَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ تَقُولَهَا فَأَنْتَ مِثْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَقُولَهَا، وَهُوَ مِثْلُكَ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَكَ» فإظهار الزنديق التوبة يجب قبولها عَلَى ظاهر قوله: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] ، إذ فِي ذَلِكَ دليل عَلَى أن إظهار الإيمان جنة من القتل، وإنما كلفنا الظاهر، وقد أسر قوم من المنافقين الكفر، وأظهروا بألسنتهم غير مَا فِي قلوبهم، فقبل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم مَا أظهروه، وهذا مذهب عبيد اللَّه بن الْحَسَنِ، والشافعي. باب ذكر مال المرتد المقتول عَلَى ردته 198 - نا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فعلى ظاهر هذا الحديث لا يرث المرتد ورثته من المسلمين، وَلا يرثهم لأنه كافر، ولكن الإمام يأمر بقبض ماله ويضعه فِي بيت مال الفيء ليفرقه فيما يجب. باب ذكر أحكام المرتد أجمع كل من أحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن المرتد بارتداده لا يزول

ملكه عن ماله. وأجمعوا عَلَى أنه برجوعه إِلَى الإسلام مردود عليه ماله، وليس يخلو فعله فِي ماله بعد أن ارتد من أحد وجهين: أحدهما: أن يكون كل مَا فعل موقوفا لا ينفذ منه شيء حَتَّى يرجع إِلَى الإسلام، فإذا رجع إِلَى الإسلام أنفذ ذَلِكَ، ولزمه مَا فعل، وهذا مذهب الشَّافِعِيّ، أو يكون عتقه وهبته وبيعه وشراؤه، وكل شيء صنعه من ماله جائز. هذا قول النعمان، ولي فِيهِ نظر.

وإذا وجب عَلَى المرتد القتل فعدا عليه رجل فقتله فلا شيء عليه من عقل وَلا قود، لأنه قتل كافرا مباح الدم غير أن الإمام ينهاه حيث تولى شيئا ليس إليه، وإن عزره كَانَ لتعزيره وجه. وإذا أصاب المسلم حدًا ثم ارتد ثم رجع إِلَى الإسلام أقيم عليه الحد، لأن ذَلِكَ لزمه فِي حال إسلامه، وَلا يجوز أن يسقط مَا وجب عليه فِي حال إسلامه لكفره، وإذا ارتد الرجل عن الإسلام وقعت الفرقة بينه وبين زوجته مدخولا بها كانت أو غير مدخول بها. وهذا عَلَى مذهب مالك، والثوري، والنعمان. وَلا يجوز أكل ذبيحة المرتد، لأنه ليس بمسلم وَلا هو من أهل الكتاب. وأجمع أهل العلم: عَلَى أن الكافر إذا شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله وأن كل مَا جَاءَ به مُحَمَّد حق ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام وهو بالغ صحيح العقل أنه مسلم، فإن رجع بعد ذَلِكَ فأظهر الكفر كَانَ مرتدا يجب قتله إذا لم يتب. واختلفوا فِيهِ: إن شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رَسُول اللَّهِ، فَقَالَ أحمد بن حنبل: يجبر عَلَى الإسلام، وأنكر عَلَى من قَالَ: لا يجبر. وكذلك قَالَ الشَّافِعِيّ: إن كَانَ القائل منهم من أهل الأوثان ومن لا دين لَهُ يدعي أنه لا دين نبوة وَلا كتاب. وقال أصحاب الرأي: إن كَانَ من اليهود والنصارى، فَقَالَ: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رَسُول اللَّهِ لم يكن بذلك مسلما حَتَّى يصلي مع المسلمين فِي جماعة أو يؤذن لهم. وقال الشَّافِعِيّ: إن كَانَ من اليهود والنصارى، من يقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقول: لم يبعث إلينا لم يكن مستكمل الإقرار بالإيمان، حَتَّى يقول: وإن دين مُحَمَّد حق أو فرض، وأتبرأ مما خالف دين مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو دين الإسلام.

وإذا ارتد مرة بعد مرة استتيب ليس لذلك حد يوقف عليه. وأجمع أهل العلم: عَلَى أن الشاهدين يجب قبول شهادتهما عَلَى الارتداد، ويقتل المرتد بشهادتهما إن لم يرجع إِلَى الإسلام، وكل مَا ثبت عَلَى المرتد من دين أدي من ماله، وإذا كَانَ لَهُ ديون عَلَى الناس وجب قبض ذَلِكَ وضمه إِلَى ماله، وما كَانَ عليه إِلَى أجل أو لَهُ دين إِلَى أجل فهو إِلَى أجله كَانَ مما عليه أو لَهُ، وليس للمرتد أن ينكح امرأة مسلمة وَلا كتابية.

كتاب العتق

كتاب العتق قَالَ اللَّه جل ذكره: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {12} فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11-13] ، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من أعتق رقبة أعتق اللَّه بكل عضو منها عضوا منه من النار» . 199 - نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، يُقَالُ لَهُ: شُعْبَةُ وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى فِي دَارِهِ عَلَى سَطْحِهِ فَدَعَا بَنِيهِ، فَقَالَ: وَا بَنِيَّ تَعَالَوْا حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، يُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وفي حديث كعب بن مرة البهزي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما كَانَ فكاكه من النار يجزى بكل عظم من عظامه عظما من عظامه، وأيما رجل مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزى بكل عظمين من عظامهما عظما من عظامه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من

باب ذكر المعتق شركا له في عبد وهو موسر أو معسر

النار، يجزى بكل عظم من عظامها عظما من عظامها» . وثبت عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه سئل أي الرقاب أفضل؟ قَالَ: «أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها» . باب ذكر المعتق شركا لَهُ فِي عبد وهو موسر أو معسر 200 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» إذا أعتق الرجل شركا لَهُ فِي عبد وكان موسرا حين أعتقه عتق العبد كله، وصار حرا وغرم لشريكه قيمة نصيبه فِي ماله والولاء كله لَهُ، وإن لم يكن لَهُ مال عتق نصيبه وَلا يعتق منه غير ذَلِكَ. وليس عَلَى العبد المعتق سعاية، لأن هماما ذكر أن الاستسعاء من فتيا قتادة فألحق بعضهم الزيادة التي زادها قتادة فِي الحديث،

فأوهم بعضهم أن ذَلِكَ من كلام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس كذلك وإذا أعتق الرجل شركا لَهُ فِي عبد وهو موسر وقت أعتق، ثم أفلس مكانه فعليه قيمة حصة شريكه، لأنهم لما قالوا: إن المعتق بعد دفع القيمة لا يحتاج إِلَى تجديد قول ثان، فإن العتق إنما وقع عَلَى الحصة التي للشريك بالقول الأول، والقيم إنما تكون للأشياء المتلفة،

باب ذكر الرجل يعتق بعض عبده أو عضوا من أعضاء عبده

ولو منعوا الذي لم يعتق من بيع حصته بعد عتق شريكه، ولم يمنعوه، قيل: يعتق شريكه من البيع كَانَ ذَلِكَ عَلَى الفرق بين الحالين، وإنهم إنما منعوه من بيع مَا وقع عليه العتق. باب ذكر الرجل يعتق بعض عبده أو عضوا من أعضاء عبده أجمع أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا أعتق عبدا لَهُ فِي صحته وهو موسر أن عتقه ماض عليه. وإذا أعتق الرجل بعض عبده وهو صحيح عتق العبد كله استدلالا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ألزم الشريك المعتق حصة شريكه الذي لم يملكه قبل العتق إذ كَانَ موسرا وأوقع العتق عَلَى جميع العبد، وجب إذا كَانَ العبد للمعتق بكماله فأعتق شقصا منه بأن جميعه يعتق عليه من حيث دلت السنة عَلَى وجوب عتق مَا لا يملك من العبد عليه، لأنه أعتق مَا يملكه منه. وإذا قَالَ الرجل لعبده: أصبعك حر. ففي قول قتادة، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق يعتق العبد كله وهذا قياس قول الشَّافِعِيّ، وفي قول أصحاب الرأي لا يعتق. باب ذكر ملك الرجل ولده أو والده أو ذوي أرحامه أجمع أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا ملك والده أو ولده أنه يعتق عليه ساعة

باب ذكر مال العبد المعتق والاستثناء من العتق

يملكهم، وأجمعوا: عَلَى أن من ملك من كل من ذكرنا جزءا أن الجزء يعتق عليه. وإذا ملك شقصا ممن يعتق عليه بشراء أو هبة، ففيهما قولان: أحدهما: أن يعتق عليه مَا ملك ويعتق عليه الباقي، وهذا قول: مالك، والشافعي، ويعقوب. والقول الثاني: أن لا يعتق عليه إلا مَا اشترى أو وهب لَهُ وَلا يعتق عليه الباقي، هذا قول أبي ثور، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضمن المعتق قيمة حصص أصحابه، لأنه أحدث العتق والمشتري لم يحدث عتقا إنما أعتق عليه، ويعتق عليه أبواه وأجداده لأبيه وأمه، وجداته لأبيه وأمه وولده وولد ولده، وهذا قول: مالك، والشافعي، والكوفي، وعوام العلماء. وَلا يعتق عليه سائر ذوي أرحامه، وإنما أعتقنا عليه من ذكرنا لإجماع أهل العلم عليه. ووقفنا عن عتق من يملكه المرء من ذوي أرحامه لأني لا أعلم حجة توجب عتقهم. باب ذكر مال العبد المعتق والاستثناء من العتق 201 - نا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ: نا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ:

حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَالُهُ لَهُ إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ السَّيِّدُ مَالَهُ فَيَكُونُ لَهُ» قَالَ أبو بكر: وقد روينا هذا القول عن ابن عمر، وعائشة، وبه قَالَ الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، والزُّهْرِيّ، والشعبي، والنخعي، ومالك،

وأهل المدينة وبه أقول لحديث ابن عمر. أجمع أهل العلم عَلَى أن من قَالَ لعبده: أنت حر، أو قد أعتقتك، أو أنت معتق، أو عتيق ينوي به عتقه أن عبده يعتق عليه، وَلا سبيل لَهُ إليه، وإذا قَالَ لعبده: أنت حر. إن شاء اللَّه لم يقع عليه العتق فِي قول عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وحماد بن أبي سُلَيْمَان، والشافعي، ويعتق فِي قول الحسن البصري، والأوزاعي، ومالك. القول الأول أحب إلي. وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا أعتق مَا فِي بطن أمته فولدت ولدا حيا مكانها، أن الولد حر دون الأم، وممن حفظنا هذا عَنْهُ مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وَلا يحفظ عن غيرهم خلاف قولهم، ولم يجعلوه فِي هذا الوجه كعضو من أعضائها، وإذا أعتق الرجل الأمة، واستثنى

مَا فِي بطنها فله ثنياه كذلك. قَالَ ابن عمر: وَلا نعلم أحدا من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالفه، وبه قَالَ: عطاء، ومحمد بن سيرين، والشعبي، والنخعي، والحكم، وحماد، وأحمد، وإسحاق، وبه نقول. وإذا باع الأمة دون ولدها وهي حامل فالبيع جائز، لأن البيع معلوم وَلا يضرهما أن يجهلا مَا لم يقع عليه البيع. مسائل 202 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ،

عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَمْلُوكًا لأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: " أَعْتَقْتُكَ، وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتَ. فَقُلْتُ: لَوْ لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتُ ". فَأَعْتَقَتْنِي، وَاشْتَرَطَتْ ذَلِكَ عَلَيَّ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّوَوِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَبِهِ نَقُولُ وإذا قَالَ الرجل لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدين وقع العتق عَلَى الأول

منهما وهذا عَلَى مذهب مالك، والشافعي، والكوفي، وإن ولدت ولدين ولم يدر الأول منهما ففيها ثلاثة أقوال: أحدها: يستسعيان، هذا قول الثَّوْرِيّ. والقول الثاني: أن يقرع بينهما فمن أصابته منهما، القرعة عتق، هذا قول أحمد، وإسحاق. والقول الثالث: أن يوقف أمرهما حَتَّى يتبين الأول منهما هذا يشبه مذهب الشَّافِعِيّ وبه أقول. وإذا قَالَ الرجل لأمته: كل ولد تلدينه فهو حر فولدت أولادا فهم أحرار، هذا قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والليث بن سعد، وسفيان الثَّوْرِيّ، والشافعي، وَلا أحفظ عن غيرهم خلاف قولهم. فإن باع الأمة ثم ولدت بعد زوال ملكه عنها أولادا لم يعتقوا وهم مماليك، لأنهم ولدوا بعد خروجها من ملكه. وإذا قَالَ الرجل يعاتب عبده: مَا أنت إلا حر ولم يرد الحرية فلا شيء عليه، وهذا قول: مالك، والأوزاعي، وبه قَالَ الأكثر من أهل العلم، والحجة فِيهِ قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأعمال بالنية» . وهذا لم يرد عتقا، كأنه قَالَ: أنت تشبه الأحرار فِي أفعالهم وتخلق بأخلاقهم.

باب تقدم العتق قبل الملك وقول الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر وغير ذلك

باب تقدم العتق قبل الملك وقول الرجل لعبده إن بعتك فأنت حر وغير ذَلِكَ إذا قَالَ الرجل: كل مملوك أملكه فهو حر فاشترى عبيدا بعد هذا القول فلا شيء عليه، لا عتق إلا بعد الملك، ثبت هذا القول عن ابن عباس، وبه قَالَ: سعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وجابر بن زيد، وعروة بن الزبير، وسوار القاضي، والشافعي، وأبو ثور. الخبر والنظر يدلان عَلَى صحة هذا القول، فأما الخبر فحديث عبد الله بن عمرو، وابن عباس، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «لا عتق فيما لا يملك وَلا بيع فيما لم يملك» . ولما أجمع

أهل العلم عَلَى ثبوت ملك المشتري عَلَى العبد الذي قَالَ القائل: إن اشتريته فهو حر. واختلفوا فِي زوال ملكه عن هذا العبد لم يجز إزالة ملكه عن مَا ملك إلا بإجماع مثله، وثبت ذَلِكَ عن ابن عباس، وَلا مخالف لَهُ من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلك لازم للمدني، والكوفي عَلَى أصولهم. وإذا قَالَ الرجل لعبده: إن بعتك فأنت حر عتق من مال البائع وهذا قول: الحسن البصري، ومالك، والليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة،

والشافعي، وأحمد بن حنبل. لأن اسم البيع يلزم من باع عبده بيعا صحيحا فلما باع لزمته الحرية، لأنه قد باع ولأنهما بالخيار مَا لم يتفرقا، وإذا وقعت الحرية انفسخ البيع. وإذا دفع العبد مالا إِلَى من يشتريه من مولاه ويعتقه، فاشتراه الرجل من مولاه وأعتقه نظر، فإن كَانَ اشتراه بعين المال فالشراء فاسد، وَلا يقع عليه العتق والذي قبضه السيد إنما قبض ماله، فإن اشتراه بغير عين المال فالشراء جائز، والعتق ماض ويدفع المشتري إِلَى السيد مَا قبض من العبد، ويزن للعبد الثمن من ماله، وهذا عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ وبه أقول. وفي العبد الذي نصفه حر ونصفه مملوك قولان: إذا مات أحدهما أن ميراثه للذي لَهُ النصف وهذا قول: الزُّهْرِيّ، ومالك، ومن الحجة لهما: أن أحكام العبيد كانت لازمة لَهُ قبل أن تحدث فِيهِ الحرية، فلا تزول تلك الأحكام عَنْهُ حَتَّى يجمعوا أو تدل سنة عَلَى زوال ذَلِكَ عَنْهُ. والقول الثاني: أن مَا ترك بين المولى الذي أعتق والمتمسك برقه شطران، هذا قول: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وطاوس، وإياس بن معاوية، وأحمد بن حنبل.

مسائل من كتاب العتق

مسائل من كتاب العتق وإذا شهد رجلان عَلَى رجل أنه أعتق عبده فردت شهادتهما ثم اشتراه أحدهما عتق عليه، وهذا قول: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حَتَّى يحتلم، وعن النائم حَتَّى يستيقظ، وعن المجنون، والمعتوه حَتَّى يفيقا ". فلا يجوز عتق الصبي وَلا عتق المجنون استدلالا بهذه السنة، وَلا أعلمهم اختلفوا فِيهِ، وَلا يجوز عندي عتق السكران، لأن عثمان بن عَفَّانَ لما أبطل طلاقه كَانَ عتقه كذلك، وَلا يجوز عتق المولى عليه. وإذا قَالَ الرجل: كل مملوك لي حر وله عبيد وإماء ومكاتبون ومدبرون وقع العتق عَلَى جميعهم، وهذا قول: أحمد بن حنبل، وأبي ثور، والمدني. وقال من حفظنا عَنْهُ من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن المكاتب عبد مَا بقي عليه، منهم من قَالَ: شيء. ومنهم من قَالَ: درهم. والقياس عَلَى الأكثر من

المعاني. وأكثر أحكام المكاتب أحكام العبيد، وَلا يقولن قائل إنه لما لم يجز بيعه لم يجز عتقه، فإنه يجيز عتق الآبق وَلا يجيز بيعه، ولو قَالَ لعبد لَهُ، ولعبد آخر آبق، ولمكاتب لَهُ: أنتم أحرار. عتقوا جميعا.

باب ذكر أولاد العرب من الإماء

باب ذكر أولاد العرب من الإماء إذا تزوج العربي مملوكة، وهو يعلم أنما مملوكة فوطئها وأولدها ففي ذَلِكَ قولان: أحدهما: أن يقوم عَلَى أَبِيهِ ويعتق وَلا يسترق هذا قول: الثَّوْرِيّ، وإسحاق، وأبي ثور. والقول الثاني: أنهم رقيق هذا قول: مالك، وأصحاب الرأي، وناس من أهل الحديث. ومن حجة من قَالَ هذا القول أخبار ثابتة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحدها: أنه سبى هوازن، وأنهم لما كلموه ترك حقه وحق من أطاعه، وضمن لكل من لم تطب نفسه لكل رأس بشيء ذكره، وأن عمر بن الْخَطَّابِ كَانَ مَعَهُ غلام من رقيق حنين، قَالَ: فاذهب فأنت حر. ولم يكن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعتق أحرارا

وهؤلاء قوم من العرب قد جرى عليهم الرق بالسبي. ويدل عَلَى صحة هذا القول قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سبية كانت عند عائشة من بني تميم: «أعتقيها فإنها من ولد إِسْمَاعِيل» . وأمرها أن تعتق من بني العنبر فِي محرر كَانَ عَلَيْهَا وهذه أخبار ثابتة لما أجمع أهل العلم عَلَى التسوية بين العرب والعجم فِي الدماء، لما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» . فإذا اختلفوا فيما دون الدماء فحكمه حكم الدماء الذي دلت السنة والإجماع عليه. 203 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ بِالْجِعْرَانَةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ عِنْدَ الْبَيْتِ. قَالَ: «فَاذْهَبْ فَاعْتَكِفْ عِنْدَ الْبَيْتِ» . فَسَمِعَ نَاسًا، يَقُولُونَ: «أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيقَ حُنَيْنٍ» ، وَمَعَهُ غُلامٌ مِنْ رَقِيقِ حُنَيْنٍ، فَقَالَ: فَاذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ

مسائل من كتاب العتق

مسائل من كتاب العتق وإذا قَالَ الرجل: أنت حر إن فعلت كذا ثم باع العبد بيعا صحيحا ثم فعل ذَلِكَ الفعل لم يعتق العبد، لأنه حنث وهو خارج عن ملكه، وهذا مذهب الشَّافِعِيّ، والنعمان وبه أقول. وإذا قَالَ لعبده: أنت حر إِلَى سنة أو قَالَ ذَلِكَ لجاريته فالعبد والجارية عَلَى ملكه، وله أن يبيعهما قبل مضي السنة، وله أن يطأ الجارية، وإذا باعهما بيعا صحيحا قبل مجيء الوقت، ثم جَاءَ الوقت لم يحنث، لأنهما فِي ملك غيره، وإذا قَالَ الرجل لعبده: إن لم أضربك فأنت حر. فأراد بيعه، وأن لا يضربه فله أن يبيعه ويهبه متى أحب، لأنه عَلَى يمينه إذا لم يكن وقت لذلك وقتا، وإن مات السيد قبل أن يضربه عتق، فِي قول مالك، والشافعي من ثلث ماله. وأجمع أهل العلم: عَلَى أن مَا يحدثه المريض والمخوف عليه فِي مرضه الذي يموت فِيهِ من هبة لأجنبي أو صدقة أو عتق أن ذَلِكَ فِي ثلث ماله، وأن مَا جاوز ثلثه من ذَلِكَ مردود غير جائز إنفاذه. ودل خبر عمران بن حصين، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قصة

الرجل الذي أعتق ستة أعبد لَهُ عند موته، فأعتق النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم اثنين وأرق أربعة عَلَى مثل مَا أجمع عليه أهل العلم، وقال بظاهر خبر عمران بن حصين عمر

بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وأجمع أهل العلم عَلَى أن الراهن ممنوع من بيع الرهن، وهبته والصدقة به وإخراجه من يدي مرتهنه حَتَّى يبرأ من حق المرتهن. واختلفوا فِي الراهن يعتق العبد المرهون بغير إذن المرتهن، فكان عثمان البتي، وأبو ثور، يقولان: عتقه باطل لا يجوز، وبه نقول، وقال

الشَّافِعِيّ، وأحمد بن حنبل، وأصحاب الرأي: إن كَانَ موسرا فعتقه جائز، وتؤخذ منه قيمته تكون رهنا مكانه، وإن كَانَ معسرا فلا يجوز عتقه فِي قول: مالك، والشافعي. ومن حجة من قَالَ بالقول الأول، أنهم لما أبطلوا بيع الراهن بغير إذن المرتهن، لأنه إخراج لَهُ من الرهن كَانَ كذلك العتق لا يجوز، لأنه إخراج لَهُ من الرهن، وإذا مثل الرجل بعبده لم يعتق عليه، لأني لا أعلم مع من أوجب عتقه حجة.

وأجمع أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا قَالَ لعبده: أنت حر. أو: قد أعتقتك. أو: أنت معتق. يريد به اللَّه أنه حر. وإذا قَالَ السيد لعبده: لا سبيل لي عليك أو لا ملك لي عليك. وقال: لم أرد عتقا فإنه يحلف وَلا يلزمه العتق، وإن أقر بالعتق لزمه العتق. وإذا قَالَ الرجل لعبده: يَا بني، أو لأمته: يَا بنية فهو سواء وَلا يعتق واحد منهما لأن هذا دعاء، وكلام لطيف، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ لأنس: «يَا بني» .

وإذا قَالَ الرجل لغلام مجهول النسب: هذا ابني ومثله يولد لمثله ثبت نسبه منه وهو حر، وإذا قَالَ الرجل وهو ابن عشرين سنة لعبد لَهُ خمسون سنة: هذا ابني وصدقة العبد أو كذبه لم يلحق نسبه، ولم يلزمه عتق، وهذا كذب منه. وإذا قَالَ الرجل لعبده: لا سلطان لي عليك، وقال: لم أرد عتقا وإنما أردت أنه غير مطيع لي فالقول قوله مع يمينه وَلا يلزمه العتق، وإذا قَالَ الرجل لمملوكه: يَا سالم، فأجابه نافع، فَقَالَ: أنت حر. وقال: عنيت سالما فإنهما يعتقان عليه، إذا ثبتت عليه بذلك بينة، وأما فيما بينه وبين اللَّه فلا يعتق عليه إلا الذي أراد. وإذا قَالَ الرجل لعبد لغيره: أنت حر من مالي ثم اشتراه فلا شيء عليه، وهو مملوكه، وإذا أعتق الرجل عبد ولده الصغير لم يعتق لأنه لا يملكه. وإذا قَالَ الرجل لعبده: أعتقتك أمس عَلَى ألف درهم وقبلته، وقال العبد: أعتقتني عَلَى غير شيء حلف العبد وعتق بإقراره أنه حر وهذا عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ، والكوفي وبه نقول. وإذا قَالَ لعبده: إذا أديت لي ألف درهم فأنت حر فمتى أدى إليه ألف درهم فهو حر، وإذا قَالَ الرجل لعبده: أنت حر وعليك ألف درهم فهو حر وَلا شيء عليه. وإذا أعتق الرجل عن أَبِيهِ عبدا وهو حي يريد بر أَبِيهِ فهو حر، والولاء للمعتق لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الولاء لمن أعتق» . وإذا اشترى الرجل العبد بثوب بعينه ثم أعتق واستحق الثوب بطل البيع، وإذا بطل البيع بطل العتق، لأنه أعتق مَا لم يملك، وإذا قَالَ الرجل لعبده: أنت حر اليوم فهو حر أبدا، وقال ذَلِكَ مالك.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة قَالَ اللَّه جل ثناؤه: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145] . حرم اللَّه بعد فِي { [المائدة، فَقَالَ:] حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إِلَى قوله: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [سورة المائدة: 3] ، و { [المائدة مدنية وسورة الأنعام مكية. وقال اللَّه جل ذكره:] النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: 157] ، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المفسر لكتاب اللَّه والمبين عن اللَّه معنى مَا أراد، فمما «حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، وحرم لحوم الحمر الأهلية ولحوم البغال، ونهى عن المصبورة، والمجثمة وحرم

الجلالة، وأكل كثير من الهوام» ، وعلى الخلق طاعة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن اللَّه تعالى فرض طاعته عليهم، قَالَ اللَّه تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54] ، وقال سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] .

باب ما يحرم أكله من الدواب بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب مَا يحرم أكله من الدواب بسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 204 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا سُفْيَان، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ» «حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل ذي ناب من السباع» ، وكان الضبع محرما عَلَى ظاهر هذه السنة، فلما ذكر جابر بن عبد الله أن الضبع صيد، وأنه يؤكل وأنه سمع من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجب أن يستثنى من جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع، وتحرم سائر السباع عَلَى ظاهر السنة والثعلب داخل فِي جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع غير خارج من ذَلِكَ بسنة، وَلا يجوز أن يستثنى من السنة إلا بسنة مثلها، وممن حرم الثعلب: أبو هُرَيْرَة، والحسن البصري، والنخعي، والزُّهْرِيّ، ومالك. والهر محرم

داخل فِي جملة نهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل ذي ناب من السباع، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم البغال» . 205 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «ذَبَحْنَا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، فَنَهَانَا عَنِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْخَيْلِ» وَلا يجوز أكل لحوم الحمير والبغال، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ذَلِكَ، وبه قَالَ عامة أهل العلم، وَلا يجوز أكل لحوم الجلالة وَلا المجثمة، والمجثمة: الشاة ترمى بالنبل حَتَّى تقتل. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تتخذوا شيئا فِيهِ الروح غرضا» . «ونهى أن تصبر البهائم، ونهى عن أكل الجلالة وألبانها» ، وفي حديث عبد الله بن عمر: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن إبل الجلالة أن تؤكل لحومها وَلا تشرب ألبانها وَلا يحمل عَلَيْهَا الأدم، وَلا يركب عَلَيْهَا الناس حَتَّى تعلف أربعين يوما» . فإذا علفت أربعين يوما طاب لحمها، وجاز الركوب عَلَيْهَا، وقد كَانَ ابن عمر، يحبس الدجاجة ثلاثة أيام إذا أراد أن يأكل بيضها. وهذا عَلَى مَا جاءنا فِي هذا الباب، وَلا يجوز شرب ألبان الأتن، وَلا يجوز أكل الفأر والعقارب والغربان والحدأ والكلاب،

لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أباح للمحرم قتل خمس من الدواب دل بإباحته للمحرم أن يقتله عَلَى تحريم أكل لحومه قبل الإحرام، لأن مَا كَانَ صيدا مباح أكله وصيده للحلال فهو حرام عَلَى المحرم صيده وأكله، وما كَانَ خارجا عن أبواب الصيد المحرم عَلَى المحرم قتله فليس من الصيد الذي يجوز للحلال اصطياده وأكله. 206 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي قَتْلِهِنَّ وَهُوَ حَرَامٌ: الْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْغُرَابُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْفَأْرَةُ " 207 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا رَوْحٌ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ» وأجمع كل من أحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى تحريم أكل مَا قطع من الأنعام وهي أحياء. وجاء الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه لما قدم المدينة والناس يجبون أسنمة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت» . وَلا يجوز قطع شيء من أعضاء البهيمة وهي حية، لأن ذَلِكَ

باب ذكر جمل ما أباح كتاب الله تعالى أكله وما لم تأت بتحريمه حجة

تعذيب لها، وقد «نهى عن تعذيب البهيمة والطير، ونهى عن المصبورة» ، وفي حديث عبد الله بن عمرو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله اللَّه عن قتله» ، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وما حقها؟ قَالَ: «أن يذبحها فيأكلها، وَلا يقطع رأسها فيرمي به» . ويكره إخصاء الدواب، كَانَ ابن عمر يكرهه، وهو قول: أحمد، وإسحاق، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه «نهى عن صبر ذات الروح وخصاء البهائم» . باب ذكر جمل مَا أباح كتاب اللَّه تعالى أكله وما لم تأت بتحريمه حجة أباح اللَّه جل ذكره أكل لحوم الأنعام، فَقَالَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] . وقال جل ثناؤه: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ

بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . وقال تبارك وتعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] . ودلت أخبار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إباحة أكل لحوم الأنعام، وأجمع أهل العلم عَلَى القول به، فلحوم الأنعام مباح بالكتاب والسنة والاتفاق. وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إن أعظم المسلمين فِي المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» . 208 - نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ

بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وقد ذكرنا فيما مضى إباحة أكل لحوم الخيل، ودل خبر أبي قتادة عَلَى إباحة أكل حمير الوحش، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ناوله أبو قتادة العضد أكلها وهو محرم حَتَّى تعرقها، ولحم الظباء حلال لا أعلم أحدا منع من أكله، لأنه داخل فِي الصيد الذي منع المحرم منه، ودل ذَلِكَ عَلَى إباحة أكله للحلال، وثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الضب: «لست بآكله وَلا محرمه» . 209 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ يُحَدِّثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ: «لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلا مُحَرِّمِهِ» .

وَأُكِلَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى

مَائِدَتِهِ، وَرَخَّصَ فِي أَكْلِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَبِهِ نَقُولُ والأرنب مباح أكله لحديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أتي بأرنب، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلوا. وكان

سعد بن أبي وقاص يأكله، ورخص فِيهِ أبو سعيد الخدري، وبلال، وبه قَالَ: مالك، والليث، والشافعي، وقد ذكرنا فيما مضى أن الأشياء عَلَى الإباحة مَا لم يقع تحريمه بحجة. وحكم عمر بن الْخَطَّابِ فِي اليربوع بجفرة فأكل اليربوع مباح، لأنه داخل فِي

جملة مَا أبيح غير محرم بحجة، والوبر كاليربوع فِي أنه مباح، وكذلك القنفذ، وقد روينا عن ابن عمر أنه رخص فِيهِ. روينا عن ابن أبي أوفى، أنه قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات نأكل الجراد» . 210 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْفُورٍ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: «» غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ «» فالجراد مباح لأنه داخل فِي جملة مَا أبيح، ولم تأت بتحريمه حجة، ورخص فِي أكل الجراد عمر بن الْخَطَّابِ، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وصهيب، وسلمان، وابن

عباس، وأبو سعيد الخدري، وبه قَالَ عوام أهل العلم. فأكل الجراد مباح عَلَى الأحوال كلها أخذت أحياء أم أمواتا. وقال اللَّه جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] ، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: فِي البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» . وأجمع أهل العلم عَلَى أن صيد البحر حلال

باب ذكر إباحة أكل الميتة عند الضرورة

للحلال، وللمحرم اصطياده وبيعه وشراؤه وأكله. باب ذكر إباحة أكل الميتة عند الضرورة قَالَ اللَّه جل ذكره: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] . فاحتمل أن يكون اللَّه جل وعز حرم عليهم الميتة وما ذكر معها فِي { [الأنعام فِي جميع الأحوال وعلى جميع الناس، واحتمل أن يكون حرم ذَلِكَ عليهم فِي غير حال الاضطرار، فدل قول اللَّه جل ثناؤه:] فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة: 173] عَلَى إباحة أكل الميتة فِي حال الإضرار. ودل إجماع أهل العلم عَلَى مثال ذَلِكَ. واختلفوا فِي معني قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] . فروينا عن ابن عباس، أنه قَالَ: غير باغ فِي الميتة وَلا عاد فِي الأكل، وبه قَالَ جماعة، وقال أبو عبيدة: أي:

لا يبغي فيأكله غير مضطر إليه وَلا عاد بشبعه. وفي حديث سمرة يجزئ من الاضطرار، صبوح أو غبوق، قَالَ أبو عبيد: فالصبوح الغداء، والغبوق، العشاء، يقول: «فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة» . وقالت طائفة فِي قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] ، أي: غير باغ عَلَى المسلمين وَلا معتد عليهم، أي: من خرج يقطع الطريق ويقطع الرحم لم تحل لَهُ الميتة إذا اضطر إليها إنما تحل لمن خرج فِي طاعة اللَّه وهذا قول مجاهد، وقال سعيد بن جبير: إذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة لَهُ. واختلفوا فِي المحرم المفطر يجد الميتة والصيد، فكان الحسن البصري، ومالك، والنعمان، وأصحابه، يقولون بأكل الميتة، وقد اختلف فِيهِ عن الشَّافِعِيّ، وقال

باب ذكر تحريم التداوي بالخمر وشربه عند الضرورة

الشَّافِعِيّ: يأكل الصيد. وقال الأوزاعي: إذا اضطر المحرم إِلَى أكل الصيد يأكله وَلا جزاء عليه فِيهِ. يأكل الصيد، ويكفر أحب إلي، واختلفوا فيمن وجد الميتة وأموال الناس، فكان سعيد بن المسيب، يقول: الميتة تحل لَهُ إذا اضطر، وَلا يحل لَهُ مال المسلم، وبه قَالَ: زيد بن أسلم، وقال عبد الله بن دينار: أكل مال المسلم أحب إلي. قول سعيد أعلى، لأن اللَّه جل وعز أباح أكل الميتة للمضطر، وَلا أجده أباح أموال الناس فِي حال الضرورة، ونحن وإن أبحنا لَهُ أكل مال المسلم إذا خاف أن يتلف إن لم يأكل، ولم يجد الميتة من حيث أوجبنا عَلَى المسلمين أن يحيوه إذا خافوا أن يموت، فليس ذَلِكَ مثل مَا أباح الكتاب من أكل الميتة للمضطر، وإنما أبحنا لَهُ مال المسلم إذا لم يجد الميتة. واختلفوا فِي قدر مَا يؤكل من الميتة، فَقَالَ مالك: يأكل حَتَّى يشبع ويتزود منها، فإن وجد عنها غنى طرحها، وقال النعمان، وأصحابه: يأكل منها مَا يمسك نفسه. وهذا أصح، لأن الميتة إنما أبيحت لَهُ حال فِي الاضطرار، فإذا أكل منها مَا يزيل تلك الحال عَنْهُ رجع الأمر إِلَى التحريم. قَالَ الحسن البصري: إذا اضطر الرجل إِلَى الميتة أكل منها بقدر مَا يقيمه. باب ذكر تحريم التداوي بالخمر وشربه عند الضرورة حرم اللَّه الخمر فِي كتابه، وعلى لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالخمر لا يجوز شربها للعليل وَلا للصحيح، وَلا يجوز أن يسقى الخمر البهائم، وقد روينا عن ابن عمر أن غلاما لَهُ سقى بعيرا لَهُ خمرا فتواعده. وَلا يجوز الامتشاط بالخمر، وقد اختلفوا فِيهِ إن اضطر إليه، فكان مالك بن أنس، يقول فِي الخمر: إذا اضطر إليها لا يشربها،

باب ذكر ما أبيح للمرء من مال أخيه

ولن يزيده الخمر إلا شرًا، وقال أحمد: يقال إنه لا يروي، وبه قَالَ إِسْحَاق إلا أن يكون فِي طمع أن يرويه حَتَّى يجاوز إِلَى موضع يطمع فِيهِ الْمَاء. 211 - نا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا يُقَالُ لَهُ: سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَى عَنْهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ» باب ذكر مَا أبيح للمرء من مال أَخِيهِ ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يحتلبن أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه» . 212 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدُكُمْ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى خِزَانَتُهُ فَتُكْسَرَ فَيُنْقَلَ مَا فِيهَا، فَإِنَّمَا ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ خَزَائِنُهُمْ» فاستعمال ظاهر هذا الحديث يجب إلا أن يضطر إنسان إِلَى مال أَخِيهِ فيأخذ منه قدر مَا يبلغه عند الاضطرار إليه عَلَى مَا فِي حديث البراء بن عازب. 213 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «اشْتَرَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَازِبٍ رَحْلا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا» قَالَ أبو بكر الصديق: " ارتحلنا من مكة فأحيينا أو سرينا ليلتنا أو يومنا حَتَّى أظهرنا، فقام قائم الظهيرة فرميت بصري هل أرى من ظل، فإذا صخرة فأتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، ثم قلت: اضطجع يَا رَسُولَ اللَّهِ. فاضطجع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم انطلقت هل أرى من الطلب أحدا، فإذا أنا براع يسوق غنمه إِلَى الصخرة، فقلت: لمن أنت يَا غلام؟ ، فَقَالَ: لرجل من قريش. فسماه فعرفته، فقلت: هل فِي غنمك من لبن؟ قَالَ: نعم. فقلت: هل أنت حالب لي؟ فأمرته

فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته فحلب لي كثبة من لبن، فانتهيت به إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يَا رَسُولَ اللَّهِ. فشرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رضيت، ثم قلت: قد دنا الرحيل يَا رَسُولَ اللَّهِ. فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم ". وذكر باقي الحديث فِي سيرهم إِلَى المدينة. وراوي هذا الحديث بندار عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِرَاعٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ شَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ " 214 - نا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: نا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: نا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ،

باب ذكر جمل الأطعمة المباحة الطيبة الطعم

عَنْ سُلَيْطٍ، عَنْ ذُهْلِ بْنِ عَوْفٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لأَحَدٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «يَأْكُلُ وَلا يَحْمِلُ وَيَشْرَبُ وَلا يَحْمِلُ» خبر البراء بن عازب صحيح، وقد دل قوله فِي خبر بندار عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما شرب اللبن للعطش الذي كَانَ به، فمن كَانَ جائعا أو عطشانا مضطرا فمر بأموال المسلمين فله أن يأكل منها، وَلا يحمل عَلَى مَا فعل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومن كَانَ مستغنيا حرم عليه أن يحتلب ماشية أحد إلا بإذنه كما يحرم عَلَى الرجل أن يأتي إِلَى خزانة رجل فيفتحها، ويأخذ مَا فيها. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فإنما ضروع مواشيهم خزائنهم» . ومما أبيح من الأموال التي حرمها اللَّه فِي كتابه وعلى لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أبيح ببيع أو هبة أو عطية أو صدقة، أو مَا أبيح من الديات وأرش مَا أوجب فِي الجراحات أو مَا أوجبه كتاب أو سنة أو إجماع، فتلك مستخرجة من جملة الأموال التي حرمها اللَّه فِي كتابه، وعلى لسان نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. باب ذكر جمل الأطعمة المباحة الطيبة الطعم 215 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: نا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ» . وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ الشَّرَابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ، وَالْمَاءَ، وَاللَّبَنَ، وَالنَّبِيذَ، وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلا رِيحَ لَهَا» .

وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً مِمَّا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ حَتَّى يُمْسِي» . وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «كَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ» وقال جابر: وضعت عناقا بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كأنك علمت حبنا للحم، ادع لي أبا بكر» . ثم دعا جواريه فدخلوا، فضرب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وقال: «بسم اللَّه كلوا» . فأكلوا حَتَّى شبعوا وفضل منها لحم كثير. وقال أبو هُرَيْرَة: وضعت بين يدي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع وكانت أحب الشاة إليه، فنهش نهشة، فَقَالَ: «أنا سيد الناس يوم

الْقِيَامَة» . وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أطيب اللحم لحم الظهر» . وقالت أم سلمة: «قربت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جنبا مشويا فأكل منه، ثم قام إِلَى الصلاة، وما توضأ» ، وقالت أم سلمة: «خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونشلت لَهُ كتفا من قدر فأكل منها، ثم خرج إِلَى الصلاة» . وفي حديث أبي رافع، قَالَ: «أشهد لكنت أشوي لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطن شاة فيأكله ثم يصلي

وَلا يتوضأ» . وفي حديث ابن عباس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تعرق كتفا فأكله» ، وفي حديث ضباعة بنت الزبير: أنها «دفعت إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحما، فانتهش ثم صلى ولم يتوضأ» . ودل حديث عائشة عَلَى أن اللحم، والخبز من الأطايب، قَالَتْ: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أكلت خبزا ولحما ولم تتوضأ. قَالَ: «أتوضأ من الأطيبين الخبز واللحم؟» وقد روينا عن أبي موسى الأشعري أنه «رأى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل لحم دجاج» .

باب ذكر الاستشفاء بأكل الشونيز والتبرك به

باب ذكر الاستشفاء بأكل الشونيز والتبرك به 216 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِلشُّونِيزِ: «عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا السَّامَ» . وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «الْكَمَأَةُ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» باب آداب الأطعمة وما فيها من وجوه السنة يستحب غسل اليدين إذا أراد المرء أن يطعم لحديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «الوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة الطعام» . ويستحب أن يسمي اللَّه المرء عند الأكل.

217 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ بِسْمِ اللَّه وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيُسَمِّ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ فِي آخِرِهِ، بِسْمِ اللَّه أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ»

ويستحب أن يأكل المرء باليمين، وقد نهي عن الأكل فِي الشمال. 218 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِشِمَالِهِ أَوْ أَنْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» وفي حديث حفصة: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يجعل يمينه لطعامه وشرابه، ويجعل يساره لما سوى ذَلِكَ» . ويستحب أن لا يأكل المرء متكئا، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أما أنا فلا آكل متكئا» . ويستحب أن يخلع المرء نعله إذا وضع الطعام لحديث أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا وضع

الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم» . ويكره للجماعة تجتمع عَلَى أكل التمر أن يقرن أحدهم إلا بإذن صاحبه لحديث ابن عمر، أنه قَالَ: «نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرن الرجل بين تمرتين جميعا حَتَّى يستأذن صاحبه» . ويدل خبر أنس بن مالك عَلَى فضل الثريد لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فضل عائشة عَلَى النساء كفضل الثريد عَلَى الطعام» . ويستحب إذا أكل الرجل الثريد أن يأكل من حافة الطعام لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن البركة تكون فِي وسط الطعام، فكلوا من حافتيه وَلا تأكلوا من وسطه» . ولقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن أبي سلمة: «كل مما يليك» . إلا أن يكون الطعام ألوانا مثل الرطب وما أشبهه، فإن للمرء أن يأكل من حيث شاء، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لعكراش: «كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد» . ويستحب أن يأكل المرء الثريد وشبهه بثلاثة أصابع، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يأكل بثلاثة أصابع، ويلعق أصابعه الثلاث» ، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا أكل أحدكم طعاما فليلعق أصابعه الثلاث، فإنه لا يدري فِي أي طعامه

البركة» . وَلا بأس إذا حضر قوم طعامًا أن يقدم بعضهم بعض الطعام من بين يديه إِلَى غيره، لأن الخياط لما دعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل أنس يأخذ الدباء فيضعه بين يدي النَّبِيّ عليه السلام، فلما يعلم من إعجابه به ولم ينكر ذَلِكَ عليه. ويستحب أن يسلت المرء الصحفة لحديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمرهم بسلت الصحفة» . وفي حديث جابر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَلا ترفع الصحفة حَتَّى تلعقا أو تلعقها، فإن آخر الطعام فِيهِ البركة» . ويستحب أن يلعق المرء

أصابعه الثلاث إذا أكل، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسحن يده بالمنديل حَتَّى يلعقها أو يلعقها» . وقال: «فإنه لا يدري فِي أي طعامه تكون البركة» . ودل قوله: «وَلا يمسحن يده بالمنديل حَتَّى يلعقها أو يلعقها» . عَلَى إباحة مسح اليد بالمنديل بعد ذَلِكَ. ويستحب الاجتماع عَلَى الطعام، لأن فِي حديث وحشي أن أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا لرسول اللَّه: إنا نأكل وَلا نشبع. قَالَ: «أفلعلكم تأكلون وأنتم مفترقون» . قالوا: نعم. قَالَ: «فاجتمعوا عَلَى طعامكم، واذكروا اسم اللَّه يبارك لكم» . ويستحب «إذا سقطت لقمة امرئ أن يميط مَا بها من الأذى، ثم يأكلها، وَلا يدعها للشيطان، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بذلك» .

ويستحب أن يأكل المرء الطعام إذا اشتهاه لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا عاب رَسُول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهى شيئا أكله، وإذا كره شيئا تركه» . وَلا بأس أن يقشر المرء التمر إذا تسوس، لأن أنس بن مالك ذكر: أنه «أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتمر عتيق، فجعل يفتشه ويخرج منه السوس» . ويستحب ادخار التمر لحديث عائشة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، قَالَ: «بيت لا تمر فِيهِ جياع أهله» ويستحب إذا ألقى المرء النوى أن يضع النوى عَلَى ظهر أصبعه الوسطى والسبابة فيرمي به لحديث عبد الله بن بسر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعل ذَلِكَ.

ومما يشتهى من الطعام أو يستطاب أكل القثاء بالرطب، وقالت عائشة: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يأكل البطيخ بالرطب» ، وقد روينا عن عائشة: أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان يغضب، ويقول: عاش ابن آدم حَتَّى أكل الجديد بالخلق «. ويستحب أكل الدباء تبركا بأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كَانَ يعجبه الدباء ".

ويستحب أن يقتصر المرء عَلَى بعض الطعام، وإن كَانَ الشبع مباحا، لأن ذَلِكَ أفضل وأصح. روينا عن المقدام بن معد يكرب، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «مَا ملك ابن آدم وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كَانَ لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» . ويستحب الائتدام بالخل والزيت، أما الزيت فللحديث الذي روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة» . وأما الخل فلقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم الأدم الخل»

باب ذكر آداب الدعوات وإطعام الطعام وفضائله وآدابه

باب ذكر آداب الدعوات وإطعام الطعام وفضائله وآدابه 219 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ اسْتَشْرَفَهُ النَّاسُ، قَالُوا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَأَوَّلُ مَا سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ الْمَرَقَةَ إِذَا طَبَخَ لِيُطْعِمَ جِيرَانَهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَاهُ: «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، ثُمَّ انْظُرْ بَعْضَ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ جِيرَانِكَ،

فَاغْرِفْ لَهُمْ مِنْهَا» . وَفِي إِيقَاعِ دَسَمِ اللَّحْمِ عَلَى الْمَرَقَةِ إِذْ قُوَّةُ اللَّحْمِ فِي الْمَرَقَةِ، لأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لَحْمًا فَلْيُكْثِرْ مَرَقَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْ أَحَدُكُمْ لَحْمًا أَصَابَ مَرَقًا وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ» ويستحب إجابة الدعوة، وإن كَانَ المدعو إليه من الطعام قليلا، ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لو أهديت إلي ذراع لقبلت، ولو دعيت إِلَى كراع لأجبت» . ويستحب أن يدعو الضيف لصاحب الطعام إذا طعم مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو به، قَالَ لبسر لما دعاه وطعم وفرغ، قَالَ: «اللهم ارحمهم واغفر لهم، وبارك لهم فيما رزقتهم» . ويستحب أن يقول المرء إذا رفعت مائدته: «الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فِيهِ غير مكفي، وَلا مودع وَلا مستغنيا عَنْهُ ربنا» . لأنا روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يفعل ذَلِكَ، وقد روينا عَنْهُ، أنه قَالَ: " إذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل ". وفي حديث آخر أنه إذا أكل وشرب، قَالَ: «الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل لَهُ مخرجا» . وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «الطاعم الشاكر كالصائم الصابر» .

ويستحب غسل اليد بعد الطعام لحديث سلمان، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «والوضوء قبل الطعام وبعد الطعام بركة» . ويكره أن يبيت المرء وفي يده غمر لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من بات وفي يده غمر فعرض لَهُ عرض فلا يلومن إلا نفسه» . ويستحب التخليل بعد الطعام لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «من أكل طعاما مما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبلع من فعل، فقد أحسن ومن لا فلا حرج» .

كتاب الأشربة

كتاب الأشربة باب استحباب البارد والحلو من الأشربة لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحبه 220 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: نا سُفْيَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوَ الْبَارِدَ» وليس لكراهية من كره أكل الأطعمة الطيبة، وشرب الأشربة اللذيذة معنى، لأن اللَّه جل ذكره، قَالَ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، فالطيبات مَا أحل لهم والخبائث مَا حرم عليهم، ومما هو مباح أكله من الطيبات الدجاج وما أشبهه من لحوم الطيور والأنعام. وقد ذكرنا فيما مضى أكل النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم البطيخ بالرطب، وأكل القثاء بالرطب وكل ذَلِكَ طيب الطعم لذيذه، فليأكل المرء مَا أبيح لَهُ مما ذكرناه من غير

باب ذكر آداب الشاربين والآنية المنهي عن الشرب فيها وما أبيح الشرب فيه

ذَلِكَ ويشكر اللَّه، وليستعن بأكله ذَلِكَ عَلَى أداء الفرائض والقيام بالواجب، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: " أول مَا يحاسب به العبد يوم الْقِيَامَة أن يقال لَهُ: ألم أصحح جسمك وأرويك من الْمَاء البارد «. وَلا بأس بتحري طلب الْمَاء العذب ونقله للشرب، لأنا روينا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كَانَ يستعذب لَهُ الْمَاء من بيوت السقيا ". باب ذكر آداب الشاربين والآنية المنهي عن الشرب فيها وما أبيح الشرب فِيهِ 221 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا الْقَعْنَبِيُّ عَن مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ أَوْ شَرِبَ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «كَانَ لا يتنفس فِي الإناء» ، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ بيان ذَلِكَ كله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يتنفس أحدكم فِي الإناء إذا شرب، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليرده عن فِيهِ، ثم ليتنفس» . وفي هذا بيان أن النهي إنما وقع أن يتنفس فِي الإناء إذا كَانَ يشرب

وإباحة أن يتنفس إذا أخر الإناء عن فِيهِ، وفي حديث أبي قتادة: «نهى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النفخ فِي الإناء» ، فالنفخ فِي الشراب مكروه بهذا الحديث، فإن نفخ نافخ فِي شرابه لم يحرم الشراب، وكان مسيئا فِي فعله، وقد نهى عن الشرب من فِي السقاء. و «نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث

الأسقية» ، وقيل: إنه منع من ذَلِكَ لعلتين: إحداهما: أنه يثنيه. والعلة الأخرى: خبر أبي سعيد الخدري: «أن رجلا شرب من فِي السقاء فانساب فِي بطنه جان، فنهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اختناث الأسقية» ، وقالت أم أنس بن مالك: «دخل علينا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقربة معلقة فشرب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فِي السقاء» . والأغلب من حال السقاء المعلق أن الدواب لا تصل إليه، وقيل: إن النهي عن ذَلِكَ نهي تنزيه، والله أعلم، وفي خبر أبي هند أنه أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقدح من لبن من البقيع

ليس بمخمر، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لولا خمرته ولو بعود تعرضه عليه» . وقال أبو حميد: إنما «أمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسقية أن توكأ ليلا، والأبواب أن تغلق ليلا» . وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه «نهى أن يشرب الرجل وهو قائم» ، وقيل: إن النهي عن ذَلِكَ نهي اختيار، لأن عليا شرب قائما، قَالَ: إني رأيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل كما رأيتموني فعلت.

وقد ثبت أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن الشرب فِي آنية الذهب والفضة، وعن الحرير والديباج» ، وقال: «هو لهم فِي الدُّنْيَا، ولكم فِي الآخرة» . فلا يحل الشرب فِي آنية الذهب والفضة، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الذي يشرب فِي آنية فضة إنما يجرجر فِي بطنه نار جهنم» . والمفضض من الآنية لا يحرم الشرب فِيهِ، وكان عمران بن حصين، وأنس بن مالك يشربان فِي إناء مفضض. ودل خبر أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أن الذباب وما أشبهه إذا مات فِي الْمَاء لا ينجسه، لأنه قَالَ: «إذا سقط الذباب فِي شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ينزعه، فإن فِي أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» . ويستحب إذا شرب الرجل أن يتناول الشراب من عن يمينه، لقول النَّبِيّ

باب ذكر النهي عن الخليطين

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأيمن فالأيمن» . وأن يكون الساقي آخرهم شربا لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ساقي القوم آخرهم شرابا» . باب ذكر النهي عن الخليطين 222 - نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: نا أَسْبَاطٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَبِيبِ

بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَا جَمِيعًا» ، قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنْ لا يَخْلِطُوا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وفي حديث أبي قتادة: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وانتبذوا كل واحد منهما عَلَى حدة» . وهذا كنهي اللَّه جل ذكره عن الجمع بين الأختين، ثم أباح نكاح كل واحدة منهما عَلَى حدة، وكنهي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجمع بين الْمَرْأَة وعمتها وبين الْمَرْأَة وخالتها، وإباحة نكاح كل واحدة منهما عَلَى حدة لا اختلاف فِيهِ. وقد ثبتت الأخبار عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «نهى عن الانتباذ فِي الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت» ثم نسخ ذَلِكَ فِي حديث

بريدة، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إني نهيتكم عن الأشربة أن تشربوها إلا فِي ظروف الأدم، فاشربوا فِي كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا» . وذكر من ذَلِكَ زيارة القبور وأكل لحوم الأضاحي. وقال عبد الله بن مقبل المزني، قَالَ: شهدته، يعني: النَّبِيّ صَلَّى

باب ذكر تحريم الخمر

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهى عن نبيذ الجر، وشهدته حين أمر بشربه، وقال: «اجتنبوا المسكر» . باب ذكر تحريم الخمر قَالَ اللَّه تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] . 223 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، وَقَتَادَةَ، وَأَبَانٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، قَالَ أَبِي يَوْمَئِذٍ: لأَسْقِيهِمْ، لأَسْقِي أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا. قَالَ: فَأَمَرُونِي فَكَفَأْتُهَا وَكَفَأَ النَّاسُ آنِيَتَهُمْ بِمَا فِيهَا حَتَّى كَادَتِ السِّكَكُ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ رِيحِهَا قَالَ أَنَسٌ: وَمَا خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ مَخْلُوطَيْنِ. قَالَ:

وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي مَالُ يَتِيمٍ فَاشْتَرَيْتُ بِهِ خَمْرًا أَفَتَأْذَنْ لِي أَنْ أَبِيعَهُ، فَأَرُدَّ عَلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ؟ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» . وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وفي حديث ابن عباس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فإن اللَّه لعن الخمر وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها» . وثبت عَنْهُ، أنه قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من شرب الخمر فِي الدُّنْيَا ولم يتب

باب ذكر ما يتخذ منه الخمر

منها حرمها فِي الآخرة فلم يسقها» باب ذكر مَا يتخذ منه الخمر 224 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالا: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حِبَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسٍ: التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ "، حَدِيثُ إِسْحَاقَ.

باب ذكر تحريم ما أسكر من الأشربة كلها

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ، وَالْعِنَبَةِ " باب ذكر تحريم مَا أسكر من الأشربة كلها 225 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ» . وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» باب ذكر تحريم مَا أسكر كثيره 226 - نا عَلاقُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: نا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ

بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» وقد روينا هذا المعنى عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وبه قَالَ: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو

عبيد، وأبو ثور، وقد ثبت أن عمر بن الْخَطَّابِ وجد من رجل ريح شراب فجلده الحد تاما، وأمر ابن مسعود أن يجلد رجلا وجد منه ريح الخمر. وقد حرم اللَّه الخمر فِي كتابه وعلى لسان نبيه عليه السلام، ولم تبق الأخبار التي ذكرناها فِي تحريم الخمر مقالة لقائل، وَلا تأويلا لمتأول وقد ذكرنا أخبارا

باب ذكر اتخاذ الخمر خلا

واهية، احتج بها بعض من خالفنا من أهل الكوفة، وقد ذكرنا عللها وما يدخل عليهم فيها فِي كتاب الأشربة. وإذا طبخ العصير فذهب منه الثلثان وبقي الثلث لم يسكر، وهو إذا كَانَ كذلك من الأشربة المباحة، وكل مَا أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام للأخبار التي ذكرناها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. باب ذكر اتخاذ الخمر خلا 227 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَيْتَامٌ وَكَانَ

لَهُمْ مُوَيْلٌ فَاشْتَرَى لَهُمْ بِهَا خَمْرًا، فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ أَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَجْعَلُهُ خَلا؟ قَالَ: «لا» . فَأَهْرَاقَهُ وفي تركه أن يأذن لأبي طلحة فِي اتخاذ الخمر خلا مع نهيه عن إضاعة المال بيان عَلَى أن لا سبيل أن يتخذ من الخمر خلا، لأن اليتيم يحرم تضييع ماله، ودل الحديث عَلَى أنها ليست بمال يوجد السبيل إِلَى التمسك به وحفظه. الفقاع شربه مباح، لأنه ليس من الشراب الذي يسكر كثيره، ويقال: إنه يفسد إذا ترك، والأشياء عَلَى الإباحة إلا أن تأتي حجة بتحريم شيء، فيجب تحريم مَا جاءت به الحجة.

كتاب قتال أهل البغي

كتاب قتال أهل البغي قَالَ اللَّه جل ذكره: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] إِلَى قوله: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] . 228 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا عَارِمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالا: نا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَتَيْتَ ابْنَ أُبَيٍّ. فَانْطَلَقَ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ وَهِيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِلَيْكَ عَنِّي، فَوَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ ". فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ، وَبِالأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] ، وَهُوَ لَفْظُ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى

إذا اعتزلت جماعة من الرعية إمام المسلمين، ومنعوه حقا من الحقوق ولم يعتلوا فِيهِ بعلة يجب عَلَى الإمام النظر فِيهِ، ودعاهم الإمام إِلَى الخروج مما يجب عليهم، فلم يقبلوا منه فحق عَلَى إمام المسلمين حربهم وجهادهم لأجل الحق الذي وجب عليهم، وحق الرعية تنالهم مع إمامهم إذا استعان الإمام بهم، كما فعل أبو بكر الصديق بمن منع الزكاة، فإنه قَالَ: «لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال» . وتأول قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمرت أن أقاتل الناس حَتَّى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قَالَ لا إله إلا اللَّه عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم عَلَى اللَّه» . فرأى أن الزكاة من الحقوق الذي ذكره النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي حديث رواه الحسن، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «أمرت أن أقاتل الناس حَتَّى يقولوا

لا إله إلا اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذَلِكَ عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عَلَى اللَّه» . يقال: إن أبا بكر الصديق قاتل الذين منعوا الصدقة، وقاتل قوما كفروا بعد إسلامهم، وقد أجمع الناس عَلَى أن قتال الكفار يجب، وَلا يجوز أن يظن بعمر أنه شك فِي قتال الكفار، إنما وقف عن قتال من منع الزكاة إِلَى أن شرح اللَّه صدره للذي شرح لَهُ صدر أبي بكر، وَلا نعلم أحدا فِي الوقت الذي رأى عمر مثل رأي أبي بكر من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امتنع من قتالهم فهذا مع دلائل سنن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كالإجماع من المهاجرين والأنصار.

فأما علي بن أبي طالب فقد بلغه عن القوم الذين قاتلهم كلام قبل أن يقتلوا عبد الله بن خباب فلم يقاتلهم، فلما قتلوه استحل قتالهم فقتلهم. وقد روينا عن علي، أنه قَالَ: إن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أمر بقتالهم» .

باب ذكر قتل الخوارج إذ هم شر الخلق والخليقة

229 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةً، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَاللَّهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ، وَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " سَيَخْرُجُ أَقْوَامٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقُولُونَ: نَحْنُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " باب ذكر قتل الخوارج إذ هم شر الخلق والخليقة 230 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ، قَالَ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ،

باب ذكر السيرة في قتال أهل البغي

عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ» . قَالَ سُلَيْمَانُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي، أَنَّهُ قَالَ: «سِيمَاهُمُ الْحَلْقُ» . قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: فَلَقِيتُ رَافِعَ بْنَ عَمْرٍو أَخَا الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: مَا حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ مِنْ هَذَا أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باب ذكر السيرة فِي قتال أهل البغي روينا عن علي بن أبي طالب، أنه قَالَ يوم الجمل: " لا تقتلوا مدبرا، وَلا تذففوا عَلَى جريح، وَلا تقتلوا أحدا صبرا، وَلا تتبع مدبرا. وروينا عن عمار بن

ياسر أنه قَالَ بعد مَا فرغ علي من أصحاب الجمل: «لا تقتلوا مدبرًا، وَلا تذففوا عَلَى جريح، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» . وما أصاب أهل التأويل الذين نصبوا إمامًا وقاتلوا عَلَى التأويل من دم ومال، وجرح عَلَى التأويل ثم ظهر عليهم لم يطالبوا بشيء من ذَلِكَ إذا أصابوه عَلَى وجه التأويل، روينا عن الزُّهْرِيّ، أنه قَالَ: أدركت الفتنة الأولى أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت فيها دماء وأموال، فلم يقتص فيها من دم وَلا مال وَلا جرح أصيب إن شاء اللَّه بوجه التأويل إلا أن يؤخذ مال رجل بعينه فيدفع إِلَى صاحبه.

وبهذا قَالَ الشَّافِعِيّ، والكوفي، وأحمد، وإسحاق، وعامة أصحابنا. فأما قتال أهل البغي فيجب رد مَا كَانَ فِي أيدي الناس عَلَى أربابها منهم، لأن عليا أوقف رثة أهل النهروان فِي الرحبة، فَقَالَ: من عرف شيئا فليأخذه. قَالَ: فبقيت قدر قريبا من شهرين، ثم جَاءَ رجل فأخذها، أو قَالَ: ثم جَاءَ صاحبها فأخذها. وإذا اقتتل رجلان من الفئتين، فقتل أحدهما صاحبه، وهو وارثه غير عامد لقتله، وإنما أصابه عَلَى معنى الدعاء إِلَى الحق، فأحسن مَا قيل فِي هذا أن يرثه كما يرثه إذا أمره الإمام بإقامة حد عليه وهو وارثه، فيرثه إذا مات من أقام الحد عليه، وإذا قتل الرجل فِي المعركة من أي الفئتين قتل صلي عليه فِي قول الأوزاعي، وهو أحسن مَا قيل فِيهِ، لأن الصلاة سنة عَلَى جميع المسلمين إلا من استثناه الرسول عليه السلام ممن قتله الْمُشْرِكُونَ فِي المعركة.

وينفذ من قضاء قاضي أهل البغي مَا ينفذ من قضاء قاضي أهل العدل لا فرق بينهما فيما ينفذ من قضاياهما، وَلا يرد وينفذ من شهاداتهم مَا ينفذ من شهادات أهل العدل إلا أن يعرف أن بعضهم يستحل أن يشهد شهادة الزور، فيرد ذَلِكَ، لأن شهادات الزور يجب ردها ممن شهد بها، والأحكام جارية بين الفريقين فِي البيوع، والنكاح، والطلاق، والجراح، والديات يقتص لبعضهم من بعض. وإذا قاتلت الْمَرْأَة من أهل البغي منهم أو العبد، والغلام المراهق فهو مثلهم، يقتلون مقبلين، ويوقف عن قتلهم إذا أدبروا. وأمان العبد المسلم جائز لأهل البغي، ولأهل الحرب، وكذلك أمان الْمَرْأَة بين المسلمين، وقد ذكرت ذَلِكَ فِي كتاب الجهاد. وإذا غزا أهل البغي المشركين مع الإمام فهم كأهل العدل فِي جميع الأحكام، إلا أن الذي يلي قسم الخمس والقيام به وتفريقه عَلَى من يجب أن يفرق عليه إمام أهل العدل. فأما فِي غير ذَلِكَ فلا فرق بينهم فِي شيء من أبواب الأسلاب، والأنفال، والسهام، يساوى بين جميعهم فِيهِ، وقد كَانَ ابن عمر، وسلمة

باب ذكر الحال التي يجب على المرء القتال فيه في أيام الفتن والحال التي توقف عن القتال فيه ويجب كف اليد واللسان فيه

بن الأكوع يريان أن مَا قبضه الخوارج من زكاة المسلمين يجزئ عنهم، وهذا عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ، وأبي ثور، وأحمد بن حنبل وبه نقول. باب ذكر الحال التي يجب عَلَى المرء القتال فِيهِ فِي أيام الفتن والحال التي توقف عن القتال فِيهِ ويجب كف اليد واللسان فِيهِ إذا بايع الناس إمامًا وصحت لَهُ البيعة والخلافة فخرج رجل ممن بايعه فقتله فعلى الناس معونة إمامهم، وقتل من خرج عليه لأخبار ثبتت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فهذا أحد الوجهين. والوجه الثاني أن يفترق الناس فرقتين يعقد كل فريق منهما لرجل منهم الخلافة، ويمتنع كل فريق منهما بجماعة يكثر عددهم، ويشكل أمرهم، فعلى الناس عند ذَلِكَ الوقوف عن القتال مع أحد الطائفتين إذا أشكل أمرهما للأخبار التي جاءت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعل ذَلِكَ جماعة من أصحابه بعده. وقد ذكرت ذَلِكَ فِي الكتاب الذي اختصرت عَنْهُ هذا الكتاب، وأنا ذاكر فِي كل باب من هذين البابين بعض الأخبار المذكورة فِي ذَلِكَ. باب ذكر الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرتهما 231 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: نا الأَحْوَصُ

بْنُ جَوَّابٍ، قَالَ: نا يُونُسُ يَعْنِي: ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: إِنِّي لأَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَإِذَا شَيْخٌ يُحَدِّثُهُمْ وَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلا إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَأَتَيْتُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: فَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ، ثُمَّ قَالَ: «وَمَنْ أَعْطَى إِمَامًا صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمْرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ خَالَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَاجْلِدُوا رَأْسَهُ» . فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي

232 - نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّمْنَانِيُّ، قَالَ: نا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: نا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: نا زِيَادُ بْنُ عِلاقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَرْفَجَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ» . وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ «أَلا مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»

باب ذكر الوجه الذي يجب على الناس الوقوف عن القتال فيه وطلب السلامة والعزلة

باب ذكر الوجه الذي يجب عَلَى الناس الوقوف عن القتال فِيهِ وطلب السلامة والعزلة 233 - نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: نا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: نا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنِ الْمُشْعِثِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» . قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ الزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ؟» قُلْتُ: مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: «عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ مِنْهُ» . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي؟ قَالَ: «شَارَكْتَ إِذًا» . قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «تَلْزَمُ بَيْتَكَ» . قَالَ: قُلْتُ: إِنْ دُخِلَ عَلَيَّ. قَالَ: «إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ رِدَاءَكَ عَلَى وَجْهِكَ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ»

باب ذكر الحث على لزوم المنازل أيام الفتن واعتزال الناس وما في ذلك من السلامة في كل وقت

باب ذكر الحث عَلَى لزوم المنازل أيام الفتن واعتزال الناس وما فِي ذَلِكَ من السلامة فِي كل وقت 234 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا عَفَّانُ، قَالَ: نا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: نا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» . قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ ، قَالَ: «كُونُوا أَحْلاسَ بُيُوتِكُمْ» وممن اعتزل من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيام الفتن، ورأى الاعتزال فِي الفتن سعد بن أبي وقاص، وأبو موسى

الأشعري، وابن عباس، ومحمد بن

مسلمة، وأهبان بن صيفي. وروينا عن

باب ذكر الساحر والساحرة

ابن مسعود، أنه قَالَ: يَا بني، اتق ربك وليسعك بيتك، وابك من ذكر خطيئتك، واملك عليك لسانك، والأخبار فِي هذا الباب تكثر وهي مذكورة فِي غير هذا المكان. باب ذكر الساحر والساحرة إذا أقر الرجل طائعا أنه سحر بكلام يكون ذَلِكَ الكلام كفرا وجب قتله إن لم يتب، لقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: بكفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس ". ولو أنكر وثبتت عليه بينة ووصفت البينة عَنْهُ كلاما يكون كفرا فكذلك، وإذا أوجبنا قتله فتاب قبلت توبته، لقول اللَّه جل ذكره: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . وإن كَانَ الكلام الذي ذكر أنه سحر به ليس بكفر لم يجز قتله، فإن كَانَ أحدث فِي المسحور جناية توجب القصاص اقتص منه إن كَانَ عمد ذَلِكَ، وإن كَانَ ذَلِكَ مما لا قصاص فِيهِ، ففيه دية ذَلِكَ. وقد اختلف أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يجب عَلَى الساحر، فممن رأى منهم قتل الساحر: عمر بن الْخَطَّابِ، وابن

عمر، وجندب بن عبد الله، وحفصة بنت عمر، وقيس بن سعد، وهذا

مذهب عثمان بن عَفَّانَ، لأنه أنكر عَلَى حفصة قتلها الساحرة، لأنها قتلتها دون السلطان. وممن رأى قتل الساحر والساحرة عَلَى نحو مَا ذكرناه: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وقد روينا عن عائشة: أنها باعت الساحرة، ويحتمل أن تكون الساحرة التي سحرت عائشة فباعتها لم يكن سحرها كفرا، فلا يكون ذَلِكَ خلافا لما قاله أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «حد الساحر ضربه بالسيف» . وفي إسناده مقال.

باب أحكام تارك الصلاة

باب أحكام تارك الصلاة 235 - نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: نا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ أَوِ الشِّرْكِ إِلا تَرْكُ الصَّلاةِ»

روينا عن بريدة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» . وروينا عَنْهُ أنه قَالَ: «من ترك صلاة العصر متعمدا أحبط اللَّه عمله» . وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله» .

وثبت أن عمر بن الْخَطَّابِ، قَالَ: «لا حظ فِي الإسلام لمن ترك الصلاة» . وقال ابن مسعود: «من لم يصل فلا دين لَهُ» . وروينا عن علي بن أبي طالب، أنه قَالَ: «من لم يصل فهو كافر» . وروينا معنى ذَلِكَ عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبي الدرداء. وقد اختلف أهل العلم فيما يجب عَلَى من ترك صلاة متعمدا حَتَّى يخرج وقتها لغير عذر: فقالت طائفة: هو كافر هذا قول: النخعي، وأيوب السختياني، وابن المبارك،

وأحمد، وإسحاق، قَالَ أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا، فإن ترك صلاة إِلَى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا، وبه قَالَ: سُلَيْمَان بن داود، وأبو حية، وأبو بكر بن أبي شيبة. وقالت طائفة: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، هذا قول: مكحول، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، ووكيع، والشافعي، وفيه قول ثالث قاله الزُّهْرِيّ: قَالَ: إن كَانَ إنما تركها ابتدع دينا غير الإسلام قتل، وإن كَانَ إنما هو فاسق ضرب ضربا مبرحا، وسجن، قَالَ النعمان: يضرب ويحبس حَتَّى يصلي.

احتجت الفرقة التي بدأنا بذكرها بالأخبار الثابتة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «ليس بين العبد والكفر أو الشرك إِلَى ترك الصلاة» . احتج بذلك إِسْحَاق بن راهويه، واحتج غيره أو هو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا غزا قوما لم يغز عليهم حَتَّى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وبآيات من كتاب اللَّه، من ذَلِكَ قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] ، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] ، {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 18] ، {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكتاب وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [الأعراف: 170] وما أشبه ذَلِكَ. وذكروا آيات كثيرة تركت ذكرها للاختصار. واحتج بعض من أمر بضربه وسجنه بأن هذا أقل مَا قيل فأوجبنا ذَلِكَ، ووقفنا عن إيجاب القتل عليه، لأن فِيهِ اختلافا، وفي قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: بكفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس فيقتل به "، فتارك الصلاة لم يأت بواحدة من الثلاث فيحل به إهراق دمه، ويقال لمن خالفنا: ليت شعري من أي الثلاث تارك الصلاة غير جاحد، فيلزم به اسم الكفر، وَلا ترك الصلاة استنكافا وَلا معاندة، فيستوجب به القتل. وجعلوا تكفير النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تارك الصلاة كتكفيره بذنوب مذكورة فِي الأخبار، كقوله: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» . وكقوله:

«لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» . وكقوله: «لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أَبِيهِ فقد كفر» . قالوا: فإذا لم يكن بعض من ذكرنا كافرا مرتدا يجب استتابته وقتله عَلَى الكفر إن لم يتب، وكذلك الأخبار التي جاءت فِي إكفار تارك الصلاة، وسائر الحجج مذكورة فِي كتاب أحكام تارك الصلاة.

كتاب القسمة

كتاب القسمة سن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسم الغنائم ببدر بين أصحابه. 236 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ أَبَانٍ، قَالَ: نا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: نا هُشَيْمٍ، قَالَ: نا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا» . فَأَمَّا الْمَشْيَخَةُ فَثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ، وَأَمَّا الشَّبَابُ فَتَسَارَعُوا فِي الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ، قَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشَّبَابِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا لَكُمْ رِدْءًا، وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْئًا لَجَأْتُمْ إِلَيْنَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وقسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غنائم خيبر الأرضين والنخل والحصون وغير ذَلِكَ من أموالهم، وقسم هوازن يوم حنين بين أصحابه، وقسم عبد الله

باب ذكر ما يجب قسمه بين الشركاء وما لا يجوز قسمه

بن جحش مَا غنمه، وعزل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمس العير، فأنزل اللَّه تعالى عَلَى رسوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] ، وقسم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأعبد الستة الذين أعتقهم المريض بالقرعة، فأخرج سهم العتق وسهم الرقة، ويحتمل أن يكون كانت قيمتهم سواء، أو يكون قيمة الاثنين اللذين أعتقهما شيء وقيمة الأربعة مثل ذَلِكَ. وأجمع من يحفظ عَنْهُ من علماء الأمصار من أهل المدينة وأهل الكوفة، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي عَلَى أن الرباع أو الأرض إذا كانت بين شركاء، واحتملت القسم من غير ضرر يلحقهم فِيهِ، وأجمعوا عَلَى قسمة أن القسم فِي ذَلِكَ يجب بينهم إذا ثبتت البينة عَلَى أصول أملاكهم. باب ذكر مَا يجب قسمه بين الشركاء وما لا يجوز قسمه أمر اللَّه بحفظ الأموال، وقال جل ذكره: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي

جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] ، روينا عن ابن عباس، قَالَ: يقول اللَّه سبحانه لا تعمد إِلَى مالك، وما خولك اللَّه وجعله معيشة لك فتعطيه امرأتك أو ابنتك، ثم تضطر إِلَى مَا فِي أيديهم، ولكن أمسك عليك، وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم فِي كسوتهم ورزقهم ومؤنتهم. فمن الأموال التي ملكها اللَّه عباده، العقر والعروض، والرقيق والذهب والفضة، والمواشي أشرك بينهم فيها بأشرية ومواريث وغنائم، وأمرهم بإصلاحها، ونهاهم أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن إضاعة المال» . 237 - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: نا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي وَرَّادٌ كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سِمَعْتَهُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ عَنِ الْمَيْسِرِ، وَهُوَ الْقِمَارُ، لأَنَّ فِيهِ تَلَفَ الأَمْوَالِ. وَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَعَنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ، وَبَيْعِ الْيَتِيمِ» لأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي، وَلا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ

عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِتْلافَ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى حَتَّى يَبْلُغُوا النِّكَاحَ، وَيُؤْنَسَ مِنْهُمُ الرُّشْدُ وأجمع أهل العلم عَلَى أن لؤلؤة لو كانت بين جماعة فأراد بعضهم أخذ حظه منها أن تقطع بينهم أو تكسر أنهم ممنوعون من ذَلِكَ، لأن فِي قطعها أو كسرها تلفًا لأموالهم وفسادًا لَهُ، وكذلك السفينة، والسيف، والمصحف، والدرع والنجيب من الإبل، والجفنة، والمائدة، والصحفة، والصندوق، والسرير، والباب، والنعل، والقوس وما أشبه ذَلِكَ، لأن فِي قسمه ضررًا وتلفًا لأموالهم ونقصا عليهم، وقد نهى اللَّه تعالى عن الضرر فَقَالَ: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: 231] ، وليس الإضرار من أخلاق الصالحين والمتقين، وروينا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قَالَ: «من ضار أضر اللَّه به» . 238 - نا نَصْرُ بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: نا قُتَيْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ

مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنْ لُؤْلُؤَةَ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» فأما قسم الرقيق والأنعام، والكراع، والسلاح وما أشبه ذَلِكَ، إذا كانت بين جماعة واحتمل القسم فقسم ذَلِكَ يجب بينهم إذا سألوا ذَلِكَ وقامت عَلَى أملاكهم بينة استدلالا بقسم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنائم بين أصحابه، والأعبد الستة الذين أعتقهم المريض لما جعل للعتق حظا، وللرق حظ مثلي حظ العتق. وإذا كانت دار أو أرض بين جماعة فدعا بعضهم إِلَى القسم وفي قسمه ضرر لم يقسم، لما ذكرت من نهي اللَّه عن الضرار، وإجماعهم فيما ذكرناه مما منعوا من قسمه، وَلا معنى لاستحسان من سهل فِي القليل من الضرر، ونهى عن الكثير منه، وهذا عَلَى مذهب ابن أبي ليلى، وأبي ثور فِي أن المنع من قليل الضرر يجب الامتناع من كثيره. وإذا أتى قوم إِلَى الحاكم وبأيديهم أرض أو دار، وسألوا قسم ذَلِكَ بينهم واحتمل ذَلِكَ القسم، ولم يقيموا بينة عَلَى أملاكهم فعلى الحاكم قسم ذَلِكَ بينهم، وهذا مذهب يعقوب، ومحمد، وبه قَالَ أبو ثور، وليس مع من امتنع من قسم ذَلِكَ

بينهم حجة. وإذا قسم قاسم دارا بين جماعة فادعى بعضهم بعد القسم غلطا، فإن أقام عَلَى دعواه بينة، توجب نقض القسم، نقض ذَلِكَ، وإن لم تكن بينة لم يجب نقض ذَلِكَ الأعلى، والأفضل للقاسم أن يقسم ذَلِكَ محتسبا بين المسلمين، فإن لم يفعل فعلى إمام المسلمين أن يرزق القاسم من بيت مال الفيء كما يفعله بمن يقوم بصلاح أمر الأمة، فإن لم يفعل القاسم ذَلِكَ، وَلا الإمام خلي بين الشركاء أن يستأجروا قاسما يقسم بينهم بما شاءوا، والذي يلزم كل رجل من الشركاء عَلَى قدر ماله فِيهِ من النصيب فِي الشيء لا عَلَى عدد الرءوس، وَلا تقبل شهادة القاسم الواحد عَلَى مَا تولى من القسم. فأما القاسمان يقسمان الشيء بين جماعة، وَلا يجران بشهادتهما إِلَى أنفسهما جعلا يأخذانه إما أن يكونا محتسبين، وإما أن يكونا ممن يرزقهما السلطان من بيت المال، وكانا عدلين، فشهادتهما عَلَى أنفسهم جائزة، وَلا نعلم مع من منع من ذَلِكَ حجة، وإذا كانت الدار بين جماعة وهي لا تحتمل القسم فأراد بعضهم بيع حقه، وامتنع أصحابه من البيع وكان بيع الجميع أوفر للثمن من بيع الشقص، فالذي يجب أن يطلق لمن يريد البيع أن للبيع حصته شائعا غير مقسوم، وَلا يجبر عَلَى البيع من امتنع من بيع حصته، وإذا قسم القوم الشيء ثم استحق بعض مَا قسم انتقض القسم، واقتسموا مَا لم يستحق من ذي قبل.

باب ذكر الخبر الدال على سبب الوكالة وأن الوكيل يقوم مقام الموكل فيما وكله به

كتاب الوكالة باب ذكر الخبر الدال عَلَى سبب الوكالة وأن الوكيل يقوم مقام الموكل فيما وكله به 239 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ، وَكَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ الْمَغَازِي، وَأَمَرَ وَكِيلا لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا بَعْضَ النَّفَقَةِ فَاسْتَقَلَّتْهَا،

فَانْطَلَقَتْ إِلَى إِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عِنْدَهَا، فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طَلَّقَهَا فُلانٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِبَعْضِ النَّفَقَةِ فَرَدَّتْهَا، وَزَعَمَ أَنَّهُ تَطَوَّلَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ ". وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وقد أجمع كل من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن للمريض العاجز عن الخروج إِلَى مجلس الحكم، وللغائب عن المصر أن يوكل كل واحد منهما وكيلا يقوم بطلب حقوقه، ويتكلم عَنْهُ. وللحاضر من الرجال والنساء أن يوكل كل واحد منهما فِي العذر وغير العذر، بلغنا: أن عليا رضي اللَّه عَنْهُ، وكل عبد الله بن جعفر، عند عثمان، وعلي حاضر فقبل ذَلِكَ عثمان، وكان علي يقول: إن للخصومة قحمًا،

وإن الشيطان يحضرها. وهذا مذهب أكثر أهل العلم. وإذا كانوا كالمجمعين، فإن للحاضر أن يوكل ببيع عبد لَهُ أو شراء سلعة وغير ذَلِكَ، وإذا جاز أن يوكل بالبيع والشراء من شاء جاز أن يوكل بالخصومة وبقبض الديون، لا فرق بين شيء من ذَلِكَ، والذي خالف هذا رجل من أهل الكوفة، وخالف أصحابه قوله واتبعوا قول سائر أهل العلم. وإذا وكل الرجل الرجل، ثم مات الموكل أو زال عقله بطلت الوكالة، وقد أجمعوا عَلَى أن موت الموكل يبطل الوكالة، وأجمعوا عَلَى أن ندمه لا يبطل الوكالة، وأجمع من نحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن الرجل إذا وكل رجلا، وجعل إليه أن يقر عليه بمال معلوم فأقر به لرجل بعينه أن إقراره جائز، وإذا وكله وكالة جامعة ولم

يجعل فِي الوكالة أن يقر عليه فإقراره باطل. وإذا وكل الرجل الرجل يطلب حقوقه وغاب الموكل فثبتت للوكيل البينة عَلَى رجل بمال، فسأل الذي ثبت عليه المال أن ينظره إِلَى قدوم الموكل ليستحلفه، فعلى الحاكم أن يقضي بالمال عليه، وَلا يؤخره لأن ذَلِكَ لو وجب لم يشأ من ثبت عليه المال أن يفعل هذا، فلا يوجد السبيل إِلَى قبض الأموال، ولكن الحكم عَلَى استحلاف صاحبه إذا حضر، فإذا حضر فحلف برئ، وإن لم يحلف، ففيها قولان: أحدهما: أن يحلف الذي قبض منه المال، ويقبض المال، وهذا عَلَى مذهب مالك، والشافعي وبه أقول. والقول الثاني: قول الثَّوْرِيّ، والكوفي أن يرد المال إذا نكل عن اليمين، ويقبل البينة الحاكم عَلَى تثبيت الوكالة بغير حضرة خصم، وليس مع من منع من ذَلِكَ حجة. وإذا وكل الرجل الوكيل، فاعتل الوكيل، أو أراد سفرا فليس لَهُ أن يوكل بما وكله به غيره، لأن الموكل رضي بوكالته، ولم يرض بوكالة غيره، إلا أن يجعل ذَلِكَ الموكل إليه فِي كتاب الوكالة فيكون ذَلِكَ لَهُ، وَلا يجوز أن يوكل الرجل بكل قليل وكثير، لأن ذَلِكَ لا يوجب شيئا، وهي كلمة تحتمل معاني وَلا يجوز حَتَّى يتبين فِي الوكالة مَا يفعله الوكيل من بيع أو شراء أو قبض أو خصومة أو مَا يذكر، فيثبت إذا ذكره. وإذا وكل الرجل الرجل ببيع سلعة لَهُ فليس لَهُ أن يبيعها من نفسه، وكذلك قالوا: إذا وكله أن يشتري لَهُ سلعة فاشتراها لَهُ من نفسه بطل، كذلك يبطل إذا وكله ببيعها فباعها من نفسه، وقد روينا عن ابن مسعود، أنه قَالَ فِي الرجل أوصى لرجل بتركته، وترك فرسا، فَقَالَ الوصي لابن مسعود: أشتريه؟ قَالَ: لا. وإذا وكل الرجل ببيع داره أو إجازة عبيده رجلين، فباع أحدهما دون الآخر فالبيع باطل، والأصل فِي ذَلِكَ قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] ، وإذا بعث الإمام

باب ذكر شراء الوكيل ما يجوز وما لا يجوز ورد السلعة بالعيب

حكمين ففرق بينهما أحدهما لم يجز وهذا كالإجماع، وإذا وكل رجل رجلين ببيع شيء فباعاه بما لا يتغابن الناس بمثله فالبيع باطل، والجواب فِي أمر الرجل الرجلين بالشراء فاشتريا بما لا يتغابن الناس بمثله، فالجواب فِيهِ كالجواب فِي الأول. وإذا وكل الرجل الرجل ببيع سلعة فباعها بالأغلب من نقد البلد دنانير أو دراهم، فالبيع جائز، وإن باعها بغير ذَلِكَ كَانَ باطلا. وإذا وكله ببيع سلعة فباعها بالنسيئة لم يجز، وإذا وكل الرجل الرجل بالخصومة فِي شيء ثم عزله عنها بغير علم منه، وَلا محضر، غير أنه قد أشهد عَلَى ذَلِكَ شاهدين ففيها قولان، أصحهما: أن الوكالة قد انفسخت. باب ذكر شراء الوكيل مَا يجوز وما لا يجوز ورد السلعة بالعيب وإذا باع الوكيل عبدا أو سلعة من السلع فطعن المشتري فيها بعيب وأقام البينة أن الوكيل باعها وبها ذَلِكَ العيب ولم يتبر إليه منه، فرد القاضي البيع، وألزم الوكيل رد الثمن لزم الأمر ذَلِكَ ورجعت السلعة إليه، وإن أبرأ الوكيل المشتري من الثمن أو من بعضه أو وهبه لَهُ، أو أنظره بالثمن، أو أخذ بالثمن وهو درهم أو دنانير فذلك كله باطل، لا يجوز من فعله لأنه لا يملكه، وإذا وكله أن يشتري لَهُ عبدا موصوفا بمائة دينار فزاد فِي الثمن دينارا واحدا لم يلزم ذَلِكَ الأمر، لأنه اشتراه بما لم يأذن لَهُ فِيهِ. وإذا وكل المسلم الذمي أو الذمي المسلم ببيع خمر أو خنزير فالوكالة فاسدة، والخمر والخنزير لا يجوز بيعهما وَلا شراؤهما، وَلا تنعقد الوكالة فِي ذَلِكَ، لأن اللَّه حرم ذَلِكَ عَلَى المسلمين. وإذا وكل الرجل صبيا لم يبلغ أو محجورا عليه ببيع أو شراء، فباع أحدهما فالبيع فاسد، وإذا وكل عبده أو عبد غيره ببيع أو شراء وقد أذن سيد العبد لعبده فِي التجارة فالبيع والشراء جائزان. وإذا وكل الرجل الرجل ببيع أو شراء فالوكيل مؤتمن، فإن هلكت السلعة فِي يده

أو غصبه غاصب السلعة فلا شيء عليه، وإذا وكله بيع سلعة فليس لَهُ قبض الثمن إلا أن يجعل الموكل ذَلِكَ إليه، فإن لم يكن أمره بقبض الثمن فدفعه المشتري إليه لم يبرأ، وكان لرب السلعة أن يقبض الثمن من المشتري. وإذا اختلف الوكيل والموكل، فَقَالَ الموكل: أمرتك أن تبيعه بألف، وقال الوكيل: أمرتني أن أبيعه بخمس مائة. فالقول قول الموكل مع يمينه، والبيع فاسد لأنه غبن، ولم يؤمر بالغبن. وإذا باع الوكيل العبد الذي أمر ببيعه من أبي العبد أو أمه، فالبيع جائز، وَلا يضره أن يعتق عَلَى الأب المشتري أو عَلَى أمه، وإذا أمره أن يبيع برهن أو بكفيل فباعه بغير رهن وَلا كفيل، فالبيع باطل، وإذا اختلفا فِي ذَلِكَ فالقول قول الموكل مع يمينه، وإذا أمره أن يبيع العبد من زيد فباعه من عمرو، فالبيع باطل، وإذا أمره ببيع عبد لَهُ فباعه من ابن الآمر أو أَبِيهِ، أو من ابن الوكيل أو أَبِيهِ فالبيع جائز، وإذا أمره ببيع عبد لَهُ فباعه، ثم رد المشتري العبد بالعيب فقبله ليس لَهُ أن يبيعه من غيره حَتَّى يجدد الوكالة. وإذا وكله ببيع عبد لَهُ فباع السيد العبد قبل بيع الوكيل بيعا فاسدا، أو باعه الوكيل بعد ذَلِكَ بيعا صحيحا، والبيع الثاني جائز، وصنع الأول فاسد، وكذلك لو باعه الوكيل أولا بيعا فاسدا، ثم باعه رب العبد بعد ذَلِكَ بيعا صحيحا، فالبيع الثاني جائز والبيع الأول فاسد، والوكالة فِي الصرف جائزة كما تجوز فِي سائر أبواب البيوع.

كتاب الغصب

كتاب الغصب قَالَ اللَّه جل ذكره: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] . «وحرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأموال فِي خطبته بعرفة ومنى فِي حجة الوداع» مودعا بذلك أمته، وأجمع أهل العلم عَلَى تحريم أموال المسلمين والمعاهدين بغير حق، فالأموال محرمة بالكتاب والسنة والاتفاق إلا بطيب نفس المالكين من التجارات والهبات والعطايا وغير ذَلِكَ مما دل عَلَى إباحته الكتاب والسنة والاتفاق. 240 - نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: نا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ذَكَرَ حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ: جَاءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ، أَمَرَ بِالْقُصْوَى فَرُحِّلَتْ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي وَخَطَبَ

باب ذكر التغليظ على من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه

النَّاسَ، فَقَالَ: «أَلا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ باب ذكر التغليظ عَلَى من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه 241 - نا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَقَ مِنَ الأَرْضِ شِبْرًا طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» باب ذكر التغليظ عَلَى من اقتطع أرضا غصبا بيمين فاجرة 242 - نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: نا مُسَدَّدٌ، قَالَ: نا أَبُو الأَحْوَصِ، قَالَ: نا سِمَاكٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ

باب ذكر الجارية يغصبها الغاصب فتزيد أو تنقص

لأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضٌ فِي يَدَيَّ أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «لَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لا. قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَجُلٌ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلا ذَلِكَ» . قَالَ: فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» باب ذكر الجارية يغصبها الغاصب فتزيد أو تنقص أجمع كل من يحفظ عَنْهُ من أهل العلم عَلَى أن من غصب جارية صغيرة فكبرت، أو مهزولة فسمنت أو مريضة فبرئت، وكانت تسوى ألفا، فزادت قيمتها فجاء المغصوب والجارية فِي يد الغاصب أن عليه دفعها إِلَى المغصوب، وَلا شيء للغاصب فيما أنفق عَلَيْهَا أو مَا نمت به، فإن زادت قيمتها عَلَى مَا غصبها به فتلفت فِي يد الغاصب فعليه قيمتها أكثر مَا كانت قيمة من يوم غصبت إِلَى أن هلكت، وهذا عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ، وأبي ثور. ومن حجة قائل هذا القول: أن الغاصب كَانَ غاصبًا لها فِي جميع الأحوال إِلَى أن تلفت، وكان عليه ردها إِلَى المغصوب إِلَى أن تلفت، وعليه رد ولدها إن كَانَ لها، وقيمة من تلف منهم، وإذا غصبها وقيمتها ألف درهم، فنقصت حَتَّى صارت تسوى مائة درهم أخذها المغصوب منه، وأخذ معها تسع مائة درهم، إذا كَانَ ذَلِكَ نقصانًا فِي بدنها، فإن كانت بعينها كما أخذها، وإنما نقص ثمنها لغلاء السعر ورخصه فلا شيء عليه غيرها. باب ذكر الشيء المغصوب تكون لَهُ غلة وغير ذَلِكَ وإذا غصب الرجل الدار أو الأرض أو العبد وللشيء المغصوب غلة فعليه

رد الشيء المغصوب، وعليه كراء مثل الشيء المغصوب، استغل ذَلِكَ أو لم يستغله من حين غصبه إِلَى أن رده، لا فرق فِي ذَلِكَ بين الدار والعبد والدابة، وإذا غصب عبدًا وهو يسوى ألف درهم فزاد حَتَّى صار يسوى ألفي درهم، ثم نقص بعد الزيادة حَتَّى صار يسوى ألفا فعليه رده، ورد ألف درهم، لأنه كَانَ غاصبًا لَهُ وهو يسوى ألفي درهم، وهذا عَلَى مذهب الشَّافِعِيّ، وأبي ثور. وإذا غصب جارية ووطئها وأولدها أولادا فعليه رد الجارية والأولاد، ويكونون رقيقا لرب الجارية، وَلا يثبت نسبهم منه، وعليه الحد إن كَانَ عالما وعلى الجارية إن علمت الحد، وإن أوتيت مستكرهة فلا حد عَلَيْهَا، وإن مات بعض الأولاد عَلَى الغاصب قيمة من مات منهم. وإذا غصب جارية ثم باعها وأولدها المشتري أولادا، ثم استحقها المغصوب منه أخذها، وأخذ قيمة أولادها من المشتري، وكانوا أحرارا، ويرجع بقيمة الأولاد عَلَى الغاصب الذي غره، وإذا غصب جارية ثم باعها وأعتقها المشتري وأقام عَلَيْهَا سيدها بينة أنها لَهُ، فسخ البيع، وبطل العتق وقبضها ربها. وإذا غصب جارية فباعها ثم أقر بعد البيع بأنه غصبها من فلان، أو لا بينة تشهد عَلَى ذَلِكَ، لم يفسخ البيع ولم يصدق الغاصب عَلَى مَا ذكر وضمن الغاصب قيمتها لربها، وكان لربها أن يستخلف المشتري عَلَيْهَا، وإذا ضمنها الذهب بعد أن ذكر أنها تلفت، ثم ظهرت الجارية أخذها ربها ورد مَا أخذ من القيمة، لأن القيمة إنما أخذها، لأن الجارية مستلفة لا يقدر عَلَيْهَا، فلما ظهرت الجارية وجب أخذ الجارية، لأن ذَلِكَ لم يكن بيعا، وإنما القيمة تجب فِي الشيء المستهلك والثمن يكون للشيء القائم، وأبطل أهل العلم أن تباع الجارية بقيمتها. وإذا غصب رجل جارية وأولدها ثم ادعاها رجل وأقر لَهُ الغاصب بها، وَلا بينة لَهُ فعليه قيمتها وقيمة أولادها، وإن كَانَ فيها نقص فعليه مَا دخلها من النقص، وَلا يحل للغاصب وطؤها، وَلا يستمتع بها، وذلك أنها جارية لربها وهم ولده فِي الحكم، وتعتق

باب ذكر الفرق بين السلع التي يجب على متلفها مثلها والسلع التي يجب على متلفها قيمتها

الجارية بموته، وإذا أقام رجل بينة عَلَى صدق أنها لَهُ، فادعت الجارية أن مولاها الأول قد كَانَ أعتقها، وقد ولدت من المشتري، وقال المولى الأول قد كنت أعتقتها لم يقبل قول الجارية، وَلا قول المولى الذي باعها، ولو أقامت الجارية البينة أن المولى كَانَ أعتقها ثبتت لها الحرية، ورجع المشتري عَلَى البائع بالثمن، وعلى المشتري مهر المثل للجارية. باب ذكر الفرق بين السلع التي يجب عَلَى متلفها مثلها والسلع التي يجب عَلَى متلفها قيمتها الشيء المتلف الذي يجب عَلَى المتلف فِيهِ القيمة أو المثل شيئان: شيء يجب فِيهِ القيمة، وشيء يجب عَلَى المتلف فِيهِ المثل. فالأصل فيما يجب عَلَى المتلف فِيهِ القيمة الحيوان وكثير من العروض قول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أعتق شركا لَهُ فِي عبد فكان لَهُ مال فبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم» . وهذا قول عوام أهل العلم. وأما الشيء الذي عَلَى متلفه فِيهِ مثل مَا أتلف مثل: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والسمن، وما أشبه ذَلِكَ، وهذا عَلَى مذهب: مالك، والشافعي،

والنعمان، ويعقوب، ومحمد، وأبي ثور، وَلا نعلم أحدًا خالف ذَلِكَ، فإن كَانَ المتلف مَا لَهُ مثل، ولم يوجد فِي المكان الذي اختصما فِيهِ ففي ذَلِكَ قولان، أحدهما: أن عليه قيمتها يوم يختصمان فِيهِ هذا قول أبي ثور، وأصحاب الرأي، قالوا: لأن الغاصب أن يعطيه مثلها يوم يخاصمه، فإذا لم يقدر عَلَى مثلها كَانَ عليه القيمة يومئذ. القول الثاني: ليس يؤخذ منه إلا مثله يأتي به إلا أن يصطلحا عَلَى شيء، هذا قول ابن القاسم صاحب مالك. الأول أصح. ومن كسر صحفة كسرًا صغيرًا أو كبيرًا قومت الصحفة صحيحة ومكسورة، وكان عَلَى الجاني مَا نقصها الكسر من الجاني. والجواب فِي كل ثوب يقطع وشيء من الأواني يكسر كالجواب فِي الصحفة، لا يستحق الجاني شيئا من الأشياء التي جنى عَلَيْهَا الشيء المجني عليه، ولكنه يكون عليه مَا نقص الشيء المجني عليه، وَلا يزول ملك مالك عن مَا ملكه اللَّه بغير حجة، وَلا يملك رجل شيئا إلا أن يشاء ربه أن يملكه إياه إلا الميراث. فأما مَا جني عليه من الحيوان وسائر السلع فالجواب فِي ذَلِكَ كما ذكرت إلا العبيد والإماء، فإنهم إذا جني عليهم يقومون صحاحًا قبل الجناية، ثم ينظر إِلَى الجناية فيعطون أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر أرش الجناية عليه من دمه

باب ذكر صبغ الثوب الذي غصبه الغاصب وغير ذلك

بالغًا مَا بلغ من ذَلِكَ، وإن كانت قيمًا يأخذ الحر ديات وهو حي، وَلا يملك أحد بالجناية شيئا إلا أن يشاء المالك أن يملكه إلا الميراث. وإذا غصب الرجل جارية قيمتها ألف درهم فجنى عَلَيْهَا إنسان وقيمتها ألفا درهم ضمن رب الجارية الجاني ألفي درهم، فإن لم يأخذه ضمن الغاصب ألفي درهم، ثم كَانَ للغاصب أن يأخذ الجاني بقيمتها وذلك أنه استهلكها وهي فِي يده وقد ضمن قيمتها، وإذا غصب الرجل دار الرجل فسكنها أو لم يسكنها فانهدمت الدار كَانَ عليه مَا نقصها وكرى مثلها فِي المدة التي أقامت بيديه غير مهدومة. وإذا غصب من رجل دابة فأجرها فأصاب من غلتها أو غصبه عبدا فأصاب من غلته، فأجره الغاصب فأجرته فاسدة، لأنه أجر مَا لم يملك وعلى الغصب كراء المثل فِي المدة التي أقامت الدابة فِي يديه أو العبد غائبا عن صاحبها، وهو ضامن لقيمته إن تلف. باب ذكر صبغ الثوب الذي غصبه الغاصب وغير ذَلِكَ وإذا غصبه ثوبًا فصبغه صبغًا يزيد فِي ثمن الثوب أو ينقصه، ففيها قولان، أحدهما: إن كَانَ الصبغ زيادة فِي ثمن الثوب وأمكنه أخذه بلا ضرر عَلَى الثوب فذلك لَهُ. وإن لم يمكنه استخراجه أو كَانَ مستهلكا فِي الثوب، فلا شيء لَهُ وهو استهلك شيئه، هذا قول أبي ثور. والقول الثاني: إن الصبغ إن كَانَ زاد فِي الثوب قيل للغاصب إن شئت فاستخرج الصبغ عَلَى أنك ضامن لما نقص، وإن شئت فأنت شريك بما زاد الصبغ، وإن كَانَ نقص الثوب ضمن النقصان، وله أن يخرج الصبغ عَلَى أن يضمن مَا نقص الثوب، وإن شاء ترك، هذا قول الشَّافِعِيّ، وإذا غصبه غزلا فنسجه ثوبًا فهو لرب الغزل، إلا أن يكون نقص من ثمن الغزل شيئا فعلى الغاصب مَا نقصه. وإذا غصبه حنطة فزرعها الغاصب كَانَ مَا أخرجت الأرض من الحنطة لصاحب الحنطة، وكذلك لو اغتصب فسيلة فغرسها أو نواة فغرسها أن مَا خرج منها لصاحب الفسيلة والنواة، وليس للغاصب بقيامه ونفقته شيء.

وإذا غصبه خشبة وشقها الغاصب ألواحًا أخذ رب الخشبة الألواح، فإن كانت مثل قيمة الخشبة أو أكثر أخذها وَلا شيء للغاصب فِي زيادة قيمة الألواح عَلَى الخشبة من قبل أن مَا لَهُ فيها أثرًا وَلا عينًا، وإن كانت الألواح أقل من قيمة الخشبة أخذها وفضل مَا بين القيمتين، ولو عمل من الخشبة ألواحًا ولم يدخل فيها شيئا من غيره كَانَ هكذا، ولو أدخل الغاصب فيها مسامير من عنده أو حديدًا أو خشبًا أو غير ذَلِكَ أخذ، فان يميز مَا زاد فِيهِ من مال المغصوب ويدفع إِلَى المغصوب ماله إلا من يشاء أن يدع ذَلِكَ متطوعًا، ولو كانت إذا ميز منها مَا زاد فيها من المسامير وغيره نقص ذَلِكَ من قيمة الخشبة غرم لَهُ مَا دخل فِيهِ من النقص. وإذا غصب خمرًا من مسلم ونصراني فاستهلكها فلا شيء عليه، لأن الخمر محرم لا يحل بيعه وَلا شراؤه، وقد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه «لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وشاربها، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها» ، وفي حديث أبي سعيد الخدري، قَالَ: كَانَ عندنا ليتيم خمر، فلما نزلت الآية التي فِي المائدة سألنا عَنْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا لَهُ: إنه يتيم. فَقَالَ: «اهريقوه» فلو كَانَ إِلَى اتخاذ الخل منه سبيل لأمرهم بفعل ذَلِكَ، لأنه «نهى عن إضاعة المال» ، ولم يكن ليأمر بصب مَا يوجد السبيل إِلَى اتخاذ الخل منه مع أنا قد روينا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «نهى أن نتخذ من الخمر خلا» . وإذا أودع رجل رجلا حنطة وأودعه آخر شعيرًا فخلط بينهما، فالحنطة والشعير بين الرجلين عَلَى قدر أموالهما، فإن كَانَ نقص من قيمتهما شيء بالخلط كَانَ عَلَى المستودع

مَا دخل ذَلِكَ من النقص، لأنه خان، وإن أمكن أن يميز بينهما أمر بأن يميز بينهما، وإذا غصبه حنطة وحبسها حَتَّى فسدت أو دخل فيها نقصان كَانَ عليه دفعها إِلَى مالكها، وعليه قيمة مَا نقصها. وإذا غصب رجل رجلا صفرا فضرب منه كوزًا أو آنية، أو غصب منه نقرة فضة فضربها دراهم، فذلك كله لصاحب الصفر ويرجع عليه بنقصان إن كَانَ دخل فِيهِ، والجواب فِي الفضة يضرب منها الدراهم كذلك، وليس للغاصب فِي زيادة عمله شيء. وإذا اغتصب رجل من رجل طعامًا حنطة أو تمرًا أو ثوبًا يخفى، ثم إن الغاصب وهب ذَلِكَ الشيء لربه أو أهداه إليه فأكل مالك الطعام، ولبس الثوب حَتَّى بلي وهو لا يعلم أن ذَلِكَ لَهُ فلا شيء عَلَى الغاصب، لأنه قد دفع الشيء كما أخذه إِلَى ربه وليس بين هذا وبين أن يأخذ من كيس الرجل دينارًا، ثم يرده فِي كيسه من حيث لا يعلم، وكذلك لو غصبه حنطة فطحنها، أو عمل منها سويقا أو سميدا أو نشاء وأهدى ذَلِكَ إِلَى المغصوب منه أو دفعه إليه فلا شيء عَلَى الغاصب، وقد يؤدي منه حين دفعه إليه إلا أن يكون فِي ذَلِكَ نقص عن قيمة الحنطة، فيضمن لَهُ النقص الذي دخل فِيهِ بالعمل. وإذا قَالَ الرجل للرجل: اغتصبتك هذه الدار. ثم قَالَ بعد: والبناء لي. أو قَالَ: اغتصبتك هذا الخاتم، والفص لي. لم يقبل منه ذَلِكَ، لأنه أقر بشيء ثم ادعى بعضه. وإذا غصب رجل حنطة من رجل فاستهلكها ولم يكن للغاصب حنطة مثلها، فأراد أن يأخذ مكانها شعيرًا أو تمرًا أو عرضًا من العروض، فلا بأس بذلك بعد أن يقبض رب الحنطة الشيء الذي اتفقا عليه قبل أن يفترقا من مقامهما ذَلِكَ، فإن افترقا قبل أن يقبض ذَلِكَ فسد ذَلِكَ ورجع عليه بالحنطة التي كانت عليه. وإذا غصب شاة فأنزى عَلَيْهَا تيسًا، فجاءت بولد كانت الشاة وولدها للمغصوب منه، وَلا شيء للغاصب فِيهِ.

باب ذكر استهلاك ما يحرم ثمنه

باب ذكر استهلاك مَا يحرم ثمنه وإذا قتل رجل لرجل كلبا من الكلاب المأذون فِي الانتفاع بها، فليس عَلَى قاتلها غرم، وينهى الإمام عن استهلاك ذَلِكَ، لأن فِيهِ منفعة مَا دون فيها. وقد ثبت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن ثمن الكلب» . 243 - نا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» وقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام» . فلا قيمة لشيء أتلف مما حرم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذا الحديث، وفي معنى ذَلِكَ الطنابير والعيدان والمزامير والطبول وما يتخذ للهو لا يصلح لغيره. فمن أتلف من ذَلِكَ شيئا فلا قيمة لَهُ إلا أن يكون بعض مَا ذكرناه يصلح أن يجعل وعاء لغير مَا ذكرناه، فيكون عَلَى متلف ذَلِكَ قيمته، لأنه يصلح لغير اللهو، وقد روينا أن رجلا كسر طنبورا لرجل فخاصمه إِلَى شريح فلم يقض فِيهِ بشيء. وإذا جنى الرجل عَلَى دابة لرجل ففقأ عينها فعليه مَا نقصها، وَلا يثبت عن عمر أنه جعل فِي عين الدابة ربع ثمنها، وكذلك أي جناية جنى عَلَيْهَا إلا أن تصير مستهلكة

بالجناية، فيكون عليه قيمتها، وكذلك كل مَا جني عليه من الثياب والخشب، والدواب وغير ذَلِكَ يقوم الشيء المجني عليه، قبل أن يجنى عليه، ويقوم بعد مَا جني عليه، ثم ينظر مَا بينهما فيغرم الغاصب أو الجاني مَا بينهما من القيمة، ويكون الشيء المجني عليه لربه، لا يجوز أن يزال ملكه عن مَا ملكه اللَّه إلا أن يكون ذَلِكَ للجاني، وَلا نعلم مع بعض من خالف مَا قلناه فجعل الشيء الذي جنى عليه الجاني لَهُ، ويكون عليه قيمته حجة.

كتاب الإقرار

كتاب الإقرار «أقر ماعز عند النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزنى فأمر برجمه» ، «واعترفت الجهنية عند النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالزنى فأمر النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجمها» ، وأمر أنيس الأسلمي أن يسأل امرأة، فإن اعترفت بالزنى رجمها، واعترفت فأمر بها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجمت. 244 - نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ زَنَى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ، وَكَانَ فِيمَا زَعَمُوا مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ» وأجمع كل من يحفظ عَنْهُ من علماء الأمصار عَلَى أن الحر البالغ العاقل الرشيد إذا أقر بمال أو قصاص أو حد أو قطع أن ذَلِكَ يلزمه. وإذا أقر الرجل أنه

اغتصب من رجل شيئا ولم يسمه، قيل لَهُ: أقر بما شئت فإن أقر بشيء وصدقه المدعي سلم إليه مَا أقر لَهُ به، وإن لم يصدقه كَانَ القول قول الغاصب مع يمينه، وَلا يلزمه غير مَا أقر به، وهذا قول: الشَّافِعِيّ، وأبي ثور، والنعمان، وأصحابه. وإذا أقر أنه غصب من رجل عبدًا فأي عبد جَاءَ به فالقول قوله مع يمينه، وَلا ينظر إِلَى دعوى المدعي، فإن ادعى عبدًا آخر وأنكر، فإن ثبتت لَهُ بينة بأنه غصبه عبدًا وصفته البينة غير العبد الذي أحضره لزمه مَا تثبت به البينة، وإن لم تكن لَهُ بينة، فالجواب مَا أجبنا به، ولو أقر بشاة أو بعير أو بقرة أو ثوب أو أي سلعة أقر بها، فالجواب فيها كالجواب فِي العبد. وإذا أقر أنه غصبه عبدا ووصف العبد، كأنه قَالَ: غصبته عبدا روميا، ثم أقر بأن قيمته مَا لا يحتمل أن يكون قيمة عبد رومي لم يقبل قوله، وَلا يقبل منه إلا أن يكون ذَلِكَ قيمة عبد من الصنف الذي وصفه. وإذا أقر أنه غصبه دارا، ثم قَالَ: هِيَ بالكوفة أو بالبصرة كَانَ القول قوله مع يمينه، وإذا قَالَ الغاصب: هِيَ هذه الدار لدار فِي يدي رجل والذي فِي يديه الدار ينكر مَا ذكره الغاصب فعلى الغاصب قيمتها، لأنه لما أقر بالغصب صار ضامنًا كأنه استهلكها عَلَى صاحبها فعليه قيمتها. وإذا قَالَ: غصبت هذا العبد من هذا لا بل من هذا، فإنه للأول، وللآخر عليه قيمته، لأنه أقر أنه استهلكه عَلَى الآخر لما أقر به للأول، ثم أقر به للآخر. وإذا أقر بغصب

باب ذكر الإقرار بالدين في المرض والصحة للوارث وللأجنبيين

شيء من الأشياء من والد لَهُ أو ولد أو قريب أو بعيد، وقد استهلك الشيء فعليه قيمته، وإذا أقر أنه اغتصب هذه الأمة وولدت أولادًا وماتوا ضمن قيمة الأولاد، ورد الأمة، ونقصا إن كَانَ فيها. وإذا اختلف الغاصب والذي غصب منه الشيء فِي قيمة الشيء المغصوب، فالقول قول الغاصب مع يمينه إذا لم تكن بينة تشهد لرب الشيء بما يذكر، وإذا قَالَ: غصبتك ثوبا من عيبة أو طعاما من بيت، فإنه يضمن الثوب والطعام، دون العيبة والبيت، وهذا قول الشَّافِعِيّ، والكوفي. باب ذكر الإقرار بالدين فِي المرض والصحة للوارث وللأجنبيين وإذا أقر الرجل فِي مرضه للأجنبي بدين أو لوارث وعليه دين فِي الصحة ببينة فهما سواء لا يقدم أحد منهم عَلَى أحد، وممن كَانَ يرى إقرار المريض للوارث بالدين جائز عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، روينا عن: شريح، والحسن، والبصري أنهما أجازا إقرار الرجل فِي مرضه لامرأته بالصداق أو ببعضه، وبه قَالَ الأوزاعي. وأصل مَا يعتمد عليه الذي أبطل إقرار المريض للوارث بالدين التهمة، وقد نهى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الظن، وقال: «إنه أكذب الكذب» . 245 - نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، وَإِنَّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ الظَّنُّ»

§1/1