الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام

فهد السنيد

أبو عبد الله فهد بن عبد الله السنيد الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام تعقبات حديثية على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مع نقولات في الرجال لسماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز

مقدمة

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا. أما بعد: فإن الله عز وجل ابتعث محمدًا رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وأنزل عليه الكتاب تبيانًا لكل شيء، وجعله موضع الإبانة عنه، فقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44]، وقال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه} [النحل: 64]، فقام بذلك صلوات الله وسلامه عليه خير قيام، فما قبضه الله تعالى إليه حتى جعل أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يزل الحديث النبوي صافيًا نقيًا لا يعتريه الكذب، ولا يتناوله التحريف والتلفيق، حتى وقع ما وقع من الفتن والبدع والجهل، فألصقت بالسنة أحاديث ليست منها، ولكن -ولله الحمد والمنة- قد تكفل الله عز وجل بحفظ دينه وشريعته بقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فقيض الله سبحانه وتعالى الصحابة والتابعين ومن بعدهم من السلف الصالح بحفظ السنة ; تارة بالتثبت في

الرواية كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من الصحابة، وتارة بالسؤال عن الإسناد، وتارة بذكر أحوال الرواة وبيان من يؤخذ عنه الدين ومن لا يؤخذ عنه، وتارة بوضع ضوابط عامة يعرف بها الحديث الموضوع وغيره. روى ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل (1/ 3) عن أبيه قال أخبرني عبدة بن سليمان قال: قيل لابن المبارك هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة. وروى مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 84 نووي) عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم. وروى (1/ 84) من طريق أيوب وهشام هو ابن حسان عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وروى (1/ 87) عن عبد الله بن المبارك قوله: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقوله (1/ 88): بيننا وبين القوم القوائم - يعني الإسناد. وقال علي بن شقيق سمعت عبد الله بن المبارك يقول على رءوس الناس: دعوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف. وقال مسلم أيضًا في مقدمة صحيحه (1/ 11) حدثني عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قال كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إلىّ لا تكتب عنه شيئًا ومَزِّقْ كتابي. ومن هؤلاء

الذين قيضهم الله لحفظ سنة صلى الله عليه وسلم في هذا العصر المحدِّث العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله فإني لا أعلم أحدًا خدم السنة في هذا العصر مثل ما خدمها هذا الشيخ الجليل؛ فقد ألف الكتب في تمييز صحيح السنة من سقيمها، وحقق مؤلفات لغيره، فأقبل الناس على اقتنائها وقراءتها، فانتفعوا بها. فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته. وإنني أحد هؤلاء الذين انتفعوا بكتبه، وكان الفضل الأول لشيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله، فقد كان له معرفة بالرجال، وعناية بالأسانيد، وحسبك أن تعلم أن الكتب الستة ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي وصحيح ابن حبان، وغيرها من الكتب التي تعتني بذكر الأسانيد كتفسير ابن كثير تُقرأ على شيخنا حفظه الله في أثناء الدروس ; فأصبحت أحب سماع الأسانيد، ولا أمل من تكرارها - ولله الحمد؛ مما ساعدني على فهم الكتب التي تعتني بالأسانيد، والكلام عليها ومنها كتب الشيخ ناصر حفظه الله. وبما أن الشيخ أكثر من الكلام على الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا كان من الطبيعي أن يقع منه الخطأ، قال عبد الله بن المبارك: من ذا سلم من الوهم. وقال ابن معين: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ إنما أعجب ممن يحدث فيصيب (لسان الميزان 1/ 17) وأختم هذه المقدمة بكلمة قالها الحافظ ابن رجب في كتابة القواعد في مقدمته- قال رحمه الله: "ويأبى الله العصمة لكتاب

غير كتابه والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه". ولقد كان يمر بي أثناء قراءتي لكتب الشيخ حفظه الله بعض الأحاديث التي يصححها وهي ضعيفة أو يكون الحديث صحيحًا ولكن فيه بعض التعقبات، ولعل الشيخ حفظه الله عندما يقرأ البحث يتعقبه كله أو أكثره وسميته "الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام" وضمنتها نقولات لسماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز -حفظه الله-. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي ولوالدي ولمشايخي ولجميع المسلمين إنه سميع قريب. وهذا أوان الشروع في المقصود والله المستعان. كتبه أبو عبد الله فهد بن عبد الله السنيد الرياض في: 16/ 9/1414هـ

اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة

بسم الله الرحمن الرحيم 1 - قال الشيخ ناصر حفظه الله في الصحيحة (772) على حديث: «اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة»، رواه أبو داود وعنه الخطيب في التاريخ والحاكم وأحمد من طريق زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. قلت: وقد وهما، فإن زهيرًا هذا فيه ضعف .... وموسى بن جبير فيه جهالة. قال: ابن القطان: لا تعرف حاله. وقال ابن حبان في الثقات: كان يخطئ ويخالف. وقال الحافظ: مستور. اهـ كلام الشيخ. قلت: هذا الكلام فيه ملاحظات: الأولى: قوله وعنه الخطيب، الصواب: أن يُقال ومن طريقه الخطيب لأن الخطيب لم يدرك أبا داود. الثانية: ظاهر كلام الشيخ أن الجميع صرحوا باسم صحابي الحديث وليس الأمر كذلك فقد رواه الإمام أحمد بإبهام اسم الصحابي. الثالثة: إن زهير بن محمد ليس ضعيفًا مطلقًا، بل هو ضعيف

إذا روى عنه أهل الشام فقط. قال الأثرم عن أحمد: في رواية الشاميين عن زهير يروون عنه مناكير. ثم قال: أما رواية أصحابنا فمستقيمة عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر، وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعه أو نحو هذا. فأما بواطيل فقد قاله، وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح. وقال النسائي: ليس به بأس، وعند عمرو بن أبي سلمة التنيسي عنه مناكير. فما قاله هؤلاء الأئمة هو خلاصة القول في زهير، وهنا روى عنه من نص عليهما الإمام أحمد فقد رواه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن زهير به ورواه الباقون من طريق أبي عامر العقدي فانحصرت العلة في جهالة موسى بن جبير على ما قاله ابن القطان وتابعه الحافظ. أما الذهبي فقال في الكاشف: ثقة. ثم ذكر الشيخ ناصر له شاهدًا بلفظ: «دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم» وقال: أخرجه أبو داود من طريق السيباني عن أبي سكينة رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فذكره، وأخرجه النسائي في حديث طويل. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد رجاله كلهم ثقات غير أبي سكينة هذا، قال الحافظ في التقريب: قيل اسمه محلم مختلف في صحبته. قلت: إذا لم تثبت صحبته فهو تابعي مستور روى عنه ثلاثة فالحديث شاهد حسن للشطر الأول من حديث الترجمة. اهـ كلام الشيخ.

قلت: روى أبو داود هذا الحديث عن عيسى بن محمد الرملي أخبرنا ضمرة عن السيباني به (11/ 409 عون) ورواه النسائي (6/ 43) عن عيسى بن يونس حدثنا ضمرة به فمدار الحديث على ضمرة به، وضمرة هو ابن ربيعة الفلسطيني ثقة إنما أُنكر عليه حديث رواه عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا: «من ملك ذا رحم محرم فهو عتيق» أنكره الإمام أحمد ورده ردًا شديدًا وقال: لو قال إن هذا كذب لما كان مخطئًا. وقال الذهبي في الميزان: مشهور ما فيه مغمز ... تفرد ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «من ملك ذا رحم محرم عتق». أخرجه النسائي. فالحديث بهذا الشاهد حسن كما قال الشيخ حفظه الله، أما تخريب الكعبة فهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة»، وقد ذكر ذلك الشيخ حفظه الله في آخر كلامه على الحديث. تنبيه أول: السيباني بالسين المهملة هو يحيى بن أبي عمرو وهو ثقة، بل قال أحمد: ثقة ثقة. ووقع في ترجمة أبي سكينة وكذا في ترجمة ضمرة من التهذيب بالشين المعجمة وهو تصحيف. تنبيه ثان: أبو سكينة قال الحافظ في الإصابة: مصغر، وقيل بفتح أوله. ***

اتخذوا الغنم فإن فيها بركة

2 - وقال الشيخ أيضًا في الصحيحة (773) على حديث «اتخذوا الغنم فإن فيها بركة»، رواه أبو بكر المقرئ في الفوائد والخطيب من طريقين عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم هانئ فذكره، وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن ماجه من طريق ثالثة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «اتخذي غنمًا فإن فيها بركة». اهـ كلام الشيخ. قلت: إنما رواه الخطيب عن أم هانئ فقد رواه من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ، وتابعه وكيع عن هشام به عند ابن ماجه كما تقدم في كلام الشيخ. ولم أقف على رواية أبي بكر المقرئ لأنظر هل هو من مسند عائشة، أو أم هانئ؛ فإن كان من مسند عائشة كما هو صريح كلام الشيخ فلعل الراوي وهم فسلك الجادة لأن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة سند مشهور ويكون الصحيح أن الحديث من مسند أم هانئ لاجتماع وكيع وأبي معاوية على ذلك، وقد روى أحمد في مسنده (6/ 342): ثنا إبراهيم بن خالد حدثني رباح عن معمر عن أبي عثمان الجحشي عن موسى أو فلان بن عبد الرحمن ابن أبي ربيعة عن أم هانئ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «اتخذي غنمًا يا أم هانئ فإنها تروح بخير وتغدو بخير»، فهذه الطريق وقد ذكرها الشيخ وإن كان فيها مجهولان وهما أبو عثمان وشيخه إلا أنها تؤيد في الجملة أن الحديث من مسند أم هانئ. ***

تنبيه: - طريق أبي معاوية أخرجها الإمام أحمد في مسنده (6/ 424) فقال: حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة به بلفظه الترجمة. قال الشيخ حفظه الله: وله طريق رابعة عند الخطيب عن حفص بن عمر ويعرف بالكَفْر حدثنا هشام بن عروة ولفظه: «يا أم هانئ اتخذي غنمًا فإنها تغدو وتروح بخير» أورده في ترجمة حفص هذا ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً اهـ. كلام الشيخ. قلت: بل قال الخطيب أنبأنا الماليني -وكتبته من أصله- أنبأنا عبد الله بن عدي قال: حفص بن عمر بن حكيم لقبه الكَبْر حديث عن عمرو بن قيس الملائي عن عطاء عن ابن عباس أحاديث بواطيل قلت: وهو في الكامل لابن عدي (2/ 387) في أول ترجمة حفص المذكور، وقال في آخر ترجمته بعد أن ساق له ثلاثة أحاديث رواها عن عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عباس قال: وهذه الأحاديث بهذا الإسناد مناكير لا يرويها إلا حفص بن عمر بن حكيم هذا وهو مجهول ولا أعلم أحدًا عنه غير علي بن حرب ولا أعرف له أحاديث غير هذا. اهـ. وقلت: ونستفيد من ترجمته في تاريخ بغداد (8/ 202) راويًا آخر وهو محمد بن غالب التمتام ونستفيد أيضًا حديثًا رابعًا وهو هذا الحديث الذي نحن بصدده والله أعلم. تنبيه أول: طريق حفص بن عمر هذه من مسند عائشة لا أم هانئ. ***

أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس

تنبيه ثان: قوله الكفر ويقال الكبر بالباء كذا في التاريخ. وقال الحافظ ابن حجر في كتابه " نزهة الألباب في الألقاب " (2/ 113): الكبر حفص بن عمر بن حكيم بن هشام بن عروة ويقال له الكفر بالفاء، وكافة مفتوحة. وقال في تبصير المنتبه (3/ 1182): كبر بالفتح وسكون الموحدة لقب حفص بن عمر شيخ لتمتام حدثه عن هشام بن عروة. اهـ **** 3 - وقال أيضًا حفظه الله (906) بعد أن ذكر حديث «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهرًا، ومن كف غضبة ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام [وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل]» أخرجه الطبراني ... إلى أن قال لكن قد جاء بإسناد خير من هذا فرواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج وأبو إسحاق المزكي في الفوائد المنتخبة ببعضه وابن عساكر من طرق عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (كذا قال ابن أبي الدنيا وقال الآخران عن عبد الله بن عمر قال قيل يا رسول الله من أحب الناس

إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا

إلى الله ... . . "وفيه الزيادة " أي قوله: وإن سوء الخلق إلخ " قلت: وهذا إسناد حسن فإن بكر بن خنيس صدوق له أغلاط كما قال الحافظ، وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين فثبت الحديث والحمد لله تعالى. اهـ. قلت: ليس إسناده بحسن؛ فإن بكر بن خنيس ضعفه جمهور الأئمة كأبي حاتم والنسائي والفلاس ويعقوب بن شيبة، بل قال الدارقطني وغيره: متروك، واقتصر الذهبي في ديوان الضعفاء والمتروكين على قول الدارقطني. وقال في الكاشف: واهٍ. (¬1) ويشهد لبعضه ما رواه مسلم في صحيحه (16/ 134 نووي) ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا ليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» وثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «اشفعوا فلتؤجروا» والنصوص في هذا المعنى كثرة وانظر مجمع الزوائد (8/ 190). ... 4 - وقال أيضًا (564) على حديث: «إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا» أخرجه البخاري والترمذي وأحمد عن محمد بن ¬

(¬1) ثم رأيت الشيخ حفظه الله قد ضعفه ونقل قولي الذهبي فانظر الضعيفة (14745 (.

: «أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي وأشار إلى حيث يطعن». . .

أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نُعم أن رجلاً سأل ابن عمر [وأنا جالس] عن دم البعوض يصيب الثوب؟ [فقال له: ممن أنت؟ قال من أهل العراق] فقال ابن عمر: [ها] انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره. والزيادات لأحمد والسياق للترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. اهـ. قلت: قال البخاري في صحيحه (10/ 426 فتح) ثنا موسى بن إسماعيل ثنا مهدي ثنا ابن أبي يعقوب عن ابن أبي نُعم قال: "كنت شاهدًا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض فقال: ممن أنت؟ قال من أهل العراق قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاي من الدنيا». فأنت ترى أن الزيادة الأولى والثانية في البخاري إلا أن الأولى بمعناها. ... 5ـــ وقال أيضًا (1088) في الصحيحة على حديث: «أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا عليّ وأشار إلى حيث يطعن». . . وأما حديث عمار فيرويه محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن محمد بن خُثيم المحاربي عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خُثيم أبي يزيد عنه مرفوعًا به، أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وهو من أوهامهما؛ فإن محمد بن خثيم وابنه يزيد لم يخرج مسلم عنهما

شيئًا، ثم إنهما في عداد المجهولين: وثقهما ابن حبان، وقال ابن معين في يزيد: ليس به بأس. وأما إعلاله بالانقطاع بين أبي يزيد وعمار فلا وجه له خلافًا لقول الهيثمي رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار ورجال الجميع موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار. اهـ. قلت: قول الشيخ وثقهما ابن حبان عندي أن العبارة غير محررة فإن ابن حبان يذكر الراوي في كتابه الثقات فأحيانًا يصرح بتوثيقه كأن يقول مستقيم الحديث أو كان متقنًا وأحيانًا -وهو الأغلب- يكتفي بمجرد ذكره في ثقاته ويزيد بن محمد بن خيثم وأبوه اقتصر على مجرد ذكرهما في ثقاته فلو قلنا فيهما وثقهما ابن حبان لم يكن هناك فرق بين من ينص على توثيقه وبين من يقتصر على مجرد ذكره في كتابه الثقات. وابن حبان إذا نص على توثيق راوٍ فإن توثيقه لا يقل عن توثيق غيره من الأئمة، وأما إذا اقتصر على مجرد ذكره في كتابه الثقات ففيه خلل. وانظر لذلك كتاب" التنكيل" للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي صفحة 669. وقول الشيخ: وأما إعلاله بالانقطاع إلى آخر كلامه فإن الهيثمي تبع في ذلك الإمام البخاري رحمه الله فقد قال في التاريخ الكبير (1/ 71) بعد أن ذكر سند الحديث: وهذا إسناد لا يعرف سماع يزيد بن محمد ولا محمد بن كعب من ابن خثيم ولا ابن خثيم من عمار. قلت: وكونه وُلد (أي محمد بن خثيم) على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -

كما ذكره البخاري والبغوي وغيرهما لا يلزم من ذلك أن يكون سمع من عمار فالإدراك شيء والسماع شيء آخر. قال ابن أبي حاتم في كتابه المراسيل في ترجمة أبي وائل: قلت لأبي: أبو وائل سمع من أبي الدرداء؟ قال: أدركه ولا يحكى سماع شيء، أبو الدرداء كان بالشام وأبو وائل كان بالكوفة. ومن شواهد حديث الترجمة ما رواه الإمام أحمد في مسنده (23/ 163 الفتح الرباني): ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سَبُع قال: سمعت عليًا - رضي الله عنه - يقول: لتخضبن هذه من هذا فما ينتظر بي الأشقى! قالوا: يا أمير المؤمنين فأخبرنا به نبير. . . . . . (16). قال إذًا تالله تقتلون بي غير قاتلي. قالوا: فاستخلف علينا. . الحديث. وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح إلا عبد الله بن سَبُع، وهو بفتح المهملة وضم الموحدة، ويقال سبيع مصغر، تفرد بالرواية عنه سالم بن أبي الجعد كما قال الذهبي في الميزان، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الحافظ: مقبول. وذكر الدارقطني في العلل (3/ 264) الاختلاف فيه على الأعمش وقال: الصواب قول عبد الله بن داود (وهو الخُريبي) ومن تابعه عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سَبُع وقوله - رضي الله عنه - إن صح عنه: إذًا تالله تقتلون بي غير قاتلي من كمال تصديقه بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إذْ قاتل عليّ لا يُقتل أو يموت حتى يقتل عليًا - رضي الله

: «أدخل الله عز وجل الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا»

عنه -، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه - لما استأذنه في قتل ابن صياد: «دعه فإن يكن الذي تخاف لن تستطيع قتله» رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، ورواه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: «إن يكن هو لا تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله»، وفي مسلم «يكنه» في الموضعين. ... 6 - ذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (1181) حديث: «أدخل الله عز وجل الجنة رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا» وذكر لفظًا آخر: «غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع سهلاً إذا اشترى سهلاً إذا اقتضى» وعزاهما لأحمد وغيره. وفات الشيخ حفظه الله أن البخاري أخرجه في صحيحه (4/ 306 فتح) فقال: ثنا علي بن عياش ثنا أبو غسان محمد بن مطرف قال: حدثني محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» (¬1). ... 7 - وذكر الشيخ حديث رقم (1016): «لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر» من طريقين عن عكرمة عن ابن عباس وحسنه، ¬

(¬1) ولقد استدرك ذلك الشيخ -حفظه الله- في الطبعة الثانية على نفسه ذلك. انظر استدراك رقم (178/ 7).

وقال للحديث شاهدان من حديث أبي سعيد وأنس، وهما مخرجان في كتابي تحذير الساجد فالحديث صحيح والحمد لله على توفيقه. قلت: فات الشيخ حفظه الله ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» (¬1). 8 - وقال الشيخ (1258) على حديث «إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي وقل: بسم الله وبالله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا ثم ارفع يدك ثم أعر ذلك وترًا». أخرجه الترمذي والحاكم والضياء في المختارة عن محمد بن سالم ثنا ثابت البناني قال: قال لي يا محمد (فذكره) فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه بذلك. وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ومحمد بن سالم شيخ مصري. قلت: وقال الضياء: "سئل أبو حاتم عنه فقال لا بأس به". وذكره ابن حبان في الثقات فالحديث صحيح الإسناد، وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي. اهـ. قلت: ما نقله عن أبي حاتم ثابت في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 273 وأما بالنسبة للحديث فروى مسلم في ¬

(¬1) بالرجوع إلى تحذير الساجد ص/31 تبين أن الشيخ -حفظه الله- ذكر حديث أبي مرثد الغنوي شاهدًا لحديثي أبي سعيد وأنس في شطره الأول فقط.

من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك - الحديث

صحيحة (14/ 189 نووي) عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعًا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثًا وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر». ... 9 - وقال الشيخ في تحقيقه الكلم الطيب (صفحة: 34) بعد أن ضَعَّف حديث أنس مرفوعًا: «من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك - الحديث»، ثم رأيت هذا الدعاء في المستدرك عن أبي هريرة نحوه غير مقيد بالصباح والمساء وسنده جيد. اهـ. قلت: هذا الحديث الذي قال فيه الشيخ إن سنده جيد كلفني شيخنا الفاضل عبد العزيز بن باز أن أحضر سنده لينظر فيه فأحضرت سنده وتكلمت عليه وقُرأ على شيخنا حفظه الله وإليك هذا البحث مع بعض التعديل: - قال الحاكم في المستدرك (1/ 523): ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو عبد الله أحمد بن يحيى الحجري ثنا زيد بن الحباب ثنا حميد بن مهران ثنا عطاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ثنا سليمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وأشهد من في

السموات ومن في الأرض أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمدًا عبدك ورسولك من قالها مرة أعتق الله ثلثه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه من النار ومن قالها ثلاثًا أعتق الله كله من النار»، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، ورواه ابن عدي في الكامل 2/ 274 من طريق أحمد بن يحيى الصوفي ثنا زيد بن الحباب حدثني حميد المكي به. قلت: عطاء هو ابن أبي رباح، وحميد هو المكي كما وقع عند ابن عدي، وهو مولى ابن علقمة، قال البخاري: روى عنه زيد بن الحباب ثلاثة أحاديث زعم أنه سمع عطاء عن أبي هريرة عن سلمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحديثين آخرين لا يتابع فيهما. قال المزي في تهذيب الكمال: يعني حديث سلمان في الدعاء: «من قال اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك. .» الحديث. وقال ابن عدي بعد أن خرج الحديث: وحميد المكي لم ينسب ولم يذكر أبوه، وحديثه هذا المقدار الذي ذكره البخاري لا يتابع عليه كما قال. وقال الذهبي في الكاشف: لين. وقال الحافظ في التقريب: مجهول. فقول الشيخ ناصر إن سنده جيد إنما هو بالنظر إلى ما وقع عند الحاكم بأن حميد هو ابن مهران وهو ثقة، وثقة ابن معين، وقال أبو داود والنسائي: ليس به بأس. وقال مسلم بن إبراهيم: كان صدوقًا. وقال الحافظ في التقريب: ثقة. إلا أن ما وقع عند الحاكم خطأ من وجهين: -

الأول: - ليس لحميد بن مهران رواية عن عطاء، ولا لزيد بن الحباب رواية عنه. الثاني: - أن حميد بن مهران ليس مكيًا، وصرح ابن عدي في حديثه أنه المكي، وذكر البخاري في التاريخ الصغير 2/ 123 هذا الحديث في ترجمة المكي مولى ابن علقمة وتبعه صاحب تهذيب الكمال وغيره. فالسند ضعيف، وقول الشيخ عن أبي هريرة وهم آخر لأن أبا هريرة يرويه عن سلمان - رضي الله عنه - فالحديث من مسند سلمان لا من مسند أبي هريرة، والله أعلم. هذا ما قُرئ على شيخنا حفظه الله، ثم رأيت الطبراني رواه في الكبير 6/ 220 من طريق الساجي ثنا أحمد بن يحيى الصوفي به، ورواه أيضًا من طريق أخرى فقال: ثنا محمد بن راشد الأصبهاني ثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: حدثني سلمان مرفوعًا به نحوه، وفيه: «وأكفر من أبى ذلك من الأولين والآخرين»، وهذا سند لا يصح؛ إبراهيم بن عبد الله بن خالد قال ابن حبان: يسرق الحديث، ويروي عن الثقات ما ليس من حديثهم. وقال الحاكم: أحاديثه موضوعة. وقال الذهبي: هذا رجل كذاب. كذا في الميزان. وقال في ديوان الضعفاء والمتروكين: متروك متهم. قلت: فقول البخاري المتقدم في حميد المكي أنه روى ما لا يتابع عليه لأن هذه المتابعة لا يفرح

حديث: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين

بها؛ لأن في سندها كذابًا يسرق الحديث، والله أعلم. ... 10 - صحح الشيخ حديث: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين، وليقل له: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لنا ولكم» كما في تخريج المشكاة برقم (4741) وكذا في صحيح الجامع (686) من رواية ابن مسعود وسالم بن عبيد الأشجعي رضي الله عنهما. وقد حققت هذا الحديث وقرئ على شيخنا الفاضل عبد العزيز ابن باز حفظه الله وإليك هذا التحقيق بلفظه مع بعض الزيادة: - قال أبو داود (13/ 372 عون): حدثنا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن هلال بن يساف قال: كنا مع سالم بن عبيد فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم. فقال سالم: وعليك وعلى أمك. ثم قال بعد: لعلك وجدت مما قلت لك؟ قال: لوددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا بشر. قال: إنما قلت لك كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وعليك وعلى أمك». ثم قال: «إذ عطس أحدكم فليحمد الله، قال: فذكر بعض المحامد، وليقل له من عنده: يرحمك الله، وليرد -يعني عليهم- يغفر الله لنا ولكم»، ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة (225) عن محمد بن قدامة عن جرير به، ورواه أيضًا (227) والترمذي

(8/ 12 - تحفة) كلاهما عن محمود بن غيلان نا أبو أحمد نا سفيان عن منصور به، ورواه النسائي أيضًا (226) وكذا ابن حبان (2/ 361) من طريق إسرائيل عن منصور به، وقال الترمذي بعد روايته للحديث: " هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال بن يساف وبين سالم رجلاً ". اهـ. قلت: وهذا الرجل الذي بين هلال وسالم أبهمه بعضهم وصرح به بعضهم وبعضهم زاد رجلاً آخر، فروى النسائي في عمل اليوم والليلة (228) عن أحمد بن حرب ثنا قاسم ثنا سفيان عن منصور عن هلال عن رجل عن سالم به نحوه، ورواه زائدة عن منصور عن هلال عن رجل عن سالم به، ورواه أبو داود الطياليسي (صفحة: 167) وأبو داود في سننه والنسائي في عمل اليوم والليلة (231) كلهم من طريق ورقاء عن منصور عن هلال عن خالد بن عرفجة عن سالم به، ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/ 7 - 8) عن يحيى بن سعيد حدثني سفيان حدثنا منصور عن هلال بن يساف عن رجل من آل خالد بن عرفطة عن آخر قال: كنت مع سالم به. ورواه النسائي في عمل اليوم الليلة (229) عن محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن رجل عن آخر قال: كنا مع سالم به، ثم قال النسائي: وهذا الصواب عندنا والأول خطأ. وقال الحاكم (4/ 267) بعد أن ذكر الاختلاف: الوهم في رواية جرير هذه ظاهر فإن هلال بن يساف لم يدرك سالم بن عبيد

ولم يره وبينهما رجل مجهول. اهـ. فثبت بهذه الطرق جهالة الواسطة بين هلال وسالم، بل إن أصح الأسانيد المتقدمة سند الإمام أحمد حيث رواه عن القطان عن الثوري، ورواه النسائي عن محمد بن بشار عن القطان به وفيه إثبات رجلين مجهولين بين هلال وسالم، وقول النسائي عقب هذه الطريق: وهذا الصواب عندنا والأول خطأ. وتابع القطان معاويةُ بن هشام في إثبات الرجلين المجهولين إلا أنه سمى واحدًا منهما فروى النسائي (230) في عمل اليوم والليلة من طريقه عن سفيان عن منصور عن هلال عن رجل عن خالد بن عرفطة عن سالم بن عبيد نحوه. وسماه بعضهم كما تقدم خالد بن عرفجة. قال الحافظ في التقريب: (خالد بن عرفجة صوابه ابن عرفطه يروي عن سالم بن عبيد مقبول من الثالثة). وانظر تحفة الأشراف (3/ 252). وأما حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - فرواه الطبراني في الكبير (10326): ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن يونس ثنا أبيض بن أبان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، فإذا قال ذلك فليقل من عنده يرحمك الله فإذا قال فليقل يغفر الله لي ولكم" ورواه الحاكم (4/ 266) من طريق جعفر بن سليمان وأبيض كلاهما عن عطاء به مرفوعًا. وخالفهما سفيان الثوري فرواه عن عطاء به موقوفًا رواه البخاري

في الأدب المفرد (934) عن أبي نعيم عن سفيان به. وكذا رواه الحاكم وقال: هذا حديث لم يرفعه عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود غير عطاء بن السائب، تفرد بروايته عنه جعفر ابن سليمان الضُّبعي وأبيض بن أبان القرشي، والصحيح فيه رواية الإمام الحافظ المتقن سفيان بن سعيد الثوري عن عطاء بن السائب. ثم ساقه من أربعة طرق عن سفيان موقوفًا ثم قال: هذا المحفوظ من كلام عبد الله إذا (¬1) لم يسنده من يُعتمد روايته. ووافقه الذهبي. ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة (224) من طريق جعفر بن سليمان عن عطاء بن السائب مرفوعًا ثم قال: وهذا حديث منكر ولا أرى جعفر بن سليمان إلا سمعه من عطاء بن السائب بعد الاختلاط، ودخل عطاء البصرة مرتين فمن سمع منه أول مرة فحديثه صحيح ومن سمعه منه آخر مرة ففي حديثه شيء، وحماد بن زيد حديثه عنه صحيح. ورواه ابن السنِّي (259) عن النسائي به، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 30) من طريق أبيض بن أبان وجعفر بن سليمان عن عطاء بن السائب مرفوعًا ثم قال: والصحيح رواية الثوري. قلت: ساقه من طريق عبد الرزاق عن سفيان عطاء موقوفًا ثم قال: هذا موقوف وهو الصحيح، وسُئل عنه أبو حاتم كما في العلل لابنه (2/ 243). فقال: هذا خطأ الناسُ يروونه عن عبد الله موقوف (¬2) منهم جعفر بن سليمان ¬

(¬1) كذا في "المستدرك" ولعل الصواب "إذ" والله أعلم. (¬2) كذا في " العلل".

وغيره، وأبيض شيخ، وعطاء بن السائب اختلط بآخره. وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال (5/ 334): يرويه عطاء بن السائب، واختلف عنه فرفعه أبيض بن أبان وجعفر بن سليمان عن عطاء ووقفه جرير وعلي بن عاصم، والموقوف أشهر. تنبيه: جعل أبو حاتم جعفر بن سليمان من الذين رووا الحديث عن ابن مسعود موقوفًا وتقدم أن النسائي والحاكم والبيقهي رووه من طريقه مرفوعًا وكذا قال الدارقطني كما تقدم نقل كلامه فلعله اختلف عليه في رفعه ووقفه أو يكون هذا مما وهم فيه أبو حاتم، والله أعلم. وجاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما موقوفًا عليهما: فروى عبد الرزاق (19677) عن معمر عن بديل العقيلي عن أبي العلاء ابن عبد الله بن شخير قال عطس رجل عند عمر بن الخطاب قال: السلام عليك. فقال عمر: وعليك وعلى أمك، أما يعلم أحدكم ما يقول إذا عطس؟ إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل القوم يرحمك الله وليقل يغفر الله لكم. ورجاله ثقات ولكن ينظر في سماع أبي العلاء من عمر فإنه توفي على ما قاله ابن حبان سنة إحدى عشرة ومائة، وقال غيره سنة ثمان ومائة. وقال الحافظ في التقريب: كان مولده في خلافة عمر. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/ 494) بعد قول أبي العلاء: أنا أكبر من الحسن البصري بعشر سنين قال: على هذا يكون مولده في خلافة الصديق.

قلت: فعلى مذهب من يكتفي بالمعاصرة يصحح سماعه من عمر، وأما على مذهب من يشترط اللقاء فلا والله اعلم. وروى البخاري في الأدب المفرد (933) عن إسماعيل عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا عطس فقيل له يرحمك الله فقال: يرحمنا وإياكم ويغفر لنا ولكم. اهـ. ما قرئ على شيخنا حفظه الله وذهب إلى تضعيف الحديث وسألته عما جاء عن الصحابة فقال: حفظه الله: لا تعارض بها السنة. ثم رأيت الشيخ ناصرًا حفظه الله ذكر حديث سالم بن عبيد في الإرواء (3/ 246) وضعفه بقوله: فالإسناد ضعيف لانقطاعه أو لجهالة الواسطة بينهما. بينما قال في المشكاة: إسناد صحيح فكأنه مشى مع ظاهر الإسناد، وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 57) لهذا الحديث شاهدًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه مرفوعًا: «إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله -أحسبه قال- على كل حال وليقل له يرحمك الله وليقل يغفر الله لنا ولكم» وقال: رواه البزار وفيه أسباط بن عزرة ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. قلت: سنده عند البزار هكذا (2011): حدثنا محمد بن عبيد الله المخزمي ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن أسباط بن عزرة عن جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره. وهذا سند رجاله ثقات معروفون إلا أسباط بن عزرة فلم أجد من ترجمه، فهو علة الحديث وتكلم شعبة في سماع

جعفر من مجاهد. قال أحمد: كان شعبة يضعف حديث أبي بشر عن مجاهد قال: لم يسمع منه شيئًا، وقال ابن معين: طعن عليه شعبة في حديثه عن مجاهد قال: من صحيفة. انظر تهذيب الكمال للمزي (5/ 7) ولهذا قال الحافظ في التقريب: ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير، وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد. تنبيه: وقع في كشف الأستار كما تقدم محمد بن عبيد الله مصغر وهو تصحيف صوابه عبد الله مكبر وهو ثقة متقن. وروى البيهقي في الشعب (9352) حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن عبد العزيز حدثني أبي عن نافع عن ابن عمر قال: اجتمع المسلمون واليهود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشمته الفريقان جميعًا فقال للمسلمين: «يغفر الله لكم ويرحمنا الله وإياكم، وقال لليهود: يهديكم الله ويصلح بالكم». وقال: تفرد به عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه وهو ضعيف. قلت: تساهل فيه البيهقي. قال أبو حاتم وغيره: أحاديثه منكره. وقال ابن الجنيد: لا يساوي فلسًا (كذا في الميزان) وفي اللسان شيئًا (¬1)، يحدث بأحاديث كذب. وقال ابن عدي: روى أحاديث عن أبيه لا يتابع عليها. وقال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا روي عن غير أبيه، وفي روايته عن إبراهيم بن طهمان مناكير. وقال العقيلي: له أحاديث مناكير ليس ممن يقيم الحديث. كذا في الميزان واللسان والله أعلم. فتبين مما سبق أن ¬

(¬1) رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 104) ووقع عنده فلسًا.

لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة

الحديث لا يصح من جميع طرقه، فحديث سالم بن عبيد ضعيف لجهالة بعض رواته، وحديث ابن مسعود الراجح وقفه عليه، وحديث ابن عمر له طريقان طريق البزار فيه علتان، وطريق البيهقي فيه عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد وقد سبق نقل كلام الأئمة فيه والله أعلم. فإن قيل: فهل يصح الحديث بمجموع طرقه؟ فأقول: لا يصح؛ لأن حديث سالم بن عبيد فيه راويان مجهولان كما رواه أحمد وغيره، وحديث ابن مسعود موقوف، وطريق حديث ابن عمر عند البزار فيه علتان والطريق الأخرى ضعيفة جدًا فلا يصل الحديث بمجموع طرقه إلى الصحة بل ولا إلى الحسن، والله أعلم. تنبيه: قوله في حديث ابن عمر: «اجتمع المسلمون واليهود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشمته الفريقان. .»، كذا وقع في الشعب، وساقه الحافظ في الفتح (10/ 609) بلفظ: «اجتمع اليهود والمسلمون فعطس النبي - صلى الله عليه وسلم -. . .» فلعله سقط من النسخة المطبوعة، أو كتبه الحافظ من حفظه فأثبت المحذوف المقدر، والله أعلم. ... 11 - وقال حفظه الله في تخريج المشكاة (1051) على حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة»، رواه أحمد، ورزين. إسناده

إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به

ضعيف لكن يشهد له الحديث المتقدم (1041). قلت: يشير حفظه الله إلى حديث أبي سعيد المتفق على صحته بلفظ: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس». قلت: ليس في حديث أبي سعيد ما يشهد للاستثناء الواقع في حديث أبي ذر وهو قوله إلا بمكة، وهو استثناء ضعيف سندًا ومتنًا، والصحيح القول بالعموم، والله أعلم وانظر نضب الراية (1/ 254) والبيهقي (2/ 461). ويستثنى من قوله: «لا صلاة» الصلاة ذات السبب لأدلة أخرى وردت في ذلك اختاره شيخنا حفظه الله. ... 12 - وقال حفظه الله على حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به»، وفي سنده عنعنة ابن إسحاق كما في تخريج المشكاة (6034). قلت: هذا الحديث رواه أحمد في مسنده (5/ 165): ثنا يزيد ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث رجل من أيلة قال: مررت بعمر بن الخطاب، فقال: نعم الغلام. فاتبعني رجل ممن كان عنده، فقال: يا ابن أخي ادع الله لي بخير. قال: قلت: ومَنْ أنت يرحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: غفر الله لك أنت أحق أن تدعوا لي مني

لك قال: يا ابن أخي إني سمعت عمر بن الخطاب حين مررت به آنفًا يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به»، ورواه أيضًا (5/ 177) عن يعلى بن عبيد ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول به ورواه أبو داود (8/ 179 - عون) وابن ماجه (108) وابن أبي شيبة (12/ 21) ويعقوب الفسوي في كتابه المعرفة والتاريخ (1/ 461) وابن أبي عاصم (1249) كلهم من طريق محمد بن إسحاق به. وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند يعقوب الفسوي، وقد توبع عند الحاكم (3/ 86): فرواه من طريق أبي خالد الأحمر عن هشام بن الغاز وابن عجلان ومحمد بن إسحاق عن مكحول به. ويؤيد صحة رواية الحاكم ما وقع في علل ابن أبي حاتم (2669) قال: سمعت أبا زرعة وذكر حديثًا حدثنا به عن دُحيم عن عمرو بن بشر بن السرح عن أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد عن غضيف بن الحارث عن بلال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله جعل الحق في قلب عمر وعلى لسانه». فقال أبو زرعة: حديث محمد بن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشبه لأنه قد وافقه عليه غيره عن أبي ذر. اهـ. ورواه أيضًا أبو نعيم في الحلية (5/ 191) مثل رواية الحاكم إلا أنه واقع عنده عن "أبي إسحاق" وهو تصحيف صوابه ابن إسحاق.

وحديث أبي ذر صحيح رجاله كلهم ثقات إلا ابن إسحاق فهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث وقد صرح عند يعقوب الفسوي كما تقدم، وقد توبع أيضًا كما عند الحاكم وأبي نعيم. وغضيف بالضاد المعجمة مصغر مختلف في صحبته فأثبت صحبته أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما وهو الراجح عندي، ومنهم من جعله من ثقات التابعين، فالسند صحيح على كل حال. وروى أحمد في مسنده طريقًا أخرى كحديث أبي ذر فقال رحمه الله (5/ 145): حدثنا يونس وعفان المعنى قالا: ثنا حماد بن سلمة عن برد أبي العلاء قال عفان قال: أنا برد أبو العلاء عن عبادة بن نُسي عن غضيف بن الحارث به نحوه. وهذا سند صحيح أيضًا، وبرد هو ابن سنان وثقه الجمهور وهو الصحيح خلافًا لابن المديني، والرواية الثانية عن أبي حاتم. ويمكن حمل كلام أبي زرعة المتقدم وهو قوله: لأنه أي "ابن إسحاق" قد وافقه عليه غيره عن أبي ذر على هذه الطريق أيضًا والله أعلم. وقال الشيخ أيضًا على حديث ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»، رواه الترمذي وقال: حديث حسن وهو كما قال أو أعلى كما في تخريج المشكاة (6033). قلت: قال الإمام أحمد في مسنده (2/ 95): ثنا أبو عامر حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصاري عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله عز وجل جعل الحق على قلب عمر ولسانه»، قال: وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمرٌ قط فقالوا فيه وقال فيه عن عمر بن الخطاب أو قال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر. ورواه الترمذي (3765 - تحفة) وابن حبان (5/ 318) عن أبي عامر وهو العقدي به، وخارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت ضعفه أحمد والدارقطني، وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: شيخ حديثه صالح. وقال أبو داود: شيخ. وقال ابن عدي: لا بأس به وبرواياته عندي. وقال الذهبي: فيه ضعف. كما في ديوان الضعفاء والمتروكين. وقال الحافظ: صدوق له أوهام. ولم يتفرد به: فرواه الإمام أحمد (2/ 53) وابن سعد (2/ 335) قالا: حدثنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي أخبرنا نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر عن النبي

- صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر وقلبه». وهذا سند صحيح: نافع هو ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم نُسب إلى جدة ثقة كما قال جمهور الأئمة خلافًا لأحمد، وقال الحافظ: صدوق ثبت في القراءة. ورواه أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (8/ 109) من طريق سعيد بن أبي مريم ثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القاري عن نافع به، وقال: "رواه ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن مثله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - مثله. قلت: روى طريق الضحاك بن عثمان عبد الله بن

: «لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره، فاقتلوها في الحل والحرم»،

الإمام أحمد في زياداته على فضائل الصحابة (395) والطبراني في الأوسط (291) كلاهما من طريق ابن أبي حازم عن الضحاك به. وقال ابن أبي حاتم في العلل (2654): سمعت أبا زرعة وذكر حديثًا رواه إبراهيم بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه». ورواه نافع بن أبي نعيم والضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو زرعة: حديث نافع بن أبي نعيم أشبه لأني لم أر أحدًا يتابع إبراهيم بن سعد فيه. قلت: روى طريق إبراهيم بن سعد ابنُ أبي عاصم في كتاب السنة (1247). وقول الشيخ حفظه الله: وقال الترمذي: حديث حسن. الذي وقع عندي في تحفة الأحوذي قول الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وكذا في تحفة الأشراف للمزي (6/ 94). وقول الشيخ أو أعلى مراده فيما أرجح بالمتابعات والشواهد وإلا فسند الترمذي فيه خارجة وهو مختلف فيه، والله أعلم. 13 - وصحح الشيخ حفظه الله حديث: «لعن الله العقرب لا تدع مصليًا ولا غيره، فاقتلوها في الحل والحرم»، كما في الصحيحة (547 - 548). وهذا الحديث جمعت طرقه وقرئ على شيخنا الفاضل عبد العزيز بن باز حفظه الله فإليك البحث مع بعض التعديل.

قال ابن ماجه (1246): حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي والعباس بن جعفر قالا: حدثنا علي بن ثابت الدهان ثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: لدغت النبي - صلى الله عليه وسلم - عقربٌ وهو في الصلاة، فقال: «لعن الله العقرب ما تدع المصلي وغير المصلي، اقتلوها في الحل والحرم» ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 213) من طريق محمد بن الرحيم صاعقة ثنا علي بن ثابت الدهان ثنا أسباط بن نصر عن الحكم بن عبد الملك به فزاد ذكر أسباط في السند وهو من المزيد في متصل الأسانيد، فقد صرح علي بن ثابت بالتحديث من الحكم في سند ابن ماجه كما تقدم. وعلي بن ثابت روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الميزان: شيخ محدث معاصر لِعَّفان صدوق لكنه شيعي معروف وقيل: كان ممن يسكن في تشيعه ولا يغلو. وقال الحافظ في التقريب: صدوق. وأما الحكم بن عبد الملك فهو علة هذا السند فقد ضعفه جميع الأئمة إلا العجلي فوثقه وهذا من تساهله المعروف به، ولهذا قال الحافظ في التقريب: ضعيف. وقال صاحب "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه" (1/ 148): لكن لم ينفرد به الحكم فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به. وتابعه الشيخ حفظه الله في الصحيحة (547) على هذا الوهم فيما أرى فقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه

(4/ 191) بالسند الذي ذكره البوصيري حديث عائشة بلفظ: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديأة»، ذكره في أبواب ما يحل للمحرم قتله، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه كلهم من طريق محمد بن جعفر به، وذكر ابن خزيمة في أبواب الأفعال المباحة في الصلاة حديث ضمضم بن جوس عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أمر بقتل الأسودين في الصلاة العقرب والحية» ومما يؤيد أن الشيخ حفظه الله إنما تبع البوصيري أنه لم يذكر الجزء والصفحة كعادته في العزو، والله أعلم، وتبين أيضًا أن الحكم مع ضعفه قد وهم في متن الحديث مخالفًا في ذلك الحافظ الناقد شعبة بن الحجاج. قال الشيخ حفظه الله: وللحديث شاهد قوي من حديث علي. . . قلت: فساقه ثم قال: أخرجه الطبراني في المعجم الصغير وأبو نعيم في أخبار أصبهان وأبو محمد الخلال في "فضائل قل هو الله أحد" من طرق عن محمد بن فضيل. . قلت: قال الطبراني في المعجم الصغير (830): حدثنا محمد بن الحسين الأشناني الكوفي ثنا عباد بن يعقوب الأسدي ثنا محمد بن فضيل عن مطرف بن طريف عن المنهال بن عمرو عن محمد بن الحنفية عن علي قال: لدغت النبي - صلى الله عليه وسلم - عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال: «لعن الله العقرب، لا تدع مصليًا ولا غيره. . .» الحديث، وقال الطبراني: لم يروه عن مطرف إلا ابن فضيل. وقال الهيثمي في

مجمع الزوائد (5/ 111): إسناده حسن. وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال كما في العلل (4/ 122): هو حديث يرويه المنهال بن عمرو، واختلف عنه: فرواه مطرف بن طريف عن المنهال فأسنده إسماعيل ابن بنت السُّدَّي عن محمد بن فضيل عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن ابن الحنفية عن علي وخالفه موسى بن أعين وأسباط بن محمد وغيرهما فرووه عن مطرف عن المنهال عن ابن الحنفية مرسلاً وهو أشبه بالصواب. قلت: تقدم في سند الطبراني متابعة عباد بن يعقوب وهو الرواجني لإسماعيل ابن بنت السدي على رفعه وعباد بن يعقوب ثقة ولكنه يغلو في التشيع. قال ابن خزيمة: حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه. ووثقة أبو حاتم وغيره. وشيخ الطبراني محمد بن الحسين قال الدارقطني: ثقة مأمون كما في سؤالات حمزة السهمي (15) وقال الخطيب (2/ 235): وأخبرني بعض أصحابنا أنه سمعه يقول: أنه ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وكان ثقة حجة. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (3604) (9850) عن عبد الرحيم بن سليمان عن مطرف به مرسلاً. وعبد الرحيم بن سليمان وهو الكناني ثقة قال في التقريب: ثقة له تصانيف. قال الشيخ حفظه الله: لا سيما وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن مسعود نحوه. . أخرجه ابن عدي في "الكامل" بسند ضعيف. قلت: روى ابن عدي في الكامل (2/ 290) من طريق

الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بينما هو يصلي إذ لدغته عقرب فقتلها بنعليه وهو في الصلاة فلما فرغ من صلاته قال: «قاتلهن الله ما يدعن نبيًا ولا غيره»، وهذا السند أخطأ فيه الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث سئل الدارقطني عن هذا الحديث (5/ 303): فقال: يرويه الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله ولم يتابع عليه ورواه مطرف وحمزة الزيات عن المنهال بن عمرو عن ابن الحنفية مرسلاً وهو أصح. قلت: وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه ابن عدي (3/ 129) من طريقين عن محمد بن سيرين عنه. فأما الطريق الأولى: فرواها من طريق الربيع بن بدر عن عوف عن محمد عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل عقربًا فقال: «لعن الله العقرب ما تدع نبيًا ولا مصليًا» وهذا سند رجاله كلهم ثقات إلا الربيع بن بدر وهو التميمي السعدي الملقب بـ"عُليلة" بمهملة مضمومة ولامين بينهما ياء ساكنة، فقد ضعفه الأئمة بل قال أبو حاتم والنسائي وغيرهما: متروك. وتبعهم الحافظ في التقريب. وأما الطريق الثانية: فرواها (2/ 28) من طريق أبي عبيدة الناجي عن محمد بن سيرين أظنه عن أبي هريرة به نحوه. وهذا سند لا يصح أيضًا: أبو عبيدة الناجي واسمه بكر بن الأسود أو ابن أبي الأسود قال يحيى بن كثير العنبري: كذاب. وقال النسائي: ليس بثقة. وضعفه الدارقطني.

إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة فإذا بلغ أقصى أثرة توفاه فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني

وبهذا التخريج يتبين أن الحديث لا يصح من جميع طرقه ولا يقال إنه حسن بمجموع طريقيه طريق عائشة ومرسل ابن الحنفية لأنه تبين لنا أن الحكم بن عبد الملك مع ضعفه قد وهم في متنه مخالفًا في ذلك في ذلك شعبة فمتن الحكم غير قائم للمخالفة. والله أعلم. ... 14 - وذكر الشيخ في الصحيحة (1222) حديث: «إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة فإذا بلغ أقصى أثرة توفاه فتقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني» وقال: أخرجه ابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الحاكم: "احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم" ووافقه الذهبي وهو كما قالا: وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال الشيخ أيضًا في تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم (1/ 174): حديث صحيح وإسناده ثقات رجال مسلم غير أن عمر بن علي وهو المقدمي مدلس لكنه قد توبع. قلت: عمر بن علي صرح بالتحديث عند ابن ماجه والحاكم لكن ليت الشيخ حفظه الله نقل كلام الحاكم ليعلم أن في الحديث اختلافًا في رفعه ووقفه. فقد قال الحاكم بعد أن أخرجه من طريق عمر بن علي المقدمي ومحمد بن خالد الوهبي وهشيم: "فقد أسند هذا الحديث

ثلاثة من الثقات عن إسماعيل وأوقفه عنه سفيان بن عيينة فنحن على ما شرطنا في إخراج الزيادة من الثقة في الوصل والسند". اهـ. وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: (5/ 238: علل) يرويه إسماعيل بن أبي خالد فرفعه عنه عمر (الأصل عمرو وهو خطأ) ابن علي المقدمي ومحمد بن خالد الوهبي وهشيم -من رواية موسى ابن حيان عن ابن مهدي عنه- وغيره يرويه عن هشيم ولا يرفعه وكذلك رواه ابن عيينة ويحيى القطان وغيرهما موقوفًا وهو الصواب. حدثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ثنا عمر بن شبه ثنا يحيى ثنا إسماعيل عن قيس قال: قال عبد الله: «إذا كان أجل أحدكم بأرض أتى له الحاجة فيعمد إليهما فإذا كان أقصى أثرة قبض فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني» وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1073) من طريق محمد بن خالد عن إسماعيل بن أبي خالد به. وقال: قال أبي: الكوفيون لا يرفعونه. قال أبو محمد: هذا الحديث معروف بعمر بن علي بن مقدم، تفرد به عن إسماعيل بن أبي خالد، وتابعه على روايته محمد بن خالد الوهبي. اهـ. فتبين من كلام هؤلاء الأئمة أن الحديث مختلف في رفعه ووقفه فرفعه عمر بن علي المقدمي كما عند ابن ماجه وابن أبي عاصم والحاكم ومحمدُ بن خالد الوهبي عند الحاكم، واختلف على هشيم في رفعه ووقفه كما يدل عليه كلام الدارقطني المتقدم. فرواية

الرفع عن هشيم رواها الطبراني عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا موسى بن محمد بن حيان البصري ثنا عبد الرحمن مهدي ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد به، ورواها الحاكم من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي به، ومحمد بن عبد الله هو مُطَيَّن -بضم الميم وفتح الطاء المهملة وتشديد الياء المفتوحة آخر الحروف وآخره نون- قال الدارقطني: ثقة جبل. وقال الخليل: ثقة حافظ. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 42): صنف المسند والتاريخ وكان متقنًا وقد تكلم فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة تكلم هو في ابن عثمان فلا يعتد غالبًا بكلام الأقران لا سيما إذا كان بينهما منافسة، فقد عدد ابن عثمان لمطين نحوًا من ثلاثة أوهام فكان ماذا؟ ومطين أوثق الرجلين ويكفيه تزكية مثل: الدارقطني. وأما موسى بن محمد بن حيان فقال الذهبي في الميزان: ضعفه أبو زرعة ولم يترك، وقد نقطه بجيم في أماكن ابن الأزهر الصريفيني فوهم. وقال الحافظ في اللسان بعد كلام الذهبي هذا: والمعروف بالمهملة، ولفظ ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديثه ولم يقرأه علينا، وكان أخرجه قديمًا في فوائده. وذكره ابن حبان في الثقات: فقال: كنيته أبو عمران ربما خالف. قلت: لفظ ابن أبي حاتم: ترك أبو زرعة حديثه ولم يقرأ علينا، كان قد أخرجه قديمًا في فوائده وقد كناه ابن أبي حاتم أبا عمران أيضًا. تنبيه: وقع في الميزان طبعة البجاوي جيان بالجيم وفي اللسان

دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة وما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها

حسان بالحاء والسين المهملتين وكل هذا تحريف صوابه حيان بالحاء المهملة وبالمثناة من تحت كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ولما تقدم من كلام الحافظين الذهبي وابن حجر، وقد صرح الحافظ في تبصير المنتبه (1/ 277) أنه بالياء التحتانية، وعليه فالطريق إلى هشيم ضعيفة مع مخالفة غيره له في رفعه وعند المقارنة بين الذين أوقفوه والذين رفعوه: نجد أن الذين أوقفوه أرجح بكثير فالراجح ما ذهب إليه الدارقطني، والله أعلم. ... 15 - وذكر الشيخ حفظه الله في الإرواء تحت الحديث رقم (354) حديث عائشة قالت: «دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة وما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها» وقال: أخرجه الحاكم وعنه البيهقي وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا. اهـ. قلت: أخرجاه من طريق عمرو بن أبي سلمة ثنا زهير بن محمد المكي عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: عجبًا للمرء المسلم إذا دخل الكعبة (حتى وعند البيهقي كيف) يرفع بصره قبل السقف يدع ذلك إجلال لله إعظامًا: دخل رسول الله. . . الحديث، وبعد أن سقنا سنده يتبين أن ليس على شرطهما: أولاً: لم يخرجا لعمرو بن أبي سلمة عن زهير شيئًا، والأئمة قد تكلموا في

روايته عن زهير. قال الأثرم عن أحمد: في رواية الشاميين عن زهير يروون عنه مناكير. ثم قال: أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر، وأما أحاديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة أو نحو هذا، فأما بواطيل فقد قاله. وقال النسائي: زهير بن محمد ليس به بأس وعند عمرو بن أبي سلمة يعني التنيسي عنه مناكير. وقال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح. قلت: أبو حفص هي كنية عمرو بن أبي سلمة. ثانيًا: لم يخرجا أيضًا لسالم عن عائشة شيئًا؛ بل قال البخاري لم يسمع منها فالحديث ضعيف، والله أعلم. وقد أورد الحديث ابن أبي حاتم في العلل (895) فقال: سألت أبي عن حديث رواه عمرو ابن أبي سلمة التنيسي (في الأصل النفيسي وهو تحريف) عن زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر. تنبيه: تقدم في الحديث رقم (1) أن الشيخ حفظه الله ضعف زهير بن محمد مطلقًا وفي هذا الحديث وثقه وهذا خلاف ما نقلناه عن الأئمة أحمد والبخاري والنسائي فيكون الشيخ قد ضعفه في موضع التوثيق لأنه في الحديث الأول من رواية ابن مهدي والعقدي، ووثقه في موضع التضعيف كما هنا والله أعلم. ***

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ليسمعناها

16 - وقال الشيخ حفظه الله على الحديث الذي رواه أحمد عن ابن عمر: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة ليسمعناها». (إرواء الغليل 327). صحيح رواه أحمد من طريق إبراهيم الصائغ عن ابن عمر به قلت: وهذا سند صحيح. اهـ. قلت: كذا وقع في المسند ومنه نقل الشيخ وسنده عند أحمد هكذا (2/ 76): ثنا عتاب بن زياد ثنا أبو حمزة يعني السكري عن إبراهيم يعني الصائغ عن ابن عمر به. إلا أنه قال: ويسمعناها. ولو أخذنا بظاهر هذا السند لقلنا بانقطاعه؛ لأن إبراهيم وهو ابن ميمون لا يروي عن أحد من الصحابة، إنما يروي عن التابعين كعطاء بن أبي رباح ونافع وأبي الزبير وأبي إسحاق. ولهذا جعله الحافظ في التقريب من الطبقة السادسة وهي عاصرت الطبقة الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة قاله الحافظ في مقدمة التقريب. ولكن الواسطة بين إبراهيم وابن عمر سقطت من المسند المطبوع على حاشيته منتخب كنز العمال وهي نسخة كثيرة التحريف والتصحيف والسقط، وقد رواه ابن حبان في صحيحة (16/ 191) بإثبات الواسطة فقال أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا أحمد ابن إبراهيم الدروقي ثنا عتاب بن زياد ثنا أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ عن نافع (¬1) عن ابن عمر به. ورواه أيضًا من طريق أخرى عن أبي حمزة بإثبات نافع في سنده وهذا سند صحيح كما قال ¬

(¬1) وقد وقع في "إطراف المسند" (3/ 483 رقم 4524) بإثبات نافع.

الشيخ حفظه الله، وله طريق أخرى عن ابن عمر عند ابن حبان أيضًا (6/ 190): أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ثنا الوليد بن مسلم عن الوضين بن عطاء عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفصل بين الشفع والوتر بتسليم يسمعناه. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 278) من طريق الوليد بن مسلم عن الوضين بن عطاء قال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك. وقال الحافظ في الفتح (2/ 482) بعد أن أورده من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: إسناده قوي. قلت: الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعنه، قال الحافظ في التقريب: ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية. والوضين بن عطاء - وهو بفتح الواو وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم نون- مختلف فيه: وثقة أحمد وابن معين ودحيم وقال ابن عدي: ما أرى بأحاديثه بأسًا. وقال أبو داود: صالح الحديث. وضعفه ابن سعد وابن قانع وقال أبو حاتم: تعرف وتنكر. وقال إبراهيم الحربي: غيره أوثق منه. وقال الجوزجاني: واهي الحديث. وقال الوليد بن مسلم: كان صاحب خطب ولم يكن في الحديث بذاك. قلت: الراجح فيه ما قاله أحمد وغيره فهم أقعد في هذا الفن من الذين ضعفوه إلا ما جاء عن أبي حاتم، وقد عُرف بالتشدد.

: «الهجرة هجرتان هجرة الحاضرة وهجرة البادي أما البادي فإنه يطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأما الحاضر فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا»،

وأما قول الجوزجاني واهي الحديث فهذا من غلوه رحمه الله ولهذا قال الذهبي في الكاشف: ثقة وبعضهم ضعفه. فهذه الطريق الثانية لا بأس بسندها لولا عنعنة الوليد. وذكر الهيثمي حديث ابن عمر هذا في مجمع الزوائد (2/ 243) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه إبراهيم بن سعيد وهو ضعيف. قلت: رواه الطبراني كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" (1092) من طريق يحيى بن معين ثنا عتاب بن زياد ثنا أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ عن نافع به. فالحديث حديث إبراهيم الصائغ لا إبراهيم بن سعيد في كتابة الميزان: له حديث واحد في الإحرام. وحسبنا أنه وقع في السند إبراهيم الصائغ وهذه النسبة خاصة بإبراهيم ابن ميمون لا ابن سعيد، والله أعلم. ... 17 - وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (1262) حديث: «الهجرة هجرتان هجرة الحاضرة وهجرة البادي أما البادي فإنه يطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأما الحاضر فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرًا»، وقال: أخرجه ابن حبان والنسائي في الكبرى والحاكم من طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو: قال رجل يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: «أن

تهجروا ما كره الله والهجرة هجرتان. .» الحديث، قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي كثير وهو زهير بن الأقمر الزبيدي قال الذهبي: "ما حدث عنه سوى عبد الله بن الحارث الزبيدي، وثقة العجلي والنسائي، وكأنه مات في خلافة عبد الملك". وفي التقريب. قلت: فقول الحاكم صحيح غير مقبول. هذا كله كلام الشيخ حفظه الله. قلت: الحديث أخرجه أحمد في المسند (2/ 159، 191، 195) والطيالسي في مسنده (2272) والنسائي في الصغرى (7/ 144) والكبرى (5/ 214) ومحمد بن نصر المروزي في كتابة (تعظيم قدر الصلاة) برقم 635و 636 وابن حبان (11/ 205 - 579) والحاكم (1/ 11) والبيهقي في الشعب (10/ 243) في سننه من طرق عن عمرو بن مرة به، وفي أوله زيادة. ورواه الدارمي (2/ 240) وفي تصريح أبي كثير بالسماع عن عبد الله بن عمرو، وأبو داود (5/ 115 - عون) والبيهقي في الشعب (7/ 425) مختصرًا ليس فيه موضع الترجمة، وأبو كثير الزبيدي وهو بضم الزاي مختلف في اسمه: فقيل زهير بن الأقمر، وقيل: عبد الملك بن مالك، وقيل: جمهان، وقيل: إنهما اثنان. تفرد بالرواية عنه عبد الله بن الحارث قاله الذهبي في الميزان. وأمَّا في الكاشف فذكره في الرواة عنه عمرو بن مرة أيضًا وهذا يدل على أنه يرى أنهما واحد؛ لأن أبا داود جعل عمرو بن مرة في الرواة عن عبد الله بن مالك وهو

أحد ما قيل في اسم أبي كثير الزبيدي. وقول الشيخ حفظه الله: "فقول الحاكم صحيح غير مقبول" فيه نظر؛ ذلك لأن أبا كثير قد وثقة النسائي والعجلي وحسبنا توثيق النسائي فهو من أئمة الجرح والتعديل، بل هو معدود في المتشددين منهم، ولم يخالفه من هو مثله، ولا من هو دونه، فقوله هو المعتمد. ولهذه اعتمده الحافظ الذهبي في الكاشف فقال: في أبي كثير هذا: ثقة. وإذا كنا قد نحسن حديث من يروي عنه جمع الثقات وهو في طبقة التابعين فأبو كثير أولى بالتوثيق؛ وذلك لأنه تابعي وروى عنه اثنان من الثقات كما صرح به الذهبي في الكاشف وصرح إمام من أئمة الجرح والتعديل بتوثيقه، والله أعلم. تنبيه: وقع في الميزان أبو كبير بالموحدة وتحتانية وهو تصحيف وصوابه أبو كثير بالمثلثة والتحتانية، وهو على الصواب عند جميع من خرج حديثه وكذا في تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب. وقال الشيخ حفظه الله: ثم وجدت للحديث شاهدًا من حديث ابن عمر مرفوعًا به أخرجه ابن عرفة في جزئه وعنه البيهقي في الشعب بإسناد صحيح فثبت الحديث والحمد لله. اهـ. قلت: سنده عند ابن عرفة هكذا (90): حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار عن محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن عمر به ورواه البيهقي في شعب الإيمان (7458) من طريق الحسن بن عرفة إلا أنه وقع عنده

عبد الله بن عمرو بفتح العين وهو خطأ؛ لأن بكرًا لا يروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهذا سند صحيح كما قال الشيخ حفظه الله. وللحديث شاهد ثالث لم يقف عليه الشيخ حفظه الله ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 252) عن وائلة بن الأسقع قال: خرجت مهاجرًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلى، فلما سلم والناس من بين خارج وقائم فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرى جالسًا إلا دنا إليه فسأله هل لك من حاجة؟ وبدأ بالصف الأول، ثم بالثاني، ثم بالثالث، حتى دنا إليَّ؟ فقال: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: وما حاجتك؟ قلت: الإسلام. قال: هو خير لك. قال: وتهاجر؟ قلت: نعم. قال: هجرة البادية أو هجرة الباثة؟ قلت: أيهما أفضل؟ قال: هجرة الباثة، وهجرة الباثة: أن ترجع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهجرة البادية: أن ترجع إلى باديتك وعليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومكرهك ومنشطك وأثرة عليك. قال: فبسطت يدي إليه فبايعته. قال: واستثنى لي حيث لم أستن لنفسي فيما استطعت. قال: ونادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك فخرجت إلى أهلي فوافقت أبي جالسًا في الشمس يستدبرها فسلمت عليه بتسليم الإسلام، فقال: أصبوت؟! فقلت: (أسلمت). فقال: لعل الله يجعل لنا ذلك فيه خيرًا. فرضيت بذلك منه فذكر الحديث رواه الطبراني ورجاله ثقات. اهـ.

قلت: سنده عند الطبراني هكذا (22/ 80): - حدثنا إبراهيم ابن دُحيم الدمشقي ثنا أبي ثنا محمد بن شعيب بن شابور حدثني يحيى بن أبي عمرو بن عبد الله الحضرمي عن واثلة به وهذا سند لا بأس به في الشواهد: إبراهيم بن دحيم هو ولد الحافظ المشهور دُحيم بن إبراهيم الدمشقي ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 227 - تهذيب تاريخ دمشق): وقال روي عنه أبو زرعة وأبو أحمد بن عدي. وسليمان بن أحمد الطبراني ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً وأبو زرعة إن كان هو الرازي فإنه لا يروي إلا عن ثقة، ولكن الذي يظهر لي أنه الدمشقي، ولم يذكره ابن عدي في كتابه الكامل فكأنه من ثقات شيوخه، ومحمد بن شعيب ابن شابور -بالشين المعجمة وبعد الألف موحدة- ثقة، وثقه أحمد وابن معين وغيرهما. ومثله يحيى بن أبي عمرو السيباني وهو -بالسين المهملة- قاله أحمد: ثقة ثقة، وأما عمرو بن عبد الله الحضرمي السيباني - بالسين المهملة - فوثقه العجلي، وذكره البخاري في التاريخ، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في كتابه الثقات، وقال الذهبي في الميزان: تابعي لا يعرف. ثم أعاده بعد ثلاثة تراجم وقال: ما علمت روى عنه سوى يحيى بن عمرو السيباني. وقال الحافظ في التقريب: مقبول. تنبيه: قوله: الباثة كذا وقع في مجمع الزوائد بالمثلثة ووقع في

إذا نسي أحدكم اسم الله على طعامه فليقل إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره

المعجم الكبير للطبراني الباتة بالمثناة من فوق، وفي صحيح الجامع الصغير (1132) البانة بالنون ولعلها أقرب، قال في لسان العرب (13/ 59) قال ابن سيده: وبن بالمكان يبن بَنًّا، وأبنَّ أقام به. وهذا يوافق التفسير الواقع في الحديث، وهجرة البانة؟ أن تثبيت مع رسول الله. ... 18 - وقال الشيخ حفظه الله في الإرواء تحت الحديث الصحيح رقم (1965) في آخره: ثم وجدت له شاهدًا ثالثًا عن امرأة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بوَطْبة؛ فأخذها أعرابي بثلاث لقم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما إنه لو قال بسم الله لو سعكم. وقال: «إذا نسي أحدكم اسم الله على طعامه فليقل إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره» أخرجه أبو يعلى في مسنده بسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير إبراهيم بن الحجاج وهو ثقة، وقال الهيثمي في المجمع رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. اهـ. قلت: قال أبو يعلى في مسنده (7117): ثنا إبراهيم بن الحجاج ثنا حماد بن هشام بن أبي عبد الله عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن عتبة عن امرأة به. وعندي أن هذا خطأ والصواب ما رواه روحٌ عند أحمد (6/ 246) والبيهقي (7/ 276) وعبدُ الوهاب الخفاف عند أحمد (6/ 265) ومعاذُ بن هشام عند الدارمي (2/ 94) وإسماعيلُ بن علية عند أبي داود (10/ 240 - عون) ووكيعٌ عند

أحمد (6/ 207 - 208) والترمذي (5/ 594 تحفة) والمعتمر بن سليمان عند النسائي في عمل اليوم والليلة (281) والطيالسيُّ في مسنده (1566) ومن طريقه الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 21) والبيهقي (7/ 276) وعفانُ عند الحاكم (4/ 108) ثمانيتهم عن هشام بن أبي عبد الله عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها. تنبيه: قوله في السند عبد الله بن عتبة كذا وقع في مسند أبي يعلى وكذا في "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" (1505) وهو تحريف صوابه عبد الله بن عبيد بن عمير كما وقع في في رواية الجماعة، وقد يقال: إن هذا من أوهام حماد -وهو ابن سلمة- حيث وهم في شيخ بديل، وفي جعله الحديث في مسند المرأة المبهمة. ويقوي هذا أن أبا يعلى رحمه الله جعل الحديث من مسند هذه المرأة فروى الحديث كما سمع، والله أعلم. فإن قال قائل: من أين لكم أن حمادًا هو ابن سلمة؛ وذلك لأن ابن سلمة لا يروي عن هشام الدستوائي، وإنما يروي عن هشام حمادُ بن مسعدة. فنقول له: وكذلك إبراهيم بن الحجاج - وهو السامي - لا تعرف له رواية عن حماد بن مسعدة، وقد وقع في عدة مواضع من مسند أبي يعلى هكذا: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي عن حماد بن سلمة فانظر: (205 - 208 - 1577 - 3902 - 3965 - 4046 - 4098 - 6399) فالمطلق يحمل

على المقيد ومما يؤيد أن شيخ بديل بن ميسرة هو عبد الله بن عبيد بن عمير أنه لا تعرف لبديل رواية عن عبد الله بن عتبة والله اعلم. تنبيه آخر: قوله في حديث عائشة: «فليقل بسم الله أوله وآخره» قد اختلف فيها الرواة؛ فرواه عبد الوهاب الخفاف ووكيع وعفان بلفظ: «في أوله وآخره» ورواه الطيالسي وإسماعيل بن علية بلفظ: «أوله وآخره» بحذف حرف «في»، ورواه المعتمر بن سليمان بلفظ «في أوله وفي آخره» بتكرار حرف «في»، وأما روح فرواه أحمد عنه بلفظ «في أوله وآخره»، ورواه عبد الملك بن عبد الحميد الميموني عنه بلفظ «أوله وآخره»، وعبد الملك ثقة وثقه النسائي، وقال أبو بكر الخلال: كان فقيه البدن؛ كان أحمد يكرمه ويفعل معه ما لا يفعله مع غيره. وأما معاذ بن هشام فقد أحال الدارمي روايته على رواية يزيد بن هارون، وقد اختلف على يزيد فيها فلفظ رواية الدارمي عنه «أوله وآخره» وكذا رواية أحمد عنه، وعيسى بن أحمد وهو ابن عيسى بن وردان العسقلاني عند ابن حبان، وعيسى هذا وثقة النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الخليلي في الإرشاد (3/ 938): ثقة كبير في العلماء مشهور وله أحاديث يتفرد بها. وكأنه لذلك قال الحافظ في التقريب: ثقة يغرب. وأما رواية أبي بكر بن أبي شيبة عنه عند ابن ماجه فإنها بلفظ: «في أوله وآخره».

لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار

تنبيه ثالث: قوله في الحديث: «فليقل إذا ذكر اسم الله أوله وآخره» كذا وقع في المسند «اسم الله» ووقع في «المقصد العلي»، «بسم الله» وهو الصواب والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد آله وصحبه وسلم. ... 19 - وقال الشيخ حفظه الله في تعليقه على الحديث رقم (1104) من المشكاة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار» رواه أبو داود. رجاله ثقات لكنه من رواية عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير وقد ضعفها جماعة من النقاد منهم مخرجه أبو داود، لكن يشهد له حديث أبي سعيد المتقدم من رواية مسلم. اهـ. قلت: حديث عائشة أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (2453) ومن طريقه أبو داود في سننه (2/ 374 - عون) وابن خزيمة (3/ 27) وابن حبان (392 - موارد) والبيهقي (3/ 103) كلهم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة به واللفظ لأبي داود، ولفظ عبد الرزاق وابن حبان: «لا يزال قوم يتخلفون عن الصف الأول حتى يخلفهم الله تعالى في النار»، ولفظ ابن خزيمة: «لا يزال أقوام متخلفون عن الصف الأول حتى يجعلهم الله تعالى في النار» وأما البيهقي فقد رواه من طريق أبي داود بسنده ومتنه.

قلت: وهذا سند ضعيف قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن يحيى بن أبي كثير، وعنه قال: عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة، وكان حديثه عن إياس صالحًا، ووثقه ابن معين، وفي رواية قال: ثبت. وعنه: صدوق ليس به بأس. وعنه: كان أميًا وكان حافظًا. وقال ابن المديني: أحاديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير ليست بذاك، مناكير، كان يحيى بن سعيد يضعفها. وقال في موضع آخر: كان يحيى يضعف رواية أهل اليمامة مثل عكرمة وضربه. وقال ابن المديني أيضًا: كان عكرمة عند أصحابنا ثقة ثبتًا. ووثقه العجلي، وقال البخاري: مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير ولم يكن عنده كتاب. وقال أبو داود: ثقة وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب. وقال النسائي: ليس به بأس إلا في حديث يحيى بن أبي كثير. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط. وقال الدارقطني: ثقة، وقال ابن عدي: مستقيم الحديث إذا روى عنه ثقة. اهـ. باختصار من التهذيب. فهذه علة الحديث، وأما يحيى بن أبي كثير فثقة من رجال الجماعة إلا انه وصف بالتدليس، قال العقيلي: كان يُذكر بالتدليس. وقال ابن حبان: كان يدلس فكلما روى عن أنس فقد دلس

عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي. قلت: هذا إرسال لا تدليس؛ لأن التدليس أن يروي عمن سمع منه حديثًا لم يسمعه منه، وأما الإرسال فهو أن يروي عمن لم يسمع منه أصلاً، فإن كان عاصره فهو المرسل الخفي. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في نزهة النظر وشرحها صفحة 43: وكذلك المرسل الخفي إذا صدر من معاصر لم يلق من حدث عنه بل بينه وبينه واسطة، والفرق بين المدلس والمرسل الخفي دقيق. . وهو أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه فأما إن عاصره ولم يعرف إنه لقيه فهو المرسل الخفي، ومن أدخل في تعريف التدليس المعاصرة ولو بغير لقي لزمه الدخول المرسل الخفي في تعريفه، والصواب التفرقة بينهما. ويدل اعتبار اللقي في التدليس دون المعاصرة وحدها لابد منه إطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل الإرسال لا من قبيل التدليس ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء المدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعًا ولكن لم يُعرف هل لقوه أم لا. وممن قال باشتراط اللقاء في التدليس الإمام الشافعي وأبو بكر البزار، وكلام الخطيب في الكفاية يقتضيه وهو المعتمد. اهـ. ونقل الحافظ في كتابه "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس"، أن النسائي وصفه بالتدليس ولكن جعله

الحافظ من المرتبة الثانية وهي التي قال عنها الحافظ في مقدمة كتابه هذا "من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة"، وقال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه (9/ 142): يحيى بن أبي كثير إمام لا يحدث إلا عن ثقة. فيدل هذا أنه إن دلس إنما يدلس عن ثقة كابن عيينة فلا تضر عنعنته كما في هذا الحديث، وحصر الشيخ حفظه الله العلة في رواية عكرمة عن يحيى يدل على أنه لم يعتبر عنعنة يحيى علة وهو الصواب لما تقدم، لكن قول الشيخ أن حديث أبي سعيد يشهد له فيه نظر؛ وذلك لأن لفظ حديث أبي سعيد عند مسلم (4/ 158 - نووي): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرًا فقال لهم: «تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم

يتأخرون حتى يؤخرهم الله»، ليس فيه "ذكر النار" وكذا رواه احمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي، وعندي أن ذكر النار في الحديث منكر؛ لأن التخلف عن الصفوف المتقدمة ليس من الكبائر حتى يتوعد صاحبها بالنار. نعم لو صحت الرواية لأمكن تأويلها وأما السند إليه ضعيف فقد كُفينا الجواب عنها، على أنه قد روى يزيد بن هارون أنا أبو الأشهب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه تأخرًا: «تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل يوم القيامة»، رواه أحمد في مسند (3/ 34) عن يزيد به. فهذه الزيادة أصح سندًا من الزيادة المتقدمة، ولكن في السند علة خفية وذلك أن سائر الثقات الذين رووا الحديث عن أبي الأشهب لم يذكروا هذه الزيادة، وقد تابع أبا الأشهب أيضًا الجريري عند مسلم والنسائي وابن خزيمة ولم يذكر هذه الزيادة، فالذي يظهر لي أنها شاذة وعليه فيبقى الحديث على إطلاقه فنبقى على هذا الإطلاق حتى يأتينا حديث صحيح مقيد لا علة فيه فنقول به. وقد قال النووي رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال قوم يتأخرون» أي عن الصفوف الأول: «حتى يؤخرهم الله»، تعالى عن رحمته أو عظيم فضله ورفع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك. وقال أبو عبد الله الأبي في شرح صحيح مسلم (2/ 186) قوله: «حتى يؤخرهم الله» قال عياض: أي عن العلم أو عن السبق في المنزلة. وقيل إنه في المنافقين. قلت: قوله في الحديث «رأى في أصحابه»، يرد هذا الأخير؛ لأن الأصل البقاء على ظاهر اللفظ حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الظاهر، والله أعلم. لكن إن أدى هذا التخلف إلى ترك الصلاة بالكلية فهذا يؤخره الله في النار لأنه كافر مرتد عن الإسلام في أصح قولي العلماء اختاره شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز، وكذا اختاره العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والله أعلم. ***

حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار

20 - وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (18) حديث: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار». قلت: الحديث أخرجه البزار (1089 - البحر الزاخر) والطبراني (1/ 145) وابن السني في عمل اليوم والليلة (595) والبيهقي في دلائل النبوة (1/ 191). أما البزار فقال: حدثنا زيد بن أخزم ومحمد بن عثمان بن مخلد قالا: نا يزيد بن هارون قال: أنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابيًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: «حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار»، وقال: وهذا حديث لا نعلم رواه إلا سعد ولا نعلم رواه عن إبراهيم بن سعد إلا يزيد بن هارون. وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: قد رواه الطبراني عن غير يزيد (66 - مختصر الزوائد مسند البزار) قلت: وهو كما قال الحافظ رحمه الله، فقد رواه الطبراني في المعجم الكبير: ثنا علي بن عبد العزيز ثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي ثنا إبراهيم بن سعد به وزاد فأسلم الأعرابي بعد فقال: لقد كلفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعبًا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. وأما ابن السني فأخرجه من طريق زيد بن أخزم قال: ثنا يزيد بن هارون به. ومن طريقه الضياء في المختارة (3/ 204). وأما البيهقي فأخرجه من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ثنا إبراهيم بن سعد به.

فهؤلاء ثلاثة من الثقات رووا الحديث عن إبراهيم بن سعد متصلاً وهم الفضل بن دكين، ويزيد بن هارون، ومحمد بن موسى ابن أبي نعيم، وابن أبي نعيم هذا قال فيه أبو حاتم: صدوق. وقال أحمد بن سنان القطان: ثقة صدوق. وروى عنه أبو زرعة وهو لا يروي إلا عن ثقة، أما ابن معين: فقال ليس بشيء. وقال: أكذب الناس عِفْر من الأعفار. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وقال الحافظ في التقريب: صدوق لكن طرحه ابن معين. وقول الشيخ حفظه الله: وطرح ابن معين لمحمد بن أبي نعيم لا يلتفت إليه بعد توثيق أحمد وأبي حاتم إياه صحيح لكنني لم أر لأحمد بن حنبل رحمه الله كلامًا في محمد بن أبي نعيم وهو المراد عند الإطلاق فلعل الشيخ أراد أحمد بن سنان القطان فهو الذي نُقل عنه توثيقه. وقوله حفظه الله: "إن أبا حاتم وثقه" الذي في كتب الرجال كتهذيب الكمال للمزي، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وميزان الاعتدال للذهبي قوله في محمد: صدوق؛ فكأن الشيخ جعل قول أبي حاتم في الرواي: صدوق كقول غيره ثقة لما عرف به أبو حاتم من التشديد في التزكية، وهذا صحيح؛ ولكن نقل كلام الناقد كما هو أولى. وتابع الثلاثة الوليد بن عطاء بن الأغر ذكر ذلك الدارقطني في العلل (4/ 334) فقد سئل رحمه الله عن هذا الحديث فقال: يرويه

محمد بن أبي نعيم والوليد بن عطاء بن الأغر عن إبراهيم بن سعد وغيرُه يرويه عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلاً وهو الصواب. اهـ. والوليد بن عطاء ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له حديثًا وقال: البلية فيه من النضر بن سلمة الراوي عنه فإنه لين. وقال الذهبي في الميزان: ذكره ابن عدي وما كان ينبغي له أن يورده فإنه وثق. قلت: لم أر فيه توثيقًا معتبرًا، نعم نقل ابن عدي عن عبد الله بن شبيب أنه قال فيه: ثقة مأمون. وعبد الله بن شبيب قال الذهبي في الميزان: أخباري علامة، لكنه واه، واتهمه ابن خراش وابن حبان بسرقة الحديث، فمن كانت هذه حاله لا ينقل توثيقه فضلاً عن اعتباره. وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 256): سألت أبي عن حديث رواه يزيد بن هارون ومحمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أين أبي؟ قال في النار. فقال: أين أبوك؟ قال: حيث مررت بقبر كافر فبشره بالنار. فقال: كذا رواه يزيد وابن أبي نعيم ولا أعلم أحدًا يجاوز به الزهري غيرهما إنما يروونه عن الزهري قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والمرسل أشبه. اهـ. قلت: فات أبا حاتم رحمه الله متابعة الوليد بن عطاء لهما، كما فاته، والدارقطني متابعةُ أبي نعيم الفضل بن دكين لهم على روايته عن إبراهيم بن سعد موصولاً.

وقال الضياء بعد روايته للحديث من طريق يزيد بن هارون موصولاً، ونقل كلام الدارقطني في العلل قلت: وهذه الرواية التي رويناها تقوى المتصل. قلت: ويقوي المرسل ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (19687): عن معمر عن الزهري قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - به نحو رواية الطبراني فهذا يؤيد أن رواية إبراهيم بن سعد المرسلة أصح من المتصلة؛ وذلك لأن معمرًا من أثبت أصحاب الزهري بل قدمه أحمد بن حنبل في رواية ابن هانئ على مالك في الزهري، وهذا وإن كان فيه نظر فإن فيه دلالة قوية على مدى تثبت معمر في الزهري. وذكر الشيخ حفظه الله للحديث شاهدًا في كتابه "أحكام الجنائز" صفحة 199 فقال: وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية فأخبروهم أنهم أهل النار»، رواه ابن السني في اليوم والليلة بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيء الحفظ عن محمد بن عمر ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه، لكن الظاهر أنه "ابن عمرو" بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء -سقط من الطابع حرف الواو- وهو حسن الحديث. اهـ. قلت: وقع في النسخة التي عندي على الصواب وسنده عند ابن السني هكذا: (594): أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحارث بن سريج

(الأصل بالشين المعجمة وهو تصحيف) ثنا يحيى بن يمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ورواه ابن حبان في صحيحه (3/ 127) عن أحمد بن علي بن المثنى ثنا الحارث بن سريج النَّقَّال به، وشيخ ابن حبان هو أبو يعلى شيخ ابن السني وهو الحافظ صاحب المسند المشهور. قلت: وهذا سند ضعيف جدًا: الحارث بن سُريج قال النسائي: ليس بثقة. وترك أبو زرعة حديثه، وقال ابن عدي: ضعيف يسرق الحديث وضعفه غيرهم. وأما ابن معين فاختلفت الرواية عنه، فقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن الجنيد في سؤالاته (114): سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن حارث النقال وأحمد ابن إبراهيم الموصلي؟ فقال: ثقتان صدوقان قلت: ويشبه أن يكون هذا أولاً ثم رجع ابن معين عن توثيقه فقد روى ابن أبي حاتم في ترجمته (3/ 76): أنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: وأُلقي عليه حديث عن الحارث النقال فقال: تُرك حديثه وضعفه. قال أبو محمد: وكتب عنه أبو زرعة وترك حديثه وامتنع أن يحدثنا عنه. ففي هذا السياق ما يدل على أنه كان ثقة عندهما ثم تبين لهما ضعفه فتركا حديثه. والله أعلم. وأما شيخه يحيى بن يمان فإنه ضعيف، وقد لخص الحافظان الذهبي وابن حجر كلام الأئمة فيه فقال الذهبي في الكاشف:

صدوق فلج فساء حفظه. وقال الحافظ في التقريب صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغير. فهذه علة ثانية في الحديث. وأما محمد بن عمرو فهو ابن علقمة بن وقاص الليثي وهو حسن الحديث كما قال الشيخ حفظه الله وكذا قال شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله. لكن وقع في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان" (65) محمد بن عمرو بن عطاء ولا أظنه محفوظًا لأمرين: أولاً: لم يقع ذلك في كتاب "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" وإنما وقع فيه محمد بن عمرو حسب. ثانيًا: لا تعرف لابن عطاء رواية عن أبي سلمة بينما نجد ابن علقمة مكثر الرواية عن أبي سلمة، والله أعلم. تنبيه: قال أبو حاتم ابن حبان بعد روايته لهذا الحديث: أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر المسلم إذا مر بقبر غير المسلم أن يحمد الله جل وعلا على هدايته إياه الإسلام بلفظ الأمر بالإخبار إياه أنه من أهل النار، إذْ محال أن يخاطب من قد بلى بما لا يقبل المخاطب بما يخاطبه به. قلت: لو صح الحديث لقلنا بظاهره ولم نلجأ إلى هذا التأويل المخالف لظاهر الحديث -إن صح- الأعرابيُ حين أسلم حيث قال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبًا، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. والله أعلم. ***

وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (625) حديث: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله فيما بقي»، وحسنه بمجموع طرقه، وكذا حسنه في مشكاة المصابيح (3096). وعندي أن هذا الحديث لا يصح من جميع التي ذكرها الشيخ، وطرق أخرى لم يذكرها وإليك بيان ذلك: - قال الشيخ: أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2239 - مجمع البحرين في زوائد المجمعين) من طريق عصمة بن المتوكل أخبرنا زافر بن سليمان عن إسرائيل بن يونس عن جابر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: لم يروه عن زافر إلا عصمة. قلت: لفظه كما في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين"، «من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان فليتق الله في النصف الباقي». قلت: وهذا سند ضعيف جدًا ومسلسل بالعلل. أولاً: يزيد الرقاشي ضعيف ضعفه جمهور الأئمة، وجزم بضعفه الذهبي في الكاشف، وكذا الحافظ ابن حجر في التقريب، فقال كل منهما: ضعيف. ثانيًا: جابر بن يزيد الجعفي ضعيف جدًا، وكذبه بعضهم، قال الذهبي في الكاشف: من أكبر علماء الشيعة وثقه شعبة فشذ وتركه الحفاظ. قلت: لم يشذ شعبة في توثيقه بل وثقه أيضًا الثوري ووكيع كما في تهذيب التهذيب والميزان، أما الحافظ فتساهل فيه.

فقال في التقريب: ضعيف رافضي، والراجح أنه ضعيف جدًا، لا يحتج به بل ولا يستشهد به. ثالثًا: عصمة بن المتوكل قال الإمام أحمد: لا أعرفه وذكر له حديثًا من حديثه فقال: ليس لهذا أصل. وقال العقيلي: قليل الضبط للحديث يهم وهمًا. أما ابن حبان فقال: مستقيم الحديث. وقال الذهبي في ديوان الضعفاء والمتروكين: صويلح تُكلم فيه لغلطه. رابعًا: زافر بن سليمان وثقه بعضهم وضعفه آخرون، ولخص الحافظ ابن حجر في التقريب أقوال الأئمة فيه فقال: صدوق كثير الأوهام. أما إسرائيل بن يونس وهو ابن أبي إسحاق السبيعي فثقة. وذكر الشيخ حفظه الله طريقًا أخرى فقال: أخرجه الطبراني (2240) من طريق عبد الله بن صالح حدثني الحسن بن خليل بن مرة عن أبيه عن يزيد الرقاشي به. قلت: وهذا أيضًا مسلسل بالضعفاء. أولاً: عبد الله بن صالح هو كاتب الليث قال الذهبي في الميزان: هو صاحب حديث وعلم مكثر وله مناكير. قال في سير أعلام النبلاء (10/ 405): قد شرحت حاله في "ميزان الاعتدال" وليَّنَّاه وبكل حال فكان صدوقًا في نفسه من أوعية العلم أصابه داء شيخه ابن لهيعة، وتهاون بنفسه حتى ضعف حديثه، ولم يترك بحمد الله، والأحاديث التي نقموها عليه معدودة في سعة ما روى.

وقال أيضًا: وهو في عقلي أقوى من نعيم بن حماد وأسيد الجمال، وما هو بدون إسماعيل بن أبي أويس الأصبحي. وقال في الكاشف: كان صاحب حديث فيه لين. وقال الحافظ: صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة. وسألت شيخنا حفظه الله عنه فقال: حسن الحديث. ثانيًا: الحسن بن خليل قال الشيخ حفظه الله: لم أجد له ترجمة. قلت: في ثقات ابن حبان (8/ 179): الحسن بن خليل الحلبي يروي عن أبي نعيم الفضل بن دكين حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد، فلعله هو؛ فإن الخليل بن مرة والد الحسن توفي سنة (160هـ) وأبو نعيم ولد سنة (130هـ) فلا يبعد أن يروي الحسن بن خليل بن مرة عنه فإنه قد أدركه، والله أعلم، وعلى كل حال فهو مجهول. ثالثًا: الخليل بن مرة ضعيف يروي منكرات. رابعًا: يزيد الرقاشي ضعيف كما تقدم. ثم قال الشيخ حفظه الله: وقد روى عنه من طريق أخرى خير من هذه عن الخليل أخرجه الخطيب في "الموضح" عن يعقوب ابن إسحاق الحضرمي ثنا الخليل بن مرة به. قلت: وأخرجه البيهقي أيضًا في شعب الإيمان (4/ 382) من

طريق يعقوب بن إسحاق به: ويعقوب بن إسحاق قال أحمد وأبو حاتم: صدوق. وقال ابن سعد في الطبقات (7/ 304)؛ ليس هو عندهم بذاك الثبت يذكرون أنه حدث عن رجال لقيهم وهو صغير قبل أن يدرك. قلت: لم يلتفت الحافظان الذهبي وابن حجر لقول ابن سعد، قال الذهبي في الكاشف: ثقة. وقال ابن حجر في التقريب: صدوق. ولم يورده الذهبي في الميزان وهو على شرطه. ثم قال الشيخ: وقد جاء من طريق أخرى عن أنس هي خير من هذه، فمجموعهما يقوي الحديث ويرتقي إلى درجة الحسن، ولفظه: «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني» أخرجه الطبراني في الأوسط (2246) والحاكم عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي ثنا زهير بن محمد أخبرني عبد الرحمن -زاد الحاكم- ابن زيد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد وعبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة الأزرق مدني ثقة مأمون" ووافقه الذهبي. قلت: وأخرجه البيهقي أيضًا في شعب الإيمان (4/ 383) عن الحاكم به وهذا سند ضعيف زهير بن محمد ضعيف في رواية الشاميين عنه هذه منها، وانظر الحديثين المتقدمين برقم (1) و (15). وأما عبد الرحمن بن زيد فإن كان ابن عقبة فهو ثقة، قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. وقال الحاكم -كما تقدم-: مدني

ثقة مأمون، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: ثقة ولكن لا يعرف لزهير سماع منه. وإن كان ابن أسلم فإنه ضعيف ولم يدرك أنس بن مالك رضي الله عنه، وعلى الأول فإن في السند علتين: الأولى: ضعف زهير بن محمد. الثانية: عدم معرفة سماعه من عبد الرحمن بن زيد بن عقبة وعلى الثاني يكون في السند ثلاث علل وهي: الأولى: ضعف زهير بن محمد. الثانية: ضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وضعفه بعضهم جدًا. الثالثة: الانقطاع بين ابن أسلم وأنس رضي الله عنه. ولعل كونه ابن أسلم أقرب؛ لأن ابن أسلم مذكور في شيوخ زهير وقد صرح زهير بالسماع منه. وابن عقبة وإن كان يروي عن أنس فإنه عنعنه في هذا السند ولم يصرح بالسماع، والله أعلم. فهذه طرق الحديث كما ترى كلها معلولة ولا ينجبر بعضها ببعض لوجود أكثر من علة في كل طريق. وأما الطريق التي لم يذكرها الشيخ فقد أخرجها أبو يعلى في مسنده (4333) حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي أبو عبد الله المكفوف حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عبد الرحيم بن

زيد العمي عن أبيه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تزوج فقد أعطي نصف العبادة» وهذا سند ضعيف جدًا وفيه ثلاث علل: - الأولى: عبد الرحيم بن زيد متروك الحديث، وكذبه ابن معين. الثانية: زيد العمي ضعيف، قال الذهبي في الكاشف: فيه ضعف. وقال الحافظ: في التقريب: ضعيف. الثالثة: قال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" في ترجمة زيد العمي، روى عن أنس مرسل. وأما محمد بن إسماعيل شيخ أبي يعلى فثقة وكذا يزيد بن هارون. ثم رأيت ابن الجوزي رواه في العلل المتناهية (1005) من طريق مالك بن سليمان حدثنا هيَّاج بن بسطام عن خالد الحذاء عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا «من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي»، ثم قال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يُذكَر عنه، وفيه آفات: منها يزيد الرقاشي؛ قال أحمد: لا يكتب عنه شيء كان منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وفيه هياج قال أحمد: متروك الحديث. وقال يحيى: ليس بشيء. وفيه مالك بن سليمان، وقد قدحوا فيه. اهـ. قلت: خلاصة ما تقدم أن الحديث لا يصح من جميع طرقه، والله أعلم.

فائدة: ضعف الحديث الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 117) من رواية الحاكم، وكذا أعلَّ الرواية التي أخرجها أبو يعلى بأن في إسنادها زيدًا العمي ولكن إعلالها بعبد الرحيم بن زيد أولى؛ لأنه أشد ضعفًا من أبيه. فائدة ثانية: جزم القرطبي بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رحمه الله في تفسيره (9/ 327): قال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم» وقال: «من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني»، ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة فقال: «من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه» خرجه الموطأ وغيره. قلت: هذا تفسيرٌ حسنٌ للحديث لو صح، والحديث الأخير الذي ذكره هو في الموطأ (2/ 987) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً، قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد (5/ 61): ولا أعلم عن مالك خلافًا في إرسال هذا الحديث. اهـ. قلت: رواه البخاري في صحيحه (11/ 308 فتح) عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة». ***

إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب

22 - صحح الشيخ حفظه الله في الإرواء (629) حديث عبد الله بن السائب: (شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب» رواه أبو داود. وقد حققت هذا الحديث وقرئ على شيخنا حفظه الله فإليك هذا البحث وحكم شيخنا عليه: - قال أبو داود (4/ 16 - عون): حدثنا محمد بن الصباح البزار نا الفضل بن موسى السِّيناني نا ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب»، ورواه النسائي في الكبرى (1/ 548) والصغرى (3/ 185) وابن ماجه (1290) وابن الجارود في المنتقى (264) والدارقطني (2/ 50) والحاكم (1/ 295) والبيهقي (3/ 301) من طرق عن الفضل بن موسى به. قال أبو داود: وهذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى البيهقي عقب إيراده الحديث بسنده عن يحيى بن معين قوله: عبد الله بن السائب الذي يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم العيد هذا خطأ إنما هو عطاء فقط، وإنما يغلط فيه الفضل بن موسى السيناني يقول: عن عبد الله بن السائب قال البيهقي: أخبرنا بصحة ما قاله يحيى ثم ساق بسنده عن قبيصة عن سفيان عن ابن

جريج عن عطاء قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس العيد ثم قال: «من شاء أن يذهب فليذهب ومن شاء أن يقعد فليقعد»، ونقل الحافظ المزيْ في تحفة الأشراف (4/ 347) عن النسائي قوله: هذا خطأ والصواب مرسل. ولم أجد قول النسائي هذا في سننه الكبرى ولا الصغرى، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه: وأقره الذهبي وتعقب ابنُ التركماني البيهقي فقال: الفضل بن موسى ثقة جليل روى له الجماعة وقال أبو نعيم: هو أثبت من ابن المبارك. وقد زاد ذكر ابن السائب فوجب أن تقبل زيادته، ولهذا أخرجه هكذا مسندًا الأئمة في كتبهم أبو داود والنسائي وابن ماجه والرواية المرسلة التي ذكرها البيهقي في سندها قبيصة عن سفيان، وقبيصة وإن كان ثقة إلا إن ابن معين وابن حنبل وغيرهما ضعفوا روايته عن سفيان، وعلى تقدير صحة هذه الرواية لا تعلل بها رواية الفضل لأنه سداد (كذا في الأصل ولعل الصواب "زاد في" كما أوردها الشيخ في الإرواء) الإسناد وهو ثقة. اهـ. كلام ابن التركماني بحروفه. قلت: وعلى تقدير صحته موصولاً فإن في سنده ابن جريج وهو مدلس وقد عنعنه عند جميع من خرج الحديث، لكن روى أبو بكر ابن أبي خيشمة عن إبراهيم بن عرعرة عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: إذا قلت: قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت قال الشيخ ناصر حفظه الله: لكن هل ذلك خاص يقوله: قال

عطاء أم لا فرق بينهم وبين ما لو قال عن عطاء كما في الحديث وغيره؟ الذي يظهر لي الثاني وعلى هذا فكل روايات ابن جريج عن عطاء محمولة على السماع. إلا ما تبين تدليسه فيه. وخالفه شيخنا حفظه الله فقال: الذي يظهر لي التفريق بين قوله قال عطاء، وقوله عن عطاء، والله أعلم. هذا ما قرئ على شيخنا حفظه الله وذهب إلى تضعيف الحديث سندًا ومتنًا. أما السند: فلما تقدم من إعلال ابن معين وغيره الحديث بالإرسال. وأما المتن: فقال حفظه الله كيف يخطب النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة رضي الله عنهم ثم يخيرهم في سماعها. ثم رأيت الحديث في كتاب العلل لابن أبي حاتم (513) ولفظه:- وسئل أبو زرعة عن حديث رواه الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن السائب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب فليرجع»، قال أبو زرعة: الصحيح ما حدثنا به إبراهيم بن موسى عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. قلت: فهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون. إبراهيم

بن موسى هو أبو إسحاق الفراء المعروف بالصغير ثقة حافظ، قال أبو زرعة: هو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصح حديثًا منه لا يحدث إلا من كتابه، وهو أتقن وأحفظ من صفوان بن صالح، وكان أحمد ينكر على من يقول له الصغير ويقول: هو كبير في العلم والجلالة. وهاشم بن يوسف هو الصنعاني أبو عبد الرحمن الأبناوي قاضي صنعاء ثقة متقن، قال ابن معين: لم يكن به بأس كان هو أضبط من ابن جريج عن عبد الرزاق. وعنه قال: هشام بن يوسف أثبت من عبد الرزاق في حديث ابن جريج، وكان أقرأ لكتب ابن جريج من عبد الرزاق. وعليه فالصحيح أن الحديث مرسل كما قاله الأئمة ابن معين وأبو زرعة والنسائي، والله أعلم. تنبيه: قول ابن التركماني فيما تقدم نقله عنه "ولهذا أخرجه هكذا مسندًا الأئمة في كتبهم أبو داود والنسائي وابن ماجه" فيه نظر وذلك أنه يوهم أنهم أخرجوه وسكتوا عليه وليس الأمر كذلك فقد قال أبو داود بعد إخراجه للحديث هذا مرسل عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النسائي فنقل عنه الحافظ المزي في تحفة الأشراف أنه قال: هذا خطأ والصواب مرسل. وأما ابن ماجه رحمه الله فليس من عادته أن يتكلم على الأحاديث التي يوردها في متنه تصحيحًا ولا تضعيفًا. ... 23 - وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (1369) حديث: «إذا

صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من تزين له»، وقال: أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى من طريقين عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. اهـ. كلام الشيخ حفظه الله. قلت: أخرجه الطحاوي (1/ 377) والطبراني في الأوسط (695 - مجمع البحرين في زوائد المعجمين) كلاهما من طريق زهير ابن عَبَّاد ثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر به مرفوعًا، زاد الطحاوي "فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود"، وهذا سند صحيح إلا زهير بن عباد وقد اختلف فيه، فوثقه أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه (3/ 591) وقال الدارقطني: مجهول. وقال ابن حبان في كتابه الثقات (8/ 256): يخطئ ويخالف. وضعفه ابن عبد البر، وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان: أظن قول الدارقطني فيه إنما عنى به شيخه (يعني أبا بكر بن شعيب) أما الشيخ ناصر حفظه الله فقد جزم بضعفه مقتصرًا على نقل قول ابن حبان وابن عبد البر فيه (انظر السلسلة الضعيفة (4/ 32، 156) وأما حفص بن ميسرة فثقة وثقه الأئمة أحمد، وابن معين، وأبو زرعة وغيرهم وأشار أبو حاتم إلى أن في حديثه بعض الوهم فقال: يكتب

حديثه ومحله الصدق وفي حديثه بعض الوهم وقال الأزدي: روى عن العلاء مناكير يتكلمون فيه. وتعقبه الذهبي في الميزان فقال: بل احتج به أصحاب الصحاح فلا يلتفت إلى قول الأزدي. قلت: وكذا لا يلتفت إلى قول الساجي فيه (في حديثه ضعف). وباقي رجال السند ثقات. ثم قال الشيخ ناصر حفظه الله: والحديث قال الهيثمي في المجمع (2/ 51): "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن". قلت: (القائل الشيخ ناصر): وذلك لأن في إسناده زهير بن عباد وفيه خلاف لكن طريق البيهقي سالم منه فصح الحديث والحمد لله. اهـ. قلت: رواه البيهقي (2/ 235) من طريق محمد بن إسحاق المسيبي ثنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله ولا يرى نافع إلا أنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يزين له فإن لم يكن له ثوبان فليأتزر إذا صلى ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود»، وهذا سند صحيح لكن خالف موسى بن عقبة من هو أوثق منه في نافع مالكًا وأيوب وابن جريج فقد روى هؤلاء الثلاثة قوله: «فإن الله أحق أن يزين له»، من قول ابن عمر موقوفًا عليه، قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 378): حدثنا محمد بن خزيمة ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه

كسا نافعًا ثوبين فقام يصلي في ثوب واحد فعاب ذلك عليه وقال: احذر ذلك فإن الله أحق أن يتجمل له. حدثنا أبو بكرة ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كساه وهو غلام فدخل المسجد فوجده متوشحًا فقال: أليس لك ثوبان؟ قال: بلى قال: أرأيت لو استعنت بك وراء الدار أكنت لابسهما؟ قال: نعم، قال: فالله أحق أن تزين له أم الناس؟ قال نافع: بلِ الله. فأخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن عمر رضي الله عنه قال نافع: قد استيقنت أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يشتمل أحدكم في الصلاة اشتمال اليهود، من كان له ثوبان فليتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليتزر ثم ليصل»، حدثنا ابن أبي داود ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع فذكر بإسناده مثله سواء. قلت: رواه البيهقي (2/ 236) من طريق سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال: تخلفت يومًا في علف الركاب فدخل عليَّ ابن عمر وأنا أصلي في ثوب واحد، فقال لي: ألم تكس ثوبين؟ قلت: بلى قال: أرأيت لو بعثتك إلى بعض أهل المدينة أكنت تذهب في ثوب واحد؟ قلت: لا. قال: فالله أحق أن يتجمل له أم الناس؟ ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قال عمر رضي الله عنه: "من كان له ثوبان فليصل فيهما ومن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل كاشتمال اليهود".

استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق

ورواه البيهقي أيضًا من طريق سعيد هو ابن أبي عروبة عن أيوب به نحو رواية حماد. فهؤلاء ثقات أصحاب نافع يروونه من قول ابن عمر فالقول قولهم. قال ابن معين: ليس موسى بن عقبة في نافع مثل مالك وعبيد الله بن عمر " سؤلات ابن جنيد (151) ". قلت: واتفقت أقوال الأئمة على تقدم هؤلاء الثلاثة على موسى بن عقبة في نافع. وروى هذا الحديث توبة العنبري عن نافع مقتصرًا على المرفوع فروى الطحاوي (1/ 378) والبيهقي (2/ 235) كلاهما من طريق شعبة عن توبة العنبري أنه سمع نافعًا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلى أحدكم فليأتزر وليرتد»، وحاصل ما تقدم أن الرواة عن نافع اختلفوا فمنهم من اقتصر على ذكر الموقوف وهو الإمام مالك رحمه الله، ومنهم من اقتصر على ذكر المرفوع وهو توبة العنبري، ومنهم من أدرج الموقوف بالمرفوع وهو موسى ابن عقبة، ومنهم من فصل الموقوف عن المرفوع وهما أيوب وابن جريج، والله أعلم (¬1). ... 24 - وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (737) حديث " استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق" وقال: أخرجه ابن ¬

(¬1) ومنهم من رواه موقوفًا كله عن ابن عمر، وعن عمر، وانظر شرح معاني الآثار (1/ 378، 377).

لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف

ماجه (3508) والخرائطي في مكارم الأخلاق، والديلمي، والحاكم من طريق وهيب عن أبي واقد الليثي قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن عائشة رضي الله عنها به مرفوعًا، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا. اهـ. كلام الشيخ. قلت: وفي هذا الكلام ملاحظتان: - الأولى: أبو واقد الليثي، واسمه صالح بن محمد بن زائدة المدني وليس على شرطهما. الثانية: ضعف أبي واقد الليثي فقد ضعفه جمهور الأئمة، وسمعت شيخنا حفظه الله يضعفه، والله أعلم. ... 25 - وذكر الشيخ حفظه الله في الصحيحة (1051) حديث: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف»، وقال: رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا في "المحتضرين" وفي "حسن الظن" من طرق عن سيار بن حاتم قال: أخبرنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا سند حسن كما قال المنذري ورجاله ثقات رجال مسلم غير

سيار بن حاتم وهو صدوق وله أوهام كما في التقريب. اهـ. كلام الشيخ حفظه الله. قلت: ذكر هذا الحديث ابنُ أبي حاتم في العلل (1/ 104) فقال: سألت أبي عن حديث رواه سيار عن جعفر عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل على مريض فوافقه وهو في الموت فقال: كيف تجدك؟ قال: بخير أرجو الله وأخاف ذنوبي. فقال: حدثنا أبو الظفر عن جعفر عن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ولم يذكر أنسًا وهو أشبه. قلت: وذلك لأن أبا الظفر (بظاء معجمة وفاء مفتوحتين) وهو عبد السلام بن مطهَّر (وزن محمد كما في تبصير المنتبه للحافظ) أوثق من سيار بن حاتم، قال أبو حاتم في عبد السلام: صدوق. وقال أبو داود كان ضابطًا رأيت يحيى بن معين عنده. وقال الدارقطني: ثقة. وقال الذهبي في السير (10/ 436): الإمام الثقة. وقال في الكاشف: ثقة وهو من شيوخ البخاري في صحيحه، وروى عنه أبو زرعة وهو لا يروى إلا عن ثقة. وأما سيار بن حاتم ففيه ضعف، وقد ضعفه الشيخ نفسه بل قال: بل لو قيل فيه: إنه لا يحتج به مطلقًا ولو لم يخالف لم يكن بعيدًا عن الصواب (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 1362). ثم قال الشيخ ناصر حفظه الله: وقد تابعه (أي سيار بن حاتم)

يحيى بن عبد الحميد الحِّماني عند ابن بطة في "الإبانة" فصح به الحديث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. قلت: قال الشيخ ناصر في كتابه " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " تحت الحديث: «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل» رقم (11) ولو فرضنا أن ابن سَلْم هذا ثقة فلا يتم بذلك صحة الإسناد لأن ابن بطة نفسه متكلم فيه من قبل حفظه على علمه وفضله وصلاحه فقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال "إمام في السنة يهم ويغلط" وقد بسط القول فيما قيل فيه من حيث الرواية العلامةُ المحقق عبد الرحمن اليماني في كتابه "التنكيل": "ثم انتهى إلى القول بأنه "لا يُحتج بما ينفرد بروايته" وهذا هو الذي يقتضيه التحقيق العلمي مع نبذ التعصب واتباع الحق، وعليه فالإسناد ضعيف، ويؤكد ضعفه عدم وروده في الأمهات الست، والمسانيد وغيرها من الأصول المعتمدة. .". اهـ. فإن قيل: لم ينفرد ابن بطة برواية هذا الحديث فنقول: إن سلم الحديث من إعلاله بابن بطة فإنه لا يسلم من إعلاله بيحيى بن عبد الحميد الحماني لأنه متهم بسرقة الحديث، وقد نقل الشيخ ناصر تحت الحديث رقم (1329) من السلسلة الضعيفة تضعيف الحافظين الذهبي وابن حجر ليحيى بن عبد الحميد وأقرهما على ذلك. وقال العلامة المعملي رحمه الله في "التنكيل" صفحة 745 "وقد تضافرت الروايات على أن يحيى بن عبد الحميد كان يأخذ

أحاديث الناس فيرويها عن شيوخهم فإن كان يصرح في ذلك بالسماع فهذا هو المعروف بسرقة الحديث وهو كذاب؛ وإلا فهو تدليس". قلت: وقد صرح بالتحديث في هذا الحديث؛ فانظر "الإبانة" (2/ 757) والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

§1/1