الإفهام في شرح عمدة الأحكام

ابن باز

الإفهام في شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ الإمام عبدالعزيز بن عبداللَّه بن باز - رحمه الله - (1330 - 1420هـ) شرح على متن عمدة الأحكام لشيخ الإسلام الإمام عبد الغني المقدسي - رحمه الله - (541 - 600هـ) حققه واعتنى به وخرج أحاديثه الفقير إلى الله تعالى د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن محمد آل الشيخ إلى حضرة الأخ المكرم/ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني سلمه اللَّه. سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته ... أما بعد: فأشير إلى خطابكم المؤرخ في 2/ 4/1434هـ ومشفوعه نسخة من شرح سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله - على كتاب عمدة الأحكام للإمام: عبد الغني المقدسي - رحمه الله - المعنون بـ «الإفهام في شرح عمدة الأحكام»، والذي قمتم بالاعتناء به، وتخريج أحاديثه، ورغبتكم الإذن بطبعه. نفيدكم أنه لا مانع لدينا من طباعة الكتاب المذكور، ونعيد لكم مسودة الكتاب المشار له بعاليه، وفقكم اللَّه وأعانكم. والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء حرر في 6/ 3/ 1435هـ

مقدمة المحقق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المحقق إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلّى اللَّه عليه وعلى آله، وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذا شرح مُيَسَّر لكتاب «عمدة الأحكام» للإمام المحدث عبدالغني بن عبد الواحد المقدسي - رحمه الله -، شرحه: شيخ الإسلام في عصره، المجدِّد شيخنا: عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، وذلك بين أذان العشاء، والإقامة في مسجده الذي بجوارِ منزله، في مدينة الرياض، حي البديعة، يقرؤه عليه إمام مسجده الشيخ محمد إلياس بن عبد القادر الهندي، وذلك عام 1409هـ، وكان شرح سماحة الشيخ مميزاً جداً، ومختصراً، ومحققاً، ومحكماً، وهو إلهام من اللَّه تعالى، فقد كان الشيخ في هذا الشرح المبارك يشرح في كل جلسة: ثلاثة أحاديث، وأحياناً أربعة، وأحياناً خمسة أحاديث، وفي بعض الأحيان حديثين، وفي بعض الأحيان حديثاً واحداً فقط، ويستشهد في شرحه بأحاديث كثيرة جداً، ومختصرة، وصحيحة، وكان يقتصر على القول الصحيح الذي تشهد له الأدلة من الكتاب والسنة، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (¬1). ¬

(¬1) سورة الجمعة، الآية: 4.

وقد بقي هذا الشرح لم يخدم من عام 1409هـ إلى هذا العام 1434هـ، وقد حَصَلْتُ على نسخة خطية مفرّغة عن طريق الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز، ابن عم سماحة شيخنا ابن باز - رحمه الله -، وذلك عام 1415هـ، وقال: إنه حصل عليها من قِبَلِ الشيخ الدكتور عمر بن سعود العيد، واتصلت بالشيخ عمر، فسألته من فرّغها؟ فقال: فرغها بعض الطالبات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ولكن كان التفريغ ناقصاً، فهو من أول الكتاب إلى الحديث رقم 391 من كتاب الأطعمة، وكانت جميع الأشرطة عندي «عشرون شريطاً»، فدفعتُ الأشرطة كلها للشيخ عيد بن محمد الرميح، وهو من تلاميذ شيخنا ابن باز، ففرَّغ الناقص من أول باب الصيد إلى نهاية الكتاب من الحديث رقم 392 إلى الحديث رقم 430، «ثمانية وثلاثين حديثاً»، ثم دفعه إليَّ - جزاه اللَّه خيراً- وبقي هذا التفريغ عندي سنين عديدة، وقد مضى على تسجيل درس الشيخ - رحمه الله - لهذا الكتاب ست وعشرون سنة، ولم يُخرج من أي جهة علمية، والتفريغ لا يعتمد عليه؛ لأن الذي فرَّغ ثلاثمائة واثنين وتسعين حديثاً لا يُعرف بعينه، فشرح اللَّه صدري لتحقيقه، فأخذت النسخة المفرَّغة، وطبعتها، ثم صححناها ثلاث مرات، فوجدنا فيها أخطاء كثيرة جداً من المفرِّغين للأشرطة، فما كان منِّي إلا العزم على التحقيق فأخذت أطابق، وأقابل بين كلام سماحة الشيخ - رحمه الله -، وبين المفرَّغ: كلمة كلمة -وللَّه الحمد- وكان التسجيل رديئاً جداً، ولكن أعانني اللَّه على ذلك، فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد بعد الرضى.

وكان عملي على النحو الآتي

وكان عملي على النحو الآتي: 1 - مقابلة المسموع على المخطوط المفرَّغ للأحاديث والشرح باستماع ذلك كلِّه من كلام الشيخ - رحمه الله - مباشرة عن طريق صوته المسجَّل مقابلة على التفريغ المذكور كلمة كلمة. 2 - اعتمدت نسخة عمدة الأحكام التي حققها محمود الأرناؤوط، وراجعها والده عبد القادر الأرناؤوط، وقد اعتمد في تحقيقه على نسخة خطية، وعلى نسخة الفقي المطبوعة، ونسخة محب الدين الخطيب المطبوعة، وجعلتها الأصل، وقابلتها أربع مرات، على نسخة عمدة الأحكام التي حققها سمير الزهيري التي اعتمد فيها على ثلاث نسخ خطية، وإذا اختلفت الألفاظ أشرت في الحاشية إلى الفروق بين النسختين، وأحلت إلى مواضع هذه الفروق في صحيح البخاري، ومسلم، أو أحدهما، إن وجدت، برقم الحديث فيهما، أو في أحدهما، ورمزت لتحقيق سمير الزهيري بـ: نسخة الزهيري. 3 - قابلت أحاديث عمدة الأحكام على أصولها من صحيح الإمام البخاري - رحمه الله -، وصحيح الإمام مسلم - رحمه الله -، كلمة كلمة، والحمد لله، وإذا وجدت بعض الفروق بين ما في كتاب العمدة، وبين ما في الصحيحين ذكرت في الحاشية لفظ الحديث عند البخاري، ومسلم، أو عند أحدهما، ولم أغيِّر شيئاً من متن العمدة؛ لأن المؤلف قد يكون عنده نسخ أخرى من الصحيحين، وقد يكون نقل الحديث من كتاب الجمع بين الصحيحين للحميدي. 4 - عزو أحاديث المتن إلى مواضعها في الصحيحين مع ذكر:

الكتاب، والباب، ورقم الحديث على ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله -. 5 - إذا كانت ألفاظ الحديث في متن عمدة الأحكام مجمعة ملفقة من أكثر من حديث في صحيح البخاري، عزوت الحديث إلى هذه المواضع كلها، وحتى لو كان الحديث كاملاً في صحيح مسلم. 6 - تخريج أحاديث وآثار الشرح التي استشهد بها سماحة شيخنا، ونقلت الحكم عليها من أهل العلم. 7 - إذا وضعت تعداداً لبعض الفوائد التي يذكرها شيخنا في الشرح جعلتها بين معقوفين. 8 - إذا لم تُفهم بعض الكلمات في التسجيل ذكرت في الحاشية بقولي: «والذي يظهر أنه كذا»؛ وهي كلمات يسيرة جداً. 9 - التزمت بألفاظ شيخنا الشارح، فذكرتها كما هي على حسب الاستطاعة، والتوفيق بيد اللَّه. 10 - بينت في الحاشية شرح بعض الكلمات الغريبة. 11 - إذا سقطت كلمة من التسجيل جعلت الساقط بين معقوفين، وبينها ثلاث نقاط، ثم ذكرت في الحاشية: «والذي يظهر أنها كذا، أو قلت: منهج الشيخ في الشرح هكذا»، وهذا قليل جداً، والحمد للَّه. 12 - سقط من الشرح بعض الأحاديث، فبحثت عنها في مؤسسة سماحة الشيخ ابن باز، ففرغتها، وأدخلتها في أماكنها، إلا أني لم أجد شرحاً لأربعة وعشرين حديثاً، من حديث رقم 62 إلى حديث رقم 85، واللَّه المستعان. 13 - عملت ترجمة مختصرة لصاحب العمدة: الإمام عبد الغني المقدسي - رحمه الله -.

14 - عملت ترجمة مختصرة لصاحب الشرح: الإمام شيخنا ابن باز - رحمه الله -. 15 - عملت فهارس علمية تفصيلية للآيات القرآنية، وفهارس لجميع الأحاديث، والآثار في متن عمدة الأحكام، والشرح، والحواشي، وميّزت الأثر بذكر اسم صاحبه أمامه بين معقوفين، وميزت حديث المتن بكلمة [متن] بين معقوفين، وفهارس للألفاظ الغريبة، وفهارس للأشعار، والمصادر والمراجع على حسب الأحرف. 16 - سميته: «الإفهام في شرح عمدة الأحكام». 17 - راجعت الكتاب بعد الصف ثلاث مرات بنفسي، ودفعته إلى غيري، فروجع سبع مرات. واللَّه أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله نافعاً مباركاً، وأن ينفع به شيخنا، ويجعله رفعةً في درجاته في جنات النعيم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا، ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم. وصلى اللَّه، وسلَّم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين. كتبه سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر بعد عصر يوم الخميس الموافق 2/ 2/ 1435هـ

نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي

نبذة عن حياة مؤلف العمدة: الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي أولاً: نسبه، ومولده، ونشأته، ومكانته العلمية: هو الإمام المحدّث المحقّق المؤرِّخ حافظ عصره، تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجَمَّاعيلي المقدسي، ثم الدمشقي (¬1). ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بجمَّاعيل (¬2)، وكان قدومه مع أسرته من بيت المقدس إلى مسجد أبي صالح خارج الباب الشرقي لمدينة دمشق أولاً، ثم انتقلت أسرته إلى سفح جبل قاسيون، فبنوا داراً تحتوي على عَدَدٍ كبيرٍ من الحجرات، دُعيت بدار الحنابلة، ثم شرعوا في بناء أول مدرسة في جبل قاسيون، وهي المعروفة بـ «المدرسة العُمرية»، وقد عُرفت تلك الضاحية التي سكنوها بالصالحيّة فيما بعد نسبة إليهم؛ لأنهم كانوا من أهل العلم والصلاح. وقد نَشَرَتْ هذه الأسرة الجليلة المذهب الحنبلي في الشام، فانتشرت مدارس المذهب لا في الصالحية فحسب، بل في دمشق ذاتها، وكثر أتباع هذا المذهب في ضواحيها كدومة، والرحيبة، والضمير، وبعلبك، وأثرت هجرتهم في مذهب الإمام أحمد، فقد استطاعوا بدراساتهم، وتآليفهم الفقهية أن يوجدوا كتباً قيّمة في مذهب الإمام أصبحت عمدة المذهب الحنبلي إلى أيامنا، وأثّروا ¬

(¬1) انظر: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، 21/ 443 - 444. (¬2) انظر: المرجع السابق، 21/ 444.

أيضاً في علم الحديث، وظلّوا نحو مائة عام يعدّون من فطاحل علماء الحديث، وانتشرت في عصرهم دور الحديث في الصالحيّة ودمشق، وأدخلوا على هذا العلم اتجاهات جديدة كان لها أكبر الأثر في تنسيق علوم الحديث، وتصنيف أبحاثه المتعددة. وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلاّمة الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه، وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (560 هـ)، ونزل عند الإمام الشيخ عبدالقادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئاً من الفقه، والحديث، وأقام عنده نحو أربعن يوماً، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان، فمكث فيها وقتاً طويلاً يدرُس، ويُدرِّس، إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (578هـ)، فحدّث بها، وانتقل من ثم إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب، سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم، فحسده بنو الزكي، وبنو الدَّوْلعي، وجهزوا الناصح ابن الحنبلي، فتكلم تحت قبة النسر في المسجد الأموي، وأمروه أن يجهر بصوته ما أمكنه حتى يشوش على الحافظ عبد الغني، وعند ذلك حوّل الحافظ ميعاد درسه إلى ما بعد العصر، فذكر يوماً عقيدته، فثار عليه القاضي ابن زكيّ الدِّين، وضياء الدين الدَّوْلعي، فعقدا له مجلساً في

ثانيا: عبادته وتضرعه، وأوقاته

قلعة دمشق يوم الإثنين الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة (595هـ)، وتكلموا معه في مسألة العلو، ومسألة النزول، ومسألة الحرف والصوت، وطال الكلام، فظهر عليهم الحافظ عبد الغني بالحجة، فقال له الصارم برغش والي القلعة: كل هؤلاء على ضلال، وأنت على حق؟ فقال: نعم، فأرسلوا من كسر منبره في الجامع، ومنعوه من الجلوس فيه، فضاق ذَرعاً، ورحل إلى بعلبك، ومنها إلى مصر، فنزل عند الطحانين، وصار يقرأ الحديث، فنفق بها سوقه، وصار له حشد وأصحاب، فثار عليه الفقهاء بمصر أيضاً، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شُكر، فأقر نفيه إلى المغرب، غير أن الحافظ عبد الغني مات قبل وصول كتاب النفي إليه (¬1). ثانياً: عبادته وتضرعه، وأوقاته: كان لا يضيّع شيئاً من وقته، يصلي الفجر، ويقرأ القرآن أو الحديث، ثم يتوضأ، ويصلي الكثير من النفل إلى قبيل الظهر، ثم ينام سويعة، ثم يصلي الظهر، ويقبل على التسميع، والتسبيح إلى صلاة العصر فيصليها، ويتابع ما كان عليه إلى الغروب، فيفطر إن كان صائماً، ويصلي المغرب، وينتقل إلى العشاء فيصليها، وينام إلى نصف الليل، ثم يستيقظ فيتوضأ، ويصلي إلى قبيل الفجر، فينام قليلاً، ثم يستيقظ لصلاة الفجر، وهكذا دواليك (¬2). ¬

(¬1) انظر: مقدمة عمدة الأحكام لمحققه: محمود الأرناؤوط، ص 17 - 19، دار المأمون للتراث. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء، 21/ 452، والمرجع السابق، ص 19.

ثالثا: شيوخه

ثالثاً: شيوخه: أخذ العلم عن الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، وأبي المكارم ابن هلال، وغيرهما في الشام، وعن الشيخ عبد القادر الجيلاني، وأبي الفتح بن المني، وهبة اللَّه بن هلال، وابن البطي ببغداد، وأبي طاهر السِّلَفي في الإسكندرية، وأقام عليه ثلاثة أعوام، وكتب عنه الكثير، وعن أبي محمد بن برِّي النحوي في مصر، وأبي الفضل الطوسي بالموصل، وعبد الرزاق بن إسماعيل القُومساني بهَمَذان، والحافظ أبي موسى المَدِيني، وأقرانه بأصبهان، وغيرهم من الأئمة الأعلام المشهود لهم بالعلم، والفضل (¬1). رابعاً: تلامذته: أخذ العلم عنه ولداه: أبو الفتح، وأبو موسى، وعبد القادر الرُّهاوي، وموفّق الدين بن قدامة المقدسي، وابن خليل، واليُونيني، وابن عبد الدائم، وعثمان بن مكي الشارعي، وأحمد بن حامد الأرتاحي، وإسماعيل بن عزُّون، وعبد اللَّه بن علاّق، ومحمد بن مهلهل الجينيّ، وهو آخر من سمع منه، وغيرهم كثير (¬2). خامساً: أقوال العلماء فيه: لقد وصفه جمع من مشاهير العلماء بأوصاف كثيرة تنبئ عن ¬

(¬1) سير أعلام النبلاء للذهبي، 21/ 444 - 445، ومقدمة عبد القادر الأرناؤوط محقق العمدة، ص 22. (¬2) سير أعلام النبلاء للذهبي، 21/ 446، ومقدمة المحقق لعمدة الأحكام الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، ص 20.

تمكُّنه من علم الحديث، وتحليقه في إطار علم الرجال، وصفاء سريرته، وقوة اعتقاده، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وغضبه لانتهاك حدود اللَّه - عز وجل - (¬1). قال ضياء الدين المقدسي: «كان لا يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إِلاَّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ، أَوْ سقمَهُ، وَكَانَ يُقال: هو أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فِي الحَدِيْثِ، جاء إليه رجل فقال: رجلٌ حلف بالطلاق أنك تحفظ مائة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر من هذا العدد لصدق» (¬2). وقال أيضاً: «رأيت فيما يرى النائم- وأنا بمَرْو- كأن الحافظ عبد الغني جالس، والإِمام البخاري يقرأ عليه من جزء، أو كتاب، وكان الحافظ يرد عليه شيئاً» (¬3). وقال تاج الدين الكندي: «لَمْ يَرَ الحَافِظُ مِثْلَ نَفْسِهِ، ولَمْ يَكُنْ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ» (¬4). وقال ابن النجار في تاريخه: «حدّث بالكثير، وصنّف تصانيف حسنة في الحديث، وكان غزير الحفظ، من أهل الإتقان والتجويد، قيّماً بجميع فنون الحديث» (¬5). ¬

(¬1) مقدمة عبد القادر الأرناؤوط، في تحقيقه لعمدة الأحكام، ص 20. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي، 21/ 448، وطبقات الحفاظ للسيوطي، ص: 217. (¬3) انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي، 1/ 406. (¬4) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 21/ 449. (¬5) انظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي، 1/ 408.

وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي: «كان رفيقي، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه، إلاّ القليل، وكمل اللَّه فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة، وقيامهم عليه، ورُزق العلم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلاَّ أنّه لم يعمَّر حتى يبلغ غرضه في روايتها ونشرها» (¬1). وقال سبط ابن الجوزي: «كان ورِعاً، زاهداً، عابداً، يقوم أكثر الليل، وكان كريماً جواداً، لا يدَّخِر شيئاً، يتصدق على الأرامل والأيتام، حيث لا يراه أحد، وكان يرقع ثوبه، ويؤثر بثمن الجديد، وكان قد ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء، وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ. قال الحرّاني: «كان يخرج من بيته فيصطف الناس في السوق ينظرون إليه؛ ولو أقام بأصبهان مدة، وأراد أن يملكها لملكها» (¬2). وقال الإمام ابن كثير عنه وعن الحافظ المزي: «رحمهما اللَّه، فلقد كانا نادرين في زمانهما في أسماء الرجال حفظاً، وإتقاناً، وسماعاً، وإسماعاً، وسرداً للمتون، وأسماء الرجال» (¬3). وقال الإمام الذهبي: «وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، قيمًا بجميع فنون الحديث, إلى أن قال: وكان كثير ¬

(¬1) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، 4/ 114. (¬2) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، 4/ 114. (¬3) البداية والنهاية، 13/ 39.

سادسا: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر

العبادة، ورعًا، متمسكًا بالسنة على قانون السلف» (¬1). وقال الإمام الذهبي أيضاً: «كانَ شَيْخُنَا الحَافِظُ لاَ يَكَادُ يُسْأَلُ عَنْ حَدِيْثٍ إِلاَّ ذَكَرَهُ وَبَيَّنَهُ، وَذَكَرَ صِحَّتَهُ أَوْ سقمَهُ، وَلاَ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ إِلاَّ قَالَ: هُوَ فُلاَنُ بنُ فُلاَنٍ الفُلاَنِيُّ، وَيذكرُ نسبَهُ» (¬2). سادساً: أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: كان لا يرى منكرًا إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد أراق مرة خمرًا فسل صاحبه السيف فلم يخف وكان قويًّا فأخذ السيف من يد الرجل وكان يكسر الشبابات والطنابير» (¬3). سابعاً: جوده وكرمه: قال الحافظ الذهبي - رحمه الله -: «وكان جوادًا كريمًا، لا يدّخر شيئًا، ولا درهمًا، وقيل: كان يخرج في الليل بقفات (¬4) الدقيق، فإذا فتحوا ترك ما معه، ومضى لئلا يعرف، وربما كان عليه ثوب مرقع» (¬5). فجمع إلى السخاء بالعلم السخاء بالمال، ولذا كان محبَّباً عند الناس جميعاً (¬6). ¬

(¬1) انظر: سير أعلام النبلاء، 21/ 454، وتذكرة الحفاظ للذهبي، 4/ 112. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء، 21/ 448. (¬3) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، 4/ 114. (¬4) القفة: القرعة اليابسة، وربما اتخذت من خوص ونحوه كهيئتها، تجعل فيه المرأة قطنها، والجمع قفاف. انظر: مختار الصحاح، ص: 228. (¬5) انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي، 4/ 114. (¬6) انظر: مقدمة عبد القادر الأرناؤوط في تحقيقه لعمدة الأحكام، ص 22.

ثامنا: تصانيفه

ثامناً: تصانيفه: صنّف تصانيف كثيرة في مختلف العلوم والفنون، منها ما هو كبير في عدة مجلدات، ومنها ما هو صغير في مجلد واحد، أو رسالة صغيرة، وجميعها مفيدة نافعة، منها: كِتَابُ المِصْبَاح فِي عُيونِ الأَحَادِيْثِ الصِّحَاحِ، وهو مشتملٌ عَلَى أَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَيْنِ، فَهُوَ مُسْتخرَجٌ عَلَيْهِمَا بِأَسَانِيْدِهِ، فِي ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ جُزْءاً، وكِتَابُ: نِهَايَة المُرَادِ فِي السُّنَنِ نَحْوُ مائَتَيْ جزءٍ لَمْ يَبَيِّضْهُ، وكِتَابُ: اليَواقيت مُجَلَّدٌ، وكِتَابُ: تُحْفَة الطَّالبينَ فِي الجِهَادِ وَالمُجَاهِدِيْنَ مُجَلَّدٌ، وكِتَابُ: فَضَائِل خَيْرِ البرِيَّةِ أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، وكِتَابُ: الرَّوْضَة مُجَلَّدٌ، وكِتَابُ: التَّهجُّد جُزْآنِ، وكِتَابُ: الفَرَج جزآنِ، وكِتَابُ: الصِّلاَت إِلَى الأَمْوَاتِ جزآنِ، وكتاب: الصِّفَات جزآنِ، وكتاب: مِحْنَة الإِمَامِ أَحْمَدَ جُزْآنِ، وكتاب: ذَمّ الرِّيَاءِ جُزْء، وكتاب: ذَمّ الغِيبَةِ جُزْء، وكتاب: التَّرغِيب فِي الدُّعَاءِ جُزْء، وكتاب: فَضَائِل مَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، وكتاب: الأَمْر بِالمَعْرُوفِ جزءٌ، وكتاب: فَضل رَمَضَانَ جُزْء، وكتاب: فَضل الصَّدَقَةِ جُزْء، وكتاب: فَضل عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ جزءٌ، وكتاب: فَضَائِل الحَجِّ جزءٌ، وكتاب: فَضل رَجَب، وكتاب: وَفَاة النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - جزءٌ، وكتاب: الأَقسَام الَّتِي أَقسمَ بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكِتَابُ الأَرْبَعِيْنَ بِسندٍ وَاحِدٍ، وأَرْبَعِيْنَ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالِمِينَ، وكِتَابُ: الأَرْبَعِيْنَ آخرُ، وكِتَابُ: الأَرْبَعِيْنَ رَابعُ، واعْتِقَاد الشَّافِعِيِّ جزءٌ، وكِتَابُ: الحِكَايَاتِ سَبْعَةُ أَجزَاءٍ، وتَحَقِيْق مُشْكِلِ الأَلْفَاظِ في مجلَّدَيْنِ،

تاسعا: وفاته

والجَامِعُ الصَّغِيْرُ فِي الأَحكَامِ لَمْ يَتِمَّ، وذِكْر القُبُوْرِ جزءٌ، والأَحَادِيْث وَالحِكَايَات كان يَقرؤهَا لِلْعَامَّةِ، مائَة جزءٍ، ومَنَاقِب عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ جزءٌ، وَعِدَّةُ أَجزَاءٍ فِي مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ، وَأَشيَاءَ كَثِيْرَةً جِدّاً مَا تَمَّتْ، وَالجَمِيْعُ بِأَسَانِيْدِهِ، بِخَطِّهِ المَلِيْحِ الشَّدِيدِ السُّرعَةِ، وَأَحكَامه الكُبْرَى مُجَلَّدٌ، وَالصَّغرَى مُجَيْلِيْدٌ، وكِتَابُ: دُرَر الأَثرِ مُجَلَّدٌ، وكِتَابُ: السِّيرَة جزءٌ كَبِيْرٌ، والأَدعيَة الصَّحيحَة جزءٌ، وتَبيين الإِصَابَةِ لأَوهَامٍ حصلَتْ لأَبِي نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ جُزْآنِ، تَدُلُّ عَلَى برَاعتِهِ وَحفظِهِ، وكِتَابُ: الكَمَال فِي مَعْرِفَةِ رِجَالِ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَرْبَعَةِ أَسفَارٍ، يَرْوِي فِيْهِ بِأَسَانِيْدِهِ (¬1). تاسعاً: وفاته: وما زال يُتحف الأمة بعلومه الزاخرة، وكتبه، ورسائله القيّمة، ويعبد اللَّه - عز وجل -، ويدعو الناس إلى دينه، حتى توفَّاه اللَّه في يوم الإثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ستمائة من الهجرة، وله تسع وخمسون سنة، فزفّت روحه الطاهرة إلى خالقها، ودفن بمقبرة القرافة بمصر إلى جوار الشيخ أبي عمرو بن مرزوق، - رحمه الله - برحمته الواسعة، وأسكنه فسيح جنانه (¬2). ¬

(¬1) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 21/ 446. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، 21/ 467،وانظر: مقدمة محقق كتاب عمدة الأحكام من كلام خير الأنام، للشيخ محمود بن عبد القادر الأرناؤوط ووالده، ص 23.

نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز $

نبذة عن حياة الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - أولاً: ما قال سماحته عن نفسه (¬1): أنا عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه آل باز. ولدت بمدينة الرياض في ذي الحجة سنة 1330 هـ. وكنت بصيراً في أول الدراسة، ثم أصابني المرض في عينيّ عام 1346هـ، فضعف بصري بسبب ذلك، ثم ذهب بالكلية في مستهلّ مُحرّم من عام 1350هـ، والحمد للَّه على ذلك, وأسأل اللَّه جلّ وعلا أن يعوضني عنه بالبصيرة في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة, كما وعد بذلك سبحانه على لسان نبيه محمّد - صلى الله عليه وسلم - , كما أسأله سبحانه أن يجعل العاقبة حميدة في الدنيا والآخرة. وقد بدأت الدراسة منذ الصغر، وحفظت القرآن الكريم قبل البلوغ، ثم بدأت في تلقي العلوم الشرعية، والعربية على أيدي كثير من علماء الرياض، من أعلامهم: 1 - الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم اللَّه. 2 - الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين ابن ¬

(¬1) من مقدمة كتاب سماحته: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 1/ 9 - 12، تفضل سماحته بإملاء نبذة عن حياته، وقرئت عليه بعد كتابتها، فأقرّها - رحمه الله -.

الشيخ محمد بن عبد الوهاب (قاضي الرياض) رحمهم اللَّه. 3 - الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (قاضي الرياض) رحمه اللَّه. 4 - الشيخ حمد بن فارس (وكيل بيت المال بالرياض) - رحمه الله -. 5 - الشيخ سعد وقاص البخاري (من علماء مكة المكرمة) - رحمه الله -، أخذت عنه علم التجويد في عام 1355 هـ. 6 - سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله -، وقد لازمت حلقاته نحواً من عشر سنوات، وتلقيت عنه جميع العلوم الشرعية ابتداء من سنة 1347 هـ إلى سنة 1357 هـ؛ حيث رُشّحت للقضاء من قبل سماحته. جزى اللَّه الجميع أفضل الجزاء, وأحسنه، وتغمّدهم جميعاً برحمته، ورضوانه. وقد توليت عدة أعمال هي: 1 - القضاء في منطقة الخرج مدة طويلة استمرّت أربعةَ عشرَ عاماً وأشهراً، وامتدت بين سنتي 1357هـ إلى عام 1371هـ، وقد كان التعيين في جمادى الآخرة من عام 1357 هـ، وبقيت إلى نهاية عام 1371 هـ. 2 - التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1372 هـ، وكلية الشريعة بالرياض بعد إنشائها سنة 1373 هـ في علوم الفقه

والتوحيد والحديث، واستمرّ عملي على ذلك تسع سنوات انتهت في عام 1380 هـ. 3 - عُيّنت في عام 1381 هـ نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة, وبقيت في هذا المنصب إلى عام 1390 هـ. 4 - توليت رئاسة الجامعة الإسلامية في سنة 1390 هـ بعد وفاة رئيسها شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في رمضان عام 1389هـ، وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1395 هـ. 5 - وفي 14/ 10/ 1395 هـ صدر الأمر الملكي بتعييني في منصب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد, وبقيت في هذا المنصب إلى سنة 1414 هـ. 6 - وفي 20/ 1/ 1414 هـ صدر الأمر الملكي بتعييني في منصب المفتي العام للمملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء, ولا أزال إلى هذا الوقت في هذا العمل (¬1). أسأل اللَّه العون والتوفيق والسداد. ولي إلى جانب هذا العمل في الوقت الحاضر عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية من ذلك: ¬

(¬1) وبقي في هذا المنصب إلى حين وفاته يوم الخميس 27/ 1/ 1420هـ - رحمه الله - تعالى رحمة واسعة.

1 - رئاسة هيئة كبار العلماء بالمملكة. 2 - رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الهيئة المذكورة. 3 - عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي. 4 - رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد. 5 - رئاسة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي. 6 - عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. 7 - عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة. أما مؤلفاتي، فمنها: 1 - الفوائد الجلية في المباحث الفرضية (¬1). 2 - التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (¬2) (توضيح المناسك). 3 - التحذير من البدع, ويشتمل على أربع مقالات مفيدة: ¬

(¬1) وهو من أقدم مؤلفاته، ألفه أول قدومه للدلم وعمره سبعة وعشرون عاماً، طبع سنة 1358هـ في المطبعة الماجدية بمكة المكرمة، كما طبعته مكتبة النشر والطبع بالرياض في العام المذكور، ولما قلّت نسخه طلب الناشر الثاني حسن بن محمد الشنقيطي من سماحته إعادة طبعه فوافق على ذلك بعد إجراء بعض التصحيحات الطباعية، وإضافة بعض الفوائد، كما أوضح ذلك سماحته في مقدمة الطبعة الثانية سنة 1366 هـ، وطبع بعد ذلك مراراً. (¬2) على ضوء الكتاب والسنة: كتبه 1363هـ، وكان أحب مؤلفات سماحته إليه، طبع سنة 1363 هـ على نفقة الملك عبد العزيز - رحمه الله -، ثم طبع بعد ذلك طبعات كثيرة جداً.

- حكم الاحتفال بالمولد النبوي. - حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج. - حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان. - تكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ أحمد (¬1). 4 - رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام (¬2). 5 - العقيدة الصحيحة وما يضادها (¬3). 6 - وجوب العمل بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكفر من أنكرها (¬4). 7 - الدعوة إلى اللَّه وأخلاق الدعاة (¬5). 8 - وجوب تحكيم شرع اللَّه ونبذ ما خالفه (¬6). 9 - حكم السفور والحجاب ونكاح الشغار (¬7). ¬

(¬1) طبع في مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، من منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة النورة سنة 1396هـ. (¬2) طبعتا في مطابع الحارثي سنة 1404 هـ، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. (¬3) نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد الثالث، السنة السابعة، محرم 1395هـ، ص 3. (¬4) رسالة في 29 صفحة، طبعت للمرة الأولى سنة 1400 هـ في مطابع الإشعاع التجارية بالرياض، ثم طبعت بعد ذلك مراراً. (¬5) نشرته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1410هـ. (¬6) رسالة في 20 صفحة طبعت مراراً. (¬7) طبع مراراً.

10 - نقد القومية العربية (¬1). 11 - الجواب المفيد في حكم التصوير (¬2). 12 - الشيخ محمد بن عبد الوهاب (دعوته وسيرته) (¬3). 13 - ثلاث رسائل في الصلاة: - كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. - وجوب أداء الصلاة في جماعة. - أين يضع المصلي يديه حين الرفع من الركوع؟ (¬4). ¬

(¬1) على ضوء الإسلام والواقع: ردّ به سماحته على دعاة القومية العربية، وبيّن أنّ الواجب الدعوة إلى الإسلام، هذا الدين العظيم الذي أعزّ اللَّه من تمسّك به من العرب وغيرهم، وفي ص 51 من الطبعة الأولى ما يدلّ على أن سماحته ألّفه سنة 1381هـ، طبع هذا النقد في الرياض، نشر دار الثقافة الإسلامية للطباعة والتوزيع والترجمة والنشر، دون تاريخ، وقد ألحق سماحته بهذا النقد تكميلاً اشتمل على إجابة عن أربعة أسئلة بعضها يتعلق بالقومية سأله عنها مندوب صحيفة البلاد عام 1380 هـ، كما ذكر في ص 58 تذييلاً قال فيه: «لما كان الكثير من دعاة القومية العربية من المعروفين بالنفاق والعداء للإسلام، والنيل منه بأسلوب وقوالب متنوعة رأيت أن أذيل هذه الرسالة بفصل من كتاب مدارج السالكين لمؤلفه العلامة ابن القيم - رحمه الله - في صفات المنافقين وأخلاقهم؛ لكي يحذرها، ويبتعد عنها من يريد النجاة والسلامة، واللَّه ولي التوفيق»، ومما يستغرب حذف هذا التذييل في الطبعتين الأخيرتين للكتاب. (¬2) نشر في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عدد (4)، السنة السابعة، ربيع الآخر 1395هـ، ص 185، وفي مجلة البحوث الإسلامية عدد (17)، ص 362، سنة 1406 - 1407 هـ، وفي مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحته 4/ 210، وطبع مفرداً في مطابع الرياض دون تاريخ، ثم طبع بعدذلك مراراً. (¬3) نشرته شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر في جدة سنة 1385هـ، وطبع بعد ذلك مراراً، وأصله محاضرة لسماحته ألقاها في قاعة المحاضرات بالجامعة الإسلاميةبالمدينة المنورة سنة 1385هـ. (¬4) طبعت عدة مرات، منها الطبعة الرابعة سنة 1401 هـ في مطابع النصر الحديثة بالرياض، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

14 - حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن أو في رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 15 - حاشية مفيدة على فتح الباري، وصلتُ فيها إلى كتاب الحج (¬2). 16 - رسالة الأدلة النقلية والحسية على جريان الشمس وسكون الأرض، وإمكان الصعود إلى الكواكب (¬3). 17 - إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير اللَّه، أو صدّق الكهنة والعرافين (¬4). 18 - الجهاد في سبيل اللَّه (¬5). 19 - الدروس المهمة لعامة الأمة (¬6). 20 - فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة (¬7). 21 - وجوب لزوم السنة، والحذر من البدعة (¬8). ¬

(¬1) طبع في مؤسسة مكة للطباعة والإعلام، من منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1396 هـ. (¬2) طبعت مع الفتح في المطبعة السلفية بمصر سنة 1380 هـ، واعتذر سماحته عن الإكمال، وبين ذلك في آخر المجلد الثالث من الفتح ص 625. (¬3) طبع دون ذكر للناشر سنة 1391هـ، ثم طبعته ثانية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1395هـ. (¬4) طبع في مطابع دار الثقافة - الزاهر، نشر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة سنة 1393هـ، ثم طُبع بعد ذلك عدة مرات. (¬5) طبع باسم فضل الجهاد والمجاهدين في مطابع الجيش بالرياض، نشر وزارة الدفاع والطيران بالمملكة العربية السعودية سنة 1392هـ. (¬6) طبعت في مطابع دار طيبة بالرياض سنة 1416هـ. (¬7) وهي عبارة عن إجابة عن خمسة وأربعين سؤالاً عن الحج والعمرة، أملاها سماحته في محافظة الطائف سنة 1407 هـ، طبعت مراراً بعنوان: فتاوى مهمة تتعلق بأحكام الحج والعمرة. (¬8) نشر في مجلة البحوث الإسلامية عدد (22)، ص 7، سنة 1408هـ، وفي مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحته 1/ 222.

هذا آخر ما ذكر سماحته عن مؤلفاته. وله: مؤلفات أخرى لم يذكرها، ومنها: 22 - الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة: طُبعت في مطابع الحميضي بالرياض، الطبعة الثانية سن 1418هـ. 23 - الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتّاب: طبعته مؤسسة النور للطباعة والتجليد بالرياض، دون تاريخ. 24 - التبرج وخطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله: نشرته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1408هـ، وطُبع بعد ذلك عدة مرات. 25 - التحذير من الإسراف والتبذير: نشرته دار الذخائر بالدمام مع دار المجتمع بالخبر سنة 1417هـ. 26 - التحذير من القمار وشرب المسكر: نشرته إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1408هـ. 27 - التحذير من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج: طبع سنة 1407 هـ دون ذكر للناشر. 28 - تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام: نشرته دار الفائزين للنشر بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1415هـ 29 - تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنّة من الأدعية والأذكار: نشرته الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية

والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1409هـ، ثم طُبع بعد ذلك عدة مرات. 30 - التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة: نشرته دار أصالة الحاضر بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1430هـ، اعتنى به فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم. 31 - تعليق على العقيدة الطحاوية: نشرته الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1409هـ. 32 - تعليقات على الحواشي التي وضعها الشيخ محمد حامد الفقي: على كتاب «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» للشيخ عبدالرحمن بن حسن ابن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم اللَّه، طُبعت مع «فتح المجيد» وتعليقات الشيخ محمد حامد الفقي عليه عدة مرات، منها سنة 1397هـ، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 33 - تنبيهات هامة على ما كتبه محمد علي الصابوني في صفات اللَّه - عز وجل -: نشرته الدار السلفية بالكويت سنة 1404هـ. 34 - الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح: نشرته دار الوطن دون تاريخ. 35 - حاشية على بلوغ المرام: للحافظ ابن حجر:، راجعها واعتنى بها فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، نشر دار الامتياز للنشر بالرياض سنة 1424 هـ، وطبعتها الدارالمذكورة ثانية سنة 1425هـ. 36 - حكم الغناء: نشرته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة

1410 - هـ، ثم طبع بعد ذلك مراراً. 37 - حواشي على تقريب التهذيب: اعتنى بها الشيخ الدكتور عبداللَّه بن فوزان الفوزان، وطبعها باسم «النكت على تقريب التهذيب»، نشر مكتبة دار المنهاج بالرياض سنة 1426هـ. 38 - رسائل في الطهارة والصلاة: نشرتها دار البخاري للنشر والتوزيع سنة 1412هـ. 39 - رسالة في حكم السحر والكهانة: طبعتها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1408هـ، ثم طُبعت بعد ذلك مراراً. 40 - شرح ثلاثة الأصول، اعتنى به وخرج أحاديثه الشيخ علي بن صالح المري، والشيخ أحمد ابن سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز: نشرته دار الفتح بالمدينة المنورة سنة 1416هـ. 41 - مع بعض الكتّاب في بيان حكم إعفاء اللحية وخبر الآحاد: حرره سماحته بتاريخ 21/ 9/ 1411هـ، طُبع عدة مرات. 42 - القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها: نشرتها دار بلنسية بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1416هـ، وأصلها محاضرة ألقاها سماحته في الجامع الكبير بالرياض في شهر صفر سنة 1403هـ، أعدها للنشر، وعلق عليها الشيخ خالد بن عبدالرحمن الشايع. 43 - ما هكذا تعظم الآثار: وهو عبارة عن ردّين على مقالين نشرا

في جريدة الندوة، الأول بتاريخ 24/ 6/ 1380هـ، والثاني بتاريخ 24/ 5/ 1387هـ فيهما الدعوة إلى تعظيم بعض الآثار، وقد ردّ عليهما سماحته في حينه، ثم رأى سماحته طبع الردّين في رسالة مستقلة، وتم ذلك سنة 1389هـ، كما طبعا ضمن المجموع المفيد المسمى «الجامع الفريد» ص 545. 44 - مجموع فتاوى في الحج والعمرة: مجلدان، إعداد الشيخ الدكتور عبد اللَّه بن محمدالطيار والشيخ أحمد بن عبد العزيز ابن باز، نشرتهما دار الوطن بالرياض، الأول سنة 1414هـ، والثاني سنة 1415هـ. 45 - مسألة دخول الجني في بدن المصروع، وجواز مخالطة الجن للإنس: طبعت عدة مرات، منها طبعة مكتبة دار السلام سنة 1411هـ، ومعها رسالة أخرى لسماحة الشيخ بعنوان: 46 - العلاج عن طريق السحر أو الكهانة خطر عظيم على الإسلام والمسلمين. 47 - منتخبات من تقارير سماحته على العقيدة الواسطية: طبعت مع كتاب: «التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة» للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: سنة 1369 هـ، ثم طُبعت بعد ذلك مراراً. 48 - نصيحة هامة في التحذير من المعاملات الربوية، ويليها الرد على الدكتور إبراهيم بن عبد اللَّه الناصر في البحث الذي أعده بعنوان: موقف الشريعة الإسلامية من المصارف: نشرا عدة مرات، منها نشرة

رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء سنة 1417هـ. 49 - وجوب التوبة إلى اللَّه والضراعة إليه عند نزول المصائب: نشر في مجلة البحوث الإسلامية، عدد (11) ص 7 سنة 1404 هـ، وفي مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 2/ 126 كما طبع مفرداً ومع غيره مراراً. 50 - تحفة أهل العلم والإيمان بمختارات من الأحاديث الصحيحة والحسان: اعتنى به فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم. 51 - تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان: اعتنى به فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ووثق تراجمه محمد زياد بن عمر التكلة. 52 - الفوائد المتنوعة في العقائد والتفسير والحديث والتاريخ وغير ذلك: رتبها واعتنى بها فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم. 53 - وقد قام غير واحد بجمع فتاوى سماحته في موضوع واحد أو أكثر، وجمع الدكتور محمد بن سعد الشويعر أكثر مقالات رسائله وفتاويه في «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة»، في ثلاثين مجلداً، وألحق بها فهارس مفصلة في مجلد مستقل. 54 - وقام الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش بجمع وترتيب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وجزء كبير منها برئاسة سماحة الشيخ، وصدر منها المجموعة الأولى في ستة وعشرين مجلداً، والمجموعة الثانية في أحد عشر مجلداً. 55 - وهناك فتاوى خاصة مكتوبة، وإملاءات كثيرة. 56 - كما قدم سماحته لعدد من الكتب والرسائل.

57 - وأما تعليقاته على الكتب سوى ما تقدم فكثيرة، ومن هذه الكتب: تفسير ابن كثير، وتفسير القرطبي، والسنة لعبد اللَّه ابن الإمام أحمد، وشرح العقيدة الطحاوية، والمنتقى لمجد الدين ابن تيمية، والمقنع لابن قدامة، وحاشيته للشيخ سليمان بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد الوهاب، والفروع، وكشاف القناع، وبعض الأجزاء من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، واختياراته للبعلي، وغير ذلك، وستطبع هذه التعليقات قريباً إن شاء اللَّه تعالى بعناية فضيلة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم. 58 - وهناك كتب لها شرح مسجل بصوت سماحته، كبلوغ المرام (وله شرحان مسجلان)، وهما في طور الإعداد للطباعة، فضلاً عن الدروس والمحاضرات والندوات، أما ما سجل في الإذاعة فبلغت الأشرطة الموجودة سبعة وأربعين وستمائة شريط (¬1). 59 - مجموع فتاوى نور على الدرب جمع معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر، وقد طُبع منها حتى هذا التاريخ 26 مجلداً. 60 - الفوائد العلمية من الدروس البازية، دروس علمية شرحها سماحته في عامي: 1398هـ، و1399هـ، اعتنى بإخراجه الشيخ عبد السلام بن عبد اللَّه السليمان، نشرته: دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430هـ في عشرة مجلات. 61 - الرسائل إلى العلماء، طبع باسم «الرسائل المتبادلة بين الشيخ ¬

(¬1) انظر: كتاب التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة لسماحته - رحمه الله -، اعتنى به الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ص 13 - 26.

ثانيا: أوصافه الخلقية

ابن باز والعلماء»، إعداد محمد بن موسى مدير مكتب الشيخ ابن باز، ومحمد بن إبراهيم الحمد. 62 - وهناك مؤلفات كثيرة غير هذه المؤلفات أحصتها مؤسسة عبد العزيز ابن باز الخيرية، وسوف ينشرونها إن شاء اللَّه تعالى. ثانياً: أوصافه الخَلْقية (¬1): إنَّ الشيخ - رحمه الله - يمتاز باعتدال في بنيته، مع المهابة، وهو ليس بالطويل البائن، ولا القصير جدَّاً، بل هو عوان بين ذلك، مستدير الوجه، حنطي اللّون، أقنى الأنف، ومن دون ذلك فمٌ متوسط الحجم، ولحية قليلة على العارضين، كثَّة تحت الذَّقن، كانت سوداء يغلبها بعض البياض، فلما كثُر بياضُها صبغها بالحناء، وهو ذو بسمة رائعة، تراها على أسارير وجهه إن ابتسم، وهو عريض الصدر، بعيدٌ ما بين المنكبين، ويمتاز بالتوسُّط في جسمه، فهو ليس بضخم الكفين، ولا القدمين - رحمه الله - (¬2). ثالثاً: صفاته الخُلُقية: إنه لمن المعلوم المتواتر عند جميع الناس أن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - ممن تميز بالخلال الحميدة، والخصال الرشيدة، وجميل الأخلاق، وطِيب الفعال، وعظيم التواضع، وهو ممن يُقتدى ¬

(¬1) حديث المساء من الدروس والمحاضرات والتعليقات لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبداللَّه بن باز - رحمه الله -، اعتنى به الشيخ صلاح الدين بن عثمان أحمد، أمين مكتبة الشيخ، ص 21. (¬2) المرجع السابق، ص 21.

به في الأدب والعلم والأخلاق، بل هو أُسوةٌ حسنةٌ في تصرفاته وسَمْتِه وهديه المبني على كتاب اللَّه العظيم، وسُنّة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -، خاصَّة في زهده، وعبادته، وأمانته، وصدقه، وكثرة التجائه، وتضرعه إلى اللَّه، وعظيم خشيته للَّه، وذكاء فؤاده، وسخاء يده، وطِيب معشره، مع اتِّباعٍ للسُنّة الغرَّاء، وكثرة عبادة، زاده اللَّه رحمةً وغفراناً. وقصارى القول: إنَّ للشيخ - رحمه الله - صفاتٍ حسنةً، وخصالاً جميلة، وشيماً كريمة، ومناقبَ فذّة عظيمة، جديرٌ بمن تتلمذ له، أو جالسه وعاشره أن يحذو حذوه (¬1). وقد ذكر الشيخ محمد بن موسى الموسى - رحمه الله - مدير مكتب بيت سماحة الشيخ: أربعين صفة من أبرز صفاه الخُلقية. قال الشيخ محمد الموسى - رحمه الله -: «لقد تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز - رحمه الله - بصفات عديدة، لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي: 1 - الإخلاص للَّه - ولا نزكي على اللَّه أحداً- فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد، ولا جزاءً، ولا شكوراً. 2 - التواضع الجمّ، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية. 3 - الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لا يصدقه إلا من رآه عليه. 4 - الجلد، والتحمّل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه. ¬

(¬1) حديث المساء، للشيخ صلاح الدين أمين مكتبة الشيخ، ص 22.

5 - الأدب المتناهي، والذوق المرهف. 6 - الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم، والسخاء، سواء بالمال، أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك. 7 - السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه. 8 - الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن. 9 - الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور. 10 - العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين. 11 - الثبات على المبدأ، وعلى الحق. 12 - سَعَة الأفق. 13 - بُعْدُ النظر. 14 - التجدّد؛ فهو -دائماً- يتجدّد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات. 15 - الثقة العظيمة باللَّه - جلّ وعلا-. 16 - الزهد بالدنيا، سواء بالمال، أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك. 17 - الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.

18 - بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا. 19 - الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمّل الأعباء، إلى غير ذلك. 20 - المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب. 21 - الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه. 22 - صلة الأرحام. 23 - القيام بحقوق الجيران. 24 - عفة اللسان. 25 - لم أسمعه، أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نَهَرَ خادماً. 26 - وكان لا يقبل الخبر إلاّ من ثقة. 27 - يحسن الظنّ بالناس. 28 - قليل الكلام، كثير الصمت. 29 - كثير الذكر، والدعاء. 30 - لا يرفع صوته بالضحك. 31 - كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قُرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن، أو السنة. 32 - يقبل الهدية، ويكافئ عليها. 33 - يحب المساكين، ويحنوعليهم، ويتلذّذ بالأكل معهم. 34 - يحافظ على الوقت أشدّ المحافظة.

رابعا: دروسه العلمية في مدينة الرياض

35 - يشجع على الخير، ويحضّ عليه. 36 - لا يحسد أحداً على نعمة ساقها اللَّه إليه. 37 - لا يحقد على أحد؛ بل يقابل الإساءة بالإحسان. 38 - معتدل في مأكله، ومشربه. 39 - دقيق في المواعيد. كان متفائلاً، ومحباً للفأل (¬1). رابعاً: دروسه العلمية في مدينة الرياض (¬2): وهذه الدروس تغشاها الهيبة، وتتنزل عليها السكينة، من حيث وقار الشيخ، والإنصات من طلابه، والمواظبة على المتابعة في أثناء الدرس، مع الإصغاء التام لكلام سماحته. وفي هذه الدروس تبرز قيمة تعظيم النصوص الشرعية، والوقوف عندها، والأخذ بالدليل الصحيح، وعدم الالتفات إلى الآراء الشاذة، والأقوال المهجورة، وللَّه درّ سماحته، فكم أحيا سنناً، وأمات بدعاً، ونشر علماً، وأزال جهلاً - رحمه الله -. · ومن هذه الدروس: الدروس الآتية: 1 - صحيح البخاري وشروحه (فتح الباري للحافظ ابن حجر، وعمدة القاري للعلامة العيني، وشرح الكرماني)، ويكون الرجوع ¬

(¬1) جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، رواية الشيخ محمد الموسى - رحمه الله -، مدير مكتب بيت سماحة الشيخ، ص 39 - 41. (¬2) الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز، ص 168.

إليها عندالحاجة والإشكال، وخاصة فتح الباري، وقد تعاقب على قراءته الشيخ عبدالعزيز بن عبد اللَّه الراجحي، والشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم، هذا في درس الفجر؛ حيث خُتِمَ أكثر من مرة، والمرة الأخيرة بلغ الشيخ الراجحي في المجلد الحادي عشر، ص 568، كتاب الأيمان والنذور في 23/ 11/ 1419هـ، أما في درس المغرب في جامع سارة يوم الأحد ليلة الإثنين، ويوم الأربعاء ليلة الخميس، فقد قرأ في هذا الكتاب: الشيخ خالد المقرن، ثم الشيخ عبد العزيز السدحان، وكلاهما بدأ، ولم ينهِ القراءة. 2 - صحيح مسلم، وشرحه للإمام النووي، وتعاقب على قراءته الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز في درس المغرب في جامع سارة يوم الأحد بعد المغرب، ويوم الأربعاء بعد المغرب، والشيخ د. صالح بن عبد العزيز العقيل في درس الفجر في الجامع الكبير، وممن قرأ فيه أيضاً الشيخ عبد اللَّه عامر. 3 - سنن أبي داود، مع الرجوع لشيء من الشرح عند الإشكال، كعون المعبود وبذل المجهود، وشرح الخطابي، وحاشية ابن القيم، والرجوع إليها عند الحاجة، وتولى القراءة الشيخ د. عمر بن سعود العيد. 4 - جامع الترمذي، وشرحه تحفة الأحوذي للمباركفوري، وتولى القراءة فيه د. عمر بن سعود العيد، عندما قدمت إلى الرياض عام 1399هـ، وقد كان عمر يقرأ في المجلد الخامس الأخير، وأتمَّه، فسألته بعد ذلك: هل قرأت سنن الترمذي من أوله؟ فقال: لا، قُرِئ على الشيخ

في المدينة، وعندما قدم الرياض بدأت في المجلد الخامس، ثم ابتدأ القراءة فيه الشيخ عبد المحسن بن عبد اللَّه الزامل، ولم ينهِ القراءة فيه، وقد بلغ كتاب الجنائز، باب ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة، وذلك في المجلد الرابع من تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، الحديث رقم 1045، ص 136، وذلك بتاريخ فجر الخميس 9/ 11/ 1419هـ. 5 - سنن النسائي، مع حاشيته للسيوطي والسندي، وقد قرأه كاملاً الشيخ عبد العزيزالراجحي (¬1). 6 - سنن ابن ماجه، مع ذكر ما يحتاج إليه من تلخيص البوصيري في مصباح الزجاجة، وتولى القراءة الشيخ سلطان بن عبدالمحسن الخميس. 7 - مسندالإمام أحمد، وما علق عليه، كتعليقات الشيخ أحمد شاكر، أو الطبعة الأخيرة بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وزملائه، وفي الأولى قرأ الشيخ سلطان بن عبد المحسن الخميس، وقرأ المسند كذلك الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللَّه السند (¬2). 8 - الفتح الرباني للساعاتي:، وتولى القراءة الشيخ سليمان الرشودي. 9 - موطأ الإمام مالك، ابتدأ قراءته الشيخ سعد بن عبد اللَّه البريك. 10 - سنن الدارمي، والذي تولى القراءة فيه هو الشيخ سلطان بن ¬

(¬1) قال سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «وقد قرئت عليَّ سنن النسائي كاملة في تسعة وعشرين يوماً، قرأها عليَّ الشيخ صالح بن حسين العراقي - رحمه الله -». [الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز، ص 125، الطبعة الثانية في الحاشية]. (¬2) قلت [القائل صاحب الإنجاز]: وقد قرأ فيه الشيخ عائض بن عبد اللَّه القرني حفظه اللَّه.

عبد المحسن الخميس. 11 - السنن الكبرى للنسائي، قرأ منها الشيخ د. عبد العزيز المشعل في الجزء الذي حققه في رسالة الدكتوراه. 12 - كتاب التوحيد لابن خزيمة، ابتدأ قراءته الشيخ عبد العزيز الراجحي. 13 - العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ممن قرأها الشيخ محمد إلياس عبد القادر، وهو إمام المسجد القريب من بيت سماحة الشيخ، وكان يصلي فيه الشيخ إذا لم يكن عنده دروس. 14 - الفتوى الحموية لابن تيمية، أتمها الشيخ ضيدان بن عبدالرحمن اليامي. 15 - الاستقامة لابن تيمية، أتمه الشيخ فهد بن حمين الفهد:. 16 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، قرأ فيه: د. عبد العزيز المشعل في المجلدات الأولى، وأذكر أن سماحة الشيخ أمره أن يقفز بعض المجلدات الأولى، وقال: القراءة في كلام أهل الكلام تمرض القلوب، وابن تيمية: احتاج لذلك للردّ على أهل الكلام. 17 - زاد المعاد في هدي خير العباد، للعلامة ابن القيم، قرأه الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم، وابتدأ مرض الشيخ الأخير قبل وفاته بعد بداية كتاب الطب، وذلك في المجلد الرابع، وبلغ فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في علاج المرضى بتطييب نفوسهم، ص 117، وذلك مغرب يوم الأربعاء، 22/ 11/ 1419هـ. 18 - جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير

الأنام - صلى الله عليه وسلم - لابن القيم، قرأه كاملاً أخونا الشيخ فهد المشرف. 19 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان للعلامة ابن القيم، قرأه الشيخ فهد بن حمين الفهد:. 20 - مفتاح دار السعادة للعلامة ابن القيم، قرأ فيه الشيخ فهد بن عبد اللَّه الصقعبي. 21 - الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب للعلامة ابن القيم، أتمه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 22 - الجواب الكافي للعلامة ابن القيم، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 23 - كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، قرئ مرات متواليات في دروس الشيخ، قرأه عدة مشايخ، منهم الشيخ عبد اللطيف بن عبد المحسن البقماء. 24 - الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرئت مرات كثيرة، وممن قرأها الشيخ محمد المهوس. 25 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع الشيخ ابن قاسم، تولى القراءة فيها الشيخ أحمد بن الشيخ عبد العزيز بن باز. 26 - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن، قرأه أكثر من شيخ، منهم ضيدان بن عبد الرحمن اليامي، وسعد بن عبد اللَّه البريك. 27 - مسائل كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرأها

الشيخ تركي بن عبد العزيز العقيل. 28 - كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 29 - شروط الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 30 - القواعد الأربع للشيخ محمد بن عبد الوهاب، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 31 - شرح السنة للحافظ البغوي، ابتدأ قراءته الشيخ عبد اللَّه بن صالح القصير. 32 - إرواء الغليل بتخريج أحاديث منار السبيل للعلامة الألباني، ابتدأ قراءته الشيخ د. عبد العزيز المشعل. 33 - تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير، قرأه في درس الفجر الشيخ د. عمر بن سعود العيد، وبلغ إلى قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام، الآية: 103]، وفي درس المغرب الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز، وبلغ إلى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس، الآية: 37]، وكان يُقرأ أيضاً في بيت سماحة الشيخ: بعد صلاة الجمعة، وقرأه الشيخ أحمد بن راشد العرفج، وبلغ إلى قوله تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق، الآية: 41]،

وكان بداية قراءة أحمد العرفج من عام 1398هـ (¬1). 34 - الروض المربع، مع حاشيته لابن قاسم عند الإشكال، ابتدأ قراءته الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه الراجحي، وبلغ المجلد الثاني صفحة 238، بتاريخ 22/ 11/ 1419هـ. 35 - بلوغ المرام للحافظ ابن حجر، أكمل قراءته الشيخ عبد العزيز الراجحي، وهو أيضاً من دروس سماحته في المسجد القريب من بيته بين الأذان والإقامة لصلاة العشاء، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر، ونسخة الشيخ الخاصة بمكتبته ثرية بالتعليقات، والتحقيقات، والترجيحات النفيسة، وقد أخرجها وحققها الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم. 36 - رياض الصالحين للإمام النووي: كان يُقرأ بعد صلاة العصر في المسجد القريب من بيت سماحة الشيخ: ثلاثة أيام في الأسبوع. قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 37 - عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي كاملاً قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 38 - البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، قرأ فيه د. محمد بن سعد الشويعر. 39 - المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لمجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية الحراني، ابتدأ قراءته الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه ¬

(¬1) وانظر: جهود سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز في تفسير القرآن الكريم، للدكتور محمد بن سريع السريع، ص 63 - 64.

الراجحي بعد أن أنهى قراءة البلوغ، وبلغ آخر كتاب الفرائض في المجلد الثاني صفحة 774، حديث رقم 3357 صباح الإثنين 20 - / 11/ 1419هـ قبل موت الشيخ بشهر وسبعة أيام، وكان يُقرأ كتاب الصيام منه في رمضان في المسجد القريب من بيت الشيخ، قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر، إمام المسجد. 40 - الإحكام شرح أصول الأحكام للشيخ ابن قاسم، كان الذي يقرؤه أحد مشايخ قبيلة عتيبة، اسمه: الشيخ أبو محماس العتيبي (¬1)، وكان كبيراً في سنه، جليلاً في قدره:. 41 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر (في مصطلح الحديث) للحافظ ابن حجر، قرأه الشيخ فهد بن عبد اللَّه الصقعبي. 42 - الألفية في الحديث للحافظ العراقي. 43 - الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، تأليف سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز، قرأه الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم. 44 - وظائف رمضان الملخص من لطائف المعارف للحافظ ابن رجب، لخصه وزاد عليه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: قرأه الشيخ محمد إلياس عبد القادر. 45 - صحيح ابن حبان، قرأ فيه الشيخ عبد الوهاب الطريري (¬2)، ¬

(¬1) قاله صاحب كتاب الإنجاز في ترجمة الإمام عبد العزيز بن باز، ص 130 (الحاشية). (¬2) قاله صاحب الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، للشيخ عبد الرحمن بن يوسف الرحمة، ص 130.

ويُضاف إلى ذلك الكتب المساندة مثل تقريب التهذيب؛ حيث يتولى البحث فيه الشيخ عبد اللَّه الشهراني، وكذلك التهذيب، والكاشف للذهبي، والقاموس للفيروزآبادي، وغيرها، وهكذا البحوث العلمية المتعلقة بالدروس، والتي كان الشيخ يكلف أحد طلابه ببحثها، ثم عرضها في درس لاحق، وقد جمع أخونا الشيخ عبد اللَّه بن مانع العتيبي ما كُلِّف به من مسائل، وأصدرها بعنوان: (نفح العبير في دروس الجامع الكبير)، وله بحوث أخرى، ويضاف إلى ذلك أيضاً الكتب التي كان الشيخ يطالعها من المطولات وغيرها عند مراجعته بعض المسائل. 46 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيمية، قرأه الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم رعاه اللَّه. 47 - تفسير البغوي، وقد قرأ فيه معالي الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز حفظه اللَّه (¬1). 48 - تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد اللَّه بن عبد الوهاب، كان من دروس سماحة الشيخ عام: 1398، و1399هـ. 49 - اقتضاء الصراط المستقيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية، كان من دروس سماحته عام: 1389، 1399هـ. 50 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، للإمام ابن القيم، كان من الدروس عام: 1398، و1399هـ. ¬

(¬1) الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، ص 167 - 176.

خامسا: زوجات سماحة الشيخ

51 - اختصار علوم الحديث، للإمام ابن كثير، كان من الدروس عام: 1398، و1399هـ (¬1). خامساً: زوجات سماحة الشيخ: تزوج سماحة الشيخ أربع زوجات: قال سماحة الشيخ - رحمه الله -: «أوَّل زوجة كانت في حياة الوالدة رحمها اللَّه، وقد اخترتُها بواسطتها والعارفين بها، وذلك في عام 1354هـ، وكان عمري 24 سنة، وهي ابنة عبد اللَّه بن سليمان بن سحمان - رحمه الله -، وبقيت حتى عام 1357هـ، وبعد وفاة الوالدة بسنة طلقتها»، ولم تلِد له. ثم تزوَّج هيا بنت عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عتيق، من آل عتيق، من أهل الدَّلَم، وكان قد خطبها قبل قدومه الدلم سنة 1357هـ، ودخل بها هناك، وولدت منه: عبد اللَّه، وعبدالرحمن، وسارة، والجوهرة، ومضاوي. وتُوفِّيَت أم عبد اللَّه في الثاني من رمضان سنة 1425هـ، رحمها اللَّه تعالى. ثم تزوَّج ابنة عمِّه طرفة بنت محمد بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن باز - المشهور بالصويتي -، ومكثت عنده ستة أشهر، ثم طلَّقها، ولم تلد له. ثم تزوج منيرة بنت عبد الرحمن بن حمدالخضير، وولدت منه: أحمد، وخالد، وهيا، وهند، ونوفا، وكان الزواج في بريدة أوائل سنة 1386هـ، لما كان سماحته نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية في ¬

(¬1) انظر: الفوائد العلمية من الدروس البازية، دروس علمية شرحها سماحته في عامي: 1398، و1399هـ، اعتنى بإخراجه عبد السلام بن عبد اللَّه السلمان، في عشرة مجلدات.

سادسا: أولاده

المدينة، ولا تزال على قيد الحياة حتى الآن، حفظها اللَّه تعالى (¬1). سادساً: أولاده: للشيخ - رحمه الله - أربعة أبناء من الذكور، وست من الإناث، مجموعهم عشرة، أسبغ اللَّه عليهم النِّعم، ومنعهم من شرور النقم، وأكبرهم: عبد اللَّه، وبه كان يُكنى سماحته، ثم يليه في الترتيب: عبد الرحمن، وثالثهم: أحمد، وهو من طلبة العلم، وقد تخرَّج من كلية الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعمل معيداً، ونال درجة الماجستير في الفقه من الجامعة، وكان مرافقاً لوالده - رحمه الله - في السفر والحضر، وكان يَقرأ عليه في الجامع الكبير كتاب «عمدة الأحكام» بعد العصر، وكتاب «الدرر السنيَّة في الأجوبة النجدية» للشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم - رحمه الله -، وكان هذا في صباح يوم الخميس، وانتهى من الجزء الأول، وشرع في الثاني ولم يُكمل، ورابعهم: خالد، وهو أصغرهم، تخرَّج من جامعة الملك سعود، حفظهم اللَّه، ووفَّقهم للبرِّ بوالدهم (¬2). ¬

(¬1) ترجمة الشيخ عبد العزيز بن باز لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن قاسم، ص 22، وانظر: حديث المساء، للشيخ صلاح: أمين مكتبة الشيخ، ص 22. (¬2) حديث المساء، من الدروس والمحاضرات والتعليقات، لسماحة الشيخ ابن باز، اعتنى به صلاح الدين عثمان أحمد، أمين مكتبة سماحته، ص 22.

سابعا: الأيام الأخيرة من حياته، ومرضه، ووفاته سبحانك الله

سابعاً: الأيام الأخيرة من حياته، ومرضه، ووفاته - رحمه الله - (¬1): بدأ سماحة الشيخ يشتكي من سرطان المريء في شهر شعبان 1419هـ، وبدأ يراجع في المستشفى، ويعاني من الآلام عند الأكل والشرب، ويلاقي تعباً عظيماً، فلا يأكل ويشرب إلا القليل جداً، ويحصل معه التقيؤ، ومع ذلك فقد صام رمضان كاملاً، ومضى على حاله في المعاملات والدروس، والقيام بشؤون الناس، دون أن يُظهر لهم ما هو فيه، بل كان بعد رمضان لا يتناول إلا اليسير من السوائل، ويعتني بضيوفه، فإذا حان الغداء استأذن منهم، واعتذر بأن عنده حمية. ولما علم كبار المسؤولين بمرض سماحته اهتموا للأمر، وعرضوا عليه العلاج في الخارج، ولكن سماحته لم يرغب بالسفر، واقتصر على مراجعة المستشفى، مع قيامه بأعماله كاملة. واستمرت صحته تتدنى، حتى قارب الحج، وألحَّ عليه المسؤولون والأطباء أن يترك الحج نظراً لحالته، فوافق بصعوبة، ووجَّه نائبَه وخَلَفه في الإفتاء الشيخ عبد العزيز آل الشيخ أن يقوم مقامه في الحج، وكان سماحته يتألم ويقول: «اللَّه المستعان! سبعة وأربعون سنة متتابعة لم أترك الحج!» (¬2). ¬

(¬1) ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز - رحمه الله -، للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ص 133. (¬2) وقد ثبت عن الشيخ محمد الموسى أن سماحته حج قبل ذلك خمس حجج متفرقة، فأول حجة حجها، عام 1349هـ، ثم حج بعدها أربع حجات متفرقة، ومنذ عام 1372 هـ إلى 1418هـ لم يترك الحج في أي عام من تلك الأعوام. [جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز ابن باز، للشيخ محمد الموسى - رحمه الله -، ص 113].

قال الشيخ محمد الموسى: «في مرضه الأخير، وقبل وفاته بمدة يسيرة جداً توفي رجل من أهل الرياض اسمه سليمان الغنيم، وكان هذا الرجل مُسنِّاً، محسناً، صالحاً، محبّاً لسماحة الشيخ، وله مكانة عند الشيخ؛ فاتصل أحد أبناء ذلك الرجل بسماحة الشيخ، وقال: إن أبي قد توفي، ونأمل أن تُصلُّوا عليه، وتحضروا جنازته، فقال الشيخ: إن شاء اللَّه نفعل. وبعد ذلك بقليل جاءه خبر وفاة الشيخ صالح بن غُصون - رحمه الله -، فذهب للصلاة على جنازة ابن غصون مع أن سماحته كان تحت وطأة مرضه الأخير، وكان متعباً جداً، وقد سقط في السيارة على من بجانبه، وتقيّأ وهو في الطريق. وبعد أن صلى على جنازة الشيخ ابن غصون - رحمه الله -، وذهب لتعزية أهله، لم ينس الرجل المذكور الذي توفي في ذلك اليوم؛ بل ذهب إلى قبره وهو على تلك الحال من الإعياء، وصلى عليه بعد العصر، وبعد المغرب ذهب إلى أهل المتوفى، وعزّاهم وصبَّرهم!!» (¬1). ثم غادر سماحته الرياض في 23 ذي الحجة 1419هـ إلى مكة، وفي آخر ليلة في الرياض جاء إليه الناس أفواجاً تلو أفواج للسلام عليه وتوديعه، وكانوا بالمئات، وألقى فيهم كلمة مؤثرة، وكانت هذه آخر كلمة له في الرياض. ¬

(¬1) جوانب من سيرة الإمام، ص 177. وانظر: ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ص 134.

وفي مكة أدى العمرة، وبقي فيها إلى نهاية ذي الحجة، ثم توجه إلى الطائف. استمرت صحة سماحته بالتدني، ولكن همته وعزيمته ونشاطه، وعمله لم تتأثر رغم شدة المعاناة، وكان لا يقدر أن يشرب في اليوم إلاكأساً صغيراً من الحليب، وربما شرب ثانياً مع الإلحاح، إضافة إلى ربع كوب من عصير الجزر، وذلك في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عمره، وأما عمله الضخم، فهُو هو! وبدأ سماحته بإلقاء دروسه المعتادة في الطائف، وكان آخر درس صباح الإثنين 17 - / 1/ 1420هـ لمدة ثلاث ساعات، وهو آخردرس ألقاه سماحته، وكان يوم الثلاثاء التالي آخر أيام سماحته في الدوام الرسمي. وفي يوم الأربعاء 19 محرم شعر سماحته بالإرهاق الشديد، ودخل المستشفى يوم الخميس التالي، وبقي فيه إلى يوم الثلاثاء 25 محرم، وكانت المعاملات تُقرأ عليه وهو مستلقٍ في المستشفى، واتصالات الفتاوى لا تهدأ، ويزوره عدد كبير من الأمراء والعلماء والعامة. وفي يوم الثلاثاء طلب الخروج من المستشفى، وقد بلغ به الإعياء مبلغه، ولم ينم ليلة خروجه. وفي ذلك اليوم أصدر سماحة الشيخ البيان الشهير مع اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، في الرد على الأصوات التي بدأت تنادي بإخراج المرأة السعودية من بيتها، وقيادتها للسيارة، ووضع صورتها في البطاقة الشخصية، وما إلى ذلك من خطوات التغريب

والفتنة، فكان ذلك البيان الذي قمع أولئك المنادين في ذلك الوقت، ودفع اللَّه به شرَّاً عظيماً. وفي يوم الأربعاء كان سماحته منشرح الصدر، ومرتاح البال، وطلب من معاونيه أن تُعرض عليه المعاملات كالمعتاد، وأنجز في منزله بعد الظهر أكثر من خمس وعشرين معاملة، منها معاملات طلاق، ومنها اعتماد بناء عدة مساجد، ومنها معاملة من هولندا بشأن تزكية الشيخ عدنان العرعور، وإنجاح لقاء إسلامي كبير. ثم تغدى الضيوف عند سماحته، وبعد المغرب تزاحم الناس في مجلسه للسلام عليه، ودخل عليهم يتهلل وجهه بشراً وسروراً وسكينة، وسلَّم الناس عليه أرسالاً تلو أرسال، ومن سلَّم عليه يخرج لامتلاء المكان. وبعد ذلك بدأ باستعراض المعاملات وسط توافد الناس، ورنين الهاتف، وبعد عشر دقائق من جلوسه تحسس سماعة الهاتف؛ وعلى غير عادته رفعها ووضعها جانباً؛ حتى يتوقف رنين الهاتف، ثم أقبل على الحاضرين وقال: «كيف حال الإخوان، اللَّه يستعملنا وإياكم فيما يرضيه، اللَّه يتوب على الجميع»، ثم دعا لهم، وأطال الحديث والدعاء، وتوصية الناس بتقوى اللَّه، والتمسك بالكتاب والسنة، كانت هذه آخر وصاياه العامة. وبعد ذلك أرجع سماعة الهاتف إلى وضعها الأول، ويبدأ يرد

على المتصلين، ويستمع إلى عرض المعاملات (¬1)، وبعد إجابة أذان العشاء سلَّم على الحاضرين، وودَّعهم، ودخل البيت. وجلس مع أسرته وبعض أقاربه الذين قدموا للسلام عليه من الرياض والمدينة، حيث مكث معهم إلى الثانية عشرة، وهو في أُنْس، وسرور، وراحة بال تامة، ثم انصرفوا عنه؛ لينام، فأخذ يذكر اللَّه ويسبِّحه. يقول ابنه الشيخ أحمد: «وجلست معه بعد ذلك حتى الساعة الواحدة والنصف، وسألني عن الساعة، فأخبرته، فقال: توكّلْ على اللَّه، نَمْ. وصلَّى ما شاء اللَّه أن يصلي، واضطجع على فراشه، والوالدة كانت جالسة عنده». وقال: «وفي الساعة الثانية والنصف أو الثالثة ذهب إلى دورة المياه بنفسه - رحمه الله - دون مساعدة، وتوضأ كعادته، ثم صلَّى واضطجع. قالت الوالدة: ثم جلس وتلفّت يميناً وشمالاً، ثم تبسّم (¬2)، وسألَتْه: ¬

(¬1) نقل في الإبريزية (186) أنه في هذا المجلس الأخير جاء سائلٌ، فقال سماحته: أعطوه، قالوا: يا شيخ يجيء يوم السبت. قال الشيخ: لا! ناجز، ناجز، أعطُوه. فأعطَوه. (¬2) نرجو أن يكون هذا من البشرى الواردة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]. ذكر مجاهد وغيره أن تنزل الملائكة هذا عند الموت. (انظر: تفسير ابن كثير وغيره في تفسير هذه الآية). ومثله ما روى ابن أبي الدنيا في المحتضرين (317) بسند صحيح عن عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني مالك بن أنس، قال: كان عمر بن حسين من أهل الفضل والفقه والمشورة في الأمور والعبادة، وكانت القُضاة تستشيره، ولقد أخبرني من حضره عند الموت، فسمعه يقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]، فقلت لمالك: أتراه قال هذا لشيء عاينه؟ قال: نعم! [انظر: الحاشية في ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ص 137].

هل تريد شيئاً؟ كأنها استغربت من الشيخ، فلم يرد عليها؛ وإنما سألته لأنها لاحظت أن قيامه وتبسّمه لحاجة. قال: فاضطجع مرة أخرى بعد أن توضأ وتبسّم وصلّى، وله نَفَس متزايد بصوت مسموع». قال الشيخ أحمد: «وبعد ذلك جئت إليه أنا وإخوتي، واستمر على هذه الحال، فاتصلنا بمستشفى الملك فيصل، فأرسلوا سيارة إسعاف، وحُمِل سماحته إلى المستشفى، وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها» (¬1). وقال لنا الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن باز: «في الليلة التي توفي فيها كان جالساً في المجلس، وقد عرضت عليه أوراقاً تتعلق بالطلاق، وأنجز منها ما تيسر، وكان ذلك بعد المغرب، وبعد أذان العشاء قبل أن يدخل البيت قلت له: هل آتي غداً الخميس، كالعادة من أجل عرض بعض الأوراق، فقال لي - رحمه الله -: لا أدري! وهو دائماً يحب العمل في يوم الخميس من أجل إنجاز بعض المعاملات، ومن هذا أحسست أنه يشعر بمرض داخلي - رحمه الله - رحمة واسعة، ومع هذا جئت صباح الخميس، وقد فجعت بخبر وفاته - رحمه الله -» (¬2). وتوفي سماحة الشيخ قبيل فجر الخميس 27 محرم 1420هـ في مدينة الطائف بعد أن خُتم عمله بما سبق ذكره من التسبيح والذِّكر، وقيام الليل، والنوم على طهارة، وصلة الرحم، والوصية بالكتاب والسنة، وتقوى اللَّه، وفتيا الناس، وحل مشاكل المسلمين، وبناء ¬

(¬1) انظر: جوانب من سيرة الإمام، ص 586، وكتاب الإمام ابن باز، ص 85. [انظر: المرجع السابق]. (¬2) المرجع السابق، ص 138.

المساجد، والصدقة، والاستبشار، فسبحان من جمع له كل ذلك في الساعات الأخيرة من عمره، كما أنه حديث عهد بعُمرة، ثم كان ما كان من جنازته العظيمة. بعد ذلك نُقل جثمان سماحة الشيخ إلى منزله بمكة لغسله وتكفينه، ورؤي وقد اكتسى وجهه بعلامات من الضياء والنور الساطع، وكان بياضه شديداً كما يقول من شارك في الغسل (¬1). وكانت وفاة سماحة الشيخ - رحمه الله - قُبيل صلاة فجر يوم الخميس السابع والعشرين من محرَّم عام عشرين وأربع مئة وألف من الهجرة، في منزله بمدينة الطائف، ثم نُقل جثمانه إلى مستشفى الملك فيصل بالطائف، ومنه نقل إلى ثلاجة المستشفى العسكري بالهدا؛ بأمر من صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة - رحمه الله -. وفي صباح يوم الجمعة تم نقل جثمانه إلى منزله في مكة المكرمة لتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه في المسجد الحرام، وبعد تجهيزه تقدَّم سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه آل ¬

(¬1) الإنجاز، ص517، الطبعة الثانية، وانظر: ترجمة سماحة الشيخ ابن باز، للشيخ عبد العزيز القاسم، ص 139.

ثامنا: الجنازة وأصداء الوفاة

الشيخ، أمَدَّ اللَّه في عمره، وصلى بأفراد أسرة الشيخ قبل نقله للمسجد الحرام (¬1). ثامناً: الجنازة وأصداء الوفاة (¬2): بعد وقت قصير من وفاته انتشر خبره في أقطار الدنيا، وأصيب المسلمون بحزن وأسىً لا يعلمه إلا اللَّه، وصدر بيان من الديوان الملكي، وهذا نصُّه: «انتقل إلى رحمة اللَّه تعالى: صباح اليوم الخميس الموافق 27/ 1/ 1420هـ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي عن عمر يناهز تسعة وثمانين عاماً إثر مرض ألمَّ به، وسيُصلَّى على سماحته حاضراً في الحرم المكي الشريف، ووجَّه خادم الحرمين الشريفين بأن تقام عليه صلاة الغائب أيضاً في المسجد النبوي الشريف، وجميع مساجد المملكة اليوم بعد صلاة الجمعة، إن شاء اللَّه. ¬

(¬1) انظر: حديث المساء، ص 23. (¬2) انظر: ترجمة سماحة الشيخ ابن باز، للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم، ص 139 - 142.

ولقد خسر المسلمون بوفاة سماحته خسارة كبيرة، حيث فقدوا بفقده عالماً جليلاً كرَّس كلّ حياته في سبيل العلم، وخدمة الإسلام والمسلمين على اختلاف أوطانهم في جميع أنحاء المعمورة. وإن خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني إذ يعزّون أسرة الفقيد، والشعب السعودي، والعالم الإسلامي بوفاته ليسألون اللَّه - جل وعلا- أن يتغمده بواسع رحمته، ومغفرته، ويسكنه فسيح جناته، وينزله منازل الشهداء، إنه سميع مجيب. والحمد للَّه على قضائه وقدره، إنا للَّه وإنا إليه راجعون». وبمجرد معرفة زمان ومكان الجنازة توجّه الناس من داخل البلاد وخارجها إلى مكة للصلاة على جنازته، واجتمع عدد عظيم في وقت قصير قُدِّر بين المليون والمليونين (¬1)، امتلأ بهم المسجد الحرام في مشهد لا يُنسى، وسُمع البكاء والنشيج من أرجاء المسجد الحرام. وخطب الجمعة ذلك اليوم معالي الشيخ محمد بن عبد اللَّه السبيّل حفظه اللَّه، ومما قال: «لقد أُصيبت أمة الإسلام اليوم بوفاة عالم الأمة، وإمام أهل السنّة والجماعة في هذا العصر، علاّمة زمانه، وفقيه أوانه، الداعية إلى اللَّه تعالى على علم وبصيرة، المجاهد في سبيل الحق والهدى، سماحة العلامة الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز، فإن فقده ¬

(¬1) قلت: الذي يظهر، واللَّه أعلم، أنهم أكثر من ذلك، وأنهم ما يقارب ثلاثة ملايين؛ لما رأينا من الزحام العظيم داخل المسجد الحرام وخارجه، وقد رأينا الناس يركبون على شبوك السيارات كأنهم حجيج.

مصاب أليم، وحادث جليل على أمة الإسلام، تغمده اللَّه بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنته، وبوَّأه منازل الأبرار، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وجزاه اللَّه عما قدَّم للإسلام والمسلمين خير الجزاء، وعوض اللَّه المسلمين بفقده خيراً». وبعد صلاة الجمعة حُملت جنازة سماحته للصلاة عليها، ورأينا تدافع الناس لحملها، وصارت تموج فوقهم موجاً، إلى أن وُضعت أمام الإمام، وصلّى عليها الشيخ محمد السبيّل، وتقدم المصلين خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله -، وولي العهد (الملك عبداللَّه حفظه اللَّه)، والنائب الثاني سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله -، وكبار الأمراء والعلماء والمسؤولين، ثم حُملت الجنازة إلى مقبرة العَدْل بمكة، حيث دُفن بها - رحمه الله - رحمة واسعة. ونظراً لكثرة الجموع فقد قامت قوات الطوارئ السعودية بتنظيم مسيرة الجنازة، وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - أمره بأن يُصلَّى على سماحته صلاة الغائب في جميع مساجد المملكة العربية السعودية [بعد صلاة الجمعة]. كما صلّي عليه في بعض إمارات الخليج، وبعض الدول العربية والإسلامية. كما صلت عليه مساجد أهل الحديث قاطبة في الهند وباكستان وبريطانيا، وغيرهم كثير في مختلف البلدان، كما صُلِّي عليه في الجامع الأزهر وغيره. فهل يُعلم في التاريخ رجلٌ صلى عليه بضعة عشر مليوناً - أو

أكثر- سوى سماحة الشيخ؟ مما يدل على أنه وُضع له القَبول في الأرض - رحمه الله - رحمة واسعة. وبعد وفاته توالت وفود العزاء من شتى بقاع المعمورة، من رؤساء، وعلماء، ووجهاء، وغيرهم، حضورياً وبرقياً وعبر الهاتف، وغير ذلك. وبقي سماحته حديث المجالس والصحف والمجلات مدة طويلة، نُشرت عنه آلاف الكلمات والمقالات من مختلف فئات الناس ومستوياتهم في شتى بقاع المعمورة، وكُتبت عشرات المؤلفات المفردة عن سماحته، وأُلقيت عنه عشرات الخطب والمحاضرات والندوات، ورُثي بمراثٍ كثيرة، حتى ذكر الشيخ ابن جبرين - رحمه الله - أن بعض المشايخ أحصى منها أكثر من ثمانمائة قصيدة (¬1)، وقال الشيخ عبد العزيز السدحان (¬2): «لا أعلم أن أحداً رثي بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من سماحة الشيخ - رحمه الله -»، والكلُّ مجمع على فضائل ومآثر سماحته، حتى بعض مخالفيه في المنهج أشادوا بمناقبه وباعتداله، فرحمه اللَّه رحمة واسعة، وأخلف على المسلمين من أمثاله (¬3). ¬

(¬1) جمع كثيرٌ ممن ترجم لسماحته جملةً من المراثي، وممن أفردها المشايخ: سليمان بن أحمد المشيقح في كتابه: «مداد الأقلام في رثاء علامة الأعلام»، وإبراهيم بن صالح المحمود في كتابه: «رثاء الأنام لفقيد الإسلام»، وسليمان بن محمد العثيم، وفهد بن عبد العزيز الفهد في: «عيون المراثي البازية»، وإبراهيم الحازمي في المجلد الرابع من كتابه: «سيرة وحياة الشيخ العلامة ابن باز». (¬2) الإمام ابن باز، ص 139. (¬3) ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، لعبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ص 133 - 142.

تاسعا: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ

تاسعاً: مشاهد نادرة من جنازة الشيخ (¬1): تولَّى تغسيله وتجهيزه صاحب الفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن حمود، أمَدَّ اللَّه في عمره على طاعته، وصاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن الغيث - رحمه الله -، وصاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز الوهيبي - رحمه الله -، وقام فضيلة الشيخ الوهيبي بربط جثة الشيخ بالنعش؛ حتى لا تسقط عند حملها مع تدافُع الناس. وتولّى تجهيز القبر الأخ المكرم الشيخ محمد صادق السيلاني. وتولَّى دفن الشيخ وإنزاله في قبره الشيخ خالد الشريمي، والشيخ عبد العزيز الشعلان، وشخص آخر لا أعرفه، وذكر لي صاحب الفضيلة الشيخ خالد الشريمي أنه عند فكِّ الأربطة من النعش، وإذا بصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد العزيز، حفظه اللَّه، وأمدّ في عمره على طاعته، يأخذ برأس سماحة الشيخ، ويقبِّله وهو يبكي، مع العلم بأن سموه كان آخرَ من زار سماحة الشيخ بالمستشفى العسكري بالطائف (¬2). ودفن في مقبرة العدل بالأبطح بمكة المكرمة - رحمه الله -. ¬

(¬1) حديث المساء، اعتنى به الشيخ صلاح أمين مكتبة سماحة الشيخ، ص 24. (¬2) المرجع السابق، ص 24.

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المؤلف قال الشيخُ الحافظُ، تقيُّ الدين: أبو محمد عبدُ الغنيِّ بنُ عبدِ الواحد بنِ علي بن سرور المقدسي - رحمه الله - (¬1). الحمد للَّه الملكِ الجبارِ، الواحد القهار، وأشهد أن لا إله اللَّه وحده لا شريك له، ربُّ السَّموات والأرضِ، وَما بينهما العزيزُ الغفَّار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلَّى اللَّه عليه، وعلى آله وصحبه الأخيار. أما بعد: فإن بعضَ إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام، مما اتفق عليه الإمامان: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ومسلم بن الحجاج بن مسلم القُشَيريُّ النيسابوري، فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة به. وأسأل اللَّه أن ينفعنا به، ومَن كَتبهُ أو سمِعَهُ، أو قرأهُ، أو حفظه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، موجباً للفوز لديه في جنات النعيم، فإنه حسبنا ونِعْمَ الوكيل. ¬

(¬1) هذه الافتتاحية ليست من كلام المؤلف - رحمه الله - وإنما هي من كلام ناسخ الكتاب، وكثيراً ما يورد النساخ كلاماً مثل هذا في افتتاحيات الكتب التي توافروا على نسخها، فيحسبه البعض من كلام المؤلف، وهو أبعد ما يكون عن ذلك، فلا ينعت أحد من أهل العلم والفضل نفسه بألقاب التفخيم والتقدير.

1 - كتاب الطهارة

قال الإمام المحدث الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد أبو محمد المقدسي - رحمه الله - في كتاب العمدة: 1 - كتاب الطهارة (¬1) 1 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ــ وَفِي رِوَايَةٍ: بِالنِّيَّةِ (¬2) ــ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَو امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» (¬3). 2 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (¬4). 3 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، وعائشة - رضي الله عنهم - قالوا: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (¬5). ¬

(¬1) بداية الشريط الأول من شرح الشيخ سجَّل بتاريخ 5/ 3/ 1409هـ. (¬2) في نسخة الزهيري: «إنما الأعمال بالنية»، وفي رواية: بالنيات: قدم كلمة النية على النيات. (¬3) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي، برقم 1، وأوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ...»، ورقم 54، وأوله: «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى ...»، ورقم 2529، وأوله: «الأعمال بالنية، ولامرئ ما نوى ...»، ورقم 3898، ورقم 5070، وأوله: «العمل بالنية ...»، ورقم 6689، وأوله: «إنما الأعمال بالنية ...»، ورقم 6953، وأوله: «يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية ...»، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنية ...»، برقم 1907. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحيل، باب في الصلاة، برقم 6954، واللفظ له، مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم 225 .. (¬5) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من رفع صوته بالعلم، برقم 60، بقظ: «ويل للأعقاب من النار» مرتين أو ثلاثاً. ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، برقم 241، ولفظه: «ويل للأعقاب من النار: أسبغوا الوضوء»، وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فرواه البخاري، برقم 165، ومسلم، برقم 242، وفي رواية لمسلم، 9 - (242): «ويل للعراقيب من النار»، وأما حديث عائشة - رضي الله عنها -، فرواه مسلم، برقم 240.

1 - قال الشارح الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -: الحمد للَّه، وصلى اللَّه وسلَّم على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالطهارة, والطهارة هي: رفع الحدث، وإزالة النجس, يقال له: طهارة. والوضوء من الأحداث يقال له: طهارة، والغسل من الجنابة والحيض يقال له: طهارة، وإزالة النجاسة من البدن، والثوب، والبقعة تسمى طهارة، فالطهارة في الشرع هي: رفع الأحداث، وإزالة الأخباث. والطهارة طهارتان: طهارة حسية، وطهارة معنوية. والطهارة الحسية شطر الإيمان, كما في الحديث, يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الطهور شطر الإيمان» (¬1)؛ لأنها طهارة ظاهرة حسية في الوضوء، والغسل. والطهارة المعنوية: التوحيد، والأعمال الصالحات, هي الشطر الثاني. واللَّه جل وعلا شرع للعباد الطهارتين: الطهارة من الأحداث والأنجاس فيما شرع من: الوضوء، والغسل، والتيمم عند العجز عن الماء، أو عند فقد الماء. وشرع لهم الطهارة الثانية بما أمرهم به من الطاعات، وترك المعاصي, هي طهارةٌ لقلوبهم, وصلاحٌ لها, فَفِعْلُ العبدِ للأوامر، ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223.

وتركه للنواهي طهارةٌ لقلبه، وصلاحٌ لدينه، وسببٌ لنجاته في الدنيا والآخرة. والأعمال مبنية على أمرين: [1] صلاح الباطن. [2] وصلاح الظاهر. والعمل لا يُقبل إلا بالأمرين: النية للَّه الخالصة، وهذا يتعلق بالباطن بالقلوب, ويتعلق بهذا حديث عمر - رضي الله عنه -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» هذا يتعلق بالقلوب، فلا يقبل العمل إلا إذا صدر عن إخلاص للَّه. ولا بد من أخذ أمر ثانٍ، وهو موافقة الشريعة؛ ولهذا قال جمع من أهل العلم: إن حديث عمر يعتبر شطر الدين؛ لأن مبنى الأعمال على أمرين: [1] الإخلاص في الباطن. [2] وموافقة الشريعة في الظاهر. فكل عملٍ لا يكون خالصاً للَّه يكون باطلاً. وكل عمل لا يوافق الشريعة يكون باطلاً. وحديث عمر فيما يتعلق بالإخلاص، فالأعمال بالنيات, وليس للعبد إلا ما نوى. وحديث عائشة - رضي الله عنها - الآتي (¬1) , وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في ¬

(¬1) يأتي في أحاديث المتن، برقم 376.

أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬1). وفي لفظ آخر: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬2) هذا يتعلق بالظاهر. فلا تقبل الأعمال، ولا تصحّ جميع الأعمال التي يتقرّب بها العباد إلى اللَّه، يتعبدون بها, لا تصحّ إلا بإخلاص للَّه, وموافقة لشريعته التي جاء بها نبيه - عليه الصلاة والسلام -. وقال بعض أهل العلم: إن حديث عمر ربع الدين, وأنشد في ذلك: عمدة الدين عندنا كلمات أربعٌ ... من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد ... ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية فقوله: (واعملن بنية) حديث عمر, فجعله ربع الإسلام. والأول أظهر, فهو في الحقيقة شطر الإسلام؛ لأنه يتعلق بما يصلح الأعمال في الباطن, وهو الإخلاص للَّه في جميع العبادات, ولابد مع هذا موافقة العمل لشريعة اللَّه, كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬3)، «من أحدث في أمرنا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، وردّ محدثات الأمور، برقم 1718. (¬2) رواه البخاري معلقاً، كتاب البيوع، باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع، قبل الحديث رقم 2142، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، وردّ محدثات الأمور، برقم 1718. (¬3) رواه البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في شرح الحديث رقم 1 من أحاديث المتن.

هذا ما ليس منه فهو رد» (¬1) أي فهو مردود. وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالاً لهذا, فقال - عليه الصلاة والسلام -: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ للَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (¬2) , وهذا مثال للنية. فالأعمال في الظاهر قد تكون مستوية متشابهة, لكن تُميِّزها النّيَّات، فالمهاجر إذا أراد وجه اللَّه، والدار الآخرة، فهذا هجرته إلى اللَّه ورسوله، وعمله صالح, وإن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فليس بمهاجر شرعي, إنما هجرته لما هاجر إليه من قصد النكاح، أو الدنيا, وهكذا سفر الإنسان من بلاد إلى بلاد إن كان لطلب العلم، أو للجهاد؛ فله ما نوى, وإن كان للدنيا والتجارة، فله ما نوى. وهكذا خروجه من بيته، إن كان للمسجد، أو لعيادة مريض، ونحو ذلك، فله ما نوى, وله أعماله الصالحة في ذلك. وإن كان خروجاً لمعنىً آخر من زيارة، أو أسباب أخرى، فله ما نوى, وله ما قصد. والحديث الثاني حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا ¬

(¬1) رواه البخاري، قبل رقم 2142، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في شرح الحديث رقم 1 من أحاديث المتن .. (¬2) رواه البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1975، وتقدم تخريجه في شرح الحديث رقم 1 من أحاديث المتن.

تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (¬1)، هذا الحديث يدل على أنه لابد من طهارة للصلاة, ولا تقبل إلا بذلك, ومن صلى بغير طهارة فلا صلاة له. وفي الحديث الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقبل صلاة بغير طهور, ولا صدقةٌ من غلول» (¬2) خرَّجه مسلم في صحيحه. فلابد من طهور للصلاة, طهور كامل من الحدث الأكبر: كالجنابة، والحيض، والنفاس، ومن الحدث الأصغر، وهو الذي يوجب الوضوء كالريح والبول، ونحو ذلك. وفي الحديث الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (¬3)، فلابد من مفتاح, ومفتاحها الطهور. أي التطهر, فمن دخلها بغير مفتاح فلا صلاة له، إلا عند الضرورة، كالذي لا يستطيع طهوراً: لا ماءً، ولا تيمماً؛ فهذا معذور: كالمريض العاجز الذي لا يستطيع. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 6954، وتقدم تخريجه في شرح الحديث رقم 2 من أحاديث المتن. (¬2) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم 224. (¬3) رواه أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من آخر ركعة، برقم 618، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في فضل الطهور، برقم 3، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب مفتاح الصلاة الطهور، برقم 275، قال محققو المسند، 2/ 292: «صحيح لغيره، وإسناده حسن»، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 102: «إسناده حسن صحيح».

4 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً (¬1)، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنِ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاثاً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ؟» (¬2). وفي لفظٍ لمسلمٍ: «فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ» (¬3). وفي لفظ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ» (¬4). 5 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» (¬5). وَلِمُسْلِمٍ: «لا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» (¬6). ¬

(¬1) (ماء): ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستجمار وتراً، برقم 162، واللفظ له، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الإيتار في الاستنثار، والاستجمار، برقم 20 - (237)، وباب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثاً، برقم 278. (¬3) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار، برقم 237. (¬4) أخرجه بلفظه ابن أبي شيبة، 1/ 23، برقم 156، ويؤيده لفظ مسلم السابق، أما لفظ البخاري، برقم 161 لهذا اللفظ، فهو: «من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر»، ولفظ مسلم، برقم 237: «إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً، وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر». (¬5) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم، برقم 239، ومسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد، برقم 282. (¬6) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد، برقم 283.

6 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعاً» (¬1). وَلِمُسْلِمٍ: «أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ (¬2). 7 - وله في حديث عبد اللَّه بن مُغَفَّل أنّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِناءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعاً، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» (¬3). 2 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بأحكام تتعلق بالطهارة. في الحديث الأول: الدلالة على وجوب الاستنشاق في الوضوء؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ» (¬4) , وفي اللفظ الآخر: «فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ» (¬5). وهذا يدل على وجوب الاستنشاق، والاستنثار, وأن الواجب على المتوضئ أن يستنشق الماء, وأن ينثره؛ لما فيه من النظافة، والنشاط، وإخراج الأذى. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، برقم 172، ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم 279. (¬2) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم 279. (¬3) رواه مسلم كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم 280. (¬4) رواه البخاري، برقم 162، ومسلم، برقم 278، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 4. (¬5) رواه مسلم، برقم 237، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 4.

والواجب مرة واحدة, وإذا كرر ثلاثاً فهو الأفضل, وهكذا بقية فروض الوضوء ما عدا الرأس (¬1)، السنة ثلاثاً (¬2)، والواحدة مجزئة كافية, وإن كرر ذلك ثنتين كان أفضل, والكمال ثلاث. أما الشيء الواجب فهو واحدة: غسلة واحدة لوجهه ويديه, وهكذا المضمضة مرة واحدة, واستنشاق واحد، كله يكفي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة, وتوضأ مرتين مرتين, وتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، فالواجب في الوضوء مرة, والثنتان أفضل, والثلاث أكمل، إلا المسح؛ فإنه يمسح رأسه مرة واحدة مع أُذنيه. هذا هو الأفضل، ولا يكرر. وفيه دلالة على وجوب غسل اليدين إذا استيقظ من النوم ثلاث مرات؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أمر بهذا، ونهى عن إدخالهما في الإناء إلا بعد غسلهما ثلاثاً، فدل ذلك على وجوب غسلهما عند قيامه من نوم الليل. واختلف العلماء: هل يلحق نوم النهار في ذلك، أم هذا خاص بنوم الليل؟ والأقرب - واللَّه أعلم - أنه يَعُمُّ, وأن التعبير: «أين باتت يده» نصٌّ أغلبي؛ لأن الغالب من النوم في الليل, وإلا فالحكم يعمّ الجميع؛ فإذا استيقظ من نومه، وجب عليه غسلهما ثلاثاً قبل أن يدخلهما في الإناء, كما دل عليه هذا الحديث العظيم الصحيح. ¬

(¬1) أي مرة واحدة. (¬2) أي للأعضاء ما عدا الرأس.

الحديث الثاني: فيه دلالة على أن الجنب لا يغتسل في الماء الدائم، ولا يبول فيه، لا يجوز البول في الماء الدائم مطلقاً، ولا يجوز للجنب أن يغتسل فيه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، وعن هذا: نهى عن البول في الماء الدائم, وعن الاغتسال فيه من الجنابة, وما ذلك - واللَّه أعلم - إلا لأنه وسيلة إلى تقذيره، وتنجيسه؛ لأنه إذا توالى فيه البول والغسل من الجنابة أفضى إلى تنجيسه, أو على الأقل تقذيره على الناس, حتى لا يُشتهى، ولا يُرغب فيه بسبب ما يحصل فيه من الغسل من الجنابة، والأبوال, التي قد تتكرر، وتكثر، فتؤثر في طعمه، أو لونه، أو ريحه, فيكون نجساً, وهكذا الغسل من الجنابة؛ لأنه قد يؤثر في الماء؛ لأن الجنب يكون عليه آثار من الجنابة مني، أو مذي, فيؤثر ذلك في الماء كدراً، أو تقذيراً, وربما كانت عليه نجاسة, فأثَّر في الماء أيضاً؛ فلهذا نهى النبي - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك بالكلية؛ حسماً لمادة إفساد الماء (¬1) , فلا يبول فيه, ولا يغتسل, ولكن يغترف لحاجته، والمفهوم من ذلك أنه إذا كان جارياً لا يضر الاغتسال في الماء الجاري كالنهر، أو بال فيه، لا يضر ذلك؛ إنما يضر إذا كان الماء دائماً, كالأحواض الدائمة، وأشباهها, فلا يجوز البول فيها، ولا الاغتسال فيها من الجنابة. والحديث الثالث: حديث أبي هريرة فيه الدلالة على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ ¬

(¬1) أي: حتى لا يفسد الماء بكثرة تكرر ذلك.

أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» (¬1). هذا الواجب, هذا من خصائص الكلاب, لا يقاس عليها غيرها، فلا يجب غسل الإناء من ولوغ الخنزير، أو الذئب، أو الأسد، أو الحمار، أو البغل, لا، إنما هذا خاص بالكلب, إذ ورد فيه النص وحده، فلا يلحق به غيره. وفي رواية مسلم: «طَهُورُ إنَاءِ أحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيه الْكَلْبُ أن يَغْسِلَهُ سَبْعَ مرات، أُوْلاَهُنَّ بِالتُّرَابِ» (¬2) , دل على أنه لنجاسته، وأن نجاسته مغلظة, لابد فيها من سبع, ولابد فيها من تراب في إحداهن، والأفضل أن تكون الأولى. لقوله: «أُوْلاَهُنَّ بِالتُّرَابِ» , حتى يكون ما بعدها من المياه منظفاً للإناء من التراب ومن الولوغ جميعاً. وفي حديث عبداللَّه بن مغفل «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» (¬3) , يعني ليكن إحدى الغسلات فيها تراب, فتكون ثامنة بالنسبة إلى التراب, وإلا فهي سبع بالنسبة إلى الماء. وظن بعض العلماء: أن المراد ثمان غسلات, وليس الأمر كذلك, وإنما المراد أنَّ الثامنة بالنسبة إلى كونها من التراب، تعتبر ¬

(¬1) البخاري، برقم 172، ومسلم، برقم 279، وتقدم تخريجه، وهذا اللفظ في مسند الشافعي، ص 7، ومسند أحمد، 12/ 415، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب غسل الإناء من ولوغ الكلب، برقم 363، والنسائي، كتاب الطهارة، سؤر الكلب، برقم 64، وقال محققو المسند، 12/ 415: «إسناده صحيح على شرط الصحيح»، وقال الألباني في إرواء الغليل، 1/ 60: «صحيح». (¬2) رواه مسلم، برقم 91 - (279)، وتقدم تخريجه في تخريج حديثي المتن رقم: 6، و7. (¬3) رواه مسلم، برقم 280، وتقدم تخريجه في تخريج حديثي المتن رقم: 6، و7.

ثامنة, وبالنسبة إلى كونها مخلوطة مع الماء، فهي سابعة، وهذا من باب التنظيف، وإزالة آثار هذا الولوغ تكون سبع غسلات، إحداهن بالتراب, والأفضل أن تكون الأولى, حتى يكون ما بعدها منظفاً للإناء، ومزيلاً لآثار الولوغ, وإذا لم يتيسر التراب فما يقوم مقامه يكفي من أشنان، أو صابون، أو سدر، ونحو ذلك. وأما إذا تيسّر التراب؛ فينبغي استعماله؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - نصّ على ذلك، فينبغي الأخذ بذلك عند وجوده؛ فإن عدم التراب استعمل ما يقوم مقامه من سدر، أو صابون، أو أشنان، أو نحو ذلك. 8 - عن حُمْران مولى عثمان بنِ عفان: «أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنِ إنَائِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَاسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضَّأُ (¬1) نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غَفَر اللَّه لَهُ (¬2) مَا تَقَدَّمَ مِنِ ذَنْبِهِ» (¬3). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «يتوضأ»، وهذا لفظ البخاري، برقم 164. (¬2) في نسخة الزهيري: «غُفِرَ له»، وهذا لفظ مسلم، برقم 226. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء، برقم 164، ومسلم، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله، برقم 226.

9 - عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: «شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي الحَسَنِ (¬1) سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنِ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ (¬2) - صلى الله عليه وسلم - فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيهِ (¬3)، فِي التَّوْرِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ في التَّوْرِ (¬4) فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ (¬5)، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيهِ (¬6)، فَمَسَحَ بهما (¬7) رَاسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ» (¬8). وفي رواية: «بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَاسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ» (¬9). وفي رواية: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنِ صُفْرٍ» (¬10). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أبي حسن»، وهذا لفظ البخاري، برقم 186. (¬2) في نسخة الزهيري: «النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) في نسخة الزهيري: «يده». (¬4) «التور» ليست في نسخة الزهيري. (¬5) في نسخة الزهيري: «يديه». (¬6) في نسخة الزهيري: «يده». (¬7) «بهما»: ليست في نسخة الزهيري. (¬8) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب مسح الرأس كله، برقم 185، ومسلم، كتاب الطهارة، باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 235. (¬9) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب مسح الرأس كله، برقم 185، ومسلم، كتاب الطهارة، باب في وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 235. (¬10) البخاري، كتاب الوضوء، باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، برقم 197بلفظ: (أتى رسولُ اللَّه ...).

التَّوْرُ: شِبْهُ الطَّسْتِ. 10 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَانِهِ كُلِّهِ» (¬1). 11 - عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنِ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» (¬2). وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ (¬3): «رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنِ أثَرِ الْوُضُوءِ»، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ (¬4) فَلْيَفْعَلْ (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب التيمن في الوضوء والغسل، برقم 168، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، برقم 268. (¬2) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء والغرُّ المُحجَّلون من آثار الوضوء، برقم 136، واللفظ له، ورواه مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة، والتحجيل في الوضوء، برقم 246. (¬3) كلمة: «لمسلم» ليست في نسخة الزهيري (¬4) كلمة: «تحجيله» ليست في نسخة الزهيري. (¬5) مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، برقم 246.

12 - وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: سَمِعْتُ خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» (¬1). 3 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالوضوء. الحديث الأول: حديث عثمان - رضي الله عنه - وهو عثمان بن عفان القرشي - رضي الله عنه -، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي اللَّه عن الجميع - يخبر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ غسل يديه ثلاث مرات، وهذا الغسل سنة، فيستحب للمتوضئ أن يبدأ وضوءه بغسل كفيه ثلاث مرات في جميع الأوقات, إلا إذا قام من النوم؛ فإنه يغسلهما وجوباً ثلاث مرات, ثم تمضمض واستنشق واستنثر، في حديث عبد اللَّه بن زيد، وحديث علي - رضي الله عنه - , وأحاديث أخرى: أنه تمضمض، واستنشق واستنثر ثلاث مرات بثلاث غرفات, هذا السنة: يتمضمض، ويستنشق، ويستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات, وإذا اقتصر على واحدة أجزأ ذلك. لكن الأفضل والأكمل ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، هذا هو الكمال، وإن غسل واحدة كفى؛ لأنها فرض, ثم غسل يديه: اليمنى ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً, كما في حديث عثمان - رضي الله عنه - غسلهما ثلاثاً، [و] في حديث عبداللَّه بن زيد غسلهما مرتين, وذلك يدلّ على جواز الاقتصار ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء، برقم 250.

على ثنتين، وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة». رواه البخاري في صحيحه (¬1) , وهو يدل على جواز الاقتصار على مرة، والثنتان أفضل, والثلاث هي الكمال، ثم مسح رأسه، وفي حديث عبداللَّه بن زيد مرة واحدة، وحديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص، و [في] الأحاديث [الأخرى]: أنه مسح رأسه وأذنيه, ثم غسل رجليه: اليمنى ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: أنه غسل ذراعيه حتى أشرع في العضد, وغسل رجليه حتى أشرع في الساق, يعني غسل الكعبين مع الرجلين, وغسل المرفقين مع اليدين؛ فدل ذلك على أن المرافق تُغسل, وهكذا الكعبان يغسلان, وهذا هو معنى قوله جل وعلا: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬2) يعني مع المرافق، وقوله: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (¬3)، يعني مع الكعبين، كما تقدم، وفي حديث عبداللَّه بن زيد أنه بدأ بمقدم رأسه عند المسح حتى ذهب إلى قفاه, ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه, هذا هو الأفضل أن يبدأ بمقدم الرأس، ثم يذهب بيديه إلى قفاه, ثم يردّهما إلى المكان الذي بدأ منه, هذا هو الأفضل, وكيفما مسح أجزأ على أي صفةٍ مسح رأسه، أجزأ بيدٍ واحدة، أو باليدين, بدأ بالمقدم، أو بالمؤخر, كله يجزئ, لكن يجب أن يعمّم الرأس على الصحيح, ¬

(¬1) البخاري، كتاب الوضوء، باب الوضوء مرة مرة، برقم 157. (¬2) سورة المائدة، الآية: 6. (¬3) سورة المائدة، الآية: 6 ..

ولا يجزئ البعض على الصحيح, فالأفضل أن يبدأ بمقدمه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، كما في حديث عبداللَّه بن زيد، ثم غسل - عليه الصلاة والسلام - رجليه مع الكعبين ثلاثاً، هذا هو الأفضل، وإن غسلهما واحدة، أو ثنتين أجزأه ذلك. وقوله: وَضوء، وطَهور - بالفتح -، وهو الماء المعد للوضوء, وبالضم هو نفس الوضوء, توضأ وُضوءًا - بالضم -: وطَهُرَ طُهوراً - بالضم - هو نفس الفعل، وبالفتح نفس الماء المعدّ للوضوء. والتور: نوع من الصُّفر, وهو يدل على جواز استعمال الأواني من الصفر كالنحاس، كما يجوز استعمال الأواني من الحديد والحجر والفخَّار، وغير ذلك، ما عدا الذهب والفضة؛ فإنه لا يجوز استعمال الأواني منهما؛ الرسول - صلى الله عليه وسلم - زجر عن ذلك، أما ما سوى ذلك، فلا بأس. لا يجوز للمسلمين استعمال أواني الذهب والفضة، لا للرجال ولا للنساء. وفي حديث عثمان الدلالة على شرعية صلاة ركعتين بعد الوضوء, يستحب أن يصلي ركعتين, يقبل عليهما بقلبه وقالبه, ويخشع فيهما لربه, وأن هذا من أسباب المغفرة، يتوضأ الإنسان الوضوء الشرعي, ثم يصلي ركعتين, لا يحدّث فيهما نفسه, غُفر له ما تقدم من ذنبه، هذا فضل عظيم، هذه يقال لها: صلاة سنة الوضوء، فيستحب للمؤمن إذا توضأ أن يُصلي ركعتين، يُقبل عليهما

بقلبه، وقالبه ويخشع فيهما، وأن هذا من أسباب المغفرة. وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - الدلالة على أن السنة التّيامن في الوضوء وغيره, ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التَّيمُّن» وفي لفظ الآخر (¬1): «يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ» , أي تطهره, وفي شأنه كله، وهذا يدل على شرعية التيمن في الوضوء، والغسل, وتقدم ذلك أنه يبدأ باليمين قبل اليسار، هل هذا واجب أم لا؟ على قولين لأهل العلم: منهم من رآه واجباً في الوضوء. ومنهم من رآه مستحباً, وهم الجمهور. وهكذا يستحب في الغسل، يبدأ بالشق الأيمن قبل الأيسر, وهكذا في لباسه، يستحب أن يبدأ باليمين, يدخل كمه الأيمن قبل الأيسر، في القميص، والسراويل، والبشت عند اللُبس يبدأ بالأيمن, وعند الخلع يبدأ باليسار, هذا هو الأفضل, وبالنعلين والخفين كذلك. وفي الحديث الرابع: حديث أبي هريرة، وهو العاشر من كتاب الطهارة، الدلالة على أن هذه الأمة لها علامة يوم القيامة, وأنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء, هذه علامة أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - يوم القيامة, يُحشرون غُرّاً محجلين من آثار الوضوء، ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب التيمن في دخول المسجد، برقم 426، ومسلم، كتاب الطهارة، باب التيمن في الطهور وغيره، برقم 268.

الغرة في الوجه, والتحجيل في اليدين والرجلين، أي لهم أنوار في وجوههم، وفي أيديهم، وأرجلهم من آثار الوضوء الذي فعلوه في الدنيا. في الحديث الذي رواه مسلم: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» (¬1)، يحلّون بحلية مما أعدّ اللَّه لهم من الجنة إلى نهاية الوضوء مواضع الوضوء، وفي رواية مسلم: أن أبا هريرة كان يبالغ في الوضوء من أجل هذا الحديث, فكان إذا غسل يديه بالغ حتى يكاد يصل المنكبين, وهكذا في الرجلين, يبالغ في غسل الساق, يرتفع في الوضوء. وهذا الذي فعله أبو هريرة اجتهاد منه, والصواب خلاف ذلك، الصواب أنه يكتفي بغسل المرفقين والكعبين, ولا حاجة إلى أن يزيد إلى المنكب أو إلى الركبة، لا، فالسنة الاكتفاء بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يغسل الرجلين مع الكعبين واليدين مع المرافق، فلا يطول إلى المنكب أو إلى الركبة، لا، وأما قوله: «فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ» هذا فيه اختلاف بين أهل العلم: هل هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوع، أو من كلام أبي هريرة موقوف مدرج، وقد رجَّحَ جمعٌ من الأئمة في الحديث أنه مدرج, وأنه من كلام أبي هريرة استنباطاً من الأحاديث، فلا يستحب للمؤمن أن يزيد على الوضوء الشرعي, فيغسل ذراعيه مع المرفقين, ويغسل رجليه مع الكعبين, ويكفي ذلك، فلا يُشرع له الإطالة إلى ¬

(¬1) رواه مسلم، برقم 250، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 12.

1 - باب دخول الخلاء والاستطابة

المنكب، أو فوق المنكب, ولا يشرع له الإطالة في غسل الرجلين إلى الركبتين، أو ما حولهما, هذا خلاف السنة. بل السنة أن يغسل الرجلين مع الكعبين, واليدين مع المرفقين من غير إطالة فوق ذلك، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا غسل يديه أشرع في العضد, وإذا غسل رجليه أشرع في الساق» (¬1). معنى أشرع: يعني أخذ بعض العضد حين غسل اليدين, وهكذا بعض الساق حين غسل الرجلين, وذلك لإدخال المرافق وإدخال الكعبين في الوضوء. فيكون معنى الآية: {إِلَى الْمَرَافِقِ} (¬2) يعني مع المرافق، و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (¬3) يعني مع الكعبين، كما قال تعالى: {وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (¬4) يعني مع أموالكم، وهذا هو الصواب. 1 - بابُ دخولِ الخلاءِ والاستطابةِ (¬5) (¬6) 13 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء ¬

(¬1) مسلم، برقم 246، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 11. (¬2) سورة المائدة، الآية: 6. (¬3) سورة المائدة، الآية: 6. (¬4) سورة النساء، الآية: 2. (¬5) في نسخة الزهيري: «باب الاستطابة». (¬6) بداية الوجه الثاني من الشريط الأول.

قال: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (¬1). (¬2). 14 - عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». قال: أبو أيوب: «فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا، وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ - عز وجل -» (¬3). (¬4). 15 - عن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: «رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب ما يقول عند الخلاء، برقم 142، ومسلم، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، برقم 375. (¬2) في نسخة الزهيري: «الخبث: بضم الخاء والباء: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة: استعاذ من ذكران الشيطان وإناثهم». (¬3) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة، وأهل الشام، والمشرق، برقم 394، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 264. (¬4) في نسخة الزهيري زيادة: «قال المصنف: الغائظ: الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث، كراهة لذكره بخاص اسمه، والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضاً كناية عن موضع التخلي». (¬5) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب التبرز في البيوت، برقم 148، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 266، وعندهما: «القبلة» بدل «الكعبة»، واللفظ لفظ الترمذي، حديث رقم 11.

4 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بآداب قضاء الحاجة، والرسول - عليه الصلاة والسلام - بعثه اللَّه للدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنهي عن سفساف الأخلاق، وسيئ الأعمال، فهو - صلى الله عليه وسلم - يدعو إلى كل خير, وينهى عن كل شر، وقد دعا إلى الآداب الشرعية في قضاء الحاجة، والصلاة، والصوم، والصدقات، والحج، والجهاد، وغير هذا من سنن الإسلام، وقد دعا إلى كل خلق كريم، ونهى عن كل ما يخالف ذلك. ومن ذلك أنه كان - عليه الصلاة والسلام - إذا أراد دخول الخلاء قال: «أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث» (¬1)، عند دخول محل قضاء الحاجة لبول أو غائط, يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» (¬2)، وفي بعضها: «بسم اللَّه أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث» (¬3). الخبث: جمع خبيث, والمراد بذلك ذكور الشياطين. والخبائث: جمع خبيثة, والمراد بذلك إناث الشياطين. يعني من الشياطين: ذكورهم، وإناثهم. ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء، برقم 375. (¬2) رواه البخاري، برقم 142، ومسلم، برقم 375، وتقدم تخريجه. (¬3) قال الحافظ في فتح الباري، 1/ 196: «رواه العمري، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه».

قال آخرون من أهل العلم: معنى ذلك من الشر وأهله. فالخبث بالتسكين الشر، والخبائث أهله. ومعنى هذا: الاستعاذة باللَّه من الشر وأهله من الشياطين وغيرهم. هذا هو السنة لمن أراد أن يقضي حاجته عند دخول الخلاء: أن يقدم رجله اليسرى عند الدخول, ويقول: بسم اللَّه, أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث، وإن كان في الصحراء عندما يريد قضاء الحاجة، إذا أراد المكان الذي يمكث فيه لقضاء الحاجة, قال عند ذلك: بسم اللَّه أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث، وعند الخروج يقدم رجله اليمنى, ويقول: «غفرانك» (¬1)، أي أسألك غفرانك؛ لأن قضاء الحاجة من نعم اللَّه, والعبد من شأنه التقصير في شكر اللَّه، فيقول عند خروجه [...] (¬2): «غفرانك»، أي أسألك غفرانك عما قصرت فيه من شكر نعمك، وعما قدمت من الذنوب. والحديث الثاني: حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «إذا أتيتم الغائط» أي محل قضاء الحاجة: «فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 30، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 7، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، برقم 300، والنسائي أخرجه في عمل اليوم والليلة، برقم 79، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 59. (¬2) ما بين المعقوفين: حذفت كلمة زائدة هي: «يقول».

غَرِّبُوا» (¬1). هذا بالنسبة للمدينة, ومن كان على سمتها يشرِّق أو يغرِّب، وهكذا في الجنوب, أما إن كان في الشرق أو الغرب, فإنه يجنب أو يشمل حتى لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها عند قضاء الحاجة. قال أبو أيوب - رضي الله عنه -: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة, فننحرف عنها ونستغفر اللَّه - عز وجل -. أبو أيوب حمل الحديث على العموم, وأنه عام للمباني والصحراء: أنه يشرع للمؤمن في قضاء حاجته سواءً في المباني أو في الصحراء: أن ينحرف عن القبلة ويجعلها عن يمينه أو شماله عند قضاء الحاجة؛ لعموم الحديث الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تستقبلوها لا بغائط ولا بول» , وأنه حديث عام، فالأولى والأفضل للمؤمن حتى في بيته أن يجعل محل قضاء الحاجة إلى غير القبلة, حتى إذا جلس يقضي حاجته, فإذا القبلة عن يمينه أو شماله, هذا هو المشروع وهذا الذي ينبغي، لكن في البناء يُتساهل في ذلك ليس بلازم في البناء, إنما هذا في الصحراء عن جمع من أهل العلم؛ لحديث عبداللَّه بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنه قال: «رقيت يوماً» رقيت: صعدت. يوماً على بيت حفصة: يعني بهذا أخته حفصة - رضي الله عنها -: «رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة»، هذا يدل على أن الاستدبار والاستقبال في المبنى، أو في محل مستور، ليس بلازم، وإنما ذلك ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 394، ومسلم، برقم 264، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 14.

في الصحراء، وهذا حجة جمع من أهل العلم على أنه لا بأس أن يستقبل ويستدبر في المبنى, وهو قول البخاري، وجماعة من أهل العلم؛ لهذا الحديث: حديث عبداللَّه بن عمر. لكن الأفضل والأولى بالمؤمن أن لا يستقبلها مطلقاً؛ لأن حديث عبداللَّه بن عمر يحتمل أنه كان قبل النهي، ويحتمل أنه خاص كما قال جماعة, فالأولى بالمؤمن أن تكون مراحيضه منحرفة عن القبلة, فلا يستقبلها ولا يستدبرها, عملاً بحديث أبي أيوب العام، وما جاء في معناه، ولكنه في المبنى أسهل وأقل, يعني تَبِعَة, بسبب حديث عبداللَّه بن عمر المذكور، فيكون خاصاً, وحديث أبي أيوب عاماً. والقاعدة: أن الخاص يقضي على العام في النصوص. 16 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه (¬1) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي معي (¬2) إدَاوَةً مِنِ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ» (¬3). العنزة: الحربة الصغيرة. والإداوة: إناء صغير من جلد (¬4). ¬

(¬1) «أنه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «معي»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء، برقم 152، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، برقم 271. (¬4) «الصغيرة، والإداوة: إناء صغير من جلد» ليست في نسخة الزهيري، وليس فيها إلا: «العنزة: الحربة».

17 - عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري (¬1) - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ, وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ, وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (¬2). 18 - عن عبداللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» (¬3). 5 - قال الشارح - رحمه الله -: هذا الحديث الصحيح حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام -: أنه كان يدخل الخلاء, فيحمل أنس، قال: وغلام معه. وفي رواية أخرى: «من الأنصار إدَاوَةً مِنِ مَاءٍ وَعَنَزَةً» (¬4) , فيستنجي بالماء - عليه الصلاة والسلام -. هذا يدل على فوائد: ¬

(¬1) «الأنصاري»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يمسك ذكره بيمينه، برقم 154، ومسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن الاستنجاء باليمين، برقم 267، واللفظ له. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم 216، واللفظ له برقم 218، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه، برقم 292. (¬4) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، برقم 150.

[1] منها: شرعية الاستنجاء بالماء في غسل الدبر، والذكر من آثار البول، والغائط. وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يستعمله في بعض الأحيان, وكان في بعض الأحيان يستجمر - عليه الصلاة والسلام - , وكلاهما جائز، إن شاء المؤمن استجمر بالحجارة ونحوها, وإن شاء استنجى بالماء, وإن شاء جمع بينهما، الاستنجاء بالماء أنقى، وأذهب لآثار النجاسة, والاستجمار بالحجارة، واللَّبِن، والمناديل الطاهرة الخشنة، ونحوها مما يزيل الأذى جائز أيضاً عند أهل العلم, وقد دلت عليه أحاديث كثيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» (¬1)، قال سلمان - رضي الله عنه -: «نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار» (¬2). فإذا استنجى الإنسان بثلاثة أحجار، أو أكثر، أو لبن، أو أخشاب، أو غير هذا مما يزيل الأذى، أو مناديل، أو تراب، أو نحو ذلك مما يزيل الأذى، حتى ينقى المحل ثلاثة فأكثر، أجزأه ذلك عن الماء، وإن ¬

(¬1) رواه الإمام أحمد في المسند، 41/ 470، برقم 25012، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، برقم 40، والنسائي، كتاب الطهارة، باب الاجتزاء في الاستطابة بالأحجار دون غيرها، برقم 44، كلهم بزيادة: «يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فإنها ...». قال محققو المسند، 41/ 470: «صحيح لغيره»، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 70. (¬2) أخرج مسلم عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ، أَوْ بِعَظْمٍ». كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم 262.

جمع بينهما كان أكمل: الاستنجاء بالحجارة، ثم إتباعها الماء. [2] وفيه من الفوائد: جواز خدمة الشخص لحمل الماء معه لحاجته، أو الحجارة, لحديث عبداللَّه بن مسعود: لا بأس أن يأمر الإنسان بعض أولاده، أو خدامه أن يتبعوه بما يحتاج إليه من ماء أو حجارة, ليستنجي بذلك. [3] وفيه من الفوائد أيضاً: استصحاب العنزة, وهي عصا صغيرة لها حربة تركز أمامه، إذا جاء يصلي - عليه الصلاة والسلام -. العنزة: حربة صغيرة، يعني عصا لها حربة, تركز أمام المصلي, سترة كان يستعملها في السفر - صلى الله عليه وسلم -، إذا أراد أن يصلي ركزت أمامه سترة له، والصلاة بالسترة سنة مؤكدة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا» (¬1). والحديث الثاني: حديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ, وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ, وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (¬2). الحديث فيه مسائل، والحديث متفق على صحته عند البخاري ومسلم. ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه، برقم 699، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب ادرأ ما استطعت، برقم 954، وابن خزيمة في صحيحه، 2/ 27، برقم 841، والحاكم، 1/ 251، وصححه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 281. (¬2) رواه البخاري، برقم 153، ومسلم، برقم 267، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 17.

المسألة الأولى: أنه لا يجوز للمسلم أن يمسك ذكره بيمينه وهو يبول؛ لأنه قد يناله شيء من النجاسة، واليمنى يجب أن تبعد عن هذا, لأن اليمنى للمصافحة، والأكل، والأخذ، والعطاء, فينبغي أن تكون بعيدة عن التلطخ بالنجاسة، وإذا أراد أن يمسك ذكره يمسكه باليسرى لا باليمنى. والمسألة الثانية: ليس للمؤمن والمؤمنة أن يتمسح في الخلاء باليمين، بل باليسار، يستجمر بها، ويستنجي بها. وهذا من الآداب الشرعية، والرسول - صلى الله عليه وسلم - علم أمته الآداب الشرعية في الوضوء، وفي الاستجمار، وفي الصلاة، وفي غير ذلك - عليه الصلاة والسلام -، فقد دعا الأمة إلى كل خلق كريم, ونهاها عن كل خلق ذميم، واللَّه جل وعلا شرع لعباده مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ونهاهم عن سفاسف الأخلاق، وسيئ الأعمال. ومن الآداب الشرعية في الشرب: أن يشرب بيمينه, وأن لا يتنفس في الإناء، والأفضل أن يكون بثلاثة أنفاس، يفصل الإناء عن فمه، ويتنفس ثلاثاً إذا شرب الماء، أو اللَّبن، ولا يتنفس في الإناء؛ لأنه قد يُشرب منه، أو يخرج من فمه شيء يقذر الماء، والسنة الفصل يفصل الإناء عن فمه، ويتنفس. والحديث الثالث: حديث ابن عباس - رضي الله عنه -: هو عبداللَّه بن عباس بن عبدالمطلب ابن عم النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: إنه - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين

, فقال: «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ»، وفي رواية قال: «بلى إنه لكبير»: «أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ»، وفي اللفظ الآخر: «لايستنزه من البول»، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» (¬1)، هذا فيه دلالة على: [1] تحريم النميمة. [2] وتحريم التساهل بالبول. وأن الواجب العناية بالنزاهة من البول، والتطهر من البول، في بدنه وثيابه، فلا يتلطخ بشيء من ذلك. وفي الحديث الآخر: «اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» (¬2). النميمة فيها فساد عظيم؛ لأنها تثير الفتن بين الناس والشحناء، والنميمة: نقل كلام زيد إلى عمرو, كلاماً سيئاً، ينقل كلاماً من زيد إلى عمرو، أو من جماعة إلى جماعة، أو من قبيلة إلى قبيلة, كلاماً سيئاً, ويورث الشحناء، ويثير العداوة، ويفتح باب الشحناء، هذا يقال له نميمة، كل كلام تنقله من قوم إلى قوم، أو من شخص إلى شخص, لا يرضى به المنقول إليه, فيسبب فتنة، هذا يسمى النميمة. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 216، ومسلم، برقم 292، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 18. (¬2) رواه الدارقطني، كتاب الطهارة، باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه، 1/ 127، برقم 7، المنهيات للحكيم الترمذي، ص: 7، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 1/ 311: «وهذا سند رجاله ثقات».

في الحديث الصحيح يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» (¬1)، والنميمة من الكبائر؛ ولهذا استحق العقاب من تعاطاها في قبره مقدماً على عقاب النار، نعوذ باللَّه. والتنزه من البول أمرٌ واجب, والتلطخ به أمرٌ محرم. ولهذا استحق من تلطخ بالبول ولم يتنزه منه استحق العذاب في القبر مقدماً, نسأل اللَّه السلامة. وفيه: أنه أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرس على كل قبرٍ واحدة قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا». هذا خاصٌّ بالقبرين, ولا يُشرع أن يفعل مع القبور؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما فعلها إلا مع القبرين الذين أطلعه اللَّه على عذابهما, لم يفعل هذا مع القبور الأخرى. دل ذلك على أنه لا يشرع أن تغرز الجرائد أو الأغصان أو الشجر أو غيرها على القبور لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما فعل هذا, إنما هذا بشأن هذين القبرين اللذين أطلعه اللَّه على عذابهما، فلا يشرع غرس الجرائد على القبور لعدم الدليل؛ لأن الرسول ما فعله مع قبور أهل البقيع ولا مع غيرهم, وإنما فعله مع القبرين. نعم لو اطلع الإنسان على عذاب صاحب القبر وغرز عليه هذا يمكن له أن يفعل كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن اللَّه جل وعلا أخفى عنا عذاب القبور رحمة من اللَّه لنا، ولم يطلعنا على ذلك رحمة منه ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره من النميمة، برقم 6056، بلفظ: «قتات»، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم النميمة، برقم 105.

2 - باب السواك

سبحانه، فلو أُطلع الناس على عذاب أهل القبور لما تهنؤوا بنوم ولا راحة. نسأل اللَّه السلامة. 2 - بابُ السواكِ 19 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي (¬1) - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» (¬2). 20 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» (¬3). (¬4). 21 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (¬5) - رضي الله عنهما - عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ, فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَصَرَهُ. فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضَمْتُهُ، وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَنَّ بِهِ, فَمَا رَأَيْتُ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم 887، وفي كتاب التمني، باب ما يجوز من اللو، برقم 7240، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 252، واللفظ له، وفي رواية: «لولا أن أشق على المؤمنين». (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك، برقم 245، واللفظ له، وكتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم 889، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 47 - (255). (¬4) في نسخة الزهيري: «يشوص: معناه يغسل، يقال: شاصه، يشوصه، وماصه، يموصه: إذا غسله». (¬5) «الصديق» ليست في نسخة الزهيري.

رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قطُّ (¬1) أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: رَفَعَ يَدَهُ ــ أَوْ إصْبَعَهُ ــ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ــ ثَلاثاً ــ ثُمَّ قَضَى. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي» (¬2). وَفِي لَفْظٍ «فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَعَرَفْتُ: أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ, فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَاسِهِ: أَنْ نَعَمْ» (¬3) هَذَا (¬4) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (¬5). 22 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْتَاكُ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ (¬6)، قَالَ: وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ، وَهُوَ (¬7) يَقُولُ: أُعْ، أُعْ، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ، كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» (¬8). 6 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالسواك, والسواك سنة، ¬

(¬1) «قط»: ليست في نسخة الزهيري، وهي عند البخاري، برقم 4438. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب من تسوك بسواك غيره، برقم 890، وفي المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، برقم 4438، واللفظ له. (¬3) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، برقم 4449. (¬4) «هذا»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) لم أجده في صحيح مسلم في النسخ التي بين أيدينا. (¬6) «رطب» ليست في نسخة الزهيري. (¬7) «وهو» ليست في نسخة الزهيري. (¬8) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك، برقم 244، واللفظ له، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 254.

وقربة في مواضع كثيرة, منها: الوضوء, ومنها الصلاة, ومنها عند دخول المنزل, وعند القيام من النوم (¬1). ويُستحب للمؤمن التسوك عند إرادة الوضوء في أول الوضوء, وهكذا في أول الصلاة قبل أن يكبّر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله، ويقول: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ» (¬2)، وفي لفظ: «مع كل وضوء» (¬3) , وهذا يدل على شرعية السواك عند الوضوء وعند الصلاة. والسواك: العود الذي يستن به أيضاً يقال له السواك، ويقال للعمل سواك، وتسوّك، ويكون بالأراك، وبغيره من الأعواد المناسبة, التي تلين ¬

(¬1) قلت: يستحب السواك في جميع الأوقات إلا ما استُثني؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» [النسائي، برقم 5، والبخاري معلقاً مجزوماً به في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم، قبل الحديث رقم 1934. ويُتأكد استحباب السواك في عدة أحوال، منها: 1 - عند الانتباه من النوم. 2 - عند الوضوء. 3 - عند كل صلاة. 4 - عند دخول المنزل. 5 - عند تغير رائحة الفم، أو طعمه، أو اصفرار لون الأسنان من طعام أو شراب. 6 - عند قراءة القرآن الكريم. 7 - قبل الخروج إلى الصلاة. [انظر الأدلة على هذه الأحوال: صلاة المؤمن، للمؤلف، 1/ 20 - 22]. (¬2) رواه البخاري، برقم 887، ومسلم، برقم 252، وتقدم تخريجه. (¬3) رواه البخاري معلقاً مجزوماً به، كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، قبل الحديث رقم 1934. وهو في مسند أحمد، 16/ 22، برقم 9928، وسنن النسائي الكبرى، 2/ 198، برقم 3031، وابن خزيمة، 1/ 73، برقم 140، وقال محققو المسند، 16/ 22: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»، وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح الترهيب والترغيب، 1/ 50.

عند التسوك بها, وتزيل الأوساخ, وتشد اللثة وأحسنها الأراك. وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحب السواك, ويستعمله ويحث عليه، وسئلت عائشة - رضي الله عنها - عن الشيء الذي يبدأ به إذا دخل المنزل؟ قالت: بالسواك (¬1)، وفي حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: «كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» (¬2) يعني: يدلكه بالسواك. هذا يدل على شرعية السواك وتأكده عند الوضوء، وعند الصلاة, وعند دخول المنزل, وعند القيام من النوم, وهكذا يستحب عند تغير الفم، إذا طال السكوت وتغير الفم؛ لأنه يطيِّب النكهة, ويشد اللثة، وينظف الأسنان، وينشط، ويطرد النعاس، وله فوائد كثيرة. وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أنه - عليه الصلاة والسلام - «استاك عند الموت»، ودخل عبدالرحمن صِهْر النبي - صلى الله عليه وسلم - أخو عائشة ومعه سواك, والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه, وكانت - رضي الله عنها - قد أسندته إلى صدرها, فلما رأته ينظر إلى السواك أشارت إليه. آخذه لك؟ قال: «نعم»، وعرفت أنه يحب السواك، وطلبته من عبدالرحمن فأعطاها عبدالرحمن إياه، فقضمته ودفعته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستن به استناناً حسناً. ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: «في الرفيق الأعلى» (¬3). ثلاث مرات، يطلب ربه أن يكون: «في ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 253. (¬2) صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة، برقم 889، ومسلم، كتاب الطهارة، باب السواك، برقم 255. (¬3) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، برقم 4449.

الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» - عليه الصلاة والسلام - , ثم قضى - عليه الصلاة والسلام -، أي ثم توفي - عليه الصلاة والسلام - في تلك الساعة, فكان من آخر عمله التسوك. فدل ذلك على شرعية السواك في كل وقت, ولاسيما عند الأمور المذكورة: الوضوء، والصلاة، والاستيقاظ من النوم، ودخول المنزل، وتغير الفم ونحو ذلك. في حديث عائشة عند النسائي بسند صحيح يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» (¬1). وهذا يدل على شرعيته دائماً. السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب. وحديث أبي موسى يدل على هذا, فإنه دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يستن، ولم يقل عند الصلاة, بل في أوقات عادية وهو يستن، والسواك على طرف لسانه، وهو يقول «أُع أُع, كأنه يتهوع» الظاهر - واللَّه أعلم - أن ذلك من أجل ما قد يلحق بالحلق شيء من شعرات السواك. فإن السواك قد ينتثر منه بعض الشعرات القليلة, فتؤثر على الحلق, فلعله كان يتهوع من أجل هذا؛ لأنه دخل على حلقه شيء من السواك, فأراد إخراجه بذلك، والمقصود من هذا أنه رآه يستاك في ¬

(¬1) البخاري، كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم معلقاً مجزوماً به، قبل الحديث رقم 1934، والنسائي في الكبرى، 1/ 64، برقم 4، وفي سنن النسائي (المجتبى)، كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم 5، ومسند أحمد، 1/ 186، برقم 7، وقال محققو المسند، 1/ 186: «صحيح لغيره»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 50.

3 - باب المسح على الخفين

مجلسه - عليه الصلاة والسلام - , فدل على أن السواك أمرٌ مشروع في المجالس، وفي الطريق، والمنزل، ونحو ذلك، ليس له وقت محدود، فمتى شاء الاستياك فعله. «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب». ولكنه يتأكد في مواضع، منها ما تقدم: الوضوء، والصلاة، وإذا قام من النوم، وعند دخول المنزل. 3 - بابُ المسحِ على الخفينِ 23 - عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» (¬1). 24 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَالَ، وَتَوَضَّأَ (¬2)، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» (مختصراً (¬3)) (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، برقم 206، واللفظ له، ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم 79 - (274). (¬2) في نسخة الزهيري: «فتوضأ». (¬3) في نسخة الزهيري: «مختصرٌ». (¬4) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب البول قائماً وقاعداً، برقم 224، ولفظه: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أَتَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ» [ولم يذكر موضع الشاهد، وهو المسح على الخفينٍ وإنما ذكره مسلم]، ومسلم، كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم 273، ولفظه: عنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، «فَبَالَ قَائِمًا» فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ: «ادْنُهْ» فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ «فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»

4 - باب في المذي وغيره

4 - بابٌ في المذيِ وغيرِهِ 25 - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي (¬1)، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ (¬2) فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَيَتَوَضَّأُ» (¬3). وللبخارِي «تَوَضَّا، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ (¬4)» (¬5). ولمسلمٍ «تَوَضَّا وَانْضَحْ فَرْجَكَ» (¬6). 26 - عن عبَّاد بن تميم عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله عنه - قال: «شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ الّذي (¬7) يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ, فَقَالَ: لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً, أَوْ يَجِدَ رِيحاً» (¬8). ¬

(¬1) «مني»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «بن الأسود»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه، برقم 269، وتقدم عنده برقم 132، 178، ومسلم، كتاب الحيض، باب المذي، برقم 303، واللفظ له. (¬4) في نسخة الزهيري: «اغسل ذكرك وتوضأ»، ولفظ المتن للبخاري، برقم 269. (¬5) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب غسل المذي والوضوء منه، برقم 269، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحيض، باب المذي، برقم 303. (¬6) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب المذي، برقم 19 - (303). (¬7) «الذي»: ليست في نسخة الزهيري، وهي عند البخاري، برقم 137 كما في المتن. (¬8) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، برقم 137، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث، فله أن يصلي بطهارته تلك، برقم 361، واللفظ له.

7 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة: الأول منها والثاني يتعلقان بالمسح على الخفين، والمسح على الخفين سنة، مشروع لما فيه من قول رسول اللَّه, ولما فيه من التسهيل والتيسير، لكن بشرط أن يكون ذلك على طهارة، يلبسهما على طهارة, وأن يكون الخفان ساترين، خفان من الجلد أو جوربان من الصوف أومن القطن أو من الشعر أو غير ذلك. إذا كانا ساترين، ولبسهما على طهارة، فإنه يمسح، ولهذا لما أراد المغيرة أن ينزع الخفين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» (¬1). وفي الحديث الآخر: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا» (¬2). وفي حديث علي - رضي الله عنه - لما سُئِلَ عن مسح الخفين؟ قال: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةٌ لِلْمُسَافِرِ بلَيَالِيهِنَّ» (¬3). والمسافر يمسح ثلاثاً بلياليها، والمقيم يمسح يوماً وليلة, إذا كان لبسهما على طهارة، وكانا ساترين، ولو كانا من غير جلد يستران الكعبين والقدم, سواء كان ذلك عن: ريح، أو بول، أو غائط ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 206،ومسلم، برقم 274،وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن، رقم 23. (¬2) سنن الدارقطني، 1/ 203، برقم 1، والبيهقي، 1/ 279، والطحاوي في شرح معاني الآثار، 1/ 84، والحاكم في المستدرك، 1/ 181، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع، 1/ 81. (¬3) شرح معاني الآثار بنحوه، 1/ 84، معجم ابن الأعرابي، 3/ 1020، ومسند الحميدي، 1/ 25.

لا بأس، كما في حديث حذيفة: أنه بال فتوضأ ومسح على خفيه، لكن إذا كان على جنابة لابد من الخلع إذا كان عليه جنابة، يخلع ويغسل بدنه كله، وإنما يمسح إذا كان الحدث أصغر, يتوضأ ويمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، والمبدأ من أول مسح بعد الحدث, يحتسب ذلك من أول مسح بعد الحدث, يحتسب اليوم والليلة من مسحه بعد الحدث. والحائض والنّفساء كذلك لابد من الخلع، وتغسل بدنها كله، فلا تمسح، إنما المسح يكون من الحدث الأصغر. حديث علي - رضي الله عنه - يدل على أن المذي نجس, وأن الإنسان إذا أمذى يتوضأ وضوء الصلاة. والمذي: ماء لزج يخرج على طرف الذكر عند تحرك الشهوة, فإذا تحركت الشهوة تحرك الذكر, يخرج ماء يقال له المذي، هذا ينقض الوضوء، ويوجب غسل الذكر والأنثيين؛ ولهذا قال لعلي: «يغسل ذكره ويتوضأ» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «اغسل ذكرك وأنثييك» (¬2) يعني الخصيتين. يغسل الذكر والأنثيين، ويتوضأ وضوء الصلاة من المذي. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 269، ومسلم، برقم 303، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 25. (¬2) رواه أبو داود بلفظ: «فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ»، كتاب الطهارة، باب في المذي، برقم 211، والبيهقي، 2/ 411، والضياء المقدسي في المختارة، 4/ 18، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 381.

أما المني فيوجب الغسل, والفرق بينهما: أن المني: ماء غليظ أبيض ثخين, يخرج بدفع وقوة, أما المذي: فهو ماء لزج خفيف في أعلى طرف الذكر عند تحرك الشهوة، هذا يقال له: مذي، فإذا أصاب الثوب ينضح أو البدن ما يحتاج إلى غسل ينضح، إذا رشه بالماء كفى، ويغسل الذكر والأنثيين ويتوضأ وضوء الصلاة من جهة المذي, سواء كان [المرأة، أو الرجل] (¬1)، كله واحد، لا فرق بين الرجل والمرأة. أمّا المني، وهو الماء الغليظ الذي يخرج عن شهوة عند دفقٍ بلذَّة، هذا يوجب الغسل؛ سواء في اليقظة أو في النوم. والحديث الرابع: حديث عبداللَّه بن زيد بن عاصم الأنصاري - رضي الله عنه -: أنه شُكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل، أو شَكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل [الذي] يخيل إليه: أنه يجد الشيء في الصلاة, ويخيل إليه أنه خرج منه شيء في الصلاة: ريح أو بول، النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً, أَوْ يَجِدَ رِيحاً» (¬2)، يعني يلغي الوساوس, لا يعمل بالوساوس والتخيلات؛ لأن هذا يسبب عليه المشاكل, ويجترئ عليه الشيطان ويؤذيه، فلا يلتفت إلى هذه الوسوسة, حتى يسمع صوتاً, أو يجد ريحاً, أو يتحقق في الخروج إذا جزم: أنه خرج منه شيء يتوضأ، مادام عنده شك, خرج منه شيء أم لا؟ فإن طهارته باقية، وليس عليه وضوء، هذا من رحمة اللَّه, ¬

(¬1) في أصل كلام التسجيل: «المرأة وإلا رجل»، والذي يظهر ما أثبته. (¬2) رواه البخاري، برقم 137، ومسلم، برقم 361، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 26.

وتيسير اللَّه جل وعلا: أن الإنسان لا يلتفت إلى الوساوس. ا. هـ (¬1). 27 - وعن أمِّ قيسِ (¬2) بِنت مِحْصَنٍ الأسَدية «أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَاكُلِ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ (¬3) فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ (¬4)، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (¬5). 28 - عن عائشة أم المؤمنين (¬6) - رضي الله عنها -، «أَنَّ النَّبِيَّ (¬7) - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَتْبَعَهُ إيَّاهُ» (¬8). وَلِمُسْلِمٍ: «فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (¬9). 29 - عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ ¬

(¬1) نهاية الوجه الثاني من الشريط الأول. (¬2) بداية الوجه الأول من الشريط الثاني، سجِّل في 6/ 3/ 1409هـ. (¬3) في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) «على ثوبه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، برقم 223، وفي لفظ له برقم 5693: «دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماءٍ، فرشّ عليه»، ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، برقم 287. (¬6) «أم المؤمنين»: ليست في نسخة الزهيري. (¬7) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه». (¬8) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، برقم 222 بلفظه، ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، برقم 286. (¬9) مسلم، برقم 286، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن، رقم 28.

- صلى الله عليه وسلم - بِذَنُوبٍ مِنِ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ» (¬1). 30 - عن أبِي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ» (¬2). 8 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - تتعلق بأحكام متعددة. الحديث الأول: حديث أم قيس بنت محصن الأسدية - رضي الله عنها -، وهي أخت عُكَّاشة بن محصن الصحابي الجليل، تقول: إنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي لها لم يأكل الطعام، صغير رضيع، لم يأكل الطعام، فبال على ثوب النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذه فأجلسه في حجره، فبال عليه، فدعا بماء فنضحه على ثوبه، ولم يغسله (¬3). وهكذا في حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي أُتي بصبي فبال على ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب ترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد، برقم 219، وباب صب الماء على البول في المسجد، برقم 221، ورقم 6025، ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم 284، و285. (¬2) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب قص الشارب، برقم 5889، وباب تقليم الأظفار، برقم 5891، ومسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 257. (¬3) رواه البخاري، برقم 222، ومسلم، برقم 286، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن، برقم 27.

ثوبه, فدعا بماء, فأتبعه إياه ولم يغسله (¬1). هذان الحديثان الصحيحان يدلان على أن بول الصبي الصغير الذي لا يتغذَّى إلا بالحليب, بوله يرش، وينضح, ولا يحتاج إلى غسل؛ لأن نجاسته مخففة؛ ولهذا في حديث أبي السمح - رضي الله عنه - خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بَوْلُ الْغُلامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ» (¬2). وهكذا في حديث علي - رضي الله عنه -: «بول الغلام الرضيع ينضح, وبول الجارية يغسل» (¬3). وهذه الأحاديث كلها تدل على أن الصبي الصغير الذي لا يأكل الطعام، إنما يتغذى بحليب أمه, هذا يرش بوله، إذا أصاب الثوب والبدن, يرش بالماء، وينضح بالماء من غير حاجة إلى غسل، ولا عصر، ولا دَلْك. ¬

(¬1) مسلم، برقم 286، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن، برقم 28. (¬2) أخرج أبو داود، كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، برقم 376، والنسائي، كتاب الطهارة، باب بول الجارية، برقم 305، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم، برقم 526، وابن خزيمة، 1/ 143، برقم 283، والحاكم، 1/ 166، والبيهقي، 2/ 415، عن أبي السمح - رضي الله عنه - قال: كنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَالَ: «وَلِّنِي قَفَاكَ»، فَأُوَلِّيهِ قَفَايَ فَأَسْتُرُهُ بِهِ، فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ - رضي الله عنهما - فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ، فَجِئْتُ أَغْسِلُهُ، فَقَالَ: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ». (¬3) رواه أحمد، 2/ 358، برقم 1148، والترمذي، أبواب السفر والكسوف، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع، برقم 610، وأبو داود موقوفاً بنحوه، كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب، برقم 377، وقال محققو المسند، 2/ 358: «إسناده صحيح على شرط مسلم»، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 324.

أما الجارية فبولها أغلظ يغسل, ولو كانت لا تأكل الطعام, ويغسل غسلاً بالعصر، والفرك, يصب عليه الماء ويعصر، هذا إذا لم يأكلا الطعام؛ أما إذا أكلا الطعام، وتغذيا بالطعام، فإنه يغسل الذكر والأنثى, يغسلان جميعاً، إذا كان الذكر يتغذى بالطعام، أما كونه يأكل الطعام اليسير، وبعض الشيء؛ فإن هذا ما [يغذِّي] (¬1) , أما إذا كان غذاؤه بالطعام لا بالحليب, فإنه يغسل كالجارية. والحديث الثاني حديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أعرابياً بال في طائفة المسجد, فزجره الناس, يعني أنكروا عليه لخبث عمله, وهو البول في المسجد, وكان جاهلاً، حديث العهد بالإسلام, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دعوه». فلما قضى بوله علّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر» (¬2) , وإنما بُنيت لذكر اللَّه، وقراءة القرآن، والصلاة. وقال للصحابة كما في الحديث الآخر: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «إِنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرين» (¬3) ثم أمر بدلو من ماء, فصُب عليه، ولم يأمر بنقل التراب، ولا تحجير الماء، بل صبّ عليه الماء وكفى. ¬

(¬1) الكلام غير واضح في التسجيل في هذه الكلمة «ما يغذِّي»، أو «ما يمنع»، والأول أظهر، واللَّه أعلم. (¬2) رواه البخاري، برقم 221، ومسلم، برقم 285، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن، برقم 29. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد، برقم 220، ومسلم، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها، برقم 284.

هذا يدل على فوائد: [1]ــ منها: الرفق بالجاهل, وعدم الشدة على الجاهل حتى لا ينفر من الإسلام. [2]ــ منها تعليمه وإرشاده إلى الحكم الشرعي, حتى ينتبه في المرة الأخرى, لا يفعل ما فعل. [3]ــ ومن فوائد هذا الحديث: حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأنه كان رفيقا ليناً - عليه الصلاة والسلام - , حليماً كما قال اللَّه - عز وجل -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (¬1)، ولهذا أرشدهم إلى الرفق بهذا الجاهل، فقال: «إِنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرين» رواه البخاري في الصحيح (¬2) من حديث أبي هريرة، هذا يدل على الرفق بالجاهل, وعلى حسن خلق النبي, وعلى أنه ينبغي للأمة أن يتأسوا به - صلى الله عليه وسلم - في ذلك, وأن يرفقوا، ويحلموا، ولا يعجلوا. [4]-وفيه من الفوائد: أن البول إذا وقع في المسجد مثلاً، أو في بقعة يُكاثر بالماء, يُصبُّ عليه الماء ويكفي، يُصبُّ عليه ماء أكثر منه ويكفي لطهارته، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُصب عليه سَجْل من ماء, ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 159. (¬2) رواه البخاري، برقم 220، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 29.

والسجل هو الذنوب والدلو شيء واحد، ولم يأمر أن ينقل التراب، ويحجَّر الأرض، يُصبّ عليه الماء ويكفي، يسيح فيه, بهذا تتفرق أجزاؤه, ويغلب عليه الماء الطهور، وينتهي الأمر، لكن لو كان له جرم، أو كان للنجاسة جرم، يؤخذ الجرم، ويطرح بعيداً في القاذورات إذا كانت النجاسة من الغائط، يؤخذ جسم الغائط، أو قطعة من الدم تؤخذ وترفع، أو ما أشبه ذلك من النجاسات التي لها جرم، هذه تُرفع ثم يُصب الماء على محلها، إذا كان محلها رطباً يُصبّ الماء على محلّها، أما إذا كانت يابسة ترفع ويكفي, ولا يحتاج صبّ ماء، إذا كانت القطعة يابسة وقعت في المسجد، ترفع عن المسجد, ولا يحتاج صب الماء على محلها؛ لأنها يابسة, وهكذا لو كانت في بيت الإنسان, أو في حوشه, أو في سطحه, أو في أي مكان, فإذا صُب الماء على البول طَهُر, وهكذا إذا كان في الفرش، يصب عليها الماء, ويُكاثر بالماء ويكفي, ولا يحتاج إلى دَلْكٍ وغسلٍ. س: إذا كان البول على بلاط؟ ج: يُصب عليه الماء ويكفي, يسيح فيه الماء، ويكفي. الحديث الرابع: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ» الفطرة هي السنة التي فطر اللَّه عليها العباد، خَمْس خصال: «الْخِتَانُ، الِاسْتِحْدَادُ، قَصُّ الشَّارِبِ، قلْمُ الْظّفْرِ، نَتْفُ الْإِبْطِ» (¬1) خمسة، ¬

(¬1) رواه البخاري بنحوه، برقم 5889، ومسلم، برقم 257، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 30.

هذه من السنة، واللَّه فطر عليها العباد، فينبغي للمسلمين الأخذ بها. أولها: الختان: يختن الذكر بأخذ القلفة التي على رأس الذكر، أي الجلدة؛ لأن هذا أنظف له, وأبعد عن آثار النجاسة, وأعون له على جماع أهله، ومن الفطرة. والأنثى كذلك: يؤخذ منها شيء يسير من اللحمة التي في مقدمة الفرج, لحمة حمراء يؤخذ منها شيء يسير, وهو ختانها إذا تيسر من يفهم ذلك, وهو سنة مؤكدة. وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب في حق الرجال، وهذا مشهور عن ابن عباس وجماعة, والجمهور على أنه سنة مؤكدة. والثاني: الاستحداد: معناه حلق العانة: الشعرة للرجل، والمرأة سنة, هذا الاستحداد, وإذا أزيل الشعر بشيء من الأدوية بدلاً من الاستحداد بالموس، فلا بأس إذا وضع على العانة الشعرة دواء يزيل مثل ما يفعل الناس اليوم يزيل الشعر كفى. والثالث: قص الشارب، والسنة قص الشارب, ولا يجوز تطويله, بل يجب قصه. ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ لَمْ يَاخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا» (¬1)، وقال: «قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا ¬

(¬1) مسند أحمد، 32/ 7، برقم 19263، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في قص الشارب، برقم 2761، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، كتاب الطهارة، قص الشارب، برقم 13، وابن حبان، 12/ 290، برقم 5477، وقال محققو المسند، 32/ 7: «إسناده صحيح، رجاله ثقات»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته، 3/ 417.

اللِّحَى» (¬1)، «وَفِّرُوا اللِّحَى» (¬2) , «أَرْخُوا اللِّحَى» (¬3). الواجب قص الشوارب، أما اللِّحى فيجب توفيرها، وإرخاؤها، وإعفاؤها, ولا يجوز حلقها، ولا قصها، كثير من الناس اليوم ابتلي بمثل هذا, نسأل اللَّه العافية، قص اللحية وحلقها، هذا منكر، الواجب إعفاؤها، وإكرامها، وتوفيرها، أما الشارب فيُقصّ ويُحْفى، كما جاءت به السنة عن النبي - عليه الصلاة والسلام -. الرابع: قلم الظفر: قلم الأظفار: السنة قلمها، لا تتركها تطول من الرجال والنساء. والخامس: نتف الإبط: كذلك ينتف الإبط، وإن أَزاله بغير النتف بالدواء كفى، إن أزال شعر الإبط بالدواء، أو أزال الأظفار بقصٍّ دون القلم بمقص فلا بأس. وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للصحابة وأوصاهم بأن لا تُتْرك هذه الأمور أكثر من أربعين ليلة. قال أنس - رضي الله عنه -: «وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَقَلْمِ الظُّفْرِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لاَ نَتْرُكَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَة» (¬4)، وأنه ¬

(¬1) مسند أحمد، 12/ 34، برقم 7132، بلفظ: «اعفوا»، وفي مسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، بلفظ: «احفوا». (¬2) البخاري، كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار، برقم 5892. (¬3) مسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 260. (¬4) مسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، برقم 258.

5 - باب الغسل من الجنابة

لا يجوز أن تترك فوق أربعين ليلة, بل يتعاهدها المؤمن, يقص شاربه، يقلم أظفره، ينتف إبطه, يحلق العانة في أقل من أربعين ليلة. س: يا شيخ! الختان الذي تكلمت عنه نسمع أن المرأة تختن؟ ج: هو سنة في حق الرجل والمرأة يختنان جميعاً, والرجل آكد، حتى أوجب ذلك جمع من أهل العلم في حق الرجل. 5 - بابُ الغسل من الجنابةِ (¬1) 31 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ في بعْضِ طُرُقِ المدينَةِ وهو جُنُبٌ، قالَ: فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ ثُمَّ جِئْتُ، فقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يا أَبا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: كُنْتُ جُنُباً. فَكَرِهْتُ أَنْ أُجالِسَكَ وأنا على غَيْرِ طَهارَةٍ، فَقَالَ: «سُبْحانَ اللَّه! إِنَّ المُسْلِمَ ــ وفي رواية: المُؤْمِنَ ــ لا يَنْجُسُ» (¬2) (¬3). 32 - عن عائشة لقالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ (¬4) تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ يغْتَسِلُ (¬5)، ثُمَّ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «باب الجنابة». (¬2) في نسخة الزهيري: «إن المؤمن لا ينجس»، ولم يذكر رواية: «إن المسلم لا ينجس». (¬3) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس، برقم 283 بلفظ: «إن المسلم لا ينجس»، وأما لفظ: «إن المؤمن لا ينجس»، فهي رقم 285، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، برقم 371. (¬4) في نسخة الزهيري: «و» بدلاً من: ثم. (¬5) في نسخة الزهيري: «اغتسل».

يُخَلِّلُ بِيَدَيْهِ (¬1) شَعْرَهُ، حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ (¬2) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» (¬3). 33 - وَكَانَتْ تَقُولُ (¬4): «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ إنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْتَرِفُ مِنْهُ جَمِيعاً» (¬5). 34 - عن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها (¬6) قالت: «وَضَعَتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (¬7) - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَ الْجَنَابَةِ، فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثاً، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، أَوِ الْحَائِطِ، ــ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثاً ــ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَاسِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ سائر (¬8) جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، قالت (¬9): ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «بيده». (¬2) في نسخة الزهيري: «أفاض عليه الماء». (¬3) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب تخليل الشعر، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه، برقم 272، ومسلم، كتاب الحيض، باب صفة غسل الجنابة، برقم 316. (¬4) في نسخة الزهيري: «وقالت». (¬5) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب تخليل الشعر، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه، برقم 273، ومسلم، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر، برقم 321. (¬6) «أنها»: ليست في نسخة الزهيري. (¬7) في نسخة الزهيري: «وضع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬8) «سائر»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 37 - (317). (¬9) «قالت»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 274.

فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِيهِ (¬1)» (¬2). 9 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة فيما يتعلق بالجنابة والغسل منها، والغسل من الجنابة من الفرائض كما قال اللَّه جلّ وعلا: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬3). الطهارة لا بد منها في الجنابة، وإذا عجز عن الماء كفاه التيمم كالمسافر ونحوه. وفي الحديث الأول: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانخنس من النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعني ذهب منه خُفيةً، ثم اغتسل، ثم جاء، فقَالَ له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَيْنَ كُنْتَ يا أَبا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: إني كُنْتُ جُنُباً، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجالِسَكَ وأنا على غَيْرِ طَهارَةٍ، فَقَالَ - عليه الصلاة والسلام -: «سُبْحانَ اللَّه! إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ» (¬4)، فدلّ ذلك على أن الجنب طاهر العرق، طاهر البدن، ليس بنجس، عَرَقه طاهر، وريقه طاهر، وبدنه طاهر، وإنما عليه حدث يُغسل بالماء، وهذا معنى من المعاني يسمى حدثاً أكبر، إذا تطهر بالماء ارتفع، وحلت له ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «بيده»، وكذلك في لفظ البخاري، برقم 274. (¬2) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب من توضأ في الجنابة، ثم غسل سائر جسده، برقم 274، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحيض، باب صفة غسل الجنابة، وعنده في آخره: «ثم أتيته بالمنديل فرده»، برقم 317. (¬3) سورة المائدة، الآية: 6. (¬4) رواه البخاري، برقم 283، ومسلم، برقم 371، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 31.

الصلاة ونحوها. كما أن الحدث الأصغر ليس بنجاسة، وإنما يُوجب وضوءاً كالريح ونحوها، وأكل لحم الإبل ونحوه، يوجب وضوءاً؛ فإذا توضأ ارتفع ذلك الحدث، فإذا جالس الجنب إخوانه، وجلس معهم، وأكل معهم، أو نحو ذلك، فلا بأس ولا حرج، أما كونه يتطهر [ويكون] على طهارة مع إخوانه عند أكله ونحو ذلك، فهذا أفضل، لكن لا حرج عليه إذا جالسهم، أو مشى معهم وهو على جنابته، لا حرج في ذلك، ولكن الأفضل أنه يتطهر إذا أراد أن ينام، إذا أراد أن يأكل يتطهر، وإذا بادر بالغسل قبل النوم كان أفضل، وإذا أخّره إلى آخر الليل فلا بأس، وهكذا الحائض، وهكذا النفساء أبدانهما طاهرة، عرقهما طاهر، ريقهما طاهر، شعرهما طاهر، وإنما هو حدث إلا ما أصاب الدم من ثوب أو بدن يغسل ما وقع عليه الدم من ثوب، أو بدن يُغسل، وإلا فريقها طاهر، وعرقها طاهر، وبدنها طاهر، وما مست بيدها شيئاً من ماء، أو لبن، أو غير ذلك، فلا بأس، إنما النجاسة في الدم فقط. وفي حديث عائشة وميمونة بيان صفة الغسل، وأنه - عليه الصلاة والسلام - كان يغتسل، أولاً يغسل كفيه ثلاثاً، ثم يستنجي - عليه الصلاة والسلام -، وربما ضرب بيده الحائط مرتين، أو ثلاثاً، إذا كان هناك شيء من أثر نجاسة، أو بقايا لمزيد النظافة، فإذا استنجى من حاجته ربما ضرب التراب أو الجدار لمزيد النظافة، ثم يغسل ذلك، وإذا فعل ما يقوم مقام ذلك من الصابون،

أو الأشنان كفى ذلك، ثم يتوضأ وضوء الصلاة - عليه الصلاة والسلام -، يتمضمض، ويستنشق، ويغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه وأذنيه، ويغسل رجليه قبل بدنه، هذا وضوء الصلاة، وفي بعض الأحيان يترك الرجلين إلى الآخر، يغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه، ثم يفيض الماء على رأسه، ويدع رجليه بعد ذلك، فإذا كَمَّلَ غُسله، غَسل رجليه بعد ذلك، وكله سُنة، إن كمّل الوضوء وهو أفضل، ثم إذا انتهى من الغسل غسل رجليه مرة أخرى، هذا هو الأفضل، وإن أخّرهما إلى آخر الغسل، ووقف عند الرأس فلا بأس بذلك، فعل النبي - عليه الصلاة والسلام - هذا وهذا. وفيه من الفوائد: أنه يخلل شعره هكذا بيديه، ويفيض على الرأس ثلاث مرات، وهكذا المرأة إن كان رأسها مشدوداً تفيض عليه ثلاث مرات، والرجل ثلاث مرات، ثم يفيض الماء على بقية جسده على جنبه الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل، ثم يغسل رجليه، هذا هو الغسل الكامل، هذا هو الأفضل الذي فعله النبي - عليه الصلاة والسلام -، وكيفما فعل أجزأ، لو بدأ بالأسفل برجليه، لو بدأ بشقه الأيسر قبل شقه الأيمن، ثم كمل غسله، كل هذا يجزئ، المهم أنه يغسل بدنه، هذا المهم بنية الطهارة من الجنابة، بدأ بالرأس، أو بالرجل، أو باليد، أو بالجنب الأيمن، أو بالأيسر يجزئه، لكن الأفضل مثل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. الأفضل أن يستنجي أولاً، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يبدأ برأسه، يفيض عليه ثلاث مرات، ثم شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يكمل، هذا هو الأفضل، وكيفما اغتسل وعمم الماء ببدنه أجزأه

ذلك، وأخبرت عائشة - رضي الله عنها -، وكذا ميمونة أنه ربما اغتسل مع زوجته من إناء واحد - عليه الصلاة والسلام - ربما كان الإناء بينهما يغترفان منه، من إناء واحد، فدل ذلك على جواز اغتسال الرجل مع زوجته من إناء واحد، لا حرج في ذلك؛ لأن اللَّه أباح له عورتها، وأباح لها عورته، فلا حرج أن ينظر أحدهما إلى الآخر، وأن يغتسل هذا مع هذا، كما فعله المصطفى - عليه الصلاة والسلام - وأزواجه. وفيه من الفوائد أن كونه يترك التنشف أفضل بعد الغسل؛ ولهذا لما جاءته بمنديل تركه، وجعل ينفض الماء بيده - عليه الصلاة والسلام - هذا هو الأفضل، وإن تمسح فلا حرج، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تركه ونفض، ولم ينه عن هذا، لم ينه عن التمندل والتنشف، لم ينه عنه، ولكنه تركه، فدل على أن النفض أفضل من التمسح بعد غسل الجنابة. 35 - عن عبد اللَّه بن عمر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وهو جنب (¬1)» (¬2). 36 - عن أم سلمة - رضي الله عنها - ــ زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ قالت: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ ــ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ ــ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ ¬

(¬1) «وهو جنب»: ليست في نسحة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 287. (¬2) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب نوم الجنب، برقم 287، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، برقم 306.

لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنِ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ، إذَا هي (¬1) رَأَتِ المَاءَ» (¬2). 37 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنِ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ» (¬3). وفِي لفظ لمسلم «لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنِ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكاً, فَيُصَلِّي فِيهِ» (¬4). 10 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق أيضاً بغسل الجنابة والاحتلام وآثار المني. في الحديث الأول الدلالة على أنه ينبغي للمؤمن إذا أراد النوم وهو جنب أن يتوضأ، إذا لم يتيسر الاغتسال, فيتوضأ وينام على طهارة صغرى؛ ولهذا قال عمر: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ ¬

(¬1) «هي»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب العلم، باب الحياء في العلم، برقم 130، ومسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، برقم 313. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب غسل المني وفركه، وغسل ما يصيب من المرأة، برقم 229، و230، و231، و232، ومسلم بنحوه، كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم 289. (¬4) رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم 288.

جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ» (¬1) وقالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي إذا أتى أهله يغسل فرجه ويتوضأ ثم ينام (¬2)، وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه رُبَّمَا اغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ (¬3) , فالأحوال ثلاثة: إحداها: أن ينام من غير وضوء ولا غسل، وهذا مكروه، وهو خلاف السنة. الحالة الثانية: يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة, وهذا لا بأس به. الثالث: يتوضأ ويغتسل، وهذا هو الأكمل, إذا اغتسل كمَّل طهارته، كان هذا أكمل, وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل هذا تارة، وهذا تارة, ربما اغتسل, وربما توضأ ونام, كلاهما جائز. والوضوء والغسل بعد الاستنجاء, بعدما يستنجي يغسل ذكره وما حوله, ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغتسل إن شاء قبل أن ينام وهو أفضل, وإن شاء أخر إلى آخر الليل، وجاء في بعض الروايات ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 287، ومسلم، برقم 306، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 35. (¬2) مسند أحمد، 43/ 16، برقم 25814، بلفظ: «لَمْ يَكُنْ يَنَامُ حَتَّى يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ»، وعن عمر عند النسائي في السنن الكبرى، 5/ 334، برقم 9007، وابن عساكر في تاريخ دمشق، 43/ 501، وصححه محققو المسند، 43/ 16، وكذلك صححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 402. (¬3) مسند أحمد، 41/ 516، برقم 25070، مصنف عبد الرزاق، 1/ 279، والحاكم، 1 - / 153، وصححه، ووافقه الذهبي، وصحح إسناده محققو المسند، 41/ 516.

عن عائشة «أنه كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً» (¬1). وهذا الحديث محمول على أنه لا يمس ماء الغسل, وبعضهم أعلَّ ذلك، ولكن حمله على ماء الغسل حتى يتفق مع الأحاديث الصحيحة، حملٌ مناسب؛ لأن المراد بالماء ماء الغسل. وفي الحديث الثاني: أن أم سليم قالت: إن اللَّه لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نَعَمْ إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ» (¬2) , هذا دل على حكم عظيم، وهو أن الاحتلام لا يوجب الغسل إلا إذا رأى المحتلم الماء وهو المني, وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» (¬3). الماء من الغسل من الماء وهو ماء الجنابة وهو المني. فلو احتلم الإنسان، ولكن ما رأى منياً, فلا غسل عليه، سواء كان ¬

(¬1) مسند أحمد، 42/ 65، برقم 25135، وأبو داود، كتاب الطهارة وسننه، باب في الجنب يؤخر الغسل، برقم 228، والترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل، برقم 118، السنن الكبرى للبيهقي، 1/ 201، وإسحاق بن راهويه، 2/ 851، وقال محققو المسند، 42/ 65: «حديث صحيح دون «ولا يمس ماء» فقد أنكره الحفاظ»، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 91. (¬2) رواه البخاري برقم 130، ومسلم، برقم 313، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 36، وهذا اللفظ للترمذي، أبواب الطهارة، باب ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، برقم 122. (¬3) لفظ مسلم، «إنما الماء من الماء»، كتاب الحيض، باب إنما الماء من الماء، برقم 343، واللفظ المذكور في السنن: أبو داود، كتاب الطهارة، باب الإكسال، برقم 215، وابن ماجه، الطهارة وسننها، باب الماء من الماء، برقم 607، والنسائي، كتاب الطهارة، باب الذي يحتلم ولا يرى الماء، برقم 199.

رجلاً أو امرأة، إذا رأى في النوم أنه أتى امرأة، أو رأت هي في النوم أن زوجها أو غيره أتاها، وبعد الاستيقاظ لم يوجد ماء, ما فيه أثر مني لا في الفرج، ولا في الثياب فلا غُسل، وإن رأى الماء، ولم يذكر احتلاماً وجب الغسل, حتى ولو ما ذكر الاحتلام استيقظ، ورأى المني يغتسل, ولو لم يذكر الاحتلام, لأن الظاهر أنه من الاحتلام. «الماء من الماء». وفيه من الفوائد: لا مانع من سؤال الإنسان عما أشكل عليه، وإن كان قد يستحيي من ذلك, بل الواجب أن يسأل عما يهمه من أمور دينه من أمر الجماع، وأمر النجاسة, وما قد يشكل عليه مما قد يقع بينه وبين أهله إلى غير ذلك من أمور سرية في العادة بين الرجل وأهله, لكن إذا أشكل عليه الحكم يسأل أهل العلم عن الحكم، إن اللَّه لا يستحيي من الحق. والحديث الثالث حديث عائشة - رضي الله عنها -: أنها كانت تغسل الجنابة, وهي المني من ثوب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فيخرج إلى الصلاة وإن أثر الماء في ثوبه, وربما حكته من ثوبه حكاً وفركته فركاً (¬1). قالت: «لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفُرِي مِنْ ثَوْبِهِ ..» (¬2) احتج به العلماء ¬

(¬1) رواه مسلم، برقم 288، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 37. (¬2) رواه مسلم بلفظ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَابِسًا بِظُفُرِي»، كتاب الطهارة، باب حكم المني، برقم 290.

على أن المني طاهر؛ لأن المني أصل الإنسان، والإنسان طاهر, فأصله وهو المني طاهر، فلو صلى وبثوبه مني صحت الصلاة, لكن الأفضل أن يغسله كما غسله النبي - صلى الله عليه وسلم -، من باب النظافة, وإن كان يابساً فركه، أو حكه بظفره، أو بعود، أو نحو ذلك كفى ذلك، ولكن إذا غسله كان ذلك أكمل في النظافة، كما وقع هذا في حديث عائشة هنا. فالخلاصة: أن المني طاهر بنفسه؛ فإن غسله كان أكمل, وإن حكه بعود، أو بعظم، أو بظفره لكونه يابساً كفى ذلك, ولا يلزم الغسل, وإنما يستحب الغسل من باب النظافة، وإزالة آثار المني. 38 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول (¬1) اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» (¬2). وفي لفظ لمسلم (¬3): «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» (¬4). 39 - عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي (¬5) - رضي الله عنهما - «أَنَّهُ كَانَ ــ هُوَ وَأَبُوهُ ــ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال: قال رسول اللَّه». (¬2) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب إذا التقى الختانان، برقم 291 بلفظه، ومسلم، كتاب الحيض، باب نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، برقم 348. (¬3) «لمسلم»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) البخاري، برقم 291، ومسلم، واللفظ له، برقم 87 - (348). (¬5) في نسخة الزهيري زيادة: «ابن أبي طالب».

، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ (¬1). فَسَأَلُوهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي. فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْك شَعَرَاً، وَخَيْراً مِنْكَ ــ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ (¬2) - صلى الله عليه وسلم - ــ ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ» (¬3). وفي لفظ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْرِغُ الْمَاءَ (¬4) عَلَى رَاسِهِ ثَلاثاً» (¬5). قال (¬6) - رضي الله عنه -: الرَّجُلُ الَّذي قال «مَا يَكْفِينِي» هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وأبوه محمد ابن الحنفية (¬7) (¬8). 11 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الصحيحان عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - كالأحاديث التي قبلها فيما يتعلق بالغسل من الجنابة. تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألته أم سُليم: هل على المرأة من غسلٍ إذا احتلمت؟ قال: عليها غسل إذا رأت الماء، فهذا يدل على أنه متى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قومه»، وهو في البخاري بلفظ المتن: «وعنده قوم» برقم 252. (¬2) في نسخة الزهيري: «يريد النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب الغسل بالصاع ونحوه، برقم 252. (¬4) «الماء»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه البخاري، كتاب الغسل، باب من أفاض على رأسه ثلاثاً، برقم 255، و256، وأخرجه مسلم بنحوه، كتاب الغسل، باب استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثاً، برقم 329. (¬6) «قال» ليست في نسخة الزهيري. (¬7) في نسخة الزهيري: «أبوه ابن الحنفية». (¬8) قد جاء ذلك في صحيح البخاري، برقم 256، وانظر: صحيح مسلم، برقم 329

رأى الإنسان الماء وجب عليه الغسل، رجل كان أو امرأة في الاحتلام، أو في اليقظة مع الشهوة, مع التفكير والنظر والملامسة يجب الغسل, ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» (¬1) , وفي حديث أبي هريرة يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وإنْ لمْ يُنزِل» (¬2) هذا موجب ثانٍ وهو الجماع، وإن لم ينزل الماء؛ فإنه يجب عليه الغسل. اتضح من هذا أن الغسل، يجب بأحد أمرين: [1]- إما إنزال المني عن شهوة في الاحتلام أو في اليقظة. [2]- أو إيلاج الذكر في فرج المرأة، وإن لم ينزل؛ فإنه يجب به الغسل، وهذا معنى الحديث الثاني، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ , فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» (¬3)، وفي رواية: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» (¬4) , يعني ختانه مع ختانها، إذا أولج الحشفة، واتصل الختان بموضع الختان وجب الغسل، وإن لم ينزل المني, فإن أنزل ¬

(¬1) مسلم، برقم 199، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 36. (¬2) رواه البخاري، برقم 291، ومسلم، برقم 348،وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 38. (¬3) رواه موقوفاً عن عدد من الصحابة مالك في الموطأ، 2/ 63، برقم 143، وابن خزيمة، 1 - / 114، برقم 227، والبيهقي في السنن الكبرى، 1/ 163. (¬4) الشافعي في مسنده، 1/ 159، وابن ماجه، الطهارة وسننها، باب ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان، برقم 608، والبيهقي في معرفة السنن والآثار 1/ 464، برقم 1372، وإسحاق بن راهويه، 2/ 470، برقم 1044، وابن حبان، 3/ 456، برقم 1183، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 2/ 423.

وجب بالأمرين: وجب بالإيلاج، ووجب بالماء، بهما جميعاً. وفي الحديث الأخير حديث جابر بن عبداللَّه الأنصاري - رضي الله عنهما -: الدلالة على أن السنة في الغسل الاقتصاد في الماء وعدم الإكثار منه، ولهذا لما تناظروا في الغسل، قال لهم جابر: يكفيك صاع، قال السائل: ما يكفيني، فقال له جابر: كان يكفي من هو أوفر منك شعراً، وخيراً منك، يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم -، كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما اغتسل بخمسة الأمداد, وربما اغتسل مع زوجته من فرق يسع ثلاثة آصع. فيكون الغسل من هذا المقدار، صاع ومد ونصف، هكذا السنة أن يقتصد، فلا يكثر صب الماء، السنة الاقتصاد في الماء، وعدم الإسراف، وهكذا إذا كان يغتسل تحت الدش، أو تحت أنبوب آخر، يقتصد إذا عمم جسده بالماء كفى، والحمد للَّه. والسنة أن يبدأ بالاستنجاء, يستنجي يغسل فرجه, ثم يتوضأ وضوء الصلاة (¬1)، [ثم يمر الماء على جسده، يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر، هذا هو الأفضل، وكيفما اغتسل جاز، بدأ بأسفله (¬2) [أو بأعلاه: يغسل رأسه، ثم] (¬3)، يفيض (¬4) الماء عليه ثلاث مرات, ثم ¬

(¬1) آخر الوجه الأول من الشريط الثاني من الأشرطة التي عندي. (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط الثاني من أصول مؤسسة ابن باز. (¬3) سقط بعض الكلمات اليسيرة، والذي يظهر أنها: [أو بأعلاه، يغسل رأسه، ثم]، والله أعلم. (¬4) أول الوجه الثاني من شريط المؤسسة من الشريط الثاني.

جنبه الأيمن ثم الأيسر, هذا هو الكمال؛ ولهذا قال: يفيض الماء على رأسه ثلاثاً. يعني] (¬1) يبدأ برأسه بعد الوضوء, ويفيض عليه ثلاثاً, ويدخل أصابعه في أصول الشعر فيكفي, وإن كان مشدوداً لا حاجة إلى النقض في غسل الجنابة، أما الحيض والنفاس فالأفضل النقض؛ لأن المدة تطول في الحيض والنفاس. (ثم أمَّنا في ثوب) أي ثم صلى بنا في ثوب واحد، يعني جابر ليعلمهم كيفية الصلاة, وأنه لا بأس أن يصلي في ثوب واحد، يعقد أطرافه على عاتقيه، أي في ثوب واحد، أي في إزار، وأطرافه على عاتقيه لا بأس، وإن كان في ثوبين يكون أفضل، إزار، ورداء، أو قميص، لكن لو صلى في ثوب واحد: إزار، وربط طرفيه على عاتقيه فلا بأس, لقوله في حديث آخر عليه الصلاة ولسلام: «التحف به» (¬2) في اللفظ الآخر: «خالف بين طرفيه» (¬3)، ولا يصلي في ثوب واحد دون أن يجعل على عاتقيه شيئاً، كالإزار الذي على نصفه فقط، فالواجب أن يجعل على عاتقيه شيئاً، إما طرف الإزار، وإلا رداء مستقلاً؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي ¬

(¬1) أول الوجه الثاني من الشريط الثاني من الأشرطة التي عندي. (¬2) أخرجه بمعناه، البخاري معلقاً، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به، قبل الرقم 354، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، برقم 517. (¬3) أخرجه، البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد، برقم 354، مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، برقم 517.

6 - باب التيمم

الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ» (¬1)، فالواجب أنه يصلي في إزار ورداء أو في إزار يخالف بين طرفيه، أطرافه على عاتقيه كما أمر به النبي - عليه الصلاة والسلام -، إلا إذا كان عاجزاً, ما عنده إزار, قاصر لا يصل إلى عاتقيه, أو ما عنده إلا سراويل صلى فيها والحمد للَّه، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، لكن إذا كان عنده سعة فالسنة أن يكون على عاتقيه شيء رداء، أو يلبس قميصاً على إزار, هذا هو الواجب, إذا كان عنده قدرة، وجب عليه أن يلبس رداء، أو يلبس قميصاً، أو يلبس شيئاً مما يستر عاتقيه كالفنيلة، وما أشبهها، الفنيلة الساترة لعاتقيه، وما أشبه ذلك، أو أحدهما, فبهذا يحصل المقصود, لكونها على العاتقين جميعاً: كالرداء، أو الفنيلة الساترة للمنكبين، يكون هذا هو الواجب عند القدرة. 6 - باب التَّيَمُّمِ 40 - عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً مُعْتَزلاً لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: «يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ، اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلا مَاءَ، فَقَالَ (¬2): «عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» (¬3). ¬

(¬1) أخرجه، البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، برقم 359، مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، برقم 516 .. (¬2) في نسخة الزهيري: «قال». (¬3) رواه البخاري، كتاب التيمم، باب: برقم 348، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم 682.

41 - عن عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - قال: «بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ. فَأَجْنَبْتُ. فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَمَرَّغُ (¬1) الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: «إنَّمَا كان يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ــ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» (¬2). 42 - عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري (¬3) - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُعْطِيتُ خَمْساً, لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنِ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ (¬4)، وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً (¬5)، وَبُعِثْتُ إلَى النَّاسِ عَامَّةً» (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «تتمرغ»، ولفظ البخاري، برقم 347 موافق لما في المتن. (¬2) رواه البخاري، كتاب التيمم، باب التيمم ضربة، برقم 347، ومسلم، كتاب الحيض، باب التيمم، برقم 368، واللفظ له. (¬3) «الأنصاري»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 3 - (521). (¬4) في نسخة الزهيري: «الغنائم»، والذي في صحيح البخاري، برقم 335: «المغانم»، وفي صحيح رقم 438: «الغنائم». (¬5) «خاصة» ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 335. (¬6) رواه البخاري، كتاب التيمم، باب، برقم 335، وكتاب الصلاة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»، برقم 438، واللفظ من الموضعين، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، برقم 521، وفيه: «وبعثت إلى كل أحمر وأسود».

12 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالتيمم, والتيمم رحمة من اللَّه لعباده، وتيسيرٌ عليهم، إذا فقدوا الماء، أو عجزوا عن استعماله أن يستعملوا التيمم، والتيمم مصدر تيمم يتيمم تيمماً، وهو قصد الصعيد، يعني وجه الأرض بضربه بيديه على وجه الأرض, يعني بكفيه ثم يمسح بهما وجهه وكفيه بدلاً من الوضوء بالماء، عند فقد الماء، أو عند العجز عن الماء لمرض ونحوه. فإنه يضرب التراب بيديه بكفيه, ويقول: بسم اللَّه، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، ويقوم هذا مقام الماء، ويكون طهوراً. كما في الحديث الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «الصَّعِيدُ وُضُوءُ اَلْمُسْلِمِ, وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» (¬1)، وهو يقوم مقام الماء في رفع الحدث, وفي جواز الصلاة به، والطواف، ومس المصحف، ونحو ذلك: كالماء, هذا هو الصواب. قال بعض أهل العلم: إنه مبيح لا رافع, والصواب أنه يرفع الحدث إلى وجود الماء، أو إلى انتقاض الطهارة بما ينقض الوضوء. ¬

(¬1) أخرجه البزار، 17/ 309، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 261: «رجاله رجال الصحيح»، وصحح إسناده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 7/ 24، وبنحوه عن أبي ذر - رضي الله عنه -، سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم، برقم 332.

الحديث الأول: حديث عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي - رضي الله عنه - وعن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم, فقال: «ما منعك يا فلان؟» قال: يا رسول اللَّه أصابتني جنابة ولا ماء، يعني عليَّ جنابة ولا وجدت ماء، فلهذا تأخرت عن الصلاة مع الناس. فقال له المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: ««عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» (¬1)، عليك بالتيمم: قصد الصعيد، والصعيد: وجه الأرض, فإنه يكفيك، يعني يقوم مقام الماء عند فقد الماء، وهذا من رحمة اللَّه، وتيسيره جل وعلا, ودل على هذا قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (¬2). والصعيد يشمل: التراب، والرمل، والحصى، والنورة، وجميع وجه الأرض، لكن إذا تيسر التراب فهو مُقدم للحديث الصحيح: «وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا» (¬3) إذا تيسر التراب يتيمم من التراب، وإن لم يتيسر، وصار في أرض فيها رمل، أو أرض صفا ما فيها رمل، ولا شيء يتيمم من وجه الأرض, يضرب وجه الأرض ويكفي. وفي حديث عمار الدلالة على أنه يكفي أن يضرب التراب بيديه, ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 348، ومسلم، برقم 682، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 40. (¬2) سور المائدة، الآية: 6. (¬3) رواه الإمام أحمد، 2/ 156، برقم 763، وابن أبي شيبة في المصنف، 11/ 434، برقم 32304، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، 1/ 384، وحسن إسناده محققو المسند، 2/ 156، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 18/ 44.

ويمسح وجهه وكفيه, وكان عمار - رضي الله عنه - لما أصابته جنابة تمرَّغ في الصعيد كما تمرَّغ الدابة, ظناً منه أن التيمم عن الجنابة مثل الغسل، يعني يعم البدن كله، قاس هذا على هذا, فلما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما فعل، قال: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» (¬1) , ثم ضرب بهما التراب، ومسح بهما وجهه وكفيه، يكفي هذا، ولا حاجة إلى أن يتمرغ في الأرض أو يمسح ذراعيه أو قدميه, لا حاجة إلى هذا. الوجه والكفان يكفيان (¬2)؛ ولهذا قال: «إنَّمَا يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا». ثم ضرب بيديه الأرض, ومسح بهما وجهه وكفيه, وهذا معنى ما دل عليه القرآن؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (¬3)، واليد إذا أطلقت المراد بها الكف من مفصل الكف إلى أطراف الأصابع، هذه اليد عند الإطلاق كما في قوله جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (¬4)، والمقطوع هو الكف, ما يقطع الذراع ولا العضد، اليد التي تقطع من أطراف الأصابع إلى الكف، يعني مفصل الكف من الذراع، فهكذا في التيمم يمسح الكفين, أما في الوضوء فإلى المرافق، يغسل الذراعين إلى المرافق؛ ولهذا قال: {وَأَيْدِيَكُمْ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 347، ومسلم، برقم 368، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 41. (¬2) والمعنى: مسح الوجه والكفين يكفيان. (¬3) سور المائدة، الآية: 6. (¬4) سورة المائدة، الآية: 38.

إِلَى الْمَرَافِقِ} يعني في الوضوء, أما في التيمم فإنه يكفيه الكفان. وما ورد عن بعض الصحابة أنهم مسحوا الذراعين, وبعضهم مسح العضدين إلى الآباط, هذا قياساً منهم على الماء, وبعضهم اجتهاداً منه, وجاءت الشريعة تبين الحكم الشرعي, وأنه ليس هناك مسح على الذراعين ولا على العضدين, إنما المسح يكون في الكفين في التيمم, كما أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله وبقوله في حديث عمار. والحديث الثالث حديث جابر الأنصاري - رضي الله عنه - وعن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «أُعطيت خمساً» يعني خمس خصال «لم يعطهن أحد قبلي» أي من الأنبياء، هذه الخمس من خصائصه - عليه الصلاة والسلام - , وله خصائص كثيرة - عليه الصلاة والسلام -، وهذه الخمس هي: الأولى منها: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» نصره اللَّه بالرعب منه مسيرة شهر، يعني اللَّه يُنزِلُ في قلوب العدو الرعب منه مسيرة شهر, وهم عنه مسيرة شهر، وهكذا يحصل لمن اتبعه، واستقام على دينه, ينصرهم اللَّه بقوته، وبالرعب مسافة شهر؛ لأن من اتبعه أعطاه اللَّه هذا الخير، وهذه منحة عظيمة في إنزال الرعب في قلوب الأعداء مسافة شهر. الثانية: «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً, فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل» فاللَّه جعل له الأرض مسجداً وطهوراً، كان الأولون إذا حضرت الصلاة وليسوا في مساجدهم أو في بِيَعِهِم أخروها حتى يأتوا إلى موضع الصلاة عندهم من البيع والصوامع

والمساجد، فاللَّه وسّع لهذه الأمة, ويسّر لها, فجعل الأرض كلها مسجداً لها, والحمد للَّه إذا كان في السفر، أو في أي مكان بعيداً عن المسجد، صلى في أي مكان، والحمد للَّه. ولهذا قال: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» , وفي اللفظ الآخر: «فعنده مسجده وطهوره» مسجده الأرض, وطهوره التراب، وهذا من تيسير اللَّه ورحمته - سبحانه وتعالى -. الثالثة: «أُحلت لي المغانم، ولم تحل لأحدٍ قبلي» المغانم حلال لهذه الأمة, وهي المال المأخوذ من الكفار إذا استولى المسلمون على الكفار, فإن المغانم التي هي أموالهم حل للمسلمين، يُنزع منها الخمس لبيت المال وأربعة أخماس تقسم بين الغانمين, يعني الجنود, للراجل سهم, وللفارس ثلاثة أسهم إذا كان عنده فرس، إذا كان في القتال خيل، والفارس يعطى ثلاثة أسهم, سهم له، وسهمان لفرسه, والراجل يعطى سهماً واحداً، وهكذا صاحب المطية (¬1) يعطى سهماً واحداً. كان الأولون إذا فرغوا من القتال وسلمت مغانمهم تأتي نار فتأكل المغانم إذا قُبِلَتْ. أما هذه الأمة فرحمها اللَّه, وأحل لها المغانم, فضلاً منه وإحساناً - سبحانه وتعالى -، ولهذا قال «ولم تحل لأحد قبلي» ¬

(¬1) يعني صاحب البعير، أو الناقة.

- عليه الصلاة والسلام -. الرابعة: «أُعطيت الشفاعة» أعطاه اللَّه الشفاعة، وهي الشفاعة العظمى لأهل الموقف يوم القيامة, يشفع فيهم حتى يقضى بينهم. هذه من خصائصه - عليه الصلاة والسلام - , ليست لبقية الأنبياء، إذا كان يوم القيامة، واجتمع الناس، واشتد الأمر، تقدم - صلى الله عليه وسلم - وحمد ربه, وسجد بين يديه، وحمده بمحامد عظيمة, حتى يؤذن له، ثم يَأذن له سبحانه, فيقال له: اشفع تشفع, وسل تعط، فيشفع عند ذلك، ويسأل ربه أن يقضي بين الناس. وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره اللَّه في كتابه في سورة بني إسرائيل: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (¬1)، هذا هو المقام المحمود, يحمده به الأولون والآخرون؛ لأنه يقوم مقاماً عظيماً, يحمد اللَّه فيه, ويثني عليه, ويسجد, ثم يقال له: ارفع رأسك وقل تسمع, واشفع تشفع. فيرفع رأسه - صلى الله عليه وسلم - من سجوده, فيشفع إلى اللَّه أن يقضي بين الناس, وله شفاعات أخرى لمن دخل النار من أمته - - عليه الصلاة والسلام - -، وله شفاعات في دخول أهل الجنة الجنة، لكن هذه الشفاعة العظمى خاصة به - عليه الصلاة والسلام - , وهكذا الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة خاصة به، لا يدخلونها إلا بشفاعته - - عليه الصلاة والسلام - -, وله شفاعة ثالثة خاصة به, وهي الشفاعة في عمه أبي طالب, كان في دركات النار, وفي غمرات النار, والسبب أنه مات على الكفر باللَّه، فشفع فيه حتى يجعله اللَّه في ضحضاح من ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 79.

النار, يغلي منه دماغه - نسأل اللَّه العافية -؛ لأنه نَصَرَ النبي، وأحاطه، وحماه في حياته, لكنه مات على الكفر نعوذ باللَّه؛ ولهذا صار من أهل النار، صارت الشفاعة في التخفيف عنه تخفيفاً لا يخرجه من النار, بل يجعله في الطبقة الأولى منها في ضحضاح منها، وهذه الشفاعة خاصة بأبي طالب، وخاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي مستثناة من قوله - عز وجل -: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ} يعني الكفار {شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (¬1) الكفار ما تنفعهم شفاعة الشافعين إلا هذه الخاصة التي في أبي طالب مستثناة, جاء بها النص، يعني نفعته بعض النفع, وإن كان مخلَّداً في النار, ومعذَّباً في النار, لكنه خُفِّفَ عنه بعض الشيء لأسباب شفاعته - عليه الصلاة والسلام -. الخصلة الخامسة: أنه بُعث للناس عامة, والأنبياء يبعثون إلى أقوامهم, كل نبي يُبعث إلى قومه, أما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بُعث إلى الناس عامة الجن والإنس، يدعوهم إلى اللَّه، وإلى توحيد اللَّه من آمن به واتبعه, فله الجنة من الإنس والجن والعرب والعجم والذكور والإناث, ومن لم يقبل منه ولم يصدقه فله النار، نعوذ باللَّه. كما قال اللَّه سبحانه: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (¬2)، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا ¬

(¬1) سور المدثر، الآية: 48. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 158.

7 - باب الحيض

وَنَذِيرًا} (¬1) فهو رسول اللَّه إلى الثقلين: الجن والإنس. من أجاب دعوته واستقام على دينه فله الجنة والكرامة, ومن حاد عن ذلك واستكبر عن ذلك فله النار، والخيبة والندامة. نسأل اللَّه لنا ولكم العافية والسلامة، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. 7 - بابُ الحيضِ 43 - عن عائشة - رضي الله عنها - «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ: سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَ (¬2): «لا، إنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» (¬3). وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ فِيهَا (¬4)، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» (¬5). ¬

(¬1) سورة سبأ، الآية: 28. (¬2) في نسخة الزهيري: «فقال». (¬3) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض بلفظه، برقم 325، ومسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، برقم 333. (¬4) «فيها» ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب الاستحاضة، برقم 306، ومسلم، برقم 333، وتقدم تخريجه.

44 - عن عائشة - رضي الله عنها - «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ. فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فقَالَ: «هذا عِرقٌ» (¬1)، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاةٍ» (¬2). 45 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ إنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلانا جُنُبٌ» (¬3). 46 - «وَكَانَ يَامُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» (¬4). 47 - «وَكَانَ يُخْرِجُ رَاسَهُ إلَيَّ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» (¬5). 48 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ» (¬6). ¬

(¬1) «فقال: هذا عرق»: ليست في نسخة الزهيري، وهي لفظ البخاري، برقم 327. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب عرق الاستحاضة، برقم 327، بلفظه، ومسلم، كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، برقم 334. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، برقم 299، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة، وغسل أحدهما بفضل الآخر، برقم 321. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، واللفظ له، برقم 300، ومسلم، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض فوق الإزار، برقم 293. (¬5) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، بلفظه برقم 301، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه، برقم 8 - (297). (¬6) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض، برقم 297، ورقم 7594، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن، واللفظ له، برقم 301.

49 - عَنْ مُعَاذَةَ بنت عبداللَّه (¬1) قَالَتْ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. فَقَالَتْ (¬2): كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ» (¬3). 13 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الخمسة تتعلق بالحيض وأحكامه. والحيض: دم يخرج من المرأة بصفة معتادة بالنسبة إلى غالب النساء كل شهر, وهو دم طبيعة، وجَبِلَّة جبل اللَّه عليها بنات آدم, يخرج من قعر الرحم, واللَّه جل وعلا جعله علامة على خلو الرحم من الولد, وأن المرأة ليست حاملاً؛ فإذا انقطع صار علامة على حملها إذا كانت من أهل الحمل، وله أحكام: منها: أن الحائض تدع الصوم أيام رمضان وغيره, لا تصوم وهي حائض. ومنها: أنها تدع الصلاة, فلا تصلي ولا تقضي, بل تسقط عنها بالكلية، فضلاً من اللَّه وإحساناً منه - سبحانه وتعالى -؛ لأن الحيض يدوم أياماً ¬

(¬1) «بنت عبد اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) في نسخة الزهيري: «قالت». (¬3) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب لا تقضي الحائض الصلاة، برقم 321، ومسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، واللفظ له، برقم 335.

عديدة, ففي قضاء الصلاة مشقة عليها، فمن رحمة اللَّه أن جعل الحيض مسقطاً للصلاة فرضاً وقضاء, أداء وقضاء. أما الصوم فإنها لا تصوم, لكنها تقضي الواجب إذا طهرت كرمضان, تكمل وتقضي ما أفطرت منه. وهناك أحكام أخرى تتعلق بالحيض (¬1). في الحديث الأول: حديث فاطمة بنت أبي حُبيش أنها كانت تستحاض فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إِنَّمَا ذَلِكِ دَمُ عِرْقٍ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي» (¬2) , وفي اللفظ الآخر: «فَاغْتَسِلِي وَصَلِي» (¬3)، وهكذا في حديث أم حبيبة: أنها استحيضت سبع سنين, فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تغتسل إذا انتهت مدة الحيض, قال لها: «دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ ما كانت تحبسك حيضتك، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» (¬4) , فالحائض تدع الصلاة أيام حيضها, ولا تقضي وتدع الصوم أيام حيضها, ولا تمس المصحف وهي حائض. ¬

(¬1) قلت: منها: أنها لا تمس المصحف، ومنها: لا تطوف بالبيت، ومنها: أنها لا تحل لزوجها حتى تطهر، وتغتسل، وغير ذلك من الأحكام. (¬2) رواه البخاري، برقم 306، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 43. (¬3) رواه البخاري، برقم 306، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 43. (¬4) ولفظ البخاري في الحديث رقم: 325: «دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»، ولفظ مسلم، في الحديث رقم 333: «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي».

والدم الذي يستمر معها يقال له: دم استحاضة, تصلي، وتصوم، وتحل لزوجها إذا اغتسلت من دم الحيض, فالدم المستمر يقال له دم الاستحاضة, وهو دم يخرج من أدنى الرحم بسبب مرض؛ ولهذا سماه النبي دم عرق. فلا يمنع الصلاة, ولا يمنع الصوم, ولا يمنع الزوج, فإذا أصابها دم الاستحاضة؛ فإنها تبقى أيام مدة الحيض المعتادة خمسة أيام، أو ستة، أو سبعة, عادتها تبقى لا تصلي، ولا تصوم, فإذا مضت العادة اغتسلت، وصلت، وصامت، ولو كان معها دم استحاضة, الذي استمر معها. لهذا أم حبيبة بنت جحش استمر معها الدم سبع سنين, كان النبي يأمرها إذا مضت العادة تغتسل وتصلي ولو كان معها الدم؛ لأنه دم مرض, مثل صاحب السلس الذي معه بول دائماً، فتصلي وتصوم وتتوضأ لوقت كل صلاة؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة: «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» (¬1) , وفي اللفظ الآخر: «توضئي لوقت كل صلاة» (¬2) , فإذا دخل ¬

(¬1) البخاري، مرسلاً عن عروة بن الزبير، كتاب الوضوء، باب غسل الدم، برقم 228، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر، برقم 298، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 95: «حديث صحيح». (¬2) ذكر محمد بن الحسن الشيباني في الجامع الصغير، ص 74، وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار، 1/ 103: «فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا صِحَّةُ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ فِي حَالِ اسْتِحَاضَتِهَا لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ»، وقال الحافظ ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية، 1/ 89: «حَدِيث الْمُسْتَحَاضَة تتوضأ لوقت كل صَلَاة لم أَجِدهُ هَكَذَا، وَإِنَّمَا فِي حَدِيث أم سَلمَة أِن امرأة سَأَلت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَن الْمُسْتَحَاضَة فَقَالَ: «تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، ثمَّ تَغْتَسِل وتستثفر بِثَوْب، وتتوضأ لكل صَلَاة».

وقت الظهر توضأت وصلت إلى وقت العصر، وإذا جاء وقت العصر توضأت وصلت إلى وقت المغرب وهكذا ... تستنجي, تغسل فرجها وتتوضأ وضوء الصلاة, وتصلي مدة الوقت فروضاً ونوافلَ. فإذا دخل وقت الآخر كذلك تستنجي، وتتوضأ وضوء الصلاة، وتصلي في الوقت فرضاً ونفلاً، وتحل لزوجها؛ لأن هذا الدم دم عارض, دم فاسد, ليس بحيض, أما أيام الحيض المعتادة خمسة أو ستة أو سبعة أو نحو ذلك, فهذه أيام لا تصلي فيها، ولا تصوم, ولا تحل لزوجها؛ لأنها دم حيض. ومثل ذلك لو كان مع الإنسان البول الدائم، أو المذي الدائم؛ فإنه يتوضأ لوقت كل صلاة, ويصلي على حسب حاله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬1) يتوضأ لكل صلاة, يستنجي ويتوضأ وضوء الصلاة, ويصلي الفرض والنفل إلى الوقت الآخر، كالمستحاضة. الحديث الثالث: حديث عائشة لأخبرت أنها كانت تغتسل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجنابة بإناء واحد، هذا يدل على جواز اغتسال الزوج وزوجته من إناء واحد يرى كل واحد الآخر؛ لأنها تحل له، ويحل لها, فلا مانع أن يغتسلا جميعاً في حمام, ينظر أحدهما إلى الآخر, لا بأس بذلك، من إناء واحد. وَكَانَ يَتَّكِئُ في حِجْرِها فيقرأ القرآن, دل على أن لا بأس أن ¬

(¬1) سورة التغابن، الآية: 16.

يضع رأسه على فخذها؛ ليستريح، أو ينام، أو يقرأ القرآن، ولو كانت حائضاً، هذا لا يضر؛ لأن حيضها في فرجها لا يمنع قراءة القرآن, ولا يمنع اتكاءه على فخذها, ولا يمنع أن تخدمه؛ ولهذا كانت تغسل رأسه - عليه الصلاة والسلام - وترجله عائشة, وهي حائض - رضي الله عنها - , هذا يدل على أن الحائض ليست بنجسة, لها أن تقرأ, ولها أن تخدم زوجها, تُقدِّم الطعام, تُقدِّم الماء, تُقدِّم اللبن, وكان النبي يشرب من مَحَلِّ فمها، ويتعرق العظم بعدها وهي حائض, كل هذا يبيِّن للناس أن هذا لا حرج فيها, وأنها طاهرة, عرقها طاهر, شعرها طاهر, بدنها طاهر, ولو وضعت يدها في ماء، أو في لبن، أو في طعام يكون طاهراً، النجاسة في الحيض، ليست في اليد؛ ولهذا لما قال لها ذات يوم: «نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ» - حصير في المسجد، «قَالَتْ: فَقُلْتُ (يا رسول اللَّه): إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» (¬1) , فالحائض تعمل في بيتها تخدم في بيتها, تلمس الطعام لا يضر، تقدم الطعام. ثيابها طاهرة, وعرقها طاهر, لكن إذا أصابها شيء من الدم, أصاب شيئاً من بدنها, أو أصاب شيئاً من ثيابها تغسله, ما أصابه الدم تغسله, وأما هي في نفسها طاهرة. كالجنب طاهر، الجنب إذا عرق في ثيابه وهو جنب قبل أن يغتسل فهو طاهر, ثيابه طاهرة, عرقه طاهر, يده طاهرة, إنما عليه الغسل فقط. ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 298.

وقالت مُعَاذَةُ لعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: يا أم المؤمنين، «أَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّوْمَ، وَالصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ لَهَا عائشةُ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟» نسبة إلى حروراء، وهي طائفة يقال لهم حروريون، وهم الخوارج يشددون، ويتعنتون، ويتنطعون؛ ولهذا قالت لها عائشة: أحرورية أنت؟ يعني من المُتشدِّدين المتكلفين. قالت: لا، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. فَقَالَتْ - رضي الله عنها -: «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ» (¬1). فالحائض والنفساء تقضيان الصوم, ولا تقضيان الصلاة. فلو بقيت النفساء أربعين يوماً والدم معها؛ فإنها لا تقضي الصلاة, ولكن تقضي رمضان إذا صادفها رمضان تقضيه, فإذا انتهت المدة إلى الأربعين وهي معها الدم تغتسل وتصلي ما بعد الأربعين شيء, إذا تمت مدة الأربعين ولم تطهر؛ فإنها في حكم الطاهرات: تغتسل، وتصلي ولو معها الدم؛ يكون دم فساد كالمستحاضة، إلا إذا وافقت وقت الحيض تجلس وقت الحيض الدورة المعتادة، أما الصلاة التي تركتها في أيام النفاس، أو في أيام الحيض؛ فإنها ساقطة لا تقضي, فضلاً من اللَّه، ونعمة من اللَّه، ورحمة منه - سبحانه وتعالى -. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 321، ومسلم، برقم 335، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 49.

أما الصوم فإنها تقضيه؛ صوم رمضان تقضيه بعد طهرها, مثل ما قالت عائشة: «كنا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ» (¬1). وهذا محل إجماع بين أهل العلم, أجمع العلماء على أن الحائض والنفساء تقضيان الصوم، ولا تقضيان الصلاة؛ لهذه الأحاديث وما جاء في معناها (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 321، ومسلم، برقم 335، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 49. (¬2) نهاية الوجه الثاني من الشريط الثاني.

2 - كتاب الصلاة

2 - كتاب الصلاة (¬1) 8 - بابُ المواقيتِ 50 - عن أبي عمرو الشيباني - واسمه سعد بن إياس - قال: حدثني صاحب هذه الدار ــ وأشار بيده إلي دار عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأعمالِ (¬2) أَحَبُّ إلَى اللَّهِ - عز وجل -؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» (¬3). 51 - عن عائشة لقالت: «لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ، مِنَ الْغَلَسِ» (¬4)، (¬5). ¬

(¬1) بداية الشريط الثالث الوجه الأول، بتاريخ 14/ 3/ 1409هـ. (¬2) في نسخة الزهيري: «أي العمل»، وهي لفظ البخاري، برقم 527، ولفظ مسلم، برقم 139 - (85) «أي الأعمال». (¬3) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم 527، بلفظه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالى أفضل الأعمال، برقم 39 - (85). (¬4) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة في الثياب، برقم 372، وكتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم 578، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 645. (¬5) في نسخة الزهيري زيادة: «المروط: أكسية معلمة تكون من خز، وتكون من صوف، ومتلفعات: متلحفات، والغلس: اختلاط ضياء الصباح بظلمة الليل».

52 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - قال: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ: بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ: وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ: إذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ: أَحْيَاناً وَأَحْيَاناً، إذَا رَأَىهُمُ اجْتَمَعُوا: عَجَّلَ، وَإِذَا رَأَىهُمْ أَبْطَؤُوا: أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» (¬1). الهاجرة: هي شدة الحَرِّ بعد الزوال (¬2). 14 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالصلاة, والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام, وهي أعظم الأركان، وأهمها بعد الشهادتين، وكان فرضها في مكة المكرمة قبل الهجرة بثلاث سنوات, فرضها اللَّه - عز وجل - على النبي - صلى الله عليه وسلم - من دون واسطة, بل عُرج به إلى السماء, وتلقى فرضها من اللَّه من دون واسطة, بل كلمه اللَّه بذلك, وفرض عليه الصلوات الخمس جل وعلا, وهذا يدل على عظم شأنها، اللَّه ما أرسل بها ملكاً, بل فرضها مشافهة بكلامه - عز وجل - من دون واسطة، وكَلَّمَ اللَّه نبيَه - عليه الصلاة والسلام - وفرضها خمسين، ثم لم يزل - عليه الصلاة والسلام - يتردد إلى ربه، ويسأله التخفيف, حتى جعلها خمساً, وكان ذلك لأسباب لقائه لموسى - عليه الصلاة والسلام - في السماء السادسة, ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب، واللفظ له، برقم 560، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 646. (¬2) «الهاجرة: هي شدة الحر بعد الزوال»: ليست في نسخة الزهيري.

وأشار عليه موسى بأن يسأل ربه التخفيف, وهذا من أمر اللَّه، اللَّه جل وعلا جعل موسى يكلمه في ذلك، ويشير عليه بالرجوع لما مضى في علمه سبحانه، وحكمته أنه يجعلها خمساً - سبحانه وتعالى -، قال له موسى لما أخبره نبينا بالصلوات الخمس، أنها خمسون، قال: «إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشّدَّ المُعَالَجَةِ، إنَّ أمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّك واسْأَلْه التَّخْفِيفَ، فلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ رَبَّهُ التَّخْفيفَ حتَّى جَعَلَهَا خمْساً، فَضْلاً مِنهُ وإحْسَاناً - سبحانه وتعالى -، هيَ خَمْسٌ في العَمَلِ، وخَمْسُونَ في الأجرِ، الحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالها (¬1). ومن أدى الخمس وحافظ عليها وأدى حقها كمّل اللَّه له أجر الخمسين، وهي فرض على الرجال والنساء من المكلفين خمس ¬

(¬1) أخرج مسلم بنحوه من حديث طويل، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى السموات وفرض الصلوات، برقم 162، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بلفظ وفيه: «.... قيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ: قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ - قَالَ - فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَني إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ. - قَالَ - فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى - عليه السلام -، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا ...».

مرات في اليوم، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. أما الجمعة هي فرض الوقت في يومها، أي الخامسة بدل الظهر، أما غير المكلف الصغير الذي لم يبلغ فليست فرضاً عليه, ولكنه يؤمر بها إذا بلغ سبعاً, ويضرب عليها إذا بلغ عشراً, ليعتادها ويستقيم عليها، حتى إذا بلغ فإذا هو قد استقام عليها، وعرف شأنها, فلا يصعب عليه أداؤها بعد ذلك. أما المعتوه والمجنون ونحوهما من لا عقل له، فليست عليهم صلاة، وإنما يخاطب بها أهل الإسلام، الكافر لا يخاطب بها من ناحية الفعل, وإن كان يخاطب بها من جهة العقاب، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة, ويعاقبون عليها يوم القيامة، لكن لا يطالبون بأداء الصلاة حتى يسلموا، حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، فإذا أسلموا، أُمروا بالصلاة, فإن أدوها وإلا وجب استتابتهم، وقتل من لم يؤدها, {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (¬1) من لم يؤد الزكاة، ولم يؤد الصلاة، فلا يُخلَّى سبيله، وشأنها عظيم، وفضلها كبير, ومن حافظ على الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، كفَّر اللَّه له ما بَيْنَها مِنَ السَّيِّئاتِ مَا لم تُغْشَ الْكَبَائِرُ (¬2). ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 5. (¬2) روى مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم 233 عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كفَّارات لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا لم تُغْشَ الكبائر».

وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ العملِ أَفضلُ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» (¬1) يعني تؤدى في الوقت، فهذا أفضل الأعمال، فالوقت شرط لها لا بد من أدائها في الوقت، ولا يجوز تأخيرها، ولا تقديمها, فمن أخرها أَثم وعليه القضاء, ومن قدمها لم تصح, وهي عمود الإسلام, كما في الحديث: «رَاسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ» (¬2)، وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح عن عبداللَّه بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا بين أصحابه فَقَالَ: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وقَارُونَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ» (¬3)، ــ نسأل اللَّه السلامة ــ صناديد الكفرة، من ضيّع الصلاة حشر مع هؤلاء، قال بعض أهل العلم: والحكمة في ذلك: أنه إذا ضيعها بأسباب الرياسة شابه فرعون، فيحشر معه يوم القيامة، ومن ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 527، ومسلم، برقم 85، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 50. (¬2) مسند أحمد، 36/ 345، برقم 22016، وسنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وسنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم 3973، وصححه بمجموع طرقه محققو المسند، 36/ 345، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2866. (¬3) مسند أحمد، 11/ 141، برقم 6576، وابن حبان، 4/ 329، برقم 1467، والدارمي، 1 - / 203، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 46، وفيها كلها وفي غيرها من كتب السنة لفظ (وكان) بدلاً من (حُشِرَ)، وحسن إسناده محققو المسند، 11/ 141، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 127، برقم 578.

ضيعها بأسباب الوزارة والوظيفة شابه هامان، فيحشر معه يوم القيامة؛ لأنه وزير فرعون، وإن ضيعها بأسباب الأموال والتجارة والشهوات شابه قارون الذي خسف اللَّه به الأرض, فيحشر معه يوم القيامة نعوذ باللَّه، وإن تركها بسبب التجارات والبيع والشراء، والأخذ والعطاء شابه أُبي بن خلف تاجر أهل مكة الذي مات قتيلاً يوم أُحد، كافراً، يُحشر معه يوم القيامة، نسأل اللَّه السلامة. الأمر الثاني: بر الوالدين: لعظم شأن بر الوالدين, وأنه فرض من أهم المهمات، برهما من أهم الواجبات, وعقوقهما من أكبر المنكرات, ومن أعظم الجرائم. والثالث: الجهاد في سبيل اللَّه, الجهاد له شأن عظيم, لكن بر الوالدين مقدم عليه, فلا يجاهد إلا باستئذان والديه, فإن أذنا له وإلا اشتغل ببرهما، إلا أن يهجم عليه العدو في بلده أو في بيته, فإذا هجم العدو وجب النفير على الجميع بمحاربة العدو. والحديث الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها -، تقول - رضي الله عنها -: كان النساء المؤمنات يَشْهَدنَ الفجر مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يُعرفن من الغلس متلفعات بمروطهن: هذا فيه أن بعض النساء يشهدن [الفجر] مع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) , وأنه لا بأس بحضور الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولا بأس بحضور صلاة الجماعة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - , لكن مع التستر والبعد عن ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 578، ومسلم، برقم، 645، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 51.

الفتنة إذا تسترن واحتشمن، ولم يتعاطين الطيب جاز لهن حضور الجماعة، وبيوتهن خيرٌ لهن، لكن إذا حضرن الجماعة للفائدة والتأسي بالإمام، أو لسماع حديث والفائدة فلا بأس، لكن بشرط أن يكن متسترات تاركات لأسباب الفتنة من الطيب ونحوه. الثالث: حديث جابر، وهو ابن عبداللَّه الأنصاري، صحابي وأبوه صحابي بقال: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا، إِذَا رَأَىهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَأَىهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ كَانَ يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ - عليه الصلاة والسلام - (¬1). هكذا ينبغي للأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتأسوا به - عليه الصلاة والسلام - , فيبكرون في الظهر, والهاجرة: القائلة، يعني بعد الزوال، كما في الحديث الآتي من حديث أبي برزة: إذا زالت الشمس فيصليها بالهاجرة إذا زالت الشمس (¬2) , وتسمى الأولى, ولكن بعد الأذان بوقت حتى يتيسر لمن سمع النداء أن يتوضأ ويقضي حاجته، لا يعجل بعد الأذان: [ينتظر] ربع ساعة ثلث ساعة نحو ذلك, حتى ¬

(¬1) البخاري، برقم 560، ومسلم، برقم 646، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52. (¬2) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - رضي الله عنه - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ، وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ...»، البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الظهر عند الزوال، برقم 541، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 647، ولفظه: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ ...».

يتيسر لجيران المسجد أن يحضروا, إلا إذا كان في شدة الحر, فالسُنة الإبراد في الأذان والصلاة إذا كان شدة حر شرع للجميع الإبراد في الأذان، والإبراد بالصلاة, حتى ينكسر الحر, حتى يكون للحيطان ظل يمشي معها الناس, كما كان يفعله - عليه الصلاة والسلام -. يقول: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (¬1). والعصر تُصلَّى والشمس نقية في أول وقتها, هذه السُنة. والشمس مرتفعة على بياضها وحرارتها, هكذا السُنة, لكن بعد الأذان بوقت يتمكن معه جيران المسجد للحضور بعد الوضوء وقضاء الحاجة, لا يعجل كما تقدم في الظهر، ثم بين الأذان والإقامة وقت ربع ساعة ثلث ساعة ونحوهما، حسب حال أهل البلد, حتى يتمكنوا من الحضور، بعد سماع الأذان. والمغرب إذا وجبت يعني إذا سقطت الشمس، إذا غابت كان يبكر بها - عليه الصلاة والسلام -، ما يمكث بعد الأذان إلا قليلاً ثم يقيم، كان الصحابة يصلون ركعتين بعد الأذان، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ»، ثُمَّ يَقُولُ في الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ» (¬2) ¬

(¬1) صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، برقم 536، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحرب لمن يمضي إلى جماعة ويناله حر في طريقه، برقم 615. (¬2) أخرجه أحمد، 34/ 171، رقم 20552، وأبو داود، كتاب التطوع، باب الصلاة قبل المغرب، برقم 1281، وابن خزيمة، 2/ 267، برقم 1289، وابن حبان، 4/ 457، برقم 1588، وصحح إسناده محققو المسند، 3/ 171، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 5 - / 26، برقم 1161.

فالسنة يتأخر قليلاً حتى يصلي من حضر ركعتين من الموجودين في المسجد، يصلون ركعتين, ومن جاء بعد الأذان صلى ركعتين، تحية المسجد, ثم يقيم ولا يُطَوِّلُ، لا يؤخر مثل الظهر والعصر, لا، أبكر (¬1)؛ ولهذا قال: «إِذَا وَجَبَتْ» (¬2)، وقد دلت الأحاديث الأخرى على ذلك أنه ما كان يتأخر كثيراً بعد أذان المغرب, بل كان يتأخر قليلاً، ثم يقيم - عليه الصلاة والسلام -. أما العشاء فأحياناً وأحياناً، إن رأى الجماعة تجمَّعوا صلى مبكراً, وإن تأخروا لم يعجل - عليه الصلاة والسلام - حتى يتلاحقوا، لأن ما بين المغرب والعشاء وقت ضيق، قد يعرض للناس عوارض، قد يتأخرون، السنة أن لا يعجل حتى يتجمَّع الناس. أما الصبح فكان يصليها بغلس, والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل, أي لا يتميز ما [...] (¬3) في الأسواق حتى يبين الصبح بياناً ظاهراً, يعني ينشق الصبح ويتضح، لكن معه غلس, معه شيء من ظلمة الليل، فلا يعجل في أول الصبح, ولا يتأخر حتى يزول كل شيء، بل يكون بين ذلك غلس ضياءٌ مع بعض الظلمة، بعد الأذان بثلث ساعة وما يقارب ذلك خمساً وعشرين دقيقة، أو ما ¬

(¬1) والمعنى: يبكر بإقامة صلاة المغرب بعد أن يصلي ركعتين، ولا يطول الانتظار مثل انتظار الظهر والعصر. (¬2) رواه البخاري، برقم 560، ومسلم، برقم 646، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52. (¬3) ما بين المعقوفين: كلمة واحدة غير واضحة.

يقارب ذلك، حتى يتمكن الناس وحتى يتلاحق الناس وهذا يكون بغلس، وإن أخرها حتى زال الغلس كره, ولكن لا حرج، فالوقت يمتد إلى طلوع الشمس إذا صلاها قبل طلوع الشمس فقد صلاها في الوقت، لكن السنة أن يصليها بغلس. يعني هناك بقايا ظلمة. أما حديث: «أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ» (¬1) , وفي لفظ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» (¬2)، هذا معناه عدم العجلة بالصلاة في وقت الشك والريب, بل يتأخر الإمام حتى يتحقق الصبح، حتى يسفر الصبح، وليس معناه أن يخالف الغلس، ليس هذا معناه، لا، المعنى واحد، يعني لا تعجلوا حتى يتضح الصبح, وكان يصلي الفجر إذا اتضح الصبح حين يعرف الرجل جليسه، فالمعنى أنهم يتأخرون حتى يتضح الصبح، ويبين وينشق الفجر، ولا يكون هناك شبهة، لكن مع بقاء بعض الظلمة وهو الغلس، وهذا معنى «أصبحوا بالصبح»، «أسفروا بالفجر» , يعني: لا تعجلوا, فإن هناك صبحاً كاذباً، يستطير في الأفق كالعمود، هذا ما يُعْتمد عليه ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 28/ 496، برقم 17257، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب وقت الصبح، برقم 424، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإسفار بالفجر،، برقم 154، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر، برقم 672، وصححه محققو المسند، 28 - / 496، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 299، برقم 551. (¬2) أخرجه أحمد، 39/ 43، برقم 23635، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الإسفار بالفجر، برقم 154، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، كتاب المواقيت، الإسفار، برقم 548، وصححه محققو المسند، 39/ 43، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 109، برقم 1115.

حتى يأتي الصبح الصادق المعترض المستطير شرقاً وغرباً, حتى يتضح ذلك, فإذا اتضح ذلك وانشق ذلك, واتضح الصبح هذا هو وقت الصلاة. 53 - عن أبي المنهال سيار بن سلامة قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حدثنا (¬1) كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ (¬2) - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - وهي (¬3) الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنِ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَكَانَ (¬4) يَقْرَأُ فيها (¬5) بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» (¬6). ¬

(¬1) «حدثنا»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 599. (¬2) في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه». (¬3) «وهي»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 599. (¬4) «كان»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 647. (¬5) «فيها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 647. (¬6) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، برقم 547، وفي لفظ للبخاري، برقم 771: «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ»، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، وهو التغليس، وبيان قدر القراءة فيها، برقم 647.

54 - عن علي (¬1) - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الخندق: «مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» (¬2). وفي لفظ لمسلمٍ «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْرِ»، ثُمَّ صَلاهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» (¬3). 55 - وله عن عبد اللَّه بن مسعود قال: «حَبَسَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ صلاة الْعَصْرِ، حَتَّى احْمَرَّتِ الشَّمْسُ أَوِ اصْفَرَّتْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْر، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً»، أَوْقال (¬4) «حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً» (¬5). 15 - قال الشارح - رحمه الله -: [الحديث الأول حديث أبي المنهال قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ. فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَاجِرَة الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «علي بن أبي طالب». (¬2) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، برقم 2931، ورقم 4111، و4533، و6396، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 627. (¬3) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 205 - (627). (¬4) «قال»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 627. (¬5) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 628.

تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ، الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنِ صَلاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ] (¬1) الرَّجُلَ جَلِيسَهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» (¬2)، يعني في الفجر. هذا حديث عظيم يدُلُّ على صفة أدائه - صلى الله عليه وسلم - للصلاة في أوقاتها الخمسة. تقدم حديث جابر بن عبداللَّه الأنصاري - رضي الله عنهما - في هذا المعنى, وهو موافق لما دل عليه حديث أبي برزة: أنه كان يصلي الظهر مبكراً في أول وقتها, إلا إذا اشتد الحر, فقد صحت الأحاديث عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يبرد بها، إذا اشتد الحر، أما إذا كان الوقت في الاعتدال؛ فإنه يبكر بها، بعد الأذان بوقت, إذا أذَّن أمهل حتى يتلاحق الناس، ويتوضأ المتوضئ، كان يصليها بعد الأذان بوقت, ويصلي قبلها أربعاً راتبة بتسليمتين، فإذا انتظر بعد الأذان: ربع ساعة، ثلث ساعة، ونحو ذلك، حتى يتلاحق الناس، كان مقارباً للسنة. أما العصر فكان يُبَكِّر بها أيضاً، تقدم في حديث جابر: كان يصليها والشمس حية، هنا يقول أبو برزة: يصليها في أول وقتها، «ثُمَّ يَرْجِعُ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين ساقط من التسجيل، ولكن هذا منهج الشيخ، وهو شرح بإعادة لفظ الحديث كما هو، فلا يضر. (¬2) رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» (¬1)، أي مرتفعة، هذا يدلنا على أنه يبكر بالعصر في أول الوقت، والشمس حية نقية. والمغرب تقدم في حديث جابر: أنها إذا وجبت، إذا غابت الشمس صلاَّها، أذَّن ثم صلوا بعد المغرب، كان لا يتأخر بعد الأذان، يمهل قليلاً، ثم يصليها، ويبكر بها أكثر من غيرها، المغرب كان الصحابة إذا أذن قاموا وصلوا ركعتين قبل المغرب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ»، ثُمَّ قَالَ في الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ» (¬2). والعشاء كان تارة يعجل, وتارة يؤخر, إذا رآهم عجَّلوا عجَّل, وإذا رآهم أبطؤوا أخرها؛ ولهذا قال أبو برزة: «وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ» (¬3)، ما كان يبادر بها - عليه الصلاة والسلام -؛ لأن الوقت غير ضيق، فكان يمهل فيها، حتى يتلاحق الناس, ويتجمَّع الناس. والفجر يصليها بغلس كما قال جابر، قال أبو برزة: «وكان ينفتل منها» , يعني ينصرف منها «حين يعرف الرجل جليسه»، من نور الصبح ما فيه سُرُج، في ذلك الوقت السرج قليلة، كان ينفتل منها يعني ينصرف منها حين يتضح النور في داخل المسجد، ويعرف الرجل ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53. (¬2) أخرجه أحمد، رقم 20552، وأبو داود، برقم 1289، وصحح إسناده محققو المسند، 3 - / 171، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 26، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 52. (¬3) رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53.

جليسه من دون سُرج، بل بنور الصبح، تقدم في حديث جابر: «كان يصلي الصبح بغلس»، وحديث عائشة كذلك: «كان يصلي الفجر بغلس»، والغلس اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، يعني صبحاً معه بقية ظلمة، «وكان يقرأ بالستين إلى المائة» يعني في الفجر يطول فيها أكثر من غيرها، يقرأ بالستين آية إلى مائة آية، في الفجر كان يطوِّل في الأولى ويقصِّر في الثانية، ويقرأ بـ «ق»، والذاريات، والطور، والنجم، هذه السور التي هي من طوال المفصل، و «يَقْرَأُ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ: بـ (ألم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)، وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ)» (¬1). يوم الجمعة، السنة في الفجر يوم الجمعة الإطالة بعض الشيء, وأن تكون أطول من بقية الصلوات، ثم يليها في الإطالة الظهر يطول فيها بعض التطويل - عليه الصلاة والسلام -. وفي حديث علي - رضي الله عنه -، وهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ابن عم النبي - عليه الصلاة والسلام - ورابع الخلفاء الراشدين، - رضي الله عنهم - جميعاً، وهكذا حديث ابن مسعود هو عبداللَّه بن مسعود الهذلي صحابي جليل، أخبرا - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت الأحزاب، وهو الخندق حين حاصر المشركون المدينة شغلوه ذات يوم، عن صلاة العصر حتى صلاها بعد المغرب، وقال: «شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْر، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً»، أَوْ قال: «حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، برقم 891، ومسلم، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة، برقم 879.

نَاراً» (¬1)، يدعو عليهم لأنهم شغلوه عن الصلاة، وصلاها بعد المغرب بعدما صلى العصر, وهذا في بعض أيام المحاصرة اشتد القتال, فلم يتمكن المسلمون من صلاة العصر, حتى قربت الشمس من الغروب, توضؤوا، وصلوا العصر, ثم صلوا بعدها المغرب، هذا يدل على أنه إذا اشتد الحرب، وعظم القتال، ولم يتيسر فعل الصلاة وقت الحرب؛ فإنها تؤخر، وتُصلى ولو بعد خروج الوقت للضرورة. أما إذا أمكن فعلها وقت الحرب، على أي نوع من أنواع صلاة الخوف لو ركباناً، ولو مشاة إذا أمكنت صلاتها صلوا، فإن لم يمكن لهم أخروا، كما أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب، أخرَّ العصر حتى صلاها بعد المغرب، وفي رواية أخرى: «أنه أخّر الظهر والعصر» (¬2) , اشتد القتال فأخّر الظهر والعصر، حتى ما صلاها إلا بعد المغرب، وهذا عذر شرعي [...] (¬3). وفيه من الفوائد: جواز الدعاء على الكفار بالهلاك والدمار، ودخول النار, لأنهم أهلها، ولاسيما إذا شغلوا المسلمين وحاربوهم. وفيه من الفوائد: الدلالة على أن العصر هي الصلاة الوسطى، الوسطى من الوسط، وهو الخيار، هي أفضل الصلوات، قبلها صلاتان نهاريتان، وبعدها صلاتان ليليتان، قبلها الفجر والظهر، وبعدها المغرب والعشاء، ¬

(¬1) رواه مسلم، برقم 628، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 53. (¬2) انظر: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب، برقم 4119. (¬3) ما بين المعقوفين: كلمة واحدة ليست واضحة.

فهي وسطى من جهة التوسط, وهي وسطى من جهة العدل والخيار، ولهذا قال اللَّه جل وعلا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (¬1) خصها بالذكر, وهي صلاة العصر. 56 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «أَعْتَمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعِشَاءِ، فَخَرَجَ عُمَرُ، فَقَالَ: الصَّلاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَقَدَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) ــ وَرَاسُهُ يَقْطُرُ مَاءً (¬3) ــ يَقُولُ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ــ أَوْ عَلَى النَّاسِ ــ لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاةِ (¬4) هَذِهِ السَّاعَةِ» (¬5). 57 - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي (¬6) - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ» (¬7). وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ (¬8). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 238. (¬2) «النبي - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) «ماء»: ليست في نسخة الزهيري، وهي عند مسلم، برقم 642. (¬4) في نسخة الزهيري: «بهذه الصلاة». (¬5) رواه البخاري، كتاب التمني، باب ما يجوز من اللوّ، برقم 7239، وبنحوه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها، برقم 642. (¬6) في نسخة الزهيري: «عن النبي». (¬7) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه، برقم 5465, ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 558. (¬8) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم 673، مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ... ، برقم 559، ولفظه: «إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه».

58 - وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ (¬1) - رضي الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقُولُ: «لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ، وَلا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (¬2). 59 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ ــ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ ــ أَنَّ النَّبِيَّ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ (¬4) الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ» (¬5). 60 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» (¬6). [قال المصنف - رحمه الله تعالى - (¬7): وفي البابِ عنْ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «ولمسلم عنها». (¬2) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 560. (¬3) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه». (¬4) في نسخة الزهيري: «تشرق». (¬5) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب لا صلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس، برقم 581، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، برقم 826. (¬6) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس، برقم 586، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، برقم 827. (¬7) «قال المصنف - رحمه الله تعالى -»: ليست في نسخة الزهيري.

وعبدِاللَّه بنِ مسعودٍ، وعبدِ اللهِ بنِ عمرَ (¬1)، وعبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وأَبي هريرةَ، وسَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ، وسَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، ومعاذِ بنِ عفراء، وكعبِ بنِ مُرَّةَ، وأَبي أُمامةَ الباهليِّ، وعمرِو بنِ عبسةَ السُّلَميِّ، وعائشةَ - رضي الله عنهم -، والصَّنابحيِّ، ولم يسمعْ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 61 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما -: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا». قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّانَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» (¬2)] (¬3). 16 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصلاة تتعلق بتأخيرها وبأوقات النهي. حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أعتم بالعشاء ذات ¬

(¬1) في نسخة الزهيري زيادة: «ابن الخطاب». (¬2) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، برقم 596، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، برقم 631. (¬3) من قوله: قال المصنف - رحمه الله -: وفي الباب عن علي بن أبي طالب إلى آخر حديث جابر هذا لم يقرأه القارئ على الشيخ، ولكن الشيخ - رحمه الله - شرحه مع حديث علي - رضي الله عنه - المتقدم قبل أحاديث برقم 54.

ليلة, فقال عمر: يا رسول اللَّه، الصلاة، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر، يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلَاةِ هَذِهِ السَّاعَةَ» (¬1). هذا الحديث يدل على فوائد: الفائدة الأولى: أنه لا مانع من تأخير العشاء بعض الوقت؛ وقد تقدم حديث أبي برزة - رضي الله عنه - قال: «كَانَ النبي يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ» (¬2). وتقدم في حديث جابر: «[أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -] كان إذا رآهم عجلوا عجلها, وإذا رآهم أبطؤوا أخرها». وكان يراعي اجتماعهم - عليه الصلاة والسلام -، إذا رآهم اجتمعوا وحضروا عجلها, وإلا أجلها - عليه الصلاة والسلام - حتى يجتمعوا. وفي الحديث دلالة على أنه قد يُعتم بها بعض الأحيان, يؤخرها إلى ثلث الليل وما حوله, ربما أخرها إلى حول نصف الليل, ويقول: «إنه لوقتها, لولا أن أشق على أمتي» دل ذلك على أمور: [1]- تأخيرها أفضل, إذا لم يكن فيه مشقة. [2]- وقتها الاختياري إلى نصف الليل. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 7239، ومسلم، برقم 642، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 56. (¬2) رواه البخاري، برقم 547، ومسلم، برقم 647، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 52.

[3]- لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل؛ لما في حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص بعند مسلم في الصحيح، قال - عليه الصلاة والسلام -: «وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ» (¬1) فإذا رأى أهل قرية تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل، أو ما حول ذلك، فلا بأس، وإلا فالسنة للإمام أن يعجلها بعض التعجيل، لا يبادر بها, لكن يراقبهم، ويتحرَّى اجتماعهم, فإذا اجتمعوا عجّل، وصلَّى. [4]- وفيه من الفوائد أيضاً: أن الإمام إذا تأخّر يُنبه, لأنه قد يشتغل, قد يعوقه عائق، فلا ينتبه لتأخيره فيُنبه: الصلاة يا فلان، الصلاة الوقت حضر، حتى ينتبه أن الوقت حضر، حتى لا يشق على الناس؛ ولهذا تقدم عمر فقال: الصلاة يا رسول اللَّه، كان بلال يتقدم إليه في بعض الأحيان، يقول: الصلاة يا رسول اللَّه. حضر الناس، أو حضر الوقت؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - قد يشغل في بعض الأحيان، فينبه أن الوقت قد حضر، فإذا جاز تنبيهه - صلى الله عليه وسلم -، وهو خير الخلق وأفضلهم، وهو رسول اللَّه، فغيره من باب أولى أن يُنبه. [5]- وفيه من الفوائد: جواز صلاة النساء والصبيان مع الناس, ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، برقم 173 - (612) في حديث طويل عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ورواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب وقت العشاء وتأخيرها، برقم 640، عن أنس - رضي الله عنه - قَالَ: أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ» وفي البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العشاء إلى نصف الليل، برقم 572.

لا بأس أن تصلي النساء مع الناس إذا كن متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة, لا رائحة، ولا تجمل, بل متسترات متحجبات بعيدات عن أسباب الفتنة, لا بأس؛ ولهذا كان كثير من النساء يصلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - متسترات متحجبات, ويقول لهن - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأة مست طيباً فلا تحضر معنا الصلاة» (¬1) , وفي لفظ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أمست بَخُورًا فَلاَ تُصَلّيْ مَعَنَا الْعِشَاءَ» (¬2). إذا خرجت على صفة ليست فيها فتنة, لا من جهة الطيب, ولا من جهة عدم التستر, فلا حرج؛ لأنهن قد يستفدن من الصلاة مع الجماعة، يعرفن: كيف الصلاة، وكيف ترتيبها، والخشوع فيها، والطمأنينة؟ قد يكون هناك حديث وموعظة يسمعنها فينتفعن بها، وصلاتهن في البيوت أفضل؛ لأن ذلك أبعد من الفتنة. وأما الصبيان ففيهم تفصيل: الصبي يصلي مع الجماعة إذا كان ابن سبع فأكثر, حتى يتمرن على العبادة, حتى يشهد الناس ويحضرهم, ويستفيد من أفعالهم, ويتأسى بهم، إذا بلغ عشراً ضُرِب على ذلك حتى يعتاد ذلك فيصلي, حتى يؤديها في الجماعة مع الناس. ¬

(¬1) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 442: عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا». (¬2) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 444، بلفظ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ».

كما جاء في الحديث: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (¬1). أما الصغار دون سبع فليسوا محلاً للصلاة, ولا يؤمروا بالصلاة, وليس هناك حاجة إلى حضورهم للمساجد, لأنهم قد يعبثون, قد يشوشون على الناس ويقطعون الصفوف فلا حاجة إلى إحضارهم, ولا ينبغي إحضارهم قبل السبع، الصغار: ابن أربع، وخمس، وست (¬2). وفي (¬3) حديث ابن عباس، وأبي سعيد دلالة على النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس, وعن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، هذه أوقات النهي من بعد صلاة الفجر إلى ارتفاع الشمس، ينهى عن الصلاة فيها، وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذان الوقتان للنهي, وهناك وقت ثالث، وهو عند قيامها, عند وقوفها قبل الزوال بقليل, يسمى وقت الوقوف، كذلك لا يصلى فيه صلاة النافلة, لأنه وقت نهي، هذه ثلاثة أوقات كلها أوقات نهي, وتعتبر خمسة إذا فُصِّل الوقت: بعد صلاة العصر (¬4) ¬

(¬1) مسند أحمد، 11/ 369، 6756 بلفظ: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ...». وحسّن إسناده محققو المسند، وصححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 1/ 266. (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط الثالث. (¬3) أول الوجه الثاني من الشريط الثالث. (¬4) أي إلى قرب الغروب.

قرب الغروب, ومن تضيِّف الغروب إلى الغروب, وبعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس, ومن طلوعها إلى أن ترتفع، والوقت الخامس عند قيامها، وهو وسط النهار حتى تزول. هي ثلاثة باختصار، خمسة ببسط بالتفصيل, ويستثنى من ذلك الصلوات ذات السبب، والصحيح أنه لا يُنهى عن الصلاة ذات السبب: كصلاة الطواف، إذا طاف بعد العصر في مكة، أو صلاة الكسوف، إذا كسفت الشمس مثلاً بعد العصر، أو تحية المسجد إذا دخل المسجد بعد العصر؛ ليجلس فيه ينتظر المغرب، أو لحاجة من الحاجات، أو بعد الفجر، هذه صلوات لها أسباب، فلا مانع من فعلها في وقت النهي على الصحيح؛ للأدلة الواردة في ذلك. كذلك حديث: «لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (¬1)، وفي حديث عائشة: «إِذَا حَضَرَتِ العشَاءُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ» (¬2). حديث ابن عمر أيضاً, وفي الحديث الرابع عن أنس: «إِذَا قُدِّمَ ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين، برقم 560. (¬2) مسند أحمد، 44/ 211، برقم 26589، ولفظه: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ»، وروى البخاري، برقم 5465: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ»، ومسلم، برقم 557 بلفظ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاء»، وتقدم تخريجه، ولفظ الإمام أحمد صححه لغيره محققو المسند، 44/ 211، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 1/ 69.

الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبَ» (¬1)، هذه الأحاديث, وما جاء في معناها كلها تدل على أنه إذا قُدِّم الطعام فابدءوا به, ولا يصلي بحضور الطعام؛ لأنه يتشوش قلبه، ولا يحصل له الخشوع، والسنة أن يبدأ بالطعام، ثم يُصلِّي، لكن لا يجوز أن يتخذ عادة, حتى يضيِّع صلاة الفريضة، لكن إذا صادف تقديم الطعام؛ فإنه يبدأ به، ولو فاتته الجماعة. ولهذا قال: «إذا حضر العشاء، وقدم العَشاء فابدؤوا بالعَشاء» (¬2)، حديث أنس «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ» يعني عند غروب الشمس «فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبِ» (¬3) , فابدؤوا قبل أن تصلوا المغرب، وحديث عائشة: «لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ» (¬4)، الأخبثان: البول والغائط, فإذا كان عنده ما يشغله فليتفرَّغ مما يشغله، كالبول، والغائط, وهكذا الطعام الحاضر يأكل منه قدر حاجته, حتى يأتي الصلاة وقلبه فارغ غير مشغول، حتى يؤديها بخشوع وبحضور قلب, لكن لا يجوز للمسلم أن يتخذ هذا عادة، ويطلب من أهله تقديم العشاء وقت الصلاة حتى يضيعها, ¬

(¬1) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، برقم 672 بلفظ: «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ»، وبنحوه في مسلم، برقم 557، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57. (¬2) البخاري بنحوه، برقم 5465، ومسلم، برقم 558، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57. (¬3) صحيح البخاري، برقم 672، ومسلم برقم 557، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 57. (¬4) أخرجه مسلم، برقم 560، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 58.

9 - باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها

هذا لا يجوز, وينكر عليه ذلك, إنما إذا صادف ذلك، ووجد الطعام حاضراً، بعد الأذان، أو صادف قوماً عندهم طعام حاضر قُدِّم فليبدأ, ولا يجعل ذلك عادة، ويتعمّد فعل ذلك, حتى يضيع الصلاة في المساجد؛ فإن هذا معناه: القصد إلى إضاعة الجماعة، والتملص منها, بحجة أنه أحضر الطعام بغير قصد, مع أنه فعل ذلك بقصد، وهو الذي طلب الطعام، وهو الذي أحضره ليتأخر عن صلاة الفريضة، هذا منكر لا يجوز له أن يفعل ذلك (¬1). 9 - باب فضلِ صلاة الجماعة ووجوبها (¬2) (¬3) 62 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنِ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» (¬4). 63 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفاً، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ - لا يُخْرِجُهُ إلا الصَّلاةُ-ـ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ ¬

(¬1) آخر الشرح في منتصف الوجه الثاني من الشريط الثالث، وباقي الشريط ممسوح. (¬2) في نسخة الزهيري: «باب فضل الجماعة ووجوبها». (¬3) هذه الأحاديث في باب صلاة الجماعة ووجوبها لم أجدها في جميع شروح سماحة الشيخ - رحمه الله - التي عندي، ولم أجدها أيضاً في شرح المؤسسة، ولا غيرها، واللَّه المستعان. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 645، ومسلم، واللفظ له، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم 650.

بها خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ (¬1)، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ» (¬2). 64 - عن (¬3) أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ (¬4) أَثْقَلَ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَما لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حِزَمٌ مِنِ حَطَبٍ، إلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» (¬5). 65 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا اسْتَاذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يَمْنَعُهَا»، قَالَ: فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبّاً سَيِّئاً، مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَقُولُ: وَاَللَّهُ لَنَمْنَعُهُنَّ؟» (¬6). ¬

(¬1) «اللهم اغفر له»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 445. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، برقم 647، ومسلم بنحوه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم 649. (¬3) في نسخة الزهيري: «وعنه». (¬4) «إن»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 252 - (651). (¬5) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة، برقم 657، ومسلم، واللفظ له، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم 252 - (651) (¬6) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، برقم 873، دون ذكر القصة، ومسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 34 - (442)، و35 - (442)، واللفظ لمسلم من الموضعين مع القصة.

فِي لَفْظٍ لمسلم (¬1): «لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» (¬2). 66 - عن عبد اللَّه بن عمر بقال: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا (¬3)، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» (¬4). وَفِي لَفْظٍ: «فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ: فَفِي بَيْتِهِ» (¬5). وَفِي لَفْظٍ للبخاري (¬6): أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ. وَكَانَتْ سَاعَةً لا أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا» (¬7). 67 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لَمْ يَكُنْ رسولُ اللَّه (¬8) - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وفي لفظٍ». (¬2) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة، برقم 136 - (442). (¬3) في نسخة الزهيري: «بعد الظهر». (¬4) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها، برقم 937، وأبواب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم 1165، واللفظ له، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن، برقم 729. (¬5) رواه البخاري، أبواب التهجد، باب التطوع بعد المكتوبة، برقم 1172، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن، برقم 729. (¬6) «للبخاري»: ليست في نسخة الزهيري. (¬7) رواه البخاري، أبواب التهجد، باب التطوع بعد المكتوبة، برقم 1173. (¬8) في نسخة الزهيري: «النبي».

10 - باب الأذان

منَ النَّوافِلِ أَشّدَّ تَعاهُدَاً مِنْهُ على ركْعَتَي الفَجْرِ» (¬1). وفي لفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها» (¬2). 10 - بابُ الأَذانِ (¬3) 68 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ» (¬4). 69 - عن أبي جحيفة - وهب بن عبد اللَّه السُّوَائِيِّ - قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنِ أَدَمٍ - قَالَ: فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضُوءٍ، فَمِنْ نَاضِحٍ وَنَائِلٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعَلَيْهِ (¬5) حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، حتى (¬6) كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ - يَمِيناً وَشِمَالاً -: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ; حَيَّ عَلَى ¬

(¬1) رواه البخاري، أبواب التهجد، باب تعاهد ركعتي الفجر، ومن سماها تطوعاً، برقم 1169، بلفظٍ في أوله: «لم يكن النبي ...»، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن، برقم 94 - (724). (¬2) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن، برقم رقم 725. (¬3) هذه الأحاديث في باب الأذان لم نجدها في شرح سماحة الشيخ - رحمه الله -، واللَّه المستعان. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان مثنى مثنى، برقم 605، وفيه: «... ويوتر الإقامة إلا الإقامة»، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، برقم 378. (¬5) في نسخة الزهيري: «عليه» بدون واو. (¬6) «حتى»: ليست في نسخة الزهيري.

الْفَلاحِ، ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ، فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ والعصر رَكْعَتَيْنِ (¬1). ثُمَّ لم يَزَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ» (¬2). 70 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ (¬3) قال: «إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّن (¬4) ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» (¬5). 71 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ (¬6)» (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فتقدم فصلى الظهر ركعتين، ثم صلى العصر ركعتين». (¬2) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب استعمال فضل وضوء الناس، برقم 187، وهو مفرق في مواضع،376، 495، 499، 501، 633، 634، 3553، 3566، 5786، 5859، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 503. (¬3) «أنه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) في نسخة الزهيري: «حتى تسمعوا أذان»، والذي في المتن هو في البخاري، برقم 2656. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره، برقم 617، وباب الأذان قبل الفجر، برقم 622، و623، وكتاب الشهادات، باب شهادة الأعمى، برقم 2656، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى ... ، برقم 1092، وفيه: «... ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا» .. (¬6) «المؤذن»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 611. (¬7) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول إذا سمع المنادي، برقم 611، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يسأل اللَّه له الوسيلة، رقم 383، واللفظ له.

11 - باب استقبال القبلة

11 - باب استقبالِ القبلة (¬1) 72 - عن ابنِ عمر (¬2) - رضي الله عنهما -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِه، حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَاسِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» (¬3). وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ» (¬4). وَلِمُسْلِمٍ: «غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» (¬5). وَلِلْبُخَارِيِّ: «إلاَّ الْفَرَائِضَ» (¬6). 73 - عن ابنِ عُمَرَ (¬7) - رضي الله عنهما - قال: «بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ ¬

(¬1) هذه الأحاديث في باب استقبال القبلة لم نجدها في الأشرطة من شرح سماحة الشيخ - رحمه الله -، واللَّه المستعان. (¬2) في نسخة الزهيري: «عن عبد اللَّه بن عمر». (¬3) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها، بلفظه، برقم 1105، ومسلم بنحوه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم 37 - (700). (¬4) البخاري، كتاب الوتر، باب الوتر على الدابة، برقم 999، ولفظه: «كان يوتر على البعير»، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 38 - (700)، ولفظه: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - «يوتر على راحلته». (¬5) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم 39 - (700)، وهو أيضاً لفظ البخاري، برقم 1098. (¬6) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب ينزل للمكتوبة، برقم 1097، ولكن بلفظ: «ولم يكن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في المكتوبة». (¬7) في نسخة الزهيري: «عن عبد اللَّه بن عمر».

12 - باب الصفوف

الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ» (¬1). 74 - عن أنس بن سيرين قال: «اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَوَجْهُهُ مِنِ ذَا الْجَانِبِ ــ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ ــ فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُهُ مَا فَعَلْتُهُ (¬2)» (¬3). 12 - بابُ الصُّفوفِ (¬4) 75 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ (¬5) مِنِ تَمَامِ الصَّلاةِ» (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب ما جاء في القبلة ... ، بلفظه، برقم 403، وكتاب التفسير، باب {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ}، برقم 4491، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، برقم 526. (¬2) في نسخة الزهيري: «لم أفعله». (¬3) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب صلاة التطوع على الحمار، برقم 1100، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم 702. (¬4) هذه الأحاديث في باب الصفوف لم نجدها في الأشرطة من شرح سماحة الشيخ - رحمه الله -، واللَّه المستعان. (¬5) في نسخة الزهيري: «تسوية الصف»، ولفظ المتن هو لفظ البخاري، برقم 723. (¬6) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، وفيه: «إقامة الصلاة» بدل: «تمام الصلاة»، برقم 723، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 433.

76 - عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، قال: سَمِعْتُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» (¬1). وَلِمُسْلِمٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا، حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ، حَتَّى رَأَى أَنْ قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» (¬2). 77 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ له (¬3)، فَأَكَلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ»، قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنِ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنِ وَرَاءِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، بلفظه، برقم 717، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولي الفضل، وتقريبهم من الإمام، برقم 436. (¬2) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، وفضل الأول فالأول منها، والازدحام على الصف الأول والمسابقة إليها، وتقديم أولي الفضل، وتقريبهم من الإمام، برقم 128 - (436). (¬3) «له»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 380. (¬4) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير، برقم 380، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، برقم 658.

13 - باب الإمامة

وَلِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَو خَالَتِهِ، قَالَ (¬1): فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» (¬2). اليتيمُ: هو (¬3) ضُميرة جدُّ حسين بن عبداللَّه بن ضميرة. 78 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَاسِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» (¬4). 13 - بابُ الإِمامةِ (¬5) 79 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَاسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَاسَهُ رَاسَ حِمَارٍ ـ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ (¬6) صُورَتَهُ ـ صُورَةَ حِمَارٍ؟» (¬7). 80 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ ¬

(¬1) «أو خالته، قال»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات، برقم 269 - (660). (¬3) في نسخة الزهيري: «قيل: هو ضميرة». (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم ينوِ الإمام أن يؤم، برقم 699، وكتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل، برقم 6316، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 763. (¬5) هذه الأحاديث في باب الإمامة لم نجدها مسجلة في شرح سماحة الشيخ - رحمه الله -، واللَّه المستعان. (¬6) «اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 691. (¬7) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام، برقم 691، ومسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، برقم 427.

لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ (¬1) رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ» (¬2). 81 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فصَلَّى جَالِساً، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاماً، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ: أَنِ اجْلِسُوا فلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا ولَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ» (¬3). 82 - عن عبد اللَّه بن يزيد الخطمي الأنصاري - رضي الله عنه - قال: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ ــ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ ــ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» (¬4). ¬

(¬1) «اللهم»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 414. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة، برقم 722، ورقم 734، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، واللفظ له، برقم 414. (¬3) رواه البخاري، كتاب أبواب تقصير الصلاة، باب صلاة القاعد، برقم 1113، وهو في البخاري في عدة مواضع، منها: رقم 688، و1213، 5658، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 412. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب متى يسجد من خلف الإمام، برقم 690 بلفظه، وباب السجود على سبعة أعظم، برقم 811، ومسلم، كتاب الصلاة، باب متابعة الإمام والعمل بعده، برقم 474.

83 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَامِينُهُ تَامِينَ الْمَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ذَنْبِهِ» (¬1). 84 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» (¬2). 85 - عن أبي مسعود الأنصاري البدري (¬3) - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنِ أَجْلِ فُلانٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فيها (¬4)، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنِ وَرَاءِهِ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب جهر الإمام بالتأمين، بلفظه، برقم 780، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين، برقم 409، و410. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، برقم 703، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 467. (¬3) «البدري»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) «فيها»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، برقم 7159، بلفظه في آخره: «... فإن فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة»، وفي كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، برقم 90 بلفظ: «.... فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة»، وفي كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود، برقم 702، ولفظه: «فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة»، وفي باب من شكا إمامه إذا طوّل، برقم 704، ولفظه: «فإن خلفه الضعيف، والكبير، وذا الحاجة»، وفي كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللَّه، برقم 610، ولفظه: «فإن فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة»، وفي رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - في البخاري، برقم 703، ومسلم، برقم 467: «فإن منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه، فليطوّل ما شاء»، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 466، وليس في جميع روايات البخاري، ومسلم التي بين أيدينا لفظ: «الصغير» من حديث أبي مسعود، وإنما جاء لفظ «الصغير» في صحيح مسلم، برقم 467، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: «إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، فإذا صلى وحده، فليصل كيف شاء».

14 - باب صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -

14 - بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) 86 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ (¬2) سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنِ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنِ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ (¬3) وَالْبَرَدِ» (¬4). ¬

(¬1) بداية الوجه الأول من الشريط الرابع، سُجِّل بتاريخ 29/ 3/ 1409هـ. (¬2) في نسخة الزهيري «رأيت»، وما في المتن هو في مسلم، برقم 598. (¬3) في نسخة الزهيري: «بالثلج والماء» قدم الثلج على الماء، وهو لفظ مسلم، برقم 598، وما في المتن هو في البخاري، برقم 744. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 744، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم 598.

87 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكَانَ إذَا رَكَعَ، لَمْ يُشْخِصْ رَاسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِداً، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ» (¬1). 17 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الشريفان يتعلقان ببيان صفة صلاة النبي - عليه الصلاة والسلام - , وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة ذكرها المؤلف, منها ما يأتي في هذا الباب. والمشروع للمؤمن التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وسائر أفعاله, كما قال اللَّه - عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬3)؛ ولهذا ذكر أهل العلم باباً خاصاً لبيان صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليتأسى المؤمن به ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به ... ، برقم 498، وليس الحديث عند البخاري. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬3) البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة، برقم 631.

في ذلك على بصيرة، ومن ذلك الاستفتاح في أولها، كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة كبر, يفتتحها بالتكبير, سواء كانت فريضة أو نافلة, ولهذا في الحديث: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (¬1). فمفتاحها الطهارة الشرعية, والتحريم الذي يدخل به فيها التكبير, والتحليل التسليم. ولهذا ذكر في حديث عائشة هنا «أنه كان يفتتح الصلاة بالتكبير»، كما في حديث علي: «تحريمها التكبير» (¬2). وبعد التكبير يستفتح، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ يعني أفديك بأبي وأمي، قوله: (بين التكبير والقراءة) دل على أنه يفتتح بالتكبير كما دل عليه حديث عائشة وغيره، قَالَ «أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (¬3) , هذا نوع من الاستفتاحات ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3.وصححه لغيره محققو المسند، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 102: «إسناده حسن صحيح». وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 2. (¬2) أخرجه الإمام أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3. وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 2. (¬3) أخرجه مسلم، برقم 598، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86.

الصحيحة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -. وهو وحديث ابن عباس أصح ما ورد في ذلك (¬1) - وهناك استفتاحات عدة صحت عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، إذا استفتح المؤمن بواحدة منها أو المؤمنة - حصل المقصود, وهذا التأسي للرجال والنساء. عليهم أن يتأسوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬2). ومن ذلك أن يستفتح إذا كبر في الصلاة يستفتح, ويقول: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ» (¬3). وهذا أصح ما ورد في استفتاحات الصلاة الفريضة. وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - استفتاحات أخرى, منها حديث عمر وأبي سعيد، ¬

(¬1) أخرج البخاري عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنتَ ملك السَّموَاتِ وَالأرْضٍ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ». البخاري، أبواب التهجد، باب التهجد بالليل، برقم 1120، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 769. (¬2) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86. (¬3) البخاري، برقم 744، ومسلم، برقم 598، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86.

وعائشة وغيرهم: أنه كان يستفتح بـ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ» (¬1) وهذا الاستفتاح جاء من عدة أحاديث عن عدد من الصحابة، وهو أخصرها، وهو مختصر يسهل على كل مؤمن ومؤمنة حفظه: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ»، وهو نوع من الاستفتاحات الصحيحة, ومعنى: «سبحانك اللَّهم وبحمدك» أي أنزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن كل نقص، وعن كل عيب، «وبحمدك» أي أثني عليك. الحمد: الثناء، «وتبارك اسمك» يعني: البركة تنال بذكرك - سبحانه وتعالى -، قد بلغت البركة النهاية - سبحانه وتعالى -، فكل بركة فهي منه جل وعلا، تبارك اللَّه رب العالمين. «وتعالى جدك» يعني: عظمتك وكبرياؤك، جد اللَّه: عظمته؛ لأن اللَّه لم يلد ولم يولد، ليس له أبٌ ولا جد، إنما هي عظمته، تعالى جدك يعني: عظمتك، وكبرياؤك. «ولا إله غيرك» أي: لا معبود بحق سواك - سبحانه وتعالى -، هذا معنى «لا إله»: لا معبود بحق سواك جل وعلا. هناك آلهة باطلة كثيرة: من أصنام، وأشجار، وأموات، والجن، وغير ذلك, لكنها باطلة يعبدها الناس وهي باطلة, لا تجوز عبادتهم، الإله الحق هو اللَّه - سبحانه وتعالى - رب السموات، ورب الأرض، ورب كل شيء، كما قال اللَّه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (¬2). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم 399. (¬2) سورة الحج، الآية: 62.

وهناك استفتاحات أخرى، كان يستفتح بها في الليل - عليه الصلاة والسلام -، ولا مانع من استعمالها بالنهار، وفي كل فريضة، ومنها حديث عائشة رواه مسلم في الصحيح، كان يستفتح إذا قام من الليل: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (¬1)، هذا استفتاح عظيم، كان يستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيام صلاة الليل، ولا مانع من الاستفتاح به حتى في النهار: تشريعاته - صلى الله عليه وسلم - تعمّ الليل والنهار في الصلاة. كذلك حديث ابن عباس في الصحيحين: كان يستفتح إذا قام في التهجد يقول: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيّومُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ ملك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ, وَمُحَمِّدٌ حَقٌ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتً، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 770.

أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وأنْتَ المُؤَخِّرً، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» (¬1). ¬

(¬1) البخاري، أبواب التهجد، باب التهجد من الليل، برقم 1120، وكتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ بِالحَقِّ}، برقم 7385، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذِ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، برقم 7442، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 769، وكله بألفاظ متقاربة، وهي على النحو الآتي، بدءاً بروايات البخاري: 1 - حديث البخاري رقم1120: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ - أَوْ: لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». 2 - وحديث رقم 7385: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ». 3 - وحديث رقم 7442: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». 4 - وحديث مسلم: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَأَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ».

وهناك استفتاحات أخرى، فإذا استفتح الإنسان بواحد منها فيما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حصلت السنة, ولكن أصحها ما تقدم عن أبي هريرة في صلاة الفريضة: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» (¬1)، يسأل ربه أن يطهره من الذنوب بأنواع التطهير, ويباعد بينه وبين الذنوب أشد مباعدة؛ لأن شرها عظيم, والذنوب هي سبب الخسارة والنقص والهلاك في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان يسأل ربه أن يباعد بينه وبينها وينقيه منها. والحديث الثاني حديث عائشة لعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه كَانَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}»، وهذا رواه مسلم في الصحيح (¬2) ليس على شرط المؤلف, بل من رواية مسلم، شرط المؤلف ما اتفق عليه الشيخان, لكن هذا رواه مسلم في الصحيح، كان يفتتح الصلاة بالتكبير كما تقدم، بقوله: «اللَّه أكبر» هذا أول شيء في الصلاة، لا تنعقد إلا بهذا إذا قام بنية الصلاة ¬

(¬1) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 744، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم 598. (¬2) رواه مسلم، برقم 498، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 87.

استقبل القبلة, يقول: «اللَّه أكبر»؛ لهذا قال النبي للمسيء في صلاته: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ» (¬1) هذا أول شيء, يستفتح به مع النية «اللَّه أكبر» حال كونه طاهراً مستقبل القبلة؛ ولهذا في الحديث الصحيح: «إِذَا قُمْتَ إِلَى صَلاَتِك فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، ثم كَبِّرْ، ثمَّ اقْرا مَا تَيَسَّرَ لكَ مِنَ القُرْآنِ» (¬2)، فكان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد للَّه رب العالمين، وهذا يدل على أنه يُسرّ بالاستفتاح، ويُسرّ بالتعوذ والتسمية يأتي بها سراً، ولهذا [قالت عائشة - رضي الله عنها -] كان يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد للَّه، يعني جهراً، أما الاستفتاح والتعوذ والتسمية هذه تكون سراً. وكان إذا ركع لم ينكس رأسه، ولم يصوِّبه، إذا ركع يسوي ظهره برأسه، ما يصح رفع رأسه ولا خفضه، ولكن بين ذلك، رأسه حيال ظهره، «لم يشخصه» يعني: يرفعه، و «لم يصوبه» يعني: يخفضه، ولكنه يجعله حيال ظهره - عليه الصلاة والسلام - هذه السنة، ويقول: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» (¬3)، «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 793، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397. (¬2) هو حديث المسيء صلاته السابق، البخاري، برقم 793، ومسلم، برقم 397. (¬3) انظر: صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم 772، ومسند الإمام أحمد، 38/ 392، برقم 23375، وسنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 874، وسنن النسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر، برقم 1133، صححه محققو المسند، 38/ 393، والألباني في صحيح أبي داود، 4/ 28.

وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (¬1)، هكذا يقال في الركوع. فالواجب مرة سبحان ربي العظيم، والباقي سنة مؤكدة، ومن السنن قول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ» (¬2)، «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (¬3)، ثم يرفع بعدما يأتي بما تيسر من الذكر بعدما يستقر ويطمئن، ويرجع كل فقار إلى مكانه، يرفع رأسه قائلاً: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» (¬4)، هكذا يقول الإمام والمنفرد، والمأموم يقول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» (¬5) عند الرفع فإذا استوى, يقول: «مِلْءَ السَّمَوَاتِ ...» (¬6) إلى آخره. والأفضل أن يقول: «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 484. (¬2) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 487. (¬3) مسند أحمد، 39/ 405، برقم 23980، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 873، والنسائي، كتاب التطبيق، نوع آخر من الذكر في الركوع، برقم 1149، وقوّى إسناده محققو المسند، 39/ 405، وصحح إسناده الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 27. (¬4) البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 795، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، إلا رفعه من الركوع، فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 392. (¬5) رواه البخاري، برقم 1113، ومسلم، برقم 411، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 81. (¬6) مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم 471.

فِيهِ» (¬1) , «مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَاوَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» (¬2)، والواجب «ربنا ولك الحمد»، أو «اللَّهم ربنا ولك الحمد»، والباقي سنة وكمال، وإن زاد «أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (¬3)، هذا أكمل، كما كان يفعل - عليه الصلاة والسلام -. وإذا سجد اطمأن في سجوده واعتدل, حتى يرجع كل فقار إلى مكانه, وإذا رفع من السجدة الأولى اعتدل بين السجدتين ولا يعجل, مثل ما يعتدل بعد الركوع, ويطمئن ولا يعجل، وهكذا بين السجدتين يفرش رجله اليسرى, وينصب رجله اليمنى يجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويعتدل ولا يعجل, يقول: «سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى، سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى» (¬4) والواجب مرة، والباقي سنة, يكرر ذلك: ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر: سنة، ويقول أيضاً: «سُبْحَانَكَ ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأذان، باب، برقم 799. (¬2) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 206 - (477)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم 760، وبنحوه مسند أحمد، 5/ 450، برقم 3498، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة، برقم 3423. (¬3) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم 478. (¬4) مسلم، برقم 772 بالتسبيح مرة واحدة، وهذا لفظ الإمام أحمد، 38/ 392، برقم 23375، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (¬1)، «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ» (¬2)، ويقول ما تيسر مع ذلك: «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» (¬3) , يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء, وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو في السجود يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ، وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ» (¬4). وكان يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (¬5). ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (¬6)، أي: حري أن يُستجاب لكم. «وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ» (¬7)، كل ركعتين يقرأ فيهما التحيات في الفريضة، يقرأ التحيات، ثم يرفع للثالثة، ثلاثية المغرب أو ¬

(¬1) البخاري، برقم 794، ومسلم، برقم 484، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87. (¬2) مسلم، برقم 487، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87. (¬3) مسند أحمد، 39/ 405، برقم 23980، وأبو داود، برقم 873، والنسائي، برقم 1149، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87. (¬4) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 483. (¬5) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 482. (¬6) مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم 479. (¬7) مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به، ويختم به، وصفة الركوع ... ، برقم 498.

رباعية: الظهر، والعصر، والعشاء، يعني لها تشهُّدان، إذن هذه الصلوات الأربع فيها تشهدان بعد الركعتين, يجلس يقرأ التحيات, والأفضل يُصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم - , ثم ينهض في الثالثة رافعاً يديه كما يرفع يديه عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، هكذا يفعل بيديه حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند قيامه إلى الثالثة بعد التشهد الأول، وفي النافلة يُسلِّم من كل ثنتين: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» (¬2) , والأفضل أن يسلم من كل ثنتين, وإن أوتر في الليل بخمس، أو ثلاث سرداً فلا بأس, لكن الأفضل أن يسلم من كل ثنتين, فلا يصلي أربعاً جميعاً, ويسلم من كل ثنتين. «صلاة الليل مثنى مثنى» هذا بمعنى الأمر ورد في السنن «صلاة الليل والنهار»، فهذه الزيادة صحيحة، زيادة (النهار)، فالسنة في النهار والليل أن يصلي ثنتين ثنتين تطوعاً. وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى» يعني بين السجدتين ¬

(¬1) البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 990، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، برقم 749. (¬2) مسند أحمد، 9/ 130، برقم 5122، وسنن أبي داود، كتاب التطوع، باب في صلاة النهار، برقم 1297، وسنن الترمذي، باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 597، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 1322، وصححه محققو المسند، 9/ 130، دون كلمة «النهار»، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 240 ..

والتشهد الأول، أما التشهد الأخير كان يتورك, يخرج رجله اليسرى من جهة اليمين، ويجلس على مقعدته, كما ثبت هذا في حديث أبي حميد في الصحيحين، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، عقبة الشيطان، أو يقال: عقب الشيطان (¬1): الإقعاء يشبه إقعاء الكلب: ينصب ساقيه وفخذيه، ويعتمد على يديه على الأرض، هذه عقبة الشيطان، وهي إقعاء الكلب والسبع, لا يفعل هذا, لا يقعي كما يقعي الكلب, يعني: ينصب ساقيه وفخذيه، ويعتمد على يديه، هذا الجلوس لا, لكن يفرش اليسرى وينصب اليمنى، ويجعل يديه على فخذيه، أو ركبتيه بين السجدتين وحال التشهد, إلا أنه في حال التشهد يقبض الخنصر والبنصر من يمناه، ويشير بالسبابة، أو يقبض أصابعه كلها، ويشير بالسبابة، هكذا السنة، بين السجدتين يبسطهما على فخذيه، أو على فخذيه وركبتيه، كما ثبت هذا عن النبي - عليه الصلاة والسلام -. وكان يختم الصلاة بالتسليم في النهاية بالسلام، كما بدأ بالتكبير يختم بالتسليم، تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (¬2). ¬

(¬1) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به، ويختم به، وصفة الركوع ... ، برقم 498 عن عائشة - رضي الله عنها -: «... كَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاَةَ بِالتَّسْلِيمِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ». (¬2) رواه أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3، وابن ماجه، برقم 275، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 3.

الصلاة تبدأ بالتكبير، وتختم بالسلام, هذه الصلاة الشرعية: أقوال وأفعال، تبدأ بالتكبير، وتختم بالتسليم, هذه هي الصلاة, ومنها صلاة الجنازة, تبدأ بالتكبير، وتختم بالتسليم. 88 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ بيَدَيْهِ (¬1) حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» (¬2). 89 - عن ابن عباس (¬3) - رضي الله عنهما - قال:: قال: رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، عَلَى الْجَبْهَةِ ــ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ ــ وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» (¬4). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «يديه»، وهي في صحيح البخاري، برقم 735، ومسلم، برقم 390. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، برقم 735، بلفظ: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه ...»، وبرقم 736، ورقم 738، ورقم 739، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، برقم 390 بلفظ: «رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه»، كل ألفاظ البخاري ومسلم بلفظ: «يديه»، وليس فيها: «بيديه»، فلعلها في نسخة عند المؤلف، أو خطأ من الناسخ، واللَّه أعلم. (¬3) في نسخة الزهيري: «عن عبد اللَّه بن عباس». (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب السجود على سبعة أعظم، برقم 809، ورقم 810، وفي باب السجود على الأنف بلفظه، برقم 812، وفيه: «ولا نكفت الثياب ولا الشعر»، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، برقم 230 - (490)، وفيه: «وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلاَ الشَّعْرَ»، وفي مسلم، برقم 28 - (490)، «ولاَ أكُفّ ثَوْباً، وَلاَ شَعْراً»، وفي البخاري، برقم 810: «أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوباً، ولا شعراً».

90 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكوع (¬1)، ثُمَّ يَقُولُ ــ وَهُوَ قَائِمٌ ــ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي ساجداً (¬2)، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَاسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَع رَاسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاتِهِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا. وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ» (¬3). 18 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق ببيان صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقد تقدم أن الواجب على الأمة التأسي به - عليه الصلاة والسلام -، وأن يصلوا كما صلى؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬4)، ومن ذلك أنه «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَيالَ مَنْكِبَيْهِ، إذا افتتح الصَّلاة، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «من الركعة»، وهي في البخاري، برقم 789. (¬2) «ساجداً»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 28 - (392). (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب التكبير إذا قام من السجود، برقم 789، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع، فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 28 - (392). (¬4) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.

وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» (¬1)، هكذا رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متفق على صحته. زاد في رواية: «ويرفع يديه إذا قام من الثنتين بعد الجلوس» (¬2) وهكذا جاء من حديث علي (¬3) وغيره. فدلَّ ذلك على أن السنة للمصلي إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، أن يرفع يديه حيال منكبيه عند الإحرام، إذا كبر عند الإحرام، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع, وإذا قام إلى الثالثة من الثنتين. هذه أربعة مواضع, يرفع يديه فيها حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه، جاء هذا وهذا عن النبي - عليه الصلاة والسلام -، وربما فعل هذا, وربما فعل هذا. ولا يفعل هذا في السجود، ما كان يرفع يديه في السجود، لا انخفاضاً ولا رفعاً، ومثل هذا في صلاة الجنازة، يرفع يديه في التكبيرات الأربع، وهو السنة في الأولى والثانية والثالثة والرابعة، يكبر رافعاً يديه حيال منكبيه، أو حيال أُذنيه كما يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الفريضة. الثاني حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أُمِرْتُ أَنْ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 735، ومسلم، برقم 390، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 88. (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة، برقم 741، وباب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين، برقم 744، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 331. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، برقم 744، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 331.

أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ ــ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ ــ وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَالْيَدَيْنِ» (¬1)، هذه سبعة: الوجه مع الأنف، الجبهة مع الأنف واحد، والكفين يبسطهما على الأرض ويرفع ذراعيه، والركبتين هذه خمسة، وأطراف القدمين يعني أطراف الأصابع: أصابع الرجلين, يعتمد عليها، هذا هو السنة، هذه سبعة، والسجود على الأعضاء السبعة فرض لا بد منه؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، «أُمِرْتُ» والأمر له أمرٌ للأمة، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬2)، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة أن يسجد على سبعة الأعظم, يعني على هذه الأعضاء السبعة: وجهه: يعني جبهته وأنفه، وعلى كفيه، وعلى ركبتيه، وعلى أطراف قدميه, يعني: أصابع قدميه، وهذا للرجال والنساء جميعاً، تعمُّ الرجال والنساء جميعاً, ليس خاصاً بالرجال؛ بل هذا للجميع، وهكذا. الحديث الثالث: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو عبدالرحمن بن صخر الدوسي من دوس، يُخبِّر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قام إلى الصلاة كبَّر أول ما يقوم، هذه تكبيرة الإحرام، وهي الأولى, هذه فريضة, لا بد منها عند جميع أهل العلم, لا بد من التكبيرة الأولى ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 809، ومسلم، برقم 230 - (490)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 91. (¬2) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.

بنية الصلاة: «اللَّه أكبر» ويقال لها تكبيرة الإحرام، وفي الحديث «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (¬1)، وهذه لا بد منها في الفرض والنفل، ثم يكبر ثانية حين يركع، ثم يقول «سمع اللَّه لمن حمده» حين يرفع من الركوع، ثم بعد أن يستوي يقول: «ربنا ولك الحمد»، أو «اللَّهم ربنا لك الحمد» , وجاء في الأحاديث الأخرى أنّه يزيد: «مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ...» (¬2)، وجاء في الحديث الآخر أنه يقول: ««رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ» (¬3) , «مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ ...» (¬4). هذا كله من كمال الحمد، والواجب: ربنا ولك الحمد, أو اللَّهم ربنا ولك الحمد, والباقي من كمال السنة، وزاد في رواية: «أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ (يعني يا أهل الثناء والمجد) أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (¬5)، كل هذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، حال انتصابه بعد الركوع، والمأموم والمنفرد، كذلك المأموم يأتي بهذا، إلا إذا انحط ¬

(¬1) رواه أحمد، 2/ 292، برقم 1006، وأبو داود، برقم 618، والترمذي، برقم 3، وابن ماجه، برقم 275، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771. (¬3) البخاري، برقم 799، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬4) مسلم، برقم 771، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬5) مسلم، برقم 478، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87.

الإمام ساجداً تبعه، ولو ما تمم هذا الشيء، ثم يكبر حين يهوي ساجداً, ولا يرفع يديه، يكبر دون رفع يديه، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الأولى، ثم يكبر للسجدة الثانية، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الثانية، وهكذا في جميع صلاته حتى يقضيها، يكبر لكل خفض ورفع, وهكذا يجب على المأمومين والمنفرد أن يصلي كما صلى النبي - عليه الصلاة والسلام -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬1). ويقول بين السجدتين: (رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللَّهم اغفر لي، وارحمني، واهدني واجبرني، وارزقني وعافني) يدعو ويقول في الركوع: «سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» كل هذا جاء في الركوع, وهكذا السجود يقول مثل ذلك, إلا أنه يقول في السجود: «سبحان ربي الأعلى» بدل «سبحان ربي العظيم» يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى؛ فإن السجود حال ذل وانخفاض, يناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى. لأنه سبحانه العالي فوق خلقه، فيقول: سبحان ربي الأعلى، يكررها ثلاثاً أو أكثر، ويقول: سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك، اللَّهم اغفر لي، ويقول سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح ¬

(¬1) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.

قدوس رب الملائكة والروح، يقول ما يتيسر من ذلك، ويدعو في السجود، والدعاء في السجود حري بالإجابة في الفرض والنفل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (¬1)، يستحب إكثار الدعاء في السجود, لأنه حالة خضوعٍ، وَذُلٍّ، وانكسارٍ، فناسب فيه الدعاء. 91 - عن مُطرِّف بن عبد اللَّه قال: «صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (¬2) - رضي الله عنه -. فَكَانَ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: صَلَّى بِنَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). 92 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ فَجِلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (¬4). ¬

(¬1) مسلم، برقم 482، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬2) في نسخة الزهيري: «صليت خلف عليِّ بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين» فيها تقديم وتأخير، وهي في البخاري، برقم 786، والذي في المتن في البخاري، برقم 826. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود، برقم 786، ومسلم، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة، إلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع اللَّه لمن حمده، برقم 393. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب حد إتمام الركوع، والاعتدال فيه، والطمأنينة، برقم 792، ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 471، واللفظ له.

وفي رواية البخاري: «مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (¬1). 93 - عن ثابت البناني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا كَانَ (¬2) رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا ــ قَالَ ثَابِتٌ: ــ فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئاً لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، انْتَصَبَ قَائِماً، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، مَكَثَ، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» (¬3). 19 - قال الشارح - رحمه الله -: [...] (¬4) ونحن مأمورون بالتأسي به, وأن نصلي كما صلى، كما قال اللَّه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (¬5)، وفي صحيح البخاري - رحمه الله - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬6). في حديث عمران بن حصين عن عَلِيِّ أنه كان صلى بهم مثل ¬

(¬1) البخاري، برقم 792 (¬2) في نسخة الزهيري: «كما رأيت»، وهي في البخاري، برقم 821، ومسلم، برقم 472. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم 800، ومسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 472، واللفظ له. (¬4) سقط كلمات من آخر الوجه الأول من الشريط الرابع، ولم أجدها في تسجيل مؤسسة الشيخ، ولا في غيرها. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬6) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86.

صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ عمران: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عليٌّ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا قام مِنَ الثنتين بعد الجلوس إلى الثالثة كَبَّرَ (¬1). وتقدم أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قد أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع، يكبر عند الإحرام، يكبر عند الركوع وإذا رفع من الركوع قال: «سمع اللَّه لمن حمده» , وإذا هوى ساجداً كبر، وإذا رفع من السجدة كبر، وإذا سجد للثانية كبر، وإذا رفع كبر، حتى قضى صلاته - عليه الصلاة والسلام - (¬2). هذا هو المشروع: هذه التكبيرات تكبيرات النقل مشروعة بإجماع المسلمين: للإمام، والمأموم، والمنفرد، وإنما الخلاف في وجوبها هل تجب أم لا تجب؟ أما الأولى: تكبيرة الإحرام هذه فرض عند الجميع، وهي تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها. وأما التكبيرات الأخرى كتكبيرة الركوع والسجود (¬3): [فذهب أكثر الفقهاء إلى عدم وجوبها؛ لأن الواجب عندهم من أعمال الصلاة ما ذكر في حديث المسيء في صلاته، وهذه التكبيرات لم ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 786، ومسلم، برقم 393، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 91. (¬2) انظر: البخاري، برقم 789، ومسلم، برقم 28 - (392)، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 91. (¬3) آخر الوجه الأول من الشريط الرابع، وسقط ما يقارب ثمانية أسطر ما بين المعقوفين الآتيين وزيادة، وكذلك لم أجدها في أصول مؤسسة الشيخ - رحمه الله -.

تذكر فيه، وذهب الإمام أحمد وداود الظاهري إلى وجوب تكبيرات الانتقال مستدلين بإدامة النبي - صلى الله عليه وسلم - لها وقوله: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» وأمره في حديث المسيء] (¬1) (¬2). وفي حديث البراء بن عازب الأنصاري - رضي الله عنه - وعن أبيه قال: «رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِراءتَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجِلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَجِلْسَتَهُ بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالانْصِرَافِ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ» (¬3) , وفي رواية البخاري: «ما خلا القيام والقعود» (¬4)، هذا يدل على أن صلاته - عليه الصلاة والسلام - كانت معتدلة متقاربة إذا طوّل في القراءة طوّل في الركوع والسجود، وإذا خفّف القراءة خفّف الركوع والسجود، لكن مع التمام, صلاته تامة, ولهذا قال أنس - رضي الله عنه - فيما صح عنه: «مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أتَمَّ صَلَاةً وَلاً أَخَفَّ مِنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -» (¬5) , والمعنى: كانت صلاته ¬

(¬1) ما بين المعقوفين ليس في أول الوجه الثاني من الشريط الرابع، وراجعت أصول مؤسسة الشيخ، فلم أجدها أيضاً في الشريط الرابع، ووجدته في الأصل الخطي المفرَّغ لشرح سماحة الشيخ - رحمه الله - لعمدة الأحكام فأثبته. (¬2) أول الوجه الثاني من الشريط الرابع. (¬3) رواه البخاري، برقم 792، ومسلم برقم 471، واللفظ له، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 92. (¬4) رواه البخاري، برقم 792، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 92. (¬5) رواه البخاري بنحوه، برقم 708، ومسلم، برقم 469، وسيأتي تخريجه برقم 94 من أحاديث المتن، وهذا أخرجه أحمد، 21/ 117، برقم 13445، بلفظ: «مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أَخَفَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَتَمَّ»، وابن حبان، 5/ 510، برقم 2138، والمقدسي في المختارة، 2/ 456، برقم 2141، وصححه محققو المسند، 21/ 117، والألباني في التعليقات الحسان، 4/ 35.

- عليه الصلاة والسلام - تخفيفاً في تمام. قوله: «ما خلا القيام والقعود» يعني القيام أطول، والقعود للتشهد أطول التشهد الأخير أطول بعض الشيء, فصلاته متقاربة، والسنة للإمام والمنفرد أن يكون هكذا, تكون صلاته متقاربة، تأسياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام - , فيعتدل في الركوع والسجود يطمئن, وهكذا الاعتدال بعد الركوع يعتدل يطمئن، وكان بين السجدتين يعتدل ويطمئن, وتكون هذه الجَلَسَاتُ مع السَّجَدَاتِ متقاربة, وهكذا قيامه من الركوع، واعتداله بعد الركوع متقارب, إن طول القيام طول في الركوع والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والجلسة بين السجدتين, وإن لم يطوِّل في القيام فهكذا في الركوع والسجود حتى تكون الصلاة معتدلة متقاربة متناسقة, ولكن يجب الحذر من النقر والتخفيف, الذي يخل بها, هذا لا يجوز؛ لأنه خلاف الطمأنينة: والطمأنينة لا بد منها في هذه العبادة، في ركوعه وسجوده واعتداله بعد الركوع وبين السجدتين, لا بد من الطمأنينة وعدم العجلة، ولهذا ذكر أنس - رضي الله عنه - أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل شيئاً في الصلاة ما رأى الناس يفعلونه، ثم بين ما رأى, وهو أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يقول القائل: قد نسي، يعني يطول تطويلاً بيّناً, ويطمئن اطمئناناً بيِّناً, وهكذا بين السجدتين، يعتدل ولا يعجل,

حتى يقول القائل: قد نسي، هذا يبيّن لنا أنه كان يطول بعد الركوع وبين السجدتين حتى يفصل بين الركوع والسجود, حتى يفصل بين السجدتين فصلاً واضحاً فيه طمأنينة، وفيه اعتدال، هكذا يشرع للمسلمين أن يفعلوا، هكذا. والمأموم تبع لإمامه: إن طول إمامه طول, وإن خفف إمامه خفف, تبعاً للإمام, لكن لا يجوز له أن يصلي مع إمام ينقر الصلاة لا؛ لأن من نقرها بطلت صلاته؛ ولأنه لا يطمئن في ركوعها وسجودها؛ ولهذا لما رأى النبي رجلاً لا يطمئن في ركوعه، ولا في سجوده، أمره بالإعادة، وقال: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، حتى فعلها «ثَلَاثًا ثم قَالَ: يا رسول اللَّه، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هذا فَعَلِّمْنِي، فعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يفعل، فقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثمَّ كَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَا بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ»، وفي اللفظ الآخر: «ثم اقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وبما شاء اللَّه، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثم اسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثُمَّ افْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» (¬1)، فعلمه النبي ¬

(¬1) رواه بنحوه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 757، وكتاب الاستئذان، باب من رد فقال عليك السلام، برقم 6251، و6252، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 373.

كيف يصلي, وأنه لا بد من طمأنينة. 94 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً، وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1)» (¬2). 95 - عن أبي قلابة - عبد اللَّه بن زيد - الجرمي البصري قال: «جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ الصَّلاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي، فَقُلْتُ لأَبِي قِلابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هَذَا، وَكَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ في الركعة الأولى (¬3)». أراد بشيخِهم: أَبا بُرَيد، عمرو بنَ سَلِمَة الجرمي (¬4) ــ ويقال: أبو يزيد (¬5). 96 - عن عبد اللَّه بن مالك ــ ابن بُحينة ــ - رضي الله عنه -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «من النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، برقم 708، ومسلم، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم 190 - (469)، واللفظ له. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته، برقم 677، ورقم 802، ورقم 818، ورقم 824، ومسلم، بنحوه، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع ... برقم 391. (¬4) البخاري، برقم 824. (¬5) من قوله: «في الركعة الأولى» إلى: «ويقال: أبو يزيد» ليست في نسخة الزهيري. (¬6) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب يبدي ضبعيه، ويجافي في السجود، برقم 390، بلفظه، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 495.

20 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق ببيان صفة صلاة النبي - عليه الصلاة والسلام -؛ لأن اللَّه شرع لنا التأسي به، بقوله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1)؛ ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬2)؛ ولهذا بين الصحابة - رضي الله عنهم - صفة صلاته - عليه الصلاة والسلام -؛ ليَعْلَمَهَا الناس؛ وليأخذوا بها, وليتأسوا به - عليه الصلاة والسلام - فيها، ومن ذلك قول أنس في هذا الحديث، يقول - رضي الله عنه -: «مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أتَمَّ صَلَاةً، وَلا أَخَفَّ صَلاةً مِنَ النَّبيِّ - عليه الصلاة والسلام -» (¬3)، يعني كانت صلاته تخفيفاً في تمام, فلم يكن يطول على الناس تطويلاً يشق عليهم, ولم يكن يعجِّل وينقر, ولكن صلاته متوسطة بين الطول المتعب وبين التقصير المخل، وهكذا ينبغي للأئمة أن يصلوا صلاة يتأسون فيها بالنبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - , فيطمئنوا ويركدوا في القراءة، والركوع، والسجود، والاعتدال بعد الركوع، والاعتدال بين السجدتين, هكذا كان - عليه الصلاة والسلام - إذا ركع اطمأن حتى يرجع كل فقار إلى مكانه, ويقول: «سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم»، يكرر ذلك, ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬2) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 86. (¬3) رواه البخاري، برقم 708، ومسلم، برقم 469، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 93.

ويقول: «سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك, اللَّهم اغفر لي»، ويقول: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». فالمؤمن يطمئن لا يعجل: ثلاث تسبيحات, أربع تسبيحات, خمس تسبيحات, سبع تسبيحات, حول هذا مع: «سبحانك اللَّهم ربنا وبحمدك, اللَّهم اغفر لي»، مع الطمأنينة والركود, ويجعل كفيه على ركبتيه, هذا السنة, ويفرج أصابعهما على ركبتيه، هذا السنة، ويصبر ويحني ظهره حتى يستوي مع رأسه, هذا الأفضل, هذا هو الكمال، والمجزئ تسبيحة واحدة مع أدنى الركوع كونه يطيل ويطمئن طمأنينة كافية, حتى يرجع كل فقار إلى مكانه, هذا هو الكمال, وإلا فالمجزئ أقل في الطمأنينة مع الركود, وهكذا إذا اعتدل بعد الركوع، اطمأن ولم يعجل, وقد تقدم قول عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي كان إذا اعتدل بعد الركوع يطيل حتى يقول القائل: قد نسي. وهكذا بين السجدتين: لا يعجل يطمئن ويعتدل, يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، ويدعو، قال أنس - رضي الله عنه -: «كان النبي إذا جلس بين السجدتين اطمأن, حتى يقول القائل: قد نسي» (¬1)، وهكذا في السجود يطمئن: «سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى»، الواجب مرة لكن يكررها ثلاثاً, أو أكثر مع الدعاء, كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو في سجوده, ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب المكث بين السجدتين، برقم 821: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا، قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ»، وهو في مسلم، كتاب الصلاة، باب اعتدال أركان الصلاة، وتخفيفها في تمام، برقم 472 ..

فِيهِ الرَّبَّ - عز وجل -، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (¬1)، أي حري أن يستجاب لكم، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (¬2)، و «كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل في السجود وفَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» كما في حديث ابن بحينة (¬3) , فكان يرفع بطنه عن فخذيه, وفخذيه عن ساقيه, ويعتدل في السجود, ولا يضم بعضه إلى بعض, بل يعتدل ويجافي بعضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويعتمد على بطون الأصابع في رجليه، ويبسط يديه على الأرض, ممدودة الأصابع ضاماً بعضها إلى بعض, ممدودة حيال منكبيه, أو حيال أُذنيه تارة وتارة, - عليه الصلاة والسلام - هكذا في السجود، وكان إذا نهض إلى الرابعة من الثالثة أو من الأولى إلى الثانية، لم ينهض حتى يستوي قاعداً، [كما] في حديث مالك بن الحويرث، صلى بهم مالك مثل صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر لهم أنه كان إذا نهض من السجدة الثانية جلس قليلاً، ثم ينهض إلى الرابعة, وهكذا بعد الأولى إلى الثانية, هذه تسمى عند العلماء «جلسة الاستراحة» جلسة خفيفة, ليس فيها دعاء, وليس فيها ذكر, وإنما هي ¬

(¬1) مسلم، برقم 479، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬2) مسلم، برقم 482، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬3) رواه ابن حبان، 5/ 247، برقم 1919، دون جملة: «اعتدل في السجود»، وصححه الأرنؤوط في تعليقه على ابن حبان، 5/ 247، والألباني في التعليقات الحسان، 3 - / 372، وبنحوه البخاري، برقم 390، ومسلم، برقم 495، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 88.

جلسة خفيفة مثل جلوسه بين السجدتين, فيفترش بين السجدتين، ثم ينهض، ولا يطول جلسة خفيفة صفتها في الجلوس مثل الجلسة بين السجدتين, لكن ما يطيل بها, كما يطيل في الجلسة بين السجدتين, لا جلسة خفيفة, ليس فيها ذكر ولا دعاء, ثم ينهض، بعض أهل العلم خص هذا بكبير السن والمريض, قالوا: إن الرسول فعل هذا بعدما بدُن بعدما ثقل، والصواب أنها سنة مطلقاً؛ لأنها مذكورة في صفة صلاته - عليه الصلاة والسلام - لكنها خفيفة ليس فيها طول، ولا ذكر، ولا دعاء بعد الأولى, بعد الثالثة يعني بعد الأولى في كل صلاة, وبعد الثالثة في الرباعية. 97 - عن أبي مسلمة - سعيد بن يزيد - قال: «سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» (¬1). 98 - عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬2). 99 - ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس: «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعال، برقم 386، بلفظه، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الصلاة في النعلين، برقم 555. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، برقم 516، بلفظه، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم 543. (¬3) رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 98.

100 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» (¬1). 21 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسبق أن المشروع لنا هو التأسي به - صلى الله عليه وسلم - في صلاته وفي قيامه وحجه وغير ذلك من شؤون العبادات؛ كما قال اللَّه - عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (¬2)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬3)؛ فلهذا عُنِيَ الصحابة ببيان صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم - , ونقلها عنهم التابعون, ثم هكذا من أئمة الهدى, حتى وصلت إلينا, ومن ذلك حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان «يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ» (¬4)، هذا يدل على شرعية الصلاة بالنعلين، وأنه لا حرج في ذلك, ومن هذا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يصَلي ذات يومٍ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، وهو في الصلاة، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا سلَّم سألهُم عن ذلك، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ نعلَيْكَ فَخَلَعْنَا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود، برقم 822، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض، ورفع المرفقين عن الجنبين، ورفع البطن عن الفخذين في السجود، برقم 493. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬3) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86. (¬4) رواه البخاري، برقم 386، ومسلم، برقم 555، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 97 ..

نِعَالَنا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِائيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فيهِمَا قَذَراً، فخلعتهما، فَإِذَا أتَى أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظرْ: فَإِنْ رَأَى في نعليه أذىً فَلْيَمسَحْهُ، ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِمَا» (¬1)، وهذا يدل على أن من أراد الدخول في المسجد ينظر في نعليه, ويقلبها ويزيل ما بها من أذى, بحكها في التراب, إذا كان بها شيء حتى يزول ما بها من أذى, ويصلي فيها, وأنه لا حرج في ذلك، ومن ذلك: الأخفاف التي في الرجلين. لكن إذا كانت المساجد مفروشة مثل الآن, مثل ما وقع أخيراً, كانت المساجد في العهد الأول، وقبل سنوات بالحصباء أو الرمل والتراب, ليس فيها فرش, أما الآن لما فرشت فقد تتأثر بالنعال، وتتأثر بالأخفاف، فإذا تيسر أن يحفظها في محل مناسب حتى لا يؤثر على الفرش، وحتى لا يكدر على المصلين بشيء من الأوساخ, ولاسيما وأكثر الناس لا يبالون بالنعال, ولا يعتنون بها, ولا ينظرونها عند الدخول؛ فلهذا صار خلعهم لها في محل يحفظها, حتى يكون ذلك أسلم للمسجد, وهذا يكون في هذا الوقت أولى وأحوط لأمرين: أحدهما: ما حصل من الفرش التي تتأثر بكل شيء. ¬

(¬1) روى الإمام أحمد، 17/ 242، برقم 11153: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا، قَالَ: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ بِهِمَا خَبَثًا، فَإِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقْلِبْ نَعْلَهُ، فَلْيَنْظُرْ فِيهَا، فَإِنْ رَأَى بِهَا خَبَثًا فَلْيُمِسَّهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا». وابن خزيمة، 2/ 107، والحاكم، 1/ 260، وبنحوه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم 650، وصحح إسناده محققو المسند، 17/ 243، على شرط مسلم، والألباني في إرواء الغليل، 1/ 314.

والأمر الثاني: أن أكثر الناس لا يبالي ولا يعتني, ولا يتحفظ, بل قد يدوس الأذى, ويدخل فيقذر على الناس فرشهم, وينفرهم من الصلاة في الجماعة، أما في العهد الأول كانت الفرش غير موجودة, كانوا يصلون على الحصباء والرمل, وهذه تتحمل أكثر، تتحمل من الغبار ما لا تتحمله الفرش. وفي كل حال إذا كانت سليمة فالصلاة فيها جائزة, ولا حرج فيها مطلقاً, بل هي الأفضل إذا كانت سليمة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الْيَهُودَ والنصارى لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ فخَالِفُوهم» (¬1)، فهو من مخالفة أهل الكتاب. وفيه من الدلالة على أن الدين فيه فسحة، وأنه ليس فيه حرج, والإنسان قد يحتاج للخفين, يلبسهما في الشتاء, ويمسح عليهما, ولا يستطيع خلعهما؛ لأنه إذا خلعهما بطل وضوؤه فيصلي فيهما ولو كان فيها فرش يعتني بهما عند الدخول, ويلاحظهما عند الدخول حتى لا يكون فيهما أذى ويصلي فيهما كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحديث الثاني: حديث أبي قتادة الحارث الربعي الأنصاري رضي اللَّه تعالى عنه: «أَنَّ النبي - عليه الصلاة والسلام - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ ¬

(¬1) انظر: سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل، برقم 652، ومسند البزار، 8/ 405، برقم 3480، وصحيح ابن حبان، 5/ 561، برقم 2186، والحاكم في المستدرك، 1/ 259، وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في المعجم الكبير، 7/ 290، برقم 7165، كلها بذكر اليهود، ودون ذكر للنصارى، وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان،4/ 59.

أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬1)، وهي ابنة أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، كان «إِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» (¬2). هذا يدل على جواز مثل هذا في الصلاة, وأنه لا حرج أن يصلي الإنسان وهو حامل بعض أولاده, إذا سجد وضعه في الأرض, وإذا قام حمله, فعله النبي ليبين الجواز, يبين لأمته أن مثل هذا يجوز قد تدعو له الحاجة, قد تكون الأم ما عندها من يحفظ أولادها, وقد يشقون عليها ويمنعونها من الصلاة, إلا أن تحمل أحدهم, فإذا حملته أو حمله أبوه فلا بأس بذلك, يضعه عند السجود حتى يتمكن من السجود, ثم يحمله, ولكن يلاحظ بذلك أن لا يكون نجساً, يكون بدنه طاهراً وثيابه طاهرةً نظيفة حتى لا يحمل النجاسة. والثالث: حديث أنس أيضاً: أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» (¬3)، هذا يدل على وجوب الاعتدال في السجود, وأن يسجد على سبعة أعضاء: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ثم يشرع له أن يعتدل, ولكن بالتفريج بين الإبطين والعضدين وبين الفخدين وبطنه, وبين فخذيه وساقيه, حتى يكون معتدلاً: «و «كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل وفَرَّجَ بَيْنَ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 99. (¬2) رواه البخاري، برقم 516، ومسلم، برقم 543، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 99. (¬3) رواه البخاري، برقم 822، ومسلم، برقم 493، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 100.

15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

يَدَيْهِ وإِبْطَيْهِ» (¬1) , وبين فخذيه وبطنه, وبين فخذيه وساقيه, ويكون معتدلاً مستقيماً في السجود لا متضاماً، ولا متجمعاً، بل يعتدل ويرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، ويعتمد على كفيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، هكذا السنة. 15 - باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود 101 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أَنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فردَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - السَّلاَمَ (¬2) فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ». فَرَجَعَ الرجل (¬3) فَصَلَّى كَمَا كان (¬4) صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وعليك السلامُ»، ثم قال (¬5): «ارْجِعْ فَصَلِّ. فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» ــ ثَلاثاً ــ فَقَالَ الرجل (¬6): وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ (¬7) - صلى الله عليه وسلم -: إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَا مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ ¬

(¬1) رواه ابن حبان، 5/ 247، برقم 1919، وبنحوه البخاري، برقم 390، ومسلم، برقم 495، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 96. (¬2) «فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 793. (¬3) «الرجل»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 45 - (397). (¬4) «كان»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 397. (¬5) «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وعليك السلام، ثم قال:» ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 397. (¬6) «الرجل»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 397. (¬7) في نسخة الزهيري: «قال».

16 - باب القراءة في الصلاة

اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، ثمَّ (¬1) افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا» (¬2). 16 - باب القراءة في الصلاة 102 - عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (¬3). 103 - عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنِ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ (¬5)، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ (¬6)، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «و» بدل ثم. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، برقم 793، وفي لفظ للبخاري، برقم 6251 في أوله: «.... إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ...» الحديث، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 397. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم 756، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها، برقم 394. (¬4) في نسخة الزهيري: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) في نسخة الزهيري هنا زيادة: «يُسْمِعُ الآيَةَ أحْياناً، وكَانَ يقْرأُ في العَصْرِ بفاتِحَةِ الكِتابِ، وسُورَتَيْنِ يُطَوِّل في الأولى، ويُقَصِّرً في الثانية». (¬6) في نسخة الزهيري: «وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب» جُعلت في نهاية الحديث، ولهذا ذكرتُ في الحاشية ألفاظ الحديث عند الإمام البخاري، فزال الإشكال، وللَّه الحمد.

في (¬1) صَلاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ» (¬2). 22 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الأول منها يتعلق بالطمأنينة، والثاني والثالث يتعلقان بالقراءة في الصلاة، أما الطُّمأنينة - بضم الطاء - فهي السكون في الصلاة, والخشوع فيها, والاعتدال, يقال: اطمأن يطمئن طمأنينة واطمئناناً، إذا ركد واعتدل، وسكنت حركاته, هذا هو الواجب في الصلاة, بل فرض وركن أن يطمئن في صلاته, ولا يعجل, ولا ينقرها في ركوعها وسجودها, وهكذا في الاعتدال بعد الركوع, وهكذا بين السجدتين, هذا من أهم أركان الصلاة؛ ولهذا لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً لم يطمئن, قال له - عليه الصلاة والسلام -: «ارجع فصل». حتى فعلها ثلاث مرات، ردده النبي - صلى الله عليه وسلم - , حتى يطمئن, حتى ينتبه, حتى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «من صلاة الصبح». (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في الظهر، برقم 759، ولفظه: عن قتادة عن أبيه: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ»، وباب القراءة في العصر، برقم 762، ولفظه: عن قتادة عن أبيه «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا»، وبابٌ: يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، برقم 776، ولفظه: عن قتادة عن أبيه: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي العَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ»، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم 451.

يعرف أخطاءه وأغلاطه, وحتى يكون ذلك أكمل في التعليم، وأرسخ في القلب, ففعل الرجل وذهب, وصلى ثم عاد, ثم ذهب وصلى ثم عاد, فلما رأى أنه لم يصل كما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي بعثك بالحق لا أُحسن غير هذا, فعلمني»، فاسترشد وطلب أن يُعَلم بعد الثلاث, فعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقال: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر» , وفي رواية أخرى: «فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة, ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» وفي اللفظ الآخر: «ثم اقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وبما شاء اللَّه، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثم اسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» (¬1)، هكذا علمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: أن الرجل كان كلما جاء سلم والنبي - عليه الصلاة والسلام - يرد عليه، ثم يقول له: «ارجع فصل» , فهذا الحديث فيه فوائد: الفائدة الأولى: تعليم الجاهل، والإنكار عليه, وأن لا يُترك على جهله، وأن العالم وطالب العلم إذا رأى أخاه قد أخل بشيء من أمور دينه يعلمه، ولا يسكت, بل يعلمه ويرشده. والفائدة الثانية: الرفق وعدم الشدة والعنف، فالرسول ما عنَّف عليه، وما سبَّه - عليه الصلاة والسلام -؛ بل علّمه برفق. الفائدة الثالثة: أنه يكرر لعله ينتبه, يكرر عليه إذا كان حاله ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 757، ورقم 6251، و6252، ومسلم، برقم 397، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 373، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 93.

تحتاج إلى أن يكرر الفعل, أو أن يكرر القول, حتى يفهمه, كرره عليه حتى يفهمه. الرابعة: أنه إذا سلم الإنسان يرد عليه, وإذا عاد وسلَّم يرد عليه, وإذا عاد وسلَّم يرد عليه, ولو ما راح بعيداً, ولو أنه قريب, ولو أنه يراه؛ لأن الرجل كلما عاد سلم، راح فصلى، ثم عاد فصلى، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليه، فهو عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس ببعيد, يراه وينظر أنه لم يطمئن, فدل ذلك على أنه إذا شغل بالصلاة، أو بشيء آخر، ثم عاد فسلم يرد عليه, وهكذا جاء في الحديث: «إذا سلم أحدكم على أخيه, ثم حال بينهما جدار أو شجر أو حجر, ثم لقيه فليسلم عليه» (¬1)، السلام كله خير، وكله مما يُكسب المودة والأُلفة. وفيه من الفوائد: أن الطمأنينة لا بد منها, وأنها إذا فُقدت بطلت الصلاة؛ ولهذا أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة, فلا بد أن يطمئن في ركوعه، وسجوده, واعتداله بين السجدتين, واعتداله بعد الركوع، والطمأنينة: السكون والركود حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ترجع العظام والمفاصل إلى محالها ومواضعها, فإذا ركع اعتدل واستوى, حتى تهدأ أعضاؤه، ويرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع من الركوع ¬

(¬1) أخرج أبو داود، كتاب الأدب، باب من أولى بالسلام، برقم 5200: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، أَوْ جِدَارٌ، أَوْ حَجَرٌ، ثُمَّ لَقِيَهُ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ أَيْضًا»، موقوفاً ومرفوعاً، وأبو يعلى، 11/ 233، برقم 6350، والبخاري في الأدب المفرد، ص: 349، والبيهقي في شعب الإيمان، 6/ 450، وقال الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص: 398: «صحيح موقوفاً، وصح مرفوعاً».

اعتدل واستقام حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وهكذا إذا سجد, وهكذا إذا جلس بين السجدتين, يطمئن ولا يعجل, حتى يرجع كل فقار إلى مكانه, فمتى فعل هذا فقد أدى الواجب، وإذا أخل بهذا بطلت صلاته، فالطمأنينة فرض لا بد منه. وفي الحديث الثاني: الدلالة على أنه لا بد من قراءة الفاتحة, ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (¬1) , وهذا يعم الإمام والمأموم والمنفرد جميعاً، وقال بعض أهل العلم: إن المأموم ليس عليه فرض, بل هو تابع لإمامه، والصواب أنه يعمه, وأنه يلزمه القراءة إلا إذا فاتته القراءة، بأن جاء والإمام راكع، سقطت عنه, أو سها عنها, أو اجتهد, فرأى أنها لا تجب عليه, أو قال بقول من قال لا تجب عليه إن كان له عذر سقطت عنه, وإلا فالواجب أنه يقرأ الفاتحة، ولو في الجهرية، يقرؤها ثم ينصت, لعموم الحديث؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (¬2) , ولم يقل إلا المأموم مستثنى, وفي اللفظ الآخر قال - عليه الصلاة والسلام -: «لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟». قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ «لاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِهَا» (¬3)، وهذا صريح في وجوبها على المأموم. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 102. (¬2) رواه البخاري، برقم 756، ومسلم، برقم 394، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 102. (¬3) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، برقم 823، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، 3/ 83، والمقدسي في المختارة، 8/ 341، وحسن إسناده، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 186.

والحديث الثالث: يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأوليين أطول من الركعتين الأخريين، وكان في صلاة الظهر والعصر يقرأ بسورة الفاتحة وسورتين, يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يخفف العصر على النصف من الظهر, كما في حديث أبي سعيد، ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، وهكذا في العصر فاتحة الكتاب، وهكذا الثالثة في المغرب، وهكذا الثالثة والرابعة في العشاء, يقرأ بفاتحة الكتاب, وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن؛ لأن الرسول كان يقرأ فيها بعض الأحيان زيادة على فاتحة الكتاب في الثالثة والرابعة في الظهر، كما في حديث أبي سعيد: أنه كان «يقرأ فِي الأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ» (¬1) , هذا يدل على أنه يقرأ الفاتحة، وزيادة معها في بعض الأحيان - عليه الصلاة والسلام -. وكان يطول في صلاة الصبح أكثر من بقية الصلوات، ثبت عنه أنه كان يقرأ بالستين إلى المائة آية يقرأ بـ «ق» ونحوها، كـ «الذاريات»، «الطور»، وربما قرأ بأقل من ذلك كـ «المرسلات»، و «التكوير» , فالسنة أن يطيل في الصبح في بعض الأحيان، ويخفف بعض الشيء في بعض الأحيان, تأسياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام -. والمغرب تارة وتارة، قد يقرأ بـ «الطور» , وتارة بالوسط, وتارة ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب تخفيف الأخريين، برقم 804، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 390.

بالقصار، فقد قرأ - صلى الله عليه وسلم - بـ «الطور» (¬1) , [و] قرأ فيها بـ «الأعراف» (¬2) , [و] قرأ فيها بـ «المرسلات» (¬3) , وقرأ - عليه الصلاة والسلام - فيها بقصار المفصل (¬4)، فالإمام لا يلزم حالة واحدة، بل تارة بقصار المفصل مثل «الزلزلة»، و «القارعة»، و «ألهاكم»، و «العصر» وأشباهها، وتارة بأطول من ذلك كـ «البلد»، و «الضحى»، و «الليل إذا يغشى»، و «الشمس وضحاها»، و «الطارق»، و «الانفطار» وأشباهها، وتارة ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر في المغرب، برقم 765، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 463: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَرَأَ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ»، (¬2) أخرجه الإمام أحمد، 35/ 504، برقم 21641، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في المغرب، برقم 812، عن زيد بن ثابت قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ»، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ»، وصحح إسناده محققو المسند، 35/ 504، والألباني في صحيح أبي داود، 3/ 395، وهو في البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 764، دون تفسير معنى الطوليين، ولفظه: «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ». (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 763، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 462: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} [المرسلات: 1]، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ «هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي المَغْرِبِ» .. (¬4) أخرجه الإمام أحمد، 13/ 371، برقم 7991، والنسائي، كتاب الافتتاح، تخفيف القيام والقراءة، برقم 982، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فُلَانٍ - قَالَ سُلَيْمَانُ - «كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ»، وأخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب قدر القراءة في المغرب، برقم 812، عن زيد بن ثابت،، وقوى إسناد المسند محققو المسند، 13/ 371، وصحح الألباني رواية أبي داود في صحيح أبي داود، 3/ 399.

بأطول من ذلك بـ «المرسلات»، و «القيامة»، و «المدثر»، و «المزمل»، و «الطور»، وما أشبه ذلك, هكذا سنته - عليه الصلاة والسلام -، فالإمام يتحرى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا الميزان، الميزان فعله - صلى الله عليه وسلم - , هو الميزان يتحرى الإمام فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلوات، يتحرّاه أو ما يقارب ذلك، ويدنو من ذلك؛ حرصاً على اتباع سنته, والموافقة له في فعله - عليه الصلاة والسلام -، عملاً بقول اللَّه - عز وجل -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1)، وعملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬2)، اللَّهم صلِّ وسلم على رسولك (¬3). 104 - عن جبير (¬4) بن مطعم - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» (¬5). 105 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) فَمَا سَمِعْتُ أَحَداً أَحْسَنَ صَوْتاً - أَوْ قِرَاءَةً - مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم -» (¬6). ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 21 .. (¬2) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86. (¬3) آخر الوجه الثاني من الشريط الرابع. (¬4) أول الوجه الأول من الشريط الخامس، بتاريخ 17/ 4/ 1409هـ. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الجهر بالمغرب، برقم 765، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 463. (¬6) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في العشاء، برقم 769، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 177 - (464).

106 - عن عائشة - رضي الله عنها -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ. فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ يصْنَعُ ذَلِكَ؟» فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ - عز وجل -، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَخْبِرُوهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ» (¬1). 107 - عن جابر - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمُعَاذٍ: «فَلَوْلا صَلَّيْتَ بـ (ِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، (وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى)؟ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ، وَالضَّعِيفُ، وَذُو الْحَاجَةِ» (¬2). 23 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالقراءة في الصلاة. والقراءة في الصلاة تلقاها المسلمون عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وهي متفاوتة في الصلاة، وهو - صلى الله عليه وسلم - كان لا يلزم حالة واحدة, بل ربما طول، وربما قصَّر، وربما توسط, هكذا ينبغي للأئمة أن تكون قراءتهم هكذا, متحرين فيها صلاته - صلى الله عليه وسلم - وقراءته؛ لأنه هو الأسوة - عليه الصلاة والسلام - , وقد قال اللَّه - عز وجل -: ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7375، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو اللَّه أحد، برقم 813. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من شكا إمامه إذا طوّل، برقم 705، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬1)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬2)، فالمؤمن يتحرى في ذلك صلاته - صلى الله عليه وسلم -، الإمام والمنفرد، أما المأموم فتبع لإمامه؛ ولهذا ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في المغرب بـ (الطور)، في حديث جبير بن مطعم، قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ» (¬3) , وكان هذا في آخر سنة اثنتين من الهجرة, لما قدم جبير من جهة أسرى بدر، قدم المدينة من أجل الأسرى، وثبت عنه في حديث زيد بن ثابت، وحديث عائشة أنه قرأ بـ (الأعراف) , قسمها في ركعتين (¬4)، وثبت في حديث أم الفضل عن ابن عباس أنه قرأ في المغرب بـ (المرسلات) (¬5) , وجاء عن ابن عمر أنه قرأ فيها بـ (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو اللَّه أحد) (¬6)، وجاء ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 21. (¬2) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 86. (¬3) رواه البخاري، برقم 765، ومسلم، برقم 463، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 104. (¬4) حديث زيد بن ثابت أخرجه الإمام أحمد، 35/ 504، برقم 21641، وهو في البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 764، وقد تقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 103. وحديث عائشة - رضي الله عنها - أخرجه النسائي، كتاب الافتتاح، القراءة في المغرب بـ «المص»، برقم 992، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 392، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 3 - / 398: «أخرجه النسائي بسند صحيح». (¬5) صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في المغرب، برقم 763، وهو في رقم 4429، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 462. (¬6) سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب القراءة في صلاة المغرب، برقم 833، ومصنف ابن أبي شيبة، 1/ 359، برقم 3626، والطبراني في المعجم الكبير، 12/ 377، برقم 13395، وقال الحافظ في الفتح، 2/ 248: «ظاهر إسناده الصحة، إلا أنه معلول، قال الدارقطني: أخطأ فيه بعض رواته».

في حديث أبي هريرة أنه قرأ فيها بقصار المفصل (¬1) , فدل ذلك على أنه كان لا يلزم حالة واحدة, بل تارة يطيل، وتارة يقصر، وتارة يتوسط, وهكذا في الظهر, وربما أطال, وربما قرأ فيها بنحو قراءة الفجر, وربما قرأ فيها بأخف من ذلك: كـ (الليل إذا يغشى) و (اقرأ باسم ربك)، وبـ (الشمس وضحاها) , والعصر أخف من ذلك, أخف من الظهر، والعشاء كذلك: كالظهر يقرأ فيها بأوساط المفصل, مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: «لولا قرأت بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الشمس وضحاها) و (الليل إذا يغشى)» (¬2) , وفي الرواية الأخرى: «و (اقرأ باسم ربك)» (¬3) , وكان معاذ يصلي بأصحابه العشاء, وكان ¬

(¬1) ابن أبي شيبة في المصنف، 1/ 359، برقم 3627، وابن خزيمة، 1/ 261، برقم 520، وصحيح ابن حبان، 5/ 145، برقم 1837، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 392، وحسنه الألباني في التعليقات الحسان، 6/ 6099، ولفظه: «حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فُلاَنٍ، أَمِيرٌ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: فَصَلَّيْتُ أَنَا وَرَاءَهُ، فَكَانَ يُطِيلُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ» .. (¬2) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465، ولفظه: عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ الْأَنْصَارِيُّ لِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ. فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ مِنَّا. فَصَلَّى فَأُخْبِرَ مُعَاذٌ عَنْهُ فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَهُ مَا قَالَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَا بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» (¬3) انظر: التخريج السابق ..

يطول عليهم فزجره النبي عن هذا، وقال: «أفتان يا معاذ»، وأمره أن يختصر وأن يقرأ في العشاء بهذه السور من أوساط المفصل، مثل (سبح)، و (الغاشية)، و (الشمس وضحاها) و (اقرأ باسم ربك) و (البروج) و (الطارق)، وأشباهها (¬1)، أما الفجر فكان يطول فيها - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ فيها بالستين إلى المائة آية, وربما قرأ فيها بـ (ق) (¬2)، فالسنة ¬

(¬1) سنن النسائي، كتاب الافتتاح، القراءة في العشاء الآخرة بسبح اسم ربك الأعلى، برقم 998، ومسند البزار، 10/ 296، برقم 4411، والبيهقي، 3/ 112، عن جابر: «كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيهَا بِهِمْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَ الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلاَّهَا مُعَاذٌ مَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّ قَوْمَهُ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَنَحَّى رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ، فَصَلَّى وَحْدَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا: نَافَقْتَ يَا فُلاَنُ، فَقَالَ: مَا نَافَقْتُ، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُخْبِرُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّك أَخَّرْتَ الْعِشَاءَ الْبَارِحَةَ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلاَّهَا مَعَكَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَمَّنَا، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَنَحَّيْتُ فَصَلَّيْتُ وَحْدِي، وَإِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «أَفَتَّانٌ يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَا بِسُورَةِ كَذَا وَسُورَةِ كَذَا» قَالَ عَمْرٌو: وَعَدَّ سُوَرًا، قَالَ سُفْيَانُ، وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اقْرَا بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَنَحْوِهَا»، فَقُلْتُ لِعَمْرٍو: فَإِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ كَانَ يَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ قَالَ لَهُ: «اقْرَا بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالشَّمْسِ وضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى». فَقَالَ عَمْرٌو: هِيَ هَذِهِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ». والحديث في قصة معاذ في الصحيحين: مسلم كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 465، والبخاري دون ذكر السور، كتاب الأذان، باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة، فخرج فصلى، برقم 700، ورقم 701. (¬2) أخرج مسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح، برقم 457: «عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] وَرُبَّمَا قَالَ: ق».

فيها التطويل، وربما قرأ فيها بالقصار, كما ثبت في سنن أبي داود أنه قرأ في الفجر بـ (إذا زلزلت) كررها مرتين (¬1) , وهذا في بعض الأحيان, والغالب عليه أنه يطول في الفجر - عليه الصلاة والسلام -، وفي حديث البراء الدلالة على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربما قرأ في العشاء بأقل من الأوساط كـ (التين والزيتون)؛ لأنه قرأ فيها بالتين والزيتون. وقال البراء: «فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا، وَلاَ أحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ - عليه الصلاة والسلام -» (¬2)، دل على أنه في بعض العشاء لا مانع أن يخفف بعض الأحيان, فيقرأ فيها بالقصار مثل سورة (والتين)، وسورة (ألهاكم)، و (القارعة) , وما أشبهها لا بأس. وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أن جماعة من الأنصار جعلوا عليهم إماماً, فكان يصلي بهم ويختم بـ (قل هو اللَّه أحد)، يقرأ الفاتحة وسورة معها, ثم يقرأ بـ (قل هو اللَّه أحد) زيادة, وربما قرأ (قل هو اللَّه أحد) أولاً، ثم قرأ بعدها زيادة سورة أخرى، فسألوه: قالوا: لماذا لا تكتفي بـ (قل هو اللَّه أحد)، أو بما قرأت معها، قال: أنا أحب أن أقرأ هذه السورة, فإن شئتم أممتكم, وإلا فالتمسوا غيري، فكرهوا أن ¬

(¬1) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين، برقم 816، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 154، برقم 730. (¬2) أخرج الشيخان: البخاري، كتاب الأذان، باب القراءة في العشاء، برقم 769، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 177 - (464)، عن عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ، أَوْ قِرَاءَةً»، هذا لفظ البخاري.

يؤمهم غيره، كانوا يرونه أقرأهم, فاشتكوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اسألُوهُ لماذا يَقْرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مع غيرها، ولم يكتفِ بهَا، فَسَأَلُوهُ قَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا، فَقَالَ - عليه الصلاة والسلام -: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ» (¬1)، يعني كما أحب أسماءه وصفاته، وفي اللفظ الآخر قال: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» (¬2) , هذا يدل على أنه يجوز أن يقرأ في الركعة سورتين أو أكثر، لا بأس من قرأ (الفاتحة)، وقرأ بعدها (والسماء ذات البروج)، أو قرأ (والسماء والطارق) أو قرأ فيها بـ (إذا زلزلت)، و (العاديات)، و (القارعة) لا حرج، هذا الإمام الذي قرأ (قل هو اللَّه أحد)، ثم معها زيادة لا بأس بذلك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغالب يقرأ سورة واحدة مع الفاتحة، وجاء عن ابن مسعود ما يدل على أنه ربما قرأ ثنتين (¬3)، فالأمر في هذا واسع، كما فعله ¬

(¬1) البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7375، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة قل هو اللَّه أحد، برقم 813 .. (¬2) هذا حديث آخر غير حديث الباب، وهو في صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة، برقم 774، ولفظه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يُقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأُ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» .. (¬3) البخاري، كتاب الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة، برقم 775، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ، وهو الإفراط في السرعة، وإباحة سورتين فأكثر في ركعة، برقم 822.

17 - باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الأنصاري هنا، فإذا قرأ الإمام بالفاتحة, وقرأ معها آيات وسورة (قل هو اللَّه أحد)، أو قرأ (قل هو اللَّه أحد) وسورة أخرى، أو سورتين غير ذلك، فالأمر في هذا واسع, لأنه تعالى قال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (¬1). والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثُمَّ اقْرَا بمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» (¬2)، لكن [قراءة] سورة مستقلة مع الفاتحة اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم - في الأغلب أفضل، وإذا قرأ بعض الأحيان بسورتين، سورة وآيات مع الفاتحة, كل ذلك لا بأس فيه، ولا حرج فيه, ولا كراهة فيه, والحمد للَّه. 17 - بابُ تركِ الجَهرِ ببسمِ اللَّه الرَّحمنِ الرَّحيمِ 108 - عن أنسِ بنِ مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رضي الله عنهما -: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)» (¬3). وَفِي رِوَايَةٍ: «صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)» (¬4). 109 - ولمسلِمٍ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، ¬

(¬1) سورة المزمل، الآية: 20. (¬2) رواه البخاري، برقم 793، ومسلم، برقم 397، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 87. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 743، ومسلم، برقم 399. (¬4) وهي رواية مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم 399.

18 - باب سجود السهو

وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم -، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصلاة (¬1) بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) , لا يَذْكُرُونَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ، وَلا فِي (¬2) آخِرِهَا» (¬3). 18 - بابُ سجودِ السَّهو 110 - عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ ــ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا ــ قَالَ: فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى (¬4)، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ ــ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ــ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ ــ قَالَ (¬5): يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ قَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ». فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟» قَالُوا (¬6): نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ ¬

(¬1) «الصلاة»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «في»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 52 - (399). (¬3) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة، برقم 52 - (399). (¬4) «ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 482. (¬5): في نسخة الزهيري: «فقال». (¬6) في نسخة الزهيري: «فقالوا»، وهو في البخاري، برقم 482.

كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، ثُمَّ سَلَّمَ؟ قَالَ (¬1): فَنُبِّئْتُ: أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ» (¬2). العشي (¬3): ما بين زوال الشمس إلى غروبها، قال اللَّه تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (¬4). 111 - عن عبد اللَّه بن بحينة ــ وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلاةَ، وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، كَبَّرَ ــ وَهُوَ جَالِسٌ ــ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ» (¬5). 24 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة: الأوَّلُ منها يتعلق بقراءة البسملة في أول ¬

(¬1) «قال»: ليست في نسخة الزهيري .. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، بلفظه، برقم 482، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 573، وفيه: «... إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ، إِمَّا الظُّهْرَ، وَإِمَّا الْعَصْرَ»، وفي رواية لمسلم، برقم 99 - (573): «صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهُ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْعَصْرِ ...» الحديث، وفي رواية لمسلم أيضاً برقم 100 - (573): «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الظُّهْرِ ...»، واللَّه أعلم. (¬3) من كلمة العشي إلى كلمة الإبكار: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) سورة غافر، الآية: 55. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من لم ير التشهد الأول واجباً، برقم 829، واللفظ له، وكتاب السهو، باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة، برقم 1224، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 570.

القراءة, والثاني والثالث يتعلقان بما يفعله في سجود السهو. في حديث أنس المتقدم: الروايات كلها تدل على أنه لا يشرع للإمام الجهر بالتسمية عند القراءة؛ فإذا كبر بالصلاة واستفتح يتعوذ ويسمي سراً, ثم يجهر بالفاتحة في المغرب والعشاء والفجر والجمعة والعيد لا يجهر بالبسملة، هذا هو الأفضل؛ ولهذا قال أنس: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ما يجهر بـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في أول الصلاة, وهكذا أبو بكر وعمر وعثمان بعده - عليه الصلاة والسلام - , كانوا يسرون, فالسنة الإسرار بها، إذا كبر واستفتح, يقول: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم بسم اللَّه الرحمن الرحيم سراً، ثم يجهر, ويقول: الحمد للَّه رب العالمين, ويقرأ الفاتحة, هذا هو السنة, ولو جهر بعض الأحيان للتعليم، حتى يُعلِّم من خلفه أنه يقرأها فلا بأس, كما روى أبو هريرة وآخرون (¬1) من باب التعليم إذا جهر بها بعض الأحيان جهراً ¬

(¬1) «عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فَقَالَ: آمِينَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمِينَ، وَيَقُولُ: كُلَّمَا سَجَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الِاثْنَتَيْنِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -»، أخرجه النسائي، الافتتاح، باب قراءة بسم اللَّه الرحمن الرحيم، برقم 906، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 499، وابن حبان، 5/ 100، برقم 1797، وضعفه الشيخ الألباني، في تعليقه على صحيح ابن خزيمة. وسمعت شيخنا ابن باز - رحمه الله - يقول أثناء تعليقه على بلوغ المرام لابن حجر، الحديث رقم 301: الجمع بين حديث أبي هريرة، وما قبله في البسملة أنه ربما قرأ بالبسملة بعض الأحيان، حتى يُسمع من حوله، حتى يعلم أنه يقرؤها كما جاء في حديث أبي قتادة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعهم الآية أحياناً ليعلموا قراءته، ثم فعل أبي هريرة - رضي الله عنه - ليس بصريح، أما حديث أنس فهو صريح.

خفيفاً ليسمعها من خلفه أنه يقرؤها من باب التعليم فلا بأس, لكن السنة الإسرار بالتعوذ والتسمية، والجهر يكون في أول الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيما يُجهر فيه، كالمغرب، والعشاء، والفجر، والجمعة، هذا المقصود من رواية أنس, ليس المعنى أنهم يتركونها, لا, لكن لا يجهرون بها, ولهذا في اللفظ الآخر: «كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» (¬1) وهذا هو السنة. وأما حديث أبي هريرة من طريق ابن سيرين هو يدل على أن الإمام إذا سها, وهكذا المنفرد إذا سها في الصلاة, وسلم من ثنتين [في]: الظهر، أو العصر، أو العشاء، أو المغرب، إذا سلم من ثنتين ثم نبه أو تذكر, فإنه يكمّل صلاته, فإذا كملها، وقرأ التحيات يسلم, ثم يسجد للسهو سجدتين بعد السلام, هذا هو الأفضل، يكون سجوده بعد السلام إذا سلم عن ركعة أو ركعتين, يكون سجوده بعد السلام يكمل إذا نُبه أو تنبه, يكمل صلاته, ثم بعدما يكملها يسجد سجدتين للسهو بعد السلام, ثم يسلم تسليمة ثانية بعد السجدتين, هذا إذا كان عن نقص ركعة أو ركعتين، ويقول في السجود مثل ما يقول في الصلاة (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى) ويدعو ¬

(¬1) مسند أحمد، 20/ 219، برقم 12845، وابن حبان، 5/ 105، برقم 1802، وصحح إسناده محققو المسند، 20/ 219، والشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 3/ 306، برقم 1795.

مثل سجود الصلاة سواء. وفي هذا من الفوائد: أن الرسل يجري عليهم السهو مثل ما يجري على غيرهم، مثل ما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» (¬1) , فالرسل عليهم الصلاة والسلام يصيبهم النسيان كما يصيب غيرهم, لكنهم معصومون فيما يبلغون عن اللَّه أن يقع خطأ فكل ما يبلغ عن اللَّه فهو محفوظ: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬2) , فليس فيه خطأ, بل هم معصومون أن ينقلوا عن اللَّه من الشريعة ما هو خطأ, بل هم معصومون في ذلك, كل ما يبلغونه عن اللَّه فهو حق، لكن يقع منهم السهو, ولا يُقرون عليه فينبهون، إما أن يتنبه, وإلا أن يُنَبَّه مثل ما جرى في قصة (ذي اليدين) أنه سلّم من ثنتين - عليه الصلاة والسلام - في صلاة العصر، كما في الرواية الثانية، ثم قام وجلس في مقدم المسجد, فقال له ذو اليدين: أقصُرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: «لم أنس ولم تقصر». وكان قد نسي - عليه الصلاة والسلام - , فسأل الناس، فصوَّبوا ذا اليدين, فقام وكمَّل - عليه الصلاة والسلام -، ثم بعدما كمل وسلم من التشهد، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم منها - عليه الصلاة والسلام - , هذا هو السنة, وإن سجد قبل السلام أجزأه, لكن الأفضل بعد السلام في مثل هذا إذا كان النقص عن ركعة أو ¬

(¬1) البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم 401، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 572. (¬2) سورة النجم، الآية: 4.

ركعتين يكون سجوده بعد السلام, هذا هو الأفضل، أما إذا كان سهوه عن غير ذلك, فمثلاً ترك التشهد الأول ناسياً, وقام للثالثة, هذا يسجد قبل السلام, وهكذا جميع أنواع السهو كله قبل السلام, كله يسجد قبل السلام ثم يسلم، إذا نسي التشهد الأول، نسي التكبير عند الركوع أو عند السجود، أو نسي: رب اغفر لي بين السجدتين، أو نسي أن يقول: سمع اللَّه لمن حمده، هذه كلها يسجد لها قبل السلام سجدتين للسهو, وهكذا المنفرد مثله سواء بسواء. أما المأموم ما عليه شيء، فهو تبع لإمامه, لو سها المأموم الذي دخل من أول الصلاة ليس عليه شيء, فهو تابع لإمامه، إلا إذا كان مسبوقاً بشيء؛ فإنه يسجد للسهو، إذا كان مسبوقاً بركعة أو أكثر؛ فإنه إذا سها يسجد للسهو, بعدما يقضي ما عليه، إذا قضى ما عليه يسجد للسهو قبل السلام, إلا إذا كان سلم عن ركعة أو ركعتين نقصاً, يكون سجوده بعد السلام, كما تقدم في حديث ابن سيرين، وبهذا تعلم أن السهو له حالان: أحدهما: أن يكون ساهياً في ترك ركعتين أو ركعة, وسلم منها ثم نبه وكمل, هذا يكون سجوده بعد السلام, هذا هو الأفضل, وإن سجد قبل السلام أجزأه. والثاني: إذا غلب على ظنه أنه سها: غلب على ظنه الصواب, هذا يسجد للسهو بعد السلام, أيضاً يتحرّى الصواب, ويتم عليه, ويسجد بعد السلام.

19 - باب المرور بين يدي المصلي

هاتان الحالتان: سجودهما بعد السلام أفضل, وإن سجد قبل السلام فلا بأس. النوع الثاني: يكون سهوه غير ذلك, مثل ترك التشهد الأول, يترك التسبيح بين السجود، أو في الركوع, يشك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً، يجعلها ثنتين ويسجد للسهو قبل السلام، أو شك في ثلاث أو أربع يجعلها ثلاثاً، ثم يكمل، ثم يسجد للسهو قبل السلام, هذا هو الأفضل, وإن سجد بعد السلام أجزأه. 19 - بابُ المرورِ بينَ يديِ المصلي 112 - عن أبي جُهيم ــ عبد اللَّه (¬1) بن الحارث بن الصمة الأنصاري ــ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ ــ مِنَ الإِثْمِ ــ لَكَانَ، أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لا أَدْرِي: قَالَ «أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ شَهْراً أَوْ سَنَةً» (¬2). 113 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ ¬

(¬1) «عبد اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، برقم 510, ومسلم، كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة، برقم 507، وقوله: «من الإثم» لم أجدها في ألفاظ البخاري، ولا مسلم التي بين يدي. (¬3) في نسخة الزهيري: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في البخاري، برقم 509.

يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (¬1). 114 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ ــ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ ــ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ» (¬2). 115 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَإِذَا (¬3) قَامَ بَسَطْتُهُمَا، [قَالَت:] (¬4) وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ» (¬5). 25 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالمرور بين يدي المصلي: من المعلوم أنه لا يجوز المرور بين يدي المصلي قريباً منه، ولا بينه وبين السترة التي وضعها؛ للأحاديث المذكورة في الباب, ولغيرها ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، بلفظه، برقم 509، ومسلم، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي، برقم 259 - (505). (¬2) رواه البخاري، كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير، برقم 76، ومسلم، كتاب الصلاة، باب سترة المصلي، برقم 504. (¬3) في نسخة الزهيري: «فإذا قام»، وهي في البخاري، برقم 382. (¬4) «قالت»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 382. (¬5) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الفراش، بلفظه، برقم 382، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم 272 - (512).

من الأحاديث الدالة على أنه لا يجوز المرور بين يديه؛ لما فيه من التشويش عليه, أو قطع صلاته إن كان المار مما يقطعها. ومن أدلة التحريم قوله - عليه الصلاة والسلام -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ ــ أي مِنَ الإِثْمِ ــ لَكَانَ، أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» (¬1)، ماذا عليه أي من الإثم. ذكر المؤلف من الإثم, وهي ليست في رواية الصحيحين, وإنما ذكرها بالمعنى, والصواب أنها غير مذكورة في الحديث, وإنما رواها بالمعنى من السياق, ويدل ذلك على تحريم المرور بين يديه، إذا كان لو يعلم ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين, سواء كانت شهوراً أو أعواماً أو أياماً, كله عظيم, ويدل على شدة التحريم، وأنه لا يجوز للمسلم أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي قريباً منه، أو بين يديه وبين السترة التي وضعها من جدار، أو سارية، أو عَنَزَة، أو غير ذلك. واختلف فيما إذا كان ليس بين يديه سترة متى يكون بين يديه, والأرجح أنه إذا كان في مسافة ثلاثة أذرع فأقل فهو بين يديه، وإذا كان بعيداً؛ فإنه لا يضره ذلك. ومن أدلة ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار الذي أمامه ثلاثة أذرع (¬2) , قال بعض أهل العلم هذا يدل على أنه يكون بين ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 510, ومسلم، برقم 507، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 112. (¬2) أخرج البخاري، في كتاب الصلاة، باب الصلاة بين السواري في غير جماعة، برقم 506: «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِيهِ، قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَاسٌ أنْ يصَلَّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ».

يديه إذا كان في ثلاثة أذرع فأقل, أما إذا كان بعيداً؛ فإنه لا يكون بين يديه، ولا يضره مروره, سواءً كان المار رجلاً أو امرأة أو دابة. أما الذي يقطع الصلاة، فقد روى مسلم في صحيحه أنه يَقْطَعُ صَلَاةَ المرءِ المُسْلِمِ إذَا لَمْ يكُن بيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ: «الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأسود». هكذا روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر (¬1) , وروى معناه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - لكن بغير ذكر الكلب الأسود (¬2) , وروى بعضهم أيضاً كما ذكر النسائي بسند صحيح عن ابن عباس: «المرأة والحمار» (¬3). وهذا يدل على أنه إذا مر بين يديه امرأة بالغة كما في حديث ابن عباس، أو حمار، أو كلب أسود يقطع صلاته, وهكذا بينه وبين السترة، وقد استنكرت عائشةل ذلك فيما يتعلق بالمرأة، قالت: كنت أنا بين يديه ورجلاي في قبلته, فإذا سجد غمزني, فقبضت رجليَّ, وإذا قام بسطتهما. قالت: بئسما شبهتمونا بالحمير ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم 510. (¬2) رواية مسلم لفظها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ»، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، برقم 511. (¬3) أخرج النسائي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: «مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ. قَالَ يَحْيَى رَفَعَهُ شُعْبَةُ».

والكلاب (¬1) , وهذا منها - رضي الله عنها - اجتهاد ورأي, ولم تعلم السنة التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وليس مد الرجلين مثل المرور، المرور شيء، ومدُّ الرجلين شيءٌ آخر، فمدُّ الرجلين إلى المصلي ما يقطع صلاته, وإنما يقطعها المرور من جانب إلى جانب, سواء كان المار امرأة أو حماراً أو كلباً أسود، هذا هو الذي يقطع الصلاة. أما مرور الرجل، أو الدابة، غير الكلب الأسود، أو الكلب الذي ليس أسود، هذا لا يقطع، ولكنه يمنع, ينبغي أن يمنع, أن لا يمر، المصلي ينبغي أن يمنع المار، ولو كان المار رجلاً أو دابة غير الكلب، أو الكلب، كله يمنع، لا يدع يمر بين يديه؛ ولهذا في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (¬2)، معنى يقاتله أي يدافعه بقوة، المقاتلة: المدافعة بقوة, ليس المراد يقتله بالسيف، أو بشيء يقتله لا، المراد أنه يدافعه بقوة؛ لأنه من شياطين الإنس؛ ولهذا وجب أن ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب الصلاة، باب التطوع خلف المرأة، برقم 5513، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي، برقم 512 «عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، وَذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ [وفي رواية لمسلم]: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ». (¬2) رواه البخاري، برقم 509، ومسلم، برقم 505، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 113.

يدفع حتى لا يُشوِّش على المصلي صلاته, ولو كان رجلاً، أما إن كان المار امرأة يحصل التشويش والقطع أيضاً، وهكذا الحمار مطلقاً، والكلب الأسود خاصة؛ لأنه شيطان، والشيطان من كل جنس متمرد, فشيطان بني آدم المتمرد المؤذي الذي يؤذي الناس بما يضرهم, وشيطان الكلاب هو الأسود منها, وشيطان كل جنس ما فيه الأذى والضرر والتعدي. وفي حديث ابن عباس الدلالة على أن المرور بين يدي المأمومين لا يضر, إنما هذا بين يدي الإمام أو المنفرد, أما لو مرّ بين الصفوف ما يضرهم؛ لأنهم تبع إمامهم، سترته سترة لهم، فلا يضر المرور بين يديهم, فلو مر بين يديهم حمار، أو كلب، أو امرأة لا يقطع صلاة المأمومين, اكتفاءً بسترة الإمام؛ ولهذا ترك الأتان ترتع، ولم ينكر ذلك عليه أحد؛ لأنها لا تقطع صلاتهم, وهكذا لو مرت امرأة بينهم، أو كلب لم يقطع صلاتهم, فالمأموم مربوط بإمامه, ولا يضره من مرّ بين يديه، ولكن ينبغي للمؤمن إذا كان له مندوحة (¬1) أن لا يشوش عليهم، إذا كانت مندوحة، أما إذا كان ما فيه مندوحة بأن رأى فرجة ليذهب إليها يسدها، أو ليس له طريق إلا المرور عليهم، فلا يضر، ولا بأس بذلك، ولا يضرّ صلاتهم. ¬

(¬1) مندوحة: أي سَعَة، وفُسْحة، يقال: نَدَحْتُ الشيء إذا وسَّعْتَه، وإنك لفي نُدْحةٍ ومَنْدوحةٍ من كذا: أي سَعَةٍ. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 83، مادة (ندح).

20 - باب جامع

س: يسأل سائل: الطفل الصغير هل يقطع الصلاة؟ ج- يُمنع من المرور، ولا يقطع حتى الرجل الكبير ما يقطع, والمرأة الصغيرة التي لم تبلغ لا تقطع, لكن يمنع من المرور, لا يمر، ولو لم يقطع؛ ولهذا جاء في الحديث: «فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ» (¬1)، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى دابة تريد أن تمر، فتقدم حتى يمنعها من المرور (¬2). 20 - بابٌ جامعٌ 116 - عن أبي قتادة ــ الحارث (¬3) بن ربعي ــ الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (¬4). 117 - عن زيد بن أرقم قال: «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 509، ومسلم، برقم 505، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 113. (¬2) أخرج الإمام أحمد، 11/ 439، برقم 6852، والبزار في مسنده البحر الزخار، 6/ 453، برقم 2494، والطبراني في مسند الشاميين، 2/ 380، برقم 1540، ولفظ أحمد: عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: «أَنَّهُ [- صلى الله عليه وسلم -] حِينَ هَبَطَ بِهِمْ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ إِلَى جَدْرٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً، فَأَقْبَلَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا، وَيَدْنُو مِنَ الْجَدْرِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى بَطْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ لَصِقَ بِالْجِدَارِ، وَمَرَّتْ مِنْ خَلْفِهِ»، وصحح إسناده محققو المسند، 11/ 440. (¬3) «الحارث»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين، برقم 444، وفي أبواب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، واللفظ له، برقم 1163، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما وأنها مشروعة في جميع الأوقات، برقم 714.

منا (¬1) صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى (¬2) وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬3)، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلامِ» (¬4). 118 - عن عبد اللَّه بن عمر، وأبي هريرة - رضي الله عنهم - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬5) أنه قال: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنِ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (¬6). 26 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها يتعلق بتحية المسجد, والثاني يتعلق بالكلام في الصلاة, والثالث يتعلق بتأخير صلاة الظهر عند شدة الحر. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (¬7)، وقد جاء في عدة أحاديث تدل على شرعية وتأكد صلاة ركعتين لمن دخل المسجد، وهو على وضوء، وهو طاهر, وهذا محل وفاق بين أهل العلم إذا كان الوقت ليس وقت نهي، كالضحى، والظهر، والليل, أما إذا كان الوقت وقت نهي كبعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر، اختلف العلماء في ذلك على قولين: أصحهما، وأصوبهما أنه يفعلها, ولو في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب: كصلاة الطواف بعد العصر والصبح، وصلاة الكسوف، وقضاء الفوائت, تُفعل في كل وقت؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ ¬

(¬1) «منا»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4534. (¬3) سورة البقرة، الآية: 238. (¬4) رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، برقم 1200، وكتاب التفسير، باب وقوموا للَّه قانتين، برقم 4534، وجملة: «ونهينا عن الكلام» ليست في البخاري، وإنما هي لمسلم فقط، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، برقم 35 - (538). (¬5) في نسخة الزهيري: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬6) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر، برقم 533، واللفظ له، و536، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه، برقم 615. (¬7) رواه البخاري، برقم 1163،ومسلم، برقم 714،وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 116.

رَكْعَتَيْنِ»، هذا يعم جميع الأوقات, وهكذا ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى رجلاً دخل وهو يخطب يوم الجمعة, قال: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (¬1). وهو يخطب - عليه الصلاة والسلام - مع أنهم مشغولون بسماع الخطبة, ومع ذلك أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي ركعتين, وقال: «إِذَا دَخَل أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» (¬2). وهذا كله إذا كان الداخل للمسجد على وضوء، أما إذا كان ليس على وضوء فإنه يجلس, ولا يجوز أن يصلي وهو على غير وضوء؛ لأن شرط الصلاة الطهارة. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب، برقم 930، و931، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 875. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 59 - (875)، وأخرجه البخاري، في جزء القراءة، برقم 161، وفي صحيحه، برقم 1166 بنحوه.

الحديث الثاني: حديث زيد بن أرقم الأنصاري - رضي الله عنه - قال: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّلاَةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ، لحاجته حَتَّى نَزَلَ قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬1) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ, ونُهينا عن الكلام» (¬2)، وهكذا جاء عن ابن مسعود، وكانوا يتكلمون والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة, ثم إنه قال: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أحْدث مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ (¬3)، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» (¬4)، وكانوا يسلمون عليه فيرد عليهم [...] (¬5). ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «إِذَا نَابَ أحدكُمْ شيْءٌ فِي (¬6) صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ» (¬7). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 238. (¬2) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، برقم 539، وأخرجه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، برقم 1200، ورقم 4534 مختصراً, (¬3) آخر الوجه الأول من الشريط الخامس. (¬4) البخاري معلقاً، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ}، قبل الحديث رقم 7522، وأحمد، 7/ 210، برقم 4145، وابن حبان، 6/ 15، برقم 2243، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة، برقم 925، وصححه محققو المسند، 7/ 210، والشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 79. (¬5) ما بين المعقوفين في الكلام سقط يسير: قال الشيخ: يقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه حتى ينتبه من يريد كلامه، والذي يظهر أن الشيخ قال: أما بعد النهي عن الكلام في الصلاة فإن من أراد تنبيه المصلَّي يقول: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه حتى ينتبه من يريد كلامه، وقد راجعته في أشرطة المؤسسة، وفي غيرها فلم أجده. (¬6) أول الوجه الثاني من الشريط الخامس. (¬7) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر جازت صلاته، برقم 684، 1204، 2690، 7190، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم، برقم 421، وغيرهما عن سهل بن سعد بنحوه.

أما الكلام فممنوع في الصلاة حتى يُسلم, وهذا مما استقرت عليه الشريعة, وكان ناسخاً لما قبله من إباحة الكلام في الحاجة. والحديث الثالث حديث ابن عمر وأبي هريرة في شدة الحر، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (¬1) , وكان في بعض أسفاره يأمرهم بالإبراد, حتى يرى فيء التلول وهم في السفر, ثم يصلون صلاة الظهر، هذا هو السنة في شدة الحر في المدن والقرى وللمسافر أيضاً، فالسنة للجميع أن يؤخروا الصلاة بعض الشيء, حتى ينكسر الحر, وحتى يخف الحر بعض الشيء، معلوم أنه يتأخر إلى ما بعد العصر شدة الحر, لكن المقصود أنه يؤخرها بعض الشيء, حتى يكثر الظل في الأسواق, وحتى يتسهل للناس المشي إلى المساجد في الظل في ظل الحيطان, بعدما تميل الشمس إلى جهة الغرب كثيراً, ليتيسر لهم الظل وينكسر الحر والشدة؛ ولهذا قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، حتى إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أحدُنا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ» (¬2) فدل على أن هناك حرًّا شديداً، ولكن ¬

(¬1) صحيح البخاري، برقم 536، ومسلم، برقم 615، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 52. (¬2) رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب بسط الثوب في الصلاة للسجود، برقم 1208، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة, باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر, برقم 620.

بعدما ينكسر بعض الشيء, ويؤخر بعض الوقت, مثل نصف ساعة أو ساعة, وما يقارب ذلك, حتى ينكسر الحر بعد الزوال في شدة الحر, سواء كان في مدينة أو قرية أو في سفر. 119 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1): «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ، وتَلاَ قوله تعالى (¬2): {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬3)» (¬4). ولمسلمٍ «مَنْ نَسِيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» (¬5). 120 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما -: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ (¬6) الآخِرَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاةَ» (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال». (¬2) «وتلا قوله تعالى»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) سورةطه، الآية: 14. (¬4) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة، برقم 597، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، واللفظ له، برقم 684. (¬5) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، برقم 315 - (684). (¬6) في نسخة الزهيري: «عشاء الآخرة»، وهي في مسلم، برقم 180 - (465). (¬7) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب من لم يرَ إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، برقم 6106، ومختصراً في كتاب الأذان، باب إذا طول الإمام، وكان للرجل حاجة فخرج فصلى، برقم 700، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء، برقم 80 - (465)، واللفظ له.

121 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ (¬1) الأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ» (¬2). 27 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على أنه ينبغي للمؤمن إذا فاتته الصلاة، أو نام عنها، أو نسيها أن يبادر بالقضاء؛ لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬3). ولهذا لما سُئل - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك أجاب: «من نام عن الصلاة، أو نسيها, فليصلها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك» (¬4)، فإذا عرض للمسلم نسيان أو نوم عن أي صلاة, فليبادر إلى قضائها من حين يتذكر أو من حين يستيقظ: فجراً، أو ظهراً، أو عصراً، أو ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «في الأرض»، و» «من الأرض» في البخاري، برقم 1208، ومسلم، برقم 620. (¬2) رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة، باب إذا بسط الثوب في الصلاة للسجود، برقم 1208، ومسلم, كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت، برقم 620، واللفظ له. (¬3) سورة طه، الآية: 14. (¬4) البخاري، برقم 597، ومسلم، برقم 684، ولفظه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

مغرباً، أو عشاءً، والواجب عليه عند النوم أن يتثبت في الأمر, وأن يعمل ما يلزم مما يعينه على الاستيقاظ في الوقت: كالساعة، أو تكليف أهله بأن يوقظوه, حتى لا ينام عنها, سواء كانت الفجر، أو غيرها, وليس له التساهل في هذا, بل يجب عليه أن يعمل ما يلزم حتى يتيسر له اليقظة وقت الصلاة. وقد يسّر اللَّه السّاعات الآن, ففيها إعانة على هذا الأمر إذا ركبها (¬1) في الوقت بأن ينبه على الوقت؛ فإن هذا مما يعينه, وكذلك البكرة وعدم السهر, لأنه إذا سهر قد لا يسمع صوت الساعة من شدة النوم, ولكن ينبغي له أن يبكر ولا يسهر, حتى يعينه ذلك على اليقظة وأداء الصلاة في وقتها مع المسلمين. وفي الحديث الثاني حديث صلاة معاذ بأصحابه: كان يصلي بأصحابه العشاء، وبعد ما صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - , وهذا يدل على أنه لا بأس أن يصلي الإنسان الفريضة مع إمام, ثم يصلي بجماعته نافلة له، وهي لهم فريضة, لا حرج في ذلك. وكان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتعلم وليستفيد, ثم يرجع فيصلي بأصحابه صلاة العشاء, والنبي - عليه الصلاة والسلام - أقره على هذا، فدل ذلك على أنه لا بأس أن يكون الإمام متنفلاً والجماعة مفترضين، ولا حرج في ذلك. ¬

(¬1) ركبها: أي وقّتها على الوقت الذي يريد.

ومن هذا أيضاً في صلاة الخوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بطائفة ركعتين في بعض أسفاره وبعض غزواته, ثم صلى بآخرين ركعتين, وكانت الأولى له فريضة, والثانية له نافلة, ولأصحابه فريضة - رضي الله عنهم - وأرضاهم. هذا كله يدل على جواز مثل هذا، ولا حرج, وفي ذلك أن يكون الإمام متنفلاً ويكون الجماعة مفترضين، لا حرج في ذلك، النية هي العمدة, فـ «الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬1). وكذلك كان الصحابة - رضي الله عنهم -، ربما صلوا في شدة الحر والأرض حارة, فيبسط أحدهم ثوبه ليسجد عليه, لا حرج في ذلك إذا كانت الأرض باردة أو حارة, وبسط رداءه، أو سجادة، أو أطراف أكمامه عن الحرارة والبرودة، أو عمامته, لا حرج في ذلك. 122 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2): «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (¬3). 123 - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ (¬4): «مَنْ أَكَلَ ثُوماً ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1. (¬2) في نسخة الزهيري: «قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، برقم 359، بلفظ: «ليس على عاتقيه منه شيء»، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد، وصفة لبسه، برقم 516 بلفظ: «عاتقيه»، وأما لفظ: «عاتقه» فرواه الشافعي في مسنده، ص 23، وأحمد، 16/ 51، برقم 9980، والنسائي، كتاب القبلة، صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، برقم 769، وصحح إسناده محققو مسند أحمد، والألباني في إرواء الغليل، 1/ 304. (¬4) في نسخة الزهيري: «أنه قال»:.

أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا ــ أَوْ (¬1) لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ــ وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ»، وَأُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِن بُقُولٍ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحاً. فَسَأَلَ عنها (¬2)؟ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: «قَرِّبُوهَا» ــ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِه كان معه (¬3) ــ فَلَمَّا رَأَىهُ كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ: «كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لا تُنَاجِي» (¬4). 124 - عَنْ جَابِرٍ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أو الثُّومَ أو الْكُرَّاثَ (¬6)، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ» (¬7). 28 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالصلاة. الحديث الأول يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وليعتزل مسجدنا» بواو، بدون الألف، ولفظ المتن في مسلم، برقم 73 - (564). (¬2) «عنها»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) «كان معه»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 855. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث، برقم، 855، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً وبصلاً أو كراثاً أو نحوها، برقم 73 - (564). (¬5) في نسخة الزهيري: «عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬6) في نسخة الزهيري: «من أكل البصل، والثوم، والكراث»، وهي رواية لمسلم، برقم 74 - (564). (¬7) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً وبصلاً أو كراثاً أو نحوها، برقم 74 - (564)، وراه البخاري، كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث، برقم 854، وباب ما يكره من الثوم والبقول، برقم 5452، بنحوه دون ذكر الملائكة.

الْوَاحِدِ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (¬1) , وفي الرواية الأخرى: «لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ» (¬2)، هذا يدل على وجوب ستر العاتقين، أو أحدهما في الصلاة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك واجب في الفرض والنفل, وذهب آخرون إلى أنه واجبٌ في الفرض فقط، وذهب الأكثرون إلى أنه سنة, ويجزئه أن يصلي في الإزار فقط أو السراويل فقط؛ لأنه ستر العورة المغلظة ما بين السرة والركبة. والصواب ما دل عليه الحديث، وأنه لا يجوز أن يصلي في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء: إن كان واسعاً يلتحف به, وإن كان ضيقاً يأتزر به, فيجعل على عاتقه رداءً مستقلاً مع القدرة، أو يلبس قميصاً، أو ما أشبه ذلك مما يستر العاتقين أو أحدهما, عملاً بهذا الحديث الصحيح, الذي رواه الشيخان في الصحيح. ولا فرق بين الفرض والنفل؛ لعموم الحديث؛ لأن «لا يصلي» عام يعم الفرض والنفل, وهذا القول هو الصواب من الأقوال الثلاثة، يجب ستر العاتقين أو أحدهما في الفرض والنفل؛ لهذا الحديث الصحيح، وما جاء في معناه من الأحاديث الدالة على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يصلي في ثوب واحد يشتمله, قال لجابر: «إِنْ كَانَ وَاسِعًا ¬

(¬1) البخاري، برقم 359، ومسلم، برقم 516، والشافعي في مسنده، ص 23 بلفظه، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 122. (¬2) رواه البخاري، برقم 359، ومسلم، برقم 516، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 122.

فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ» (¬1)، فهذا كله دليل على أنه مع القدرة يصلي يستر العاتقين أو أحدهما, ومع العجز يكفي المئزر أو السراويل؛ لأن اللَّه لا يكلف نفساً إلا وسعها. والحديث الثاني والثالث فيما يتعلق بالثوم والبصل والكراث, وأن من أكل شيئاً منها فإن عليه أن يعتزل المساجد, ويعتزل المسلمين, ولا يصلي معهم, لأنه يؤذيهم بذلك, ولهذا قال: «وَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (¬2)، هذا يدل على أنه لا يجوز له حضور المساجد؛ لأنه يؤذي المسلمين، ويؤذي الملائكة؛ ولهذا قال: «فإنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ» (¬3)، فلا ينبغي له أن يحضر في المساجد حتى ولو في غير الجماعة, ولو لمجرد القراءة في المسجد, أو نحو ذلك؛ لأنه يؤذي الملائكة؛ ولهذا قال: «فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ» (¬4). ولا ينبغي له أن يأكله ما دام يعوقه عن الصلاة في الجماعة، إلا من حاجة إذا أكله لحاجة من جوع، ومن دواء فلا بأس, وإذا تيسر ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقاً، برقم 361، وبنحوه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر، برقم 3010. (¬2) رواه البخاري، برقم، 855، ومسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123. (¬3) سنن ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب أكل الثوم والبصل والكراث، برقم 3365، وابن خزيمة، 3/ 85، برقم 1668، وصحيح ابن حبان، 4/ 524، برقم 1646، والسنن الكبرى للبيهقي، 3/ 76، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2713. (¬4) مسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123 ..

أن يتعاطى ما يزيل الرائحة من الأدوية التي تزيل الرائحة، فذلك كافٍ, وإذا أماته طبخاً فإنه يزيل الرائحة، إذا أماته طبخاً جيداً فإنه يزيل الرائحة, وإذا بقي شيء فيتعاطى ما يزيل الباقي من أنواع المزيلات التي يعرفها الأطباء، ونحوهم ممن جرب هذه الأمور. وفيه أنه عُرض عليه طبق من خضرات: قدر فيه خضرات, فوجد لها ريحاً، فقال لبعض أصحابه: قدموها لبعض أصحابه، فلما رآه لم يأكل منها ذلك الصحابي كره أن يتعاطاها, فقال: «كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لا تُنَاجِي» (¬1)، يعني جبرائيل - عليه الصلاة والسلام -. فهذه البقول غير الثوم والبصل بقول وجد فيها ريحاً ما ناسبته - عليه الصلاة والسلام - فتركها؛ لئلا يتأذى بها جبرائيل - عليه الصلاة والسلام - , وأذن لأصحابه في أكلها, فالبقول التي ليس فيها رائحة كالثوم والبصل والكراث، لا بأس أن يأكلها الإنسان, لا حرج في ذلك: كأنواع البقول: الجرجير، والخس، وأشباه ذلك مما ليس له رائحة كريهة, فلا حرج في أكله, وإن كرهه بعض الناس لبعض رائحته, لكن ليس مثل الثوم والبصل والكراث, فهذه ينبغي تركها إلا من حاجة, وإذا أكلها فلا يحضر إلى المساجد, ولا يصلي مع الناس, لئلا يؤذيهم بها, وفي معنى ذلك كل رائحة كريهة: كالصنان (¬2) الذي يبتلى به بعض الناس, ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم، 855، ومسلم، برقم 564، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 123. (¬2) الصنان: الذفر تحت الإبط وغيره، وأَصَنَّ الشيء بالألف صار له: صُنَانٌ. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 349، مادة: (صن).

21 - باب التشهد

إن كان له رائحة شديدة يؤذي بها الناس, فلا يحضر حتى يغتسل ويتنظف، ويجاهد، لعله يزول ما عليه من هذه الرائحة الكريهة. وهكذا التدخين، يجب عليه أن يجتهد حتى لا يؤذي الناس برائحة الدخان, فإذا كان يتعاطاه فليستر على نفسه, ويتباعد عن إظهار هذا المنكر؛ لأن هذا منكر، التدخين منكر, فيجمع بين إظهار المنكر, وإيذاء الناس بالرائحة, فالواجب عليه يستتر بستر اللَّه, وأن يحرص على أن لا تظهر الرائحة لأحد من الناس, حتى يستتر عن ظهور هذا المنكر, وحتى لا يؤذي به المسلمين, الذين لم يعتادوه, ولم يشربوه, لا في الصلاة، ولا في غيرها. 21 - بابُ التَّشهدِ 125 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - التَّشَهُّدَ ــ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ــ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (¬1). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب الأخذ باليدين، برقم 6265، واللفظ له، وكتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة، برقم 831، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.

126 - وَفِي لَفْظٍ: «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ للصَّلاةِ (¬1)، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ للهِ ــ وَذَكَرَهُ، وَفِيهِ ــ: فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ (¬2) صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ــ وَفِيهِ ــ فَلْيَتَخَيَّرْ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (¬3). 127 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّم عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ (¬4) عَلَى إبْرَاهِيمَ، وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى (¬5) إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبرَاهيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «في الصلاة»، وهي في البخاري، برقم 6328. (¬2) في نسخة الزهيري: «عبد للَّه صالح». (¬3) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء في الصلاة، برقم 6328، وكتاب العمل في الصلاة، باب من سمى قوماً، أو سلم في الصلاة على غير مواجهة وهو لا يعلم، رقم 1202، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402. (¬4) في نسخة الزهيري: «... كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»، ولم يذكر الصلاة على إبراهيم. (¬5) في نسخة الزهيري: «... كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»، ولم يذكر: كما باركت على إبراهيم، وهو لفظ البخاري، في كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3657. (¬6) رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب، برقم 3370، واللفظ له، وفي كتاب الدعوات، باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 6357، ومسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد، برقم 406.

29 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان العظيمان الصحيحان عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - فيهما بيان كيفية التشهد, الذي يأتي به المسلم في الصلاة, وبيان كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً في الصلاة. أما التشهد فكان الصحابة في أول الأمر إذا جلسوا في التشهد الأول والتشهد الأخير, يقولون: السلام على اللَّه من عباده, السلام على جبريل وميكائيل, السلام على فلان وفلان، فعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يقولون، وقال: «إِذَا قعد أَحَدُكُمْ -يعني للتشهد- فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (¬1). هذا هو التشهد يقال في التشهد الأول بعد الركعتين, ويقال في التشهد الأخير قبل السلام، «ثُمَّ ليَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه فيدعو به» (¬2) , وفي اللفظ الآخر: «ثمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (¬3)، يعني ¬

(¬1) البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء اللَّه تعالى، برقم 6230، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402. (¬2) البخاري، كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب، برقم 835، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد، برقم 402. (¬3) البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام اسم من أسماء اللَّه تعالى، برقم 6230، ومسلم، كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، برقم 402.

بعد هذا يدعو بعد هذا, وبعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا فَعَلْتُمْ هذا، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» (¬1)، يعني إذا قال: السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، فمعناه: سلّم على كل عبدٍ صالح من الأنبياء وغيرهم في السماء والأرض, يعني دعا لهم. السلام دعاء، فمعناه: السلام علينا أي: من السلامة والعافية علينا، وعلى عباد اللَّه الصالحين, وهكذا السلام عليك أيها النبي, يعني السلامة لك أيها النبي والرحمة والبركة, يدعون للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة والرحمة والبركة, ويدعو لعباد اللَّه الصالحين بالسلامة, ولنفسه كذلك علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، فالمؤمن في تشهده يدعو للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسلامة والرحمة والبركة, ويعظم اللَّه بقوله: التحيات للَّه, التحيات للَّه، أي: التعظيمات من الركوع والسجود، والثناء كله للَّه وحده - سبحانه وتعالى -، وهكذا الصلوات للَّه, الصلوات الخمس، والنافلة، وجميع الدعاء كله للَّه وحده، والطيبات؛ كل الطيبات من أقوالنا وأعمالنا، فيجب أن تكون للَّه وحده, ثم يأتي بعد هذا بالتشهد: أشهد أن لا إله إلا اللَّه, وفي الرواية الأخرى: «وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (¬2). يعني أشهد، ¬

(¬1) رواه البخاري، رقم 1202، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 126. (¬2) موطأ الإمام مالك، 2/ 126، برقم 303، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب التشهد، برقم 971، وسنن النسائي، كتاب التطبيق، باب كيف التشهد الأول، برقم 1168، وصحيح ابن حبان، 14 - / 311، برقم 6402، وصحح إسناده العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 125.

يعني أعلم، وأعترف، وأقر بأنه لا إله إلا اللَّه، يعني لا معبود حق إلا اللَّه، هذا معنى لا إله إلا اللَّه, أي لا معبود حق, لا في السماء ولا في الأرض إلا اللَّه هو سبحانه, هو المعبود بحق, كما قال - عز وجل - في كتابه العظيم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُو الْبَاطِلُ} (¬1)، وقال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (¬2)، {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} (¬3)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬4)، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاه} (¬5)، {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (¬6). هذا هو معنى: لا إله إلا اللَّه. معناها: لا معبود حق لا في الأرض ولا في السماء إلا اللَّه. أما المعبودات التي عبدها الناس من الأصنام، أو الأشجار، أو الملائكة، أو الأنبياء، أو الجن، كل ذلك باطل؛ العبادة حق للَّه - سبحانه وتعالى - , فلا يُدعى مع اللَّه أحد, لا ملك، ولا نبي، ولا جني، ولا شجر، ولا صنم، ولا غير ذلك، والعبادة حق اللَّه وحده, هو الذي يُدعى, هو الذي يُرجى, ويُصلى له, ويُركع له, ويُسجد له, ويُذبح له, ويُنذر له, رجاء ثوابه, وحذر عقابه - سبحانه وتعالى -، مع الشهادة بأن محمداً يعني ابن ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 62. (¬2) سورة البقرة، الآية: 163 (¬3) سورة طه، الآية: 98. (¬4) سورة الفاتحة، الآية: 5. (¬5) سورة الإسراء، الآية: 23. (¬6) سورة البينة، الآية: 5.

عبداللَّه بن عبدالمطلب الهاشمي عبدُ اللَّه ورسوله، خاتمُ الأنبياء - عليه الصلاة والسلام - , وآخرهم: هو محمد، هذا اسمه، ابن عبد اللَّه، هذا اسم أبيه، ابن عبد المطلب، هذا جده، ابن هاشم أبي جده القرشي، أفضل العرب, وأفضل الخلق, وأفضل ولد آدم - عليه الصلاة والسلام -، ختم اللَّه به الأنبياء, وجعله رسولاً للناس عامة من الجن والإنس: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (¬1)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (¬2) - عليه الصلاة والسلام -. ثم يقول بعد هذا, كما في حديث كعب بن عجرة: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبرَاهيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (¬3). هذا التشهد مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - , ثم يقوم للثالثة في المغرب، والظهر، والعصر، والعشاء, وفي التشهد الأخير قبل أن يسلم يأتي بعد هذا بـ «اللَّهُمَّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (¬4)، هكذا في التشهد يوم الجمعة والفجر، إذا صلى على ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 158. (¬2) سورة سبأ، الآية: 28. (¬3) رواه البخاري، برقم 6357، ومسلم، برقم 406، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 127. (¬4) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 590، ولفظه: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ»، وبرقم 588 بلفظ: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فتنة الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» ..

النبي يأتي بهذا: اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال، هذا في التشهد الأخير قبل أن يُسلم يدعو ما تيسر, يقول: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً , وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً , وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (¬1)، «اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادَتِكَ» (¬2)، «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، ¬

(¬1) أخرج عبد الرزاق الصنعاني، 2/ 206، برقم 3082: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِهِ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ»، وبنحوه في مصنف ابن أبي شيبة، 1/ 264، برقم 3025،وصحح إسناده الشيخ الألباني في تمام المنة، ص 226 .. (¬2) عَنْ مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: «فَإِنِّي أُوصِيكَ بِكَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»، أخرجه الإمام أحمد، 36/ 443، برقم 22126، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، برقم 1522، والنسائي، كتاب السهو، نوع آخر من الدعاء، برقم 1304، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1362.

وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (¬1)، هذا من الدعاء الطيب قبل أن يسلم، «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» (¬2). هذا أيضاً دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم - عليه الصلاة والسلام -. ومن دعائه: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ من أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» (¬3)، فهذا مما دعا به النبي قبل أن يُسلم - عليه الصلاة والسلام -. وما تيسر من الدعاء يكفي بعد الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - , ثم يسلم تسليمتين: السلام عليكم ورحمة اللَّه عن يمينه، السلام عليكم ورحمة اللَّه عن شماله، وبهذا تمت الصلاة: النفل والفرض, وهذه الصلاة على النبي فرض في أصح قولي العلماء, يجب أن يأتي بها ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب العلم، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705: عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». (¬2) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم 771. (¬3) صحيح البخاري بنحوه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم 6365، ولفظه: «كَانَ سَعْدٌ، يَامُرُ بِخَمْسٍ، وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كَانَ يَامُرُ بِهِنَّ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا - يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ - وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» وانظر: البخاري أيضاً، كتاب الجهاد والسير، باب ما يتعوذ من الجبن، برقم 2822.

في التشهد الأخير، أما في الأول فهي مستحبة ما هي بلازمة (¬1)، الصلاة على النبي ما هي بلازمة، إذا قال أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعد الثانية في الظهر والعصر والمغرب والعشاء كفى, يقوم إلى الثالثة, وإن صلى على النبي بعدها فهو أفضل، يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - , ثم يقوم إلى الثالثة، أما في التشهد الأخير، فيأتي بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الواجب يأتي بها, ثم يدعو بعدها, ثم يُسلم في الفرض والنفل جميعاً. ومعنى على آل محمدٍ يعني أزواجه وذريته وأصحابه وأتباعه: هم آل النبي، آل النبي: أزواجه، وذريته المؤمنون، وأصحابه، وأتباعه, كلهم داخلٌ في آله - عليه الصلاة والسلام -. 128 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو في صلاته (¬2): اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (¬3). وفي لفظ لمسلمٍ: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ. يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ جَهَنَّمَ ــ ثم ذَكَرَ نَحُوَهُ» (¬4). ¬

(¬1) أي: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول لا تلزم، وذكرها أفضل، كما قرر الشيخ - رحمه الله -. (¬2) «في صلاته»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر، برقم 1377، ومسلم بنحوه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 131 - (588). (¬4) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 128 - (588)، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ».

129 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنهم -: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي. قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنِ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (¬1). 130 - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: «مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صلاةً ــ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (¬2) ــ إلاَّ يَقُولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (¬3). وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2705، وفي لفظ مسلم: «اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَثِيرًا - ...»، وفي لفظ البخاري، برقم 817، ومسلم، برقم 217 - (484) في آخره: «يتأول القرآن»، وفي لفظ لمسلم، برقم 52 - (705): «عَلِّمْنِي يَا رَسَولَ اللَّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، وَفِي بَيْتِي». (¬2) سورة النصر، الآية: 1. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، وباب التسبيح والدعاء في السجود، برقم 817، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 484. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب التسبيح والدعاء في السجود، برقم 817، وكتاب التفسير، سورة النصر، برقم 4968، واللفظ له هنا، مع زيادة في آخره: «يتأول القرآن»، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 217 - (484)، وفي لفظ البخاري، برقم 817، ومسلم، برقم 217 - (484) في آخره يتأول القرآن».

30 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالدعاء في الصلاة, ولاسِيَّما في آخرها قبل السلام, وقد سبق الحديث الصحيح من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما علّم أصحابه التشهد, قال: «ثمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «ثُمَّ ليَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه فيدعو به» (¬2) , فدل ذلك على أنه يُستحب للمؤمن أن يدعو في آخر الصلاة بعد التشهد, وأن يجتهد في الدعاء, وأنه لا ينحصر في المأثور, بل له أن يدعو بما شاء, ولو غير المأثور؛ لأن الإنسان له حاجات، فليدْعُ بحاجته, ولو كانت حاجات دنيوية, كأن يقول: اللَّهم اقض ديني، أو: اللَّهم ارزقني كسباً حلالاً, أو: اللَّهم ارزقني زوجةً صالحة، هذا أيضاً له تعلق بالدين، فالزوجة الصالحة لها شأنٌ عظيم, فالمقصود أن يدعو بما أحب من الدعوات الطيبة, وإذا تيسر المأثور، فالمأثور أفضل, إلا إذا بدت حاجة ليست في الدعاء المأثور، فيدعو بها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثمَّ ليَخَتر مِنَ ¬

(¬1) البخاري، برقم 6230، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127. (¬2) البخاري، برقم 835، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.

الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «فليخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه يدعو به» (¬2)، فإذا دعا أن اللَّه يشفيه من مرضه، يقضي دينه، يرزقه الكسب الحلال، يرزقه الصديق الطيب، الصحب الخيار, وما أشبه ذلك, كله لا بأس به، ومن ذلك ما كان يدعو به - صلى الله عليه وسلم - في آخر الصلاة: من التعوذ من عذاب جهنم, وعذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال. كان - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير يدعو بهذه الدعوات, كما جاء في الصحيحين, كما ذكره المؤلف هنا: يتعوذ باللَّه من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال، ويقول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي» (¬3) , وفي اللفظ الآخر: الأمر بذلك, قال: «إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ. هذا أمر, يقول: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ نَارِ جَهَنَّمَ، ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال» (¬4). وهذا يقتضي التأكد, وقد ذهب أهل العلم كافة إلى شرعية هذا الدعاء، وتأكده؛ لهذا الأمر به؛ لأنه فعله - صلى الله عليه وسلم - , وقد أمر به, وذهب طاوس التابعي الجليل إلى وجوبه, وأنه دعاء واجب, وكان يأمر من تركه أن يُعيد الصلاة؛ لأنه يراه دعاءً واجباً، أما الأئمة الأربعة، ¬

(¬1) البخاري، برقم 6230، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127. (¬2) البخاري، برقم 835، ومسلم، برقم 402، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127 .. (¬3) البخاري، برقم 630، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 86. (¬4) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم 128 - (588).

والجمهور فيرون أنه مستحب ومتأكد, فلا ينبغي تركه, وهو التعوذ باللَّه من عذاب جهنم, ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات, ومن فتنة المسيح الدجال. في آخر كل صلاة؛ لهذا الحديث الصحيح. ويُستحب أيضاً أن يدعو بالدعوات التي علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - الصديق, كما في الصحيحين من حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - أنه قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي»، هكذا يقول الصديق للنبي - صلى الله عليه وسلم -: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، وفي اللفظ الآخر: وفي بيتي. كما رواه مسلم (¬1): في صلاتي. وفي بيتي، قال: «قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (¬2) , وهذا يدل على فضل هذا الدعاء, وأنه دعاء عظيم مهم, علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل صحابي، وأفضل الأمة بعد الأنبياء, هذا الرجل الكريم أبو بكر الصديق, علمه النبي هذا الدعاء العظيم: اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً, ولا يغفر الذنوب إلا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وإذا كان الصديق يُعلَّم هذا الدعاء, فكيف بغيره, وبهذا فإن الإنسان لا يعجب بنفسه, ولا يعتقد أنه سليم من كل شيء؛ ولهذا قال النبي ¬

(¬1) صحيح مسلم، برقم 2705، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127. (¬2) البخاري، برقم 834، ومسلم، برقم 2705، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 127.

للصديق: قل: اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً؟ وهو الصديق أفضل الأمة، مشهود له بالجنة، وأحد العشرة وأفضلهم، وأفضل الأمة بعد رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، ومع هذا يعلمه النبي هذا الدعاء العظيم, الذي فيه الاعتراف بأنه ظلم نفسه ظلماً كثيراً, فينبغي للمؤمن أن يكثر من هذا الدعاء في الصلاة، وفي غيرها؛ لأنه دعاء عظيم, فيه الضراعة إلى اللَّه, والانكسار والتذلل, والاعتراف بظلمه لنفسه, وأن اللَّه هو الذي يغفر الذنوب, لا يغفرها غيره - سبحانه وتعالى -. فيه الدعاء: اللَّهم اغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. دعاء وتوسل للَّه بأسمائه الحسنى, وانكسار بين يديه, واعترافه بظلمه لنفسه، وهو حريٌ بالإجابة، وهذا يعم الصلاة النافلة والفريضة، ويعم الدعوات في غير الصلاة، ولهذا قال: «في بيتي». إذا دعا به في غير الصلاة, كل ذلك حسن. ومن دعائه في آخر الصلاة - عليه الصلاة والسلام -: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وما أسرفت ...» (¬1). (¬2). ¬

(¬1) هنا: سقط في الشريط لم يسجل، وتمام الدعاء: «وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». والحديث رواه مسلم، برقم 771. (¬2) نهاية الوجه الثاني من الشريط الخامس، بتاريخ 28/ 4/ 1409هـ.

-22باب الوتر

22 - بابُ الوِتْرِ (¬1) 131 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ــ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ــ مَا تَرَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى، مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ (¬2) الصُّبْحَ: صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» (¬3). 132 - عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قد أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنِ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ. فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ» (¬4). 133 - عَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنِ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لايَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إلاَّ فِي آخِرِهَا» (¬5). 31 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالوتر, والوتر سنةٌ مؤكدة, فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأمر بها, وبيّن فضلها - عليه الصلاة والسلام - , فهي سُنة مؤكدة ¬

(¬1) بداية الوجه الأول من الشريط السادس، سُجِّل في درس الشيخ بتاريخ 30/ 4/ 1409هـ. (¬2) «أحدكم»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 749. (¬3) رواه البخاري، في كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، برقم 472، وكتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 990، وباب ليجعل آخر صلاته وتراً، برقم 998، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 749، و751. (¬4) صحيح البخاري، كتاب الوتر، باب ساعات الوتر، برقم 996، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 137 - (745)، واللفظ له. (¬5) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، رقم 737، ولم أجده في البخاري.

, ووقتها ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر, كما في حديث خارجة بن حذافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلاَةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوع الْفَجْرِ» (¬1) , هذا وقتها حين الفراغ من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى المغرب, ولو جمعت العشاء إلى المغرب جمع تقديم في مطر، أو في سفر، أو مرض, يدخل وقت الوتر بعد صلاة العشاء في وقتها, أو مجموعة إلى ما قبلها, وينتهي بطلوع الفجر وانتهاء الليل. يقول - عليه الصلاة والسلام - لما سئل على المنبر: «ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى» (¬2)، يعني صلوها مثنى مثنى, يعني ثنتين ثنتين, يُسلم من كل ثنتين, فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة, توتر له ما قد صلى, هذا هو السنة: أن يُصلي ثنتين ثنتين, ثم يوتر بواحدة, وقال - عليه الصلاة والسلام -: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» (¬3)، أي اجعلوا الركعة الأخيرة هي آخر صلاتكم يختم بها تهجده في الليل ركعة واحدة. ¬

(¬1) أخرجه بنحوه الترمذي، كتاب الوتر، باب ما جاء في فضائل الوتر، برقم 452، وأبو داود، كتاب الوتر، باب استحباب الوتر، برقم 1418، والبيهقي في السنن الكبرى، 2/ 477، وضعفه البيهقي، وصححه الألباني دون قوله: «خير لكم من حمر النعم»، في صحيح ابن ماجه، برقم 1168. (¬2) البخاري، كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد، برقم 472، ومسلم بنحوه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 749. (¬3) رواه البخاري، برقم 998، ومسلم، برقم 751، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 131.

وفي حديث عائشة الثاني تقول - رضي الله عنها -: «كَانَ يُصَلّي - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ» (¬1)، يُسلم من كل ثنتين, ثم يوتر بواحدة - عليه الصلاة والسلام - , وربما صلى - عليه الصلاة والسلام - ثنتين بعد الوتر, وهو جالس ليعلم الناس أنه لا حرج أن يُصلى بعد الوتر, لكن الأفضل أن يكون الوتر هو الأخير، لكن لو صلى في أول الليل ثم يسَّر اللَّه له القيام في آخر الليل صلّى ما شاء من دون وتر, يكفيه الوتر الأول صلَّى ركعتين أو أربعاً، أو ستاً، أو ما أشبه ذلك، لكن بدون وتر, يكفيه الوتر الأول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» (¬2)، فإذا تيسر له التهجد في الليل، ثم نام، ثم استيقظ, وقد بقي بقية لا مانع أن يُصلي فيها ركعتين أو أكثر، ويكتفي بالوتر الأول، ليس وقت نهي بعد الوتر, لكن الأفضل أن يكون الوتر هو الآخر, يختم به الركعة الأخيرة صلاته بالليل. وتقول - رضي الله عنها -: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ أَوَّلِهِ، وَآخِرِهِ، وَأَوْسَطِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» (¬3)، يعني: في بعض الأحيان أوتر في أول الليل، وفي بعض الأحيان أوتر في جوف الليل, وفي بعض الأحيان ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 739، ولفظه: «كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَتْلِكَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً». (¬2) أخرجه أحمد، 26/ 223، برقم 16296، وأبو داود، كتاب الوتر، باب في نقض الوتر، برقم 1439، والترمذي، كتاب الوتر، باب ما جاء لا وتران في ليلة، برقم 470، وقال: «حسن غريب»، والنسائي، كتاب قيام الليل، وتطوع النهار، برقم 1679، وابن خزيمة، 2/ 156، برقم 1101، والطبراني، 8/ 333، برقم 8247، والبيهقي، 3/ 36، برقم 4622، والضياء المقدسي في المختارة، 8/ 156، برقم 166، وقال: «إسناده صحيح»، وقال محققو المسند، 26/ 223: «إسناده حسن»، وصحح الألباني إسناده في صحيح أبي داود، 5/ 184. (¬3) مسلم، برقم 745، وتقدم تخريجه، ولفظه: «مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ، فَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ».

أوتر في آخر الليل, ثم انتهى وتره الأخير إلى السحر, وصار في آخر حياته يوتر في السحر، استقر في آخر الليل؛ لأنه وقت التنزل الإلهي؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ حتّى يطير الفجر» (¬1)، فإذا تيسر أن يكون التهجد والوتر في الثلث الأخير، فهذا أفضل, وإن كان في جوف الليل، أو في أوله، فلا بأس, كله واسع, والحمد للَّه. في الحديث الأخير تقول - رضي الله عنها -: «إنه كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْها بِخَمْسٍ» (¬2) يسردها، هذا في بعض ¬

(¬1) البخاري، أبواب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، برقم 1145، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم 758، بلفظ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»، وزاد مسلم: «حتى يضيء الفجر»، وفي رواية له: «حتى ينفجر الصبح»، وفي أخرى: «الفجر». (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم 737، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 133.

الأحيان - عليه الصلاة والسلام - , ثم صلى ثنتين ثنتين, وأوتر بواحدة, كما تقدم في حديث عائشة في الصحيحين: «أنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عشر رَكَعَات، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ ثنتيْنِ، ثمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» (¬1) , وهذا موافق لحديث ابن عمر: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (¬2)، وربما أوتر بثلاث عشرة يصلي ركعتين ركعتين, ثمان ركعات, ثم يختم بخمسٍ, يسردها سرداً, ولا يجلس إلا في آخرها (¬3) , وربما أوتر بثلاث, يسردها سرداً, ولكن الأغلب، والأكثر، والأفضل أن يسلم من كل ثنتين، ثم يوتر بواحدة, كما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة صحيحة، برقم 736، ولفظه: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ - إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ»، والبخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 994، ولفظه: عن عُرْوَةُ «أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ، تَعْنِي بِاللَّيْلِ». (¬2) البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87 .. (¬3) أخرج الإمام أحمد، 41/ 402، برقم 24921: «أَنَّ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، حَدَّثَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْقُدُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، يَجْلِسُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ إِلَّا فِي الْخَامِسَةِ، وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي الْخَامِسَةِ»، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/ 28، وصحح إسناده محققو المسند، 41/ 402، وصحح الألباني إسناده أيضاً في صحيح أبي داود، 5/ 84.

خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» (¬1). لكن إذا فعل هذا بعض الأحيان: سرد خمساً, أو سرد سبعاً, أو سرد تسعاً, أو سرد ثلاثاً, لا بأس, لكن إذا سرد سبعاً، أو تسعاً، فالأفضل أن يجلس في السادسة للتشهد الأول, ثم يأتي بالسابعة, وفي الثامنة يجلس يأتي بالتشهد الأول, ثم يأتي بالتاسعة, وإن سلم من كل ثنتين، فهذا هو الأفضل: ثنتين ثنتين, ولا يصلي ثلاثاً كالمغرب، لا، يسردها سرداً, وإلا يُسلم من كل ثنتين, ولا يصليها كالمغرب, يشبهها بالمغرب, لا، ليس بمشروع, يُكره، وينهى عنه. وفي لفظ آخر «صلاة الليل والنهار» (¬2) زيادة النهار, وهو لفظ لا بأس به, صحيح يدل على أن النهار كذلك, الأفضل ثنتين ثنتين, الأفضل إذا صلى الضحى مثلاً يصلي ثنتين ثنتين, تسليمة تسليمة، أربع يصلي بتسليمتين، صلى ستاً: بثلاث تسليمات، ثمان صلى بأربع تسليمات، هذا هو الأفضل, لقوله في الحديث الآخر: «صَلَاةُ ¬

(¬1) البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 87. (¬2) أخرجه أحمد، 9/ 130، برقم 5122، وأبو داود، كتاب التطوع، باب صلاة النهار، برقم 1297، والترمذي، أبواب السفر والكسوف، باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 597 وابن ماجه، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم 1322، والنسائي، كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف صلاة الليل، برقم 1666، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 39: «إسناده صحيح».

اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» (¬1) , وكان يُصلي ثنتين ثنتين - عليه الصلاة والسلام - , يصلي ركعتي الضحى، تحية المسجد ثنتين، سُنة الضحى ثنتين، أربعاً قبل الظهر يسلم من كل ثنتين، هكذا - عليه الصلاة والسلام - فالأفضل ثنتين ثنتين, حتى في النهار السنة ثنتين. ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 9/ 132، برقم 5122، وأبو داود، برقم 1297، والترمذي، برقم 597 وابن ماجه، برقم 1322، والنسائي، برقم 1666، وتقدم تخريجه آنفاً.

23 - باب الذكر عقب الصلاة

23 - باب الذكر عقب (¬1) الصلاة 134 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ــ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ ــ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -». قال ابن عباس: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ، إذَا سَمِعْتُهُ - صلى الله عليه وسلم -» (¬2). وفي لفظٍ، «مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا بِالتَّكْبِير» (¬3). 135 - عن وَرَّادٍ مولى المغيرة بن شُعبة قال: أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ في كِتَابٍ إلَى مُعَاوِيَةَ، أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (¬4). ثُمَّ وَفَدْتُ بعد ذلك (¬5) على معاوية فسمعته يأمر الناس بِذلك. وفي لفظٍ: «كَانَ (¬6) يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «عقيب». (¬2) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 841، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، بلفظه، برقم 122 - (583). (¬3) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 842، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، بلفظه، برقم 121 - (583). (¬4) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 844، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 593. (¬5) «ذلك»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «وكان» بزيادة الواو.

السُّؤَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ، وَوَادِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ» (¬1). 32 - قال الشارح - رضي الله عنه -: هذان الحديثان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كلاهما يدل على شرعية الذكر عقب الصلاة، وأنه يُرفع به الصّوت، حتى يتعلم الجاهل، ويتذكّر النّاسي. ويظن بعض الناس: أن الأفضل السر غلط، وهذا من السنة، [بل] (¬2) من السنة رفع الصوت بالذكر بعد العصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، والظهر، حتى يسمع من حول المسجد أنهم صلّوا؛ ولهذا في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة»، كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، قال ابن عباس: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته» (¬4)، أي إذا سمعوا من حول المسجد، عرفوا أن الصلاة انتهت. وفي لفظ: «ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال، برقم 2408، وفي كتاب الرقاق، باب ما يكره من قيل وقال، برقم 6473، ولفظه: «إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاَةِ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وفي كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال، برقم 7292، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، برقم 12 بعد الحديث رقم 1715. (¬2) ما بين المعقوفين: أضيفت لتوضيح المعنى. (¬3) رواه مسلم، برقم 121 - (583)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 134. (¬4) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 122 - (583).

بالتكبير» (¬1): التكبير، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر. يعرف من حول المسجد أنهم صلوا، فهذا واضح في شرعية الجهر بالذكر عقب الصلاة، يقول: «أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ»، «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ» (¬2)، «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (¬3)، «اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» (¬4)، بعد كل صلاة، هكذا كما جاء في حديث ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 120 - (583). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفتها، برقم 591، ولفظه: عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ» .. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفتها، برقم 594، ولفظه: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»، وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ. (¬4) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، بالأرقام. 135 - (591)، و136، 592، و593، و594، وانظر: صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 844.

المغيرة، كما هنا: ذكر لا إله إلا اللَّه، اللَّهم لا مانع لما أعطيت. وجاء في حديث ابن الزبير عند مسلم بقية الذكر، وهو زيادة: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون» (¬1). ففي هذين الحديثين: حديث المغيرة، وحديث ابن الزبير ثبت هذا الذكر العظيم، وفي حديث ابن عباس ثبت رفع الصوت بالذكر. حديث المغيرة يدل على رفع الصوت؛ لأنه كان يسمع النبي يقول هذا، لولا أنه لم يرفع صوته ما سمعوه، فدل ذلك على أن السنة رفع الصوت بالذكر رفعاً متوسطاً، ليس فيه إزعاج، رفع متوسط، يسمعه من حول المسجد، إذا جاء عند الباب سمع أن الناس صلوا. وفي الحديث الدلالة على أنه يكبر في الذكر يقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، سواء أفردها: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه، سبحان اللَّه. حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين. والحمد للَّه حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين. واللَّه أكبر حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين، أو جمعها يقول: «سَبْحَانَ اللَّهَ، وَالحَمْدُ اللَّهَ، وَاللَّهُ أكْبَرُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّة جميعاً، وَهذهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَالأفضلُ يقول تَمَامَ الْمِئَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قدير»؛ لأنه ¬

(¬1) رواه مسلم، برقم 594، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 135.

صح عن النبي هذا عند مسلم من حديث أبي هريرة (¬1). وفي حديث المغيرة الدلالة على أنه يقول: اللَّهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، أي: لا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع اللَّه، الأمر بيده - سبحانه وتعالى -، هو المتصرف بالكائنات كلها، فلا مانع لما أعطى اللَّه، ولا معطي لما منع اللَّه، وهذا مثل قوله سبحانه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} (¬2)، الأمور بيده - سبحانه وتعالى -، وهكذا مثل قوله سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} (¬3)، هو المتصرف بعباده كما يشاء، هو المعطي، هو المانع، هو النافع، هو الضار، هو المحي والمميت والخالق والرازق، كل شيء بيده - سبحانه وتعالى -، وقوله: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»، أي: ولا ينفع ذا الغنى والجد - بفتح الجيم - هذا هو الصواب في الرواية، ذا الجد منك الجد، أي لا ينفع ذا الغنى والحظ والرياسة، ونحو ذلك، جدُّهُ وحظّهُ وغناه، منك، أي: بدلاً منك يا ربنا، بل الجميع فقراء إلى اللَّه، كلهم فقراء إلى اللَّه، ما ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته، برقم597، ولفظه: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِئَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». (¬2) سورة فاطر، الآية: 2. (¬3) سورة يونس، الآية: 107.

ينفعهم ولا يغنيهم جدُّهُم، يعني مالهم ولا ثروتهم ولا وظائفهم ولا ملكهم؛ بل كلهم فقراء للَّه جل وعلا. وفي حديث المغيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ، وَوَادِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ» (¬1). وفي لفظ آخر عن المغيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَادَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَاً وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ»، وفي اللفظ الآخر: «ويَسخطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» (¬2). [هذه زيادة في النهي من] (¬3) أعظمها: عقوق الأمهات، يحرم عقوق الأمهات، والعقوق: القطيعة والإيذاء للأمهات، وهكذا الأب، لكن الأم أشد، حق الأم أعظم، فعقوقها أشد وأخطر. ¬

(¬1) البخاري، برقم 7292، ومسلم، برقم 12 بعد الحديث رقم 1715، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 135. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، برقم 11 - (1715)، ورواه - أيضاً- أحمد، ولفظه «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»، وهو في الموطأ، 2/ 990، برقم 1796، والبخاري في الأدب المفرد، ص: 158، 442، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 182، برقم 207. (¬3) ما بين المعقوفين غير واضح في التسجيل؛ فإن لم يكن هذا، أو أنه: «هذه زيادة أمور في النهي من»، أو نحو ذلك.

والأب كذلك بره واجب، وعقوقه محرم، كبيرة من كبائر الذنوب. والواجب برهما، والإحسان إليهما، والرفق بهما، ومصاحبتهما بالمعروف، والسمع والطاعة لهما بالمعروف، وعدم رفع الصوت عليهما، وعدم إيذائهما بأي أذى: لا قولي ولا فعلي؛ كما قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬1). وسُئِلَ النبي - عليه الصلاة والسلام -: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قال: «الصلاة على وقتها»، قال: ثم أيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (¬2). وقال - عليه الصلاة والسلام -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» (¬3). ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآيتان: 23 - 24. (¬2) البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم 527، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان باللَّه تعالى أفضل الأعمال، برقم 85، ولفظ البخاري: «حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي». (¬3) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 5976، ولفظه: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ»، وهو في مسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 87.

فهذه من أعظم الكبائر، وأكبرها وأخطرها الشرك باللَّه، ثم عقوق الوالدين، ثم شهادة الزور، فينبغي الحذر دائماً من هذه الأمور المحرمة. وهكذا وأد البنات، وكانت الجاهلية يئدون البنات، بعض أهل الجاهلية يقتل بنته وهي حية، يخاف من العار، أو من الفقر، فيقتلها، وهذا من المنكرات العظيمة، ومن الكبائر، ومن قطيعة الرحم؛ ولهذا حرَّم اللَّه ذلك. وهكذا بعضهم يقتل الأولاد الذكور أيضاً خشية الفقر، كما قال اللَّه جل وعلا: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (¬1)، فالإملاق: الفقر، فبعض أهل الجاهلية يقتل الولد الذكر خوف الفقر، ويقتل البنت خوف الفقر وخوف العار، فحرم اللَّه ذلك - سبحانه وتعالى - على المسلمين. وهكذا منع وهات، أي: يمنع الحق، ويطلب ما ليس له، منع أي: يمنع الواجب من زكاة وغيرها، وهات أي: يطلب ما ليس له من الكسب الحرام، فهذا مُحرّم، فيجب على المؤمن أن يؤدي الواجب، وأن يحذر المحرم، كذا قيل، وقال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون كثير القيل والقال؛ لأنه إذا فعل ذلك وقع في الكذب؛ ولهذا ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 31.

سخط اللَّه لنا قيل وقال، فالذي ينبغي للمؤمن: أن يكون حافظاً للسانه، قليل الكلام، إلا فيما ينفع، إلا في الخير، ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (¬1)، وفي حديث معاذ: «وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أو قال: على مناخرهم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» (¬2)، نسأل اللَّه السلامة، وخلط الكلام فيه خطر، فينبغي للمؤمن أن يقلل الكلام، وأن يحتاط للكلام، حتى لا يقول إلا خيراً. وقد صحّ عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» (¬3) نسأل اللَّه العافية. ¬

(¬1) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، برقم 6018، مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت، إلا عن الخير، برقم 47. (¬2) أخرجه: أحمد، 36/ 345، برقم 22016، والترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم 2616، وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، برقم 3973، والحاكم، 2/ 413، وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، والبيهقي في شعب الإيمان، 4/ 13، برقم 4225، والطبراني، 20/ 143، برقم 292، وقال محققو المسند، 36/ 345: «صحيح بطرقه وشواهده»، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 13/ 87. (¬3) صحيح البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان، بلفظ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ»، وبلفظ آخر، برقم 6477: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ»، وهو في مسلم، برقم 2988.

والخطر عظيم في الكلام، فينبغي الحذر. كذلك إضاعة المال، لا يجوز إضاعة المال في الخمور، والمحرمات، وآلات الملاهي، وأشباه ذلك، يجب حفظ المال حتى لا يُصرف إلا في وجهه، لا تجوز إضاعته فيما لا يجوز من المسكرات أو الملاهي، أو أشياء تضر ولا تنفع، بل يجب أن يُصان المال، ويُحفظ حتى يُصرف في وجهه الشرعي. والسادسة كثرة السؤال، وفسر بالسؤال عن العلم، وفسر بسؤال الدنيا، أما كثرة السؤال في العلم، فهذا منهي عنه، إذا كان لقصد الأغلوطات، ولإيقاع المسؤول في الأغلاط، وإيذاء المسؤول، أو لقصد إظهار جودة الفهم، وأنه يفهم، وأنه حريص على طلب العلم رياءً وسمعة؛ فينبغي له أن لا يكثر السؤال، لأن فيه خطراً، إما أن يؤذي المسؤول، وإما أن لا يفهم هو، تكثر عليه المسائل فيغلط، ولا يفهم، فينبغي له أن يقتصد، يسأل في كل وقت ما يناسبه مع الاقتصاد، حتى لا يغلط، وحتى لا يؤذي غيره، وحتى لا يقع في الرياء، وهكذا للدنيا، لا يسأل الناس أموالهم وعنده ما يكفي، حرام على المؤمن، حرام على المسلم أن يسأل الناس أموالهم، وهو عنده ما يكفي، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» (¬1)، نسأل اللَّه العافية، فالواجب على المؤمن ¬

(¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، برقم 1041، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -.

الحذر من السؤال إلا من حاجة. وقد بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور ثلاثة، قال: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأحد ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ»، تحمل حمالةً في الإصلاح بين الناس، في حاجة أهله غرم، وليس عنده قضاء يسأل بقدر الحاجة. والثاني: رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ من غرق، أو حرق، أو جراد حتى ذهب ماله، ولم يبقَ عنده ما يقوم بحاله، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، حتى يصيب سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وقدر حاجته، ثم يمسك عن السؤال. الثالث: الإنسان الذي أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، حَلَّتْ به مصيبة، ذهبت أمواله بسبب خسارة في التجارة، أو أسباب أخرى غير الجائحة حتى افتقر، فإذا شهد له ثلاثة من ذوي الحجا (¬1) من قومه أنه افتقر حلّت لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، يعني حتى يصيب سدَادًا مِنْ عَيْشٍ، يعني بقدر الحاجة، هؤلاء الثلاثة هم الذين تباح لهم المسألة، قال: ومَا سِوَى ذلك سُحْتٌ يَاكُلُه صَاحِبُه سُحْتاً». رواه مسلم في الصحيح (¬2). ¬

(¬1) الحجا: العقل؛ لأن العقل يمنع الإنسان من الفساد، ويحفظه من التعرض للهلاك. النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 348، مادة (حجا). (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044، ولفظه: عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: «أَقِمْ حَتَّى تَاتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَامُرَ لَكَ بِهَا»، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَاكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا».

فهذ المسائل الثلاث هي التي تحل في السؤال، وما سواها يحرم على المؤمن تعاطيه. 136 - عن سُمَيٍّ ــ مولى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ــ عن أبي صالح السّمَّان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، «أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهاجرينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه (¬1)، ذَهَبَ (¬2) أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فقَالَ: «وَمَا ذَاكَ» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً». قال أبو صالحٍ: فرجع فقراء المهاجرِين إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا: ¬

(¬1) «يا رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) في نسخة الزهيري: «قد ذهب».

يا رسول اللَّه (¬1)، سَمِعَ إخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ». قال سُمَيٌّ: فحدثتُ بعض أهلي بهذا (¬2) الحديث، فقال: وَهِمْتَ، إنما قال (¬3): «تُسبحُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتكبر اللَّه ثلاثاً وثلاثين». فرجعتُ إلى أبي صالح، فذكرتُ (¬4) له ذلك فأخذَ بيدي (¬5)، فقال: «قل (¬6): اللَّه أكبر، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه، اللَّه أكبر وسبحان اللَّه والحمد للَّه (¬7) حتى تبلغ من جميعهنَّ، ثلاثاً وثلاثين» (¬8). 137 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ. فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إلَى أَبِي جَهْمٍ، وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ. فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ ¬

(¬1) «يا رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) في نسخة الزهيري: «هذا». (¬3) في نسخة الزهيري: «إنما قال ذلك» بزيادة ذلك. (¬4) في نسخة الزهيري: «فقلت». (¬5) «فأخذ بيدي»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 595. (¬6) «قل»: ليست في نسخة الزهيري، وليست في مسلم، برقم 595. (¬7) «اللَّه أكبر، وسبحان اللَّه، والحمد للَّه»: الثانية ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 595. (¬8) رواه البخاري بنحوه، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، برقم 843، ومسلم بلفظه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، برقم 595.

صَلاتِي» (¬1). الخميصة: كساء مُرَبَّع له أعلام. والأنبجانية: كساء غليظ. 33 - قال الشارح - رضي الله عنه -: هذان الحديثان: الأول منهما فيما يتعلق بالذكر عقب الصلاة، والثاني فيما يتعلق بالخشوع في الصلاة، والابتعاد عن كل ما يُشغل فيها. الحديث الأول: أن فقراء المهاجرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: «يا رسول اللَّه، ذهب أهل الدثور بالأجور». الدثور: الأموال، «يصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويعتقون ولا نعتق»، فسألهم النبي عن ذلك، فأخبروه أن ذلك بسبب هذا, أنهم يصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، لكن يزيدون علينا بأنهم يتصدقون، ونحن ما عندنا مال، ويعتقون ونحن ما عندنا مال نعتق. وفي اللفظ الآخر: «ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم»، قال: «وما ذاك؟» لماذا، قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، إنّا فقراء وهم عندهم مال، يستطيعون به الصدقة، وشراء العبيد والعتق، وأنّا ما عندنا شيء، فهم غبنونا وسبقونا بهذا الخير. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا صلى في ثوب له أعلام، ونظر إلى علمها، برقم 373، واللفظ له، ومسلم بنحوه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام، برقم 556.

فقال - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أخبركم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: تُسبحون وتحمدون وتُكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين». هذا يدل على فضل هذا التسبيح والتحميد والتكبير بعد كل صلاة، وأنه يقوم مقام الصدقة والعتق، لمن عجز عن ذلك، وهذا من فضل اللَّه - سبحانه وتعالى -. فإن المؤمن إذا ترك العمل الصالح عجزاً عنه، وهو يحب أن يعمله ويريده لولا العجز، كتب اللَّه له مثل أجر العاملين، فضلاً منه وإحساناً، كما في الحديث الصحيح، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كتبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وهو صَحِيح مُقِيم» (¬1). وفي حديث أبي كبشة الأنماري قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدُّنْيَا لأَرْبَعَة: رجل أعطاه اللَّهُ عِلْمًا وأعطاه مَالاً، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مالهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ أنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، قال: فهو بِخير الْمَنَازِلِ، والثاني: رجل أعطاهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يعطهِ مَالاً، فَقال: لَوْ كانَ لِي من المَال مثل فلان لَعَمِلْتُ مثل عَملِه، قال: فَهذا بِنِيَّتِهِ، فَهما في الأَجْرِ سَوَاءٌ؛ لأنه عاجز، فصار بنيته الصادقة مع عجزه يُعطى مثل أجر العامل؛ هذا من فضل اللَّه وجوده وكرمه - سبحانه وتعالى -، قال: ورجل آتاَهُ اللَّهُ مَالاً، وَلَمْ يُعطه ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم 2996بلفظ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

عِلْمًا، فَهُوَ لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ أنَّ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، قال: هَذَا من شرِّ الْمَنَازِلِ، وَالرابع رجل لَمْ يُعطه اللَّهُ مَالاً، وَلاَ عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي من المَالِ مثل فلان لَعَمِلْتُ مثل عمله، يعني مثل عمله السيئ، قال: فهذا بنيته، فهما في الوزر سواء» (¬1). هذا يدل على أن الإنسان إذا له نيةٌ سيئة، وهو لو قدر لعمل يكون شريكاً مساوياً لمن فعل الشر، والعياذ باللَّه، ولهذا في الحديث الصحيح: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا شأن المَقْتُولِ؟ قَالَ: «لأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (¬2)، فاستويا في العقوبة، نسأل اللَّه العافية. ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 29/ 562، برقم 18031 بلفظ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، قَالَ: فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا؟ قَالَ: فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، قَالَ: وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، قَالَ: وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا، وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، قَالَ: هِيَ نِيَّتُهُ، فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ»، وهو في الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، برقم 2325، وقال: «حسن صحيح»، وحسن إسناده محققو المسند، 29/ 562، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 5، برقم 16. (¬2) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}، برقم 31، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، برقم 2888، ولفظه: عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: «ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ».

وفي هذا أن فقراء المهاجرين لما عجزوا عن الصدقة والعتق؛ صار تسبيحهم وتحميدهم وتكبيرهم ونيتهم الصالحة قائمة مقام ذلك، وصاروا مثلهم في الأجر. قال الفقراء لما رجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن إخواننا أهل الأموال سمعوا بما قلت لنا، فعملوا مثل عملنا، قال النبي: «ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء». يعني سمع التجار من الصحابة والأخيار من الصحابة من الأثرياء، سمعوا ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - للفقراء من التسبيح والتحميد والتكبير، ففعلو أيضاً مع ما قاموا به من الصدقة والإحسان والعتق، هذا فضل اللَّه يؤتيه من يشاء - سبحانه وتعالى -. ففي هذا الحديث الحث على الإكثار من الذكر، ويقوم مقام الصدقات، ويقوم مقام العتق، وله فضل عظيم. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» (¬1). ويقول: «أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ» (¬2). ويقول: «الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّه، وَالْحَمْدُ للَّه، ولاَ إِلَهَ إِلاَّ ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2695. (¬2) رواه مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، وبنافع ونحوه، برقم 2137.

اللَّهُ، وَالله أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله» (¬1). ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ» (¬2). هذا فضل كبير، فيُستحب للمؤمن والمؤمنة بعد كل صلاة أن يقول: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة يعقدها، سبحان اللَّه، والحمد للَّه، واللَّه أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، الجميع تسعة وتسعون، وإن أفردها قال: سبحان اللَّه ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد للَّه ثلاثاً وثلاثين، واللَّه أكبر ثلاثاً وثلاثين؛ فلا بأس، لكن جمعها أيسر ¬

(¬1) رواه مالك، 2/ 259، برقم 715: «حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ عُمَارَةَ بْنِ صَيَّادٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ»، وأخرجه الإمام أحمد، 30/ 299، برقم 18353: «عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ، فَقَالَ: «أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَمَالَأَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَا أَنَا مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُمَالِئْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ كَفَّارَتُهُ، أَلَا وَإِنَّ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ»، وهو في السنن الكبرى للنسائي، كتاب صلاة العيدين، القراءة في العيدين، برقم 10617: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَاتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ»، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 112، برقم 1567. (¬2) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، برقم 6406، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل، والتسبيح، والدعاء،، برقم 2694.

عليه وأضبط، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، جاء هذا في حديث آخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي أنه قال: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» (¬1). هذا يدل على فضل هذا الذكر، وأن العبد إذا قاله عن صدق، وعن إخلاص، وعن إيمان، وعن عدم إصرار على الذنوب، كفّر اللَّه له خطاياه. وهذا في أحاديث الفضائل من أحاديث الرجاء، فينبغي للمؤمن والمؤمنة استعمال ذلك، ولزوم ذلك عقب الصلوات رجاء هذا الفضل العظيم (¬2). الحديث الثاني [...] (¬3): يدل على أنه ينبغي للمصلي أن تكون ملابسه بعيدة عما يشغله عن الصلاة، ويؤذيه، ويشوش عليه خشوعه، ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته، برقم 597. (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط السادس. (¬3) ما بين المعقوفين حصل سقط يسير «ومن بقيته» ليس فيها نقوش، فأحب - عليه الصلاة والسلام - أن تكون بدلاً من تلك التي فيها النقوش؛ لأنها قد تشغل المصلي بالنظر إليها، هذا».

24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر

وهكذا مصلاه يكون سادة ليس فيه ما يشوش عليه، هذا هو الأفضل، الأفضل أن يتحرَّى الملابس التي لا تشغله في الصلاة، ولا تشوش عليه خشوعه، وهكذا المُصلَّى تكون السجادة التي يصلي عليها ما فيها نقوش تشغله عن الصلاة، وهكذا في المساجد تكون السجادات ليس فيها نقوش، هذا هو الأفضل، حتى لا يشتغل بها المصلون بالنظر إليها أو التفكير فيها، الصلاة صحيحة، لكن ترك هذا أفضل؛ كونه يصلي في ملابس ليس فيها ما يشغله، ويصلي على بساط أو سجادة ليس فيها ما يشغله، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأكمل. 24 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر 138 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: «كَانَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» (¬1). 25 - باب قصر الصلاة في السفر 139 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ لا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، برقم 1107، ولم أجده عند مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وعند البخاري، برقم 1111، ومسلم، برقم 704، عن أنس - رضي الله عنه - قال: «كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يِجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتِ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ». (¬2) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها، برقم 1102، ورواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها، برقم 689 بنحوه.

26 - باب الجمعة

26 - باب الجمعة 140 - (¬1) عن (¬2) سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، أنَّ رِجالاً (¬3) تماروا في مِنْبَرِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فقال سهل: مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، وَقَدْ (¬4) رَأَيْتُ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَامَ عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، ثمَّ رَكَعَ (¬5)، فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى، حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِر صَلاَتِهِ، ثمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ, فقال: «يَا (¬6) أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا صَنَعْتُ هذَا لتَاتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي». وفي لفظٍ، «فصلى (¬7) وهو (¬8) عَلَيْها، ثم كبَّر عليها، ثم رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثمَّ نَزَلَ القَهْقَرى» (¬9). ¬

(¬1) رقم هذا الحديث في نسخة عمدة الأحكام التي اعتمدتها هو 144، لكن سماحة الشيخ قدمه في الشرح، فحصل تقديم وتأخير في الأرقام من رقم 140 إلى 144. (¬2) في نسخة الزهيري جعل حديث سهل هذا آخر حديث في الباب. (¬3) في نسخة الزهيري: «أن نفراً». (¬4) في نسخة الزهيري: «ولقد». (¬5) في نسخة الزهيري: «ثم رفع» بدل ركع. (¬6) «يا»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 544. (¬7) في نسخة الزهيري: «صلى» بدون الفاء. (¬8) «وهو»: ليست في نسخة الزهيري. (¬9) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، برقم 917، وذكره البخاري مفرقاً، برقم 377، و448، و917، و2094، و2569، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة، برقم 544.

34 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة في جمع الصلاتين، وفي قصر الصلاة في السفر، وفي بيان صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على منبره ليُعلِّم الناس. يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: «كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» (¬1). هذا يدل على أنه إذا كان على ظهر سير فالأفضل الجمع؛ لأنه أرفق بالمسافر. قد فسر ذلك كما في رواية أنس أنه - عليه الصلاة والسلام - كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخَّر الظهر مع العصر، وجمعهما جمع تأخير، وإذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس قدَّم العصر مع الظهر، وجمعهما جمع تقديم, وهكذا المغرب والعشاء، فإذا كان المسافر على ظهر سير شُرع له الجمع؛ لأنه أرفق به، وإذا كان نازلاً مقيماً، فالأفضل عدم الجمع، «فلهذا لما نزل النبي في منى لم يجمع»؛ لأنه مقيم فصلى كل صلاة في وقتها في يوم العيد، وفي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر؛ لأنه مقيم، فالأفضل للمقيم في أثناء السفر، وما يتخلل السفر من الإقامات، فالأفضل له عدم الجمع، وإن دعت الحاجة للجمع فلا بأس، «كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه جمع في تبوك وهو نازل» (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1107، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 138. (¬2) أخرج مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، برقم 706، عن مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ».

وإذا أجمع المسافر على إقامة جازمة أكثر من أربعة أيام؛ فإنه لا يقصر، ولا يجمع، ينتهي بهذا حكم السّفر حتى يجدّد سفراً جديداً، أما إذا أقام وهو ليس عنده نية الإقامة، بل لا يدري متى يظعن ينتظر حاجة، وليس عنده نية جازمة على شيء؛ فإنه يقصر، ويجمع، ولو أقام طويلاً، وهكذا السنة في القصر، السنة أن يلزم القصر مطلقاً: ظاعناً أو مقيماً؛ لأن القصر آكد من الجمع، سُنة مؤكدة، والجمع رخصة حسب الحاجة، فالسنة للمسافر أن يصلي ركعتين: الظهر، والعصر، والعشاء، أما المغرب، فإنها ثلاث في السفر والحضر، لا تقصر، وهكذا الفجر اثنتان لا تقصر، وإنّما القصر في الظهر والعصر والعشاء الرباعية، يصليها ثنتين في حال السفر، سواء كان سائراً أو مقيماً ما دام في السفر، وإذا صلى المسافر مع المقيم، أتمّ أربعاً إذا صلى المسافر مع المقيمين أتمّ معهم أربعاً ولا يقصر، قال ابن عباس: هكذا السنة (¬1)، وإذا صلى المقيم خلف المسافر أتمّ، إذا سلم المسافر من ثنتين قام المقيم، وكمل صلاته. وفي حديث سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ منبراً من طرفاء، تشبه الأثل، صنعته له امرأة من الأنصار، وكان - عليه الصلاة والسلام - يخطب ¬

(¬1) أخرج أحمد في المسند، 3/ 357، برقم 1862: عنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: " تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -، صححه الألباني في إرواء الغليل، والحديث أخرجه مسلم بلفظ: «كيْفَ أُصَلِّي إِذَا كُنْتُ بِمَكَّةَ، إِذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: «رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -»، مسلم، برقم 688.

عليه يوم الجمعة، وكان أولاً يخطب على الأرض، ويتكئ على جذعٍ من النخل، قطعة جذع، من النخل، ثم صُنع له المنبر من طرفاء الغابة، فخطب عليه، ولما تجاوز الجذع يريد أن يصعد المنبر، حنّ الجذع حنيناً سمعه الناس، حتى جاءه، وهَدَّأَهُ - عليه الصلاة والسلام -، حتى سكت، وهذا من آيات اللَّه، ومن المعجزات حنّ حنيناً يسمعه الناس، شوقاً إلى صوته، واتكائه - عليه الصلاة والسلام - عليه، فهذا من الآيات والمعجزات، قال الحسن - رحمه الله -: إذا كان جذع أصمّ يحنُّ، ويتألم من فراق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بالمكلَّف؟ المكلَّف جدير بأن يحرص على سنته، واتباعها، وتعظيمها. وفي حديث سهل: أنه صلى عليه ليُعلِّم الناس، كبَّر وقرأ وهو عليه، وركع وهو عليه، ثم رجع القهقري خلفه، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فصعد فصلى كمّل عليه، فلما فرغ قال: «إنَّمَا فعلتُ هذَا لتَاتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي» (¬1)، قال للناس: أي ليعلموا ليشهدوا صلاته, البعيدون يشاهدون ويرون صلاته، وليعلموا أن هذا الصعود، وهذا الارتفاع ما يضر كونه يصعد في محل مرتفع قليل، ليراه الناس، أو لضيق المسجد، فلا بأس بذلك، وكونه يخطو خطوات لحاجة، كأن يتقدم الصفوف عند الضيق، والمصلون يتقدمون لا بأس، أو يتقدم ليمنع المار بين يديه لا بأس، فالتقدم والتأخر للحاجة والمصلحة لا يضر في الصلاة، وقد فعله النبي - عليه الصلاة والسلام -، وهكذا لو كان أمام المصلي فُرجة في الصف ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 917، ومسلم، برقم 544، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 140.

الأول سدها، أو في الصف الثاني، أو في الثالث سدها, ولا يضر مشيه إليها؛ لأنه إصلاح، وهو من كمال الصلاة. 141 - عن عبداللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» (¬1). 142 - عن عبداللَّه بن عمر (¬2) قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» (¬4). 143 - عن جابر بن عبداللَّه - رضي الله عنهما - قال: «جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: «صَلَّيْتَ يَا فُلانُ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل، برقم 894، ومسلم، كتاب الجمعة، برقم 844. (¬2) في نسخة الزهيري: «وعنه قال». (¬3) في نسخة الزهيري: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الخطبة قائماً، برقم 920، بلفظ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ»، ولفظ مسلم نحوه. وباب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة، برقم 928، ومسلم، كتاب الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، برقم 861، ولمسلم لفظ: «كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن، ويذكر الناس»، وفي لفظ لمسلم، برقم 35 - (861): «كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ، فَقَدْ وَاللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ»، وأما اللفظ الذي ذكره المصنف - رحمه الله -، فهو عند النسائي، برقم 1416. (¬5) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب، برقم 930، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 55 - (875).

وفي رواية «فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (¬1). 35 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها: يتعلق بالغُسل يوم الجمعة، يقول - عليه الصلاة والسلام -: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل»، هذا يدل على شرعية الغُسل يوم الجمعة، وأنه يُستحب، ويُشرع للمؤمن إذا قصد الجمعة أن يغتسل قبل أن يذهب إليها؛ كما في الحديث الآخر: «غُسْلُ الجمعة يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَاكَ وَيَتطَيَّب» (¬2). فالسنة للمؤمن أن يغتسل ويتطيب، ويستعمل السواك عند وضوئه، وعند صلاته، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وفي رواية أخرى «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أن يَغْتسِل» (¬3)، يعني يوم الجمعة. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب، برقم 931، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 55 - (875). (¬2) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الطيب يوم الجمعة، برقم 880، ومسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم 846، ولفظ البخاري: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ». (¬3) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل؟، برقم 897، ولفظه: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَاسَهُ وَجَسَدَهُ»، وبرقم 898 بلفظ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا»، وبرقم 3487 دون إسناد: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَاسَهُ وَجَسَدَهُ»، ومسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم 849 بلفظ: «حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَاسَهُ وَجَسَدَهُ».

وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب ذلك، أنه يجب ويتعين الغُسل، كما في رواية أبي سعيد: «غُسْلُ الجمعة يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (¬1)، يعني على كل بالغ، فينبغي للمؤمن أن لا يُفرط في ذلك، وأن يحرص على الغسل عند ذهابه إلى الجمعة، ويتطيب ما تيسر من الطيب، ويلبس من أحسن ثيابه، هكذا السنة يوم الجمعة، ولكنه ليس بواجب، ولكنه سُنة مؤكدة في أصح قولي العلماء، ولهذا في اللفظ الآخر: «مَن توضأ يوم الْجُمُعَةَ، ثم أتى المسجد فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ ...» (¬2) إلى آخر الحديث، فدل على أن الغسل ليس بواجب، وإنما هو سُنة، وفي اللفظ الآخر: «منْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» (¬3). والحديث الثاني: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لرجل جلس يوم الجمعة ¬

(¬1) البخاري، برقم 880، ومسلم، برقم 846، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 143. (¬2) رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم 857، ولفظه: «مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ». (¬3) أخرجه أحمد، 33/ 344، برقم 20174، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الرخصة في ترك الغسل، برقم 354، والترمذي، كتاب الجمعة، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة،، برقم 497، وقال: «حسن»، واللفظ له، والنسائي، كتاب الجمعة، باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، برقم 1380، والبيهقي، 3/ 190، برقم 5459، وحسنه محققو المسند، 33/ 344، والألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 118، برقم 540.

ولم يصل ركعتين قال: «أصليت يا فلان؟» قال: لا، قال: «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» (¬1)، وفي اللفظ الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من جاء يوم الجمعة، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيركعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» (¬2)، هذا يدل على أن تحية المسجد سُنة مؤكدة ولو في حال الخطبة، كل من دخل المسجد وهو على طهارة شُرِع له أن يُصلي ركعتين حتى في أوقات النهي على الصحيح؛ لأنها من ذوات الأسباب، وحتى وقت الخطبة إذا دخل والإمام يخطب، فالسُنة أن يُصلي ركعتين قبل أن يجلس، ثم يجلس ويُنصت للخطيب؛ لهذا الحديث الصحيح ولغيره من الأحاديث، الدالة على تأكد ركعتي التحية، لمن دخل المسجد. س: لكن إذا جلس ولم يصل؟ ج: قال سماحته: يُعلَّم مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قُمْ فَصلِّ رَكْعَتَيْنِ»، أي السنة الأكيدة أن تُصلي ركعتين، أو المشروع لك أن تصلي ركعتين: يُعلّم الأفضل. حديث ابن عمر: أنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» (¬3)، هذا هو المشروع للخطيب: أن يخطب خطبتين ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 930، ومسلم، برقم 875، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 143. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب في التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم 1166، ومسلم، كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب، برقم 57، 59 (875) بلفظ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». (¬3) رواه البخاري، برقم 920، ومسلم، برقم 861، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 142.

يفصل بينهما بجلوس، والسنة الإيجاز والاقتصاد، وعدم التطويل، وأن يضمنهما موعظة الناس، وتذكيرهم بأمر اللَّه ونهيه، وبأمور القيامة وبالجنة والنار، يتحرَّى ما يحرك القلوب، وإن كان هناك أمور واقعة ينبغي التنبيه عليها نبّه عليها، مما قد يفعله بعض الناس من المنكرات الظاهرة، حتى ينتبه الناس، والمقصود من الخطبة تذكير الناس، وتعليمهم وتوجيههم إلى الخير، وتحذيرهم مما حرّم اللَّه عليهم مع تحرّي الألفاظ الواضحة والأدلة البيّنة، وعدم التطويل في الخطبتين جميعاً، ويذكر فيهما بعض الآيات، ولا مانع من الدعاء أيضاً فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في الخطبة، ويذكر بعض الآيات - عليه الصلاة والسلام -، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من شرط الجمعة وجود الخطبتين، لا بد من الخطبتين قبل صلاة الجمعة، وأن هذا من شروطها، والسُّنة أن يفصل بينهما بجلسة خفيفة؛ كما في حديث ابن عمر وحديث جابر بن سمرة، والسنة أن يخطب وهو قائم، وأن يرفع صوته بقدر الحاجة حتى يُسمع الناس، ويُبلغ الناس، وعند وجود المكبرات الآن لا يحتاج إلى أن يرفع صوته كثيراً، لأن المكبر يبلغ الناس. س: خطبة العيدين هل يجلس بينهما؟

ج: يوم العيد خطبتان أيضاً مثل الجمعة. 144 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) قال: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ ــ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ــ فَقَدْ لَغَوْتَ» (¬2). 145 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الجْنَاَبَةِ (¬3)، ثُم رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى (¬4)، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (¬5). 146 - عن سَلَمة بن الأكْوَع - رضي الله عنه - ــ وكان من أصحاب الشجرة ــ قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬6) صَلَاةَ (¬7) الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في البخاري، برقم 934. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، برقم 934، ومسلم، كتاب الجمعة، باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة، برقم 851، واللفظ له. (¬3) «غسل الجنابة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 881، ومسلم، برقم 850. (¬4) «في الساعة الأولى»: ليست في نسخة الزهيري، ولا في البخاري، برقم 881، ولا في مسلم، برقم 10 - (850)، ولا في مسلم، بعد رقم 22 - (856)، والمعنى صحيح بدونها. (¬5) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، برقم 881، ومسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم 850. (¬6) في نسخة الزهيري: «مع النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في البخاري، برقم 4168. (¬7) «صلاة»: ليست في نسخة الزهيري.

وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ» (¬1). وفي لفظٍ: «كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» (¬2). 147 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةَ وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ)» (¬3). 36 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - كلها تتعلق بالجمعة. الأول: يدل على وجوب الإنصات للخطيب، لا يجوز للجماعة أن يتكلموا ويتحدثوا وهو يخطب، بل الواجب الإنصات والاستماع؛ لأن المقصود من الخطبة الوعظ والتذكير لهؤلاء الحاضرين، فلا يليق منهم أن يُعرضوا عنها بالتحدث، بل الواجب الإنصات؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ ــ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، برقم 4168، ومسلم، كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، برقم 32 - (860). (¬2) رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، برقم 860. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب ما يُقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة، برقم 891، وفي كتاب سجود القرآن، باب سجدة (التنزيل) السجدة، برقم 1068، ومسلم، كتاب الجمعة، باب ما يقرأ يوم الجمعة، برقم 879، وزاد: «... وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة: سورة الجمعة، والمنافقين»، ورقم 880.

يَخْطُبُ ــ فَقَدْ لَغَوْتَ» (¬1)، وفي الحديث الآخر: «مَنْ لَغَا فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: «مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» (¬3). وفي الحديث الآخر: «الذي يتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ: أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» (¬4)، ليس له ثوابها، فالحاصل أن الواجب الإنصات، وأنه لا يجوز في هذا التشاغل بالكلام، ولا بالعبث ومس الحصى ونحوه، ولكن ينصت ويُقبل على الخطيب يستمع ويُنصت ويستفيد، هكذا ينبغي للمؤمن، وهذا الواجب عليه. والحديث الثاني: يدل على فضيلة التقدم والمسارعة إلى الجمعة، وأنه ينبغي للمؤمن أن يُبكر إليها، ليحوز الفضل العظيم؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «مَن رَاحَ في الجمعة السَّاعَةِ الأُولى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً (الساعة الأولى من النهار بعد ارتفاع الشمس، هذا هو أحسن ما قيل في ذلك من ارتفاع الشمس، فإن النهار ثنتي عشرة ساعة من ارتفاع الشمس إلى غروبها، من طلوعها إلى غروبها، «فمن راح في الساعة ¬

(¬1) البخاري، برقم 934، ومسلم، برقم 851، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 143. (¬2) صحيح ابن حبان، 5/ 450، برقم 2095، وصححه الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، والألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 3/ 475. (¬3) رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم 857. (¬4) مسند أحمد، 3/ 475، برقم 2033، ومسند البزار، 11/ 41، برقم 4725، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، 1/ 112، وقال الحافظ ابن حجر في: بلوغ المرام من أدلة الأحكام، ص: 131: «رَوَاهُ أَحْمَدُ, بِإِسْنَادٍ لَا بَاسَ بِهِ، وَهُوَ يُفَسِّرُ».

الأولى فكأنما قرب بدنة، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ (وهذا يدل على فضل الكبش الأقرن للضحايا والهدايا. كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يُضحي بكبشين أقرنين)، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» (¬1). هذا يدل على فضل التقدم والمسارعة يوم الجمعة، وأنهم على هذه المراتب في التبكير، وأنه بعد انتهاء المدة، وخروج الإمام تحضر الملائكة تستمع الذكر، فينبغي للمؤمن أن يكون من المسارعين، والمواظبين ليحوزوا هذا الفضل. وكل ذلك تطوع، والواجب حضورها، وأداؤها مع المسلمين، لكن إذا تقدم، وسارع إليها، يكون له هذا الفضل على حسب هذه المراتب. وفي حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - الدلالة على أنه كان يبكر في يوم الجمعة، كان - عليه الصلاة والسلام - يُبكر بالجمعة حتى يصلي بالناس، من حين تزول الشمس، ويرجعون يتتبعون الفيءَ، وفي لفظ آخر: «وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نسْتَظلُّ بِهِ» (¬2)، وذلك من جهة أنه كان يُبكر بها ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 881، ومسلم، برقم 850، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 145. (¬2) رواه البخاري، برقم 4168، ومسلم، برقم 860، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 146.

- عليه الصلاة والسلام -، والحكمة من ذلك، واللَّه أعلم: أن الناس يُبكرون وينتظرون، فشُرع التبكير بها، حتى لا يشق عليهم؛ لأنه إذا تأخر عليهم قد يشق على بعض الناس، ولاسيما من جاء مبكراً. فالسنة للإمام أن يُبكر بالجمعة من حين تزول الشمس حتى يخفف على المبكرين المنتظرين، الذين قد يشق عليهم الجلوس، وهم جاءوا مبكرين، فينبغي أن يراعوا، وأن لا يتأخر عن إقامتها في أول الوقت، تأسياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام -، وتقديراً لهؤلاء المتقدمين، ورحمةً لهم. والحديث الرابع: فيه الدلالة على أنه يُشرع في صلاة الفجر يوم الجمعة: أن يقرأ بـ {ألَمْ تَنْزِيلُ} السجدة، وفي الثانية: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} هذا السنة، ثبت هذا في الصحيح من حديث أبي هريرة، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس، ومن حديث ابن مسعود عند الطبراني: «وكان يديم ذلك» (¬1)، كما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه -: يديم قراءتهما يوم الجمعة في الفجر {ألَمْ تَنْزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}، هذا السنة يقرأ الفاتحة، ثم يقرأ بعدها في الأولى {ألَمْ تَنْزِيلُ} السجدة، من أولها إلى آخرها، وفي الثانية بعد الفاتحة {هَلْ ¬

(¬1) أخرج الطبراني في المعجم الصغير، 2/ 179:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: {الم تَنْزِيلُ}، السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} يُدِيمُ ذَلِكَ، برقم 986، وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 3/ 96 «قال الحافظ في الفتح، 2/ 314: «ورجاله ثقات، لكن صوّب أبو حاتم إرساله».

27 - باب العيدين

أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}، والحكمة في ذلك، واللَّه أعلم: أن يوم الجمعة يومٌ تقوم فيه الساعة، وهو اليوم الذي خلق اللَّه فيه آدم، في أول الخلق، وفي هاتين السورتين التذكير بالمبدأ، بخلق آدم، وخلق الإنسان، وفيهما التذكير بالجنة والنار، وأعمال هؤلاء، وأعمال هؤلاء، فناسب قراءتهما صباح الجمعة، حتى يستفيد المسلمون، وحتى ينتبهوا لهذا اليوم العظيم، الذي فيه بدءُ خلق أبيهم آدم، وفيه تقوم الساعة، حتى يستعدوا للقاء اللَّه، ويتذكروا الجنة والنار، والإعداد لذلك. 27 - باب العيدين 148 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» (¬1). 149 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلا نُسُكَ لَهُ»، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ - خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي، وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاةَ. فَقَالَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عِنَاقاً لَنَا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، بلفظه، برقم 963، وبلفظ آخر، برقم 957، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، برقم 888.

جَذَعةً (¬1)، هِيَ أَحَبُّ إلَينا (¬2) مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتُجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (¬3). 150 - عن جُنْدُبِ بنِ عبد اللَّه البَجَلي - رضي الله عنه - قال: «صلّى رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ، وَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» (¬5). 151 - عن جابِرٍ - رضي الله عنه - قال: «شَهِدْتُ مَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬6) الصَّلاَةَ (¬7) يَوْمَ الْعِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِلا أَذَانٍ وَلا إقَامَةٍ، ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلالٍ، فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ؛ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ، ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ (¬8): «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ (¬9)، تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ» ¬

(¬1) «لنا جذعة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 955. (¬2) في نسخة الزهيري: «أحب إليّ»، وهي في البخاري، برقم 955. (¬3) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب الأكل يوم النحر، برقم 955، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1961. (¬4) في نسخة الزهيري: «صلى النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي عند البخاري، برقم 985. (¬5) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، برقم 985، بلفظه، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، برقم 1960. (¬6) في نسخة الزهيري: «مع النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬7) «الصلاة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 4 - (885). (¬8) في نسخة الزهيري: «وقال». (¬9) «يا معشر النساء»: ليست في نسخة الزهيري.

فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ، سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ». قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ مِنْ أَقْرطتهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ» (¬1). 152 - عن أم عطية - نُسَيْبَةَ الأنصارية - - رضي الله عنها - قَالت: «أَمَرَنَا - تَعني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» (¬2). وفي لفظٍ: «كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، وحَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ، فَيَكُنَّ خَلف النَّاس (¬3)، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ» (¬4). 37 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بصلاة العيد، وصلاة العيد ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، برقم 978، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، بلفظه، برقم 4 - (885). (¬2) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى، برقم 324، وباب وجوب الصلاة في الثياب، برقم 351، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة، مفارقات للرجال، بلفظه، برقم 890. (¬3) «فيكن خلف الناس»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 971. (¬4) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة، برقم 971، بلفظه، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين، برقم 11 - (890).

فرض على أصح الأقوال، فرض على المسلمين: كالجمعة، عليهم أن يصلوا صلاة العيد، فرضٌ على الرجال، مستحبة للنساء، صلاة عيد النحر كعيد الفطر ركعتان، ومعهما خطبة بعد الصلاة كالجمعة، إلا أنّ الجمعة خطبتها قبل الصلاة، والعيد خطبتها بعد الصلاة. وقال جمعٌ من أهل العلم: إنها فرض كفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وصارت في حقهم سُنة. وقال آخرون: إنها سُنة. والأرجح والصواب أنها فرض كالجمعة، تجب على الرجال المكلفين كالجمعة، ويُستحب حضورها للنساء، وهي صلاة العام صلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى، قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» (¬1)، هكذا كانت السنة، العيد تصلى ثم الخطبة بعدها، هكذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يفعلها، وهكذا الصدّيق، وهكذا عمر، وهكذا المسلمون بعدهم، السنة أن تكون الصلاة أولاً، ثم يخطب بعد ذلك عكس الجمعة، الجمعة يخطب أولاً، ثم يصلي، أما العيد فإنه يصلي أولاً، ثم يخطب. وهكذا حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - وعن أبيه، والعازب صحابي أيضاً، ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 963، ومسلم، برقم 888، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 148.

أَصَابَ النُّسُكَ»، أي فعل مثلنا، صلى كما صلينا، ونسك أي ذبح مثل ما ذبحنا بعد الصلاة، فقد أصاب النسك، النسك: الذبح «ومن نسك قبل الصلاة»، أي ذبح قبل الصلاة «فلا نسك له»، أي غير مجزئة الضحية، التي ذبحها يوم عيد النحر قبل الصلاة، فَقَالَ له أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ - خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي عَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، يعني ضحيتي، قال: فَذَبَحْتُها قبل الصلاة، وَتَغَدَّيْتُ، قَالَ النبي: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» يعني: لا تجزئ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا عِنَاقاً، هِيَ أَحَبُّ إلَينا مِنْ شَاتَيْنِ، قالَ: «اذبحها، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (¬1)، هذه خاصة بأبي بردة، وهي العناق التي لم تبلغ السن الثنية، يعني سنة كاملة، قال أهل السنة: تجزئ عنه وحده، ولم تجزئ عن أحدٍ بعده، هذا يدل على أنه من خصائصه، من خصائص أبي بردة بن نيار، أما غيره فلابد أن تكون مسنة تمت لها سنة، وهي الثنية من المعز، أما الضأن، فيجزئ منه الجذع إذا صار جذعاً أكمل ستة أشهر، أجزأ من الضأن، ومن البقر لا يجزئ إلا ما تم له سنتان، ومن الإبل ما تم له خمس سنين في الضحايا والهدايا، وفي هذا من الفوائد: أنه يجوز في الشّرع التخصيص لإنسان أو جماعة بحكم لحكمة بالغة؛ ولهذا جاء في هذا تخصيص أبي بردة بن نيار في هذا العمل، وهو ذبيحة العناق لما كان غلط، وضحى قبل الصلاة، رخص له في ذلك، وصارت ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 955، ومسلم، برقم 1961، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 149 ..

خاصةً به - رضي الله عنه - وأرضاه، فلا يكون الشيء خاصاً إلا بدليل، والأصل أن النص عام، العموم في الأحكام كلها، ما ثبت في حق الواحد ثبت في حق الجميع من الرجال والنساء، إلا من خصه الدليل؛ فإنه يستثنى، كالنساء فإنه خصهن بالدليل، فإنهن لا جمعة عليهن في المساجد، يُصلين في البيوت، ولا تلزمهن الجماعة، وليس لهن أذان ولا إقامة، وتخصيصهن بوجوب الحجاب عن الرجال، كل هذه من الخصائص، وكذلك خُص النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يجوز أن يتزوج أكثر من أربع، أما الأمة فليس لها إلا أربع فقط من النساء. والمقصود أن أصل الأحكام العموم، ما ثبت في حق الرجل ثبت في حق غيره، وما ثبت في حق الواحد ثبت في حق الجميع (¬1). [...] (¬2) (¬3) فمن ذبح بعد الصلاة، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل الصلاة، فليُعِد أخرى مكانها، أي لا تجزئه، ومن لم يذبح فليذبح باسم اللَّه. دلّ هذا أن هذا الحديث [فيه كفارة] (¬4)، وأن الضحية لا تجزئ قبل الصلاة يوم العيد، عيد النحر. وحديث جابر بن عبداللَّه فيه الدلالة على أن العيد ليس لها أذان ¬

(¬1) نهاية الوجه الثاني من الشريط السادس سجل بتاريخ 8/ 5/ 1409هـ. (¬2) بداية أول الوجه الأول من الشريط السابع، سجل بتاريخ 9/ 5/ 1409هـ. (¬3) كلمة، أو كلمتان، أو ثلاث سقطت من شرح الشيخ، ولم أجدها في أصول المؤسسة، ولا في غيرها. (¬4) ما بين المعقوفين ليس بواضح في التسجيل، ولكنه الأظهر، واللَّه أعلم.

ولا إقامة، يصلون دون أذان، وبدون إقامة، ولا الصلاة جامعة، ليس لها شيء، لا أذان معروف، ولا غيره، ولا إقامة؛ ولهذا صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا أذان، ولا إقامة، فلما صلى خطب الناس، فأوصاهم بتقوى اللَّه وطاعته، فذكرهم وأمرهم بطاعته - عز وجل -، ثم أتى النساء ووعظهن، وذكّرهن، وحثهن على الصدقة، قال: «تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ»، أي: أكثر أهل النار، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ - يعني الزوج - لو أحسن إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منه شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط» (¬1) ــ يعني جحدت إحسانه، فيريد بكفران العشير عدم القيام بحق الزوج، وكثرة السبّ والشتم، وأن هذا من أسباب النار، ومن أسباب دخول النار، وأن الصدقة والاستقامة من أسباب الوقاية من النار، فينبغي الإكثار من الصدقة، والاستغفار، والأعمال الصالحة؛ لأنها من أسباب الوقاية من عذاب اللَّه. وفيه شرعية وعظ النساء إذا كُنّ بعيدات، ما سمعن الخطبة، يُستحب للإمام أن يعظهن، ويذكرهن، ويخصهن بموعظة، أما إذا كُنّ يسمعن كاليوم بالمكبرات، أو لأن العدد قليل يسمعن صوت الخطيب كفى. والحديث الخامس حديث أم عطية، يدل على أنه يُشرع للنساء ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب العيدين، باب موعظة الإمام النساء يوم العيد، برقم 978، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، برقم 885.

28 - باب صلاة الكسوف

حضور صلاة العيد، إذ كنّ يؤمرن بحضورها، حتى ذوات الخدور، وحتى الحيّض يحضرن، لكن لا يصلين، يحضرن حتى يسمعن الخطبة، ويحضرن الدعوات، ويؤمّن على الدعاء ويشاركن في الخير، لكن يعتزلن المصلى أي: يكنّ خلف الناس. وهذا واضح في شرعية حضورهن في صلاة العيد، سواء كُنّ كبيرات أو شابات، لكن مع العناية، ومع الالتزام بالحجاب، يحضرن الخير، ودعوة المسلمين، ويشاركن في الخير، ويحصل لهن بركة هذا اليوم المبارك، ولكن عليهن أن يحتشمن ويبتعدن عن أسباب الفتنة، ويكن متسترات بعيدات عن أسباب الفتنة، فإن لم يفعلن مُنعن إذا كُن يخرجن بالتبرج، وإظهار الزينة، يُمنعن من ذلك، أما إذا تأدبن وخرجن بالصورة الشرعية؛ فإنهن يُسمح لهن بذلك، وخروجهن مطلوب، ومرغّب فيه، ومشروع بشرط التأدب بالآداب الشرعية، والاحتشام، واعتزال أسباب الفتنة. 28 - باب صلاة الكسوف 153 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» (¬1). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، برقم 1066، وقد أخرجه في ثلاثة عشر موضعاً، أطرافها مع الحديث رقم 1044، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 901.

154 - عن أبي مسعود ــ عُقْبَةَ بن عمرو ــ الأنصاري البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا لِحَيَاتِهِ (¬1)، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّه (¬2)، حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (¬3). 155 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى (¬4) عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬5)، فَصَلَّى (¬6) بِالنَّاسِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ــ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ ــ ثُمَّ رَكَعَ، فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ــ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ (¬7) الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا ¬

(¬1) «ولا لحياته»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 902. (¬2) «لفظ الجلالة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 911. (¬3) رواه البخاري بنحوه، كتاب الكسوف، باب الصلاة في كسوف الشمس، برقم 1041، ومسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف (الصلاة جامعة)، برقم 911. (¬4) في نسخة الزهيري: «في» بدل «على»، وهي في مسلم، برقم 901. (¬5) «فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «فصلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالناس». (¬7) «الركعة»: ليست في نسخة الزهيري.

يَنخْسِفَانِ (¬1) لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا» ثُمَّ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، من أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» (¬2). وفي لفظٍ، «فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» (¬3). 156 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - (¬4) قال: «خَسَفَتِ الشَّمْسُ في زَمَنِ (¬5) النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬6)، فَقَامَ فَزِعاً، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَقَامَ يُصَلِّي (¬7) بِأَطْوَلِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلاةٍ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعالى لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُرْسِلُهَا يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئاً فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ» (¬8). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «لا يخسفان». (¬2) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الصدقة في الكسوف، برقم 1044، واللفظ له، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 1 - (901). (¬3) رواه البخاري في كتاب الكسوف، باب خطبة الإمام في الكسوف، برقم 1046، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، برقم 3 - (901). (¬4) في نسخة الزهيري: «عن أبي موسى قال» بدون الأشعري، وبدون - رضي الله عنه -. (¬5) في نسخة الزهيري: «في زمان»، وقوله في: «زمن» في المتن هو لفظ مسلم، برقم 24 - (912). (¬6) في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، ولفظ المتن في مسلم، برقم 24 - (912). (¬7) في نسخة الزهيري: «فصلى»، ولفظ المتن في صحيح مسلم، برقم 24 - (912). (¬8) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الذكر في الكسوف، برقم 1059، ومسلم، كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف، بلفظه، برقم 24 - (912).

38 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - كلها تتعلق بصلاة الكسوف، يقال: الكسوف، ويقال: الخسوف، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} (¬1)، والخسوف والكسوف ذهاب نور الشمس والقمر، أو ذهاب شيء من ذلك، يقال له خسوف، ويقال له كسوف. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم ذلك، وأن هذا الخسوف والكسوف آيتان من آيات اللَّه - سبحانه وتعالى - يخوف بهما عباده، فالشمس والقمر آيتان، والليل والنهار آيتان، كلها من آياته جلّ وعلا، ثم يُجري عليهما الخسوف والكسوف، ليعلم العباد أن هذين الكوكبين خاضعان لأمر اللَّه، يتصرف فيهما كيف يشاء - سبحانه وتعالى -، وقد وقع هذا في عهده - صلى الله عليه وسلم - في يومٍ مات فيه ابنه إبراهيم، وكان صغيراً لم يُفطم، أمه جارية يقال لها مارية، فظن الناس أن كسفت الشمس لموته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيتان مِنْ آيَاتِ اللهِ، لاَ يَنكسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ» (¬2)، كما قال تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ ¬

(¬1) سورة القيامة، الآيتان: 7 - 8. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف (الصلاة جامعة)، برقم 911، وفيه: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا، وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ».

إِلَّا تَخْوِيفًا} (¬1)؛ أي: ليحذروا نقمته، وليبادروا إلى طاعته، وليخشوا عذابه - سبحانه وتعالى -، وليعلموا أنه على كل شيء قدير في تعذيبهم وإهلاكهم، أو عافيتهم وسلامتهم، وهو على كل شيء قدير - سبحانه وتعالى -. ولما وقع هذا بعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، الصلاة جامعة؛ حتى يعلم الناس أنه حصل كسوف، هذا نداء الصلاة جامعة، ثم صلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان، وسجدتان، وقراءتان، كبّر وقرأ الفاتحة، وقرأ معها وطوّل، ثم ركع وأطال، ثم رفع فقرأ أيضاً الفاتحة، ومعها قراءة طويلة، ولكنها دون الأولى، ثم ركع ركوعاً طويلاً، لكنه دون الأول، ثم رفع فأطال دون الأول، كما في حديث جابر: «ثم سجد سجدتين طويلتين، ثم قام وأتى بالثانية كالأولى، قرأ ثم ركع، ثم رفع، ثم قرأ، ثم ركع ركوعاً دون الذي قبله، ثم رفع وأطال بعض الإطالة، ثم سجد سجدتين، ثم خطب الناس» (¬2). ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآية: 59. (¬2) رواه مسلم، كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، برقم 904، ولفظه: «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَصْحَابِهِ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَاكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ، فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ، أَوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا، فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَاكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ إِلاَّ لِمَوْتِ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيكُمُوهُمَا، فَإِذَا خَسَفَا فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ».

فالأحاديث في هذا مستفيضة، وصحيحة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -. وفي حديث أبي موسى: «فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُه فِي صَلاَةٍ قَطُّ» (¬1). دل على أنه - عليه الصلاة والسلام - طوّل في ذلك قراءته وركوعه وسجوده. وفي حديث أبي موسى يخشى أن تكون الساعة قبل أن يعلم أنها تتأخر عنه، لا تقوم في زمانه، فإنه أخبر الأمة أنها تقوم بعد ذلك، ولا تقوم في زمانه - عليه الصلاة والسلام -، كما قد وقع الآن؛ فإنها لم تزل غير قائمة، وقد مضى بعده - عليه الصلاة والسلام - أربعة عشر قرناً. وفي هذا من الفوائد: أن السنة للمسلمين المبادرة للصلاة إذا وجدوا ذلك، قال: «فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ» (¬2)، معنى افزعوا أي بادروا بالتوجه إلى اللَّه بالصلاة والذكر والاستغفار والدعاء والتكبير والصدقة. وفي حديث عائشة لقال: «فَادْعُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا، وكبِّروا، وَتَصَدَّقُوا» (¬3)، وفي رواية أسماء أنه أمر بالعتق (¬4)؛ فدل ذلك على أنه يُستحب في وقت الكسوف الصدقة، وعتق الرقاب، والإكثار من ذكر ¬

(¬1) البخاري، برقم 1059، ومسلم، برقم 912، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 156. (¬2) رواه البخاري، برقم 1059، ومسلم، برقم 912، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 156. (¬3) البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 155. (¬4) رواه البخاري، كتاب العتق، باب ما يستحب من العتاقة في الكسوف أو الآيات، برقم 2519، بلفظ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ».

اللَّه: من تكبيره، وتعظيمه، وصلاة الكسوف، كل هذا مشروع في وقت الكسوف، يصلي ركعتين بقراءتين، وركوعين، وسجدتين، والمسلمون يكثرون من ذكر اللَّه في بيوتهم، وأسواقهم، ومساجدهم وكل مكان، واستغفاره، والتوبة إليه، ومحاسبة أنفسهم عما لديهم من المعاصي. وفيه من الفوائد: يقول - عليه الصلاة والسلام -: «مَا أَحَد أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» (¬1). هذا يفيد الحذر من الزنى والفواحش، وأنها من أسباب غضب اللَّه وعقابه؛ لأنه غيور على نعمه - سبحانه وتعالى -، وغيور حين تنتهك محارمه، وذكر الزنى (¬2)؛ لأنه من أقبح الفواحش؛ ولأنه من أسباب خسف نور القلب، وذهاب نوره وبصيرته، فالذي أذهب الشمس والقمر بالكسوف، قادر على أن يذهب نور العبد، وبصيرته، وهدايته بمعاصيه التي يقترفها، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» (¬3)، أي لو تعلمون ما أعلم ما عند اللَّه من العقوبة لمن كفر به وعصاه؛ لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً. وفيه أنهم يصلون ويدعون إذا رأوا الكسوف، «فَصَلُّوا وَادْعُوا ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 155. (¬2) «الزنا»: كلمة تُمدُّ وتُقْصَر، فالقصر لأهل الحجاز، والمد لأهل نجد، والنسبة إلى المقصور: زنوي، وإلى الممدود: زنائي، والمرأة تزني مُزاناةً وزِناء. انظر: الصحاح للجوهري، ص 500، مادة (زنا، زنى). (¬3) البخاري، برقم 1044، ومسلم، برقم 901، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 154.

29 - باب صلاة الاستسقاء

حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ» (¬1)، فالسنة للمسلمين هكذا، أن ينادوا الصلاة جامعة، وأن يصلوا ركعتين، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءتين، وركوعين، وسجدتين، ويطوّل في ذلك، كما طوّل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يُكثر من الصدقة، والتهليل، والتكبير، والاستغفار، وعتق الرقاب، كل هذا من أسباب العافية من العقوبات، فالنُذر من اللَّه كثير، والواجب على أهل الإسلام، وعلى كل عاقل أن ينتفع من هذه الذكرى، ومن هذه النذارة، وأن يخشى اللَّه ويراقبه، وأن يستفيد من الآيات حتى يعد العدة، ويحذر أسباب الهلاك. 29 - باب صلاة الاستسقاء 157 - عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله عنه - قال: «خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» (¬2). وفي لفظٍ: «أَتَى (¬3) الْمُصَلَّى» (¬4). 158 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ، ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1041، ومسلم، برقم 911، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 154. (¬2) رواه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء، بلفظه، برقم 1024، ومسلم بنحوه، كتاب الاستسقاء، برقم 4 - (894) بلفظ: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى. (¬3) في نسخة الزهيري: «إلى»، وهي في البخاري، برقم 1012، و1027. (¬4) رواه البخاري، كتاب الكسوف، باب الاستسقاء في المصلى، برقم 1027، ومسلم، كتاب الاستسقاء، برقم 1، 2، 3 - (894)، بلفظ: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى.

فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»، قَالَ أَنَسٌ: فَلا (¬1) وَاَللَّهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَاءِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتاً، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ (¬2)، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِماً، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ. وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ». قال شَرِيكٌ: «فسألت أنس بن مالك، أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لا أَدْرِي» (¬3). قال المصنف - رحمه الله - (¬4): (الظِّرَاب) الجبال الصغار. و (الآكام) جمع أكَمَة، وهي أعلى من الرابية، ودون الهضبة. ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «ولا»، وهو لفظ البخاري، برقم 1013، ومسلم، برقم 897. (¬2) «الناس»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع، برقم 1013، 1014، ومسلم، كتاب الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، برقم 897. (¬4) «قال المصنف - رحمه الله -»: ليست في نسخة الزهيري.

و (دار القضاء) دار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، سُمّيت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه (¬1). 39 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الصحيحان الثابتان عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كلاهما يدل على شرعية الاستسقاء، وهو طلب السُّقيا، أي طلب الغيث، ويقال: الاستغاثة: أي طلب الغوث، والغوث يكون في طلب إزالة الشدة بسبب الجدب، والقحط، وقلة المياه، يقال: استسقى طلب السُّقيا، واستغاث طلب الغوث لإزالة الشدة، ويقال: الغيث، وهو المطر، طلب الغيث الذي هو المطر. وهذا سنة مؤكدة؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - فعلها، فدّل ذلك على سنيتها، وتأكدها، وفيها فوائد، منها: الضراعة إلى اللَّه، واللجوء إليه، وإظهار العبودية، والمسكنة، والانكسار للمولى - سبحانه وتعالى -، واللَّه يحب من عباده أن ينكسروا إليه، وأن يعبدوه، وأن يعظموه، وأن يذلوا له، وأن يسألوه من فضله، حيث قال سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (¬2)، وقال - عز وجل -: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} (¬3). وفيه من الفوائد: أنه ينبغي للأمة أن تفعل ذلك إذا وجد الجدب والقحط، ينبغي لهم أن يستغيثوا، ويسألوا اللَّه من فضله؛ لأن السراء، ¬

(¬1) من قوله: والآكام جمع أكمة ... إلى: في قضاء دينه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) سورة غافر، الآية: 60. (¬3) سورة النساء، الآية: 32.

والضراء امتحان من اللَّه، يختبر بهما العباد، فالمؤمنون عند السراء يشكرون، وعند الضراء يصبرون، ويسألون ربهم الغيث، والهداية، والرحمة، والإحسان. الحديث الأول: حديث عبداللَّه بن زيد بن عاصم الأنصاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى الصحراء، فصلى بهم في المصلى واستغاث، فرفع يديه ودعا وطلب السُقيا وحوّل رداءه ما على الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، يعني قلب رداءه، وتوجه للقبلة يدعو بعدما قلب رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة (¬1). وفي حديث ابن عباس - كما في السنن - أنه «صَلَّى كَمَا يُصَلِّي فِى الْعِيدِ» (¬2)، فدّل ذلك على أنه عند الجدب، والقحط يُشرع لولي الأمر والمسلمين، أن يستغيثوا، ويستسقوا، ويُشرع للعامة أن يطلبوا من ولي الأمر ذلك إذا تأخر، حتى يستغيث لهم، كما فعله ¬

(¬1) انظر: البخاري، كتاب الاستسقاء، باب تحويل الرداء في الاستسقاء، برقم 1012 بلفظ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»،وهو في مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، برقم 1،2، 3، 4 - (894). (¬2) هو في السنن: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَبَذِّلاً، مُتَوَاضِعًا، مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، - زَادَ عُثْمَانُ فَرَقِي عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ اتَّفَقَا - وَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ». هذا لفظ أبي داود، كتاب صلاة الاستسقاء، باب جُمَّاع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها، برقم 1165، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء، برقم 558، والنسائي، كتاب الاستسقاء، باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء، برقم 1510، وما بعده، وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 4/ 329 ..

المسلمون مع نبيهم - عليه الصلاة والسلام -، فإذا عزموا على ذلك خرجوا صباحاً، ويُبلّغ الناس، ويعلّمهم ويحدد لهم الوقت، فيجتمعون, فإذا طلعت الشمس وارتفعت، خرج وصلى بهم، وخطب بهم، وصلى بهم ركعتين، وهو مُخير إن شاء صلى أولاً، ثم خطب كما جاء في حديث عبداللَّه بن زيد، وإن شاء قدم الصلاة كما في العيد، ثم خطب بعد ذلك، كما في الرواية الأخرى، بدأ بالصلاة ثم خطب، هما سُنتان، ولعله فعلها - صلى الله عليه وسلم - تارةً وتارة، تارةً بدأ بالصلاة، وتارة بدأ بالخطبة، كما هنا في حديث ابن عباس: أنه صلاهما كما يصلي في العيد، يعني صلى ثم خطب، وفي هذه الصلاة، وفي هذا الدعاء يستغيث اللَّه، ويحث الناس على الاستغفار والتوبة والاستقامة على طاعة اللَّه، والحذر من المعاصي، ويذكر اللَّه، ويمجده - سبحانه وتعالى -، ثم يصلي ركعتين، وإن شاء قدم الصلاة ثم خطب الناس، وذكرهم واستغاث لهم، وطلب لهم الغيث من اللَّه جل وعلا، ويجهر بالقراءة في الصلاة كالعيد، يصلي صلاةً جهرية، يصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الإحرام، وفي الآخرة خمساً غير تكبيرة النقل، ثم يقرأ بعد التكبيرات كالعيد، وله أن يستسقي في الجمعة، كما في حديث أنس المذكور، فإنه - صلى الله عليه وسلم - استسقى في خطبة الجمعة، «جاءه رجل، «وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأمْوَال، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، (وكان يخطب في الجمعة)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، ودعا: اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، قَالَ أَنَسٌ: فوَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ

سَحَابةٍ، وَلَا قَزَعَة (السماء خالية)، وَليس بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ (جبل معروف) بَيْتٌ، وَلَا دَارٌ (يعني يشاهدون الجبل عندهم)، فبينما هم كذلك إذْ طَلَعَتْ سَحَابَةٌ مِنْ وَرَاءِ الجبل مِثْل التُّرْسِ (يعني صغيرة)، ثم انْتَشَرَتْ في السماء، ثُمَّ أَمْطَرَتْ» (¬1) بإذن اللَّه - عز وجل -، والناس في مسجدهم، ما بعد خرجوا من المسجد، وهذا فيه آية من آيات اللَّه القائل سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (¬2)، كانت الإغاثة بسرعة بأمر اللَّه - سبحانه وتعالى -، في حالة الدعاء والصلاة. وفيه أيضاً دلالة على أنه رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، وهذه من معجزاته كونه دعا فأُجيب في الحال فيما ينفع العباد، ولم يخرج الناس من المسجد إلا وهم يمشون في المطر، هذه من آيات اللَّه، ومن نعمه العظيمة، ومن الدلائل على قدرته العظيمة، وأنه رب العالمين، وأنه القادر على كل شيء، وأن محمداً هو رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، حيث أجاب دعوته في الحال، وأرسل المطر في الحال على عباده المسلمين. وفيه من الفوائد: أنه لا مانع أن يتكلم الإنسان مع الإمام في الحاجة وهو يخطب، الواجب على المسلمين الإنصات، لكن إذا كان هناك حاجة لا مانع أن يتكلم معه بعض الناس، كأن يقول: يا فلان، يا أبا فلان، يا إمامنا، ادع اللَّه لنا، استغث لنا، حصل كذا وكذا ¬

(¬1) البخاري، برقم 1014، ومسلم، برقم 897، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 158. (¬2) سورة يس، الآية: 82.

مما يحتاج إلى التنبيه في الخطبة، لا بأس أن يتقدم بعض المأمومين، ويقول له شيئاً في الخطبة مما تدعو الحاجة إليه، حتى ينبّه عليه وهو في الخطبة. ولا بأس أن يتكلم الإمام بما يرى في الخطبة من النصيحة، أو توجيه، أو تنبيه أحد، ولهذا في بعض الروايات لما رأى رجلاً دخل المسجد ولم يصلِ ركعتين قال: «قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» (¬1) تحية المسجد. وهو في الخطبة - عليه الصلاة والسلام -. وفيه أنه «دَخَلَ رَجُلٌ فِي الْجُمُعَةِ الْأخرى» استمر معهم المطر سبتاً، أي أسبوعاً والسماء تمطر، فجاء رجل يوم الجمعة التي بعدها وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عنّا، يمسك المطر، فَرَفَعَ يديه - صلى الله عليه وسلم -، ودعا: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ، وبطون الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَر، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ (أي أقلعت السُّحب في الحال) وَخَرَجَ الناس يَمْشون فِي الشَّمْسِ» (¬2)، هذه أيضاً من آيات اللَّه جلّ وعلا الدالة على قدرته العظيمة، وأنه يقول للشيء كن فيكون - سبحانه وتعالى -، ومن الدلالة على صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول اللَّه حقاً، حيث أجاب اللَّه دعوته ¬

(¬1) البخاري، برقم 931، ومسلم، برقم 875، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 118. (¬2) البخاري، برقم 1014، ومسلم، برقم 897، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 158 ..

في الحال - عليه الصلاة والسلام - في المرة الأولى والثانية، وفي بعض الروايات أنه تبسَّم - عليه الصلاة والسلام - (¬1)؛ لما رأى من ضعف الناس وعدم تحملهم لما جاءه يقول له: «ادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُها عَنَّا» (¬2)، في الجمعة الأولى يسأل هطول المطر، وفي الجمعة الثانية يطلب الإمساك، هذا يدل على ضعف بني آدم، وأنهم لا يتحملون الشيء الكثير؛ لأنه قد يُخرِّب بيوتهم، ويضرهم، ويضر أنعامهم. وفيه أنه لا مانع من طلب مثل هذا الطلب: «اللَّهم حوالينا ولا علينا» ولم يقل: اللَّهم أمسكها عنا. قال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا»، فدّل هذا على أن هذا هو السنة أن يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ، وبطون الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَر». الآكام: الأشياء المرتفعة. بطون الأودية: معروف. ومنابت الشجر: أي الأراضي التي يحصل فيها النبات، حتى ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3582، ولفظه: «عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَصَابَ أَهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا، «فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا»، قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ، فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ المَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ المَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ». (¬2) البخاري، برقم 1014، ومسلم، برقم 897، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 158.

30 - باب صلاة الخوف

ينفعها المطر. وفيه من الفوائد: أنه ينبغي التكرار في الدعاء، والإلحاح في الدعاء، فيكرر فيقول: اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا، اللَّهم أغثنا، فيُشرع للخطيب أن يُكرر الدعاء، يُلح في الدعاء، كما كرر النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه - عليه الصلاة والسلام -. 30 - باب صلاة الخوف 159 - عن عبد اللَّه بن عُمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: «صَلَّى بِنَا (¬1) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ التي لَقيَ فِيهَا الْعَدُوَّ (¬2)، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبُوا، وَجَاءَ الآخَرُونَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، وَقَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَة» (¬3). 160 - عن يزيد بن رُومان، عن صالح بن خَوَّات بن جُبير، عَمَّنْ صلّى مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاة ذاتِ الرِّقَاع، صلاة الخوف، «أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ ¬

(¬1) «بنا»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «التي لقي فيها العدو»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب صلاة الخوف، باب صلاة الخوف، برقم 942، وزاد في آخره، برقم 4535: «فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا»، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: «لاَ أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما - ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -»، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، برقم 306 - (839)، وزاد في آخره: «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إِيمَاءً».

قَائِماً، فَأَتَمُّوا (¬1) لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِساً، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» (¬2). الرَّجُلُ (¬3) الذي صَلَّى مَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: هو سَهْل بن أبي حَثْمَة (¬4). 161 - عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ، صَفٌّ (¬5) خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَكَبَّرْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعاً. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَكَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعاً، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ ــ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى ــ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وأتموا»، وهي في البخاري، برقم 4129، ومسلم، برقم 842. (¬2) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، برقم 4129، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، بلفظه، برقم 842. (¬3) «الرجل»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) انظر: فتح الباري، 7/ 422 (¬5) «صفٌّ»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 840.

السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. وَسَلَّمْنَا جَمِيعاً». قال جابر: «كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ»، ذكره مسلم بتمامه (¬1). وذكر البخاري طَرَفاً منه، «وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ، غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ» (¬2). 40 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بصلاة الخوف، وصلاة الخوف لها أحوال، ولها أنواع، فعلها النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا كان في الإمكان الصلاة والعدو حاضر، أما إذا كان ليس في الإمكان الصلاة والعدو قد خلط الناس بالقتال؛ فإنها تؤجل حتى ينتهي الحرب، ويتمكن كل مسلم من الصلاة، أما إذا أمكن أن يصلوا وهم وِجَاه العدو، كما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -[...] (¬3)؛ فإنه صلاها على أنواع: منها ما ذكره ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهو أنهم «صفوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلوا معه ركعةً، صاروا طائفتين: طائفة بقيت تحرس وتقابل العدو: وطائفة صفت معه: فلما صلت ركعةً ذهبت للحراسة: وقضت لنفسها ركعة بعد ذلك بعد سلامه - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاءت الطائفة ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، بلفظه، برقم 840. (¬2) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، برقم 4125. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وهي: «كان في العهد الأول»، وبعدها كلمة كأنها: «على التسياح الأول»، ولكن سقوطها لا يؤثر على المعنى.

الأخرى فصلت معه ركعةً: ثم ذهبت تحرس وقضت كل واحدة لنفسها ركعة» (¬1). هذه حالة. والحال الثانية: أنهم صلوا معه - صلى الله عليه وسلم -، صلت الطائفة الأولى معه ركعة، ثم أتمت لنفسها وهي معه، ولما سلمت ذهبت تحرس، ثم جاءت الطائفة الأخرى وصلت معه الركعة الثانية وهو واقف، فلما انتهى من ركعته وجلس للتشهد، قاموا فأتموا لأنفسهم، ثم جلسوا وسلموا معه بسبب العذر، فصار قضاؤهم الركعة الثانية قبل أن يُسلم (¬2)، [...] (¬3). وهناك نوع ثالث لم يذكره المؤلف وهو أنه صلى بكل واحدة ركعة فقط، ولم يقل شيئاً، وصلى ركعتين هو، فالإمام له ركعتان، وكل طائفة ركعة (¬4). [...] (¬5)، وركع بهم جميعاً، ثم انحدر بالسجود، ومعه الصف ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 942، ومسلم، برقم 839، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 159. (¬2) البخاري، برقم 4129، ومسلم، برقم 840، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 160. (¬3) ما بين المعقوفين: ثلاث كلمات غير واضحة، لا تؤثر على المعنى. (¬4) لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، فصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ: صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا». أحمد في المسند، 35/ 470، برقم 21592، والنسائي، كتاب صلاة الخوف، برقم 1532، واللفظ له، والبخاري بنحوه، كتاب صلاة الخوف، باب يحرس بعضهم بعضاً في صلاة الخوف، برقم 944، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 496. (¬5) سقط بعض الكلام، ولكن هذا [هو النوع الرابع: وهو أن يجعل الإمام المأمومين صفين كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والعدو بينهم وبين القبلة، فكبر النبي بهم وكبروا جميعاً]، والباقي في المتن.

الأول سجدوا معه، وقام الصف الثاني يحرس لم يسجد، فلما فرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - من السجود سجد الصف الثاني، فلما فرغوا من سجودهم قاموا فتقدموا، وتأخر الصف المقدم، وصلى بهم جميعاً قائماً وراكعاً ورافعاً، ثم لما سجد انحدر معه الصف الأول، الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وسجد معه، وبقي الصف الثاني الذي هو الصف الأول في الركعة الأولى يحرس، فلما قام من سجوده انحدروا وسجدوا، ثم سلم بهم جميعاً. وكل هذه الأنواع جائزة في صلاة الخوف، فإن اشتد الخوف صلوا رجالاً وركباناً، فراداً وجماعات (¬1) كما قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬2)؛ فإن شق ذلك، ولم يتيسر بسبب الاختلاط والمضاربة والمسايفة، وعدم تمكن الإنسان من عقل الصلاة بسبب أنه مختلط مع العدو في الضرب والكر والفر تؤخَّر وتؤجل، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب (¬3)؛ فإنه اشتبك مع الكفار يوم الأحزاب، فلم يصلِّ العصر إلا بعد غروب الشمس، بسبب شغله معهم في الحرب (¬4)، أخَّرها حتى صلاّها بعد المغرب، ثم صلّى بعدها ¬

(¬1) قلت: وهذا نوع خامس. (¬2) سورة البقرة، الآية: 239. (¬3) قلت: وهذا نوع سادس. (¬4) انظر: صحيح البخاري، برقم 2231، ومسلم، برقم 627، و628، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 54، و55.

31 - باب الجنائز

المغرب للضرورة، وهذا قد يقع إذا اشتد القتال وحمي الوطيس، ولم يتمكنوا من الصلاة، فلا مانع من تأخيرها حتى ينتهي القتال، ثم يصلي المسلمون، ولو خرج الوقت للضرورة، ومن هذا ما فعله الصحابة في قتال العراق أهل الفرس، يوم حاصروا تستر، لما برق الفجر إذا هم في قتال، وهم محاصرو البلد، بعضهم على السور، وبعضهم قد دخل البلد، وبعضهم على الأبواب، والقتال قد حمي بينهم، فأخرّوها حتى انتهى القتال، وصلّوها ضحىً، صلوا الفجر ضحى، قال أنس: ما أحبّ أن لي بها حمر النعم، أو كما قال - رضي الله عنه - وأرضاه (¬1)؛ لأنهم أخروّها قهراً لشدة القتال، فهذا نوع من أنواع صلاة الخوف، وهو التأخير للضرورة، ولو فات الوقت عند عدم إمكان الصلاة، بسبب اختلاطهم مع العدو، واشتغالهم بالضرب والكر والفر، وعدم تمكن المؤمن أن يؤدي الصلاة في تلك الحال. 31 - باب الجنائز (¬2) 162 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «نَعَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعاً» (¬3). ¬

(¬1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/ 86. (¬2) في نسخة الزهيري: «كتاب الجنائز». (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة أربعاً، برقم 1333، وفي آخره: «وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ»، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، برقم 951.

163 - عن (¬1) جابر - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2) صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ» (¬3). 164 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً» (¬5). 41 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث تتعلق بالجنائز، والجنائز جمع جِنازة -بكسر الجيم وفتحها-، جِنازة وجَنازة، والمراد بالجنازة هي الميت، سميت جنازة؛ لأنها مستورة بالأكفان وغيرها. والجنائز لها أحكام، ذكر المؤلف - رحمه الله - أحاديث في ذلك، تدل على كثير من أحكام الجنائز. من ذلك الصلاة على الغائب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وعن جابر بن عبد اللَّه» بزيادة الواو، وابن عبد اللَّه. (¬2) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب من صف صفين، أو ثلاثة خلف الإمام، برقم 1317، وكتاب مناقب الأنصار، باب موت النجاشي، برقم 3878، ولم أجده في صحيح مسلم. (¬4) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، برقم 1247، وباب الصفوف على الجنازة، برقم 1319، وذكره مفرقاً في مواضع، منها: رقم 857، و1219، و1247، و1321، و1322، و1326، و1336، و1340، ومسلم - واللفظ له-، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 954.

فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عليه أَرْبَعاً» (¬1)، هذا يدل على جواز الإخبار عن الميت، وأنه مات فلان ليحضر أقاربه وأصدقاؤه حتى يصلوا عليه، وأن هذا يسمى نعياً، يعني خبراً، وهو لا بأس به إذا كان من جنس هذا الذي فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، كونه يُخّبِّرُ أصحابه وأقاربه، ويُخَبِّر جيرانه أنه مات فلان، حتى يصلوا عليه، فهذا لا بأس به، أما الذي نُهي عنه فهو الذي تفعله الجاهلية، كونه ينادي على المنابر، كالأذان مات فلان، أو يبعث سياراته أو دوابّ تنادي في القبائل: مات فلان، هذا من أعمال الجاهلية، وهذا هو المنهي عنه. أما كون أهل الميت يخبرون أصحابه وأقاربه حتى يحضروا، هذا لا بأس به، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بأن النجاشي قد مات، ثم خرج بهم إلى المصلى، وصفّ بهم، وكبّر أربعاً - عليه الصلاة والسلام -. ويدل هذا الحديث على أنه يكبر على الجنازة أربع تكبيرات، وهذا آكد ما ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - أربع تكبيرات، لا يجوز النقص منها، يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثانية، وإن قرأ مع الفاتحة شيئاً: سورة قصيرة، أو آيات فحسن، فقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ الفاتحة وقرأ معها سورة (¬2)، هذا كله لا بأس ¬

(¬1) البخاري، برقم 1333، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 162. (¬2) أخرج النسائي في الكبرى، كتاب الجنائز، الدعاء، برقم 2125، وفي السنن (المجتبى) له، كتاب الجنائز، الدعاء، 1987، وأبو يعلى في مسنده، 5/ 67، برقم 2661، وابن المنذر في الأوسط، 5/ 480، برقم 3135،: «عن طلحة بن عبد اللَّه بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا فلما فرغ أخذت بيده، فسألته، فقال: سنة وحق»، وصحح إسناده الشيخ الألباني في أحكام الجنائز، ص 119، برقم 77.

به، وإن اقتصر على الفاتحة كفى، وإن زاد فهو الأفضل زيادة خفيفة، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الثانية، كما يصلي على النبي في الصلاة: «اللَّهم صلَّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد ...» الخ، وفي الثالثة يدعو للميت، يقول: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا -الدعاء عام-، اللهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» (¬1)، هذا دعاء عام، وهي أدعية ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول: اللَّهم اغفر لفلان الميت، اللَّهم اغفر له وارحمه، اللَّهم اغفر لها إن كانت امرأة ... إلى آخره، «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا، كَمَا ينَقَّىَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ أَبْدِلْهُ بدَارٍ خَيْرٍ مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ ...» إلخ. كما جاء في حديث عوف بن مالك عند مسلم (¬2)، «اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 14/ 406، برقم 8809، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، برقم 3201، واللفظ له، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما يقول في الصلاة على الميت من حديث أبي هريرة، وصححه بطرقه وشواهده محققو المسند، 14/ 406، وصححه الألباني في أحكام الجنائز، ص 124 .. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة، برقم 963، ولفظه: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ».

تُضِلَّنَا بَعْدَهُ» (¬1)، هذه دعوات واردة يدعو بها للميت. س: يرفع فيها صوته؟ ج: يقولها سراً، لكن إذا رفع بعض الشيء حتى يعلم الناس بعض الدعاء، ولا بأس من باب التعليم، وقد جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفاتحة في بعض الأحيان للتعليم، وجهر ابن عباس بذلك للتعليم، قال: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ (¬2). ثم يكبر الرابعة، ويُسلم تسليمة واحدة، هذا هو السنة، ويقف بعد الرابعة قليلاً؛ لأنه قد جاء في بعض الأحاديث مثل حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى (¬3)، وحديث آخر مما يدل على أن الأفضل أن يقف قليلاً، ثم يُسلم بعد الرابعة، وليس فيها ذكر، ولا دعاء، وهذا لا ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، برقم 3201، وابن ماجه، برقم 1498، والحاكم 1/ 359 في حديث طويل عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وتقدم تخريجه قبل التعليق السابق. (¬2) مسند الشافعي، ص 359، والمستدرك، 1/ 357، والسنن الكبرى للبيهقي، 4/ 39، وصححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز، ص 54، برقم 78. (¬3) أخرج ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في التكبير على الجنازة أربعاً، برقم 1503: حَدَّثَنَا الْهَجَرِيُّ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ , صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جِنَازَةِ ابْنَةٍ لَهُ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، فَمَكَثَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَيْئًا، قَالَ: فَسَمِعْتُ الْقَوْمَ يُسَبِّحُونَ بِهِ، مِنْ نَوَاحِي الصُّفُوفِ، فَسَلَّمَ, ثُمَّ قَالَ: أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنِّي مُكَبِّرٌ خَمْسًا؟ قَالُوا: تَخَوَّفْنَا ذَلِكَ، قَالَ: لَمْ أَكُنْ لأَفْعَلَ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَمْكُثُ سَاعَةً، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ»، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 1220.

فرق [فيه] (¬1) بين الرجل والمرأة، والجماعة إذا كانوا جماعة صلى عليهم جميعاً اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، يصلي عليهم جميعاً، هذا هو الأفضل؛ لأن الصلاة مبنية على السرعة، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» (¬2)، فإذا كانوا جماعة صلى عليهم جميعاً ذكوراً وإناثاً، ويقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، موقف الإمام عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، هذا هو السنة، أما قول بعض الفقهاء: عند صدر الرجل فلا دليل عليه، بل السنة أن يقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة، وأما إذا كانوا جماعة جُعل وسط المرأة عند رأس الرجل حتى يقف في موقف واحد إذا كانوا جماعة رجالاً ونساءً جعلت المرأة وسطها حيال رأس الرجل حتى يكون موقفه منهما موقفاً شرعياً. وفي حديث جابر: أَنَّهم صَفُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ صُفُوفاً، قال: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ» (¬3)، هذا يدل على أنه يشرع الصفوف أي يكونوا صفوفاً: كصلاة الفريضة، يصفون صفوفاً أولاً، وثانياً، وثالثاً، وهكذا. قال مالك بن هُبيرة -صحابي جليل-: إذا كانوا قليلين صفهم ثلاثاً، ولو كانوا اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة؛ لأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: أضيفت لتوضيح الكلام. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1315، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم 944 .. (¬3) رواه البخاري، برقم 3878، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 163.

قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ» (¬1)، أي يصلون ثلاثة صفوف أو أكثر كان أفضل. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الدلالة على أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ عَلَى الميِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَرْبَعاً» (¬2)، فدّل على أنه يُصلَّى على الميت بعد الدفن الذي ما صُلِّي عليه في المسجد، أو المصلى، يُصلَّى عليه بعد الدفن، كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض الأموات بعد الدفن، فيذهب إلى القبر، ويصلي عليه بعد الدفن، كما يفعل لو صلى عليه وهو حاضر بين يديه في المسجد، أو في المصلى، يكبر أربعاً، يقرأ في الأولى، ويصلي على النبي في الثانية، ويدعو في الثالثة، ثم يُكبر ويسلم، كما لو صلى عليه وهو بين يديه، والمعروف عند أهل العلم أن يكون ذلك في حدود الشهر فأقل، أما إذا كان أكثر من ذلك كثيراً فلا يُشرع الصلاة عليه، إذا مضى عليه أكثر من شهر، لم تشرع الصلاة عليه؛ لأن هذا لم يرد، إنما ورد في حدود الشهر فأقل، شهر ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الجنازة الشفاعة للميت، برقم 1028، ومن طريقه ابن عساكر، 56/ 510، وأبو داود، كتاب الجنائز، باب الصف على الجنازة، برقم 3166، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن صلى عليه جماعة من المسلمين، 1490، قال الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 259: «ضعيف، لكن الموقوف حسن»، وقال عصام بن موسى محقق سنن أبي داود: «الحديث أعلّه شيخنا [يعني الألباني] بعنعنة ابن إسحاق، لكنه صرح بالتحديث عند الطوسي في مستخرجه، والروياني في مسنده، والحديث حسنه الإمام النووي [في المجموع، 5/ 212]، والحافظ ابن حجر [في فتح الباري، 3/ 186]». (¬2) رواه مسلم، برقم 954، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 164.

تقريباً، وما كان أقل منه صلى على الميت، والغائب كذلك، وفي صلاة الغائب كلام لأهل العلم: منهم من قال: لا يصلى على الغائب مطلقاً؛ لأن النبي إنما صلى على النجاشي، لأنه ما صُلي عليه في بلاده؛ لأنهم كفار ونصارى، ما صلوا عليه؛ ولهذا صلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال آخرون من أهل العلم: يُصلى على كل غائب، وجاء عن النبي أنه صلى على النجاشي، قالوا: وهذا يدل على أنه يصلى على كل غائب. والقول الثالث التفصيل: قالوا: إن كان الغائب له أهمية في الإسلام كالنجاشي، كالعالم المعروف الداعي إلى اللَّه له شأن في الإسلام، أو أمير له شأن في الإسلام، أو ملك له شأن في الإسلام، ونفع للمسلمين، يُصلَّى عليه كما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على النجاشي، من أجل مزيد الخير له، بسبب أعماله الطيبة: من علم، وقولٍ، ودعوةٍ إلى اللَّه، أو كونه ملكاً له شأن في الإسلام، أو رئيس جمهورية له شأن في الإسلام، فلا بأس أن يُصلَّى عليه إظهاراً لفضله وإحساناً إليه بالدعاء، أما العاديون الذين ليس لهم شأن فهؤلاء لا يُصلى عليهم، لأن الرسول ما كان يصلي على كل غائب، إنما صلى على واحد، وهو النجاشي، والناس يموتون في كل مكان في عهده - صلى الله عليه وسلم -، يموت في مكة ناس، وفي غير مكة، ولم يصلِّ على الغائبين، إنما صلى على النجاشي خاصة، فدل على أنه إنما يصلي على من كان مثله، أما أن يقال بالخصوصية فلا، فهذا لا يخص النجاشي، كما قاله بعض أهل

العلم، ولا دليل على التخصيص، ولكن إذا صُلي على من له شأن في الإسلام، إلحاقاً له بالنجاشي، لقيامه بالدعوة إلى اللَّه، أو لحمايته للمسلمين أو لنشره العلم بين المسلمين أو غيرهم، ونحو ذلك، فهذا يُلحق بالنجاشي، ويصلَّى عليه إذا كان غائباً. 165 - عن عائشة - رضي الله عنها -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ (¬1)، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» (¬2). 166 - عن أمِّ عطية الأنصارية قالت: «دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، حِينَ تُوُفِّيَتْ بِنْتُهُ (¬3) زَيْنَبُ. فَقَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً، أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ــ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِك ــ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُوراً ــ أَوْ شَيْئاً مِنْ كَافُورٍ ــ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حَقْوَهُ، فَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إياه (¬4)». يعني إزَارَه (¬5). وفي رواية، أَوْ سَبْعاً (¬6). ¬

(¬1) «سحولية»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1264. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الثياب البيض للكفن، برقم 1264، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت، برقم 941. (¬3) في نسخة الزهيري: «ابنته»، وهي في البخاري، برقم 1253. (¬4) في نسخة الزهيري: «به». (¬5) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب غسل الميت، ووضوئه بالماء والسدر، برقم 1253، بلفظه، وباب هل تكفن المرأة في إزار الرجل، برقم 1257، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 939. (¬6) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب يجعل الكافور في آخره، برقم 1259، وفيه: «أَوْ سَبْعًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ»، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 39 - (939)، وفيه: «... أو سبعاً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن».

وقال: «ابْدَانَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا (¬1)» (¬2). وأَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: «وَجَعَلْنَا رَاسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ» (¬3). 167 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، إذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَوَقَصَتْهُ ــ أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ ــ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَاسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّياً» (¬4). وفي رواية «وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ (¬5) وَرَاسَهُ» (¬6). ¬

(¬1) «منها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 256، ومسلم، برقم 42 - (939). (¬2) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب مواضع الوضوء من الميت، برقم 1256، ومسلم، برقم 42 - (939). (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 1259، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، برقم 39 - (939). (¬4) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، بلفظه، برقم 1265، ومسلم، كتاب الاعتكاف، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 93 - (1206)، ولفظه: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه ...» الحديث، وبرقم 98 - (1206)، وفيه: «... ولا تخمِّروا رأسه، ولا وجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً»، وفي لفظ لمسلم برقم 103 - (1206): «ولا تغطوا وجهه»، ولفظ: «وكفنوه في ثوبين» في البخاري، برقم 1265، و1266، و1268، و1849، و1850، ولفظ: «وكفنوه في ثوبيه» في البخاري، برقم 1851، وفي مسلم، برقم 94 - (1206). (¬5) في نسخة الزهيري: «وجهه ولا رأسه» بزيادة «ولا». (¬6) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الحنوط للميت، برقم 1266، وزيادة: «ولا تخمروا رأسه، ولا وجهه» عند مسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، برقم 98 - (1206).

قال المصنّف (¬1): الوَقْص: كسر العنق. 42 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بتكفين الميت وتغسيله، وقد دلت السنة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - على وجوب تغسيل الميت، وعلى وجوب تكفينه، وأنه يُغسّل ويُكفن، ويُصلى عليه، يعني الميت المسلم، فيجب أن يُغسل، ويجب أن يكفن، ويجب أن يُصلى عليه ثم يدفن، وهذه من كرامة اللَّه للمسلم، ورحمته له ولأهله أنه يُغسل وينظف ويطيب، ويُصلى عليه بعد التكفين ويُدفن، ولا يجعل كالجيف على الطرقات، بل أكرمه اللَّه بتغسيله وتكفينه وتطييبه، والصلاة عليه، ثم دفنه وموارته في الأرض، حتى يخرج يوم البعث والنشور. وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ من اليمن، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ» (¬2). وفق اللَّه الصحابة وكفنوه في ثلاثة أثواب، في ثلاث قطع: ثلاث لفائف، بسطت واحدة فوق واحدة من سحول يسمونها مريكاني، بلدة يقال لها سحول في اليمن، وضعوه على هذه اللفائف، ثم ردوها عليه وربطوها وطيبوه - عليه الصلاة والسلام -، وصلى عليه المسلمون فراداً، ثم دُفِنَ - عليه الصلاة والسلام -، وليس فيها قميص ولا عمامة، هذا هو ¬

(¬1) «قال المصنف»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، برقم 1264، ومسلم، برقم 941، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 165.

الأفضل، وإن جُعل فيها قميص وعمامة فلا بأس، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع عبداللَّه بن أُبي حين كفنوه في قميص، فإذا جُعل في قميص وعمامة ولفافة أجزأ ذلك، وكفى، أو بلفافة واحدة كفت واحدة، يلف فيها كله، ويربط ما فوق الرأس، ويربط ما تحت الأرجل، ويربط الوسط حتى لا ينتشر، ثم يُوضع في لحده مربوطاً، وتُحل الربط بعد ذلك، العُقد تُحل، وتبقى في محلها الرباط، تبقى في محلها لكنها محلولة. وهذا الذي اختاره اللَّه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على أيدي الصحابة، هو الأفضل، للرجل أن يُكفن في ثلاثة أثواب لفائف، واحدة فوق واحدة، ضافية تغطي رأسه ورجليه وركبتيه، بيض من سحول، أو غير سحول أبيض كرسف يعني من قطن، هذا هو الأفضل، وإن كُفن في لفافة واحدة، فلا بأس إذا كانت ساترة تكفي، الواجب أن يُكفن ولو في واحدة، لكن إذا جعل في ثلاث، أو في ثنتين، يكون أفضل وأكمل، والثلاث أفضل. وقد روي عن علي أنه كُفن في سبعة أثواب - عليه الصلاة والسلام -، لكن في سنده ضعف (¬1)، والمحفوظ ما روته عائشة - رضي الله عنها -، أنه كُفن في ثلاثة أثواب، أما الرواية عن علي أنه كُفن - عليه الصلاة والسلام - في سبعة، فهي رواية ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة، 2/ 465، برقم 11084، وأحمد، (2/ 132، برقم 728، وابن سعد في الطبقات 2/ 187، والضياء، 2/ 351، برقم 733، والبزار، 2/ 245، وضعفه محققو المسند، 2/ 132، والشيخ الألباني في أحكام الجنائز، ص 64.

فيها ضعف من طريق عبداللَّه بن محمد بن عقيل، وهو ليّن الحديث. وفي حديث أم عطية - رضي الله عنها -، وهي نسيبة الأنصارية، دلالة على أن تكرار الغسل أفضل؛ ولهذا لما ماتت بنت النبي زينب - رضي الله عنها - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لغاسلاتها: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك» (¬1)، يعني حسب الحاجة، الثلاثة أفضل، وإن غسل واحدة كفى، إذا أجري عليه الماء مرة واحدة كفى، هذا الواجب، لكن إذا كرر الغسل ثلاث مرات، أو خمس مرات، أو سبع مرات، إذا دعت الحاجة إليه فهو أفضل، والأفضل ثلاث، إذا كان ما هناك حاجة، الأفضل ثلاث، فإن دعت الحاجة إلى الزيادة لوسخٍ كثير، أو لصوقات كثيرة، يُزال هذا وينظف، والسنة أن يكون بماءٍ وسدر؛ لأنه أبلغ في التنظيف، والتليين بماء وسدر، وإن لم يوجد السدر يكون فيه غير السدر، كالأشنان، والصابون، والشامبو، ونحو ذلك، مما ينظف، والسدر أفضل إذا تيسر، والأفضل أن يكون فيه كافور، يعني الغسلة الأخيرة، يكون فيها كافور طيب، معروف يصلب الجسد، ويطيب الرائحة، يكون في الغسلة الأخيرة شيء من الكافور لتطييب رائحة الجسم، ولتصليبه، وتقويته بعد الغسل. ويُطيَّب في مغابنه، وأُذنيه، وآباطه، ومغابن رجليه، وترقوته، ورأسه، يطيب بمسك أو غيره من أنواع الطيب، أو العود، أو الورد، السنة أن يطيب، ويطيب أيضاً الأكفان، كل هذا مشروع، إلا المحرم، فلا يطيب إذا كان مات وهو محرم، فلا يطيب، بل يُكفن ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1257، ومسلم، برقم 939، وتقدم تخريحه في تخريج حديث المتن رقم 167.

في ثوبيه، كما يأتي في حديث ابن عباس أنه مات رجل وهو محرم في عرفات، فأمر أن يغسل بماء وسدر، ولم يأمر بالتكرار قال: «اغسلوه بماءٍ وسدر» (¬1)، ولم يقل ثلاثاً، فدّل على أن يكفيه مرة واحدة، إذا غُسِل مرة واحدة كفى، إذا أجري عليه الماء مرة واحدة كفاه، وإن كرر ثلاثاً فهو أفضل، كما تقدم في حديث أم عطية. وأمر أن يُكفن في ثوبيه، يعني إزاره ورداءه، ولا يغطى رأسه، ولا وجْهُهُ، بل يكشفان، أي وجهه ورأسه لأنه محرم، ولأنه يُبعث يوم القيامة ملبياً، ولا يحنط، والحنوط الطيب، لا يحنط، أي لا يطيب إذا كان محرماً، بل يغسل ويكفن في ثوبيه: إزاره، ورداءه، ولا يغطى رأسه، ولا وجهه ولا يطيب؛ لأنه محرم، وأما غير المحرم فإنه يغسَّل، ويطيب، كما تقدم، والأفضل أن يكون ثلاث غسلات، وإن دعت الحاجة إلى خمسٍ أو أكثر فلا بأس أن يزاد في غسله، إذا كان هناك حاجة لأوساخٍ به، أو لصوقات به، ونحو ذلك، فلا بأس ويكون غسله بماء وسدر، إن تيسر السدر، فإن لم يتيسر فبغيره من المزيلات: كالأشنان، وكالصابون، والشامبو ونحوه مما يغسل به، وينظف، ويجعل في الأخيرة كافوراً، طيب معروف، يجعل في الغسلة الأخيرة. والسنة أن يُبدأ بالميامن غاسل الجنازة يرفعها قليلاً، فإن خرج منه ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1265، ومسلم، برقم 1206، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 167.

شيء نجَّاه بخرقة، إن خرج منه بول أو غائط نظفه بخرقة، ثم صب عليه الماء، ثم وضَّأه وضوء الصلاة، نظف فمه بالماء بأصابعه وبالماء القليل, وينظف أنفه أيضاً بالماء، ويغسل وجهه ثلاثاً هو الأفضل، ثم يديه ثلاثاً ثلاثاً يمسح رأسه وأُذنيه، ويغسل قدميه وضوء الصلاة، ثم يصب الماء على رأسه مع السدر، يغسل رأسه بالسدر، رغوة السدر، ثم يفيض الماء على جنبه الأيمن ثم الأيسر، ثم يكمل غسله ثلاث مرات على هذه الحالة، وإن دعت الحاجة ورأى الغاسل أنه يحتاج إلى أكثر إذا كان رجلاً، أو غاسلة إذا كانت المرأة، تحتاج إلى أكثر زادوه في الغسلات إلى خمس أو سبع حسب الحاجة، وإذا كانت امرأة أو رجل له رأس يجعل ثلاثة قرون، يعني يجمع القرنان، والذؤابة تجعل واحدة، والقرنان عميلتان، وتجعل كلها خلف ظهره، كما فعل الغاسلات ببنت النبي - عليه الصلاة والسلام -. وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطاهم حَقْوَهُ أي إزاره، وقال: أشعرْنَها إيّاها، لما جعل اللَّه فيه من البركة، لما في الإزار من البركة، من مسِّ جسده - عليه الصلاة والسلام -، فأحب أن يكون إزاراً لها، والمرأة تُكفن في خمسة أثواب هذا أفضل: إزار، ورداء، وقميص، وخمار، ولفافتان، هذا هو الأفضل، وإن كفنت في لفافة واحدة كفى، أو في قميص ولفافة كفى، أو في قميص ولفافة وخمار كفى، والأفضل: قميص، وإزار، ورداء، وخمار على رأسها، ولفافتان، هذا الأكمل في حقها. 168 - عن أم عطية الأنصارية قالت: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ

يُعْزَمْ عَلَيْنَا» (¬1). 169 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنَّهَا (¬2) إنْ تَكُ (¬3) صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (¬4). 170 - عن سَمُرة بن جُنْدُب - رضي الله عنه - قال: «صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسَطَهَا» (¬5). 171 - وعن أبي موسى ــ عبد اللَّه بن قيس ــ الأشعري (¬6) - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب اتباع النساء الجنازة، برقم 1278، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجنائز، باب نهي الناس عن اتباع الجنائز، برقم 938. (¬2) «فإنها»: ليست في نسخة الزهيري، وليست في البخاري، ولا في مسلم. (¬3) في نسخة الزهيري: «فإن تك»، وهي في البخاري، برقم 1315. (¬4) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1315، واللفظ له، وأوله: ««أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ ...»، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الإسراع بالجنازة، برقم 944. (¬5) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها، برقم 1331، وباب أين يقوم من المرأة والرجل، برقم 1332، وطرفه رقم 332، ومسلم، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه، برقم 964. (¬6) «الأشعري»: ليست في نسخة الزهيري. (¬7) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة، برقم 1296، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 104، ولفظه عند البخاري، ومسلم: «حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَاسُهُ فِي حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، «فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ»، إلا أن في البخاري: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ ...»، وفي مسلم: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا بَرِئَ».

الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة. 43 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بأحكام الجنائز والميت، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول: [قول أم عطية - رضي الله عنها -] (¬1): «نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا»، هذا يدل على أنه لا يجوز اتباع الجنائز للنساء إلى المقابر، أما الصلاة عليها فلا بأس، المرأة تصلي على الجنائز في المسجد، أو في المصلى، أو في البيت، الصلاة مشتركة بين الرجال والنساء، أما الذهاب إلى المقابر فلا تذهب، لا تزور المقابر، ولا تتبع الجنائز؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - نهاهن عن ذلك، أما قولها: «ولم يُعزم علينا»، فهذا فيما تظنه، وفيما ظهر لها إذ لم يكن في ذلك تأكيد للعنهن، أو لغضب اللَّه عليهن، أو نحو ذلك، بل فيه النهي المطلق وهو كافٍ، النهي المطلق من النبي - صلى الله عليه وسلم - كافٍ في المنع، لمنع النساء من اتباع الجنائز إلى المقابر، وذلك لأن صبرهن قليل، ولأنهن فتنة، فمن رحمة اللَّه ومن إحسانه، ومن فضله على عباده، أن منع النساء من الذهاب إلى القبور، وإتباع الجنائز، لئلا يفتن الناس. الحديث الثاني: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ ¬

(¬1) شرح الشيخ الحديث الثاني قبل الأول، فأخرنا شرح الحديث من كلام الشيخ على ترتيب الأحاديث، ولم نغير من كلامه شيئاً.

تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» (¬1). هذا يدل على شرعية المسارعة بالجنازة، والبدار بها، وعدم حبسها بين أظهر أهلها؛ لأنها إما أن تكون صالحة، فخيرٌ تُقدم إليه إلى روضة من رياض الجنة، وإلى خير عظيم، والراحة من الدنيا وشرها، وإن تك غير صالحة فإبعاد لها عن الأهل، وشرٌّ يوضع عن الرقاب، رقاب الحاملين لها، وفي الرواية الأخرى: أن الجنازة تتكلم إذا حملوها تقول: «إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً: قَدِّمُونِي قدموني - لما بشرت به من الجنة والكرامة- وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا» (¬2)؟! لأنها قد بشرت بالشر، لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وهذا يوجب لأهل الإسلام أن يُعنوا بجنائزهم، وأن يحرصوا على البدار بها والإسراع بها، وعدم تأخيرها، إلا لعلةٍ شرعية. وفيه أيضاً من الفوائد: وجوب الاستعداد للآخرة، والحذر من هذا الموقف العظيم، فإن الأجل يهجم على غِرَّة، فينبغي للمؤمن أن يستعد لهذا اليوم، وأن يحرص على الاستقامة على طاعة اللَّه، ولزوم التوبة من معاصيه وتقصيره، حتى إذا هجم الأجل فإذا هو على خير حال. الحديث الثالث: حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - يقول: إنه صلى مع ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1315، ومسلم، برقم 944، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 169. (¬2) رواه البخاري بلفظ: «... فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ»، كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم 1314.

النبي - صلى الله عليه وسلم - على جنازة امرأة فقام وَسَطَها، السنة إذا صلى الإمام على المرأة يقوم حيال وسطها، حيال عجيزتها، وإذا صلى على الرجل يقوم حيال رأسه، هذا السنة، أما قول بعض الفقهاء: يقوم حيال صدرها فلا دليل عليه، وإنما السنة أن يقوم عند رأس الرجل وعند وسَطِ المرأة، هذا هو السنة، والناس خلفه، إلا أن يكون واحداً فيكون عن يمينه، أما إذا كانوا جماعة اثنين أو أكثر يقومون خلفه. والأفضل أن يكونوا صفوفاً، ثلاثة إذا تيسر ذلك؛ لما جاء في الحديث، روي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ» (¬1). يعني وجبت له الجنة، وفي الحديث الآخر: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، كُلُّهم يَشْفَعُونَ لهُ، إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ» (¬2). والحديث الرابع: حديث أبي موسى الأشعري عبداللَّه بن قيس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (¬3). النبي - صلى الله عليه وسلم - حذَّر من النياحة على الموتى بشق الثياب، ولطم ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، برقم 1028، ومن طريقه ابن عساكر، 56/ 510، وأبو داود، برقم 3166، وابن ماجه، برقم 1490، وضعفه الألباني، برقم 1495، وتقدم تخريجه في شرح حديث المتن رقم 163، و164. (¬2) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، برقم 948، ولفظه: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ». (¬3) رواه البخاري، برقم 1296، ومسلم، برقم 104، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 171.

الخدود, وبرئ من الصالقة، وهي التي ترفع صوتها عند المصيبة، هذه يقال لها صالقة، وهي النائحة، والشاقة هي التي تشق ثوبها، أو خمارها، قال برئ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصالقة والحالقة والشاقة، والحالقة هي التي تحلق شعرها، وتنتفه، كل هذا ممنوع، كله من الكبائر، فيجب الحذر من ذلك، فلا يجوز شق الثياب على الموتى، ولا لطم الخدود، ولا رفع الأصوات بالنياحة، ولا حلق الرؤوس، ولا نتفها؛ كل هذا لا يجوز، بل هذا من الجزع المحرم. وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أوْشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (¬1). فالواجب على المؤمن الصبر، وهكذا المؤمنة، عليهم بالصبر والاحتساب، والحذر من الجزع، والجزع يكون بشق الثياب، أو رفع الصوت بالبكاء، أو ضرب الخدود، أو حلق الشعر، أو ما أشبه ذلك من الجزع والتسخط. أما البكاء من دون صوت، بدمع العين فلا بأس، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات ولده إبراهيم: «الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (¬2)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1294، ومسلم، برقم 103، وسيأتي تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 174. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا بك لمحزونون)، برقم 1303، ومسلم بنحوه، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315.

الْقَلْبِ» (¬1) [...] (¬2) , (¬3). 172 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَتْ (¬4) بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَتْهَا (¬5) بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا: مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنهما - أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ــ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَاسَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ (¬6): «أُولَئِكِ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ (¬7)، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» (¬8). 173 - عن (¬9) عائشة - رضي الله عنها - قالت قال: رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ــ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ ــ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم 1304، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 924. (¬2) آخر الوجه الثاني من الشريط السابع، سجل بتاريخ 19/ 5/ 1409هـ، وقد سقط من آخر الشريط كلمات لا تؤثر على المعنى. (¬3) أول الشريط الثامن، سجل بتاريخ 21/ 5/ 1409هـ. (¬4) [ت]: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1341. (¬5) في نسخة الزهيري: «رأينها»، وهي في البخاري، برقم 1341. (¬6) في نسخة الزهيري: «فقال»، وهي في البخاري، برقم 1341. (¬7) في نسخة الزهيري: «الصورة»، وهي في البخاري، برقم 1341. (¬8) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب بناء المسجد على القبر، برقم 1341، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 528، وفيه: «... وصَوَّرُوا فيه تلك الصور ...». (¬9) في نسخة الزهيري: «وعنها».

قالت: ولَوْلَا ذلِكَ لأُبْرِزَ قبرُه، غير أنه خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مسْجداً (¬1). 174 - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَه (¬2) قَال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (¬3). 175 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» (¬4). ولمسلم: «أَصْغَرُهُمَا: مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (¬5). 44 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة بعضها يتعلق بالبناء على القبور، واتخاذ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، برقم 1330، وباب ما جاء في قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر - رضي الله عنهما -، برقم 1390، واللفظ له في هذا الموضع، وأطرافه في البخاري في الحديث رقم 435، ومسلم، كتاب المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم 530. (¬2) «أنه»: ليست في نسخة الزهيري، وهو في البخاري بدون أنه، برقم 1294، وكذلك في مسلم، برقم 103. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من شق الجيوب، برقم 1294، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103، واللفظ له. (¬4) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، برقم 1325، ومسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 945. (¬5) رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 53 - (945)، ولفظه: «... أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ».

المساجد عليها، وبيان شدة التحريم في ذلك، وبعضها يتعلق بالجزع عند المصيبة، وعدم الصبر، والرابع يتعلق بشهود الجنازة، والصلاة على الجنازة وباتباعها. الحديث الأول: ذكر بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسةً في أرض الحبشة، وكانت أم سلمة وأم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنهما - رأتاها في أرض الحبشة، وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة، كل واحدة مع زوجها في الهجرة الأولى، قبل الهجرة إلى المدينة، وذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما رأتاها من حسنها، وتصاوير فيها، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «أُولَئِكِ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ» (¬1)، يخاطب المرأة التي ذكرت له الكلام، هذا يبين لنا أن البناء على القبور من شأن النصارى واليهود، ومن أعمالهم الخبيثة، وأنهم بهذا من شرار الخلق، فينبغي للمؤمن الحذر من ذلك، وأن لا يتشبه بأعداء اللَّه اليهود والنصارى بالبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ووضع الصور فوقها، كل هذا من أعمالهم الخبيثة، ومن وسائل الشرك؛ ولهذا قال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند اللَّه»؛ لأنهم فعلوا أشياء تجرّ الناس إلى الشرك، فإن البناء على القبور من وسائل الشرك، وهكذا اتخاذ الصور عليها صور الصالحين، أو صور ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1341، ومسلم، برقم 528، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 172.

الأنبياء، من وسائل الشرك؛ فلهذا نهى النبي عن هذا، ولعن - عليه الصلاة والسلام - من فعله. ولهذا في الحديث الثاني لما كان في مرضه - عليه الصلاة والسلام - جعل يقول: ««لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» (¬1)، يحذر ما صنعوا. وهو في مرض موته، خوفاً على أمته أن تقع فيما وقعت به أولئك الأشرار، ومع هذا التحذير واللعن، وقع كثير من الناس في هذا البلاء، وبنوا على القبور، واتخذوا عليها المساجد، كما يوجد في دول كثيرة، حتى عُبدت من دون اللَّه، وصارت أوثاناً تُعبد من دون اللَّه، نعوذ باللَّه من ذلك. فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ذلك، وأن يزيلوا ما على القبور من المساجد، أو أن يتركوها ضاحية شامسة تحت السماء، ليس عليها بناء، كما كانت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في البقيع وغيره، هكذا؛ لأن البناء عليها، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، كل هذا من وسائل الشرك، ومن وسائل عبادتها من دون اللَّه - عز وجل -، كما وقع ذلك في دول كثيرة، وفي جهات كثيرة عظموا القبور، وبنوا عليها المساجد، وجصَّصُوها، وزخرفوها، فعُبدت من دون اللَّه - عز وجل -، وصارت أوثاناً تُعبد من دون اللَّه، نسأل اللَّه السلامة. والحديث الثالث يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1330، ومسلم، برقم 530، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 173.

الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أوْشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» (¬2). فكله من أعمال الجاهلية: ضرب الخدود جزعاً عند المصيبة، شق الثوب كذلك، حلق الشعر كذلك أو نتفه، الدعاء بدعوى الجاهلية من الكلام الرديء: وا ناصراه! وا كاسياه! وا عضداه، وافاجعة قلباه، وا وا ... ، كل هذا من دعاء الجاهلية وأعمالهم، فيجب على المؤمن إذا وقعت عليه الحادثة، وهكذا المؤمنة الصبر والاحتساب وعدم الجزع، لا يشق ثوباً، ولا يلطم خداً، ولا ينتف شعراً، ولا يحلقه، ولا [يتكلم] بالكلام السيئ كلام الجاهلية، ولكن يصبر ويحتسب، ولا بأس بدمع العين، دمع العين لا يضر، وحزن القلب لا يضر، إنما المنكر هو رفع الصوت بالنياحة، أو شق الثياب، أو لطم الخدود، أو نتف الشعر وحلقه، هذا هو المنكر الذي هو من أعمال الجاهلية، ولهذا لما مات إبراهيم ابن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال - عليه الصلاة والسلام -: «الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى الرَبّ، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (¬3)، فدمع العين لا يضر وحده، فلما حضر وفاة ابن لإحدى ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ليس منا من ضرب الخدود، برقم 1297، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، برقم 103. (¬2) رواه مسلم، برقم 103، وتقدم تخريجه في الحديث السابق. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنا بك لمحزونون)، برقم 1303، ولفظه: عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عليه السلام -، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ»، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» .. ومسلم بنحوه، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315، ولفظه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ» ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَاتِيهِ وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ، قَدِ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمْسَكَ فَدَعَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، فَقَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ».

بناته، ورأى نفسه تقعقع دمعت عيناه - عليه الصلاة والسلام - رحمةً له، فسأله بعض الصحابة: يا رسول اللَّه تبكي؟! قال: «إنَّهَا رَحْمَةٌ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» (¬1)، فدمع العين من الرحمة، وإنما المنكر: الصياح، والنياح، وشق الثياب، ولطم الخدود والكلام السيئ من كلام الجاهلية. وفي حديث أبي موسى يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أنه «أنا بَرِيء مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ» (¬2) كما تقدم. تبرأ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ممن حلق، أو صلق، أو شق، الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه»، برقم 1284، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923، وكلاهما بلفظ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». (¬2) رواه البخاري، برقم 1296، ومسلم، برقم 104، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 171.

المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة، نسأل اللَّه السلامة. الحديث الرابع: يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، قِيلَ: يا رسول الله مَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» (¬1) أي من الأجر، وفي رواية مسلم: ««أَصْغَرُهُمَا: مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (¬2)، هذا فيه دلالة على عِظَم أجر من شهد الجنازة حتى يُصلى عليها، وعِظَم أجر من شهدها حتى تُدفن، أن له أجرين كبيرين عظيمين، فينبغي للمؤمن أن لا يفوِّت هذا الخير، فيتبع الجنائز، ويحضر الصلاة عليها والدفن، حيثما استطاع ذلك، لما فيه من الخير العظيم. وفي اللفظ الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَبعَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلّ قِيراطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» (¬3). ويقول البراء بن عازب: «أَمَرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، ذكر منها: اتِّبَاعَ الجَنَائِزِ» (¬4). اتباع الجنائز فيه عِظة، وفيه ذكرى للموت، وفيه ترقيق ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1325، ومسلم، برقم 945، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 175. (¬2) رواه مسلم، برقم 35 - (945)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 175. (¬3) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب اتباع الجنائز من الإيمان، برقم 47، ومسلم بنحوه، كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها، برقم 56 - (945)، ولفظ البخاري: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». (¬4) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1339، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء ... ، برقم 2066، ولفظ البخاري: «عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ: آنِيَةِ الفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ».

للقلوب، وفيه جبر للمصابين ومساعدةٌ لهم، فيه مصالح كثيرة، فيُشرع للمسلم اتباع الجنائز والصلاة عليها والدفن، لما في ذلك من العِظة له، والتذكير بالموت، الذي سوف يمر عليه، كما مر على من قبله، وحث على الإعداد لهذا المصرع العظيم، مصرع الموت وما بعده، ثم بعد ذلك يعزي إخوانه، ويجبر مصابهم ويواسيهم.

3 - كتاب الزكاة

3 - كتاب الزكاة 176 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «إنَّك سَتَاتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (¬1). 177 - عن أبي سعيد الْخُدْرِي - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (¬2). 45 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان يتعلقان بالزكاة، والزكاة حق المال، وهي فرض من الفرائض، وركن من أركان الإسلام الخمسة؛ فإن اللَّه جل وعلا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم 4347، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، برقم 19. (¬2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من أدى زكاته فليس بكنز، برقم 1405، ومسلم، كتاب الزكاة، برقم 979، واللفظ له مع تقديم بعض الجمل على بعض.

بنى هذا الدين على خمسة أركان، أعظمها، وأهمها، وأساسها: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه: عن علمٍ، ويقين، وصدق، وإخلاص في ذلك، ثم يلي ذلك الصلاة، ثم الزكاة، والزكاة لها شأن عظيم، وهي طُهرة للمزكي، وطُهرة ماله؛ كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬1)، من الزكا وهو النمو، فالزكاة تنمي المال، وتكون سبباً للبركة فيه، وسلامته من الآفات، والواجب على كل مؤمن، وعلى كل مؤمنة مَلَكَ نصاب الزكاة أن يُزكِّي إذا حال عليه الحول، وفي ذلك أيضاً مصالح أخرى من جهة إخوانه الفقراء، وغيرهم من أصناف الزكاة، يُحسن إليهم، ويجود عليهم مما أعطاه اللَّه، فيؤدي حق اللَّه، ويسعى في رضاه، وفي بركة ماله وسلامته، ومع هذا ينفع: الضعيف من فقراء ومساكين، والمؤلفة قلوبهم، وعتق الرقاب، والغارمين، وفي الجهاد في سبيل اللَّه، وفي أبناء السبيل: فيه مصالح عظيمة في هذا المال. وفي حديث ابن عباس المذكور بيان أن الداعي إلى اللَّه جل وعلا الذي يوجه إلى الكفار، أو يتوجه إلى الكفار، يدعوهم، يبدأ بالأمر الأول؛ لأنه الأساس، فلا زكاة ولا صلاة ولا غير ذلك، إلا بعد الأساس، بعد صحة التوحيد، والدخول في الإسلام؛ ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً أن يبدأ أهل اليمن بالدعوة إلى توحيد اللَّه، قال: «إنك تأتي قوماً أهل كتاب» أي اليهود والنصارى، كان أهل اليمن في ذاك الوقت ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 103.

يهود ونصارى، فأمره أن يبدأهم بالتوحيد قبل كل شيء، فيدعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، عن إيمان وصدق، وأن محمداً رسول اللَّه، عن إيمان وصدق، فإذا فعلوا ذلك، طُلب منهم أن يصلوا؛ ولهذا ذكر أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وفي اللفظ الآخر: «فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اللَّه» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: {فادعهم إلى أن يوحِّدوا اللَّه» (¬3). فهي ألفاظ متقاربة المعنى، يفسِّر بعضها بعضاً، والمعنى: أنه يدعوهم إلى توحيد اللَّه، والإخلاص له، وهو معنى لا إله إلا اللَّه، ويدعوهم إلى الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، الذي بعثه اللَّه رحمةً للعالمين؛ لأنه أُرسل إلى جميع الناس الثقلين: الجن، والإنس، وأن عليهم متابعته، واتّباعه، والاستقامة على ما جاء به، فإذا آمنوا بهذا وصدقوا، والتزموا بتوحيد اللَّه، والإيمان بالرسول ¬

(¬1) البخاري، برقم 4347، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 176. (¬2) البخاري، برقم 1458، ومسلم، برقم 31 - (19)، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 176 .. (¬3) البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد اللَّه تبارك وتعالى، برقم 7372، ولفظه: «عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ».

- عليه الصلاة والسلام -، يُدعون إلى الصلاة: «فإن أجابوا لذلك فأخبرهم أن اللَّه تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة»، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، يُخبرهم بها بعد ذلك، ويدعوهم إلى الالتزام بها، والاستقامة عليها، فإذا أجابوا لذلك دعاهم إلى الزكاة، وأخبرهم بها، وأنصبائها، وكيفية أدائها، وبيان المؤدَّى ما هو، ثم قال: «تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم»؛ لأن الزكاة مواساة وإحسان إلى الفقراء، وإحسان من الأغنياء، فهي شكر من الأغنياء ومواساة للفقراء، وذكر الفقراء؛ لأنهم أعم أصنافها، وأهمهم؛ ولهذا بدأ اللَّه بهم في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية (¬1)، وهم أعم الأصناف وأهم الأصناف، ثم قال: «فإن هم أجابوا لذلك، فإيَّاك وكرائم أموالهم» يعني إذا وافقوا على التوحيد والصلاة والزكاة «فإياك وكرائم أموالهم» احذر أن تظلمهم، خذ من أوساط أموالهم ولا تأخذ الكرائم إلا برضاهم إذا أذنوا، فلا بأس، والكريمة البالغة في الحسن في النهاية؛ لأن المال أقسام ثلاثة: وسط، حقير، كريم. فالزكاة من الوسط، فلا تُؤخذ من الحقير الدنيء، ولا من الأكمل، ولكن من الوسط، فإذا كان فيه: إبل، وغنم، وبقر ذات لبن، أو ذات سمن زائد، أو ذات قيمة غالية، فلا يأخذ منه، يأخذ من ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 60.

الوسط، إلا أن تطيب نفوسهم بالطيِّب والغالي، فهذا يقبل منهم إذا طابت به النفوس، وإلا فليتحرَ الوسط من الأمور. ثم قال: «واتق دعوة المظلوم» لا تتساهل في هذا، واحذر أن تظلم أحداً؛ لأن دعوة المظلوم مستجابة فاحذر، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين اللَّه حجاب، يعني بل ترفع إلى اللَّه - عز وجل -، وصاحبها موعودٌ بالنصر، فينبغي للمؤمن الحذر من دعوة المظلوم، والحرص على تحرِّي العدل في كل أموره، ولاسيما الرؤساء والأمراء؛ فإنهم على خطرٍ، فالواجب أن يتحرّوا العدل، ويبتعدوا عن الظلم. وفي الحديث الثاني حديث أبي سعيد الدلالة على أنصباء الزكاة: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» من الحبوب والثمار، «وليس فيما دون خمس أواق صدقة» من الفضة، «وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقة»، يعني أقل نصاب الإبل خمس سائمة راعية، فإذا كانت أقل فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت للتجارة للبيع والشراء؛ يزكيها زكاة تجارة، أما إذا كانت للدَّرِّ والنسل فليس فيها زكاة، إلا إذا كانت خمساً فأكثر ففيها شاة واحدة، حتى تبلغ عشراً، فإذا بلغت عشراً صار فيها شاتان إلى خمس عشرة، فإذا صارت خمسة عشر صار فيها ثلاث شياه إلى عشرين، فإذا بلغت عشرين، ففيها أربع شياه، وإذا صارت خمساً وعشرين صار فيها من الإبل، ففيها رأس من الإبل صغير بنت مخاض، تم لها سنة، فإن لم توجد

فابن لبون تمَّ له سنتان، ثم هكذا تتدرج الفرائض في الإبل، كما هو مبين في الأحاديث الصحيحة، وفي كلام أهل العلم: والغنم أقل نصابها أربعون، والبقرة أقل نصابها ثلاثون فأكثر، أما النقود [فالنصاب] خمس أواق من فضة، أي مئتا درهم مقدارها بالريال السعودي ستة وخمسون ريالاً من فضة، فيها مقدار خمس أواق، مئتان من الدرهم، الدرهم الإسلامي في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه صغير. فالنصاب من الفضة ستة وخمسون ريالاً من فضة، قيمتها تعادل مائة وأربعين مثقالاً، وما يقوم مقامها من العُمل تجب فيه الزكاة ما يساوي ستة وخمسين ريالاً من الفضة تجب فيه الزكاة، وهكذا كل ما زاد فيه الزكاة، سهم من أربعين: ربع العشر: سهم من أربعين سهماً (¬1) في الألف، خمسة وعشرون، وهكذا ربع العشر. أما الحبوب، فالنصاب فيها خمسة أوسق، والوَسْق ستون صاعاً بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيكون الجميع ثلاثمائة صاع، هذا نصاب الحبوب، والثمار، كالتمر، والزبيب خمسة أوسق، أي ثلاثمائة صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصاع النبي أربع حفنات بيدين معتدلتين؛ مملوءتين، أربع تعتبر صاعاً بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أقل من صاعنا المعروف قليلاً. فإذا بلغت الحبوب ثلاثمائة صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجبت فيها الزكاة، وهكذا التمور، والزبيب مثل الحبوب، فإذا كان أقل من ذلك، فليس فيه شيء إذا كان عنده أقل من ثلاثمائة صاع، فليس ¬

(¬1) [في المائة: اثنان ونصف، وفي المائتين خمسة، وفي: الخمسمائة اثنا عشر ونصف].

فيها زكاة، وهذا من رحمة اللَّه؛ لأن ما كان أقل قد يحتاج الإنسان صاحب الحراثة لأكله، وحاجاته، وليس فيه سعة للزكاة، فإذا بلغ خمسة أوسق ثلاثمائة صاع صار محلاًّ للزكاة، كل ما زاد، هكذا سواء كان حنطة، أو شعيراً، أو ذرة، أو غير ذلك بعد التصفية، بعدما يدوسهُ، ويصفِّيه يخرج زكاته للفقراء، والمساكين، ومن في حكمهم، وهذا من رحمة للَّه بعباده: أن جعل في أموال أغنيائهم سداً لحاجة فقرائهم، وهذا يوجب التعاون لدى الجميع، والعطف من غنيهم على فقيرهم، وهو مما يسبب المحبة بينهم، وهذا يعطف على أخيه بالزكاة، ويسد حاجته، فالمُعْطى يجد في ذلك أثراً في قلبه، ومحبة المعطي، وتقديراً لإحسانه إليه، فالزكاة فيها مواساة، وفيها تعاون، وفيها إزالة للشحناء، والضغائن، وفيها التحبب إلى الفقراء، وبهذا يكون المجتمع مجتمعاً متعاوناً بين غنيه وفقيره، بسبب عطف الغني على الفقير، وإحسانه إليه. 178 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» (¬1). وفي لفظٍ «إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» (¬2). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس على المسلم في فرسه صدقة، برقم 1463، وباب ليس على المسلم في عبده صدقة، برقم 1464، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه، برقم 982، واللفظ له. (¬2) لم أجد هذا للفظ في الصحيحين، وإنما الذي عند مسلم دون البخاري: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر»، مسلم، برقم 10 - (982)، وأما اللفظ الذي ذكره المصنف - رحمه الله - فرواه أبو داود، كتاب الزكاة، باب صدقة الرقيق، برقم 1594، وأخرجه من طريقه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 117، برقم 7652، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1 - / 301، برقم 1420.

179 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» (¬1). الْجُبار: الهدر الذي لا شيء فيه. والعجماء: الدابَّة. 180 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ عَمُّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيراً، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالى، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، فَقَدِ (¬3) احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ: فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا» ثُمَّ قَالَ (¬4): «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب في الركاز الخمس، برقم 1499، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب جرح العجماء جبار، والمعدن والبئر جبار، برقم 1710، بلفظ: «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ». (¬2) في نسخة الزهيري: «عم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) في نسخة الزهيري: «وقد». (¬4) في نسخة الزهيري: «قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب قول اللَّه تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ والغارمين وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، برقم 1468، ومسلم، كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، برقم 983، واللفظ له، إلا أن فيه: «فهي علي ومثلها معها» فمعها لم تذكر في متن العمدة. ولفظ البخاري: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، «هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا».

181 - عن عبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني (¬1) - رضي الله عنه - قال: «لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّه - صلى الله عليه وسلم - (¬2) يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ، وَفِي (¬3) الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئاً، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ (¬4)، إذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» كُلَّمَا قَالَ شَيْئاً، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟» قال: كلما قال شيئاً (¬5) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: جِئْتَنَا بكَذَا (¬6) وَكَذَا، أَلا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ (¬7) إلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وشِعْباً، لَسَلَكْتُ وَادِيَ ¬

(¬1) «المازني»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) في نسخة الزهيري: «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) في نسخة الزهيري: «في» بدون واو. (¬4) «في أنفسهم»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) «قال: كلما قال شيئاً»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4330. (¬6) في نسخة الزهيري: «كذا وكذا»، وهي هكذا في البخاري، برقم 1330. (¬7) في نسخة الزهيري: «وتذهبون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي هكذا في البخاري، برقم 4330 ..

الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» (¬1). 46 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالزكاة، والأخير يتعلق بالدين. الحديث الأول يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»، وفي لفظ: «إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ». معنى هذا أن الخيل ليس فيها زكاة، وهكذا الحمير، والبغال ليس فيها زكاة، إنما الزكاة في الإبل، والغنم، والبقر إذا كانت سائمة، أما الخيل، والبغال فهي عَفْوٌ من اللَّه - عز وجل -، وهكذا الحمير كلها، ليس فيها زكاة، وهكذا العبيد المماليك ليس فيهم زكاة إلا زكاة الفطر، لكن إذا كانت الخيل، أو الحُمُر، أو البغال، أو العبيد للتجارة والبيع والشراء، ففيها زكاة التجارة: كسائر العروض التي يشتريها الإنسان للبيع والشراء، فإذا اشترى خيلاً، أو بِغالاً، أو حميراً، أو عبيداً للبيع والتجارة، فهذا فيه زكاة التجارة، كلما حال الحول تقوَّم وتزكى قيمتها، أما إذا كانت الخيل للقُنية والاستعمال، أو الجهاد، أو العبيد للخدمة، أو البغال والحمير للخدمة والاستعمال، فليس فيها زكاة، بل هي عرض. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، برقم 4330، بلفظه، إلا أحرفاً يسيرة، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام، وتصبر من قوي إيمانه، برقم 1061، ورقم 1059.

الحديث الثاني عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «الْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ». معنى جبار: هدر، أي ليس فيه شيء، البئر ليس فيها شيء، لو سقط فيها أحد، جبار: هدر، وهكذا العجماء إذا نطحت أحداً، أو وطئت أحداً، جبار: هدر؛ لأنها لا عقل لها، والمعدن كذلك إذا حفر الناس إلى المعادن إن سقط فيها شيء، أو مات فيها عابرٌ: فهدرٌ ليس فيه شيء، إلا إذا ثبت أن الإنسان فرّط في ذلك، إذا ثبت أن الإنسان فرط في ذلك، حفر بئراً في طريق المسلمين، ولم يحطها، ولم يفعل شيئاً يمنع الناس من خطرها، فيضمنها، أما إذا كانت في محلِّه، في أرضه، في مزرعته، أو في محلٍ بعيد عن خطر المسلمين فهي جبار. وهكذا المعدن، إذا كان ليس في محلِّ طريقِ المسلمين، فهو هدر، وهكذا الدابة، إذا كان ما معها أحد، ووطئت أحداً، أو عضت أحداً، وما أشبه ذلك ليس فيها؛ لأنها لا تكليف عليها إلا إذا عرف صاحبها أنها تؤذي الناس، كعروشٍ (¬1) تؤذي الناس؛ فإن عليه إمساكها، وحفظها، فإذا أهملها يضمن ما يحصل بعملها، وكذلك إذا جعلها حول الزروع، وأطلقها حول الزروع يضمن؛ لأنه حين أطلقها حولها مفرط، فعليه الضمان، كما في الحديث سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المواشي، ¬

(¬1) الدابة العروش عند العامة: هي التي تعض الناس بأسنانها. وفي لسان العرب، 6/ 313، مادة (عرش): العروش: جمع عرش: يقال: الكلب إِذا خَرِقَ فلم يَدْنُ للصيد: عَرِشَ.

قال: «إذا كانت في النهار فلا ضمان، وإن كان في الليل فعلى أهلها الضمان» (¬1)، لكن إذا أطلقت حول الزروع فهي مثل الليل، إذا كان صاحبها متعدياً مفرطاً، ومن رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه. أما الركاز، وهو من دفن الجاهلية، الأموال التي يدفنها الجاهلية من الكفار: ذهب، أو فضة، أو أوانٍ، أو سلاح، ويجده المسلمون، ففيه الخمس لبيت المال، ولصاحبه الباقي لمن وجده، فمن وجد في خربةٍ، أو أرضٍ كنزاً عليه علامة الكفار فيكون له عدا الخمس فيكون لبيت المال. والحديث الثالث حديث أبي هريرة في قصة خالد، والعباس وابن جميل: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عمر على الصدقة، فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد - رضي الله عنه -، والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر بهذا: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلاَّ أَنْ كَانَ فَقِيراً، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ ...»، ما له عذرٌ، فالواجب عليه أن يؤدي الزكاة كون اللَّه أغناه، هذا يوجب فيه شكر اللَّه، وأداء الزكاة، أما خالد فإنه فقير ما عنده شيء، أدراعه وأعتاده كلها قد وقفها في سبيل اللَّه. فليس عنده ¬

(¬1) في سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب المواشي تفسد زرع قوم، برقم 3569، ورقم 3570، وفي مسند أحمد، 39/ 102، برقم 23697، وصحيح ابن حبان، 13/ 354، وصححه مرسلاً محققو المسند، 39/ 102، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 8/ 399، برقم 6008: عَنْ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ حَفِظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَهَا بِاللَّيْلِ».

شيء، ولهذا قال: «إِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، أي ليس من أهل الزكاة، ليس عنده شيء يُزَكَّى، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ: فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا» تحمَّلها النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - عنه، وقَالَ: «إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟»، تسلف النبي - صلى الله عليه وسلم - زكاة العباس من العباس، وفي رواية أنها كانت عليه، قال: إنها عليَّ ومثلها، أي اقترضها من ابن عباس، والمشهور أنه تحملها، قال: هي عليَّ ومثلها، تحملها عن عمه - عليه الصلاة والسلام -، وفي رواية: «أنه استسلف منه الزكاة عامين» (¬1)، فتلك لها معنى، وهذه لها معنى، فلما قال: هي عليَّ ومثلها. قال لعمر: «إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» (¬2)، فيدل على أنه فعل براً به، وصلةً له؛ لأنه صنو الأب. أما الحديث الرابع: حديث عبداللَّه بن زيد الأنصاري [فهذا] (¬3) في قصة حنين؛ لما أفاء اللَّه على نبيه غنائم كبيرة من أهل الطائف، نفَّل بعض الناس من العرب، والمهاجرين من الأموال والعبيد بعد الفتح، ومن رؤساء العرب نفَّل لهم، هذا يُعطَى مائة من الإبل، وهذا يُعطى خمسين ¬

(¬1) روى البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 111: عَنْ حُجْرٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ وَخَالَفَهُ فِي لَفْظِهِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعُمَرَ: «إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ الْعَامِ عَامَ الأَوَّلِ ...»، وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلاً أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ - رضي الله عنه - فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: «إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ» .. قال البيهقي: «وَهَذَا هُوَ الأَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ»، وفي رواية للبيهقي مرفوعاً: «إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا فَاسْتَسْلَفْنَا الْعَبَّاسَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ»، وروى أيضاً: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ، أَوْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ»، البيهقي، 4/ 111، وجاء معناه عند ابن خزيمة في صحيحه، 4/ 49، في آخر روايات حديث رقم 2330. (¬2) البخاري، برقم 1468، ومسلم، برقم 983، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 180. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها: «فهذا» ..

من الإبل، وهذا يُعطى كذا، نفَّل لهم تأليفاً لقلوبهم، ولِما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من إعطاء المؤلفة قلوبهم، وكما فرض اللَّه لهم في الزكاة تأليفاً لقلوبهم، وحتى يستقيموا على الدين، وحتى يسلموا للَّه، وحتى يقوى إيمانهم؛ لأنهم رؤوساء مَتبعون، فلما فعل ذلك - عليه الصلاة والسلام -، وجد الأنصار في أنفسهم بعض الشيء، قالوا: يعطي هؤلاء ويدعنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم يوم حُنين، فلما بلغه ذلك جمعهم - عليه الصلاة والسلام -، وخطبهم وقال: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهُدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟» كلما قال شيئاً قالوا: اللَّه ورسوله أمنّ، يعني المنَّة للَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أنت صادق، قال - عليه الصلاة والسلام -: «أَمَا إنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا: أجبتموني، لو شئتم لأجبتموني»، ولكن تأدبوا ولم يجيبوا - رضي الله عنهم - وأرضاهم، وفي رواية: أنه قال: «لَوْ شِئْتُمْ لقُلْتُمْ: جِئْتَنَا طَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ, وَفَقِيراً فَوَاسَيْنَاكَ، وَذَلِيلاً فَنَاصَرْنَاكَ»، لكنّهم لم يقولوا هذا تأدباً مع النبي - رضي الله عنهم -، جاء من مكة هارباً من أهل مكة، هارباً من القتل، فأواه الأنصار، وآووا أصحابه، ونصروهم، وأشركوهم في أموالهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم. كما قال - عز وجل -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (¬1) - رضي الله عنهم - وأرضاهم، ثم قال: يا معشر الأنصار: سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ، أي ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 9 ..

سوف تجدون بعدي من يستأثر عليكم في الأموال من الولاة فاصبروا، ثم قال: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أو شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبعيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟» أي إلى المدينة، ثم قال: «الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» (¬1) , الشعار ما يلي الجسد, والدثار ما فوق ذلك. فرضوا - رضي الله عنهم - وأرضاهم، واطمأنوا بهذا الكلام، الذي قاله لهم - عليه الصلاة والسلام -، وزال ما في النفوس من بعض الأحداث، الذين تكلموا في هذا - رضي الله عنهم - وأرضاهم. المقصود أنه بيَّن لهم ميله إليهم، ومحبته لهم، ومنزلتهم عنده، أنه لولا الهجرة لكان امرأً من الأنصار - رضي الله عنهم - وأرضاهم، فقال: «الأنصار شعار والناس دثار، لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم»، كل هذا فيه تطييب لنفوسهم، والدلالة على منزلتهم العظيمة عنده، ليذهب ما في قلوب بعض شبابهم من التأثر. وفي هذا دلالة، أنه ينبغي لولاة الأمور عند وجود الاعتراض من بعض الناس، وعند وجود نزاع من بعض الناس، أن يُبيّنوا العلَّة، وأن يستطيبوا النفوس، وأن يُطفئوا الفتنة بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، وبيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - أنه أعطى أولئك الرؤساء يتألفهم على الإسلام، ليجمع قلوبهم عليه، لئلا يختلفوا، ولئلا ينكروا، المال ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1059، ورقم 1061، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 181.

32 - باب صدقة الفطر

وزَّعه - صلى الله عليه وسلم - لمصلحة الإسلام والمسلمين؛ فلهذا طيَّب نفوسهم، واعتذر لهم بهذا العذر الواضح، وبيّن لهم منزلتهم عنده، وأن لهم المنزلة العالية الرفيعة، وذلك بما يطيب النفوس، ويزيل ما قد يقع في نفس بعض الشباب من استئثار. 32 - باب صدقة الفطر 182 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) صَدَقَةَ الْفِطْرِ ــ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ــ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ: صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ» (¬2). وفي لفظ، «أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاةِ» (¬3). 183 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ (¬4) الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) صَاعاً مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تمرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ، وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «النبي»، وهي هكذا في البخاري، برقم 1511. (¬2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك، برقم 1511، واللفظ له، وقوله: «على الصغير والكبير» ليست في لفظ الحديث، وإنما هي في آخر الرواية: «فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ، وَالكَبِيرِ ...»، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم 984. (¬3) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، برقم 1503، وفي أوله: «وَأَمَرَ بِهَا ...». (¬4) في نسخة الزهيري: «في زمان»، وهي في البخاري، برقم 1508. (¬5) في نسخة الزهيري: «النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في البخاري، برقم 1508. (¬6) أي الحنطة.

قَالَ: أَرَى مُدَّاً مِنْ هَذِهِ (¬1) يَعْدِلُ مُدَّيْنِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2)» (¬3). 47 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الصحيحان عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في شأن زكاة الفطر: زكاة الفطر فريضة فرضها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع عليها المسلمون، وهي صاعٌ من طعام، صاع من قوت البلد، تُعطى للفقراء، والمساكين عن كل رأس من أهل البيت، الرجل وزوجته وأهل بيته جميعاً من أولاد، وأيتام، ونحو ذلك، من أهل بيته عن الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحر والعبد من المسلمين، أما ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «من هذا» وهي في البخاري، برقم 1508. (¬2) «على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب، برقم 1508، وقوله: «أو صاعاً من أقط» ليست في هذه الرواية، وهي في الحديث رقم 1506، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم 985، و18 - (985). ورواية البخاري: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتْ السَّمْرَاءُ قَالَ: أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ». ورواية مسلم: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ، أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ، تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا، فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ»، مسلم، 18 - (985).

لو كان عنده مماليك كفار ليس عليهم زكاة فطر، إنما الزكاة على المسلمين، وهي تُسمَّى بزكاة الفطر، وصدقة الفطر، وصدقة رمضان، من كان موجوداً عند نهاية رمضان، وجبت عليه الزكاة؛ لأنها زكاة الفطر، سواء كان ممن يصوم، أو من الصغار الذين لا يصومون، فهي عامة: صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، ودل حديث أبي سعيد على أن جميع هذه الأنواع من الأطعمة، كذلك من البُرّ والأرز، لأنه قال: صاعاً من طعام، فيعم الأرز، والتمر، وكل طعام يقتاته الناس، مما يُكال، ويُقتات. فإذا كان في البلد الذرة، أو الدخن، أو أشباه ذلك، زكَّوا من طعامهم، وهكذا الأقط، البادية يستعملون الأقط كثيراً، يُزكَّى من الأقط لا بأس، أو الزبيب؛ ولهذا في حديث أبي سعيد: صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أَقِطٍ، هذه خمسة، ولو كان هناك نوع آخر: كالذرة، أو كالدخن، أو العدس، أو ما أشبه مما يقتاتونه، زكَّوا منه من طعامهم؛ لأنه مواساة للفقراء، والمواساة تكون فيما يأكله المؤدِّي، مما يتملكه من الطعام. والواجب إخراجها قبل صلاة العيد، كما قال في الحديث: «وأمر أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة»، فيؤديها المسلمون قبل خروجهم إلى صلاة العيد، ويجب أن تؤدَّى قبل العيد بيوم، أو بيومين، كما كان الصحابة يؤدونها بإذن النبي - عليه الصلاة والسلام -، يعني من اليوم الثامن والعشرين، والتاسع والعشرين، وإن تم الشهر فالثلاثون

، فالشهر يكون تسعاً وعشرين، ويكون ثلاثين، فقبل العيد بيومين، هو اليوم الثامن والعشرون، واليوم التاسع والعشرون، وإذا تم الشهر صارت ثلاثة، ولهذا كان ابن عمر يؤديها قبل العيد بيومين، أو ثلاثة؛ لأنه في الحادث الغالب تكفي الفقير، ولو جاءت قبل العيد بيومٍ أو يومين يبقى له بقية تكفيه ليوم العيد، والسنة أن تكون من الشيء الطيب، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (¬1)، فالمؤمن يختار الشيء الطيِّب النظيف، ولا يجوز أن يتصدق من الشيء المعيب الرديء؛ لأن اللَّه قال: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (¬2)، أي ولا تقصدوا الخبيث الرديء منه تنفقون، ولكن تيمموا الطيب، أي اقصدوا الطيِّب، ولا يلزم منه الأطيب، أطيب شيء لا يلزمه، يلزمه الطيب الوسط، لا الرديء، ولا الأطيب، ولكن يلزمه الوسط من طعامه من التمر، أو من الحنطة، أو من الأقط، أو من الزبيب، من الشيء الطيب، فيخرج منه زكاة الفطر، ويكون ذلك يوم العيد قبل الصلاة أفضل، وإن أخرجها يوم التاسع والعشرين، أو يوم الثامن والعشرين، أو أخرجها في الليل ليلة التاسع والعشرين، أو ليلة الثلاثين، أو ليلة العيد أجزأه، لأنها مواساة، وهذه الأوقات متقاربة: العيد، وما قبله بيومٍ، أو يومين متقارب، والمقصود إغناؤهم عن ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: (267). (¬2) سورة البقرة، الآية: (267).

الطوفان أيام العيد حتى يحصل لهم السرور مع الناس، والغبطة، وعدم الحاجة إلى التَّجوُّلِ في الأسواق يوم العيد للسؤال، وطلب الحاجة. قال أبو سعيد: «فلما قدم معاوية المدينة [...] (¬1) قال: أرى أن مداً من هذا يعدل مُدين» (¬2)، أي مداً من الحنطة [...] (¬3) تعدل مدين من التمر، والشعير، والزبيب والأقط، هذا اجتهادٌ منه - رضي الله عنه -، هذا من باب الاجتهاد. والصواب مثلما قال أبو سعيد: إخراج صاع، كما كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يأمر بذلك: صاعاً من جميع الأقوات: من تمر، أو برٍ، أو غيرهما، وقد يكون البُر في بعض الأحيان أقلَّ قيمة من التمر، وقد يكون أقلَّ قيمة من الزبيب، وقد يكون أقلَّ قيمة من الأقط، هذا شيء لا يُنظر إليه، فالواجب إخراج صاع من الجميع، كما أخبر به النبي - عليه الصلاة والسلام -. وأما ما رآه معاوية، وبعض أهل العلم، فهو قول مرجوح يخالف ظاهر النص؛ ولهذا قال أبو سعيد: «أما أنا فلا أُخرج إلا صاعاً، كما كنت أخرجها على عهد النبي - عليه الصلاة والسلام -». والواجب على أهل الزكاة أن يتحرَّوا الفقراء، ولا يعطوها الأغنياء، يتحروا الناس ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، والظاهر أنها: «في ولايته»، ولا تؤثر في المعنى. (¬2) البخاري، برقم 1508، ومسلم، برقم 985، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 183. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، والظاهر أنها: «تعدل هذه الأشياء»، وسقوطها لا يؤثر في المعنى.

المحتاجين الفقراء حتى يدفعوها إليهم، والواجب أيضاً أن يبادروا بها قبل العيد، ولا يجوز تأخيرها بعد العيد [...] (¬1)؛ ولهذا في حديث ابن عباس عند الحاكم، وأبي داود وغيرهما بسندٍ جيد، يقول ابن عباس: «إن رسولَ اللَّه فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» (¬2)، هذا يفيد أنه إذا أداها قبل الصلاة صار له ثواب الزكاة كاملة، وإذا أداها بعد الصلاة صار له ثواب الصدقات العادية المعروفة؛ لأنه أخلَّ بالواجب، فالواجب أن يبادر بها، ويخرجها قبل صلاة العيد، هذا هو الواجب، وإن قدّمها قبل العيد بيوم أو يومين، فلا حرج في ذلك من باب التوسعة. س: هل تُخرج القيمة؟ ج: عند جمهور أهل العلم لا يخرج القيمة (¬3)، يُخرج الطعام؛ كما أمر النبي - عليه الصلاة والسلام -. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والظاهر أنها: «هذه مبادرة»، وهي لا تؤثر في المعنى. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، برقم 1611، والحاكم، 1/ 409، ولفظ أبي داود والحاكم: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِي صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 317، برقم 1427. (¬3) ومعنى السؤال: هل تخرج القيمة في زكاة الفطر؟

4 - كتاب الصيام

4 - كتاب الصِّيَامِ 184 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ولا يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ» (¬1). 185 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سَمِعْتُ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» (¬2). 186 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (¬3). 187 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم 1914، ومسلم، كتاب الصيام، باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، برقم 1082، واللفظ له. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان، برقم 1900، واللفظ له، وباب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»، برقم 1906، ومسلم، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غمّ في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً، برقم 1080، ولفظه: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: «لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» .. (¬3) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب، برقم 1923، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1095، بلفظه أيضاً.

«تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاةِ. قَالَ أَنَسٌ: قُلْت لِزَيْدٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» (¬1). 48 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث تتعلق بالصيام، والصيام لغة: الإمساك عن الكلام، ومنه قوله جل وعلا عن مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (¬2)، ومنه قول الشاعر: خيل صيامٌ وخيل غير صائمة يعني ممسكة عن الصهيل. أما في الشرع، فهو: إمساك بنية عن المفطرات في نهار الصيام، يقال: الصيام إذا أمسك بنية الإمساك عن المفطرات في النهار، سواءً في رمضان، أو في غيره، يقال له صيام، وهو تعريف شرعي. فالصيام شرعاً هو: الإمساك بنية التقرب بترك ما حرم اللَّه، وكرهه للصائم من المفطرات من أكل، وشرب، وجماع، ونحو ذلك. والصيام قسمان: فرضٌ ونفل: فالفرض هو: صيام رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وهو شهرٌ واحد من السنة، فرضه اللَّه على المكلفين من ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر، برقم 575، وكتاب الصوم، باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر، برقم 1921، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1097. (¬2) سورة مريم، الآية: (26).

الرجال والنساء، ويُلحق بذلك صوم الكفَّارات، فهو فرضٌ أيضاً: كفارة الظهار، وكفارة الوطء في نهار رمضان، وكفارة القتل، هذا فرض، هذا ما شرعه اللَّه لكفارة القتل إذا عجز عن العتق، وكفارة الظهار إذا عجز عن العتق، وكفارة الوطء في [نهار] رمضان إذا عجز عن العتق، يكون عليه الصيام إذا استطاع (¬1). ومن الفرض أيضاً النذور إذا نذر، مثل: للَّه عليّ أن أصوم كذا مثل يوم الإثنين، أو يوم الخميس، أو أصوم كذا، هذا [هو] (¬2) الوفاء بالنذر. ويكون نفلاً مثل: صوم الإثنين، والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام ست من شوال، صيام يوم، وفطر يوم، هذا يسمى صوم تطوع. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ولا يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ» (¬3). لا يجوز للمسلمين أن يتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين على سبيل الاحتياط، يخشون أن يفوتهم شيء، ليس لهم ذلك، بل عليهم أن يتحرّوا دخول الشهر، إما بالرؤية، أو بإكمال شعبان، وليس لهم التقدم على رمضان، كما فعلت النصارى وغيرهم، لا، الواجب ¬

(¬1) ومن الصيام الفرض أيضاً: كفارة اليمين، إذا عجز عن الإطعام، والكسوة، والعتق، صام ثلاثة أيام. (¬2) ما بين المعقوفين في أصل الكلام «هي». (¬3) رواه البخاري، برقم 1914، ومسلم برقم 1082، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 184.

التقيد الشرعي، فلا يُصام يوم الشك، ولا صوم اليوم الذي قبله، بل على المسلم التحرِّي، فيُصام لرؤيته، ويُفطَر لرؤيته، فإن غُمَّ الهلال وجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم يصوم المسلمون، ولا يجب التحري في ذلك فيصوم يوم الشك، بل لابد إكمال العدة إن لم يُرَ الهلال، فإن رُؤي الهلال لثلاثين من شعبان صام الناس، فإن لم يُر أكملوا شعبان ثلاثين، هذا هو الواجب كما في الشرع. وقد جاء عن النبي أنه قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» (¬1)، وهذا أبلغ في التحذير، فإذا بقي النصف من شعبان لا يمكن صيام التطوع، أما إذا صام أكثر شعبان فلا بأس، كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يصوم أكثره (¬2). ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصيام، باب في كراهية ذلك، برقم 2337، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، برقم 738، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي في الكبرى، 2/ 172، برقم 2911، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بصوم، إلا من صام صوماً فوافقه، برقم 1651، والبيهقي، 4/ 209، برقم 7750، وأحمد، 15/ 441، برقم 9707، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ»، وقال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 7/ 101، برقم 2025: «إسناده صحيح على شرط مسلم»، ومثله قال محققو المسند، 15/ 444 .. (¬2) فعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»، صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب صوم شعبان، برقم 1969، ومسلم، 1156، ولفظه: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ - رضي الله عنها -: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: «وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ»، وفي رواية: كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ».

حديث ابن عمر - رضي الله عنه -، يقول ابن عمر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ» (¬1)، معنى هذا الكلام: أن الواجب أن يصوموا لرؤية الهلال، وأن يُفطروا لرؤية الهلال، وليس لهم الصوم بالحساب، ولا بالاحتياط، لابد من الرؤية، أو إكمال العدة؛ ولهذا: «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة»، أي ثلاثين، وفي رواية أخرى: «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً»، وفي اللفظ الآخر: «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين»، «فعدوا ثلاثين» (¬2)، والمعنى واحد، فإذا غم هلال شعبان يكمّل ثلاثين، غُمّ هلال رمضان، يُكَّمل رمضان ثلاثين. فالشهر إما تسعة وعشرون وإما ثلاثون، فإن رؤي الهلال في ثلاثين من شعبان صام الناس، وإن رؤي في الثلاثين من رمضان أفطر الناس، فإن لم يُرَ كمَّلوا شعبان ثلاثين وصاموا، وكمَّلوا رمضان ثلاثين وأفطروا. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم الهلال فصوموا»، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، برقم 1080، ولفظ البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ». (¬2) هذه الروايات كلها في مسلم، برقم 1080، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 185.

والأحاديث في هذا كثيرة تدل على وجوب اعتماد الرؤية ولا يجوز اعتماد الحساب، ولا الصوم بمجرَّد التحري والظن، بل لا بد من الرؤية أو إكمال العدة، هكذا شرع اللَّه - عز وجل -، وقد أجمع علماء الإسلام على أنه لا يُعتمد الصيام بالحساب. والحديث الثاني يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (¬1). السَّحور: ما يؤكل في آخر الليل، يقال له: سَحور [بالفتح]، والتسحُّر: سُحور - بالضم-: الفعل التسحُّر والأكل، وبالفتح طعام يؤكل يقال له سَحور، مثل الوَضُوء والوُضُوء، والطَّهُور والطُّهُور، فالطُّهور والوُضوء فعل، والوَضوء والطَّهور بالفتح الماء المعد للطهارة، يقال له: وَضُوء وطَهُور. والسحور مشروع للمسلمين أن يتسحروا حتى يتقووا به على طاعة اللَّه، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسحر، كما قال زيد بن ثابت: «تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان، فقيل: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية ...» (¬2) كان سحوره متأخراً في آخر الليل - عليه الصلاة والسلام -، وهذا هو السنة: تأخير السحور حتى يكون أقوى للصائم على طاعة اللَّه، فيكون السحور قرب الأذان، يتحرى قبل الأذان بقليل؛ ولهذا قال ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1923، ومسلم، برقم 1095، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 186. (¬2) رواه البخاري، برقم 1921، ومسلم، برقم 1097، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 187.

زيد لما سُئل: «كم كان بين السحور والأذان؟ قال: قدر خمسين آية». لما سأله أنس عن ذلك قال: قدر خمسين آية، خمسين آية متأنِّيَة مرتَّلة، نحو خمس دقائق، أو سبع دقائق إلى عشر دقائق. والحاصل في هذا أن السُّنة تأخير السحور. وفي الحديث الآخر: «لَا يَزَالُ النَّاس بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» (¬1)، وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» (¬2). ولكن السحر فيه إقامة للسنة (¬3)، ومخالفة لأهل الكتاب، فالمسلمون يحرصون على السحور في آخر الليل، لا في وسط الليل، كما يفعل بعض الناس، بل السنة أن يتسحّر في آخر الليل، تأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيراً على منهجه، وعملاً بسنته، وهذا في النفل والفرض جميعاً. ¬

(¬1) مسند أحمد، 35/ 241، برقم 21312، بلفظ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ»، وهو في الصحيحين دون الجملة الأخيرة، البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار، برقم 1957، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1098، وصحح محققو المسند إسناد رواية أحمد على شرط مسلم، 35/ 241، بينما ضعفها الشيخ الألباني في ضعيف الجامع، برقم 6213. (¬2) مسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم 1096. (¬3) في أصل كلام سماحة الشيخ - رحمه الله -: «ولكن في السحر فيه إقامة للسنة».

188 - (¬1) عن عائشةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» (¬2). 189 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) قَالَ: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (¬4). 190 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلَكْتُ، فقَالَ (¬5): «مَا لك؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي في رَمَضَانَ، وَأَنَا صَائِمٌ ــ وَفِي رِوَايَةٍ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ ــ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟» قَالَ: لا، قَالَ: فسكت (¬6) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنمَا (¬7) نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ إذ أُتِيَ (¬8) النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ــ وَالْعَرَقُ ¬

(¬1) أول الوجه الأول من الشريط التاسع، سجّل في درس الشيخ في 29/ 5/ 1409هـ. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم يصبح جنباً، واللفظ له، برقم 1926، وبنحوه مسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، برقم 1109. (¬3) في نسخة الزهيري: «عن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً، برقم 1933، ومسلم، كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، برقم 1155، واللفظ له. (¬5) في نسخة الزهيري: «قال». (¬6) في نسخة الزهيري: «فمكث»، وهي في البخاري، برقم 1936. (¬7) في نسخة الزهيري: «فبينا»، وهي في البخاري، برقم 1936. (¬8) في نسخة الزهيري: «أُتي» بدون «إذ».

الْمِكْتَلُ ــ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّق بِهِ». فَقَالَ (¬1): عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا ــ يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ ــ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» (¬2). الحَرَّة: الأرض (¬3) تركبها حجارة سود. 49 - قال الشارح - رحمه الله -: حديث عائشة وما جاء في معناه عن أم سلمة - رضي الله عنهما - يدلان على أنه لا حرج على من أصبح جنباً أن يغتسل بعد الصبح، ويصوم، وأن المحرّم إنما هو الجماع (¬4). إذا جامع في الليل، أو في آخر الليل، وأخّر الغسل إلى بعد طلوع الفجر؛ فلا حرج في ذلك، وقد كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يفعله، يُصبح جنباً، ثم يغتسل، ويصوم - عليه الصلاة والسلام -، وفي رواية أم ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فقال الرجل»، وهي في البخاري، برقم 1936 .. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان فتصدق عليه، فليكفِّر، برقم 1936، وباب المجامع في رمضان هل يطعم؟، برقم 1937، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر، وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع، برقم 1111، ورواية: «أصبت أهلي»، برقم 87 - (1112). (¬3) في نسخة الزهيري: «أرض». (¬4) أي بعد طلوع الفجر.

سلمة: «ولا يقضي» (¬1)، فدّل ذلك على أنه لا مانع من تأخير الغسل، قد يحتاج إلى الشغل في السحور أو غير ذلك، فإذا أخر الغسل فلا بأس، يغتسل ولو بعد طلوع الفجر، وصومه صحيح، وليس عليه قضاء، المُحرّم الجماع بعد طلوع الفجر، أما الغسل بعد طلوع الفجر فلا بأس. وهكذا الحائض، إذا طهرت في آخر الليل، وصامت وانشغلت بالسحور، وأخرت الغسل إلى بعد طلوع الفجر، فلا حرج في ذلك، فترك الغسل لا يضرّ، لا من الحائض، ولا من النفساء، ولا من الجنب، وعليهم المبادرة بالغسل حتى يصلوا الصلاة في وقتها، فعلى الحائض، وعلى النفساء أن تبادر بالغسل بعد طلوع الفجر إذا رأت الطهارة في آخر الليل، تصوم رمضان، وتغتسل قبل طلوع الشمس، وهكذا الرجل الجنب يجب عليه أن يغتسل، ويبادر حتى يصلي مع الجماعة، ولا يضر التأخير إلى بعد الأذان بعد طلوع الفجر. والحديث الثاني: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (¬2)، وهذا من فضل اللَّه - عز وجل -، فالإنسان يعتريه النسيان، كما قال ¬

(¬1) مسلم، كتاب الصيام، باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب، برقم 76 - (1109). (¬2) رواه البخاري، برقم 1933، ومسلم، برقم 1155، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 190.

النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ» (¬1). فالبشر من طبيعتهم النسيان، فإذا نسي وهو صائم في رمضان، أو في كفارة، أو في غيرهما، فأكل، أو شرب، أو تعاطى مفطراً آخر نسياناً، فصومه صحيح؛ لهذا الحديث الصحيح. وفي رواية أخرى عند الحاكم: «مَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ» (¬2)، فلو جامع ناسياً، أو أكل ناسياً، أو شرب ناسياً؛ فإن صومه صحيح، ولا كفارة عليه، ولا عتق عليه، ولا قضاء عليه إذا كان ناسياً، واللَّه أعلم بالحقائق، فاللَّه يعلم بالحقيقة، واللَّه يعامل هذا على ما هو عليه من صدق أو كذب، لكن إن كان الإنسان صادقاً في أنه ناسٍ، فلا قضاء عليه، فصومه صحيح، أما إذا كان يكذب، فهذا أمره إلى اللَّه، لا تنفعه الفُتيا، ولو أفتاه رجل، إذا كان كاذباً، فعليه إثم ما فعله، لكن ما دام صادقاً في أنه ناسٍ؛ فإن صومه صحيح. والإنسان يُبتلى بالنسيان وهو معذور حتى في الصلاة التي هي أعظم الواجبات فقد ينسى، وقد يُسلم عن نقص، وقد يترك بعض الأركان، فيعمل ما شرعه اللَّه تعالى في الصلاة، إذا نسي ركعة أتى بركعة أخرى، وكمل صلاته بسجود السهو، إذا نسي ركناً أتى به، ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 572. (¬2) المستدرك، 1/ 430، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 229، وابن حبان، 8/ 288، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 87.

وإذا نسي واجباً سقط عنه، وسجد للسهو، فهكذا في الصوم، فالأمر ليس بخيار الإنسان، فإنه مخلوق على هذه الصفة ينسى، وقد نسي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أفضل الخلق، وسها في الصلاة، - عليه الصلاة والسلام -، وهكذا بنو آدم، يُبتلون بالنسيان في الصلاة وغيرها، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحكام النسيان في الصلاة، وهكذا في الصوم، أخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يضرّه أكله وشربه ناسياً، وهكذا جماعه، وهكذا حجامته، وكل ما مرّ من المفطرات، إذا فعله ناسياً، ولم ينتبه إلا بعد ذلك، فصومه صحيح، وهكذا لو جامع عامداً عليه كفارة؛ ولهذا لما جاءه الرجل وقال: يا رسول اللَّه هلكت. قال: «ما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فيعد هذا عامداً، حمله الهوى، والشيطان حتى وقع عليها، فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عليه الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً كالظهار، كالذي يظاهر من امرأته يُحرّمها، عليه كفارة مرتبة: العتق، ثم الصيام، ثم الإطعام، حسب طاقته، فإن استطاع العتق، وجب عليه العتق، عتق رقبة مؤمنة، ذكراً، أو أثنى، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين، وهي مثله إذا كانت مطاوعة، مثله عليها الكفارة، أما إذا كانت مقهورة بالقوة، ليس لها اختيار، وليست موافقة فهي معذورة، فإن عجز يطعم ستين مسكيناً. وفي هذا الحديث أن هذا الرجل قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل تجد كذا؟ هل تجد كذا؟ قال: لا أستطيع. حتى قال له: «أطعم ستين مسكيناً».

قال: لا أستطيع، فجلس، وسكت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم جيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَقٍ من تمر، ودفعه له، وقال: «أطعم بهذا، تصدق بهذا». فقال الرجل: يا رسول اللَّه، واللَّه ما بين لابتيها أي (المدينة) أهل بيت أفقر من أهل بيتي، يعني أني أولى بهذا الطعام، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - تعجباً من أمره في كونه يستفتي عن كفارته، ثم طمع فيها لنفسه لحاجته، ثم قال له: «اذهب فأطعمه أهلك»، هذا يدل على أن الإنسان مصدَّق في عجزه، وأنه أعلم بنفسه، قد لا يستطيع الصوم، ولا يستطيع العتق، لا يستطيع الإطعام، هو أعلم بنفسه، اللَّه يحاسبه على ما كذب فيه، ويدل على أنه إذا عجز عن الإطعام، والصيام، والعتق في الوطء في رمضان (¬1) يسقط عنه؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما قال له: إذا قدرت، وإذا أيسرت فكفِّر، بل قال: «اذهب فأطعمه أهلك»، وسكت عنه، فدل على سقوطه عنه، وأنه إذا عجز عن هذه الكفارة، سقطت عنه رحمةً من اللَّه. أما في الظهار، فلا تسقط عنه، بل تبقى في ذمته حتى يستطيع واحداً من ثلاثة: العتق، أو الصيام، أو الإطعام؛ حسب التيسير، أما في هذا، فقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تلزمه في هذه، قال: «أطعمه أهلك»، وأهل الإنسان [ليسوا] (¬2) مصرفاً للكفارات، فدل على سقوطها عنه لعجزه. ¬

(¬1) أي في نهار رمضان. (¬2) في الأصل المسجل: «ما هم».

33 - باب الصوم في السفر وغيره

33 - باب الصوم في السفر وغيره 191 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ ــ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ ــ قَالَ: «إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» (¬1). 192 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» (¬2). 193 - عن أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - قال: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَاسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» (¬3). 194 - عن جابر (¬4) - رضي الله عنه - قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَاماً وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: صَائِمٌ، قَالَ: ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم في السفروالإفطار، واللفظ له، برقم 1943، ومسلم، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم 1121. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب لم يعب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار، برقم 1947، واللفظ له، ومسلم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر، برقم 1118. (¬3) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، برقم 1945، ومسلم، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم 1122، واللفظ له. (¬4) في نسخة الزهيري: «جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما -».

«لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّومُ فِي السَّفَرِ» (¬1). وفي لفظٍ لمسلم (¬2): «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ» (¬3). 50 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصوم في السفر، وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كما دل القرآن على أنه لا حرج في الصوم في السفر، ولا حرج في الإفطار، وأنه رخصة من اللَّه - عز وجل -، كما قال - عز وجل -: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬4) يعني فأفطر، فعليه عدة من أيام أخر، فالمسافر مخيّر إن شاء صام، وإن شاء أفطر، إلا إذا كان في الصوم شدة وحرج، فالسنة له الإفطار ويُكره له الصوم؛ لما فيه من المشقة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من البر الصوم في السفر» (¬5). ليس من البر الكامل الصوم في السفر، وذلك لمَّا رأى رجلاً ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن ظُلل عليه واشتد الحر «ليس من البر الصوم في السفر»، واللفظ له، برقم 1946، ومسلم، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر، برقم 1115. (¬2) في نسخة الزهيري: «ولمسلم». (¬3) رواه مسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر، برقم 1115، وعنده «الذي» بدل» التي». (¬4) سورة البقرة، الآية: 185. (¬5) البخاري، برقم 1946، ومسلم، برقم 1115، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 194.

قد ظُلِّل عليه، واشتدَّ عليه الزحام بسبب ما أصابه من الشدّة، كره له الصوم - عليه الصلاة والسلام -، قال: «ليس من البر» البر الكامل «الصوم في السفر»، فليس من البر الصوم في السفر، إذا كان فيه مشقة وثقل، جمعاً بين الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا في الحديث الأول حديث حمزة بن عمرو الأسلمي قال له: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «هو رخصة من اللَّه من أخذه فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» (¬2). وفي حديث أنس: أنهم كانوا يسافرون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، وكان معهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما أفطر وربما صام - عليه الصلاة والسلام - (¬3). وفي حديث أبي الدرداء «أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر وكانوا مفطرين ليس فيهم صائم إلاَّ رسول اللَّه، وعبد اللَّه بن رواحة» (¬4)، وكان السفر شديداً، وهذا لعله كان أولاً قبل أن يأتي الوحي بكراهة الصوم في حالة الشدة، فيُحمل حديث أبي الدرداء على أنه كان أولاً، ثم أنزل اللَّه التخفيف والتيسير والحث على الإفطار في السفر إذا كان ¬

(¬1) البخاري، برقم 1943، ومسلم، برقم 1121، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 191 .. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم 1121، وهو بلفظ: «عن حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ». (¬3) انظر: البخاري، برقم 1947، ومسلم، برقم 1118، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 192. (¬4) البخاري، برقم 1945، ومسلم، برقم 1122، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 193.

فيه شدة؛ لحديث جابر، وهذا هو الجمع بين الأخبار، إن كان في شدة كره له الصوم وشرع له الفطر بتأكد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من البر الصوم في السفر» (¬1)، أي ليس من البر الكامل الصوم في السفر، أو ليس من البر الصوم في السفر إذا كان الوقت شديد الحرارة، يشق على المؤمن، أما إذا كان الوقت ليس فيه شدة، فالأمر بالخيار: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، والفطر أفضل، في كل حال لعموم: «ليس من البر الصوم في السفر»، والفطر أفضل؛ لما فيه من قبول الرخصة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» (¬2)، وقال في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في رواية مسلم: «هُوَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ» (¬3)، فدل على أن الصوم ليس فيه جناح، والفطر أفضل؛ ولأن الغالب على المسافر أن يتأثر بالصوم، ويشق عليه، حتى ولو كان في غير شدة الحر، فإذا أفطر فهو أفضل، وإن صام فلا حرج عليه، أما مع شدة الحر والتكلف؛ فإنه يُشرع له الفطر، ويتأكد عليه الفطر. ¬

(¬1) البخاري، برقم 1946، ومسلم، برقم 1115، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 194. (¬2) أخرجه أحمد، 10/ 107، برقم، 5866، والطبراني، 10/ 84، برقم 10030، وفي الأوسط، 3/ 89، برقم 2581، وأبو نعيم في الحلية، 2/ 101، وصححه محققو المسند، 10/ 107، والألباني في إرواء الغليل، 3/ 9. (¬3) مسلم، كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، برقم 107 - (1121) ..

195 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا مَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1) فِي سفَرٍ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فِي يَوْمٍ حَارٍّ، وَأَكْثَرُنَا ظِلاً صَاحِبُ الْكِسَاءِ، فَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةَ، وَسَقَوا الرِّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ» (¬2). 196 - عن عائشة لقالت: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ» (¬3). 197 - عن عائشة - رضي الله عنها -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (¬4). وأخرجه أبو داود وقال: «هذا في النَّذْرِ خاصةً (¬5)، وهو قول أحمد بن حنبل - رحمه الله -» (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «مع النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهو في البخاري، برقم 2890. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الخدمة في الغزو، برقم 2890، ومسلم، كتاب الصيام، باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل، برقم 1119، واللفظ له. (¬3) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب متى يُقضى قضاء رمضان، برقم 1950، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء رمضان في شعبان، برقم 1146، وفيه: «فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ: الشُّغْلُ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم 1952، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1147، بلفظه أيضاً. (¬5) «خاصة»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) سنن أبي داود، كتاب الصيام، باب من مات وعليه صيام، بعد الحديث رقم 2402.

51 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة أحدها يتعلق بالصوم في السفر، وهو حديث أنس - رضي الله عنه - «أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فنزلوا منزلاً في يوم حار من شدة الحر صائف، وأكثرهم ظلاً صاحب الكساء، وفيهم الصائم وفيهم المفطر، قال فسقط الصُّوَّام، أي ضعفوا وسقطوا في الأرض للراحة من شدة الحر، وقام المفطرون وضربوا الأبنية أي الخيام، وسقوا الرِّكاب، أي سقوا الإبل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ» (¬1)، وهذا يدل على أفضلية الفطر في السفر، ولاسيما عند شدة الحر؛ فإنه أولى من الصوم، والرخصة ينبغي أن تُقبل، واللَّه تعالى يقول: {فَمَنْ كَانَ مَرِيضَاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «ليس من البر الصوم في السفر» (¬3)، أي ليس من البر الكامل الصوم في السفر، بل الفطر أفضل، «واللَّه يُحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 2890، ومسلم، برقم 1119، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 195. (¬2) سورة البقرة، الآية: 185. (¬3) البخاري، برقم 1946، ومسلم، برقم 1115، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 194. (¬4) أخرجه الإمام أحمد، 10/ 107، برقم 5866، وابن حبان، 2/ 69، برقم 354، وابن خزيمة، 3/ 259، والطبراني في الأوسط، 8/ 82، برقم 8032، وأبو نعيم في الحلية، 6 - / 276 عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، وصححه محققو المسند، 10/ 107، وقال عنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 256، برقم 1059: «حسن صحيح».

فإذا اشتدّ الحرّ صار الفطر متأكداً، حتى يقوم كل واحد بحاجته، وبعمله، وينشط في خدمة إخوانه، أما إذا صام وأفطر غيره، صار عبئاً على إخوانه، وصار مشقة عليهم لضعفه، وعجزه؛ ولأنه في الحقيقة لم يقبل هذه الرخصة التي فيها إنعام اللَّه عليه، وإحسانه إليه، والرفق به، فينبغي له أن يقبلها. وحديث عائشة - رضي الله عنها - تقول: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ» (¬1)، هذا يدل على أنه لا بأس من تأخير القضاء، فمن قضى وبادر فلا بأس، وهو الأفضل، ومن تأخر فلا حرج عليه، ولاسيما إذا كان هناك حاجة كحاجة الزوج إليها، أو مرضها، أو غير ذلك من الأعذار التي تقتضي تأخيرها القضاء، فالأمر في هذا واسع والحمد للَّه، لها أن تؤخر إلى شعبان: الحائض التي أفطرت لأجل الحيض، أو لأجل المرض، أو الرجل إذا أفطر لأجل المرض، أو السفر إذا أخَّر فلا حرج، وإن بادر فهو أفضل، وإن دعت الحاجة إلى التأخير فلا بأس بذلك لهذا الحديث الصحيح، ولأن اللَّه سبحانه قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬2)، ولم يقل فمبادرة أو فليبادر أو فليقض، بل قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فدل على التوسعة. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1950، ومسلم، برقم 1146، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 196. (¬2) سورة البقرة، الآية: 185.

والحديث الثالث تقول - رضي الله عنها - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (¬1)، هذا حديث عظيم يدل على أن من مات وعليه صيام يُشرع لأوليائه، وهم القرابة، الولي: القريب، يُشرع لهم أن يصوموا عنه، كأن يموت وعليه نذر، نذر طاعة، أو صوم كفارة، أو قضاء من رمضان لم يصمه، وهو يستطيع الصيام، ولكن تساهل، وأخّر القضاء؛ فإن المشروع لأوليائه أن يقضوا عنه: أولاده، إخوانه، غيرهم من أقاربه، زوجته، ولو صام عنه غير قريب أجزأه؛ لأنه دَيْن، واللَّه أحق بالقضاء، والدين يقضيه القريب وغير القريب، لكن أقاربه أولى وأفضل؛ لما فيه من الإحسان إليه وصلة رحمه، فإن لم يتيسر من يقضي عنه، أُطعم عنه عن كل يوم مسكيناً. أما قول أبي داود عن أحمد أنه في النذر خاصة، فقولٌ ضعيف، وهو قول مرجوح، فالصواب أنه عام يعم النذور ورمضان، لأن الرسول عمم، قال: «من مات وعليه صيام»، فهذه نكرة في سياق الشرط، تعم جميع أنواع الصيام الواجب, تعم الكفارة والنذر ومن رمضان, فالحديث يعم الجميع، فلا يجوز تخصيصه بالنذر إلا بدليل، وليس هناك دليل، وقد ثبت في حديث ابن عباس في مسند أحمد: أن امْرَأَةً، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمٌ مِنْ رَمَضانَ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «أفَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1952، ومسلم، برقم 1147، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197.

قَاضِيةً؟ اقْضُوا اللَّه، فَاللَّه أحَقُّ بِالوَفَاءِ» (¬1)، فجاءه وسأله سائلون - عليه الصلاة والسلام - أحدهم يقول: يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم شهر (¬2)، والآخر يقول: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرين (¬3)، والآخر يقول: إن أمي ماتت وعليها صوم كذا (¬4)، فيأمرهم النبي بالقضاء، ولا يستفصل ما يقول: هل هو من رمضان؟ فلو كان خاصاً ¬

(¬1) أحمد، 3/ 434، برقم 1970، ولفظه: أنَّ امْرَأَةً، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِي عَنْهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَمَا كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ " قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ - عز وجل - أَحَقُّ»، وبنحوه في صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم 1953 بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»، وفي مسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1148، ولفظه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى». (¬2) البخاري، برقم 1953، ومسلم، برقم 1148، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197. (¬3) أخرجه البزار، 11/ 233، برقم 5004، ولفظه: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: جاءَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيامُ شَهْرين متتابعين، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيها دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نعم، قَالَ: فَحَقُّ اللَّهِ أَحَقُّ». (¬4) أخرج ابن ماجه، كتاب الصيام، باب من مات وعليه صيام من نذر، برقم 1759: «عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»، والطبراني في المعجم الصغير، 2/ 58، برقم 777، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 1424. وأخرج ابن خزيمة، 3/ 271، برقم 2053 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا, قَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ أَنَّ أُمَّكِ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ, أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: اقْضِي دَيْنَ أُمِّكِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ خَثْعَمَ». والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 256.

بالنذر لاستفصل - عليه الصلاة والسلام -، فلما عمم في الفتوى دل على العموم، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (¬1)، وهذا عام، جملة عامة تعم أنواع الصوم الواجب: من نذر، أو كفارة، أو من رمضان، إلا إذا كان من أفطر من رمضان معذوراً إن كان أفطر من مرض، ومات في مرضه، أو أفطر في سفر ومات في سفره، هذا معذور، أو طاب ولكن لم يعش مقدار الأيام التي عليه، فإنه يُصام عنه ما أدرك وهو صحيح، وإن صِيم عنه كل شيء فهذا أحسن، ولا بأس، لكن لا يجب الصوم عنه إلا إذا فرط إذا كان طاب من مرضه، وتساهل، ومضت أيام بقدر ما عليه ولم يصم، أما إذا كان مات في مرضه فهو معذور. 198 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ (¬2): «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم 1952، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1147. (¬2) في نسخة الزهيري: «فقال». (¬3) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم، برقم 1953، ومسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1148، واللفظ له، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197.

وفي رواية، «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلَى النَّبي (¬1) - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ (¬2): «أفَرَأَيْتِ (¬3) لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ» (¬4). 199 - عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (¬5). «وأخروا السحور (¬6)» (¬7). 200 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وغربت الشمس (¬8) فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» (¬9). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) في نسخة الزهيري: «فقال» بزيادة الفاء. (¬3) في نسخة الزهيري: «أرأيت». (¬4) رواه مسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 156 - (1148). (¬5) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار، برقم 1957، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، برقم 1098. (¬6) «وأخروا السحور»: ليست في نسخة الزهيري. (¬7) مسند أحمد، 35/ 241، برقم 21312، وصحح محققو المسند إسناده على شرط مسلم، 35/ 241، وقواه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1773. (¬8) «وغربت الشمس»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 1954. (¬9) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب متى يحل فطر الصائم، برقم 1954، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، برقم 1100.

52 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالصوم. الحديث الأول: أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ وفي رواية أخرى: أن امرأة قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم. قال: «فدين اللَّه أحق بالقضاء». وهكذا قال للمرأة: «فصومي عنها» (¬1). فهذا يدل على أن الرجل إذا مات، والمرأة إذا ماتت وعليها صوم نذر، أو كفارة، أو رمضان لم تصمه، وتيسر لها القضاء ولم تقضِ، فإنه يُصام عنها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمَّم وأطلق، ولم يقل: هل هو نذر أم غير نذر؟ ولم يستفصل، فدل ذلك على أن من مات وعليه صيام يُصام عنه، ويدل على هذا الحديث السابق حديث عائشة: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (¬2)، فإنه عام يعم صوم النذر، وصوم الكفارة، وصوم رمضان, إذا تساهل ولم يقضه ومات، أما إذا مات في مرضه، أو في سفره فهو معذور، كرمضان لكن إذا أخَّر الصيام بغير عذر؛ فإنه يُقضى عنه لهذا الحديث الصحيح، وما جاء في معناه, ومن قال: إنه خاص في النذر، فقوله ضعيف، فهو ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت، برقم 1149من حديث بريدة - رضي الله عنه -. (¬2) رواه البخاري، برقم 1952، ومسلم، برقم 1147، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197.

عام يعم النذر، ويعم الكفارة، ويعم صوم رمضان، ويدل على هذا ما تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، ولو كان خاصاً لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه أفصح الخلق، وأنصح الخلق، - عليه الصلاة والسلام -، وعليه البلاغ، فلو كان يخص النذر لبينّه - عليه الصلاة والسلام -، ويؤيد هذا ما ثبت في مسند أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم؟ عنها قال: «صومي عنها» (¬1). والحديث الثاني: حديث سهل بن سعد الساعدي الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»، وفي رواية أخرى: «وأخَّروا السحور» (¬2)، هذا يدل على شرعية تعجيل الإفطار، وأن الأمة لا تزال بخير مادامت تراعي هذا، وتعجل إذا غابت الشمس، فهذا السنة إذا غابت الشمس فالبدار بالفطور. وفي الحديث الآخر يقول جل وعلا: «أَحَبّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» (¬3)، وهكذا السحور يؤخر في آخر الليل، فهذا هو ¬

(¬1) أحمد في المسند، 3/ 434، برقم 1970، والبخاري، برقم 1953، ومسلم، برقم 1148، وتقدم تخريجه في تخريج شرح أحاديث المتن رقم 197، ونحوه حديث بريدة عند مسلم، برقم 1149. (¬2) مسند أحمد، 35/ 241، برقم 21312، بلفظ: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار، وأخروا السحور»، وصحح محققو المسند إسناده على شرط مسلم، 35/ 241، وقواه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1773، وتقدم تخريجه في تخريج أحادسيث شرح حديث المتن رقم 187. (¬3) مسند أحمد، 12/ 182، برقم 7241، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في تعجيل الإفطار، برقم 700، وابن خزيمة، 3/ 172، برقم 2062، وصحيح ابن حبان، 4/ 558، والسنن الكبرى للبيهقي، 4/ 237، وضعفه محققو المسند، 12/ 182، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، 1/ 80، وضعيف الترغيب والترهيب، 1/ 163، برقم 649.

الأفضل أن يؤخر السحور في آخر الليل, كما تقدم في حديث زيد بن ثابت أنهم تسحروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أنس قال: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: «قدر خمسين آية» (¬1)، يعني أنه أخَّر السحور - عليه الصلاة والسلام - إلى آخر الليل، والسحور سنة مؤكدة كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «تسحروا، فإن في السحور بركة»، فهو سنة للصائم في آخر الليل، حتى يتقوى به على طاعة اللَّه. والأفضل له أن يؤخر السحور، ويعجل الإفطار، هذا هو السنة. والحديث الثالث: حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: «إذا أقبل الليل من هاهنا يعني من جهة المشرق، وأدبر النهار من هاهنا أي من جهة المغرب من غروب الشمس وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»، ولو بقي نور في الدنيا، وصفرة الدنيا، ما عليها عبرة، متى غابت الشمس وسقطت ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1921، ومسلم، برقم 1097، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 187. (¬2) رواه البخاري، برقم 1954، ومسلم، برقم 1100، وتقدم تخريجه في تخريج حيث المتن رقم 200.

الشمس أفطر الصائم، ولو بقي لها آثار الصفرة في الجبال والأشجار، مادام غاب القرص وسقط القرص؛ فإنه يفطر الصائم، أما إذا كان ما غابت، وإنما حال دونها جبل أو قصر أو كذا، فلا يفطر حتى يعلم أنها غابت، وذلك بغيبوبتها من جهة المغرب، فإذا غابت الشمس أفطر الصائم، ولو كان بقي لها آثار نور من جهة أطراف الجبال، أو أطراف الشجر صفرة, صفرة أول الليل، فهذه لا تعد, المهم غيبتها، فإذا غاب القرص وسقط القرص (¬1) أفطر الصائم. 201 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْوِصَالِ. قَالُوا: يا رسول اللَّه (¬2). إنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: «إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ (¬3)، إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى» (¬4). ورواه (¬5) أبو هريرة، وعائشة، وأنس بن مالك، - رضي الله عنهم -. 202 - ولمسلم: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - «فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» (¬6). ¬

(¬1) أي قرص الشمس. (¬2) «يا رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) في نسخة الزهيري: «مثلكم»، وهي في البخاري، برقم 1962. (¬4) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، برقم 1962، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، واللفظ له، برقم 1102. (¬5) في نسخة الزهيري: «رواه» بدون الواو في أوله. (¬6) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام برقم 1963، ولفظه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: «لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ»، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِ»، والحديث لم أجده في مسلم.

34 - باب أفضل الصيام وغيره

34 - باب أفضل الصيام وغيره 203 - عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: «أُخْبِرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) أَنِّي أَقُولُ: وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ ذَلِكَ؟» (¬2) فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يا رسول اللَّه (¬3)، قَالَ: «فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْر» قُلْتُ (¬4): إِنِّي لأُطِيقُ (¬5) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمين» قُلْتُ: إِنِّي لأُطِيقُ (¬6) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، فَذَلِكَ صِيَامِ دَاوُد - عليه السلام -، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ» قُلْتُ (¬7): إنِّي لأُطِيقُ (¬8) أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فقَالَ: «لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» (¬9). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أخبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) «فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنت الذي قلت ذلك؟»: ليست في نسخة الزهيري، وليست في البخاري في رقم 1976، وهي في مسلم، برقم 1159. (¬3) «يا رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 1159. (¬4) في نسخة الزهيري: «فقلت». (¬5) في نسخة الزهيري: «أطيق»، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159. (¬6) في نسخة الزهيري: «أطيق»، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159. (¬7) في نسخة الزهيري: «فقلت». (¬8) في نسخة الزهيري: «أطيق»، وهي في البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159. (¬9) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم الدهر، برقم 1976، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 1159.

وفي رواية: قال: «لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي (¬1) دَاوُد - عليه السلام - ــ شَطْرَ الدَّهْرِ ــ صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً» (¬2). 204 - عن (¬3) عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ، صِيَامُ دَاوُد - عليه السلام -، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد - عليه السلام -، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَكَانَ يَصُومُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً» (¬4). 53 - قال الشارح - رحمه الله -: [هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصيام] (¬5). الحديث الأول أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الوصال، والوصال، ¬

(¬1) «أخي»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من أُلقي له وسادة، برقم 6277، ومسلم بنحوه، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 1159. (¬3) في نسخة الزهيري: «وعنه»، ولم يذكر اسم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -. (¬4) رواه البخاري، أبواب التهجد، باب من نام عند السحر، برقم 1131، وفي الطرف رقم 1979: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عليه السلام -، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى»، ورقم 3419، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوّت به حقاً، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم، برقم 189 - (1159). (¬5) ما بين المعقوفين سقط كلمات يسيرة فأثبت هذه الكلمات على منهج الشيخ في مقدمات شرح الأحاديث.

معناه أن يَصِل يومين أو أكثر مع لياليهما بدون أكل ولا شرب ولا مفطّر، هذا الوصال الذي يصل النهار والليل جميعاً، ولا يأكل شيئاً لا في الليل، ولا في النهار، ولا يشرب، ولا يتعاطى شيئاً من المفطرات، هذا يسمى الوصال؛ لأنه وصل يوماً بيوم، وجعل الليل كالنهار لا يأكل فيه، الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن الوصال لما فيه من المشقة والتعب، واللَّه شرع للأمة ما فيه الإحسان إليها، والرحمة لها، والرفق بها، فضلاً من اللَّه وإحساناً، كما قال - عز وجل -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (¬1)، فاللَّه يسّر، ونهى عن الوصال؛ لما فيه من المشقة، فقالوا: يا رسول اللَّه إنك تواصل! أي إنك تفعل هذا؟ قال: «لَسْتُ مِثْلَكُمْ»، وفي اللفظ الآخر: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى»، وفي اللفظ الآخر: «لي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» (¬3)، هكذا جاء الحديث عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وغيرهم - رضي الله عنهم - في النهي عن الوصال، وفي رواية أبي سعيد عند مسلم: «فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلى ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 185. (¬2) البخاري، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، برقم 1961، 1962، 1963، 1964، 1967، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصيام، برقم 1102، 1110، 1103، 1104، 1105. (¬3) مسند أحمد، 14/ 480، برقم 8902، صحيح ابن خزيمة، 3/ 280، برقم 2072، والطبراني في المعجم الأوسط، 5/ 355، برقم 5539، وصححه محققو المسند، 14/ 480. وانظر: صحيح مسلم، حديث رقم 60 - (1104) ..

السَّحَرِ» (¬1)؛ فإذا كان لا بد من الوصال فليكن إلى السحر يعني يصوم النهار مع غالب الليل ثم يجعل سحوره عشاءه من السحور إلى السحور لا بأس بهذا ولكن كونه يفطر في أول الليل أفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (¬2)؛ ولقول اللَّه سبحانه: «أَحَبّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» (¬3). فالسنة للصائم أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس، لكن لو واصل إلى السحر، وترك الأكل والشرب إلى السحر، فلا حرج؛ لحديث أبي سعيد هذا، وما جاء في معناه، أما أنه يواصل الليل مع النهار، فهذا مكروه لا ينبغي، وليس بحرام، لكنه مكروه؛ ولهذا في حديث أبي هريرة: فواصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ ...» (¬4) كالمنكِّل لهم حين أبوا أن ينتهوا، هذا يدل على أن الوصال صحيح جائز، لكن مكروه منهي عنه، وليس بحرام؛ لأنه واصل بهم، فلو كان حراماً ما واصل بهم، ¬

(¬1) لم أجدها في صحيح مسلم، ولكنها في البخاري عن أبي سعيد - رضي الله عنه -، كتاب الصوم، باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، برقم 1963، 1967. (¬2) رواه البخاري، برقم 1957، ومسلم، برقم 1098، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 199. (¬3) مسند أحمد، 12/ 182، برقم 7241، والترمذي، برقم 700، وابن خزيمة، برقم 2062، وصحيح ابن حبان، 4/ 558، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 199. (¬4) البخاري، كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال، برقم 1965، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم، برقم 1103، واللفظ له.

ولا أوقعهم في الإثم، لكن يدل على أنه مكروه رفقاً بهم، ورحمةً لهم، فلا ينبغي لهم أن يواصلوا، ويكره لهم أن يواصلوا لهذا الحديث الصحيح، الذي فيه النهي عن ذلك، والزجر عن ذلك، رحمةً للعباد، وإحساناً إليهم، ورفقاً بهم، وتيسيراً عليهم من اللَّه - سبحانه وتعالى -. وفي حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أنَّه بلَغَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنّه يقُولُ: «لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَنْتَ قُلْتَ ذَلِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، معنى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي: يعني أفديك بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فقَالَ: «إِنَّكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ»، الإنسان يتعب من هذا، كونه يصوم يوماً ويفطر يوماً دائماً، هذا فيه مشقة؛ ولهذا قال: «إِنَّكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا»، يعني يكفيك هذا، تصوم يوماً، وتفطر يوماً [...] (¬1) حسب التيسير، وتصوم من الشهر ثلاثة أيام، فالحسنة بعشر أمثالها، ثلاثة أيام بثلاثين، كأنه صام الدهر، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمين»، قال: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: «فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً، قال: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» (¬2)، يعني: هَذَا هُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، صَوْمُ دَاوُد - عليه السلام -، كان يصُومُ يَوْماً، وَيَفْطِرُ يَوْماً. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: كلمة ليست واضحة في التسجيل، لكنها لا تؤثر في المعنى. (¬2) البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 203.

وفي اللفظ الآخر: «إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ، صِيَامُ دَاوُدَ، وَإنَّ أَحَبَّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ، صَلَاةُ دَاوُدَ»، أي أن النبي داود - عليه الصلاة والسلام - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ (¬1)، هذه صلاة داود ينام النصف الأول، ويقوم السدس الرابع والخامس، وينام السدس الأخير، يتقوى به على عمل النهار، وهذا هو أفضل الصلاة صلاة جوف الليل مع نصف الثلث الأخير، وأحب الصيام إلى اللَّه صيام داود؛ لأنه يصوم يوماً ويفطر يوماً، هذا أفضل الصيام وأعدله، وإن صام الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر كفى، ولم يكلِّف نفسه أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً، كما قاله النبي - عليه الصلاة والسلام -، قال عَبْدُ اللَّهِ لَمَّا كَبِرَت سِنّه: «يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬2)، لما كبر عبد اللَّه، وضعفت قوته تأسَّف، وقال: ياليتني قبلت رخصة رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، ولم يحبَّ أن يدَعَ السُّنّة التي فارق النبي عليها - عليه الصلاة والسلام -، فكان يصوم أياماً ¬

(¬1) البخاري، برقم 1131، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 204. وفي لفظ في الصحيحين، البخاري، برقم 1977، ومسلم، برقم 186 - (1159): عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّاً، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّاً»، قَالَ: إِنِّي لَأَقْوَى لِذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عليه السلام -»، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى»، قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْن» .. (¬2) البخاري، كتاب الصوم، باب حق الجسم في الصوم، برقم 1975 ..

متعددة، ثم يفطر مثلها، يتقوَّى بذلك, وبهذا يُعلم أن الوصال كما تقدم مكروه، لا ينبغي، لكن إذا أراد أن يواصل إلى السَّحَر، فلا بأس، ويُعلم أن أفضل الصيام صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً، وإذا اكتفى بصوم يومي الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر فحسن؛ لأنه قد يشق عليه صيام يوم، وفطر يوم، لكن من قوي على هذا فهو أفضل الصيام، فيصوم يوماً، ويفطر يوماً، ويبين الحديث أن صلاة التهجد في الليل أفضله أن ينام نصف الليل الأول، ويقوم الثلث يعني: السدس الرابع والخامس، ويستريح السدس الأخير، يتقوى به على العمل، وإن صلى في الثلث الأخير، ونام في الثلثين الأولين بعد صلاة العشاء، كله طَيّب، كله حَسَن، فإن شقَّ عليه القيام في آخر الليل، فالأفضل أن يوتر في أول الليل قبل أن ينام بعد صلاة العشاء، يوتر ثم ينام، حتى لا يفوته قيام الليل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» (¬1)، آخر الليل أفضل لمن قوي على ذلك، ومن عجز وخاف ألا يقوم، أوتر أوّل الليل. 205 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬2) ¬

(¬1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل، فليوتر أوله، برقم 755. (¬2) «رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري.

بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» (¬1). 206 - عن محمد بن عَبَّادِ بن جعفر قال: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» (¬2). وزاد مسلم: «وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» (¬3). 207 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يَقُولُ: «لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (¬5)» (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة، وخمس عشرة، برقم 1981، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها، برقم 721. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائماً يوم الجمعة فعليه أن يفطر، برقم 1984، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1143. (¬3) مسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1143، ولفظه: «سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما -، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ: أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ». (¬4) في نسخة الزهيري: «النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) في نسخة الزهيري: «أو يوماً بعده». (¬6) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، وإذا أصبح صائماً يوم الجمعة فعليه أن يفطر، برقم 1985، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً، برقم 1144.

54 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بأنواعٍ من العبادة، الحديث الأول فيه: الدلالة على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وسُنة الضحى، والإيتار قبل النوم، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أبا هريرة، وأوصى بذلك أبا الدرداء أيضاً (¬1)، وعبداللَّه بن عمرو بن العاص أوصاه بأن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقال له: «الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر» (¬2)، وأوصى بذلك أبا ذر أيضاً (¬3)، وهذا يدل على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء في العشر ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع كعات، أو ست، والحث على المحافظة علها، برقم 722، ولفظه: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -، قَالَ: «أَوْصَانِي حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لاَ أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ»، وأخرج الإمام أحمد، 45/ 474، برقم 27481، ولفظه: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ: «أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَنْ لَا أَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَسُبْحَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ، وَالسَّفَرِ»، وأخرجه - أيضاً- أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الوتر قبل النوم، برقم 1435، والبزار، 10/ 72، برقم 4136، وصححه لغيره محققو المسند، 45/ 475، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 5/ 175، برقم 1287. (¬2) البخاري، برقم 1976، ومسلم، برقم 1159، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 203 .. (¬3) وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر، أخرجها ابن خزيمة، 2/ 144، برقم 1083، ولفظه: عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: «أَوْصَانِي حَبِيبِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَبَدًا، أَوْصَانِي: بِصَلاَةِ الضُّحَى، وَبِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَبِصَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ». والنسائي، كتاب الصيام، صوم ثلاثة أيام من الشهر، برقم 2404، وصححه محقق ابن خزيمة، 2/ 144، وصحح إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 2/ 212، برقم 946.

الأول، أو في العشر الوسط، أو في الأخيرة، وسواء كانت متتابعة، أو مفرقة، كل ذلك حسن، والحسنة بعشر أمثالها، فالمعنى أن كل يوم بعشرة، فكأنه صام الدهر كله، وهذا من فضل اللَّه - عز وجل -. وإن صام أيام البيض الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فهذا هو الأفضل كما في حديث أبي ذر (¬1) , كذلك سنة الضحى، صلاة الضحى سنة، أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا الدرداء، وأبا هريرة، وأوصى بها آخرين، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى من الناس صدقة ــ يعني على كل مفصل من الناس صدقة ــ فَبِكُلِّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، والتَّحْمِيدُ صَدَقَةٌ، وَالتَّكْبِيرُ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، قال: وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» (¬2)، فإذا ركعت من الضحى ¬

(¬1) عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» [الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم 761 بلفظه، والنسائي، كتاب الصوم، ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة، في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، برقم 2421 - 2425، وفي لفظ من هذه الروايات للنسائي: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ»، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 402، وفي صحيح النسائي، 2/ 170: «حسن صحيح» .. (¬2) مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليه، برقم 720، ولفظه: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى» ..

قامت مقام هذه الأعمال التي تُؤدِّي عن مفاصله، فسنة الضحى عبادة مؤكدة، وأقلها ركعتان بعد ارتفاع الشمس إلى وقوف الشمس، كله صلاة ضحى ما بين ارتفاعها قيد رُمح إلى وقوفها في كبد السماء، وأفضل ذلك عند شدة الحر، إذا اشتد الضحى قبل الظهر بساعة، أو ساعة ونصف، أو ساعتين، فهذا أفضل، وهي صلاة الأوَّابين (¬1) حين شدة الضحى، وإذا صلى أربعاً، أو ستاً، أو ثمانياً، أو أكثر؟ فكله حسن، وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ثماني ركعات في الضحى، - عليه الصلاة والسلام -، وروي عن عائشة أنه صلى عندها ثمان ركعات صلاة الضحى (¬2) , فهي سنة مؤكدة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن فعله، وهكذا الوتر قبل النوم، الوتر سنة مؤكدة، ما بين صلاة العشاء ¬

(¬1) أخرج مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، برقم 748، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلاَةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «صَلاَةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» .. (¬2) روى مالك في الموطأ، 2/ 213، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -: «أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَاي مَا تَرَكْتُهُنَّ» وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 1/ 294، برقم 1319، وروى أبو داود عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ»، كتاب التطوع، باب صلاة الضحى، برقم 1290، وروى البخاري، ومسلم، وغيره عن أُمِّ هَانِئٍ: «أنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَصَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ، مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا»، البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب من تطوع في السفر، برقم 1103، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات، أو ست، والحث على المحافظة عليها، برقم 336 ..

إلى طلوع الفجر، وأفضل ذلك في آخر الليل، هذا هو الأفضل، وإن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر في أوله، ولعل السر في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر، ولأبي هريرة، وأبي الدرداء في الوتر في أول الليل، لأنهم كانوا لا يستطيعون فعل ذلك في آخر الليل؛ إما لدرس الحديث، أو لأسباب أخرى، فلهذا أوصاهما بالوتر في أول الليل، أما من قدر واستطاع أن يصلي في آخر الليل، فهو أفضل، كما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ في آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ في آخِرِ الليل، فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رواه مسلم في الصحيح (¬1). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وينادي: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فيُعْطَى سُؤْلَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فيُسْتَجَابُ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ» (¬2)، هذا ¬

(¬1) مسلم، برقم 755، تقدم تخريجه في شرح أحديث حديث المتن رقم 204. (¬2) انظر: البخاري، برقم 1145، ومسلم، برقم 758، والسنة لابن أبي عاصم، 1/ 222، وروايات مسلم متعددة، قد تجمع كل ما في المتن، وهي على النحو الآتي: 1 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». 2 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ». 3 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ». 4 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ، وَلاَ ظَلُومٍ».

وقت عظيم إذا تيسّر فيه: القيام، والقراءة، والدعاء، والصلاة. أما الحديث الثاني والثالث، فهما يدلان على أنه لا يجوز إفراد الجمعة بالتطوّع؛ لأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إفرادها بالتطوع. أما إذا صام قبلها يوماً أو بعدها يوماً فلا بأس، إذا صام الخميس مع الجمعة، أو الجمعة مع السبت فلا بأس، أما إفرادها، فقد نهى النبي عن ذلك - عليه الصلاة والسلام -، فهي عيد الأسبوع فلا تُفرد، ولمَّا رأى بعض أزواجه صامت يوم الجمعة، وهي جويرية بنت الحارث، قال لها: «أصُمتِ أمس؟» قالت: لا, قال: «أتريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا. قال: «أفطري» (¬1)، فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يُصام وحده، ولا يُتطوع به وحده، ولكن يُصام قبله يوم، أو بعده يوم، كما أمر النبي - عليه الصلاة والسلام - بذلك، ونهى عن إفراده. 208 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر ــ واسمه سعد بن عبيد ــ قال: ¬

(¬1) أخرج البخاري، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: «أَصُمْتِ أَمْسِ؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ: «فَأَفْطِرِي». البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، برقم 1986.

«شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ: تَاكُلُونَ (¬1) مِنْ نُسُكِكُمْ» (¬2). 209 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: النَّحْرِ، وَالْفِطْرِ (¬3)، وَعَنِ اشتمال (¬4) الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ». أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط (¬5). 210 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفاً» (¬6). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «تأكلون فيه»، وهي في البخاري، برقم 1990، ومسلم، برقم 1137. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الفطر، برقم 1990، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم 1137، واللفظ له. (¬3) في نسخة الزهيري: «الفطر والنحر». (¬4) «اشتمال»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 367. (¬5) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب صوم يوم الفطر، برقم 1991، و1992، ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، برقم 140، و141 - (827)، ورواية البخاري بلفظ: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ صَلَاةٍ (وَعَنِ الصَّلَاةِ) بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ». تنبيه: وهم المؤلف - رحمه الله - في قوله: «أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط»، والعكس هو الصواب، فقد رواه البخاري بتمامه، وأخرج مسلم النهي عن الصوم فقط، فقال: «نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن صومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى»، مسلم، برقم 1140. (¬6) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الصوم في سبيل اللَّه، برقم 2840، واللفظ له، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام في سبيل اللَّه لمن يطيقه، بلا ضرر، ولا تفويت حق، برقم 1153.

55 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بمسائل في الصوم، وفي مسائل أخرى. الحديث الأول النهي عن صوم يومي عيد الفطر والنحر؛ لأن اللَّه نهى عن صيامهما، وهكذا في حديث أبي سعيد النهي عن صيامهما أيضاً، وهما لا يُصامان: يوم عيد الفطر ويوم عيد النحر، ومن صامهما فصومه باطل، وعليه التوبة إلى اللَّه من ذلك لأنها معصية، وهكذا أيام النحر أيام التشريق: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، يقال لها: أيام التشريق، ويقال لها: أيام النحر، فهذه لا تُصام أيضاً؛ لأنها أيام عيد، فهي خمسة أيام من السنة: يوم عيد الفطر، ويوم عيد النحر، وأيام التشريق الثلاثة، فالجميع خمسة، هذه لا تُصام، يجب على المسلم إفطارها، إلا من عجز عن الهدي: هدي التمتع والقران، هذا له أن يصوم أيام التشريق لصفة خاصة مستثناة، وكما في حديث عائشة، وابن عمر - رضي الله عنهما - قالا: «لَا يُرَخَّص فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَامَا، إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ» (¬1)، أي هدي التمتع، ومن سواه، لا يصوم أيام التشريق, أما ¬

(¬1) أخرج البخاري في كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، برقم 1997، 1998: عن عروة عن عائشة، وعن سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهم - قَالَا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ».

يوم العيد: عيد النحر، وعيد الفطر، فهذان لا يُصامان لجميع الناس، لا لصاحب الهدي، ولا غيره. وفي حديث أبي سعيد النهي عن اشتمال الصماء، واشتمال الصماء كونه يتلفَّف في ثوب واحد، يُخشى أنه إذا تحرك أو أراد أخذ حاجة ظهرت عورته، وسميت صماء؛ لأنها لا منفذ لها يتلفْلَف فيها تلفلفاً غير مضبوط، بخلاف إذا كان متزر ثوب يربطه عليه، أو يجعل أطرافه على عاتقيه، كل هذا لا بأس به، أما إذا اشتملها، لفّ الثوب عليه من غير ضبط له، ولا عناية، فإن هذا قد تبدو منه العورة، فلا يجوز التلفلف في الثوب على وجه يخشى منه ظهور العورة وفُسِّرت أيضاً بجعل الثوب على أحد عاتقيه، ويسدله على جانبين من غير ضبطٍ للعورة، ولا ستر للعورة؛ لأن الواجب ستر العورة، «وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد»، احتباءه كونه ينصب فخذيه وساقيه، ويربط الثوب على ساقيه، وعلى أسفل ظهره، يقال له احتباء؛ لأنه يبدي العورة إلى جهة السماء إذا صارت العورة غير مستورة، قد يقف عليه من ينظر عليه، أو يقف يكلمه فيرى عورته، فلا بد أن يكون عليه ثوب آخر، يعني عليه إزار أو سراويل، حتى إذا احتبى تكون العورة مستورة، أما أن يحتبي ويربط الثوب على أسفل ظهره، وعلى رجليه، وتبقى عورته بارزة إلى جهة السماء غير مستورة هذا لا يجوز. الوصية الرابعة: «نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر،

نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغيب الشمس»، هذان وقتان نُهِيَ عن الصلاة فيهما، إذا صلى الناس الفجر نُهي عن الصلاة حتى تطلع الشمس قيد رمح، وهكذا بعد طلوع الفجر، لا يصلي إلا ركعتي الفجر؛ سنة الفجر ثم الفريضة يصليها، لكن يستثنى من ذلك: لو أتى المسجد صلى تحية المسجد، لو دخل بعد الصبح، أو بعد العصر يصلي تحية المسجد، وصلاة الجنازة يُصلَّى عليها بعد الفجر، وبعد العصر في الوقتين الطويلين، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف، هذه مستثناة؛ لأنها من ذوات الأسباب، لو طاف بمكة بعد العصر، أو بعد الصبح جاز له أن يصلي ركعتي الطواف، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء من الليل أو النهار» (¬1). والحديث الثالث حديث أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام يوماً في سبيل اللَّه بعّد اللَّه عن وجهه النار سبعين خريفاً»، هذا معناه واللَّه أعلم في سبيل اللَّه: يعني في طاعة اللَّه، أي من صام يوماً يبتغي وجه اللَّه والدار الآخرة، فله هذا الأجر العظيم، وهو من أسباب بعده ¬

(¬1) أحمد، 27/ 297، برقم 17632، وأبو داود، كتاب المناسك، باب الطواف بعد العصر، برقم 1894، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف، برقم 868، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، كتاب المواقيت، إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة، برقم 585، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت، برقم 1254، وصحح إسناده محققو المسند، 27/ 297، والألباني في إرواء الغليل، 2/ 238.

35 - باب ليلة القدر

من النار، والسلامة من دخول النار، والصيام من أفضل الأعمال، ومن أفضل القرب، وهو جُنّة للعبد من النار إذا صامه ابتغاء وجه اللَّه، لا رياءً ولا سمعة، ولا لمقصود آخر، بل ابتغاء وجه اللَّه، فله هذا الأجر العظيم، قال بعضهم: معناه في سبيل اللَّه، أي في الجهاد، ولكن ليس بظاهر؛ لأن الجهاد مأمور فيه بالإفطار, المجاهد مأمور بالإفطار، لأنه أقوى له على الجهاد: جهاد الأعداء, إذا أفطر يكون أقوى له على جهاده، لكن المراد - واللَّه أعلم - أن الإنسان إذا صام يوماً في سبيل اللَّه، أي في طاعة اللَّه، وابتغاء مرضاته، لا رياءً، ولا سمعة، ولا لمقاصد أخرى، بل صامه ابتغاء وجه اللَّه، فهذا من أسباب دخول الجنة، وصوم التطوع فيه خير كثير، وفضل كبير, أما الواجب، فرمضان فقط، والكفارات كذلك فريضة، لكن إذا صام يوماً في سبيل اللَّه في طاعة اللَّه نفلاً، فله أجرٌ عظيم، وهو من أسباب السلامة من النار. 35 - باب ليلة القَدر 211 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ، فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُم (¬1) مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» (¬2). ¬

(¬1) «منكم»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، برقم 2015، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1165.

212 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ» (¬1). 213 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، «أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَاماً، حَتَّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ ــ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ ــ قَالَ: «مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ في (¬2) الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ»، قال (¬3): فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَة. وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ. فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى (¬4) جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إحْدَى وَعِشْرِينَ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، واللفظ له، برقم 2017، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1169. (¬2) «في»: ليست في نسخة الزهيري، ولا في البخاري، برقم 2027. (¬3) «قال»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) في نسخة الزهيري: «وعلى جبهته» هو لفظ البخاري، برقم 2027. (¬5) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، واللفظ له، برقم 2027، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها، وأرجى أوقات طلبها، برقم 1167.

56 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على إثبات حصول ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وقد دل القرآن على أن ليلة القدر حق، وأنها واقعة، وأن اللَّه أنزل فيها القرآن الكريم كما قال - عز وجل -: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬1). هذه ليلة عظيمة، أنزل اللَّه فيها القرآن في شهر عظيم، وهو رمضان، كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (¬2) , دلّ على أنها في رمضان. هذا الكتاب اجتمعت له أنواع الشرف، فهو أعظم كتاب، وأشرف كتاب، وأنزل على أشرف نبي، وعلى أفضل نبي، وهو محمد - عليه الصلاة والسلام -، وأنزل في أفضل ليلة، وفي أفضل شهر، وهي ليلة القدر من شهر رمضان، وفي أفضل مكان، وهو مكة المكرمة، فاجتمعت له أنواع الشرف المكاني والزماني، وكونه على أشرف الأنبياء، وأفضلهم وخاتمهم - عليه الصلاة والسلام -، وبيّن سبحانه في آية أخرى أنها مباركة، قال ¬

(¬1) سورة القدر، الآيات: 1 - 5. (¬2) سورة البقرة، الآية: 185.

سبحانه: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (¬1) , وهي ليلة القدر [...] (¬2)، ويفرق فيها كل أمر حكيم، وهو ما يكون في السنة، تقدر فيها حوادث السنة تفصيلاً من القدر السابق، وهذا من آيات اللَّه وحكمته - سبحانه وتعالى -، كما أن كل جنين يكتب في حقه، وهو في رحم أمه، يكتب له جميع ما يحصل له من الحوادث المستقبلة: أعماله, وأقواله, وشقاوته, وسعادته، وسروره, وهو تفصيل أيضاً من القدر السابق. وفي حديث ابن عمر أن الصحابة تواطأت رؤياهم في السبع الأواخر, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» (¬3)، يعني هي آكد من غيرها، وقد تقع في الأولى والثانية والثالثة، لكن في السبع الأواخر آكد فيها من غيرها. وفي حديث عائشة وأبي سعيد الدَّلالة على أنها تقع في العشر الأخيرة من رمضان، ولكنها في الأوتار آكد: إحدى وعشرين, ثلاث وعشرين، خمس وعشرين, سبع وعشرين، تسع وعشرين, هذه الأوتار آكد من غيرها، وقد تقع في غير الأوتار كما في الحديث ¬

(¬1) سورة الدخان، الآيات: 1 - 4. (¬2) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة في التسجيل، ولعلها: «وهي ليلة مباركة». (¬3) رواه البخاري، برقم 2015، ومسلم، برقم 1165، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 211.

الآخر: «في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى، أَوْ ثَالِثَةٍ تَبْقَى إلى أن قال: فِي آخِرِ لَيْلَةً» (¬1)، فالمشروع للمؤمنين والمؤمنات تحريها في العشر كلها، وأن تُعمر هذه الليالي بالطاعة والعبادة والدعاء والضراعة إلى اللَّه - سبحانه وتعالى -؛ لفضل هذه العشر، ولأجل موافقة هذه الليلة المباركة. وقد ذهب جمهور الأمة إلى أنها مختصة بالعشر، وصحت بذلك الأحاديث عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وشذ بعض أهل العلم، فقال: إنها في السنة كلها، وقال بعضهم: إنها في النصف الأخير: يعني تكون في الخمس الأخيرة من العشر الوسط، وهذا كله ضعيف، والصواب أنها في العشر الأخيرة من رمضان، كما صح في ذلك الأخبار المستفاضة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - بأنها في العشر الأخيرة من رمضان، كما أن الصحيح أن أوتارها آكد، وأن ليلة سبع وعشرين آكد من غيرها (¬2)، وفي هذا ¬

(¬1) البخاري إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خامسة تبقى»، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، برقم 2021، وباقي الرواية في مسند البزار، 9/ 130، برقم 3681، شعب الإيمان للبيهقي، 3/ 328، ومسند الطيالسي، ص 118. (¬2) أخرج البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، برقم 2018، عن أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ»، وروى مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم 762: عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ»، فَقَالَ أُبَيٌّ: «وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وفي رواية: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِيَامِهَا هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ».

الحديث عن أبي سعيد الدلالة على أنها وقعت في ليلة إحدى وعشرين، وأنه ذكر أنها ليلة إحدى وعشرين فقد أصبح من صبيحتها يسجد على ماء وطين، فمطرت السماء في تلك الليلة، فرأوا على وجهه - صلى الله عليه وسلم - آثار الماء والطين، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إنْ أَدْرَكتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (¬1) , فالسنة الدعاء فيها بالدعوات الطيبة، والاجتهاد فيها بأنواع الخير من الصدقات، وقيام الليل، والإكثار من ذكر اللَّه، وقراءة القرآن، والدعوات الجامعة، هذا الذي ينبغي في هذه الليالي وأيامها: الحرص على أنواع الخير، والاجتهاد في أنواع الخير من صلاة، وقراءة، وذكر، ودعاء، وصدقة، وسائر أنواع الإحسان؛ لأن الصدقة فيها، والذكر فيها، والصلاة فيها مضاعفة, قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (¬2)، قال العلماء: معنى ذلك أن العمل فيها، والاجتهاد فيها أفضل من العمل في ألف شهر مما سواها، هذا فضل عظيم, ألف شهر: ثلاث وثمانون سنة، وأربعة أشهر، فهو عمر كامل، عمر إنسان كامل، فمن أدرك هذه ¬

(¬1) مسند أحمد، 43/ 277، برقم 26215، والترمذي، كتاب الدعوات، باب منه، برقم 3513، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم 3850، وصححه محققو المسند، 43/ 26215، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 3840. (¬2) سورة القدر، الآية: 3 ..

36 - باب الاعتكاف

الفضيلة هذا خير، فينبغي للمؤمن الاحتساب في هذه الليلة، وهذه العشر والاجتهاد في الخير، وسؤال اللَّه التوفيق فيها، وهي لا تكلف شيئاً، عشر ليالي ما تكلف كثيراً، الاجتهاد فيها لا يُكلف كثيراً، لأنها أيام عشر، ليست شهراً ولا شهرين ولا سنة، عشر ليالي، الاجتهاد فيها، والحرص فيها على أنواع الخير أمر ميسر، والحمد للَّه (¬1). 36 - باب الاعتكاف (¬2) 214 - عن عائشة - رضي الله عنها -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) كَانَ يَعْتَكِفُ فِي (¬4) الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ (¬5) بَعْدِهِ» (¬6). وفي لفظٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ» (¬7). 215 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائِضٌ، ¬

(¬1) آخر الوجه الثاني من الشريط التاسع، سجل في درس الشيخ - رحمه الله - في 14/ 6/ 1409هـ .. (¬2) أول الوجه الأول من الشريط العاشر، سجل في درس الشيخ - رحمه الله - في 14/ 6/ 1409هـ. (¬3) في نسخة الزهيري: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) «في»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) «من»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2026. (¬6) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر، واللفظ له، برقم 2026، ومسلم، كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، برقم 5 - (1172). (¬7) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال، برقم 2041.

وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا، يُنَاوِلُهَا رَاسَهُ» (¬1). وفي رواية، «وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ» (¬2). وفي رواية: «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنِّي كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ ــ وَالْمَرِيضُ فِيهِ ــ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلاَّ وَأَنَا مَارَّةٌ» (¬3). 216 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً ــ وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْماً ــ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» (¬4). وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُ الرُّوَاةِ «يَوْماً» ولا «لَيْلَةً». 217 - عن صفية بنت حيي - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬5) ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحيض، باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، برقم 296، وكتاب الاعتكاف، باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، برقم 2046، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 9 - (297). (¬2) رواه البخاري في الاعتكاف، باب لا يدخل البيت إلا لحاجة، برقم 2029، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، واللفظ له، برقم 297. (¬3) مسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه، برقم 7 - (297). (¬4) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف ليلاً، برقم 2032، وقوله: إِنَّهُ كَانَ «عَلَيَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ» رواية للبخاري، برقم 3144، ومسلم، برقم 7 - (1656)، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم، برقم 1656. (¬5) في نسخة الزهيري: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم -».

مُعْتَكِفًا في المسجد (¬1)، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي ــ وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ــ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَسْرَعَا في المشي (¬2)، فَقَالَ (¬3): «عَلَى رِسْلِكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ»، فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّه! ‍‍‍‍‍‍‍يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خِفْتُ (¬4) أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً» أَوْ قَالَ: «شَيْئاً» (¬5). وفي رواية؛ «أَنَّهَا جَاءَتْ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إذَا بَلَغَ (¬6) بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، ثُمَّ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ» (¬7). ¬

(¬1) «في المسجد»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «في المشي»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) في نسخة الزهيري: «فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) في نسخة الزهيري: «خشيت». (¬5) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، برقم 2035، ومسلم، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة، وكانت زوجة أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، برقم 2175. (¬6) في نسخة الزهيري: «بلغت». (¬7) رواه البخاري، كتاب الاعتكاف، باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، برقم 2035، ومسلم، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة، وكانت زوجة أو محرماً له، أن يقول: هذه فلانة ليدفع ظن السوء به، برقم، 25 - (2175).

57 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالاعتكاف، والاعتكاف مصدر اعتكف، يعتكف: إذا لبث في المقام، إذا لبث في المكان يقال له: اعتكف في المكان، إذا لبث فيه، وأقام فيه مدة من الزمن، مثل لفظ الآية الكريمة: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (¬1)، يعني يقيمون عندها، ويلبثون عندها؛ للتعبُّد، والتبرُّك بها، وعبادتها من دون اللَّه. والاعتكاف الشرعي هو: لزوم مسجد لطاعة اللَّه - عز وجل -، ويسمى اعتكافاً إذا بقي في المسجد بنية التعبد، والعبادة، يسمى اعتكافاً وهو: اللبث، وهو سُنة مُستحبة، وآكد الأوقات: رمضان, ففي رمضان آكد من غيره, ويجوز في غير رمضان، لكن في رمضان أفضل، وآكد لفضل الزمان، والتأسي بالنبي - عليه الصلاة والسلام -؛ فإنه كان في الغالب يعتكف في رمضان، وقد اعتكف مرة في شوال، ترك الاعتكاف في العشر الأواخر، واعتكف في شوال، فالاعتكاف في رمضان هو أكمل، وأفضل، ولا بأس به في غير رمضان. في الحديث الأول عن عائشة - رضي الله عنها -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، يعني في كل سنة، ثم اعتكف أزواجه من بعده - عليه الصلاة والسلام - ورضي اللَّه عنهن»، هذا يدل على ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 138.

شرعية الاعتكاف، وأنه من سنته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه باقٍ لم ينسخ؛ ولهذا فعله الصحابة بعده، فدّل ذلك على أنه سُنة باقية، واستقر فعله - صلى الله عليه وسلم - على أنه يعتكف في العشر الأخيرة من رمضان، وكان قد اعتكف العشر الأُوَل، ثم اعتكف العشر الأوسط، يلتمس ليلة القدر، ثم قيل له: إنها في العشر الأخيرة، فاستقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان, وبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الليلة، وهي ليلة القدر تكون في العشر الأخيرة من رمضان. وفيه أيضاً الدلالة على شرعية اعتكاف النساء كالرجال، وأن الاعتكاف يشرع للجميع: للرجال والنساء, ومحلُّه المساجد، كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (¬1)، وإذا اعتكفت المرأة في المسجد، فلا بد أن يكون ذلك على وجه ليس فيه فتنة، في محل مصون، ليس فيه فتنة. وفي الحديث الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ربما أدلى لها رأسه تُرجِّله، وهو معتكف، وهي حائض، فدّل ذلك على أن خروج بعض الإنسان من المسجد لا يحكم عليه بالخروج, إذا خرج رأسه، أو خرجت يده، أو رجله، لا يخرج الكل، فالمعتكف لا يسمى خارجاً إلا إذا خرج برجليه كله، أما إذا مدَّ رأسه، أو مدَّ رجله ما يُسمَّى خارجاً. وفيه دليل على جواز استخدام الحائض، لا بأس أن تستخدم، تغسل رأسه، وتصب عليه الماء، أو تقرّب له متاعه، كل ذلك لا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 187.

حرج؛ ولهذا لما أمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بالخُمرة التي في المسجد قالت: إني حائض. قال: «إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» , فأمرها، ونهيها، واستخدامها في حاجات الزوج لا بأس, المحرّم عليه جماعها, أما كونه يضاجعها، أو تمشط رأسه، أو تغسل ثيابه، أو تُقدِّمُ له حاجة، أو تضاجعه، كل هذا لا بأس به، «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» (¬1)، كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام -. وفيه من الفوائد: أنه إذا اعتكف، يكون دخول المُعْتَكَف بعد صلاة الفجر، فإذا أراد الاعتكاف دخل معتكفه بعد صلاة الفجر، كما قالت عائشة - رضي الله عنها -، وهذا إذا كان الابتداء بالنهار، فأما إذا أراد الليل، يبتدي من الليل فإذا أراد أن يبتدي من الحادية والعشرين، أو من الثانية والعشرين من النهار يبدأ بعد صلاة الفجر، وإذا أراد الليل يبدأ من الليل من غروب الشمس، إذا صلَّى المغرب يبقى في المسجد، وهو سُنة ليس بلازم، إلا أن ينذره نذراً وجب عليه، وإلا فهو سنة، له أن يعتكف، وله أن يدع، وله إن نوى عشراً، ثم أراد أن يترك منها بعضها، فلا حرج عليه، إذا كان ليس بنذر، إنما هو باختياره، أما إذا نذره وجب عليه الوفاء بالنذر؛ لأنه طاعة. ¬

(¬1) عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ، إِلاَّ النّكاح»، أخرجه مسلم، برقم 302، وهذا لفظه، وابن ماجه، كتاب الطهارة بسننها، باب الحائض وسؤرها، برقم 644، والنسائي في الكبرى، 5/ 345، برقم 9049.

وفيه من الفوائد: أن الحائض طاهرة، يدها طاهرة, عرقها طاهر, بدنها طاهر، إلا ما أصابه الدم؛ ولهذا كانت تغسل رأسه، وتُرجِّله وهي حائض، فإذا أصاب شيء من دمها ثوباً، أو بدناً يُغسل محل الإصابة فقط (¬1)، أما بقية الثوب بقية البدن، فكله طاهر. وفيه أن المعتكف يشتغل بالاعتكاف، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان: كالبول، والغائط، ونحوه، وإلا فليبقَ في معتكفه بقية الليل والنهار، هذا هو الأفضل، يلزم المسجد إلا لحاجة الإنسان، يقضي حاجته: بول، غائط، وضوء، غسل، أكل، شرب إذا كان ما تيسر له من يأتي به، أما إذا تيسر من يأتي به في المسجد، فهو أفضل، حتى يقلّ الخروج, حتى قالت عائشة: إنه يكون المريض في البيت فما تسأل عنه، إلا وهي مارة (¬2)، حرصاً على عودها إلى المعتكف, فإذا سأل عن المريض في الطريق، أو في البيت ما يضرّه، لكن الأفضل أنه لا يعود مريضاً، ولا يذهب يزور الناس، يبقى في المعتكف، يعبد ربه، يعني المقصود من الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق والاتصال [...] (¬3) بالخالق, المقصود من الاعتكاف التفرغ للعبادة، والاشتغال بالعبادة عن الاشتغال بالناس، وزياراتهم، والاجتماع بهم. وفي حديث عمر - رضي الله عنه - الدَّلالة على أن الكافر إذا نذر في الجاهلية ¬

(¬1) في الأصل: بسّ. (¬2) مسلم، برقم 7 - (297)، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 215. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وحذفها لا يؤثر على المعنى.

عبادة يوفي بها بعد الإسلام، إذا نذر أن يقوم, أو يصلي أو يعتكف، ثم أسلم يوفي بنذره، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أن يوفي بنذره، وقد نذر أن يعتكف ليلة، أو يوماً في المسجد الحرام، قال له: «أوف بنذرك» (¬1) لما أسلم، فإذا قال في حال كفره: للَّه عليَّ أن أعتكف كذا، أو أتصدق بكذا، أو أُصلي كذا، ثم أسلم، يؤمر بوفاء نذره؛ لأنه عبادة، فإذا نذرها ينبغي أن يوفي بها طاعة للَّه، وتعظيماً له، ورغبةً فيما عنده من الأجر. وحديث صفية يدل على أن المرأة لا بأس أن تزور زوجها، وهو معتكف، ولا بأس أن يزوره إخوانه، وأصدقاؤه، لا حرج في ذلك، فيتحدثون عنده لا بأس بذلك، ولهذا زارته صفية تتحدث عنده، فلما قامت قام معها ليقلبها، يعني يردها إلى بيتها، قام معها من المسجد حتى وصل باب المسجد، هذا من حُسن خُلقه، ومن تواضعه، ومن معاشرته الطيبة لأهله، قام معها إكراماً لها، وإيناساً لها، يمشي معها في المسجد حتى وصلت الباب، هذا يدل على حُسن خُلقه - صلى الله عليه وسلم -، وتواضعه، وعنايته بأهله، ومعاشرته لهن بالمعروف، فلما كان عند الباب مرّ رجلان من الأنصار، فرأياه فأسرعا، فقال: «على رِسْلِكُمَا»، أي مهلاً «إنها صفية بنت حُيي»، خاف أن يظنّا سوءاً، فقالا: سبحان اللَّه، سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! قال: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً» أَوْ قَالَ: «شَيْئاً» (¬2)، أي خشي ¬

(¬1) البخاري، برقم 2032، ومسلم، برقم 1656، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 215. (¬2) رواه البخاري، برقم 2035، ومسلم، برقم 2175، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 217.

عليهما أن يوسوس لهما الشيطان، ويقول: إن هذه المرأة غير شرعية، فبيَّن لهما - عليه الصلاة والسلام - أنها زوجته، حتى لا يظنَّا سوءاً به - عليه الصلاة والسلام - فيهلكا؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - ليس مظنة سوء، وقد عصمه اللَّه من كبائر الذنوب، وعصمه اللَّه في بلاغه للناس، بينما الخلاف في الصغائر: هل تقع من الأنبياء أم لا؟ المقصود: أنه قال لهما هذا الكلام؛ ليبتعدا عن سوء الظن، وليعلما الحقيقة. وفي هذا من الفوائد: أن الإنسان إذا كان في موقف قد يُتَّهم فيه يبين للمارِّ، أني وقفت هنا لأجل كذا وكذا، حتى لا يُظن به سوء، إذا وقف العالِم، أو الرجل الصالح في مكان غير مناسب، ومر عليه بعض إخوانه، يُبين لهم العلة، حتى لا يتهموه بأنه انحرف عن الطريق السوي. وفيه أن الشيطان له صلة بالإنسان شديدة، وعظيمة، وخفية، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، والشياطين أنواع، ولهم أجسام، ولهم أرواح، تليق بهم لا يعلم كيفيتها إلا اللَّه - سبحانه وتعالى -، وكونه يصل فيجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا شيء عظيم يدل على لطافةٍ، وأنه عنده من اللطافة والصِّغر ما يجعله يجري من ابن آدم مجرى الدم، هذا نوع من الشياطين, ثم الشيطان له لمَّة بالإنسان، كما أن الملَكَ له لمّة بالإنسان، كل إنسان معه قرين من الشيطان يدعوه إلى الشر، ويأمر بالشر، كما أن معه ملَكاً يدعوه إلى الخير، ويأمره

بالخير، فالواجب الحذر من هذا الشيطان، الذي هو ملازم لك، وهو قرينك، والحذر من بقية الشياطين، التي قد تهجم عليك، وتوسوس عليك فيما يضرك. [...] (¬1) يجب أن تحذر، فكل لمّة، وكل ما يخطر بالبال من شيء من السوء، فهو من الشيطان، وكل ما يخطر بالبال، ويلمُّ بك من أمر طيب، فهو من لمّات الملَك. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة واحدة غير واضحة، والذي يظهر أنها «وفيما يسبغه اللَّه عليك»، وحذفها لا يؤثر.

5 - كتاب الحج

5 - كتاب الحَجِّ 37 - باب المواقيت 218 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ، ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ، الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ، قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ، يَلَمْلَمَ، وقال (¬1): «هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ (¬2)، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ (¬3)، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ: فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» (¬4). 219 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، أنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ: مِنْ قَرْنٍ». قال عبداللَّه: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَيُهِلُّ (¬5) أَهْلُ الْيَمَنِ ¬

(¬1) «وقال»: ليست في نسخة الزهيري، وهي ليست في البخاري، برقم 1524. (¬2) في نسخة الزهيري: «من غيرهن»، وهي في البخاري، برقم 1524، وفي رقم 1526: «من غير أهلهن». (¬3) في نسخة الزهيري: «الحج والعمرة»، وهي في البخاري، برقم 1524، ومسلم، برقم 1181، وفي جميع روايات البخاري ومسلم أيضاً. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب مُهلّ أهل مكة للحج والعمرة، برقم 1524، وباب مهل أهل الشام، برقم 1526، وباب مهل من كان دون المواقيت، برقم 1529، ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، برقم 1181. (¬5) في نسخة الزهيري: «ومُهلُّ».

مِنْ يَلَمْلَمَ» (¬1). 58 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان يتعلقان بالحج، والحج مصدر حج، يحجّ حجاً، وهو قصد الجهة المعظمة، أو الشخص المعظم، يقال له: حج، وسمي أداء المناسك حجاً؛ لأنه توجُّهٌ إلى اللَّه - عز وجل - لأداء المناسك عند أفضل بقعة، وفي أفضل بقعة، وهي مكة المكرمة حول المسجد الحرام، حول الكعبة المشرفة؛ ولهذا سُمِّي حجاً؛ لأنه مقصود عظيم لملك عظيم - سبحانه وتعالى - في أفضل بقعة، وبجوار أفضل بيت في الدنيا. والحج له أركان، وله واجبات، وله شروط، دلّت عليها النصوص، وأوضحها أهل العلم. فمن شروط الحج: أن يكون الشخص بالغاً مُكلفاً، فلا يجب على صغير، ولا على مجنون ومعتوه، إنما يجب على البالغ العاقل، الذي يجد ما يوصله إلى المسجد الحرام إلى مكة المكرمة، ويرده إلى بلاده مع بقاء ما يحتاجه أهله إن كان له أهل، فإذا كان مستطيعاً من جهة المال، بالغاً، عاقلاً، هذا هو الذي يلزمه الحج. وهكذا العمرة، فإنها زيارة للبيت العتيق، وهي من جنس الحج، تجب مرة في العمر، كما يجب الحج مرة في العمر، وتكرارهما مستحب، وسُنة وقربة، لكن لا يجب على المكلفين إلا مرة في ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلّوا قبل ذي الحليفة، برقم 1525، ومسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، برقم 1182، واللفظ له.

العمر، لا الحج، ولا العمرة جميعاً، واللَّه جعل له مواقيت، والإحرام من المواقيت من واجبات الحج. وله أركان كما تقدم، منها: الوقوف بعرفة, لبس الإحرام, الطواف, السعي, كل هذه أركان الحج، كونه يُحرم، وكونه يطوف، ويسعى, يقف بعرفة، كل هذه أركان لا بد، هذه أربعة. وله واجبات، منها: أن يُحرم من الميقات ميقات أهل بلده، أو الميقات الذي يمر عليه إذا جاء من طريق آخر؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة»: [حجر] (¬1) معروف، يقال له أبيار علي، ويقال له وادي العقيق، وهو قُرب المدينة في طرف المدينة من جهتها الجنوبية، من أراد الحج من طريق المدينة يلزمه الإحرام من ذي الحليفة, ولأهل الشام الجحفة إذا جاءوا من طريق الساحل، يحرمون من الجحفة، وإن جاءوا من طريق المدينة أحرموا من ميقات المدينة, ولأهل اليمن يلملم، وهو موضع معروف, ولأهل نجد قرن المنازل، ويسمونه الناس السيل، ويُسمَّى وادي قَرن, هن لهن لهذه البلدان، ولمن أتى عليهن من غير هذه البلدان، إذا جاء النجدي من طريق المدينة، أحرم من [ميقات] المدينة، وإذا جاء المدني من طريق الطائف أحرم من الميقات، من الطائف: من ميقات نجد، وإذا جاء من طريق اليمن، أحرم من ميقات اليمن، وإذا ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها: «حجر معروف»، واللَّه أعلم.

جاء من طريق الشام أحرم من ميقات الشام؛ ولهذا قال: «هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة». أما من أتى عليهن ما له قصد حج، ولا عمرة، إنما أراد أن يصل جدة فقط، أو أن يصل مكة للزيارة، أو زيارة قريب، أو صديق ما أراد حجًّا، ولا عمرة، هذا ما يلزمه الإحرام، هذا هو الصواب، إنما يلزم الإحرام من أتى مكة لقصد الحج، أو العمرة، أما من أتى مكة لأمرٍ آخر، أو ما أراد مكة، إنما مرّ بالميقات يريد جدة، أو محلاً آخر، كالمزينة، أو بحرة، ما أراد مكة، فما عليه إحرام، أو أراد مكة لكن ما أراد بها الحج، ولا عمرة أرادها للتجارة، أو لزيارة قريب، أو صديق، أو علاج في مستشفياتها، أو ما أشبه ذلك، لا يلزمه الإحرام على الصحيح، إنما يلزم من أراد الحج، أو العمرة هو الذي بينه الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ ولهذا لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح لحرب كفار قريش، وإخراجهم من مكة، أتاها حلالاً لم يُحرم - عليه الصلاة والسلام -، قال: «ومن كان دون ذلك»، يعني منزله دون المواقيت، «فمُهَلّه من حيث أنشأ»، يحرم من مكانه إذا كان مكانه دون المواقيت، مثل أهل جدة يحرمون من جدة، أهل بحرة يُحرمون من بحرة، أهل أم السلم يحرمون من أم السلم، أهل مزينة يُحرمون من مزينة، الذي مسكنه دون المواقيت أقرب إلى مكة من المواقيت يحرم من محله، فَمُهلَّه من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة يحرمون من مكة، يعني بالحج.

أما العمرة، فلا يُحرمون من مكة، بل من الحل إذا أرادوا العمرة وهم في مكة يخرجون إلى الحل، كما أمر النبي عائشة أن تخرج إلى الحل، إلى الجعرانة مثلاً، المقصود إلى الحل إلى عرفات، وما أشبه ذلك مما يكون خارج الحرم. وأما بالحج، يُحرم من مكة، أو من ضواحيها لا بأس، الحج أمره أوسع، يحرم من مكة من الحرم [....] (¬1) من أطراف مكة لا بأس. وهكذا حديث ابن عمر بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يُحرم من هذه المواقيت، قال: «يُهلّ أهل المدينة»؛ فهذا خبر معناه الأمر يدل على وجوب الإهلال إذا أراد الحج، أو العمرة، يُهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويُهلّ أهل الشام من الجحفة، ويُهلّ أهل اليمن من يلملم, يُهلّ أهل نجد من قرن، لكن ابن عمر لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إهلال أهل اليمن من يلملم، لكنه سمعه من غيره، وقد ثبت في حديث ابن عباس وغيره، وأهل العراق، جاء في حديث عائشة: أنهم يهلون من ذات العرق (¬2)، وتسمى الضريبة، محل يقال له الضريبة، وقد وقَّته لهم عمر أيضاً، فصادف اجتهاد عمر ما جاءت به السُّنة، فميقاتهم ذات عرق، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: كلمة غير واضحة، وكأنها: الوسيعة، أو المسيئة، أو الوسيلة، حذفتها، ولا يؤثر حذفها في المعنى. (¬2) أخرج مسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما -، يُسْأَلُ عَنِ الْمُهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ - أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ»، مسلم، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، برقم 1183.

38 - باب ما يلبس المحرم من الثياب

وهو محل معروف، وإذا جاوزوه وأحرموا من قرن ما فيه بأس، فالأمر واسع، ومن جاوزه وهو ناوٍ الحج أو العمرة يلزمه الرجوع إليه إذا جاوزه تساهلاً أو جهلاً، يعود ويُحرِم من الميقات، فإذا أحرم من دونه، فلزمه (¬1) دم بترك الواجب، أو من نجد (¬2) فجاوز ولا أحرم إلا من أم السلم، أو من المزينة، أو المدني ما أحرم إلا من جدة يكون عليه دم، لأنه ترك الواجب، وهو الإحرام من الميقات. وقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «من ترك نُسكاً، أو نسيه، فليرق دماً» (¬3)، فهذا جزاء، من باب الجزاء على تفريطه، وعلى إضاعته للواجب، فعليه هذا الجزاء، وهو كفارة وعقوبة. 38 - باب ما يلبس المُحرِم من الثياب 220 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ¬

(¬1) هكذا في أصل كلام سماحة الشيخ، والمعنى: فيلزمه دم، أو يقال: لزمه. (¬2) هكذا في أصل كلام الشيخ، والمعنى: أو أتى عن طريق نجد فجاوز الميقات. (¬3) أخرج مالك في الموطأ، 3/ 616، موقوفاً عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا»، ومثله البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 30، برقم 9191، وقال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 4/ 299: «ضعيف مرفوعاً، وثبت موقوفاً، أخرجه مالك»، وأشار الحافظ إلى هذا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، 2/ 502، فقال: «أَمًّا الْمَوْقُوفُ فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ، بِلَفْظِ: «مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا»، وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بِهِ، وَأَعَلَّهُ بِالرَّاوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيِّ، فَقَالَ إنَّهُ مَجْهُولٌ، وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْمَقْدِسِيِّ قَالَ هُمَا مَجْهُولَانِ».

مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ (¬1): «لا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلا الْعَمَائِمَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ، وَلا الْبَرَانِسَ، وَلا الْخِفَافَ، إلاَّ أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلا يَلْبَسْ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» (¬2). وللبخاري «وَلا تَنْتَقِبُ الْمُحرمة (¬3) وَلا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» (¬4). 221 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قَالَ: «سَمِعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في البخاري، برقم 1542. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة، برقم 1542، ولفظه: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلاَ الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ»، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177، ولفظه: «عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه -، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: «لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا، حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». (¬3) في نسخة الزهيري: «المرأة». (¬4) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما يُنهى من الطيب للمحرم والمحرمة، برقم 1838، ولفظه: «ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين».

إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ» (¬1) يعني (¬2) لِلْمُحْرِمِ (¬3). 222 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - «أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ. إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ» (¬4). قال: وكان عبد اللَّه بن عمر يزيد فيها: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لبيك (¬5)، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ (¬6). 223 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬7): «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ليسَ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الخفين للمحرم، برقم 1841، ولفظه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً، فليلبس سراويل للمحرم» قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 4/ 57: «فيلبس سراويل للمحرم» أي هذا الحكم للمحرم لا للحلال»، وكتاب اللباس، باب السراويل، برقم 5804، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1178. (¬2) «يعني»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1178. (¬3) في رواية للبخاري: «للمحرم»، برقم 1841، ولمسلم: «يعني المحرم»، برقم 4 - (1178). (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1549، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184. (¬5) «لبيك» الثالثة: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 1184. (¬6) هذه الزيادة لمسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184، وهو في موطأ مالك، 3/ 479، برقم 1192. (¬7) في نسخة الزهيري: «قال النبي - صلى الله عليه وسلم -».

مَعَهَا (¬1) حُرْمَةٌ» (¬2). وفي لفظ للبخاري «لا تُسَافِرُ يوماً، ولا ليلة (¬3)، إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» (¬4). 59 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بما يلبس المحرم، وبالتلبية، وبالسفر للمرأة. أما ما يلبسه المحرم، فقد أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يُمنع منه المُحرم، وبذلك يعرف ما يلبسه؛ لأنه إذا عرف الممنوع، فما سواه فهو مباح اللباس؛ ولهذا لما كان اللباس الذي لا يُمنع لا ينحصر، بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - الممنوع، وذكر في حديث ابن عمر قال: «لا يلبس القُمُص»، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «إلا ومعها حرمة»، والذي في البخاري، برقم 1088: «ليس معها حرمة»، كما في المتن. (¬2) رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة، برقم 1088، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 421 - (1339)، ولفظه: عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا». (¬3) في نسخة الزهيري: «تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم». (¬4) لم أقف على هذا اللفظ في صحيح البخاري، وهو في صحيح مسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 20 - (1339)، ولفظه: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، وفي مسلم، برقم 21 - (1239): «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها».

والقمص: جمع قميص، وهو ما يُخاط على قدر البدن، ويُسمَّى الآن مدرعة، والجُبَّة، وله أسماء عند الناس، فما يُلبس ويُخاط على قدر البدن: هذا يُسمَّى مدرعة، وجبة، ويُسمّى الآن: المقطع، كما يسميه بعض الناس، فالحاصل أنه ممنوع لا يجوز للإنسان لبسه إذا كان ذكراً، وهكذا العمائم: ما يوضع على الرأس، يُمنع منه الذكر أيضاً، وهكذا السراويلات، يمنع منها الذكر، والبُرْنُس يمنع منه الذكر، والبرنس: قميص له رأس متصل به، يُورَّد من المغرب، والخفاف كذلك، كل هذا في حق الرجل، يُمنع الرجل من هذا كله: القميص, العمامة, السراويلات, البرانس، وهي الثياب التي لها رؤوس منها، وهكذا الخفاف. أما المرأة، فلا حرج عليها أن تلبس القميص؛ لأنها عورة، تلبس القميص، والخمار، والسراويلات، وإذا كانت ملابس لها رؤوس للنساء كذلك، وهكذا الخفاف، والجوارب تلبسها في رجلها؛ لأنها عورة، لكن تُمنع من النقاب، والبرقع، كما في رواية البخاري: «ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين» (¬1)، هذا يخصها: لا تنتقب. والرجل مثلها: المحرم لا يغطي رأسه، ولا وجهه، لا بالنقاب، ولا بغير النقاب، ولا يلبس القفازين أيضاً؛ لأنهما مخيطان على قدر اليدين، فلا يلبسهما الرجل من باب أولى. أما المرأة، فلا تلبسهما في حال الإحرام، أما في غير الإحرام ¬

(¬1) البخاري، برقم 1838، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 220.

فلا بأس أن تلبس النقاب، والبرقع إذا كانت غير محرمة، ويُمنع الرجل والمرأة جميعاً من ثياب فيها زعفران (¬1)، أو ورس (¬2)، هذا للجميع، لا يُلبس شيء فيه زعفران، أو ورس، أو نوع آخر من الأطياب، لا يطيب الملابس التي يلبسها، المحرم لا يطيّب رداءه وإزاره، والمرأة كذلك لا تطيب ما تلبس كالمحرم؛ لا بزعفران، ولا بورس، ولا ببخور، ولا بوَرْد، ولا بغيره, قال - عليه الصلاة والسلام -: «فمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ» (¬3)، إذا كان المحرم الذكر لم يجد نعلين، جاز له لبس الخفين مع قطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين، وكان هذا في أول الأمر، ثم نُسخ، وأُبيح لبسهما دون قطع؛ ولهذا في حديث ابن عباس: أن النبي خطب الناس في عرفات: «مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ» (¬4)، ولم يقل: وليقطعهما، وذلك من تخفيف ¬

(¬1) الزعفران: نبات بصلي معمر من الفصيلة السوسنية، منه أنواع برية، ونوع صبغي طبي مشهور. انظر: المعجم الوسيط، 1/ 394، وقال في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 253: الزعفران: «معروف وزَعْفَرْتُ الثوب: صبغته بِالزَّعْفَرَانِ، فهو مُزَعْفَرٌ - بالفتح - اسم مفعول». (¬2) الوَرْسُ: نَبْتٌ أصْفَرُ، يُصْبَغ به، وقد أوْرَس المكانُ فهو وَارِس ... وقد تكرر ذكره في الحديث، والوَرْسِيَّة: المَصْبُوغة به. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 382. (¬3) البخاري، كتاب اللباس، باب العمائم، برقم 5806، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يُباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يُباح، وبيان تحريم الطيب عليه، برقم 1177. والشافعي في مسنده بلفظه، برقم 784. (¬4) رواه البخاري، برقم 5804، ومسلم، برقم 1178، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 221 ..

اللَّه ورحمته - سبحانه وتعالى -؛ لأن قطعهما قد يُفسدهما؛ ولأن الحاجة ماسة إليهما عند فقد النعلين، فأشبهت السراويل، كما أن السراويل لا تُشق، بل تلبس عند فقد الإزار، كذلك الخف، لا يقطع عند فقد النعلين، تلبس هكذا، هذا هو الصواب، وهو الأمر الأخير من النبي - عليه الصلاة والسلام -، وقال الجمهور: إنه يقطعهما، وأن هذا مقيد، والأكثرون على أن حديث ابن عباس مقيد بحديث ابن عمر وأنه لا بد من القطع، وهذا وجيه على القاعدة المعروفة، وهي حمل المطلق على المقيد، لكن يعترض على هذا: أن النبي خطب الناس بعرفات، وعرفات فيها الجمع الغفير الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلو كان القطع أمراً لازماً لبيّنه لهؤلاء الأمم الذين لم يحضروا خطبته في المدينة، فلما سكت عن هذا دلّ على أنه منسوخ، وأن القطع ليس بلازم، بل كان أولاً ثم نُسخ. وفي حديث ابن عمر الثالث دلالة على شرعية التلبية، فيُستحب للمؤمن المُحرم أن يلبي بتلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك»، سواء كان بحج، أو بعمرة يُشرع له هذه التلبية. أولاً يبدأ بقول: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً أوْ لَبَّيْكَ حَجًّا» (¬1). إن كان عمرة قال: ¬

(¬1) أخرج مسلم عن أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»، كتاب الحج، باب في الإفراد، والقران بالحج والعمرة، برقم 1132.

لبيك عمرة، أو قال: اللَّهم لبيك عمرة، وإن كان حجاً قال: اللَّهم لبيك حجاً، أو لبيك حجاً، ثم يلبي التلبية الشرعية: «لبيك اللَّهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك»، هذه يُقال لها تلبية التوحيد، قال جابر: فأهل بالتوحيد (¬1)؛ لأن فيها إخلاص العبادة له وحده: لبيك لا شريك لك، المعنى: إني أُجيب دعوتك، وأستجيب لأمرك وحدك، لا شريك لك، معنى لبيك يعني: إجابة بعد إجابة، لبَّى فلان لفلان، يعني: أجابه، معنى لبيك: أنا أُجيب دعوتك يا رب في الحج والعمرة، كما أُجيب ذلك في الأوامر الأخرى، ثم بين أنه يُخلص له العبادة. قال: «لا شريك لك»، وبين أن الحمد والنعمة للَّه وحده، والملك له سبحانه، وهو المحمود، وهو ذو الإنعام، وهو المالك لكل شيء - سبحانه وتعالى -، والمستحق أن يُلبي له الحجاج، ويقصدوه، ويعبدوه؛ لكونه المالك العظيم، المُنعم، المُحسن، المستحق للحمد، والثناء، وهو سبحانه المُستحق أن يُعبدَ في الصلاة، وفي الصوم، والحج، والجهاد وغير ذلك، وهذا هو معنى لا إله إلا اللَّه، فإن معناها: لا معبود بحق إلا اللَّه، وهو معنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، ومعنى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬2). ¬

(¬1) حديث جابر - رضي الله عنه - أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218. (¬2) سورة الإسراء، الآية: 23.

وهو المستحق أن يعبد جل وعلا [...] (¬1) (¬2). والصحابة (¬3) يتعاونون في أمور الخير في الحروب، والجهاد، لا بأس بهذا، أما دعاء الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو بالغائبين، أو بالجن، أو بالملائكة، أو بالأصنام، هذا هو الشرك الأكبر، أو بالحي في شيء لا يقدر عليه، كأن يقول: اشف مريضي، أدخلني الجنة، أنجني من النار، هذا ليس بقدرة المخلوق، هذا إلى اللَّه - سبحانه وتعالى -. والحديث الرابع حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم»، يعني لا للحج، ولا لغيره، هذا وجه إدخاله هنا، ليس لها أن تسافر للحج، ولا لغير الحج إلا بمحرم، شرط: لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم، وإذا كان ما حصَّلت محرماً، فلا حج عليها، حتى تجد المحرم. وفي زيادة ابن عمر في التلبية: «لبيك وسعديك، والرغباء إليك والعمل»، هذا يدل على جواز الزيادة في التلبية من الكلام الصحيح، والكلام الطيب، لا بأس به، وجاء في بعض الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلبي يقول: «لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ» (¬4)، لبيك ذا ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: سقط بعض الكلام. (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط العاشر. (¬3) أول الوجه الثاني من الشريط العاشر. (¬4) أخرجه أحمد، 14/ 194، برقم 8497، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2920، والنسائي، كتاب مناسك الحج، كيف التلبية، برقم 2752، والحاكم، 1/ 618، وصححه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وصححه محققو المسند، 14/ 194، والألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2911.

39 - باب الفدية

المعارج (¬1)، إذا لبَّى الإنسان بكلمات طيبة، كما لبَّى أنس: «لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا» (¬2)، ومثل ما قال ابْنُ عُمَرَ: «لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ» (¬3)، كل هذا لا بأس، أو: لبيك يا ربّ، أنا عبدك، وابن عبدك، لبيك يا ربّ، أنا الفقير إليك، كله كلام طيّب، لا بأس به، ولكن لزوم تلبية النبي أفضل، كونه يلزمها، ويكررها أفضل من كونه يأتي بشيء من عنده. 39 - باب الفدية 224 - عن عبد اللَّه بن مَعْقل قال: «جَلَسْتُ إلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِدْيَةِ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً‍! حُمِلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي. فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى ¬

(¬1) أخرج أبو داود في كتاب المناسك، باب كيف التلبية، برقم 1815: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ «ذَا الْمَعَارِجِ». وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلاَمِ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْمَعُ، فَلاَ يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا»، وأحمد في المسند من حديث طويل، 22/ 325، برقم 14440، وابن خزيمة، 4/ 173، وابن أبي شيبة، 3/ 204، برقم 13476، وأبو يعلى، 4/ 93، وصححه محققو المسند، 22/ 328، ومحقق ابن خزيمة، ومحقق مسند أبي يعلى، والألباني في صحيح سنن أبي داود، 6/ 78. (¬2) رواه الطبراني في الكبير، 1/ 151، برقم 353، وأبو داودالطيالسي، 1/ 189، برقم 231، والبيهقي في دلائل النبوة، 1/ 124، والمقدسي في المختارة، 2/ 56، وحسَّن إسناده، وابن عساكر، 19 - / 495، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 9/ 693: «رواه الطبراني، والبزار باختصار عنه، وفيه المسعودي، وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات». (¬3) أخرجه مسلم، برقم 1184، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 222.

40 - باب حرمة مكة

الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى ـ أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى ـ أَتَجِدُ شَاةً؟ «فَقُلْتُ: لا، قَالَ: «فصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» (¬1). وفي روايةٍ، «فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ (¬2)، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ» (¬3). 40 - باب حُرمة مكة 225 - عن أبي شُريح ــ خويلد بن عمرو الخزاعي العدوي ــ - رضي الله عنه -: أنه قال لعمرو بن سعيد بن العاص ــ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إلَى مَكَّةَ ــ: ائْذَنْ لِي، أَيُّهَا الأَمِيرُ، أَنْ أُحَدِّثَكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، «أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى [يوم خلق السّمَوات والأرض] (¬4)، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المحصر، باب الإطعام في الفدية نصف صاع، برقم 1816، بلفظه، وكتاب التفسير، باب قوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ} [البقرة: 196]، برقم 4517، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، برقم 1201. (¬2) «مساكين»: ليست في نسخة الزهيري، وهي ليست في البخاري، برقم 1817. (¬3) رواه البخاري، كتاب المحصر، باب النسك شاة، برقم 1817، واللفظ له، ومسلم بنحوه، برقم 82 - (1201). (¬4) ما بين المعقوفين لم أجده في روايات البخاري ومسلم عن أبي شريح، ولكنها في حديث ابن عباس الآتي بعد هذا الحديث، وقد نبَّه على ذلك محقق عمدة الأحكام الأرنؤوط، وقال: «ليست في طبعة الخطيب، ولا في نسخ الصحيحين التي بين يدي في هذا الحديث، وإنما هي في طبعة الفقي فقط، ولعل نظره سبق إلى الحديث الذي بعده، واللَّه أعلم» ا. هـ. وليست هذه الزيادة في نسخة الزهيري أيضاً.

يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَماً، وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فيها (¬1) فَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَاذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ (¬2) لرسوله (¬3) سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عمرو (¬4)؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ، يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إنَّ الْحَرَمَ لا يُعِيذُ عَاصِياً، وَلا فَارَّاً بِدَمٍ، وَلا فَارَّاً بِخَرْبَةٍ» (¬5). الخَرْبة: بالخاء المعجمة والراء المهملة، قيل: الخيانة (¬6)، وقيل البلية، وقيل: التهمة، وأصلها في سرقة الإبل، قال الشاعر: «والخارب اللص يحب الخاربا» ¬

(¬1) «فيها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 104. (¬2) في نسخة الزهيري: «وإنما أذن لي ساعة»، وفي البخاري، برقم 104: «وإنما أذن لي فيها ساعة». (¬3) «لرسوله»: ليست في نسخة الزهيري .. (¬4) «عمرو»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 104. (¬5) رواه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، برقم 104، وفي كتاب جزاء الصيد، باب لا يعضد شجر الحرم، برقم 1832، ولفظ الحديث من الموضعين، ومن كتاب المغازي، باب (51)، برقم 4295، ومن لفظ مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة، وصيدها، وخلاها، وشجرها، ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام، برقم 1354، وليس في جميع هذه الروايات قوله: «يوم خلق السموات والأرض». (¬6) في نسخة الزهيري: «الجناية».

226 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ (¬1) وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»، وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ــ وهي ساعتي هذه (¬2) ــ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ: «إلاَّ الإِذْخِرَ» (¬3). القين: الحداد. 60 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الأول في الفدية، والثاني والثالث في تحريم مكة. يقول كعب بن عجرة - رضي الله عنه - إن آية الفدية نزلت فيّ، ولكنها لا تخصّه، بل للناس عامّة، وذلك أنه أُصيب بمرض في رأسه، وتكاثر عليه القمل، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما كنت أظن ¬

(¬1) «بعد الفتح»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2783، ورقم 2825. (¬2) «وهي ساعتي هذه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم الغادر للبر والفاجر، برقم 3189، وأطراف جميع رواياته في الحديث، رقم 1349وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، برقم 1353.

الوجع بلغ بك ما أرى»، ثم أمره أن يفدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين. وأنزل اللَّه في ذلك: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬1)، فهي فدية مخيَّرة لمن تأذى بمرضٍ في رأسه، واحتاج إلى الحلق، فيحلقه، ويفدي بهذه الفدية، يذبح شاة، ويقوم مقامه سُبع بدنة, أو سبع بقرة, أو يصوم ثلاثة أيام، أو يُطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من التمر، أو غيره من قوت البلد، وهكذا إذا احتاج إلى أمثال ذلك عند أهل العلم، ألحقوه بهذا لو احتاج إلى الطيب، أو إلى لبس المخيط، أو إلى أن يغطِّي رأسه من برْدٍ أو مرَضٍ، فإنه يفدي بهذه الفدية؛ لأن هذه الأمور من جنس حلق الرأس، كلها معناها الترفه، فإذا احتاج إلى شيء من ذلك، أو دعت الضرورة إلى شيء من ذلك؛ فإنه يفدي بهذه الفدية، وهكذا لو احتاج إلى قلم أظفاره لمرض، لو احتاج إليه حال الإحرام يفدي بهذه الفدية. أما الحرم فهو مُحرّم بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، حرّم اللَّه مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، فهي حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، هكذا أخبر - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، وقال: «فإن أحد ترخّص بقتال رسول اللَّه»، يعني إنْ أحدٌ احتج بأني قاتلت فيها يوم الفتح، «فقولوا له: إن اللَّه أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وأنه لم يُحلِّها ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 196.

لي إلا ساعة من نهار، وهي ساعتي، هذه» ساعة دخوله مكة - عليه الصلاة والسلام - يوم الفتح، وبيّن - صلى الله عليه وسلم - أنه لا ينفَّر صيدها، ولا يُسفك فيها الدم، ولا يُعضد فيها الشجر، ولا يُختلى خلاها، والخلى: هو الحشيش الأخضر، قال العباس: يا رسول اللَّه، إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم، والإذخر نبت معروف طيب الرائحة حشيش، فلا بأس، وليس داخل في التحريم، فهم يستعملونه في الحدادة ما يحتاجه صاحب الكير، وهو القين الحداد، ولبيوتهم كذلك، قد يسقفون به مع الخشب ونحوه، ويجعل منه في القبور في الألحاد، لأن الأرض رديئة، فيجعل الإذخر هذا يقيه التراب؛ فلا بأس بقطع الإذخر، ومثله ما ينبته الآدمي: ما أنبته الآدمي: من الزروع، والشجر له أخذه، لو زرع حنطة، أو زرع فواكه في بيته، أو قَتٍّ (¬1)، أو ما أشبه ذلك، فله أخذ ذلك، وهكذا الثمار التي تكون في الشجر البري مثل: السدر، أخذ النبق من السدر؛ لأنها خُلقت للمسلمين، فيأخذ الثمر يستفيد منه، ومثله لو نبت حناط (¬2) أو غيره يأخذ الثمر لا بأس، لكن لا يحصد الشجرة، ولا يعضدها، ولا يعضد النبات الذي أخرجه اللَّه من العشب، بل يترك للدواب، لرعي الدواب، واستفادة الدواب, ولا ¬

(¬1) القت: الفِصْفِصَة وهي الرَّطْبة من عَلَف الدَّوابّ. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4 - / 11، مادة (قتت). (¬2) الحِنَاط: هو ما يُخْلط من الطِّيب لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم خاصَّة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 449، مادة (حنط).

ينفر الصيد إذا وجده في ظل لا ينفره، ولا يقتله, من باب أولى لا يقتل صيده، ولا ينفر، ولا يعضد شوكه حتى الشوك لا يعضد، إذا كان شوك في بعض الأرض إذا كان ولا بد يطرح عليه التراب الذي يقيه شرّه، ولا يعضد؛ لأن الرسول نصّ على: أنه لا يُعضد شوكها، والظاهر - واللَّه أعلم - سد الباب، يعني سد الذريعة؛ لأنه قد يعضد الشوك، فيتوسل به إلى عضد غيره، فسد الباب - عليه الصلاة والسلام - في عدم عضد شيء من نباتها، ويكون هذا النبات لحاجة العمَّار والحجَّاج؛ لأن دوابهم تحتاج لهذا الشيء فتبلغَ دوابهم تأكل حاجاتها من هذا النبات، ولا يأخذه، لا الحاج، ولا غيره، لا يحصده، بل يترك يرعون فيه دوابهم - أهل مكة - وأنعامهم، ودوابهم الأخرى، لا بأس، أما عَضْدُهُ (¬1)، وحصده (¬2) فلا, وكذلك لا يقاتل أهلها إذا جاء إليها أحد لا يُقاتل، ولا يسفك فيه الدم، حتى يخرج منها، إلا إذا أفسد فيها يقتل لإفساده فيها، إذا زنى يقام عليه الحد, وإذا سرق يقام عليه الحد، كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - الحد على المخزومية في مكة (¬3)، [فمن] (¬4) قتل نفساً في مكة يُقتل بها؛ لأنه جنى، ¬

(¬1) يعضد: أي يُقْطع، يقال: عَضَدْتُ الشجرَ أعْضِدُه عَضْداً، والعَضَد بالتحريك: المعْضُود. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 251، مادة عضد. (¬2) الحصاد - بالفتح والكسر-: قطع الزرع، واستئصاله، وإنما نهى عنه لمكان المساكن حتى يحضروه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 394، مادة حصد .. (¬3) أخرج البخاري ومسلم، عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَانُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟»، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». البخاري، كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688. (¬4) ما بين المعقوفين: أضفتها لتوضيح الكلام ..

41 - باب ما يجوز قتله

أما إذا ما جنى جلس فيها وما جنى، وما تعدى يُترك حتى يخرج، لأنه ما هتك حرمتها، ولهذا لما بعث البعوث عمرو بن سعيد بن العاص في خلافة يزيد بن معاوية كان يبعث البعوث إلى مكة لقتال ابن الزبير، أنكر عليه أبو شريح الخزاعي، وأخبره أن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى عن هذا، فرد عليه عمرو رداً قبيحاً، ردَّ جاهلٍ، قال أنا أعلم منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة، والخَرْبة: الجناية. هذا جهل من عمرو بن سعيد وليس عنده بهذا علم، وإنما طاعة ليزيد بن معاوية فقط، والغالط، يزيد غالط، وليس لهما حرب الحرم، ولا قتال أهل الحرم. 41 - باب ما يجوز قتله 227 - عن عائشة - رضي الله عنها -: أَنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ،

42 - باب دخول مكة وغيره

وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» (¬1). ولمسلمٍ «يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» (¬2). (¬3) 42 - باب دخول مكة وغيره 228 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَاسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: «اُقْتُلُوهُ» (¬4). 229 - عن عبد اللَّه بن عُمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاء، مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» (¬5). 230 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَلَمَّا ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب، برقم 1829، واللفظ له، وكتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق، برقم 3314 بلفظ: «الحية والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحديا»، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، برقم 71 - (1198). (¬2) رواه مسلم، كتاب الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، برقم 67 - (1198)، ولفظه: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ». (¬3) في نسخة الزهيري: «الحِدأة: بكسر الحاء، وفتح الدال». (¬4) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 1357، واللفظ له. (¬5) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من أين يخرج من مكة، برقم 1576، واللفظ له ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا، والخروج منها من الثنية السفلى، ودخول بلدة من طريق غير التي خرج منها، برقم 1257.

فَتَحُوا: الباب (¬1) كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلالاً، فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» (¬2). 61 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بأحكامٍ تتعلق بالحج، ودخول الكعبة، وبعضها يتعلق بالحرم. الحديث الأول: حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ««خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَارَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»، فهذه الدواب تُقتل في الحل، وفي الحرم في أي مكان؛ لأنها مؤذية: الغراب يؤذي الناس في زروعهم وفي دوابهم وينقب الدَّبر (¬3) الذي في الإبل، ويأكل الزروع يفسدها، وهو من الفواسق، والحِدأة كذلك، والفأرة مؤذية كذلك، والعقرب كذلك، وهكذا الحية, كما في الحديث الثاني: وهكذا السباع العادية، والكلب العقور، كلها تُقتل في الحل والحرم؛ لدفع أذاها، ومثل ذلك البعوض، والذباب، وما أشبه ذلك مما يؤذي لا بأس بقتله: الذباب، والبعوض، والقمل، كل ذلك يُقتل ¬

(¬1) «الباب»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحج، باب إغلاق البيت، ويصلِّي في أيِّ نواحي البيت شاء، برقم 1598، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها، برقم 393 - (1329). (¬3) الدَّبَر - بالتحريك -: الجرح الذي يكون في ظهر البعير، يقال: دبر، يدبر دبراً، وقيل هو أن يقرح خف البعير. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 97، مادة (دبر).

في الحل والحرم، لا بأس. الحديث الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، والمغفر آلة توضع على الرأس، تستره عن السلاح، يُسمى المغفر, دلّ على أنه غير محرم، فليس بمحرم، يعني ما جاء لا لحج، ولا لعمرة، وإنما جاء لقتال قريش، وفتح مكة للمسلمين، ولهذا لم يُحرم، فدلّ ذلك على أن من جاء مكة ليس بقصدِ الحج والعمرة، لا بأس أن يدخلها على غير إحرام؛ ولهذا في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال - صلى الله عليه وسلم -: «هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ» (¬1)، أما الذي ما أراد الحج، ولا العمرة، لا يلزمه الإحرام، كمن يأتي مكة للتجارة، أو لزيارة الأقارب، أو لخصومة، فليس عليه إحرام، لكن إذا أراد العمرة أحرم، وإن لم يردها فلا شيء عليه. وفيه من الفوائد: في حديث أنس أنه يجوز قتل من ألحد في الحرم، أما من يأتي من الخارج يجب أن يؤمّن: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (¬2)، لكن الذي يفعل الفساد في الحرم يُقتل، فإذا زنى وهو محصن يرجم، وإذا سرق يقطع، وإذا سبّ الدين، أو سب الرسول يُقتل؛ لأنه جنى في الحرم، فيجازى في الحرم، ولهذا لما سرقت ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 1524، ومسلم، برقم 1181، وتقدم تخريجه في تخرج حديث المتن رقم 218. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 97.

بعض نساء بني مخزوم أمر النبي بقطع يدها (¬1)، وهكذا ابن خطل لما كان يسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويهجوه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، بقتله لردته. الحديث الثالث: يدل على شرعية دخول مكة من أعلاها، ويخرج من أسفلها، وهو الأفضل أن يدخلها من أعلاها من كَداء من الفتح من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى، هذا هو الأفضل، دَاخِلُ مكة يدخل من أعلاها كما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويخرج من أسفلها، وإن دخلها من أي مكان، فلا بأس، وإن خرج من أي مكان، فلا بأس، لكن هذا هو الأفضل تأسِّياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام -. والحديث الرابع: حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه مكة دخل الكعبة يوم الفتح، صلَّى فيها ركعتين، كان معه بلال بن رباح المؤذن، وأسامة بن زيد مولاه، عتيقه وابن عتيقه، وعثمان بن طلحة الحاجب من بني شيبة، كانوا معه لما دخل - عليه الصلاة والسلام - دخلوا الكعبة، وأغلقوا عليهم الباب، وصلى ركعتين في غربي الكعبة بين العمودين اليمانيين، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وصلى بينهما، وكان فيها ستة أعمدة في ذلك الوقت، وجعل الجدار الغربي أمامه، بينه وبينه ثلاثة أذرع، فلما فتحوا الباب دخل ابن عمر، وسأل: أين صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فدلّوه على محل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلى فيه. ¬

(¬1) حديث المرأة المخزومية أخرجه البخاري، برقم 3475، ومسلم، برقم 1688، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 225 - 226.

وفي حديث ابن عباس: أنه دخل الكعبة، وكبَّر في نواحيها، ودعا, هذا يدل على استحباب دخول الكعبة، أنه يُستحب إذا تيسر دخول الكعبة يدخلها، ويصلي فيها، ويدعو اللَّه ويكبِّر، كما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا تيسر له دخول الكعبة من دون مشقة، ولا زحمة، ولا أذى، فلا بأس، ولكن ليس من سنة العمرة، وليس من سنة الحج، إنما هو مستحب مستقل، من دخلها، فلا بأس، ومن تركها، فلا بأس، وإن كان دخولها يترتب عليه زحمة، أو اختلاط بالنساء، أو فتنة، فالذي ينبغي له ترك ذلك، لكن إن تيسر من دون فتنة، دخل وصلى ركعتين أو أكثر، ودعا في نواحيها، وكبَّر تأسياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام -. 231 - عن عمر - رضي الله عنه -، «أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ، وَلَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» (¬1). 232 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ (¬2)، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ (¬3) قد (¬4) ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذُكر في الحجر الأسود، برقم 1597، وباب الرمل في الحج والعمرة، برقم 1605، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، برقم 1270. (¬2) «مكة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1266. (¬3) في نسخة الزهيري: «وفدٌ». (¬4) «قد»: ليست في نسخة الزهيري.

وَهَنَتْهُمْ (¬1) حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ» (¬2). 233 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ ــ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، يَخُبُّ ثَلاثَةَ أَشْوَاطٍ» (¬3). 234 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ» (¬4). المِحْجَنُ: عصاً مَحْنِيَّةُ الرأس. 235 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «لَمْ أَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنَ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وهنهم»، ولفظ المتن في صحيح مسلم، برقم 1266. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحج، باب كيف كان بدء الرمل، برقم 1602، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وفي الطواف الأول من الحج، برقم 1266. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثاً، برقم 1603، واللفظ له إلا قوله: «يخب ثلاثة أشواط» فبدل منها: «يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ»، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة، وفي الطواف الأول من الحج، برقم 1261، ولفظه: «كانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ، خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ». (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب استلام الركن بالمحجن، برقم 1607، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، واستلام الحجر بمحجن، ونحوه للراكب، برقم 1272.

الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ» (¬1). 62 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث فيها مسائل بشأن الحج والعمرة. الأول: حديث عمر - رضي الله عنه -، وهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي، الإمام المشهور، الخليفة الراشد، أفضل الصحابة بعد الصديق رضي اللَّه عن الجميع: أنه قبّل الحجر، ثم قال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبّلك ما قبلتك. مقصوده - رضي الله عنه - البيان أنه لم يقبله لاعتقادٍ فيه أنه ينفع ويضر: كاعتقاد الجاهلية في أصنامها: أنها تشفع لهم، أو أنها كذا، إنما قبّله تأسِّياً بالنبي - عليه الصلاة والسلام -؛ ولهذا قال: إني لأعلم, اللام هذه لام الابتداء، إني لأعلم يعني إني أعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبلك ما قبلتك، يعني لولا التأسي ما فعلت هذا؛ ليعلم الناس أنه ليس لاعتقاد، كما يعتقد الكفار في أصنامهم, وإنما هو اتباع، وتأسٍّ بالنبي - عليه الصلاة والسلام -، ولا يمنع ذلك من كونه يشهد لمن استلمه بحق، كما في الحديث الآخر: «يَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولَهُ لِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، وَعَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، يَشْهَدُ لِمَنِ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، واللفظ له، برقم 1609، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف، دون الركنين الآخرين، برقم 1269.

اسْتَلَمَهُ» (¬1) بحق، فهذه نعمة من اللَّه - عز وجل - لأهل الإيمان، يشهد لهم هذا الحجر بالحق، إذا كانوا استلموه بحق بإيمان، وهدى، وإسلام. وفيه شرعية التقبيل، وأنه يُستحب تقبيل الحجر في طواف العمرة، وطواف الحج، وطواف التطوع، يُستحب تقبيله إذا تيسر من دون مزاحمة، أما مع المزاحمة فلا، لا يزاحم عليه، لا يشقّ على نفسه إذا تيسر من دون مشقة، وإلا فيشير إليه ويمضي إذا قابله إذا حاذاه يشير هكذا، ويقول: اللَّه أكبر، يشير بيده، ويكبّر ويمضي، كما فعل النبي - عليه الصلاة والسلام -، كان إذا طاف بعض الأحيان أشار إليه وكبر - عليه الصلاة والسلام - (¬2). والحديث الثاني: حديث ابن عباس في قصة طوافهم في عمرة القضاء، أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، وذلك لأن المشركين قالوا: إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، وقال بعضهم لبعض: إنه يَقْدَم عليكم، يعني يرد إليكم، يقال: قَدِم يَقْدَمُ يعني من السفر ونحوه، قَدِمَ يَقْدَمُ كَفَرِحَ يَفْرَحُ، تَعِبَ يَتْعَبُ، أما قَدَمَ يَقدُم: هذا تقدَّم القوم صار أمامهم، ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الحجر الأسود، برقم 961، والبيهقي في شعب الإيمان، 3/ 450، والفاكهي في أخبار مكة، ص 78: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَجَرِ: «وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2/ 120. (¬2) أخرج البخاري، كتاب الحج، باب التكبير عند الركن، برقم 1613، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ، وَكَبَّرَ»، وأخرجه مسلم، برقم 1271 بنحوه.

قَدَمَ يَقدُم من باب نَصَرَ ينْصُرُ، يعني صار أمام القوم، ومنه قوله تعالى في قصة فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} (¬1) يقدمهم يكون أمامهم قائداً لهم، نسأل اللَّه العافية، وأما قَدُمَ يَقْدُمُ هذا معناه القِدَم، قَدُمَ هذا الشيء يَقْدُمُ أي صار قديماً، مضى عليه دهر، من باب كَرُمَ يَكْرُمُ، قَدُمَ يَقْدُمُ، هذه ثلاث تصرفات، فَعِلَ يَفْعَلُ إذا قدم من السفر ونحوه, فَعَل يَفْعُلُ إذا تقدم القوم, فَعُلَ يَفْعُلُ يعني صار قديماً، قد أوهنتهم، قد أضعفتهم, حمّى يثرب: حمّى المدينة، تُسمّى يثرب عندهم، فلما سمع النبي هذا الكلام أمرهم أن يرملوا حتى يُظهروا للعدو نشاطهم وقوتَهم؛ لأن نشاط المسلمين وقوتهم مما يحزن العدو، مما يغيظ العدو، ولهذا أمرهم أن يرملوا حتى يعلم العدو نشاطهم، وكَذِبَ قولهم: إن الحمى وهنتهم، وأن يمشوا بين الركنين؛ لأنهم إذا كانوا بين الركنين اختفوا عن المشركين، والمشركون كانوا من جهة قعيقعان من جهة الحجر، فإذا كان الطَّوَاف بين الركنين ما رأوهم في ذلك الوقت. قال: ولم يمنعهم من الرمل في الأشواط كلها إلا الإبقاءَ، لعل النصب أولى مفعول لأجله، ولم يمنعهم إلا من أجل أن يبقوا، لم يمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا الإبقاءَ، أي إلا من أجلهم: الإبقاءَ: النصب أولى. والحديث الثالث: حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على بعير ¬

(¬1) سورة هود، الآية: 98.

يستلم الركن بمحجن، هذا يدل على أنه يجوز الطواف على البعير، بالعربانة يجوز، ولكن الطواف بالمشي أولى وأفضل، فإن طاف على بعير، أو بعربانة جاز ذلك. وقال قوم: لا يجوز إلا من علة كالمرض، والصواب أنه يجوز، كما يسعى أيضاً يجوز إن كان أرفق به، أو لثقله، أو لشدة الزحام، طاف من بعيد، لا بأس في عربانة، أو في سيارة، لو وجد ما يمكن ذلك، فالحاصل أن مثل هذا يجوز، لأن النبي طاف على بعير - عليه الصلاة والسلام - لما كثر الناس، وهكذا سعى - عليه الصلاة والسلام - لكن كونه يمشي مع القدرة أولى وأفضل. وفيه أنه يستلم الركن بالمحجن، وهي عصا لها رأس محنية كالمشعاب يمدّه هكذا، ويُقبّل المحجن، وهكذا إذا استلمه بيده يُقبل يده، فإن تيسّر تقبيله قبّله، كما تقدم في حديث عمر، وإن لم يتيسر استلمه بيده، أو بمحجن وقبّله، وإن لم يتيسر ذلك أشار، فالأحوال ثلاث: الحال الأولى: أن يُقبّل، يتمكن ويقبل بدون مشقة، فالسُّنة أن يقبل ويكبر يقول: اللَّه أكبر، ويستلمه مع ذلك. الحال الثانية: أن لا يستطيع إلا باليد، يستلم بيده، ويقبّل يده ويكبّر. الحال الثالثة: أن لا يستطيع بيده، ولا بفمه، ولكن بالعصا يمدها، ويستلمه بها، ويقبّل طرفها إذا تيسر ذلك، أما إذا كان في مدّها أذى للناس، أو مشقّة، فلا، لا يؤذي الناس، بل يشير من بعيد،

وهذه الحال الرابعة، وهي الإشارة الحالة الرابعة يشير، ويكبر من دون مسّ يشير من بعيد ويكبر. وهكذا حديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبَّ ثلاثة أشواط، ومشى أربعة، السنة أنه في طواف القدوم يخبّ ثلاثة أشواط، يعني يعجِّل: يهرول، والأربعة الباقية يمشي مشياً، هذا في طواف القدوم خاصة في العمرة، والحج، أما بقية الأطوفة: طواف الإفاضة، طواف الوداع، الأطوفة الأخرى، هذه ما يهرول، يمشي مشياً، إلا طواف القدوم للرجال خاصة، أما النساء لا يهرولن، يمشين مشياً لأنهن عورة، وهكذا الاضطباع، كونه يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، وطرفه على عاتقه، هذا في طواف القدوم خاصة، أي الاضطباع، وما سواه يجعل رداءه على كتفيه، ويلفَّه على صدره، هذا السنة في الرداء دائماً, دائماً في حالة واحدة إلا في طواف القدوم عند الطواف؛ فإنه يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، ويجعل طرفه على عاتقه الأيسر، في طواف القدوم خاصة، وهكذا الرمل في طواف القدوم في الأشواط الثلاثة الأول، أما بقية الأطوفة، فليس فيها رمل، وليس فيها اضطباع. الحديث الأخير حديث ابن عمر: أن النبي لم يستلم من الكعبة إلا الركنين اليمانيين، هذا السُّنة استلام الركنين اليمانيين، الذي فيه الحجر، واليماني فقط, أما الركنان اللذان يتصلان بالحجر، فالسنة أن لا يستلمهما، ولا يكبر عندهما، لأن الرسول ما فعل ذلك

43 - باب التمتع

- عليه الصلاة والسلام -، وإنما الاستلام للركنين اليمانيين، وهما الركن الذي فيه الحجر الأسود، والركن الثاني الذي قبله عند الطواف، فهذان يُستلمان، أما التقبيل فيختصّ بالحجر الأسود، فلا يُقبّل إلا الأسود خاصة، أما الاستلام فلهما جميعاً، والتكبير لهما جميعاً عند الاستلام، فإن لم يتيسر أشار إلى الحجر الأسود، ولم يشر إلى الركن اليماني، فإن لم يتيسر الاستلام أشار إلى الحجر الأسود خاصة، وكبّر، أما اليماني، فلا يشار إليه، لأن النبي ما كان يشير إليه، أما ما يوجد في بعض المناسك من أنه يشار إليه ليس عليه دليل، الإشارة للحجر الأسود خاصة، أما إذا تمكن من الركن اليماني فيستلمه، ويكبّر، أما الركنان الآخران اللذان على حافة الحجر، فلا يستلمان، ولا يقبّلان، ولا يشار إليهما (¬1). 43 - باب التمتُّع (¬2) 236 - عن أبي جَمَرة نصر بن عمران الضُّبَعي قال: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلَتْهُ عَنِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: فِيهِا (¬3) جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ، قَالَ: وَكَأنَّ نَاساً كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ وكَأَنَّ (¬4) إنْسَاناً يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَتَيْتُ ¬

(¬1) نهاية الوجه الثاني من الشريط العاشر، سجل في درس الشيخ بتاريخ 21/ 6/ 1409هـ. (¬2) بداية الوجه الأول من الشريط الحادي عشر، سجل في درس الشيخ بتاريخ 25/ 6/ 1409هـ. (¬3) في نسخة الزهيري: «فيه»، وفي البخاري، برقم 1688 مثل المتن: «فيها». (¬4) في نسخة الزهيري: «كأن» بدون الواو.

ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فَحَدَّثَتْهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). 237 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَهَلَّ (¬2) بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى، فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذي الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة (¬3)، قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى؛ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ منكم (¬4) أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سلم فانْصَرَفَ، فَأَتَى ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، بَابُ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 196]، واللفظ له، برقم 1688، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج، برقم 1242. (¬2) «فأهل»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم1227. (¬3) «مكة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1691، وفي مسلم، برقم 1227. (¬4) «منكم»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1691، وفي مسلم، برقم 1227.

الصَّفَا، فَطَافَ بِين (¬1) الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحِلَّ (¬2) مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ (¬3) مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ» (¬4). 238 - عن حفصة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَانُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ تَحْلِلْ (¬5) أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: «إنِّي لَبَّدْتُ رَاسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» (¬6). 239 - عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - أنه (¬7) قال: «أُنْزِلَتْ (¬8) آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، ¬

(¬1) «بين»: ليست في نسخة الزهيري .. (¬2) في نسخة الزهيري: «لم يحلل»، وهي التي في البخاري، برقم 1691، ومسلم، برقم 1227. (¬3) في نسخة الزهيري: «وفعل مثل ما فعل»، وهي في البخاري، برقم 1691، وفي مسلم، برقم 1227. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من ساق البدن معه، برقم 1691، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع، وإنه إذا عدمه لزم صوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، برقم 1227، واللفظ له. (¬5) في نسخة الزهيري: «ولم تحل»، والذي في المتن في البخاري، برقم 1566. (¬6) رواه البخاري، كتاب الحج، باب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1566، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاجّ المفرد، برقم 1229 بلفظه أيضاً. (¬7) «أنه»: ليست في نسخة الزهيري. (¬8) في نسخة الزهيري: «نزلت»، وفي صحيح البخاري، برقم 4528: «أنزلت» مثل المتن.

وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَايِهِ مَا شَاءَ» (¬1). قال البخاري: يقال: إنه عُمر (¬2). ولمسلمٍ، «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ ــ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ ــ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) حَتَّى مَاتَ» (¬4). وَلَهُمَا (¬5) بِمَعْنَاهُ (¬6). 63 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالتمتع بالعمرة إلى الحج، وقد دلَّ كتاب اللَّه - عز وجل -، وسُنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - على شرعية ذلك، وأن اللَّه جلّ وعلا شرع لعباده أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؛ لما في ذلك من جمع النُّسكين العظيمين؛ ولأن العودة إلى مكة بنسك آخر قد يشق على الناس، وقد لا يتيسر لهم، قد يكون في بلاد بعيدة، فيسّر اللَّه له أن يجمع بينهما، ولو في سفرة واحدة. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب التفسير، بَابُ {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ}، برقم 4518. (¬2) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 3/ 422. (¬3) «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه مسلم، كتاب الحج، باب جواز التمتع، برقم 172 - (1226). (¬5) في نسخة الزهيري: «ولها». (¬6) البخاري، كتاب الحج، باب التمتع، برقم 1571، ولفظه: «تمتعنا على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء»، ومسلم، برقم 170 - (1226)، وتقدم تخريجه

والتمتع في الحج هو أن يعدّ من أول الحج، وأنه يُحرم بالعمرة والحج جميعاً، ويسمَّى قارناً، أو يُحرم بالعمرة، ثم إذا تحلَّل منها في أشهر الحج بعد رمضان، إذا طاف وسعى وقصّر حَلّ، ثم أحرم بالحج في وقته في اليوم الثامن من ذي الحجة، كما فعل أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - بأمره، وهذا هو الأفضل, أفضل من القران كونه يُحرم بالعمرة بعد رمضان في شوال، أو في ذي القعدة، أو أول ذي الحجة، ثم يتحلَّل منها بالطواف، والسعي، والتقصير، ثم يُلبّي بالحج في وقته، هذا هو التمتّع الكامل، وهذا هو الأفضل، والذي أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، وأمرهم به إذا ما كان معهم هدي: أي ما ساقوا هدياً من بلادهم، ولا من الطريق، هذا هو السُّنة لهم أن يطوفوا, ويسعوا, ويقصّروا ويجعلوها عمرة، حتى لو كانوا سمَّوا بالحج عند الإحرام يفسخوه إلى عمرة، ولو كانوا سمّوا حجاً وعمرة جميعاً يجعلوها عمرة، كما دلّ عليه حديث ابن عمر المذكور هنا، فإن الصحابة منهم من أحرم بالحج من ذي الحليفة، ومنهم من أحرم بالحج والعمرة جميعاً قِراناً، ومنهم من أحرم بالعمرة وحدها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج والعمرة جميعاً، أهّل بالحج والعمرة جميعاً، وقال لبيك عمرةً وحجاً، كما ذكر ابن عمر، وذكره غيره. فلما وصل مكة - عليه الصلاة والسلام -، لما دنا من مكة، قال للناس الذين أحرموا بالعمرة، أو بالحج وحده، أو بهما جميعاً: «اجْعَلُوهَا

عُمْرَةً» (¬1)، فلما طافوا وسعوا أكَّد عليهم بأن يجعلوها عمرة، الذين ما معهم هدي وأما من كان معه هدي فأمره أن يطوف ويسعى، ويبقى على إحرامه، ومنهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبقي على إحرامه، حتى حلّ يوم العيد من عمرته [وحجه]؛ لأنه قد ساق الهدي من المدينة، وكل من ساق الهدي من أي بلاد، أو من الطريق، يُشرع له أن يكون محرماً بالحج والعمرة جميعاً، وأن يبقى على إحرامه، وإذا كان قد أَهلّ بالحج وحده؛ فإنه يبقى على إحرامه، حتى يحل من حجه يوم النحر، وإن كان أحرم بهما، أو بالعمرة وحدها، فإنه يلبّي بالحج معها، فيبقى على إحرامه مادام معه الهدي. وبيّن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن المتمتع عليه جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬2)، أي فليذبح ما استيسر من الهدي، والمستيسر ناقة، أو بقرة، أو شاة، أو سبع من البقرة، أو البدنة، أحد خمسة أمور: إما ناقة تامة, أو بقرة تامة, أو شاة, أو سُبع من بدنة, أو سبع من بقرة، إذا كان متمتعاً بهما جميعاً. ولما أفتى ابن عباس أبا جمرة، نام أبو جمرة، ورأى في منامه أحداً يقول: «حج مبرور، ومتعة مُتقبَّلة»، فأخبر ابن عباس بالرؤيا ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحلّ القارن من نسكه، برقم 1211. (¬2) سورة البقرة، الآية: 96.

المذكورة، فقال له ابن عباس: «سُنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -»، أي هذه الرؤيا التي رأيتها هي التي درج عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، وهي التي أفتى بها ابن عباس، والرؤيا الصالحة تؤيد الشرع، ولا تخالفه. وفي حديث حفصة - رضي الله عنها - ما يوافق حديث ابن عمر، قالت: «ما شأن الناس حلّوا من العمرة، ولم تحل أنت من عمرتك؟!»، قال: «إنِّي لَبَّدْتُ رَاسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» (¬2). حفصة هي بنت عمر أمّ المؤمنين، دل حديثها على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلّ؛ لأن معه الهدي، ساق معه ثلاثاً وستين بدنة من المدينة، وأتاه من اليمن مع علي سبع وثلاثون، صار الجميع مائة ناقةٍ، أهداها - عليه الصلاة والسلام -، هكذا كل من أهدى، لا يحل بل يطوف، ويسعى، ويبقى على إحرامه حتى ينحر يوم النحر, وأما الذي ما معه هدي، فإنه يطوف، ويسعى، ويقصر، ويحل، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة في حديث ابن عمر السابق، وفي أحاديث أُخرى كثيرة. تلبيد الرأس: كونه يُضَمُّ بعضه إلى بعض، ويُجعل فيه شيء يمسكه، كصمغ أو نحوه، حتى لا يتشعّث، هذا يُسمى تلبيد. وفي حديث عمران الدَّلالة على ما دلّ حديث ابن عمر، وابن عباس على أن العمرة باقية لم تُنسخ، وأن السُّنة أن يأتي بالعمرة إذا ¬

(¬1) أي التي سنها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وعمل بها. (¬2) رواه البخاري، برقم 1566، ومسلم، برقم 1229، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن 238.

جاء إلى مكة: إما مفردة [...] (¬1) أو بهما جميعاً (¬2)، إذا كان معه هدي لا يحلّ، بل يبقى على إحرامه كما تقدم, وعمران بن حصين انتقد من قال له: يأتي بحج مفرد، ذكر أن السنة جاءت بانتقاد أن يقول الرجل برأيه ما شاء، يشير إلى أن ما جاء عن عمر، وعن الصديق، وعن عثمان أفتوا بأن الأفضل الحج المفرد, هذا اجتهاد منهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم، فهم أحبوا أن يتكرر [مجيء] الناس إلى مكة، وأن يكون هناك سفرات كثيرة للحج والعمرة، اجتهاداً منهم. والصواب ما قاله ابن عباس في هذا، وما قال عمران، وأن الأفضل أن يدخل بعمرة، لا بحجٍّ مفرد، هذا هو السنة، خلافاً لما يُروى عن الصديق، وعن عمر، وعن عثمان رضي اللَّه تعالى عنهم، فهم قالوا هذا اجتهاداً، لكن السُّنة بخلاف ما ذكروا، فالسُّنة لمن أتى إلى مكة من أي بلد أن يُحرم بالعمرة من الميقات، أو بهما جميعاً، ثم يتحللّ بطواف، وسعي، وتقصير، ويبقى حلالاً إلى وقت الحج، إلا أن يكون معه الهدي، إذا كان معه هدي لا يحل حتى يحلَّ يوم النحر. وأما إحرامه بالحج وحده، فهو غير مشروع، ليس بمشروع (¬3) فالأفضل تركه، لكن يُحرم بالعمرة، ثم يتحلل منها، ثم يُحرم بالحج ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، وكأنها تكون في الحج، أو تكون بدون حج، أو تكون قبل الحج، وحذفها لا يؤثر في المعنى. (¬2) والمعنى: أو يحرم بالعمرة والحج جميعاً إذا كان معه هدي. (¬3) المقصود: أن الإحرام بالحج وحده مفرداً لمن ليس معه هدي، خلاف السنة، فالسنة أن يحرم بعمرة، إذا لم يكن معه هدي.

44 - باب الهدي

في وقته، هذا هو الذي فعله الصحابة بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي حج قارناً؛ لأن معه الهدي, فمن كان معه الهدي شُرع له أن يفعل ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من البقاء على إحرامه، ويطوف، ويسعى، ويبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، ومن لم يكن معه هدي، فالسنة أن يفعل كما فعل الصحابة يطوف، ويسعى، ويقصّر، ويتحلّل، ولو كان سمّى حجاً يجعلها عمرة، فإذا طاف، وسعى، وقصّر تحلّل، وصارت عمرة شرعية، وعليه الهدي، إن قَدِر، فإن لم يستطع صام عشرة أيام، كما في حديث ابن عمر ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ثلاثة في الحج أي قبل يوم عرفة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فهذه هي السُّنة كما قال جل وعلا: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (¬1)، هذا هو السُّنة، وإن صام الثلاثة في أيام النحر أجزأه، خاصة للمُهدي [أي: من عليه هدي] إذا عجز عن الهدي، صام أيام النحر، جازت له خاصة، دون بقية الناس، ولكن الأفضل أن يقدمها على عرفة، ويصومها قبل الحج، ثم السبعة عند أهله إذا رجع، تيسيراً من اللَّه، وتسهيلاً منه - سبحانه وتعالى -. 44 - باب الهدي 240 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 96.

أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ــ أَوْ قَلَّدْتُهَا ــ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلاًّ» (¬1). 241 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «أَهْدَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً غَنَماً» (¬2). 242 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ (¬3): «ارْكَبْهَا «قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ؟ قَالَ: «ارْكَبْهَا»، فَرَأَيْتُهُ (¬4) رَاكِبَهَا، يُسَايِرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - والنَّعلُ في عنقها (¬5)» (¬6). وفي لفظٍ قال في الثَّانِيَةِ، أَوِ الثَّالِثَةِ: «ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ، أَوْ وَيْحَكَ» (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب إشعار البدن، برقم 1699، وفيه: «فما حَرُم عليه شيء كان له حلٌّ»، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده، وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء بسبب ذلك، برقم 362 - (1321)، وفيه: «فما حَرُمَ عليه شيء كان له حِلاًّ». (¬2) رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقليد الغنم، برقم 1701، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه، واستحباب تقليده، وفتل القلائد، وأن باعثه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء بسبب ذلك، برقم 367 - (1321). (¬3) في نسخة الزهيري: «قال»، وهي في البخاري، برقم 1706، ولفظ المتن: «فقال» في صحيح مسلم، برقم 1322. (¬4) في نسخة الزهيري: «قال: فرأيته راكبها». (¬5) «والنعل في عنقها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1706. (¬6) رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقليد النعل، برقم 1706، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 371 - (1322). (¬7) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب هل ينتفع الواقف بوقفه، برقم 2755، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، برقم 1322، ولفظ: «... أو ويحك» عند البخاري، برقم 2754، فحسب.

243 - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «أَمَرَنِي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَجُلُودِهَا، وَأَجِلَّتِهَا، وَأَنْ لا أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئًا، وَقَالَ: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا» (¬1). 244 - عن زياد بن جُبير قال: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنَحَرُهَا (¬2)، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). 64 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بالهدي، وهو ما يُهدى إلى مكة من الهدي، تقرباً إلى اللَّه - عز وجل -، ليذبح هناك في الحرم. والهدي إلى مكة سُنة وقربة، وقد أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - غنماً، وأهدى إبلاً, فالسُّنة ذبحها هناك، يعني في الحرم تقرباً إلى الله - عز وجل -، وتوزَّع بين الفقراء والمساكين: مساكين الحرم، وهذا الهدي سُنة وقُربة وطاعة, أما الهدي الذي يجب بالتمتع، والقران، أو بشيء من ترك الواجبات، أو فعل المحرمات، فيُسمَّى هدي واجب، ويُسمَّى فدية أيضاً، أما هذا الهدي الذي ذكرت عائشة، وذكر علي وغيره، هذا الهدي الذي يتطوع به المؤمن من بلاده، أو يشتريه من الطريق ويهديه إلى هناك هدياً بالغ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب يتصدق بجلود الهدي، برقم 1717، ومسلم، كتاب الحج، باب في الصدقة بلحوم الهدي وجلودها وجلالها، برقم 1317، واللفظ له. (¬2) في نسخة الزهيري: «فنحرها»، والذي في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1713. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب نحر الإبل مقيدة، برقم 1713، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب نحر البدن قياماً مقيدة، برقم 1320.

الكعبة يتقرب به إلى الله - عز وجل -. تقول عائشة - رضي الله عنها -: «إنها فتلت قلائد هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيديها، ثم أشعرها»، وتقول: «إنه أهدى مرة غنماً»، هذا يدلّ على أنه يُشرع الهدي من الغنم، والإبل، والبقر، كله قربة، وكله طاعة، وأن السُّنّة أن تُقلّد بقلائد تُعرف، وتُشعر الإبل، والإشعار هو أن تجرح في سنامها جرحاً يُبين أنها هدي، حتى لو عطبت، أو ضلت يُعرف أنها هدي، وهذا في الإبل خاصة. والقلائد كونها تقلّد بقلادة يعرف أنها هدي، بقلادة معروفة: نعل، أو من النعل، شيء يعرف أنه هدي، شيء تعارف الناس فيه أنه يجعل على الهدي، حتى إذا ضلّ أو عطب ينحر ويؤكل. وفيه أن المهدي لا يَحرُمُ عليه شيء كان له حلالاً، وفي هذا قالت: فما حرم عليه شيء كان له حلالاً - عليه الصلاة والسلام -، فإذا أهدى فله أن يأتي أهله، وله أن يقلّم أظفاره، وله أن يحلق شعره، لا بأس عليه، أما المُضحِّي إذا أراد أن يُضحِّي مع دخول شهر ذي الحجة، فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، هذا للمضحي خاصة، الذي يسوق المال من ماله، يبذل المال، ويشتري الضحية يتطوع بها، هذا لا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئاً، أما زوجته، وأهله، فليس عليهم بأس من ذلك، هو الذي أخرج المال من ماله، وأراد أن يضحي إذا دخل الشهر شهر ذي الحجة، فلا يأخذ شيئاً حتى

يضحي, أما إن كان وكيلاً على أن يذبح ضحايا سبالة (¬1)، فليس بمضحٍ، ما عليه شيء، له أن يأخذ من شعره؛ لأنه ليس بمضحٍ، وإنما هو وكيل. كذلك حديث البدنة، ركوب البدنة لا بأس للإنسان إذا أهدى بدنة له أن يركبها عند الحاجة إذا احتاج إليها له أن يركب ركوباً لا يضرها، وله أن يضع عليها الشيء الخفيف الذي لا يضرها، لا بأس بذلك؛ ولهذا قال له النبي: «اركبها ويلك، أو ويحك» , فإذا احتاج إليها لا يمشي على الأرض، يركبها حتى يصل، ركوباً لا يضرها. كذلك حديث علي فيه أن الهدي يُقسَّم كله: لحومه، وجلوده، وأجِلَّته (¬2)، ولهذا قسم علي هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، قسم: لحمها، وجلودها، وأجلتها، والجلال إذا كان نواه المهدي أنه هدي يقسم، وإن كان ما نواه إنما أراد تجليلها به ثم أخذه، فله نيَّته، فإذا نوى أنه هدي، فإنه يوزع على الفقراء مع جلدها، أو مع لحمها، أما إذا ما نواه هدي, وإنما جعله مؤقتاً حتى تصل البلد، أو حتى تنحر، فله نيته، وهذا التقسيم واجب؛ لأنها للفقراء والمساكين، فتقسم عليهم في الحرم: ¬

(¬1) السبالة: «في حديث وقف عمر: «احبس أصلها، وسبّل ثمرتها» أي اجعلها وقفاً، وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليها، سبلت الشيء: إذا أبحته، كأنك جعلت إليه طريقاً مطروقة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 339. (¬2) الأجلّة: الأغطية التي تغطى بها الإبل المهداة، قال النووي في شرح النووي على مسلم، 9/ 66: «كان [ابن عمر] يجلِّل الجلال المرتفعة من الأنماط، والبرود، والحِبَر، قال: وكان لا يُجلِّل حتى يغدو من منى إلى عرفات، قال: وروي عنه أنه كان يجلِّل من ذي الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال على أذنابها، فإذا مشى ليلة نزعها، فإذا كان يوم عرفة جلَّلها».

45 - باب الغسل للمحرم

اللحوم والجلود,، والأجلة، إذا نُوِي تقسيمها تقسم على الفقراء والمحاويج، وفي هذا أن الجزار لا يُعطى شيئاً من اللحم، ولا من الجلود؛ ولهذا قال: «نحن نعطيه من عندِنا»، فدلّ ذلك على أن الجزار لا يُعطى أجرته من الهدي، وإنما يُعطى من الخارج، والهدي يكون للَّه، لا يكون فيه أجرة الجزار، ولا غير الجزار. وفي حديث ابن عمر، وهو الحديث الخامس: الدَّلالة على أن الإبل تُذبح واقفة، تنحر واقفة، معقولة يدها اليسرى, هذا إذا تيسر، إذا استطاع الناحر أن يذبحها واقفة، نحرها واقفة، وتعقل يدها اليسرى، تنحر وهي على ثلاث، هذا هو السُّنة، فإن لم يتيسر ذلك أناخها، ونحرها، فلا بأس إذا خاف منها، أو لم يستطع؛ لكونها شديدة، والمقصد من ذلك أنه إذا لم يتيسر نحرها وهي واقفة، فلا مانع من نحرها وهي مناخة، وإن تيسر أن تنحر وهي واقفة معقولة يدها اليسرى، فهذا هو الأفضل، وهو السُّنة. 45 - باب الغسل للمحرم 245 - عن عبد اللَّه بن حُنين، «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ - رضي الله عنه - اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَاسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المحرم رَاسَهُ، قَالَ: فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ،

46 - باب فسخ الحج إلى العمرة

وَهُوَ يستَترُ (¬1) بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْت (¬2): أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إلَيْكَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَاسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَاطَأَهُ، حَتَّى بَدَا لِي رَاسُهُ، ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ: «اصْبُبْ»، فَصَبَّ عَلَى رَاسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَاسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفعلُ» (¬3). وفي رواية، فقال المسور لابن عباس: لا أُمَارِيكَ بعدها (¬4) أَبَداً (¬5) (¬6). 46 - باب فسخ الحج إِلى العمرة 246 - عن جابر - رضي الله عنه - (¬7) قال: «أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَطَلْحَةَ، وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصْحَابَهُ أَنْ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وهو يُستر بثوب»، وهذا لفظ البخاري، برقم 1840، ولفظ مسلم، برقم 1205: «يستتر بثوب». (¬2) في نسخة الزهيري: «قلت»، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 1840. (¬3) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب الاغتسال للمحرم، برقم 1840، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، برقم 1205. (¬4) «بعدها»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه مسلم، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه، برقم 92 - (1205). (¬6) في نسخة الزهيري: «القرنان: العمودان اللذان تشدُّ فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة». (¬7) في نسخة الزهيري: «عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما -»، وهي في البخاري، برقم 1651.

يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً. فَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إلَى مِنىً، وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ». وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَنْطَلِقُونَ (¬1) بِحَجٍّ (¬2) وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ» (¬3). 247 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - (¬4) قال: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» (¬5). 248 - عن عبد اللَّه بن عباس بقال: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «تنطلقون»، وهي في البخاري، برقم 1651. (¬2) في نسخة الزهيري: «بحجة»، وهي في البخاري، برقم 1651. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، برقم 1651، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 1213. (¬4) في نسخة الزهيري: «عن جابر قال: قدمنا». (¬5) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من لبى بالحج وسمّاه، برقم 1570، واللفظ له إلا أن فيه: «لبيك اللهمّ لبيك بالحج» بدل «لبيك بالحج»، ومسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218 مطولاً.

صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ من ذي الحجة مهلين بالحج (¬1)، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: «الْحِلُّ كُلُّهُ» (¬2). 65 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث تتعلق بشؤون الحج. الحديث الأول: حديث ابن عباس، والمسور في قصة الغسل للمحرم، حديث ابن عباس والمسور في اختلافهما في ذلك، قال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، قال المسور: لا يغسله، ووجه إشكال المسور، أن المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -، وهو صحابي صغير ظنَّ أن الغسل لا يجوز للمحرم؛ لأنه قد يُسبب شيئاً من السقوط للشعر عند تحريك غسل الرأس، وابن عباس استند إلى ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك؛ فلهذا أرسل عبداللَّه بن حنين إلى أبي أيوب الأنصاري، وهو خالد بن زيد الأنصاري يسأله عن ذلك، فبين له أبو أيوب: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يغسل رأسه، كان يصب الماء على رأسه، فيمر يديه على رأسه، فدل ذلك على أنه لا بأس من اغتسال المحرم، وهذا هو الصواب؛ لأنه فعل النبي - عليه الصلاة والسلام -، فالمحرم لا بأس أن يغتسل للحرِّ، أو لإزالة الوسخ، أو نحو ذلك، أو قد ¬

(¬1) «من ذي الحجة مهلين بالحج»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1564. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحج، باب كم أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته، برقم 1085، وباب التمتع والقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي، برقم 1564، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز العمرة في أشهر الحج، برقم 1240.

يحتلم فتصيبه جنابة بالاحتلام فيغتسل، لا يضره ذلك، ولو أمر يديه على رأسه لا يضر، حتى ولو سقط شيء من الشعر؛ لأن الشعر الذي يسقط قد يكون شعراً ميتاً لا يضر، فلو سقط شيء من الشعر عند مروره بيديه على رأسه لم يضره ذلك؛ لأن مثل هذا الشعر إنما يكون شعراً ميتاً يسقط بأقل لمس. وبذلك ظهر إصابة ابن عباس في جواز الغسل المحرم رأسه، ولهذا قال المسور: لا أماريك (¬1) بعدها أبداً، يعني لظهور الحجة معه والدليل، وكان ابن عباس - رضي الله عنه - بحراً في العلم، وقد أعطاه اللَّه علماً كثيراً، وحفظ من السنة الشيء الكثير، وتفقه فيها، وسأل عنها الصحابة - رضي الله عنهم - وأرضاهم؛ ولهذا حصل على علم كثير - رضي الله عنه -؛ ولهذا يقال له: حبر الأمة: وهو ترجمان القرآن - رضي الله عنه - وأرضاه. وفي الأحاديث الثلاثة حديث جابر، وجابر (¬2)، وابن عباس الدلالة على مشروعية فسخ الحج إلى العمرة، وأن من قدم مكة بحج مفرد، أو بحج وعمرة قارناً، وليس معه هدي، فإن السُّنة أن يفسخ حجَّه إلى عمرة, يعني يجعل إحرامه عمرة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الصحابة بذلك، لما قدموا في حجة الوداع أشار عليهم بأن يجعلوها عمرة، لما دنوا من مكة، فلما طافوا، وسعوا، أمرهم أن يجعلوها عمرة، وسألوه: أي الحل؟ قال: «الْحِلُّ كُلُّهُ»، وكان أغلبهم ¬

(¬1) لا أماريك: لا أجادلك. (¬2) كرر جابراً؛ لأن له الحديث الأول، والحديث الثاني من هذه الأحاديث الثلاثة.

ليس معه هدي، وإنما أهدى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلحة، وقدم علي بإبل من اليمن، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبقى على إحرامه لأنه مُهدٍ، وأمر الذين ليس معهم هدي أن يحلوا، ويطوفوا بالبيت، وبالصفا، والمروة، ثم يقصروا، ويحلوا حِلَّاً كاملاً، تكون عمرة مستقلة كاملة، لهم أن يلبسوا المخيط بعد ذلك، له أن يجامع أهله ويتطيب، لأنه حل كامل، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «لولا أن معي الهدي لأحللت، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لَما أهديت، ولجعلتها عمرة»؛ لِما رأى عندهم من الشك والتوقف، حتى بصّرهم، وبيّن لهم - عليه الصلاة والسلام -: أن هذا الأمر هو الأمر المشروع، فسمعوا وأطاعوا، وحلوا بعد أن طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، فدل ذلك أن هذا هو الأفضل، وأن من قَدِمَ إلى بيت اللَّه العتيق بعد رمضان في أشهر الحج، فالأفضل له أن يجعلها عمرة فقط. وأنساك العمرة: إحرام، وطواف، وسعي، وتقصير، أو حلق. هذه أنساكها، يُحرم من الميقات بنية الدخول في العمرة، ثم يلبي، ثم يستهلّ بالتلبية الشرعية: لبيك اللَّهم لبيك إلى آخر التلبية .. فإذا وصل مكة طاف بالبيت سبعة أشواط، وصلّى ركعتين خلف المقام، ثم سعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة، ثم قصر أو حلق، هذه هي العمرة، ثم يبقى إذا كان قصده الحج يبقى حتى يأتي وقت الحج، فإذا جاء وقت الحج لبّى بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، هذا هو الأفضل، كما فعل الصحابة بأمر النبي

- عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع، أمرهم لما كان اليوم الثامن أن يلبّوا بالحج، وبقي على إحرامه هو - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه ساق الهدي، وهكذا من ساق الهدي من أصحابه بقي على إحرامه، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: يا رسول اللَّه ينطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحج! لأنها حاضت، فلم يتيسر لها أن تحل من العمرة، كما أحل الناس، وأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تدخل حجها بالعمرة؛ لأنه جاء وقت الخروج إلى منى، وهي في حيضها، فأمرها أن تهلّ بالحج، وأن تكون قارنة، فأهلّت بالحج، وصارت قارنة، فلما جاء يوم النحر طافت، وسعت، وقصرت، وقال: «يجزئك هذا عن حجك، وعمرتك» (¬1)، صارت قارنة، أجزأها طوافها وسعيها، فقالت: يا رسول اللَّه، ينطلقون بحجة وعمرة! أي بحجة مفردة، وعمرة مفردة، تعني أصحابها الذين ليس معهم هدي، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهن ليس معهن هدي، كل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - حللن، جعلنها عمرة؛ فلهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبدالرحمن أخاها أن يُعْمِرَها من التنعيم، يعني يخرج بها إلى التنعيم، وهو حِلٌّ قريب من مكة، أقرب الحل إلى مكة، فخرج بها، وأحرمت من هناك بالعمرة، وطافت، وسعت، وقصَّرت، وصار لها عمرة مستقلة بعد الحج، فدلَّ ذلك على أنه لا حرج لمن أراد عمرة من مكة أن يخرج إلى التنعيم، أو إلى أدنى ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران، وجواز إدخال الحج والعمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 1211، ولفظه: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ، فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ..

الحل فيعتمر، وهكذا من حج قارناً، ثم أراد أن يأخذ عمرة مفردة، كما فعلت عائشة، فلا بأس، أما النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فاكتفوا بعمرتهم، ولم يخرجوا إلى الحل، فدل ذلك على أن الأمر واسع، من أراد أخذ عمرة بعد الحج فلا بأس، ومن تركه فلا بأس. وفيه أن هذا الحِل حِلٌّ كامل، كما قال ابن عباس حِلٌّ كامل، مثل حله بعد الحج، كما أن الحال في الحج إذا طاف وسعى وقصر يوم العيد، أو حلق ورمى الجمرة يوم العيد، يكون حله كاملاً، رمى الجمرة، وطاف بالبيت، وسعى، وقصر أو حلق، تَمَّ حله، فهكذا العمرة إذا طاف وسعى، وقصر حله كامل، له أن يأتي النساء، ويلبس المخيط الرجل ويتطيب، والمرأة كذلك لها أن يُباشرها زوجها، وأن تتطيب؛ لأنها حلت حلاً كاملاً بطوافها، وسعيها، وتقصيرها بالعمرة. 249 - عن عروة (¬1) بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: «سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ في حجة الوداع (¬2) حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» (¬3). العنق: انبساط السير. والنصُّ: فوق ذلك. ¬

(¬1) بداية الوجه الثاني من الشريط الحادي عشر. (¬2) «في حجة الوداع»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1666. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب السير إذا دفع من عرفة، برقم 1666، ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 283 - (1286).

250 - عن عبد اللَّه بن عمرٍو - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ، فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: «اذْبَحْ، وَلا حَرَجَ» فَجَاءَ (¬1) آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فقَالَ (¬2): «ارْمِ، وَلا حَرَجَ» فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلاَّ قَالَ: «افْعَلْ، وَلا حَرَجَ» (¬3). 251 - عن عبدالرحمن بن يزيد النَّخَعي «أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، فَرَأَىهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬4). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وجاء» والذي في المتن في البخاري، برقم 1736. (¬2) في نسخة الزهيري: «قال». (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، برقم 1736، ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي، برقم 1306. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره، برقم 1749، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي، وتكون مكة عن يساره، ويكبر مع كل حصاة، برقم 1296، وفي لفظ للبخاري في باب: يكبر مع كل حصاة، برقم 1750، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - حِينَ رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا، فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: «مِنْ هَاهُنَا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ البَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -». ولفظ مسلم: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: «رَمَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، «مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ».

252 - عن عبداللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ (¬1) قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ (¬2) قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «وَالْمُقَصِّرِينَ» (¬3) (¬4). 66 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بشؤون الحج. الحديث الأول أن أسامة بن زيد، وهو ابن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحِبُّهُ، وابن حِبِّهِ أيضاً، سُئِل عن كيفيَّة سير النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا دفع: أي من عرفات إلى مزدلفة، قال: كان يسير العَنَق، فإذا وجد فجوة نصّ، الدفع من عرفات إلى مزدلفة في الغالب يكون فيه الزحام والكثرة، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين»، والذي في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1727. (¬2) في نسخة الزهيري: «قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟ قال: «والمقصرين»، والذ في المتن هو لفظ البخاري، برقم 1727. (¬3) «قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه» قال: «والمقصرين» الثالثة: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الحلق والتقصير عند الإحلال، برقم 1727، ومسلم، كتاب الحج، باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير، برقم 318 - (301)، واللفظ له، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهمّ اغفر للمحلقين» قالوا: والمقصرين، قال: «اللهم اغفر للمحلقين»، قالو: وللمقصرين؟ قالها ثلاثاً، قال: «وللمقصرين»، البخاري، برقم 1728، ومسلم، برقم 1302.

فكان - صلى الله عليه وسلم - يسير سيراً منبسطاً خفيفاً، ليس فيه عجلة، لئلا يحصل مضرة على الناس، وكان يقول لهم: «أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» (¬1)، كما في حديث جابر، «فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضاعِ»، [أي] ليس بالإسراع، فالسنة للناس إذا اندفعوا من عرفات ألا يعجلوا، ويطمئنوا، سواء في السير على مراكب، أو على أقدامهم، أو على إبلٍ، أو غير ذلك، فالسنة لهم عدم العجلة، حتى لا يضرَّ بعضهم بعضاً. ومعنى العَنَق: السير الخفيف، الذي ليس فيه سرعة، فإذا وجد فجوة يعني متَّسعاً نصَّ، يعني أسرع قليلاً، حتى يخفف على الناس، ينطلق هكذا، ينبغي عند وجود متسع يُعجِّل قليلاً، وإذا كان المقام ليس مقام سعة رفق ولم يسرع، لا في دابته، ولا في سيارته، ولا بقدمه، يرفق حتى لا يضرّ أحداً من الناس، وهكذا في مواضع الزحام: كالانصراف من مزدلفة إلى منى، ومن منى إلى مكة، إذا كان هناك زحام فينبغي عدم السرعة إلا إذا كان هناك فجوة؛ فإنه يعجل قليلاً على وجهٍ لا يضر أحداً، وكان لما أتى محسراً أسرع - عليه الصلاة والسلام - قليلاً، عند انصرافه من مزدلفة إلى منى. والحديث الثاني: حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص بعن ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الحج، حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1218، وأخرج البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا، وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ»، كتاب الحج، باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسكينة عند الإفاضة، برقم 1671.

النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سُئل يوم العيد (يوم النحر) وهو واقف للناس يسألونه بين الجمرتين: [لمّا رمى] (¬1) جمرة العقبة، فقال له بعض الناس: يا رسول اللَّه لم أشعر، فحلقت ولم أذبح، قال: «اذبح ولا حرج»، وقال آخر: نحرت قبل أن أرمي قال: «ارم ولا حرج»، فما سُئل يومئذ عن شيء قُدِّم، ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج»، هذا يدلّ على التيسير في هذه الأمور، التي تُفعل يوم العيد، وأنه إذا قدَّم بعضها على بعض فلا حرج، لكن السنة أن يبدأ بالرمي، يرمي جمرة العقبة كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ينحر إن كان عنده نحر، ثم يحلق أو يقصّر، والحلق أفضل، ثم يطوف، هذا السنة على الترتيب: أولاً: الرمي يرمي جمرة العقبة يوم العيد. ثانياً: ينحر إن كان عنده نحر. ثالثاً: يحلق رأسه بعد الذبح، هذا هو الأفضل، أو يقصّر والحلق أفضل، الحلق: التحسين، يسمونه [بعض] (¬2) الناس التحسين، يعني إزالة الشعر بالموسى كله، والتقصير أخذ بعضه من الأطراف، والحلق في الحج أفضل، وهكذا في العمرة إذا كانت العمرة بعيدة عن الحج، أما إذا كانت العمرة قرب الحج، فالسُّنة فيها التقصير، حتى يبقى الحلق للحج. الرابع: الطواف، والسعي إن كان عليه سعي، وهو الأخير، هذا ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: كلمة غير واضحة، والظاهر أنها: «لمَّا رمى»، أو «عندما رمى». (¬2) ما بين المعقوفين: إضافة للتوضيح.

هو الأفضل، لكن لو قدّم بعضها على بعض بأن حلق قبل أن يذبح، أو نحر قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يرمي، أو طاف قبل أن يذبح، كله جائز، والحمد للَّه, هذه توسعة؛ ولهذا قال: ما سئل يومئذ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج» , وهكذا جاء هذا المعنى من حديث ابن عباس وغيره. والأعمال يوم العيد: من رميٍ، وذبحٍ، وحلقٍ أو تقصيرٍ، وطوافٍ، وسعيٍ، كل هذه إذا قُدّم بعضُها على بعض فلا حرج, لكن الترتيب أفضل، الترتيب هو الأفضل مع القدرة، ومع التيسير يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق أو يقصر، والحلق أفضل، ثم يطوف، ثم يسعى، هذا الترتيب المشروع. والحديث الثالث: حديث ابن مسعود لما رمى الجمرة يوم العيد، جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه - رضي الله عنه -، ورمى الجمرة مستقبلاً لها، جعل البيت يعني الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه، ومستقبلاً الشمال من جهة الجنوب، البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، والشمال أمامه، يعني الجمرة أمامه، ورماها بسبع حصيات، يكبّر مع كل حصاة، ويقول: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكونه نصّ على البقرة؛ لأن فيها غالب أعمال الحج؛ ولهذا نصّ عليها قال سورة البقرة، يعني هو غالب عليها، وتفسيرها، هذا مقام، وهذا موقف، وهذا هو الأفضل، وإن رمى من أي جانب أجزأه، إذا رماها من أي جانب في الحوض أجزأه، ولكن

كونه يرمي من هذا المكان أفضل، كما ذكر ابن مسعود أن يجعلها عن أمامه، والبيت عن يساره، ومنى عن يمينه، هذا هو الأفضل، ولو رماها في أي جهة، حتى سقطت الحصاة في الحوض كفى ذلك. والحديث الرابع: حديث عبداللَّه بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللَّهم ارحم المحلقين»، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين، قال: «اللَّهم ارحم المحلقين»، قالوا: يا رسول اللَّه، والمقصرين؟ قال: «اللَّهم ارحم المحلقين»، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصرين؟، قال: «والمقصرين» في الرابعة، هذا يدلّ على أن الحلق أفضل، والحلق: أخذ شعر الرأس كله بالموسى، هذا هو الحلق هذا هو الأفضل في الحج، وإن قصّر فلا بأس، ولكن الحلق أفضل، ولهذا دعا للحالقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات، والمقصرين في الرابعة، فدل هذا على أن الحلق أفضل، وهكذا في العمرة، الحلق أفضل، إلا إذا كانت العمرة قريبة من الحج في ذي القعدة، أو في ذي الحجة، فالتقصير فيها أفضل، ولهذا أمر النبي أصحابه لما اعتمروا في ذي الحجة أن يقصروا، حتى يكون فرصة للحلق في الحج؛ لأن الحج أفضل وأعظم، فيكون الأعظم للأعظم، والمفضول للمفضول، فالعمرة دون الحج، والتقصير دون الحلق، والتقصير للعمرة إذا كانت قريبة من الحج يكون للعمرة، ويبقى الحلق للحج، حتى لا يذهب الرأس كله للعمرة، يأخذ من الرأس ما تيسر من التقصير بالتقصير، الذي هو بالمقراض، أي بالمقص، أو

بالماكينة، ويبقى الباقي للحج حلقاً. 253 - عن عائشة لقالت: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ، فقَالَ (¬1): «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا قَدْ (¬2) أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «اخْرُجُوا» (¬3). وفي لفظٍ (¬4) قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «عَقْرَى، حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي» (¬5). 254 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (¬6). 255 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «اسْتَاذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال». (¬2) «إنها قد»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الزيارة يوم النحر، برقم 1733، وليس في لفظ البخاري همزة الاستفهام: «أحابستنا»، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 128 - (1211). (¬4) في نسخة الزهيري" «في لفظ» بدون الواو. (¬5) رواه البخاري، كتاب الحج، باب الإدلاج من المحصب، برقم 1771، ومسلم كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه، برقم 128 - (1211). (¬6) رواه البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض، واللفظ له، برقم 1328.

الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ» (¬1). 256 - وعنه بقال: «جَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، كُلَّ (¬2) وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بإقَامَةٍ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلا عَلَى إثْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا» (¬3). 67 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها لها تعلّق بالحج. الحديث الأول: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: أفضنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرجل من أهله. قيل: يا رسول اللَّه إنها حائض. قال: «أحابستنا هي؟!» قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «اخرجوا»، وفي اللفظ الآخر: «فانفروا» وفي اللفظ الآخر: «عقرى حلقى أطافت يوم النحر؟» قالوا: نعم. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الحج، باب سقاية الحاج، برقم 1634، واللفظ له، وباب هل يبيت أصحاب السقاية، أو غيرهم بمكة ليالي منى؟ برقم 1745، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، والترخيص في تركه لأهل السقاية، برقم 1315. (¬2) في نسخة الزهيري: «لكل واحدة»، ولفظ المتن هو لفظ البخاري، برقم 1637: «كل واحدة منهما». (¬3) رواه البخاري، كتاب الحج، باب من جمع بينهما ولم يتطوع، برقم 1673، واللفظ له، إلا أن في آخره: «ولا على إثر كل واحدة منهما» بزيادة «كل»، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، واستحباب صلاتي المغرب والعشاء جميعاً بالمزدلفة في هذه الليلة، برقم 1287.

هذا يدل على فوائد: منها: أن النكاح يحلّ للرجل من أهله جِماعه من أهله، إذا أفاضت بعد الرمي والتقصير، وبعد رميه وحلقه؛ لأن هذا هو الحِل كله، وقد رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، ونحر وحلق ثم أفاض، وهكذا زوجاته رمين، ونحر عنهن - عليه الصلاة والسلام -، وقصرن، وطُفن يوم النحر، فتم الحِل كله. وفيه من الفوائد: أن المرأة تحبس رفقتها إذا كانت حائضاً، حتى تطوف طواف الإفاضة، وأن عليهم أن يرقبوها، وينتظروها حتى تطوف، وألا يتركوها. وفيه من الفوائد: أن الحائض لا تطوف، فعليها أن تنتظر حتى تغتسل، فليس لها الطواف، كما أنها لا تصلي، كذلك لا تطوف فالطواف أيضاً صلاة، وكما أنها لا تصلي حتى تطهر، وهكذا لا تطوف، حتى تطهر، ولهذا قال: «أحابستنا؟» يعني عن السفر. وفيه من الفوائد: جواز الدعاء، غير المقصود قول: «عقرى, حلقى» كلمات دعاء غير مقصودة، كما يقال تربت يمينك, تربت يداك، ثكلتك أمك، وما أشبه ذلك، ما يجري على اللسان من غير قصد للتوبيخ، أو لتأكيد الكلام، أو نحو ذلك، فلا يكون مؤاخذاً به الإنسان؛ لأنه يجري على اللسان من غير قصد، من غير قصد السب، وإنما قصد تأكيد للشيء، أو التحذير منه. وفيه من الفوائد: تذكير الإنسان بما قد يفوته، ويجهله؛ لأنهم

ذكَّروه أنها قد أفاضت. وفيه من الفوائد أيضاً: سقوط طواف الوداع عن الحائض؛ لأنه قال: انفروا؛ لأنه لا وداع عليها, الحائض ليس عليها وداع، وهكذا النفساء، ولهذا في حديث ابن عباس «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (¬1) , فالحائض والنفساء لا وداع عليهما؛ لأنهما ممنوعتان من الطواف، وفي حبسهما مضرة عليها وعلى رفقتها، فمن رحمة اللَّه أن سامحهما عن ذلك وعفا عنهما، ولا دم عليهما أيضاً، لا وداع ولا دم عليهما من جهة الوداع أيضاً، بل معفو عن ذلك. وفيه أن الوداع يكون آخر شيء عند انتهاء الإقامة، وتمام الحج إذا أراد السفر يطوف للوداع بعدما ينتهي من كل شيء، يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وهذا عام للرجال والنساء إلا الحائض والنفساء. الحديث الثالث: حديث العباس أنه استأذن في أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له. هذا يدل على أن السقاة ليس عليهم مبيت بمنى من أجل سقاية الحاج؛ ولهذا أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس بن عبدالمطلب عمه أن يبيت بمكة من أجل السقاية، ويُلحق بذلك كما جاء في الحديث الآخر: الرعاة، ليس عليهم مبيت، وهكذا من كان لهم حاجة شديدة: ¬

(¬1) البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، برقم 1755، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، برقم 1328.

كالحارس، والطبيب الذي يُحتاج إليه في ليالي منى لحاجة الحجيج ونحوهم، ومن خاف على أهله، ونحو ذلك ممن له عذر شرعي، إلحاقاً له بسقاية الحاج، وبالرعاة، والمريض الذي يحتاج الطبيب، ولا يتوفَّر له في منى، ينزل ليالي منى كذلك. الحديث الأخير، كذلك الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة هذا أيضاً مما يشرع للحجيج، كما يجمعون في عرفات بين الظهر والعصر، يُشرع لهم أيضاً الجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة؛ لأنه فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأنهم في حاجة إلى ذلك إذا جاءوا من عرفات، هم في حاجة إلى الجمع، حتى يستريحوا بعد ذلك بعد وقوفهم بعرفات، فإذا وصل الحاج إلى مزدلفة بادروا بالصلاة، صلّوا جمعاً: المغرب والعشاء، ولو جاءوا مبكرين، ولو جاءوا قبل غروب الشفق، متى ما وصلوا إلى مزدلفة شُرِع لهم أن يصلوا بجمع، كما أنهم إذا زالت الشمس في عرفات، شرع لهم البدار بصلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً، حتى يتفرغوا للدعاء والذكر في عرفات إلى الغروب، فهكذا إذا انصرفوا إلى مزدلفة، يصلون فيها المغرب والعشاء، ثم ينامون ويرتاحون، كما فعله النبي - عليه الصلاة والسلام -، ولا فرق بين كونهم جاءوها مبكرين أو متأخرين، متى ما وصلوا صلوا المغرب والعشاء، إلا إذا حُبِسوا في الطريق وخشوا فوات الوقت صلوا في الطريق؛ لأنه لا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل، فإذا كان الحاج لم يتيسر له الوصول إلى مزدلفة بسبب الزحمة في السيارات، أو عطل في السيارة صلى في مكانه، ولا يؤجِّل إلى بعد نصف الليل، لا بد أن تكون

47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال

الصلاة قبل نصف الليل، صلاة المغرب والعشاء؛ لأن وقت العشاء إلى نصف الليل، وقتها الاختياري، ولا يجوز التأخير إلى ما بعد نصف الليل، فإذا حُبِسَ في الطريق أو تعطلت سيارته، أو حصل له زحمة منعته صلى في مكانه، والحمد للَّه. 47 - باب المحرم يأكل من صيد الحلال (¬1) 257 - عن أبي قتادة الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ حَاجَّاً، فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ، فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَقَالَ: «خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، حَتَّى نَلْتَقِيَ»، فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ، إلاَّ أَبَا قَتَادَةَ، فَلَمْ (¬2) يُحْرِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ، إذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ، فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانَاً، فَنَزَلْنَا، فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَاكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا؟» قَالُوا: لا، قَالَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3): «فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» (¬4). وفي رواية (¬5): «هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟» فَقُلْت: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ. ¬

(¬1) قال الشيخ - رحمه الله -: «... صيد حلال. (¬2) في نسخة الزهيري: «لم» بدون الفاء،، وهو لفظ البخاري، برقم 1824: «لم يحرم». (¬3) «قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال، برقم 1824، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 60 - (1196). (¬5) في نسخة الزهيري: «وفي رواية فقال».

فَأَكَلَها» (¬1). 258 - عن الصَّعْبِ بن جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيَّاً، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ ــ أَوْ بِوَدَّانَ ــ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ، قَالَ: «إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ» (¬2). وفي لفظ مسلم (¬3): رِجْلَ حِمَارٍ (¬4). وفي لفظٍ: شِقَّ حِمَارٍ (¬5). وفي لفظ: عَجُزَ حِمَارٍ (¬6). وجه (¬7) هذا الحديث: أنه ظنَّ أنه صِيْدَ لأجله، والمحرم لا يأكل ما صيد لأجله. 68 - قال الشارح - رضي الله عنه -: هذان الحديثان الصحيحان، حديث أبي قتادة الأنصاري، ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب من استوهب من أصحابه شيئاً، برقم 2570. (¬2) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب إذا أهدى للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل، برقم (1825)، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 1193. (¬3) في نسخة الزهيري: «وفي لفظٍ لمسلم». (¬4) رواه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 54 - (1193). (¬5) رواه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 54 - (1193). (¬6) رواه مسلم، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم 54 - (1193). (¬7) في نسخة الزهيري: «قال المصنف: وجه هذا الحديث ...».

وحديث الصعب بن جثَّامة الليثي في شأن الصيد الذي يهدى للمحرم، الصيد الذي يهدى للمحرم فيه تفصيل: فإن كان الصيد الذي يهدى للمحرم حياً، كحمار وحش حي، أو غزال حي، أو أرانب حية، فلا يقبله المُحرم، كما ردَّ النبي على الصعب بن جثَّامة الحمار الوحشي؛ لأن المحرم لا يصيد، ولا يشتري الصيد وهو محرم، ولا يقبله هدية وهو محرم. أما إن كان مذبوحاً، فهذا فيه تفصيل: فإن كان الصيد ذبحه محرمٌ لم يحل على المحرم، ولا لغير المحرم؛ لأنه ذبح غير شرعي إذا كان ذبحه المحرم، فيكون في حقه كالميتة: حرام. أما إن كان الذي ذبحه حلالاً، ولم يذبحه من أجل المحرم، بل ذبحه لنفسه، أو ليبيعه، أو ليأكل منه، ثم أهدى منه للمحرم، فلا بأس، فلا حرج؛ ولهذا لما صاد أبو قتادة الحمار الوحشي، وأهدى منه للصحابة المُحرمين، أكلوا، فلما توقفوا سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: لا بأس إذا كنتم لم تأمروه، ولم تشيروا عليه بشيء، فلا بأس، فأكل منه - صلى الله عليه وسلم -، ناولوه العضد فأكل منها، فدّل ذلك على أن الحلال إذا صاد صيداً ولم يساعده المحرم، لا بإشارة، ولا بأمر، ولا بآلة، ولم يصده لأجله، فلا حرج. أما إن كان المحرم ساعده، أو أشار إليه، أو أعطاه الرمح، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا يحل له، أو صاده الحلال من أجل المحرم، فلا

يحل للمحرم, وعلى هذا يحمل رواية الصعب بن جثامة، التي فيها أنه أهدى رجل حمار، أو عجز حمار، أو شق حمار، يحمل على أنه صاده لأجله، لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فلهذا رده النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، وهذا معنى حديث جابر في السنن، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ» (¬1)، فإذا صاده المحرم، أو صِيد من أجله، فلا يحل، أما إذا كان ما صاده من أجله, ولا صيد لأجله، وصاده الحلال فلا بأس، وهذا معنى: «صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ»، فإذا صاده المُحرم حرُم، أو صيد لأجله حُرم، أما إذا كان صاده الحلال، كما فعل أبو قتادة، لا من أجل المحرم؛ فإنه حلال، يأكل منه المُحرم، ويأكل منه الحلال؛ لأنه لم يصد من أجله، ولم يساعد فيه، ولم يشارك بشيء، فإذا ساعد عليه ¬

(¬1) مسند أحمد، 23/ 171، برقم 14894، وسنن أبي داود، كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم، برقم 1851، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في أكل الصيد للمحرم، برقم 846، والنسائي، كتاب مناسك الحج، إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، برقم 2827، والحاكم في المستدرك، 1/ 452، وصححه، كما صححه لغيره محققو المسند، 23/ 171، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير، برقم 3524. وقال عبد القادر الأرناؤوط في جامع الأصول، 3/ 64: «في إسناده المطلب بن عبد اللَّه بن المطلب بن حنطب المخزومي، وهو صدوق، كثير التدليس والإرسال، قال الترمذي: حديث جابر حديث مفسر، والمطلب لا نعرف له سماعاً من جابر. أقول: ولكن يشهد له حديث طلحة الذي بعده، وحديث أبي قتادة الطويل الذي قد تقدم رقم 1336، ولذلك قال الترمذي: وفي الباب عن أبي قتادة، وطلحة. قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بأكل الصيد للمحرم بأساً إذا لم يصده، أو يصد من أجله، قال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب، والعمل على هذا، وهو قول أحمد وإسحاق» ..

بإشارة، أو بسلاح، أو بأمر، أو أُعطي حياً، سُلِّم له حي، هذا لا يجوز، أو صِيد من أجله، فهذه أحوالٌ ثلاثة: الأولى: أن يُصاد لأجله. الثانية: أن يساعد فيه ويشير إليه. الثالثة: أن يكون حياً. فهذه الثلاث لا يحل للمحرم. أما ما غير هذه الثلاث، فلا بأس إذا صاده الحلال، وليس له نية أن يعطيه المحرم، ولم يساعده المحرم، ولم يعطه إلا قطعةً من الصيد، ما أعطاه حيواناً حيَّاً فلا بأس (¬1). ¬

(¬1) قبل الآخر من الشريط الحادي عشر، الوجه الثاني، سُجّل في درس الشيخ - رحمه الله - في 21 - / 7/ 1409هـ.

6 - كتاب البيوع

6 - كتاب البيوع 259 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فِإنْ خَيَّر أحدُهُمَا الآخرَ (¬1)، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ واحدٌ مِنْهُمَا الَبْيعَ، فَقَدْ وَجَبَ الَبيْعُ (¬2)» (¬3). 260 - عن حَكيم بنِ حزامٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ــ أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا ــ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (¬4). 69 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الصحيحان في شأن الخيار في البيع، من طريق ابن عمر - رضي الله عنهما -، وهو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، ومن طريق حكيم ابن حزام القرشي المعروف رضي اللَّه عن الجميع يدلان على أن البيعين ¬

(¬1) «فإن خَيَّر أحدُهما الآخَرَ» ليست في نسخة الزهيري، وهي عند مسلم، برقم 1531. (¬2) «وإنْ تفَرَّقَا بعدَ أن تَبَايَعا ولمْ يترُكْ واحدٌ منهما البيعَ، فقدْ وجبَ البيعُ» ليست في نسخة الزهيري، وهي عند البخاري، برقم 2112، ومسلم، برقم 44 - (1531). (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا خيّر أحدهما صاحبه بعد البيع، برقم 2112، ومسلم، كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، برقم 1531، واللفظ له. (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا، برقم 2079، واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان، برقم 1532.

بالخيار، والبيع معروف: مبادلة مالٍ، بمالٍ يقال له بيع. مبادلة المال بالمال، أو كان المال عيناً، أو منفعةً، يسمى بيعاً في لغة العرب, كما قال اللَّه تعالى: ژوَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ژ (¬1) أي التبادل تبادل المال بشروط منها: الرضا, والملك, والرشد إلى غير هذا من شروط البيع المعروفة، فإذا تمت شروطه فهو صحيح، ولصاحبه الخيار، والمشتري كذلك ما لم يتفرقا ما داما في المجلس، فإذا تم البيع بينهما في أرضٍ مثلاً، أو سيارة، أو حيوان: بعير، أو فرس، أو غير ذلك، تم البيع بينهم، اتفقوا على الثمن، وانتهى البيع، كل واحد بالخيار ما داما في المجلس، ما داما في البيت، محل البيع في المجلس الذي في السوق، في المجلس الذي في الطريق، واقفين في السيارة، كل واحد بالخيار، في الطائرة، كل واحد بالخيار، إلا إذا تفرقا لزم البيع، إذا راح (¬2) كل واحد والآخر مشى، أو خرج أحدهما من البيت، أو تفرقا من البيت، أو نزلوا من الطائرة، أو واحد خرج لشأنه، أو خرج من السيارة، أو كل واحدٍ راح في جهة، تم البيع، لزم البيع، وما داما في محل البيع، أو في الطيارة، أو في ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 275. (¬2) هكذا في كلام الشيخ: راح، وفي النهاية في غريب الحديث والأثر أثناء كلامه عن حديث: (راح يوم الجمعة): 1/ 38، مادة (راح): «أي مشَى إليها، وذَهَب إلى الصلاة، ولم يُرِد رَواحَ آخِر النَّهار، يقال: راح القومُ، وتَرَوَّحُوا: إذا ساَرُوا أيّ وقْت كانَ».

السيارة ما نزل أحد، كل واحد بالخيار، [يريد أن يترك البيع فله ذلك] (¬1)، ولو قد تم البيع، إذا قال: أنا هونت، ما طابت نفسي من البيع، سواء كان البائع أو المشتري، له الخيار. لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حتى يتفرقا»، وهذا الذي عليه المحققون من أهل العلم، وهو صريح الأحاديث، فيه هذان الحديثان، وفيه أحاديث أخرى: حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص، وغيره. إلا إذا خيَّر أحدهما الآخر، ولهذا قال: «ما لم يتفرقا، أو يخير»، فإذا خير أحدهما الآخر، قال: ترى ما بيننا خيار الآن، إذا خير أحدهما الآخر تم البيع، تعاقدوا: وقال يا فلان، ما بيننا خيار الآن، ثبت البيع ما فيه خيار, فليس فيه خيار, إذا أسقطاه بينهما، وقال أحدهما للآخر: ما فيه خيار من الآن, قال: نعم، أنا موافق ما فيه خيار، تم البيع، ولو ما تفرقا؛ لأن المقصود أن الإنسان قد يستدرك، وقد يبدو له شيء، فإذا جزم بإسقاط الخيار، والآخر جزم بإسقاط الخيار، فالمعنى أنهم قد تأكدوا أن الصفقة صالحة، ولكل واحد ما عليه غضاضة في ذلك. ثم حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدق، والبيان، وعدم الكذب، وعدم الخيانة، قال: «فإن صدقا ــ أي في بيعهما ــ وبيّنا بورك لهما في بيعهما»، أي إن صدقا في ما قالا، هذا يقول: السلعة طيبة، وتراها كذا، وصفتها كذا، والآخر يقول: الثمن كذا، وصفته كذا، ولا كذبا، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ: يبغى يهوِّن يهوِّن.

48 - باب ما ينهى عنه من البيوع

كل واحد يبين الحقيقة، ويبين إن كان فيه عيوب بينها، فهذا من أسباب البركة، إذا أخبر كل واحد بالحقيقة. قال: ترى السيارة فيها كذا، ترى الناقة فيها مرض صفته كذا، ترى البيت الذي بيننا فيه [...] (¬1) الجدار الفلاني فيه عيب بيّن، ما أراد ما غشه، إذا بيَّن صدق في ذلك، فهذا من أسباب البركة للبائع والمشتري، من أسباب البركة للمشتري في البيع، ومن أسباب البركة للبائع في الثمن. وإن كتما: يعني كتما بعض العيوب: البائع كتم العيب الذي في المبيع، أو المشتري كتم العيب الذي في الثمن، أو كذبا، مثل قوله: هذه السيارة عليَّ بعشرين ألف، وهي عليه بخمسة عشر، كذب، أو قال: إنها سليمة، وهي ليست سليمة (¬2)، (¬3). 48 - باب ما يُنهى عنه من البيوع (¬4) 261 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ (¬6)، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين فيه: «دفينه، ريال كل سنة، عشرة أخر كل سنة، مائة ريال كل سنة ...»، ولا يؤثر حذف ذلك في المعنى. (¬2) آخر الوجه الثاني من الشريط الحادي عشر، سجِّل في 21/ 7/ 1409هـ. (¬3) في آخر الشريط سقطٌ لا يؤثر في المعنى. (¬4) في قراءة القارئ على الشيخ: «باب ما نهى اللَه عنه من البيوع»، وفي نسخة الزهيري: «باب ما نهي عنه من البيوع». (¬5) في نسخة الزهيري: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬6) في نسخة الزهيري: «قبل يقلبه» بدون: أن، ولفظ المتن في البخاري، برقم 2144.

أَوْ يَنْظُرَ إلَيْهِ وَنَهَى عَنِ الْمُلامَسَةِ، وَالْمُلامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ (¬1) الثَّوْبَ لا يَنْظُرُ إلَيْهِ» (¬2). 262 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا الإبلَ (¬3) والْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعاً مِنْ تَمْرٍ» (¬4). وفي لفظٍ: «وهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاثَاً» (¬5). 70 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه جملة أحاديث تتعلق بما نهى اللَّه عنه من البيوع، في البيوع المنهي عنها، ذكر المؤلف منها جملة ليَعْلمها المؤمن، ويبتعد عنها. ¬

(¬1) «الرجل»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 5820. (¬2) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الملامسة، برقم 2144، واللفظ له، إلا كلمة «الرجل»، ومسلم، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة، والمنابذة، برقم 1512. (¬3) في نسخة الزهيري: «ولا تصروا الغنم» ولم تذكر الإبل، ولفظ: «ولا تصروا الإبل والغنم» في البخاري، برقم 2148، ومسلم، برقم 11 - (1515). (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل، برقم 2148، ورقم2150، واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، برقم 1515، وقوله: «ولا تصروا الإبل والغنم»، كلمة الإبل في مسلم، وليست في البخاري. (¬5) رواه مسلم، كتاب البيوع، باب حكم بيع المصراة، برقم 24 - (1524).

واللَّه جل وعلا إنما ينهى عباده عما يضرهم، ويأمرهم بما فيه مصلحتهم، وهو الحكيم العليم جل وعلا، فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه، فأوامره على المصلحة والخير والحكمة، ونواهيه كذلك، ومن ذلك حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري - رضي الله عنه - وعن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه نهى عن المنابذة والملامسة في البيع»، والمنابذة والملامسة فيها غرر؛ ولهذا نُهي عنها, والمنابذة: معناها: يقول: أي ثوب نبذته إليك فهو عليك بكذا، أو أي ثوب نبذه إليك فلان فهو عليك بكذا، أو أي عباءة، أو أي إناء، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه غرراً ما قلَّبه، وما نظر إليه؛ لأن البيع يحتاج إلى نظر وتأمل، حتى لا يُغبن، حتى لا يشتري إلا على بصيرة، فإذا قال: أي ثوب نبذته إليك، أو طرحته إليك، أو طرحه لك فلان، أو نبذه لك فلان، أو أي ثوب لمسته، أو لمسه فلان ملامسة، فهو عليك بكذا! لا يصلح، لما فيه من الغرر، وعدم التثبت في الأمر، واللَّه سبحانه أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم، فمن رحمته لهم وإحسانه إليهم: أن نهاهم عما يضرهم, فالمشتري ينظر، ويتأمل المبيع، حتى يُقدِم على بصيرة؛ فلهذا نهى عن الملامسة، والمنابذة، لما فيها من الغرر، والجهالة، والإقدام على غير بصيرة. وهكذا في الحديث الثاني: حديث أبي هريرة، في النهي عن خمسة أشياء:

[1]- عن تلقي الركبان. [2]- وعن بيعهم بعضهم على بيع بعض. [3]- وعن بيع الحاضر للبادي. [4]- وعن التناجش. [5]- وعن التصرية، وهي التحيين (¬1)، تحيين اللبن. العوام يسمونها محيَّنة، يعني مصراة. فتلقي الركبان؛ لأن فيه غرراً على القادمين، وخداعاً لهم، يتلقون الركبان الذين يقدمون بالميرة (¬2): التمر، والحبوب، والدهن، وغير ذلك, لا يجوز تلقيهم والشراء منهم في الطريق؛ لأنه يخدعهم في الغالب، يخدعهم يقول: السعر رديء، والسعر كذا، والسعر كذا، يخدعهم فلا يتلقون، فإن تلقوا، وباعوا، وقدموا البلد، فلهم الخيار، إذا رأوا أنهم مغبونون، كما جاء في الحديث الصحيح, حتى يتلافوا ما غُلبوا به، وهذا من رحمة اللَّه أيضاً بالوافدين والقادمين، حتى لا يخدعهم أهل البلد، وينبغي له أن لا يبيعَ عليهم حتى يقدموا البلد، حتى ينظروا في الأسواق، حتى لا يخدعوا، فإن باعوا، ثم هبطوا الأسواق، ووجدوا أنهم مغبونين فلهم الخيار. والثانية: لا يبع بعضكم على بيع بعض، وهذا لأنه يُكسب ¬

(¬1) التحيين: تحينوا نوقكم: حين، أي احتلبوها في حينها المعلوم. الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، 1/ 340، مادة حين. (¬2) الميرة: هي الطعام، ونحوه مما يجلب للبيع، ولا يؤخذ منها زكاة؛ لأنها عوامل، يقال: مارهم يميرهم: إذا أعطاهم الميرة. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 379، مادة (مير).

الشحناء بين الناس والبغضاء، فلا يجوز أن يبيع بعضهم على بيع بعض, فإذا باع الإنسان سلعةً مثلاً على أخيه بمائة ريال، فلا يجوز لشخص آخر يقول له: أنا أعطيك هذه السلعة بتسعين ريالاً، حتى يبيع على بيع أخيه، حتى يهوِّن؛ لأن هذا يُكسب الشحناء والعداوة «دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض» (¬1). وهكذا لا يشتري على شرائه يروح للبائع، ويقول: أنا آخذها بأحسن من فلان، أو أعطنيها بدلاً من فلان، يهون من بيعه على فلان، ويبيعه عليه كذلك، هذا مما يسبب الشحناء والبغضاء, الإسلام جاء إلى الدعوة بالتحابّ في اللَّه، والتعاون على الخير والألفة، وعدم التهاجر، والتباغض؛ ولهذا في الحديث الآخر: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد اللَّه إخواناً» (¬2). والثالثة: النهي عن بيع الحاضر للبادي: إذا قدموا بالميرة، بالتمر، والحبوب، والدهن، وغير ذلك، مما يَقدَم به البوادي، لا يبيع لهم الحاضر، يدعهم يبيعون هم، حتى يكونوا أرخص للناس، وأرفق بالناس. لا يقول: أنا أبيع لكم، حتى يشدد على الناس في التسعير، ¬

(¬1) مسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، برقم 1522. (¬2) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، برقم 2564.

ويغلي عليهم، لا، «دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض» (¬1)، فلا يبيع للبوادي القادمين بالسلع، وإن كانوا غير بوادي، إذا قدم بالإبل، أو بالبقرة أو بالدهن، أو بالحبوب إلى السوق، قدم مثلاً من الدوادمي إلى الرياض، من الخرج، من الحوطة إلى الرياض، أو إلى مكة، أو إلى المدينة، يبيعون سلعهم، لا يقوم الحاضر يبيع لهم، و [يقول] (¬2) نبيع لكم، وأنا أتولى لهم البيع؛ لأن هذا يضر الناس، الحاضر يعرف الأسعار معرفةً تامة، وربما شدد على الناس، فليدع البادي، أو القادم هو الذي يتولى البيع بما قسم اللَّه له. الرابعة: «ولا تناجشوا»: التناجش كونه يزيد في السلعة، وهو لا يريد الشراء، هذا يزيد، وهذا يزيد، وهو ليس قصده الشراء، قصده ينفع البائع، حتى يزيد في الثمن، أو قصده أن يؤذي المشتري، إذا كان يعرف أن هذا سيشتريها، أراد أن يُغلّيها عليه، أو يعبث، [ليس] (¬3) له شغل: يعبث، يلعب، ما يجوز, لا يزيد إلا إذا كان بيشتري، أما كونه يزيد [وهو لا يريد أن يشتري، فلا يجوز له] (¬4)؛ لأن هذا يضر الناس، يضر المشترين، يصدقونه، ويزيدون مثل ما زاد، يحسبونه صادقاً، فلا يزيد إلا إذا كان له نية الشراء، أما بنية ¬

(¬1) مسلم، برقم 1522، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 262. (¬2) ما بين المعقوفين أضفته للتوضيح. (¬3) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ: «ما». (¬4) ما بين المعقوفين أصل كلام الشيخ فيه: «وهو ما هوب شاري».

الخداع، وإيذاء المشترين، أو نفع البائع، هذا لا يجوز. والخامسة: «ولا تصروا الإبل، والغنم»: وهكذا البقر لا تُصروا, والتصرية: كونه يخلي فيها لبن وجبة أخرى، حتى يظن المشتري أن لبنها [كثير] (¬1)، إذا أراد أن يبيعها في الصبح خلَّى لبن الليل مع لبن الصبح، حتى يصير اللبن كثيراً, ويقول: هذا لبن الصبح، يكذب عليه، ويقول: هذا لبن الصبح، فيشترونها على أن لبنها كثير، وهو خادعهم, هذا يقال له: التصرية، ويسميه بعض العامة التحيين، محيّن. فإذا اشترى وتبين له أنها مصراة، له الخيار ثلاثة أيام، إذا تبيَّن له أنها مُصراة، يردها وصاعاً من تمر عن اللبن الذي حلب منها، الذي دخلت عليه به ردها، وصاعاً من تمر، بدلاً من اللبن الذي أخذه منها، حين دخلت عليه، جعل له الخيار ثلاثة أيام؛ لأنه قد يتغير لبنها، فإذا صبر ثلاثة أيام، قد يرجع لبنها إلى حالته الأولى إذا كان صادقاً، فإن اعترف أنه مُصريها، فلا يحتاج أن يردها [بعد ثلاثة أيام]، له الخيار في الرد في الحال. 263 - وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ (¬2) يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا» (¬3). ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ: «واجد». (¬2) في نسخة الزهيري: «وكان بيعاً»، وهو في البخاري، برقم 2143. (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الغرر وحبل الحبلة، برقم 2143، بلفظه، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع حبل الحبلة، برقم 1514.

«قِيلَ: إنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الشَّارِفَ ــ وَهِيَ الْكَبِيرَةُ الْمُسِنَّةُ ــ بِنِتَاجِ الْجَنِينِ الَّذِي فِي بَطْنِ نَاقَتِهِ» (¬1). 264 - وعنه - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ (¬2)» (¬3). 265 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، قِيلَ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: «حَتَّى تَحْمَرَّ» قَالَ: «أَرَأَيْتَ إذا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟» (¬4). ¬

(¬1) قلت: هذا من كلام المؤلف، وليس من الحديث كما ذكره الشيخ الأرنؤوط محقق عمدة الأحكام. (¬2) في نسخة الزهيري: «نهى البائع والمشتري»، وهي في رواية مسلم، برقم 1534. (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، برقم 2194، ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، برقم 1534، وفيهما جميعاً كلمة «بيع الثمار»، لا «بيع الثمرة»، إلا أنها وردت فيهما في روايات أخرى، فلفظ البخاري الآخر، برقم 2197: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ»، ولفظ مسلم، برقم 1554: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ»، قَالُوا: وَمَا تُزْهِيَ؟ قَالَ: «تَحْمَرُّ»، فَقَالَ: «إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟»، وفي مسلم، برقم 1555: «نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو، فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: «تحمرّ، وتصفرّ أرأيت إن منع اللَّه الثمرة بما تستحلّ مال أخيك». (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، برقم 2198، ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع، برقم 1555، وألفاظهما فيها اختلاف عما في المتن، انظر: الحاشية السابقة.

71 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق ببعض البيوع التي نهى عنها الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ لما فيها من الغرر والخطر. والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها. فالأول عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن بيع حبل الحبلة، وهذا البيع يبتاعه أهل الجاهلية، وهو يُفسَّر بأمرين: أحدهما: أنه يبيع الناقة إلى أجل مجهول، فيبيع هذا البعير، أو هذه الناقة إلى أن تنتج الناقة الفلانية، ثم يُنتج الذي في بطنها، فهومعنى إلى أن تلد هذه الناقة، ثم تحمل البكرة التي ولدتها، وتُنتَج، وهذا أجلٌ لا يُدرى متى ينتهي، ولا يدرى متى يحصل، فهو جهل كبير، وهذه الصيغة صيغة المجهول تُنتَج، والمراد بها صيغة الفاعل بمعنى تنتِج، لكنها جاءت عن العرب بصيغة المجهول تُنتَج، ويبيع الناقة إلى أن تنتج الناقة المعينة ما في بطنها، ثم يُنتج الذي في بطنها بعد ذلك، وهذا أجل مجهول. والثاني كأن يبيع الناقة الكبيرة المسنة بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته، يصير الثمن معدوماً مجهولاً، وهذا أيضاً لا يجوز، لأنه غرَرٌ منهي عنه، وهذا غرر عظيم، كونه يبيع ناقة موجودة بنتاج الجنين، الذي في بطن أمه، حتى نفس الحمل مجهول، فكيف بنتاجه، والصور تصير أربعاً كلها منهيٌ عنها: الصورة الأولى: أن يبيع الناقة إلى أن تُنتَج الناقة الأخرى، هذا

أجل مجهول. الصورة الثانية: أن يبيعها إلى أن تُنتج، ثم ينتج الذي في بطنها، هذا أشد في الجهالة. الصورة الثالثة: أن يبيع الناقة بنتاج ناقته الأخرى. الصورة الرابعة: أن يبيعها بنتاج النتاج، وهو أشد في الجهالة والغرر. والحديث الثاني والثالث: النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، لا يبيع حتى يبدو صلاحها لتأمن العاهة، وفي اللفظ الآخر: «حتى تُزهي» , قالوا: وما تزهي؟ قال: «تحمارّ وتصفارّ». ثم بين العلة قال: «أرأيت إن منع اللَّه الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه؟!» فلا يبيع ثمرة النخل، إلا إذا بدا صلاحها، ولا ثمرة العنب إلا إذا بدا صلاحها، ولا الزرع إلا إذا اشتد واستوى، إذا كان بشرط البقاء. أما إذا باع الزرع ليُحصد في الحال، أو باع الثمرة تقطع في الحال، البُسر فلا بأس لعدم الغرر، أما إذا باعها، وهي توَّها (¬1) على أن تبقى في رؤوس النخل حتى تستوي، هذا لا يجوز، لأنه قد يعتريها عارض، قد يصيبها عارض. فلا تباع حتى يبدو صلاحها، حتى تعين، يصير فيها رطب، تأمن العاهة، وهذا معنى حتى تُزهي: تحمارّ وتصفارّ، يعني ينقلب لونها، حتى يوجد فيها رطب؛ ولهذا تأمن العاهة، فلا بأس في هذه الحالة ¬

(¬1) توَّها: أي لم يبدُ صلاحها.

أن يبيعها، والمشتري يحل محل البائع، يأكل الرطب يوماً بعد يوم، حتى ينتهي على عادة الناس، أما إذا باعها قبل أن تستوي فلا يجوز؛ لأنه في هذه الحالة معرض للخطر، قد تنزل بها عاهة فيندم. 266 - وعن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قَالَ: «فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً» (¬1). 267 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابَنَةِ، أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ، إنْ كَانَ نَخْلاً، بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ (¬2) كَرْماً: أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَ (¬3) إِنْ كَانَ زَرْعاً، أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ. نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ» (¬4). 268 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - قال: «نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ ¬

(¬1) رواه البخاري، كاب البيوع، باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر، وهل يعينه أو ينصحه، برقم 2158، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، برقم 1521، واللفظ لمسلم. (¬2) في نسخة الزهيري: «وإن كان»، وهي في البخاري، برقم 2205. (¬3) في نسخة الزهيري: «أو كان زرعاً»، ولفظ المتن في البخاري، برقم 2205 بلفظه. (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام، برقم 2171، بلفظه، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، برقم 76 - (1542)، واللفظ له، ولفظ البخاري: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالكَرْمِ كَيْلًا».

صَلاحُهَا، وَأَنْ لا تُبَاعَ إلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إلاَّ الْعَرَايَا» (¬1). المحاقلة: الحِنْطَة في سُنْبُلِها بحنطة (¬2). 72 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث في بيان بعض البيوع التي نهى عنها الرسول - عليه الصلاة والسلام -؛ لما فيها من الغرر، أو الغبن على البائع، أو المشتري؛ ولهذا نهى - عليه الصلاة والسلام - عن كل ما يضر المتبايعين، أو يوقعهما في الغرر أو في الربا. حديث ابن عباس نهى - عليه الصلاة والسلام - عن تلقي الركبان، وأن يبيع حاضر لباد. تلقي الركبان؛ لأنه قد يُسبب غلطاً على البائعين، قد يُخدعون، قد يُشترى منهم الشيء بأقل من قيمته، فيحصل عليهم الضرر، لأنهم لا يعرفون الأسواق، فيتلقاهم قبل أن يهبطوا الأسواق، فيخدعهم، فيشتري منهم برخص؛ فلهذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي الركبان، وتقدم حديث أبي هريرة عن تلقي الجلب، وأمر أن يتركوا حتى يهبطوا الأسواق، وجعل لهم الخيار إذا هبطوا الأسواق، فلهم ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المساقاة (الشرب)، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل، برقم 2381، واللفظ له، إلا كلمة الثمرة، فهي فيه: «الثمر»، ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن المحاقلة والمزابنة، وعن المخابرة، وبيع الثمرة قبل بُدو صلاحها، وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين، برقم 81 - (1536)، كلاهما فيه لفظ: «الثمر»، و «ليس الثمرة». (¬2) في نسخة الزهيري: «المحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بصافية».

الخيار، قال العلماء: يعني إذا هبطوا الأسواق، ورأوا أن هناك غبناً فلهم الخيار؛ لأنه غبنهم، فإذا سمع بأنه قد جاء أُناس يبيعون أقطاً، أو تمراً، أو إبلاً، أو غنماً، فذهب يتلقاهم قبل أن يصلوا، فهم بالخيار إذا غُبِنوا، إذا وصلوا الأسواق، وعرفوا أنهم غبنوا؛ فلهم الخيار، فهذا من أجل دفع الضرر عن البائعين. وأما بيع الحاضر للبادي، وهذا لدفع الضرر عن المشترين؛ لأنه إذا تولى الحاضر للبادي أغلى الأسعار، وشق على المبتاعين على المشترين؛ لأنه يعرف الأسعار، وربما دقّق عليهم، وشدّد عليهم إذا كان سمساراً، والسمسار هو الدلاّل، فلا يبيع الحاضر للبادي، فإذا قدموا يبيعون لأنفسهم، لا يتولى الحاضر البيع لهم، بل يبيعون بأنفسهم، لكن لا مانع أن يستشيروا الحاضر في البيع، لا بأس، أما إنه هو الذي يتولَّى البيع، ويكون هو السمسار فلا, والحكمة في ذلك أنه يضر المشترين؛ لأنه يعرف الأسواق، ويعرف ثمن المبيعات، فلا يكون فائدة للناس من هذا الجلب، والجلب ينفع اللَّه به الناس إذا باعوا بأنفسهم، يكون أرخص من بيع الحاضر، وينتشر الرخص في الأسواق، وتنزل الحاجات التي تُجلب بسبب هؤلاء، فإذا تولى الحاضر البيع لهم، شدّد، ودقّق في الحساب، فلم تحصل فائدة لأهل البلد من هذا الجلب. والحديث الثاني حديث ابن عمر في النهي عن بيع المزابنة، والمزابنة: أن يُباع الشيء الذي على رؤوس النخل، أو الزروع التي

لم تُحصد، أو العنب، بأشياء موجودة مكيلة؛ ولهذا قال: يبيع ثمرة نخل بتمرٍ كيلاً، وإن كان زرعاً بكيل طعام، وإن كان فاكهة كالعنب مثلاً بزبيب كيلاً، وهو الكرم، فلا يباع هكذا؛ لأنه لا يحصل التماثل، فالحب المكيل، والتمر المكيل، والزبيب المكيل ما يتماثل مع ما في رؤوس النخل، أو الزرع، بل يكون بينهم مخالفة وتفاوت، والشيء لا يباع بمِثله إلا مِثلاً بمثل، سواءً بسواء، فلا يباع التمر بالتمر، إلا مِثلاً بمِثل، ولا يباع الحب بالحب إلا مِثلاً بمِثل، ولا يباع الزبيب إلا مِثلاً بمِثل؛ فلهذا يقال لها: مزابنة، أي الزبن، وهو الدفع، وهو أن يبيع شيئاً مجهولاً بشيءٍ معلوم، هذا ضابطه أن يبيع شيئاً مجهولاً من الربويات بمثله معلوماً، فيحصل بهذا تحقق التفاضل، أو جهل التماثل، فلا يصح، فلا يباع شيء من الحبوب بمِثله، إلا سواء بسواء، كيلاً بكيل، ولا شيء من التمور بمثله إلا سواء بسواء، كيلاً بكيل، ولا من الزبيب بمثله إلا كيلاً بكيل، فإذا باع الثمر، أو الزرع، أو الكرم بشيء مكيل لم يحصل التماثل؛ ولهذا منع. وهكذا الحديث الأخير في النهي عن بيع الحبوب والزبيب وغيرها إلا العرايا، فالعرايا لا بأس أن يبيع ثمراً بخرصه تمراً، فلا بأس، لأنه عند الحاجة يكون الخرص قائماً مقام الكيل، فإذا باع الثمرة في رؤوس النخل رطباً بخرصها تمراً؛ لمسيس الحاجة إلى التمتع بالرطب، فلا بأس مثلاً بمثل، فيكون الخرص حينئذ قائماً مقام الكيل للحاجة، هذا بيع مستثنى فقط، وهو العرايا فيما دون

خمسة أوسق، لابد أن تكون في أقل من خمسة أوسق، كما في حديث أبي هريرة: «رخص في العرايا فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق»، شكٌّ من الراوي؛ ولهذا قال: لا بد أن يكون دون خمسة أوسق عملاً باليقين، ويكون بخرصها تمراً لا زيادة، ويكون يداً بيد، يسلم له التمر، ويخلي بينه وبين الثمر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد» (¬1)؛ ولقوله في التمر ونحوه: «مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد» (¬2)، فهذا تمر بتمر رُخص فيه للحاجة، وشدة الحاجة، لكن يداً بيد، فهذا بالكيل، وهذا بالخرص، وهذه مسألة مستثناة خاصة، يقال لها: مسألة العرايا. 269 - عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» (¬3). 270 - عن رافع بن خديج - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ. وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» (¬4). ¬

(¬1) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1587. (¬2) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1587. (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ثمن الكلب، برقم 2237، بلفظه، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب في تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، والنهي عن بيع السنور، برقم 1567. (¬4) ليس الحديث عند البخاري، ورواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب في تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، والنهي عن بيع السنور، برقم 41 - (1568).

49 - باب العرايا وغير ذلك

49 - باب العرايا وغير ذلك 271 - عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ، أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا» (¬1). ولمسلم: «بِخَرْصِهَا تَمْراً، يَاكُلُونَهَا رُطَباً» (¬2). 272 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» (¬3). 273 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، أن رسولّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) قال: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا (¬5) لِلْبَائِعِ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» (¬6). ولمسلمٍ: «مَنِ ابْتَاعَ عَبْداً فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المزابنة، وهو بيع التمر بالثمر، وبيع الزبيب بالكرم، وبيع العرايا، برقم 2188، بلفظه، إلا أن في أوله همزة: «أرخص ...»، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالثمر إلا في العرايا، برقم 60 - (1539)، بلفظ: «رخّص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر»،. (¬2) رواه مسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، برقم 61 - (1539). (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة، برقم 2190، واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، برقم 1541. (¬4) في نسخة الزهيري: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) في نسخة الزهيري: «فثمرتها». (¬6) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب من باع نخلاً قد أبرت، أو أرضاً مزروعة، أو بإجارة، برقم 2204، واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر، برقم 1543 بلفظه ايضاً.

الْمُبْتَاعُ» (¬1). 73 - قال الشارح - رحمه الله -: الحديثان الأولان يدلان على تحريم بيع الكلب، وأن ثمنه خبيث، وزجر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، وعن ثمن السِّنَّوْر، وهو القِطّ، فلا يجوز بيع القطّ، ولا بيع الكلب، كما روى مسلم في صحيحه، قال: «زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن السنور والكلب» (¬2)، وهنا قال: «نهى الرسول عن مهر البغي، وثمن الكلب، وحلوان الكاهن». وفي حديث رافع: «ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ. وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ»، هذا يدلّ على تحريم هذه المكاسب الخبيثة، التي هي ثمن الكلب، وثمن القط، كما تقدم، ومهر البغي، والبغي هي الزانية، ما تُعطاه في مقابل الزنى، يقال له مهر، ويقال له أجر، وهذا حرام؛ لأنه في مقابل الحرام، وما كان في مقابل الحرام يكون حراماً, فالزنى حرام، وما يدفع إليها في مقابل ذلك حرام، ومنكر، وسحت، هكذا حلوان الكاهن، وحلوان الكاهن ما يُدفع إليه ليخبر عن المغيَّبات, المشعوذين يُعطون ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر، أو شِرْبٌ في حائط، أو في نخل، برقم 2379، بلفظ: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبداً، وله مال، فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع»، ومسلم كتاب البيوع، باب من باع نخلاً عليها ثمر، بلفظ قريب من لفظ البخاري، برقم 80 - (1543). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، والنهي عن بيع السنور، برقم 1569، ولفظه: «عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ».

فلوساً، حتى يُخبِّروا [عن ماذا يصير، وما لا يصير، فالمال الذي يُدفَع إليهم حرام] (¬1)؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سؤال السحرة، والكهنة، والعرافين، وعن تصديقهم، فما يدفع إليهم بسبب أخبارهم التي يدَّعونها عن المغيبات، كله منكر، والثمن حرام؛ فلا يجوز أن يدفع إليهم مال، ولا يجوز أن يسألوا، ولا يُصدقوا أيضاً، ولو بغير مال. النبي - عليه السلام - قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (¬2) , وسُئل عن الكهان قال: «لا تأتوهم ليسوا بشيء» (¬3) , وقال: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - عليه الصلاة والسلام -» (¬4). فهؤلاء يدّعون علوم الغيب، ويدعون معرفة المغيبات، هؤلاء لا يؤتون، ويعرف من حالهم، أو من فحوى كلامهم، ومن عاداتهم، ما ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أصل كلام الشيخ: «عن ويش يصير كذا، ويش يصير كذا، أنا باتزوج، كوني أبسط، أو ما أبسط، ويش جرى لكذا، ويش صار في كذا، مرضي كذا، ويش أسباب كذا، من هؤلاء المشعوذين هذا المال الذي يدفع إليهم حرام». (¬2) مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2230. (¬3) البخاري، كتاب الأدب، باب قول الرجل للشيء: ليس بشيء، وهو ينوي أنه ليس بحق، برقم 6213، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، برقم 2228، ولفظه: «قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها -: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الحق يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كَذْبَةٍ». (¬4) مسند أحمد، 15/ 331، برقم 9536، وكتاب السنة للخلال، 4/ 117، برقم 1302، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 8/ 246، ومسند ابن الجعد، ص: 289، برقم 1950، وحسنه محققو المسند، 15/ 331، وقال الصنعاني في فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، 3/ 1714: «صحيح الإسناد، وقال العراقي في أماليه: حديث صحيح».

يدلّ على أنهم يدّعون علم الغيب، أو استخدام الجن، هؤلاء لا يُسألون، ولا يُصدَّقون، ولا يُعطَوْن فلوساً، وكذلك الفلوس التي يُعطَونها، ويأخذونها حرامٌ عليهم، الواجب أن يزجروا، ويُمنعوا، ويستتابوا، فإن تابوا، وإلا وجب قتلهم إذا لم ينزجروا إلا بذلك، تعزيراً لهم حتى لا يقع فسادٌ في الأرض والذي يصرُّ على دعوى علم الغيب يكون كافراً، نسأل اللَّه العافية؛ لأن اللَّه - عز وجل - يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} (¬1)، أما كسب الحجام، فهذا (¬2) سُمِّي خبيثاً [...] (¬3) كالبصل (¬4)، والكراث، فهو خبيث لما فيه من الرائحة الكريهة، والحجام كسبه خبيث؛ لما فيه من الدناءة؛ لكونه في مقابل استخراج الدم، فيه نوع الخبث لكن، لا يكون حراماً، ليس من جنس مهر البغي، ولا من جنس حلوان الكاهن، ولا من جنس ثمن الكلب؛ لأنه له خصوصية: خبثه، ورداءته، كسب رديء، ولكن ليس بحرام، مثل ما قال النبي في الثوم والبصل: «إنهما شجرتان خبيثتان» (¬5)، فالحاصل أنه ينبغي أن يكون في غير ¬

(¬1) سورة النمل، الاية: 65. (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط الثاني عشر، سُجِّل في 25/ 7/ 1409هـ. (¬3) ما بين المعقوفين سقط يسير لا يؤثِّر على المعنى. (¬4) أول الوجه الثاني من الشريط الثاني عشر. (¬5) روى مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثوماً، وبصلاً، أو كراثاً، أو نحوها، برقم 567، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال وهو على المنبر: «.... ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَاكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ، لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ، هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ، فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا».

المأكل والمشرب. وقد حجم النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له أبو طيبة، وأعطاه أجره على الحجامة (¬1)، ولو كان حراماً لم يُعطه - عليه الصلاة والسلام -. أما حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة في العرايا، هما يدلان على جواز العرايا، والعرايا مثل ما بينها زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه رخص في بيع العرية أن تؤخذ بخرصها تمراً يأكله أهله رطباً، وهكذا حديث أبي هريرة أن الرسول رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق، أو فيما دون خمسة أوسق، والصواب فيما دون؛ لأنه للشك: العلماء أخذوا فيما دون، لأن الراوي شك: هل قال خمسة، أو دون، فيؤخذ بالاحتياط، ويكون شرط ذلك أن يكون دون خمسة أوسق، والوَسق ستون صاعاً بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمعنى أنه لا بأس في العرايا في أقل من ثلاثمائة صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي أن يكون الإنسان عنده تمر، ولا يكون عنده نقود، في الغالب ما يتيسر له الشراء بالنقود، فيشتري ثمر نخلة، أو نخلتين بالخرص، ويسلم لهم تمراً مقابل ذلك، فإذا خرصوا النخلة مثلاً عشرين صاعاً، أعطاه عشرين صاعاً من التمر، خرصوها ثلاثين، أعطاهم ثلاثين مثلاً بمثل، لكن هذا بالكيل، والرطب يكون بالخرص بما يؤول إليه ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب البيوع، باب ذكر الحجام، برقم 2102، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب حل أجر الحجام، برقم 1577: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ».

تمراً، تخرص هذه النخلة، أو النخلات بما تؤول إليه إذا أتمرت، ويؤخذ مقابلها من صاحب العريَّة من صاحب المال الذي يريد الشراء، يأخذها مقابلها تمراً أصواعاً بأصواع، مثلاً بمثل هذه العرايا. وشرطها أن يكون في أقل من خمسة أوسق، وشرطها أن يكون يداً بيد، هذا يسلم التمر، وهذا يخلي بينه وبين النخلة، أو النخلات، ويكون بالخرص خرصه تمراً، وإذا كان يستطيع النقود ينبغي أن يشتري بالنقود، ويدع هذا الأمر المشتبه، يشتري بالنقود حتى يكون أبعد له عن الشبهة. حديث ابن عمر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ»، إذا باع نخلاً قد لُقحت، التأبير: التلقيح، فالثمرة للبائع؛ لأنها قد ظهرت فتكون للبائع، تبقى على حساب البائع إلى أن تنضج، ثم يأخذها البائع مشروطة على المشتري، إلا أن يشترط المبتاع، يقول المبتاع ترى الثمرة لي، فإذا شرطها المبتاع فهي للمشتري إذا شرطها، وإلا فالأصل أنها بعد التأبير تكون للبائع، أما قبل التأبير فللمشتري إذا باع النخل قبل أن يؤبر، ولو كان قد أطلع لكن ما بعد شق، وما بعد أبر، يكون للمشتري، فإن كان أُبر فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع المشتري إذا اشترط، قال: ترى النخل والثمرة لي، إذا اشترط هذا على البائع، تكون الثمرة له مع الأصل، هكذا من باع عبداً له مال، فماله للبائع إلا أن يشترط المشتري، فإذا باع عبداً له مال، باع عبداً له فرس، له

سلاح، فهي للبائع، ما تكون تبعه تكون للبائع، إلا أن يشترطه المشتري، قال: ترى فرسه معه، ترى سلاحه معه، إلا الثياب العادية، الثياب التي يلبسها الشيء الذي يتبعه عادة، هذا يكون تبعه الملابس العادية، تكون تبعاً له، سواء ثياب جمال أو غيرها، تكون تبعاً له، أما المال الذي ليس مما يتبعه في العادة كالسلاح: مثل المطية، مثل الفرس، مثل أثاث البيت، هذا يكون للبائع، إلا أن يشترطه المشتري إذا شرطه، فهو له، فالمسلمون على شروطهم. 274 - وعنه بأنَّ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» (¬1). وفي لفظٍ «حَتَّى يَقْبِضَهُ» (¬2). وعن ابن عباس مثله (¬3). 275 - وعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه -، أنه سمع رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول وَهُوَ بِمَكَّةَ (¬4) عَامَ الْفَتْحِ: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب الكيل على البائع والمعطي، بلفظه، برقم 2126، ومسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، برقم، 1526. (¬2) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحُكرة، برقم 2133، ومسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، برقم 36 - (1526). (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام، برقم 2132، بلفظ: «أن رسول الَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الرجل الطعام حتى يستوفيه»، ومسلم، كتاب البيوع، باب بطلان بيع المبيع قبل القبض، برقم 1525، بلفظ: «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه». (¬4) «وهو بمكة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2236.

وَالأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لا، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ (¬1) شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» (¬2). جملوه: أي (¬3) أذابوه. 74 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها والثاني يتعلق ببيع الطعام، وما في حكمه، نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام إذا اشتراه حتى يستوفيه, يُنهى من اشترى طعاماً أن يبيعه حتى يستوفيه، كما دل عليه حديث ابن عمر، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وجاء في هذا المعنى عدة أحاديث، كلها تدل على أنه لا يجوز بيع الطعام حتى يُستوفى، قال ابن عمر: كنا نضرب على ذلك حتى ننقله من أعلى السوق إلى أسفله (¬4)، وفي اللفظ الآخر: حتى ننقله إلى رحالنا (¬5)، قال ابن عباس: وما أظن إلا غير الطعام مثله, فلا يُباع شيء ¬

(¬1) «عليهم»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4633، ومسلم، برقم 1581. (¬2) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، برقم 2236، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم71 - (1581). (¬3) «أي»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) أخرج الإمام أحمد، 8/ 338، برقم 4716، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ»، وصححه محققو المسند. (¬5) أخرج البخاري، كتاب البيوع، باب من رأى إذا اشترى طعاماً جزافاً أنه لا يبيعه حتى يؤويه إلى رحله، والأدب في ذلك، برقم 2137: عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَبْتَاعُونَ جِزَافًا» يَعْنِي الطَّعَامَ، يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ، حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ».

حتى يُستوفى ويُقبض (¬1)، ويدل على هذا أيضاً حديث زيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (¬2)، وهكذا حديث عبداللَّه بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «لا يحل سلم وبيع ولا بيع ما ليس عندك» (¬3). وحديث حكيم بن حزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تبع ما ليس عندك» (¬4)، هذه كلها تدل على أنه لا يباع المبيع، وأنت ما قبضته، ¬

(¬1) أخرج البخاري عن طَاوُس، قال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، يَقُولُ: أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ» .. (¬2) أخرج أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، برقم 3501، والحاكم في المستدرك، 2/ 40، وصححه، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع، 3/ 13، برقم 36، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: «ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي لَقِيَنِي رَجُلٌ، فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لاَ تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»، وحسنه لغيره الألباني في صحيح أبي داود، برقم 3501. (¬3) أخرج الإمام أحمد، 11/ 253، برقم 6671، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم 3506، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1234، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4611: عن عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وحسنه محققو المسند، 11/ 253، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 5/ 147، برقم 2257. (¬4) أخرج أحمد، 24/ 26، برقم 15311، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، برقم 3503، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، برقم 1232، والنسائي، كتاب البيوع، بيع ما ليس عند البائع، برقم 4613، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن، برقم 2187، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَاتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي الْبَيْعَ، لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ، ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وصححه لغيره محققو المسند، 24/ 26، والعلامة الألباني في إرواء الغليل، 5/ 132، برقم 1292.

لأنه مادام عند البائع، فهو ليس في قدرتك، وهو محل خطر قد تستوفيه، وقد لا تستوفيه، وقد يبدو للبائع أشياء تحول بينك وبين قبضه، فلا تبع حتى تستوفي وتقبض، سواء كان طعاماً، أو غير طعام، وإذا كان الطعام بالكيل حتى يكتال أيضاً، وإن كان بالجزاف حتى يقبض ويستوفى، وهكذا الإبل، والبقر، والغنم، والأموال الأخرى حتى تقبض، بما جرت العادة به، بالعرف الذي تقبض به، بالتخلية كالعقار، والأرض، ونحو ذلك، أو بالنقل، كقبض البعير، وقبض الشاة، وقبض المتاع، وقبض السيارة، يعني حتى تزول يد البائع، وحتى تستقر يد المشتري عليه. وفي حديث جابر بن عبداللَّه - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ» (¬1). خطب الناس يوم الفتح يعني فتح مكة، وبين لهم أن اللَّه حرم بيع الخمر لأنها خبيثة وبيعها إعانةٌ على شربها فاللَّه يقول جل وعلا: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالعُدْوَانِ} (¬2)، وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن في الخمر عشرة: «لعن اللَّه ¬

(¬1) البخاري، برقم 2236، ومسلم، برقم 1581، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 275. (¬2) سورة المائدة، الآية: 2 ..

الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها» (¬1). عشرة، الخمر نفسها معلونة، أي مذمومة وقبيحة ومنكرة وهكذا من ذُكر. لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، والشارب، والساقي, كلهم ملعونون، نعوذ باللَّه, فيجب الحذر من هذا الشراب الخبيث، الذي يغتال العقول، ويسبب الوقوع في أنواعٍ من الشرور بفساد العقل، وكل ما أسكر فهو خمر: من أنواع المشارب والمآكل: الحشيشة، والحبوب المسكرة، وأنواع الأشربة التي تغير العقل، كلها تسمى خمر، قال - عليه الصلاة والسلام -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (¬2). وهكذا الميتة، حرم اللَّه بيعها؛ لأنها لا يجوز أكلها خبيثة نجسة، فلا ¬

(¬1) أخرج الإمام أحمد، 8/ 405، برقم 4787 عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وَسَاقِيهَا، وَبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَعَاصِرُهَا، وَمُعْتَصِرُهَا، وَحَامِلُهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَآكِلُ ثَمَنِهَا»، ولفظ أبي داود، برقم 3676، عن ابْنِ عُمَرَ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»، ولفظ الترمذي، برقم 1295، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ»، ولفظ ابن ماجه، برقم 3380، عن ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا، وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ، وَآكِلِ ثَمَنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا»، وصححه محققو المسند 8/ 405، بطرقه وشواهده، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص: 47، برقم 3371، وصحح حديث أنس في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 297، برقم 2357. (¬2) مسلم، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، برقم 2003.

تباع إلا ميتة السمك، فالجراد كالسمك، يباع حياً وميتاً، وهكذا السمك حياً وميتاً، فهو مباحٌ لنا، كما في حديث ابن عمر: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، فالْمَيْتَتَانِ: الْجَرَادُ، وَالْحُوتُ، وَالدَّمَانِ: الْكَبِدُ، وَالطِّحَالُ» (¬1). والخنزير كذلك هذا النوع الثالث: الخنازير محرم بيعها، وأكلها جميعاً لخبثها، فلا تؤكل، ولا تباع. والأصنام: الصور، لا تباع؛ لأنها تشبيه بخلق اللَّه، ومضاهاة لخلق اللَّه؛ ولأنها من أسباب الشرك، فإن وجود الأصنام، والصور في البيوت، والمنازل وفي متعبدات من أسباب الشرك، ولاسيما إذا كانت من صور المعظَّمين: كالملوك، والرؤساء، وذوي المال، والعلماء، وأشباههم ممن يعظم، فإن المشركين كانوا في غابر الأزمان يعبدون صور ملوكهم، ومعظَّميهم، وهكذا من بعدهم، تبعهم في ذلك إلى يومنا هذا، فلهذا حرّم اللَّه بيع الأصنام كلها، سواء كانت على صور الحيوانات، أو بني آدم، أو الطيور، أو غير ذلك؛ لأن بيعها وسيلة إلى شرٍّ كثير؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون خلق اللَّه» (¬2)، وفي اللفظ ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد، 10/ 16، برقم 5723، والشافعي في مسنده، ص 340، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم 3314، وحسن إسناده محققو المسند، 10/ 16، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 232، برقم 3305. (¬2) البخاري، كتاب اللباس، باب ما وُطئ من التصاوير، برقم 5054، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتاً فيه صورة ولا كلب، برقم 2107، ولفظ البخاري: عن عائِشَةَ - رضي الله عنها - قالت: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَأَىهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ، ولفظ مسلم: عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَأَىهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ».

الآخر: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ» (¬1)، فلا يجوز بيع الصور، لا النسائية، ولا الرجالية، ولا صور الحيوان البهيم، ولا صور بني آدم، كلها ممنوعة، لأن اللَّه حرمها وحرم ثمنها. فقيل: يا رسول اللَّه أرأيت شحوم الميتة؟! الشحوم يُطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس. قال: «لا، هو حرام، قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ جَمَلُوها، ثُمَّ بَاعُوها، وَأَكَلُوا أثَمَانَها» (¬2)، أي تحيّلوا، قالوا: ما حرم علينا إلا الأكل، ونحن لا نأكل، فجملوها، يعني أذابوها [ميَّعوها] (¬3) على النار، حتى صارت ذوباً، وصارت دهناً، قالوا: ما بعنا شحماً، بعنا دهناً، ثم أكلوا الثمن، فدعا عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعاطيهم هذه الحيل، واليهود أصحاب حيل، وجُرأة على محارم اللَّه، فلا يجوز للمسلم التشبه بهم ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، برقم 5950، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتاً فيه صورة ولا كلب، برقم 2109. (¬2) رواه البخاري، برقم 2236، ومسلم، برقم 1581، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 275. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والظاهر أنها «ميَّعوها»، وحذفها لا يؤثر في المعنى.

50 - باب السلم

في استحلال ما حرم اللَّه: كأكل شحوم الميتة، أو في استعمالها في ما ذكر من دهن السفن، والاستصباح، ودهن الجلود، بل يجب إتلافها، الميتة لحمها وشحمها، كلها حرام، لا يُستعمل لا الشحم ولا اللحم، إلا الجلد إذا دُبغ، فلا بأس، إذا دُبغ جلد الميتة من الإبل أو البقر أو الغنم أو غيرها مما يؤكل لحمه، إذا دُبغ حل، صار الدباغ له طهوراً, أما اللحم والشحم: نجس خبيث يجب إتلافه. 50 - باب السَّلَم 276 - عن عبداللَّه بن عباس بقال: «قَدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ، السَّنَةَ (¬1) وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (¬2). 51 - باب الشروط في البيع 277 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، ويكون وَلاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيهم، فَأَبَوْا إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ ¬

(¬1) «السنة و»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1604. (¬2) رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في كيل معلوم، برقم 2239، وباب السلم في وزن معلوم، برقم 2240، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب السلم، برقم 1604.

الْوَلاءُ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ: فَمَا (¬2) بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (¬3). 75 - قال الشارح - رحمه الله - هذان الحديثان يتعلقان بشؤون البيع، وأحكام البيع، والشروط فيه. الأول ما يتعلق بالسلم، والسلم: هو شراء المكيلات، أو الموزونات، أو الموصوفات المنضبطة من الذمة، يقال له: سلم، إذا نقد الثمن، وأجل المُثمَّن في الذمَّةِ إلى أجل معلوم، يُسمّى سلماً، ويُسمّى سلفاً, كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجدهم يسلفون في الثمار، أهل المدينة من الأنصار يُسلفون في الثمار، يعني يشترون الثمار في الذمم، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، وهذا العمل جارٍ عند الناس ¬

(¬1) «فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2168. (¬2) في نسخة الزهيري: «ما بال» بدون الفاء، وهي في البخاري، برقم 2168 بدون الفاء، والفاء في رواية مسلم، رقم 8 - (1504). (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطاً في البيع لا تحل، برقم 2168، واللفظ له، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم 1504.

من قديم الدهر، يستعمله الناس مع الفلاحين، ويقال له: السلم، ويقال له السلف، ويقال له: الاستدانة، ويقال له: المداينة، له أسماء في عرف الناس. والضابط في هذا أن من أراد أن يشتري شيئاً من ذمة أحد، فيكون ذلك بصفة مضبوطة، يعني بأوصاف معلومة، وآجال معلومة، حتى لا يكون نزاع, فإن كان حبوباً، فلا بد من كيلٍ معلوم، وهكذا الثمار كيل معلوم، وإن كان غير ذلك لا بد من صفات معلومة، وإن كان يوزن فبوزن معلوم، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، فيقول مثلاً: أنا آخذ من ذمتك ألف صاع من الحنطة، من الذرة، من الرز، كل صاع بريال، كل صاع بريالين، إلى أجلٍ معلوم، إلى انسلاخ ذي الحجة، إلى إنسلاخ المحرم، إلى انسلاخ صفر، إلى دخول صفر، إلى دخول ربيع أوّل أجلٍ معلوم هكذا، إذا كان حيواناً صفته كذا، وصفته كذا، وسِنَّهُ كذا، إلى أجلٍ معلوم، أو شيئاً موزوناً من الحديد، أو النحاس، أو القطن، أو غير ذلك، فبوزن معلومٍ إلى أجلٍ معلوم، لا بأس بذلك، وهكذا السيارات الآن، يشتري مثلاً سيارة معروف موديلها، مضبوطة بالصفات، إلى أجلٍ معلوم، سنة سنتين يسلمها له، ويقدم له الثمن الآن، يعطيه الثمن ألفاً، ألفين, عشرة, عشرين ألف، إلى أجلٍ معلوم، يسلم له السيارة، أو يسلم له التمر، أو يسلم له الرز، أو الحنطة أو الذرة أو القطن، لابد أن يكون

معلوماً، إما بالوزن إن كان يوزن، أو بالكيل إذا كان يكال، أو بالصفات المنضبطة في مثل الحيوانات، والسيارات، وأشباه ذلك. الحديث الثاني حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن امرأة يقال لها بريرة مملوكة جاءت إليها، وقالت: إني كاتبت أعمامي على تسع أواق في كل عام أوقية، يعني اشترت نفسها منهم، وهذا يسمى مكاتبة، العبد أو الأَمة إذا اشترى نفسه من سادته، قال: يا سادتي، يا عمي فلان، أو يا عمتي فلانة، أنا سأشتري نفسي، حتى يعتق، حتى يكون حرًّا، فيتفق مع سيده على شيء معلوم، مثل ألف ريال، يعطيهم كل شهر مائة ريال، أو عشرة آلاف ريال، يعطيهم كل سنة ألف ريال، هذا يسمى مكاتبة، فإذا أدّى ما عليه عَتق, هذه امرأة يقال لها بريرة، شارطتهم على تسع أواق، كل أوقية في سنة، تسع سنين، هذا يسمى الآن بيع التقسيط، اتفقت معهم على تسعة أقساط، كل سنة أربعين درهماً، وهي الأوقية، فجاءت تستعين عائشة في الثمن، فقالت لها عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ــ يعني نقداً ما فيه تأجيل ــ ويكون ولاؤك لي فعلت، شاورتهم، فأبوا، إلا أن يكون الولاء لهم, الولاء يعني متعلقات العتق، يكونون هم عصبتها، لو ماتت يكونون هم أولياءها، يرثونها، ويرثون ذريتها؛ لأنهم عصبتها، فلما قالت لهم ذلك أبوا، قالوا: إلا أن يكون الولاء لهم، يعني يكون ولاء العتيقة لهم، حيث لو ماتت ورثوها، ورثوا أبناءها إذا لم يكن لهم ورثة، إذا لم يكن لهم ورثة ورثوهم، فأخبرت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأمرها أن تشتريها

وتعتقها، والولاء لها، وقال: «إنما الولاء لمن أعتق»، خطب - عليه الصلاة والسلام - الناس، وأخبرهم قال: «أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ أناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ»، فمعنى في كتاب اللَّه، أي في حكم اللَّه وشرعه، ليس فيه شرط منصوص عليه في القرآن, بل المراد في حكم اللَّه، أي في شرع اللَّه، وإن كان مائة شرط، وإن أضاف صاحبه مائة شرط مائة مرة، وأكده، فهو باطل ــ قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق ــ من شروط الناس ــ وإنما الولاء لمن أعتق, الولاء لمن أعتق العبد، أو الأَمة؛ لأنه صاحب النعمة المعتق، هو صاحب النعمة، فيكون له الولاء، وفي هذا دليل على جواز بيع التقسيط، إذا باع إنسان أرضاً بأقساط، أو بيتاً، أو جملاً، أو سيارة بأقساط لا بأس، إذا كانت الآجال معلومة، فإذا قال: اشتر مني هذا البيت بمائة ألف ريال، كل سنة عشرة آلاف، أو هذه السيارة بخمسين ألف، كل سنة خمسة آلاف، أو كل شهر ألف ريال، ما فيه بأس، يُسمَّى بيع التقسيط، إذا كانت الآجال معلومة، والمبيع معلوم عند البائع، مملوك عند البائع، حاضر، السيارة حاضرة، الأرض عنده مملوكة له، البيت مملوك له، ثم باع على أقساط لا بأس, لا حرج في ذلك. 278 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما -، «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ له قد أَعْيَا (¬1)، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قال (¬2): فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «يسير على جمل فأعيى»، ولفظ البخاري، رقم 2718: «قد أعيا»، وهو لفظ مسلم أيضاً، برقم 109 - (715). (¬2) «قال»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 109 - (715).

فَسَارَ سَيْراً لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قط، ثُمَّ (¬1) قَالَ: «بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ». قُلْتُ: لا، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ». فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ حِمْلانَهُ إلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أثْرِي، فَقَالَ: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ» (¬2). 279 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعِ (¬3) الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلا يَخْطُبْ عَلَى خطبة أخيه، وَلا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفأَ مَا فِي إنائها» (¬4). 76 - قال الشارح - رحمه الله - هذان الحديثان الشريفان عن النبي - عليه الصلاة والسلام - فيهما مسائل متعددة من مسائل البيع، وأحكام، ومساومة، ومناجشة بين الناس. حديث جابر - رضي الله عنهما -: أنه كان يسير على جمل قد أعيا ــ أي قد ¬

(¬1) «قط، ثم»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمّىً جاز، برقم 2718، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، برقم 109 - (715)، واللفظ له. (¬3) في نسخة الزهيري: «ولا يبيع»، وهي في البخاري، برقم 2140، بلفظ: «ولا يبيع». (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه حتى يأذن له أو يترك، برقم 2140، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، برقم 1413، زاد مسلم: «وَلَا يَسُمِ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ».

تعب ــ فلحقه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضربه، ودعا له، فسار سيراً لم يسر مثله قط، ثم قال له النبي: «بعنيه بأوقية»، فلم يزل - عليه الصلاة والسلام - به حتى باعه إيَّاهُ، فلما قدم المدينة أتاه جابر بالجمل، وكان قد اشترط حملانه إلى أهله، اشترط على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون له ظهره حتى يصل المدينة، فلما وصل المدينة أتاه بالجمل، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الثمن، وفي اللفظ الآخر: «وزاد له، وأرجح له»، ثم قال له: «أتراني ماكستك لآخذ جملك, خذ جملك ودراهمك» فأعطاه الجمل، وأعطاه الدراهم. والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن هذا، ليعلم الناس بالحكم، وليستفيدوا من هذه الأحكام التي فعلها - صلى الله عليه وسلم -، منها: ــ أنه ينبغي للمؤمن أن يرفق بأخيه، وأن يساعده على الخير، ولاسيما إذا أعيا بعيره، أو فرسه، أو نحو ذلك أن يساعده، فيما يرى من مال، أو دعاء لأخيه. ــ ومنها أنه لا مانع [للموكس] (¬1) أن يماكس في البيع، والمماكسة: المكاسرة، كون البائع يقول كذا، والمشتري يقول كذا, البائع يقول: أنا أبيعه بمائة، والمشتري يقول بثمانين، بتسعين، يكاسر هذه مماكسة، لا بأس بها بين البائع والمشتري، والبائع له رضاه، لا يبيع إلا بما يرضى به، فالمماكسة معناها المكاسرة، يعني يطلب المشتري التنزيل، والبائع يطلب الرفع. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها: «للموكس».

وفيه من الفوائد: حُسن خلقه - صلى الله عليه وسلم -، وجوده، وكرمه - عليه الصلاة والسلام -، كان حسن الخلق، كريم المعاشرة، كريم المحادثة، - عليه الصلاة والسلام -، جواداً كريماً، أعطاه الجمل وأعطاه الثمن جميعاً - عليه الصلاة والسلام -، والمقصود هو بيان الحكم الشرعي، حتى يعلم الناس الحكم، لا بأس من المماكسة بين البائع والمشتري، ولا بأس أن يعطيه المبيع بعدما يشتريه، ويردّه إليه هبةً، وجوداً، وكرماً، ولا بأس بالشرط، كون الإنسان يشتري شيئاً، ويُشرط عليه شرط لا يخالف الشرع، كأن يقول له البائع: أنا أشترط عليك أن البعير يكون تحتي حتى أصل البلد، حتى يوصلني البلد، أو يقول البيت، [...] (¬1): لي سكناه سنة، بعد السنة أسلمه لك، أو الدكان يكون في يدي سنة حتى أسلمه لك، وما أشبه ذلك من الشروط الجائزة، لا بأس بذلك. والحديث الثاني حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فيه خمس مسائل: الأولى: النهي عن بيع الحاضر للبادي، تقدم في الحديث السابق، ومعنى بيع الحاضر للبادي يعني أن المقيم في البلد لا يتولَّى البيع للوافدين من البادية، وغير البادية؛ لأنه إذا تولى البيع لهم كاسر للناس، وشدد على الناس، لأنه يعلم السعر، فيكون على الناس بهذه المشقة، ولكن يترك البادية هم الذين يبيعون، القادمون هم الذين يبيعون بأنفسهم؛ لأن بيعهم يكون أرفق بالناس، وأنفع للناس، وأرخص للناس؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «دَعُوا النَّاسَ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة: «يقول» حذفت ليستقيم المعنى.

يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» (¬1)، لا يبيع للقادم، سواء كان بدوياً، أو حضرياً: يبيع من قدم بدهن، وبحبوب، وبأقط، وبحيوانات، يتولى البيع بنفسه، حتى يكون هذا أرفق بالمسلمين، وأقل لرفع الأسعار. وفي المسألة الثانية: التناجش. قوله: «لا تناجشوا». والتناجش كون الإنسان يزيد في السعر، وهو ما يريد الشراء (¬2)، قصده (¬3) المغالطة والإيذاء, إما لينفع البائع؛ أو لأجل المشتري، أو يتلاعب، هذا لا يجوز، لا يزيد إلا إذا كان له رغبة في الشراء، إذا كان ما له رغبة لا يزيد في السعر، وهذا هو التناجش، والنجش: أن تزيد في السعر، وأنت لا تريد الشراء، فلا داعي أن تفعل ذلك، وليس لك، ولا للآخر أن يزيد من دون حاجة، بل من أجل الإيذاء، فلا يجوز لا بهذا، ولا بهذا، إما أن يكون له رغبة في المبيع [وإلا فلا يناجش] (¬4). والرابعة: ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ليس للمسلم أن يبيع على بيع أخيه، وليس له أن يشتري على شراء أخيه، فالمسلمون كلهم إخوة، فليس لهم أن يضر بعضهم بعضاً، ولا أن يؤذي بعضهم بعضاً؛ لأن بيعه على بيع أخيه، وشراءه على شراء أخيه، يولّد الشحناء، والعداوة بين المسلمين، ومعنى ذلك: إذا بعت على زيد ¬

(¬1) مسلم، برقم 1522، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 262. (¬2) آخر الوجه الثاني من الشريط الثاني عشر، سُجّل في درس الشيخ بتاريخ 5/ 8/ 1409هـ. (¬3) أول الوجه الأول من الشريط الثالث عشر، سجِّل في درس الشيخ، بتاريخ 6/ 8/ 1409هـ. (¬4) ما بين المعقوفين كلمتان أو نحوهما غير واضحة، والظاهر أنها: «وإلا فلا يناجش».

سلعة لشخص بمائة ريال، ليس للآخر أن يأتي ويقول: أنا أشتريها منك بمائة وعشرة [...] (¬1) أنا أشتريها منك بكذا وكذا، هذا الشراء على شراء أخيه. والبيع على بيعه أن يقول له: أنت يا فلان، أنا أعطيك سلعة أحسن منها بتسعين [حتى يترك الشراء ويشتري منه] (¬2). فلا تبع على بيع أخيك، ولا تشترِ على شراء أخيك، «دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض» (¬3). والخامسة: لا يخطب على خطبة أخيه، إذا خطب امرأة يتركها لا يخطبها، وهو يعلم أنه خطبها حتى يردّوه، أو يتركها هو, إذا ردّوه، أو تركها هو، جازت له، مادام لم يخطبها، وأخوه خاطبها، حتى يتركها الخاطب, أو يُردّ من أهلها، يتعذرّون منه، يخطبها بعد ذلك؛ لأن خطبتك لها تؤذي أخاك، وتضر أخاك، وهو قد سبقك، والحق لمن سبق، فلا يحق لك أن تخطب على خطبة أخيك. السادسة: ولا تسأل المرأة طلاق أختها، ليس للمرأة أن تقول: ما أقبلك حتى تطلق فلانة, هذا غلط، وظلم، إن شاءت أن تتزوج، وإلا تركته، ولا تقل له: طلقها. وهذا من كثير من الناس، إذا خطب منهم أحد ومعه زوجة، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها: «حتى يهوِّن البائع» أي يترك البيع. (¬2) ما بين المعقوفين «حتى يهوِّن ويشتري منه»، أبدلتها حتى يتضح المعنى. (¬3) مسلم، برقم 1522، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 262.

52 - باب الربا والصرف

قالوا: لا حتى تطلق، هذا غلط. [...] (¬1) ليس لهم أن يطلبوا طلاقها، ولا يتعرضون لها، هذا منكر وظلم، ليس لهم ذلك. 52 - باب الربا والصَّرف 280 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الذَّهَبُ بِالذهب (¬2) رِبًا، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، والفضةُ بالفضةِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ (¬3)، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِباً، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِباً، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ» (¬4). 281 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِباً بِنَاجِزٍ» (¬5). ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة أو أكثر ساقطة، ولكنها لا تؤثر على المعنى. (¬2) في نسخة الزهيري: «بالورق»، والذي في البخاري، برقم 2134: «الذهب بالذهب». (¬3) «والفضة بالفضة رباً، إلا هاء وهاء»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، برقم 2134، واللفظ له، إلا أنه لم يذكر الفضة بالفضة، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 1586. (¬5) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة، واللفظ له، برقم 2177، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا، برقم 1584.

وفي لفظٍ: «إلاَّ يَداً بِيَدٍ» (¬1). وفي لفظٍ: «إلاَّ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» (¬2). 282 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - (¬3) قال: «جَاءَ بِلالٌ إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مِنْ أَيْنَ هَذَا؟» قَالَ بِلالٌ: كَانَ عِنْدَي (¬4) تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِنُطْعمَ (¬5) النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ (¬6)، أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا (¬7)، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» (¬8). 77 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة من أصح الأحاديث عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، ويتعّلق بالربا, والربا بمعنى الزيادة، تقول: ربا الشيء ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 76 - (1584). (¬2) رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً، برقم 77 - (1584). (¬3) في نسخة الزهيري: «وعنه قال». (¬4) في نسخة الزهيري: «عندنا»، وهذا لفظ البخاري، برقم 2312، ولفظ مسلم، برقم 1594 «عندنا» أيضاً. (¬5) في نسخة الزهيري: «ليطعم»، ولفظ المتن في البخاري، برقم 2312. (¬6) «أوه»: ليست في نسخة الزهيري إلا مرة واحدة، وفي البخاري، برقم 2312: «أوه، أوه» مرتين. (¬7) في نسخة الزهيري: «عين الربا، عين الربا»، وهذا لفظ البخاري، برقم 2312. (¬8) رواه البخاري، كتاب الوكالة، باب إذا باع الوكيل شيئاً فاسداً فبيعه مردود، برقم 2312، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الطعام مثلاً بمثل، برقم 87 - (1594).

يربو رباً، إذا زاد، ومنه: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (¬1) إذا زادت وارتفعت. سُمّي الربا ربا؛ لما فيه من الزيادة غالباً، أو التوسل إليها، فالزيادة مثل درهم بدرهمين، وصاع بصاعين من جنس واحد، صاع من تمر بصاعين من تمر، أو صاع من بر بصاعين من بر، فهذا فيه زيادة. وقد يكون غير زيادة، ولكنه وسيلة للزيادة، كأن يكون صاع بصاع من غير قبض، فهذا لا يجوز فيه النسيئة؛ لأن هذا وسيلة إلى الربا، ولا وجه للتأجيل، وهما متماثلان، فهذا يجر للزيادة في مقابل النسيئة، وقد سد النبي - صلى الله عليه وسلم - الباب، ومنع هذا وهذا، ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام - في حديث عمر: «الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء»، يعني يداً بيد، يعني خذ وسلِّم، «والفضة بالفضة رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء»، يعني إلا يداً بيد، فإذا باع مثلاً سلعة من أسورة، أو خواتم من الذهب بدنانير ذهب، فلابد من التساوي يداً بيد، فالتساوي والقبض يعني مثلاً بمثل، يداً بيد، هاء وهاء، فإن كان ذهباً أسورة باعها بفضة، فلا بأس أن يكون يداً بيد، أسورة، أو خواتم من الذهب، أو قلائد من الذهب، باعها بفضة، فلا بأس، لكن يداً بيد، يتقابضان في الحال، لا يتفرقان وبينهما شيء، هذا معنى هاء وهاء. وهكذا حديث أبي سعيد: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعضها»، يعني: لا تزيدوا بعضها على بعض، أو لا تنقصوا بعضها عن بعض, «ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل ¬

(¬1) سورة الحج، الآية: 5.

ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز»، لابد من التقابض في بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وبيع أحدهما بالآخر، فإن كان الذهب، فلابد من شرطين: التماثل، والتقابض، وهكذا الفضة بالفضة، لابد من شرطين: التماثل، والتقابض، وهكذا البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، لابد من شرطين: ــ أن يكونا متماثلين. ــ أن يتقابضا في الحال. أما إذا اختلفت الأجناس، فلا [بأس بالتفاضل]، لكن يداً بيداً؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بلال: [عندما] (¬1) اشترى صاعاً من التمر الطيب بصاعين من التمر الرديء، قال: «أوه، عين الربا عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيباً» (¬2) (¬3)، ما يجوز يشتري شيئاً طيباً من التمر بأكثر منه من الرديء، ولا من الذهب، ولا من الفضة، ولا من سائر الأنواع، التي يقع فيها الربا, لا يشتري ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة «فلما»، أبدلتها بعندما، ليتضح المعنى. (¬2) الجنيب: نوع جيد معروف من أنواع التمر. النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 304، مادة (جنب). (¬3) هذا لفظ الشافعي في السنن المأثورة، ص 131، برقم 207، وفي البخاري، كتاب البيوع، باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، برقم 2201، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل، برقم 1593، ولفظه: «ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا».

الرديء بشيء جديد [...] (¬1) لا، يبيع الرديء ثم يشتري الذي يريد, يبيع الرديء، ثم يشتري بالثمن التمر الطيب، أما أن يبيع صاعين رديئة بصاع تمرٍ طري، أو صاع بر طيب، بصاعين بر رديء، أو صاع طيب من الشعير، بصاعين شعير رديء، لا، هذا لا يجوز [...] (¬2) لا بد من التماثل، ولابد من القبض يداً بيد، لكن إن اختلفت هذه الأصناف، جاز التفاضل، تبيع صاعاً من التمر بصاعين من الشعير، لا بأس يداً بيد، صاعاً من البر بصاعين من الملح، أو صاعين من الشعير، لا بأس، مثقالاً من الذهب بمثقالين من الفضة، أو بأكثر، وتكون الفضة يداً بيد، لا بأس، ديناراً بريال سعودي يداً بيد، لا بأس, جنيه إسترليني بدراهم سعودية يداً بيد، لا بأس، بعملة خليجية يداً بيد، أيضاً لا بأس. لا بد من التقابض. 283 - عن أبي المِنْهال قال: «سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ - رضي الله عنهما - عَنِ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ منهما يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، وَكِلاهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْناً» (¬3). 284 - عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِيَ الْفِضَّةَ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وسقوطها لا يؤثر في المعنى. (¬2) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وسقوطها لا يؤثر في المعنى. (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم 2180، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم 1589.

بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا، وَنَشْتَرِيَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، قَالَ: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ» (¬1). 78 - قال الشارح - رحمه الله -: تقدم حديث أبي سعيد يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبيعوا منها غائباً بناجز»، أي لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض. [و] تقدم حديث بلال في شرائه الصاع بصاعين من التمر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عين الربا لا تفعل, بع الجمع بالدراهم، بع الجمع، ثم ابتع جنيباً» (¬2). وهكذا حديث زيد بن أرقم، والبراء بن عازب؛ لما سألهما أبو المنهال عن الصرف، كل واحد يقول: اسأل هذا، هو خير مني, هذا فيه تواضع الصحابة، تواضعهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم، وتقدير بعضهم لبعض، وأن كل واحد يفرح أن يقوم صاحبه بالفتوى بدلاً منه؛ لهذا قالوا جميعاً: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الورق بالذهب ديناً الورق: الفضة، هذا يدل على أنه لا يجوز بيع الذهب بالفضة ديناً، بل يداً بيد. وهكذا حديث أبي بكرة في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، إلا مثلاً بمثل، سواءً بسواء، وأجاز لهم أن يشتروا الفضة بالذهب كيف شاؤوا، والفضة بالذهب كيف شاؤوا، لكن يداً بيد، فإن اتحد الجنس ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالورق يداً بيد، برقم 2182، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم 1590، واللفظ له. (¬2) البخاري، برقم 2312، ومسلم، برقم 1594، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 282.

، فلابد من أمرين: التماثل، والتقابض يداً بيد, إذا صار الجنس واحداً: ذهب بذهب, فضة بفضة, تمر بتمر, بر ببر, أرز بأرز, شعير بشعير, مثلاً بمثل، لابد من التماثل، فلا يجوز أن تبيع درهماً بدرهمين، ولا ديناراً بدينارين من الذهب، لابد مثلاً بمثل، سواء بسواء، ولابد من شرط ثان، وهو أن يكون يداً بيد، التقابض أي لا يتفرقان حتى يتقابضا، أما إذا اختلف الجنس مثل فضة بذهب، أو تمر ببر، هذا لا بأس بالتفاضل لاختلاف الجنسين، فإذا باع صاعاً من التمر بصاعين من الشعير، أو بصاعين من البر يداً بيد، فلا بأس لأنهما جنسان, أو باع مائة مثقال من الفضة بعشرة مثاقيل من الذهب، يداً بيد هذا سعر المعدن مختلف، كذلك إذا باع صاعاً من البر بصاعين من الشعير، أو بصاعين من الملح، يداً بيد، فلا بأس، لاختلاف الجنس. هكذا الأوراق اليوم، العُمَل تقوم مقام الذهب والفضة، فإذا باع عملة بعملة، يداً بيد فلا بأس، ولو اختلفت مثل دولار واحد باعه بثلاثة دراهم، أو أربعة دراهم يداً بيد، لا بأس, لأن العملة مختلفة مثل الذهب، أو باع دنانير أردنية، أو عراقية، عشرة دنانير بخمسة دولارات، أو بعشرين دولاراً، لا بأس يداً بيد؛ لاختلاف الجنسين، أو باع مائة من الدراهم السعودية بخمسين من الدولارات، أو بعشرين من الدنانير الإيرانية، أو الهاشمية، أو غير ذلك، يداً بيد، فلا بأس؛ لأنها جنسان [...] (¬1)، ولذلك إذا اختلفت جاز التفاضل، والاختلاف في الكثرة، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، ولا يؤثر حذفها في المعنى.

53 - باب الرهن وغيره

لكن يداً بيد، فإذا كان الجنس واحداً، لابد من شرطين: ــ أن يتماثلا سواء بسواء. ــ وأن يكونا يداً بيد التقابض في المجلس. 53 - باب الرهن وغيره 285 - عن عائشة - رضي الله عنها - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ» (¬1). 286 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا (¬2) أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» (¬3). 287 - وعنه قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب شراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسيئة، برقم 2068، وفيه: «... اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ...»، وباب شراء الإمام الحوائج بنفسه، برقم 2096، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الرهن، وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603. (¬2) في نسخة الزهيري: «فإذا»، وهذا لفظ البخاري، برقم 2287، ولفظ: «وإذا» لمسلم، برقم 1564. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة، برقم 2287، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم مطل الغني، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها إذا أحيل على مليّ، برقم 1564، واللفظ له. (¬4) في نسخة الزهيري: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬5) رواه البخاري، كتاب في الاستقراض، باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض، والوديعة فهو أحق به، برقم 2402، واللفظ له، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب من أدرك ما باعه عند المشتري، وقد أفلس، فله الرجوع فيه، برقم 1559.

288 - عن جابر بن عبد اللَّه بقال: «جَعَلَ ــ وَفِي لَفْظٍ قَضَى ــ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ (¬1)، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلا شُفْعَةَ» (¬2). 79 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الأربعة بعضها يتعلق بالرهن، وبعضها يتعلق بالحوالة، وبعضها يتعلق بغير ذلك. الحديث الأول: يدل على أنه لا مانع من معاملة الكافر بالشراء منه، والبيع عليه؛ ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: «إن النبي اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعاً من حديد». وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه توفي ودرعه مرهونة في طعامٍ لأهله، - عليه الصلاة والسلام - (¬3)، اشتراه من يهودي، هذا يدل على أنه لا بأس أن ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «في كل ما لم يقسم»، وهو في البخاري، برقم 2257، والذي في المتن: «في كا مالٍ لم يقسم» هو لفظ البخاري، برقم 2213. (¬2) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الشريك من شريكه، برقم 2213، بلفظه، ورقم 2214 بلفظه أيضاً، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الشفعة، برقم 134 - (1608)، ولفظه: عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». (¬3) انظر: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي - صلى الله عليه وسلم - والقميص في الحرب، برقم 2916، ولفظه: عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهما - قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603، ولفظه: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا».

يشتري الإنسان من يهودي، أو نصراني، أو غير ذلك بعض الحاجات، ولا يكون ذلك من موالاتهم ولا من محبتهم، فالموالاة: المحبة، والنصرة، أما في الشراء منه، وفي البيع عليه، فليس من باب الموالاة، ولا حرج في ذلك؛ ولهذا فعله النبي - عليه الصلاة والسلام -. الحديث الثاني يدل على أنه لا يجوز للغني أن يؤخر الدين، ولهذا قال: «مطل الغني ظلم» يكون عنده يسر، ومع ذلك يمطل أخاه ولا يوفيه حقه، بل يجب عليه أن يبادر بقضاء الدين إذا كان قادراً، ولا يمطل أخاه ولا يؤذيه. وفي اللفظ الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَه» (¬1)، ليّه: يعني مَطْلَه، وتأخيره الحق, يُحِلُّ عِرضَهُ أي قال فيه: إنه مَطلني، وإنه تعدَّى عليَّ، وإنَّه أخذ حقي، وعقوبته بالأدب حتى يؤدي الحق بالسجن، أو غيره من جهة ولي الأمر، حتى يؤدي الحق إذا كان موسراً. إنما الإنظار للمعسر، كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (¬2)، أما الغنيّ، فليس له المطل، بل يجب عليه الوفاء، ¬

(¬1) ذكره البخاري معلقاً، كتاب الاستقراض، باب لصاحب الحق مقال، قبل الحديث 2401، ولفظه: «وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَه». وأخرجه مرفوعاً الإمام أحمد في المسند، 29/ 465، برقم 17946، وأبو داود، كتاب القضاء، باب في الدَّيْن هل يحبس به، برقم 3628، والنسائي، كتاب البيوع، مطل الغني ظلم، برقم 4689، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب الحبس في الدين والملازمة، برقم 2427، وابن حبان، 11/ 486، برقم 5089، والحاكم، 4/ 102، وقال: «صحيح الإسناد». ورجح محققو المسند، 29/ 465 تحسينه، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 56، برقم 1970. (¬2) سورة البقرة، الآية: 280.

وعدم إيذاء صاحب الحق. وقوله: «وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ»، أي إذا أُحيل على مليء فليحتل، هذا في قبول الحوالة إذا كانت على مليء، إذا كان لك دين على إنسان، وحوّلك على مليء، فعليك أن تقبل الحوالة، تطالب إنساناً بعشرة آلاف ريال، حوّلك على إنسان مليء، تقبل الحوالة، ولا بأس. الحديث الثالث: يدل على أن من أدرك ماله عند إنسان قد أفلس، فهو أحق به، إذا أدرك ماله عند رجل قد أفلس، أو امرأة قد أفلست، فهو أحق بماله، فإذا بعت على إنسان سيارة، أو بعيراً، ثم بان إفلاسه، أي ما عنده شيء مُعدم، فلك أن ترجع في مبيعك إذا وجدته بعينه، لم يتعلق بحق للغير، بل وجدته بعينه، فلك أن ترجع فيه، أما إن كان قد تغيَّر بأن زاد زيادة بيّنة، يختلف بها الحكم، أو يزداد بها الثمن، أو وجدته قد رهنه، أو وَرِثه آخر، أو نحو ذلك، فلا حق لك، أما إذا وجدته بعينه، ولم يقضك من الثمن شيئاً، فأنت أولى به، كما في الرواية الأخرى: «ولم يقضِ من ثمنه شيئاً» (¬1). ¬

(¬1) قال مالك في الموطأ، 4/ 978: «عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ، فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ»، وهو مرسل، وذكره في جامع الأصول، 2/ 550 بلفظ: «ولم يقض» بدلاً من «يقبض»، وأيده لفظ: «ولم يقض»، وأيد وصله الحافظ في بلوغ المرام في التعليق على الحديث رقم 885 بترقيم الفقي، فإنه أورده بلفظ: «ولم يقضِ الذي باعه من ثمنه شيئاً ...»،.ثم قال: «ووصله البيهقي، وضعفه تبعاً لأبي داود، وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على هذا الحديث: «أبو داود لم يضعفه، وإنما قال: رواية مالك أصح، والصواب أن الرواية موصولة جيدة تؤيد المرسلة»، وهو في أبي داود مرسلاً أيضاً، كتاب البيوع، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده، برقم 3522: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الحارث بن هشام أن رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكر معنى حديث مالك، زاد: «وَإِنْ كَانَ قد قَضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فيها»، قال أبو بكر: وقضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه من توفي وَعِنْدَهُ سلعة بِعَيْنِها، لم يقضِ مِنْ ثمنها شَيْئًا، فصاحب السلعة أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فيها». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «حديث مالك أصح»، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 5/ 269.

والرابع فيه الدلالة على ثبوت الشفعة في كل شيء لم يقسم, والرسول قضى في الشفعة «في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة» , فإذا باع إنسان حصته من أرض، أو بيت، أو سيارة على الصحيح، ولو منقولاً في السيارة، فالشريك له الشفعة إذا كانت الأرض بينه وبين إنسان أنصافاً، أو أرباعاً، أو أثلاثاً، وباع حقه، فلك الشفعة إذا عَلِمْتَ هذا المشتري، أو سيارة بينك وبينه، وباع نصفه الذي يخصه على واحد، الصحيح أن لك الشفعة في هذا النصف الذي باعه على غيرك بالثمن الذي باعه, وهذا عامّ يعمّ الأراضي، ويعمّ المنقولات في كل شيء لم يقسم, أما إذا وقعت الحدود، وصُرِّفت الطرق انتهت الشفعة إذا تقاسمتم، وصار كل واحد له طريق يخصه [وصُرِّفَتْ] (¬1) الحدود، ثم باع ما له شفعة؛ لأنه انتهى، صار مجاوراً، صار جاراً، ما صار شريكاً، إنما الشفعة في الشركة، أما لو باع من طريق واحد لك الشفعة، وتقاسمت الأرض، ولكن من طريق واحد، طريقها واحد، بينكما مشترك، فلك الشفعة، لحديث: ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها «وصرفت الحدود»، أو «وبينت الحدود».

«الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُطَالِبُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا» (¬1)، إذا كان طريقهما واحداً، فالجار أحق بشُفعة جاره، إذا كان الطريق متحداً واحداً، والممشى واحداً، يعني يحصل له ضرر، فإذا كانت الطرق قد اتضحت كل واحد له طريق مختص، واستقل من ماله، فلا شفعة حينئذ. 289 - عن عبد اللَّه بن عمر بقال: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَامِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَصَبْتُ أَرْضاً بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَامُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: «إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عمر، غَيْرَ أَنَّهُ لا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلا يُورَثُ، وَلا يُوهَبُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بها (¬2) عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا: أَنْ يَاكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ» (¬3). ¬

(¬1) مسند أحمد، 22/ 155، برقم 14253، وأبو داود، كتاب البيوع، باب في الشفعة، برقم 3518، والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في الشفعة للغائب، برقم 1369، وقال: «غريب»، وابن ماجه، أبواب الشفعة، باب الشفعة بالجوار، برقم 2494، ولفظه: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ، يَنْتَظِرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا»، ورجح تحسينه محققو المسند، 2/ 246، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 68، برقم 2023 .. (¬2) «بها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2737 .. (¬3) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف، برقم 2737، وكتاب الوصايا، باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته، برقم 2764، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوقف، برقم 1632، واللفظ له.

وفي لفظٍ «غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ» (¬1). 290 - عن عمر - رضي الله عنه - قال: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: «لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» (¬2). 291 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬3) قال: «العَائِد في هِبَتِهِ، كالعائِدِ في قَيْئِهِ» (¬4). وفي لفظٍ (¬5): «فإِنَّ الَّذِي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ كالْكلْبِ يَقيءُ ثمَّ (¬6) يَعُودُ في قَيْئِهِ» (¬7). ¬

(¬1) البخاري، برقم 2737، مسلم، برقم 1632، وتقدم تخريجه. (¬2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب هل يشتري الرجل صدقته، برقم 1490، وكتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، برقم 2632، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه، برقم 1620. (¬3) في نسخة الزهيري: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، برقم 2621، واللفظ له، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة، بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، برقم 7 - (1622). (¬5) هذه الفقرة كاملة من قوله: وفي لفظ ... إلى قوله: ثم يعود في قيئه». جاءت في نسخة الزهيري قبل حديث ابن عباس السابق، رقم 291. (¬6) في نسخة الزهيري: «كالكلب يعود في قيْئِه»، ولم تذكر «يقيء ثم يعود». (¬7) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، برقم 2623، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة، بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، برقم 8 - (1622).

80 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة: الأول منها يتعلق بالوقف، والثاني والثالث يتعلقان بالعود في الصدقة. في قصة عمر أنه: أصاب أرضاً بخيبر, لما فُتحت خيبر قسَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين، صار لعمر نصيبه من ذلك، فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا يفعل بنصيبه؟ وهو نصيبٌ نفيس، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا»، حبَّست أصلها، أي جعلت أصلها حبيساً، ووقفاً، لا يباع، ولا يشترى، ولا يوهب، ولا يورث، وغلّته في سبيل اللَّه، وهذا هو الوقف. فالوقف هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة في وجوه الخير، من عقارٍ، أو منقولٍ، ففعل عمر - رضي الله عنه - ذلك، فحبَّس الأرض، وجعل غلتها للفقراء والمساكين والقربى وابن السبيل والضيف، يعني جعله على وجوه البر، وأعمال الخير، وهذا من الأوقاف الصالحة الطيبة، وورد في الحديث: «إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ - فهذا من الصدقة الجارية -، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (¬1)، فإذا حبَّس أرضاً، أو نخلاً، أو منزلاً، أو دُكَّاناً: ¬

(¬1) مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

حانوت (¬1)، أو غير ذلك على أنه يتصدق بغلّته بأجرة البيت، أجرة الأرض: ثمرة النخل: ثمرة البستان، بما فيه من أنواع الأشجار، هذا صدقة، قربة، والأصل يبقى، ويعود أيضاً للمنقول، لو وقف دابة، ناقة، إسبالة (¬2)، ويتصدق: بنسلها، بذريتها، ولبنها، وصوفها كذلك أو بقرة، أو شاة صح ذلك؛ لأنه مما يُحبّس أصله، ويتصدق بغلّته. ثم قال: «لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا: أَنْ يَاكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ»، يعني يأكل بالمعروف من غير إسراف، ولا يتخذ له عقاراً منهاً، ولا أموالاً منها، بل يأكل في مقابل تعبه وعمله، ويجوز أن يُعطى شيئاً معيناً عن تعبه، هذا الناظر الوكيل من جهة الواقف المسبِّل، أو من جهة الحاكم الشرعي؛ لأن الأوقاف، والعناية بها تحتاج إلى تعب، فإذا رضي بأن يأكل منها كفى، وإن طلب أجرة جاز له أن يُعطى أجرة على تعبه كخمسة في المائة, عشرة في المائة، ¬

(¬1) الحَانُوتُ: «دكّان البائع، والجمع (الحَوَانِيتُ)» المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1 - / 158، مادة (حان). (¬2) إسبالة: قال ابن الأثير - رحمه الله -: «وفي حديث سمرة: «فإذا الأرض عنده أسبلة» أي: طُرُقه وهو جمع قِلة للَّسبيل إذا أُنِّثت، وإذا ذُكِّرت فجمعُها أسْبِلة، وفي حديث وقف عمر: احْبِس أصلَها، وسبِّل ثمرَتَها، أي اجعلها وقفاً، وأبح ثمرتَها لمن وقَفْتها عليه، سبَّلْتُ الشيءَ إذا أبحتَه، كأنَّك جَعَلت إليه طريقاً مَطْروقةً. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2 - / 846، مادة (سبل)، وقال ابن منظور - رحمه الله -: «وإِذا حَبَّسَ الرَّجلُ عُقْدةً لَهُ، وسَبَّل ثَمَرَها، أَو غَلَّتها؛ فإِنه يُسلَك بِمَا سَبَّل سَبيلُ الخَيْر يُعْطى مِنْهُ: ابْنُ السَّبيل، والفقيرُ، والمجاهدُ، وَغَيْرُهُمْ، وسَبَّل ضَيْعته: جَعَلها فِي سَبيل اللَّهِ» لسان العرب، 11/ 320، مادة (سبل)، وقال في المصباح المنير، 1/ 265، مادة (سبل): «وسَبَّلْتُ الثمرة - بالتشديد -: جعلتها في سُبُلِ الخير، وأنواع البرّ».

أو شيء معين في مقابل التعب, لا بأس أن يُهدِي منها للفقراء، والمساكين، والأقارب، على حسب ما ينص عليه الموصي الواقف, يلتزم بما نص عليه الواقف، وبيَّنه في مصاريفها، ويؤدي الأمانة، ويحرص على النصح في أن يحفظ أصلها، وينمِّيها، ويكثرها ويتقي اللَّه في ذلك، يكون له أجرة معيَّنة، أو المشاركة في الأكل منها. الحديث الثاني والثالث حديث قصة عمر، حمل عمر على فرس في سبيل اللَّه، فالإنسان إذا وهب شيئاً تصدق بشيء ليس له الرجوع فيه، فإذا أعطى إنساناً فرساً يجاهد عليها في سبيل اللَّه، أو تصدق عليه ببستان، أو بأرض، أو ببيت، فلا يرجع في ذلك، ولو بالثمن؛ لأنه إذا اشتراه في الغالب أن البائع ينزِّل له في الثمن، يستحيي منه، وينزل له، ولا يبيع له بالمماكسة والمكاسرة، فلا يبيعه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَشْتَرِهِ، وَلوأَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وفي اللفظ الآخر: «كالْكلْبِ يَقيءُ ثمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ» شبه بالكلب تنفيراً لنا من العودة، وتقبيحاً لها، فلا يرجع في هبته ولا في صدقته؛ لأنه جاء في الحديث: «الْعَائِد فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، والعائد في صدقته كذلك, وفي الحديث الآخر: «لاَ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا، إِلاَّ الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» (¬1). ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 4/ 26، رقم 2119، وأبو داود، كتاب البيوع، باب الرجوع في الهبة، برقم 3539، والترمذي، كتاب الولاء والهبة، باب في كراهية الرجوع في الهبة، برقم 2132، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، كتاب الهبة، رجوع الوالد فيما يعطي ولده وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، برقم 3690، والحاكم، 2/ 53، وقال: صحيح الإسناد، وابن حبان، 11/ 524، برقم 5132، وحسّن إسناده محققو المسند،4/ 26، والألباني في إرواء الغليل،6/ 64.

فالحاصل أنه إذا أعطى عطية، أو تصدق بصدقة ليس له الرجوع فيها؛ لأنه أخرجه للَّه، وإن كانت هبة كذلك لا يرجع فيها, وهذا واللَّه أعلم؛ لأن النفوس ميَّالة للدنيا، فإذا أعطاه من دون عوض قد يندم ويرجع، فمنعه الشارع من ذلك، وحرّم عليه الرجوع، حتى لا يحصل التلاعب، فإذا وهب، وقبضها الموهوب له، انتهى الوهب، فليس له الرجوع، وهكذا في الصدقة من باب أولى؛ لأنه أخرجها للَّه، فلا يرجع فيها، لكن الوالد له الرجوع على ولده في العطية (¬1). 292 - وعن النعمان (¬2) بن بشير - رضي الله عنهما - قال: «تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3) لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قَالَ: لا، قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا فِي (¬4) أَوْلادِكُمْ» فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ» (¬5). ¬

(¬1) آخر الوجه الأول، من الشريط الثالث عشر، سجِّل في درس الشيخ بتاريخ 20/ 8/ 1409هـ. (¬2) أول الوجه الثاني، من الشريط الثالث عشر، سجِّل في درس الشيخ بتاريخ 20/ 8/ 1409هـ. (¬3) في نسخة الزهيري: «إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬4) في نسخة الزهيري: «بين أولادكم»، وهي في البخاري، برقم 2587، ولفظ المتن: «اعدلوا في أولادكم» في مسلم، برقم 13 - (1623). (¬5) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة، برقم 2587، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، برقم 13 - (1623)، بلفظه.

وفي لفظٍ، قال: «فَلا تُشْهِدْنِي إذاً، فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» (¬1). وفي لفظٍ: «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» (¬2). 293 - وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ على شَطْرِ (¬3) مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ» (¬4). 294 - عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا أَكْثَرَ الأنْصَارِ حَقْلاً، قال (¬5): كُنَّا (¬6) نُكْرِي الأرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ هَذِهِ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ، وَلَمْ تُخْرِجْ هَذِهِ، فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا (¬7) الْوَرِقُ: فَلَمْ يَنْهَنَا» (¬8). 295 - ولمسلم عن حَنْظَلة بن قيس قال: «سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لا بَاسَ بِهِ، إنَّمَا كَانَ النَّاسُ ¬

(¬1) رواه البخاري بنحوه، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، برقم 2650، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، رقم 14 - (1623) بلفظه. (¬2) رواه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، برقم 17 - (1623). (¬3) في نسخة الزهيري: «بشطر» وبدون على، وهو لفظ البخاري، برقم 2329. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة، برقم 2329، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، برقم 1551، واللفظ له. (¬5) «قال»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «فكنا»، والذي في المتن: «كنا» لفظ البخاري، برقم 2327. (¬7) في نسخة الزهيري: «فأما الورق». (¬8) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب، برقم 2327، ومسلم، كتاب البيوع، باب كراء الأرض بالذهب والورق، برقم 117 - (1547)، واللفظ له.

يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فَلَمْ (¬2) يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلاَّ هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ. فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ: فَلا بَاسَ بِهِ» (¬3). «الماذيانات» الأنهار الكبار. والجدول: نهر صغير (¬4). 81 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بجملة من الأحكام. الأول فيما يتعلق بالتعديل بين الأولاد، وأنه لا يجوز للأب، ولا للأم أن يفضلا بعضهم على بعض في العطية، أما النفقة ينفق عليهم؛ لأنهم صغار ينفق عليهم كل بقدر حاجته؛ أو لأنهم فقراء ينفق عليهم والدهم على قدر حاجاتهم، الصغير له نفقته، والكبير له نفقته على حسب أحوالهم، أما أن يخصهم بعطية يخص بعضهم دون بعض، فلا يجوز له أن يخص بعضهم دون بعض؛ ولهذا لما وهب بشير بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - ابنه النعمان بغلام، أعطاه غلاماً، وأراد أن يُشهد النبي - عليه الصلاة والسلام - على هذا قال له - صلى الله عليه وسلم -: «أكل ولدك ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) في نسخة الزهيري: «ولم»، والذي في المتن: «فلم» في صحيح مسلم، برقم 116 - (1547). (¬3) رواه مسلم، كتاب البيوع، باب كراء الأرض بالذهب والورق، رقم 116 - (1547) بلفظه. (¬4) في نسخة الزهيري: «والجدول: النهر الصغير».

أعطيتهم مثل هذا» قال: لا. قال «فأرجعه» يعني فرده, قال: «أشهد على هذا غيري، فإني لا أشهد على جور»، فدل ذلك على أن تخصيص بعض الأولاد دون بعض من الجور، ولا يجوز، بل إما أن يؤتيهم كلهم، وإما أن يدعهم كلهم، إلا إذا كان التخصيص لأجل الفقر، هذا فقير، وهذا غني ينفق على الفقير قدر حاجته، أو هذا صغير ما له شيء، وهذا كبير له أسباب، وله نفقة ينفق على الصغير حتى يتيسر له ما يقوم بحاله؛ لأن الوالد ينفق على عياله، كما قال - عز وجل -: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1)، فالمقصود أن الولد الفقير على والده الغني أن ينفق عليه حتى يجد غِنىً يغنيه أما أن يخص بعضهم بعطية، هذا يعطيه بيتاً هذا يعطيه غلاماً، هذا يعطيه سيارة، والآخر ما يعطى؟ لا، يعدل بينهم: «اتقوا اللَّه واعدلوا بين أولادكم». والحديث الثاني حديث ابن عمر بعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عامل أهل خيبر على ما عندهم من النخيل والأراضي، بالشطر، يزرعون الأرض، ويسقون النخل بالنصف. هذا يدل على جواز المزارعة والمساقاة بالنصف، أو بالثلث، أو بالربع، أو بأقل، أو بأكثر جزء مشاع، لا بأس بهذا؛ لأنهم شركاء في الغُنْمِ، والغُرْم، فإذا أعطاه أرضه يزرعها بالنصف، أو بالربع، أو بالثلث، أو بالخمس، أو أعطاه النخل، يسقي النخل، وما فيه من ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 233.

الأشجار يسقيها بالنصف، أو بالثلث، أو بالربع، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس به، يقال له: المزارعة، ويقال لها: مساقاة إذا كانت على النخل، أما أن يزارعهم على أن له ما نبت على الجداول (¬1)، والسواقي، والأنهار، والباقي للآخر، لا يجوز؛ لأن هذا فيه خطر، قد يُنبت هذا أكثر من هذا، وقد [يهلك] (¬2) هذا، ويسلم، هذا زجر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يجوز كونه يقول مثلاً: أعطيك أرضي على أنك تزرعها، فالزرع الشمالي لي، والزرع الجنوبي لك، أو الشرقي لي، والغربي لك، أو الذي حول السواقي لي، أو الأنهار، والبعيد لك، هذا ما يصح؛ لأن فيه غرراً، قد يسلم هذا، ويهلك هذا, ما يجوز، هذا نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -. أو بجزء مجهول، قال لي مثلاً: ما أريد، أو لي جزء من الزرع، أو جزء من الثمرة من غير معيَّن، أو دراهم معلومة أصواع معلومة من الثمرة، أو من التمر، ما يصلح، لكن إذا أجر له الأرض بقيمة معلومة، قال: استأجر مني أرضي بالدراهم المعلومة، أو بأصواع معلومة، فلا بأس بذلك. كذلك حديث رافع بن خديج هو في هذا إذا كان أجرٌ معلوم ¬

(¬1) الجَدْوَل: النَّهْرُ الصَّغِيرُ. انظر: لسان العرب، 11/ 106، مادة (جدل). (¬2) ما بين المعقوفين في أصل كلام الشيخ: «يسلك»، وقد ثبت في حديث حنظلة - رضي الله عنه - في المزارعة: «يهلك هذا ويسلم هذا» رواه مسلم برقم،، 116 - (1547)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 295.

فلا بأس من: الذهب، والفضة، والورق، لا بأس، أما أن يقول لي ما أنبتت السواقي وما حولها والأنهار والباقي لك هذا لا يصح كما تقدم لما فيه من الغرر والجهالة لابد أن تكون الأجرة إما في جزء مشاع (نصف, ربع, ثلث) أو دراهم معلومة أو أصواع معلومة عن شراءه الأرض. 296 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - قال: «قَضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» (¬1). وفي لفظٍ «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، لا تَرْجِعُ للَّذِي (¬2) أَعْطَاهَا، لأَنَّهُ عَطَاءً (¬3) وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ» (¬4). وقال جابر: «إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا (¬5) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْتَ: فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى صَاحِبِهَا» (¬6). وفي لفظٍ لمسلم «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب ما قيل في العمرى والرقبى، برقم 2625، ومسلم، كتاب الهبات، باب العمرى، برقم 25 - (1625). (¬2) في نسخة الزهيري: «لا ترجع إلى الذي أعطاها». (¬3) في نسخة الزهيري: «لأنه أعطى عطاء». (¬4) رواه مسلم، كتاب الهبات، باب العمرى، برقم (1625). (¬5) في نسخة الزهيري: «التي أجاز». (¬6) رواه مسلم، كتاب الهبات، باب العمرى، برقم 23 - (1625).

مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا، حَيّاً وَمَيِّتاً، وَلِعَقِبِهِ» (¬1). 297 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قالَ: «لا يَمْنَعْ (¬2) جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِها بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» (¬3). 298 - عن عائشة - رضي الله عنها -، أَنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ قِيدَ شِبْرٍ (¬4)، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (¬5). 82 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث في مسائل تتعلق بالعمرى والجوار يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أعمر عُمرى فهي للذي أعمرها (¬6)»، وفي اللفظ الآخر: ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الهبات، باب العمرى، برقم 26 - (1625). (¬2) في نسخة الزهيري: «لا يمنعن»، والذي في المتن: «لا يمنع» هو لفظ البخاري، برقم 2463. (¬3) رواه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره، برقم 2463، بلفظه، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب غرز الخشب في جدار الجار، برقم 1609 بلفظ: «لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» وبقيته مثل لفظ البخاري. (¬4) في نسخة الزهيري: «من ظلم قيد شبرٍ من الأرض» تقديم وتأخير، وهذا هو لفظ البخاري، برقم 2453، وهو أيضاً لفظ مسلم، برقم 1612. (¬5) رواه البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئاً من الأرض، برقم 2453، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، برقم 1612. (¬6) العمرى: أعْمَرْتُه الدارَ عُمْرَى: أي جَعَلتها له يَسْكُنها مُدَّة عُمْرِه، فإذا مات عادت إليَّ، وكذا كانوا يَفعلون في الجاهلية. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 567، مادة (عمر). والرُّقْبَى: هو أن يقول الرجُل للرجل: قد وهَبتُ لك هذه الدار، فإن مُتَّ قَبْلي رجَعَت إليّ، وإن مُتُّ قبلك فهي لك، وهي فُعْلى من المُرتقَبة؛ لأن كلَّ واحد منهما يَرْقُبُ موت صاحبه. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 609، مادة (رقب).

«قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعمرى لمن وهبت له». وفي اللفظ الآخر: «من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها: حياً وميتاً، ولعقبهِ» قال جابر: إنما العمرى التي أجازها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت، فإنها تردّ إلى صاحبها، أما إذا قال: هي لك ولعقبك، فإنها تنتقل من المعِمر إلى المعمَر، وتكون هبة لازمة مستمرة له ولعقبه، وليس فيها رجوع إذا قبضها المُعْمَر. أما إذا قال: هي لك ما عشت، فهذه محل خلاف بين أهل العلم، قال جابر: «إنها ترجع لصاحبها»، وذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنها للمُعمَر، إلا إذا قال لك: سكناها لك الانتفاع بها، أما إذا قال: قد أعمرتكها فإنها تكون له ولعقبه، ومعنى كلام جابر شيءٌ فهمه جابر؛ لأنه لم يقل: قال رسول اللَّه، وإنما أخبر عن فهمه، أن هذا هو مراد النبي - صلى الله عليه وسلم -. والأحاديث تدل على أنه متى أعمر فإنها تكون له ولعقبه، وإذا قال: هي لك ولعقبك، فهذا من باب التأكيد، ومن باب الإيضاح؛ لأن الإنسان إنما يملك مدة حياته، فإذا مات زال ملكه إلى ورثته؛ ولهذا قال: «أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى، فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه»، دل ذلك على أن

العُمرى تنقل الأموال، وتذهب بأموالهم إلى غيرهم، فأخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الواجب أن يكونوا على بينة، وعلى بصيرة، وأن يمسكوا عليهم أموالهم، حتى لا تخرج عنهم إلا عن علم وعن بصيرة بانتقالها عنهم. وفي الحديث الثاني عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يمنعن جار جاره أن يضع خُشُبَه في جداره»، وفي رواية: «خشبةً في جداره»، ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين، واللَّه لأرمين بها بين أكتافكم»، معنى هذا: أن الجار إذا احتاج إلى جاره في وضع الخشب على جداره، فإنه لا يُمنع إذا كان الجدار يستطيع ذلك، وكان الناس إلى حدٍ قريب تتلاصق دورهم في الغالب بجدران، ويحتاج بعضهم إلى بعض، فإذا احتاج جارك إلى أن يضع خشبةً في جدارك، أو خشبه في جدارك، فلا تمنعه من ذلك، فالجار له حق كبير على جاره، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» (¬1)، واللَّه أوصى به في كتابه العظيم: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} (¬2)، فإذا احتاج جارك إلى وضع خشبه في جدارك لحجرة يقيمها أو دهليز (¬3) يقيمه وما أشبه ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأدب، باب الوصاة بالجار، برقم 6015، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب الوصية بالجار والإحسان إليه، برقم 2625. (¬2) سورة النساء، الآية: 36. (¬3) الدِّهْلِيز: الدِّلِّيج، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. والدِّهْلِيز، بِالْكَسْرِ: مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْجَمْعُ الدَّهالِيز. لسان العرب، 5/ 349، مادة (دهلز) ..

ذلك، فإنك لا تمنعه إذا كان الجدار قوياً يستطيع أن يحمل تلك الخشبة، أما إذا كان ضعيفاً لا يستطيع فأنت معذور، وقوله: «واللَّه لأرمين بها بين أكتافكم» ــ يعني السُّنة ــ وإن لم ترضوا بها، سوف أصرِّح بها وأبينها، براءةً للذمة؛ لمَّا رآهم عنها معرضين، لأن من طبيعة البشر عدم التحمل في إلزامه بشيءٍ لغيره، ولكن أبا هريرة - رضي الله عنه - بيّن لهم أنَّ هذه سنة أمضاها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا وجه لإعراضكم، بل الواجب الالتزام بها. وقال بعض أهل العلم في تفسيره: يعني إن لم ترضوا بها في الجدار، فضعوها على أكتافكم من باب الزجر، ومن باب الوعيد، من باب التشديد عليهم، ليقبلوا السنة، والأظهر هو المعنى الأول، يعني لأصرحن بالسنة، وأوضحها؛ لأن الخشب لا يوضع على الأكتاف، وإنما يوضع على الجدران، فأراد بهذا بيان السنة، وأنه سوف يصرح بها، ويعيدها، ويكررها حتى يعلمها المسلمون، فينقادوا لها، ويرتبط بعضهم ببعض؛ لأن الجار في حاجة إلى جاره، وفي منعه من ذلك نوع من الوحشة، وربما سبب المصارمة والمقاطعة، وفي تمكينه من الانتفاع بجاره ما يسبب الوئام، والمحبة، والتعاون على الخير، وهكذا ما يحتاجه الجيران فيما بينهم، ينبغي أن يكون بينهم المودة، والمحبة، والتعاون بالهدايا،

والدعوة إلى ما قد يقع من ولائم عندهم، والمبادرة بالسلام والتَّحفِّي (¬1)، وعيادة المريض، إلى غير هذا ينبغي أن يكون بينهم عناية بأسباب المحبة، والوئام، والتعاون على الخير، وهذا من حق الجار على أخيه، وهكذا مواساته إذا كان فقيراً، وجاره غني، يعتني بمواساته والحرص على سدّ خَلَّته. والحديث الثالث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من ظلم شبراً من الأرض طوقه اللَّه إياه من سبع أرضين». هذا وعيد عظيم في الظلم، وأن الواجب الحذر من الظلم في الأرض، وغير الأرض، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (¬2)، واللَّه سبحانه يقول: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (¬3). الظلم شره عظيم، وعاقبته وخيمة، ويقول اللَّه - عز وجل -: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا» (¬4)، هذا يعم الأبدان، ويعم الأراضي، ويعم الأعراض, كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَاـ يوم النحر ـ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ــ يعني شهر ذي ¬

(¬1) يقال: أحْفَى فلان بصاحبه، وحَفِيَ به، وتَحَفَّى: أي بالَغ في بِرِّه، والسُّؤال عن حاله. النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 1009، مادة (حفي). (¬2) البخاري، كتاب المظالم، باب الظلم ظلمات يوم القيامة، برقم 2447، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 2579. (¬3) سورة الفرقان، الآية: 19. (¬4) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 2577.

54 - باب اللقطة

الحجة ــ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ــ يعني مكة ــ» (¬1) يبين شدة الأمر - عليه الصلاة والسلام -، وإذا كان من الأراضي، فإنه يطوق يوم القيامة من سبع أرضين, وهذا أيضاً وعيد شديد، وعقوبة عظيمة، أي يُجعل ما ظلم به من الأرض طوقاً له يعذب به يوم القيامة، هذا أيضاً من باب التشديد والتحذير والعاقبة الوخيمة، نسأل اللَّه السلامة. 54 - بابُ اللُّقَطة 299 - عن زيد بن خالد الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه - قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُقَطَةِ (¬2) الذَّهَبِ، أَوِ الْوَرِقِ؟ قَالَ (¬3): «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ» وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ فَقَالَ: «مَا لَك وَلَهَا؟ دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَاكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» وَسَأَلَهُ عَنِ الشَّاةِ؟ فَقَالَ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ» (¬4). ¬

(¬1) البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رب مبلغ أوعى من سامع»، برقم 67، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء، برقم 1679. (¬2) في نسخة الزهيري: «اللقطة»، وهي لفظ البخاري، برقم 91. (¬3) في نسخة الزهيري: «فقال»، وهي لفظ البخاري، برقم 91. (¬4) رواه البخاري، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم، إذا رأى ما يكره، برقم 91، ومسلم، كتاب اللقطة [في فاتحته]، برقم 5 - (1722)، واللفظ له.

83 - قال الشارح - رحمه الله - هذا الحديث الصحيح يتعلق باللُقطة والضوال، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أحكام اللُقطة، وأحكام الضوال في هذا الحديث، وفي أحاديث أخرى. أما اللُّقطة: فهي ما عدا الضوال من الحيوانات، من النقود وغيرها، من قطع الأموال: كالملابس والمفارش، وأشباه ذلك من اللقطات: هذه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن اللاقط يعرِّفها سنة، فإن عُرِفت سلَّمها لصاحبها، وإلا صارت ملكاً له: كالوديعة متى جاء طالبها يوماً من الدهر، وعَرَفَها أدَّاها إليه، وعليه أن يعرف عِفاصها: ووكاءها، عفاصها: وعاؤها، ووكاؤها: رباطها إن كانت مربوطة، وعددها إن كانت معدودة، وهكذا بقية الصفات إذا كان لها صفات أخرى، يكفي أن يعرف صفاتها، حتى يكتبها عنده، ويحفظها عنده، ويُشهد عليها، متى جاء طالبها يوماً من الدهر أعطاها إياه، وبين أهل العلم: أن التعريف يكون في مجامع الناس، مثل الأسواق، إن كان فيها اجتماع، وأبواب الجوامع والمحلات، التي يكون فيها اجتماع: من له لقطة، من له دراهم, من له الذهب، من له قطعة كذا، من دون أن يبين الصفات، فإذا جاء من يطلب، سأله عن الصفات الدقيقة، والخفية، فإذا عرفها، وضبطها، أو جاء بالبينة عليها، أعطاه إياه، ويكون ذلك في الشهر مرتين, ثلاثاً أو أكثر، وكلما كان أكثر، فهو أبرأ للذمة، وأحسن حتى تكمل السنة, وبعد كمال السنة تكون له اللقطة كسائر ماله، لكنها لا تكون مالاً كلياً، بل مالاً في حكم

الوديعة، يعني في حكم الدَّين الذي عليه، متى جاء صاحبها يوماً من الدهر، وعَرَفَها أدَّاها إليه، كأنها أمانة، وما نما منها كأولاد، كما نما من الربح، أو من أولاد الشاة، ونحوها، فهو له، وليس لصاحبها إلا الأصل بعد السنة. ما نما بعد السنة من أرباح، أو أولاد للشاة، أو نحوها، فهو للملتقط، لا لصاحبها؛ لأنها ملكه ونموها له. وهكذا الشاة حكمها حكم النقود، يعرِّفها سنة، كما في الحديث الآخر: «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا» (¬1) يعرفها سنة؛ لأنها لا تدفع عن نفسها، فهي بمنزلة السجادة، والوسادة، وأشباه ذلك، لابد من تعريفها، فإن عُرِفت، وإلا فهي له، ثم هو بالخيار، إن شاء باعها، وحفظ صفاتها، وإن شاء جعلها عند من يرعاها، كعند من يرعى غنماً جعلها مع غنمه [...] (¬2) تبقى مع الغنم، وإن شاء ثمَّنها قيمة عدل بواسطة أهل الخبرة، وَأَكَلَها إن كان أصلح من بيعها. ويضبط الصفات، ويحفظها، متى جاء طالبها يوماً من الدهر أداها إليه، والتعريف سنة كاملة، كالنقود؛ لأن الشاة ونحوها لا تدفع عن نفسها، سواء كانت من الماعز، أو من الضأن ذكراً أو أنثى، لا تدفع عن نفسها، فهي له، أو لأخيه، أو للذئب، فيأخذها إن شاء إذا أمن نفسه عليها، وإن لم يأمن نفسه تركها، لكن الأفضل له أن يأخذها، لقول النبي: «خذها». لئلا تضيع. ¬

(¬1) مسلم، كتاب اللقطة، باب في لقطة الحاج، برقم 1725. (¬2) ما بين المعقوفين كلمتان غير واضحة، ولا يؤثر سقوطهما في المعنى.

أما الإبل ونحوها، فهذه لا يلتقطها، بل يدعها؛ لأنها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها، تدفع عن نفسها من ذئب ونحوه، فلا عليها خطر، فإن كانت في محل فيه خطر، ذكر أهل العلم أنها تؤخذ، وتسلَّم لولي الأمر، حتى يحفظها مع إبل المسلمين، وإن كانت في محل ليس فيه خطر، فيه الشجر، وفيه الماء، وليس فيه خطر، تركها؛ لأن الرسول قال: «دعها» , وكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - محمول على أنها في أرض تستطيع أن تعيش فيها، فيها الماء، وفيها الشجر، أما في أرض مسبعة، فيها الأسود والنمور، أو فيها سُرَّاق لا يُؤمَن عليها في أرض لا تؤمن، فإن قواعد الشرع تقتضي أنه يأخذها، ويسلمها لولي الأمر: أمير البلد، أو حاكم المسلمين [...] (¬1)، حتى يجعلها مع إبل المسلمين، أو يبيعها، ويحفظ ثمنها لمن يعرفها، ويعرف صفاتها، أو أوسامها. ومثل الإبل: البقر، وأشباهها ممن يدفع عن نفسه, أما الذي لا يدفع عن نفسه، كالحمار، وأشباه ذلك، فإنه له حكم كحكم الشاة يباع، أو يُجعل مع الرعية التي عنده [...] (¬2)، حتى يجدها ربها، أو يباع، ويحفظ الثمن والصفات، فإذا جاء طالبها، أعطاه إياه ويعرفها: كالشاة. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن لا يؤثر في المعنى. (¬2) ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن لا يؤثر في المعنى.

7 - كتاب الوصايا

7 - كتاب الوصَايا (¬1) 300 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - (¬2)، أَنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ليلةً، أَوْ لَيْلَتَيْنِ (¬3)، إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» (¬4). زاد مسلم، قال ابن عمر: «فَوَاللَّهِ (¬5) مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ذَلِكَ، إلاَّ وَوَصِيَّتِي عِنْدِي (¬6)» (¬7). 301 - عن سعد بن أبي وَقَّاص - رضي الله عنه - قال: «جَاءَني رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لا». قُلْتُ: فَالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لا». قُلْت: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَر ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً يَتَكَفَّفونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ». قَالَ: ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «باب الوصايا». (¬2) في نسخة الزهيري: «عن ابن عمر - رضي الله عنهما -». (¬3) في نسخة الزهيري: «يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، وهو لفظ البخاري، برقم 2738. (¬4) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2738، ومسلم، كتاب الوصية، فاتحته، برقم 1627. (¬5) «فوالله»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «إلا وعندي وصيتي». (¬7) رواه مسلم، كتاب الوصية، فاتحته، برقم 4 - (1627).

فقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: «إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، إلاَّ ازْدَدْت بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ» يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ» (¬1). 302 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إلَى الرُّبُعِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (¬2). 84 - قال الشارح - رحمه الله - هذا الباب في الوصايا، وغير ذلك، كل الثلاثة متعلقة بالوصايا. الحديث الأول يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يريد أن يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»، هذا يدل على تأكد الوصية إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه، فما حق امرئ مسلم، أي: ليس من حقه هذا، فينبغي له أن يبادر، وهذا يختلف، قد يكون سنةً فقط، وقد يكون واجباً, فإذا أحب أن يوصي بالثلث أو بالربع أو بصدقات استُحب له أن يكتب ذلك، حتى لا ينسى، ويُضيع، أما إن كان الذي عليه شيء واجباً، كالديون للناس، ليس عليها وثائق، أو ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب رثى النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن خولة، رقم (1295)، ومسلم، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 1628. (¬2) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصية بالثلث، برقم 2743، بلفظ: «الثلث والثلث كثير، أو كبير»، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم 1629، واللفظ له.

رهون، أو حقوق أخرى لازمة له، وليس عليها وثائق فيلزم أن يوصي بها، حتى لا تضيع من أجل وجوب أداء الحقوق، إما أن يعجل بقضائها، وهو حي، وإما أن يوصي بها حتى تُسلَّم لأهلها بعد وفاته. وهذا من محاسن الإسلام، ومن محاسن الشريعة: الحث على العناية بما [يريد] (¬1) المؤمن أن ينتفع به بعد وفاته، وأن لا يتساهل؛ لأن الموت يأتي بغتة، فينبغي أن يأخذ بالحيطة بما يحب أن يتقرب به إلى اللَّه، وما يحب أن يوصي به لأقاربه، أو للفقراء، أو غير ذلك، ومن ذلك ما يتعلق بالديون، والرهون التي عليه للناس؛ فإن هذه أمور لازمة، يجب عليه أن يؤديها، وأن يفعل الأسباب التي تقتضي أداءها: من الوصية بذلك، أو إنجازها إذا صار فيها نهايات، وتسليمها لأهلها. وفيه فضل ابن عمر، ومسارعته إليها، فمنذ أن سمع الحديث [ما مرت عليه ليلة] (¬2) إلا ووصيته مكتوبة عنده، هذا يدل على فضله - رضي الله عنه -، كان سبَّاقاً لما سمع من الخير، وكان من أكثر الناس اجتهاداً في العبادة، وحرصاً عليها - رضي الله عنه -. والوصية: ما يَعْهَدُ به الإنسان إلى غيره بعد الموت، يقال له: وصية، وهي الشيء المقرر المؤكد، وقد أوصى بهذا، أي أكد فيه؛ لأنه وصاهم به، وأكد عليهم به، وألزمهم به، فالوصية الأمر المؤكد من الإنسان بعد وفاته، ويعهد به بعد وفاته إلى غيره. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والذي يظهر أنها: «يريد». (¬2) ما بين المعقوفين أضيف لإتمام المعنى.

والحديث الثاني حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنهم - (¬1). قال (¬2): يا رسول اللَّه أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة واحدة -كان في ذاك الوقت ما عنده إلا بنت، [لم يأت له ذكور بعد] (¬3)، ولا إناث أخريات - فأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا»، قلت: فالشطر؟ قال: «لا»، قلت: الثلث؟ قال: «الثلث، والثلث كثير». هذا يدل على أنه ينبغي للموصي أن لا يتجاوز الثلث، بل الثلث فأقل، هذا حقه، والزائد لا حق له فيه, فإذا أوصى كانت الوصية مقيدة بالثلث فأقل؛ لهذا الحديث الصحيح، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - العلة والحكمة في ذلك، قال: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»: كون المؤمن يذر ورثته أغنياء، قد وسَّع اللَّه عليهم بأسبابه، أولى من أن يدعهم عالة يتكففون الناس. ففي هذا دلالة على أنه إذا أراد الخير، واحتسب الخير في ورثته، أنه يؤجر على ذلك، وبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه: إلا أُجرت بها، حتى ما تجعل في فيِ امرأتك» ــ يعني إذا احتسب الأجر فيما [يُقَرِّبه] (¬4) وفيما ينفقه فله ¬

(¬1) آخر الوجه الثاني من الشريط الثالث عشر، سجِّل في درس الشيخ بتاريخ 20/ 8/ 1409هـ. (¬2) أول الوجه الأول من الشريط الرابع عشر، سجِّل في درس الشيخ بتاريخ 20/ 8/ 1409هـ. (¬3) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ - رحمه الله -: «ما بعد جاء ذكور». (¬4) ما بين المعقوفين كلمتان غير واضحة، والظاهر أنها «يقربه».

ذلك، حتى ما يعطي امرأته من النفقة إن احتسب ذلك فهو له أجره، يكون هذا لأجل الواجب. وفيه من الفوائد: أن المؤمن ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث. وفيه من الفوائد شرعية عيادة المريض، وأنه يعود المرضى - عليه الصلاة والسلام -، دل ذلك على شرعية عيادة المرضى. وفي حديث ابن عباس: «لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع ــ يعني لكان أولى ــ؛ لأن الرسول قال: «الثلث، والثلث كثير» ــ كما أوصى الصديق بالخمس، فإذا أوصى بالخمس أو الربع كان أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الثلث، والثلث كثير»، ولهذا قال ابن عباس: «لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع»، يعني لهذا الحديث. وفي حديث سعد في آخره الدلالة على فضل من أطال اللَّه عمره في صالح الإسلام والمسلمين, كما قال: أُخلَّف بعد أصحابي؟ قال: «إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه اللَّه، إلا ازددت به درجة ورفعة: ولعلك أن تُخلَّف حتى ينتفع بك أقوام، ويُضرّ بك آخرون». وقد خُلِّف - رضي الله عنه -، وطالت حياته، إلى أواخر العقد السادس يعني، سنة ست وخمسين من الهجرة، فعاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ستاً وأربعين سنة، وقد نفع اللَّه به الجهاد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحصل على الخير الكثير في جهاد الفرس، فانتفع به أقوام، وانضرَّ به آخرون، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: «اللَّهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على

أعقابهم ...» دعاءٌ لهم بأن اللَّه يعطيهم هجرتهم، ويمضيها لهم، ولا يردهم على أعقابهم، فالإنسان يسأل ربه: أن اللَّه يمضي هجرته، ويتقبلها، وأن لا يردّه عن ذلك خاسئاً خائفاً، بل يسأل ربه أن يبلغه في الهجرة، وأن يخرجه عليها، ويتقبلها منه، مع سؤال اللَّه - عز وجل - حُسن الختام، والعافية من مضلات الفتن؛ فإن الرد على العقب يوقع في الباطل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، ثم قال: «لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له أن مات بمكة، يعني يتوجَّعُ له، هذا يدل على أن المهاجر إذا مات في غير البلد الذي هاجر منها يكون أولى، والموت في بلد هجرته غير مرغوب فيه، يعني: شيء تركه للَّه، فينبغي أن لا يعود إليه، ولهذا بقي الصحابة في المدينة بعد فتح مكة، وسكنوا فيها، حتى مات من مات فيها، أو انتقل إلى الجهاد من انتقل إلى الجهات الأخرى، ولم يعودوا إليها؛ لأنهم تركوها للَّه، فلا ينبغي أن يعودوا فيما تركوه للَّه؛ ولهذا توجَّع النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن خولة؛ لأنه مات في مكة، في محل الهجرة، ومعلوم أن ذلك لا يضر إذا كان بغير اختياره، لكن يُبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّ كونه يموت في محل هجرته، أولى من موته في محله الذي هاجر منه، تحريضاً للمسلم على عدم البقاء في محله، المحل الذي هاجر منه، وأنه يبقى فيه بقدر الحاجة، وأنه يرخّص له ثلاثة أيام بعد الحج، ثم ينصرف إلى المدينة، فالمهاجر ينبغي له إذا أتى القرية التي هاجر منها، أو البلد لحاجة، أن لا يطوِّل فيها، ثلاثة أيام فأقل.

8 - كتاب الفرائض

8 - كتاب الفرائض (¬1) 303 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (¬2). وفي رواية: «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» (¬3). 304 - عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْزِلُ غَداً فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ، أَوْ دُورٍ؟ (¬4)»، ثمَّ قال: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ، ولا الكافرُ المسْلِمَ (¬5)» (¬6). 305 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ» (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «باب الفرائض». (¬2) رواه البخاري، كتاب الفرائض، باب ميراث الولد من أبيه وأمه، برقم 6732، ومسلم، كتاب الفرائض، باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر، برقم 1615. (¬3) رواه مسلم، كتاب الفرائض، باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر، برقم 4 - (1615). (¬4) «أو دور»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 1588. (¬5) في نسخة الزهيري «... لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» قدم الكافر على المسلم. (¬6) رواه البخاري، كتاب الحج، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، برقم 1588، وفي الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، برقم 6764، ومسلم، كتاب الحج، باب النزول بمكة للحاج، وتوريث دورها، برقم 1351، وفي الفرائض برقم 1614. (¬7) رواه البخاري، كتاب العتق، باب بيع الولاء وهبته، برقم 2535، ومسلم، كتاب العتق، باب النهي عن بيع الولاء وهبته، برقم 1506.

85 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالمواريث، وأحكامها. يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الفرائض يبدأ بها قبل أهل التعصيب، وما بقي بعدها فهو لأهل التعصيب، يعني في المواريث؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألحقوا الفرائض بأهلها»، والفرائض هي الأشياء المقدرة، الأنصبة المقدرة، يقال لها فرائض، وغير المقدرة تسمى تعصيباً، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، معنى أولى: أقرب, أقرب رجل ذكر، وفي اللفظ الآخر: «اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب اللَّه»، اقسموا المال يعني: المال المُخلَّف من الميت، التركة بين أهل الفرائض على كتاب اللَّه، فما أبقت الفرائض، فهو لأولى رجلٍ ذكر، هذا محل إجماع بين المسلمين، أجمع العلماء على أن الميت إذا خَلَّف أهل فروض، وأهل تعصيب؛ فإنه يبدأ بأهل الفروض، فما بقي فهو للعصبة. [1] مثال ذلك: إنسان مات عن أبيه، وأمه، وعن ابن، فالأب، والأم من أهل الفرائض، فيقسم المال بينهم على ستة سهام، فالأم لها سدس واحد، والأب له سدس واحد، والباقي للابن العصبة، الأربعة الباقية من الستة للابن العصبة، هذا من معنى ألحقوا الفرائض بأهلها، تعطى الأم السدس؛ لأن اللَّه قال: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (¬1)، فهذا أب وأم، ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 11.

والميت له ولد وهو الابن، فالأم تأخذ السدس: واحداً من ستة، والأب واحداً من ستة، والباقي للابن، فإذا كان وراءه ستة آلاف ريال: تُعطى الأم ألف ريال، والأب ألف ريال، والباقي للابن. وإذا كان وراءه ستين ألف ريال: تُعطى الأم عشرة (¬1)، والأب عشرة (¬2)، والباقي يدفعونه للابن، أو ابن الابن (¬3). [2] ومثال آخر: مات ميت عن زوج: امرأة ماتت عن زوجها، وعن أمِّها، وعن أخٍ شقيق: فالزوج صاحب فرض، والأم صاحبة فرض، والأخ صاحب عصبة: فيُعطى الزوج النصف فرضاً؛ لأن اللَّه يقول: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} (¬4)، وتُعطى الأم فرضها ثلثاً؛ لأن اللَّه أعطى الأم الثلث، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (¬5)، والباقي للأخ العاصب؛ لأنه ليس من أهل الفروض, فإذا كان وراءها ستة آلاف، فيُعطى الزوج ثلاثة, النصيف، والأم تعطى ألفين، وهو الثلث، ويبقى ألف واحد وهو السادس للعصبة للأخ الشقيق، أو الأخ لأب (¬6)، أو ابن الأخ (¬7)، أو ابن ¬

(¬1) أي عشرة آلاف. (¬2) أي عشرة آلاف. (¬3) أي إذا لم يوجد الابن. (¬4) سورة النساء، الآية: 11. (¬5) سورة النساء، الآية: 11. (¬6) إذا عدم الشقيق. (¬7) إذا لم يوجد من هو أولى منه في الذكور.

العم (¬1)، يعطى هذا الباقي، هذا حقه؛ لأن الرسول قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» أعطينا الزوج ثلاثة: النصف، وأعطينا الأم الثلث، اثنين من ستة، وبقي واحد للعاصب. [3] مثال آخر: مات ميت عن أخت شقيقة، وعن جدة، وعن أخٍ لأب, الأخت الشقيقة من أهل الفرائض، والجدة من أهل الفرائض لها السدس، والأخت الشقيقة لها النصف، كما قال تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} (¬2)، [و] قد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الجدة لها السدس، فالميت يُجعل ماله ستة سهام، نصفها للأخت ثلاثة، والرابع، وهو السدس للجدة أم أمه، أو أم أبيه، والباقي اثنان لأخ الميت، سواء شقيق أو لأب أو عم، أو ابن عم، يعطى الباقي اثنان من ستة؛ لأن الأخت أخذت النصف، سواء كانت شقيقة أو لأب، وأخذت الجدة السدس، سواء كانت أم أبيه، أو أم أمه، والباقي اثنان من ستة للعصبة، لأخ الميت، أو عم الميت، أو ابن عم الميت أو معتق الميت هذا معنى الحديث: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكر» وفي اللفظ الآخر: «اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب اللَّه، فما أبقت الفرائض فهو لأولى رجل ذكر». ¬

(¬1) إذا لم يوجد أولى منه في الذكور. (¬2) سورة النساء، الآية: 176.

الحديث الثاني يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» متفق على صحته (¬1)، معناه إذا كان الأقارب مختلفين في الدين، فإنهم لا يتوارثون، فإذا مات إنسان مسلم عن أخٍ مسلم، وعن أبٍ كافر، فالميراث لأخيه المسلم، والأب ليس له شيء؛ لأنه كافر، إذا مات ميت مسلم عن أخيه المسلم، أو ابن عمه المسلم، وراءه كافر (¬2)، فالميراث للمسلم، ولو أنه ابن عمٍ بعيد، يعطى الميراث، وأبوه الكافر ليس له شيء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، كذلك لو مات شخص كافر عن ابن له كافر، وابن له مسلم، فَوِرْثه للكافر الذي مثله على دينه، وابنه المسلم لا يرث شيئاً؛ لأن الميت الكافر لا يرثه إلا الكافر، مثلما إذا مات نصراني عن ابن له نصراني، وله ابن ثانٍ مسلم قد هداه اللَّه وأسلم، ما يرث من أبيه النصراني، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» لا يتوارثون لاختلاف الدين, هذا على دين، وهذا على دين، فلا يتوارثان. الحديث الثالث: يقول ابن عمر: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن بيع الولاء وعن هبته»، الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء، وعن هبته, لا يباع الولاء، ولا هبته كالنسب، لا يباع ولا يوهب، وفي اللفظ ¬

(¬1) البخاري، برقم 6764، ومسلم، برقم 1614، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 304. (¬2) وراءه: أي بعده: وارث بعده.

الآخر: «الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَالنَّسَبِ: لا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ» (¬1). فالولاء مثل النسب لا يباع، فلو أن إنساناً باع نسبه من أخيه ما يصلح البيع، أو باع نسبه من ولده ما يصلح البيع، أو باع نسبه من ابن عمه لا يصح البيع، النسب لا يباع، وهكذا الولاء، والولاء هو ولاء العتق، فلو أنك أعتقت زيداً، فأنت الوارث له عصبته، فلو بعته هذا الولاء ولائي من زيد أبيعه، اشتره مني يا فلان بكذا، أنت تكون وليه بدلاً مني، ما يصح، أو وهبته إيَّاه، تقول: أنا وهبتك إياه، الولاء ما يصح، ما يكون صحيحاً، لا يرثه إلا أنت وعصبتك، فبيعك للولاء، أو هبتك باطلة مثل لو بعت قرابتك من أخيك، أو من أبيك، ما يصح البيع, فالقرابة لا تباع، ثابتة تبقى, ولو بعتها فالبيع باطل، فهكذا الولاء ولاء العتاق، إذا أعتقت إنساناً أعتقت رجلاً، أو أعتقت امرأةً، فأنت وليها، إذا ما صار لها ورثة إلا أنت، ما لها أقارب، أنت وليها، وعصبتك، فلا تبيع ولاءك، ولا تهبه، فلو بعت هذا الولاء، أو وهبته لأحد، فالهبة باطلة، والبيع باطل، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته، لأنه كالنسب. 306 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت (¬2): «كَانَتْ فِي بَرِيرَةَ ثَلاثُ سُنَنٍ: خُيِّرَتْ عَلَى زَوْجِهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟» فقَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَكَ مِنْهُ، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا مِنْهَا (¬3) هَدِيَّةٌ»، وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬4): «إنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (¬5). ¬

(¬1) روي مرفوعاً: أخرجه الشافعي، 407، وابن حبان، 11/ 326، برقم 4950، والحاكم، 4/ 341، والطبراني في الأوسط في رواية، 2/ 82، برقم 1318، ورواه موقوفاً: ابن أبي شيبة، 4/ 308، برقم 20472، ولفظه: «الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ»، وعبد الرزاق، 9/ 3، برقم 16140، وسنن الدارمي، 1/ 226، وسعيد بن منصور، 1/ 92، برقم 277، وصحح المرفوع العلامة الألباني في إرواء الغليل، 6/ 109، وقوى ابن حجر في فتح الباري، 12 - / 44، كلها دون لفظ: «ولا يورث»، وقال الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، 4/ 200: «وَرَوَاهُ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَعْوَرُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَسْمَلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ: «لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ»، فَزَادَ فِيهِ: «وَلَا يُورَثُ»؛ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ وَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ أَشْبَهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ، وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «وَلَا يُورَثُ». (¬2) في نسخة الزهيري: «أنها قالت». (¬3) في نسخة الزهيري: «وهو منها لنا هدية». (¬4) في نسخة الزهيري: «وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها». (¬5) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الحرة تحت العبد، برقم 5097، واللفظ له، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم 1504.

9 - كتاب النكاح

9 - كتاب النكاح 307 - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال (¬1) رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ. فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» (¬2). 86 - قال الشارح - رحمه الله - هذان الحديثان الصحيحان عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -: أحدهما: حديث عائشة من جهة من جهات بريرة. والثاني حديث ابن مسعود في الحث على الزواج. أما حديث عائشة في قصة بريرة، فهو حديث عظيم له شأن، وقد ذكرت عائشة - رضي الله عنها -: أن فيه ثلاث سنن، يعني أن من جملة فوائده ثلاث سنن، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها فوائد، وكلها من نعم اللَّه العظيمة على العباد، لما فيها من التوجيه، والتشريع, فقصة بريرة فيها سنن كثيرة، منها الثلاث التي ذكرت عائشة. ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال لنا». (¬2) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، برقم 1905، وكتاب النكاح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، برقم 5065، ولفظ الحديث من مجموع ألفاظ الحديثين، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم 1400، واللفظ له.

إحداها: أنها خُيِّرت على زوجها لمّا عتقت، فدل ذلك على أن الجارية المملوكة إذا عتقت وهي تحت زوج مملوك يكون لها الخيار، إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وبانت منه بينونةً صغرى؛ لأنها ملكت نفسها. وكان زوجها عبداً أسود رقيقاً، فدل ذلك على أن الحكم هو هكذا، إذا عتقت جارية تحت زوج رقيق، فإنها بالخيار إن شاءت بقيت معه، وإن شاءت اختارت نفسها، وقد كان زوجها يحبها كثيراً، ويُسمَّى مغيثاً، وكان يبكي عليها كثيراً، لأنها عافته، وامتنعت منه، فجاءها النبي - صلى الله عليه وسلم - يشفع في قبولها زوجها وعدم فراقه، فقالت: يا رسول اللَّه تأمرني؟ قال: «لا, ولكن أشفع». قالت: لا حاجة لي فيه (¬1). هذه من الفوائد أيضاً: أن الشفاعة ما تلزم، ولو كانت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنها غير الأمر، فإذا شفع - عليه الصلاة والسلام - إلى إنسان ليسقط ديناً عن فلان، أو يسقط بعضه، أو يسقط القصاص، أو ما أشبه ذلك، فالمشفوع إليه إن شاء فعل، وإن شاء ترك: ما يلزمه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قالت بريرة: «تأمرني أم تشفع؟»، قال: «بل أشفع» , فقالت: «لا حاجة لي فيه» , ولم يلمها، ولم يُنكر عليها عدم قبول الشفاعة. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة، برقم 5283، ولفظه: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي، وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِعبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا»، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ رَاجَعْتِهِ»، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَامُرُنِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ»، قَالَتْ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ».

ومن الفوائد: أن بريرة أُهدي إليها لحم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل الصدقة, وهكذا بنو هاشم، لا يقبلون الصدقة, فدعا بطعام، فأُتي بخبز وأُدم من البيت، فقال: «ألم أر البرمة على النار، فيها لحم؟!» قالوا: بلى، ولكنه تصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه, فقال - عليه الصلاة والسلام -: «هو عليها صدقة، وهو لنا منها هدية»، هذا يدل على أن الصدقة، إذا وصلت للفقير بلغت محلها, فإذا دفعها إلى من تحرم عليه الصدقة، جاز له الأكل؛ لأنها ليست صدقة عليه, هدية من الفقير, الفقير يهديها إذا بلغت محلها، وتأدّى الواجب بها, فإذا أهدى الفقير منها إلى غني، أو دعا الأغنياء، وأكلوا من طعامه، وإن كان من الصدقة لا حرج عليهم؛ لأن الصدقة بلغت محلَّها، فإذا أولم الفقير وليمة، ودعا إليها جيرانه وأقاربه من الأغنياء، وغيرهم, فلا بأس أن يأكلوا منها، وإن كانت صدقة عليه؛ لأنها بلغت محلها، فهي لهم هدية، ليست صدقة عليهم؛ لأنه ليس هو المزكي, المزكي غيره, وإنما هو فقير أخذها، وبلغت محِلَّها. الفائدة الثالثة أو السُّنة الثالثة: أنها اشترت نفسها من أهلها بأقساط، كل سنة أُوقية في تسع سنين، كل سنة أوقية تساوي ثلاثمائة وستين درهماً، الأوقية أربعون درهماً، فجاءت إلى عائشة تطلب العون، أي تسديد الثمن، فقالت عائشة: «إن شاء أهلك عددت لهم الدراهم وأعتقتك». فقالت لهم قالوا: لا بأس، إن كان الولاء لنا يعني ولاءها, فسألت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا, الولاء لمن أعتق» , قال: «اشتريها

واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق» (¬1). وثبت بهذا أن الولاء يكون كالعصوبة تكون لمن أعتق، فإذا أعتق إنسان إنساناً، فالولاء للمعتق, يرثه، ويكون له الولاء، والعصب؛ لأنه المعتق, ولو كان الولاء لغير المعتق بطل الشرط، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (¬2). وفيه من الفوائد: جواز البيع بالتقسيط؛ لأنها اشترت نفسها بالتقسيط ثلاثمائة وستون درهماً كل سنة تعطيهم أربعين درهماً (¬3)، فدل ذلك على أن التقسيط جائز، لو باع الإنسان بيتاً، أو أرضاً، أو سيارةً بأقساط معلومة، إلى آجال معلومة، فلا بأس بذلك، لصحة بيع بريرة بأقساط لآجال معلومة، إذا كان المبيع في ملك البائع وحوزته, إذا كان في ملك، وحوزة البائع، فلا بأس بأقساط، أو بثمن معجَّل، أما إذا كان ليس في حوزته ليس له البيع، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبع ما ليس عندك» (¬4) , «لا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس ¬

(¬1) البخاري، برقم 2168،ومسلم، برقم 1504، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 277. (¬2) رواه البخاري، برقم 2168، ومسلم، برقم 1504، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 277. (¬3) تقدم كلام الشيخ - رحمه الله -: أن بريرة اشترت نفسها من أهلها بثلاثمائة وستين درهماً، كل سنة تدفع أربعين درهماً على تسع سنين. انظر: البخاري، برقم 2168، ومسلم، برقم 1504، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 277. (¬4) أخرجه أحمد، 24/ 26، برقم 15311، والنسائي، برقم 4613، وابن ماجه، برقم 2187، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275.

عندك» (¬1)، الإنسان لا يبيع شيئاً عند الناس، أما إذا ملكه، أو حازه بالشراء، ثم باعه بعد ذلك، فلا بأس. وفي حديث ابن مسعود: دلالة على تأكيد الشباب التعجيل على الزواج، وأنه ما ينبغي التأخير لمن قدر، بل يجب البدار بالزواج، لما فيه من العفة للفرج، وغض البصر، وتكثير النسل، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» الباءة أي مؤنة الباءة، يعني مؤونة الزواج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، يعني النكاح فيه غض للبصر، وإحصان للفرج، فيه إعانة على ذلك, ومن لم يستطع يعني المؤنة، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء. الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أن الواجب البدار بالزواج على الشباب إذا قدروا، فإن عجزوا، شُرع لهم الصوم، واتخاذ أسباب السلامة، فالصوم يضيِّق مجاري الدم، ومجاري الشيطان، فيضعف سلطان الشهوة، ولكن متى استطاع الزواج فليبادر، ولو بالاستدانة والقرض، ونحو ذلك, فاللَّه جل وعلا يعينه للحديث الصحيح: «ثلاثة حق على اللَّه عونهم»، منهم: «المتزوج يريد العفاف» (¬2)، وذكر الشباب ¬

(¬1) أخرجه أحمد، 24/ 26، برقم 15311، والنسائي، برقم 4613، وابن ماجه، برقم 2187، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275. (¬2) أخرجه الإمام أحمد، 15/ 397، برقم 9631، والنسائي، كتاب الجهاد، فضل الروحة في سبيل اللَّه - عز وجل -، برقم 3120، وابن ماجه، كتاب العتق، باب المكاتب، برقم 2518، والترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في المجاهد، والناكح، والمكاتب، وعون اللَّه إياهم، ولفظه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ»، وقال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، وقوَّى إسناده محققو المسند، 15/ 15/ 397، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 192.

ليس قيداً، ولكنه تعبير بالأغلب، يعني أن الأغلب، أن الشباب يكونون أقوى من الشيبان في حاجة الزواج, وإلا فلو كان كبيراً، ويحتاج إلى الزواج يبادر، ليس له أن يترك الزواج، ولو أنه كبير إذا كان فيه شهوة ويقدر، فالواجب أن يبادر ويتزوج، ولا يترك الزواج؛ لما فيه من إحصان الفرج، وغض البصر، ومصالح كثيرة، لكن عبّر بالشباب، نظراً لأن الأغلب أن الحاجة لهم أكثر. 308 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ نَفَراً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ (¬1) فَحَمِدَ اللَّهَ. وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا (¬2)؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» (¬3). 309 - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى ¬

(¬1) «فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك»: ليست في نسخة الزهيري. (¬2) «وكذا»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 5 - (1401). (¬3) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء: 3]، برقم 5063، بمعناه، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم 5 - (1401)، واللفظ له.

عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا» (¬1). «التبتل» ترك النكاح، ومنه قيل لمريم: البَتُول (¬2). 87 - قال الشارح - رحمه الله - هذان الحديثان الشريفان عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيهما الدلالة على أنه لا يجوز للمؤمن أن ينقطع للعبادة، ويدع ما شرع اللَّه له، أو يتنطَّع، فيزيد في دين اللَّه ما لم يشرعه اللَّه، بل عليه أن يلزم الشرع، وأن يقف عند حدوده، فلا يبتدع، ولا يجفو، ولكن بين ذلك، فشرع اللَّه وسط بين الطرفين، وحقٌّ بين باطلين, فلا جفاء ولا إفراط وغلو، ولكن بين ذلك. وفي حديث أنس أن جماعةً من الصحابة سألوا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمله في السر، يعني عمله في البيت، فلما أخبرنهم أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنهم تقالّوا ذلك، وقالوا: أين نحن من رسول اللَّه، قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، كما في الرواية الأخرى: ونحن على خطر؛ فلهذا قال بعضهم: «أما أنا، فلا أتزوج النساء»، يعني أتفرغ للعبادة وأنقطع للعبادة، وقال الآخر: «أما أنا فلا آكل اللحم، وقال ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب ما يكره من التبتل والخصاء، برقم 5073، و5074، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم 1402. (¬2)» التبتل ... إلى البتول» ليس في نسخة الزهيري.

الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش» (¬1)، وفي رواية أخرى: قال آخر: «أما أنا، فأصلي، ولا أنام، وآخر قال: أما أنا، فأصوم، ولا أفطر» (¬2)، يعني أرادوا التكلف في العبادة، وإتعاب أنفسهم بما لم يشرعه اللَّه، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك خطب - عليه الصلاة والسلام - الناس، كعادته في التنبيه على الأمور المهمة في الخطبة - عليه الصلاة والسلام -، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟!»، وهذه عادته أيضاً، لا يُسمي الناس، يقول: ما بال أقوام؟ ولا يُعيِّن فلاناً وفلاناً؛ لأن ذلك أستر لهم، ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ يعني قال بعضهم كذا، وقال بعضهم كذا, ذكر أقوالهم، قال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، والآخر: قال: أنا أصوم ولا أفطر، وقال آخر: لا آكل اللحم، وقال آخر: لا أتزوج النساء ...» إلى آخره، ثم قال: «لكني أُصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء»، وفي الرواية الأخرى: «وآكل اللحم، وأنام على الفراش، فمن رغب عن سنتي فليس مني»، بيّن لهم - صلى الله عليه وسلم - أن من رغب عن السنة، وشدّد على نفسه، وألزمها بما لم يلزمها اللَّه وتنطّع (¬3) [أنه ليس منه] (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، برقم 5063، ومسلم، برقم 1401وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 308. (¬2) أخرجه البخاري، برقم 5063، ومسلم برقم 1401، وأخرجه أحمد أيضاً في المسند، 21 - / 169، برقم 13534 وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 308. (¬3) آخر الوجه الأول من الشريط الرابع عشر. (¬4) ما بين المعقوفين سقط من التسجيل، فأبدلته بهذه الجملة: «أنه ليس منه»؛ ليتضح المعنى.

وفي حديث سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) ردَّ على عثمان بن مظعون التبتل لما أراد عثمان أن يتبتل في العبادة وينقطع ردَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنكر عليه ذلك، قال سعد: «ولو أذن له لاختصينا»، لو أذن له في التبتل والانقطاع عن الزوجات، وعن كل أحد لاختصينا، حتى نسلم من شر الشهوة، لكن الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنكر ذلك, وأخبر أنه يأتي النساء، ويتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني, فدل ذلك على وجوب التقيد بالشرع، وأنه لا يجوز للمسلم أن يتنطع، ويزيد في دين اللَّه ما لم يأذن به اللَّه، وقد ذم اللَّه قوماً فعلوا ذلك فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ} (¬2)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «من رغب عن سنتي فليس مني» , وقال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬3)، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬4) , وقال: «شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» (¬5). ¬

(¬1) أول الوجه الثاني من الشريط الرابع عشر. (¬2) سورة الشورى، الآية: 21. (¬3) رواه البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1. (¬4) رواه البخاري، قبل الحديث رقم 2142، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1. (¬5) سنن ابن ماجه، المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل، برقم 46، وصحيح ابن خزيمة، 3 - / 143، وصحيح ابن حبان، 1/ 186، برقم 10، والطبراني، 9/ 96، برقم 8518، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 1/ 161، وفي إرواء الغليل، برقم 608، و611.

فليس للناس أن يحدثوا في الدين ما لم يأذن به اللَّه، ولا يكون للَّه متعبداً بهذا يتنطع، أو لا ينام على الأرض أو على التراب، أو لا يتزوج النساء، أو يصوم دائماً ولا يفطر، أو يصلي الليل كله ولا ينام، كل هذا تنطع لا يجوز وتكلف, واللَّه يقول للرسل وهم أفضل الناس: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (¬1) , ويقول لأهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (¬2) , والنبي هو سيد المتوكلين، وسيد الزاهدين، وسيد أهل التقوى، ينام على سرير، وينام على الفراش، ويأكل اللحم، ويتزوج النساء، وعنده تسع (¬3)، - عليه الصلاة والسلام -، ويصوم ويُفطر، ويقوم بعض الليل وينام، فالخير كله في اتباعه - عليه الصلاة والسلام -، وفي السير على منهاجه, أما الزيادة على ذلك والتنطع والتكلف وتعذيب النفس هذا لا يجوز، كذلك الجفاء, الإنسان يجفو، ويتساهل، ويرتكب المعاصي، هذا أيضاً لا يجوز, ولكن الوسط الوسط الوسط، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (¬4)، يعني عدلاً خياراً، لا جفاةً متساهلين، ولا متنطعين متكلفين مبتدعين، ولكن الوسط هو لزوم الحق، الذي جاء به النبي - عليه الصلاة والسلام - قولاً وعملاً. ¬

(¬1) سورة المؤمنون، الآية: 51. (¬2) سورة البقرة، الآية: 172. (¬3) أي عنده تسع نساء. (¬4) سورة البقرة، الآية: 143.

310 - عن أم حبيبة بنت أبي سفيان بأنها قالت: يا رسول اللَّه، انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ، فقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكِ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْليَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ: أُخْتِي، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِي» قَالَتْ: فإنَّا نُحَدَّثُ أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟!» قُلْت: نَعَمْ، فقَالَ (¬1): «إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلِيَّ بَنَاتِكُنَّ، وَلا أَخَوَاتِكُنَّ» (¬2). «قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كان أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قال (¬3): مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ (¬4) أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْراً، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ مِنْ هَذِهِ (¬5) بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ» (¬6). «الحِيبةُ» بكسر الحاء المهملة: الحال (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال»، ولفظ المتن: «فقال» للبخاري، برقم 5101. (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]، وباب قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]، برقم 5101، واللفظ له، ومسلم، كتاب الرضاع، باب تحريم الربيبة وأخت المرأة، برقم 1449. (¬3) في نسخة الزهيري: «قال له»، وهذا لفظ البخاري، برقم 5101. (¬4) في نسخة الزهيري: «قال له»، وهو لفظ المتن للبخاري، برقم 5101. (¬5) في نسخة الزهيري: «في هذه»، وهو لفظ البخاري، برقم 5101. (¬6) رواه البخاري، برقم 5101، بلفظه، وبنحوه مسلم، برقم 1449، وتقدم في التخريج قبله. (¬7) في نسخة الزهيري: «الحيبة: الحالة بكسر الحاء».

311 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَجْمَع الرَّجُلُ (¬1) بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» (¬2). 312 - عن عُقْبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (¬3). 88 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالنكاح. الحديث الأول: حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب أم المؤمنين - رضي الله عنها - وعن أبيها، أنها قالت: يا رسول اللَّه انكح أختي ابنة أبي سفيان, فقال لها - عليه الصلاة والسلام -: «أو تحبين ذلك؟» يعني استغرب النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن المرأة في الغالب ما ترضى أن يكون لها جارة، فأجابت بقولها: لست لك بمُخْليَة، أي لست لك بمتروكة، لا بد من جارات, ¬

(¬1) «الرجل»: ليست في نسخة الزهيري، وبنى الجملة للمجهول: «لا يُجمع بين»، وهذا هو لفظ البخاري، برقم 5109، وهو لفظ مسلم أيضاً، برقم 1408. (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، برقم 5109، بلفظه، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، برقم 1408، بلفظه أيضاً. (¬3) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في المهر عند عقد النكاح، برقم 2721، بلفظ: «أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وكتاب النكاح، باب الشروط في النكاح، برقم 5151، بنحوه، ومسلم، كتاب النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح، برقم 1418، بلفظ: «إن أحق الشروط أن يُوفى به ما استحللتم به الفروج».

وإذا كان لا بد من جارات، فأحب من شاركني في خير أختي ــ معناه: لو كنت أسلم من الجارات ما أحببت أن تنكح أختي، لكن إذا كان لا بد من جارات، فأختي أولى من غيرها، وهذا يدل على عقلها وفضلها, ولهذا قالت: «وأحبُّ من شاركني في خيرٍ أختي»؛ لأن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعظم الخير لها، قال لها رسول اللَّه: «إن ذلكِ»، يخاطب المرأة بكسر الكاف «إنّ ذلكِ لا يحلُّ لي» يعني جمعه بين المرأة وأختها لا يحل له، لأن اللَّه قال: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (¬1)، فلا يحل للرجل أن يجمع بين أختين في نكاح، ولا بين المرأة وعمتها، كما في الحديث الثاني، ولا بين المرأة وخالتها؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها»، والحكمة من ذلك، واللَّه أعلم، كما قال جمع من أهل العلم: إنه وسيلة للقطيعة؛ لأن من عادة النساء فيما بينهن بغض الجارة، فإذا كانت أختها ضرةً لها، أو عمتها، وخالتها يسبب القطيعة، فمن رحمة اللَّه أن حرم نكاح المرأة على أختها، أو عمتها، أو خالتها. أما بنت العم، فلا بأس، وبنت الخال؛ لأنها قرابة بعيدة، فلا بأس أن يجمع بين المرأتين من بنات العم، أو بنات الخال، أو بنات الخالة، لا حرج في ذلك. قالت: فإنا نُحدّث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، ابن عبد الأسد، قال: «بنت أم سلمة؟» قالت: قلت نعم. قال ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 23.

- عليه الصلاة والسلام -: «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة»، واللَّه حرم بنت الأخ من الرضاعة، كما حرم بنت الأخ من النسب في المحرمات التي ذكرها اللَّه سبحانه في النساء: بنات الأخ، والنبي؛ قال: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» (¬1)، فدل ذلك على أن بنت الأخ من الرضاع حرام، كما أن بنت الأخ من النسب كذلك. «أرضعتني وأبا سلمة ثويبة مولاة لأبي لهب»، دل على أنها محرمة من جهتين: محرمة من جهة أنها ابنة أخيه من الرضاع، ومحرمة من جهة أنها بنت أم سلمة ربيبته، وقد دخل بأمها، واللَّه يقول: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (¬2)، فصارت بنت أم سلمة محرمة من جهتين: من جهة أنها بنت زوجته، ومن جهة أنها بنت أخيه من الرضاعة؛ ولهذا قال: «فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن» تعرضن خطاب للنساء بناتكن يعني بنت الزوجة المدخول بها ما تصلح «ولا أخواتكن»، لكن فرق بينهما، بنت الزوجة محرمة إلى الأبد، إذا دخل بأمها تحريماً أبدياً، أما تحريم الأخت، فهو تحريم أمدي له أمد, فإذا فارق أختها، أو ماتت أختها حلت أختها، فتحريم الأخت والعمة والخالة ليس مؤبداً، بل مؤمَّداً له أمد محدود، وهو موت الزوجة، إذا ماتت الزوجة أو طلقت، وانتهت عدتها، حلّت ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، برقم 2645، ومسلم، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاع، برقم 1447. (¬2) سورة النساء، الآية: 23 ..

أختها وعمتها وخالتها، وقوله في حديث أبي هريرة: «إنه نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها» هذا يعمّ النسب والرضاع، عمتها وخالتها من الرضاع، ومن النسب، وكذلك المرأة وخالتها من النسب، ومن الرضاع، لا يجوز الجمع بينهما بالنص من السنة، أما الجمع بين الأخوات، فهذا محرم بالإجماع، وبالنص من القرآن، أما الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، فهذا محرم بالنص من السنة، وبإجماع أهل العلم، فلا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، لا من النسب، ولا من الرضاع. الحديث الثالث: حديث عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج» متفق على صحته (¬1)، وهذا حديث عظيم يدل على أن الشروط التي تقع في عقود النكاح من أولى الشروط بالوفاء، بل هي أحق الشروط؛ لأنه يتعلق بها استباحة الفروج، فهي أعظم من شروط البيع، وشروط الإجارة ونحوها، ولهذا قال: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج»، يدخل فيها شروط الزوجة، وشروط الأمة التي يجوز لها (¬2) التسرِّي بها، الشروط فيها مهمة، فدلّ ذلك على أنه إذا شُرِطَ على الرجل لحل الزوجة شرطاً يجب أن يهتم بذلك، فإذا تزوجها على أنه ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 5151، ومسلم، برقم 1418، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 312. (¬2) أي: التي يجوز التسري بها ..

يعطيها مثلاً عشرة آلاف ريال، فالواجب عليه الوفاء؛ لأنه ما استحل فرجها إلا بهذا, إذا تزوجها على أن يسكنها في بيت مستقل، فيوفي لها بالشرط، إذا تزوجها على أن ينقلها إلى بلد آخر، اتفق على أنه ينقلها إلى مكة إلى المدينة إلى الرياض شرط لم ترض إلا بهذا، فليوفِ لها بالشرط إلا أن تسمح، تزوجها على أنه لا يتزوج عليها غيرها، كونها تبقى معه من دون جارة، يوفي لها بالشرط، فإذا أحب أن يتزوج جارة شاورها، إن سمحت وإلا فلا يتزوج، فإن تزوج فلها الخيار؛ لأنه مشروط عليه إذا تزوج فلها الخيار، إن شاءت بقيت، وإن شاءت فارقها؛ لأن المسلمين على شروطهم، وهكذا إذا اشترطت شروطاً جائزة شروطاً شرعية، فإن لها شرطها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج»، وهو لم يستحل فرجها إلا بهذه الشروط التي رضيت بها، والواجب عليه أن يأتي بها إلا إذا سمحت عن شيء، فالحق لها، إذا أسقطت حقها من الشروط بأن شرطت عليه أن يعطيها عشرة آلاف، وسمحت عن خمسة، أو سمحت عن الجميع، أو شرطت أنه ينقلها إلى مكة، أو المدينة، أو الرياض، أو الخرج، أو الحوطة [...] (¬1) بهذا ينقلها، فإذا سمحت سقط الشرط، وهكذا لو شَرطت عليه بيتاً، إنه ينقلها عن أهله [ويجعلها] (¬2) في بيت، قد لايرون ¬

(¬1) ما بين المعقوفين جملة غير واضحة، ولا يؤثر سقوطها على المعنى. (¬2) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ - رحمه الله -: «ويحطَّها».

أن يجعلها عند أهله لا بد من بيت مستقل [اشترطوا ذلك] (¬1) , ثم سمحت قالت: لا بأس أن أسكن عند أهلك أو عند أهلي، يسقط الشرط إذا سمحت له؛ لأن هذا حق لها فإذا أسقطته سقط. 313 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ نِكَاحِ (¬2) الشِّغَارِ»، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ (¬3) ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صدَاقٌ (¬4). 314 - عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ» (¬5). 315 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين جملة غير واضحة، والأظهر أنها: «اشترطوا ذلك». (¬2) «نكاح»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) «الآخر»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الشغار، برقم 5112، بلفظه، إلا كلمة: «نكاح»، فلم أجدها في روايات البخاري، ولا مسلم، وكتاب الحيل، باب الحيلة في النكاح، برقم 6960، بلفظ: «حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: «يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ، وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ»، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه، برقم 1415، وانظر تفسير الشغار في: فتح الباري، لابن حجر، 9/ 162. (¬5) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب نهْي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة آخراً، برقم 5115، وأخرجه متفرقاً في مواضع، برقم 4216، و5115، و5523، و6961، ومسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة، برقم 30 - (1407)، واللفظ له.

حَتَّى تُسْتَامَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَاذَن». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وكَيْفَ (¬1) إذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ» (¬2). 89 - قال الشارح - رحمه الله - هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بأحكام النكاح. في الحديث الأول: الدلالة على تحريم نكاح الشغار؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - نهى عنه، وجاء في هذا عدة أخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلها دالة على تحريم نكاح الشغار، حديث ابن عمر، وحديث جابر، وحديث أبي هريرة وغيرها، ومنها «لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ» (¬3)، والشغار (¬4) هو أن يشترط كل واحد من الوليين نكاح الثانية هذا يقول: أزوجك على أن تزوجني أو تزوج ابني أختك، أو بنتك، والآخر كذلك، يتفقان على هذه المشارطة، قيل: سمي شغاراً؛ لأنه ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «كيف» بدون واو، والواو في لفظ البخاري، برقم 5136، ومسلم، برقم 1419. (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، برقم 5136، واللفظ له، ومسلم، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، برقم 1419. (¬3) مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه، برقم 60 - (1415). (¬4) الشغار: نِكاحٌ معروفٌ في الجاهلية، كان يقول الرجُل للرَّجُل: شاغِرْني: أي زَوِّجْني أخْتَك، أو بْنتَك، أو مَن تَلِي أمْرَها، حتى أزوِّجَك أخْتي، أو بِنْتِي، أو مَن ألي أمْرَها، ولا يكونُ بينهما مهر، ويكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما في مُقابَلة بضْع الأخرَى، وقيل له شِغار لارْتفاعِ المَهْر بينهما، من شَغَر الكَلْبُ: إذا رفَع إحدى رِجْليه ليَبُولَ، وقيل الشّغر: البُعْد، وقيل: الاتِّسَاعُ. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 482، مادة شغر.

في الغالب يخلو من المهر، يقال: شغرت البلد إذا خلت من أهلها, شغر المكان إذا خلا من الساكن فيه. وقيل: إنه يشبه عمل الكلب إذا شغر برجله ليبول، كأنه يقول: لا ترفع رجلها حتى أرفع رجل موليتك؛ أو لأنه إذا شغر برجله خلا مكانها. فالحاصل أن الشغار هو كون كل واحد يشرط على الآخر نكاح الأخرى، يتزوجها على اشتراط كونه يزوجه موليَّته الأخرى, فهذا يقول: أنا أزوجك بنتي على أن تزوجني ابنتك، أو تزوج ابني أو أخي، والآخر يقول كذلك: أزوج بنتي على كذا وكذا، فيشارطان، ونهي عن هذا؛ لأنه وسيلة إلى ظلم النساء، وجبرهن على النكاح؛ ولأنه عقد في عقد، فأشبه بيعتين في بيعة؛ ولأنه في الغالب يكون تزويجاً بغير مهر، فكأنه زوج المرأة بالمرأة دون مهر، واللَّه يقول: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (¬1)، فسد الشارع الذريعة لذلك، فهو محرم لعدة علل، ولعدة حِكم، سواء سُمّي فيه مهر، أو لم يُسمَّ فيه مهر، هذا هو الصواب. وأما قول الراوي: والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق، فهذا من كلام بعض الرواة، وليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو من كلام نافع الراوي عن ابن عمر، وقيل من كلام مالك - رحمه الله -، والخلاصة أنه ليس من كلام النبي - عليه الصلاة والسلام -؛ ولهذا جاء في حديث أبي هريرة: أن الرسول: «نَهَى ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 24.

عَنِ الشِّغَارِ، قال: وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، وَزَوِّجْنِي أُخْتَكَ، وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي» (¬1). فظاهره أنه كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه أن يقول كل واحد هذا الكلام: زوجني أختك، وأزوجك أختي، أو بنتك وأزوجك بنتي، أو زوج ابني، أو أخي. وفي حديث معاوية - رضي الله عنه - أنه كتبوا إليه أهل المدينة عن رجل تزوج امرأة على أن يزوجه الآخر امرأة أخرى، وقد سميا صداقاً فكتب معاوية إلى أمير المدينة، فرق بينهما, وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، مع أنهما قد سميا مهراً، وبهذا يُعلم أن نكاح الشغار محرم مطلقاً، ولو سُمِّي فيه مهر، ما دامت المشارطة أو التواطؤ قد حصل. والحديث الثاني: حديث علي - رضي الله عنه - في النهي عن نكاح المتعة، ¬

(¬1) مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح الشغار وبطلانه، برقم 1416. (¬2) أخرج الإمام أحمد، 28/ 70، برقم 16865: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَقَدْ كَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ - وَهُوَ خَلِيفَةٌ - إِلَى مَرْوَانَ يَامُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: «هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -»، ودليل من قال بجوازه إذا سُمّي المهر ما رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب في الشغار، برقم 2075،: عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. زَادَ مُسَدَّدٌ فِي حَدِيثِهِ قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا الشِّغَارُ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ»، وما رواه البيهقي في السنن الكبرى، 7 - / 200، برقم 14520،: «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَنْكِحَ هَذِهِ بِهَذِهِ، بِغَيْرِ صَدَاقٍ، بُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ، وَبُضْعُ هَذِهِ صَدَاقُ هَذِهِ». وحسنه محققو المسند، 28/ 70، والألباني في صحيح أبي داود،6/ 315.

وعن لحوم الحمر الأهلية، هذا الحديث الصحيح يدل على تحريم نكاح المتعة، وعلى تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، ولحوم الحمر الأهلية هي التي الآن موجودة، التي يقال لها: الإنسية، التي يستعملها الناس في الركوب وفي السَّني (¬1) عليها، وغير ذلك، احترازاً من الحمر الوحشية؛ لأن الحمر الوحشية صيد، لها صفة، ولها لون غير صفة ولون الحمر الأهلية، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكفاء القدور لما ذبحها الناس يوم خيبر، أمر بإكفاء القدور، وقال: «إنها رجس» (¬2)، وقد أجمع العلماء على تحريمها، إلا خلافاً شاذاً لا يُعوُّل عليه في ذلك. وأما نكاح المتعة، فهو أن يقول: زوجني فلانة لمدة كذا، أو يتفق معها على الزواج لمدة معينة، أو بالعقد عليها شهراً أو شهرين, وهو النكاح المؤقت شهراً، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين, يقال له: نكاح المتعة يستمتع بها، ثم يدعها، والعادة في هذا عند الجاهلية دون أن يحتاج إلى طلاق، ولا غيره؛ لأنه مدة معينة، إذا انتهت انتهى النكاح، وهو باطل عند أهل العلم؛ لأن النكاح الشرعي يكون عن رغبة، وعن قصد البقاء معها إذا ناسبته أبداً، ليس المقصود أن يستمتع بها مدة معينة؛ فلهذا نهى اللَّه عن نكاح المتعة [على لسان] (¬3) ¬

(¬1) السَّواني: جمع سَانية وهي النَّاقةُ التي يُسْتَقَى عليها، ومنه حديث البعير الذي شَكاَ إليه - صلى الله عليه وسلم - فقال أهلهُ: إنَّا كُنَّا نُسْنُو عليه، أي نَسْتَقِي. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 415، مادة (سني). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الأهلية برقم 5528، ومسلم، كتاب الصيد، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية، برقم 1940، عن أنس - رضي الله عنه -. (¬3) ما بين المعقوفين: جملة غير واضحة، والأظهر أنها: «على لسان»، أو «عند»، وقد تكون على يد، وقد تكون عن، ولا يتغير المعنى.

رسوله - عليه الصلاة والسلام -، فإذا اتفقا على أن يبقى معها شهراً، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين، أو أقل، أو أكثر، ثم ينتهي النكاح، فهذا هو نكاح المتعة الممنوع. والحديث الثالث: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: يا رسول اللَّه كيف إذنها قال: «أن تسكت». فهذا يدل على أنه يجب استئذان المرأة في نكاحها، وأن لا تجبر إن كانت أيماً، وهي التي قد تزوجت وطلقت، أو مات عنها زوجها، لابد من تصريحها بالإذن، أي تقول: نعم أوافق على هذا الشيء، أما إن كانت بكراً لم تتزوج، فيكفي السكوت، إن تكلمت فلا بأس، وإن سكتت كفى السكوت، إذا قال لها وليها: أزوجك فلاناً، وشرح لها الواقع، وسكتت كفى، ولو كان أبوها ليس له تزويجها إلا بإذنها حتى ولو كان الأب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «البكر يستأذنها أبوها وإذنها سكوتها» (¬1)، إلا إذا كانت أقل من تسع، صغيرة، أقل من تسع سنين، ورأى وليها أن يزوجها؛ لأنه صالح، للمصلحة لها، لا لقصد الطمع، إذا رأى أنه يزوجها وهي صغيرة لقصد المصلحة؛ لكون الزوج صالحاً مختاراً طيباً، يرغب أن تكون عنده، فزوجها وهي صغيرة، فلا بأس، إذا كان أبوها خاصة، الأب خاصة، كما زوج الصديق ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت، برقم 68 - (1421) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولفظه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَاذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا».

- رضي الله عنه - عائشة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي دون التسع، بنت ست سنين، أو سبع سنين للمصلحة العظيمة للبنت، فإذا كانت صغيرة دون التسع، فلا بأس أن يزوجها أبوها خاصة بالشخص الذي يرضاه لها ديناً وخلقاً، لا للطمع. 316 - عن عائشة (¬1) - رضي الله عنها - قالت: «جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلاقِي، فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. وَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَنَادَى: «يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ إلَى (¬2) هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟» (¬3). 317 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «مِنَ السُّنَّةِ، إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، ثُمَّ (¬4) قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ (¬5)، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاثاً، ثُمَّ قَسَمَ». ¬

(¬1) سقطت هذه الأحاديث الثلاثة من قراءة القارئ فقط، وأثبتها من أصولها. (¬2) «إلى»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2693، وبدون إلى في مسلم، برقم 1433. (¬3) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب شهادة المختبي، برقم 2639، بلفظه، ومسلم، كتاب النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثاً لمطلقها حتى تنكح زوجاً غيره، ويطأها، ثم يفارقها، وتنقضي عدتها، برقم 1433. (¬4) في نسخة الزهيري: «وقسم» بدون ثم، والواو بدل «ثم» في البخاري، برقم 5214. (¬5) في نسخة الزهيري: «الثيب على البكر»، وهي لفظ البخاري، برقم 5214.

قال أبو قِلابة: «وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أَنَساً رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). 318 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ (¬2) ــ إذَا أَرَادَ أَنْ يَاتِيَ أَهْلَهُ ــ قَالَ: بِسْمِ اللَّه، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ: لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَداً» (¬3). 90 - قال الشارح - رحمه الله -: [الحديث الأول حديث عائشة - رضي الله عنها - فيه من الفوائد: أن] (¬4) المرأة إذا طلقت طلاقاً بائناً بالثلاث، فإنها لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، ويدخل بها، يعني يطأها. لقوله تعالى: {فَإِنْ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب إذا تزوج البكر على الثيب، برقم 5213، وباب إذا تزوج الثيب على البكر، برقم 5214، ومسلم، كتاب الرضاع، باب قدر ما تستحقه البكر، والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف برقم 1461. (¬2) في نسخة الزهيري: «أحدهم»، وأحدكم» التي في المتن في البخاري، برقم 141، وأحدهم» في البخاري، برقم 6388. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب التسمية على كل حال، وعند الوقاع، برقم 141، وكتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم 3271، و3283، وفي كتاب النكاح، باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله، برقم 5165، وكتاب الدعوات، باب ما يقول إذا أتى أهله، برقم 6388، واللفظ له، ومسلم، كتاب النكاح، باب التسمية على كل حال وعند الوقاع، برقم 1434. (¬4) في أول الشرح سقط يسير جداً، وأثبت ما بين المعقوفين حتى يتضح المعنى على منهج الشيخ في شرح الأحاديث.

طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (¬1)، يعني الثالثة؛ ولحديث عائشة هذا في قصة زوجة رفاعة القرظي، تزوجها فبت طلاقها، وفي رواية أخرى: أنه طلقها الطلقة الأخيرة الثالثة (¬2)، فجاءت للنبي - صلى الله عليه وسلم - تستفتيه، فأخبرته أنها نكحت بعد رفاعة شخصاً يقال له عبدالرحمن بن الزَّبير بفتح الزاي، وليس عنده إلا مثل هدبة الثوب. أي ليس عنده إلا ذكر ضعيف، ما استطاع أن يجامعها، فلما سمع كلامها تبسم - عليه الصلاة والسلام -، وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (¬3) يعني حتى يجامعك الزوج الجديد. والعُسيلة كناية عن حلاوة الجماع، والمعنى أنها لا تحل للزوج الأول المطلق الطلقة الأخيرة الثالثة حتى يجامعها الزوج الثاني بنكاح صحيح، ثم يفارقها بالطلاق، وتنتهي من العدة. وفيه من الفوائد: أنه لا بأس بالسؤال في مثل هذا، ولا حياء في هذا [تطالب تريد الحق] (¬4)، ولا بأس أن تسأل وعند المفتي من يسمع من الرجال ليستفيد الجميع، فإنها استفتت والصديق حاضر يسمع، وخالد بن سعيد يسمع. وفي الحديث الثاني من الفوائد: أن الرجل إذا تزوج بكراً على ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 230. (¬2) انظر: البخاري، برقم 5260. (¬3) البخاري، 5260، ومسلم، برقم 1433، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 316. (¬4) ما بين المعقوفين جملة غير واضحة، والأظهر أنها: «تطالب تريد الحق»، أو «تطالب بحق»، والمعنى لا يتغير.

ثيِّب قسم لها سبعاً، ثم دار على نسائه، وإذا تزوج ثيباً قسم ثلاثاً، ثم دار، فإذا كان عنده زوجة أو أكثر، ثم تزوج بكراً، فإنه يقسم لها سبعاً متوالية، ثم يذهب إلى الزوجة الثانية، ثم يدور بينهما، كل واحدة لها ليلتها، أما إن كانت الجديدة ثيباً، فإنه يقسم لها ثلاثاً، هكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أم سلمة عندما تزوجها، وهي ثيب، قسم لها ثلاثاً، ثم دار. وفي الحديث الثالث: الدلالة على أن السنة عند الجماع التسمية، عندما يريد جماع زوجته يقول: «بِسْمِ اللَّه، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» (¬1)، وأنه لو قدر بينهما ولد في ذلك الجماع الذي فيه التسمية لم يضره الشيطان أبداً، هذه فائدة عظيمة، وخيرٌ عظيم، فينبغي للزوج عند الجماع أن يقول هذا الكلام، عندما يريد الجماع يقول: «بسم اللَّه، اللَّهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا» دعوات قليلة والفائدة عظيمة. 319 - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه -، أن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (¬2). ولمسلمٍ عن أبي الطاهر، عن ابن وهب قالَ: «سَمِعْتُ اللَّيثَ يقولُ: ¬

(¬1) البخاري، برقم 141، ومسلم، برقم 1434، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 318. (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، برقم 5232، واللفظ له، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 2172.

55 - باب الصداق

الحَمْوُ، أَخو الزَّوْجِ، ومَا أَشْبَهَهُ منْ أَقاربِ الزَّوْجِ: ابنِ العَمِّ ونَحْوِهِ» (¬1). 55 - باب الصداق 320 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» (¬2). 321 - عن سَهْلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ طَوِيلاً، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا»؟ فَقَالَ: مَا عِنْدِي إلا إزَارِي هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ أَعْطَيْتَهَا إزَارَكَ جَلَسْتَ (¬3)، وَلا إزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ غير هذا (¬4)» قَالَ: مَا أَجِدُ، قَالَ: «فالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ»، فَالْتَمَسَ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئاً. فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: نَعَمْ (¬5). فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنَ الْقُرْآنِ» (¬6). ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب السلام، باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، برقم 21 - (2172). (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب من جعل عتق الأمة صداقها، برقم 5086، واللفظ له، ومسلم، كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها، برقم 85 - (1365). (¬3) في نسخة الزهيري: «إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك». (¬4) في نسخة الزهيري: «فالتمس شيئاً». (¬5) «فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر قلب، برقم 5030، ولفظه: «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَاطَأَ رَاسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَأَىهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ؟» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّهَا - قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» والجملة الأخيرة في كتاب الوكالة، باب وكالة المرأة الإمام في النكاح، برقم 2310، ولفظه: «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا، قَالَ: «قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ» ومسلم، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن، وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، برقم 1425، ولفظه: «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَاطَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: «فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟» فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتِمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا خَاتِمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ»، فَجَلَسَ الرَّجُلُ، حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَأَىهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟» قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا - عَدَّدَهَا - فَقَالَ: «تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»،، وفي رواية: «عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، بِهَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زَائِدَةَ، قَالَ: «انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ».

322 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْيَمْ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَقَالَ (¬1): «مَا أَصْدَقْتَهَا»؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬2): «بَارَكَ (¬3) اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» (¬4). (¬5). 91 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة: الأول في وجوب الحذر من الخلوة ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال». (¬2) «رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) في نسخة الزهيري: «فبارك» .. (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 11]، برقم 2049، ولفظه: «عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَهْيَمْ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: «مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟» قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، - أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ - قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»، وألفاظ الحديث مفرقاً عند البخاري، برقم 2293، و3781، و3937، و5072، و5148، و5153، و5155، و5167، و6082، و6386، ومسلم، كتاب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، وغير ذلك من قليل وكثير، واستحباب خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، برقم 1427، ولفظه: «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». (¬5) في نسخة الزهيري زيادة: «الردع: براء، ودال، وعين مهملات، ومهيم: تفسيره: ما أمرُك؟، والنواة: خمسة دراهم»، وأشار المحقق الزهيري إلى أنها من نسخة ابن الملقن، وأنها قد لا تكون من كلام المؤلف - رحمه الله -.

بالنساء، وأن ذلك خطره عظيم، حتى سُمِّي الموت، والأحاديث الثلاثة ما يتعلق بالصداق وأنه لابد منه في النكاح. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والدخول على النساء» هذا معناه التحذير من الدخول على النساء دون محرم الخلوة بالنساء، لأن ذلك من أسباب الفتنة، ووقوع الفاحشة؛ ولهذا في الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» (¬2)، فلا يجوز الخلوة بالمرأة، ولا الدخول على المرأة، التي ليس عندها أحد من محارمها؛ لأن ذلك يفضي إلى الفاحشة، والتهمة بها، فقيل: يا رسول اللَّه أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» (¬3)، والحمو أخو الرجل الزوج، وعمه، وابن عمه، يقال له: حمو، يعني إذا خلا بزوجة أخيه، أو بزوجة عمه، كان الشيطان ثالثهما، فالواجب الحذر، وألا يدخل عليها إلا ¬

(¬1) رواه الشافعي في مسنده، ص 244، برقم 1207، والحاكم 1/ 115، وصححه ووافقه الذهبي، والبزار، 1/ 271، برقم 167، والإمام أحمد، 1/ 269، برقم 114، والنسائي في السنن الكبرى، 5/ 387، برقم 9221، وابن حبان، 10/ 437، برقم 4576، وأبو يعلى، 1/ 130، برقم 141، والطبراني في المعجم الأوسط، 2/ 184، برقم 1659، وصحح إسناده محققو المسند، 1/ 269، ومحقق صحيح ابن حبان، ومحقق مسند أبي يعلى، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 25/ 62، برقم 4557. (¬2) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة، برقم 5233، ومسلم، كتاب الحج، باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، برقم 1341. (¬3) رواه البخاري، برقم 5232، ومسلم، برقم 2172، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 319.

ومعها ذو محرم، مما يزيل التهمة، فيحصل بذلك طمأنينة كعمها، أو أخيها، أو خالها، أو زوجته معه، أو زوجة أخيه هي المقصود لا يخلو بها حتى لا يقع الشر. حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها، هذا يدل على أنه لا مانع من إعتاق الجارية، على أن يكون عتقها صداقها بدلاً من أن تكون سرِّية تكون زوجة، إذا كان عنده جارية مملوكة، وأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فلا بأس، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صفية بنت حيي، فيقوم عِتقها مقام المهر المبذول لها، وتكون زوجة بدلاً من أن تكون سرِّية، ويشهد على ذلك، يكون ذلك بحضرة شاهدين، وبذلك تكون السُّرّيَّة زوجة له. في حديث سهل بن سعد الدلالة على (¬1) أنه (¬2) يجوز للمرأة أن تهب نفسها للرجل، فإذا قبلها تزوجها الزواج الشرعي، لا بالهبة، بل بالزواج الشرعي، فإذا لم يقبلها فلا بأس، وإذا زوجها على غيره بإذنها، بواسطة وليها إن كان لها ولي جاز ذلك، وإذا لم يكن لها ولي؛ فإن وليها السلطان، وهو ولي الأمر، أو نائبه القاضي يزوجها على من ترضى، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه المرأة. وفيه الدلالة على جواز لبس الخاتم من الحديد، وأنه لا حرج في ذلك، بل إن الأحاديث الواردة في ذلك في النهي عنه أحاديث شاذة غير ¬

(¬1) نهاية الوجه الثاني من الشريط الرابع عشر. (¬2) أول الوجه الأول من الشريط الخامس عشر.

صحيحة (¬1)، وهذا هو الصواب، لا بأس من لبس الخاتم من الحديد للرجل والمرأة؛ لهذا الحديث الصحيح: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ». ويدل على جواز تزويج المرأة بتعليمها من القرآن إذا ما تيسر مال، يعلمها سورة من القرآن، أو سوراً من القرآن، أو آيات من القرآن، أو أحاديث، أو صنعة تنفعها، فتكون حلالاً له، وإن تيسر المال تزوجها بالمال، لقوله تعالى: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم} (¬2)؛ فإن لم يتيسر مال، أصدقها بتعليم آيات، أو سورة، أو سور من القرآن لهذا الحديث: «زوجتكها بما معك من القرآن»، وفي اللفظ الآخر: «فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ» (¬3). وهذا من محاسن الشريعة، فإن النكاح خيره عظيم، ومصالحه كثيرة، إذا كان الرجل فقيراً جاز أن يتزوج بأن يُعلِّم المرأة ما ينفعها من القرآن أو السنة، أو الصنعات النافعة المفيدة. وفي حديث عبدالرحمن بن عوف الدلالة على أنه يجوز الصداق، ولو بالقليل، قال: «ما أصدقتها؟» قال: نواة من ذهب، قال: ¬

(¬1) «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ فَقَالَ لَهُ: «مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ؟»، فَطَرَحَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: «مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟»، فَطَرَحَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ: «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلاَ تُتِمَّهُ مِثْقَالاً». أخرجه أبو داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد، برقم 4223، والترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في الخاتم الحديد، برقم 1785، وقال: «غريب»، والنسائي، كتاب الزينة، مقدار ما يجعل في الخاتم من الفضة، برقم 5195، وضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص 203، برقم 301. (¬2) سورة النساء، الآية: 24. (¬3) مسلم، برقم 77 - (1425)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 321.

«بارك اللَّه لك أولم ولو بشاة»، فدل هذا على أنه لا بأس أن يكون الصداق قليلاً، ولا يُشترط أن يكون كثيراً. وفي الحديث: أنه تُشرع الوليمة ولو بشاة, السُّنة في العرس أن يكون هناك وليمة شاة، أو شاتين، أو أكثر، لكن من دون تكلف، ولا إسراف، بل يصنع وليمة تلائم المقام، على حسب الحاجة للزوج، وأهل الزوج، ومن يشاركهم في الوليمة. وفيه الدعاء بالبركة «بارك اللَّه لك»، وفي الآخر: «بارك اللَّه لك وعليك وجمع بينكما بخير» (¬1)، [...] (¬2). ¬

(¬1) أخرج الإمام أحمد في المسند، 14/ 518، برقم 8957، وأبو داود، كتاب النكاح، باب ما يقال للمتزوج، برقم 2130،والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء فيما يقال للمتزوج، برقم 1091، والحاكم وصححه، 2/ 183،: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَانًا إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ»، وقوى إسناده محققو المسند، 14/ 518، وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 351، برقم 1850. (¬2) ما بين المعقوفين سقط جملة، وأظنها: «في ذكر من خرج الحديث».

10 - كتاب الطلاق

10 - كتاب الطلاق 323 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَغَيَّظَ فيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طاهراً (¬1) قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ - عز وجل -» (¬2). وفي لفظٍ «حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أخرى (¬3) مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا» (¬4). وفي لفظٍ، «فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بن عمر (¬5) كَمَا أَمَرَهُ (¬6) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬7). 324 - عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها -، «أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ ــ وفي روايةٍ: طَلَّقَهَا ثَلاثاً ــ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ، ¬

(¬1) «طاهراً»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 4908. (¬2) رواه البخاري، كتاب التفسير، سورة الطلاق، برقم 4908، بلفظه، ومسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق، ويؤمر برجعتها، برقم 1471. (¬3) «أخرى»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 4 - (1471). (¬4) رواه مسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق، ويؤمر برجعتها، برقم 4 - (1471). (¬5) «بن عمر»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «كما أمررسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، وهي في مسلم، برقم 4 - (1471). (¬7) رواه مسلم، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها، وأنه لو خالف وقع الطلاق، ويؤمر برجعتها، برقم 4 - (1471).

فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ» ــ وفي لفظٍ: «وَلا سُكْنَى» ــ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: «تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى، تَضَعِينَ ثِيَابَكِ، فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» قَالَتْ: فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ: فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ. انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: «انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً، وَاغْتَبَطْتُ (¬1)» (¬2). 92 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان في الطلاق، والطلاق: حلّ عقدة النكاح، والطلاق شرعه اللَّه لحل عقدة النكاح حتى لا تبقى المرأة غُلاً (¬3) في عنق الزوج [...] (¬4)، فاللَّه جل وعلا قد أباح له طلاقها، وهو تدخله الأحكام الخمسة: قد يُباح، قد يُستحب, قد يجب, قد يكره, قد يحرم، فتدخله الأحكام الخمسة. ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «واغتبطت به». (¬2) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب قصة فاطمة بنت قيس، برقم 5321، و5322، و5323، و5324، و5325، و5326، و5327، و5328، بنحوه مختصراً، ومسلم، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، برقم 1480، واللفظ له. (¬3) الغُلَّ: القَيْد. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 381. (¬4) ما بين المعقوفين غير واضح، وسقوطه لا يؤثر على المعنى.

فإذا دعت الحاجة إلى الطلاق لكونها ما ناسبته أُبيح له الطلاق، فإذا كان إمساكها يضره شُرِعَ له الطلاق، وإذا كان هناك أسباب تقتضي الطلاق كالإيلاء وعدم الفيئة، وجب عليه الطلاق حتى لا يضارّها، وإذا كانت في حيض، أو نفاس، أو طهر جامعها فيه حرم عليه الطلاق، حتى تكون في حالة حمل، أو في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو الطلاق الشرعي، ويكره الطلاق إذا كان من غير حاجة، وبلا أسباب يكره. وفي هذا الحديث أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتغيَّظ وأنكر عليه ذلك، وأمره أن يراجعها، ويمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إذا شاء طلقها، وإن شاء أمسكها، هذا يبين لنا أنه لا يجوز لنا الطلاق في حال الحيض، وهكذا في النفاس، وهكذا في طهر جامعها فيه، ليس له أن يطلق. بل يطلق في حال الحمل، أو في طهر قبل أن يمسها، والحكمة في ذلك ــ واللَّه أعلم ــ أنها في حالة الحيض، وفي حال النفاس في حالة لا يجوز له جماعها، وقد يسهل عليه طلاقها، فمنع من ذلك، حتى لا يطلقها من غير بأس، وكذلك في طهر جامعها فيه، قد قضى شهوته، فقد يسهل عليه طلاقها بعد ذلك، فمُنع من ذلك، حفاظاً على الزوجيَّة، ورأفةً بالعباد، وقيل: لأنها إذا طُلقت في الحيض، أو النفاس، أو في طهر جامعها فيه طالت عليها العدة، والحكمة الأولى أظهر. وفي لفظ «فحسبت عليه تطليقة» جاء أن ابن عمر حسبها، ولم يحسبها النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ابن عمر حسبها على نفسه.

وظاهر الحديث: أنها لا تُحسب، لأن الرسول أنكر عليه، وقال: «أمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر ثم إن شاء طلقها بعد ذلك»، فدلّ ذلك على أن الطلقة الأولى لم تُحسب، وإنما تقع الطلقة بعد ذلك إذا طلقها بعد الطهر، قبل أن يمسها، هذا هو ظاهر الحديث؛ ولهذا في حديث [...] (¬1)، «فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا» (¬2)، [...] (¬3). فهذا الحديث فيه الدلالة على أنه لا يجوز أن يطلق زوجته في حالة كونها حائضاً، أو نفساء، ولا في حال كونها طاهرة طهراً قد جامعها فيه، هذه الأحوال الثلاث لا يطلق خلاف السنة، وإنما الطلاق الشرعي في حالين: إحداهما في حال الحمل، والثانية في حال طهرٍ لم يجامعها فيه. الحديث الثاني: حديث فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية أن زوجها أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو في اليمن طلقها ثلاثاً الطلقة الأخيرة، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فاشتكت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ليس لكِ عليه نفقة ولا سكنى»، فدل ذلك على أن المرأة إذا طُلقت طلقة أخيرة ثالثة بائنة لا يكون لها سكن، ولا نفقة على زوجها، وإنما لها النفقة، والسكنى إذا كانت رجعيَّة له رجعتها إذا طلقها واحدة، أو اثنتين، فله رجعتها، ولها النفقة حتى تعتدّ. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، والظاهر أنه اسم راوي الحديث عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه -. (¬2) سنن أبي داود، كتاب الطلاق، باب في طلاق السنة، برقم 2187، وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 390، برقم 1898. (¬3) ما بين المعقوفين ثلاث كلمات غير واضحة، وكأنها «قال إذا طلقت .... ثم كلمة غير واضحة».

أما إذا طلقها الطلقة الأخيرة وهي بائنة، إذا أبانها: أي ليس له رجعة؛ فإنه لا نفقه لها ولا سكنى. وفيه من الفوائد: أنه لا مانع من الجلوس عند الأعمى غير متحجبة، لأنه قال: «اعتدّي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك» يعني لا يراك، فدلّ ذلك أنه لا حجاب عن الأعمى، إنما الحجاب عن البصير، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ» (¬1)، أما حديث «أوعمياوان أنتما [...] (¬2)» (¬3)، فهو حديث شاذ غير صحيح، يخالف الأدلة الشرعية، والصواب أن الحجاب إنما يجب عن البصير لا عن الأعمى، كما في حديث فاطمة بنت قيس هذا، وهو من أصح الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬

(¬1) مصنف ابن أبي شيبة، 5/ 294، برقم 26230، والأدب له، ص: 11، والسنن الكبرى للبيهقي، 8/ 339، وشعب الإيمان للبيهقي، 6/ 443، برقم 8826، ومعجم الصحابة لابن قانع، 2/ 347، وأبو داود من طريق ابن أبي شيبة، كتاب الأدب، باب في الاستئذان، برقم 5174، ولفظه: «هَكَذَا عَنْكَ، أَوْ هَكَذَا، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ»، والمقدسي في الأحاديث المختارة، 2/ 38، وصححه، كما صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 2/ 108، برقم 7016. (¬2) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، ولا تؤثر في المعنى. (¬3) أخرجه أحمد، 44/ 159، برقم 26537، وأبو داود، كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}، برقم 4112، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال، برقم 2778،: «عن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَيْمُونَةُ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَنَا بِالْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا قَالَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ»، وصححه الترمذي، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي، ص 332.

56 - باب العدة

56 - باب العِدَّة 325 - عن سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ - رضي الله عنها -، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ ــ وَهُوَ مِنْ (¬1) بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ــ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ــ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا: تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ. فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ ــ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ــ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاك مُتَجَمِّلَةً؟ لَعَلَّكِ تَرْجِينَ النِّكَاحَ، وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْك أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزْوِيجِ، إنْ بَدَا لِي». قال ابن شهاب: ولا أَرى بَاساً أَنْ تَتَزَوَّجَ حينَ وضَعَتْ، وإِنْ كَانَتْ في دَمِها، غَيْرَ أَنَّهُ (¬2) لايَقْرَبُها زَوْجُها حتَّى تَطْهُرَ (¬3). 326 - عن زينب بنت أُمِّ سلمة - رضي الله عنهما - قالت: تُوُفِّيَ حَمِيمٌ لأُمِّ حَبِيبَةَ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وهو في بني عامر»، وهو الذي في مسلم، برقم 1484. (¬2) في نسخة الزهيري: «غير أن لا يقربها»، وهذا الذي في مسلم، برقم 1484. (¬3) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب {وَأولاتُ الأحْمالِ أجَلُهنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، برقم 4909، وفيه: «فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخُطبت فأنكحها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبو السنابل فيمن خطبها»، وكتاب الطلاق، باب قول اللَّه تعالى: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، برقم 5318، ومسلم، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها، بوضع الحمل، برقم 1484.

، فَدَعَتْ بِصُفْرَةٍ، فَمَسَحَتْ (¬1) بِذِرَاعَيْهَا، فَقَالَتْ (¬2): إنَّمَا أَصْنَعُ هَذَا لأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ (¬3) فَوْقَ ثَلاثٍ، إلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» (¬4). (¬5). 327 - عن أم عطية - رضي الله عنها -، أن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَال: «لا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتِ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً، وَلا تَلْبَسُ ثَوْباً مَصْبُوغاً، إلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلا تَكْتَحِلُ، وَلا تَمَسُّ طِيباً، إلاَّ إذَا طَهُرَتْ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ» (¬6). العَصْب: ثياب من اليمن، فيها بياض وسواد. والنبذة: الشيء اليسير. والقسط: العود، أو نوع من الطيب تُبَخَّر به النفساء. والأظفار: جنس من الطيب، لا واحد له من لفظه. وقيل: هو عطر أسود، القطعة منه تشبه الظُّفُر (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فمسحته»، وهذا هو الذي في مسلم، برقم 59 - (1489). (¬2) في نسخة الزهيري: «وقالت». (¬3) «على ميت»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها، برقم 1280، و1281، وفي الطلاق، برقم 5334، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، برقم 1486، واللفظ له. (¬5) في نسخة الزهيري قبل الحديث رقم 327 زيادة: «الحميم: القرابة». (¬6) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب القسط للحادة عند الطهر، برقم 5341، وطرفه في صحيح البخاري، برقم 313، وأخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، برقم 66 - 938، واللفظ له. (¬7) من قوله: «والنبذة ... إلى: الظفر» ليس في نسخة الزهيري.

328 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بْنَتِي (¬1) تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنُكَحِّلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا» ــ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثَاً ــ كل ذلك يقول: «لا»، ثُمَّ قَالَ: «إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَاسِ الْحَوْلِ» فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشاً، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيباً وَلا شَيْئاً حَتَّى تَمُرَّ عليهَا (¬2) سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ ــ حِمَارٍ، أَوْ طَيْرٍ، أَوْ شَاةٍ (¬3) - فَتَفْتَض بِهِ. فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلاَّ مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ، فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ، مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ» (¬4). الْحِفش: البيت الصغير الحقير (¬5). و «تفتض» تدلك به جسدها. ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «إن ابنتي»، وهو في البخاري، برقم 5336، وفي مسلم، برقم 1488. (¬2) نسخة الزهيري: «حتى تمرّ بها سنة»، وهذه التي في مسلم، برقم 58 - (1489). (¬3) في نسخة الزهيري: «حمارٍ، أو شاة، أو طير». (¬4) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، برقم 5336، و5337، وباب الكحل للحادة، برقم 5338، وكتاب الطب، باب الإثمد والكحل من الرمد، برقم 5706، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، برقم 1488، 58 - (1489) بلفظه. (¬5) في نسخة الزهيري: «البيت الصغير» بدون: الحقير.

93 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالعدة: عدة الوفاة، بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول: أن المرأة إذا كانت حاملاً ثم وضعت فإنها تخرج من العدة بوضع الحمل، ولو بعد وفاته بدقائق أو ساعات، لقوله جل وعلا: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬1)، فهذا يعمُّ المتوفى عنها، ويعمّ غيرها, ولها أن تتزوج متى شاءت بعد وضع الحمل، ولو في النفاس، لكن لا يقربها الزوج إذا تزوجت إلا بعد الطهر، وهكذا في الطلاق، إذا طلقها وهي حامل، ثم وضعت، خرجت من العدة، ولو بعد الطلاق بيوم أو يومين، ولها أن تتزوج بعد ذلك: كالمتوفى عنها؛ لأن وضع الحمل خروج من العدة. وفي حديث زينب عن أم سلمة، وحديث أم عطية، وحديث أم سلمة أيضاً الدلالة على أن المحادة، وهي المتوفى عنها زوجها، لا تمسُّ طيباً، ولا تكتحل، ولا تلبس جميل الثياب، حتى تخرج من العدة وبعد الإحداد، وهو ترك الزينة، والتجمل، والطيب، والكحل، حتى تخرج من العدة: عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشر، إلا إذا كانت حاملاً، فعدتها بوضع الحمل إذا وضعت، ولو بعد يوم أو يومين، أو ساعة خرجت من العدة، وليس لها أن تكتحل، ولا أن تمسّ طيباً، ولا أن تلبس جميل الثياب، ولا الحلي: الذهب والفضة ¬

(¬1) سورة الطلاق، الآية: 4.

والماس، ونحو ذلك، لا تلبس شيئاً في أثناء العدة، أما غير الزوج: كالأخ، والعم، والأب، فلها أن تحد عليه ثلاثة أيام فقط، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحدُّ امرأةٌ فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج» (¬1). فدل على أنه لا بأس أن تحد ثلاثة أيام على أبيها، أو أخيها بترك الزينة والطيب، ثلاثة أيام فأقل، ولمّا تُوفي أبو سفيان حادت عليه أم حبيبة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام (¬2)، وفي لفظ: «قريب لها» (¬3)، فلما مضت ثلاثة الأيام جاءت بصفرة، ومسحت ذراعيها، وفي بعض الروايات: «طيب» (¬4)، وقالت: إنها ليس لها حاجة إلا أنها تبيّن أنها ليس لها إحداد فوق ثلاثة أيام، فإذا مات أبوها، أو عمها، أو ¬

(¬1) البخاري، برقم 5341، ومسلم، برقم 66 - (938)، بعد الحديث رقم 65 - (1491)، وتقدم تخريجه في تخريج المتن رقم 327، ولفظه: «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ...»، أما لفظ: «لا تحد امرأة فوق ثلاث ليال إلا على زوج ...» الحديث، فأخرجه إسحاق بن راهويه، 5/ 212، برقم 2348. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إحداد المرأة على غير زوجها، برقم 1280، ولفظه: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ، دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ - رضي الله عنها - بِصُفْرَةٍ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا، وَذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك، إلا ثلاثة أيام، برقم 1486. (¬3) البخاري، برقم 1281، ومسلم، برقم 1486، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 326. (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 234]، برقم 5345، ولفظه: عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، لَمَّا جَاءَهَا نَعِيُّ أَبِيهَا، دَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».

أخوها، أو ولدها [حدّت عليه ثلاثة أيام إن شاءت] (¬1)، [والمحادة الحامل] (¬2) تعتد مدة الحمل، ولو زادت على أربعة أشهر وعشر، فلا تلبس الجميل من الثياب، ولا الحلي، ولا تطيب، ولا تكتحل، حتى تنتهي من العدة، لكن لها أن تمسَّ البخور عند طهرها من الحيض إذا طهرت من الحيض [...] (¬3) فلا بأس أن تتعاطى بعض البخور: من قسط (¬4)، أو أظفار (¬5)، أو عود، تفعل ذلك عند طهرها من الحيض فقط، وإذا أصابها وجع في العين لا تكتحل بجمال، ولكن تداويها، من باب الدواء: بصبر (¬6) [...] (¬7) تداوي عينها لا بأس، أما الكحل الذي هو للجمال لا تفعله ما دامت في العدة، لكن لها أن تداوى: تداوي عينها، تداوي بدنها [...] (¬8) عند مرضها، ومن ذلك التقطير في العين، أو وضع الصبر في العين [...] (¬9)، لا بأس بذلك من باب العلاج، أما تعاطي كحل الزينة، فلا، ما دامت في عدة الوفاة. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين سقط من الشريط، فوضعته لإتمام المعنى. (¬2) ما بين المعقوفين سقط من الشريط، فوضعت هذه الجملة ليتم المعنى. (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، لا تؤثر في المعنى. (¬4) القُسْط: ضَرْب من الطِّيب، وقيل: هو العُود، والقُسْط: عَقَّار معروف في الأدْوية، طَيِّب الريح تُبَخَّرُ به النُّفَساء والأطفال، وهو أشْبَه بالحديث؛ لإضافته إلى الأظفار. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 158، مادة (قسط) .. (¬5) الأظفار: جنس من الطيب لا واحد له من لفظه، وقيل واحده: ظفر، وقيل: هو شيء من العطر أسود، والقطعة منه شبيهة بالظفر. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 157، مادة (ظفر). (¬6) الصَّبِر - بكسر الباء -: الدواء المر. الصحاح للجوهري، ص 631، مادة (صبر). (¬7) ما بين المعقوفين كلمات ساقطة في أنواع من دواء العين غير واضحة. (¬8) ما بين المعقوفين كلام غير واضح. (¬9) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة.

11 - كتاب اللعان

11 - كتاب اللعان 329 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ (¬1) لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - هَؤُلاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} (¬2) فَتَلاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نبياً (¬3)، مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا، وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا (¬4)، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَتْ (¬5): لا، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ، أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أرأيت أن لو وجد أحدنا»، وهو لفظ مسلم، برقم 1493. (¬2) سورة النور، الآيات: 6 - 9، والآية في نسخة الزهيري: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاَّ أنْفُسُهُمْ}. (¬3) «نبياً»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) في نسخة الزهيري: «فوعظها، وذكرها، وأخبرها»، وهذا لفظ مسلم، برقم 1493. (¬5) في نسخة الزهيري: «قالت»، وهي التي في مسلم، برقم 1493 ..

يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ــ ثَلاثاً ــ» (¬1). وفي لفظٍ «لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» فقَالَ (¬2): يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟ قَالَ: «لا مَالَ لَكَ، إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عليها، فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا» (¬3). 330 - وعنه - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَلاعَنَا، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ» (¬4). 331 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاماً أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «هَلْ لَك إبِلٌ (¬5)؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا»؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «فَهَلْ (¬6) فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: إنَّ فِيهَا لَوُرْقاً، قَالَ: «فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟» قَالَ: عَسَى ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب صداق الملاعنة، برقم 5311، ورقم 5312، وبقيته برقم 5349، و5350، وأخرجه مسلم، كتاب اللعان، فاتحته، برقم 1493. (¬2) في نسخة الزهيري: «قال» بدون فاء، وهو لفظ البخاري، برقم 5350. (¬3) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب المتعة للتي لم يفرض لها، برقم 5350، ومسلم، كتاب اللعان، برقم 5 - (1493). (¬4) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {والخامسةَ أنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كانَ منَ الصَّادِقِينَ}، برقم 4748 بلفظه، وكتاب الطلاق، باب يلحق الولد بالملاعنة، برقم 5315، وبقيته في 5306، و5313، و5314، و6748، ومسلم، كتاب اللعان، فاتحته، برقم 1494. (¬5) في نسخة الزهيري: «هل لك من إبل»، وهو لفظ البخاري، برقم 5305، ومسلم، برقم 1500. (¬6) في نسخة الزهيري: «هل» بدون فاء، وهو لفظ البخاري، برقم 5305، ومسلم، برقم 1500.

أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «وَهَذَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ» (¬1). 94 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تتعلق باللعان، واللعان مصدر لاعن يلاعن لعاناً وملاعنةً إذا لاعن زوجته بسبب تُهمتِه إيَّاها بالزنى، وهي: أن يشهد أربع شهادات أنها زانية، والخامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان كاذباً، ثم تشهد أربع شهادات هي باللَّه أنه كاذب، والخامسة أن عليها غضب اللَّه إن كان صادقاً، ثم يُفرق بينهما، فإذا ادَّعى الرجل عند الحاكم، أو القاضي: أنه رأى امرأته تزني، فهو بين أمرين: إما أن يُحضر شهوداً أربعة لذلك، ويسلم من حد القذف، ويثبت عليها الحد هي، وهو الرجم إذا كانت محصنة، وإما أن تُقرّ هي، إذا أقرت سلم من الحد: حد القذف [ورجمت] (¬2) هي بإقرارها، وإن أنكرت ولم يكن عنده شهود، فهو بين أمرين: إمَّا أن يرضى بحد القذف إذا طلبت ذلك، وهو أن يجلد ثمانين جلدة عن قذفه لها. وإما أن يلاعنها كما قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب إذا عرَّض بنفي الولد، برقم 5305، وكتاب الحدود، باب ما جاء في التعريض، برقم 6847، ومسلم، كتاب اللعان، برقم 1500، بلفظه أيضاً. (¬2) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والظاهر أنها: «ورجمت».

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (¬1). هذا هو اللِّعَان، وقد حدث لبعض الأنصار ذلك، وحضر عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسأله عن ذلك، قال: يا رسول اللَّه الرجل يرى مع امرأته رجلاً- يعني يزني بها- فماذا يفعل؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جاءه الرجل مرة أخرى، وقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، يعني قد وقعت فيه، فأنزل اللَّه الآيات من سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيات، فأحضره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وامرأته، ووعظهما، وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، لعلهما يرجعان، لعله يرجع عن قوله، أو هي ترجع وتقّر، فصمَّما على قولهما، فشهد الرجل أربع شهادات باللَّه أنه صادق، والخامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان كاذباً، وهي شهدت أربع شهادات أنه كاذب، والخامسة أن غضب اللَّه عليها إن كان صادقاً، فلما شهدا هذه الشهادات، فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما، وقال: «اللَّه يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب» حثهما على التوبة، فقال ¬

(¬1) سورة النور، الآيات: 6 - 9.

الرجل: يا رسول اللَّه مالي، قال «لا مال لك» يعني المهر «إن كنت صادقاً - صدقت عليها - فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها»، فَفَرَّق بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعطه المهر: كالذي طلقها بعد الدخول، ليس له مهر، مهرها بما استحل من فرجها، وتحرم عليه أبداً، أبد الآباد، ما تحلّ له أبداً، ولو بعد زوج تحريماً مؤبداً. وهكذا حديث ابن عمر: في الذي لاعن امرأته وهي حامل: وانتفى من ولدها: فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالملاعنة: وفرق بينهما: ونسب الولد إلى أمه: فإذا لاعنها على أن الولد ليس منه، وأنه من الزاني، ولاعنها على هذا، فإن الولد للأم ينسب إليها، ويكون بريئاً منه الزوج، وتقع الفرقة بينهما، فرقة مؤبدة إذا كان بينهما ولد، فيصرح بأنها زانية، وأن الولد ليس منه، فإذا كمل اللعان على هذا تمت الفرقة بينهما، وصار الولد لها، وبرئ من الولد؛ لأنه قذفها بالزنى، ولاعنها, وليس عنده بينة ولم تقر، فهذا هو اللعان. وفي الحديث الثالث: أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، وهو يعرِّض بأن ينفيه، يستنكر، استنكره، يعني [...] (¬1) الزوج والزوجة ليسا بأسودين، فجاء الولد أسود فاستنكره، وهو يُعرِّض بأن ينفيه ويتبرأ منه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل لك من إبل» قال: نعم. قال: «فما ألوانها» قال: حمر. قال: «فهل فيها من أورق» يعني أسود، قال: إن فيها ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أصله: «هم ما هم بسود» حذفته ليتضح المعنى.

لورقاً، يعني فيها جماعة ورق: سود، وأمهاتها وآباؤها حمر، قال: «فأنى أتاها ذلك؟!». قال لعله نزعه عرق، لعل في إبلنا السابقة شيء أسود، فنزع هذا الولد, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعل ولدك هذا نزعه عرق» يعني ما ينفَى الولد من أجل اللون، فهذا صار على جد له قديم، أو خال، أو عم، أو عم عم، قد يُنزع الولد إلى بعض أقربائه في الشبه من أجداده، أو أعمامه، فإذا كان اللون غير لون الزوج ما يقذفها ولا يلاعنها من أجل هذا، فاللون قد يتغير، قد يكون لون الولد على غير لون أبيه، وقد كان زيد بن حارثة أبيض، وأُسامة بن زيد أسود ما كان على لون أبيه، وهذا يقع كثيراً، يكون لون الأب غير لون الولد، وغير لون الأم، فلا يُوجِبُ هذا التهمة، ولا يوجب لعاناً كما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لعله نزعه عرق ...» (¬1). 332 - عن عائشة - رضي الله عنها - (¬2) قالت: «اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلامٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إلَيَّ، أَنَّهُ ابْنُهُ، اُنْظُرْ إلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَى شَبَهِهِ، فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، فَلَمْ يَرَ ¬

(¬1) آخر الوجه الأول من الشريط الخامس عشر، والوجه الثاني لهذا الشريط فارغ. (¬2) أول الوجه الأول من الشريط السادس عشر.

(¬1) سَوْدَةَ قَطُّ» (¬2). 333 - عن عائشة لأنها قالت: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُوراً، تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ؟ أَنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: إنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ» (¬3). وفي لفظٍ «وَ (¬4) كَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفاً» (¬5). 334 - عن أبي سعيد الخُدْرِي - رضي الله عنه - قال: ذُكِرَ الْعَزْلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «وَلِمَ يَفْعَلُ (¬6) أَحَدُكُمْ؟» وَلَمْ يَقُلْ: فَلا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ ــ «فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا» (¬7). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فلم تره سودة قط»، وهذا لفظ البخاري، برقم 2218، ولفظ المتن لمسلم، برقم 1457. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب للعاهر الحجر، برقم 6817، وانظر أطرافه، وأخرجه في الحديث رقم 2053، ولفظه في كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي، وهبته، وعتقه، برقم 2218، ومسلم، كتاب الرضاع، باب الولد للفراش، وتوقي الشبهات، برقم 1457، بلفظه أيضاً. (¬3) رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3731، وأطرافه في الحديث رقم 3555، وأخرجه بلفظه في كتاب الفرائض، باب القائف، برقم 6770، ومسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، برقم 1459، بنحوه. (¬4) «و»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) رواه مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، برقم 40 - (1459). (¬6) في نسخة الزهيري: «ولم يفعل ذلك أحدكم؟»، وهو لفظ مسلم، برقم 132 - (1438). (¬7) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، برقم 7409، ولفظه: «عليكم أن لا تفعلوا فإن اللَّه قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة»، وجميع أطراف الحديث في البخاري، برقم 2229، وأخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم 1438، واللفظ له.

95 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة .. الحديث الأول: في قصة عبد بن زمعة، وسعد بن أبي وقاص بفي قصة ابن زمعة، فيها أن سعداً ادّعى أنه ابن أخيه عتبة من وليدة زمعة، وأن أخاه اعتدى عليها، وجامعها، فهو ولده, وقال عبد: إنه أخوه، ولد على فراش أبيه من وليدته، فحكم بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لعبد بن زمعة، يعني بأنه ولدٌ لابن زمعة، وقال: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، مع وجود الشبه البيّن في عتبة، فدلّ ذلك على أن المولود على فراش الزوج من زوجته، أو من سُرّيته، فهو له، ولو وطئت، ولو زنى بها أحد، ولو صار الشبه للثاني، فلا عبرة بوطء الزنى، ولا بالشبه بالزاني، فصاحب الفراش أحق به، وهو ولده، سواء شابهه، أو لم يشبهه، وهذا يدل على أن الفراش بينةٌ قوية، لا تعارض بالشبه، ولا تلحق بالزنى! الزاني ظالم معتد، ليس له إلا العقوبة، وليس له النسب، صاحب الفراش هو الأحق بالنسب مطلقاً، ومع هذا قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن سودة لا تكشف له من أجل الشبه، هذا حكم بينهم كما قال بعض أهل العلم راعى الحكم الشرعي اللازم وقضى به، وأمر سودة بأمر احتياطي درءاً للشبهة، قال: «احتجبي عنه يا سودة»؛ للشبه البيِّن في عتبة؛ فهذا فيه تنفيذ الأحكام اللازمة، والعمل بالحيطة

في مسائل الاشتباه وأمهات المؤمنين لهن شأن في وجوب الحفاظ على حرمتهن، وبعدهن عن أسباب الرِّيب وعن كل ما قد يتنزه عنه؛ لأنهن خير النساء، وأكمل النساء مع النساء اللاتي فضلن: كمريم، وفاطمة، وآسية ابنة مزاحم، فعائشة من جملة النساء المفضلات، وهي من أُمهات المؤمنين [وقديرة إلى ذلك] (¬1) فالحاصل أنهن خيرة النساء ولهن من الحيطة ما هو أكمل من غيرهن. والحديث الثاني: حديث مُجَزِّز فيه: أن الشبه يعتبر إذا لم يكن هناك بينة، الذي معه بينة، أو الفراش، فلا يُلتفت إليه، فالفراش مقدم، وهكذا البينة، العادلة، فاثنان فأكثر في إثبات النسب مقدمة. فإذا لم يكن بينة، ولا فراش استعمل الشبه، وأُخذ به، لئلا تضيع الأنساب، ومما يدل على اعتبار الشبه حديث عبد بن زمعة كما تقدم؛ فإن النبي راعاه في قصة سودة، وراعاه في قصة أسامة بن زيد، وأبيه؛ فإنه كان مما يقال فيه شيء؛ لأنه أسود، وأبوه أبيض، وإن كان النسب ثابتاً، لكن لما قال مجزز: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، كان هذا مما يؤيد ما وقع من الحكم الشرعي، وأن السواد والبياض لا يؤثر شيئاً في النسب، اختلاف اللون لا يؤثر، وتقدم قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، وهو يعرِّض بأن ينفيه، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. فقال: «ما ألوانها؟»، فقال: حمر. قال: «فهل فيها من أورق؟»، قال: نعم، إن فيها لوُرقاً، قال: «فأنى أتاها ¬

(¬1) ما بين المعقوفين جملة غير واضحة، والأظهر أنها: «وقديرة إلى ذلك».

ذلك؟» قال: لعله نزعها عرق، قال: «فلعل ولدك هذا نزعه عرق»، وهو السواد، فهكذا مسألة أسامة وأبيه، نسبهما ثابت، ولكن كلام مجزز مما يؤيد الحكم الشرعي، ومما يبطل شبهة المشبِّهين، والملبِّسين، والشاكِّين، قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، كانا مستورَين، وقد بدت أقدامهما، فلما رأى الأقدام مجزز قال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسُرّ النبي بهذا - عليه الصلاة والسلام -. كذلك حديث أبي سعيد في العزل، فحديث أبي سعيد يدل على أن العزل لا يمنع ما أمر اللَّه بقضائه من النفوس، فقال: «فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا»، ولهذا قال: «وَلِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ ذلك؟» يعني أن قدر اللَّه ماضٍ، ولكنهم يفعلونه من باب تعاطي الأسباب في عدم النسل في ذلك الوقت، أو تأجيله، أو من جهة المرأة، فلم ينههم، لم يقل لا يفعل. وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على العزل، فدل على جوازه، ولكن يظهر من كلامه - صلى الله عليه وسلم - أن تركه أفضل؛ لأنه يَحرِمُ لذَّة الجماع على التمام، فينبغي تركه، إلا إذا دعت الحاجة إليه، فلا بأس، والعزل معناه: أنه إذا جامع المرأة، وأحس بخروج المني أخرج ذكره، وألقى منيه خارجاً، حتى لا تحمل، وغالب ما يُفعل هذا في الجواري، يخشون أن تحمل، حتى يمتنع بيعهن، قد يريد بيعها، فإذا ولدت امتنع من بيعها، فغالب ما يفعله الناس مع الجواري المملوكات، وقد يفعلونه مع الحرة لأسباب: إما لمرضها، أو لكثرة أولادها؛ أو لأنه يرغب فراقها، أو ما أشبه ذلك من

الأسباب، فتركه أولى، وإن فعله فلا حرج للمصلحة. 335 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - قال: «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ» (¬1). قَالَ سُفْيَان (¬2): «لَوْ كَانَ شَيْئاً يُنْهَى عَنْهُ، لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ» (¬3). 336 - عن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -: أنه سمع رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: يا عَدُوَّ اللَّهِ (¬4)، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ». كذا عند مسلم، وللبخاري نحوه (¬5). و «حار» بمعنى رجع (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب النكاح، باب العزل، برقم 5208، واللفظ له، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل، برقم 1440، بلفظه أيضاً. (¬2) «قال سفيان»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) مسلم، برقم 1440، وتقدم تخريجه في الذي قبله. (¬4) في نسخة الزهيري: «أو قال: عدوّ اللَّه». (¬5) رواه مسلم، عن أبي ذر - رضي الله عنه - في كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم، برقم 61، والبخاري، عن أبي ذر - رضي الله عنه - أيضاً بلفظ: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر باللَّه، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب، فليتبوأ مقعده من النار» في كتاب المناقب، باب، برقم 3508، وكتاب الأدب، باب ما يُنهى من السباب واللعن، برقم 6045، بلفظ: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك». (¬6) «وحار: بمعنى رجع»: ليس في نسخة الزهيري.

96 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالعزل عن المرأة وفي مسائل أخرى. تقدم حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لما ذكروا له العزل قال: «لم يفعل أحدكم ذلك؟» ولم يقل: (فلا يفعل أحدكم ذلك) ثم قال: «إِنَّهُ لَيْسَ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا» (¬1)، ويقول جابر - رضي الله عنه -: «كنا نعزل والقرآن ينزل ولو كان شيئاً يُنهى عنه ــ أي العزل ــ لنهانا عنه القرآن». وفي لفظ لمسلم: فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينهنا, هذا يدل على أنه لا بأس بالعزل، إذا رأوا مصلحة في ذلك، بإذن المرأة الحرة، ولا بأس أن يعزل عن جاريته مملوكته، وهو إخراج ذكره عند الإحساس بنزول المني، حتى يقذفه في الخارج، لئلا تحمل، هذا هو العزل، كونه ينزع ذكره من فرجها عند الإحساس بخروج المني حتى يلقيه خارج الفرج؛ كراهة أن تحمل لأسباب توجب ذلك، فإذا كانت الزوجة راضية بذلك، أو كان العزل عن مملوكته فلا بأس، وتَرْكُه أفضل؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لم يفعل أحدكم ذلك؟؛ فإنه ليس من نفس مخلوقة إلا اللَّه خالقها»، يعني ما كتب اللَّه أنه يقع يقع، وهو من جملة الأسباب لعدم الحمل، لكن اللَّه إذا أراد الحمل يسر ذلك، ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 7409، ومسلم، برقم 1438، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 334.

إما بسبق المني، ولا يستطيع إخراجه؛ لأنه سبقه، ونزل، أو سبق بعضه؛ لأن الولد ليس من كل المني، بل من بعض المني؛ فإذا أراد اللَّه وقوع الولد، والحمل سبق المني، أو سبق بعض المني، فكان الحمل، فليس من كل المني يكون الحمل، بل من بعضه. ومن ذلك تعاطي الحبوب المانعة من الحمل، إذا كان لحاجة، ومصلحة، أو إبر تمنع للحاجة، للمصلحة، إذا كانت المرأة مريضة، أو يضرها الحمل، أو معها صبية صغار كثيرون، يشق عليها التربية، فتريد أن تمنع الحمل إلى وقت آخر، كسنة أو سنتين، حتى تستطيع أن تربي أولادها، أو حتى تبرأ من المرض، فلا بأس بذلك: كالعزل. أما حديث أبي ذر - رضي الله عنه -، فيقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يدَّعي لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إلاَّ كَفَرَ» ما يجوز للإنسان أن يقول: أنا ولد فلان، وهو يكذب ما يحل له أن ينتسب لغير أبيه، بل يجب عليه أن ينتسب إلى أبيه، رضي أو كره، ولو كان أبوه كافراً، ولو كان أبوه فاسقاً، فيجب عليه أن يقول: أنا ولد فلان {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (¬1)، ولو كان أبوه كافراً، أو عاصياً، فذنبه عليه، ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه، هذا من المحرمات ومن الكبائر،. قوله: «إلا كفر» يعني كفراً دون كفر، كفراً أصغر، إذا لم يستحل ذلك، أما إذا استحل ذلك، وجعله أن اللَّه ما حرمه يكون كفراً أكبر، نسأل اللَّه ¬

(¬1) سورة فاطر، الآية: 18.

العافية، وهكذا ليس له أن ينتسب إلى غير مواليه، أو إلى غير قبيلته، ولا إلى غير من أعتقه، لما جاء من النهي عن ذلك وتحريم ذلك. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬1) هذا فيه تحذير من الدعاوى الباطلة، وفي الحديث الآخر: «مَنِ ادَّعَى دَعْوَى يَستَكَثر منهَا , لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّة» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: «مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬3). فليس للإنسان أن يخاصم في شيء لا حق له فيه، يدعي هذا ظلماً بغير حق، في أرض ما له فيها حق، في ميراث ما له فيه حق، في غير ذلك، ليس له أن يدعي في شيء يعلم أنه لا حق له فيه، وهذا من كبائر الذنوب, ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬4). والمسألة الثالثة: قال: «ومن قال لأخيه: يا عدو اللَّه. أو يا كافر. ¬

(¬1) البخاري بنحوه، برقم 3508، ومسلم، بلفظه، برقم 61، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336 .. (¬2) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وأن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110، ولفظه: أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ» مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا , لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّة». (¬3) ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من ادعى ما ليس له وخاصم فيه، برقم 2319، ولفظه: عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وهو جزء من حديث رواه مسلم، برقم 61، والبخاري، برقم 3508، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336 .. (¬4) البخاري، برقم 3508، ومسلم، برقم 61، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336.

وليس كذلك إلا باء بها أحدهما». إذا قال لأخيه: يا عدو اللَّه. أو يا كافر. أو يا فاجر؛ فإنها ترجع عليه، ويكون هو الأولى بهذه الكلمة، إن كان المقول له ليس أهلاً لذلك، فالواجب الحذر إذا قال: يا عدو اللَّه، أو: يا كافر، أو: يا فاجر، أو: يا خبيث، وهو ليس كذلك بريءٌ مما قال، رجعت كلماته عليه وصار إثمه عليه. فينبغي للمؤمن أن يصون لسانه، وأن يحفظ لسانه إلا من الخير، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ» (¬1)، العاقل الحازم القوي الإيمان يحفظ لسانه، ويصون لسانه إلا من الخير. ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، برقم 6018، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان، برقم 74 - (47).

12 - كتاب الرضاع

12 - كتاب الرضَاع 337 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لاتَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» (¬1). 338 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ» (¬2). 339 - وعنها قالت: «إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ، اسْتَاذَنَ عَلَيَّ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَقُلْت: وَاَللَّهِ لا آذَنُ لَهُ، حَتَّى أَسْتَاذِنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3)، فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّك، تَرِبَتْ يَمِينُك». قَال عروة بن الزبير (¬4): فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاع (¬5) ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض، برقم 2645، واللفظ له، ومسلم، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة، برقم 1447. (¬2) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، برقم 2646، واللفظ له، ومسلم، كتاب الرضاع، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، برقم 1444. (¬3) في نسخة الزهيري: «حتى استأذن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، ولفظ المتن للبخاري، برقم 4796. (¬4) في نسخة الزهيري: «قال عروة» ولم يذكر ابن الزبير. (¬5) في نسخة الزهيري: «حرموا من الرضاعة»، وهو لفظ البخاري، برقم 4796.

مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ (¬1). وفي لفظٍ، اسْتَاذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ، فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي، وَأَنَا عَمُّك؟ فَقُلْت: كَيْفَ (¬2) ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي، قَالَتْ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: «صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ، تَرِبَتْ (¬3) يَمِينُك» (¬4). (¬5) 97 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالرضاع، والرضاعة: هي مصُّ الطفل للثدي، أو ما يقوم مقام ذلك في حال الحولين، قبل أن يُفطَم، هذه يقال لها رضاعة، حكمها حكم النسب في التحريم والخلوة، لما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب التفسير، بَابُ قَوْلِهِ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 55]، برقم 4796، بلفظه، ومسلم، كتاب الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، برقم 4 - (1445)، بنحوه. (¬2) في نسخة الزهيري: «وكيف ذلك» بالواو، وهو لفظ البخاري، برقم 2644. (¬3) «تربت يمينك»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 4796، ومسلم، برقم 4 - (1445). (¬4) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، برقم 2644، بلفظه، إلا أنه لم يذكر في آخره: «تربت يمينك»، وهي في البخاري، برقم 4796 وأخرجه مسلم دون الجملة الأخيرة «صدق أفلح»، كتاب الرضاع، باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، برقم 1445. (¬5) في نسخة الزهيري زيادة: «تربت يمينك: أي افتقرت، والعربُ تدعو على الرجل، ولا تريد وقوعَ الأمر به». وأشار المحقق الزهيري بأن هذه الجملة التفسيرية فقط في نسخة ابن الملقن.

النسب» (¬1)، وأصله في كتاب اللَّه - عز وجل - , قال اللَّه سبحانه في المحرمات: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} (¬2)، فذكر سبحانه صنفين من الأمهات والأخوات، وجاءت السنة بالأصناف الأخرى: «... يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (¬3)، فيدخل في ذلك: البنات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وزوجة الأب، وزوجة الجد، وزوجة الابن، وزوجة أبناء البنين، وزوجة أبناء البنات، كلهم داخلون في الرضاع كالنسب؛ ولهذا لما قيل له - صلى الله عليه وسلم -: ألا تنكح ابنة حمزة بنت عمه حمزة بن عبدالمطلب؟ قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة» (¬4)، يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب, عمه حمزة كان أخاً له من الرضاعة وبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن ابنته لا تحل له، لأنها ابنة أخيه من الرضاعة. وهكذا حديث عائشة في قصة أفلح أخي أبي القعيس كانت عائشة ارتضعت من زوجة أبي القعيس، فاستأذن عليها أخوه: عمها وهو أفلح فلم تأذن له؛ لأنها تظن أن هذا الرضاع لا يؤثر، قالت: ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 2645، ومسلم، برقم 1447، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 310. (¬2) سورة النساء، الآية: 23 .. (¬3) البخاري، برقم 2645، ومسلم، برقم 1447، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 310. (¬4) رواه البخاري، برقم 2645، ومسلم، برقم 1447، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 310.

إنما أرضعتني امرأة أبي القعيس: ولم يرضعني الرجل، فبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الرضاعة كالنسب، وأن أبا القعيس يكون أباً لها من الرضاع، وأن أخاه عم لها من الرضاع كالنسب، فدل ذلك على أن الرضاع يحرم من جهة الفحل، ومن جهة الأنثى، فالفحل وهو الزوج، يكون أباً، وآباؤه أجداداً، وإخوته أعماماً، وأخواته عمات، وأمه جدة، وأخواتها خالاتها، وهكذا كالنسب، وهكذا المرأة تكون أُمّاً للرضيع، وإخوتها الذكور والإناث: أخوال وخالات الرضيع إلى آخره من النسب، ولهذا قال: «ائذني له؛ فإنه عمك تربت يمينك» (¬1)، وبذلك يظهر معنى يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وإذا سُقِيَ اللبن بالرضاعة لبن المرأة فهو كالرضاع: كالذي ارتضعه، سُقي منه خمس مرات، كل مرة تصل إلى جوفه كالرضاع، وهكذا إذا حلبت في فمه ولم يمصَّه، لِعلِّةٍ من العلل، حتى كمَّل خمس رضعات أو أكثر، فالمقصود أنه إذا وصله اللبن إليه من المرأة في حال الحولين، خمس مرات فأكثر، كل مرة مستقلة، يصل فيها اللبن إلى جوفه، يكون له حكم الرضاع إذا بلغ خمساً فأكثر في حال الحولين، تكون أُماً له، وصاحب اللبن الزوج أو السيد أباً له، والفروع: معروف: من الأخوة وغيرهم كالنسب سواء. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 4796، ومسلم، برقم 1445، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 339.

340 - وعنها - رضي الله عنها - قالت: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1): وَعِنْدِي رَجُلٌ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا»؟ قُلْت: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ» (¬2). 341 - عن عقبة بن الحارث - رضي الله عنه -، «أَنَّهُ تَزَوَّجَ (¬3) أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ (¬4): فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ (¬5): فَتَنَحَّيْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ (¬6): «وكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا فنهاه عنها (¬7)» (¬8). 342 - عن البَراء بن عازِب - رضي الله عنهما - قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض والموت القديم، برقم 2647، بلفظه، ومسلم، كتاب الرضاعة، باب إنما الرضاعة من المجاعة، برقم 1455، ولفظه: «دخل عليّ رسول اللَّه وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه، ورأيت الغضبَ في وجهه، فقلت: يا رسول اللَّه: إنه أخي من الرضاعة ...» الحديث. (¬3) في نسخة الزهيري: «قال: تزوجت». (¬4) «قال»: ليست في نسخة الزهيري. (¬5) «قال»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) في نسخة الزهيري: «قال». (¬7) «فنهاه عنها»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2659. (¬8) رواه البخاري، كتاب العلم، باب الرحلة في المسألة النازلة، وتعليم أهله، برقم 88، وفيه في آخره: «فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «كيف وقد قيل؟»، ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره»،وأخرجه بلفظه في كتاب الشهادات، باب شهادة الإماء والعبيد، برقم 2659، والحديث لم يخرجه مسلم.

يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ ــ فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ، تُنَادِي: يَا عَمُّ، يا عم (¬1)، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّك، فَاحْتَمَلَتْهَا (¬2)، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي، وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: بْنَتُ (¬3) أَخِي، فَقَضَى بِهَا النبي - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْك» وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا» (¬4). 98 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالرضاع، وتقدم أن الرضاع كالنسب فيما يتعلق بالمحرمية، والخلوة بالمرأة، والسفر بها، ونحو ذلك. كالنسب، تحرم كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (¬5)، في حق الرجل والمرأة جميعاً، من جهة الرجل، ومن ¬

(¬1) «يا عم» الثانية: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2699. (¬2) في نسخة الزهيري: «فاحتملها»، وفي البخاري، برقم 2699: «دونك ابنة عمك احمليها ...» (¬3) في نسخة الزهيري: «ابنة»، وهي هكذا في البخاري، برقم 2699. (¬4) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب كيف يكتب: هذا ما صالح فلان بن فلان، برقم 2699، بلفظه، وكتاب المغازي، باب غزوة زيد بن حارثة، برقم 4251، وزاد في آخره: «.. وقال علي: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنها ابنة أخي من الرضاعة»، وليس الحديث عند مسلم. (¬5) رواه البخاري رقم (2645)، ومسلم رقم (1447)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 337.

جهة المرأة. في هذا الحديث: حديث عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأى عندها رجلاً، فقال: «من هذا يا عائشة؟» قالت: أخي من الرضاعة. قال: «يا عائشة انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة»، أي إنما الرضاعة تعتبر من المجاعة في حال حاجة الطفل إلى الرضاعة، وذلك في الحولين، فإذا جاوز الحولين، فقد استغنى عن الرضاعة، وصار في الغالب يأكل، ويعيش بغير الرضاعة، ولهذا في الحديث الآخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا رضاع إلا في الحولين» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفَطَام» (¬2). ¬

(¬1) أخرج مالك في موطأ، 4/ 876، برقم 2249: عَنْ «يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: إِنِّي مَصِصْتُ عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: انْظُرْ مَاذَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: لَا رَضَاعَةَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ مَا كَانَ هَذَا الْحَبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»، والسنن الكبرى للبيهقي، 7/ 462، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار، 11/ 267: «وَالصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ»، وفي رواية أخرى عند مالك، 4/ 871، برقم 2242: «عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ يَاكُلُهُ» .. وفي مصنف 7/ 465، برقم 13903 موقوفاً: «عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن العباس يقول: «لا رضاع إلا ما كان في الحولين»، وفي مصنف ابن أبي شيبة موقوفاً عن عدد من الصحابة بالأرقام التالية: 17051، 17052، 17053، 17054، 17055، 17056، ومن هذه الروايات: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لاَ رَضَاعَ إلاَّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ»، ورواه الدارقطني مرفوعاً، 4/ 174، كتاب الرضاع، برقم 10، ووثّقها. (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين، برقم 1152، وقال: «حسن صحيح»، وسنن النسائي الكبرى، كتاب النكاح، الرضاعة بعد الفطام قبل الحولين، برقم 5465، وابن حبان، 10/ 37، برقم 4224، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 7/ 221، برقم 2150.

والرضاع الشرعي الذي يحصل به التحريم هو ما كان في الحولين، قبل أن يُفطم؛ لهذا الحديث الصحيح: «إنما الرضاعة من المجاعة»، والأحاديث: «لا رضاع إلا في الحولين» , «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام»، والواجب التثبت في الرضاع, وأن لا يتساهل الرجل والمرأة في ذلك إلا بعد ثبوت الرضاعة، والتأكد من وجود الرضاع الشرعي، الذي يحصل به التحريم، وذلك بأمرين: أحدهما: أن يكون في الحولين. الأمر الثاني: أن يكون خمس رضعات فأكثر، فلا يتم الرضاع، ولا يحصل به التحريم، ولا تثبت به الأحكام الشرعية، إلا بالأمرين: أحدهما: كونه في الحولين. والأمر الثاني أو الشرط الثاني: أن يكون الرضاع خمس رضعات فأكثر، كل رضعة يحصل بها وصول اللبن إلى الجوف جوف الطفل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة أبي حذيفة [...] (¬1): «أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه» (¬2). ويقول - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة: «كَانَ فِيمَا ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمات غير واضحة حذفتها، ولا يؤثر ذلك في المعنى. (¬2) أخرجه ابن حبان، 10/ 29، برقم 4215، ولفظه: «أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِكِ. فَفَعَلَتْ، وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ»، والقصة موجودة في أكثر كتب الحديث بألفاظ مختلفة، وقد أشار لها الإمام البخاري دون ذكر لحادثة الرضاع، في كتاب المغازي، باب حدثني خليفة، برقم 4000، وفي كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، برقم 5088، ومسلم مع قصة الإرضاع، كتاب الرضاع، باب رضاعة الكبير، برقم 1453، ولكنه زاد في الرواية برقم 1454: «... أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَتْ تَقُولُ: " أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِسَالِمٍ خَاصَّةً، فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ، وَلَا رَائِينَا». [وقلت: وهذا يدل دلالة واضحة أن هذه الرضاعة في حال الكبر بعد الحولين خاصة بسالم مولى أبي حذيفة].

أُنْزِلَ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ»، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ (¬1)، فلابد من خمس رضعات. وقال لامرأة أبي حذيفة في قصة سالم: «أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه». وقال: «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ ولا الرَّضْعَتَانِ» (¬2)، فلا بد من خمس معلومة مؤكدة أو أكثر. حديث عقبة بن الحارث أبي سِروعة أنه تزوج امرأة يقال لها ابنة أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء فقالت: قد أرضعتكما، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: «كيف أرضعتيه» (¬3)، وفي اللفظ الآخر: «دعها عنك» (¬4). هذا يدل (¬5) [على أن الرضاع يثبت ولو بشهادة امرأة واحدة؛ ولهذا: امرأة سوداء جاءت إلى عقبة وزوجته] (¬6)، ¬

(¬1) مسلم، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات، برقم 1452، ولفظه: «عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ». (¬2) مسلم، كتاب الرضاع، باب في المصة والمصتان، برقم 1451، ولفظه: أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ، حَدَّثَتْ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ، أَوِ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ». (¬3) رواه البخاري، برقم 88، وتقدم تخريجه. (¬4) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب شهادة المرضعة، برقم 2660، ولفظه: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، دَعْهَا عَنْكَ» أَوْ نَحْوَهُ. (¬5) آخر الوجه الأول من الشريط السادس عشر. (¬6) ما بين المعقوفين سقط من الشريط، فأثبت هذه الكلمات؛ ليتم المعنى.

وزعمت (¬1) أنها أرضعتهما، فأمره النبي بفراقها، يدل على أنه رضاع ثابت، والأحاديث المجملة في الرضاعة تُفسَّر بالأحاديث المفصلة، لأن السنة يفسر بعضها بعضاً، كالقرآن يفسر بعضه بعضاً. والحديث الثالث: حديث البراء بن عازب في قصة حمزة لما خرج من مكة عام عمرة القضاء في سنة سبع للهجرة: تبعته ابنة حمزة بمكة: حمزة بن عبدالمطلب عم النبي - عليه الصلاة والسلام -: تنادي: «يا عم يا عم» تريد أن يأخذوها، فأخذها علي وسلمها لفاطمة، وقال: دونك ابنة عمِّك، ثم اختصموا في حضانتها: من يتولاها. فقال عليٌّ: «أنا أحق بها، وهي ابنة عمي»، وقال جعفر: «أنا أحق بها، وخالتها تحتي»، وقال زيد بن حارثة: «هي ابنة أخي»، فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند خالتها، قال: «الخالة بمنزلة الأم» , وقال لعلي: «أنت مني، وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، فطيب نفوسهم بكلمات طيبة - عليه الصلاة والسلام -، وحكم بها لخالتها، فدلّ على أن الخالة في الحضانة مقدمة على أولاد العم، وأنها بمنزلة الأم، هي أولى بحضانة البنت الصغيرة حتى تبلغ، هي أولى بها، وأرفق بها، وأعطف عليها من بني عمها، وأضمن عليها أيضاً؛ لأنه قال: «الخالة بمنزلة الأم»، وفي هذا فضل علي، وجعفر، وزيد - رضي الله عنهم -، فالنبي قال لعلي: «أنت مني، وأنا منك»، هو ابن عمه، وأخوه في الإسلام، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، ¬

(¬1) أول الوجه الثاني من الشريط السادس عشر.

وهو ابن عمه أيضاً، وهم من خيرة الناس في الإسلام، وهو أخو علي، وأكبر من علي، وقال لزيد بن الحارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعتيقه: «أنت أخونا ومولانا»، فخاطبهم بكلمات طيبة؛ لترفع من شأنهم، وتطيب نفوسهم، وأعطى الحكم الحق لأهله.

13 - كتاب القصاص

13 - كتاب القِصَاص 343 - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1): «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» (¬2). 344 - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» (¬3). 345 - عن سهل بن أبي حَثْمةَ - رضي الله عنه - قال: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، إلَى خَيْبَرَ ــ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ ــ فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلاً، فَدَفنه ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَهَبَ عَبْدُالرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «كَبِّرْ، كَبِّرْ» ــ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ــ فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: «أَتَحْلِفُونَ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، وهذا في البخاري، برقم 6878. (¬2) رواه البخاري، كتاب الديات، بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، برقم 6878، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، برقم 1676، بلفظه. (¬3) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6533، ورقم 6864، بلفظ: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء»، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب المجازاة بالدماء في الآخرة، وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، برقم 1678، بلفظه أيضاً.

وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ، أَوْ صَاحِبَكُمْ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نَشْهَدْ، وَلَمْ نَرَ؟ قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بأيَمِان خَمْسِينَ منهم (¬1)». فقَالُوا: كَيْفَ نأخذ بِأَيْمَانِ قَوْمِ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ عِنْدِهِ» (¬2). 99 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالدماء والقصاص (¬3) والقسامة. في الحديث الأول: يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، إلا بإحدى ثلاث» ثم فسرها، فقال: «الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»، يجوز الرفع، ويجوز الجر، النفس بالنفس، بدل من الثلاث، والرفع خبر لمبتدأ آخر محذوف. فهذه الخصال الثلاث تجوِّز سفك الدم، قتل صاحبها: الثيب الزاني، معناه الذي قد تزوج ووطئَ الزوجة، يقال له: ثيب، فإذا زنى يقتل، يرجم بالحجارة حتى يموت، إذا ثبت زناه بأربعة شهود عدول ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فتبرئكم يهود بخمسين يميناً»، وهذا لفظ البخاري، برقم 3173، إلا قوله: «يميناً». (¬2) رواه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره ... ، برقم 3173، بلفظه «إلا أنه قال: «فتبرئكم يهود بخمسين»، وقد جاءت الجملة في كتاب الأدب، باب إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال، برقم 6143، فقال: «فتبرئكم يهود في أيمان خمسين منهم»، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب القسامة، برقم 1669. (¬3) القَصاص: هو أن يُفعل به مثل فعله: من قتل، أو قطع، أو ضرب، أو جرح، والقصاص الاسم. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 72، مادة (قصّ).

أو بإقراره، والنفس بالنفس هذا القصاص، وهذا الشاهد في الترجمة كتاب القصاص: والقصاص مصدر قاص قصاصاً، وهو الأخذ بالمقابل، المقاصة المماثلة، قال اللَّه جل وعلا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (¬1)، فاللَّه شرع المقاصة: النفس بالنفس، والعين بالعين، والأُذن بالأُذن، واليد باليد، والرجل بالرجل، وهكذا إذا تمت الشروط والمكافأة بينهما، فإذا قتل إنسانٌ آخر عمداً عدواناً وجب القصاص، إلا أن يعفو ولي القتيل، إذا عفا من الدية، أو عفا مطلقاً، سقط القصاص؛ فإن لم يعفُ، وطالب بالقصاص، وجب القصاص، وجب أن يُقتل به، إذا كان مكافئاً له، المسلم يقتل بالمسلم، أما إذا كان كافراً؛ فإنه لا يُقتل به المسلم، ولكن يؤدي الدية ويعزر ويؤدب، أو كان رقيقاً مملوكاً لا يقتل به الحر، ولكن يعزر ويؤدي الدية وهي قيمته، ويقتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل إذا قتلها عمداً عدواناً قتل بها، أو قتلته قُتلت به. والتارك لدينه المفارق للجماعة: المرتد الناقض للإسلام إذا فعل ما يوجب ردته قُتِل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من بدل دينه فاقتلوه» (¬2)، فإذا أشرك: عَبدَ غير اللَّه، كأن يستغيث بالأصنام، أو بالنجوم، أو بالأموات، أو بالجن، أو يدعو غير اللَّه, يُستتاب؛ فإن تاب، وإلا قُتِل ردة, أو يترك ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 45. (¬2) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب اللَّه، برقم 3017.

الصلاة يُستتاب؛ فإن تاب وإلا قُتِل ردة, أو سبَّ اللَّه, أو يسبُّ الرسول، أو يستهزئ بالدين ردة يُقتل: «من بدل دينه فاقتلوه». وقد ذكر العلماء في كل مذهب باب حكم المرتد، وهو المسلم يكفر بعد إسلامه, فإذا ارتد عن دينه، فهذا حكمه القتل بعد الاستتابة, وبعض النواقض لا يُستتاب بها، كالذي يسب اللَّه، ويسب الرسول، هذا يقتل بغير استتابة عند جمع من أهل العلم لعظم جريمته. الحديث الثاني: يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء»، هذا يدل على عظم شأن الدماء, وأنه أول ما يقضى بين الناس في الدماء, لما بينهم من الحقوق، فهذا فيه الحذر من سفك الدم الحرام، والعدوان على الناس، فيجب على المؤمن أن يحذر العدوان على الناس وسفك الدم بغير الحق؛ لأن جريمة القتل عظيمة, قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (¬1)، وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» (¬2) , نسأل اللَّه السلامة. والحديث الثالث: قصة عبداللَّه بن سهل الأنصاري توجه إلى ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 93. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الديات، باب قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنَاً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [الناسء: 93]، برقم 6862، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بلفظ: «لَن يَزَالُ المؤمن»، وأخرجه أحمد، 9/ 493، برقم 5681 بلفظ: «لَنْ يَزالَ المَرْء».

خيبر لحاجة مع أخيه ابن عمه مُحيصة فقُتل، وجدوه قتيلاً، ولم يعلموا من قتله في خيبر، وخيبر تسكنها اليهود ذاك الوقت، وهم أعداء المسلمين بعدما فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصالحهم على أنهم يبقوا فيها عمالاً فلاحين بالنصف، سافر عبداللَّه بن سهل إليها لحاجة فوجدوه قتيلاً, فلم يعرفوا من قتله، فاشتكوا اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشتكاهم عبدالرحمن بن سهل أخو عبداللَّه بن سهل، وابنا عمه محيصة وحُويصة ابنا مسعود أبناء عم القتيل، فتقدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشتكون، أراد عبدالرحمن أن يتكلم وكان أصغر القوم، وقال له النبي: «كبّر كبّر»، فتكلم حُويِّصة، ثم تكلم محيصة، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عندكم بيّنة» قالوا: لا. قال: «تحلفون» خمسين يميناً على قاتله، قالوا: لم نشهده، ولم نره، كيف نحلف! قال: «فتبرئكم يهود بخمسين يميناً» قالوا: قوم كفار كيف نقبل أيمانهم، فعقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده وداه النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده صلحاً بين الجميع، وسَدَّدهم مائة من الإبل - عليه الصلاة والسلام - دية لعبد اللَّه بن سهل، وحقناً للفتنة والدماء. هذا يدل على فوائد: منها أن الخصومة إذا كانت بين جماعة، فإنه يتكلم الأكبر «كبّر, كبّر»، وكان الخصوم جماعة يتكلم الأكبر، ثم يُكمِّل الباقون، إن كان لهم زيادة يكملون، ثم تُسمع دعوى المدعى عليه بعد ذلك، المدعي يتكلم أولاً، ويتكلم الأكبر، ثم ينظر في دعوى المدعى عليه. وفيه من الفوائد: أنه إذا كان القتيل عند قوم يُتهمون به: فإنه

يُدَّعى عليهم فيه: ويطلب من المدعين البينة: فإن وجدوا بينة، وإلا فلهم القسامة، لهم: أن يحلفوا على واحد منهم بسبب اللَّوث، بسبب العداوة والبغضاء، أو لأسباب أخرى، تدل على أنهم قتلوه، كأن يوجد جماعة يشهدون أنهم قتلوه، لكن لا تطبق فيهم الشروط: إما لأنهم غير عدول، أو نساء أو صبيان، فإذا توافر عند أولياء القتيل ما يدل على أن القاتل فلان فيحلفون عليه؛ ولهذا قال: يُقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدُفع برمته، فإذا كان الخصوم يدعون على واحد معين بينه وبين القتيل عداوة، أو عندهم ما يدل على أنه قاتله؛ لأنهم رأوه قائماً عليه بسكين، أو معه السيف، أو آثار الدم في سكينه، أو شهد عليه نساء، أو صبيان، أو فساق، واقتنع أولياء الدم أنه هو قاتله، فلهم أن يحلفوا خمسين يميناً إذا كانت العصبةُ خمسين كل واحد يحلف يميناً؛ فإن كانت العصبةُ خمساً وعشرين، كل واحد يحلف يمينين، فإن كانوا عشرة كل واحد يحلف خمساً: خمسة أيمان على عددهم ويدفع إليهم برمته (¬1). فإذا لم يحلفوا، حلف أولئك المدعى عليهم، حلفوا خمسين أنهم لم يقتلوا، ولم يعرفوا قاتله، فيبرؤوا فإن أصلح بينهم ولي الأمر، ودفع الدية ولي الأمر، وأصلح بينهم، أو أصلح بينهم بنصف ¬

(¬1) رمته: الرُّمة - بالضم-: قطعة حبل يشد بها الأسير، أو القاتل إذا قيد إلى القصاص، أي يسلم إليهم بالحبل الذي شُدَّ به، تمكيناً لهم منه لئلا يهرب، ثم اتسعوا فيه حتى قالوا: أخذت الشيء برمته، أي كله. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 267، مادة (رم).

الدية، أو بأقل أو بأكثر، فلا بأس، فالصلح جائز؛ ولهذا أصلح النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن دفع الدية عن اليهود، دفعها من بيت المال، وأنهى الدعوى بينهم عن الفتنة، وهذه يقال لها قسامة، وهي أن يدعي قوم على شخص أنه قتل موروثه، ويحتجون على ذلك بأشياء، تُغلِّب على الظن أنه قتله: لعداوة بينهما، أو شهادة من لا يكتمل به النصاب، أو غير هذا من القرائن والدلائل، التي تدل على أنه قتله، هذه يقال لها: قسامة، فيطالبون بخمسين يميناً من العصبة، فإن لم يحلفوا فلهم أيمان المدعى عليهم، إلا إذا لم يوجد بينة علامة تشهد بالقتل. وفي حديث حماد بن زيد: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ»؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ، كَيْفَ، نَحْلِفُ؟ قَال: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْمٌ كُفَّارٌ فوداه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من قبله (¬1)» (¬2). وفي حديث سعيد بن عبيد: «فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ» (¬3). 346 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَاسُهَا مَرْضُوضاً ¬

(¬1) «فوداه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من قبله» ليست في نسخة الزهيري، وهي في المتن، وفي البخاري، برقم 6143، وفي مسلم، برقم 4 - (1669). (¬2) البخاري، برقم 6143، ومسلم، برقم 2 - (1669)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 345. (¬3) رواه البخاري، برقم 6898، ومسلم، برقم 5 - (1669)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 345.

بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِك: فُلانٌ، فُلانٌ؟ حَتَّى ذُكِرَ يَهُودِيٌّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَاسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرَضَّ رَاسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» (¬1). 347 - ولمسلم والنسائي عن أنس، «أَنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ، فَأَقَادَهُ بها (¬2) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). 348 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَتَلَتْ خُزَاعَةُ (¬4) رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَامَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يُذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، برقم 2413، وجميع أطرافه في هذا الحديث، وأخرجه مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره، من المحددات، والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة، برقم 17 - (1672). (¬2) في نسخة الزهيري: «فأقاده رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بها». (¬3) رواه البخاري، كتاب الديات، باب من أقاد بالحجر، برقم 6879، ولفظه: عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ: «أَقَتَلَكِ فُلاَنٌ؟» فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ لاَ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ لاَ، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَاسِهَا: أَنْ نَعَمْ، فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَجَرَيْنِ،، وقد أخرجه في عدة مواضع، برقم 2413، وفي آخره: «فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فرُضَّ رأسه بين حجرين»، وبرقم 2746، و6876، و6877، 6879، و6884، و6885، وبنحوه مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره، من المحددات، والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة، برقم 17 - (1672)، وفي آخره: «فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ حَجَرَيْنِ»، والنسائي، واللفظ له، 8/ 22، برقم 4740. (¬4) في نسخة الزهيري: «هذيل».

وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلا (¬1) وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ (¬2) قَبْلِي، وَلا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلا يُخْتَلَىُ شَوْكُهَا، وَلا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُقْتَلَ، وَإِمَّا أَنْ يفدى» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ــ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ ــ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اُكْتُبُوا لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ»، ثُمَّ قَامَ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إلاَّ الإِذْخِرَ» (¬3). 100 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه بقية حديث عبداللَّه بن سهل الذي قتله اليهود في خيبر، تقدم في حديث الدرس الماضي، وهذه بقيته كان ينبغي أنها قرئت مع أوله، لأنه بقية الحديث، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم خيَّرهم: إما أن يثبتوا عليهم أنهم قتلوه، فإن لم يثبتوا فعليهم أن يحلفوا خمسين يميناً على قاتلهم ويُعيِّنوه، فإن لم يقيموا بذلك، فلهم أيمان خمسين من اليهود، على أنهم ما قتلوه، ولا عرفوا قاتله، وتقدم الكلام في هذا، وأن الأنصار اعتذروا، وقالوا: لم نشهد، ولم نرَ، فكيف نحلف؟ وليس ¬

(¬1) «ألا»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 112، وفي مسلم، برقم 448 - (1355). (¬2) في نسخة الزهيري: «وأنها لم تحل لأحد كان قبلي». (¬3) رواه البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 112، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام، برقم 1355.

عندهم بينة وقالوا أيضاً: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فعند هذا عقله النبي - صلى الله عليه وسلم - من عنده، حسماً للنزاع، وإنهاءً للفتنة، وحقناً للدماء، وتقدم أن هذا يُسمَّى القسامة، هذا الحكم يسمى حكم القسامة، وهي أن يدعي قومٌ على قوم قتلاً بدون بينة تشهد لذلك، ويكون هناك لَوَث وهو عداوة، أو ما يقوم مقامها من الدلائل على أنهم قتلوه، كأن يشهد عليهم من لا تُقبل شهادته كالنساء والصبيان والفساق، فيحصل لأهل القتيل طمأنينة إلى أن قاتلهم فلان، فيحلفون بموجب ما دل عليه شهادة من ذُكر، أو العداوة البينة بينهم وبين القتيل، فإن لم يحلفوا فلهم أيمان المتهمين، يحلف المتهمون أنهم ما قتلوه، وما عرفوا قاتلاً، فيبرأوا منه، وهذا يقال له حكم القسامة، وهي معروفة في الجاهلية، وأقرها الإسلام. الحديث الثاني: حديث أنس: أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها: فرضَّ رأسها بحجر، وأخذ أوضاحها، وهي الحلي من الذهب والفضة، فجيء إليها [بالمتهمين] (¬1) في الجريمة، وكانت قد عجزت عن الكلام بسبب الجريمة العظيمة، رضّ رأسها، فعرض عليها جماعة من اليهود المتهمين، فأشارت برأسها بالنسبة إلى أحدهم: أنه هو القاتل، أومأت برأسها أي هذا هو الذي رضّ رأسها، فلما أخذوه اعترف بأنه هو الذي فعل الجريمة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُرضّ رأسه بين حجرين، جزاءً وفاقاً، وهذا هو القصاص. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها: «المتهمين».

وفي هذا فوائد منها: أنه يقتل الرجل بالمرأة, وقوله جل وعلا: {الأُنْثَى بِالأُنْثَى} (¬1)، لا مفهوم له، بل تقتل الأنثى بالرجل، والرجل بالأنثى. ومنها أن الإشارة يعمل بها في تعيين المتهم، وفي المسائل الأخرى التي لا يترتب عليها التعدي على آخر؛ ولهذا كان يشير في صلاته [بيده] (¬2) - صلى الله عليه وسلم - في أشياء كثيرة، كما أشار في صلاته - عليه الصلاة والسلام - لما سلموا عليه، أشار بيده - عليه الصلاة والسلام -، وأشار إليهم لما صلوا قياماً وهو جالس، أي اجلسوا (¬3). والإشارة لا بأس بها عند الحاجة إليها، يعمل بها ما لم يكن فيها دعوى على أحد، فلا يكتفى بالإشارة، وإنما تقتضي الدعوى: أي لا بد مع الدعوى من بينةٍ، أو إقرارٍ؛ ولهذا لما أشارت مدعية على اليهودي، لم يكتفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بإشارتها، ولكنها تضمنت الدعوى على هذا الشخص، فأخذوه فاعترف، فلما اعترف حُكِمَ عليه بالقصاص باعترافه، لا بمجرد إشارتها، بل باعترافه، وهذا يُسمَّى غِيلة، قتل غيلة، وفي الصحيح: أن قتل الغيلة يجب فيه القود (¬4)، ولا يُستشار فيه ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 178. (¬2) ما بين المعقوفين «بيده» أضفته ليتم المعنى. (¬3) أخرج البخاري، كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم 688، ومسلم، كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم 412، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها -، أَنَّهَا قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». (¬4) القَوَد: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادة، واستقدت الحاكم: سألته أن يقيدني، واقتدت منه أقتاد. النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 119، مادة (قود).

الورثة (¬1) حقناً للدماء، وحسماً لمادة الفساد في الأرض؛ فلهذا قتله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسأل ورثة الجارية، ولم يستشرهم؛ لأنه خدعها فقتلها. وفي حديث أبي هريرة الدلالة على أن القتيل لأهله الخيرة: إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وإن شاءوا عفوا؛ ولهذا قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يُفدَى»، فهذا هو الحكم في القتل العمد، الذي يوجب القصاص بين المتكافئَين، فأهله لهم الخيرة في ثلاثة أشياء: القصاص، والدية والعفو. وفيه من الفوائد: أن البلد الحرام محرم لا يحل فيه القتال، لا قبل النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا بعده، وإنما أُحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نهار. وفيه من الفوائد: أنه لا يعضد شجره، ولا شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا يختلى خلاها، وهو الحشيش الأخضر، ولا تُلتقط ساقطته، إلا للمنشد، إلا لمعرِّف. وفي حديث أنس من الفوائد أيضاً: أن القاتل يُقتل بمثل ما قتل، فإن قتل بالرضّ في الرأس يرض رأسه، وإن قتل بالتغريق غُرِّق في ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل، هل يعاقب أو يقتص منهم كلهم، برقم 6896: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ غُلَامًا قُتِلَ غِيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ»، وفي موطأ مالك، 5/ 1268: «قَالَ مَالِك: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إِلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مُسْلِمٌ قَتْلَ غِيلَةٍ، فَيُقْتَلُ بِهِ، وحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ وَاحِدٍ قَتَلُوهُ قَتْلَ غِيلَةٍ، وَقَالَ عُمَرُ: «لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا».

الماء، وإن كان قتل بالسيف قتل بالسيف: الجروح قصاص، القصاص: المماثلة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قتله بمثل ما فعل، فرض رأسه بين حجرين، فيقتل بمثل ما قتل، إلا أن يكون قتله بمعصية فلا، كأن يكون قتله بسقي الخمر، أو باللواط، فلا يقتل بذلك بمعصية اللَّه، وأما إن كان قتله بغير معصية: بالسيف، بالرض، بالتغريق، بغير ذلك من أسباب القتل، يُقتل قصاصاً. 349 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، «أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي إمْلاصِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: «شَهِدْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي (¬1) بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك، فَشَهِدَ مَعَهُ (¬2) مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ» (¬3). إملاص المرأة: أن تُلْقيَ جنينها ميتاً (¬4). 350 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ، أَوْ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «لتأتين». (¬2) في نسخة الزهيري: «فشهد له». (¬3) رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما جاء في اجتهاد القضاء بما أنزل اللَّه تعالى، برقم 7317، وأطرافه في البخاري، برقم 6905، و6906، و6907، و6908، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، برقم 1683، واللفظ له. (¬4) «إملاص المرأة: أن تلقي جنينها ميتاً»: ليست في نسخة الزهيري.

وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ، وَلا أَكَلَ، وَلا نَطَقَ وَلا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ (¬1). 351 - عن عمران بن حُصين - رضي الله عنه -، «أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتاهُ، فَاخْتَصَمَا (¬2) إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ (¬3) كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَك» (¬4). 352 - وعن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدّثنا جُنْدُبٌ - رضي الله عنه - في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثاً، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّيناً، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ - ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الطب، باب الكهانة، برقم 5758، 5759، و5760، و6440، و6904، و6909، و6910، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين، ووجوب الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد على عاقلة الجاني، برقم 36 - (1681). (¬2) في نسخة الزهيري: «فاختصموا»، وهذا لفظ البخاري، برقم 6892، ولفظ المتن: «اختصما»، لفظ مسلم، برقم 1673. (¬3) في نسخة الزهيري خطأ مطبعي: «أحاه» بالحاء. (¬4) رواه البخاري، كتاب الديات، باب إذا عضّ رجلاً فوقعت ثناياه، برقم 6892، بلفظه، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب الصائل على نفس الإنسان، أو عضوه، إذا دفعه المصول عليه، فأتلف نفسه أو عضوه، لا ضمان عليه، برقم 1673.

عز وجل -: (عَبْدِي بَادَرَنِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ (¬1) عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)» (¬2). 101 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة الثابتة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تتعلق بأحكام، كلها تتعلق بالقتل، وبإملاص المرأة، وبالعدوان, أما الإملاص فإملاصها: إسقاطها جنينها ميتاً، يقال: أملصت، يعني أسقطت، والعامة (¬3) (تعوّرت)، يعني أسقطت جنيناً قبل أن يتم ميتاً, سأل عمر الناس عن حكمه، فشهد عنده المغيرة بن شعبة الثقفي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بالغُرَّة عبد أو أَمة، قال: من يشهد معك؟ قال محمد بن سلمة، هذا فيه الدلالة على أن المرأة إذا أسقطت بضربة أحد ضربها، فإن الولد يُؤدى بغرة عبد أو أمة، إذا سقط ميتاً بسبب العدوان عليه. قال العلماء: قيمتها خمس من الإبل: عُشر الدية خِنصر بِنصر خمسٌ من الإبل عشر دية أمّه أم الطفل. فإذا أسقطت جنيناً في هذا الوقت مثلاً ميتاً بالعدوان على أمّه (¬4) [ففيه غرة: عبد أو أمة: قيمتها خمس من الإبل] (¬5). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فحرمت»، والمتن هو لفظ البخاري، برقم 1364، ورقم 3463. (¬2) رواه البخاري، أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، برقم 3463، بلفظه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 113. (¬3) والعامة «تعورت» أي يقول العامة: تعوَّرت. (¬4) آخر الوجه الثاني من الشريط الساس عشر. (¬5) ما بين المعقوفين أضفته ليكتمل المعنى؛ لأنه حصل سقط في الشريط.

وقول عمر للمغيرة: من يشهد معك؟ من باب التثبت والحرص، وإلا فالواحد (¬1) يكفي كما تقدم، لما سأل ابن عمر سعد بن أبي وقاص عن مسح الخفين، قال ابن عمر: إذا قال لك سعد شيئاً فلا تسأل غيره. فالقاعدة أن الواحد من الصحابة تقوم به الحجة، وهكذا الثقات من الرواة، الواحد الثقة، تقوم به الحجة، ولكن إذا جاء من طريق ثان يكون أثبت وأكمل، وهذه عادة عمر في بعض الأحيان يتثبت ويطلب شاهداً ثانياً من باب التثبت في الأمور، كما قال لأبي سعيد لما سُئل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما قال أبو موسى لعمر أنه استأذن ثلاثاً، فلم يؤذن له فانصرف، وقال: إني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَنْصَرِفْ» قال: ائتني بمن يشهد معك، فشهد معه أبو سعيد الخدري (¬2)، هذا من باب التثبت في الأمور، وإلا فالواحد يكفي، إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق واحدة، أنه قال كذا أو فعل كذا كفى. ¬

(¬1) أول الوجه الأول من الشريط السابع عشر. (¬2) أخرج البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم والاستئذان ثلاثاً، برقم 6245، ومسلم، كتاب الآداب، باب الاستئذان، برقم 2153: «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَاذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَاذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَلِكَ». ولفظةُ: «فلينصرف» وجدتها عند أبي يعلى، 13/ 192، برقم 7257.

وهكذا حديث حمل بن النابغة عن أبي هريرة في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، وأسقطت إحداهما المضروبة جنيناً، فقضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بغرة قضى بالدية: دية المقتولة على عاقلة القاتلة. لأنه قتل شبه عمد، وليس فيه عمد، بل هو ملحق بالخطأ؛ فلهذا قضى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدية على العاقلة، ولم يحكم فيه بالقصاص، فدل ذلك على أن القتل إذا كان شبه عمد، مثل أن ضرب أحدهما الآخر بعصاً، أو ضربت إحداهما الأخرى بعصاً، وصار في ذلك موت المضروب، هذا يكون شبه عمد، ما فيه إلا الدية والكفارة، إذا كان مثله لا يقتل، إذا كانت الآلة التي تضرب بها مثلها لا يقتل غالباً، فهذا هو شبه العمد، وفيه الدية، وفيه الكفارة، وإن كان هناك جنين سقط، فهذا فيه الغرة عبد أو أمة، ولما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قال حمل بن النابغة الهذلي: كيف أغرم من لا شرب، ولا أكل، ولا نطق، ولا استهل، فمثل ذلك يطل! يعني يهدر، فأنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنما هو سجعٌ من سجع الكهان». هذا يدل على أنه ما يجوز معارضة الحق بالسجع، أو غير السجع، وأن السجع مذموم إذا كان فيه معارضة للحق، أما إذا كان سجعاً لا يعارض الحق، ولا فيه تكلف، فلا بأس به [...] (¬1). السجع الذي ليس فيه تكلف، وينصر الحق، ويعين على الحق، لا بأس به، أما إذا كان السجع يعارض الحق، ويقف في طريق ¬

(¬1) ما بين المعقوفين سقط يسير لا يؤثر على المعنى.

الحق، هذا لا يجوز، وهو من سجع الكهان، الذين يلبّسون به على الناس، ويخدعون به الناس. وهكذا حديث عمران الذي عضّ يد أخيه حتى نزع يده من فمه، فسقطت ثنيته، فقال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنها هدر، أيدع يده في فمه يقضمها كما يقضم الجمل»، فأهدر ثنيته, هذا يفيد أن الإنسان إذا عض أخاه، وانتزع المعضوض يده، فسبب سقوط شيء من العاض يكون هدراً؛ لأنه ظالم، الظالم لا يستحق العوض عما جرى بظلمه، فإذا عض يده وانتزعها منه، وسقطت بعض أسنانه، فإنها تكون هدراً، كما قال النبي: «يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل ــ يعني الجمل ــ اذهب، فلا دية لك»، هذه عقوبةٌ له على عدوانه وظلمه. وهكذا لو أمسكه ظلماً وعدواناً، فدفعه حتى سقط فمات بسبب ذلك لا شيء عليه؛ لأنه هو المعتدي، بسبب ظلمه لأخيه، وعدوانه عليه، فالحاصل أنه إذا كانت الجناية سبب الدفاع عن إنسان مثل دفاع الصائل، أراد أن يقتلك فامتنعت منه فقتلته، أو أراد أن يتعدَّى على أهلك فدفعته بالقتل؛ لأنه لا يندفع إلا بالقتل ظالم، وهكذا بالكلام والوعيد، ولا يندفع عن أهلك بالعدوان عليهم بالزنى وغيره إلا بالقتل، والطعن، فليس له قصاص لعدوانه وظلمه إذا ثبت مثلما أهدر النبي سن هذا الذي اعتدى، والمعتدي في حكم الصائل [...] (¬1). وهكذا حديث جندَب، يقال جندَب بفتح الدالـ وجندُب بضم ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلام يسير غير واضح، لا يؤثر في المعنى.

الدال: لغتان، ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان فيمن كان قبلنا رجل به جرح، فلما آلمه جَزِع، فأخذ سكيناً فقطع يده، فما رقأ الدم حتى مات، فقال اللَّه - عز وجل -: «بادرني عبدي بنفسه، فحرمت عليه الجنة»، هذا يفيد أن الذي يقتل نفسه متوعد بالنار نعوذ باللَّه ــ يعني إذا كان في يده جراح أو آلام وانتحر، يكون متوعداً بالنار، نعوذ باللَّه من الحرمان من الجنة، فلا يجوز للإنسان أن ينتحر، فالإنسان الذي فيه مرض، في بطنه في يده, في رأسه, لا يجوز أن ينتحر، يعالج، يسأل ربه العافية، ويصبر ويتحمل، أما أنه ينتحر، يطعن نفسه بالسكين، أو يقتل نفسه بمسدس، أو يلقي نفسه في الغرق: في البحر، أو في الماء، أو في النار، هذا ما يجوز، هذا يسمى انتحار، قتل للنفس، ما يجوز، عليه أن يصبر ويتحمل ويتعاطى العلاج، حتى يفرّج اللَّه، حتى يشفيه اللَّه أو يموت دون إيذاءٍ منه. أما أن يتعمد قتل نفسه بزعم أنه أذاه هذا الألم، هذا لا يجوز.

14 - كتاب الحدود

14 - [كتاب الحدُود (¬1) 353 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ ــ أَوْ عُرَيْنَةَ ــ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ: أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَأَمَرَ (¬2) فَقَطَعَ (¬3) أَيْدِيَهمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَتُرِكُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ، فَلا يُسْقَوْنَ. قال أبو قلابة: «فَهَؤُلاءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (¬4). أخرجه الجماعة (¬5). 354 - عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عُتْبة بن مسعود، عن أبي هريرة، وزيد بن خالد الْجُهَني - رضي الله عنهما -، أنهما قالا: «إنَّ رَجُلاً مِنَ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين: سقطت قراءة هذين الحديثين في التسجيل، فأثبتهما من عمدة الأحكام، وطابقتهما على الصحيحين. (¬2) في نسخة الزهيري: «فأمر بهم»، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 233. (¬3) في نسخة الزهيري: «فقطِّعت»، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 233، ومسلم، برقم 1671. (¬4) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم 233، بلفظه، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب حكم المحاربين والمرتدين، برقم 1671. (¬5) لعل المصنف أراد بالجماعة: أصحاب الكتب الستة، انظر ما قاله ابن الملقن في الإعلام، 4/ 28، وقد رواه أيضاً: أبو داود، برقم 4364، والنسائي، 7/ 94، والترمذي، برقم 72، وابن ماجه، برقم 2578.

الأَعْرَابِ أَتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُك اللَّهَ إلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاذَنْ لِي، فَقَالَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْ» قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفاً عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْت: أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ؟ فَأَخْبَرُونِي: أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا: الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ، رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِك: جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ ــ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ ــ إلى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَغَدَا (¬2) عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَتْ» (¬3). العَسِيف: الأجير. 102 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان الصحيحان يتعلقان بالحدود: الحديث الأول: حديث أنس - رضي الله عنه - أن ناساً من عكل أو عرينة اجتووا (¬4) المدينة، فأمر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «أتى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) في نسخة الزهيري: «قال: فغدا»، وهو لفظ البخاري، برقم 2724، 2725، ومسلم، برقم 1697. (¬3) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2695، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1697، بلفظه أيضاً. (¬4) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 1/ 337: «قالَ ابن فارِس: اجتَويت البَلَد: إِذا كَرَهت المُقام فِيهِ، وإِن كُنت فِي نِعمَة، وقَيَّدَهُ الخَطّابِيُّ بِما إِذا تَضَرَّرَ بِالإِقامَةِ ... وقالَ القَزّاز: اجتَووا: أَي لَم يُوافِقهُم طَعامها، وقالَ ابن العَرَبِيِّ: الجَوى داء يَأخُذُ مِنَ الوباءِ ... وقالَ غَيره: الجَوى داء يُصِيبُ الجَوف».

أبوالها، وألبانها، فانطلقوا، فلما صحُّوا قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا النعم، فجاء الخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيءَ بهم، فأمر بقطع أيديهم، وأرجلهم، وسَمر أعينهم (¬1)] (¬2)، وعدم حسمهم، فتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا؛ لأنهم قتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وسملوا أعين (¬3) الراعي أيضاً، يعني أساءوا إليه: مثَّلوا به؛ فلهذا سمر أعينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - جزاءً وفاقاً، وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ماتوا، عملاً بقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (¬4)، فقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وتركهم حتى ماتوا، فصار بذلك قتلهم، وحسم فتنتهم، وشرهم، فدل ذلك على أنه من فعل مثل فعلهم، يعامل بمثل هذا العمل، لردَّته وعدوانه وتعديه على ¬

(¬1) ما بين المعقوفين سقط من التسجيل، وقد أثبت ما بينهما بناء على منهج الشيخ - رحمه الله - في شرح الأحاديث الأخرى. (¬2) سَمَر أعيُنَهم: أي أحْمَى لهم مَساَمِير الحَديد، ثم كَحَلَهم بها. النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 398، مادة (سمر). (¬3) سمل أعينهم: أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها، وقيل: هو فقؤها بالشوك. النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 402، مادة (سمل) .. (¬4) سورة المائدة، الآية: 33.

الراعي، فهم قتلوا، ومثَّلوا، واعتدوا على المال، أي الإبل، فجمعوا بين: القتل، والعدوان، والسرقة: النهب، فاستحقوا العقوبة. والقاعدة أن ولي الأمر له الخيار في مثل هؤلاء، إن رأى قتلهم قتلهم، وإن رأى تصليبهم صلَّبهم، وإن رأى قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فعل ذلك، وإن رأى نفيهم نفاهم، على حسب اختلاف جرائمهم. وقال بعض أهل العلم: إن قتلوا قُتِلوا، وإن أخذوا المال مع القتل قُتِلوا، وصُلبوا، وإن أخذوا المال، ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالاً نُفُوا بأن يشرَّدوا، فلا يتركون يأوون إلى بلد. وقال آخرون: معنى ينفون، أي يحبسون، حتى يزولوا من الأرض، ونفيهم حبسهم، كما قاله جماعة من أهل العلم أيضاً. والصواب في هذا أن (أو) للتخيير، وأن ولي الأمر ينظر للأصلح، والأردع فيفعله، لا بالهوى، ولكن ينظر للأصلح، فإذا رأى قتله وحده قتله، وإن رأى قتله مع التقطيع، كما فعل النبي مع هؤلاء قطعهم، وتركهم يموتون، وإن رأى صلبهم صَلَبهم مع القتل، حتى يشتهر أمرهم، نسأل اللَّه السلامة والعافية. والحديث الثاني في قصة الأعرابي، الذي اشتكى عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن ابنه كان عسيفاً: يعني أجيراً عند بعض الناس، فزنى الولد بامرأة المستأجر، فقيل: إن عليك مائة شاة، ووليدة بدلاً من عمل ولدك، تعطيه زوج المرأة، تدفع إليه مائة شاة ووليدة، بدل زنى ولدك

بامرأته، ثم سأل أهل العلم، فقالوا: لا, هذا فيه جلد مائة وتغريب عام, وعلى المرأة الرجم؛ لأنها مُحصنة, فطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقضي بينه وبين خصمه في ذلك بحكم اللَّه: فقال الخصم: نعم يا رسول اللَّه، احكم بيننا بكتاب اللَّه وائذن لي, فأذِن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالقصة، فقال: «على ابنك جلد مائة، وتغريب عام، والوليدة، والغنم ردٌّ عليك، وعلى زوجة هذا الرجم إذا اعترفت» وبعث إليها أنيساً من بني أسلم، فاعترفت فرجمها, فدّل ذلك على أن هذا هو الحكم الشرعي. الحكم الشرعي إذا زنى بكر بمحصنة؛ فإن البكر الذي لم يتزوج يجلد مائة، ويغرب سنة كاملة للحديث، وكما في الحديث الآخر حديث عبادة: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْريب عَام» (¬1). وأما المحصن من الرجال والنساء؛ فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، إذا ثبت زناه بالبينة، أو مع الشهود العدول، أو بإقرار الزاني أنه زنى، وهو محصن تزوج، ودخل بالزوجة, وهي كذلك قد أُحصنت، يعني قد تزوجت ودُخل بها كامرأة هذا الرجل. والصواب أنها ترجم بدون جلد، وهكذا الرجل يرجم بدون جلد, كان أول يرجم ويجلد جميعاً، ثم النبي - صلى الله عليه وسلم - رجم بدون جلد، فالرجم فيه الكفاية، فهو قتل بشر قِتلة، بشر حالة، نسأل اللَّه السلامة, ¬

(¬1) أخرج مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزنى، برقم 1690، ولفظه: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ: جَلْدُ مِئَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ، وَالرَّجْمُ».

إيذاءً له على ما فعل من قضاء وطره بالحرام، وهو قد أُحصن، قد تزوج، أو تزوجت هي كذلك. وهكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بماعز رجل من أسلم زنى واعترف فأمر برجمه (¬1). وهكذا امرأة من غامد زنت وهي مُحصنة، فاعترفت فأمر برجمها (¬2). وهكذا يهوديان تحاكما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - واعترفا بالزنى، وهما محصنان فرجمهما - عليه الصلاة والسلام - (¬3)، وهذا هو الحكم الشرعي في ذلك. ¬

(¬1) أخرج الإمام مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1693، ولفظه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ: «أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟» قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ». (¬2) أخرج الإمام مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1695 عن بُريدة بن الحصيب - رضي الله عنه -: «... ثمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي، فَقَالَ: «وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ»، فَقَالَتْ: أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ؟» قَالَتْ: إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَ: «آنْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهَا: «حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ»، قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ»، فَقَالَ: «إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا». (¬3) أخرج البخاري، كتاب المناقب، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنى، برقم 1699، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَانِ الرَّجْمِ». فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ».

355 - وعنه، عنهما - رضي الله عنهما - قالا: «سُئِلَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - (¬1) عَنِ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ، وَلَمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: «إنْ (¬2) زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ». قال ابن شِهاب: ولا (¬3) أدري: أبعد الثالثة، أو الرابعة؟ (¬4). والضفير: الحبل. 356 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه (¬5) قال: «أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ــ فَنَادَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَقَالَ (¬6): يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُون؟» قَالَ: لا. قَالَ: «فَهَلْ أُحْصِنْت»؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أنه سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: «كُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهو لفظ البخاري، برقم 2153. (¬2) في نسخة الزهيري: «إذا»، ولفظ المتن في البخاري، برقم 2153. (¬3) في نسخة الزهيري: «لا أدري» بدون واو، وهو لفظ البخاري، برقم 2135، ورقم 3837. (¬4) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع العبد الزاني، برقم 2152، 2153، وكتاب الحدود، باب إذا زنت الأمة، برقم 6827، و6838، بلفظه، ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى، برقم 1703، و1704. (¬5) «أنه» ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 16 - (1691). (¬6) في نسخة الزهيري: «فقال له»، وهي في صحيح مسلم، برقم 16 - (1691).

أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاه (¬1). الرَّجُلُ: هُوَ مَاعِزُ بْنُ ماَلِكٍ، وروى قصته جابر بن سَمُرة (¬2)، وعبداللَّه بن عباس (¬3)، وأبو سعيد الخدري (¬4)، وبُريدة بن الْحُصَيْب الأسلمي - رضي الله عنهم - (¬5). 103 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فيما يتعلق بحد الزنى من الأمة والعبد ومن الحر. الحديث الأول: في زنى الأَمة، ومثلها العبد المملوك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدكُمْ فَاجْلِدوهَا، ثُمَّ إِذا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إذا زنت فاجلدوها، ثم بِيعُوهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ» (¬6) , والعبد مثل ذلك في الحكم، ليس فيه رجم، إنما هو حد نصف ما على المحصنات من النساء والمحصن من الرجال، من باب قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق، والكره، والسكران، والمجنون، وأمرهما، والغلط، والنسيان في الطلاق، والشرك وغيره، برقم 5271، و5272، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 16 - (1691)، واللفظ له. (¬2) حديث جابر عند مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1692. (¬3) البخاري، كتاب الحدود، باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى، برقم 6824، ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1693. (¬4) مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، برقم 1694. (¬5) مسلم، برقم 1695، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 354. (¬6) البخاري، برقم 2152، ومسلم، برقم 1703، وتقدم تخريجه في حديث المتن رقم 355.

أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬1)، يعني الجلد، فالجلد مائة في حق الحر، وفي حق الأَمة، والعبد النصف، وهو خمسون جلدة، ثم يباع، ولو بحبل من شعر بعد الثالثة، أو الرابعة؛ لأنه اتضح من التكرار أن الزنى خلق له، وطريقة له، وسجيَّة له، فصار بقاؤه غير مناسب، بل ينبغي إبعاده، ولعله حين انتقاله إلى سيد آخر تتغير حاله، ولعله يتوب فيتوب اللَّه عليه. والخلاصة: أن المملوك لا يرجم ولو كان ثيباً، إنما يجلد، سواءً كان بكراً أو ثيباً، يجلد نصف حد الحر خمسين جلدة، سواء كان ذكراً أو أنثى، ثيباً أو بكراً، وبعد الثالثة يبيعه سيده أو يبيعها سيدها، أو بعد الرابعة، شكٌّ من الراوي، والاحتياط تكون في الرابعة؛ لأنه لم يوجد رواية تعيِّن الثالثة دون شك، تباع ولو بضفير، والضفير، وهو الحبل، يعني يباع، ولو بالشيء القليل، ولو بالثمن القليل، وهذا يبيِّن أنه لابد أن يبيِّن البائع: أنني بعته من أجل أنه زنَّاء: يزني، لا يغش يبيِّن للمشتري أني بعته من أجل كذا وكذا، لأنه إذا ما بين سوف يُشترى بثمن جيد، ثمن أمثاله، لكن إذا بين سوف تكون قيمته رخيصة، فيباع ولو بضفير. فالحاصل: أنه يباع لكن مع البيان حتى لا يغش به أحداً، ولو كان الثمن قليلاً. ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 25.

وفي هذا من الفوائد: أنه [لا] يرفعه لولي الأمر يكفي هو، يجلده سيده، ولا حاجة إلى المحكمة, ولا حاجة إلى الأمير، متى علم سيده منه الزنى جلده بنفسه أو بخادمه أو بولده يجلدونه الحد، ويكفي من غير حاجة إلى الرفع إلى ولاة الأمور؛ ولهذا قال: فاجلدوها، وفي اللفظ الآخر: «فليجلدها أحدكم»، ولم يقل: فارفعوها للسلطان. والحديث الرابع: حديث أبي هريرة في قصة ماعز، حديث ماعز جاء من طرق كثيرة، حديث أبي هريرة، وحديث جابر، وحديث ابن عباس، أحاديث كثيرة. ماعز رجل أسلمي زنى، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاعترف أربع مرات، فأمر النبي برجمه، وكان جاء تائباً نادماً مقلعاً، أراد من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطهره، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله يتوب، فيتوب اللَّه عليه؛ لأن التائب إذا تاب بينه وبين اللَّه، ولم يتقدم للسلطان، فلا حرج عليه، يستتر بستر اللَّه، ويتوب بينه وبين اللَّه، ولا حاجة إلى أن يتقدم للسلطان، والتوبة تَجُب ما قبلها, لكنَّ ماعزاً من شدة ما أصابه من الخوف تقدم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليطهِّره، وليقيم عليه الحد، فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، لعله يرجع فيتوب فيتوب اللَّه عليه فلما كرر ذلك أمر برجمه «أبك جنون؟»؛ لأنه استنكر كونه يُلحّ بهذا الإلحاح، وهو سليم العقل، قال له: «فهل أُحصنت؟» يعني: تزوجت؟ قال: نعم, فأمر به النبي فرُجم حتى مات - رضي الله عنه - ورحمه وصُلي عليه، فدل ذلك على أن

التائب إذا أقر عند السلطان يُرجم إن كان محصناً، وإن كان بكراً يجلد مائة جلدة، ويُغرب عاماً كما تقدم في قصة العسيف، فالبكر يجلد مائة، ويُغرب عاماً، والمرأة كذلك، والثيب من الرجال والنساء الأحرار يرجم حتى يموت. 357 - وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: «إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَرَجُلاً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ، فِي شَانِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلامٍ: كَذَبْتُمْ، إن فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: ارْفَعْ يَدَك، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالَ: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَرُجِمَا، قَالَ: فَرَأَيْت الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ، يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» (¬1). «يجنأ» ينحني (¬2). الرجل الذي وضع يده على آية الرجم: هو (¬3) عبد اللَّه بن صُوريا. 358 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ أَنَّ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب قول اللَّه تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ}، برقم 3635، واللفظ له، وكتاب التفسير، باب {قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]، برقم 4556، ومسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود، أهل الذمَّة، في الزنى، برقم 1699. (¬2) «يجنأ: ينحني»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) «هو»: ليست في نسخة الزهيري.

رَجُلاً ــ أَوْ قَالَ (¬1): امْرَأً ــ اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنِكَ (¬2)، فَخَذَفْتَهُ (¬3) بِحَصَاةٍ، فَفَقَاتَ عَيْنَهُ، مَا كَانَ عَلَيْك من (¬4) جُنَاحٌ» (¬5). 104 - قال الشارح - رحمه الله -: قد سبق في الأحاديث السابقة: أن اللَّه جل وعلا أوجب في حد الزنى حدين: أحدهما جلد مائة وتغريب عام في حق البكر إذا زنى، وقامت عليه البينة أربعة شهود عدول: أنهم رأوه فعل الفاحشة، أو اعترف بذلك، يُجلد مائة جلدة، ويُغرب عاماً عن وطنه، سواءً كان رجلاً أو امرأة. أما إذا كان ثيباً قد تزوج ودخل بالمرأة أو كانت المرأة ثيبة قد تزوجت ودخل بها الزوج، يعني وطئها؛ فإن كلاً منهما يُرجم بالحجارة حتى يموت, كان في أول الأمر يجلد مائة ويرجم بالحجارة بعد ذلك، ثم إن اللَّه جل وعلا عفا عن الجلد، وصار الرجم كافياً. وسبق أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - رجم زوجة صاحب العسيف ¬

(¬1) «لو أن رجلاً أو قال» ليست في نسخة الزهيري. (¬2) في نسخة الزهيري: «بغير إذنٍ»، وهذا لفظ مسلم، برقم 2158. (¬3) في نسخة الزهيري: «فحذفته» بالحاء، والذي في المتن عند البخاري، برقم 6902. (¬4) «من»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 2158. (¬5) رواه البخاري، كتاب الديات، باب من أخذ حقه، أو اقتص دون السلطان، برقم 6888، ولفظه: «... فخذفته ...» بالخاء، وفي باب من اطلع في بيت قوم ففقؤوا عينه فلا دية له، بالخاء كذلك، برقم 6902، ومسلم، كتاب الآداب، باب تحريم النظر في بيت غيره، برقم 2158، ولفظه: «... فخذفته». بالخاء، واللفظ لمسلم.

لما اعترفت ولم يجلدها، ورجم ماعزاً ولم يجلده، ورجم الغامدية ولم يجلدها، وهكذا في هذا الحديث جيء إليهم بيهوديين قد زنيا، وشهد عليهما بذلك واعترفا بذلك، فرجمهما حتى ماتا بحكم القرآن الكريم، وبيّن الحديث أن التوراة قد اشتملت على ذلك, وأن حكم القرآن صار مطابقاً لحكم التوراة في أن من زنى وهو مُحصن يُرجم، وهي عقوبة عظيمة شديدة، وهي أشنع قتلة: أشنع قتلة: الرجم، لكونه أتى ما حرم اللَّه عليه بعدما منّ اللَّه عليه بالزواج، وهو يرجم وإن كان قد طلقها، وإن كانت قد ماتت الزوجة، مادام تزوج ودخل بالمرأة فإنه يُرجم بالحجارة، ولو كانت زوجته قد ماتت أو طُلقت، لأنه يُسمى ثيباً، وإن كان قد طلقها أو ماتت عنه. وفيه من الفوائد: كذب اليهود وبُهتهم وأنهم حرفوا التوراة، وكذبوا على اللَّه، ومن ذلك أنهم أنكروا أن يكون الرجم في التوراة، وصاروا يحكمون بمن زنى منهم وهو مُحصن، يفضحونه ويجلدونه ولا يرجمونه، فلما أتوا بالتوراة اتضح أن فيها الرجم، وأنهم قد كتموه عن عامتهم، مداهنةً وبيعاً للآخرة بالدنيا، نسأل اللَّه السلامة. وفي الحديث الأخير يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذنك فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك جناح» المشهور رواية: «خذفته»، ويروى «حذفته» بالحاء، والمشهور رواية: «خذفته» بحصاة بالخاء. هذا يفيد تحريم النظر إلى بيوت الناس، وأنه لا يجوز النظر إلى

57 - باب حد السرقة

عورات الناس، لا من [الأحذية] (¬1)، ولا من خلال الباب، ولا من الطاقات، التي تكون على البيوت، ولا من المانورات، ولا من أي ناحية، لا يجوز للناس أن ينظروا إلى عورات الناس في بيوتهم، وأن من تعمد ذلك، ونظر من خلال الباب، أو الخرم، أو غير ذلك إلى عورات الناس، فلهم أن يرجموه، وإن أصابوا عينه، فهي هدر؛ لظلمه وعدوانه على الناس. 57 - باب حدِّ السرقة 359 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ــ وَفِي لَفْظٍ: ثَمَنُهُ ــ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ» (¬2). 360 - عن عائشة - رضي الله عنها -، أنها سمعتْ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَصَاعِداً» (¬3). 361 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَانُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها: «الأحذية»، أو «الأحزية»، ويدخل في ذلك: النظر من الشقوق: وهي الأخرمة فيها، والثقوب في الأبواب. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، برقم 6795، ورقم 6796، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1686. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، برقم 6789، واللفظ له، ورقم 6791، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1684.

عَلَيْهِ إلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: «إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (¬1). وفي لفظ: «كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَطْعِ يَدِهَا» (¬2). 105 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام تدل على بعض أحكام السرقة، والسرقة محرمة وظلم وعدوان، وهي أخذ المال من الغير على طريق الخفاء، يقال لها سرقة, المال الذي يأخذه الإنسان على طريق الخفية، لا على طريق المجاهرة، فإن كان على طريق المجاهرة، فهو نهب، وغصب، لا يُسمى سرقة، وإذا كان على طريق الخفاء، وعدم الظهور، فهذا يسمى سرقة، وقد قال اللَّه جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ (¬3) ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان، برقم 3475 بلفظه، ومسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 1688 بلفظه أيضاً. (¬2) رواه مسلم، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم 10 - (1688)، وزاد: «مخزومية» بعد امرأة، وعنده: «أن تقطع يديها» بدل: بقطع يدها. (¬3) نهاية الوجه الأول من الشريط السابع عشر.

فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1)، (¬2) [...] (¬3)، فجعل الرب (¬4) سبحانه عقوبتها عظيمة، ردعاً للناس عن ظلم الناس، وحسماً لمادة العدوان على أموال الناس، واللَّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالعقوبات روادع وزواجر في الدنيا قبل الآخرة, وجعل لذلك حداً، وهو ربع دينار، قالت عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ»، وفي اللفظ الآخر: «لا تقطع اليد إلا في ربع دينار» (¬5)، وفي اللفظ الآخر: «اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلاَ تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» (¬6). والدينار مثقال من الذهب، معناه ربع مثقال من الذهب، وكان الدينار في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - سعره اثنا عشر درهماً، وربعه ثلاثة دراهم؛ ولهذا في حديث ابن عمر «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ» (¬7)، يعني ربع دينار، والمجنّ الترس الذي يتقى به السلاح، وهي الدرقة، يقال لها: مجنّ؛ لأنها تُجنُّ الناس، تسترهم، فسرقه ¬

(¬1) سورة المائدة، الآية: 38. (¬2) انقطع الكلام فأكملت الآية. (¬3) ما بين المعقوفين سقط يسير لا يؤثر على المعنى. (¬4) أول الوجه الثاني من الشريط السابع عشر. (¬5) مسلم، كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها، برقم 1684، ولفظه: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً»، وفي رواية: «لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه»، وفي رواية: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً». (¬6) رواه البيهقي في السنن الكبرى، 8/ 255، برقم 17624. (¬7) البخاري، برقم 6795، ومسلم، برقم 1684، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 359.

إنسان فقطع؛ لأن قيمته صارت ثلاثة دراهم: ربع دينار، فالنصاب الذي بيّنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو منضبط بربع دينار، وكل ما بلغ ربع دينار تقطع فيه اليد، سواء كان متاعاً مما يلبس، أو مما يؤكل، أو غير ذلك، إذا كان من حرز، أما إذا كان من غير حرز كالبساتين المفتوحة للناس، يأكل منها: يمرّ ويأخذ منها شيئاً من الرطب، وكالغنم المهملة، هذا لا يقطع فيه، يُعزَّر ويؤدب، لابد أن تكون من حرز: كالبيت المغلق، أو الصندوق المغلق، أو الحوش المغلق في المُراح المعتاد، وما أشبه ذلك. وفي حديث المخزومية: الدَّلالة على أن الشفاعة لا تُقبل في الحدود، فلا يجوز أن يشفع الإنسان في الحدود، ولهذا لما سرقت امرأة من بني مخزوم في مكة، ورُفِعَ أمرها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة عام الفتح أمر أن تقطع, فشق أمرها على قريش، وطلبوا من يشفع فيها، فطلبوا أُسامة بن زيد بن حارثة حِب رسول اللَّه أن يشفع؛ لأن الرسول كان يقدره، ويقدر أباه، فشفع أُسامة بأن لا تقطع، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «أتشفع في حدٍ من حدود اللَّه!!؟» ثم خطب الناس - عليه الصلاة والسلام -، وقال: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (¬1) ¬

(¬1) البخاري، برقم 3475، ومسلم، برقم 1688، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 225 - 226.

- عليه الصلاة والسلام -. هذا يدل على أنه يجب أن تُقام الحدود على: الأغنياء، والفقراء، والأشراف، وغير المعروفين، يجب أن تُقام الحدود على الجميع. ودل الحديث على أن المداهنة من أسباب عذاب اللَّه، ومن أسباب الهلاك، فلا تجوز المداهنة في ذلك: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (¬1)، فلا يجوز أن يُعامل في الحدود الضعفاء دون الأغنياء، دون الأشراف، بل يجب أن تُطبق على الجميع في السرقة، وفي الزنى، وشرب الخمر، وفي غير ذلك. وفي لفظ: «أنها كانت تستعير المتاع وتجحده»: فأمر النبي بقطع يدها، يفيد أن التي تستعير المتاع وتجحده، حكمها حكم السارق, الذي يستعير أموال الناس، ثم يجحد ما استعار، إذا ثبت عليه الأمر، وصار نصاباً تقطع يده به، على أصح قولي العلماء؛ لأنه في حكم السرقة؛ ولأن التحرز من هذا متعب ما كلٌ يستطيع التحرز من هذا العمل السيئ. وفيه إنكار المنكر على من فعله، والدَّلالة على أنه لا تجوز الشفاعة في الحدود. وفي الحديث الآخر قال: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ - عز وجل - فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ» (¬2). ¬

(¬1) سورة القلم، الآية: 9. (¬2) مسند أحمد، 9/ 283، برقم 5385، سنن أبي داود، كتاب القضاء، باب في الرجل يعين على خصومة من غير أن يعلم أمرها، برقم 5399، والمستدرك، 2/ 32، وصححه، ووافقه الذهبي، والسنن الكبرى للبيهقي، 6/ 82، برقم 11773، والمعجم الكبير للطبراني، 12/ 270، برقم 13084، وصحح إسناده محققو المسند، 9/ 283، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 168.

وفي الحديث الآخر: «إِذَا بَلَغْت الحدود السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ» (¬1)، فإذا رُفعت الحدود إلى ولي الأمر، إلى الأمير، إلى الملك، إلى المحكمة لا تجوز الشفاعة، بل يجب أن يُقام الحد، أما إذا تعارفوا بينهم، فلم يرفعها، مثلما سرق إنسان وعلم صاحبه واستسمحه وأعطاه السرقة، ولم يرفع بأمره، فلا حد عليه، إذا لم يُرفع للسلطان، إذا سامحه صاحب الحق وعفا عنه، فإنه يسقط الحد، لأنها ما رُفعت للسلطان، ولما سُرِق من صفوان بن أمية رداؤه وأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بقطعه، قال صفوان: قد عفوت، ¬

(¬1) أخرجه مالك، 5/ 1221 موقوفاً على الزبير بن العوام، وأخرجه الطبراني في المعجم الصغير، 1/ 111، والأوسط، 2/ 380، برقم 2284، والدارقطني، 3/ 205، كتاب الحدود والديات، برقم 364 مرفوعاً، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 280: «رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه أبو غزية محمد بن موسى الأنصاري ضعفه أبو حاتم وغيره ووثقه الحاكم وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف»، وقال ابن عبد البر في الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 24/ 176: «مَالِكٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ، فَقَالَ: لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّع»، هَذَا خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ، وَيَتَّصِلُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ»، وقال ابن حجر في فتح الباري، 852 (12/ 87: «وأَخرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَن عُروة بن الزُّبَير قالَ: لَقِيَ الزُّبَير سارِقًا فَشَفَعَ فِيهِ، فَقِيلَ لَهُ حَتَّى يَبلُغَ الإِمامَ، فَقالَ: إِذا بَلَغَ الإِمامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشّافِعَ والمُشَفِّعَ»، وأَخرَجَ المُوطَّأ عَن رَبِيعَة عَن الزُّبَير نَحوه، وهُو مُنقَطِع مَعَ وقفِهِ، وهُو عِند ابن أَبِي شَيبَة بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَن الزُّبَيرِ مَوقُوفًا، وبِسَنَدٍ آخَرَ حَسَنٍ عَن عَلِيٍّ نَحوه كَذَلِكَ» ..

58 - باب حد الخمر

قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَاتِيَنِي بِهِ، إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن اللَّه الشافع والمشفوع» (¬1)، العفو يكون قبل المجيء، فإذا سُرِق من إنسان دراهم أو غيرها مما يوجب القطع، وعفا عنه صاحبها، سقط الحد قبل أن يرفع، فأما إذا رفع للسلطان، وجب أن يقام الحد، ردعاً للناس عن الفساد, وحماية لأموال المسلمين من المجرمين، الذين يتعدَّوْن عليها بالسرقة. 58 - باب حدِّ الخمر 362 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ, فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَةٍ نَحوَ أَرْبَعِينَ، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر: استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف (¬2): أخف الحدود ¬

(¬1) أخرج أبو داود بلفظ: «فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَاتِيَنِي بِهِ»، حديث رقم 4394، كتاب الحدود، باب من سرق من حرز، وفي رواية للحاكم، 4/ 380 بهذا اللفظ أيضاً، وبنحوه ابن ماجه في كتاب الحدود، باب من سرق من حرز، برقم 2595، والنسائي، كتاب قطع السارق، الرجل يتجاوز للسارق عن سرقته بعد أن يأتي به الإمام، برقم 4878، وأخرجه الدارقطني، 3/ 204، كتاب الحدود والديات، برقم 362 بلفظ: «عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ ثِيَابُهُ تَحْتَ رَاسِهِ فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَهَا فَأُتِيَ بِهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْطَعَ فَقَالَ صَفْوَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْطَعُ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي ثَوْبِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ» .. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلاَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» ثُمَّ أَمَرَ بِقَطْعِهِ مِنَ الْمِفْصَلِ»، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 7/ 347، وآخر اللفظ الذي ذكره سماحة الشيخ: «فلعن اللَّه الشافع والمشفوع» لم أقف عليه. أما ما ذكره الشيخ بلفظ: «إِذَا بَلَغْتَ الحدودِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّع»، فتقدم تخريجه في الحاشية التي قبل هذه. (¬2) «بن عوف»: ليست في نسخة الزهيري.

ثمانون (¬1)، فأمر به عمر - رضي الله عنه -» (¬2). 363 - وعن أبي بُرْدة هاناء بن نِيار البلَوِيِّ الأنصاري (¬3) - رضي الله عنه -، أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» (¬4). 106 - قال الشارح - رحمه الله -: هذان الحديثان فيما يتعلق في حد الخمر، وعدم الزيادة في الجلد على عشرة أسواط، إلا في حدٍّ من حدود اللَّه. الخمر يُطلق على كل ما يخامر العقل، ويغيّره من أي جنس كان من عنب، أو من تمر، أو من غير ذلك، كل ما اشتدّ، وغيّر العقل، يُسمّى خمراً، كما في الحديث الصحيح: «كل مسكر خمر, وكل مسكر حرام» (¬5) قال عمر - رضي الله عنه -: الخمر ما خامر العقل (¬6): يعني ما ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «ثمانين»، وهي التي في صحيح مسلم، برقم 1706. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، برقم 6773، ومسلم، كتاب الحدود، باب حد الخمر، برقم 1706، بلفظه. (¬3) «الأنصاري»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 6850. (¬4) رواه البخاري، كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب، برقم 6848، ورقم 6850، واللفظ له، إلا أنه قال: «لا تجلدوا» بدل «يجلدُ»، ومسلم، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير، برقم 1708 بنحوه. (¬5) مسلم، برقم 2003، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 275. (¬6) البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب، برقم 5588، ولفظه: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالعَسَلِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. وَثَلاَثٌ، وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الجَدُّ، وَالكَلاَلَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا، قَالَ: قُلْتُ يَا أَبَا عَمْرٍو، فَشَيْءٌ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ مِنَ الأُرْزِ؟ قَالَ: ذَاكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ: - عَلَى عَهْدِ عُمَرَ»، ومسلم، كتاب التفسير، باب في نزول تحريم الخمر، برقم 3032، بنحو لفظ البخاري.

خالطه وغيره من أي جنس. واللَّه جل وعلا حرم الخمر، وحذر منها، لما فيها من امتهان العقول والفساد الكثير، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنّمَا الخَمْرُ والميسِرُ والأَنصَابُ والأَزْلامُ رِجس من عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬1)، والميسر هو القمار، وهو المغالبة بالمال، والمخاطرة بالمال، وقد لعن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - «الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها» (¬2) , فهي من الكبائر، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «إن على اللَّه عهداً لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال» قيل: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: «عصارة أهل النار» أو قال: «عرق أهل النار» (¬3)، نسأل اللَّه العافية, وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) سورة المائدة، الآيتان: 90 - 91. (¬2) أخرجه الإمام أحمد، 8/ 405، برقم 4787، وابن ماجه، برقم 3380، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص: 47، برقم 3371، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275 .. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، برقم 2002، ولفظه: «عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ - عز وجل - عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ».

يعاقب فيه بالجلد: بالجريد، وبالنعال، والثياب، ثم استقر حدُّه بأربعين جلدة، فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفعل ذلك أبو بكر أيضاً، كما في حديث أنس السابق، فلما كان في عهد عمر توسَّع الناس في شرب الخمر جمع الصحابة، واستشارهم - رضي الله عنهم - في أن يُزاد، فأشار عبدالرحمن بن عوف بأن يُجعل ثمانون، يجعل حدّ الخمر ثمانين جلدة كالقذف، ووافقه على ذلك؛ لأن هذا أنكى (¬1)، وأشد في الزجر؛ ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يحد فيه حداً لا يزاد، فجلد فيه بالجريد والنعال، وهكذا علي - رضي الله عنه - لم يحد فيه حداً. فصار أشبه بالتعزير، فلهذا رأى عمر - رضي الله عنه - ومن معه الزيادة في الردع وزاد عمر فيه أيضاً النفي إذا رأى المصلحة في ذلك، فالواجب على ولي الأمر أن يعاقب شارب الخمر بما يردعه، ومن ذلك جلده ثمانين جلدة، وإذا رأى مع ذلك أن يسجن، أو ينفى من بلده إلى بلدٍ أخرى، فلا بأس بذلك إذا لم ينزجر بهذا الحد؛ لأن التساهل في ذلك يفضي إلى فساد كبير في الأمة، فشارب الخمر لا يتورع عن شيء لذهاب عقله، قد يقتل، قد يزني، قد يتعدَّى على حرمات أخرى، فهي أم ¬

(¬1) أنكى: نكأت الجرح إذا قشرته. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 115، مادة (نكأ).

الخبائث، شرها عظيم؛ فلذلك وجب على ولاة الأمور العناية بما يحسم شرها، ويقطع دابرها، ويمنع من الإقدام عليها. حديث أبي بردة بن نيار البلوي دلالة على أنه لا يجلد فوق عشرة أسواط، إلا في حدٍ من حدود اللَّه، وأحسن ما قيل في ذلك أن المراد بالحدّ هنا هو المعصية؟، كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (¬1)، وهي المعاصي، يعني أن تأديب الإنسان زوجته، أو ولده، أو خادمه يكون عشرة فأقل؛ لأنه حق آدمي فلا يزاد على العشرة في ذلك، ولكن في حدود اللَّه في المعاصي، لا بأس أن يزاد للردع، أما في حدود المخلوق فيما بين المخلوق والمخلوق كما بين الرجل وابنه، أو زوجته، أو خادمه، أو نحو ذلك، فيكون الجلد في عشرة فأقل؛ ولهذا قال: «إلا في حدٍّ من حدود اللَّه»: يعني إلا في معصية من معاصي اللَّه. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 187.

15 - كتاب الأيمان والنذور

15 - كتاب الأيمان والنذور 364 - عن عبد الرحمن بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ: وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ: أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» (¬1). 365 - عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي وَاَللَّهِ ــ إنْ شَاءَ اللَّهُ ــ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ منها (¬2)، وَتَحَلَّلْتُهَا» (¬3). 366 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ...} [المائدة: 89]، برقم 6622، واللفظ له، ومسلم، كتاب النذر، باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، برقم 1652، بلفظه أيضاً. (¬2) «منها»: ليست في نسخة الزهيري. (¬3) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، برقم 3133، بلفظه، إلا قوله: «منها» في قوله: «خير منها، وتحللتها»، فلم أجدها، ومسلم، كتاب النذر، باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، برقم 1649. (¬4) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، برقم 6646، و6647، واللفظ له، ومسلم، كتاب النذر، باب النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى، برقم 1646.

ولمسلمٍ: «فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُت» (¬1). وفي رواية قال عمر: فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهَا، ذَاكِراً وَلا آثِراً (¬2). يَعني (¬3): حاكِياً عَنْ غَيْرِي: أَنَّهُ حَلَفَ بهِا. 107 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - فيها أحكام تتعلق بالإمارة وبالأيمان. الحديث الأول: يقول - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة: «لا تسأل الإمارة»، يعني الولاية «فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها». هذا يدل على أنه ما يجوز للإنسان أن يسأل الإمارة، يعني يكون أميراً على كذا، وأميراً على كذا، يقول: لا، ومثلها القضاء، وما أشبه ذلك من الولايات، التي يخشى منها الخطر، ولكن متى كُلِّف بها فيستعين باللَّه، إذا كان يرى نفسه أهلاً لذلك، وإن كان يرى نفسه ليس أهلاً لذلك فليعتذر، ولا يوافق على هذا التكليف؛ لأنه يضره ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، برقم 6646، ومسلم، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى، برقم 3 - (1646). (¬2) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، برقم 6647، ومسلم، كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير اللَّه تعالى، برقم 1 - (1646). (¬3) في نسخة الزهيري: «آثراً: يعني حاكياً ...».

ذلك، إذا كان يعلم من نفسه أنه ليس أهلاً لذلك، لكن يستثنى من ذلك إذا كان السائل أهلاً لذلك، ويرى أن في السؤال مصلحة للمسلمين، ورفعاً للظلم عنهم، كما فعل يوسف - عليه الصلاة والسلام -، حيث قال لملك مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (¬1)، وأراد أن يرفع الظلم عن الناس، وأن يحكم بينهم بالعدل فمدحه اللَّه بهذا، وهكذا عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائي لما أسلم، قال: يا رسول اللَّه اجعلني إمام قومي. قال: «أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً» (¬2). فوافقه على طلبه ولم ينكر عليه؛ لأنه أراد المصلحة لأهل البلد ولجماعته، وليحكم فيهم بالعدل، فإذا رأى الإنسان في عشيرته، أو في بلده ضياعاً، وفساداً، وأن تركهم هكذا يضرهم، ورأى من نفسه القوة على تنفيذ أمر اللَّه، والإصلاح لأحوال المجتمع، ولم يقصد بذلك رياءً ولا مالاً، وإنما قصد وجه اللَّه في ذلك، فلا بأس عليه، فهذا مستثنى، وهو حريٌ بالتوفيق والإعانة إذا صلحت نيته، ولم يقصد من وراء ذلك حظاً عاجلاً. أما ما يتعلق بالأيمان مثل ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حلفت على يمين ¬

(¬1) سورة يوسف، الآية: 55. (¬2) مسند أحمد، 26/ 201، برقم 16272، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم 531، والنسائي، كتاب الأذان، اتخاذ المؤذن الذي لايأخذ على أذانه أجراً، برقم 672، والمستدرك، 1/ 199، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه محققو المسند، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 28.

فرأيت غيرها خيراً منها: فكفّر عن يمينك: وائت الذي هو خير» (¬1). وفي حديث أبي موسى قال: ««إنِّي وَاَللَّهِ ــ إنْ شَاءَ اللَّهُ ــ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتُهَا» (¬2)، وفي اللفظ الآخر: «إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» (¬3)، هذا يدل على أنه إذا حلف أنه ما يفعل هذا الشيء، أو أنه يفعل هذا الشيء، ثم بان له بالتأمل أن اليمين ليست في محلها، وأن الأولى أن يفعل هذا الشيء، أو لا يفعل هذا الشيء، فإنه يكفر عن يمينه، ويفعل الأصلح، ولا يلجّ (¬4) في يمينه، لا يلج فيها حلف باللَّه أنه ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 6622، ومسلم، برقم 1652، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 364. (¬2) رواه البخاري، برقم 3133، ومسلم، برقم 1649، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 365 .. (¬3) البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب قول اللَّه تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}] المائدة: 89]، برقم 6623، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، برقم 1649، ولفظه: «عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا أَوْ قَالَ بَعْضُنَا: وَاللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنُذَكِّرُهُ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلْ اللَّهُ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي». (¬4) يلجّ: إذا استلجّ أحدكم بيمينه فإنه آثم، له عند اللَّه من الكفارة، هو استفعل من اللجاج، معناه: أن يحلف على شيء، ويرى أن غيره خير منه، فيقيم على يمينه، ولا يحنث، فيكفّر فذلك آثم له، وقيل: هو أن يرى أنه صادق فيها، مصيب، فيلج فيها ولا يكفرها» النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 232.

ما يزور فلاناً، أو ما يسافر إلى بلد كذا، أو ما يُجيب دعوة فلان، ثم تبين أنه غلطان، وأن كونه يزوره، أو يجيب دعوته، أو يسافر أصلح، فإنه يكفِّر عن يمينه بالكفارة المعروفة: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، كما نصّ اللَّه على هذا الشأن في سورة المائدة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، ولا يقول: حلفت وبس (¬1)، لا، إذا رأى المصلحة فليكفر، وليعمل المصلحة، ومن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - جاءه قوم يطلبون الحُملان، ما عندهم مركوب في بعض الغزوات، أو السرايا، فقال: «واللَّه ما عندي ما أحملكم عليه»، ثم جاءته إبل، فدعاهم وحملهم، فقالوا: إنك حلفت أن لا تحملنا، قال: «ما حملتكم، ولكن اللَّه حملكم، ما أنا حملتكم، ولكن اللَّه حملكم»، يعني: يسّر اللَّه الأمر، «وإني واللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت التي هي خير» (¬2)، هكذا قال - عليه الصلاة والسلام -؛ فلهذا حملهم، وكفّر عن يمينه - عليه الصلاة والسلام -. وفي الحديث الثالث: الدلالة على أنه لا يجوز الحلف بغير اللَّه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللَّه ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم»، كانت الجاهلية تحلف ¬

(¬1) بس: حسب، أو فقط. انظر: القاموس المحيط، ص 686، مادة (بسس). (¬2) البخاري، برقم 6623، ومسلم، برقم 1649، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 365.

بآبائها، يقول أحدهم: بأبي ما أفعل كذا، بأبي ما فعلت كذا، بأمي ما فعلت كذا، هذا من عمل الجاهلية، وكان الناس يفعلون هذا في أول الإسلام على طريقتهم السابقة، ثم نهاهم النبي عن ذلك، قال: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا باللَّه إلا وأنتم صادقون» (¬1)، وقال: «من كان حالفاً فليحلف باللَّه أو ليصمت» (¬2)، وقال: «من حلف بشيء دون اللَّه فقد أشرك» (¬3)، وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير اللَّه، فلا يقول: بأبي، ولا بأمي، ولا باللات والعزى، ولا بالصنم الفلاني، ولا بالرأس الفلاني، ولا شرف فلان، ولا حياة فلان. كل هذا لا يجوز، إما أن يحلف باللَّه، أو يسكت، يقول: واللَّه، أو وربي، أو عزة اللَّه، أو بعزة اللَّه، أو ما أشبه ذلك. يقسم باللَّه أو بصفاته - سبحانه وتعالى -، أما بغيره فلا، لا بالأنبياء، ولا بغيرهم، ولا يقول بالنبي، ولا والنبي، ولا بالأمانة ولا والأمانة، ولا برأسك، ولا بشرفك، ولا بحياة أبي، ولا غير ذلك، كل هذا منكر ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الأيمان والنذور، باب كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالأمهات، برقم 3769، وابن حبان، 10 - / 199، وابن عساكر، 68/ 63 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وصححه الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 6/ 384. (¬2) أخرجه البخاري، برقم 2679، 6646، ومسلم، برقم 1646، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 366. (¬3) مسند البزار، 12/ 22، بلفظ: عَن ابن عُمَر - رضي الله عنهما -، عَن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بغير الله فقد أشرك»، واستشهد به الشيخ الألباني، ولم يعزه لأحد، ولم يحكم عليه في موسوعة الألباني في العقيدة 5/ 726.

من أنواع الشرك الأصغر، وقد يكون أكبر، إذا عظمه كما يُعظم اللَّه، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يعوّد نفسه، يمرنها على الحلف باللَّه، إذا كان قد اعتاد الحلف بغير اللَّه، وأن يجاهد نفسه في ذلك، حتى يعتاد الحلف باللَّه، وحتى يسلم من الحلف بغير اللَّه - سبحانه وتعالى -. 367 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليهما السلام: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تسعينَ (¬1) امْرَأَةً، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلامًا، يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ، فَطَافَ (¬2) بِهِنَّ، فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إنْسَانٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ ذلك (¬3) دَرَكاً لِحَاجَتِهِ» (¬4). قوله: «قيل له: قل إن شاء اللَّه» يعني: قال له الملَك (¬5). 368 - عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «على سبعين»، وهو لفظ البخاري، برقم 3424. (¬2) في نسخة الزهيري: «فأطاف»، وهذه رواية لمسلم، برقم، 24 - (1654)، أما ما في المتن فهو في مسلم أيضاً، برقم 25 - (1654). (¬3) «ذلك»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول اللَّه تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30]، برقم 3424، وفي حديث رقم 5242: «لأطوفن الليلة بمائة امرأة ...»، وفي حديث رقم 6639: «تسعين امرأة ...»، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء، برقم 24 - (1654)، واللفظ له إلا كلمة «ذلك» فلم أقف عليها في الصحيحين التي بين أيدينا. (¬5) هذا الذي قاله المصنف - رحمه الله - قد جاء في صحيح البخاري، برقم 5242

حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، وَنَزَلَتْ {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} إلَى آخِرِ الآيَةِ» (¬1). 369 - عن الأشعث بن قيس - رضي الله عنه - قال، «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»، قُلْت: إذاً يَحْلِفُ وَلا يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» (¬2). 108 - قال الشارح - رحمه الله -: في هذه الأحاديث الدَّلالة على التحذير من الأيمان الفاجرة، وأنه لا يجوز للمسلم أن يحلف على غير حق، لا في النفي ولا في الإثبات، بل يجب أن يتحرَّى الحق، ويحلف عليه، أما أن يحلف ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب الخصومة في البئر والقضاء فيها، برقم 2356، وكتاب الأيمان والنذور، باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]، برقم 6676، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم 138 بلفظه. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب قول اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]، برقم 6677، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم 138.

على الباطل والزور، فهذا من أعظم الكبائر، ومن أسباب غضب اللَّه ودخول النار، نسأل اللَّه السلامة، كما أنه إذا حلف ينبغي له أن يستثني، وهكذا إذا وعد أن يستثني في المستقبل، فإذا قال لأفعلن كذا يقول: إن شاء اللَّه لأزورن فلاناً، يقول: إن شاء اللَّه لأفعل كذا إن شاء اللَّه؛ لأنه لا يدري، ليس الأمر بيده، الأمر بيد اللَّه، هو الذي يقلب القلوب، ويعينها على ما يشاء، ويثبطها عما يشاء - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (¬1)، في هذا الحديث: أن سليمان بن داود عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهما نبيان كريمان، رسولان كريمان: سليمان وداود، قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ــ كانت شريعة التوراة فيها التوسعة في كثرة النساء، كان أبوه داود عنده مائة امرأة، كانت شريعة التوراة ليس فيها تشديد بجمع النساء، فيها الإباحة بالعدد الكثير، أما في شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ففيها الحصر على أربع، بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يزيد على أربع، وفي شريعة التوراة أكثر من ذلك؛ ولهذا قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، ومعنى الطواف عليهن، يعني الاتصال بهن وجماعهن، يعني لأطوفن عليهن وأُجامعهن، هذا هو المقصود، تلد كل امرأة منهن غلاماً، يُقاتل في سبيل اللَّه، ولم يقل: إن شاء اللَّه، كأنه حمله على ذلك ما يعلمه من حُسن ظنه باللَّه، وأنه - سبحانه وتعالى - سوف يُعينه على هذا ¬

(¬1) سورة هود، الآية: 107 ..

الشيء، وسوف يسهِّل له ما طلب، فترك المشيئة، فلم تلد إلا امرأة واحدة نصف إنسان، شق إنسان، أراه اللَّه العبرة، فينبغي للمؤمن أن يستثني، ليس الأمر بيده، ولو كان عازماً على اللَّه، ولو كان كريماً على اللَّه، ربنا يُعلِّم عباده من طريق الرسل بالفعل والقول (¬1) [والإنسان لا يدري ماذا يكسب غداً] (¬2). ولم يكن (¬3) عنده علم؛ لأنه ينبغي في هذا [أن يرد المشيئة إلى اللَّه] (¬4)، وقد نزل القرآن الكريم: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (¬5)، فالإنسان إذا أراد أن يفعل شيئاً يقول: إن شاء اللَّه، واللَّه لأزورن فلاناً إن شاء اللَّه, واللَّه لأجاهدن في سبيل اللَّه إن شاء اللَّه, لأساعدن فلاناً إن شاء اللَّه، لأنه لا يدري هو في المستقبل يتيسر له ذلك أم لا، فيستثني، يقول: إن شاء اللَّه, وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنه لو قال إن شاء اللَّه لكان دركاً لحاجته، ولولدت كل واحدة منهن غلاماً، ¬

(¬1) نهاية الوجه الثاني من الشريط السابع عشر, (¬2) ما بين المعقوفين سقطٌ يسير في آخر الشريط، فأبدلته بهذه الكلمات حتى يستقيم المعنى. (¬3) أول الوجه الأول من الشريط الثامن عشر. (¬4) ما بين المعقوفين حصل خلل بسبب انقطاع الكلام في آخر الشريط، فأضفت إليه كلمتين؛ ليستقيم المعنى. (¬5) سورة الكهف، الآيتان: 23 - 24.

يُقاتل في سبيل اللَّه»، لكنه لم يقل لحكمة بالغة، قد مضى في علم اللَّه أنه لا يقع إلا هذا؛ فلهذا لم يُقدَّر له أن يقول: إن شاء اللَّه، ولو قالها لم يحنث، يعني لولدت كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل اللَّه، ولكنه لم يُقدَّر له ذلك؛ لما سبق في علم اللَّه أن هذا الجنين لا يتحقق، ولو كان من رسول كريم على اللَّه - عز وجل -. وفي حديث ابن مسعود والأشعث بن قيس الدلالة على أن اليمين الفاجرة من أسباب غضب اللَّه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف على يمين صبر ــ يعني يحبس نفسه عليها ــ يقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق، وهو فيها فاجر، لقي اللَّه وهو عليه غضبان». يعني من حلف على يمين كاذباً فيها، يقتطع بها مال أخيه بغير حق، قد ظلم وتعدى، فيستحق بهذا غضب اللَّه - عز وجل -. وفي حديث أبي أُمامة الحارثي يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين، فقد أوجب اللَّه له النار، وحرم عليه الجنة» قيل: يا رسول اللَّه، وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: «وإن كان قضيباً من أراك» رواه مسلم (¬1). فالمقصود من هذا التحذير من الظلم والأيمان الفاجرة، وأن عاقبتها وخيمة، وأنها من أسباب غضب اللَّه ودخول النار، وهذا لما ادعى الأشعث على إنسان في بئر بأن البئر بئره، وصاحب البئر أنكر ذلك. قال بئري ليست بئرك. حكم به النبي لصاحبها، لمن هي تحت يده، وقال الرسول للأشعث: «شاهداك أو يمينه» أحضر من يبين أنها لك بإرث أو بيع أو غير ذلك، أو أنه لا حق لك فيها. فقال الأشعث: إذاً يحلف ولا يبالي. فقال - عليه الصلاة والسلام -: «من اقتطع حق ¬

(¬1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم 137.

امرئ مسلم بيمين وهو فيها فاجر لقي اللَّه وهو عليه غضبان»، فلا يجوز للمؤمن أن يتساهل في الأيمان الفاجرة؛ لأن خطرها عظيم. وفي هذا الحديث الدلالة على أن من كان بيده الشيء هو أولى به، وأحق به: أرض, أو بيت, أو سيارة, أو دار, أو مزرعة، فإذا جاء واحد ينازعه فيها، وهي تحت يده يتصرف فيها، يقال: للمدعي شاهداك، البينة. كما في حديث ابن عباس: «الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (¬1)، «شاهداك أو يمينه» أي أحضر شاهدين على أن الأرض أرضك، والسيارة سيارتك، وأن المزرعة مزرعتك، وأن البئر بئرك، شاهداك يعني عدلان أو يمينه، يعني ليس لك إلا هذا، إما أن تحضر شاهدين عدلين بما ادعيت، أو لك يمينه: أن دعواك لا أساس لها: هذا هو الحكم الشرعي في هذه الدعاوى. ومعنى هذا: ولو أن المدعي فاجر، ولو أنه كافر، ما لك إلا يمينه، ولو أن المدعي مسلم، والمدعى عليه كافر، لا ينزع ماله إلا بحق، وفي بعض الروايات: إنه رجل فاجر لا يبالي بما حلف عليه، ¬

(¬1) سنن البيهقي الكبرى، 10/ 252، بلفظ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كُنْتُ قَاضِيًا لاِبْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى الطَّائِفِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمَرْأَتَيْنِ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَكَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، وقال النووي في الأربعين النووية، ص 84: «حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا وبعضه في الصحيحين»، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 6/ 357.

قال: «لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ» (¬1)، فالمُدَّعى عليه ليس عليه إلا اليمين، سواء كان عدلاً، أو فاجراً، أو كافراً، ليس للمدعى عليه إلا اليمين، والمدعي هو الذي يحضر البينة. 370 - عن ثابت بن الضحاك الأنصاري - رضي الله عنه -، أَنَّهُ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ، كَاذِباً مُتَعَمِّداً، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لا يَمْلِكُ» (¬2). وفي روايةٍ: «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» (¬3). ¬

(¬1) مسند أحمد، 31/ 154، برقم 18863، وفي صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم 139: «عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي، فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ»، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا أَدْبَرَ: «أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَاكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ». (¬2) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قتل النفس، برقم 1363، وكتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن، برقم 6047، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذِّب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110، واللفظ له. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يُنهى من السباب واللعن، برقم 6047، وفيه أيضاً: «ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله»، ورقم 6105، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذِّب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110.

59 - باب النذر

وفي رواية: «ومَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ (¬1) إلاَّ قِلَّةً» (¬2). 59 - باب النذر 371 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ (¬3) نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً ــ وَفِي رِوَايَةٍ: يَوْماً ــ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» (¬4). 372 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، «أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّه لا يَاتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (¬5). 109 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث فيها أحكام تتعلق بالنذر، وبالأيمان على غير ملة الإسلام، وبقتل النفس، وبالدعاوى الباطلة. يقول - صلى الله عليه وسلم -: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «لم يزده اللَّه بها إلا قلة». (¬2) رواه مسلم كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، وإن من قتل نفسه بشيء عُذِّب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110. (¬3) «كنت»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، برقم 2032، ومسلم، برقم 1656، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 216. (¬5) رواه البخاري، كتاب القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر، برقم 6608، وكتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر، برقم 6692، و6693، ومسلم، كتاب النذر، باب النهي عن النذر، وأنه لا يرد شيئاً، برقم 4 - (1639)، واللفظ له.

فهو كما قال» هذا وعيد شديد، دل على وجوب الحذر من ذلك، كأن يقول: هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا أو فعل كذا. هذا لا يجوز، لأنه إعلان لكفره إن فعل كذا وكذا، ولا يجوز أيضاً أن يحلف بغير اللَّه كائناً من كان، لا بالأنبياء، ولا بالصالحين، ولا بالملائكة، ولا بالأصنام، وإنما الحلف باللَّه وحده، أما إذا حلف بملة الإسلام صادقاً فلا حرج عليه، لأنه قال بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً، ملة غير الإسلام تدخل فيها اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والوثنية، وغير ذلك، فإذا كان كاذباً متعمداً فهو كما قال، أي فهو يهودي أو نصراني، على ما قال، هذا من باب الوعيد، والتحذير، فالواجب الحذر من ذلك، وأن لا يحلف إلا باللَّه وحده، وإذا كان بملة الإسلام، فليقل ما يدل على حلفه باللَّه، كـ: والذي شرع ملة الإسلام. والذي أوجب علينا الدخول في الإسلام. أو والذي أمر بالإسلام. أو والذي بعث رسوله بالإسلام. هذه اليمين الشرعية، كما يقول: واللَّه، أو باللَّه، أو تاللَّه، أو بالرحمن، أو وعزة اللَّه، كل هذه أيمان شرعية. ومن قتل نفسه بشي عُذِب به يوم القيامة، هذا وعيد عظيم، من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، قتل نفسه: بسيف، أو بسكين، أو بسُم، أو بخنق، أو غير ذلك، يُعذب به يوم القيامة؛ لأن اللَّه حرم على الإنسان أن يقتل نفسه أن ينتحر، وهي من المحرمات العظيمة، ومن الكبائر الشنيعة، فالواجب الحذر من ذلك.

كذلك التحذير من الدعاوى الباطلة، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (¬1)، الذي يدعي على الناس أشياء لا صحة لها قد تعرض للنار، لوعيد اللَّه بالنار، لظلمه وعدوانه على الناس، يدعي عليهم أشياء لا صحة لها، يقول: إن فلاناً عنده لي كذا, فلان أقرضته كذا, فلان استدان مني كذا, فلان أخذ مني كذا, وهو يكذب, هذا فيه الوعيد الشديد: ««مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، يعني فليتخذ مقعده من النار، والمعنى أنه يستحق دخول النار بهذا العمل السيئ، إلا أن يعفو اللَّه عنه أو يتوب. ومن ادعى دعوى ليستكثر بها، لم يزده اللَّه إلا قلةً، ادعى دعوى باطلة للاستكثار، فهو متوعد بالنار، ومع ذلك لا تزيده إلا قلةً، إلا فقراً، فهذا وعيد شديد للدعاوى الباطلة، التي ليست له، ويقصد منها أن يستكثر بها، فهو متوعد بالنار، وبأنها لا تزيده الدعوى إلا قلةً. وليس للإنسان نذرٌ بما لا يملك، ليس له أن ينذر شيئاً لا يملكه، كأن يقول: للَّه عليه أن يعتق عبد فلانٍ، أو يتصدق ببيت فلان، كل هذا نذر باطل، ليس له النذر بما لا يملك, ينبغي عليه أن ينذر شيئاً يملكه يستطيعه, للَّه عليَّ أن أعتق عبدي فلاناً, إذا فعلت كذا، للَّه عليَّ أن أتصدق ببيتي أو بأرضي أو ما أشبه ذلك, أما أن يذكر أشياء ليست في ملكه. هذا نذر باطل، ليس له النذر بما لا يملك, وليس له أن ينذر بشيء من معاصي اللَّه. ¬

(¬1) ابن ماجه، برقم 2319، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 336.

حديث عمر - رضي الله عنه - يقول: إنه قال: يا رسول اللَّه بعدما أسلم قال: إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أوف بنذرك»، هذا يدل على أن الكافر إذا أسلم، وعنده نذور شرعية يوفي بها؛ فإن الإسلام لا يزيده إلا خيراً، وأسلم على ما أسلف من خير، فإذا كان عنده نذور: صدقات، أو اعتكاف، أو حج يوف بنذره، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أوفِ بنذرك». وفي حديث ابن عمر الدَّلالة على أنه لا ينبغي النذر؛ لأنه تكليف للنفس، وإلزام لها بشيء ليس بلازم، وقد يندم؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يَرُدُّ مِنَ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» (¬1)، فالنذر يُستخرج من البخيل، الذي لا يريد النفقة، ينذر حتى يجاهد نفسه بإخراج النفقة, فالرسول نهى عن النذر، وقال: «إنه لا يأتِ بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل» , فلا ينبغي للمؤمن أن ينذر، لكن إن نذر طاعة لزمه الوفاء، إن كان نذر طاعة, لزمه الوفاء بها, لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» (¬2)؛ فإذا قال: للَّه عليه أن يتصدق بكذا, أو ¬

(¬1) أخرج ابن حبان، 10/ 218، برقم 3276، وأبو عوانة في مسنده، برقم 5841: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يَرُدُّ مِنَ الْقَدْرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ»، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 6/ 395. (¬2) أخرجه مالك في موطأ، 3/ 678، برقم 1726، والشافعي في مسنده، ص 339، برقم 1562، والنسائي، كتاب الأيمان والنذور، النذر في المعصية، برقم 3804، وابن حبان، 10/ 233، برقم، 4783، وابن خزيمة،3/ 352، برقم 2241، وصححه محقق صحيح ابن حبان، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 18/ 1267.

يصوم كذا, أو يصلي صلاة الضحى, أو يصلي ركعتين من الليل, أو ما أشبه ذلك, يلزمه الوفاء حسب طاقته, لأنه نذر لطاعة اللَّه - سبحانه وتعالى - , لكن لو قال: للَّه عليَّ أن أشرب الخمر، أو يقتل فلاناً بغير حق، أو يزني، أو ما أشبه ذلك. هذا نذر لا يجوز؛ لأنه نذر معصية، فليس له أن يعصي اللَّه، وعليه كفارة يمين عن ذلك. 373 - عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: نَذَرَتْ أُخْتِي: أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي: أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ: «لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» (¬1). 374 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما -، أنه قال: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ ــ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ ــ قَالَ (¬2) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَاقْضِهِ عَنْهَا» (¬3). 375 - عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي، أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي، صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب من نذر المشي إلى الكعبة، برقم 1866، ومسلم، كتاب النذر، باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة، برقم 1644 بلفظه. (¬2) في نسخة الزهيري: «فقال». (¬3) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب ما يستحب لمن توفي فجأة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت، برقم 2761، واللفظ له، ومسلم، كتاب النذر، باب الأمر بقضاء النذر، برقم 1638.

اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» (¬1). 110 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث تتعلق بالنذر وما يشبهه, بيَّن فيها - صلى الله عليه وسلم - ما ينبغي شرعاً، من ذلك قصة أخت عقبة - رضي الله عنه -: أنها نذرت أن تمشي إلى بيت اللَّه الحرام حافية، وفي بعض الروايات: ولا تختمر. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» (¬2). وفي اللفظ الآخر: «وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (¬3)، هذا يدل على أن الواجب على من نذر نذر معصية أن لا يفي به، وأن يدع المعصية، وأن يكفر كفارة اليمين، ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة، برقم 6690، بلفظه، ومسلم، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، برقم 2769، بلفظه أيضاً. (¬2) أخرج أحمد، 28/ 582، برقم 17348، والترمذي، كتاب الأيمان والنذور، باب حدثنا محمود بن غيلان، برقم 1544، وقال: «حسن»، وابن ماجه، كتاب الكفارات، باب من نذر أن يحج ماشياً، برقم 2134، والبيهقي، 10/ 80، برقم 19908،عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُقْبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، وقال محققو المسند، 28/ 582: «حديث صحيح دون قوله: ولتصم ثلاثة أيام»، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 7/ 131بلفظ: «مروها فلتركب ولتختمر، ولتحج، ولتهد هدياً». (¬3) أخرج أحمد، 28/ 540، برقم 17306، والطبراني في الكبير، 17/ 323، برقم 893،: «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ أُخْتَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَرْكَبْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، وقال محققو المسند، 28/ 540: «حديث صحيح دون قوله: ولتصم ثلاثة أيام» ..

فإن نزعها الخمار معصية؛ ولهذا أمرها أن تختمر، كذلك وهي تمشي، فيه مشقة من طريق بعيد، ما بين المدينة ومكة، وهي امرأة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتمشِ ولتركب»، فعليها كفارة اليمين عن النذر المخالف للشرع، فإن الركوب في الطريق أفضل من المشي؛ لما فيه من المشقة العظيمة، لما في المشي من المشقة، والنبي حج راكباً - عليه الصلاة والسلام - , ولعلها كانت لا تستطيع الإطعام والكسوة؛ ولهذا قال: «لتصم ثلاثة أيام»؛ لأن من نذر نذراً يوجب الكفارة كصاحب اليمين يُبدأ أولاً بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو إعتاق رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام، فلعلها كانت عاجزة، ولهذا أمرها أن تصوم. كذلك حديث سعد بن عبادة لأجل أمه نذرت نذر عبادة، نذر طاعة، فتوفيت قبل أن تقضي نذرها، فأمره النبي أن يقضيه عنها, فإن نذر إنسان شيئاً لطاعة اللَّه ثم مات، يقضى عنه، إن نذر أن يحج، ومات ولم يحج، يحج عنه, إن نذر أن يعتمر، ولم يعتمر, يعتمر عنه, إن نذر أن يتصدق بكذا ثم توفي قبل أن يُنفِّذ, تُنفَّذ الصدقة من تركته, وهكذا؛ ولهذا سئل - صلى الله عليه وسلم - غير مرة عن نذور مشابهة، بعضهم قال: يا رسول اللَّه إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، قال: «حج عن أمك» (¬1) , وذكر أن أباه نذر أن يحج، قال: «حج عن أبيك» (¬2)، مات ولم يحج, ¬

(¬1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، 37/ 471، (¬2) أخرجه أحمد 4/ 72، برقم 2189، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء عن الشيخ الكبير والميت، برقم 930، وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، كتاب مناسك الحج، العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، برقم 2637، وابن حبان، 9/ 304، برقم 3991، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم 2906، والحاكم، 1/ 654، وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، والبيهقي، 4/ 329، وصحح إسناده محققو المسند، 4/ 72، وصححه العلامة الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 2895.

هذه قاعدة, إذا نذر الإنسان نذر طاعة وتوفي قبل أن يوفي [تخرج] (¬1) من تركته، وإن كان صوماً صام عنه بعض أوليائه, كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» (¬2)، وإن كان مال أُخِذ من التركة، وإن كان حجاً استؤجر من يحج عنه, وهكذا. والحديث الثالث: حديث كعب بن مالك الأنصاري - رضي الله عنه - كان ممن تأخر في غزوة تبوك مع شخصين آخرين، فأمر النبي بهجرهم، وهجروا خمسين ليلة، لأنهم تأخروا عن الغزوة دون عذر شرعي, [والواجب] (¬3) خروجهم، ثم تاب اللَّه عليهم تابوا، وأنزل فيهم قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (¬4). فقال كعب عند ذلك: «إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة ¬

(¬1) ما بين المعقوفين في أصل كلام الشيخ: «ترجع». (¬2) رواه البخاري، برقم 1952، ومسلم، برقم 1147، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 197. (¬3) ما بين المعقوفين غير واضح في كلام الشيخ، والأظهر أنه: «الواجب». (¬4) سورة التوبة، الآية: 118.

إلى اللَّه وإلى رسوله»، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك»، هذا فيه أن للإنسان خيراً له أن لا يتصدق بكل ماله، فليبقِ له بعض الشيء، حتى يستعين به في حاجاته وحاجات أهل بيته، وهذا ليس فيه نذر، وإنما يشاور النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: يا رسول اللَّه إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة. فقال له النبي: «أمسك بعض مالك فهو خير لك»، وفي حديث أبي لبابة قال: «أمسك الثلث» (¬1)، هذا يدل على أن الإنسان يُشرع له أن لا يتصدق بجميع ماله، حتى لا يبقى فقيراً، بل يُمسك بعض ماله، هو خير له. قال جماعة من أهل العلم: إلا أن يكون له سبب يستغني به كالتجارة، والصناعة، تقوم بحاله، فلا بأس أن يتصدق بكل ماله، كما فعل الصديق - رضي الله عنه -، فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أنفق جميع ماله في نصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والدفاع عن دين اللَّه، وأثنى اللَّه عليه في ذلك وأثنى عليه، رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وكان يتَّجر بالكسب، يستغني به، فإذا كان الإنسان عنده مال، وعنده كسب تجارة، أو صناعة، أو نجارة، أو حدادة، أو شبه ذلك، مما يدرُّ عليه، من المبيعات، وأراد أن يُنفق المال الموجود، ويكتفي بالكسب اليومي أو الشهري الذي ¬

(¬1) أخرج مقاتل بن سليمان في تفسيره، 1/ 112: «وأنزل في قول عمرو [بن الجموح]: يا رسول الله، كم ننفق من أموالنا؟ وعلى من ننفق؟ قول الله - عز وجل -: {قل العفو}، يعني فضل قوتك، فإن كان الرجل من أصحاب الذهب، والفضة: أمسك الثلث، وتصدق بسائره، وإن كان من أصحاب الزرع والنخل أمسك ما يكفيه في سنته وتصدق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه يومه ذلك، وتصدق بسائره».

يغنيه، فلا بأس في سبيل اللَّه كما فعل الصديق - رضي الله عنه -، أما إذا كان ما له سبب، ما له كسب، فإن السُّنة والمشروع أن يُبقي له ما يعينه على نفقات الأهل. «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» فإذا أمسك الثلث، فالثلث كثير، كما في حديث [أبي لبابة] (¬1)، والباقي يتصدق به إذا كان [يريد الصدقة] (¬2)، واللَّه المستعان. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، والأظهر أنه: «أبو لبابة». (¬2) ما بين المعقوفين غير واضح، ولكن الأظهر أنه «يريد الصدقة».

60 - باب القضاء

60 - باب الْقَضاء 376 - عن عائشة لقالت قال: رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ» (¬1). وفي لفظٍ «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬2). 377 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دَخَلَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ــ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ ــ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، إلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِي بَنِيكِ» (¬3). 378 - عن أم سلمة - رضي الله عنها -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَلا إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم (¬4)، وَإِنَّمَا يَاتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ: أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم 17 - (1718). (¬2) مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، برقم 18 - (1718). (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع، والإجارة، والمكيال، والوزن، وسننهم على نياتهم، ومذاهبهم المشهورة، برقم 2211، ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند، برقم 1714، واللفظ له. (¬4) «مثلكم»: ليست في نسخة الزهيري، ولم أجدها في جميع روايات الصحيحين التي بين أيدينا.

نَارٍ (¬1) فَلْيَحْمِلْهَا، أَوْ يَذَرْهَا» (¬2). 111 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث تتعلق بالقضاء، والقضاء هو فصل الخصومات بين الناس، تارةً بالحكم الشرعي، وتارةً بالإصلاح عند اشتباه الأمور، وهو عملٌ عظيم، وفيه أجرٌ عظيم، لمن أخلص النية، وبذل الوسع واجتهد, وفيه خطر عظيم على من تساهل؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول - عليه الصلاة والسلام -: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ [يعني ثلاثة أقسام]: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، [أما اللذان في النار]: فَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ [يعني على غير علم] وَرَجُلٌ قضى للناس على جَورَ [عرف الْحُكْمَ فجار] هذان فِي النَّارِ, [نعوذ باللَّه]، أما الذي في الجنة فهو الذي عَرفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ بين الناس، هذا الذي هُوَ فِي الْجَنَّةِ» (¬3). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «من النار»، وهي لفظ البخاري، برقم 2458. (¬2) رواه البخاري، كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في الباطل، وهو يعلمه، برقم 2458، وكتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، برقم 2680، ومسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، برقم 5 - (1713)، واللفظ له إلا قوله: «ألا»، وقوله: «مثلكم». (¬3) سنن أبي داود، كتاب القضاء، باب في القاضي يخطئ، برقم 3575، ولفظه: «عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ: فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ»، والترمذي، كتاب الأحكام عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في القاضي، برقم 1322، والنسائي في الكبرى، 3/ 461، برقم 5922، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد فيصيب، برقم 2315، ولفظه: عن ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، لَقُلْنَا: إِنَّ الْقَاضِيَ إِذَا اجْتَهَدَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ»، والطبراني، 2/ 20، برقم 1154، والحاكم، 4/ 101، وقال: «صحيح الإسناد»، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ص: 59، وفي الإرواء، 2614، وفي المشكاة 3735.

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (¬1)، وفي اللفظ الآخر: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬2)، أي فهو مردود، ويدخل في هذا الحكم بغير ما أنزل اللَّه، من حكم بغير ما أنزل اللَّه، فهو مردود؛ لأنه ليس على أمر الرسول، وليس على شرعه، كالذي يحكم بين الناس بحكم جائر، يخالف الشرع أو بالقوانين الوضعية، يكون حكمه باطلاً مردوداً، وعليه أن يحكم بشرع اللَّه، وأن يتحرَّى الحق، وأن يعمل بما يوجبه الشرع للقضاء بين الناس. وفي حديث عائشة في قصة هند بنت عُتبة بن الربيعة؛ زوجة أبي سفيان، جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تستشيره في أمرها مع زوجها، قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح. أي بخيل، لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بني، أي من النفقة، فهل عليَّ من جُناح إن أخذت من ماله ما يكفيني ويكفي بني؟ قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وما يكفي بنيك» (¬3) , هذا احتج به بعض أهل العلم على ¬

(¬1) رواه البخاري، قبل الحديث رقم 2142، ومسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1. (¬2) مسلم، برقم 1718، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 1. (¬3) البخاري، برقم 2211، و5364، ومسلم، برقم 1714، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 377.

الحكم على الغائب, وأنه لا بأس أن يحكم على الغائب إذا توفرت الأدلة الشرعية، ولم يتيسر حضوره، يُحكم عليه، وهو على دعواه إذا كان له حجة، وجاء يقدم حجته، والصواب أن هذا الحديث ليس في القضاء، إنما هو في الفتوى، فتوى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس من باب القضاء، بل هذا ردها إلى ما تعلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. هذه فتوى يعني إن كنت صادقة فافعلي, دل ذلك على أن المرأة إذا كان زوجها لا يعطيها كفايتها، فإنها تأخذ من ماله بالمعروف، ولو لم يعلم. ما يكفيها ويكفي أولادها، وهم تحت يدها من دون إسراف ولا تبذير، وتتحرَّى الحق، وتجتهد في أن تكون النفقة مقتصدة، ليس فيها إسراف. أما الحكم على الغائب فله شروط، إذا ادعي على الغائب فلا بد من إحضاره، حتى يُسمع كلامه، فإن لم يتيسر [فإحضار] (¬1) وكيله، فإن لم يتيسر لا هو ولا وكيله حكم على الغائب بالبيِّنة، وهو على دعواه. والحديث الثالث: حديث أم سلمة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع جلبة خصومة عند الباب ــ جلبة يعني أصوات خصومة عند الباب ــ فخرج إليهم، وقال: «إنما أنا بشر، وإنما أقضي على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم يكون ألحن في حجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها». والمعنى أن الحاكم ما يُحل الحرام، القاضي ما يحل الحرام، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، والظاهر أنه «فإحضار»، أو «إحضار».

إذا كذب المدعي، وأتى بشهود زور، أو حلف على باطل، فحكم القاضي لا يحل له الحرام، بل هو قطعة من النار يحملها, القاضي ليس له إلا الظاهر، يحكم بما ظهر، فإذا قال زيد: أقرضت فلاناً مائة ريال. وقال المدعى عليه: ما أقرضني، ما عندي له شيء. وحلف، وذاك ما عنده بينة، فهذه قطعة من النار، يحملها الحالف، لأنه حلف وهو كاذب: أنه ما اقترض وهو مقترض، فأخذ مال أخيه بغير حق، أو مدعٍ ادعى مائة ريال، أو ألف ريال، وأقام بينة كاذبة، شهود زور، وظنهم القاضي عدولاً زُكوا عنده، وثبت عنده عدالتهم في الظاهر، وحكم بقولهم بهذا القرض، فهذا الذي حُكم له إنما يحمل قطعة من النار، لأنه يعرف أنه كاذب، يكون القاضي حكم له بالشهود الزور، الذين لم يعرفهم القاضي، من عُدِّلوا عنده، ما يحلُّ لهذا المدَّعي يأكل حراماً؛ لأنه أخذه بغير حق بالبينة الكاذبة (¬1). 379 - عن عبد الرحمن بن أبي بَكَرة (¬2) - رضي الله عنه - قال «كَتَبَ أَبِي ــ وكَتَبْتُ لَهُ إلَى ابْنِهِ عُبيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ ــ أَنْ لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لايَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ». وفي رواية: «لا يقضيَنَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان» (¬3). ¬

(¬1) آخر الوجه الأول من الشريط الثامن عشر. (¬2) أول الوجه الثاني من الشريط الثامن عشر. (¬3) رواه البخاري، كتاب الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، برقم 7158، ومسلم، كتاب الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، برقم 1717، واللفظ له، إلا لفظ: «ابنه»، وهي في البخاري، برقم 7158.

380 - وعن أبي بَكرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» ــ ثَلاثَاً ــ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: «أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ (¬1). 381 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» (¬2). 112 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالقضاء. الحديث الأول: يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان»، وهذا يفيد التحريم؛ لأن الأصل في النهي هو التحريم، فلا يجوز للقاضي في حال غضبه أن يقضي بين الخصوم؛ لأنه في هذه ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، برقم 2654، وكتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، برقم 5976، وجميع الألفاظ من هذين الموضعين في صحيح البخاري، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 87. (¬2) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: 77]، برقم 4552، ولفظه: «لو يُعطى الناس بدعواهم، لذهب دماءُ قوم وأموالهم ... اليمين على المُدَّعى عليه»، ومسلم، كتاب الأقضية، باب اليمين على المدعى عليه، برقم 1711، واللفظ له.

الحال عنده من تشويش العقل والفكر ما يمنعه من استيفاء الحكم، والنظر في أدلته، وتمييز الحق من الباطل بسبب ما هو فيه من هذا الغضب، والمراد الغضب الشديد الذي يمنعه من التفكير والنظر، أما الغضب الخفيف العادي فلا يضر، فالمقصود الغضب الذي يُسمَّى غضباً, الشديد الغضب الذي يمنعه من استيفاء الحق، والنظر في الأدلة، وإعطاء الموضوع ما يقتضيه من عناية، ونظر، والتفكير، فذكر أهل العلم أنه يُلحق بذلك، كل ما يمنع القاضي من استيفاء الحكم من مرض يؤلمه، أو نعاس غلب عليه، أو هم، أو ملل، أو غير ذلك من الأمور، التي تزعجه، ولا تمكنه من الاستيفاء في الأدلة، والنظر في دعوى الخصمين، فإنه يؤجل ذلك إلى وقت آخر، حتى يكون قلبه حاضراً، وفكره حاضراً، وليس هناك شواغل تمنعه من استيفاء النظر في حق الجميع، وهذا من باب الحِيطة في القضاء بالحق، والبعد عن أسباب الغلط والخطأ. والحديث الثاني: حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» كررها ثلاثاً, قالوا: بلى يا رسول اللَّه, قال: «الإشراك باللَّه وعقوق الوالدين ــ وكان متكئاً فجلس فقال ــ ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور» الكلمة الأخيرة هي المتعلقة بباب القضاء: شهادة الزور, أما الإشراك باللَّه, وعقوق الوالدين, فهذا أمرٌ عام يجب على كل إنسان أن يحذر الشرك وأن يحذر العقوق, وليس له تعلق بالقضاء, بل هذا عام, فجميع الناس عليهم أن يحذروا ما حرم اللَّه من الشرك، وجميع أنواعه:

صغيره وكبيره، وهكذا العقوق من أكبر الكبائر، ومن أعظم المعاصي، يجب الحذر منه، وهكذا الكبيرة الثالثة: شهادة الزور، هي من أكبر الكبائر، لما فيها من إضاعة الحق، وظلم العباد؛ فلهذا صارت من أكبر الكبائر, لأنها تُسفك بها الدماء، وتُنتهك فيها الحقوق، ويُظلم بها العباد, فلهذا صارت من أكبر الكبائر, فالواجب الحذر منها غاية الحذر، وأن لا يشهد إلا بما يعلم، وقوله: «مازال يكررها»، أي شهادة الزور؛ لعظم خطرها، وعظم ما يتعلق بها من الفساد، كررها ليحذرها الناس «حتى قلنا: ليته سكت»، أي حتى قلنا إشفاقاً عليه وإبقاءً عليه لو سكت، لئلا يتكلم بها، يشق على نفسه - عليه الصلاة والسلام -، لكنه كرر لبلاغةٍ في النصح، والتحذير - عليه الصلاة والسلام - زيادة على الثلاث. في حديث ابن عباس: يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» هذا الحديث من أصح الأحاديث في بيان أن الناس لا يعطون بدعواهم، ولو كانوا من أصدق الناس، ولو كانوا من الصحابة: لا يُعطى أحد بدعواه، بل لا بد من البينة, ولما ادعى الزبير بن العوام على بعض الناس قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «شاهداك أو يمينه» (¬1)، قال: يا رسول اللَّه إذن يحلف ولا يبالي، قال: «ليس لك ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 2356، و2357، و2416، و2417، و2673، و2676، و4549، و6659، و6660، و6677، و7183، و7184، ومسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

إلا ذلك» (¬1) من ادعى شيئاً فعليه البينة. وفي رواية عند البيهقي وغيره: «البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» (¬2)، فإذا ادعى أرضاً، أو بيتاً، أو جملاً، أو غير ذلك من الأمور المنقولة، الأمور العقارية، لا يقبل، ولا يجاب إلا ببينة، فإن لم يحضرها، فله اليمين على خصمه، وعلى خصمه أن يتقي اللَّه، وأن يحذر من الكذب في يمينه، فإذا حلف برئ، ومتى وجد المدعي البينة تُكذِّب اليمين أقامها، وصح عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام - كما تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» (¬3) , وفي اللفظ الآخر: «هو فيها فاجر لقي اللَّه وهو عليه غضبان»، وفي حديث أبي أُمامة عند مسلم، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب اللَّه له النار، وحرم عليه الجنة» قيل: وإن كان شيئاً يسيراً؟ يا رسول اللَّه، قال: «وإن كان قضيباً من أراك» (¬4)، فالواجب الحذر من الأيمان الفاجرة، التي يُقتطع بها الحق ظلماً وعدواناً، وأن صاحبها معرض لغضب اللَّه ووعيده بالنار، نسأل اللَّه العافية. ¬

(¬1) مسند أحمد، 6/ 47، برقم 3576، و31/ 154، برقم 18863، وفي مسلم، بنحوه، برقم 139، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369. (¬2) سنن البيهقي الكبرى، 10/ 252، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 6/ 357، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369. (¬3) البخاري، برقم 6676، ومسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369. (¬4) رواه مسلم، برقم 138، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 369.

16 - كتاب الأطعمة

16 - كتاب الأطعمة 382 - عن النعمان بن بَشير - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ ــ وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إلَى أُذُنَيْهِ ــ: «إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أمورٌ (¬1) مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ: كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ» (¬2). 383 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، وَأَدْرَكْتُهَا (¬3)، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ، فَذَبَحَهَا، وَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِوَرِكِهَا، أوَفَخِذهَا (¬4)، فَقَبِلَهُ» (¬5). ¬

(¬1) «أمور»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2051. (¬2) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم 52، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم 1599، بلفظه إلا كلمة: «أمور»، فهي في البخاري، برقم 2051. (¬3) في نسخة الزهيري: «فأدركتها»، وهذه في البخاري، برقم 2572. (¬4) في نسخة الزهيري: «وفخذيها»، وهي في جميع روايات البخاري، ومسلم بلفظ: «فخذيها». (¬5) رواه البخاري، كتاب الهبة، بلفظه في باب قبول هدية الصيد، برقم 2572، وفي لفظه: «... بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا - قَالَ الراوي: فَخِذَيْهَا لاَ شَكَّ فِيهِ»، وفي كتاب الصيد والذبائح، باب ما جاء في التصيد، برقم 5489، بلفظ: «... بِوَرِكَيْهَا أَوْ فَخِذَيْهَا»، بالتثنية، وباب الأرنب، برقم 5535، بتثنية الفخذ، وتثنية الورك كذلك، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الأرنب، برقم 1953، وفي لفظه: «فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا»، بدون شك في إفراد الورك وتثنية الفخذ، وفي لفظ لمسلم: «بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا»، بإفراد الورك، وتثنية الفخذ، فاتضح من جميع الروايات أن الفخذين بالتثنية.

«لغبوا» تعبوا (¬1) وَأَعْيَوْا. 384 - عن أسماء بنت أبي بكرٍ - رضي الله عنهما - قالت: «نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ» (¬2). وفي روايةٍ «وَنَحْنُ في الْمَدِينَةِ (¬3)» (¬4). 113 - قال الشارح - رحمه الله -: هذا كتاب الأطعمة، والأطعمة هي ما يؤكل ويُشرب، يقال له طعام، وجمعه أطعمة, ويقال: المأكول والمشروب، وقد جاءت الأدلة الشرعية من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيان ما يحل وما يحرم، فاللَّه أحل في كتابه لعباده بهيمة الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم، والصيد، وجاءت السنة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بأشياء كثيرة، أحلها اللَّه لعباده، وحرّم أشياء، بينّها سبحانه لعباده، وبيَّنها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (¬5) الآية، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «لغبوا: أعيوا». (¬2) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، برقم 5510، و5511، و5512، بلفظه، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل، برقم 1942. (¬3) في نسخة الزهيري: «بالمدينة»، وهذا لفظ البخاري، برقم 5511. (¬4) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، برقم 5511. (¬5) سورة المائدة، الآية: 3.

وجاءت أمور مشتبهة يجب على المؤمن التثبت فيها، حتى يعرف حكم اللَّه فيها، ولا يعتدي حتى يعرف الحكم، وفي هذا الباب حديث النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري - رضي الله عنهما -، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول، وأشار إلى أذنيه، يعني: سمعت بأُذني لتأكيد السماع، يقول: «إن الحلال بينٌ، والحرام بينٌ، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام: كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى اللَّه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صَلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». هذا الحديث العظيم دل على فوائد، وهو متفق على صحته عند البخاري ومسلم رحمة اللَّه عليهما، وهو من أصول الدين، قال بعض أهل العلم: «عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من كلام خير البرية اتق الشبهات, وازهد ... ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية» قوله: «اتق الشبهات»، يريد هذا الحديث يشير إلى هذا الحديث: «الحلال بين والحرام بين»، أي بيّن اللَّه ورسوله الحلال والحرام، فالحلال مثل ما تقدم من الإبل، والبقر، والغنم، والحبوب من الحنطة، والشعير، والأرز، والذرة، والفواكه من التمر، والعنب، وغيرهما من الفواكه حلالٌ بيّن.

والحرام بيّن، مثل: الميتة، والخنزير، والسباع، وأشباه ذلك، مما حرمه اللَّه. «وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس»، يعني يعلمها الراسخون في العلم، تشتبه على بعض الناس، فالمشروع للمؤمن عند اشتباهها أن لا يعجل، وأن يتقيها براءةً لدينه وبراءةً لعرضه، حتى يسأل عنها، أو يعرف حكم اللَّه فيها بالأدلة. «ومن وقع في الشبهات» يعني من تساهل، ووقع في الشبهات «وقع في الحرام»، يعني من تساهل في الشبهات، ولم يبالِ جرَّه ذلك للوقوع في الحرام. «كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه»، مثل الراعي الذي يرعى إبله، أو غنمه، أو بقره عند الزروع، عند حمى الناس، عند زروعهم، يوشك أن يقع فيه، يعني يقرب أن يقع فيه؛ لأنه قريب إذا غفل، أو نام رتعت غنمه، أو إبله في حمى الناس؛ لأنه قريب، لكن إذا كان بعيداً عن الحمى، في الغالب تسلم زروع الناس من ماشيته، لو غفل، أو نام، وهو بعيد يمكن أن ينتبه قبل أن تصل ماشيته إلى حمى الناس، ثم بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الملوك يغضبون إذا انتهكت حماهم، قال: «ألا وإن لكل ملك حمى»، يعني يحمون الأراضي, الإبل، والخيل، وغير ذلك لمصالح المسلمين، ويغضبون إذا انتهكت وتُعدِّي عليها، قال: «ألا وإن حمى اللَّه محارمه»، حمى اللَّه سبحانه، وهو ملك الملوك، حماه محارمه، التي حرمها على عباده، فالواجب الحذر منها، وعدم انتهاكها، كما أن الملوك ملوك الدنيا يغضبون إذا

انتهكت أحميتهم، فاللَّه ملك الملوك، ملك الجميع، يغضب إذا انتهك حماه، إذا تعدى الناس على محارمه، وارتكبوا معاصيه، حمى اللَّه هو محارمه التي حرم على عباده مثل: الزنى، السرقة، العقوق، قطيعة الرحم، الربا، شهادة الزور، القتل بغير حق، إلى غير هذا مما حرمه اللَّه، فالواجب الحذر من ذلك، وعدم انتهاكه، ثم بيّن حال القلب، وأن مدار الصلاح والفساد على القلب، وأن هذه المضغة متى صلحت صلح الإنسان، ومتى فسدت فسد الإنسان، وهي قلبه، إذا صلح القلب، وكان معموراً بخشية اللَّه، والإخلاص له، وتعظيمه، ومحبته صلحت أعمال الجسد، واستقام الجسد، ومتى خبث القلب، وامتلأ بالشكوك، والأوهام، أو بالنفاق، والشرك، فسد الجسد لأسبابه، والمعنى أنه يجب على المؤمن أن يعتني بقلبه، ويحرص على سلامة قلبه، ويسأل ربه التوفيق، والهداية، وصلاح قلبه، وأن يعمره اللَّه بمحبة اللَّه، والخشية للَّه، وتعظيمه، والإخلاص له حتى لا يفسد. حديث أنس فيه الدلالة على حِل الأرنب؛ لأنهم أنفجوا (¬1) أرنباً، وهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسبق إليها أنس، وأخذها، وصادها، وأتى بها إلى أبي طلحة، فذبحها أبو طلحة، وأهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - منها بعضها، فقبله النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدل على حِل الأرنب، والأرنب من الصيد الحلال، ¬

(¬1) نفج: في حديث قيلة: فانتفجت منه الأرنب، أي وثبت، ومنه الحديث: «فأنفجنا أرنباً» أي أثرناه. النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 86، مادة (نفج).

وكذا الظباء، وتسمى الغزلان، وهكذا الوضيحي (¬1): حمار الوحش، وهكذا الوعول، كلها صيد. وهكذا الطيور المعروفة: كالحُبارى، والدجاج، والحمام، وسائر أنواع الطيور المعروفة الحلال من القُمري، والعصفور، وما أشبهه، مما أحله اللَّه. أما ذات المخالب، فهي محرمة، كالصقور، والحدأة، وأشباهها، لا تجوز، وكل ذوات المخالب، وهكذا كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، والذئب كلها حرام، وهكذا مما يأكل الجيف، وما أمر الرسول بقتله: كالغراب، والرخم، هذه من الطيور التي تأكل الجيف لا تحل لخبثها، والنسور كذلك من الطيور الخبيثة لا تحل. في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - تقول - رضي الله عنهما -: إنهم نحروا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرساً، وأكلوه في المدينة ــ هذا يدل على أن الخيل حلال، ومباحة لا بأس بذبحها، وأكلها، إلا إذا دعت الحاجة إليها في الجهاد لا تُذبح، إذا دعت الحاجة إليها في الجهاد، وإلا فهي حلال تذبح، وتؤكل، بخلاف الحمر والبغال فلا، فهي حرام: البغال, والحمر الأهلية المعروفة هذه لا تذبح؛ لأنها محرمة، أما الخيل فهي مباحة، الرسول رخَّص لهم في الخيل، ونهى عن الحمر والبغال. 385 - عن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - «أَنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ¬

(¬1) حمار الوحش: يسمّيه بعض الناس من أهل نجد: الوضيحي.

لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» (¬1). ولمسلم وحده قال: «أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَحُمُرَ الْوَحْشِ، وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ» (¬2). 386 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفَى - رضي الله عنه - قال: «أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَانْتَحَرْنَاهَا فَلَمَّا غَلَتْ بِهَا الْقُدُورُ، نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ أَكْفِئُوا الْقُدُورَ، وَلا تَاكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأهلية (¬3) شَيْئاً» (¬4). 387 - عن أبي ثَعْلَبة الْخُشَنِيِّ (¬5) - رضي الله عنه - قال: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ» (¬6). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4219، ولفظه: «نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، ورخص في الخيل»، وكتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الخيل، برقم 5520، بلفظ: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل»، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل، برقم 1941، بلفظه، إلا جملة: «يوم خيبر»، ليست في هذا الحديث في العمدة. (¬2) رواه مسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب في أكل لحوم الخيل، برقم 37 - (1941)، وعنده: «ونهانا» بدل: «ونهى». (¬3) «الأهلية»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، برقم 3155، والمغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4220، 5528، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية، برقم 27 - (1937) بلفظه إلا أن عنده: «ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً»، ولم تذكر كلمة: «الأهلية». (¬5) «الخشني»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية، برقم 5527، بلفظه، إلا أنه لم يذكر كلمة: «الخشني»، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، برقم 1936، بلفظه، إلا كلمة: «الخشني».

388 - عن ابن عباس (¬1) - رضي الله عنهما - قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَاكُلَ، فقالوا: هو ضب يا رسول اللَّه (¬2). فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ. فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ» (¬3). «المحنوذ» المشويُّ بالرَّضْفِ، وهي الحجارة المحماة. 114 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تدل على حِل لحوم الخيل، وأنها حلال، وعلى حِلّ حمر الوحش، وهي التي تُسمَّى الوضيحي، وهي صيد، لها خِلقة خاصة ومنقشة جلدها، ليس من جنس الحمر الأهلية، فهذه حلال: كالوعل، والظباء، والأرنب، وأشباه ذلك، فلهذا رخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخيل وحمر الوحش، ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «عباس» بدون لفظة: ابن. (¬2) «فقالوا: هو ضبٌّ يا رسول اللَّه»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 5537. (¬3) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب الضب، بنحوه، برقم 5537، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، برقم 1945، بلفظه.

التي هي الوضيحي، ونهاهم عن لحوم الحمر الأهلية، ولما اشتد بهم الجوع في خيبر ذبحوها وطبخوها، أمرهم بإكفاء القدر، وأن لا يأكلوا من لحمها شيئاً، فدل ذلك على تحريم الحمر الأهلية، وهي الحمر الموجودة الآن المعروفة، لا يجوز أكلها. أما الخيل وحمر الوحش: كالظباء والأرنب والوعل، كل هذه حلال، وهكذا الضب، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس بحرام، وأُكل على مائدته - عليه الصلاة والسلام -، سأله خالد: أحرام؟ فقال: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (¬1) كان النبي لا يشتهيه ولا يأكله، ولكنه أباحه للأمة، وهو حلال، والضب معروف, فهذا فيه بيان حله كالخيل وحمر الوحش والظباء التي هي [الصيد] (¬2) المعروف، كما يحل الأرنب, الدجاج, الحمام, وأشباهها من الصيود المعروفة، وكما أحل اللَّه بهيمة الأنعام: من الإبل، والبقر، والغنم، كل هذا بفضل اللَّه وإحسانه جل وعلا، وحرم كل ذي ناب من السباع: كالأسد، والنمر، هذه حرام، والذئب، والكلب، والسنّور، والثعلب، كل هذه محرمة، كلها من ذوات الناب، هكذا ذوات المخالب من الطير محرمة: كالصقور، والحدأة، والباز، والعُقاب، كل هذه طيور محرمة؛ لأنها من ذوات المخالب، كما أن ذوات الناب من السباع ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأكل حتى يُسمّى له، فيعلم ما هو، برقم 5391، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم 1946. (¬2) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، والأظهر أنها: «الصيد».

محرمة: كالأسود، والنمر، والذئب، والكلب، والفهد، والسِّنَّوْر، والثعلب، كل هذه من السباع، وفي حكم السباع محرمة. 389 - عن عبد اللَّه بن أبي أوفَى - رضي الله عنه - قال: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَاكُلُ الْجَرَادَ» (¬1). 390 - عن زَهْدَمِ بن مُضَرِّبٍ الْجَرْمِيِّ قَال: «كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ (¬2) - رضي الله عنه - فَدَعَا بِمَائِدَةٍ (¬3)، وَعَلَيْهَا لَحْمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ، أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي. فَقَالَ له: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ (¬4): هَلُمَّ، فَإِنِّي (¬5) رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَاكُلُ مِنْهُ» (¬6). 391 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ، حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل الجراد، برقم 5495، بنحوه، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح، وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الجراد، برقم 1952، بلفظه. (¬2) «الأشعري»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 5518. (¬3) في نسخة الزهيري: «بمائدته»، وهي عند مسلم، برقم 9 - (1649). (¬4) في نسخة الزهيري: «فقال له»، والذي في المتن لفظ مسلم، برقم 9 - (1649). (¬5) في نسخة الزهيري: «فإني قد»، وهي في مسلم، برقم 9 - (1649). (¬6) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب لحم الدجاج، برقم 5518، وهو طرف من الحديث رقم 3133 عند البخاري، ومسلم، كتاب الأيمان والنذور، باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، برقم 9 - (1649)، بلفظه في حديث طويل. (¬7) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل، برقم 5456، بنحوه، ومسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح مايصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها، برقم 2031، بلفظه.

115 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الصحيحة تدل على حِل الجراد، وحِلَّ لحم الدجاج. في الحديث الأول: يقول عبداللَّه بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: «غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد»، فدل على حِل الجراد، وأنه لا بأس به، والجراد بأنواعه طيب حياً، وميتاً، حتى ميته حلال، فالجراد حياً وميتاً حلال، لحديث ابن عمر «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَهي الْحُوتُ وَالْجَرَادُ» (¬1)، فالجراد كالسمك حياً وميتاً إن طُبِخ جاز وإن شوي جاز، فلو وجد ميتاً حلّ أكله، يُطبخ ويؤكل، وإن وجد حياً وطبخ وشوي جاز ذلك، فميِّته حلال كحيه، كالسمك حيه حلال وميْته حلال، والدجاج، ذكر أبو موسى أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكله، فدل على حِلِّ الدجاج، وهو طير طيب كالحمام، ونحوه من الطيور الطيبة، فهو حلالٌ طيبٌ، ومن ذلك أنواع الطيور، التي ليس لها مِخْلَب، وليست مما يأكل الخبائث: كالعصافير، والقُمري، وسائر أنواع الطيور الطيبة التي ليست من ذوات المخالب، وليست من أكلة الجيف: كالرخم، والغراب، لأن الرخم، ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد، 10/ 16، برقم 5723، والشافعي في مسنده، ص 340، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم 3314، وحسن إسناده محققو المسند، 10/ 16، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 232، برقم 3305، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن 275.

61 - باب الصيد

والغراب: طيور خبيثة، تأكل الجيف، ولهذا حَرُمت لخبثها، والنسر كذلك؛ لأنها خبيثة، بخلاف الحمام والقُمري، والصعو (¬1)، والعصافير، والدجاج، والحبارى، هذه كلها طيور طيبة. في الحديث الثالث: الدلالة على أن من الآداب بعد الطعام أن لا يغسل يديه حتى يلعقها، أو يُلعِقها غيره، كذلك لا يمسحها بالمنديل حتى يلعقها، هكذا السنة، يلعقها أولاً، ثم يغسلها إن شاء، أو يمسحها بالمنديل، لا يغسلها والطعام فيها، ولا يمسحها والطعام فيها، ولهذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَكَلَ أحدكم طَعَاماً، فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا، أَوْ يُلْعِقَهَا»، إذا كان الطعام له بقية، أما إذا كان الطعام ما له بقية مثل الخبز لا يبقى فيه بقية، هذه يغسلها أو يمسحها (¬2). 61 - باب الصيد 392 - عن أبي ثَعْلَبَةَ (¬3) الْخُشَنِيِّ - رضي الله عنه - قَال: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَاكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَفِي أَرْضِ صَيْدٍ (¬4)، أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ ــ يَعْنِي ــ مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَاكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا ¬

(¬1) الصَّعْوُ: عُصْفُورٌ صَغيرٌ، أَحْمَرُ الراسِ، تاج العروس، 38/ 422، مادة (صعو). (¬2) آخر الوجه الثاني من الشريط الثامن عشر. (¬3) أول الوجه الأول من الشريط التاسع عشر. (¬4) «صيد»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 5496.

فَاغْسِلُوهَا، وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ: فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ، فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ» (¬1). 393 - عن هَمَّامِ بن الحارث، عن عَدِيِّ بن حاتم - رضي الله عنه - قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُرْسِلُ الْكِلابَ الْمُعَلَّمَةَ، فَيُمْسِكْنَ عَلَيَّ، وَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عليه (¬2)، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» قُلْتُ له: وَإِنْ قَتَلْنَ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَتَلْنَ، مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مِنْهَا» قُلْتُ له: فَإِنِّي أَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ؟ فَقَالَ: «إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ، فَخَرَقَ (¬3): فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ (¬4): فَلا تَاكُلْهُ» (¬5). 394 - وحديث الشَّعْبِيِّ عن عدي نحوه، وفيه «إلاَّ أَنْ يَاكُلَ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب آنية المجوس والميتة، برقم 5496، بنحوه، وألفاظه مفرقة في صحيح البخاري، برقم 5478، و5488، و5496، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 1930 بنحوه. (¬2) «عليه»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح مسلم، برقم 1929. (¬3) في نسخة الزهيري: «فخزق»، وهذا لفظ مسلم، برقم 1929. (¬4) في نسخة الزهيري: «بعرضٍ»، أما «بعرضه» فهي لفظ مسلم، برقم 1929. (¬5) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب صيد المعراض، برقم 5476، وذكره البخاري مفرقاً في رقم 2054، و5475، و5476، و5477، و5483، و5484، و5485، و5486، و5487، و7397، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 1929 بلفظه.

الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلا تَاكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلا تَاكُلْ» (¬1)، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» (¬2). وَفِيهِ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعلَّم (¬3): فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيّاً، فَاذْبَحْهُ، وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قَتَلَ، وَلَمْ يَاكُلْ مِنْهُ: فَكُلْهُ (¬4)، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاتُهُ» (¬5). وَفِيهِ أَيْضًا «إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ» (¬6). وَفِيهِ «فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ ــ وفي رواية: «الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ ــ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إلاَّ أَثَرَ سَهْمِكَ: فَكُلْ إنْ شِئْتَ، وَإِنْ (¬7) وَجَدْتَهُ غَرِيقاً فِي الْمَاءِ: فَلا تَاكُلْ، فَإِنَّكَ لا تَدْرِي: الْمَاءُ قَتَلَهُ، أَوْ سَهْمُكَ؟» (¬8). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب إذا أكل الكلب، برقم 5483، وباب ما جاء في الصيد، برقم 5487، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، برقم 2 - (1929). (¬2) البخاري، كتاب الصيد والذبائح، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر، برقم 5486، ومسلم، برقم 3 - (1929). (¬3) في نسخة الزهيري: «المكلَّب» بدل المعلَّم. (¬4) مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 6 - (1929)، ولكن ليس عنده كلمة: «الكلب». (¬5) مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة، 4 - (1929)، لكن بلفظ: «فإن ذكاته أخذه». (¬6) مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 6 - (1929). (¬7) في نسخة الزهيري: «فإن». (¬8) هذه الجمل ملفقة من صحيح البخاري، في كتاب الصيد والذبائح، برقم 5484، ففيه: «وإن رميت الصيد فوجدته بعد يومٍ، أو يومين ليس به إلا أثر سهمك، فكل، وإن وقع في الماء فلا تأكل»، وقوله: «اليومين والثلاثة» رواية البخاري، برقم 5485، وقوله: «فإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله، أو سهمك»، هذه الرواية ملفقة من صحيح مسلم، برقم 7 - (1929)، ورقم 6 - (1929).

395 - عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَنِ اقْتَنَى كَلْباً ــ إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ ــ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» (¬1). قال سالم: وكان أبو هريرة يقول «أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ» (¬2). 116 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالصيد: السهام، والكلاب، والرماح, وتتعلق باقتناء الكلب. بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ما صاده الإنسان بكلبه المُعلَّم فإنه حلال ولو قتله يعني حلال له؛ لأن اللَّه قال: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} (¬3). فإن وجده حياً لم يمت ذبحه, وإن وجد مع كلبه كلاباً أخرى ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب من اقتنى كلباً ليس بكلب صيد أو ماشية، برقم 5480، و5481، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع، أو ماشية ونحو ذلك، برقم 51 - (1574)، واللفظ له. (¬2) رواه مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع، أو ماشية ونحو ذلك، برقم 54 - (1574). (¬3) سورة المائدة، الآية: 4.

فلا يأكل، فإنه إنما سمَّى على كلبه, كلبه هو المعلم المُهيَّأ لهذا الشيء, وهكذا ما أصاب بالمعراض، وهو الرمح, إذا أصابه بالحد، يعني بالحديدة التي فيه، فخزق (¬1)، هذا يكون حلالاً, وإن أصابه بالعرض: عرض الرمح؛ فإنه وقيذ فلا يُؤكل, اللَّه جل وعلا قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} (¬2)، والموقوذة هي التي تضرب بالحجر، أو بعرض الرمح، أو بالخشبة، ونحو ذلك, يقال لها وقيذة إذا ماتت, أما ما طعنه بسن الرمح، وحد الرمح حتى مات فإنه حلال, وبين - صلى الله عليه وسلم -: «أنه إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ لاَ يُؤْكَلْ منه» (¬3)؛ لأنه إذا أكل منه فإنما أمسك على نفسه، ما أمسك على صاحبه، فلا يُؤكل إذا أكل منه. وسأله عن آنية المشركين، وعن آنية أهل الكتاب هل يستعملونها؟ قال: إن وجدتم غيرها فلا تستعملوها, وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها؛ لأنه قد يكون فيها الخمر، والميتات, فإذا وجد غيرها استعمل غيرها, فإن لم يجد غيرها غسلها، وأكل فيها, وذبيحة أهل الكتاب حل لنا؛ لأن الظاهر من طعامهم الحل؛ لأنهم ما يستعملون فيه ما حرم اللَّه. ¬

(¬1) خزق: خزق السهم، وخسق: إذا أصاب الرمية، ونفذ فيها، وسهم خازق، وخاسق: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 28، مادة (خزق). (¬2) سورة المائدة، الآية: 3. (¬3) البخاري، برقم 175، ومسلم، برقم 1929، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 394.

لكن الأواني قد يستعمل فيها الخمر، ولحوم الميتات التي يستحلونها، فإذا وجدها فيغسلها إذا احتاج إليها، ثم يأكل فيها. وفي حديث ابن عمر الدلالة على أنه لا يجوز اقتناء الكلاب إلا لأحد ثلاث: إما للصيد، أو الماشية، أو الزرع. إما ليصيد به، وهو السَّلق المعلم: الكلب المعلم. وإما للحرث ليحمي المزرعة. وإما للماشية للغنم، حتى يحميها من الذئاب, هذا لا بأس باقتنائه لصيد، أو حرث، أو ماشية، كما رواه أبو هريرة وغيره. أما اقتناؤه لغير ذلك، فإنه يُنقص من أجره كل يوم قيراطان, القيراط جزء من أربعين جزءاً من الشيء (¬1). ¬

(¬1) القيراط: جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين، والياء فيه بدل من الراء، فإن أصله قرّاط، وقد تكرر في الحديث ... وإن كان القيراط مذكورا في غيرمصر؛ لأنه كان يغلب على أهلها أن يقولوا أعطيت فلاناً قراريط: إذا أسمعه ما يكرهه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 41، مادة (قرط)، وقال في لسان العرب: 7/ 375، مادة (قرط): «والقِرَّاط، والقِيراط مِنَ الْوَزْنِ: مَعْرُوفٌ، وَهُوَ نِصْفُ دانِق، وأَصله قِرّاط بِالتَّشْدِيدِ؛ لأَن جَمْعَهُ قَراريط، فأُبدل من إِحدى حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ فِي دِينَارٍ، كَمَا قَالُوا: دِيبَاجٌ، وَجَمَعُوهُ دَبابيج، وأَما الْقِيرَاطُ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وأَبي هُرَيْرَةَ فِي تَشْييع الْجِنَازَةِ، فَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِيهِ: أَنه مِثْلَ جَبَلِ أُحُد، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَصل الْقِيرَاطِ مِنْ قَوْلِهِمْ قَرَّط عَلَيْهِ إِذا أَعطاه قَلِيلًا قَلِيلًا .. وَفِي حَدِيثِ أَبي ذَرّ: سَتَفْتَحُونَ أَرضاً يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بأَهلها خَيْرًا؛ فإِن لَهُمْ ذِمّة ورَحِماً، والْقِيرَاطُ: جُزء مِنْ أَجزاء الدِّينَارِ، وَهُوَ نِصْفُ عُشره فِي أَكثر الْبِلَادِ، وأَهل الشَّامِ يَجْعَلُونَهُ جُزْءًا مِنْ أَربعة وَعِشْرِينَ، وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ وأَصله قِرّاط، وأَراد بالأَرض المُستفتحة مِصر، صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، وإِن كَانَ الْقِيرَاطُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِهَا؛ لأَنه كَانَ يغلِب عَلَى أَهلها».

المعنى أنه يُنقص من أجره سهمان من أربع وعشرين من أجره، الذي يحصل له يومياً من صلاة، وصيام، وغير ذلك يفوته نصف السدس. وعلى قول آخر القيراط يكون سهماً من عشرين، فعلى هذا إذا فاته سهمان من عشرين يكون فاته العُشر. المقصود أنه ما ينبغي اقتناء الكلاب إلا لهذه الثلاث، فلا يقتنيها لحراسة الأبواب، أو القصور؛ لأنها غير داخلة في الثلاث، فينبغي أن لا تقتنى إلا لهذه الثلاث. 396 - عن رافع بن خَدِيج - رضي الله عنه - قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ (¬2)، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إبِلاً وَغَنَماً، وَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا، وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَطَلَبُوهُ، فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ، فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: «إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ (¬3) مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» قال: قُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ، إنَّنا نلقى (¬4) الْعَدُوَّ غَداً، وَلَيْسَ (¬5) مَعَنَا مُدىً، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «مع النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهو لفظ البخاري، برقم 2488. (¬2) هو موضع بين حَاذَة وذات عرق من أرض تهامة. معجم البلدان، 2/ 296. (¬3) في نسخة الزهيري: «فما غلبكم»، ولفظ المتن في صحيح البخاري، برقم 3075، ولفظ: «فما غلبكم» في صحيح البخاري، برقم 2488. (¬4) في نسخة الزهيري: «إنا لاقو»، و «نلقى» عند البخاري، برقم 3075. (¬5) في نسخة الزهيري: «وليست»، ولفظ المتن في صحيح البخاري، برقم 3075.

الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ. وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ» (¬1). (¬2). 117 - قال الشارح - رحمه الله -: هذا الحديث حديث رافع، حديث جليل، عظيم، قد اشتمل على فوائد منها: [1]ــ أنه لا يجوز التعرض للغنيمة في الجهاد، إلا بعد القسمة بإذن ولي الأمر، فليس للجُند أن يأخذوا من الغنيمة ما شاءوا من الإبل، والغنم، ولا من النقود، بل يجب جمعها حتى تُقسم بين الغانمين؛ ولهذا لما ذبحوا بعض الإبل، والغنم أنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بإكفاء القدور, ثم قسَّم الغنيمة بينهم, وعدل العشر من الغنم ببعير، كأنها كانت متقاربة في القيمة، فبهذا عدلها ببعير بالقيمة, أما في الضحايا، والهدايا الناقة عن سبعة, ولكن في القيمة على حسب القيمة في البيع والشراء، وقسم الأموال على حسب القيمة. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب قسم الغنائم، برقم 488، وكتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم، برقم 3075، ومجموع ألفاظ هذا المتن من هذين الحديثين، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن، والظفر، وسائر العظام، برقم 1968 بنحوه. (¬2) في نسخة الزهيري بعد هذا الحديث: «الأوابد: التي قد توحشت، ونفرت من الإنس. يقال: أبدت تأبد أبوداً».

[قوله] (¬1): «فند منها بعير» أي شرد بعير من الإبل, وعجزوا عن إمساكه، فرماه بعض الجنود بسهم فحبسه اللَّه, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لهذه البهائم أوابد» أي شوارد, «كأوابد الوحش» كأوابد: الأسود، والنمور، والذئاب من الوحوش المفترسة, «فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا»، أي ما شرد من الإبل، والبقر، والغنم الذي لا تستطيعون إمساكه، فإنه يُرمى مثل ما يُعمل بالصيد, يرمى بالنبل، والبندق، وغيرها حتى يُعطَّل، فيُمسك، ويعامل معاملة الصيد الشارد: الظباء، والوحوش، وأشباهها من الصيود [ما عاد صار] (¬2) كالأهلي، صار حكمها حكم الصيد, إذا ند، إذا شرد على الناس، وعجزوا عن إمساكه يرمونه، فإن قتلوه حل، وإن أدركوه حياً ذبحوه, إذا قتلوه، [مثلاً] (¬3) أصابه الرمح فقتله بحدِّه، أو أصابه الرمي فقتله حلّ؛ لأنه صار في تلك الحالة كالصيد. [2]ــ وفيه من الفوائد: قوله: «إنا ملاقو العدو غداً، وليس معنا مُدىً» المُدى: السكاكين، والمدية السكين: «أفنذبح بالقصب؟» قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنهر الدم ــ أي ما أسال الدم ــ وذُكر اسم اللَّه عليه فكلوا»، [لا يشترط أن يكون بالسكين] (¬4) , بالحجر الذي له حد، ¬

(¬1) ما بين المعقوفين ليس من كلام الشيخ، ولكني أضفته للتوضيح. (¬2) ما بين المعقوفين غير واضح، والأظهر أنه: «ما عاد صار». (¬3) ما بين المعقوفين غير واضح، والأظهر أنه: «مثلاً»، ولا يتغير المعنى. (¬4) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ - رحمه الله -: «ما هوب شرط إلا بالسكين».

وبالقصب الذي له حد إلى آخره، إذا تيسر له ما يقوم مقام السكين يذبح به كفى، ولهذا قال: «ما أنهر الدم، وذكر اسم اللَّه فكلوه، ليس السنَّ والظفر»، وهذا معناه أنه يجوز الذبح بغير السكين، كالحجارة ذات الحد القوي: أو أخشاب، أو قصب، أو غيرها مما له حد إلا العظم [...] (¬1). [3]ـ منها (¬2): أنه يحوز التعزير بمثل هذا من إكفاء القدور، وإتلاف اللحم الذي اغتصب. [4]ـ ومنها: جواز كون ولي الأمر في آخر الجيش إذا رأى المصلحة حتى لا يعجل الناس، وحتى يطمئنوا في السير، وليلاحظ ضعيفهم، حتى لا يعجلوا عليه، فلا مانع، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربما كان في آخر الجيش، وربما تقدم أمامهم، وربما كان بينهم. [قوله - صلى الله عليه وسلم -] (¬3): «ما أنهر الدم وذكر اسم اللَّه فكلوه، ليس السن والظفر» ¬

(¬1) ما بين المعقوفين انقطع فيه كلام سماحة الشيخ بسبب انقطاع الشريط، ثم أعاد شرح الحديث في درس آخر، وأوله من الفائدة الثالثة الآتية في المتن. (¬2) شرح سماحة الشيخ حديث رافع مرة أخرى من أوله، والذي يظهر أن الشيخ بعد انقطاع الشريط - كما ذكرت ذلك آنفاً- لم يكمل شرح الحديث، ثم شرحه في درس آخر من أوله، فبعد أن ذكر لفظ الحديث قال: «هذا يدل على فوائد، منها أنه يجوز التعزير ... ومنها جواز كون ولي الأمر في آخر الجيش ... ثم قال: «فند منها بعير»، فحذفت شرح هذه الجملة لأن سماحة الشيخ شرحها في الدرس الأول للحديث في آخر الفائدة الأولى من هذه الفوائد. (¬3) ما بين القوسين أضفته لتوضيح المعنى.

62 - باب الأضاحي

بيّن لنا أن كل ما أنهر الدم سواء: من حديد، أو خشب، أو أي شيء كان له حد، إذا أسال الدم، هذه الذكاة الشرعية، إلا السن والظفر. قال: «أما السن فعظم» فدل على أن العظام لا يُذبح بها, «وأما الظفر فمُدى الحبشة»، فنهى عن التشبه بهم في الذبح بالظفر، ولو أن المصيد صغير، كالعصفور، وأشباهه, لا يُذبح بالظفر, يُذبح بالسكين، ونحوها، ولا يذبح بالظفر، ولا بالسن لا يعضُّ عليه بالسن، ولا بعظم آخر، ولا يذبح بالأظفار، فهذان النوعان لا يذبح بهما: لا بالسن، ولا بغيره من العظام، ولا بالظفر، ولكن يُذبح بغير ذلك، مما له حد ينهر الدم مع ذكر اسم اللَّه عند الذبح، يقول: (بسم اللَّه)، فإن نسي، ولم يُسم نسياناً، أو جهلاً حلت الذبيحة: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَانَا} (¬1)، أما الذي يتعمد يعلم أن التسمية مشروعة، ويتعمد ولا يبالي ما تحل الذبيحة. 62 - باب الأضاحي 397 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» (¬2). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 286. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب التكبير عند الذبح، برقم 5565، بلفظه، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحية، وذبحها مباشرة بلا توكيل، والتسمية والتكبير، برقم 1966.

الأملح: الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض. 118 - قال الشارح - رحمه الله -: في حديث أنس: «أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما». هذا يدل على شرعية الضحية: أنه يُشرع للمسلم أن يُضحي، كما ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه ذبح أحدهما عنه، وعن أهل بيته, وذبح الثاني عمن وحد اللَّه من أمته - عليه الصلاة والسلام -، فالسنة ضحية واحدة عن أهل البيت، عن الرجل وأهل بيته، ولو كانوا كثيراً، واحدة تكفي، وإن ضحى بأكثر فلا بأس. وهذا يدل على أن الكبش الأملح الأقرن أفضل من غيره, وإن ذبح شاة، أو ماعزاً، أو إبلاً، أو بقراً، لا بأس كله طيب, لكن إذا كان كبشين أملحين (والأملح: الذي فيه سواد وبياض)، أقرن (له قرنان)، هذا أفضل الضحايا, وإذا ذبح أسود أو أبيض خالصاً أو بلونٍ آخر أو بأنثى أو بكبش ليس له قرن، كله يجزئ، لكن هذا من باب الأفضلية. وفيه أن السنة يتولاها المضحي بيده إذا استطاع، كما كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يتولاها بيده, صاحب الضحية يتولاها بنفسه، ويذبحها بنفسه، هذا هو الأفضل، فإن كان ما يستطيع، أو ما يُحسن وَكَّل من يقوم مقامه ويذبح عنه، سواء رجل أو امرأة، حتى المرأة

تذبح لنفسها، إذا كانت تعرف وتُحسن. وفيه أنه يضع رجله على صفاحهما (¬1)، حتى يتمكن من الذبح, ولا تحتاج إلى تربيط، إنما يطرحها على جنبها الأيسر، البقرة والشاة على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة, هذا هو الأفضل، والبعير ينحر نحراً في لبته، وهو واقف معقولة يده اليسرى، هذا هو الأفضل، ويأكل ويطعم من الضحية يتصدق، يطعم الأقارب والجيران، ويأكل منها، ويدخر منها إذا شاء قليلاً، لا بأس. ¬

(¬1) صفح كل شيء: وجهه، وناحيته، ومنه الحديث: «غير مقنع رأسه، ولا صافح بخده» أي غير مبرز صفحة خدّه، ولا مائل في أحد الشقين. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3 - / 33، مادة (صفح).

17 - كتاب الأشربة

17 - كتاب الأشربة 398 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ عُمَرَ قَالَ ــ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فإنَّهُ (¬1) نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، و (¬2) ثَلاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهَنَّ عَهْداً نَنْتَهِي إلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا» (¬3). 399 - عن عائشة - رضي الله عنها -، «عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ؟ فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» (¬4). البتع: نبيذ العسل. 400 - عن عبد اللَّه بن عباس - رضي الله عنهما - قال: «بَلَغَ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّ فُلاناً بَاعَ خَمْراً، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاناً، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ (¬5) ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «إنه»، وهذه من صحيح البخاري، برقم 5588، ولفظ المتن من مسلم، برقم 33 - (3032). (¬2) «و»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في صحيح البخاري، برقم 5588. (¬3) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90]، برقم 4616، وكتاب الأشربة، باب ما جاء في الخمر ما خامر العقل من الشرب، ومسلم، كتاب التفسير، باب في نزول تحريم الخمر، برقم 33 - (3032) بلفظه. (¬4) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر، برقم 242، بلفظه، ومسلم، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام، برقم 2001، بلفظه أيضاً. (¬5) في نسخة الزهيري: «قاتل اللَّه»، وهو لفظ البخاري، برقم 2223، ولفظ: «لعن اللَّه اليهود» في البخاري، برقم 3460.

الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا؟» (¬1). (¬2). 119 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالأشربة المحرمة، وهي شراب الخمر؛ لأنه مسكر؛ فلهذا حرمه اللَّه؛ - عز وجل - لما فيه من اغتيال العقول، والإيقاع في الشحناء، والعداوة، والبغضاء، والصد عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة، كما قال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬3). فالأمر عظيم؛ ولهذا نبه اللَّه عليه، وعظمه، وحذَّر عباده منه, فالخمر غول العقول، يغتالها، ويصدها عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة, والميسر كذلك, وهو القمار، يغتال العقول، والألباب؛ لما فيه من الطمع، وأكل الأموال الكثيرة بالباطل، وربما أراد مالاً، فَسُلِب ما لديه, فهو سبيل للشحناء، والعداوة، وأخذ الأموال بغير حقها. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع ودكه، برقم 2223، وفي أحاديث الأنبياء، برقم 3460، ومسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، برقم 1582، بلفظه إلا أنه صرح باسم سمرة. (¬2) في نسخة الزهيري زيادة: «جملوها: أذابوها». (¬3) سورة المائدة، الآيتان: 90 - 91.

خطب عمر - رضي الله عنه - وأرضاه في خلافته، فقال في بعض خطبه: أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر يعني من جهة اللَّه, اللَّه حرمه, من جهة القرآن الكريم المنزل من السماء, وهكذا الوحي الثاني السنة, هي أيضاً منزلة من السماء, قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (¬1)، اللَّه أنزل تحريم الخمر في الكتاب العظيم والسنة المطهرة. فيجب الحذر منها, والتواصي بتركها، وعقوبة من تعاطاها، إذا ثبت ذلك عليه. قال: وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير, يعني غالباً تكون من هذه الخمسة، غالباً: من العنب: عصير العنب، ومن التمر، ومن العسل، ومن الحنطة، والشعير، وقد تكون من غير ذلك، وقد تكون من الذرة، وقد تكون من أشياء أخرى, وضابطها كل ما أسكر هذا ضابطها، من أي جنس كانت، ومن أي ثمر كانت، ومن أي حبوب كانت, فما أسكر فهو حرام، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رواه مسلم (¬2). في حديث عائشة: لما سئل عن البتع، وهو نبيذ العسل، قال: «كل شراب أسكر فهو حرام» (¬3). ¬

(¬1) سورة النجم، الآيتان: 3 - 4. (¬2) مسلم، برقم 2003، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275. (¬3) رواه البخاري، برقم 242، ومسلم، برقم 2001، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275.

وفي حديث أبي موسى في الصحيحين أيضاً: لما سئل عن البتع والمزر، قال: «كل مسكر حرام» (¬1) , سواء كان بتعاً، أو مزراً. البتع: نبيذ العسل, والمزر: نبيذ الشعير. وهكذا ما يتخذ في الإناء: من العنب، والتمر، والذرة، وغير ذلك. الاعتبار بالإسكار لا بالمادة، المادة سواء كانت ذرةً، أو شعيراً، أو تمراً، أو عسلاً، أو غير ذلك. ومتى عُلِمَ أنه خمرٌ لم يجز بيعه، ولا شراؤه، ولا المعاوضة عليه، بل يجب إتلافه, مَتَى عُلِمَ أنه مسكر وجب إتلافه، ولا يجوز بيعه، ولا شراؤه، ولا الاعتياض عنه، ولمَّا «بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ بعض عماله بَاعَ خَمْرًا لليهود، قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جلّ وعلا، لما حرم على الْيَهُودَ الشُّحُومَ جَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا، فأكلوا ثمنها» (¬2). فعابهم اللَّه بذلك, أي عابهم بتعاطيهم الحيل, فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى ما يتعاطاه اليهود بالتحيّل على محارم اللَّه, ولو باعها على حساب اليهود والنصارى، لا, هم الذين يتولون أمورهم، لا يتولى لهم شيئاً, تؤخذ منهم الجزية من أموالهم، ولكن لا تباع لهم الخمر، ولا غيرها مما حرم اللَّه، بل هم يتولون بيع ما عندهم, والمسلمون لهم الجزية، عليهم من أموالهم من غير نظر إلى هذا المال: من أين ¬

(¬1) مسلم، برقم 2003، وتقدم تخريجه في تخريج أحاديث شرح حديث المتن رقم 275. (¬2) البخاري، برقم 2223، ومسلم، برقم 1582، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 400.

جاء. وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللَّه بأدنى الحيل» (¬1)، ومن حيلهم أنهم لما حرم اللَّه عليهم الشحوم جملوها، يعني أذابوها، ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وقالوا: ما بعنا شحماً، إنما بعنا ذوباً، غيّروا الاسم, واستحلّوا ما حرم اللَّه بهذه الحيلة، فعاقبهم اللَّه، فذمّهم، ولعنهم, هكذا الطائفة منهم، الذين احتالوا على الصيد يوم السبت، لمّا حرم عليهم الصيد يوم السبت، نصبوا الشباك يوم الجمعة، وأخذوا الصيد يوم الأحد, صاروا يصيدون يوم السبت بالحيلة. فالواجب على المسلم أن يحذر صفات المغضوب عليهم، وهم اليهود، فلا يتساهل في حِلِّ ما حرم اللَّه، بل يبتعد عن ذلك، يحذر كل ما حرم اللَّه عليه، ولا يتوصل إلى ذلك بالحيل الباطلة, فالحيلة لا تحل حراماً، بل يزداد صاحبها إثماً، نسأل اللَّه العافية. ¬

(¬1) حسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 5/ 375، وقال: أخرجه ابن بطة في جزء في الخلع وإبطال الحيل، ص 24.

18 - كتاب اللباس

18 - كتاب اِللِّبَاس 401 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» (¬1). 402 - عن حُذَيفة بن اليَمان - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، وَلا الدِّيبَاجَ، وَلا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلا تَاكُلُوا فِي صِحَافِهِا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ» (¬2). 403 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، لَهُ شَعَرٌ يَضْرِبُ إلَى (¬3) مَنْكِبَيْهِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلا بِالطَّوِيلِ» (¬4). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال، وقدر ما يجوز منه، برقم 5834، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 11 - (2069)، واللفظ له. (¬2) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض، برقم 5426، واللفظ له، إلا أنه قال في آخره: «ولنا»، بدل: «ولكم»، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجال، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 5 - (2067). (¬3) «إلى»: ليست في نسخة الزهيري. (¬4) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب الجعد، برقم 5901، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وانه كان أحسن الناس وجهاً، برقم 92 - (2337)، واللفظ له.

120 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق باللباس, الأصل في اللباس الحل والإباحة؛ لأن اللَّه خلق للعباد ما في الأرض جميعاً من المآكل والمشارب، والمساكن، والملابس، والمراكب، إلا ما حرمه الشرع، إلا ما حرمه اللَّه، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ (¬1) [قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (¬2)] (¬3). [...] (¬4)، وغير هذا (¬5) مما يلبسه الناس، ولا حرج في ذلك، وجعل لهم أيضاً ملابسَ وجمالاً، وهي الرياش، يقال ريش ورياش، تلبس للتجمل, فالملابس قسمان: قسم تُسْتَرُ به العورات، وقسم يُتَّخَذُ للزينة والجمال، كما في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» (¬6). هذا كله من فضل اللَّه جل وعلا، وإحسانه لعباده: أن هيأ لهم وخلق لهم ما يسترون به العورات: وما يتجملون به بين الناس, ويستثنى من ذلك الحرير، فإنه لا يجوز للرجال؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تلبسوا الحرير»، هذا خطاب للرجال، «فإنه من لبسه في الدنيا لم ¬

(¬1) نهاية الوجه الأول من الشريط التاسع عشر. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 26. (¬3) قرأ الشيخ أول الآية، وانتهى الشريط، فأكملت ما بين المعقوفين من المصحف (¬4) ما بين المعقوفين سقط من الشريط، ولكن لا يؤثر على المعنى. (¬5) أول الوجه الثاني من الشريط التاسع عشر. (¬6) مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم 91.

يلبسه في الآخرة» (¬1)، كما قال في أهل الجنة: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (¬2)، أهل الجنة لباسهم فيها الحرير، فمن لبسه في الدنيا من الرجال، فهو على هذا الوعيد الشديد، على هذا الخطر, من حرمان دخول الجنة، أو حرمانه لباس الحرير فيها, أما النساء فلا بأس في حقهن في لبس الحرير؛ لأنهن محتاجات للزينة لأزواجهن, اللَّه أباح لهن الحرير، وأباح لهن الذهب، وحرَّم ذلك على الرجال, كما في الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أُحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرِّمَ على ذكورها» (¬3). وفي حديث علي - رضي الله عنه -: أنه - عليه الصلاة والسلام -: «أَخَذَ ذَهَبًا فِي يدِهِ اليُمْنَى، وَحَرِيرًا فِي يدِه اليُسْرى، وقَالَ: «هَذَانِ حِلٌ لأُناثِ أُمَّتِي» (¬4). ¬

(¬1) البخاري، برقم 5834، ومسلم، 2069، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 401. (¬2) سورة فاطر، الآية: 33. (¬3) أخرجه أحمد، 32/ 259، برقم 19503، والنسائي، كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال، برقم 5148، والبيهقي، 2/ 425، برقم 4020، والطيالسي، ص 69، برقم 506، وعبد الرزاق في الجامع، 11/ 68، برقم 19، وقال محققو المسند: «حديث صحيح بشواهده»، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، 2/ 486. (¬4) أخرج أحمد، 2/ 146، برقم 750: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَهَبًا بِيَمِينِهِ، وَحَرِيرًا بِشِمَالِهِ، ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ: «هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي»، وأخرجه - أيضاً- أبو داود، كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء، برقم 4057، والنسائي، كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال، برقم 5144، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، برقم 3595، والبيهقي، 2/ 425، برقم 4019، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي، 1/ 318، وحسن إسناده، وصححه لشواهده محققو المسند، والعلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 224، برقم 2049.

ورأى - صلى الله عليه وسلم - رجلاً في يده خاتماً من ذهب فطرحه, وقال: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنَ النَارٍ فَيَضْعُهَا فِى يَدِهِ» (¬1)، ذلك مما يدل على تحريم التختم بالذهب, وقد ورد في الحديث الصحيح: النهي عن التختم بالذهب, أي في حق الرجال (¬2) , ونهى - صلى الله عليه وسلم - الناس جميعاً عن الشرب في الذهب والفضة والأكل فيهما هذا عام للرجال والنساء جميعاً, أمّا النهي عن لبس الحرير والديباج (¬3)، فهذا خاص بالرجال. والديباج هو الغليظ من الحرير. والإستبرق هو الحرير الذي له لَمَعَان, وكل أنواع الحرير محرمة على الرجال، مباحة للنساء، إلا الشيء اليسير: كموضع أصبعين أو ثلاث أو أربع فيباح للرجل, كالزَّرّ (¬4) والرقعة في الثوب ¬

(¬1) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، برقم 2090: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ». فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام، برقم 2089: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ». (¬3) البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، و2067، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402. (¬4) الزِّرُّ: وَاحِدُ الأزْرار التي تُشَدّ بها الكِلَلُ والسّتورُ على ما يكون في حَجَلِة العرُوس. وقيل إنما هو بتقديم الراء على الزاي النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 299، مادة (زرر)، ولفَظَهُ الشيخ بفتح الزاي وتشديدها، وفي مختار الصحاح، ص: 114: الزِّر - بالكسر - واحد أزرار القميص، والزَّر - بالفتح - مصدر زَرَّ القميص، إذا شَدَّ أزاره، وبابه رَدَّ، يقال: ازرُرْ عليك قميصك، وزَرَّه، وزرُّه، وزرِّه - بفتح الراء وضمها وكسرها-.

إذا كانت صغيرة، ونحو ذلك من الشيء اليسير، يُباح للرجل موضع أصبعين أو ثلاثة (¬1) للحاجة لهذا, ومن اللباس الجلوس، كما في حديث حذيفة «نهى عن الجلوس على الحرير» (¬2)، أيضاً, فالرجل لا يلبس الحرير ولا الديباج، ولا يجلس عليه، ولا يتخذ منها مخاد يتكئ عليها, أما النساء فلا حرج في ذلك. ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب في آنية الفضة والأكل فيها وقال: «إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (¬3) , فإن الكفرة في الدنيا لا يتورعون عن الحرام، أما المؤمنون فإنها لهم في الآخرة، يشربون في آنية الذهب والفضة في الآخرة. وفي حديث البراء بن عازب: الدَّلالة على أنه لا بأس بلبس الأحمر، ولهذا قال «مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ ¬

(¬1) أخرج مسلم، في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 15 - (2069): عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، خَطَبَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: «نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ». (¬2) أخرج البخاري، كتاب اللباس، باب افتراش الحرير، برقم 5837،: عَن حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: «نَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَأَنْ نَاكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» .. (¬3) البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402.

رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -» (¬1)، هذا يدل على أنه لا بأس بلبس الحلل إذا كانت من الملابس الحمر, فالأحمر لا بأس به، والأسود والأخضر والأزرق, لكن أفضلها البياض، أفضل الملابس البياض، والأنواع الثانية لا بأس بها، لا بأس أن يلبس أزرقَ، أو أخضرَ، أو أحمرَ، أو أسودَ، كما في هذا الحديث, كان عليه - صلى الله عليه وسلم - حلة حمراء. وفي حديث أبي جحيفة أنه «خرج - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وعليه حلة حمراء فصلى بالناس» (¬2) , وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - «دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» (¬3) , «وطاف في بعض طوافه وعليه برد أخضر» (¬4)، يدل ذلك على أن هذه الأنواع لا بأس بها, لكن يحرم التشبه بالنساء، تكون ملابس تليق بالرجال، وتناسب الرجال، ولا يجوز التشبه بالنساء في أي لباس, فإذا لبس الأخضر، أو الأسود، أو الأزرق، أو غيرها، ينبغي أن تكون على شكل لا يشابه لباس المرأة. وهكذا المرأة ليس لها أن تلبس لبس الرجل، ليس لها التشبه ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 5901، ومسلم، برقم 2337، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 403. (¬2) رواه البخاري، برقم 187، ومسلم، برقم 503، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 69. (¬3) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 1358. (¬4) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف، برقم 1883، بلفظ: «طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مضطبعاً، بِبُرْدٍ أخْضَرَ»، وفي الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف مضطبعاً، برقم 859، ولفظه: «ببردٍ» دون ذكر اللون، وفي ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الاضطباع، برقم 2954، دون ذكر البرد، ولا لونه، وفي المعجم الأوسط للطبراني، 3/ 100، برقم 2615، بلفظ: «رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بمنى على بغلة، عليه برد أخضر، ورجل من أهل بدر بين يديه يعبر عنه، فجئت حتى أدخلت يدي بين قدميه وشراكه، فجعلت أعجب من بردها».وحسنه العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 133، برقم 1645.

بالرجال في الملابس ولا في غيرها، كلٌّ منهما يحرم عليه التشبه بالآخر: في كلامه، أو مشيه، أو في لباسه، أو نحو ذلك. وفيه بيان أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يتخذ اللمة، يعني يُربِّي الشعر على الرأس، فلا بأس بذلك، إذا كان لقصد شرعي، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما أن يربي الشعر لأجل الفساد، والتعرض للنساء، هذا لا يجوز يُمنع، أما إذا كان اتَّخذه لا لهذا المقصد، فلا بأس. وفيه بيان خلقته - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان بعيد ما بين المنكبين، وأنه ليس بالقصير، ولا بالطويل، وسط من الرجال، ربعة من الرجال، ليس بالقصير، ولا بالطويل، بل بينهما، بين الرجلين، رجل بين رجلين: بعيد ما بين المنكبين - عليه الصلاة والسلام -، كث اللحية، أبيض اللون، مشرب بحمرة - عليه الصلاة والسلام - , حسن العينين, ومن أحسن الناس خِلقة، قال أنس: ما رأيت رجلاً أحسن من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كان أحسن الناس، وأجمل الناس - عليه الصلاة والسلام - (¬1). ¬

(¬1) أخرج البخاري، كتاب السير، باب الشجاعة في الحرب والجبن، برقم 2820: عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ وَقَالَ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا»، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي - عليه السلام - وتقدمه للحرب، برقم 2307، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ».

فالواجب على المؤمن وهكذا المؤمنة التقيد بما شرع اللَّه، والحذر مما حرم اللَّه في كل شيء. س: لبس الأحمر المنهي عنه إذا كان فيه أعلام أو أحمر مطلقاً؟ ج: بعض أهل العلم اشترط بأن يكون له أعلام، من برود اليمن، لأجل بعض الأحاديث (¬1)، وقال: إذا كانت الحمرة غالبة شديدة كرُه, ولكن أحاديث لبس الأحمر كلها في الصحيحين أصح من حديث المفدَّى، والأصل الجواز. 404 - عن البراء بن عازب (¬2) - رضي الله عنهما - قال: «أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرْنَا: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَائزِ (¬3)، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ــ أَوِ الْمُقْسِمِ ــ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، ¬

(¬1) أخرج أحمد، 25/ 114، برقم 15807 أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْغَدَاءِ قَالَ: عَلَّقَ كُلُّ رَجُلٍ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ، ثُمَّ أَرْسَلْنَاهُنَّ فِي الشَّجَرِ، قَالَ: ثُمَّ جَلَسْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَرِحَالُنَا عَلَى أَبَاعِرِنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاسَهُ، فَرَأَى أَكْسِيَةً لَنَا فِيهَا خُيُوطٌ مِنْ عِهْنٍ أَحْمَرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ»، قَالَ: فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنَا فَأَخَذْنَا الْأَكْسِيَةَ فَنَزَعْنَاهَا مِنْهَا، وأبو داود، كتاب اللباس، باب في الحمرة، برقم 4070، وضعفه محققو المسند، 25/ 115، وفي سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب في الحمرة، برقم 4069، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال والقسي، برقم 2807، والحاكم، 4/ 190، والطبراني في الوسط، 2/ 91، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ»، وضعفه العلامة الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ص 334. (¬2) في نسخة الزهيري: «أيضاً». (¬3) في نسخة الزهيري: «الجنازة»، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 1239، والجنازة لفظ مسلم، برقم 2066.

وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِمَ (¬1) ــ أَوْ عَنْ (¬2) تَخَتُّمٍ ــ بِالذَّهَبِ (¬3)، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ» (¬4). 405 - وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما -، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ مثل ذَلِكَ (¬5)، ثُمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ (¬6)، فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: «إنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ» فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَاَللَّهِ لا أَلْبَسُهُ أَبَداً»، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ (¬7). وفي لفظٍ: «جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى» (¬8). 406 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أَن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - «نَهَى عَنْ لُبْسِ (¬9) ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «خواتيم»، وهي لفظ مسلم، برقم 2066. (¬2) «عن»: ليست في نسخة الزهيري، ولفظ المتن في مسلم، برقم 2066. (¬3) في نسخة الزهيري: «الذهب» بدون الباء، ولفظ المتن لمسلم، برقم 2066. (¬4) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز، برقم 1239، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 2066، واللفظ له. (¬5) «مثل ذلك»: ليست في نسخة الزهيري. (¬6) «على المنبر»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في مسلم، برقم 2091. (¬7) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب خواتيم الذهب، برقم 5865، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، برقم 2091، بلفظه. (¬8) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه، برقم 5876، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه، برقم 53 - (2091). (¬9) في نسخة الزهيري: «لبوس»، وهو لفظ مسلم، برقم 12 - (2069).

الْحَرِيرِ، إلاَّ هَكَذَا، ــ وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةَ، وَالْوُسْطَى» (¬1). ولمسلمٍ، «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬2) عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلاَّ مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ» (¬3). 121 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، كلها تتعلق باللباس، وفيها أحكام أخرى، والمقصود ما يتعلق باللباس؛ لأن الباب باب اللباس لما يباح، وما يحرم. الأصل في هذا الباب الحل, الأصل في الباب: المأكولات، والمشروبات، والملبوسات، والمركوبات الأصل فيها الحل, إلا ما حرمه الشرع, فيطالب بالدليل من ادعى تحريم شيء منها؛ لأنه خلاف الأصل, ومن ادعى الحل فمعه الأصل, قال اللَّه جل وعلا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (¬4)، وقال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه، برقم 5829، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 12 - (2069)، واللفظ له. (¬2) في نسخة الزهيري: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬3) رواه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل، ما لم يزد على أربع أصابع، برقم 15 - (2069). (¬4) سورة البقرة، الآية: 29.

السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (¬1) , وقال سبحانه: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} (¬2)، فاللباس لباسان: لباس ما يستر السوءات: يعني العورات، ولباس يتخذ للزينة وهو الرياش، ثم قال سبحانه: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (¬3) , لما ذكر اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي وهو التقوى, وهو الخير العظيم, فإن اللباس الحقيقي: اللباس الذي له الثمرة العظيمة والعاقبة الحميدة لباس التقوى, المؤمن يتخلق بطاعة اللَّه ورسوله، وترك ما نهى اللَّه عنه ورسوله، هذا هو اللباس العظيم، الذي فيه العزة في الدنيا والآخرة، والسعادة في الدنيا والآخرة. الحديث الأول: حديث البراء بن عازب الأنصاري - رضي الله عنهما -، هو صحابي وأبوه صحابي، قال: نهانا رسول اللَّه عن سبع، وأمرنا بسبع، أي سبع خصال من جملة أشياء كثيرة أمر بها، وسبع خصال من أشياء كثيرة نهى عنها، فليس له مفهوم، يعني العدد ليس له مفهوم، بل هناك أشياء من الأوامر لم تذكر، وهناك أشياء من النواهي لم تذكر، لكن المقصود أن هذه السبع أمرهم بها، وسبع أخرى نهاهم عنها. أمرهم بسبع: عيادة المريض, عيادة المريض من السنن المؤكدة؛ لما فيها من إشعار أخيك بتأثرك بمرضه؛ ولما في ذلك ¬

(¬1) سورة الجاثية، الآية: 13. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 26. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 26.

من العطف عليه والدعاء له، وربما وصَّفت له دواءً، وربما قضيت له حاجة، وهو يحتاج إليك فيها, فعيادة المريض من القربات العظيمة، ومن حق المسلم على أخيه. الثاني: اتباع الجنائز, أن يتبع أخاه إذا مات، يصلي عليه، ويتبعه للمقبرة، أيضاً من السنن العظيمة، وفيها جبر لأهله، وتذكر للموت، ومواساة لأهل الميت، وتحصيل للأجر العظيم، فإن من شهد الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط, ومن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان, قيل يا رسول اللَّه: ما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» (¬1)، يعني من الأجر. الثالث: تشميت العاطس إذا حمد اللَّه, يُقال: يرحمك اللَّه, هذه السُّنة, إذا سمعت أخاك يقول: الحمد للَّه. بعدما عطس، تقول: يرحمك اللَّه. وهو يقول: يهديكم اللَّه ويُصلح بالكم. هكذا السنة. الرابع: إبرار القسم أو المقسم، شك من الراوي, يعني إذا قسم عليك أخوك تبر قسمه، هذا من مكارم الأخلاق, ومن حق المسلم على أخيه, إذا قال: واللَّه أن تتغدى عندي، واللَّه أن تشرب القهوة عندي، واللَّه أن تفضل لكذا. يقصد إكرامك، تجيب دعوته إذا تيسر لك ذلك، فإن شق عليك تعتذر من أخيك، حتى يسمح لك؛ لأن هذا من مكارم ¬

(¬1) البخاري، كتاب الجنائز، باب من انتظر حتى تدفن، برقم 1325، ولفظه: عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ» قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: «مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ».

الأخلاق، ومما تجلب به المحبة والتآلف والوئام والتعارف. والخامس: نصر المظلوم, تنصر أخاك إذا ظُلِمَ بالكلام الطيب، والشفاعة، والفعل الطيب، حسب طاقتك, أن تنصره بما تستطيع، مما يوافق الشرع المطهر. السادس: إجابة الداعي, إجابة الدعوة إذا دعاك لوليمة عرس أو غيره تجيب دعوته، لما في ذلك من التآلف، والإيناس، والتعاطف والتعارف, إلا أن يكون هناك منكر فأنت معذور, إن كان هناك منكر: كالخمر، والتدخين، والتصوير، وأشباه ذلك، إذا كان لك عذر، وأنت لا تستطيع إزالة هذا المنكر. والسابع: إفشاء السلام، هذا الحق السابع إفشاء السلام. والثامن: رد السلام, إفشاء السلام، وردُّه أيضاً، أنت مشروع لك تفشي السلام تبدأُ به, ومشروع للمُسلَّم عليه أن يُجيب, فرض عليه أن يرد السلام، كما قال سبحانه: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬1). التاسع: وهو النصيحة, «إذا استنصحك فانصح له» (¬2)، والحديث ¬

(¬1) سورة الأعراف، الآية: 86. (¬2) أخرج مسلم، كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام، برقم 2162: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ»، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ».

الآخر: أن جريراً بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على النصح لكل مسلم (¬1). وحديث: «الدين النصيحة» (¬2)، هذا من حق المسلم على أخيه. وهناك حقوق أخرى جاءت بها الأحاديث عن رسول اللَّه - عليه الصلاة والسلام -، فالمؤمن يتتبع ما جاءت به السُّنة، فيفعل ما استطاع من ذلك، يتحرَّى الخير والامتثال، كما أنه يتحرَّى ما جاءت به النصوص من النواهي، فيجتنبها ويحذرها. «ونهاهم عن سبع»، وهي الشاهد للباب. عن التختم بالذهب, هذا لباس, فلا يجوز التختم بالذهب للرجال ولكن بالفضة لا بأس, وهكذا الشرب بالفضة والأكل كذلك أعظم، فلا يأكل في الفضة ولا يشرب فيها، ولا بالذهب من باب أولى، فقد جاء الحديث الصحيح: «لا تشربوا بآنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة» متفق عليه من حديث حذيفة - رضي الله عنه - (¬3). وجاء من حديث أم سلمة أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الَّذِي يأكل أو يَشْرَبُ فِي آنيةِ الذهبِ والْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ ¬

(¬1) البخاري، الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، برقم 7204، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم 56، ولفظ الحديث عنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: «فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». (¬2) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، برقم 55. (¬3) البخاري، برقم 5426، ومسلم، برقم 2066، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 402.

جَهَنَّمَ» خرجه مسلم (¬1). الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، هذا محرم على الجميع: الرجال، والنساء جميعاً، ليس للرجال ولا للنساء الأكل بالذهب والفضة ولا الشرب بهما. أما التختم فهذا خاص بالرجال (¬2)، يجوز للمرأة أن تتختم بالذهب. وقد اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من ذهب ثم نزعه وقال: «لا أَلْبَسُهُ أَبَداً»، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ (¬3)، واتخذ مكانه خاتماً من فضة - عليه الصلاة والسلام - , فدل ذلك على تحريم الذهب على الرجل، وأنه لا حرج في خاتم الفضة. وأما النساء فلا حرج عليهن في خواتيم الذهب والفضة جميعاً؛ لأنهن في حاجة للزينة بذلك. والثالث: المياثر الحمر لا يستعملها المؤمن؛ لأنها من زي الأعاجم، فلا يستعملها إذا كانت من زي الكفرة, وإن كانت المياثر من الحرير حرمت عليه؛ لأنها حرير أيضاً, فلا يركبها، ولا يلبس الحرير، فالركوب والجلوس مثل اللبس, كما أنه منهي عن [لبس] (¬4) ¬

(¬1) مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، على الرجال والنساء، برقم 2065. (¬2) والمعنى: النهي عن التختم بالذهب خاص بالرجال. (¬3) رواه البخاري، برقم 5865، ومسلم، برقم 2091، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 405. (¬4) ما بين المعقوفين أضيفت لإتمام المعنى.

الحرير، كذلك الجلوس عليه. الرابع: نهى عن القسيِّ (¬1) , وهي ثياب فيها خطوط من الحرير [...] (¬2). والخامس والسادس والسابع: الحرير، والإستبرق، والديباج: الحرير المعروف، والإستبرق نوع منه فيه لَمَعَان, والديباج نوع غليظ، كلها أنواع من الحرير. في حديث عمر: النهي عن لبس الحرير، إلا موضع أصبعين، أو ثلاث، أو أربع (¬3)، هذا خاص بالرجال، إذا كان موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع، مثل الزَّر: الزرار في الجيب، ومثل البقعة في الثوب، البقعة الصغيرة إذا كانت موضع أصبع أو أصبعين أو ثلاث، أو أربع، فلا بأس. خياطة شق في الجيب، وفي الثوب كذلك، إذا كانت بمقدار أصبعين أو ثلاث أو أربع. هذا يباح للرجال من الحرير؛ لأن هذا قد يحتاج إليه, وفيه أنه يلبس في اليمنى الخاتم؛ لحديث ابن عمر، يلبس الخاتم في اليد اليمنى، ويجوز لبسه في اليسرى، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لبسه في اليمنى (¬4) واليسرى (¬5) جميعاً, «وجعل خاتمه من داخل» (¬6) هذا هو ¬

(¬1) القَسِّيِّ: هي ثياب من كَتَّان مَخْلوط بحَريِر، يُؤتَى بها من مصر، نُسِبَت إلى قَرْية على شاطاء البحر قريباً من تِنِّيس، يقال لها: القَسُّ - بفتح القاف - وبعض أهل الحديث يكْسِرها. النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 59، مادة (قسس). (¬2) ما بين المعقوفين كلمات فيها شرح للقسي، غير واضحة، ولا تؤثر على المعنى. (¬3) رواه مسلم، برقم 15 - (2069)، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 406. (¬4) سنن أبي داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، برقم 4226، عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ شَرِيكٌ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ، والنسائي، كتاب الزينة، صفة خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن أنس - رضي الله عنه -، وعن ابن عباس في سنن الترمذي، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين، برقم 1742، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 5203. (¬5) سنن أبي داود، كتاب الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، برقم 4227، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ. (¬6) أخرج أحمد، 9/ 33، برقم 4976، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ فَصَّ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ»، وقوّى إسناده محققو المسند، وفي مسند أبي عوانة، 5/ 258، أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، فَكَانَ يَجْعَلُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ.

الأفضل؛ لأن اليمنى محل للزينة، وإذا لبسه في اليسرى فلا بأس, الرسول فعل هذا وهذا من جنس الساعة تلبس في اليمنى واليسرى, الساعة الحاجة إليها ماسة، ولا مانع من جعلها في اليسرى واليمنى، مثل خاتم الفضة، هي أكثر شبه بالخاتم.

19 - كتاب الجهاد

19 - كتاب الجِهاد 407 - عن عبد اللَّه بن أبي أوفَى - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ ــ انْتَظَرَ، حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ، فَقَالَ: «يا أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ»، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» (¬1). 408 - عن سَهْل بن سعد الساعِدِيِّ - رضي الله عنه -، أنَّ رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ من الْجَنَّةِ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أوِ الْغَدْوَةُ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عليهَا (¬2)» (¬3). 409 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «انْتَدَبَ اللَّهُ ــ وَلِمُسْلِمٍ: ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة، والزلزلة، برقم 2933، وكتاب الجهاد والسير، باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، برقم 2965، و2966، وباب لا تمنَّوا لقاء العدو، برقم 3024، و 3025، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، برقم 1742، واللفظ له. (¬2) في نسخة الزهيري: «وما فيها». (¬3) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل اللَّه، برقم 2892، وباب الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، وقاب قوس أحدكم من الجنة، برقم 2792، ومسلم [آخره فقط]، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، برقم 1881، واللفظ للبخاري.

تَضَمَّنَ اللَّهُ ــ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَليّ ضَامِنٌ: أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أُرْجِعَهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» (¬1). 410 - وَلِمُسْلِمٍ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ــ وَاَللَّهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ (¬2) ــ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ، إنْ تَوَفَّاهُ: أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِماً، مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» (¬3). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، برقم 36، ولفظه بتمامه عند البخاري: عن أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ» ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل اللَّه، برقم 1876، ولفظه بتمامه عند مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ مِسْكٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ». (¬2) في نسخة الزهيري: «في سبيل اللَّه»، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 2787. (¬3) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه، برقم 2787، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل اللَّه تعالى، برقم 1878، ولفظه عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عز وجل -؟ قَالَ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لَا تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ، لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى».

122 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالجهاد، والجهاد من أفضل القُربات والأعمال الصالحات, بل هو أفضل القربات عند جمع من أهل العلم. [و] (¬1) قد يكون واجباً على العين، أو يكون واجباً على الكفاية, وهو بجميع أنواعه من أفضل الأعمال الصالحات، فينبغي لأهل الإسلام أن يُعنوا بالجهاد، وأن يحرصوا عليه؛ لما فيه من إعزاز الإسلام وإعلاء الكلمة، ودعوة الناس إلى دين اللَّه، وجهادهم على ذلك، وتكثير المسلمين، ونصر الدين، وحماية بلاد المسلمين, ففيه مصالح عظيمة, واللَّه شرعه لما فيه من الخير العظيم بإخراج الناس من الظلمات إلى النور, ومن إنقاذ الناس من الشر والكفر، ومن إعلاء كلمة اللَّه ونصر دينه, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬2). فالجهاد من التجارة العظيمة الرابحة، قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أضفته لتجميل المعنى. (¬2) سورة الصف، الآيتان: 10 - 11.

كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1) , قال اللَّه - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (¬2) الآية, وهو واجب على ولاة أمر المسلمين بالجملة مع القدرة، ويجب في بعض الأحيان على العين، كما إذا حضر الصفين أو استنفره الإمام، أو هجم على بلده العدو, ويكون سنة إذا قام به من يكفي صار في حق الباقين سُنة. ومما ورد فيه هذه الأحاديث: حديث عبداللَّه بن أبي أوفى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى زالت الشمس, هذا يدل على أنه إذا ارتفع النهار الأفضل أن ينتظر الجيش حتى الزوال، حتى تهب الرياح وينزل النصر, فإذا زالت الشمس أغاروا. وفيه: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللَّه العافية»، فالمؤمن لا يتمنى لقاء العدو، ولكن يسأل ربه العافية, قال جماعة من أهل العلم: معناه لا تمنوا لقاء العدو على سبيل العُجب والأمن، ونحو ذلك، أو الفخر والخيلاء، أو الرياء, أما تمني لقاء العدو رغبة في الجهاد وحرصاً على الجهاد، فليس داخلاً في النهي؛ لأن اللَّه شرع للمسلمين أن يجتهدوا في الجهاد، وأن يشرعوا فيه، وأن يرغبوا فيه، وأن يساهموا فيه: «واسألوا اللَّه العافية»، أي يسأل ربه العافية، لأنه قد يحضر الجهاد ويجبن وتتغير نيته, يسأل ربه العافية، فإذا لقي العدو فليصبر، وليخلص للَّه، وليقصد ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 41. (¬2) سورة التوبة، الآية: 111.

بجهاده: وجه اللَّه والدار الآخرة: وإعلاء دين اللَّه. «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»، إشارة إلى أن الجهاد من أسباب دخول الجنة، وأن سلَّ السيوف في الجهاد في سبيل اللَّه، وهكذا استعمال الرماح وغيرها من أدوات الحرب، جملة من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، لمن أصلح اللَّه نيته. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم»، هذا فيه الحث على الجهاد والترغيب فيه والدعاء, وأن المسلمين يدعون ربهم أن اللَّه يعينهم وينصرهم على عدوهم، ولو كانوا أكثر الناس، فقد يُهزم الكثير وينصر القليل, فلا ينبغي أن يعجبوا بكثرتهم ولا بقوتهم: يسألون اللَّه العافية، ويستعينون به - سبحانه وتعالى - , قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} (¬1)، فالكثرة قد يؤخذ أهلها: إما لعجب، وإما لغير ذلك، فالواجب على أهل الإيمان، وإن كثروا أن يلجؤوا إلى اللَّه، ويتضرعوا إليه، ويطلبوه النصر، وأن لا يُعجَبوا بكثرتهم أو بقوتهم أو غير ذلك، بل عليهم أن يخلصوا للَّه، ويسألوه النصر سبحانه وتعالى (¬2)، [...] (¬3). ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية: 25. (¬2) نهاية الوجه الثاني من الشريط التاسع عشر. (¬3) ما بين المعقوفين سقط يسير، لا يؤثر في المعنى.

في الحديث (¬1) الثاني: يقول - عليه الصلاة والسلام -: «رباط يوم في سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل اللَّه، أو الغدوة خير من الدنيا وما فيها». هذا فيه فضل الجهاد في سبيل اللَّه، والمرابطة، وأن رباط يوم في سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها. الرباط: لزوم الثغر, ثغور المسلمين لحمايتها من العدو, لحديث سلمان: «رِبَاطُ يَوْمٍ أوَلَيْلَةٍ في سَبيلِ اللَّه خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ» (¬2)، فإن المرابط يجري عليه عمله، ويأمن من الفتان، يعني يأمن فتان القبر. فالمرابطة في سبيل اللَّه من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب أن العبد يجري عليه رزقه وعمله، ويأمن من فتنة القبر، بسبب جهاده وتقديم نفسه للَّه - سبحانه وتعالى -، صابراً محتسباً، لإعلاء كلمته. وهكذا موضع سوط أحدكم في الجنة, موضع السوط شيء يسير, خير من الدنيا وما عليها, المقصود الإشارة إلى أن الجنة لا يعدلها شيء, وأن الشيء القليل منها خير من الدنيا وما عليها, كيف وأن أهل الجنة يُعطون فيها «ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت, ولا ¬

(¬1) بداية الوجه الأول من الشريط العشرين. (¬2) أخرج مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل اللَّه - عز وجل -، عَنْ سَلْمَانَ - رضي الله عنه -، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ».

خطر على قلب بشر» (¬1) , ويعطون ما طلبوا وما اشتهوا. وهكذا الروحة في سبيل اللَّه أو الغدوة, وهي التوجه للقاء العدو في الصباح والمساء للقتال، خير من الدنيا وما عليها. الحديث الثالث: يقول - صلى الله عليه وسلم -: «انتدب اللَّه لمن جاهد في سبيله ــ وفي رواية: تضمن اللَّه لمن جاهد في سبيله ــ وفي رواية: توكل اللَّه لمن جاهد في سبيله: إن توفاه أن يُدخله الجنة، وإن رده رده بأجر أو غنيمة». فالمجاهد في سبيل اللَّه على خير عظيم إن قُتل أو سَلم، فهو على خير عظيم إذا أخلص للَّه - سبحانه وتعالى - , واللَّه وعده وضمن له الجنة, وهو سبحانه الوفي الصادق جل وعلا, {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} (¬2). وفي اللفظ الآخر: «مثل المجاهد في سبيل اللَّه, واللَّه أعلم بمن يجاهد في سبيله» ــ هو الذي يعلم بنياتهم ويعلم ما في قلوبهم ــ «مثل الصائم القائم» ــ يعني الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر. وفي اللفظ الآخر: «أما إنك لو قمت، كذلك لم تبلغ أجر المجاهدين في سبيل اللَّه» (¬3) , لما سئل عن عمل يعدل الجهاد. قال ¬

(¬1) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3244، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، برقم 2824، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ اللَّهُ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}». (¬2) سورة التوبة، الآية: 111. (¬3) أخرج البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، برقم 2785، عن أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ لَا أَجِدُهُ قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ قَالَ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ، وأخرجه مسلم بنحوه في كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل اللَّه، برقم 1878، وأخرج الترمذي في كتاب فضائل الجهاد عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في فضل الجهاد، برقم 1619، ولفظه: عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، فَرَدُّوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا تَسْتَطِيعُونَهُ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الْقَائِمِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترمذي، برقم 1619.

- عليه الصلاة والسلام -: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وأن تقوم ولا تفتر؟» (¬1)، قال: ومن يطيق ذلك يا رسول اللَّه؟ (¬2) قال: «أما إنك لو قمت مثل ذلك لم تبلغ أجر المجاهدين» (¬3). الجهاد له فضل عظيم، وعواقب حميدة، وأجور مضاعفة، وحسنات مضاعفة, فينبغي لأهل الإسلام أن يرغبوا فيه، وأن لا يعرضوا عنه. وهو اليوم قائم موجود جهاد أعدى أعداء اللَّه من الشيوعيين على يد إخواننا الأفغان، ومن معهم من غيرهم، وهو جهاد إسلامي شرعي (¬4). فينبغي أن يُشارك فيه المسلم إذا تيسر له ذلك بنفسه أو ماله (¬5)، وهكذا جهاد اليهود من طريق المسلمين في فلسطين، جهادهم ¬

(¬1) البخاري، برقم 2785، وتقدم تخريجه في الحاشية السابقة. (¬2) لفظ البخاري، برقم 2785: «ومن يستطيع ذلك؟»، وتقدم في التعليق السابق. (¬3) بحثت عن هذه الجملة: «أما إنك لو قمت مثل ذلك لم تبلغ أجر المجاهدين»، فلم أجدها. (¬4) هذا الكلام أثناء شرح الشيخ - رحمه الله - لعمدة الأحكام، وذلك عام 1409هـ؛ لأن شرح هذا الباب بعد رمضان من ذلك العام، أو في أول عام 1410هـ. (¬5) يقصد الشيخ - رحمه الله - في ذلك الزمن عام 1410هـ.

شرعي فمن له قدرة من الأخيار يجاهد في فلسطين، ينبغي أن يُساعدوا على أعداء اللَّه من اليهود. هكذا في الفلبين أيضاً، كذلك إخوةٌ لنا يجاهدون النصارى هناك، الذين اعتدوا عليهم، خرّبوا بلادهم، وقتلوا منهم الشيء الكثير. والقاعدة كل جهاد في سبيل اللَّه تنبغي المشاركة فيه بالمال والنفس، والمسلمون إخوة يتناصرون بالحق، ويتعاونون على البر والتقوى. 411 - وعنه قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّه، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى (¬1)، اللَّوْنُ: لَوْنُ الدَّمِ (¬2)، وَالرِّيحُ: رِيحُ الْمِسْكِ» (¬3). 412 - عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ»، أخرجه مسلم (¬4). ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «يدمي» بالياء، وبدون الياء كالمتن للبخاري، برقم 5533. (¬2) في نسخة الزهيري: «لون دم»، وهو لفظ البخاري، برقم 5533. (¬3) رواه البخاري، كتاب الوضوء، باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء، برقم 237، ولفظه: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا، إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالعَرْفُ عَرْفُ المِسْكِ» وكتاب الذبائح والصيد، باب المسك، برقم 5533، بلفظ المتن إلا أنه قال: «اللون لون دم، والريح ريح مسك»، وأخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل اللَّه، برقم 1876 بلفظ: عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ». (¬4) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، برقم 1883.

413 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، أخرجه (¬1) البخاري (¬2). 414 - عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلَى حُنَيْنٍ ــ وَذَكَرَ قِصَّةً ــ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً ــ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ــ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَهَا ثَلاثاً» (¬3). 123 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالجهاد وفضله، وما يحصل لمن قتل قتيلاً في سبيل اللَّه من الأجر، مع ما ينفعه في الدنيا. الحديث الأول يقول - عليه الصلاة والسلام -: «ما من مكلوم يكلم في سبيل اللَّه إلا جاء يوم القيامة، وكَلمه يَدْمَى: اللون لون الدم, والريح ريح المسك» الكَلم: الجرح, والمكلوم المجروح, يعني ما من مسلم يُجرح في سبيل اللَّه بِرُمحٍ، أو سيفٍ، أو رمية، أو غير ذلك، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يَدْمِي، يعني: يجري ــ يُقال دَمِيَ يَدْمَى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «وأخرجه البخاري» بزيادة الواو قبل أخرجه. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، وقاب قوس أحدكم من الجنة، برقم 2792، وفي كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم 6568، واللفظ للبخاري من هذا الطرف، وأخرجه أيضاً: مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، برقم 1880 بنحوه. (¬3) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمّس الأسلاب، برقم 3142، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، برقم 41 - (1751).

مثل رَضِعَ يَرْضَع ــ أي سال الدم، اللون لون الدم المعروف ــ والريح ريح المسك, لونه في نظر الناظر لون الدم، ولكن الريح ريح المسك، لكونه أُريق في سبيل اللَّه, واللَّه جل وعلا جعله في هذه الرائحة الطيبة لكونه دماً وقع في سبيله، وخرج في سبيله وطاعته - سبحانه وتعالى - , مثل ما في الحديث الآخر: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» (¬1)، خلوفه هو ما يتصاعد من جوفه من الرائحة حال صيامه أطيب عند اللَّه من ريح المسك، وهكذا دم الشهيد لونه لون الدم والريح ريح المسك, إظهار لفضله وشرفه. في الحديث الثاني والثالث: الدَّلالة على فضل الغدوة في سبيل اللَّه والروحة، وأنها خير من الدنيا وما عليها وخير مما طلعت عليه الشمس, هذا فيه فضل عظيم للجهاد, لكون المؤمن يغدو صباحاً لقتال العدو، أو يروح رواحاً لقتال العدو خير من الدنيا وما عليها. تقدم حديث سهل بن سعد يقول - صلى الله عليه وسلم -: «رباط يوم في سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل اللَّه، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» (¬2)، وما ذلك إلا لأن نعيم الجنة نعيم باقٍ، لا مثيل له في الفضل, ونعيم الدنيا مهما كان فهو زائل مؤقت، فلا يستويان. ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم 1894، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، برقم 1151. (¬2) البخاري، برقم 2792، ومسلم، برقم 1881، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 408.

وفي حديث أبي قتادة: الدَّلالة على أن من قتل قتيلاً له عليه بينة؛ فإنه يُعطى سلبه، هذا من تقدير المقاتل، والمجاهد، وتشجيعه على الإقدام، والجرأة، والشجاعة، حتى يقتل من أعداء اللَّه ما أمكنه، وتقدم أن المقصود من الجهاد دعوتهم إلى اللَّه وإخراجهم من الظلمات إلى النور, ليس المقصود أموالهم، وليس المقصود نساءهم ولا ذرياتهم ولا قتلهم، ولكن المقصود أن نخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن ننقذهم من أسباب الهلاك بدعوتهم إلى اللَّه، فإذا أبوا وعاندوا قاتلناهم, وهكذا فيمن تقبل منه الجزية لا بد من امتناعه من الجزية، فإذا امتنع من الجزية وامتنع من الإسلام قُوتل, وإذا كان ليس من أهل الجزية: كالعرب الوثنيين فإنهم يقاتلون: إما الإسلام، وإما السيف, وإنما تؤخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس. فالواجب على المؤمن الإقدام، والقوة في هذا السبيل، وعدم الجُبن وعدم الخَوَر, والنفوس بيد اللَّه، والأرواح بيد اللَّه، متى تم الأجل فلا حيلة فيه، سواء جاهد أو لم يجاهد. والسلب: هو ما مع القتيل من دابة: فرس، أو ناقة، هكذا سلاحه، وملابسه من درع وغيره، كلها يأخذها القاتل، فله سلبه أجمع، إذا بارزه في الحرب حتى قتله, أو قصد له في الصف فقتله، أو في أي مكان فقتله فله سلبه، إذا ثبت أنه قتله، فيعطى دابتَه، ويُعطى سلاحه، ويعطى ملابسه, وكل ما معه لهذا القاتل غنيمة معجَّلة، غير حقه في الغنيمة العامة، غير قسمه من الغنيمة، هذا شيء خاص.

415 - عن سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ - رضي الله عنه - قَال: أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَيْنٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ــ وَهُوَ فِي سَفَرِ ــ فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ» (¬1). وفي رواية، فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟» فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ (¬2): «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» (¬3). 416 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَأَصَبْنَا إبِلاً وَغَنَماً، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا: اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيراً (¬4)» (¬5). 417 - وعنه - رضي الله عنهما -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ (¬6)» (¬7). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان، برقم 3051، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، برقم 1754 مطولاً. (¬2) في نسخة الزهيري: «قال»، ولفظ المتن لمسلم، برقم 1754. (¬3) رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، برقم 1754. (¬4) في نسخة الزهيري: «بعيراً بعيراً»، وهو لفظ البخاري، برقم 4338، ومسلم، برقم 36 - (1749). (¬5) رواه البخاري، كتاب المغازي، باب السرية التي قِبَل نجد، برقم 4338، ولفظه: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، - رضي الله عنهما -، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا»، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال، برقم 36 - (1749)، ولفظه: عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَمًا، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعِيرًا بَعِيرًا». (¬6) في نسخة الزهيري: «غدرة فلان بن فلان»، وهو لفظ البخاري، برقم 6177، ومسلم، برقم 10 - (1735). (¬7) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يُدعى الناس بآبائهم، برقم 6177، ولفظه: «إِنَّ الْغَادِرَ يُرفعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ بن فلان»، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، برقم 9 - (1735)، ولفظه في 10 - (1735): «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ»، وهذا لفظ المتن.

418 - وعنه - رضي الله عنهما -، «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» (¬2). 124 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالجهاد, تقدم أن الجهاد في سبيل اللَّه من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات, بل هو أفضل التطوعات عند المحققين من أهل العلم، لما فيه من الخير العظيم، والمصالح الجمة، وعز الإسلام، وإعلاء كلمته، ودحض الكفر وأهله، وتوسيع رُقعة الإسلام، ونشر الدعوة إليه، إلى مصالح كثيرة, وقد يكون فرض عين على الإنسان إذا حضره [...] (¬3). 419 - [عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ ابْنَ الْعَوَّامِ، شَكياَ الْقَمْلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ (¬4) لَهُمَا، فَرَخَّصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، فَرَأَيْته (¬5) ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «فأنكر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قتل النساء والصبيان»، وهو لفظ البخاري، برقم 3014. (¬2) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان والحرب، برقم 3014، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، برقم 1744. (¬3) ما بين المعقوفين انقطع الشرح من الشريط العشرين، واللَّه المستعان. (¬4) في نسخة الزهيري: «في غزاة»، وهذا لفظ البخاري، برقم 2920، ومسلم، برقم 26 - (2706). (¬5) في نسخة الزهيري: «ورأيته»، الواو بدل الفاء، والذي في المتن لفظ البخاري، برقم 2920. كذا بأصول العمدة، وفي البخاري، ومسلم: «خاصة».

عَلَيْهِمَا» (¬1)] (¬2). 420 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَالِصاً (¬3)، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ، عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ - عز وجل -» (¬4). 421 - عن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «أَجْرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ، إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ: مِنَ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى». قال سفيان: «مِنَ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ: خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَمَنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ: مِيلٌ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرير في الحرب، برقم 2920، والسياق له، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب إباحة لبس الحرير للرجل، إذا كان به حكة أو نحوها، برقم 2076 بنحوه. (¬2) ما بين المعقوفين سقط من التسجيل فأثبته من أصل البخاري، ومسلم، وعمدة الأحكام. (¬3) كذا بأصول العمدة، وفي البخاري، برقم 2904، ومسلم، برقم 1757، بلفظ: «خاصة». (¬4) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب المجن ومن يتّرس بترس، برقم 2904، بلفظه، إلا قلوه: «يعزل نفقة أهله سنة»، بدل منها في الصحيحين: «ينفق على أهله نفقة سنة»، ورقم 4885، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم 1757 مثل لفظ البخاري. (¬5) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب هل يقال مسجد بني فلان، برقم 420، وكتاب الجهاد والسير، باب السبق بين الخيل، برقم 2868، واللفظ له، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب المسابقة بين الخيل وتضميرها، برقم 1870، ولم يذكر قول سفيان.

422 - وعنه - رضي الله عنهما - قال: «عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬1) يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةَ (¬2)، فَلَمْ يُجِزْنِي في المُقَاتَلَةِ (¬3)، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (¬4)، فَأَجَازَنِي» (¬5). 125 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بأمر الجهاد, تقدم أن الجهاد من القُرب العظيمة, من أفضل التطوعات, بل هو أفضل التطوعات، لما فيه من نشر الإسلام والدعوة إليه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور, وغير ذلك من المصالح العظيمة, وهو فرض كفاية في بعض الأحيان, وواجب على الأعيان في بعض الأحيان, وسُنة بالنسبة إلى ¬

(¬1) في نسخة الزهيري: «عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم -». (¬2) «سنة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4097، ومسلم، برقم 1868. (¬3) «في المقاتلة»: ليست في نسخة الزهيري، ولم أجدها في الصحيحين. (¬4) «سنة»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 4079، ومسلم، برقم 1868. (¬5) رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، برقم 2664، ولفظه: «عن ابْن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي»، ورقم 4097، ولفظه: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ، وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ»، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب بيان سن البلوغ، برقم 1868 بلفظ: عنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْقِتَالِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَجَازَنِي».

بعض الناس, وقد أكثر اللَّه من ذكره في كتابه العظيم والحث عليه بالنفس والمال, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬1)، ويقول: سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بأَمْوَالِكُمْ وَأنْفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬2) , ويقول - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬3) الآية, ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ» (¬4)، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ــ وَاَللَّهُ أعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ ــ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (¬5). فالجهاد له شأن عظيم في نصر الإسلام وحمايته، ونشر دعوته، وبسط أحكامه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتوسيع رُقعة الإسلام، إلى غير هذا من المصالح العظيمة. ¬

(¬1) سورة الصف، الآيتان: 10 - 11. (¬2) سورة التوبة، الآية: 41. (¬3) سورة التوبة، الآية: 111. (¬4) مسند أحمد، 19/ 272، برقم 12246، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو، برقم 2504، والنسائي، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، برقم 3098، وابن حبان، 11/ 6، برقم 4708، والحاكم، 2/ 81، وقال: «صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وصححه محققو المسند 19/ 272، وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود، 7/ 265، برقم 2262 .. (¬5) رواه البخاري، برقم 2787، ومسلم، برقم 1878، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 410.

وهذه الأحاديث منها حديث عبدالرحمن بن عوف والزبير في ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما في لبس الحرير, هذا يدل على أنه إذا أصابت الإنسان حكة، أو مرض في الجلد ينفع منه الحرير، فلا بأس أن يلبسه المسلم لهذا العلاج؛ لأن تحريمه ليس تحريماً عاماً, وإنما هو تحريم خاص, للرجال خاصة, ومباح للنساء، فليس من جنس الميتة, وليس من جنس الخنزير, وإنما هو تحريم خاص كتحريم الذهب على الرجال دون النساء, فإذا كانت المصلحة تقتضي لبسه للرجل من أجل الدواء والعلاج فلا بأس، ولهذا رخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة من الغزوات في لبسه، لعلاج الحكة التي بهما بسبب القمل الذي أصابهم. وفي الحديث الثاني: بيان أن ما أوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، هذا يكون فيه الغنيمة وفيه الخمس لبيت المال, وأما ما لم يوجف عليه المسلمون، بل تركه الكفار خوفاً من المسلمين، أو أجلاهم ولي الأمر لمضرتهم وشرهم، فإنه يكون لبيت المال؛ ولهذا قال جل وعلا: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ــ يعني الكفار ــ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬1)، وصار هذا المال وهو مال بني النضير للرسول خاصة، يعني لبيت المال، يأكل منه - صلى الله عليه وسلم -، ويعزل نفقة ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 6 ..

أهله، والباقي يجعله في الكراع السلاح عدة في سبيل اللَّه - عز وجل - , وهكذا ولي الأمر، بيت المال ليس له، ولكن يأخذ منه حاجته وحاجة أهله بالقسط بالتوسط، والباقي يكون في مصالح المسلمين في الجهاد وغير ذلك من مصالح المسلمين. وفيه من الفوائد: أنه لا بأس أن يعزل نفقة أهله سنة، لا بأس أن يجعل لها نظاماً خاصاً في حفظ بعض الأموال سنة كاملة للنفقة، ولا بأس إذا كان أكثر من ذلك, إذا أدَّى الحقوق من زكاة وغيرها فلا حرج, إذا كان عنده أموال كثيرة تجارة إذا أدَّى حقها. وفيه من الفوائد: حديث ابن عمر في إجراء الخيل للمسابقة، والمسابقة سُنة, تُعرف الفرس الطيبة والناقة الطيبة, كان النبي يسابق بين الخيل وبين الإبل, وكان ابن عمر ممن سابق في الخيل, وكانت الخيل قسمين: قسماً مضمراً يعني مهيأة للسباق, وقسماً غير مضمر، والمضمر هو الذي يُعنى به قبل السباق بعلف خاص وطريقة خاصة، حتى يستعد للسباق بخف [...] (¬1)، ويكون صالحاً للمسابقة, وهذا يكون أمده طويلاً, مسافة طويلة، أما الخيل [التي لم تُضمَّر] (¬2) تكون مسافتها أقل؛ لأنها ما تتحمل، لم تُعدَّ. قال سفيان: كان أمد الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة ¬

(¬1) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، ولا تؤثر في المعنى. (¬2) ما بين المعقوفين في كلام الشيخ أصله: «اللي ما ضمِّرت».

أميال، والتي لم تُضمَّر كان أمدها ميلاً, يعني خمس مسافة المضمَّر. هذا يفيد شرعية المسابقة الشرعية بين الخيل والإبل، حتى يُعرف جيِّدها من غيره, وحتى تكون مُعدة إعداداً صالحاً للجهاد, وهكذا المسابقة بالرمي حتى يكون المسلم جيد الرمي, إذا رمى أصاب الهدف, النضال: وهو المسابقة بالرمي مطلوب, حتى يعتاد الرمي يقوى تقوى يده على ذلك وبصره على ذلك، وحتى يتمرن على كيفية الرمي، وكيفية إصابة الهدف، حتى لا تطيش رمايته عن الهدف، إذا تعلم وتمرّن في المسابقة بالرمي صار ذلك من أسباب إصابته العدو إذا قصده. والهدف يُسمَّى اليوم الشبح [يجعل شيئاً معلوماً] (¬1): حجر، أو لوح، أو أشياء تكون هدفاً معروفاً (¬2) [...] (¬3) أما المسابقة بالأقدام، أو بحمل الأثقال، أو ما أشبه ذلك، فلا يكون فيها عوض، لا بأس بها، لكن بدون عوض. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا سبق» أي لا عوض «إلاَّ فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ» (¬4). النصل: الرمي, أو خف: الإبل, أو حافر: الفرس. ¬

(¬1) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ «يحطّ شي معلوم». (¬2) آخر الوجه الأول من الشريط العشرين. (¬3) ما بين المعقوفين سقط يسير، لا يؤثر على المعنى .. (¬4) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في السبق، برقم، 2574، والترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الرهان والسبق، برقم 1700، والنسائي، كتاب الخيل، باب السبق، برقم 3586، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 5/ 333، برقم 1506.

وفي حديث ابن عمر الحديث الرابع: الدلالة على أن الطفل إذا كمل خمس عشرة سنة صلح للقتال، وصلح لغيره مما يعمله المكلفون، وببلوغ خمس عشرة سنة صار مكلفاً، وصار من جملة الرجال. قال ابن عمر: عرضت على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد فلم يجزه في المقاتلة؛ لأنه دون خمسة عشر، وعُرض عليه يوم الخندق، وقد بلغ خمسة عشر فأجازه, وفي اللفظ الآخر: «فأجازني، ورآني قد بلغت» (¬1) , فدل ذلك على أن من كان دون خمسة عشر لا يُجاز في القتال فهو طفل؛ لأنه قد يُخدَع، وقد لا يُتقن الرماية كما ينبغي, ولم يبلغ حد التكليف في الغالب, خمسة عشر ما بعد بلغ، لا بالإنبات ولا بالاحتلام, فالحاصل أنه إذا بلغ خمس عشرة سنة صار من المكلفين، وهذا حد واضح في السن, وقد يبلغ بغير السن: كالإنزال والاحتلام وغيره من أسباب الشهوة, وقد يبلغ بالإنبات: إنبات الشعر الخشن حول الفرج وهي الشعرة, هذه الأمور الثلاثة هي الدلائل على بلوغ الحلم، وهي الإنبات، والإنزال بشهوة، وإكمال خمس عشرة سنة. وهكذا المرأة مثله إذا أنبتت، أو بلغت خمس عشرة سنة، أو أنزلت باحتلام أو غيره بلغت، وتزيد المرأة أمراً رابعاً، وهو ¬

(¬1) أخرج ابن حبان، 11/ 30، برقم 4728، والدارقطني، 4/ 115، كتاب السير، برقم 40، ولفظه: «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَلَمْ يُجِزْنِي، وَلَمْ يَرَنِ بَلَغْتُ، ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي»، وصححه محقق ابن حبان، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، 5/ 8، برقم 1186.

الحيض، إذا حاضت صارت مكلفة. وفيه من الفوائد: أن الصبيان يمنعون من المقاتلة؛ لأنهم قد يفرطون، قد يسببون هزائم على الناس، لجهلهم وقلة بصيرتهم، وقد يضرون في اشتراكهم في القتال، لعدم بلوغهم حد التمييز والبصيرة، التي تعينهم على القتال والكرّ والفرّ, فماداموا لم يبلغوا فيمنعون، كما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر حتى بلغ. 423 - وعنه، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ فِي النَّفَلِ، لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجلِ سَهْماً» (¬1). 424 - وعنه (¬2) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ فِي (¬3) السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً، سِوَى قَسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ» (¬4). 425 - عن أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الَأشْعَرِي - رضي الله عنه - (¬5) عن النَّبيِّ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب سهام الفرس، برقم 2863، ولفظه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا»، وفي كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم 4228، ولفظه: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» قَالَ: فَسَّرَهُ نَافِعٌ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ»، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين، برقم 1762، واللفظ له. (¬2) في نسخة الزهيري: «وعنه أيضاً». (¬3) في نسخة الزهيري: «من»، وهو هكذا في البخاري، برقم 3135. (¬4) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، برقم 3135، بلفظه، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الأنفال، برقم 1750 بنحوه. (¬5) «الأشعري»: ليست في نسخة الزهيري.

- صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» (¬1). 426 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الرَّجُلِ: يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» (¬2). 126 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالجهاد، والنفل، والإخلاص, سبق أن الجهاد فضله عظيم, ومصالحه كثيرة, وأصله فرضٌ على المسلمين فرضُ كفاية, وقد يجب على الأعيان, فإذا لم يكن فرضاً صار في حق الشخص سُنة، من أفضل العبادات وأفضل القُربات, وهو من وسائل إعلاء كلمة اللَّه, ومن وسائل نشر الإسلام, وتكثير المسلمين، وتنفيذ أحكام اللَّه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور, وله مصالح كثيرة, ولهذا شرعه اللَّه لعباده, وأوجبه في الجملة، وعظَّم شأن أهله، حتى قال جل وعلا في كتابه العظيم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حمل علينا السلاح فليس منا»، برقم 7071، بلفظه، ومسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حمل علينا السلاح فليس منا»، برقم 100 بلفظه أيضاً. (¬2) رواه البخاري، كتاب العلم، باب من سأل وهو قائم عالماً جالساً، برقم 123، وكتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا}، برقم 7458 بلفظه، ومسلم، كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه، برقم 1904بلفظه أيضاً.

وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (¬1)، وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬2) , وقال جل وعلا: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬3)، والآيات في ذلك كثيرة. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المجاهد في سبيل اللَّه، واللَّه أعلم بمن يجاهد في سبيله: كمثل الصائم القائم» (¬4)، في هذا يقول ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جعل للفرس سهمين وللراجل سهماً» , يعني في الغنيمة, وهذا لأن الفارس له أثر عظيم في الجهاد، والفرس لها مؤونة؛ فلهذا صار نصيب الفارس من الغنيمة أكثر، لأنه ينفع في الكرِّ والفرِّ وصراع الأعداء أكثر مما ينفع الراجل، فيكون له ثلاثة أسهم, الفرس لها سهمان والراجل له سهم, أما الراجل فله سهم واحد, فقوله: للفرس سهمين. يعني: للفرس سهمين غير سهم راكبها, فيكون الجميع ثلاثة أسهم, وللراجل سهم واحد. ¬

(¬1) سورة التوبة، الآية 111. (¬2) سورة الصف، الآيتان: 10 - 11. (¬3) سورة التوبة، الآية: 41. (¬4) رواه البخاري، برقم 2787، ومسلم، برقم 1878، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 410.

وفي الحديث الثاني يقول - رضي الله عنه -: كان - صلى الله عليه وسلم - ينفل بعض من يبعث في السرايا لأنفسهم خاصة، سوى قسم عامة الجيش, تنفيل للزيادة سُمِّيت أنفال: يعني ما يزاد للمجاهدين على سهامهم. وتطلق الأنفال على الغنيمة؛ لأن اللَّه نفلها المسلمين، وسلمها للمجاهدين: النفل المراد هنا كونه يُعطى المجاهد زيادة على سهمه من أجل غنائه (¬1) لما حصل منهم في الإسلام، وكان ينفل بعض السرايا إذا بعثهم من الجيش, السرية قطعة من الجيش يبعثها ولي الأمر؛ لأن تغزو بعض القرى، أو بعض القبائل، ثم ترجع، فينفلهم شيئاً من الغنيمة، زيادة من الخمس؛ لأنهم في انفرادهم من الجيش قد يحصل لهم بعض الخطر, فإذا غامروا وصبروا يكون جديراً بأن يشجعوا ويعطوا زيادة. وكان يعطي في البداءة الربع، والرجعة الثلث بعد الخمس، تشجيعاً لهم، وتقديراً لأعمالهم وجهادهم, فإذا رجعوا نزع لهم الثلث ووزعه بينهم، والباقي للغانمين بعد الخمس. وفي البداءة يعطون الربع بعد الخمس؛ لأن في البداءة أكثر خطراً بخلاف ما إذا كان بعد رجوع الجيش، فقد يكون عليهم الخطر أكثر. وقد ينفِّلهم عموماً على الغنائم التي صارت لهم من نفس الخمس ¬

(¬1) الغَنَاءُ - بالفتح -: النَّفْعُ، والغَنَاءُ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ ممدودٌ: الإِجْزاءُ والكفايَة، يُقَالُ: رَجُلٌ مُغْنٍ أَي مُجْزئٌ كافٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الغَنَاءُ مصدرُ أَغْنَى عنْكَ، أَي كَفاكَ. لسان العرب، 15 - / 138، مادة (غني).

زيادة من نفس الخمس: تقديراً لأعمالهم، وجهودهم، وجهادهم, كما تقدم في حديث ابن عمر: أن كل واحد حصل من الغنيمة اثنا عشر بعيراً، ونفلهم بعيراً بعيراً، زيادة من الخمس، وولي الأمر ينظر في المصلحة، ويعالج الأمور بما يقتضي تشجيع المجاهدين، وتقدير أهل النكاية في العدو أكثر من غيرهم، حتى يكون لهم من البلاء والجهاد أعظم من غيرهم، بسبب تقديرهم وتنفيلهم. ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «من حمل علينا السلاح فليس منا» (¬1)، هذا وعيد، والمعنى: أنه لا يجوز حمل السلاح على ولي أمر المسلمين، والخروج عن الطاعة، بل يجب السمع والطاعة لولاة الأمور، وعدم شق العصا, فإن من حمل علينا السلاح, يعني خرج على ولاة الأمور بشق العصا، وتفريق الكلمة، وهي الثورات التي تحصل من بعض الناس على ولاة الأمور ويسمونها الانقلاب، أو ما يسببون الانقلاب، إذا كان ولي الأمر ثابتاً على الإسلام لم يأت كفراً بواحاً؛ فإنه لا يجوز الخروج عليه، ولا شق العصا؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «من أتاكم وأمركم جميع، يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه» (¬2)، ويقول: «من حمل علينا السلاح فليس منا». وسئل - عليه الصلاة والسلام - عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ــ أي حمية لقومه وجماعته ــ ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل اللَّه؟ فأجاب ¬

(¬1) البخاري، برقم 7071، ومسلم، برقم 100. (¬2) مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، برقم 1852.

- عليه الصلاة والسلام - بقوله: «من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه» (¬1). الذين يقاتلون من أجل إظهار الشجاعة [ليس] (¬2) من أجل اللَّه، بل ليُقال إنه شجاع أو جريء، أو مقدام، هذا ليس من المجاهدين، وليس له أجر الجهاد، أو يُقاتل حمية لقومه، لا لقصد الأجر، بل حمية لعشيرته وجماعته, أو يُقاتل رياءً ليُثنى عليه، ويُقال: إنه كذا وكذا, هؤلاء ليسوا في سبيل اللَّه, وإنما المجاهد في سبيل اللَّه الذي يُقاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه, يُقاتل لإعلاء الإسلام لنشر الإسلام؛ ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور, وللدفاع عن المسلمين، هذا هو الذي يقاتل في سبيل اللَّه, والموعود بالجنة والكرامة إذا قُتِل شهيداً في سبيل اللَّه, وقد يُبتلى الإنسان فإذا بُلي صار قتاله مشروعاً. قتاله عن نفسه، أو عن دينه، أو عن أهله، أو عن ماله، هذا أيضاً يعتبر قتالاً شرعياً، إذا قتل صاحبه يكون شهيداً، لأنه يدافع عن حق، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (¬3) الحديث. ¬

(¬1) رواه البخاري، برقم 123، ومسلم، برقم 1904، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن رقم 426. (¬2) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ: «ما هوب». (¬3) أخرجه الإمام أحمد، 3/ 190، برقم 1652، وأبو داود، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، برقم 4772، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 1421، والنسائي، كتاب تحريم الدم، من قاتل دون دينه، برقم 4095، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»، وقال الترمذي: «حسن صحيح»، وقوّى إسناده محققو المسند، 3/ 190، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/ 164، برقم 708.

وجاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه يأتيني رجل يريد مالي ــ يعني يقاتلني، يريد أخذ مالي ــ قال: «لا تعطه مالك»، قال: فإن قاتلني؟ قال: «فقاتله»، قال: فإن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: فإن قتلته؟ قال: «فهو في النار» (¬1)؛ لظلمه وعدوانه، فالذي يقاتل دفاعاً عن نفسه أو أهل بيته أو ماله أو دينه، بأن أُريد منه ما يخالف دينه فهو شهيد إذا قُتل. ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق، كان القاصد مهدر الدم في حقه، برقم 140، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأخرج الطبراني في المعجم الكبير، 20/ 313، برقم 746، والأوسط، 2/ 170، برقم 1611، وابن أبي شيبة، 5/ 468، برقم 28043، والنسائي في المجتبى، برقم 4092، وفي السنن الكبرى، 3 - / 450، برقم 3530، عن مخارق قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الرَّجُلُ يَاتِينِي يُرِيدُ مَالِي؟ قَالَ: «ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ»، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ السُّلْطَانَ»، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ»، وجوّد أسانيده العقيلي في الضعفاء، 4/ 301.

20 - كتاب العتق

20 - كتاب العتق 427 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، أن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» (¬1). 428 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصَاً (¬2) له (¬3) مِنْ مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ (¬4)، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» (¬5). ¬

(¬1) رواه البخاري، كتاب العتق، باب إذا أعتق عبداً بين اثنين، أو أمة بين الشركاء، برقم 2522، ولفظه: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ قُوِّمَ العَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»، ورقم 2523 ولفظه: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ» ومسلم، كتاب العتق، باب من أعتق شركاً له في عبد، برقم 1501، ولفظه: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ». (¬2) في نسخة الزهيري: «شقيصاً»، هذا لفظ البخاري، برقم 2492. (¬3) «له»: ليست في نسخة الزهيري، وهي في البخاري، برقم 2504. (¬4) «العبد»: ليست في نسخة الزهيري، ولفظ «العبد» في مسلم، برقم 1503. (¬5) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل، برقم 2492، وباب الشركة في الرقيق، برقم 2504، ورقم 2506، ولفظه: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ»، ومسلم، كتاب العتق، باب ذكر سعاية العبد، برقم 1503، ولفظه: «منْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ».

63 - باب بيع المدبر

63 - باب بيع المدبَّر (¬1) 429 - وعن جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنهما - قال: «دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ» (¬2). 430 - وفي لفظ، «بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاماً [لَهُ] عنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ. ثُمَّ أَرْسَلَ بثَمَنِهِ (¬3) إلَيْهِ» (¬4). ¬

(¬1) «باب بيع المدبّر»: ليست في نسخة الزهيري، ولفظ العبد في مسلم، برقم 1503. (¬2) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع المزايدة، برقم 2141، ولفظه: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ»، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، برقم 997، ولفظه: «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ - يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ - أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ». (¬3) في نسخة الزهيري: «ثم أرسل ثمنه إليه». (¬4) رواه البخاري، كتاب الإكراه، باب إذا أكره حتى وهب عبداً أو باعه لم يجز، برقم 6947، بلفظ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ»، ومسلم، كتاب العتق، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، برقم 41 - (997)، ولفظه: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَا بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ».

127 - قال الشارح - رحمه الله -: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تتعلق بالعتق والاستسعاء. الحديث الأول يقول - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ». وفي اللفظ الثاني: «فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ كله فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، اُسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» يعني في الباقي. والمعنى: أن الذي يكون له شرك - شقص - في عبد، كأن يكون له ربعه، أو خمسه، أو أقل، أو أكثر، إذا أعتقه يلزمه عتق الباقي، حتى لا يبقى العبد مُبعَّضاً, إذا كان موسراً يلزمه عتق الباقي, إذا مات إنسان مثلاً عن عبد، أو أَمة، وخَلْفه أربعة أولاد، أو أكثر، أو أقل، اشتركوا، فإذا أعتق واحد منهم حصته، يلزمه عتق الباقي للورثة, يلزمه عتق الباقي بالقيمة، قيمة العدل، يُثمَّن بأثمان مثله، ويسلم شركاءه قيمة حصصهم، إلا أن يسمحوا بالعتق، فإن كان عاجزاً ما يستطيع، عتق نصيبه فقط, ويبقى العبد مبعضاً, فإن كان يستطيع العمل استسعي، إذا كان العبد يستطيع العمل بناءً، أو مهندساً، أو عاملاً، أو خياطاً، يعني عنده عمل؛ فإن ولي الأمر يستسعيه، يعني يقوِّمه بالقيمة التي تناسب مثله، ثم تجعل حصصاً عليه، كل سنة كذا من عمله؛ يستسعى له، من عامل، أو خياط، أو مهندس على حسب معرفته، ويقال: عليك كل شهر كذا, أو كل سنة

كذا, للورثة أو للشريك حتى تسدد الذي عليك، حتى لا يبقى مبعضاً؛ لأن التبعيض يضره، ويشق عليه, ومن رحمة اللَّه أن شرع عتقه على من أعتقه، أي يلزمه عتقه إذا كان موسراً، فإن كان عاجزاً لا يستطيع إعتاقه، عتق نصيبه، وبقي الباقي رقيقاً يستسعى إذا كان له عمل, أما إن كان الرقيق ما يستطيع العمل، يبقى مبعضاً, حتى يعتقه الشركاء، أو يبيعون حصصهم، فيشتريها أو يعتقه. أما المدبر: فهو الذي يُعتق عن دبر, يعني تعليقاً بالموت, هذا المدبر يعني الموت، دبر الحياة آخر الحياة, فإذا قال: عبدي هذا حر إذا مت، أو أَمَتي هذه حرة إذا مت عتيقة، هذا يكون من الثلث؛ لأنها وصية [...] (¬1) , وإن [رجع في وصيته] (¬2)، وباعه وتصرف فيه، فلا بأس كالوصية, لو قال: بيتي هذا بعد موتي وصية [...] (¬3)، في كذا, أو قال: أرضي وصية، له أن يرجع قبل أن يموت، له أن يرجع في الوصية؛ ولهذا باع النبي - صلى الله عليه وسلم - العبد، وأعطاه صاحبه ليقضي دينه: كان عليه دين, وفي رواية: أنه محتاج، فباعه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: «اقضِ دينك» , بدلاً من الوصية يبيعه، ويقضى دينه، ولا يبقيه وصية؛ لأن الدين أهم ومُقدم, وهكذا الأموال الأخرى: لو أوصى مثلاً ببيت، أو ضحية، أو أرض، أو دكان، ثم مات وعليه دين، ولا عنده شيء ¬

(¬1) ما بين المعقوفين غير واضح، والأظهر أنه: «يعطون من الثلث»، أو «يُعْطَونه من الثلث» واللَّه أعلم. (¬2) ما بين المعقوفين أصله في كلام الشيخ: «هوَّن». (¬3) ما بين المعقوفين كلمة غير واضحة، وكأنها: «إن حييت أو» وسقطها لا يؤثر بالمعنى.

يوفى منه، إلا هذا البيت، أو هذا الدكان يباع، ويُسدد به الدين، والوصية تبطل، إلا إذا سمح أهل الدين، وقالوا: نحن سامحون، فهذا لا بأس. وفق اللَّه الجميع، وصلى اللَّه وسلَّم على نبيّنا محمد (¬1). ¬

(¬1) قال الفقير إلى اللَّه تعالى سعيد بن علي بن وهف القحطاني: انتهى شرح سماحة الشيخ - رحمه الله - تعالى، وقد قابلت كلامه على المخطوط المفرَّغ، وعلى أصول الأحاديث من عمدة الأحكام بتحقيق محمود الأرنؤوط، ومراجعة والده عبد القادر، والنسخة التي حققها سمير بن أمين الزهيري ثم قابلت جميع أحاديث عمدة الأحكام كلمة كلمة على الصحيحين، وإذا كان هناك اختلاف بين ما في العمدة وبين ما في الصحيحين، فإني أذكر لفظ الصحيحين في الحاشية، وأما الفروق بين نسخ العمدة فقد جعلت نسخة الأرناؤوط هي الأصل؛ لأني أرى أنها أولى من غيرها، وخاصة الطبعة الثانية، ثم أشير إلى الفروق بينها وبين نسخة الزهيري في الحاشية، وأحيل هذه الفروق إلى أما كنها في الصحيحين إن وجدت، وقد كان الفراغ من ذلك عصر يوم الخميس الموافق 2/ 2/ 1435هـ، والحمد للَّه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى اللَّه وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين

الفهارس العامة

الفهارس العامة 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار. 3 - فهرس الألفاظ الغريبة. 4 - فهرس الأشعار. 5 - المصادر والمراجع. 6 - فهرس الموضوعات.

1 - فهرس الآيات القرآنية

1 - فهرس الآيات القرآنية م ... الآية ... رقمها ... الصفحة سورة الفاتحة 1 - {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ... 2 - 3 ... 232 2 - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ......................} ... 5 ... 258, 458 سورة البقرة 3 - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} ... 29 ... 785 4 - {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ ..} ... 96 ... 484، 487 5 - {كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ...................} ... 143 ... 611 6 - {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ... 163 ... 258 7 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ..} ... 172 ... 611 8 - {الأُنْثَى بِالأُنْثَى .............................} ... 178 ... 682 9 - {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ ..} ... 185 ... 403، 415 10 - {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ........} ... 185 ... 432 11 - {فَمَنْ كَانَ مَرِيضَاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَرَ.} ... 185 ... 399، 403 12 - {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ...} ... 187 ... 440 13 - {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ...............} ... 187 ... 714 14 - {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ.} ... 196 ... 464 15 - {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ..} ... 230 ... 626 16 - {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.} ... 233 ... 577 17 - {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ......} ... 238 ... 158، 242 18 - {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ..........................} ... 238 ... 244 19 - {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ...............} ... 239 ... 335 20 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ .......} ... 267 ... 382 21 - {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بآخِذِيهِ ...} ... 267 ... 382 22 - ژوَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ...................} ... 275 ... 517

23 - {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ .......} ... 280 ... 566 سورة آل عمران 24 - {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا .......................} ... 97 ... 470 25 - {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ} ... 159 ... 105 سورة النساء 26 - {وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ .........} ... 2 ... 79 27 - {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} ... 11 ... 597 28 - {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ.} ... 11 ... 597 29 - {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ.} ... 11 ... 596 30 - {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} ... 23 ... 663 31 - {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ .................} ... 23 ... 614 32 - {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ ..} ... 23 ... 615 33 - {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ .............................} ... 24 ... 620، 633 34 - {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ..} ... 25 ... 597 35 - {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ .........................} ... 32 ... 325 36 - {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ .........} ... 36 ... 582 37 - {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا.} ... 93 ... 675 38 - {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ......} ... 176 ... 598 سورة المائدة 39 - {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ...........} ... 2 ... 543 40 - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ..} ... 3 ... 748، 762 41 - {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} ... 4 ... 761 42 - {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا .....} ... 6 ... 75 43 - {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ....................} ... 6 ... 75، 79، 129 44 - {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن ...................} ... 6 ... 75 45 - {إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..............................} ... 6 ... 79 46 - {وإن كنتم جنباً فَاطَّهَرُوا ....................} ... 6 ... 111

47 - {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ....} ... 33 ... 693 48 - {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ...} ... 38 ... 128، 706 49 - {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ .......} ... 45 ... 674 50 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ.} ... 90 - 91 ... 712، 772 سورة الأنعام 51 - {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.} ... 103 ... 41 سورة الأعراف 52 - {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} ... 26 ... 777، 786 53 - {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ..} ... 86 ... 788 54 - {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ.} ... 138 ... 439 55 - {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ... 158 ... 259 سورة التوبة 56 - {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ.} ... 5 ... 145 57 - {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا ...} ... 25 ... 797 58 - {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ ..} ... 41 ... 796، 809، 816 59 - {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ..} ... 60 ... 367 60 - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا.} ... 103 ... 365 61 - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} ... 111 ... 796، 809، 816 62 - {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ..................} ... 111 ... 799 63 - {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ ...} ... 118 ... 735 سورة يونس 64 - {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ...} ... 37 ... 41 65 - {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} ... 107 ... 279 سورة هود 66 - {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ .........} ... 98 ... 476 67 - {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ....................} ... 107 ... 723

سورة يوسف 68 - {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ....} ... 55 ... 717 سورة الإسراء 69 - {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا .....} ... 79 ... 131 70 - {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ..} ... 23 - 24 ... 258، 281، 458 71 - {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم ...} ... 31 ... 282 سورة الكهف 72 - {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا*إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ...} ... 23 - 24 ... 724 سورة مريم 73 - {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ...} ... 26 ... 386 سورة طه 74 - {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ...........................} ... 14 ... 246، 247 75 - {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا.} ... 98 ... 258 سورة الحج 76 - {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ .............................} ... 5 ... 559 77 - {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُو الْبَاطِلُ ..} ... 62 ... 182، 258 سورة المؤمنون 78 - {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ..} ... 51 ... 611 سورة النور 79 - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ} ... 6 - 9 ... 646، 649 سورة الفرقان 80 - {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ..........} ... 19 ... 584 سورة النمل 81 - {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} ... 65 ... 537 سورة الأحزاب 82 - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ...} ... 21 ... 197، 199، 205، 209، 221، 223

سورة سبأ 83 - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} ... 28 ... 133، 259 سورة فاطر 84 - {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ.} ... 2 ... 279 85 - {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ................} ... 18 ... 658 86 - {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ..} ... 33 ... 778 سورة يس 87 - {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.} ... 82 ... 328 سورة غافر 88 - {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .....................} ... 60 ... 325 سورة الشورى 89 - {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ} ... 21 ... 610 سورة الدخان 90 - {حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ*إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ.} ... 1 - 4 ... 433 سورة الزخرف 91 - {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ..} ... 13 ... 786 سورة ق 92 - {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ..} ... 41 ... 41 سورة النجم 93 - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ... 3 - 4 ... 233، 773 سورة الحشر 94 - {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ..............} ... 6 ... 810 95 - {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ.} ... 9 ... 377 سورة الصف 96 - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} ... 10 - 11 ... 795، 809، 816 سورة الجمعة 97 - {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ... 4 ... 6

سورة التغابن 98 - {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ....................} ... 16 ... 124، 138 سورة الطلاق 99 - {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.} ... 4 ... 643 سورة القلم 100 - {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ..................} ... 9 ... 708 سورة المزمل 101 - {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ............................} ... 2 ... 228 سورة المدثر 102 - {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ .............} ... 48 ... 132 سورة القيامة 103 - {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ ........} ... 7 - 8 ... 319 سورة القدر 104 - {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا ..} ... 1 - 5 ... 432 105 - {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ} ... 3 ... 435 سورة البينة 106 - {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} ... 5 ... 258

2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار

2 - فهرس الأحاديث النبوية والآثار م ... طرف الحديث أو الأثر ... الصفحة 1 - ابْدَا بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، 822 2 - ابْدَانَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا, [متن] 345 3 - أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ [أم سلمة] , 668 4 - أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنِ صُفْرٍ [متن] 72 5 - أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي لها لم يأكل الطعام، صغير رضيع، لم يأكل الطعام, 102 6 - أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ [متن] 673 7 - اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من ذهب ثم نزعه وقال: «لا أَلْبَسُهُ أَبَداً»، فَنَبَذَ النَّاسُ 790 8 - اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ، وَلاَ تُتِمَّهُ مِثْقَالاً, 633 9 - أتراني ماكستك لآخذ جملك, خذ جملك ودراهمك, [متن] 552 10 - أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ فَتَّانًا يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَا بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا 224 11 - أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك, [متن] 624 12 - أتريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا. قال: أفطري, 425 13 - أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ [متن] 705 14 - أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ــ فَنَادَاهُ، فَقَالَ [متن] 697 15 - أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَسْتَاكُ بِسِوَاكٍ رَطْبٍ، قَالَ: وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ [متن] 92 16 - اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، فَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ 739 17 - أَجْرَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ، إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، [متن] 807 18 - اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً, [متن] 268 19 - اجْعَلُوهَا عُمْرَةً, 484 20 - أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ [سلمان] , 86 21 - أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ , 506 22 - أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ 291 23 - أَحَبّ عِبَادِي إِلَيَّ، أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا, 410, 416 24 - احبس أصلها، وسبّل ثمرتها, 491, 572 25 - أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج, 616, 617

26 - أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟ قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ 696 27 - أُحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرِّمَ على ذكورها, 778 28 - أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَهي الْحُوتُ وَالْجَرَادُ, 757 29 - أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ، الْمَيْتَتَانِ: فَالْجَرَادُ، وَالْحُوتُ، وَالدَّمَانِ: الْكَبِدُ، وَالطِّحَالُ, 545 30 - أَخْبِرُوهُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّهُ, [متن] 222 31 - أَخَذَ ذَهَبًا فِي يدِهِ اليُمِنَى، وَحَرِيرًا فِي يدِه اليُسْرى، وقَالَ: هَذَانِ حِلٌ لأُناثِ أُمَّتِي, 778 32 - أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ كَادَ يَذْهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ, 162 33 - ادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُها عَنَّا, 330 34 - إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ، فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ [متن] 80 35 - إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعلم: فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدْرَكْتَهُ حَيّاً [متن] 759 36 - إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ, 687 37 - إِذَا اسْتَاذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَنْصَرِفْ, 687 38 - إذَا اسْتَاذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ، فَلا يَمْنَعُهَا, [متن] 168 39 - إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً، وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً 66 40 - إذا استنصحك فانصح له, 788 41 - إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاةِ. فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنِ فَيْحِ جَهَنَّمَ, [متن] 242 42 - إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَاوَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وغربت الشمس فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ [متن] 408 43 - ذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ [متن] 158 44 - إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ, 411 45 - إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلا يَمْسَحْ يَدَهُ، حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا, [متن] 756 46 - إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ, 121 47 - إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ, 290 48 - إذا أمَّ أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف 178 49 - إذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَامِينُهُ تَامِينَ الْمَلائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنِ ذَنْبِهِ [متن] 177 50 - إذا انتصف شعبان فلا تصوموا, 388 51 - إِذا بَلَغَ الإِمامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشّافِعَ والمُشَفِّعَ [الزبير] , 709 52 - إِذَا بَلَغْت الحدود السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ, 709، 710 53 - إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّع [الزبير] , 709 54 - إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعاً، أَوْ يُخَيِّرَ [متن] 516

55 - إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، ثُمَّ قَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ [متن] 624 56 - إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ. يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ جَهَنَّمَ [متن] , 262 57 - إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنِ أَرْبَعٍ, 262, 263، 265 58 - إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ فَلْيَمْسَحْ عَلَيْهِمَا, 98 59 - إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ [متن] 66 60 - إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ, 302 61 - إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ, [متن] 119 62 - إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ 806 63 - إذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانِ [متن] 805 64 - إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاء, 165 65 - إذا حضر العشاء، وقدم العَشاء فابدؤوا بالعَشاء, 166 66 - إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَحَضَرَ الْعَشَاءُ، فَابْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ, 165 67 - إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ, [متن] 241 68 - إِذَا دَخَل أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا, 243 69 - إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ, 86 70 - إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا, 385 71 - إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ, [متن] 385 72 - إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ, 760 73 - إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدكُمْ فَاجْلِدوهَا، ثُمَّ إِذا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إذا زنت فاجلدوها 698 74 - إِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا, 212 75 - إذا سلم أحدكم على أخيه, ثم حال بينهما جدار أو شجر أو حجر, ثم لقيه فليسلم عليه 217 76 - إذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ [متن] 171 77 - إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعاً أولاهن بالتراب [متن] 67 78 - إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا, 163 79 - إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ [متن] 236 80 - إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا, 87 81 - إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ 177 82 - إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ 260 83 - إذَا فَعَلْتُمْ هذا، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ, 257

84 - إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبِ, 166 85 - إذَا قعد أَحَدُكُمْ -يعني للتشهد- فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، 56 86 - إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ ــ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ ــ فَقَدْ لَغَوْتَ [متن] 304 87 - إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ، ثمَّ كَبِّرْ 203، 214 88 - إذا قمت إلى الصلاة فكبر, 186, 213, 216 89 - إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَا مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ [متن] 214 90 - إِذَا قُمْتَ إِلَى صَلاَتِك فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، ثم كَبِّرْ، ثمَّ اقْرا مَا تَيَسَّرَ لكَ 186 91 - إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ, 388 92 - إذا كان جذع أصمّ يحنُّ، ويتألم من فراق النبي - صلى الله عليه وسلم -[الحسن] , 298 93 - إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ [نافع] 814 94 - إذا كانت في النهار فلا ضمان، وإن كان في الليل فعلى أهلها الضمان 375 95 - إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ 696 96 - إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، أَوْ جِدَارٌ، أَوْ حَجَرٌ 217 97 - إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ 571 98 - إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ 571 99 - إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا 289 100 - إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كتبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وهو صَحِيح مُقِيم 289 101 - إِذَا مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ , فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ 121 102 - إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ، أَوْ ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا 425 103 - إِذَا مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟ , 526 104 - إِذَا نَابَ أحدكُمْ شيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّقِ النِّسَاءُ, 244 105 - إِذَا وَجَبَتْ, 150 106 - إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل 159 107 - إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِناءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعاً، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ [متن] 67 108 - إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ, 70 109 - اذبح ولا حرج [متن] 500 110 - اذبحها، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ, 313 111 - اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ , 629 112 - اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ, 629

113 - اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ, 629 114 - اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوه [متن] , 697 115 - أَرَأَيْتَ إذا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ؟ , 526 116 - أَرأيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَمَا كُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ - عز وجل - أَحَقّ 406 117 - أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيها دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قَالَتْ: نعم، قَالَ: فَحَقُّ اللَّهِ أَحَقُّ 406 118 - ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ [متن] 203، 213 119 - أَرْخُوا اللِّحَى, 108 120 - أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه, 668, 669 121 - أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِكِ. فَفَعَلَتْ، وَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا مِنَ الرَّضَاعَةِ 668 122 - ارْكَبْهَا، وَيْلَكَ، أَوْ وَيْحَكَ [متن] 488 123 - ارْمِ، وَلا حَرَجَ [متن] 500 124 - أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ, 430 125 - أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي [متن] 433 126 - اسألُوهُ لماذا يَقْرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) مع غيرها، ولم يكتفِ بهَا، فَسَأَلُوهُ 227 127 - اسْتَاذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنىً [متن] 507 128 - استاك عند الموت, 94 129 - أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ, 277 130 - اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ ــ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ [متن] 732 131 - اسْتَقْبَلْنَا أَنَساً حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّامِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَار [متن] 173 132 - اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ, 89 133 - أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنَّهَا إنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِك [متن] 351 134 - أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ 151 135 - أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي [متن] 666 136 - اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا 565 137 - اشتريها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق 605 138 - أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ, 546 139 - أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ 546 140 - اشْفَعُوا مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْوَالِي فَإِذَا وَصَلَ إِلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلاَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ 710, 839

141 - أَصَابَ أَهْلَ المَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ 330 142 - أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ [متن] 753 143 - أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأُجُورِكُمْ 151 144 - أَصْغَرُهُمَا: مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ, [متن] 357 145 - اصنعوا كل شيء إلا النكاح 441 146 - اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ، إِلاَّ الْجِمَاعَ 441 147 - اُطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ فَقَتَلْتُهُ، فَنَفَّلَنِي سَلَبَهُ [متن] 805 148 - اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ [متن] 209 149 - أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟ 822 150 - أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ 799 151 - اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا، وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً [متن] 585 152 - أُعْطِيتُ خَمْساً, لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ [متن] 125 153 - الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى 249 154 - أعوذ باللَّه من الخبث والخبائث, 81, 82 155 - اغسل ذكرك وأنثييك, 99 156 - اغْسِلْنَهَا ثَلاثاً، أَوْ خَمْساً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ــ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِك ــ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ [متن] 344 157 - اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلا تُحَنِّطُوهُ، وَلا تُخَمِّرُوا رَاسَهُ [متن] 345 158 - أفتان يا معاذ, 225 159 - أفَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيةً؟ اقْضُوا اللَّه، فَاللَّه أحَقُّ بِالوَفَاءِ 406 160 - افْعَلْ، وَلا حَرَجَ [متن] 500 161 - أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لا، قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلادِكُمْ [متن] 574 162 - أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ, 639 163 - أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ بَعْدَكُمْ. وَلا يَكُونُ أَحَد [متن] 286 164 - أَفَلاَ كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ بِهِ, 710 165 - أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ [ابن عوف] 630 166 - أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ ــ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ [متن] 236 167 - اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا [متن] 685 168 - اُقْتُلُوهُ [متن] 468 169 - أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ 189, 198, 207

170 - اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى [المتن] 595 171 - اقْضِي دَيْنَ أُمِّكِ 406 172 - اقْطَعُوا فِى رُبُعِ دِينَارٍ وَلاَ تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ 706 173 - أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغربِ [متن] 180 174 - اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ، ثُمَّ قَامَ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إلاَّ الاَّذْخِرَ [متن] 680 175 - أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ، وَحُمُرَ الْوَحْشِ، وَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْحِمَارِ [متن] 753 176 - إلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي, 718 177 - ألا أخبركم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم 289 178 - أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ 783 179 - إلاَّ الإِذْخِرَ, 463 180 - إلاَّ الْفَرَائِضَ, 172 181 - إلاَّ أَنْ يَاكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلا تَاكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَك [متن] 760 182 - أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ 281، 282 183 - أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ــ ثَلاثَاًـ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ [متن] 743 184 - أَلا إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّمَا يَاتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ [متن] 739 185 - إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ [متن] 370 186 - إلاَّ وَزْناً بِوَزْنٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ 558 187 - إلاَّ يَداً بِيَدٍ 558 188 - أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ 595 189 - أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ 418 190 - أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ عَلَى النَّارِ فِيهَا لَحْمٌ؟ 601 191 - أَلَمْ تَرَيْ؟ أَنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ 652 192 - أَمَّا أَبُو جَهْمٍ: فَلا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ [متن] 636 193 - أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ, 542 194 - أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ - عز وجل -، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ 189، 207 195 - أما أنا فلا أُخرج إلا صاعاً، كما كنت أخرجها على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -[أبو سعيد] 383 196 - أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش 609 197 - أما أنا، فأصلي، ولا أنام، وآخر قال: أما أنا، فأصوم، ولا أفطر 609 198 - أما إنك لو قمت، كذلك لم تبلغ أجر المجاهدين في سبيل اللَّه 799

199 - أَمَّا بَعْدُ: فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ [متن] 548 200 - أَمَّا بَعْدُ: مَا بَالُ أناسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطاً لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ 551 201 - أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، فإنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ [عمر] 771 202 - أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَاكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ 727 203 - أَمَّا مَا ذَكَرْتَ ــ يَعْنِي ــ مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلا تَاكُلُوا فِيهَا [متن] 759 204 - أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَاسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَاسَهُ رَاسَ حمار [متن] 175 205 - أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ [متن] 506 206 - أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ 321 207 - أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَنُوبٍ مِنِ مَاءٍ، فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ [متن] 102 208 - أُمِرَ بِلالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ [متن] 170 209 - أَمَرَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، ذكر منها: اتِّبَاعَ الجَنَائِزِ 362 210 - أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، عَلَى الْجَبْهَةِ [متن] 192 211 - أَمَرَنَا - تَعني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ [متن] 311 212 - أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ 363 213 - أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوباً، ولا شعراً 193 214 - أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَصُومَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْبِيضَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ 422 215 - أَمَرْنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرْنَا: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ [متن] 784 216 - أَمَرَنِي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا، وَجُلُودِهَا [متن] 489 217 - أمسك الثلث 736, 737 218 - أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ [متن] 733 219 - أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلا تُفْسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي [متن] 580 220 - امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي 136 221 - أن أبا هريرة كان يبالغ في الوضوء من أجل هذا الحديث, وكان إذا غسل 78 222 - إِنَّ أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، صَلاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ [متن] 168 223 - أَنِ اجْلِسُوا فلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُو [متن] ا176 224 - إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ، صِيَامُ دَاوُد - عليه السلام -، وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد [متن] 414 225 - إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ 613، 616 226 - إنْ أَعْطَيْتَهَا إزَارَكَ جَلَسْتَ وَلا إزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ غير هذا [متن] 628 227 - إنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أمورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لا يَعْلَمُهُنَّ [متن] 747

228 - إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ما يجهر ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في أول الصلاة, وهكذا أبو بكر وعمر 231 229 - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رآهم عجلوا عجلها, وإذا رآهم أبطؤوا أخرها 161 230 - إنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلادَةِ [متن] 661 231 - أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَبَعَثَ مُنَادِياً يُنَادِي: الصَّلاةَ جَامِعَةً [متن] 316 232 - إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لا يَنخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ [متن] 318 233 - إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا [متن] 317 234 - إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خِفْتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرّاً [متن] 438 235 - أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ 621 236 - إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ 283 237 - إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ 283 238 - إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ 361 239 - إِنَّ الْغَادِرَ يُرفعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنٍ بن فلان 806 240 - إنَّ اللَّهَ - عز وجل - قَدْ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَلا [متن] 680 241 - إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلاَةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ: مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوع الْفَجْرِ 269 242 - إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَادَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَاً وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ 280 243 - إِنَّ اللَّهَ قَدْ أحْدث مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ 244 244 - إِنَّ اللهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، مُرْهَا فَلْتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ 733 245 - إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ, 356 246 - إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَام [متن] 541 247 - إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ 401 248 - إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا 280 249 - إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ [متن] 715 250 - إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لإحدًى ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ 285 251 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ, فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَةٍ نَحوَ أَرْبَعِينَ [متن] 711 252 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتي بصبي فبال على ثوبه, فدعا بماء, فأتبعه إياه ولم يغسله [متن] 103 253 - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعاً من حديد, 565 254 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف، وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، يعني في 439 255 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامٍ، أَوْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ 376 256 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس إلى الصحراء، فصلى بهم في المصلى واستغاث 326

257 - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ, 534 258 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردَّ على عثمان بن مظعون التبتل لما أراد عثمان ان يتبتل في العبادة وينقطع 610 259 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَلَمْ يَجْلِسْ [متن] 230 260 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ [متن] 337 261 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً [متن] 337 262 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلامٌ. فَنَظَرَ إلَى أَعْلامِهَا نَظْرَةً [متن] 288 263 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ على شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ [متن] 575 264 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْهُ 808 265 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ــ وَفِي لَفْظٍ: ثَمَنُهُ ــ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ [متن] 704 266 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ، قِيمَتُهُ ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ 706 267 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا رَفَّأَ إِنْسَانًا إِذَا تَزَوَّجَ، قَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ 634 268 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ [متن] 204 269 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [متن] 221 270 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ 792 271 - أَنَّ النَّبِىّي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ فَصُّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ 792 272 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ [متن] 192 273 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، وَفِي 215 274 - أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: {الم تَنْزِيلُ} 308 275 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع، يكبر عند الإحرام، يكبر عند الركوع 200 276 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَبَّرَ عَلَى الميِّتِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَرْبَعاً 342 277 - أَنّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، فَكَانَ يَجْعَلُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ 792 278 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَهُ في بعْضِ طُرُقِ المدينَةِ وهو جُنُبٌ، قالَ: فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ [متن] 109 279 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَهِبَتِهِ, 595 280 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ [متن] 753 281 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ [متن] 159 282 - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ [متن] 520 283 - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الشِّغَار 618 284 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ [متن] 618 285 - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رضي الله عنهم -: كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاةَ بِـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [متن] 228

286 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ مرة مرة 75 287 - أنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ 302 288 - أَنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ 212 289 - أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا 696 290 - إِنَّ أُمَّ الفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} 220 291 - أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اُسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ. فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ [متن] 134 292 - إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنِ أثَرِ الْوُضُوءِ [متن] 73 293 - أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَتْلَ 806 294 - أن امرأة يقال لها بريرة مملوكة جاءت إليها، وقالت: إني كاتبت أعمامي 550 295 - إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ 406 296 - إِنَّ أُنَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ 500 297 - إنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ [متن] 171 298 - أن تنزل الملائكة هذا عند الموت [مجاهد] 51 299 - أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلاةِ [متن] 379 300 - أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَاسُهَا مَرْضُوضاً بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِك فُلانٌ [متن] 679 301 - أن جماعة من الأنصار جعلوا عليهم إماماً, فكان يصلي بهم ويختم بـ (قل هو اللَّه أحد) 226 302 - إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ 139, 441 303 - إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا 585 304 - إنَّ ذَلِكِ لا يَحِلُّ لِي [متن] 612 305 - أنَّ رِجالاً تماروا في مِنْبَرِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فقال سهل [متن] 295 306 - أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَاحْتَاجَ فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِيهِ 822 307 - أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَهُمَا [متن] 647 308 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً، وَرَهَنَهُ دِرْعاً مِنْ حَدِيدٍ [متن] 564 309 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اصْطَنَعَ خَاتَماً مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ [متن] 784 310 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا [متن] 628 311 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ [متن] 351 312 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ. فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ [متن] 222 313 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا 814 314 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَاسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ [متن] 468

315 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاء، مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَخَرَجَ [متن] 468 316 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 629 317 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَخَّصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ، أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا [متن] 534 318 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، فصَفَّ النَّاسَ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ: صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفًّا 334 319 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَو خَالَتِهِ، قَالَ: فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا [متن] 175 320 - أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ 210 321 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي 808 322 - إن رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا 384 323 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَسَمَ فِي النَّفَلِ، لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجلِ سَهْماً [متن] 814 324 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ [متن] 392 325 - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه 192 326 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَرْقُدُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ تَسَوَّكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ 272 327 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِه، حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَاسِهِ [متن] 172 328 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - 208 329 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ [متن] 436 330 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ فِي السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً [متن] 814 331 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ [متن] 344 332 - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع الرجل الطعام حتى يستوفيه 540 333 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ الشِّغَارِالشغار والشغار 621 334 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، وَالمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ 529 335 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ, 526 336 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ [متن] 526 337 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعاً يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ [متن] 525 338 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ [متن] 533 339 - أنِّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ نِكاحِ الشِّغَارِ [متن] 618 340 - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ 423 341 - أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ ــ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ ــ كَانَ عَلَى عَهْدِ [متن] 275 342 - أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة 276 343 - إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا [متن] 697

344 - إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا [متن] 569 345 - إن شئت فصم وإن شئت فأفطر [متن] 398 346 - أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ [متن] 332 347 - أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً 272 348 - أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إنِّي كُنْتُ لأَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ ــ وَالْمَرِيضُ فِيهِ ــ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ [متن] 437 349 - أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرَ ابْنَ الْعَوَّامِ، شَكاَ الْقَمْلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ [متن] 807 350 - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ 238 351 - إن على اللَّه عهداً لمن مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه من طينة الخبال 712 352 - إِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ 376 353 - أَنَّ فَصَّ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ 792 354 - أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهاجرينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ [متن] 286 355 - إِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ 252 356 - إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً: قَدِّمُونِي قدموني وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا 353 357 - إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ [متن] 764 358 - أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضي الله عنه - كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - العِشَاءَ الآخِرَةِ [متن] 246 359 - إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى يوم خلق السّمَوات والأرض، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا [متن] 462 360 - أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ 375 361 - أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ؟ قَالَ: ارْكَبْهَا [متن] 488 362 - إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ الأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ [متن] 463 363 - إنَّ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعالى لا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ [متن] 318 364 - أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر 104 365 - أَنْ يُطْعِمَ فَرَقاً بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [متن] 461 366 - أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَبِهَا 679 367 - أَنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ، فَأَقَادَهُ بها رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 679 368 - أنا بَرِيء مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ 361 369 - إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ زَكَاةَ الْعَامِ عَامَ الأَوَّلِ 376 370 - إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ 376 371 - إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، إلاَّ أَنَّا حُرُمٌ [متن] 512 372 - أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلانَا [متن] 666

373 - أَنْتَ إِمَامُهُمْ وَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً 717 374 - أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْك [متن] 666 375 - انْتَدَبَ اللَّهُ ــ أو تَضَمُّنَ اللَّهُ ــ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إلاَّ جِهَادٌ [متن] 794 376 - انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي 794 377 - أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ [متن] 482 378 - الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ 378 379 - انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ 629 380 - انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ 629 381 - أَنْفَجْنَا أَرْنَباً بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، وَأَدْرَكْتُهَا، فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا [متن] 747 382 - إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ 366 383 - إنَّك سَتَاتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ [متن] 364 384 - إِنَّكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ 417 385 - إِنَّمَا الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ 639 386 - إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ [متن] 60 387 - إنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ [جابر] [متن] 579 388 - إنما الماء من الماء 117 389 - إنما الولاء لمن أعتق [متن] 551 390 - إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ 233, 395 391 - إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ 467، 707 392 - إِنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرين 104, 105 393 - إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا 682 394 - إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ [متن] 176 395 - إِنَّمَا ذَلِكِ دَمُ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ 136 396 - إنَّمَا فعلتُ هذَا لتَاتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي 298 397 - إنَّمَا كَانَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا 128 398 - إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ [متن] 685 399 - إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي [متن] 642 400 - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار الذي أمامه ثلاثة أذرع 237 401 - أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ هَبَطَ بِهِمْ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ إِلَى جَدْرٍ اتَّخَذَهُ قِبْلَةً، فَأَقْبَلَتْ بَهْمَةٌ 241

402 - أنه أخّر الظهر والعصر 157 403 - أنه استسلف من الزكاة عامين 376 404 - أَنَّهُ أَهْدَى إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيَّاً، وَهُوَ بِالأَبْوَاءِ ــ أَوْ بِوَدَّانَ ــ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ [متن] 512 405 - أنه توفي ودرعه مرهونة في طعامٍ لأهله، عليه الصلاة والسلام 565 406 - أَنَّهُ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، وَقَالَ: إنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ، لا تَضُرُّ [متن] 472 407 - أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -، فَرَأَىهُ رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ [متن] 500 408 - أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَاتَّبَعَهُ المُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ 96 409 - إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَمَالَأَهُمْ 292 410 - أنه صلى عندها ثمان ركعات صلاة الضحى 423 411 - أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} 225 412 - إِنَّهُ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ، فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ، حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ 320 413 - إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالحِنْطَةِ [عمر] 711 414 - أنه قرأ بـ (الأعراف) 223 415 - أنه قرأ في الفجر بـ (إذا زلزلت) كررها مرتين 226 416 - أنه قرأ في المغرب بـ (المرسلات) 223 417 - أنه قرأ فيها بـ (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو اللَّه أحد) 223 418 - أنه قرأ فيها بقصار المفصل 224 419 - أَنَّهُ كَانَ ــ هُوَ وَأَبُوهُ ــ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ. فَسَأَلُوهُ عَنْ الْغُسْلِ؟ [متن] 120 420 - إنه كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْها بِخَمْسٍ 271 421 - أنه كان يجلِّل من ذي الحليفة، وكان يعقد أطراف الجلال [ابن عمر] 491 422 - أنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عشر رَكَعَات، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ ثنتيْنِ، ثمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ 272 423 - أنه كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً 117 424 - أنه كُفن في ثلاثة أثواب 347 425 - أنه كُفن في سبعة أثواب عليه الصلاة والسلام 347 426 - أنه لبسه في اليمنى واليسرى 791 427 - إِنَّهُ لَيْسَ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا 657 428 - أنه نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم 542 429 - إنه نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها 616 430 - أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ 779

431 - أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّه لا يَاتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ [متن] 728 432 - إنها ابنة أخي من الرضاعة 663، 666 433 - أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَاكُلِ الطَّعَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ [متن] 101 434 - أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ فِي حَالِ اسْتِحَاضَتِهَا لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ 137 435 - أنَّهَا حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَصَلَّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ 423 436 - إنها رجس 622 437 - إنَّهَا رَحْمَةٌ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ 361 438 - أَنَّهَا [سبيعة الأسلمية] كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ [متن] 640 439 - أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ [متن] 437 440 - أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَقُولُ: لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَااي مَا تَرَكْتُهُنّ 423 441 - إنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة 780 442 - إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ [متن] 612 443 - أَنَّهم صَفُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ صُفُوفاً، قال: كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ 341 444 - أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة الحر وكانوا مفطرين ليس فيهم صائم إلاَّ رسول اللَّه 400 445 - إنهما شجرتان خبيثتان 537 446 - إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ [متن] 85 447 - أَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ 420 448 - إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي 415 449 - إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاَةِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ 276 450 - إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أشّدَّ المُعَالَجَةِ 144 451 - إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا 206 452 - إنِّي لا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي بِنَا [متن] 199 453 - إنِّي لَبَّدْتُ رَاسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ 481، 485 454 - إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى 412 455 - إِنِّي مَصِصْتُ عَنْ امْرَأَتِي مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا فَذَهَبَ فِي بَطْنِي [أبو موسى] 667 456 - إنِّي وَاَللَّهِ ــ إنْ شَاءَ اللَّهُ ــ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، إلاَّ [متن] 715 457 - إنِّي وَاَللَّهِ ــ إنْ شَاءَ اللَّهُ ــ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا 718 458 - أَهْدَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّةً غَنَماً, 488 459 - أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ 188، 196

460 - أَهَلَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ، غَيْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 494 461 - أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ 460 462 - أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ، وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ [أبو هريرة] , 761 463 - أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ [متن] 612 464 - أَوْصَانِي حَبِيبِي - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاَثٍ، لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ 421 465 - أَوْصَانِي حَبِيبِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَبَدًا، أَوْصَانِي: بِصَلاَةِ الضُّحَى 421 466 - أَوْصَانِي خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ لِشَيْءٍ: «أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ 421 467 - أَوْصَانِي خَلِيلِي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ [متن] 420 468 - أوعمياوان أنتما 639 469 - أوف بنذرك 443, 731 470 - أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ [متن] 672 471 - أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ [متن] 67 472 - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ 630 473 - أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِداً، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ [متن] 356 474 - أوه، عين الربا عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيباً 560 475 - إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ 627 476 - ائْذَنِي لَهُ، فَإِنَّهُ عَمُّك، تَرِبَتْ يَمِينُك [متن] 661 477 - الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَاذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا 623 478 - أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ 163 479 - أَيُّمَا امْرَأَةٍ أمست بَخُورًا فَلاَ تُصَلّيْ مَعَنَا الْعِشَاءَ 163 480 - أيما امرأة مست طيباً فلا تحضر معنا الصلاة 163 481 - أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ 567 482 - أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ 502 483 - أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ 502 484 - بارك اللَّه لك وعليك وجمع بينكما بخير 634 485 - بَارَكَ اللهُ لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ 634 486 - الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ: إِنَّهَا قَوْلُ الْعَبْدِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ [ابن المسيب] , 292 487 - الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سُبْحَانَ اللَّه، وَالْحَمْدُ للَّه، ولاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَالله أَكْبَرُ 292 488 - بَايَعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ 789

489 - بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ [متن] 175 490 - بِخَرْصِهَا تَمْراً، يَاكُلُونَهَا رُطَباً 534 491 - بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَاسِهِ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ [متن] 72 492 - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ 354 493 - بسم اللَّه، اللَّهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا 627 494 - بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ، فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا 805 495 - بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً إِلَى نَجْدٍ، فَخَرَجْتُ فِيهَا، فَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَمًا [متن] 805 496 - بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَاجَةٍ. فَأَجْنَبْتُ. فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ [متن] 125 497 - بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ [متن] 552 498 - الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْريب عَام 695 499 - البكر يستأذنها أبوها وإذنها سكوتها 623 500 - بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاماً لَهُ عنْ دُبُرٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ [متن] 822 501 - بِوَرِكِهَا أَوْ فَخِذَيْهَا - قَالَ الراوي: فَخِذَيْهَا لاَ شَكَّ فِيهِ 747 502 - بول الغلام الرضيع ينضح, وبول الجارية يغسل 103 503 - بئسما شبهتمونا بالحمير والكلاب [عائشة] 239 504 - الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ــ أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا ــ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا [متن] 516 505 - الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ 726، 746 506 - بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 173 507 - بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلَكْتُ [متن] 392 508 - تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ [متن] 74 509 - تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ [متن] 431 510 - تحريمها التكبير 180، 196 511 - التحف به 123 512 - تحمرّ، وتصفرّ أرأيت إن منع اللَّه الثمرة بما تستحلّ مال أخيك [أنس] 526 513 - التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ [متن] 254 514 - تدع الصَّلَاة أَيَّام أقرائها، ثمَّ تَغْتَسِل وتستثفر بِثَوْب، وتتوضأ لكل صَلَاة 137 515 - تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ 361 516 - تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي 425 517 - تُسبحُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدُ اللَّه ثلاثاً وثلاثين، وتكبر اللَّه ثلاثاً وثلاثين [متن] 287

518 - تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلاةِ. قَالَ أَنَسٌ: قُلْت لِزَيْدٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ [متن] 386 519 - تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً [متن] 385, 390, 411 520 - تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ 315, 883 521 - تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي 794 522 - تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ، فَصَاعِداً [متن] 704 523 - تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الحق يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ 536 524 - تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى [متن] 636 525 - تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم -[ابن عباس] 297 526 - تمتعنا على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فنزل القرآن، قال رجل برأيه ما شاء 482 527 - توضأ واغْسِلْ ذَكَرَكَ [متن] 97 528 - تَوَضَّا وَانْضَحْ فَرْجَكَ [متن] 97 529 - تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ 137 530 - توضئي لوقت كل صلاة 137 531 - تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ 565 532 - ثلاثة حق على اللَّه عونهم: المتزوج يريد العفاف 606 533 - ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ 606 534 - الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغنياءَ خيرٌ منْ أَنْ تَذَرَهمْ عالَةً [متن] 589 535 - ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا 560 536 - ثم اقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وبما شاء اللَّه، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعُ 203, 216 537 - ثُمَّ اقْرَا بمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ 228 538 - ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَاكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ، لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ [عمر] 537 539 - ثُمَّ ليَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه فيدعو به 256, 264 540 - ثمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ 256, 264 541 - ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ 152، 154، 155 542 - ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ. وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [متن] 533 543 - جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: صَلَّيْتَ يَا فُلانُ؟ [متن] 299 544 - جاء عن ابن مسعود ما يدل على أنه ربما قرأ ثنتين 227 545 - جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي 629 546 - جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ، وَمَا أُرِيدُ [متن] 204

547 - الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُطَالِبُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَائِبًا 569 548 - جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَأَنْفُسِكُمْ، وَأَلْسِنَتِكُمْ 809 549 - جَعَلَ-وَفِي لَفْظٍ قَضَى-النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ [متن] 565 550 - جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى 784 551 - جَمَعَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بإقَامَةٍ [متن] 507 552 - جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ 296 553 - جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَأَفْتَانِي [متن] 640 554 - حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ 227 555 - حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أخرى مُسْتَقْبَلَةً، سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا [متن] 635 556 - حَتَّى يَقْبِضَهُ 540 557 - حج عن أبيك 734 558 - حج عن أمك 734 559 - حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِه 538 560 - حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ [متن] 753 561 - الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر 413, 421 562 - حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً 157 563 - حَشَا اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً [متن] 153 564 - حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ 788 565 - حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَاسَهُ وَجَسَدَهُ 300، 301 566 - الْحِلُّ كُلُّهُ [متن] 495 567 - الْحَمْوُ الْمَوْتُ [متن] 627 568 - الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ [متن] 666 569 - خالف بين طرفيه 123 570 - الْخِتَانُ، الِاسْتِحْدَادُ، قَصُّ الشَّارِبِ، قلْمُ الْظّفْرِ، نَتْفُ الْإِبْطِ 106 571 - خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لأَخِيك، أَوْ لِلذِّئْبِ [متن] 585 572 - خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، حَتَّى نَلْتَقِيَ [متن] 511 573 - خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ: جَلْدُ مِئَةٍ 695 574 - خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا يَكْفِيكِ، وَيَكْفِي بَنِيكِ [متن] 738 575 - خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ [متن] 548

576 - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى 323 577 - خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ [متن] 323 578 - خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ 326 579 - خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَبَذِّلاً، مُتَوَاضِعًا، مُتَضَرِّعًا حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى 326 580 - خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنَا [متن] 398 581 - الخمر ما خامر العقل [عمر] 711 582 - خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ 468 583 - خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ [متن] 468 584 - دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غُلاماً لَهُ [عمر] 822 585 - دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا [متن] 469 586 - دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ 781 587 - دخل عليّ رسول اللَّه وعندي رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه 665 588 - دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ [متن] 754 589 - دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماءٍ 101 590 - دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا 96, 98, 855 591 - دعو الناس يرزق اللَّه بعضهم من بعض 523, 524, 555, 556 592 - دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي 136 593 - دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ ما كانت تحبسك حيضتك، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي 136 594 - الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ 290 595 - الدُّنْيَا لأَرْبَعَة: رجل أعطاه اللَّهُ عِلْمًا وأعطاه مَالاً، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مالهِ رَبَّهُ 289 596 - الدين النصيحة [متن] 789 597 - ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [متن] 287 598 - ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ [متن] 402 599 - ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم 288 600 - الذَّهَبُ بِالذهب رِبًا، إلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، والفضةُ بالفضةِ ربًا، إلا هَاءَ وهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ [متن] 557، 790 601 - الذي يتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا، وَالَّذِي يَقُولُ لَهُ 306 602 - رَاسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ 146 603 - رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قد أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنَحَرَهَا، فَقَالَ: ابْعَثْهَا قِيَاماً [متن] 489 604 - رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة 83

605 - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ــ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ ــ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ [متن] 473 606 - رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا افتتح الصلاة رفع يديه 192 607 - رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بمنى على بغلة، عليه برد أخضر 781 608 - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ 220 609 - رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللَّهم اغفر لي، وارحمني، واهدني 197 610 - رِبَاطُ يَوْمٍ أوَلَيْلَةٍ في سَبيلِ اللَّه خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِه 798 611 - رباط يوم في سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم [متن] 793 612 - رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ 798 613 - رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً , وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً , وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 260 614 - رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ 187، 188, 196 615 - رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا [متن] 608 616 - رَقِيْتُ يَوْماً عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ [متن] 80 617 - رَكْعَتا الفَجْرِ خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها [متن] 170 618 - رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ - صلى الله عليه وسلم - 297 619 - رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِراءتَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ 201 620 - رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ [متن] 198 621 - زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن السنور والكلب 535 622 - زوجتكها بما معك من القرآن [متن] 628, 633 623 - سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْكُهَّانِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: لَيْسُوا بِشَيْءٍ 536 624 - سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ-مَا تَرَى فِي صَلاةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى، مَثْنَى [متن] 268 625 - سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْمُتْعَةِ؟ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلَتْهُ عَنِ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: فِيهِا جَزُورٌ [متن] 480 626 - سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأعمالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ - عز وجل -؟ قَالَ: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا [متن] 142 627 - سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا 281 628 - سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَكَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ [متن] 208 629 - سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ [متن] 420 630 - سَأَلْتُ جَابِرًا، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ 535 631 - سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لا بَاسَ بِهِ [متن] 576 632 - سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ [متن] 135 633 - سُبْحانَ اللَّه! إِنَّ المُسْلِمَ ــ وفي رواية: المُؤْمِنَ ــ لا يَنْجُسُ [متن] 109

634 - سُبْحانَ اللَّه! إِنَّ المُسْلِمَ لا يَنْجُسُ 111 635 - سَبْحَانَ اللَّهَ، وَالحَمْدُ اللَّهَ، وَاللَّهُ أكْبَرُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّة جميعاً، وَهذهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ 278 636 - سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ 187, 189 637 - سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى، سُبحانَ رَبِّيَ الأعْلَى 188 638 - سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ 186، 197 639 - سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي 187, 189 [متن] 263 640 - سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ 182 641 - سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ 187, 189 642 - سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ 187 643 - سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ 192 644 - سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ [متن] 221 645 - سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي الْعِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا 226 646 - سمل أعينهم 693 647 - السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ 93, 95، 96 648 - سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنِ تَمَامِ الصَّلاةِ [متن] 173 649 - سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسِيرُ في حجة [متن] 499 650 - سُئِلَ النبي عليه الصلاة والسلام: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قال: الصلاة على وقتها 281 651 - شَاتُكَ شَاةُ لَحْم [متن] 309 652 - شاهداك أو يمينه 725, 726, 745 653 - شَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ 610 654 - الشِّغَارُ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَيَنْكِحُ أُخْتَ [نافع] 621 655 - شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْرِ [متن] 153 656 - شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى، صَلاةِ الْعَصْر، مَلأَ اللَّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً 156 657 - شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ [متن] 97 658 - شَهِدْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك [متن] 684 659 - شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي الحَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -[متن] 72 660 - شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ، صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 332 661 - صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ لا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ 294 662 - صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ، تَرِبَتْ يَمِينُك [متن] 662

663 - الصَّعِيدُ وُضُوءُ اَلْمُسْلِمِ, وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ 126 664 - صفوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلوا معه ركعةً، صاروا طائفتين: طائفة بقيت 334 665 - صَلاَةُ الأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ 423 666 - صَلاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنِ صَلاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً [متن] 167 667 - صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ [متن] 167 668 - صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى 190, 272 669 - صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى 190, 274 670 - صلاة الليل والنهار 190, 273, 274 671 - الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا 146, 281 672 - صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ 149, 155 673 - صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلّي179, 181, 193, 195, 197, 199, 201، 205, 209, 221, 223, 265. 674 - الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كفَّارات لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا لم تُغْشَ الكبائر 145 675 - صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ ــ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ [متن] 229 676 - صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ التي لَقيَ فِيهَا الْعَدُوَّ [متن] 331 677 - صَلَّى كَمَا يُصَلِّي فِى الْعِيدِ 326 678 - صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - فَكَانَ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ [متن] 198 679 - صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة 339 680 - صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم - فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ [متن] 229 681 - صليت خلف عليِّ بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين 198 682 - صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [متن] 228 683 - صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا [متن] 169 684 - صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الأَسْلَمِيِّ , صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى جِنَازَةِ 340 685 - صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ 231 686 - صَلَّيْت وَرَاءَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ وَسْطَهَا [متن] 351 687 - صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ 389 688 - صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلَاثِينَ 389 689 - صومي عنها 410 690 - صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ، أَوْ يُصَدْ لَكُمْ 514

691 - ضَحَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ [متن] 768 692 - طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ عِنْدَهُ، وَكَبَّرَ 475 693 - طَافَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ [متن] 473 694 - طَافَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مضطبعاً، بِبُرْدٍ أخْضَرَ 781 695 - طَهُورُ إنَاءِ أحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِناءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعاً، أُوْلاَهُنَّ بِالتُّرَابِ 70 696 - الطهور شطر الإيمان 61 697 - الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 584 698 - الْعَائِد فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ [متن] 570 699 - عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ [متن] 174 700 - الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ [متن] 371 701 - الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ 371 702 - عرضت على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد فلم يجزه في المقاتلة [ابن عمر] , 813 703 - عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةَ [متن] 808 704 - عَقْرَى، حَلْقَى، أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفِرِي [متن] 506 705 - عَلِّمْنِي يَا رَسَولَ اللَّهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، وَفِي بَيْتِي 263 706 - عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا 300 707 - عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أن يَغْتسِل 300 708 - عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَاسَهُ وَجَسَدَهُ 300 709 - عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ 124، 127 710 - عليكم أن لا تفعلوا فإن اللَّه قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة 652 711 - عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ [متن] 399 712 - عين الربا لا تفعل, بع الجمع بالدراهم، بع الجمع، ثم ابتع جنيباً 562 713 - الْعَيْن تَدْمَعُ، وَالْقَلْب يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى الرَبّ، وَإِنَّا لِفِرَاقِكَ 355،360 714 - غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ [متن] 801 715 - غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا [متن] 802 716 - غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَ غَزَوَاتٍ، نَاكُلُ الْجَرَادَ [متن] 756 717 - غُسْلُ الجمعة يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ 300, 301 718 - غُسْلُ الجمعة يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَاكَ وَيَتطَيَّب 300 719 - الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَأَنْ يَسْتَنَّ وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ 300

720 - غفرانك 82 721 - غَيْرَ أَنَّهُ لا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ [متن] 172 722 - غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ [متن] 570 723 - فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ [متن] 101 724 - فأجازني، ورآني قد بلغت 813 725 - فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه 366 726 - فادعهم إلى أن يوحِّدوا اللَّه 366 727 - فَادْعُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا، وكبِّروا، وَتَصَدَّقُوا 321 728 - فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا [متن] 208 729 - فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إِيمَاءً 331 730 - فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ 239, 241 731 - فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة, ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن 216 732 - فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي [متن] 575 733 - فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ 321 734 - فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ: فَفِي بَيْتِهِ [متن] 169 735 - فإِنَّ الَّذِي يَعُودُ في صَدَقَتِهِ كالْكلْبِ يَقيءُ ثمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ [متن] 570 736 - فإنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسَانُ 252 737 - فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ 252 738 - فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ 352 739 - فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ 542 740 - فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ، أو: الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ ــ فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ [متن] 760 741 - فإن غُمَّ عليكم فأكملوا ثلاثين 389 742 - فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا 331 743 - فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ 353 744 - فإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله، أو سهمك 761 745 - فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [متن] 413 746 - فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا [متن] 652 747 - فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ [متن] 437 748 - فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ [متن] 728

749 - فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلى السَّحَرِ [متن] 26 750 - فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ 630 751 - فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ 99 752 - فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْيِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا ــ أَوْ قَلَّدْتُهَا ــ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا [متن] 488 753 - فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بن عمر كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 635 754 - فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، قَالَ: فَتَوَضَّأَ [متن] 171 755 - فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى 406 756 - فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا 748 757 - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَعَرَفْتُ: أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ, فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ [متن] 92 758 - فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا 638 759 - فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً 384 760 - فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَةَ الْفِطْرِ ــ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ــ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى [متن] 379 761 - فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ [متن] 300 762 - فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ 391 763 - فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ 323 764 - فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ، وَرُكُوعٍ، وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُه فِي صَلاَةٍ قَطُّ 321 765 - فصلى وهو عَلَيْها، ثم كبَّر عليها، ثم رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا، ثمَّ نَزَلَ القَهْقَرى 295 766 - فصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ [متن] 461 767 - فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عليه السلام -، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى 414 768 - فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ [متن] 408 769 - فصومي عنها 409 770 - الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ [متن] 102 771 - فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ 633 772 - فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا [متن] 80 773 - فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ، وَالكَبِيرِ 379 774 - فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ، فَوَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ 678 775 - فَلا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلا بَوْلٍ، وَلا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا 83 776 - فَلا تُشْهِدْنِي إذاً، فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ [متن] 575 777 - فلما قدم معاوية المدينة قال: أرى أن مداً من هذا يعدل مُدين 383

778 - فَلَوْلا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ [متن] 222 779 - فليخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إليه يدعو به 265 780 - فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ [متن] 66 781 - فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا اللَّه 366 782 - فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ: الشُّغْلُ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -[عائشة] 402 783 - فما حَرُم عليه شيء كان له حلٌّ 488 784 - فما حَرُمَ عليه شيء كان له حِلاًّ 488 785 - فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا، وَلاَ أحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ عليه الصلاة والسلام 226 786 - فمن راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ 307 787 - فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُت [متن] 716 788 - فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ للَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ 64 789 - فمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ 456 790 - فهو في النار 739, 740, 820 791 - فَوَاَللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْهَى عَنْهَا، ذَاكِراً وَلا [عمر] [متن] 716 792 - فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخُطبت فأنكحها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - 640 793 - فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى-ثَلاثاً-ثُمَّ قَضَى وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي [متن] 92 794 - في الرفيق الأعلى 92, 94, 95 795 - في تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى، أَوْ ثَالِثَةٍ تَبْقَى 434 796 - قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا [متن] 541 797 - قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَةِ أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ 820 798 - قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد عليهما السلام: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تسعينَ امْرَأَةً تَلِدُ [متن] 721 799 - قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عليٌّ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ [عمران بن حصين] 200 800 - قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ 629 801 - قَدْ شَبَّهْتُمُونَا بِالْحَمِيرِ وَالْكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي وَإِنِّي [عائشة] 239 802 - قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ من ذي الحجة مهلين بالحج، فَأَمَرَهُمْ [متن] 495 803 - قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ [متن] 473 804 - قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ ــ أَوْ عُرَيْنَةَ ــ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 691 805 - قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَعَلْنَاهَا [متن] 494 806 - قَرَأَ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ 220

807 - قرأ فيها بـ (ق) 225 808 - قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا 814 809 - قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى 108 810 - الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، فَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ 739 811 - الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ، اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ 740 812 - الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ: فَرَجُلٌ 739 813 - قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لَا يَحِلُّ 565 814 - قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ [متن] 579 815 - قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ [متن] 261 816 - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً [متن] 437 817 - قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ [متن] 299 818 - قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ 243, 329 819 - قول الله - عز وجل -: {قل العفو}، يعني فضل قوتك، فإن كان الرجل من أصحاب الذهب 736 820 - قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي 435 821 - قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لَكُمْ [متن] 174 822 - قيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ: قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - مُسْنِدًا ظَهْرَهُ 144 823 - كالْكلْبِ يَقيءُ ثمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ 573 824 - كان [ابن عمر] يجلِّل الجلال المرتفعة من الأنماط، والبرود، والحِبَر 491 825 - كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل في السجود وفَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ 207 826 - كَانَ إِذَا سَجَدَ اعتدل وفَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ وإِبْطَيْهِ 213 827 - كانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ، خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، وَكَانَ يَسْعَى بِبَطْنِ الْمَسِيلِ 473 828 - كانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ 782 829 - كان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ 294 830 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا غسل يديه أشرع في العضد, وإذا غسل رجليه أشرع في الساق 79 831 - كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ 94 832 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى دابة تريد أن تمر، فتقدم حتى يمنعها من المرور 241 833 - كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ 296 834 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ 148 835 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ [متن] 143، 148

836 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ 215 837 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ 215 838 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى [متن] 305 839 - كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، يُصَلُّونَ الْعِيدَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ [ابن عمر] [متن] 309, 312 840 - كان النبي إذا أتى أهله يغسل فرجه ويتوضأ ثم ينام 116 841 - كان النبي إذا جلس بين السجدتين اطمئن, حتى يقول القائل: قد نسي 206 842 - كَانَ النبي يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ 161 843 - كان النبي يعجبه التَّيمُّن 77 844 - كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ 206 845 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ 388 846 - كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوتر على راحلته 172 847 - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ 782 848 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ [متن] 110 849 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا 277 850 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ [متن] 176 851 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ إلَى الصَّلاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ [متن] 193 852 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ [متن] 91 853 - كَانَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُعْتَكِفًا في المسجد، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ [متن] 438 854 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ [متن] 134 855 - كَانَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ بَيْنَ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ [متن] 294 856 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ [متن] 299 857 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُ الْخَلاءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي معي إدَاوَةً مِنِ [متن] 84 858 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [متن] 179 859 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ 272 860 - كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنِ ذَلِكَ بِخَمْسٍ [متن] 268 861 - كانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ 389 862 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ مَكَانَهُ الَّذِي [متن] 436 863 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ [متن] 73 864 - كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى رَاسِهِ ثَلاثاً [متن] 120

865 - كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنِ صَلاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ [متن] 214 866 - كان عمر بن حسين من أهل الفضل والفقه والمشورة في [مالك بن أنس] 51 867 - كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ 669 868 - كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّيناً، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ [متن] 686 869 - كان لا يُجلِّل حتى يغدو من منى إلى عرفات [ابن عمر] 491 870 - كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّى مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي سَلِمَةَ 225 871 - كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ 299 872 - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَيالَ مَنْكِبَيْهِ، إذا افتتح الصَّلاة، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَاسَهُ 194 873 - كان يسمعهم الآية أحياناً ليعلموا قراءته 231 874 - كَانَ يُصَلّي - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ 270 875 - كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ - وهي الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى - حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ [متن] 152 876 - كان يصَلي ذات يومٍ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، وهو في الصلاة، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ 209 877 - كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ. وَكَانَتْ سَاعَةً لا أَدْخُلُ [متن] 169 878 - كان يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ 209 879 - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ 418 880 - كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى 418 881 - كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ [عائشة] 140 882 - كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ 220 883 - كَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ 191 884 - كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلاَّ فِي شَعْبَانَ 402، 404 885 - كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ [متن] 276، 276 886 - كان يوتر على البعير 172 887 - كَانَ يُوتِرُ عَلَى بَعِيرِهِ 172 888 - كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِمَّا لَمْ يُوجِفْ [متن] 807 889 - كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ 270 890 - كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ 299 891 - كَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِـ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} 232 892 - كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ 541 893 - كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - 320

894 - كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ من اليمن، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ 346 895 - كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ [متن] 771 896 - كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ 605 897 - كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا، إِذْ طُعِنَتْ 801 898 - كُلُّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قَطْرَةً وَاحِدَةً فَهُوَ يُحَرِّمُ [سعيد بان المسيب] 667 899 - كل مسكر حرام 713, 774 900 - كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ - عز وجل - عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ 713 901 - كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ 544, 711، 773 902 - كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَن لا تُنَاجِي [متن] 250، 253 903 - كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ 292 904 - كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ [متن] 333 905 - كُنَّا أَكْثَرَ الأنْصَارِ حَقْلاً، قال: كُنَّا نُكْرِي الأرْضَ عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ، وَلَهُمْ [متن] 575 906 - كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ [متن] 764 907 - كُنَّا مَعَ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي سفَرٍ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا الْمُفْطِرُ قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً [متن] 402 908 - كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ منا صَاحِبَهُ، وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلاةِ، حَتَّى [متن] 242 909 - كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصَّلاَةِ، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ، لحاجته حَتَّى 244 910 - كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ [متن] 305 911 - كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ 380 912 - كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ [متن] 398 913 - كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، حتى إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أحدُنا أَنْ يُمَكِّنَ [متن] 245 914 - كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ نَنْصَرِفُ [متن] 305 915 - كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ [متن] 247 916 - كنا نعرف انقضاء صلاة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير 277 917 - كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ [جابر] [متن] 656 918 - كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا [متن] 379 919 - كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، وحَتَّى نُخْرِجَ [متن] 311 920 - كنا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ 141 921 - كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ العَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ 434 922 - كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته - صلى الله عليه وسلم -[متن] 275

923 - كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ إنَاءٍ وَاحِدٍ، نَغْتَرِفُ مِنْهُ جَمِيعاً [متن] 110 924 - كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِ إنَاءٍ وَاحِدٍ، كِلانا جُنُبٌ [متن] 134 925 - كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنِ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ [متن] 115 926 - كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ [متن] 236 927 - كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَالَ، وَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ [متن] 96 928 - كيف أرضعتيه 669 929 - كيف وقد قيل؟، ففارقها عقبة ونكحت زوجاً غيره 665 930 - لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ؟ [عطاء] 418 931 - لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ [متن] 277 932 - لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ 275 933 - لا أُمَارِيكَ بعدها أَبَداً [متن] 493 934 - لا تأتوهم ليسوا بشيء 536 935 - لا تبع ما ليس عندك 542, 543, 605 936 - لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ [متن] 557 937 - لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع 523 938 - لا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى الْمَيِّتِ فَوْقَ ثَلاثٍ، إلا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [متن] 641 939 - لا تحدُّ امرأةٌ فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج 644 940 - لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ، أَوِ الْمَصَّةُ أَوِ الْمَصَّتَانِ 669 941 - لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ ولا الرَّضْعَتَانِ 669 942 - لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأندد، ولا تحلفوا باللَّه إلا وأنتم صادقون 720 943 - لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللَّه بأدنى الحيل 775 944 - لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ، وَأَخَّرُوا السُّحُورَ 391 945 - لا تُسَافِرُ يوماً، ولا ليلة، إلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ [متن] 454 946 - لا تستقبلوها لا بغائط ولا بول 83 947 - لا تَشْتَرِهِ، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ [متن] 570 948 - لا تَشْتَرِهِ، وَلوأَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ 573 949 - لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ 385 950 - لاَ تَفْعَلُوا إِلاَّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِهَا 218 951 - لا تقبل صلاة بغير طهور, ولا صدقةٌ من غلول 65

952 - لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 60 953 - لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ولا يَوْمَيْنِ إلاَّ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ [متن] 385 954 - لا تقطع اليد إلا في ربع دينار 706 955 - لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً 706 956 - لا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ [متن] 776 957 - لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ [متن] 789 958 - لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ [متن] 520 959 - لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت، وصلى أي ساعة شاء من الليل أو النهار 429 960 - لا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ [متن] 169 961 - لاَ تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يَرُدُّ مِنَ الْقَدْرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ 731 962 - لاَ تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يَرُدُّ مِنَ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ 731 963 - لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَامَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَاذَن [متن] 619 964 - لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ، فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ 413 965 - لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ 278 966 - لا رضاع إلا في الحولين 667, 668 967 - لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفَطَام 667 968 - لا رضاع إلا ما كان في الحولين [ابن عباس] , 667 969 - لا سبق إلاَّ فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ 812 970 - لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا [متن] 647 971 - لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ 619 972 - لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْن 418 973 - لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ [متن] 159، 165, 166 974 - لا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلا صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ [متن] 159 975 - لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ [متن] , 214، 218 976 - لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد - عليه السلام - شَطْرَ الدَّهْرِ- صُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْماً [متن] 414 977 - لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا [متن] 463 978 - لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ 270 979 - لَا يُبَاعُ الْوَلَاءُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ 600 980 - لا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ [متن] 711

981 - لا يِجْمَع الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا [متن] 613 982 - لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّه إلاَّ بِإِحْدَى [متن] 672 983 - لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ 542 984 - لا يحل سلم وبيع ولا بيع، ما ليس عندك 542 985 - لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا ذُ مَحْرَم 459 986 - لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا 644 987 - لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم 454 988 - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ 454 989 - لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلاَّ وَمَعَهَا [متن] 454 990 - لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ [متن] 641، 644 991 - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا 454 992 - لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ، فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ 573 993 - لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ 631 994 - لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا 631 995 - لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ 90 996 - لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ 595، 599 997 - لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم 656 998 - لا يَزَالُ الرَّجُلُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا 675 999 - لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر [متن] 391, 408, 410, 416 1000 - لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ [متن] 124، 249، 251 1001 - لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلاَّ أَنْ يَصُومَ يَوْماً قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ [متن] 420 1002 - لا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ [متن] 66 1003 - لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ [متن] 60 1004 - لا يقضيَّن حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان [متن] 742 1005 - لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ 801 1006 - لاَ يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلاَ الخِفَافَ [متن] 452 1007 - لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ 452 1008 - لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ, وَلا يَتَمَسَّحْ مِنَ الْخَلاءِ [متن] 85 1009 - لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ [متن] 580

1010 - لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً, أَوْ يَجِدَ رِيحاً 100 1011 - لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ [متن] 66 1012 - لا، إنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا [متن] 133 1013 - لا، هو حرام، قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ جَمَلُوها، ثُمَّ 546 1014 - لاَ، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ 292 1015 - لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ 755 1016 - لاتَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، وَهِيَ ابْنَةُ أَخِي مِنَ [متن] 661 1017 - لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِليَّ 291 1018 - لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ لو أحسن إلى إحداهن الدهر 315 1019 - لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، قَالَ: فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنّ [متن] 311 1020 - لايَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ [متن] 742 1021 - لايستنزه من البول»، وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ 89 1022 - لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ. إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ [متن] 453 1023 - لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ 459 1024 - لبيك إله الحق 459 1025 - لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا [أنس] 460 1026 - لبيك ذا المعارج 460 1027 - لَبَّيْكَ عُمْرَةً أوْ لَبَّيْكَ حَجًّا 457 1028 - لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا 458 1029 - لَبَّيْكَ، وَسَعْدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ [ابن عمر] 460 1030 - لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ [متن] 174 1031 - لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ [متن] 732 1032 - لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ 803 1033 - لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى 415 1034 - لَعَلَّكُمْ تَقْرَؤُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ؟ 218 1035 - لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا 544 1036 - لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ [متن] 356 1037 - لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا [متن] 772 1038 - لعن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها 712

1039 - لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا 544 1040 - لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا، وَبَائِعِهَا 544 1041 - لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، يَبْتَاعُونَ جِزَافًا يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي 542 1042 - لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَابِسًا بِظُفُرِي 118 1043 - لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ [متن] 142 1044 - لَقَدْ كُنْتُ أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفُرِي مِنْ ثَوْبِهِ [عائشة] 118 1045 - لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنِ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرْكاً, فَيُصَلِّي فِيهِا [متن] 115 1046 - لَمْ أَرَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ [متن] 474 1047 - لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ [ابن عمر] 427 1048 - لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - على شيءٍ منَ النَّوافِلِ أَشّدَّ تَعاهُدَاً مِنْهُ على ركْعَتَي الفَجْرِ [متن] 170 1049 - لَمْ يَكُنْ يَنَامُ حَتَّى يَغْسِلَ فَرْجَهُ، وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ 116 1050 - لمّا تُوفي أبو سفيان حادت عليه أم حبيبة زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام 644 1051 - لما سرقت بعض نساء بني مخزوم أمر النبي بقطع يدها 471 1052 - لن يَزَال المرء فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا 675 1053 - لن يَزَال المؤمن فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا 675 1054 - اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ــ ثَلاثاً ــ[متن] 647 1055 - اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ [متن] 501 1056 - اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادَتِكَ 260 1057 - اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا قَالَ أَنَسٌ وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ [متن] 328 1058 - اللهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا 339 1059 - اللهمّ اغفر للمحلقين قالوا: والمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين 501 1060 - اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ 339، 340 1061 - اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ، وَآخِرَهُ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ 189 1062 - اللَّهمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وما أسرفت 261،267 1063 - اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ 260 1064 - اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ 277 1065 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ 260 1066 - اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ 261 1067 - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ [متن] 80

1068 - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ [متن] 259 1069 - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنِ نَارِ جَهَنَّمَ، ومن عذاب القبر, ومن فتنة المحيا والممات 265 1070 - اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا 263 1071 - اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ 261, 266 1072 - اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ [متن] 178، 181، 185 1073 - اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ [متن] 324، 329، 330 1074 - اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ 183 1075 - اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ 184 1076 - اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ [متن] 255، 259 1077 - اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلاَ تُضِلَّنَا بَعْدَهُ 340 1078 - اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ 277 1079 - اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ 184 1080 - اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ 184 1081 - اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ 181، 184 1082 - اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيّومُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ 183 1083 - لَوْ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ [عمر] 683 1084 - لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَاتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّه، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ [متن] 625 1085 - لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَوْ قَالَ: امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنِكَ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ، فَفَقَاتَ عَيْنَهُ [متن] 702 1086 - لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ 416 1087 - لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا 322 1088 - لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا [عمر] 683 1089 - لَوْ رَاجَعْتِهِ؟ 603 1090 - لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أو شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، أَلاَ تَرْضَوْنَ 378 1091 - لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ [متن] 406 1092 - لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ 726 1093 - لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ، وَأَمْوَالَهُمْ [متن] 743، 745 1094 - لو يُعطى الناس بدعواهم، لذهب دماءُ قوم وأموالهم، اليمين على المُدَّعى عليه 743 1095 - لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ لَكَانَ، أَنْ يَقِفَ 235، 237 1096 - لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالصَّلاةِ هَذِهِ السَّاعَةِ [متن] 158، 161

1097 - لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ [متن] 91، 93 1098 - لولا أن معي الهدي لأحللت، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت 497 1099 - لولا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى 224 1100 - لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَخُ وَعُقُوبَتَه 566 1101 - لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَه 566 1102 - لِيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا [متن] 635 1103 - لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ [متن] 370 1104 - لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ 251 1105 - لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ [متن] 364 1106 - ليس لك إلا ذلك 727, 746 1107 - لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ [متن] 636، 638 1108 - لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ 727 1109 - ليس من البر الصوم في السفر [متن] 399, 401, 403 1110 - ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر باللَّه، ومن ادعى قوماً 656 1111 - لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، إلاَّ كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ [متن] 656 1112 - لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ [متن] 357، 360 1113 - مَا أَحَد أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ 322 1114 - مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلْ اللَّهُ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ 718 1115 - مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ [متن] 607 1116 - مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ، فِي شَانِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ، وَيُجْلَدُونَ [متن] 701 1117 - ما ترى في صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى 269 1118 - مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ليلةً، أَوْ لَيْلَتَيْنِ، إلاَّ وَوَصِيَّتُهُ [متن] 589 1119 - مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ: قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ [متن] 199 1120 - مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ فُلاَنٍ، أَمِيرٌ كَانَ بِالْمَدِينَةِ 224 1121 - مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -[متن] 776، 781 1122 - مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ 582 1123 - مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صلاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 263 1124 - مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ أَحَدٍ أتَمَّ صَلَاةً، وَلا أَخَفَّ صَلاةً مِنَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -[أنس] 205 1125 - مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أتَمَّ صَلَاةً وَلاً أَخَفَّ مِنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - 201

1126 - مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إِمَامٍ أَخَفَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَا أَتَمَّ 201 1127 - مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً، وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -[متن] 204 1128 - مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلا بِالتَّكْبِير [متن] 275 1129 - مَا كُنْتُ أَرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى [متن] 461 1130 - ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر 799 1131 - مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ؟ 633 1132 - مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ 633 1133 - مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ 354 1134 - مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً، لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، كُلُّهم يَشْفَعُونَ لهُ 354 1135 - مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّه، إلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ [متن] 801 1136 - مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ 238 1137 - مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ [متن] 371، 372 1138 - الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ 117, 121 1139 - مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أعْلَمُ بِمَنْ يجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ [متن] 794، 809، 816 1140 - مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ 795 1141 - مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الْقَائِمِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ 800 1142 - مُرْ أُخْتَكَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ 733 1143 - مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِىّي - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ 783 1144 - الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الأسود 238 1145 - مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ 164 1146 - مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ 415 1147 - مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ 564 1148 - مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهُدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ [متن] 372 1149 - مِفْتَاحُ الصَّلاَةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ 65, 180، 191 1150 - مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَاوَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ187، 188، 196 1151 - مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ [متن] 153 1152 - من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه [متن] 540 1153 - مَنِ ابْتَاعَ عَبْداً فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ [متن] 535 1154 - من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع 535

1155 - من أتاكم وأمركم جميع، يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه 818 1156 - مَنْ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ 362 1157 - مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً 536 1158 - من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد 63, 64, 610, [متن] 738، 740 1159 - مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ، أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ [متن] 564 1160 - مَنِ ادَّعَى دَعْوَى يَستَكَثر منهَا , لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّة 659 1161 - مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ 659, 730 1162 - مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّا مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ 659 1163 - مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ [متن] 547, 548, 549 1164 - مَنْ أَعْتَقَ شِرْكاً لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ [متن] 821 1165 - مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا يُسْتَسْعَ غَيْرَ 821 1166 - منْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ 821 1167 - مَنْ أَعْتَقَ شِقْصَاً له مِنْ مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ خَلاصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ [متن] 821 1168 - مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا [متن] 431 1169 - مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ، فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا، لا تَرْجِعُ للَّذِي أَعْطَاهَا [متن] 579 1170 - مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [غُسْلَ الجْنَاَبَةِ]، ثُم رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ [متن] 304 1171 - مَنِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ 301 1172 - مَنْ أَفْطَرَ في رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلاَ كَفَّارَةَ 395 1173 - من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين، فقد أوجب اللَّه له النار، وحرم عليه الجنة 725،746 1174 - مَنِ اقْتَنَى كَلْباً-إلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ-فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ [متن] 761 1175 - مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ أو الثُّومَ أو الْكُرَّاثَ، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى [متن] 250 1176 - مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا ــ أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا ــ وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ [متن] 250 1177 - من الأنصار إدَاوَةً مِنِ مَاءٍ وَعَنَزَةً 85 1178 - مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ، مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا 587 1179 - مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلالٌ: كَانَ عِنْدَي تَمْرٌ رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ [متن] 558 1180 - مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ [متن] 534, 539 1181 - من بدل دينه فاقتلوه 674, 675 1182 - مَنْ تَبعَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ 362 1183 - من ترك نُسكاً، أو نسيه، فليرق دماً [ابن عباس] 451

1184 - من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر 66 1185 - مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ [متن] 66 1186 - مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ [متن] 71 1187 - منْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ 301 1188 - مَنِ توضأ يوم الْجُمُعَةَ، ثم أتى المسجد فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ 301 1189 - مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل [متن] 299 1190 - من جاء يوم الجمعة، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيركعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا 302 1191 - مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا 146 1192 - مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ - عز وجل - فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ 708 1193 - من حلف بشيء دون اللَّه فقد أشرك 720 1194 - من حلف بغير الله فقد أشرك 720 1195 - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ [متن] 659، 727 1196 - مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ [متن] 722، 746 1197 - من حمل علينا السلاح فليس منا [متن] 815، 818 1198 - مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ 419، 424 1199 - مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ [متن] 310 1200 - مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ، أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ 284 1201 - مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ279، 293 1202 - مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ [متن] 357، 362 1203 - مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ 787 1204 - من صام يوماً في سبيل اللَّه بعّد اللَّه عن وجهه النار سبعين خريفاً [متن] 426،429 1205 - مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ [متن] 309، 313 1206 - مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ 342, 354 1207 - مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ قِيدَ شِبْرٍ، طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ [متن] 580 1208 - من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد 63, 610, 738، 740 1209 - من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه [متن] 815، 819 1210 - مَنْ قَتَلَ الرَّجُلَ؟ فَقَالُوا: ابْنُ الأَكْوَعِ، فَقَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ [متن] 805 1211 - مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ 819 1212 - مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً ــ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ــ فَلَهُ سَلَبُهُ، قَالَهَا ثَلاثاً [متن] 802

1213 - من كان حالفاً فليحلف باللَّه أو ليصمت 720 1214 - مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى؛ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ [متن] 480 1215 - مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ 283، 660 1216 - مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مِنِ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ [متن] 268، 270، 271 1217 - مَنْ لَغَا فَلاَ جُمُعَةَ لَهُ 306 1218 - مَنْ لَمْ يَاخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا 107 1219 - مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ 456 1220 - من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزاراً، فليلبس سراويل [متن] 453 1221 - مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ [متن] 402, 405, 407, 409, 410, 735 1222 - من نام عن الصلاة، أو نسيها, فليصلها إذا ذكرها, لا كفارة لها إلا ذلك 247 1223 - مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ 731 1224 - مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} 247 1225 - مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إلاَّ ذَلِكَ [متن] 246 1226 - مَنْ نَسِيَ صَلاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا [متن] 246 1227 - مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا [ابن عباس] 451 1228 - مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ [متن] 392، 394 1229 - مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ 822 1230 - مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ الْجُحْفَةُ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ 450 1231 - النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا، وَنَامُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ 162 1232 - نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ 139 1233 - نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ [متن] 748 1234 - نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ [متن] 482 1235 - نَعَمْ إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ 117 1236 - نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وهو جنب 114 1237 - نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ [متن] 114، 116 1238 - نَعَمْ، إذَا رَأَتِ المَاءَ [متن] 115 1239 - نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ [متن] 310 1240 - نَعَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى [متن] 336 1241 - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ 338

1242 - نَهَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَأَنْ نَاكُلَ فِيهَا، وَعَنْ لُبْسِ 780 1243 - نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، نهى عن الصلاة بعد الصبح 429 1244 - نهى الرسول عن مهر البغي، وثمن الكلب، وحلوان الكاهن 535 1245 - نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَنْكِحَ هَذِهِ بِهَذِهِ، بِغَيْرِ صَدَاقٍ، بُضْعُ 621 1246 - نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ [متن] 530 1247 - نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ 426 1248 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل 753 1249 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ [متن] 529 1250 - نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار 86 1251 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ [متن] 562 1252 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْمُزَابَنَةِ، أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ، إنْ كَانَ نَخْلاً، بِتَمْرٍ [متن] 529 1253 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْناً [متن] 561 1254 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ، النَّحْرِ، وَالْفِطْرِ، وَعَنِ اشتمال الصَّمَّاءِ [متن] 426 1255 - نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن صومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى 426 1256 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلاَّ مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ، أَوْ ثَلاثٍ [متن] 785 1257 - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعِ الرَّجُلُ [متن] 552 1258 - نهى عن الجلوس على الحرير 780 1259 - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، قال: وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ 621 1260 - نهى عن بيع ثمر النخل حتى تزهو 526 1261 - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، إلاَّ هَكَذَا، وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةَ [متن] 785 1262 - نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَعٍ 780 1263 - النهي عن لبس الحرير، إلا موضع أصبعين، أو ثلاث، أو أربع 791 1264 - نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا [متن] 350،351، 352 1265 - هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - 621 1266 - هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي 778 1267 - هَذَا، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ [ابن مسعود] , 500 1268 - هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ [متن] 426 1269 - هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ 361 1270 - هكذا السنة [ابن عباس] 297

1271 - هَكَذَا عَنْكَ، أَوْ هَكَذَا، فَإِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ النَّظَرِ 639 1272 - هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ [متن] 392 1273 - هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ وَتَصُومَ 800 1274 - هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر، وأن تقوم ولا تفتر؟ 800 1275 - هل كان ذلك قبل أن تأتني به، إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن اللَّه الشافع والمشفوع 710 1276 - هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ [متن] 511 1277 - هَلُمَّ، فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَاكُلُ مِنْهُ 756 1278 - هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ [متن] 446، 449، 470 1279 - هو رخصة من اللَّه من أخذه فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه 400، 401 1280 - هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ [متن] 652 1281 - هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ 400 1282 - وأخروا السحور 391, [متن] 408، 410 1283 - وأزاد له، وأرجح له 553 1284 - وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ - صلى الله عليه وسلم -. [ابن مسعود] 500 1285 - وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ، رَدٌّ [متن] 692 1286 - وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى 389 1287 - وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهَا، وَأَكْثَرُ عِلْمِي هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِقِيَامِهَا [ابن مسعود] 435 1288 - وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ 718 1289 - وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى 475 1290 - وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ [ابن مسعود] 435 1291 - وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّانَا لَهَا، فَصَلَّى [متن] 160 1292 - واللَّه يُحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته 403 1293 - وَالْمُقَصِّرِينَ 501 1294 - وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ 283 1295 - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الجمعة: سورة الجمعة، والمنافقين 305 1296 - وَإِنْ كَانَ قد قَضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فيها 568 1297 - وإن كان قضيباً من أراك 725, 746 1298 - وَأَنَّهُ صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْغَزْوَةِ السَّابِعَةِ، غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ [متن] 333 1299 - وإني واللَّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلا كفرت عن يميني 719

1300 - وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا 127 1301 - وجعل خاتمه من داخل 791 1302 - وَجَعَلْنَا رَاسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ [متن] 345 1303 - وَحَاضَتْ عَائِشَةُ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ [متن] 494 1304 - وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ 257 1305 - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ [متن] 420 1306 - وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَضُوءَ الْجَنَابَةِ، فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثاً [متن] 110 1307 - وطاف في بعض طوافه وعليه برد أخضر 781 1308 - وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ 70 1309 - وَفِّرُوا اللِّحَى 108 1310 - وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ 162 1311 - وقَّت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة 448 1312 - وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَقَلْمِ الظُّفْرِ، وَنَتْفِ الإِبِطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، أَنْ لاَ نَتْرُكَ 108 1313 - وقضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه من توفي وَعِنْدَهُ سلعة بِعَيْنِها، لم يقضِ مِنْ ثمنها شَيْئًا 568 1314 - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغالب يقرأ سورة واحدة مع الفاتحة 227 1315 - وكان عبد اللَّه بن عمر يزيد فيها: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ [متن] 453 1316 - وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ [متن] 437 1317 - وَكَانَ مُجَزِّزٌ قَائِفاً [متن] 652 1318 - وَكَانَ يَامُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ [متن] 134 1319 - وَكَانَ يُخْرِجُ رَاسَهُ إلَيَّ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ [متن] 134 1320 - وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ مِنَ الْعِشَاءِ [متن] 152، 155 1321 - وكان يقرأ بالستين إلى المائة 154, 156 1322 - وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى المِائَةِ 152 1323 - وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ [متن] 179، 189 1324 - وكان ينفتل منها حين يعرف الرجل جليسه 155 1325 - وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، دَعْهَا عَنْكَ 669 1326 - وكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا فنهاه عنها [متن] 665 1327 - وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ [ابن عباس] 542 1328 - وَلا تُخَمِّرُوا رَاسَهُ وَلاَ وَجْهَهُ [متن] 345

1329 - ولا تشربوا بآنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا 789 1330 - ولا تصروا الإبل والغنم 520 1331 - وَلا تَنْتَقِبُ الْمَحرمة وَلا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ [متن] 452، 455 1332 - وَلا حَرَجَ 500 1333 - ولا يقضي 394 1334 - الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَالنَّسَبِ: لا يُبَاعُ، وَلا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ 600 1335 - الْوَلاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، لا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ 600 1336 - وَلْتَخْتَمِرْ، وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ 733 1337 - وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ 361 1338 - وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ [متن] 727 1339 - ولم يقضِ من ثمنه شيئاً 567 1340 - ولم يكن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في المكتوبة 172 1341 - وَلِّنِي قَفَاكَ 103 1342 - ولو أذن له لاختصينا [سعد] 610 1343 - وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ فِيهَا [متن] 133 1344 - وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نيسْتَظلُّ بِهِ 307 1345 - وَلْيَعْتَزِلْنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ 252 1346 - وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ 267 1347 - ومَا سِوَى ذلك سُحْتٌ يَاكُلُه صَاحِبُه سُحْت 285 1348 - ومَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً، لِيَتَكَثَّرَ بِهَا، لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إلاَّ قِلَّةً [متن] 728 1349 - وَنَحْنُ في الْمَدِينَةِ [متن] 748 1350 - وَهَذَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ [متن] 648 1351 - وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ، أَوْ دُورٍ؟ 595 1352 - وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أو قال: على مناخرهم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ 283 1353 - ويرفع يديه إذا قام من الثنتين بعد الجلوس 194 1354 - ويَسخطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ 280 1355 - وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ [متن] 60 1356 - وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ [متن] 447 1357 - يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ 422

1358 - يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ 361 1359 - يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنِ وَرَاءِهِ الْكَبِيرَ [متن] 177 1360 - يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّمَا صَنَعْتُ هذَا لتَاتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صلاتي [متن] 295 1361 - يا أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا [متن] 793 1362 - يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لَآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ [أم الفضل] 220 1363 - يا رسول اللَّه، ذهب أهل الدثور بالأجور 288 1364 - يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَانُ النَّاسِ حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَمْ تَحِللْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ 481 1365 - يَا عَائِشَةُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ 546 1366 - يَا عَائِشَةُ، اُنْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ؟ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ [متن] 665 1367 - يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلاَ تَظَالَمُوا 584 1368 - يَا عَبَّاسُ، أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا 603 1369 - يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ [متن] 715 1370 - يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟ [متن] 371 1371 - يَا فُلانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ، اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ [متن] 124 1372 - يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ؟ 227 1373 - يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً 285 1374 - يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رسول اللَّهِ [عبد الله بن عمرو] 418 1375 - يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهُدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ 377 1376 - يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [متن] 602، 606 1377 - يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ [متن] 310 1378 - يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ إلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ [متن] 624 1379 - يَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولَهُ لِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، وَعَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، يَشْهَدُ لِمَنِ 475 1380 - يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ 498 1381 - يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب 615, 663, 666 1382 - يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ 422 1383 - يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى من الناس صدقة فَبِكُلِّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ 422 1384 - يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ؟ لا دِيَةَ لَك 685 1385 - يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنَ النَارٍ فَيَضْعُهَا فِى يَدِهِ 779 1386 - يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَاسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لا يَغْسِلُ المحرم رَاسَهُ، قَالَ [متن] 493

1387 - يغسل ذكره ويتوضأ [متن] 97، 99 1388 - يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلاَمِ 103 1389 - يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ [متن] 468 1390 - يقرأ فِي الأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ 219 1391 - يَقْرَأُ فِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ: بـ (ألم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ)، وَ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ) 156 1392 - يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ»؟ قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ 678 1393 - يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ 238 1394 - يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، فَيَقُولُ 424، 425 1395 - يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، وينادي: هَلْ 424 1396 - يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فيَقُولُ 271، 424 1397 - يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ [نافع] 618 1398 - يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ [متن] 446 1399 - الْيَهُودَ والنصارى لاَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلاَ خِفَافِهِمْ فخَالِفُوهم 211 1400 - يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ، وَثَلَاثَةٌ لِلْمُسَافِرِ بلَيَالِيهِنَّ [علي] 98

3 - فهرس الألفاظ الغريبة

3 - فهرس الألفاظ الغريبة المفردة ... الصفحة 1 - أبكر 150 2 - اجتَووا 693 3 - الأجلّة 491 4 - أحْفَى 584 5 - أسباله 572 6 - استحباب السواك 93 7 - الأظفار 641, 645 8 - الآكام 324، 330 9 - إملاص المرأة 684 10 - الأملح 769 11 - الأنبجانية 288 12 - أنكى 713 13 - البتع 774 14 - بس 719 15 - بطون الأودية 330 16 - التبتل 608 17 - التحيين 522 18 - تربت يمينك 662 19 - تفتض 642 20 - تلبيد الرأس 485 21 - تناجشوا 524 22 - تِهَامَةَ 764 23 - الْجُبار 371 24 - الجدول 576 25 - الجَدْوَل 578 26 - الجنيب 560 27 - حار 656 28 - الحَانُوتُ 572 29 - الحجا 285 30 - الحصاد 466 31 - الْحِفش 642 32 - حمار الوحش 752 33 - الحِنَاط 465 34 - الحِيبةُ 612 35 - الخارب 462 36 - الخبث 80 37 - الخَرْبة 462 38 - خزق 762 39 - الخميصة 288 40 - دار القضاء 325 41 - الدَّبَر 469 42 - الدِّهْلِيز 582 43 - راح 517 44 - الرباط 798 45 - الرُّقْبَى 580 46 - ركبها 248 47 - الرمة 677 48 - الزِّرُّ 779 49 - الزعفران 456 50 - الزنا 322

51 - السبالة 491 52 - سَمَر أعيُنَهم 693 53 - سهم ربع العشر 369 54 - السَّواني 622 55 - الشغار 619 56 - الشقوق 704 57 - الصالقة 352 58 - الصَّبِر 645 59 - الصَّعْوُ 758 60 - صفح (صفاح) 770 61 - الصنان 253 62 - الظِّرَاب 324 63 - العجماء 371 64 - العروش 374 65 - العمرى 580 66 - الغائظ 80 67 - الغُلَّ 636 68 - الغلس 142 69 - الغَنَاءُ 817 70 - القت 465 71 - القرنان 493 72 - القسط 641 73 - القُسْط 645 74 - القَسِّيِّ 791 75 - القَصاص 673 76 - القفة 16 77 - القَوَد 682 78 - القيراط 763 79 - القين 463 80 - لا أماريك 496 81 - لا سبق 812 82 - الماذيانات 576 83 - متلفعات 142 84 - المحاقلة 530 85 - المحنوذ 754 86 - المُدى 766 87 - المروط 142 88 - المزر 774 89 - منابت الشجر 330 90 - مندوحة 240 91 - الميرة 522 92 - النبذة 641 93 - ندّ 766 94 - النصل 812 95 - النعق 499 96 - نفج 751 97 - الهدف 812 98 - وراءه 599 99 - الوَرْسُ 456 100 - الوَقْص 346 101 - يجنأ 701 102 - يعضد 466 103 - يلجّ 718

4 - فهرس الأشعار

4 - فهرس الأشعار البيت ... الصفحة 1 - عمدة الدين عندنا كلمات أربعٌ ... من كلام خير البرية ... 63، 749 اتق الشبهة وازهد ... ودع ما ليس يعنيك واعملن بنية 2 - خيل صيامٌ وخيل غير صائمة ... 386

5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق

5 - فهرس مصادر ومراجع التحقيق 1 - الأحاديث المختارة، الضياء المقدسي (ت 643 هـ)، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة، الطبعة الثالثة، 2000 م. 2 - أحكام الجنائز، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1406 هـ - 1986 م. 3 - أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس المكي الفاكهي (المتوفى: 272هـ)، تحقيق: د. عبد الملك عبد الله دهيش، دار خضر - بيروت, الطبعة: الثانية، 1414هـ. 4 - الأدب المفرد، للإمام أبي عبد الله محمد إسماعيل البخاري، تحقيق محمود فؤاد عبدالباقي، الطبعة الثالثة 1409هـ، دار البشائر الإسلامية. 5 - الأدب، أبو بكر بن أبي شيبة (ت 235 هـ)، تحقيق د. محمد رضا القهوجي، دار البشائر الإسلامية، 1420هـ - 1999م، بيروت / لبنان. 6 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 7 - الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز، عبدالرحمن بن يوسف الرحمة، دار الهجرة - الخبر - الطبعة: الثانية -سنة الطبع:1421هـ 8 - البداية والنهاية، للحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير، ت: 747هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر. 9 - تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، بدون تاريخ، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان. 10 - تاريخ دمشق وذكر فضلها، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي، ت 571هـ، دراسة وتحقيق علي شيري، دار الفكر والطباعة والنشر والتوزيع. 11 - التحفة الكريمة في بيان كثير من الأحاديث الموضوعة والسقيمة، لسماحة الشيخ

عبد العزيز بن باز:، اعتنى به الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم: نشرته دار أصالة الحاضر بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1430هـ 12 - ترجمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز وعبد الحق الهاشمي وإجازات، إعداد: عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم، ومحمد زياد بن عمر التُكلة، دار أصالة الحاضر الرياض، الطبعة الأولى 1430هـ. 13 - التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)، دار با وزير. 14 - تفسير القرآن العظيم، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير ت 747هـ، الطبعة الأولى 1419هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 15 - تفسير مقاتل بن سليمان، أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء البلخي، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت - 1424 هـ - 2003 م، الطبعة: الأولى. 16 - جامع الأصول من أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت656 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1453 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 17 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 18 - الجامع، لعبد الرزاق، مطبوع مع المصنف. 19 - جهود سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز في تفسير القرآن الكريم، للدكتور محمد بن سريع السريع. 20 - جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز:، رواية الشيخ محمد الموسى:، مدير مكتب بيت سماحة الشيخ، وإعداد محمد الحمد، الرياض، دار ابن خزيمة 2002هـ.

21 - حديث المساء من الدروس والمحاضرات والتعليقات، سماحة الشيخ عبد العزيزبن عبد الله بن باز رحمه الله، تحقيق صلاح الدين عثمان أحمد، مكتبة دار المنهاج، الرياض، ط 1، 1432 هـ. 22 - حلية الأولياء وطبقات ألأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ت 430هـ، بدون تاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت. 23 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأحمد بن الحسين البيهقي، دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، ط1، 1408هـ. 24 - الذيل على طبقات الحنابلة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد، الشهير بابن رجب (ت 795 هـ). تحقيق: محمد الفقي، ط1، القاهرة، 1952م. 25 - رثاء الأنام لفقيد الإسلام عبد العزيز بن باز، إبراهيم بن صالح المحمود، دار الصميعي، الرياض. 26 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 27 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي بيروت. 28 - السنة، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال (ت 311 هـ)، تحقيق عطية بن عتيق الزهراني، دار الراية - الرياض، الطبعة الثانية،1994م. 29 - السنة، عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني (ت 287هـ)، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ. 30 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، ت 275 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 31 - سنن أبي داود، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 32 - سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت 279 هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، 1398 هـ، مطبعة مصطفى

البابي الحلبي، القاهرة، مصر. 33 - سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت 385هـ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. 34 - سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255 هـ، طبعة 1404 هـ، تحقيق عبد الله بن هاشم اليماني، توزيع الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 35 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبدالغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ. 36 - السنن الكبرى، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي، ت 458 هـ، الطبعة الأولى، 1406هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 37 - سنن النسائي، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت 303 هـ، بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، ت 911 هـ، وحاشية السندي، ت 1138 هـ، الطبعة الأولى، 1406 هـ، اعتنى به ورقمه عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 38 - السنن المأثورة، محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ). دار المعرفة - بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ. 39 - سير أعلام النبلاء، للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت 748 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الرابعة، 1406 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 40 - سيرة وحياة الشيخ العلامة ابن باز، وما قيل فيه من شعر ونثر، جمعها ورتبها واعتنى بنشرها إبراهيم بن عبد الله الحازمي، دار الشريف للنشر والتوزيع. 41 - شرح النووي على صحيح مسلم، مراجعة خليل الميس، دار القلم، بيروت، لبنان. 42 - شرح معاني الآثار، لأبي جعفر الطحاوي ت 321هـ، تحقيق إبراهيم شمس الدين، الطبعة الثانية 1427هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

43 - شعب الإيمان، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت 458 هـ، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 44 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، طبعة دار العلم للملايين، الطبعة الثانية، 1399هـ. 45 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، للإمام أبي حاتم محمدبن أحمدبن حبان البستي، ت354 هـ، رتبه الأمير علاء الدين علي بن سليمان بن بلبان الفارسي، ت 739 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 46 - صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري، ت 311 هـ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، طبعة 1390 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 47 - صحيح ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 48 - صحيح أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ)، مؤسسة غراس للنشر والتوزيع، الكويت، الطبعة الأولى، 1423 هـ - 2002 م. 49 - صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية 1415هـ، دار الصديق، الجبيل، المملكة العربية السعودية. 50 - صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256 هـ، طبعة 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. وطبعة 1315 هـ، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، والنسخة المطبوعة مع فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 51 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1412 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

52 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 53 - صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1407 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 54 - صحيح سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 55 - صحيح سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 56 - صحيح سنن النسائي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 57 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري االنيسابوري، ت 261 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 58 - الضعفاء الكبير، للعقيلي؛ محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي (ت 322هـ)، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، طـ 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1404هـ. 59 - ضعيف الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف - الرياض. 60 - ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني ناصر الدين، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب 61 - ضعيف سنن ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1408هـ- 1988م. 62 - ضعيف سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض- والمكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1412هـ - 1991م.

63 - ضعيف سنن الترمذي، ضعف أحاديثه محمد ناصر الألباني، أشرف على استخراجه وطباعته والتعليق عليه وفهرسته زهير الشاويش بتكليف من مكتب التربية العربي لدول الخليج الرياض المكتب الاسلامي. 64 - ضعيف سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، أشرف على طباعته زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1411هـ- 1991م، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض. 65 - ضعيف سنن النسائي، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت. 66 - الضوء المنير على التفسير، جمع علي الحمد المحمد الصالحي من كتب ابن قيم الجوزية، بدون تاريخ، مؤسسة النور للطباعة والتجليد، عنيزة، مكتبة دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية. 67 - طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت 911 هـ، الطبعة الأولى، 1403 هـ، دار الكتب العربية، بيروت. 68 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ت 230 هـ، بدون تاريخ، تصوير بيروت، دار صادر. 69 - عمدة الأحكام من كلام خير الأنام، للحافظ عبد الغني المقديب (ت 600هـ)، تحقيق: محمود الأرناؤوط، ومراجعة: عبد القادر الأرناؤوط، دار المأمون للتراث. 70 - عمل اليوم والليلة، للحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني، ت 265 هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، سورية. 71 - عيون المراثي البازية، جمع وترتيب سليمان بن محمد بن عبد الله العثيم، فهد بن عبد العزيز الجوعي (الفهد)، ص 6، دار الفضيلة، 1420هـ. 72 - الفائق في غريب الحديث، للعلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري، ت 583 هـ، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

73 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت 852 هـ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 74 - فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار، الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد الرُّباعي الصنعاني (ت 1276هـ)، تحقيق: مجموعة بإشراف الشيخ علي العمران، دار عالم الفوائد، الطبعة: الأولى، 1427 هـ. 75 - الفوائد العلمية من الدروس البازية، دروس علمية شرحها سماحته في عامي: 1398، و1399هـ، اعتنى بإخراجه عبد السلام بن عبد اللَّه السلمان، في عشرة مجلدات .. 76 - كتاب المحتضرين، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي (ت 281هـ)، تحقيق: محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ - 1997م. 77 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1404هـ. 78 - لسان العرب، لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الطبعة الأولى، 1410هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 79 - مجلة البحوث الإسلامية، عدد (22)، ص 7، سنة 1408هـ، 80 - مجلة البحوث الإسلامية، العدد 22، نشرة إدارة البحوث العلمية للإفتاء، المملكة العربية السعودية. 81 - مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة عدد (4)، السنة السابعة، ربيع الآخر 1395هـ 82 - مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، العدد الثالث، السنة السابعة، محرم 1395هـ، ص 3. 83 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي، ت

807 - هـ، الطبعة الثالثة، 1402 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 84 - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، جمع وترتيب د. محمد بن سعد الشويعر، الطبعة الأولى 1408 هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث والعلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 85 - مختار الصحاح، للإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، طبعة 1985م، مكتبة لبنان، بيروت، لبنان. 86 - مداد الأقلام في رثاء علامة الأعلام سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز بن عبدالله بن عبد الرحمن بن باز؛ إعداد وجمع سليمان بن أحمد بن محمد المشيقح، دار العاصمة، الرياض، 2001هـ. 87 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 88 - مسند ابن الجعد، علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري (ت 230 هـ)، تحقيق عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م. 89 - مسند أبي داود الطيالسي، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (204 هـ)، تحقيق: د. محمد بن عبد المحسن التركي، طبع دار هجر بالقاهرة، الطبعة الأولى 1419 هـ. 90 - مسند أبي يعلى الموصلي، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثني التميمي، ت 307 هـ، تحقيق حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الثقافة العربية، دمشق، بيروت. 91 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 92 - مسند الإمام الشافعي، للشافعي؛ محمد بن إدريس (ت 204هـ). ترتيب: محمد عابد السندي، ط1، القاهرة، 1369هـ.

93 - مسند البزار. (البحر الزخار)، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (ت 292 هـ)، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، وعادل بن سعد، وصبري عبد الخالق الشافعي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، الطبعة الأولى. 94 - مسند الحميدي، أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي (ت 219 هـ)، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 95 - مسند الشافعي، لمحمد بن إدريس الشافعي (204 هـ)، تحقيق: أيوب أبو خشريف، طبع دار الثقافة العربية بدمشق، الطبعة الأولى 1423 هـ. 96 - مسند الشاميين، الإمام أحمد بن حنبل، ضبط أحاديثه وخرجها وبيّن درجتها وعلق عليها علي محمد جماز، مطابع الدوحة الحديثة، ط1، 1401هـ. 97 - مسند عبد بن حميد (المنتخب من مسند عبد بن حميد) لعبد بن حميد بن نصر أبي محمد الكشي، تحقيق: صبحي البدري السامرائي , ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة - القاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م. 98 - مشكاة المصابيح، لمحمد عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة 99 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي، بدون تاريخ، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 100 - مصنف ابن أبي شيبة، توزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 101 - مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 102 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 103 - معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي، الطبعة الثانية 1995م دار صادر صادر، بيروت.

104 - معجم الصحابة، عبد الباقي بن قانع أبو الحسين (ت 351هـ)، تحقيق صلاح بن سالم المصراتي، مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1418هـ. 105 - المعجم الصغير (الروض الداني)، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير، المكتب الإسلامي, دار عمار - بيروت , عمان، الطبعة الأولى، 1405هـ - 1985م. 106 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ، تحقيق حمدي عبدالمجيد السلفي، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إحياء التراث. 107 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 108 - معجم شيوخ ابن الأعرابي، لأحمد بن محمد بن زياد، (ت 340هـ)، تحقيق محمود نصار، والسيد يوسف أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998م. 109 - معرفة السنن والآثار، أبو بكر أحمد بن الحسين بت علي البيهقي (ت 458هـ)، تحقيق سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412هـ/ 1991م. 110 - المنهيات، لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي، تحقيق محمد عثمان الخشت، مكتبة القرآن، القاهرة. 111 - موطأ الإمام مالك، للإمام مالك بن أنس، ت 179 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وأولاده. 112 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: أبي السعادات المبارك بن محمد، ت 606هـ، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت.

§1/1