الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل
أبو الوليد الباجي
كتاب الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل تأليف الإمام الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي الأندلسي (المتوفى سنة 474 هـ) دراسة وتحقيق وتعليق محمد علي فركوس أستاذ بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين (الخروبة - جامعة الجزائر) المكتبة المكية - دار البشائر الإسلامية
إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا ... بِأَنَّ جَمِيعَ حَيَاتِي كَسَاعَهْ فَلِمَ لَا أَكُونُ ضَنِينًا بِهَا ... وَأَجْعَلُهَا في صَلَاحٍ وَطَاعَهْ (أبو الوليد الباجي)
[مقدمة التحقيق]
بسم الله الرحمن الرحيم المقَدّمَة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وصلاة الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، وإخوانه، أجمعين إلى يوم الدين. أما بعد: فلقد أفرغ أئمتنا المجتهدون وسعهم في استثمار مصادر التشريع، وبذلوا طاقتهم في استنباط الأحكام بما آتاهم الله تعالى من سعة الفكر، وبُعد النظر، وقوة البيان، وسلامة الفطرة، وحسن القصد، هذا وإن اختلفت اجتهاداتهم فبناء على اختلافهم في مناهج البحث، وفي الأصول الموضوعة لكل مجتهد، فكان علم أصول الفقه كفيلًا بالنظر في الأدلة الشرعية، ومنهاجًا قويمًا للاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة والنصوص، ودعامة، أساسية لدراسة المذاهب والآراء المختلفة والمقارنة بينها، ومقياسًا توزن به الآراء عند الاختلاف، وسلامة لذهن الفقيه في تجنب الخطأ وإدراك الصواب، ووسيلة ناجحة لحفظ الدين وصيانة الشريعة، ولا يخفى أنه لا يستغني عن هذا الفن من تأهل للنظر والاجتهاد، ومن يهتم بعلم الفقه والخلاف.
ولم يفُتْ أئمتنا المجتهدون إدراك الفوائد العظيمة لهذا العلم ومدى أهميته البالغة، فلذلك أصَّلُوا الأصول، وقعَّدوا القواعد في معرفة الأحكام الشرعية وكيفية استنباطها من أدلتها التفصيلية، فصنفوا في هذا العلم المصنفات ورتَّبوا أبوابه، وهذَّبوا مسائله، وحققوا مباحثه، ويسَّروا مسالكه، فبهذا رسموا لنا طريق الاجتهاد، وفتحوا باب البحث، فأصبح كل مجتهد يشير إلى دليل حكمه ويبيِّن وجه الاستدلال به وفق ضوابط أصولية محددة تحديدًا واضحًا ودقيقًا مبينة لمناهج استنباطهم. ولا يُنكر فضل العلماء الذين بذلوا جهودًا مضنية وطاقاتٍ واسعة في خدمة الشريعة والعناية بعلومها بما تركوه لنا من ثروة علمية هائلة من الكتب العلمية، النافعة في شتى العلوم والفنون تعجُّ المكتبات وتزخر بها في مختلف الأمصار والأقطار، فلولا أن الله تعالى قيضهم للقيام بهذه المهمة الجليلة والعمل الجاد لما وصل إلينا شيء من هذه المصادر الأساسية التي منها الاقتباس وعليها المعول. ولم يكن ما استنبطه العلماء من أحكام وليد الهوى والشهوة، ولا مدفوعًا بزيغ وانحراف، أو مصلحة شخصية أو مقصد مادي أو أدبي، وإنما كان وفق أسباب موضوعية علمية يعذر لمثلها المخطئ ويؤجر أجرًا واحدًا، ويُحمد المصيب ويؤجر أجرين فضلًا من الله ورحمة. وضمن هذا المنظور فإن الإمام القاضي أبا الوليد سليمان بن خلف الباجي (المتوفي سنة 474 هـ) أحد قادة الفكر الأندلسي الذين بلغوا ذروة المجد العلمي والنبوغ الفكري في القرن الخامس الهجري، فقد ساهم في إثراء وتعزيز الثروة العلمية العظيمة بما تركه من آثار علمية قيِّمة، نافعة جليلة، جمعت بين الرواية والدراية، والمنقول والمعقول، فبرع في القرآن والحديث وعلومهما، والفقه وأصوله، والعربية وقواعدها، وعلم الكلام ومضايقه والعقليات وغوامضها، فكان خبيرًا بها، قادرًا على التأليف فيها. ومن مصنفاته الأصولية كتابه الموسوم بعنوان (الإشارة في معرفة الأصول،
والوجازة في معنى الدليل) وهذا الكتاب على اختصاره وصغر حجمه فإنه مستوعب لمعلومات أصولية نفيسة، مفيدة للمبتدئ، ولا يستغني عنها الباحث لا سيما فيما يتعلق بأصول المذهب المالكي، حيث توخى فيه المصنف الإيجاز واختصره على كتابه الأصولي الكبير: (إحكام الفصول في أحكام الأصول) (¬1) وأشار إلى أهم المسائل الأصولية إشارة موجزة ومختصرة كما هو ظاهر من عنوان الكتاب، فبدأ المصنف بتعريف الاصطلاحات الأصولية المالكية على نحو ما هو موجود في كتابه (الحدود في الأصول) (¬2)، ثم تعرَّض إلى أدلة الشرع وقسمها إلى ثلاثة أقسام: تناول في القسم الأول الأصل وأدرج تحته الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة. أما القسم الثاني فتناول فيه معقول الأصل وأدرج تحته لحن الخطاب، وفحوى الخطاب، والحصر، ومعنى الخطاب. وأما القسم الثالث فقد خصصه لاستصحاب الحال وجعله ضربين: استصحاب حال العقل، واستصحاب حال الإجماع. ثم تعرض - أخيًرا - لباب أحكام الترجيح تناول ترجيحات من جهة الإسناد والمتن أولًا ثم ترجيحات العلل والمعاني ثانيًا (¬3). هذا، وبغض النظر عما يتضمنه محتوى الكتاب من معلومات وقواعد أصولية نافعة، فإن قيمته العلمية تظهر بصورة جلية في إشارة المصنف إلى جملة ¬
من أقوال العلماء الأفذاذ من أئمة المذهب المالكي المعروفين بالإجادة والإتقان في علم الأصول، الذين لم يعثر على اجتهاداتهم وآرائهم الأصولية المدونة، أولم تنل حظها من الطباعة والنشر أمثال: - أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن اسماعيل بن حمَّاد الجهضمي الأزدي البصري المتوفى سنة 282 هـ. - أبي الفرج عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي المتوفى سنة 331 هـ. - أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح الأبهري المتوفى سنة 375 هـ. - أبي تمام علي بن محمد بن أحمد البصري. - أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الشهير بابن القصَّار الأبهري الشيرازي البغدادي المتوفى سنة 398 هـ. - أبي بكر محمد بن الطيب بن جسر البصري المشتهر بالقاضي الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ. - أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد التغلبي البغدادي المتوفى سنة 422 هـ. - أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خوز منداد البصري المتوفى في أواخر القرن الرابع الهجري. - أبي الحسن عبيد الله بن المنتاب بن الفضل البغدادي. هذا، وكتاب (الإشارة) وإن طبع مرارًا بتونس فإن طبعتها في غاية الرداءة وبها كثير من السقط سواء في الكلمات أو الجمل، وتارة فقرات برمتها، الأمر الذي يختل معه المعنى، فضلًا عن أخطاء مطبعية كثيرة تعتري مجمل النصوص الواردة. وحتى ينال الكتاب حظه كاملًا من الدراسة والتحقيق، أحببت أن أبذل قصارى جهدي، وأفرغ ما في وسعي لإحياء كتابه من جديد في محاولة لإخراجه على صورة قريبة من الصورة التي وضعها المصنف، ولعلي بذلك أكون قد أديت بعض ما عليّ من واجبات تعميمًا للخير وخدمة للعلم.
وعليه، فقد تناولت دراسة هذا الكتاب وتحقيقه باتباع منهجية تتمثل في قسمين: الأول دراسي، والثاني تحقيقي. * بالنسبة للقسم الدراسي، فقد حرصت من حيث التنظيم أن أجعل البحث مقبولًا بتسلسله، وثيقًا بترابطه ليسهل تناوله والإحاطة به، ورتبت الخطة على مقدمة وتمهيد وفصلين. وتشمل المقدمة على بيان أهمية ما يتضمنه كتاب (الإشارة) في علم أصول الفقه من قيمة علمية، ومكانة المصنِّف العلمية، وبسط منهجي في الكتاب. ثم مهدت للفصلين الآتيين تمهيدًا بيَّنتُ فيه - باختصار - الوضع السياسي في القرن الخامس الهجري بالأندلس وهو عصر ملوك الطوائف الذي عاش فيه أبو الوليد الباجي، وانعكاساته السلبية على الوضع الاجتماعي المتردي لأصل إلى ذكر بعض ملامح الواقع العلمي وعوامل الازدهار الفكري. ثم قسمت الفصلين على الشكل التالي: الفصل الأول ترجمة أبي الوليد الباجي المبحث الأول: اسم أبي الوليد الباجي ونسبه ومولده. المطلب الأول: اسم أبي الوليد الباجي ونسبه وألقابه. المطلب الثاني: مولد أبي الوليد الباجي. الفرع الأول: تاريخ ميلاد أبي الوليد الباجي. الفرع الثاني: مكان ميلاد أبي الوليد الباجي. المبحث الثاني: أسرة أبي الوليد الباجي وأولاده. المطلب الأول: أسرة أبي الوليد الباجي. المطلب الثاني: أولاد أبي الوليد الباجى.
المبحث الثالث: نشأة أبي الوليد الباجي ووفاته. المطلب الأول: نشأة أبي الوليد الباجي. المطلب الثاني: وفاة أبي الوليد الباجي. الفصل الثاني حياة أبي الوليد الباجي العلمية المبحث الأول: مساعي أبي الوليد الباجي العلمية. المطلب الأول: المراحل التعليمية لأبي الوليد الباجي. الفرع الأول: المراحل التعليمية الداخلية. الفرع الثاني: المراحل التعليمية الخارجية. المطلب الثاني: شيوخ أبي الوليد الباجي وأقرانه وتلاميذه. الفرع الأول: شيوخ أبي الوليد الباجي. الفقرة الأولى: أهم شيوخ أبي الوليد الباجي بالأندلس. الفقرة الثانية: أهم شيوخ أبي الوليد الباجي بالمشرق. الفرع الثاني: أقران أبي الوليد الباجي وتلاميذه. الفقرة الأولى: أقران أبي الوليد الباجي. الفقرة الثانية: تلاميذ أبي الوليد الباجي. المبحث الثاني: شخصية أبي الوليد الباجي ونشاطه العام. المطلب الأول: شخصية أبي الوليد الباجي الأدبية. الفرع الأول: شعر أبي الوليد الباجي ونثره. الفقرة الأولى: صور من شعر أبي الوليد الباجي. الفقرة الثانية: صور من نثر أبي الوليد الباجي. الفرع الثاني: منزلة أبي الوليد الباجي بين علماء عصره. المطلب الثاني: النشاط العام لأبي الوليد الباجي.
الفرع الأول: نشاط أبي الوليد الباجي العام ومناظراته العلمية. الفقرة الأولى: نشاط أبي الوليد الباجي العام. الفقرة الثانية: مناظرات أبي الوليد الباجي العلمية. أولًا: مناظرة أبي الوليد الباجي لابن حزم الظاهري. ثانيًا: مناظرة أبي الوليد الباجي لبعض علماء عصره. الفرع الثاني: صلة الحكام بأبي الوليد الباجي. المبحث الثالث: آثار أبي الوليد الباجي العلمية. المطلب الأول: مؤلفات أبي الوليد الباجي العلمية. الفرع الأول: كتب أبي الوليد الباجي. الفقرة الأولى: كتب أبي الوليد الباجي في الفقه. الفقرة الثانية: كتب أبي الوليد الباجي في علم الحديث والتراجم. الفقرة الثالثة: كتب أبي الوليد الباجي في أصول الفقه والجدل. الفقرة الرابعة: كتب أبي الوليد الباجي في الزهد والرقائق. الفقرة الخامسة: كتب أبي الوليد الباجي المتنوعة. الفرع الثاني: رسائل أبي الوليد الباجي ومسائله. الفقرة الأولى: رسائل أبي الوليد الباجي. الفقرة الثانية: مسائل أبي الوليد الباجي. المطلب الثاني: كتاب الإشارة في أصول الفقه. الفرع الأول: توثيق كتاب (الإشارة). الفرع الثاني: وصف المخطوط مع بيان منهج المصنف فيه. الفقرة الأولى: وصف المخطوط. الفقرة الثانية: منهج المصنف المتبع في كتابه (الإشارة).
* أما القسم التحقيقي فيتمشل عملي ومنهجي فيه بسلوكي الخطوات التالية: 1 - اتباع منهج الإكثار ما أمكن من ذكر مصادر التخريج لتوثيق صحة النص، وزيادة تأكيده، والتعرف على مظان المباحث المتطرق إليها للفائدة التعليمية وذلك وفق قواعد تتبع، ومناهج تحتذى، ويتم ذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية للمؤلف ثم تثبيت المصادر الأخرى الثانوية، ويعد هذا المسلك أحد المناهج الحديثة في تحقيق التراث (¬1). 2 - توجيه العناية إلى توثيق نص الكتاب، وتصحيحه، وتخليصه من شوائب التصحيف والتحريف، وذلك بمراعاة الأمور التالية: * اتباع الرسم المعروف في العصر الحاضر، ثم معارضته ومقابلته بالمخطوط. * إثبات السقط من الكلمات والجمل والفقرات في المتن والإشارة إليها في الهامش. * إعجام ما أهمله الناسخ من كلمات من غير الإشارة إليها في الهامش. * إثبات تصويبات الناسخ التي على الحواشي في صلب المتن من غير إشارة إليها في الهامش، خشية إثقال الهوامش بأمور لا ضرورة لها. * الاستعانة بكتب أبي الوليد الباجي في تصحيح النص وتحريره منها: كتاب (إحكام الفصول في أحكام الأصول) وكتاب (الحدود في أصول الفقه) وكتاب (تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج) في علم الجدل. 3 - بيان موضع الآيات الواردة في النصوص ونسبتها إلى سورها في القرآن الكريم. ¬
4 - تخريج الأحاديث الواردة في المتن مع الإشارة إلى قول المحدثين في التصحيح والتضعيف. 5 - تخريج الآثار من الكتب المعنية بجمعها. 6 - تمحيص وتحرير العزو للآراء التي ينقلها المصنف وإرجاعها إلى مصادرها الأصلية، فإن تعذر ذلك عزوتها إلى مصادر أخرى. 7 - إحالة الآيات القرآنية المفسَّرة في المتن إلى كتب التفاسير المختلفة لتحقيق التفسير الوارد في النص. 8 - عزو الفروع الفقهية المترتبة على الاختلاف في الأصول إلى مصادر الفقه المقارن. 9 - الإشارة على هامش المتن إلى الآراء الأصولية الموافقة للرأي المعتمد عند المصنف والمخالفة له مع ذكر جملة من المصادر الأصولية المذهبية المختلفة. 10 - عزو الإجماع الوارد في المتن إلى كتب الإجماع المخصصة له. 11 - شرح وبيان الغموض الحاصل في بعض فصول الكتاب. 12 - شرح غريب المفردات اللغوية وإرجاعها إلى المعاجم الأصلية المعتمدة. 13 - إضافة أبيات الشعر الواردة في المتن إلى أصحابها مع الإشارة إلى المصدر أو الديوان الشعري. 14 - تخصيص ترجمة موجزة لكل عَلَم من الأئمة الأعلام المذكورة في النص للتعريف به، ولم استثن من انتشرت شهرته كالخلفاء الراشدين وبعض الصحابة والأئمة الأربعة، لأنه مع ذيوع اسمهم قد يجهل بعض خصوصياتهم أو كتبهم أو تاريخ وفاتهم (*). وهذه الترجمة تتضمن:
اسم العلم، وكنيته، ومذهبه، وبعض كتبه، وتاريخ وفاته، ثم أحيل تفصيل ذلك إلى كتب تراجم الرجال مع ذكر الجزء والصفحة. 15 - الاكتفاء بالإحالة إلى الصفحات المتقدمة عند تكرر الحديث أو العَلَم في موضع آخر، ما عدا الآيات التي أبين موضعها من السورة عند التكرار. 16 - عند تكرر مصدر سابق فإنني لا أشير في الهامش بعبارة: (المصدر السابق) أو (نفس المصدر) أو (المصدر نفسه) أو (ذات المصدر) أو (المصدر ذاته) (¬1) للصعوبة التي قد تزداد عن كثرة النقل على مصدر واحد، فيكثر تقليب الصفحات بزيادتها، وإنما أكتفي بإعادة كتابة المصدر من جديد بجزئه وصفحته. 17 - إعداد فهارس فنية علمية عامة للكتاب تسهيلًا للرجوع إليه. وهي تشتمل على: * فهرس الآيات القرآنية. * فهرس الأحاديث النبوية. * فهرس الآثار. * فهرس الأعلام والطوائف. * فهرس الأقطار والبلدان. * فهرس الكتب، وقد رتبت الكتب على الشكل التالي: - كتب علوم القرآن والتفسير. - كتب العقائد والفرق والأديان. - كتب الحديث وعلومه. ¬
- كتب أصول الفقه. - كتب الفقه. - كتب اللغة وعلومها. - كتب القبائل والأنساب. - كتب التاريخ والتراجم. - كتب الأقطار والبلدان. - كتب متنوعة أخرى. * فهرس الموضوعات. هذا، وإني لا أدعي الإصابة والعصمة من الخطأ في كل ما قمت به، فالكمال لله، والعصمة لمن عصمه الله تعالى، ولذا فإني أهيب بكل من وجد خللًا أن يبصرني بما فيه، أو عيبًا فيرشدني إليه، وسأكون له من الشاكرين. كما يهمني أن أسجل في هذه الكلمة تقديري وشكري لكل إخواني الذين سهلوا لي السبيل في إنجاز هذا العمل من غير أن يفوتني التعبير عن مشاعر العرفان للأستاذ محمد بن الحسين السليماني على حثه ومساعدته عملًا بقوله: (مَنْ لَا يَشْكُرِ النَّاسَ لَا يَشْكُرِ اللَّه) (¬1). والله أسأل أن يجعل جهدنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن تتحقق الفائدة، ويعمم النفع، ويكتب له القبول، وأن يسدد خطانا ويلهمنا التوفيق لتقديم المزيد من العمل العلمي للأمة الإسلامية، وعلى الله قصد السبيل، وما ذلك على الله بعزيز. ¬
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وإخوانه إلى يوم الدين. المحقق أ/ أبو عبد المعز محمد علي فركوس الجزائر في: 24 ذو القعدة 1411 هـ الموافق لـ: 7 جوان / حزيران 1991 م
القسم الدراسي
تمهيد
تمهيد كان على إثر سقوط الخلافة الأموية في قرطبة في مستهل القرن الخامس الهجري ظهور بلاد الأندلس مجزئةً إلى دويلات يحكمها ملوك الطوائف، ومن أشهرهم: بنو حمود بقرطبة ومالقة والجزيرة الخضراء، وبنو هود بسرقسطة، وبنو زيري بغرناطة، وبنو عباد بإشبيلية، وبنو الأفطس ببَطَلْيَوس، وبنو عامر ببلنسية، وبنو صُمادح بالمريَّة، وبنو النون بطُليْطِلة. وكان كلُّ ملك يستقل فيها بما تحت يده رسميًا (¬1). وفي تلك الفترة كانت الأندلس تموج بالفوضى والاضطرابات السياسية، واشتغال كل هؤلاء الملوك في الكيد والدس والمؤامرة بعضهم لبعض، فلا يكاد يمرُّ يوم إلا ويحدث بها وقائع مروعة من اغتيال وحرق وتقتيل ونهب. وفي ظل هذه الأوضاع المزرية ولد الإمام أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي سنة 403 هـ والأندلس تعاني فتنًا ومآسي شديدة، وترعرع وشبَّ وسط شقاق وفرقة وتطاحن ملوك الأندلس على النفوذ والسلطان والألقاب (¬2). وقد جسَّد ¬
ابن حزم فساد حالتهم بقوله: (اجتمع عندنا بالأندلس في صقع واحد خلفاء أربعة، كل واحد منهم يخطب له بالخلافة بموضعه، وتلك فضيحة لم ير مثلها، أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يتسمَّى كلُّ منهم بالخلافة وإمارة المؤمنين) (¬1) ولما عاد أبو الوليد الباجي من رحلته المشرقية التي قضى فيها ثلاث عشرة سنة عايش قلوبًا متفرقة، ومواقف متباينة، وكلمة مشتتة، عمل على تأليفها في سفارته بين الملوك للتصدي للعدوان النصراني (¬2) خاصة بعد سقوط طليطلة وما خلَّفه من: ذعر وانزعاج وآثار بالغة، كان لذلك كله الأثر السلبي المدمِّر على وحدة الأندلس وقوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ووجوب الاستنصار بجيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين لمواجهة الخطر النصراني المتربص، وقد توفي أبو الوليد الباجي سنة 474 هـ قبل تمام غرضه (¬3) ورؤية النصر الساحق للمسلمين على جيوش النصارى مجتمعة في معركة الزلاقة سنة 479 هـ، وإن كان له الفضل في المسعى والجهد المبذول في سبيل الوحدة وتحقيق النصر (¬4). وقد كان لاختلال أحوال ملوك الطوائف وتشتُّت صفوفهم انعكاسات سلبية. من الناحية الاجتماعية تمثلت في مخلفات متردِّية حيث كان هؤلاء الملوك يرهقون مجتمعهم ويلزمون رعيهم - ظلمًا - بدفع ضرائب مالية ومغارم جائرة بدعوى ¬
مجابهة المصاريف المختلفة الناجمة عن ظروف الحرب والقتال، كما فشت فيهم ظاهرة المجون والفساد والإسراف والتبذير على الشهوات بمعاقرة الخمرة وعقد مجالس البدخ والأنس مع التسلية والنشوة بالمغنين والفتيات والجواري، وقد كانت هذه الظاهرة مشتركة عند جميع ملوك الطوائف وبطانتهم (¬1). وفي هذا المضمون يقول محمد عبد الله عنان: (وقد قاسى الشعب الأندلسي في ظل طغيان الطوائف كثيرًا من ضروب الاضطهاد والظلم، ولم يكن ذلك قاصرًا على متاعب الفوضى الاجتماعية الشاملة التي كان يعيش في غمارها، وانقلاب الأوضاع في سائر مناحي الحياة، وتوالي الفتن والحروب الداخلية، ولكنه كان يقاسي في نفس الوقت من جشع أولائك الأمراء الطغاة، الذين كانوا يجعلون من ممالكهم ضياعًا خاصة، يستغلونها بأقسى الوسائل وأشنعها، ويجعلون من شعوبهم عبيدًا يستصفون ثرواتهم، وثمار كدِّهم، إرضاء لشهواتهم في إنشاء القصور الباذخة، واقتناء الجواري والعبيد، والانهماك في حياة الترف الناعم، والإغداق على الصحب والمنافقين، هذا، فضلًا عن حشد الجند لإقامة نيرهم، وتدعيم طغيانهم، وقد ترتب على ذلك أن انهارت المعايير الأخلاقية، واختلط الحق بالباطل، والحلال بالحرام ولم يعد الناس يعتدون بالوسيلة، بل يذهبون إلى اقتضاء الغاية، وتحقيق الكسب بأي الوسائل) (¬2). كما انتشر بين الأسر الحاكمة والمحكومة حبُّ التزوج بالنصرانيات وما يفضي ذلك إلى سوء تقدير لعواقب الأمور، وأسندت لأهل الذمة من اليهود مهام حيوية ضمن مناصب راقية متمثلة في جباية الأموال وكتابة الدواوين (¬3)، حيث كانوا وراء كلِّ مؤامرة أو دسيسة مدبَّرة على حساب المسلمين، أو فتنة مشتعلة تأتي على الأخضر واليابس ¬
هذا، ونتيجة لانغماس الحكام وبطانتهم في الملذات وركونهم إليها وتفريطهم في المهام، وانحلالهم السياسي والاجتماعي، أن وَهَن في نفوسهم الوازع الديني، وماتت فيهم دوافع النصرة والحمية عن الإسلام، وقد كان ذلك سببًا في ظهور التعصب القبلي والجنسي وما خلفه من أضرار كبيرة بين العرب والموالي في معارك دامية، وما تلاه من نزعة شعوبية ظهرت لتمجيد العجم والتنقيص من قدر العرب وما صاحب ذلك من الطعن في ملة الإسلام والتطاول على الشريعة المحمدية (¬1). وفي هذا العصر، كان الفقهاء أكبر عضد لملوك الطوائف في تبرير طغيانهم وقهرهم، وأكبر سند في تزكية تصرفاتهم وابتزازهم لأموال الرعية، وحرصًا على النفوذ والمال، فقد كانوا يضعون تحت خدمة السلطان فتاوى فقهية مؤيدة للظلم. والجور والاستغلال، ومبيحة للدس والمكر والاستعانة بالكفار وغيرها من المحرمات، ويدعون الناس باسم أحكام الدين وتعاليم الشريعة وفد نوَّه أبو مروان ابن حيان هذا التواطؤ الصارخ والتضامن المخزي بين الملوك والفقهاء، المؤسس على التعاون على الإثم والعدوان حيث يقول. (ولم تزل آفة الناس مُذ خلقوا في صنفين منهم هم كالملح: فيهم الأمراء والفقهاء قل ما تتنافر أشكالهم، وبصلاحهم يصلحون، وبفسادهم يفسدون، وقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له، ولا مخلص منه، فالأمراء القاسطون، قد نكبوا بهم عن نهج الطريق ذيادًا عن الجماعة، وجريًا إلى الفرقة، والفقهاء أئتهم صموت عنهم، صدف عما أكده الله تعالى من التبيين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، وخابط في أهوائهم وبين مستشعر مخافتهم، آخذًا بالتقية في صدقهم) (¬2). غير أن داخل هذا التيار الاجتماعي العاصف بكل القيم برزت مواقف ¬
مشرِّفة من فئة صالحة من العلماء مغلوبة على أمرها وتعالت أصواتها مندِّدة للباطل والجور والطغيان ومستنكرة لهذا الوضع المتردي وما آلت إليه البلاد والعباد من فساد (¬1). هذا، وعلى نقيض الوضع السياسي والاجتماعي المتردي فإن الجانب الثقافي والعلمي والأدبي كاد يكون العصر الذهبي لجميع مظاهر الفكر، فقد حفل هذا العصر بحصاد ثقافي وعلمي كبير، ومردُ ذلك إلى عدة عوامل من أهمها إفراد كل ملك ببلاط فخم يجمع إلى جانبه جماعة الفكر والأدب (¬2) مع تمتع كل ملك بمستوى راق في الميدان العلمي والأدبي (¬3)، وفي هذا السياق يقول الأستاذ عنان: (وإنها لظاهرة من أبرز ظواهر عصر الطوائف أن يكون معظم الملوك والرؤساء من أكابر الأدباء والشعراء والعلماء، وأن تكون قصورهم منتديات زاهرة، ومجامع حقة للعلوم والآداب والفنون) (¬4)، كما أن الازدهار الفكري والأدبي يرجع أيضًا إلى تمتع الحياة الفكرية في مسيرتها بشيء من الاستقلال من عصر الخلافة إلى أن آتت ثمارها في عهد ملوك الطوائف بتشجيع من الملوك وتحت حمايتهم رغم طغيانهم المطبق. ومن عوامل الازدهار أيضًا التنافس الجاد ¬
بين الملوك في إنشاء المكتبات وتعميرها الأمر الذي جعل البلاد تعج بمختلف العلوم والأدب والفنون (¬1) مما سهَّل انتعاش الحركة العلمية والأدبية بنشاط حثيث يتجلى في: وفرة المصادر وكثرة المؤلفات في شتى العلوم، تعدد الرحلات العلمية إلى المشرق قصد التحصيل العلمي، تشجيع المناظرات والمساجلات بين العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء، فضلًا عن تنقلات العلماء إلى مختلف حواضر الأندلس لنشر علومهم وبث معرفتهم. هذا، وقد كان القرن الخامس الهجري حافلًا بنشاط علمي حر ومتفتِّح وأدب رفيع، وجدل فقهي نشيط، لمعت فيه قمم علمية موسوعية فذة كأبي محمد ابن حزم، وأبي الوليد الباجي، وأبي عمر يوسف بن عبد البر، وأبو الحسن علي بن سيده وغيرهم الذين يرتفعون إلى الذروة في تفكيرهم ومستواهم العلمي الرفيِع. حاصل القول: إن تجزئة بلاد الأندلس إلى إمارات متناحرة كان له مساوي عديدةٌ قضت على تماسك المسلمين ووحدتهم السياسية والعسكرية، وخلَّفت آثارًا في غاية الخطورة، ووجدت العصبيات والأهواء والمجون والفساد سبيلًا مفتوحًا للعبث بالمقدسات العقائدية والمقومات الإسلامية نتيجة لضعف الوارع الديني، رغم المحاولات الجادة التي قام بها رجال الفكر والعلم - تجاوبًا مع الوضع السياسي والاجتماعي - في سبيل توحيد كلمتهم وتحذيرهم من العواقب، ولكنها لم تجد آذانًا صاغية، ومع ذلك، فإن موانع الظلم السياسي والفساد الأخلاقي لم يثنِ العلماء في بذل جهود مضنية، وإفراغ طاقات متأججة لتحصيل العلوم وتطويرها في حركة مستمرة، ونشاط دؤوب تحت رعاية حكامهم وحرص عامتهم، ومن هؤلاء الأئمة الأفذاذ القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي الذي لمع نجمه في هذه الحقبة من الزمان كفقيه أصولي، مناظر مجادل لا يشق له غبار. ¬
الفصل الأول ترجمة أبي الوليد الباجي المبحث الأول: اسم أبي الوليد الباجي ونسبه ومولده. المبحث الثاني: أسرة أبي الوليد الباجي وأبناؤه. المبحث الثالث: نشأة أبي الوليد الباجي ووفاته.
الفصل الأول ترجمة أبي الوليد الباجي
الفصل الأول ترجمة أبي الوليد الباجي (¬1) سنتعرض في هذا الفصل إلى التعريف باسم الباجي ونسبة وألقابه ومولده في المبحث الأول، ثم نستتبعه بأسرته وأبنائه في المبحث الثاني، ونخصص المبحث الثالث في ذكر نشأته ووفائه. *** ¬
المبحث الأول اسم أبي الوليد الباجي ونسبه ومولده
المبحث الأول اسم أبي الوليد الباجي ونسبه ومولده وفي هذا المبحث نتناول اسم الباجي ونسبه وألقابه في المطلب الأول، ونخصص المطلب الثاني لمولده. المطلب الأول اسم أبي الوليد الباجي ونسبه وألقابه هو سليمان بن خلف بن سعد (¬1) بن أيوب بن وارث، التُّجِيبِي، التميمي، ¬
الباجي، القرطبي، البَطَلْيوسِي، الذهبي، الاندلسي، القاضي المالكي، المكنى بأبي الولد (¬1). - فالتُّجِيبِي نسبة إلى قبيلة (تُجِيْب) العربية، بطن من بطون كندة، سموا باسم جدتهم العليا: تُجيب بنت ثوبان بن سليم بن رهاء من بني مذحج، وكان عميرة بن أبي المهاجر أول رجل من قبيلة (تجيب) نزل بأرض الأندلس مع جنود جيش الإسلام الفاتح، ثم زاد نسل التجيبيين وارتفع عددهم في الأندلس، وأصبحت لهم ديارًا، ومن ديارهم (بَطَلْيَوسْ) وهي موطن أجداد أبي الوليد الباجي (¬2). - أما التميمي (¬3) فنسبة إلى بني تميم من مر بن أد بن طابخة، وهم من أكبر بطون العرب (¬4). - وأما الباجي فنسبة إلى باجة (¬5) مدينة أندلسية شهيرة من أقدم مدائن ¬
الأندلس بنيت في أيام الأقاصرة، وتقع اليوم في البرتغال على 140 كلم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة. وقد نسب أبو الوليد الباجي إليها بعد مغادرة أجداده مدينة (بَطَلْيوَس) إليها، وأقام بها إلى أن بلغ الثالثة والعشرن من عمره (¬1). - أما القرطبي فنسبة إلى (قرطبة). المدينة الأندلسية الشهيرة أم مدائنها ومستقر خلافة الأمويين بها (¬2). ونسب إليها بعد انتقاله مع أسرته من باجة الأندلس إليها. - وأما البطَلْيوسي فنسبة إلى (بَطَلْيَوس) مدينة أندلسية، بناها عبد الرحمن بن مروان المعروف بالجليقي بإذن الأمير عبد الله له، وهي تقع في الغرب الجنوبي من إسبانيا (¬3). ¬
المطلب الثاني مولد أبي الوليد الباجي
وأضيف لأبي الوليد الباجي هذه النسبة لأن أصل آبائه من هذه المدينة، ولأنه ولد بها على أرجح الأقوال كما سيأتي. - وأما تلقيه بـ (الذهبي) فلاشتغاله بضرب ورق الذهب للغزل، وذلك بعد رجوعه من رحلته العلمية المشرقية سنة 439 هـ (¬1). - أما الأندلسي فنسبة إلى بلاد الأندلس التي افتتحها المسلمون بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد في أيام الوليد بن عبد الملك سنة 92 هـ (¬2). المطلب الثاني مولد أبي الوليد الباجي اختلف المترجمون في تاريخ ميلاد الباجي، وفي مكان مسقط رأسه، وتفريعًا على هذا الخلاف، نخصص لتاريخ ميلاد الباجي الفرع الأول، ومكان ولادته الفرع الثاني. الفرع الأول: تاريخ ميلاد أبي الوليد الباجي: تعارضت أقوال المترجمين والمؤرخين لحياة الباجي واضطربت في تاريِخ ميلاده على ثلاثة أقوال: - القول الأول: إنه ولد يوم الثلاثاء 15 من ذي القعدة سنة 403 هـ وهو ما عليه الجمهور (¬3). ¬
- القول الثاني: إنه ولد سنة 404 هـ. وهو ما مال إليه ابن عساكر (¬1). - القول الثالث: إنه ولد سنة 402 هـ. وهو ما ذهب إليه الباحث الإسباني آنخل جنثالث بالنثيا (¬2). والظاهر أن مذهب. الجمهور أقوى لجملة من المرجحات تتمثل فيما يلي: 1 - شهادة أم الباجي على صحة التاريخ الذي ارتضاه الجمهور، وذلك فيما رواه تلميذ الباجي أحمد بن زغلول قال: (رأيت تاريخ ميلاده بخط أمِّه - وكانت فقيهة - أنه سنة ثلاث وأربعمائة) (¬3). ولا يخفى في مثل هذه المقامات أن شهادة النساء أولى ومقدمة على الغير، وخاصة ورود تاريخ ميلاده مقيدًا من والدته، فضلًا عن كونها فقيهة. 2 - ما ذكره أبو علي الغساني - وهو من طلبته الملازمين للباجي - أنه قال: (سمعت أبا الوليد الباجي يقول: (مولدي في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة) (¬4) ومما لا يغيب أن الشخص أعرف بنفسه وأعلم بأحواله وتواريِخ حياته. 3 - ما رواه ابن بشكوال قال: (قرأت بخط القاضي محمد بن أبي الخير ¬
الفرع الثاني: مكان ميلاد أبي الوليد الباجي
- شيخنا رحمه الله - قال: ( ... وولد يوم الثلاثاء في النصف من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة) (¬1). 4 - ليس ثمة دليل للمخالفين يتمسك به لإثبات ما ذهبوا إليه. وعليه فمذهبهم ظاهر البطلان لا يقوى على المعارضة. الفرع الثاني: مكان ميلاد أبي الوليد الباجي: لا خلاف بين علماء التراجم في أن أصل آباء أبي الوليد من مدينة بَطَلْيوَس (¬2) ولكن محل الخلاف في مسقط رأسه هل كان في هذه المدينة أم في غيرها، وقد ترتب على هذا الخلاف ثلاثة آراء متباينة تتمثل في الآتي: - القول الأول: إن مسقط رأسه بِبَطَلْيَوس، ثم رُحل به في صباه إلى باجة الأندلس، ثم انتقل بعدها إلى قرطبة وهو قول القاضي ابن أبي الخير (¬3) وتبعه ابن خلكان (¬4). - القول الثاني: إن مسقط رأسه بباجة الأندلس بعد انتقال أجداده من بطليوس، ومن باجة الأندلس انتقل إلى قرطبة مع أسرته. وهو ظاهر قول الجمهور (¬5). - القول الثالث: إن مسقط رأسه بقرطبة، وأصله من بطليوس، ثم انتقل أجداده ¬
إلى باجة الأندلس، ومنها إلى قرطبة. وهو ظاهر قول ابن بشكوال (¬1). وفي تقديري أن القول الأول أرجح الأقوال السابقة للأسباب التالية: 1 - ورود تحديد مكان ولادته مقيدًا بخط القاضي محمد بن أبي الخير والكتاب يقضي بولادته ببطليوس (¬2). 2 - ذكر غالبية التراجم أن أصله بطليوس ثم انتقلوا إلى باجة الأندلس ثم سكنوا قرطبة ليس فيها قطع بتحديد محل ولادته. 3 - أما تصدير ابن بشكوال: (أنه من أهل قرطبة) (¬3) على أن مسقط رأسه بها فهو مجرد رأي يفتقر إلى دليل يعضده، بل قد روى عن شيخه محمد بن أبي الخير ما يعارضه إذ أن وجادته على شيخه قاطعة في المسألة يتعذر معها حمله على أن محل ولادته قرطبة، ومع ذلك قد لا يعني بهذا التصدير سوى ذكر أواخر منازله التي اشتهر فيها وهي قرطبة، والأمر محتمل. 4 - أما نصوص المترجمين المشعرة بأنه من مواليد باجة الأندلس فهي مفاهيم مستوحاة من هذه النصوص تدع مجالًا للتردد فيها. هذا والذي تطمئن إليه النفس هو القول الأول من حيث ورود التحديد مثبتًا ومقيدًا بصورة واضحة وصريحة بخلاف النصوص الأخرى فهي مجرد مفاهيم نافية للقول الأول ومثبتة لما عداه. ولا يخفى أن المنطوق مقدم على المفهوم، والمثبت أولى من النافي كما هو مقرر في علم أصول الفقه. وإلى هذا القول ذهب المراغي (¬4)، وكحالة (¬5)، ومحمد عنان (¬6). *** ¬
المبحث الثاني أسرة أبي الوليد الباجي وأولاده
المبحث الثاني أسرة أبي الوليد الباجي وأولاده سنتعرض بالذكر في هذا المبحث إلى أسرة الباجي في المطلب الأول، ونخصص المطلب الثاني لأبنائه. المطلب الأول أسرة أبي الوليد الباجي ينتسب أبو الوليد الباجي إلى أسرة علم وتقوى ونباهة ونبل وحسن تديُّنٍ ويلتمس ذلك من: - والده أبو سليمان خلف بن سعد، فقد كان من أهل العفة والصلاح والتقوى، كثير التعبد بالصوم والاعتكاف والتهجد، زاهدًا في الدنيا، محبًّا للعلم وأهله. هذا، وإن لم يعرف عن أبيه سمعة في العلم إلا أنه حاز نصيبًا منه من خلال ملازمته حلقات العلم، فقد روي أنه كان يجلس في حلقة ابن شماخ وتعجبه طريقته، كما كان يلازم العالم الأندلسي أبا بكر الحصار ويحضر دروسه وحلقاته العلمية بقرطبة حتى التمس منه سابقات في الصلاح والنباهة، وقدرة على الإدراك والفهم: فزوجه ابنته أم سليمان (¬1). ¬
- ووالدته أم سليمان (¬1)، فهي بنت فقيه الأندلس أبي بكر محمد بن موهب القبري القرطبي المعروف بالحصار. وقد اتصفت بالعفة والصلاح، وكانت فقيهة عابدة (¬2). - وإخوته الأربعة: إبراهيم، علي، وعمر، ومحمد، أجلة نبلاء على وتيرة أبيهم في حسن التدين، وقد اشتهر إبراهيم ومحمد منهم بالعلم والفطنة والذكاء (¬3). - وأعمامه الثلاث بنو سعد: سليمان، وعبد الرحمن، وأحمد، فقد نعتوا بالتدين والصلاح وكثرة العبادة والخير (¬4). - وجدُّه لأمه، فهو فقيه الأندلس وعالمها المشهور: أبو بكر محمد بن موهب القبري التجيبي القرطبي المعروف بالحصار، أخذ عن أحمد بن ثابت، وأحمد بن هلال، وأبي محمد الباجي من علماء بلده، ثم تفقه بالقيروان بأبي محمد عبد الله بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي وغيرهم، وقد اشتغل بجل العلوم وغلب عليه علم الكلام والجدل. وعند رجوعه إلى الأندلس - أيام الدولة العامرية - جرت بينه وبين فقهاء عصره مناظرات عديدة تناولت مسائل غير مألوفة لدى الأندلسيين كمسألة الكرامات، ونبوة النساء وبقاء الخضر حيًا وغيرها من الموضوعات الغريبة على العوام، الأمر الذي جرَّ عليه سخط ابن أبي عامر المعافري القحطاني، فرحل إلى سبتة (¬5) وأقام بها مدة، ثم عاد إلى الأندلس وورد قرطبة متسترًا، فلما علم به ¬
المطلب الثاني أولاد أبي الوليد الباجي
ابن أبي عامر أصدر عفوه عنه، وعاش بقية حياته مُمسكًا لسانه حتى توفي سنة 406 هـ. من مؤلفاته: شرح رسالة شيخه أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، وله في العقائد تواليف كثيرة (¬1). - وأخواله من أهل العلم والخير، ومنهم خاله العالم الخطيب: أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب التجيبي المعروف بابن القبري (¬2) وهو أحد شيوخ القاضي أبي الوليد الباجي. المطلب الثاني أولاد أبي الوليد الباجي للقاضي أبي الوليد الباجي عدد من الأولاد عاش بعضهم، وتوفي آخرون في حياته. * أما أبناء الباجي الذين توفوا في حياته فمنهم: محمد بن أبي الوليد سليمان بن خلف وكنيته: أبو الحسن. كان شابًا يتصف بالذكاء والنبل ويرجى فيه الصلاح. مات في حياة أبيه (بِسَرَقُسْطة) (¬3) سنة 472 وبسنتين قل وفاة والده، وكان فراقه قد أثر فيه تأثيرًا بالغًا، فرثاه بمراثي حارَّة وحزينة (¬4) منها ¬
قوله: أَمُحَمَّدٌ إِنْ كُنْتُ بَعْدَكَ صَابِرًا … صَبْرَ السَّلِيم لِمَا بِهِ لا يَسْلَمُ وَرُزِئْتُ قَبْلَكَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ … ولَرُزْؤُهُ أَدْهَى لَدَيَّ وأَعْظَمُ فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّنِي بِكَ لَاحِقٌ … مِنْ بَعْدِ ظَنِّي أَنَّنِي مُتَقَدِّمُ للهِ ذِكْرٌ لَا يَزَالُ بِخَاطِري … مُتَصَرِّفٌ في صَبْرِهِ (¬1) مُتَحَكِّمُ (¬2) فَإِذَا نَظَرْتُ فَشَخْصُهُ مُتَخَيَّلٌ … وإِذَا أَصَخْتُ فَصَوْتُهُ مُتَوَهَّمُ وبِكُلِّ أَرْضٍ لِي مِنَ اجْلِكَ رَوْعَةٌ … وبِكُلِّ قَبْرٍ عَبْرَةٌ وتَرَنُّمُ (¬3) فَإِذَا دَعَوْتُ سِوَاكَ حَادَ عَنِ اسْمِهِ … ودَعَاهُ بِاسْمِكَ مُعْوِلٌ (¬4) بِكَ مُغْرَمُ حَكَمُ الرَّدَى ومَنَاهِجٌ قَدْ سَنَّهَا … لِأُولِي النُّهَى والْحِذْقِ (¬5) قَبْلُ مُتَمِّمُ (¬6) ¬
فَلَئِنْ جَزِعْتُ فَإِنَّ رَبِّيَ عَاذرٌ … ولَئِنْ صَبَرْتُ فَإِنَّ صَبْرِيَ أَكْرَمُ (¬1) وله ابنان (¬2) ماتا مغتربين ومقتربين رئاهما بعاطفة حارة وبحرقة كبيرة وحزن عميق فقال: رَعَى اللهُ قَبْرَيْنِ اسْتَكَانَا بِبَلْدَةٍ … هُمَا أَسْكَنَاهَا في السَّوَادِ مِنَ الْقَلْبِ لَئِنْ غُيِّبَا عَنْ نَاظِرِي وتَبَوَّءَا … فُؤَادِي لَقَدْ زَادَ التَّبَاعُدُ في الْقُرْبِ يَقَرُّ بِعَيْنِي أَنْ أَزُورَ ثَرَاهُمَا … وأُلْصِقَ مَكْنُونَ التَّرَائِبِ بِالتُّرْبِ (¬3) وَأَبْكِي وأُبْكِي سَاكِنِيهَا لَعَلَّنِي … سَأُنْجَدُ مِنْ صَحْبٍ وأُسْعَدُ مِنْ سُحْبِ وَلَا اسْتَعْذَبَتْ عَيْنَايَ بَعْدَهُمَا (¬4) كَرًى … وَلَا ظَمِئَتْ نَفْسِي إِلَى الْبَارِدِ الْعَذْبِ أَحِنُّ ويَثْنِي الْيَأْسُ نَفْسِي عَنِ الأَسَى … كَمَا اضْطُرَّ مَحْمُولٌ عَلَى المَرْكَبِ الصَّعْبِ (¬5) ¬
* أما أولاده الذين عاشوا بعد وفاته، فمن أشهرهم: أحمد بن أبي الوليد سليمان الباجي. وكنيته: أبو القاسم. وهو أحد العلماء البارزين، برع في علم الأصول والكلام حتى أذن له والده في إصلاح كتبه الأصولية. وقد تفقه أبو القاسم على أبيه، وخلَفه في حلقته بعد وفاته، وجمع ديوانه، وصلَّى عليه يوم وفاته. وقد كان ديِّنًا ورعًا زاهدًا في الدنيا، تخلى عن تركة أبيه وهي كثيرة لقبوله جوائز السلطان، وارتحل إلى المشرق لطلب العلم، ودخل بغداد والبصرة، واستقر بعدها في بعض جزائر اليمن، ثم قضى مناسك الحج، وعند عودته مات بجدَّة سنة 493 هـ. لأبي القاسم أحمد بن سليمان مؤلفات حسنة تدل على حِذْقِه وذكائه فمنها: (العقيدة في المذاهب السديدة) و (معيار النظر) و (سرُّ النظر) و (البرهان في أنَّ أول الواجبات: الإيمان) ورسالة سماها (الاستعداد للخلاص من الميعاد) (¬1)، وله نظم وأدب، فمن رقيق شعره ما أنشد لنفسه يقول: إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ... فَاتْرُكِ الْمَيْلَ إلَيْهِ مَنْ بِأَمْرٍ يَتَعَنَّى ... يَحْسَبُ النَّاسَ عَلَيْهِ (¬2) - وله ابنة نجيبة (¬3) زوَّجها للحافظ المحدث الفقيه أبي العباس أحمد بن عبد الملك بن موسى بن عبد الملك بن أبي حمزة المُرْسِي الأندلسي - أحد طلبة الباجي - المتوفى سنة 533 هـ (¬4). ¬
المبحث الثالث نشأة أبي الوليد الباجي ووفاته
المبحث الثالث نشأة أبي الوليد الباجي ووفاته نتناول نشأة الباجي في المطلب الأول، ونخصص المطلب الثاني لوفاته. المطلب الأول نشأة أبي الوليد الباجي نشأ أبو الوليد الباجي وسط أسرة عربية أصيلة، حيث أن مردَّ نسَبه من جهة أبيه وأمه إلى قبيلة: (تُجيب) العربية المشرَّفة بثناء الرسول عليها (¬1). واتَّسمت هذه الأسرة بالعلم والنباهة (¬2) فكان لبعض أفرادها مساهمة فعالة في الحياة العلمية، فضلًا عما اتصفوا به من مكارم الأخلاق وعرفوا بالتقوى والورع وحسن التديُّن والزهد. فلم يكن في إخوته إلا مشهور بالحج والجهاد، والصلاح والعفاف، وأمِّه وجِهَتِها إلا مشهود له بالعلم والذكاء والفطنة. وفي كَنَف هذه البيئة العلمية، وتحت الرعاية الأسروية الداخلية، نال أبو الوليد الباجي حظه من التربية الحسنة والأخلاق العالية، وأخذ تعليمه الأوَّلي في سن مبكرة جدًّا، ساعده ذلك على تنمية قدراته الذهنية ومواهبه الفكرية، الأمر الذي فسح أمامه آفاقًا واسعة تبشِّر بغدٍ مشرق بالعلم والمعرفة. ¬
المطلب الثاني وفاة أبي الوليد الباجي
وقد سادت - في عصره وضمن محيط مجتمعه بالأندلس - موجة علمية عالية تقوم على التنافس الجاد في مختلف العلوم وشتى الفنون وسائر المعارف، وفي هذا الجوِّ العلمي العام ترعرع أبو الوليد الباجي وكلُّه إرادة جدِّية، وحزم أكيد، يساعده ذكاؤه الوقاد وتعليمه الأولي، ويدفعه حرصٌ شديدٌ، ورغبةٌ مُلحَّةٌ صادقة في طلب العلم واكتسابه، والتبحُّر في أنواع المعارف المختلفة، متبعًا في ذلك هدي العلماء العاملين، ومقتديًا بهم سلوكًا وأخلاقًا. المطلب الثاني وفاة أبي الوليد الباجي بعد أن قضى أبو الوليد الباجي حياة جهادية من أجل تحصيل العلم ونشره تعليمًا وتأليفًا ومناظرة، والسعي إلى دعوة حكام الأقطار الأندلسية للالتفاف حول المرابطين لنصرة الإسلام ونبذ أحقادهم وجمع كلمة المسلمين ضد عدوهم المشترك ألفنسو السادس الذي كان يتربص بالإسلام والمسلمين الدوائر، انتهى به السعي والمطاف بمدينة (الْمَرِيَّة) (¬1) () حيث أدركته المنيَّةُ ليلة الخميس - بين العشائين - في التاسع عشر من رجب (¬2) سنة 474 هـ. ¬
وصلى عليه يوم الخميس - بعد العصر - ابنه أبو القاسم، ودفن على ضفة البحر بالرباط. رحمه الله وغفر لنا وله. وتاريخ وفاته المتقدم مثبت لدى جمهور المترجمين والمؤرخين باتفاق (¬1) ونازع فيه آخرون منهم: - ابن الأثير الذي انفرد بالقول إلى أن أبا الوليد الباجي توفي في حدود سنة ثمانين وأربعمائة (¬2). - وياقوت الحموي وابن فرحون اللذان ذهبا إلى أنه توفي سنة 494 هـ (¬3). وعليه فالمسألة على ثلاثة (¬4) أقوال أرجحها - في تقديري - ما استقر عليه الجمهور هو أن سنة وفاته: 474 هـ، وذلك للأسباب التالية: ¬
1 - لأن ورود تاريخ وفاته محددًا بالشهر واليوم والساعة يدل على قول الجمهور تأسيسًا على أن: من حفظ حجة على من لم يحفظ، فضلًا عن أن هذا التاريخ مستمد من أبي عليِّ الجيَّاني نفسه وهو أحد تلاميذه (¬1). 2 - ولأن جمهور المؤرخين وجلَّ المترجمين على إثبات هذا التاريخ وصحته. 3 - ولأنه يستبعد أن تكون سنة وفاته في أحد القولين الآخرين، لأن المصادر التاريخية تشير إلى أن الباجي كان سفيرًا بين رؤساء الأندلس يسعى إلى توحيد صفهم ولمِّ شملهم وجمع كلمتهم مع المرابطين ضد عدوهم ألفنسو السادس للذود عن حياض الإسلام وثغوره، وقد توفي الباجي رحمه الله قبل تمام سعيه وتحقيق غرضه وإكمال غايته (¬2). ولا يساورنا شك أن انتصار المسلمين في معركة (الزلاقة) (¬3) الشهيرة قد وقع في رجب سنة 479 هـ، فلو كانت سنة وفاته على ما قرروه لشهد النصر المؤزر ولأدرك بغيته من خلال مساعيه الوحدوية. قال الحجوي: (وفي سنة 494 كان ابن تاشفين استأصل ¬
جل رؤساء الأندلس كما يعلم من مراجعة التاريخ) (¬1). 4 - وعلى القولين الآخرين يحتمل حدوث تحريف غير مقصود للاشتباه الحاصل بين الأربِع والسبعين والأربع والتسعين، كما يحتمل اشتباه وفاة أبي الوليد بوفاة ابنه أبي القاسم المتوفى سنة 493 هـ. *** ¬
الفصل الثاني حياة أبي الوليد الباجي العلمية المبحث الأول: مساعي أبي الوليد الباجي العلمية. المبحث الثاني: شخصية أبي الوليد الباجي ونشاطه العام. المحبث الثالث: آثار أبى الوليد الباجى العلمية.
الفصل الثاني حياة أبي الوليد الباجي العلمية
الفصل الثاني حياة أبي الوليد الباجي العلمية سنتناول في هذا الفصل جوانب من حياة أبي الوليد الباجي العلمية والأدبية التي سلكها، مبرزين شخصيته كأديب وشاعر وقاضي، ثم نختم هذا الفصل بآثاره ومخلفاته العلمية من كتب ورسائل ومسائل علمية. لذلك نتعرض لمساعي أبي الوليد الباجي العلمية في المبحث الأول، ونخصص المبحث الثاني لشخصيته ونشاطه العام، ونؤخر آثاره العلمية إلى المبحث الثالث. ***
المبحث الأول مساعي أبي الوليد الباجي العلمية
المبحث الأول مساعي أبي الوليد الباجي العلمية وفي هذا المبحث نذكر المراحل التعليمية الأساسية التي قطعها أبو الوليد الباجي في طلبه للعلوم وسعيه في التحصيل في مطلب أوَّلٍ، ثم نذكر ترجمة موجزة لطائفة من أهم شيوخه وأقرانه وتلاميذه في مطلب ثانٍ. المطلب الأول المراحل التعليمية لأبي الوليد الباجي توجه أبو الوليد الباجي برغبة أكيدة إلى طلب العلم، وعمل على تحصيل مدارك المعرفة بشتى الوسائل والطرق بالتدريج، فأخذ من علماء بلده بالأندلس غربًا، ومن علماء الحجاز والعراق شرقًا، بصبر عريض واجتهاد دؤوب وهمة عالية. وتأسيسًا على تدرجه في التحصيل سنتناول مراحله التعليمية الداخلية بالأندلس في الفرع الأول، ثم مراحله التعليمية بالمشرق في الفرع الثاني. الفرع الأول: المراحل التعليمية الداخلية: يمكن تقسيم مراحل أبي الوليد الباجي التعليمية التي قضاها داخل الأندلس إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: تعليمه العائلي. المرحلة الثانية: تعليمه بالأندلس. - أما المرحلة الأولى فقد تقدم الكلام عن أن أبي الوليد الباجي نشأ بين أحضان أسرة عربية أصيلة، اتسمت بالعلم والنباهة وفي ذلك الجوِّ العلمي العالي نال أبو الوليد الباجي حظه من التعليم الأوَّلي في سن مبكرة جدًا مؤسسًا بذلك أرضية مبدئية تمهيدًا لدراساته العلمية التحصيلية المنتظرة. - أما تعليم أبي الوليد الباجي بالأندلس فقد بدأت هذه المرحلة الدراسية على يد فطاحل العلماء وفحولهم، فاهتم في أوائل دراسته بالأدب وفنونه حتى برع فيه نظمًا ونثرًا من غير إهمال للعلوم الأخرى. قال ابن بسام في الذخيرة: (نشأ أبو الوليد هذا وهمته في العلم تأخذ بأعنان السماء، ومكانه من النثر والنظم يسامي مناط الجوزاء، وبدأ في الأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه) (¬1). ففي قرطبة أخذ عن خاله أبي شاكر عبد الواحد (¬2) العربية وغيرها، وأخذ علوم اللغة والنحو والحديث عن المحدث اللغوي يونس بن مغيث (¬3)، وأخذ علوم القرآن والقراءات عن الإمام المقرئ الكبير أبي محمد مكي بن أبي طالب (¬4). - وبطَرْطُوسِة (¬5) أخذ عن أبي سعيد الجعفري (¬6) وأجاز الباجي ¬
في ناسخ القرآن ومنسوخه، وكتاب (العالم والمتعلم في معاني القرآن)، و (إعراب القرآن) لأبي جعفر النحاس. (¬1). - وبِطُلَيْطِلَة (¬2) أخذ الفقه عن العالم الفقيه خلف بن أحمد الرهوني المعروف بابن الرحوي (¬3) من كبار العلماء في الرواية والإفتاء. - وبسرقسطة أخذ الفقه والحديث عن أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل بن فُورْتش القاضي (¬4). - وبوشْقَة (¬5) روى عن القاضي عيسى بن خلف بن عيسى المعروف بابن أبي درهم (¬6) بكثير من روياته. ¬
الفرع الثاني: المراحل التعليمية الخارجية
الفرع الثاني: المراحل التعليمية الخارجية: فبعد أن استوعب أبو الوليد الباجي علوم الأندلس، ونبغ في فنون متعددة في سن الفتوة وهو ابن الثالثة والعشرين من عمره فإنه - بالرغم من الفوضى السياسية التي عمت ربوع الأندلس وانتشرت في عهد ملوك الطوائف - فقد وجد في نفسه عزمًا قويًا، ورغبة ملحة في المزيد من طلب العلوم فقرر الرحيل صوب المشرق الإسلامي سنة 426 هـ (¬1). وفي أثناء سفره تعرَّف على أحوال الأدب في الأقطار الإسلامية التي مرَّ بها ومدى ميول الناس إلى الأدب وكثرة اشتغالهم به نظمًا ونثرًا، وقتئذٍ عقد العزم على الانقطاع لطلب العلوم الشرعية لقلة من يجيدها من العلماء. وفي هذا المضمون يقول ابن بسام: ( ... ولم تزل أقطار تلك الآفاق تواصله، وعجائب الشام والعراق تغازله حتى أجاب، وشدَّ الركاب، وودَّع الأوطان والأحباب فرحل سنة ست وعشرين، فما حلَّ بلدًا إلا وجده ملآن بذكره، نشوان من قهوتَيْ نظمه ونثره، ومال إلى علم الديانة، وقد كان قبل رحلته تولى إلى ظله، ودخل في جملة أهله، فمشى بمقياس، وبنى على أساس) (¬2). وكان أول منازله الحجاز: ففي مكَّة لزم أبو الوليد الباجي العالم المتبحر أبا ذر الهروي (¬3) ملازمة الظل، ومكث عنده ثلاث سنوات (¬4) درس عنه الفقه المالكي والحديث (¬5) وعلومه ¬
وفي أثناء إقامته بمكَّة حج فيها أربع حجج وسمع من شيوخ الحرم منهم: أبو بكر المُطَّوَّعِيُّ، وأبو بكر محمد بن سعيد بن سَحْنَوْيه الإسفرائني، وأبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن محمود الورَّاق، وأبو القاسم عبد الرحمن بن مُحْرِزٍ، وأبو محمد عبد الله بن سعيد بن أرباح الأموي الأندلسي (¬1) وغيرهم (¬2). ومن الحجاز اتجه صوب العراق وهو لا يزال متعطشًا إلى المزيد من العلوم، ولتحقيق رغبته استأجر نفسه أيام إقامته ببغداد لحراسة الدروب فكان ينفق ما يعطى له من أجر على معاشه دون أن تفوته مجالسة العلماء، ويستعين بضوء الدروب ليلًا ليطالع ما حصله من العلم فيراجعه (¬3). ومن أشهر شيوخه ببغداد: - القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الشافعي المتوفى سنة (450 هـ) (¬4). - الأصولي الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الشافعي المتوفى سنة (476 هـ) (¬5). - الفقيه المالكي أبو الفضل محمد بن عمروس المتوفى سنة (452 هـ) (¬6). - الإمام الحنفي أبو عبد الله الحسين الصَّيمري المتوفى سنة (436 هـ) (¬7). ¬
- الفقية المالكي المحدث أبو عبد الله محمد بن علي الصُّوري المتوفى سنة (441) (¬1). - الإمام الحنفي أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني المتوفى سنة (478 هـ) (¬2). - الفقيه الحنبلي أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البغدادي البرمكي المتوفى سنة (445 هـ) (¬3). - الحافظ أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العُشاريُّ المتوفى سنة (451 هـ) (¬4). - الفقيه المالكي أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن الحربي المعروف بابن قُشَيْش النحوي المتوفى سنة (437 هـ) (¬5). - المحدث أبو بكر محمد بن المؤمل بن الصقر الوراق المعروف بغلام الأبهري المتوفى سنة (434 هـ) (¬6). ¬
- المحدث أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور العتيقي المتوفى سنة (441) (¬1). - المحدث أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غَيْلان المتوفى سنة (440 هـ) (¬2). - المحدث أبو الفرج (¬3) الحسين بن علي بن عبيد الله الطناجيري المتوفى سنة (439 هـ) (¬4). - الفقيه الشافعي أبو طالب عمر بن إبراهيم بن سعيد المعروف بابن حمامة المتوفى سنة (434 هـ) (¬5). - المحدث أبو منصور محمد بن محمد بن عثمان المعروف بابن السواق المتوفى سنة (440 هـ) (¬6). ¬
- الحافظ أبو الجيب عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد الأرموي (¬1) المتوفى سنة (433 هـ) (¬2). - المحدث أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر المعروف بابن زوج الحرة المتوفى سنة (442 هـ) (¬3). - القاضي أبو القاسم عليّ بن المُحَسِّن بن علي التَّنُوخي (¬4) المتوفى سنة (447 هـ) (¬5). هذا، وقد أخذ أبو الوليد الباجي عن جملة من علماء آخرين غير من تقدَّم ذكرهم، وهم كثيرون على مختلف المذاهب كأبي رومة وأبي على العطار وغيرهما (¬6). ¬
ثم دخل الشام، وفي دمشق مكث بها ثلاثة أعوام أخذ عن جملة من كبار العلماء منهم: - أبو الحسن عليّ بن موسى الدمشقي المعروف بابن السمسار المتوفى سنة (433 هـ) (¬1). - أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطُّبَيز بن السراج الحلبي المتوفى سنة (431 هـ) (¬2). - أبو محمد السَّكن بن جُمَيع المتوفى سنة (437 هـ) (¬3). - أبو الحسن (¬4) محمد بن عوف بن أحمد المُزَنِيُّ المتوفى سنة (431 هـ) (¬5) وغيرهم. ورحل إلى المَوْصِل (¬6)، وبها أقام عامًا كاملًا يدرس العقليات على الإمام ¬
الأصولي الكبير أبي جعفر محمد بن أحمد بن محمد السِّمْنَانيِّ (¬1). فضلًا عن دراسته عليه الفقه والأصول والكلام والأدب (¬2)، وقد أعجب أبو الوليد الباجي به كثيرًا حتى أنه مدحه بقصيدة شعرية (¬3). ودخل مصر وبها سمع من أبي محمد بن الوليد وغيره (¬4). هكذا قضى أيامه الدراسية مقيمًا بالمشرق نحو ثلاث عشرة سنة من المثابرة في الطلب والاجتهاد في التحصيل والحرص على ذلك، لا يهاب في سبيل تحقيق رغبته حرَّ الصيف ولا بردَ الشتاء (¬5). فلما حقق رغبته وأشبع حاجته وقضى رغبته، وبرع في القرآن والحديث وعلومهما، والفقه وأصوله، والعربية وقواعدها، وعلم الكلام ومضايقه، والعقليات وتوابعها، وجد في نفسه حنين الديار وأحس بالشوق للأهل والأحباب، فقرَّر ¬
المطلب الثاني شيوخ أبي الوليد الباجي وأقرانه وتلاميذه
العودة إلى الأندلس بعد بلوغه ذروة المجد العلمي والسمو الفكري، فصار - بعد ذلك - عَلَمًا من أعلام الشريعة الغراء. المطلب الثاني شيوخ أبي الوليد الباجي وأقرانه وتلاميذه سنتناول في هذا المطلب التعريف بطائفة من أهم شيوخ أبي الوليد الباجي التي أثرت على شخصيته وكان لها مفعولًا في تكوينه العلمي وسلوكه الخلقي في الفرع الأول، ثم نأتي إلى أقرانه الذين كان لهم نصيب في تكوين شخصيته العلمية من خلال المناظرات العلمية والسياق والتنافس في البحث والتحصيل والتأليف والتدوين، ثم إلى تلاميذ الباجي الذين أثَّر في تكوينهم العلمي والتربوي وكان له نشر علمه بواسطتهم وذلك في الفرع الثاني. الفرع الأول شيوخ أبي الوليد الباجي أخذ أبو الوليد الباجي العلم عن عدد كبير من علماء زمانه، وقد تقدم ذكر معظمهم، وسنتعرض إلى جملة من العلماء المشهورين من أساتذته الأندلسيين والمشارقة بترجمة موجزة، مبينين مدى تأثيرهم على شخصيته وتكويه العلمي والتربوي. وعليه نقتصر بذكر شيوخه بالأندلس على الآتي: - خاله أبو شاكر عبد الواحد المتوفى سنة 456 هـ. - المحدث أبو الوليد ابن الصفار المتوفى سنة 429 هـ. - أبو محمد مكي بن أبي طالب المتوفى سنة 437 هـ. - أبو بكر خلف بن أحمد الرحوي المتوفى سنة 420 هـ.
الفقرة الأولى: أهم شيوخ أبي الوليد الباجي بالأندلس
أما من شيوخه المشارقة فنقتصر على الآتي: - أبو ذر عبد بن أحمد الهروي المتوفى سنة 434 هـ. - أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة 476 هـ. - أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري المتوفى سنة 450 هـ. - أبو عبد الله الحسين بن علي الصَّيْمَرِيُّ المتوفى سنة 436 هـ. - أبو عبد الله محمد بن علي الدَّامغاني المتوفى سنة 478 هـ. - أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن عمروس المتوفى سنة 452 هـ. - أبو عبد الله محمد بن علي الصوري المتوفى سنة 441 هـ. - أبو جعفر محمد بن أحمد السِّمْنَانيُّ المتوفى سنة 444 هـ. الفقرة الأولى: أهم شيوخ أبي الوليد الباجي بالأندلس: من شيوخ أبي الوليد الباجي الذين كان لهم الفضل في تكوينه علميًا وتربويًا بالأندلس: * خاله أبو شاكر ابن القبري المتوفى سنة 456 هـ: هو أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب التجيبي المعروف بابن القبري القرطبي. ولد سنة 377 هـ وسمع من أبيه ومن أبي محمد الأصيلي وأبي حفص بن نابل وأبي عمر بن الحباب، وتفرد في وقته بالإجازة من الفقيه أبي محمد بن أبي زيد، وله إجازة أيضًا من أبي الحسن القابسي. أخذ عنه ابن أخته أبو الوليد الباجي علومًا متنوعة وعنه أبو علي الجياني، وأصبغ بن سهل، وغيرهم. وقد كان أبو شاكر عالمًا بالحديث والفقه والنظر والجدل والكلام على مذهب أهل السنة، عالمًا بالعربية، خطيبًا مفوهًا حاذقًا، وله شعر رائق (¬1). ¬
ولما انتشرت الفتنة في قرطبة، خرج منها إلى (الشاطبة) (¬1) وتولى فيها القضاء ورفع المظالم، وبـ (بلنسية) (¬2) تولى الخطبة والصلاة. وبقي على هذه الحال حتى توفي بشاطبة سنة 456 هـ ودفن بمدينة بلنسية (¬3). * أبو الوليد ابن الصفار المتوفى 429 هـ: هو أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث المعروف بابن الصفار القرطبي. ولد سنة 338 هـ ونشأ في طلب العلم، سمع من ابن ثابت وزكريا بن بطال وابن أبي زمنين، وابن أبي العرب وغيرهم. كان ابن الصفار متفننًا في علوم شتى، برع في الحديث ومروياته فكان شيخ الأندلس أعلاهم سندًا وأوسعهم جمعًا للحديث، وكان رجلًا صالحًا يميل إلى العبادة والنسك، متقدمًا بين الفقهاء ومقدمًا في علم اللسان والأدب. تولى في دولة بني عامر قضاء الجماعة بقرطبة، فكان خاتمة قضاء بني أمية ¬
في الفتنة، كما تولى الصلاة والخطبة والتدريس بجامع قرطبة وفيه أخذ عنه القاضي أبو الوليد الباجي، وقال عنه: (مشهور بالعلم). من مؤلفاته: كتاب الموعب في تفسير الموطأ، وجمع مسائل بين ندب، وأكثر مؤلفاته في أخبار الزهاد وأرباب الرقائق. توفي سنة 429 هـ عن إحدى وتسعين سنة (¬1). * أبو محمد مكي بن أبي طالب المتوفى سنة 437 هـ: هو أبو محمد مكي بن أبي طالب حمُّوش (¬2) بن محمد بن مختار القيسي ولد بالقيروان (¬3) سنة 355 هـ، وبها أخذ عن أبي محمد بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي، وأبي عبد الله الفراء اللغوي. ثم توجه صوب مصر سنة 377 هـ فلقي أبا الطيب عبد المنعم بن عبيدة بن غَلْبُون الحلبي وولده طاهرًا فأخذ عنه علم القراءات، وأخذ عن ابن عدي عبد العزيز قراءة ورش، وسمع من أبي بكر محمد بن علي الأدْفَوي، ثم رجع إلى القيروان سنة 382 هـ وبقي بها إلى سنة 387 هـ. ¬
وفي تلك السنة سافر إلى الحجاز وبقي بمكة أربعة أعوام وحج فيها أربع حجج متتالية وفيها سمع من أبي القاسم عبيد الله السقطي، وأحمد بن فراس، وأبي الحسن المُطَّوَّعِيِّ وغيرهم، ثم انصرف إلى القيروان سنة 392 هـ. وفي سنة 393 هـ سافر إلى الأندلس ودخل قرطبة أيام المظفر بن أبي عامر، وقد تنبه لمكانته القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن ذكوان فأجلسه في المسجد الجامع لنشر علمه بين الناس، ومن ذلك المسجد أخذ عنه أبو الوليد الباجي. كان أبو محمد من أوعية العلم لم يدع علمًا إلا تبحَّر فيه، فكان إمامًا علامة محققًا عارفًا حافظًا لكثير من العلوم مع الدين والسكينة والفهم. له مؤلفات عديدة منها: الإبانة عن معاني القراءات (¬1)، التبصرة في القراءات السبع (¬2)، الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة (¬3)، الكشف عن وجوه القراءات السبع (¬4) وغيرها. توفي في ثاني محرم سنة 437 هـ (¬5). ¬
الفقرة الثانية: أهم شيوخ الباجي بالمشرق
* أبو بكر الرحوي المتوفى سنة 420 هـ: هو أبو بكر خَلَف بن أحمد بن خلف الأنصاري يعرف بالرحوي الطليطلي الأندلسي. سافر إلى المشرق وروى عن: أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان، وحدث عنه بكتبه، سمع منه أبو الوليد الباجي وحدث عنه أبو مطرف بن سلمة وأبو القاسم الطرابلسي، وأبو جعفر بن مغيث، وتفقه به الطليطليون. كان فقيهًا عالمًا، عارفًا بالأحكام والمسائل، ورعًا فاضلًا كثير الصدقة والصوم، دعي إلى قضاء طليطلة فأبى وامتنع. توفي سنة 420 هـ (¬1). *** الفقرة الثانية: أهم شيوخ الباجي بالمشرق: من أهم شيوخ أبي الوليد الباجي الذين كان لهم الفضل في تكونه علميًا وتربويًا بالمشرق: * أبو ذر الهروي المتوفى سنة 434 هـ: هو أبو ذر عبد (¬2) بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غُفير (¬3) بن محمد الأنصاري الخراساني الهَرَوِيُّ (¬4) المالكيُّ، يعرف ببلده بابن السَّمَّاك. ¬
أخذ العلم عن كبار علماء الإسلام في مختلف الأقطار والأمصار، ففي هراة أخذ عن أبي الفضل محمد بن عبد الله خَمَيْرُويه، وبشير بن محمد المزني وغيرهم وفي البصرة أخذ عن أبي بكر هلال بن محمد بن محمد، وشَيْبَان بن محمد الضُّبَيْعِيُّ وغيرهما، وفي بغداد أخذ عن أبي الحسن الدارقطني وأبي بكر الباقلاني وأبي بكر بن فورك وطنهم، وفي دمشق أخذ عن عبد الوهاب الكلابي وغيره، وفي مصر عن أبي مسلم الكاتب وطبقته، وفي سَرْخَس عن زاهر بن أحمد الفقيه وفي بَلْخ عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيِّ، وفي مكة أخذ عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الدَّيْنوَريِّ. ثم استقر بمكة مجاورًا للحرم وتزوج من العرب، وصار شيخ الحرم في عصره بلا منازع وإمامًا حافظًا ثقة ثبتًا ديِّنًا ضابطًا متقنًا، واسع الرواية سمع منه كثير من العلماء وخاصة المغاربة منهم. وكان أبو ذر على مذهب مالك، أخذ المذهب والكلام على رأي الأشعري (¬1) عن الباقلاني، وبمكة لازمه أبو الوليد الباجي وقام بخدمته، وسافر معه لأهله بسروات بني شبابة، ودرس عنه فقه مالك وسمع منه الحديث حيث روى عنه صحيح البخاري بإسناده. له مؤلفات نافعة عديدة منها: (دلائل النبوة) و (مسانيد الموطأ) و (مستدرك على الصحيحين) و (السنة) و (المناسك) وغيرها. ¬
توفي أبو ذر الهروي بمكة سنة 434 هـ (¬1). * أبو إسحاق الشيرازي (المتوفى سنة 476 هـ): هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله الملقب بجمال الدين الشيرازي. ولد بفيروزآباد (¬2) سنة 373 هـ، ونشأ بها وانتقل إلى شيراز (¬3) وتفقه على: أبي عبد الله البيضاوي، وعبد الوهاب بن رامين بشيراز، وأخذ بالبصرة عن الخَرزي، وانتقل بعدها إلى بغداد سنة 415 هـ، ولازم أبا الطيب الطبري واشتهر به، وصار من أصحابه المقربين، وكان يعيد درسه ويخلفه في مجلسه، وسمع الحديث من أبي بكر البرقاني، وأبي علي بن شاذان وغيرهما، وقرأ الأصول على أبي حاتم القزويني وغيره. ومازال في الاجتهاد والكد والطلب حتى ذاع صيته في البلدان وصار أنظر أهل زمانه. ¬
وكان أبو إسحاق الشيرازي عالمًا فقيهًا، أصوليًا متكلمًا، زاهدًا ورعًا تقيًا صالحًا، تولى التدريس بمسجد بغداد، وحدث عنه خلق كثير منهم. أبو الوليد الباجي وانتفع به كثيرًا. وللشيرازي مؤلفات علمية قيمة عديدة منها: (المهذَّب في فقه الإمام الشافعي) (¬1) و (شرح اللمع) (¬2) و (التبصرة) (¬3) في أصول الفقه، و (المعونة في الجدل) (¬4) و (طبقات الفقهاء) (¬5) وغيرها من الكتب النافعة. وفي سنة 459 هـ انتقل إلى المدرسة النظامية، وبقي ينشر العلم ويوجِّه الطلاب حتى توفي سنة 476 هـ (¬6). ¬
* أبو الطيب الطبري (المتوفى سنة 450 هـ): هو أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي. ولد سنة 348 هـ بآمل عاصمة طَبَرِستَان (¬1). أخذ العلم من علماء بلده، فسمع بجرجان من: أبي أحمد الغِطْريف، وانتقل إلى نيسابور وتفقه عن أبي الحسن الماسَرْجِي، ومنها إلى بغداد وأخذ عن الدارقطني، وموسى بن عرفة، وعلي بن عمر السُّكَّري، والمعافي الجريري. ولا يزال يدأب في الطلب ويكد ويجتهد حتى انتشر صيته فملأ اسمه الأقطار، واستوطن بغداد وبها أخذ عنه أبو إسحاق الشيرازي، وأبو الوليد الباجي والخطيب البغدادي وغيرهم. كان أبو الطيب عالمًا متبحرًا، عارفًا بالأصول والفروع، متمكَنًا من علوم الوسائل والمقاصد، دينًا ورعًا ومحققًا من كبار أئمة المذهب الشافعي في عصره، ولي قضاء بربع الكَرْخ بعد وفاة القاضي الصَّيْمَري. له شرح على مختصر المزني ومؤلفات في الأصول والجدل والخلاف، توفي سنة 450 هـ (¬2). ¬
* أبو عبد الله الصَّيْمَرِيُّ (المتوفى سنة 436 هـ): هو أبو عبد الله، الحسين بن عليّ بن محمد بن جعفر القاضي الصَّيْمَرِىُّ (¬1). ولد سنة 351 هـ، وسكن بغداد، وتلقى العلم من علماء عصره منهم: هلال بن محمد، وأبو بكر محمد بن أحمد الجرجرائي المفيد، وأبو حفص عمر بن أحمد المعروف بان شاهين، وأبو زكريا يحيى إسماعيل الحربي وأبي الحسن الدارقطني وطبقتهم. كان الصيمري وافر العقل، جيد النظر حسن العبادة، إليه انتهت رئاسة الأحناف في الفقه والحديث، وقد أخذ عنه الدامغاني والخطيب البغدادي وأبو الوليد الباجي وآخرون. ولي قضاء المدائن في أول الأمر، ثم ولي القضاء بربع الكرخ، واستمر على هذه الحال حتى توفي سنة 436 هـ (¬2). * أبو عبد الله الدَّامَعَانيُّ (المتوفى سنة 478 هـ): هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن حسن بن عبد الوهاب بن حسويه الدامغانيُّ. ¬
ولد بالدامغان (¬1) سنة 398 هـ، تفقه ببلده على أبي صالح الفقيه، ثم انتقل إلى نيسابور (¬2) وصحب فيها أبا العلاء صاعد بن محمد ثم ورد بغداد فأخذ عن أبي الحسين أحمد بن محمد الدوري البغدادي الحنفي، وسمع من أبي عبد الله الصيمري ومحمد بن علي الصوري وطبقتهم. قضى أبو عبد الله الدامغاني عمره مواظبًا على طلب العلم حتى أصبح من الأئمة الأعلام في المذهب الحنفي ومفتي العراق، وأحد حذاق المناظرين من أقران الشيخ إسحاق الشيرازي. وكان ذا جلالة وحشمة، حسن المعاني في الدين والعلم. درس عليه أبو الوليد الباجي ببغداد، وحدث عنه عبد الوهاب الأنماطي، وعلي بن طِرَاد الزَّيْنَبي، والحسن المَقْدِسي وغيرهم. ولي القضاء بعد أبي عبد الله بن ماكولا سنة 4447 هـ، وله خمسون سنة، وفي أولاده أئمة وقضاة. وفي رجب سنة 478 هـ توفي أبو عبد الله وصلى عليه ابنه القاضي أبو الحسن (¬3). ¬
* أبو عبد الله الصُّورريُّ (المتوفى سنة 441 هـ). هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن رحيم (¬1) الشاميُّ الساحليُّ الصوريُّ (¬2). ولد سنة 376 هـ، وسمع عن محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، وأبو عبد الله بن أبي كامل الأَطْرَابُلُسي، وعبد الغني بن سعيد المصري، وغيرهم، ثم قدم بغداد وسمع من أبي الحسن بن مَخْلَد، وأحمد بن طلحة المُنَقِّي، وأبي علي بن شاذان وغيرهم. حدث عنه أبو عبد الله الدامغاني، وأبو الوليد الباجي، ولازمه ثلاثة أعوام وانتفع به كثيرًا، وحدت عنه آخرون. كان أبو عبد الله الصوري عالمًا بارزًا، عالمًا متفننًا يعرف من كلِّ علم، حافظًا محدثًا قال عنه الخطيب: (وكان من أحرص الناس على الحديث وأكثرهم كَتْبًا له، وأحسهم معرفة به، لم يَقْدم علينا من الغرباء الذين لقيتهم أفهم منه بعلم الحديث) (¬3)، ومع ذلك كان يتجنب الخوض في الفتوى كما صرح بذلك الباجي (¬4). له تآليف كثيرة ومتنوعة (¬5). ¬
وشعر رائق (¬1)، توفي ببغداد سنة 441 هـ (¬2). * أبو الفضل بن عمروس (المتوفى سنة 452 هـ): هو أبو الفضل محمد بن عبد الله (¬3) بن أحمد بن محمد بن عمروس البزار البغدادي. ولد في رجب سنة 372 هـ، ودرس على القاضي أبي الحسن بن القصار، والقاضي عبد الوهاب بن نصر، وحمل عنهما كتهما، وحمل كتب أبي محمد ابن أبي زيد عنه إجازة، وسمع من أبي القاسم بن جباية وأبي طاهر المخلص وأبي القاسم الصيدلاني وابن شاهين وكتب عنه. وحدث عنه أبو بكر الخطيب وأبي الوليد الباجي وقال: فقيه صالح. كان ابن عمروس فقيهًا أصوليًا، ثقة ديِّنًا، انتهت إليه الفتوى في الفقه بمذهب مالك ببغداد. ¬
له مقدمة حسنة في أصول الفقه وتعليق جيِّد في الخلاف توفي في أول محرم من سنة 452 هـ (¬1). * أبو جعفر السِّمْنَانيُّ (المتوفى سنة 444 هـ): هو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمود السمناني القاضي ولد سنة 361 هـ بسمنان (¬2) ونسب إليها. سمع السمناني من: نصر المَرْجي، وعلي بن عمر الحربي، وأبي الحسن الدارقطني وطبقتهم. ولازم ابنَ الباقلاني حتى تمكَّن من علم الكلام وبرع فيه. وأخذ عنه الخطيب البغدادي وأبو الوليد الباجي وغيرهما. وكان السمنانيُّ فقيهًا على مذهب أبي حنيفة، متكلمًا على مذهب الأشعري، أصوليًا نظارًا، سكن بغداد، وولي القضاء بالموصل وبها أخذ الباجي عنه العقليات والأصول وتأثر به كثيرًا ومدحه بقصائد (¬3). له مؤلفات في الفقه والأصول. توفي سنة 444 هـ (¬4). ¬
الفرع الثاني أقران أبي الوليد الباجي وتلاميذه
الفرع الثاني أقران أبي الوليد الباجي وتلاميذه سنتناول بإيجاز طائفة من أقران الباجي من أهل العلم الذين كانوا يتنافسون معه في البحث والتحصيل والتأليف والمناظرة في الفقرة الأولى، ونخصص الفقرة الثانية لأهم تلاميذه الذين تأثروا به ونشروا علمه. الفقرة الأولى: أقران أبي الوليد الباجي: سنتعرض إلى بعض معاصري أبي الوليد الباجي من أقطاب العلم ونجوم المعرفة بالأندلس والمشرق، ونكتفي بترجمة موجزة لابن حزم الظاهري وابن عبد البر من الأندلسيين، وأبي بكر الخطيب البغدادي من المشارقة. * أبو محمد ابن حزم الظاهري (المتوفى سنة: 456 هـ): هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب الفارسيُّ الأصل الأندلسي. ولد أبو محمد بقرطبة سنة 384 هـ، ونشأ تنشئة صالحة تحت رعاية والده الذي كان وزيرًا للمنصور بن أبي عامر، فنال حظه - وهو صغير - من العلم والمعرفة فدرس الأدب نظمًا ونثرًا، وتلقى العلوم على أكابر العلماء بقرطبة منهم: يحيى بن مسعود، وصاحب قاسم بن اصبغ، ويونس بن عبد الله بن مغيث وغيرهم ولم تكن له رحلة إلى المشرق بل أخذ علومه من الأندلس. تفقه ابن حزم على المذهب الشافعي وانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان ابن حزم قمة في علوم الإسلام، يجيد النقل ومتبحِّر فيه، ويحسن النظم والنثر وينهض بعلوم جمة، فكان فقيهًا مفسرًا، محدثًا أصوليًا، متكلمًا منطقيًا طبيبًا أديبًا، شاعرًا مؤرخًا، عاملًا بعلمه زاهدًا في الدنيا.
ورغم بروزه العلمي وتفوقه، فقد كان شديد النقد للعلماء والتشنيع بالأئمة وكان لسانه في نقدهم حادًّا قويًّا حتى قيل: (إن لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقان). وعند عودة أبي الوليد الباجي إلى الأندلس انتدبه العلماء لمناظرة ابن حزم في ظاهريات أشاعها بالأندلس وحماها بقوة البيان وحدة اللسان، وجرت بينهما مجالس بميورقة سنة 439 هـ ومناظرات دوَّن الباجي بعضها في كتابه (فرق الفقهاء) (¬1). ولابن حزم مؤلفات علمية عديدة نافعة وقيمة في مختلف العلوم والفنون منها: (الإحكام لأصول الأحكام) (¬2) (المحلى في شرح المحلى بالحجج والآثار) (¬3) (الفصل في الملل والنحل) (¬4) (مراتب الإجماع) (¬5) (جمهرة أنساب العرب) (¬6) (رسالة في الطب النبوي) وغيرها من المصنفات. توفي ابن حزم سنة 456 هـ (¬7). ¬
* ابن عبد البرِّ النَّمَرِيُّ (المتوفى سنة: 463 هـ): هو أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمريُّ الأندلسي. ولد ابن عبد البر بقرطبة سنة 368 هـ، وتلقى العلم من كبار علماء عصره في مختلف مدن الأندلس، سمع من سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الوهراني، وأحمد بن قاسم البراز وغيرهم من فحول العلماء. وما زال ابن عبد البر في طلب العلوم يجتهد حتى صار شيخ علماء الأندلس وكبير محدثيها في وقته وأحفظ من كان فيها للسنة. هكذا فاق من تقدمه وانتشر صيته في البلدان ورحل إليه من كل مكان. قال الباجي: (لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب) (¬1). حدث عنه: أبو محمد بن حزم، وأبو العباس بن دِلْهاث الدِّلالي، والحافظ أبو علي الغساني وغيرهم، وعند عودة أبي الوليد الباجي من المشرق روى كل واحد منهما عن الآخر (¬2). ولابن عبد البر آثار علمية نافعة منها: ¬
(التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) (¬1) و (جامع بيان العلم وفضله) (¬2) و (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) (¬3) و (الدُّرر في اختصارُ المغازي والسير) (¬4). هكذا بقي في التدريس والتأليف والتدوين حتى توفي بشاطبة سنة 463 هـ بعد أن طال عمره وعلا سنده (¬5). * أبو بكر الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463 هـ): هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي. ولد سنة 392 هـ ونشأ في بيئة دينية صالحة في قرية درزيجان بالعراق، وبدأ رحلته العلمية وهو صغير السن فسمع وهو ابن عشر سنة ورحل إلى البصرة. ثم إلى نيسابور ثم إلى الشام فمكَّة وغيرها من البلدان. فتلقى العلم من فحول علماء عصره منهم: أبو الطيب الطبري وأبو إسحاق الشيرازي وأبو الحسين. ¬
المحاملي وأبو نصر بن الصباغ وأبو عبد الله الصوري وأبو جعفر السمناني وغيرهم. واستمر أبو بكر الخطيب في الطلب حتى عظم زاده فجمع المجد العلمي وبلغ ذروة السمو الفكري فكان متفوقًا في الحديث وعلومه حفظًا وإتقانًا وضبطًا، فضلًا عن كونه فقيهًا محققًا، ومؤرخًا ثقة وأديبًا بارعًا. قال عنه الذهبي: (كتب الكثير، وتقدم في هذا الشأن، وبَذَّ الأقران، وجمع وصنف وصحح، وعلَّل وجرَّح، وعدَّل وأرخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق) (¬1). وقد لقي أبو الوليد الباجي أبا بكر الخطيب وروى كل منهما عن صاحبه وللخطيب البغدادي ثروة من المؤلفات تدل على غزارة علمه وتفوقه منها: (الكفاية في علم الرواية) (¬2) و (الفقيه والمتفقه) (¬3) و (اقتضاء العلم العمل) (¬4) و (تاريخ بغداد) (¬5) وغيرها من التصانيف النافعة. توفي ببغداد سنة 463 هـ (¬6). *** ¬
الفقرة الثانية: تلاميذ أبي الوليد الباجي
الفقرة الثانية: تلاميذ أبي الوليد الباجي: كانت الحلقات التي يلقيها أبو الوليد الباجي تستوعب عددًا كبيرًا من طلاب العلم فهي من أكبر حلقات الاستماع في الأندلس فضلًا عن تنقلات الباجي المتعددة عبر حواضر الأندلس وبين الأمصار، سهلت للعديد من الطلاب الذين لم تسمح لهم ظروف التنقل من الأخذ والرواية عنه من التحديث والمذاكرة. ولا يسعنا في هذه الفقرة إلا الإشارة - صورة موجزة - إلى أهم تلاميذه الذين تفقهوا بمصاحبته وانتفعوا بعلمه وتأثروا به. فمن هؤلاء: * ابنه أبو القاسم أحمد بن سليمان بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي (المتوفى سنة 493 هـ) (¬1). * أبو علي الحسين بن أحمد الغساني (¬2)، (¬3) الجياني (¬4) الأندلسي: ولد سنة 427 هـ وكانت دراسته على شيوخ الأندلس، فأخد عن أبي الوليد الباجي وابن عبد البر وابن الحذاء وأبي عبد الله بن عتاب. ¬
وعنه حدث القاضي عياض وأجازه، وأبو عبد الله بن فرحون، وأبو الحسن بن هذيل وغيرهم. كان الجياني بارعًا في الحديث حتى صار إمام عصره إتقانًا وضبطًا، وكان له معرفة باللغة والإعراب والشعر والأنساب. فمن مؤلفاته: (وتقييد المهمل وتمييز المشكل) وهو كتاب ما ائتلف خطه واختلف لفظه من أسماء رجال الصحيحين، وكتاب في أسماء رجال سنن أبي داود وكتاب في أسماء رجال سنن النسائي وغيرها من التصانيف. توفي الغساني سنة 498 هـ) (¬1). * أبو علي حسين بن محمد بن فيَّرة بن سكرة الصَّدَفي (¬2) السرقسطيُّ (¬3)، المعروف بابن سكرة: ولد سنة 452 هـ وأخذ عن أبي الوليد الباجي بسرقسطة وأبي محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل، وأخذ عن شيخ المحدثين ببلنسية أبي العباس العذري، وبالمَرِيَّة من أبي عبد الله محمد بن سعدون القروي، وله رحلة إلى المشرق. أخذ العلم من كبار مشايخ مكة وبغداد ومصر وغيرها. ¬
كان أبو علي الصدفي أحد العلماء البارزين في زمانه، برع في الحديث وطرقه ورجاله تعديلًا وتجريحًا وكان حافظًا ضابطًا متواضعًا زاهدًا ورعًا. ولي القضاء بمرسية مكرهًا فترة ثم أعفي منه بعد اختفائه، وجلس للتعليم ونشره ومن تلاميذه الذين رووا عنه: القاضي عياض، وابن صابر، والقاضي محمد بن يحيى الزكوي وغيرهم، خلف أبو علي كتبًا نفيسة، وفي ملحمة قُتَنْدَة (¬1) استشهد سنة 514 هـ) (¬2). * أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب القرشي الفهري الطرطوشي (¬3) يعرف في وقته بابن أبي رَنْدَقة (¬4): ولد بطرطوشة سنة 451 هـ، وبها درس الفرائض والحساب، ثم انتقل إلى إشبيلية فأخذ عن ابن حزم الأدب، وفي سرقسطة تفقه على يد أبي الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وسمع منه وأجاز له. رحل إلى المشرق وبدأ بالحجاز ثم العراق فالشام فمصر ونزل بالإسكدرية وأُخرج منها والتزم الفسطاط مضطهدًا من الحكام. ¬
كان الطرطوشِي عالمًا بالفقه ومسائل الخلاف والأصول والفرائض والأدب، فضلًا عن كونه عاملًا زاهدًا ورعاَّ ديّنًا. وقد أخذ عنه، أبو الطاهر إسماعيل، وأبو بكر بن العربي، وعبد الرحمن الأصيلي والقاضي عياض وغيرهم. له مؤلفات قيمة منها: (سراج الملوك) (¬1). (الحوادث والبدع) (¬2) و (بر الوالدين) (¬3) تعليقه في مسائل الخلاف وأصول الفقه. توفي بالإسكندرية سنة 520 هـ (¬4). * أبو بكر محمد بن حيدرة بن مُفَوَّز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي: ولد سنة 463 هـ، وسمع من عمه طاهر بن مفوَّز، وأبي مروان بن السارج، وأبي علي الجياني وخلفه في حلقته، وأجاز له الشيخ أبو عمرو الحذَّاء والقاضي أبو الوليد الباجي. ¬
كان إمامًا عالمًا بالرجال والعلل حافظًا للحديث، فضلًا عن كونه أديبًا شاعرًا فصيحًا ونبيلًا له رد على ابن حزم، توفي سنة 505 هـ (¬1). * أبو بكر عبد الله بن محمد اليابريُّ الإشبيلي: روى عن أبي الوليد الباجي، وأبو بكر بن أيوب، وأبو الحزم بن عليم، وابن مزاحم وغيرهم، ورحل للشرق فروى عن أبي بكر محمد بن زيدون. وأخذ عنه أبو المظفر الشيباني، وأبو محمد العثماني وأبو الحجاج يوسف بن محمد القيرواني، وقرأ عليه الزمخشري بمكة (كتاب سيبويه). كان إمامًا فقيهًا أصوليًا مفسرًا لغويًا متكلمًا نحويًا، له مؤلفات في الأصول والفقه منها: (شرح صدر رسالة أبي زيد، والمدخل)، و (سيف الإسلام على مذهب مالك الإمام) وردٌّ على ابن حزم. استوطن مصر مدة وحجَّ ومات بمكة سنة 518 هـ (¬2). * أبو جعفر أحمد بن عليّ بن غزلون الأموي التطيلي (¬3) الأندلسي: روى عن أبي الوليد الباجي وهو معدود من كبار أصحابه. قال عنه ¬
ابن بشكوال: (كان من أهل الحفظ والمعرفة والذكاء، وقد أخذ عنه أصحابنا، توفي بالعدوة في نحو 520 هـ) (¬1). * أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن فُتُوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي الحميدي الأندلسي: ولد سنة 420 هـ، وصاحب ابن حزم وتتلمذ عليه وعلى ابن عبد البر، وأبي الوليد الباجي ثم انتقل سنة 448 هـ إلى المشرق واستوطن بغداد. وأخذ عنه الحافظ أبو عامر العَبْدَري، ومحمد بن طَرْخان التركي، وصدِّيق بن عثمان التبريزي وغيرهم. كان الحميدي إمامًا قدوة حافظًا محدثًا فقيهًا مؤرخًا، فصيح العبارة، متبحرًا في علم اللغة والأدب، فضلًا عن نزاهته وورعه. صنَّف عدة كتب منها: كتب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، و (جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس) (¬2) و (جُمل تايخ الإسلام) و (الذهب المسبوك في وعظ الملوك) وغيرها، وله شعر رصين في المواعظ والأمثال. توفي سنة 488 هـ وصلى عليه أبو بكر الشاشي (¬3). ¬
* أبو القاسم خلف بن سليمان بن خلف بن محمد بن فتحون الأُورِيُوليُّ (¬1) الأندلسي: روى عن أبيه وأبي الوليد الباجي وأبي الحسن طاهر بن مُفَوَّز وغيرهم. برع في الفقه وكان أديبًا وشاعرًا فاضلًا ديِّنًا. ولي قضاء (شاطبة) و (دانية) له كتاب في الشروط. وتوفي سنة 505 هـ (¬2). * أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن جماح الكتامي السبتي (¬3): رحل إلى المشرق وحج سنة 450 هـ، وكان من أهل الحفظ والمعرفة بالفقه وعلم التوحيد والاعتقاد، وكان أبو الوليد الباجي يستخلفه على تدريس، أصحابه عند السفر. توفي سنة 470 هـ (¬4). * أبو القاسم أحمد بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن أبي ليلى المرسي (¬5) الأندلسي: ولد سنة 449 هـ، وروى عن أبي العباس العذري، وأبي الوليد الباجي، وأبي الوليد هشام بن أحمد بن وضاح المرسي وغيرهم. كان ابن أبي ليلى بصيرًا بالفتوى والأحكام وله دراية بعقد الشروط، ولي ¬
قضاء (شِلْب) (¬1) وتوفي - وهو يؤدي مهامه القضائية - فجأة سنة 514 هـ (¬2). * أبو محمد عبد الله بن محمد بن دري التجيبي المعروف بالرِكْلِي (¬3) الأندلسي: روى عن أبي الوليد الباجي، وأبي مروان بن حيان، وأبي زيد عبد الرحمن بن سهل بن محمد وغيرهم. كان أديبًا حافظًا متزهدًا قديم الطلب قال ابن بشكوال: (سمع منه أصحابنا ووثقوه وتوفي سنة 503 هـ (¬4). * أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد الخُشني (¬5) المرسي، المعروف بابن أبي جعفر: ولد سنة 447 هـ وتفقه بقرطبة على أبي جعفر أحمد بن رِزق الفقيه، وسمع من أبي القاسم حاتم بن محمد وأبي الوليد الباجي وأبي عبد الله محمد بن سعدون القروي، وروى بطليطلة عن أبي المطرف عبد الرحمن بن محمد بن سلمة. ¬
سافر إلى المشرق، وأدى فريضة الحج وسمع صحيح مسلم من أبي عبد الله الحسين بن عليّ الطبري. كان ابن أبي جعفر فقيهًا مالكيًا مقدمًا في عصره، بصيرًا بالفتوى والأحكام حافظًا للحديث عارفًا بالتفسير ديِّنًا سخيًا معظَّمًا عند أهل بلده. توفي بمَرْسيَّة سنة 420 هـ (¬1). * أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي الخير بن علي الأنصاري السرقسطي: أخذ بقرطبة عن القاضي أبي الوليد الباجي واختص به، وعن القاضي أبي محمد بن فُورْتَش وعن أبي العباس العذري وغيرهم. كان ابن أبي الخير عالمًا بالأصول والفروع، بصيرًا بالقراءات وطرقها، جميل العشرة كامل المروءة، كثير البرِّ بإخوانه وأصحابه. أخذ عنه الحافظ أبو علي الغساني، والقاضي أبو عبد الله بن الحاج، وأبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وغيرهم. توفي سنة 518 هـ (¬2). * أبو بحر سفيان بن العاص بن أحمد بن العاص بن سفيان بن عسيِّ الأسدي المُرْبيْطَرِيُّ (¬3) الأندلسي: ولد سنة 440 هـ وروى عن ابن عبد البر، وأبي العباس بن دِلهاث، وأبي العباس العذري، وأبي الوليد الباجي، ومحمد بن سعدون وغيرهم. ¬
وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ، وأبو بكر بن الجد الفقيه، وعبد الحق العبدري، وابن بشكوال وقال: (كان من جلة العلماء وكبار الأدباء، ضابطًا لكتبه، صدوقًا في روايته، حسن الخط، جيد التقييد، من أهل الرواية والدراية، سمع الناس منه كثيرًا) (¬1). توفي سنة 520 هـ (¬2). * أبو بكر يحيى بن محمد بن دُرَيْد الأسدي، قاضي مدينة بَسْطَة من أعمال جيَّان (¬3): روى عن أبي الوليد الباجي، وكان من أهل المعرفة والتحقيق بالآداب واللغات، ديِّنًا فاضلًا، ومن جملة ما رواه عن أبي الوليد الباجي قراءة عليه كتاب الجامع الصحيح بسنده إلى الإمام البخاري (¬4). * أبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح مولى صاحب الأندلس المؤيد بالله هشام بن الحكم: ولد سنة 413 هـ، لازم أبا عمرو الداني، وأخذ عن أبي عمر بن عبد البر، وابن دِلهاث وأبي شاكر الخطيب، وأبي الوليد الباجي وغيرهم. وقد وصفه ابن بشكوال بقوله: (كان من أجلة المقربين وعلمائهم وفضلائهم ¬
وخيارهم، عالمًا بالقراءات وطُرقها، حسن الضبط لها، وكان دينًا فاضلًا ثقة فيما رواه) (¬1). له مؤلفات كثيرة نافعة منها: (البيان في علوم القرآن) و (التبيين لِهِجاء التنزيل) و (الصلاة الوسطى) و (الاعتماد) وغيرها. توفي سنة 496 هـ (¬2). هذا ولا يخفى أن الذين انتفعوا بعلمه واستفادوا بملازمته من تلاميذه الرواة الدارسين عليه أضعاف ما ذكرنا فما هذا إلا قليل من كثير وغيض من فيض بالمقارنة مع مجالسه العلمية العامرة في مختلف حواضر الأندلس. *** ¬
المبحث الثاني شخصية أبي الوليد الباجي ونشاطه العام
المبحث الثاني شخصية أبي الوليد الباجي ونشاطه العام ابتدأ أبو الوليد الباجي حياته الفكرية بالأدب فبرز في ميادينه، وانتهى تحصيله بعلوم الديانة، كما جعل خاتمة أمره ومنتهى طوافه السفارة السياسية الإصلاحية بين ملوك الطوائف جمعًا لكلمة المسلمين ولمًّا لشملهم وعليه نشرع في دراسة شخصية الباجي الأدبية في المطلب الأول ثم نتعرض إلى نشاطه العام ومساعيه السياسية الإصلاحية في المطلب الثاني. المطلب الأول شخصية أبي الوليد الباجي الأدبية بعد تعرضنا لمساعي أبي الوليد الباجي العلمية ومراحل طلبه للعلم الشرعي، فقد ارتأينا أن نَدَع مجالًا لدراسة شخصية الباجي كأديب شاعر وناثر في الفرع الأول ثم نتعرف على شهادات فحول العلماء المبيَّنة لمنزلته العلمية والأدبية في الفرع الثاني. الفرع الأول: شعر أبي الوليد الباجي ونثره: رغب أبو الوليد الباجي في الشعر والنثر وولع بهما، لذلك اهتم منذ نشأته بقراءة الأدب شعرًا ونثرًا وجعله أحد محاور عنايته، فحفظ دواوين الشعر، وجمع
روايته وفنونه، وساعده في ذلك الرعاية العائلية المحيطة به تحت إشراف خاله وشيخه أبي شاكر (¬1) أحد الخطباء والشعراء المشهورين بالأندلس فأحسن توجيهه وتعليمه ولا زال كذلك حتى ملك بناصية الشعر وبرع فيه واشتهر في الآفاق منذ شبابه، فكان لا يمر ببلد في رحلته المشرقية إلا ويجد الحديث في نظمه ونثره، حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره (¬2). قال ابن بسام: ( ... بدأ في الأدب فبرز في ميادينه، واستظهر أكثر دواوينه، وحمل لواء منثوره وموزونه، وجعل الشعر بضاعته فوصل له الأسبابَ بالأسباب، ونال به مأكل القُحَم الرغاب، حتى جُنَّ الإحسان بذكره وغنَّى الزمان بغرائب شعره، واستغنتْ مصرُ والقيروان بِخَبَرِهِ عن خُبْرِهِ ... فما حلَّ بلدًا إلا وجده ملآن بذكره، نشوانَ من قَهْوَتَيْ نظمه ونثره) (¬3). وشاعرية أبي الوليد الباجي متفق عليها عند علماء التراجم، فقد كان شاعرًا مطبوعًا جيد العبارة، حسن النظم، فشعره هادف يعمل على خدمة أغراض بناءة بمعان في عقود براقة مصروفة عن الإسفاف والهذر، وجملة أبياته وأشعاره تدل على ذوقه الأدبي ونبوغه الشعري، قال ابن خاقان: (وكان له نظم يوقفه على ذاته، ولا يصرفه في رفث القول وبذاذاته) (¬4). وقد جمع ابنه أبو القاسم أحمد شعر أبيه (¬5) ولم يصلنا منه سوى ما أوردته الكتب التي تناولت ترجمته، لذلك سنعرض بعض صور شعره الرصين في الفقرة الأولى ونثره الأدبي الرفيع في الفقرة الثانية. ¬
الفقرة الأولى: صور من شعر أبي الوليد الباجي
الفقرة الأولى: صور من شعر أبي الوليد الباجي: سنتناول نموذجًا من شعره الرصين في أغراض شعرية مختلفة التي تنبئ عن خياله الخصب وشاعريته الرقيقة ومعاناته القاسية وتجربته الحية. فمن ذلك قوله في الزهد: تَبَلَّغْ إِلَى الدُّنْيَا بِأَيْسَرِ زَادِ … فَإِنَّكَ عَنْهَا رَاحِلٌ لِمَعَادِ وغُضَّ عَنِ الدُّنْيَا وزُخْرُفِ أَهْلِهَا … جُفُونَكَ وَاكْحُلْهَا بِطُولِ سُهَادِ وجَاهِدْ عَنِ اللَّذَاتِ نَفْسَكَ جَاهِدًا … فَإِنَّ جِهَادَ النَّفْسِ خَيْرُ جِهَادِ فَمَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ إِقَامَةٍ … فَيُعْتَدَّ مِنْ أَغْرَاضِهَا بِعَتَادِ وَمَا هِيَ إِلَّا دَارُ لَهْوٍ وفِتْنَةٍ … وإِنَّ قُصَارَى أَهْلِهَا لِنَفَادِ (¬1) *** إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْمًا يَقِينًا (¬2) … بِأَنَّ جَمِيعَ حَيَاتِي كَسَاعَهْ فَلِمْ لَا أَكُونُ ضَنِينًا بِهَا … وَأَجْعَلُهَا (¬3) في صَلَاحٍ وطَاعَهْ (¬4) *** ¬
يَا قَلْبُ إِمَّا تُلْهِنِي كَاذِبًا … أَوْ صَادِفًا عَنِ الْهُدَى جَائِرَا تُشْغِلُنِي عَنْ عَمَلٍ نَافِعٍ … في مَوْقِفٍ أَلْقَاكَ لِي ضَائِرَا أَحْرِ بِأَنْ تُسْلِمَنِي نَادِمًا … إِنْ لَمْ أُلَاقِ اللهَ لِي عَاذِرَا وحَاقَ بِي مَا جَاءَ عَنْ رَبِّنَا … (ووَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَا (¬1)) (¬2) *** وقوله في معنى الحمد والشكر: الحَمْدُ للهِ ذِي الآلَاءِ والنِّعَمِ … ومُبْدِعِ السَّمْعِ والأَبْصَارِ والْكَلِمِ مَنْ يَحْمَدِ الله يَأْتِيهِ المَزِيدُ ومَنْ … يَكْفُرْ فَكَمْ نِعَمٍ آلَتْ إِلَى نِقَمِ (¬3) *** الْحَمْدُ للهِ حَمْدَ مُعْتَرِفٍ … بِأَنَّ نُعْمَاهُ لَيْسَ نُحْصِيهَا وأَنَّ مَا بِالعِبَادِ مِنْ نِعَمٍ … فَإِنَّ مَوْلَى الأَنَامِ مُولِيهِا وأَنَّ شُكْرِي لِبَعْضِ أَنْعُمِهِ … مِنْ خَيْرِ مَا نِعْمَةٍ يُوَالِيهَا (¬4) *** وقوله في قيام الليل: قَدْ أَفْلَحَ الْقَانِتُ في جُنْحِ الدُّجَى … يَتْلُو الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ النَّيِّرَا فَقَائِمًا ورَاكِعًا وسَاجِدًا … مُبْتَهِلًا مُسْتَعْبِرًا مُسْتَغْفِرَا لَهُ حَنِينٌ وشَهِيقٌ وبُكَا … يَبُلُّ مِنْ أَدْمُعِهِ تُرْبَ الثَّرَى إِنَّا لَسَفْرٌ نَبْتَغِي نَيْلَ المَدَى … فَفي السُّرَى بُغْيَتُنَا لَا في الْكَرَى مَنْ يَنْصَبِ اللَّيْلَ يَنَلْ رَاحَتَهُ … عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمَ السُّرَى (¬5) *** ¬
وقوله في معنى السفر: إِذَا كُنْتَ رَبِّي في طَرِيقِيَ صَاحِبَا … وتَخْلُفُنِي في الأَهْلِ مَا دُمْتُ غَائِبَا فَسَهِّلْ سَبِيلِي وازْوِ عَنِّيَ شَرَّهَا … وشَرَّ الَّذِي أَلْقَاهُ في الأَهْلِ آيِبَا (¬1) *** وقوله في معنى الغزل: أَسَرُّوا عَلَى اللَّيْلِ الْبَهِيمِ سُرَاهُمُ … فَنَمَّتْ عَلَيْهِمْ في الشَّمَالِ شَمَائِلُ مَتَى نَزَلُوا ثَاوِينَ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى … بَدَتْ لِلْهَوَى بِالمَأْزِمَيْنِ مَخَايِلُ فَلِلَّهِ مَا ضَمَّتْ مِنًى وشِعَابُهَا … ومَا ضُمِّنَتْ تِلْكَ الرُّبَى والمَنَازِلُ ولَمَّا الْتَقَيْنَا للْجِمَارِ وأُبْرِزَتْ … أَكُفٌّ لِتَقْبِيلِ الْحَصَى وأَنَامِلُ أَشَارَتْ إِلَيْنَا بِالْغَرَامِ مَحَاجِرٌ … وبَاحَتْ بِهِ مِنَّا جُسُومُ نَوَاحِلُ (¬2) *** وقوله في المدح: في مدح شيخه أبي جعفر السِّمناني: يَا بُعْدَ صَبْرِكَ أَتْهَمُوا أَمْ أَنْجَدُوا … هَيْهَاتَ مِنْكَ تَصَبُّرٌ وتَجَلُّدُ يَأْبَى سُلُوَّكَ بَارِقٌ مُتَأَلِّقٌ … وَشَمِيمُ عَرْفِ عَرَارَةٍ ومُغَرِّدُ في كُلِّ أُفْقٍ لِي عَلَاقَةُ خَوْلَةٍ … تَهْدِي الْهَوَى وبِكُلِّ أَرْضٍ تَهْمَدُ مَا طَالَ عَهْدِي بِالدِّيَارِ وإِنَّمَا … أَنْسى مَعَاهِدَهَا أَسًى وتَبَلُّدُ ولَقَدْ مَرَرْتُ عَلَى المَعَاهِدِ بَعْدَمَا … لَبِسَ الْبَدَاوَةَ رَسْمُهَا المُتَأَبِّدُ فَاسْتَنْجَدَتْ مَاءَ الدُّمُوعِ لِبَيْنِهِمْ … فَتَتَابَعَتْ حَتَّى تَوَارَى المُنْجِدُ طَفِقَتْ تُسَابِقُنِي إِلَى أَمَدِ الصَّبَا … تِلْكَ الرُّبَى ومَنَالُ شَأْوِي يَبْعُدُ لَوْ كُنْتُ أَنْبَأْتُ الدِّيَارَ صَبَابَتِي … رَقَّ (¬3) الصَّفَا بِفِنَائِهَا والجَلْمَدُ ¬
إلى أن يقول: هَذَا الشِّهَابُ المُسْتَضَاءُ بِنُورِهِ … عَلَمُ الْهُدَى هَذَا الإِمَامُ الأَوْحَدُ هَذَا الَّذِي قَمَعَ الضَّلَالَةَ بَعْدَمَا … كَانَتْ شَيَاطِينُ الضَّلَالِ تَمَرَّدُ (¬1) *** * وله في المُعْتَضد بالله عبادٍ وَالد المعتمد: عَبَّادٌ اسْتَعْبَدَ الْبَرَايَا … بِأَنْعُمٍ تَبْلُغُ (¬2) النَّعَائِمْ مَدِيحُهُ ضِمْنَ كُلِّ قَلْبٍ … حَتَّى تَغَنَّتْ بِهِ الحَمَائِمْ (¬3) *** * وله في معز الدولة أبي علوان بن أسد الدولة: لِرَيَّاهُمُ في عَرْفِ رَبْعِكَ عُنْوَانُ … ومِنْ حُسْنِهِمْ في حُسْنِ مَغْنَاكَ تِبْيَانُ وفيكَ مِنَ الْحَيِّ الَّذِينَ تَحَمَّلُوا … مَخَايِلُ أَغْصَانٍ تَمِيسُ وكُثْبَانُ وكَمْ لَيْلَةٍ فيهَا تَعَسَّفْتُ حَوْلَهَا … وكَالِئُهَا مِنِّي مُشِيحٌ ويَقْظَانُ سَرَيْنَا كَمَا يَسْرِي الْخَيَالُ وغُضِّضَتْ … عَلَى رَكْبِنَا مِنْ نَاظِرِ اللَّيْلِ أَجْفَانُ لَبِسْنَا بُرُودَ اللَّيْلِ حَتَّى تَشَقَّقَتْ … جُيُوبٌ تُضِيءُ بِالصَّبَاحِ وأَرْدَانُ حَوَيْتَ مُعِزَّ الدَّوْلَةِ المُلْكَ فَاعْتَرَى … بِذِكْرِكَ في الآفَاقِ مُلْكٌ وسُلْطَانُ فَلِلْمَجْدِ سِلْكٌ قَدْ أُجِيدَ نِظَامُهُ … وأَنْتَ لِذَاكَ السِّلْكِ دُرٌّ ومَرْجَانُ (¬4) *** ¬
الفقرة الثانية: صور من نثر أبي الوليد الباجي
وقوله في صفة قلم: وأَسْمَرُ يَنْطُقُ في مَشْيِهِ … ويَسْكُتُ مَهْمَا أَمَرَّ القَدَمْ عَلَى سَاحَةٍ لَيْلُهَا مُشْرِقٌ … مُنِيرٌ وأَبْيَضُهَا مُدْلَهِمُ وشَبَّهْتُهَا بِبَيَاضِ المَشِيبِ … يُخَالِطُ نُورَ سَوَادِ اللَّمَمْ (¬1) *** قوله في فساد الطبائع والأخلاق: مَضَى زَمَنُ المَكَارِمِ والْكِرَامِ … سَقَاهُ اللهُ مِنْ صَوْبِ الْغَمَامِ وَكَانَ الْبِرُّ فِعْلًا دُونَ قَوْلٍ … فَصَارَ الْبِرُّ نُطْقًا بِالكَلَامِ (¬2) *** وللباجي قصائد في الرثاء تعرضنا لها (¬3)، وفي أوصاف شتى أخرى. الفقرة الثانية: صور من نثر أبي الوليد الباجي: لأبي الوليد الباجي نثر أدبي رفيع يتجلى في مراسلاته ومناظراته ووصياه، وسنختار مجموعة من المقتطفات المأخوذة من رسالته في الرد على الراهب الفرنسي (¬4) أولًا، ومن وصيته إلى ولديه ثانيًا: ¬
أولا: مقتطفات من نثر أبي الوليد الباجي: من رسالته: (الرد على راهب فرنسا)
أولًا: مقتطفات من نثر أبي الوليد الباجي: من رسالته: (الرد على راهب فرنسا): منها قوله: ( ... وننذرك فيما لم يبلغك علمه، ولم يتحقق لديك حكمه، ونبالغ في الرفق بك، والتبيين لك، على منهج الخطب والرسائل، لا على طريق البراهين والدلائل، مساعدة لك على مذهبك في كتابك، وموافقة لك في مقصودك، فعسى أن يكون أقرب إلى استحالتك، وأبلغ في معارضتك ومعالجتك) ... ومنه: ( ... وأما من نظر في شيء من أبواب العلم، وأيد باعتبار فهم، فعلامات الحدوث أوضح، ودلائلها أصح، من أن تخفى أو تشكل، أو يمتري في أمرها من له من العلم أدنى محل). ومنه: ( ... وإن الله تعالى جعل الدنيا دار تكليف، وفتنة ومحنة، ليبلونا أينا أحسن عملًا، وجعل الآخرة دار ثواب وعقاب، ليثيب المؤمنين المحسنين، ويعذب الكافرين المشركين، وجعل من أسباب الفتنة إبليس اللمعين، وبعث النبيين يهدون إلى صراط مستقيم، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فهدى بالنبيين من شاء بفضله، وخذل بإبليس من شاء بعدله). ومنه: ( ... فاعتبر أيها الراهب ضعف ما أنت عليه، وفضل ما ندعوك إليه، فعسى أن يوفقك الله ويهديك، فتصير بعلم الله بكونك من جملتنا، وفيئتك إلى علتنا، فقد بلغنا من إرادتك للخير، ورغبتك فيه، وحرصك عليه، ما حرصنا به على إرشادك وهدايتك، ورجونا سرعة انقيادك وإثابتك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت). ومنه: (وإن أبيت إلا الاستكبار، والعتو والإصرار، والغلو والإلحاد والطغيان، والعناد والعصيان، فإنك لن تعجز ربك، ولن تنجو من ذنبك، وذنوب من اتبع وضل بك). ومنه أخيرًا: (والله نسأل أن يهديك، ويهدي بك من قبلك، فتفوز
ثانيا: مقتطفات من نثر أبي الوليد الباجي: من وصية لولديه
بأجورهم، وتكون سببًا إلى استنقاذهم، فأنت فيما بلغنا مطاع فيهم، والسلام على من اتبع الهدى). ثانيًا: مقتطفات من نثر أبي الوليد الباجي: من وصية لولديه (¬1): قال الباجي في وصيته القيمة لولديه عند بلوغهما سن الإدراك والفهم: ( ... والعلم سبيل لا يفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يقصر به عن درجة الرفعة والكرامة، قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع، كنز يزكو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق ولا يغصبه غاصب، ولا يخاف عليه سارق ولا محارب، فاجتهدا في طلبه، واستعذبا التعب في حفظه، والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته، وانظرا أي حالة من أحوال طبقات الناس تختاران، ومنزلة أي صنف منهم تؤثران، هل تريان أحدًا أرفع حالًا من العلماء، وأفضل منزلة من الفقهاء؟ يحتاج إليهم الرئيس والمرءوس، ويقتدي بهم الوضيع والنفيس، ويرجع إلى أقوالهم في أمور الدنيا وأحكامها، وصحة عقودها ومبايعاتها، وغير ذلك من تصرفاتها، وإليهم يلجأ في أمور الدين، وما يلزم من صلاة وزكاة وصيام، وحلال وحرام، ثم مع ذلك السلامة من التبعات، والحظوة عند جميع الطبقات. والعلم ولاية لا يعزل عنها صاحبها، ولا يعرى من جمالها لابسها، وكل ذي ولاية وإن جلت، أو حرمة وإن عظمت، إذ خرج عن ولايته، أو زال عن بلدته، أصبح من جاهه عاريًا، ومن حاله عاطلًا، غير صاحب العلم، فإن جاهه يصحبه حيث سار، ويتقدمه إلى جميع الآفاق والأقطار، ويبقى بعده في سائر الأعصار). ومنه قوله: ( ... ولا يرغب أحدكما في أن يكون أرفع الناس درجة، وأتمهم جاهًا وأعلاهم منزلة، فإن تلك الحال لا يسلم صاحبها، ودرجة لا يثبت ¬
الفرع الثاني: منزلة أبي الوليد الباجي بين علماء عصره
من احتلها، وأسلم الطبقات الطبقة المتوسطة، لا تهتضم من دعة، ولا ترمق من رفعة، ومن عيب الدرجة العليا أن صاحبها لا يرجو المزيد ولكنه يخاف النقص، والدرجة الوسطى يرجو الازدياد، وبينهما وبين المخاوف حجاب، فاجعلا بين أيديكما درجة يشتغل بها الحسود عنكما، ويرجوها الصديق لكما). الفرع الثاني: منزلة أبي الوليد الباجي بين علماء عصره: يعد أبو الوليد الباجي من أقطاب المعرفة، وفحول العلماء، وأعلام الصلاح والتقوى، فكان مثالًا جليًّا للحركة العلمية المزدهرة في عصره، وقد أجمع أهل عصره على جلال قدره علمًا وفطنة ودينًا وفضلًا وخلقًا. وقد رأينا بيانًا لرقي مرتبة الباجي وإظهارًا لسمو منزلته بين أهل العلم والفضل في القرن الخامس الهجري، الإدلاء بشهادات أطلقها أقرانه وتلاميذه. وفحول العلماء بالثناء على شخصيته العلمية. وتتمثل شهادات العلماء فيما يلي: - قول أبي محمد علي بن حزم الظاهري (¬1): (لم يكن لأصحاب المذهب المالكي بعد القاضي عبد الوهاب (¬2) مثل أبي الوليد الباجي (¬3). (¬4) ¬
- ما كتبه الوزير الأديب أبو محمد بن عبد البر (¬1) عن مجاهد العامري أمير (دانية) إلى المظفّر (بيطليوس) حيث يصفه بقوله: ( ... والفقيه الحافظ أبو الوليد الباجي غَذِيُّ نعمتِك، ونشأةُ دولتك، هو من آحاد عصره في علمه، وأفراد دهره في فهمه، وما حصل أحد من علماء الأندلس متفقهًا على مثل حَظِّه وقسمه، وقد تقدَّم له بالمشرق صيتٌ وذِكرٌ، وحصل بجزيرتنا ولك فيه جمالٌ وفخرٌ، فإنه إليك تنعطفُ أسبابه، وعليك تلتقي وتلتفُّ آرابه، لكن شددت عليه يدي، وجعلته عَلَمَ بلدي، يُشاوَرُ في الأحكام، ويهتدى إليه في الحلال والحرام، فقد ساهمتك به، وشاركتك فيه، كما تساهمنا وتشاركنا في الأحوال السلطانية، والأمور الدنياوية) (¬2). - ما جاء عن تلميذه القاضي أبي عليّ الصَّدفي (¬3) في حق شيخه: (ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدًا على سمته وهيئته، وتوقير مجلسه، ولما كنت ببغداد قَدِم ولده أبو القاسم أحمد، فسِرتُ معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس، فقال: لعله ابن الباجي؟ قلتُ: نعم. فأقبل عليه) (¬4). وقال: (هو أحد أئمة المسلمين) (¬5). ¬
- وقال عنه الأمير الحافظ أبو نصر بن ماكولا (¬1) ما يلي: (وذو الوَزارتين القاضي الإمام أبو الوليد سليمان بن خلف بن أيوب الباجي من باجة الأندلس، متكلم فقيه أديب شاعر، ... ورجع إلى الأندلس فروى، ودرس وألَّف، فقرأت عليه كتاب التمييز لمسلم عن أبي ذر الهروي، وحضرت مجالسه، وكان جليلًا، رفيع القدر والخطر) (¬2). - ما جاء عن أبي بكر بن العربي عند ذكره لقاصمة في حكاية سبب الخبال والفتنة التي انتشرت في ربوع الأندلس من جراء التقليد المطلق وما نتج عنه من جمود فكري وتعصب مذهبي، حيث يقول: ( ... وكان سبب ذلك أن الفتن لما ضربت رواقها، وتقاتلت العباسية والأموية، وبعدت أقطار الإسلام، وتعذر ضبطها بالنظام، وانتشرت الرعية، نفذ إلى هذه البلاد بعض الأموية ... فألزموا الناس العمل بمذهب مالك، والقراءة على رواية نافع، ولم يمكنهم من النظر والتخيير في مقتضى الأدلة ... واستمرت القرون على موت العلم وظهور الجهل، فكل من تخصص لم يقدر على أكثر من أن يتعلق ببدعة الظاهر ... ثم حدثت حوادث لم يلقوها في منصوص المالكية فنظروا ¬
فيها بغير علم فتاهوا، وجعل الخلف منهم يتبع السلف، حتى آلت الحال ألا ينظر إلى قول مالك، وكبراء أصحابه، ويقال: قد قال في هذه المسألة أهل قرطبة، وأهل طلمنكة ... وحدثت قاصمة أخرى تعلم العلم ... ولولا أن طائفة نفرت إلى دار العلم، وجاءت بلباب منه، كالأصيلي والباجي، فرشت من ماء العلم على القلوب المجة، وعطرت أنفاس الأمة الوفرة لكان الدين قد ذهب ... ولكن تدارك الباري بقدرته ضرر هؤلاء بنفع أولائك) (¬1). - ووصفه الفتح بن خاقان بقوله: (بدر العلوم اللائح، وقطرها الغادي الرائح، وثبيرها الذي لا يُزحم، ومنيرها الذي يتجلى به ليلها الأسحم، كان إمام الأندلس الذي تقتبس أنواره، وتنتجع أنجاده وأغواره) (¬2). - وفي وفيات الأعيان قال ابن خلكان: ( ... كان من علماء الأندلس وحفاظها) (¬3). - وقال الضَّبي: (فقيه محدث، إمام متقدم، مشهور عالم، متكلم) (¬4). - وجاء في ترتيب المدارك وصفًا لمكانة الباجي العلمية، حيث يقول القاضي عياض ما يلي: (كان أبو الوليد رحمه الله، فقيهًا نظَّارًا محققًا، راوية محدثًا، يفهم صيغة الحديث ورجاله، متكلمًا أصوليًا، فصيحًا شاعرًا مطبوعًا، حسن التأليف، متقن المعارف، له في هذه الأنواع تصانيف مشهورة جليلة، ولكن أبلغ ما كان فيها ¬
المطلب الثاني النشاط العام لأبي الوليد الباجي
الفقه وإتقانه، على طريق النظار من البغداديين وحذّاق القرويين، والقيام بالمعنى والتأويل، وكان وقورًا بهيًّا مهيبًا، جيِّد القريحة حسن الشارة) (¬1). - منها ما جاء عن الفقيه محمد بن أحمد اللخمي (¬2) في معرض تصويب رأي أبي الوليد الباجي في مسألة إجازته الكتابة على النبي الأمي حيث يقول في خطابه: (ولا يجوز أن يؤذى إمام من أئمة المسلمين، معروف خيره وفضله، وصحة مذهبه، وعلمه بالفقه والكلام) (¬3). المطلب الثاني النشاط العام لأبي الوليد الباجي بعد عودة أبي الوليد الباجي من رحلته المشرقية قام بعدَّة أنشطة علمية تمثلت في دروسه العامة وحلقاته التوجيهية الخاصة التي ألقاها في مختلف مدن وحواضر الأندلس من خلال تنقلاته المتكررة لنشر العلم وبث المعرفة، وقد تعرضنا لصور من هذه الأنشطة عند ذكر تلاميذ الباجي، وهاهنا نحاول التعرف على نشاطه العام وما جرى بينه وبين بعض أقرانه من مناظرات في الفرع الأول، وصلة الحكام به وتوليته للقضاء، والجهود التي استفرغها في سبيل توحيد كلمة ملوك الطوائف ولمِّ شملهم في الفرع الثاني. ¬
الفرع الأول: نشاط أبي الوليد الباجي العام ومناظراته العلمية
الفرع الأول: نشاط أبي الوليد الباجي العام ومناظراته العلمية: سنتعرض إلى الأعمال الصناعية واليدوية التي مارسها أبو الوليد الباجي ضمن أنشطته العامة في الفقرة الأولى ثم نتناول المناظرات العلمية التي أجراها بالأندلس بعد ذيوع صيته في الفقرة الثانية. الفقرة الأولى: نشاط أبي الوليد الباجي العام: بعد رحلة علمية دامت ثلاث عشرة سنة إلى المشرق، حنت نفس أبي الوليد الباجي للرجوع إلى الأندلس وأهلها، وكان عند دخوله إلى موطنه في حالة مالية ضيِّقة، اضطرته هذه الوضعية الخانقة إلى الكسب من عمل يده، حيث كان يتردد بين حواضر الجهة الشرقية من الأندلس (سرقسطة) و (بلنسية) و (دانية) مشتغلًا بضرب ودق الذهب للغزل والإنزال، وكان يخرج تارة لتلاميذه للقراءة وعليه أثر المطرقة وصدأ العمل (¬1)، ولذلك لُقِّب ب (الذهبي). كما أن هذه الحالة اضطرته أيضًا إلى الاشتغال بعقد الوثائق لتحصيل نفقة ما يسد حاجياته، وينهض بتحقيق متطلبات المعيشة، واستمر الوضع على هذه الحال مدة تربو عن سنتين، قضى فيها أيامه وهو يصارع الحياة بحيويَّة قوية ونشاط دؤوب يجمع فيها بين التعليم والعمل إلى أن انتشر علمه، وذاع صيته وعُرف جلاله وقدره، فانتدبه العلماء لمناظرة ابن حزم في ظاهرياته، كما جرت مناظرة أخرى بالأندلس مع بعض علماء عصره في مسألة إجازة الكتابة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النبي الأميّ. الفقرة الثانية: مناظرات أبي الوليد الباجي العلمية: سنقتصر على أهم مناظرات أبي الوليد الباجي بعد عودته من المشرق المتمثلة فيما يلي: ¬
أولا: مناظرة أبي الولد الباجي لابن حزم الظاهري
أولًا: مناظرة أبي الولد الباجي لابن حزم الظاهري: قدم أبو الوليد الباجي إلى موطنه بالأندلس وعنده زاد كافٍ في علم الجدل وآدابه وعلم الشريعة والأصول والعقليات، فضلًا عما كان يتمتع به من قدرات فكرية عالية تؤهله للدخول في مناظرات علمية تكشف للناس الحق وتساعدهم على فهم الحقيقة، وكان الباجي أثناء تنقلاته قد خاض العديد من المجادلات العلمية مع خصوم له سواء في (مرسية) مع أبي حفص عمر بن حسين الهوزني كبير فقهاء إشبيلية (¬1)، أو (بالدانية) أو (ميورقة) وغيرها من مدن الأندلس، فأقام عليهم الحجة، وأثبت البينة وعزَّزَ الدليل بما حباه الله من إمكانيات فكرية وعلمية تساعده على ذلك، فاكتسب سمعة كبيرة بين العلماء ورجال العلم، الأمر الذي دعاهم إلى الإلحاح عليه لمقابلة أبي محمد ابن حزم (¬2) الذي لمع نجمه بالأندلس، عرف فضله وتفوقه العلمي، لما كان يتمتع به من غزارة علم، وقوة ذاكرة، وكثرة إنتاج فكريٍّ في مختلف العلوم والفنون مع تشنيعه على الأئمة وأهل الفضل، فأفرط في القول بظاهر النصوص، وأنكر القياس وتعليل الأحكام وغيرها من ظاهريات أشاعها في ربوع الأندلس، وحصَّنها بقوة بيانه وحماها بحدَّة لسانه، ولم يكن يقوم أحد بمناظرته لجهلهم بعلم الجدل والمناظرة فاستهوى قلوب الناس وأخذ عقولهم، فاغتر بأقواله العامة، وسلَّم الكلام له الخاصة على اعترافهم بتخليطه (¬3). ولما انتدب العلماء أبا الوليد لمناظرته، لبَّى الدعوة وقبلها بعدما عرف من أحواله الكثير، إرادةً منه أن تكون هذه المناظرة سبيلًا لوقف انتشار المذهب الظاهري، ورغبة في ردِّ الاعتبار للأئمة الفضلاء الذين كانوا غَرَضًا للسان ابن حزم. ¬
وهكذا التقى الرجلان بمَيُورْقة (¬1) سنة 439 هـ بحضرة الوالي أبي العباس أحمد بن رشيق الكاتب (¬2)، وتحت رعايته جرت بينهما مناظرة في موضوعات متفرقة أصولية بصورة خاصة، تصب في مسألة نفي القياس وإبطال الرأي وتعليل الأحكام وما يترتب عن هذه القضايا من فروع فقهية (¬3)، وحسب جمهور المترجمين والمؤرخين أن ابن حزم خرج من هذا المجلس مغلوبًا بالحجج والبراهين التي أقامها الباجي وجادل بها خصمه وظهر تفوقه بارزًا (¬4)، وفي هذا السياق يقول القاضي عياض: (فجرت له معه مجالس كانت سبب فضيحة ابن حزم وخروجه من ميورقة، وقد كان رأس أهلها، ثم لم يزل أمره في سفال فيما بعد) (¬5)، وكان من نتائج هذه المناظرة مغادرة ابن حزم لميورقة (¬6)، وقدوم المعتضد بن عباد على إحراق كتبه بإشبيلية (¬7)، وفي هذا المضمون يقول أبو محمد ابن حزم: دَعُونِيَ مِنْ إِحْرَاقِ رَقٍّ وكَاغِدٍ … وقُولُوا بِعِلْمٍ كَيْ يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدْرِي فَإِنْ تَحْرِقُوا الْقِرْطَاسَ لَا تَحْرِقُوا الَّذِي … تَضَمَّنَهُ الْقِرِطَاسُ، بَلْ هُوَ في صَدْرِي ¬
يَسِيرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي … ويَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ ويُدْفَنُ في قَبْرِي (¬1) والحقيقة أن هذه المناظرة العلمية على الرغم من فوائدها فإن المؤرخين لم يشيروا إلى الموضوعات والقضايا محل المناقشة، بل أحالوا إلى كتاب (فرق الفقهاء) لأبي الوليد الباجي الذي لم يصل إلينا لذلك يتعذر الكشف عن وجوه المناظرة والظاهر منها بحجة (¬2). هذا ويستبعد أبو زهرة هزيمة ابن حزم حيث يقول: (ولقد خرج ابن حزم من ميورقة من غير أن يكون مغلوبًا في حجاج، ولكن لأنه فقد النصير المؤيد، ولم يعد الانتصار للحجة والبراهين، بل صار لمن هو أكثر عددًا وأعز نفرًا. وقد كان الذي يأخذونه عليه أنه يخالف المذهب المالكي، ويشن عليه الغارة، ويضرب بأقوال جمهور الفقهاء الذين يتخذون الرأي منهاجًا فقهيًّا عرض الحائط في عنف وقوة، لأنه لا يعتمد إلا على النصوص، ويحسب في ظنه أنها وحدها الفقه، ولا فقه غيرها، وأنه ليس للعقل أن يخوض إلا في فهمها، فإن خاض فيما وراءها فإنه لا يمكن أن يكون ما يأتي به من الأحكام الشرعية) (¬3). ويقوِّي ذلك أن بعض صور المناظرة التي يرويها المَقَّرِي، وإن كانت متعلقة بمسائل شخصية، إلا أن الظاهر منها أن ابن حزم ليس بالسهل المغلوب، قال: (ولما ناظر ابن حزم قال له الباجي: أنا أعظم منك همَّة في طلب العلم، لأنك طلبته وأنت معان عليه، تسهر بمشكاة الذهب، وطلبتُه وأنا أسهر بقنديل بائتِ السوقِ، فقال ابن حزم: هذا الكلام عليك لا لك، لأنك إنما طلبتَ العلم ¬
ثانيا: مناظرة أبي الوليد الباجي لبعض علماء عصره
وأنت في تلك الحال رجاء تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبته في حين ما تعلمه وما ذكرته، فلم أرجُ به إلا علوّ القدر العلمي في الدنيا والآخرة، فأفحمه) (¬1). وحاصل ما سبق أنه يتعذر علينا الحكم بتفوق أحد العَلَمين في مقابلتهما ما دمنا لم نطَّلع على مضمون المناظرة ومحتواها العلمي سوى ما ساقه المؤرخون من نسبة الهزيمة لابن حزم والانتصار للباجي، هذا وبغضِّ النظر عن المتفوق منهما فإن ابن حزم لم يفقد إنصافه اتجاه الباجي، بل نعته بما هو أهله على نحو ما تقدم (¬2). قال ابن بسام: (وقد ناظره بميورقة ففلَّ من غَرْبِه، وسبَّب إحراق كتبه، ولكن أبا محمد وإن كان اعتقد خلافه فلم يطَّرح إنصافه، أو حاول الرَّد عليه، فلم ينسب التقصير إليه) (¬3). ثانيًا: مناظرة أبي الوليد الباجي لبعض علماء عصره: يرجع سبب هذه المناظرة إلى أن أبا الوليد الباجي قرئ عليه - وهو ب (دانية) (¬4) - حديث المقاضاة في صلح الحديبية الذي أخرجه البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما اعتمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يَدَعوه يدخلُ مكةَ حتى قاضاهم على أن يُقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتابَ، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمَّدٌ رسول الله، قالوا: لا نقرُّ لك بهذا، لو نعلمُ أنكَ رسولُ الله ما مَنَعناك شيئًا، ولكن أنتَ محمَّدُ بن عبد الله، فقال: أنا رسولُ الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثمَّ قال لعليّ: امحُ رسولَ الله، قال عليّ: لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الكتاب - وليس يُحسِنُ يكتب - فكتب: هذا ما قاضى عليه محمدُ بن عبد الله ... ) (¬5). ¬
وكان أبو الوليد الباجي يقول بظاهر لفظ الحديث بأنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كتب بيده: (هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ... )، الأمر الذي أثار استياء علماء وفقهاء مدينة (دانية) وعلى رأسهم أبو بكر بن الصائغ (¬1)، فأنكروا إجازته الكتابة على النبي الأمي، وكفَّروه بتكذيب القرآن الكريم، فهوَّلوا أمره، وأخذت هذه المسألة طابع الفتنة، وقبَّحوا عند العامة ما أتى به، ورموه بإرادته التمييز عن غيره قصد الإكرام والعطاء تملُّقًا للولاة والأمراء، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث أجازوا لأنفسهم إطلاق اللمعنة عليه والتَّبرُؤ منه كما يظهر ذلك جليًّا في أشعارهم التي تناولها بعض خطبائهم في الجُمع وفوق المنابر، تشنيعًا به، حيث يقول عبد الله بن هند الشاعر: بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بِآخِرَةٍ … وقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ قَدْ كَتَبَا (¬2) وإثر ذلك قام الناس بشكايته إلى أمير دانية، حيث جَمَعَ هذا الأخير في مجلسه الخصم المخالف المشكل من فقهاء إمارته بأبي الوليد الباجي لإقامة مناظرة علمية حول هذا الموضوع ليتبيَّن الأمر ويستظهر الحق ويطلع على أدلة كل فريق فاحتجوا عليه بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (¬3). على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أُمِّيًّا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب (¬4)، إذ لو كان ممن يقرأ كتابًا، ويخط حروفًا لارتاب المبطلون من أهل الكتاب لأن في كتبهم ¬
أنه أميٌّ لا يكتب ولا يقرأ، كما احتجوا عليه بما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) (¬1)، ووجهه أن المراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقابلة بما فيهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬2). وعليه فإن أي قول يعارض صريح الآية والحديث يجب تأويل ظاهره، والمتمسك بظاهر النصوص في الرواية معرض للزندقة والتكفير. واستظهر أبو الوليد الباجي للأمير بقوله: لا منافاة ولا تعارض بين ما ذكره القرآن الكريم وما قررته من إجازة كتابة النبي الأميّ، انطلاقًا من مفهوم الآية السابقة، ذلك لأن الله تعالى نفى عنه التلاوة والكتابة بما قبل نزول القرآن الكريم وتقيَّد النفي بذلك، وأما بعد تحقُّقِ أميَّته، وتقرُّرِ معجزته، وأمن ارتياب أهل الكتاب، فليس فيه ما يحول دون معرفته الكتابة من غير تعليم أو معلِّم، فتصير عند ذلك معجزة ثانية (¬3)، فأفحمهم بما كان يتمتع به من معرفة بأحكام الكتاب والسنة، وإنزال الأصول والأدلة منازلها. وللوقوف على أن الأخذ بظاهر الحديث غير قادح في أمِّيَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل زيادة في معجزاته، استحسن أمير (دانية) إرسال هذه المسألة إلى جماعة من علماء الأمصار ليطلع على رأيهم ويتعرف على المزيد فيها، وذلك تلبية لرغبة أبي الوليد الباجي لاستظهار صدقه وصحة قوله، وجاءت موافقات العلماء لرأي أبي الوليد الباجي وتصويباتهم لنظره وتأويله، كما كانت أجوبتهم تحمل في طياتها ثناء عليه وإقرارًا بفضله وعلمه، فضلًا عن تقريع من لم يَعِ ما ذهب إليه، وتشنيعٍ لخصمه من معاصريه. ¬
ومن نماذج هذه الموافقات والتصويبات ما يأتي: - ما جاء عن الحسن بن علي التميمي المصري: (وقفت على ما كتبه الفقيه الأجل شيخنا وكبيرنا الذي نفزع إليه في المشكلات، ونعتمد عليه فيما دهمنا من أمور الناس، ومعرفة توحيد خالقنا وصفاته التي بان بها عن جميع المخلوقات، وأدام الله للمسلمين توفيقه وتسديده، وما منَّ به عليهم منه من البصيرة والهداية من خطأ المخطئين، وعمى العامين، فلو نهضوا نحو الفقيه القاضي ليتعلموا منه أوائل المفترضات ومعرفة خالقهم، وما خص به جميع أهل السنة والإيمان لكان بهم أحرى) (¬1). - وقال جعفر بن عبد الجبار: (وما يستبدع ذلك من مثله لما وهبه الله من الفهم، وكيف لا يكون كذلك، وقد ارتحل إلى العراق، فقرأ على شيوخ أجلة من أئمة السنة) (¬2). - وقال فيه عبد الله بن حسين البصري: (والفقيه القاضي قد انتشرت إمامته، واشتهرت عدالته، فلو سأل من حاول الرد والتضليل للفقيه القاضي من قدم من شرق وغرب لشهد الكل بإمامته وحفظه للحديث، ومعرفته للصحيح منه والسقيم، وسائر علومه، وأصول الدين وفروعه) (¬3). - وأجاب أبو الفضل جعفر بن نصر البغداديُّ قائلًا: (ولا يحل لأحد أن يعنفه فيما أتى به، إذ هو إمام في المشرق والمغرب لا سيما بالعراق، وإن أكثر البلاد لمُفْتَقِرَة لعلمه بالصحيح من الحديث والسقيم، فلو نهض كل من ردَّ عليه ليتعلموا منه أوائل المفترضات لكان بهم أحرى، ¬
ويزيلوا عن أنفسهم الحسد والبغي، وإنما يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (¬1). هذا، وقد كان للباجي فيما ذهب إليه سلف من شيوخه منهم أبو ذر الهروي والسمناني وغيرهم (¬2) ممن يقولون بظاهر الحديث ويحتجون بجملة من الأدلة تتمثل فيما يلي: 1 - بما أخرجه ابن أبي شيبة وعمر بن شَبَّة من طريق مجاهد عن عون ابن عبد الله قال: (ما مات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى كتب وقرأ). قال مجاهد: (فذكرتُه للشعبي فقال: صدق سمعت من يذكر ذلك) (¬3). 2 - ومن طريق يونس بن ميسرة عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر معاوية أن يكتب للأقرع وعيينة، فقال عيينة: أتراني أذهب بصحيفة المتلمس؟ فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصحيفة، فنظر فيها فقال: (قد كتب لك بما أمر لك)، قال يونس بن ميسرة: (فنرى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب بعدما أنزل عليه) (¬4). 3 - ورود آثار دالة على معرفته حروف الخط وحسن تصويرها منها: - قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكاتبه: (ضع القلم على أذنك، فإنه أذكر لك) (¬5). - وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاوية: (ألق الدواة، وحرف القلم، وأقم الباء، وفرق السين، ولا تعور الميم) (¬6). ¬
- وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تمد: بسم الله) (¬1). ورغم هذه الأدلة المساقة، فإن مذهب جمهور العلماء والمحدثين القول بالمنع من أن يكون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد كتب حرفًا واحدًا بيده، بل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتَّاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم، وأجاب الجمهور عن الأحاديث الواردة في المسألة بأنها ضعيفة لا يحتج بها (¬2)، وأنه لو كتب بيده لنقل إلينا لأن الدواعي متوفرة على نقله، وأن لفظ (كتب) في حديث المقاضاة مؤول إلى معنى الأمر بالكتابة، وهو في اللغة كثير كقوله: كتب إلى قيصر، وكتب إلى كسرى، وقطع السارق، ورجم ماعزًا، وجلد الشارب، فهو ما يعرف بالإسناد المجازي أو المجاز العقلي. وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أمِّيًّا (¬3). وفي هذا المضمون يقول الحافظ الذهبي: (يجوز على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتب اسمه ليس إلَّا، ولا يخرج بذلك عن كونه أُمِّيًّا، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدمانًا للعلامة يعد كاتبًا، فالحكم للغالب لا لما نَدَر، وقد قال عليه السلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسُب) أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلًا، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} فقوله عليه السلام: (لا نَحسُب) حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقَسْمَ الفَيْءِ، وقِسْمَةَ المواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القِبط ولا الجَبْر والمُقابلة، بأبي هو ونفسي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد كان سيد الأذكياء، ويَبْعُد في العادة أن الذكيَّ يملي الوحي وكُتُبَ الملوك وغير ذلك على كتَّابه، ويرى اسمَه الشريف في خاتِمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطُّول، ولا يخرج بذلك عن أُميته، وبعض العلماء عدَّ ما كتبه يوم الحُدَيْبِيَة من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتَبَ، فإن ¬
الفرع الثاني: صلة الحكام بأبي الوليد الباجي
فإن قيل: لا يجوز عليه الكتابة، فلو كتب لارتاب مبطل ولقال: كان يحسن الخطَّ، ونظر في كتب الأولين: قلنا: ما كتب خطًّا كثيرًا حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أعرف أن أكتُب اسمي الذي في خاتِمي، لارتاب المبطلون أيضًا، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك؟ بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره) (¬1). وفي هذا الصدد، فقد صنَّف القاضي أبو الوليد الباجي رسالة في هذا الموضوع ينتصر فيها لرأيه ويبيِّن وجوه المسألة ويفنِّد أقوال المخالفين له في الرأي الذين رموه بالكفر والزندقة، وسمى هذه الرسالة: (تحقيق المذهب في أن رسول الله قد كتب) (¬2). الفرع الثاني: صلة الحكَّام بأبي الوليد الباجي: كانت للمناظرات العلمية التي أجراها أبو الوليد الباجي بالأندلس، وظهور تآليفه الأصولية والفقهية، وانتشار علمه وذيوع صيته، فضلًا عن اتصافه بالدِّيانة والتقوى وما يتميز به من صفة خَلقية في هيئته وسمته ووقاره، الأثر البالغ في نفوس الناس، كما كان تكوينه العلمي والأدبي محل ثقتهم، الأمر الذي فسح للحكَّام مجالًا - بعد بروز نجمه - ليتصلوا به ويتقربوا إليه ويطلبوا صحبته، وفي هذا المضمون يقول ابن خاقان: (فتهادته الدول، وتلقَّته الخيل والخول، وانتقل من محجر إلى ناظر، وتبدَّل من يانع بناضر) (¬3). ¬
وقد استعمل في حفظ الأمانات، وولاه عمر بن محمد المتوكل بالله بن الأفطس أماكن متفرقة من الأندلس لأداء مهمة القضاء وفك المنازعات بين الناس، منها (أريولة) وأشباهها من الأماكن التي تصغُر عن قدره ومنزلته (¬1). ونتيجة لاحتكاكه بالحكام وتوليته لمنصب القضاء، وقبوله لهداياهم وجوائزهم - وهم له على غاية البرِّ - تحسَّنت حالته، واتسعت ثروته ومات على مال وفير (¬2)، ولم يكن ذلك ذريعة للتعلق بالدنيا وزخرفها بل لم يزل زاهدًا ومنقطعًا عن الدنيا متعلقًا بالآخرة، ومن شعره ووصيته لولديه ما يفيد ذلك. هذا، وقد تسببت علاقته بالحكام في إثارة البغضاء والحقد والحسد، وكثُر القائل فيه، وأصبح عرضة لطعون الطاعنين لتعامله وموالاته للحكام مع ما كان عليه حالهم من شقاق وخلاف. ولا يخفى أن الإمام أبا الوليد الباجي لم يسْعَ للتودد للحكام ولا طلب عطاياهم، ولكنه لما قرَّبوه لم يمتنع لما في ذلك من إمكانية النصح لهم وإرشادهم وجمع كلمتهم، وهو من أهل العلم والأمانة، عليه واجب النصح خاصة والأندلس تعيش أزمات كثيرة وتقلبات سياسية، وقد وصف ابن بسام هذا الجوَّ المفعم بالفتن والاضطرابات السياسية بقوله: (فورد وعشبُ بلادها نابٌ وظفرٌ، وصوبُ عهادِها دمٌ هَدَرٌ، ومالها لا عينٌ ولا أثر، وملوكها أضداد، وأهواءُ أهلِها ضغائنُ وأحقاد، وعزائمهم في الأرض فساد وإفساد) (¬3)، فكان أبو الوليد الباجي يعمل بمبدأ لزوم جماعة المسلمين والاعتصام بها، وعدم ¬
الخروج عن طاعة الإمام ولو كان جائرًا ظالمًا ما لم تكن طاعته في معصية الله تعالى، لا سيما مع إمكانية تصويب الإمام في انزلاقاته والصدع بالحق أمامه. وقد كان الباجي على بصيرة فيما هو فيه، ويمكن أن نلتمس نظرته لهذا الموضوع من خلال ما أورده أبو العرب عبد الوهاب البقساني بسنده إلى القاضي أبي الوليد الباجي أنه كان يقول، وقد ذكرت له صحبة السلطان: (لولا السلطان لنقلتني الذرُّ من الظل إلى الشمس، أو ما هذا معناه) (¬1)، ومن خلال وصيته لولديه - أيضًا - حيث جاء فيها: (واجتنبا صحبة السلطان ما استطعتما أو تحريا البُعد منه ما أمكنكما، فإنَّ البعد عنه أفضل من العز بالقرب منه، فإن صاحب السلطان خائف لا يَأمن، وخائن لا يُؤمَن، ومسيء إن أحسن، يخاف منه، ويخاف بسببه، ويتهمه الناس من أجله، إن قرب فتن، وإن أبعد أحزن، يحسدك الصديق على رضاه إذا رضي، ويتبرأ منك ولدك ووالدك إذا سخط، ويكثر لائموك إذا منع، ويقل شاكروك إذا شبع، فهذه حال السلامة معه، ولا سبيل إلى السلامة ممن يأتي بعده، فإن امتحن أحدكما بصحبته، أو دعته إلى ذلك ضرورة فليتقلل من المال والحال، ولا يغتب عنده أحدًا، ولا يطالب عنده بشرًا، ولا يعصِ له في المعروف أمرًا، ولا يستنزله إلى معصية الله تعالى، فإنه يطلبه بمثلها، ويصير عنده من أهلها، وإن حظى بمثلها في الظاهر فإن نفسه تمقته في الباطن). هذه خلاصة تجربته في صلته بالحكام وزبدة خبرته. عاش أبو الوليد حينًا في بلاط (ميورقة) بعد استجابته لدعوة الميورقيين لمناظرة ابن حزم، وحينًا (بسرقسطة) عندما استدعاه المقتدر بالله أبو جعفر أحمد ابن سليمان بن هود بعد توليته الحكم بها (¬2)، وحينًا آخر (ببطليوس) عند المتوكل بالله عمر بن محمد آخر حكام بني الأفطس. ونزل أبو الوليد الباجي بدعوة من المقتدر بالله بأفخم قصور ملوك الطوائف ¬
وكان المقتدر بالله يتمتع بمستوى علمي راقٍ ميَّال إلى العلم محب للعلماء، لذلك عقد لمشاهير علماء وكتاب عصره مجالس في بلاطه (¬1). وكان المقتدر بالله يدني أبا الوليد الباجي في مجلسه ويجلُّه ويقدِّره، وفي ذلك الوقت تهيأت له الظروف للتأليف والتصنيف والإقراء، وفي هذا المضمون يقول ابن خاقان: ( ... ثم استدعاه المقتدر بالله فسار إليه مرتاحًا، وبدا في أفقه ملتاحًا، وهناك ظهرت تواليفه وأوضاعه، وبدا وخده في سبل العلم وإيضاعه، وكان المقتدر يباهي بانحياشه إلى سلطانه، وإيثاره لحضرته باستيطانه، ويحتفل في ما يرتبه له ويجريه، وينزله في مكانه متى كان يوافيه) (¬2). وفي تلك الفترة ندب المقتدر بالله أبا الوليد الباجي للردِّ على رسالة الراهب الفرنسي التي تضمنت دعوة المقتدر بالله إلى الإيمان بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، فقام أبو الوليد الباجي بالرد عليه مفنِّدًا عقيدة التثليث ومبطلًا دعوة النصرانية معتمدًا في ذلك على الأدلة والبراهين القوية، وأوضح له في آخر الردِّ عدْلَ الإسلام وفضله ووجوب الانضواء تحت لوائه (¬3). وفي بطليوس كان عمر بن محمد المتوكل بالله إلى جانب قدراته السياسية وبطولاته العسكرية يتمتع بإمكانيات علمية وأدبية عالية حتى أنه هيَّأ بلاطه الزاهر للعلماء وبسطه للأدباء، فكان قصره الملكي شبيهًا بجامعة أدبية علمية (¬4). والظاهر أن صلته بأبي الوليد الباجي كانت مبنية على الناحية العملية أكثر ¬
منها علمية متمثلة في مهام ميدانية، فقد أسند إليه مهمة القضاء وكلفه به، ثم ندبه ليطوف بحواضر الأندلس قصد توحيد جهود المسلمين وجمع كلمة الملوك ولمِّ الشعث والوقوف صفًا واحدًا متراصيًّا ضد ألفونس السادس العدو المشترك الذي كان يتربص بهم الدوائر بعدما قويت شوكته، وتكتفت ضغوطه على طليطلة (¬1). وفي سبيل هذه القضية المطلوبة شرعًا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (¬2) وغيرها من النصوص فقد بذل أبو الوليد الباجي قصارى جهده، واستفرغ كل وسعه، فطاف على ملوك الطوائف مؤديًا واجب النصح للأئمة وواعظًا ومنذرًا لهم من عواقب التشتت والتفرق والخلاف، ومظهرًا لهم خطر عدوهم ووجوب صد العدوان، وكان الملوك يُبدون له التقدير والإجلال ظاهرًا ويستبردون نزعته باطنًا، وما كان ذلك ليضيره فقد أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح الأمة، وفي هذا السِّياق يقول ابن بسام: ( ... على أنه لأوَّل قدومه رفع صوته بالاحتساب، ومشى بين ملوك أهل الجزيرة بصِلة ما انبتَّ من تلك الأسباب، فقام مقام مؤمن آل فرعونَ لو صادف أسماعًا واعية، بل نفخ في عظام ناخرة، وعَكَفَ على أطلال داثرة، بيد أنه كلَّما وفد على ملك منهم في ظاهر أمره لقيه بالترحيب، وأجزل حظَّه بالتأنُّس والتقريب، وهو في الباطن يَسْتَجْهِلُ نَزْعَتَهُ، ويَسْتَثْقِلُ طَلْعَتَه، وما كان أفْطَنَ الفقيه رحمه الله، بأمورهم، وأعلمه بتدبيرهم، لكنه كان يرجو حالًا تثوب، ومذنبًا يتوب) (¬3). وعملًا بالمبدأ الشرعي السابق، فلم يزل أبو الوليد الباجي في سفارته بين ملوك الطوائف مجتهدًا يؤلفهم على نصرة الإسلام، ونبذ أحقادهم، وجمع ¬
وجمع كلمتهم، والاستعانة بجيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين لصدِّ العدو الصليبي حتى وافاه أجله قبل تمام غرضه وتحقيق رغبته (¬1). هذا، وإن اشتغال أبي الوليد الباجي بالمهام القضائية والأمانات والسفارة بين ملوك الطوائف لإصلاح ذات البين لم يمنعه ذلك من نشر العلم وبث المعرفة وتأليف الكتب وتدريسها (¬2). *** ¬
المبحث الثالث آثار أبي الوليد الباجي العلمية
المبحث الثالث آثار أبي الوليد الباجي العلمية لقد ترك القاضي أبو الوليد الباجي آثارًا علمية نافعة، وثروة وافرة قيِّمة من الكتب والرسائل في مجالات شتى. وفنون متنوعة جمعت بين المنقول والمعقول، والرواية والدراية، تشهد له بمعرفته وسعة علمه ومكانته الراقية بين فطاحل العلماء العاملين. فمصنفاته التي تربو عن الثلاثين (¬1) في مختلف أنواع المعرفة قد أحيت ذكره، وخلَّدت اسمه وأكَّدت عظمة شخصيته العلمية البارزة. وقد حفظت لنا مختلف المصادر والمراجع عناوين كتبه ورسائله ومسائله، فمنها ما خرج إلى حيز الوجود مطبوعًا ومتداولًا، ومنها ما بقي مخطوطًا يعلم مكان وجوده ولم يتعرض للتحقيق، ومنها ما بقي مخطوطًا يجهل أماكن وجوده، ومنها ما لم يتمه المصنف. وانطلاقًا مما تقدم فسنتناول مؤلفاته العلمية في المطلب الأول ونخصص المطلب الثاني لكتاب الإشارة في أصول الفقه محل الدراسة والتحقيق. ¬
المطلب الأول مؤلفات أبي الوليد الباجي العلمية
المطلب الأول مؤلفات أبي الوليد الباجي العلمية مؤلفات القاضي أبي الوليد الباجي متنوعة منها ما يتعلق بالفقه وأصوله، والتفسير وشرح الموطأ، وعلم الرجال وتراجمهم، وعلم الجدل ومسائل الخلاف، والتوحيد والزهد والرقائق وغير ذلك، لذلك ارتأينا أن نتناول كتبه ورسائله ومسائله الفقهية. الفرع الأول: كتب أبي الوليد الباجي: نرتِّب كتب الباجي حسب العلْم الذي صنَّف فيه أكثر من غيره، وقد نترك الإشارة إلى بعض الكتب لتشابه عناوينها وتقاربها خشية أن تكون واحدة من حيث المحتوى والمضمون مع تعذر وجود سبيل للتحقق منها. وتتدرج هذه الكتب على الوجه التالي: - كتب أبي الوليد الباجي في الفقه. - كتب أبي الوليد الباجي في علم الحديث والتراجم. - كتب أبي الوليد الباجي في أصول الفقه والجدل. - كتب أبي الوليد الباجي في الزهد والرقائق. - كتب أبي الوليد الباجي المتنوعة. الفقرة الأولى: كتب أبي الوليد الباجي في الفقه: وتظهر مصنفاته الفقهية في فقه أحاديث الموطأ والمسائل الفرعية عليها، أو في شرح المسائل الفقهية في المدونة أو في اختصارات وتهذيب المدونة وهي على الترتيب التالي: 1 - (الاستيفاء): وهو كتاب كبير موسع جامع في شرح موطأ مالك لم يصنع مثله، قال القاضي عياض عند تعرضه لكتاب المنتقى: (وكان ابتدأ كتابًا أكبر منه بلغ فيه
الغاية سماه الاستيفاء في هذا المعنى، لم يصنع مثله) (¬1)، وقيل (¬2): إنه لم يكمله، وهو قول غير موثوق لتعارضه مع إشارة الباجي له باكتماله وإتمامه كما جاء في مقدمة المنتقى حيث يقول: ( ... أن الكتاب الذي ألفتُ في شرح (الموطأ المترجم بكتاب الاستيفاء ... ورغبت أن أقتصر فيه على الكلام في معاني ما يتضمنه ذلك الكتاب من الأحاديث والفقه) (¬3). وقد ذكره الباجي في المنتقى: 1/ 2 - 3. وابن عطية في فهرسته: 105. والقاضي عياض في ترتيب المدارك: 1/ 200، 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 248. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 209. وابن فرحون في الديباج المذهب: 121. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 4/ 217. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 27. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. 2 - المنتقى (¬4): وهو كتاب انتقاه من كتاب الاستيفاء على وجه الاختصار والتقريب شرح فيه أحاديث موطأ مالك، وقام بتفريع المسائل الفقهية عليها سالكًا مذهب الاجتهاد وإقامة الحجة، ويعد المنتقى من أحسن الكتب التي ألفت في مذهب مالك. وقد ذكره ابن عطية في فهرسته: 105. والقاضي عياض في ترتيب المدارك: 1/ 200، 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 248. ¬
واليافعي في مرآة الجنان: 3/ 108. وابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/ 409. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وتذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. وابن كثير في البداية والنهاية: 12/ 122. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. والسيوطي في طبقات المفسرين: 54. وابن فرحون في الديباج المذهب: 121. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 4/ 217. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي: 3/ 277. 3 - المعاني: وهو كتاب كبير الحجم في شرح موطأ مالك عديم النظير جاء في عشرين مجلدًا (أغلب الظن أنه (النتقى)، فإن وصف القاضي عياض له في ترتيب المدارك (8/ 123) يؤكد ذلك [عزيز]). ذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. وكحالة في معجم المؤلفين: 4/ 261. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. 4 - الإيماء: وهو كتاب مختصر للمنتقى في شرح موطأ مالك، قدر ربع الاستيفاء السالف الذكر، وهو واقع في خمسة مجلدات. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 248. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وتذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. وابن فرحون في الديباج المذهب: 121. والمقري
في نفح الطيب: 2/ 69. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 4/ 217. ومحمد مخلوف في شجرة النور (¬1): 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. 5 - شرح المدونة: وهو كتاب اختصر فيه المدونة وشرحها بشرح لم يكمل. وقد ذكره منسوبًا إليه القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 4/ 217. 6 - مختصر المختصر: وهو كتاب اختصر فيه المختصر من مسائل المدونة. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وتذكرة الحفاظ: 3/ 1180. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 4/ 217. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 426. 7 - المهذَّب: وهو كتاب اختصر فيه المدونة اختصارًا حسنًا. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. 8 - فصول الأحكام وبيان ما مضى عليه العمل عند الفقهاء والحكام (¬2): وهو كتاب يتعلق بالأحكام التي يرجع إليها القاضي في التطبيق، كما أنه يتعلق أيضًا بالقضاء والشهادات واليمين وإجراءات التداعي. ¬
الفقرة الثانية: كتب أبي الوليد الباجي في علم الحديث والرجال والتراجم
وقد نسبه إليه البغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. 9 - المقتبس في علم مالك بن أنس: وهو كتاب فقه لم يكمله. ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. *** الفقرة الثانية: كتب أبي الوليد الباجي في علم الحديث والرجال والتراجم: تظهر كتب الباجي في علم الرجال والتراجم فيما يلي: 1 - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح (¬1): وفيه بيَّن أسماء رجال صحيح البخاري، ومنهج معرفة الجرح والتعديل، وذكر مجموعة من المراجع التي اتخذها عمدة لكتابه، ومجموعة من المعلومات والطرائف، وجملة من أسئلته وتقييداته للحفاظ على منهج واضح سليم. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وفي الغنية: 135، 184. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. واليافعي في مرآة الجنان: 3/ 108. وابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/ 409. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. وابن العماد في شذرات الذهب: 3/ 345. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 1/ 217. والكتاني في الرسالة المستطرفة: 207. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: ¬
1/ 121. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 267. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. 2 - اختلاف الموطآت: للدارقطني كتاب عرف بهذا الاسم تعرض فيه للأحاديث التي خولف فيها مالك، وفي تضاعيفها أحاديث حدث بها مالك في الموطأ على وجه وحدث بها في غير الموطأ على وجه. ولعل أبا الوليد الباجي أراد من وراء تأليفه لهذا الكتاب تدارك النقص الذي وقع فيه الدارقطني من ناحية إغفاله لروايات الأفارقة والأندلسيين (¬1). وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 1/ 200، 2/ 806. وابن خير في فهرسته: 180. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وتذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والسيوطي في طبقات المفسرين: 53. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 426. 3 - مختصر مشكل الآثار: وهو كتاب اختصر فيه كتاب مشكل الآثار للإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي المتوفى سنة 321 هـ، من غير إخلال بشيء من معانيه وفقهه، فألحق كل شكل منه بشكله حاذفًا أسانيد الأحاديث وطرقها فجاء ترتيبه حسنًا بديعًا. ذكره القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي في مقدمة المعتصر من المختصر: 1/ 3. وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي: 3/ 263. وأفاد بوجود نسخة منه بالمتحف البريطاني تحت رقم: 1269. ¬
[قلت: نسبته إلى الباجي خطأ، فالصواب أنه لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت 520 هـ) كما نسبه ورواه بإسناده إلى ابن رشد: ابن خير في فهرسته 200، 243، والقاضي عياض في الغنية 54، وابن فرحون في الديباج 279. ولم ينسبه أحد من القدماء إلى الباجي غير أبي المحاسن الذي اختصر الكتاب فوهم في نسبته إلى الباجي (عُزَير)]. 4 - كتاب فرق الفقهاء: وهو كتاب في تراجم الرجال. ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 827. والغنية: 86. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي التذكرة: 3/ 1180. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. 5 - التبيين لمسائل المهتدين: وهو كتاب صنفه في اختصار فرق الفقهاء. وقد سماه بهذه التسمية البغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 426. وفي فهرست ابن خير الإشبيلي: (التبيين عن مسائل المهتدين): 256، وذكره المقري في نفح الطيب بعنوان (التبيين لسبيل المهتدين): 2/ 69. 6 - فهرست: وهي عبارة عن برنامج لشيوخ أبي الوليد الباجي ورواياته عنهم: ذكره القاضي عياض في الغنية: 228. ويرويه ابن خير الإشبيلي بأسانيده إلى أبي الوليد الباجي في فهرسته: 429. ويرويه عنه عبد الحي الكتاني بأسانيده في فهرس الفهارس: 1/ 212. ***
الفقرة الثالثة: كتب أبي الوليد الباجي في أصول الفقه والجدل
الفقرة الثالثة: كتب أبي الوليد الباجي في أصول الفقه والجدل: تظهر مصنفاته الأصولية على الترتيب التالي: 1 - إحكام الفصول في احكام الأصول (¬1): وهو كتاب قيم نفيس في مجاله، كثير النفع عظيم الفائدة، لا يستغني عنه الباحث لا سيما فيما يتعلق بأصول المذهب المالكي. وقد أحال الباجي إليه في المنتقى: 4/ 262. وذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وفي الغنية: 184. وابن خير الإشبيلي في فهرسته: 255. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. وابن خلكان في وفيات الأعيان: 2/ 409. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. وابن كثير في البداية والنهاية: 12/ 122. واليافعي في مرآة الجنان: 3/ 108. والسيوطي في طبقات المفسرين: 54. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 267. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. وحاجي خليفة في كشف الظنون: 1/ 20. 2 - الإشارة إلى معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل: وهو موضوع دراستنا وتحقيقنا، وسيأتي الحديث عنه في المطلب الثاني. 3 - الحدود في أصول الفقه (¬2): ¬
وهو كتاب يضم مجموعة من التعريفات بالمصطلحات المستخدمة عند علماء أصول الفقه، ثم يتعرض لها بالشرح والبيان، وتارة يسهب في الشرح وأخرى يختصر وقد ينقل تعريفات شيوخه أو أصحابه ثم يتناولها بالنقد العلمي السليم. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. وابن خير الإشبيلي: 256. وياقوت الحموي: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والسيوطي في طبقات المفسرين: 54. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 267. 4 - الناسخ والمنسوخ في الأصول: وهو كتاب لم يكمله. ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. وكحالة في معجم المؤلفين: 4/ 261. 5 - تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج (¬1): وهو كتاب وضعه في علم الجدل، يتوخى منه بيان أبوابه وأقسامه وما يترتب عن ذلك من أسئلة وما يقابلها من أجوبة بيانًا مجملًا ومفرعًا ومفصلًا ومدققًا. وقد ذكره بهذا الاسم القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. وسماه الذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. ¬
الفقرة الرابعة: كتب أبي الوليد الباجي في الزهد والرقائق
والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. باسم: (سنن المنهاج وترتيب الحجاج)، وسماه الداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 267. باسم (تبيين المنهاج)، وسماه ياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. باسم: (السراج في ترتيب الحجاج) (¬1). *** الفقرة الرابعة: كتب أبي الوليد الباجي في الزهد والرقائق: تظهر مصنفاته في هذا المجال على الوجه التالي: 1 - سُنَن الصالحين وسُننَ العابدين (*): وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وتذكرة الحفاظ: 3/ 1180. وابن خير الإشبيلي في فهرسته: 277. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وذكره ياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج: 122) بعنوان (السنن في الرقائق والزهد والوعظ). 2 - سبيل المهتدين: وقد ذكره منسوبًا إليه القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. ¬
الفقرة الخامسة: كتب أبي الولد الباجي المتنوعة
والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. الفقرة الخامسة: كتب أبي الولد الباجي المتنوعة: تتنوع كتب الباجي الأخرى بحسب الفنون التي تعرض لها وهي على ما يأتي: 1 - تفسير القرآن: وهو تفسير لم يكمله. ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والسيوطي في طبقات المفسرين: 54. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. وكحالة في معجم المؤلفين: 4/ 261. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 426. 2 - التسديد إلى معرفة طرق التوحيد: وهو كتاب وضعه في علم الكلام. وقد ذكره ابن عطية في فهرسته: 105. والقاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وفي الغنية: 184. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 539. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والسيوطي في طبقات المفسرين: 54. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والأصفهاني في خريدة القصر: 3/ 472. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 120. والمراغي في الفتح المبين: 1/ 267.
الفرع الثاني: رسائل أبي الوليد الباجي ومسائله
وكحالة في معجم المؤلفين: 4/ 261. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 425. 3 - السراج في عمل الحجاج: وقد تناول فيه مسائل الخلاف ولم يكمله. ذكره منسوبًا إليه القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. وياقوت الحموي في معجم الأدباء: 11/ 249. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 538. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1180. والكتبي في فوات الوفيات: 2/ 64. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 121. والمقري في نفح الطيب: 2/ 69. والبغدادي في هدية العارفين: 5/ 397. ومحمد مخلوف في شجرة النور: 1/ 121. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 426. 4 - الانتصار لأعراض الأئمة الأخيار: وهو كتاب تضمن الرد على أهل الأهواء والبدع والضلال فيما يطعنون به في الأئمة العلماء المشهود لهم بالدين والعلم والفضل. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. 5 - رفع الالتباس في صحة التعبد: ذكره ابن خير الإشبيلي في فهرسته مرويًا بأسانيده إليه: 256. 6 - تهذيب الزاهر لابن الأنباري: وهو كتاب في اللغة هذب فيه كتاب الزاهر. وقد ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 807. الفرع الثاني: رسائل أبي الوليد الباجي ومسائله: وسنتناول رسائل الباجي في الفقرة الأولى، ومسائله في الفقرة الثانية على الآتي:
الفقرة الأولى: رسائل أبي الوليد الباجي
الفقرة الأولى: رسائل أبي الوليد الباجي: تظهر رسائله على الترتيب التالي: 1 - تحقيق المذهب في أن رسول الله قد كتب (¬1): وهي رسالة ألفها ردًّا على المعارضين الذين رموه بالكفر والزندقة لأجل قوله في حديث المقاضاة في صلح الحديبية بأن النبي مع أمِّيَّته قد كتب بيده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد ذكرها القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 805. والذهبي في سير أعلام النبلاء: 18/ 540. وفي تذكرة الحفاظ: 3/ 1181. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. والحجوي في الفكر السامي: 2/ 1/ 217. 2 - الرد على رسالة الراهب الفرنسي (¬2): وقد احتوت رسالة راهب فرنسا دعوة المقتدر بالله بن هود أمير سرقسطة إلى الإيمان بالمسيح والنصرانية وذلك إبان ضعف ملوك الطوائف وقد ندب المقتدر بالله أبا الوليد الباجي للرد على رسالة الراهب، فأجابه بالأدلة والبراهين القاطعة، مفندًا عقيدة التثليث ومبطلًا دعوة النصرانية، ثم أوضح له حقيقة الإسلام وفضله، ووجوب الانضواء تحت لوائه. 3 - شرح حديث (البينة على من المدعي واليمين على من أنكر) (¬3): ¬
الفقرة الثاية: مسائل أبي الوليد الباجي
وهي رسالة صغيرة في بيان هذا المعنى، تبرز خبرته بأصول القضاء وتمكنه في معالجة القضايا والنوازل المطروحة بمنظور أصولي عالٍ. 4 - التحذير من بدعة مولد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وهي رسالة تصب في معنى العنوان ذكرها المراغي في الفتح المبين: 1/ 267. [وفي نسبته إلى الباجي نظر. (عزير)]. 5 - الوصية لولديه (¬1): وهي رسالة توجيهية تتضمن صيحة قيِّمة لولديه بإرشادهما إلى حسن الأخلاق ومكارمها وإلى سبل الخير وطرق الفلاح والنجاة. ذكرها ابن خير الإشبيلي في فهرسته: 278. والتجيبي في برنامجه: 252. وياقوت في معجم الأدباء: 11/ 249. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. وبالنثيا في تاريخ الفكر الأندلسي: 246. *** الفقرة الثاية: مسائل أبي الوليد الباجي: المسائل التي عالجها الباجي تحمل الصيغة الفقهية وتظهر على الترتيب التالي: 1 - مسألة مسح الرأس: ذكرها القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. 2 - مسألة غسل الرجلين: ذكرها القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. ¬
المطلب الثاني كتاب (الإشارة) في أصول الفقه
3 - مسألة اختلاف الزوجين في الصداق: ذكرها القاضي عياض في ترتيب المدارك: 2/ 806. والداودي في طبقات المفسرين: 1/ 210. وابن فرحون في الديباج المذهب: 122. المطلب الثاني كتاب (الإشارة) في أصول الفقه وفي دراستنا لكتاب (الإشارة) في أصول الفقه - موضوع التحقيق - نتعرض إلى جملة من النقاط نمثِّلها في فروع وندرجها تحت هذا المطلب وبعدها نخصص الفرع الأول لتوثيق الكتاب وتصحيح نسبته إلى المؤلف، ثم نذكر النسخ عمدة التحقيق التي بحوزتنا من حيث أوصافها ومظان وجودها في الفرع الثاني، ونتناول في الفرع الثالث الخطوات التي اتبعها المؤلف في منهجيته شكلًا ومضمونًا. الفرع الأول: توثيق كتاب (الإشارة): نسبة (كتاب الإشارة إلى معرفة الأصول، والوجازة في معنى الدليل) إلى الإمام أبي الوليد الباجي المتوفى سنة (474 هـ) مقطوع بصحتها من غير اشتباه، ودليل ذلك إجماع علماء التراجم، واتفاق أرباب المعارف على ذكره منسوبًا إليه. 1 - الإمام أبو محمد عبد الحق بن عطية المحاربي الأندلسي المتوفى سنة (541 هـ) في فهرسته: 105 نقل فيه إجازة الباجي به تلميذه أبا عبد الله محمد الأنصاري المالقي. 2 - القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المتوفى سنة (544 هـ) في ترتيب المدارك: 2/ 806 - 807. وفي الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض: 134. 3 - الإمام أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي المتوفى سنة (575 هـ) في. فهرسته: 255 ويرويه بسنده: (قال: حدثني بها
الشيخ أبو بكر عبد العزيز بن خلف بن مدير الأزدي رحمه الله، قراءة عليه، قال: حدثني بها القاضي أبو الوليد الباجي مؤلفها رحمه الله، سماعًا عليه بقراءة أبي رحمه الله. وحدثني بها الشيخ أبو الاصبغ عيسى بن محمد بن أبي البحر رحمه الله، قراءة عليه وأنا أسمع، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب، إجازة، وأبو محمد شعيب بن عيسى المقري مشافهة وإذنًا، قالوا: حدثنا أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي مؤلفها، رحمه الله). 4 - الكاتب عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني المتوفى سنة (597 هـ) في كتابه (خريدة القصر وجريدة العصر): 3/ 472. 5 - شهاب الدين ياقوت الرومي الحموي المتوفى سنة (626 هـ) في كتابه معجم الأدباء: 11/ 249. 6 - الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي المتوفى سنة (721 هـ) في كتابه: ملء العيبة بما جُمع بطول الغيبة: 2/ 225 ويرويه بسنده قال: أخبرني بها أبو القاسم ابن رحمون، عن أبي ذر الخشني، عن أبي محمد بن عبد الرحمن الأزدي، عن أبي بكر بن مدير، عن مؤلفها. 7 - الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) في كتابيه: سير أعلام النبلاء: 18/ 539، وفي تذكرة الحفاظ): 3/ 1180. 8 - صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي المتوفى سنة (764 هـ) في كتابه فوات الوفيات: 2/ 64. 9 - القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون المتوفى سنة (799 هـ) في كتابه الديباج المذهب: 122.
الفرع الثاني: وصف النسخ
10 - الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (911 هـ) في طبقات المفسرين: 54. 11 - الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد المقري المتوفى سنة (1041 هـ) في كتابه نفح الطيب: 2/ 69. 12 - الشيخ إسماعيل باشا البغدادي المتوفى سنة (1339 هـ) في كتابه هدية العارفين: 5/ 397. 13 - الشيخ محمد مخلوف في كتابه شجرة النور الزكية: 121. هذا، وفضلًا عما تقدم، فإن (كتاب الإشارة) يتماشى وفق منهجية المؤلف في كتابيه: (إحكام الفصول في أحكام الأصول) وهو الكتاب المفصل في الأصول و (كتاب تفسير المنهاج في ترتيب طرق الحجاج) في علم الجدل على ما سنبيِّنه في الفرع اللاحق من هذا المطلب. الفرع الثاني: وصف النسخ: اعتمدت في تحقيق كتاب (الإشارة) على نسخة مخطوطة، وثلاث نسخ مطبوعة. - أما النسخة المخطوطة: فهي نسخة المكتبة الأزهرية - بمصر - تقع في (45 ورقة) من الورق المتوسط الحجم، مقاس: (14 × 18 سم) تحت رقم: (170) (*) (5786) وتاريخ النسخ: (792)، وهي موجودة ضمن مجموعة رقم 9/ 45، وآخر نسخة تمت تصويرًا بقسم الجغرافية بكلية الآداب، بجامعة فؤاد الأول في يوم الثلاثاء 11 رمضان 1366 هـ الموافق ل 29 يوليه 1947 م وعدد الأسطر يغلب عليه في كل صفحة عدد 21 سطرًا، وفي كل سطر تتراوح الكلمات فيه من 8 إلى 13 كلمة. وهذه النسخة وإن كانت واضحة الخط في بعض صفحاتها إلا أنها مطموسة ومخرمة في البعض الآخر، لا يمكن قراءتها إلا بصعوبة أو بمقابلتها للنسخ
الأخرى، هذا ويكثر في هذه النسخة السقط في الفصول في أول الكتاب، والأبواب في وسطه. فيبتدئ المصنف حكاية عن قول أبي الفرج: (يحمل على الندب ... ) وهي بدايةٌ سَقَط منها العديد من فصول باب أقسام أدلة الشرع منها ما يتعلق بالمجاز، وما يتعلق بالحقيقة، وبالمحتمل، وبالظاهر، وبعض من الأمر في تعلقه بالوجوب والندب. وأما في وسطها فتسقط منها أبوابٌ بفصولها وهي: - باب بيان حكم المجمل. - باب بيان الأسماء العرفية. - باب أحكام أفعال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. - فصلان من باب أحكام الأخبار. وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (م) نسبة الحرف الأول من البلد الذي توجد به هذه النسخة وهو: (مصر). - أما النسخ المطبوعة فهي: * النسخة المطبوعة التونسية: وهذه النسخة قد طبعت مرارًا على هامش الشيخ محمد بن حسين الهدَّة السوسي التونسي على (قُرَّة العين) للشيخ أبي عبد الله محمد بن الحطَّاب المالكي، شرح فيه كتاب الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري المتوفى سنة (478 هـ). وبتونس طبع كتاب الإشارة لأبي الوليد الباجي سنة 1323 هـ بمطبعة بيكار، ثم في سنة 1344 هـ بالمطبعة التونسية، ثم في سنة 1368 هـ بمطبعة التلبسلي، ثم في سنة 1370 هـ بمطبعة المنار. وجدير بالملاحظة أن الطبعات السابقة، وإن جاءت معراة عن التحقيق فهي في غاية الرداءة، ويصحبها كثير من السقط سواء في الكلمات أو الجمل
أو الفقرات، فضلًا عن الأخطاء المطبعية وغير المطبعية التي تعتري مجمل النصوص الواردة، كالنهار بدلًا من الظهار، وتحرير بدلًا من التحريم والحذاء بدلًا من خويز وغيرها مما هو مبين على هامش النص المحقق. هذا، وقد زينت الطبعات التونسية السابقة بخطٍ يفصل بينه وبين شرح الحطاب، حيث وضع كتاب الإشارة للباجي بأسفل الشرح على الحاشية، غير أن كثيرًا ما يُغْفَل عن وضع ذلك الخط، الأمر الذي يتسبب في تداخل الكتابين يصعب معه فهم المعنى الوارد للاختلال الحاصل. وقد رمزت لهذه النسخة بحرف: (ت) نسبة للحرف الأول من البلد الذي توجد فيه هذ النسخة وطبعت فيه وهو: (تونس). * النسخة المطبوعة المغربية: فقد أُعِدَّت على مخطوطة خزانة بن يوسف بمراكش رقم: 579. وهي نسخة معتمدة نسخت من نسخة قرئت على مؤلفها أبي الوليد الباجي، قام بإعدادها الأستاذان: مصطفى الوضيفي، ومصطفى ناجي، وطبعت بمركز إحياء التراث المغربي بالرباط مرفقة بقصيدة في أصول فقه الظاهرية لأبي محمد بن حزم المتوفى سنة (456 هـ) وبملحق يتضمن الكتب التالية: - مختصر المنار: للشيخ زين الدين أبي العز طاهر بن الحسن المعروف بابن حبيب الحلبي الحنفي المتوفى سنة (808 هـ). - مختصر تنقيح الفصول: للإمام شهاب الدين أحمد القرافي المالكي المتوفى سنة (684 هـ). - الورقات في الأصول: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي المتوفى سنة (478 هـ). - قواعد الأصول ومعاقد الفصول: للإمام صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي الحنبلي المتوفى سنة (739 هـ).
وبالرغم من أن هذه الطبعة قوبلت بإحدى الطبعات التونسية السابقة واستُدرك فيها ما سقط منها إلا أنها لم تَسْلمَ من جملة من المآخذ تتمثل فيما يلي: - سقط فقرة من فصل المجاز من قوله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) .. إلى قول المصنف (وليس فيها أحد وقد). - أخطاء في إحالة الآيات القرآنية الواردة في النص إلى أرقامها في السور. - أخطاء مطبعية تعتري جملة من الفصول أشرنا إليها خلال التحقيق. - أخطاء فاحشة تحول دون فهم المعنى المراد من النص كلفظ (ذكره بدلًا من (نكر) و (بديل) الذي تكرر أكثر من مرة بدلًا من (دليل)، و (نص) بدلًا من (خص)، و (استصحاب حال العقل) بدلًا من (استصحاب حال الأصل) و (تعمل) بدلًا من (تحمل) و (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البحر الأخضر) بدلًا من (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجرّ الأخضر) وغير ذلك مما نبهنا عنه - أيضًا - على هامش النص المحقَّق. - هذا فضلًا عن خلو الإعداد المقدم من تحقيق للنصوص الأصولية والفقهية وتخريج الأحاديث النبوية الواردة في النص. وقد رمزت لهذه النسخة برمز (ن) نسبة إلى الحرف الأول لصاحب مكتبة دار التراث - بالرباط: (ناجي مصطفى). * النسخة المطبوعة عن نسخة مكتبة أوسكريال بمدريد (إسبانيا): وهي عبارة عن بعض نصوص المخطوطة قام بتحقيقها السيد طفيل أحمد القرشي تحت إشراف الدكتور صغير الحسن المعصومي كما ساعده الدكتور فضل الرحمن، وهي صورة فوتوغرافية قام معهد الدراسات الإسلامية في باكستان بجلبها بمساعدة جامعة الدول العربية. وعلى الرغم من مساعدة مشرفيه إلا أننا نجد جملة من الأخطاء الفاحشة
التي وقع فيها المحقق، ولعل ذلك يرجع إلى الصعوبة في قراءة المخطوطة التي كتبت بالخط المغربي، وفيه أن الفاء تعجم بموحدة تحتية والقاف بموحدة فوقية والهمزة ترسم ياء، وكثيرًا ما يقع التشابه بين الراء والدال، والواي والذال وغيرها مما هو معروف من الرسم المغربي. ويمكن أن نذكر بعض هذه الأخطاء - المشار إليها آنفًا - منها: - (ابتداء الشغل) بدلًا من (ابتداء التنعل). - (إذا كان المرسل لغة) بدلًا من (إذا كان المرسل ثقة). - (فيعلِّمون الناس الدين والكلام). بدلًا من: ( ... الدين والإسلام). - (إذا كان المرسل منحدر). بدلًا من ( ... المرسل متحرزًا). - (لما أخل الإرسال). بدلًا من (لما حلَّ الإرسال). - (المستند) بدلًا من (المسند). وغير ذلك مما أشرنا إليه على هامش النص المحقق. وفضلًا عن ذلك، فإن هذه النسخة تبتدئ من باب أقسام أدلة الشرع لينتهي إلى آخر فصل من فصول باب أحكام الأخبار، وعليه فإنه ينقص منها العديد من الفصول وقد أشار المحقق إلى تناوله لبعض نصوص المخطوطة. والأبواب بفصولها التي لم يتناولها المحقق هي: * باب أحكام الناسخ والمنسوخ بتسعة فصول. * باب الإجماع وأحكامه بثمانية فصول. * باب الكلام في معقول الأصل بثلاثة فصول. * باب أحكام القياس بستة فصول. * باب حكم استصحاب الحال بثلاثة فصول. * باب أحكام الترجيح بفصله. * باب ترجيحات المتون. * باب ترجيحات المعاني.
الفرع الثالث: منهاج المؤلف في هذا الكتاب
وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (أ) أخذًا بأول حرف من كتبة (أوسكريال) التي توجد بها هذه المخطوطة. ويمكن أن نجمع الرموز السابقة على الترتيب التالي: (أ): نسخة مكتبة أوسكريال - مدريد - إسبانيا - مصورة سنة 1964 م. (ت): النسخة التونسية - طبعت بتونس سنة 1370 هـ وغيرها. (م): النسخة المصرية، نسخت سنة: 792 هـ. (ن): النسخة المغربية، نسخت سنة: 982 هـ. الفرع الثالث: منهاج المؤلف في هذا الكتاب: يمكن أن نلمس منهج المؤلف الذي سار عليه في هذا الكتاب على الوجه التالي: - أولًا: بدأ المؤًلف كتابه (الإشارة)، بعد البسملة والصلاة والسلام على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببيان أقسام أدلة الشرع حيث قسَّمها إلى ثلاثة أضرب: أصلٌ، ومعقول أصلٍ، واستصحاب حالٍ. ثم أدرج تحت الأصل: الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمة. وجعل معقول الأصل يشتمل على: لحن الخطاب، وفحوى الخطاب، والحصر، ومعنى الخطاب. وأما استصحاب الحال فقسَّمه إلى ضربين: استصحاب حال العقل، واستصحاب حال الإجماع. ثم شرع في الضرب الأول من الأصل وجعله قسمين: حقيقة ومجاز. فبعد أن عرَّف المجاز وذكر أقسامه، وتعرض إلى الخلاف القائم بين العلماء في مسألة وقوع المجاز في القرآن الكريم مرجحًا مذهب الجمهور
القائلين بوقوعه مطلقًا في القرآن والحديث واللغة في الفصل الأول، انتقل - في الفصل الثاني - إلى بيان الحقيقة وقسَّمها إلى مفصل، ومجمل. وذكر أن المفصل على ضربين: غير محتمل، ومحتمل. وأوضح - في الفصل الثالث - أن غير المحتمل هو النص، وحدَّه ومثَّل له بآية من القرآن الكريم، ثم انتقل إلى المحتمل فعرَّفه وبيَّن في الضرب الثاني أن المقصود به الظاهر والعموم لأن اللفظ في أحد محتملاته أظهر منه على سائرها، ثم أوضح أن الظاهر يشمل الأوامر والنواهي، وتعرض بعدهما إلى عموم مباحث العموم والإطلاق وما يقابلهما، ولما انتهى من بيان أحد ضربي الحقيقة بشقيه غير المحتمل والمحتمل انتقل إلى بيان المجمل المفتقر إلى البيان. هذا، وفي القسم الثاني للأصل تناول السنة الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقسمها إلى: أقوال، وأفعال، وإقرار، ثم انتقل إلى أحكام الأخبار وتعرض لبعض مباحثها من تواتر وآحاد، ومسند ومرسل، وخصص للكتاب والسنة بابًا يتعلق بهما وهو النسخ، تناوله في تسعة فصول. وهكذا واصل خطواته المنهجية في بقية الأبواب سواء المتعلقة بإجماع الأمة وهو آخر أقسام الأصل، أو بأقسام الأخرى وهي معقول الأصل أو استصحاب الحال على ما تقدم. وفي آخر الكتاب ختمه المؤلِّف ببيان صفة المجتهد وأحكام الترجيح مبينًا أن الترجيح قد يقع في الأخبار أو في العلل، ثم بيَّن أن الأخبار التي تتعارض فلا يمكن الجمع بينهما ولا يعرف المتأخر منها فإن الترجيح فيها يقع في موضعين: أحدهما: الإسناد، والثاني: المتن. فالترجيح في الإسناد جعله أحد عشر وجهًا، وكذا الترجيح من جهة المتن، ثم تناول ترجيح المعاني والعلل فجعله أيضًا على أحد عشر ضربًا. - ثانيًا: راعى المؤلِّف في كتابه الإشارة التيسير والتبسيط، فأشار إلى أهم أبواب أصول الفقه، وأوجز العبارة فى إيراده لمعاني الأدلة سواء النقلية منها
أو العقلية بايجاز غير مخلٍّ، تسهيلًا للفهم، وتمكينًا للقارئ من تحصيل المراد منه دون عناء ولا نصب مكتفيًا بذكر أهم الأقوال في المسألة الأصولية المطروحة، ولذلك سماه (الإشارة في معرفة الأصول، والوجازة في معنى الدليل)، فكانت عبارة المصنِّف علمية دقيقة مسلسة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والتعصب المذهبي. - ثالثًا: يستوعب كتاب الإشارة معلومات أصولية نفيسة، مفيدة للمبتدئ ولا يستغني عنها الباحث، فضلًا عن مجيئه شاملًا لجملة من أقوال علماء المالكية ممن لم تنل اجتهاداتهم حظها من الطباعة والنشر أمثال القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق البصري المتوفى سنة 282 هـ وأبي الحسن بن القصار المتوفى سنة 298 هـ - وأبي الفرج عمرو بن محمد بن عمرو الليثي المتوفى سنة 331 هـ وأبي بكر الأبهري المتوفى سنة 375. وأبي محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر التغلبي المتوفى سنة 422. وغير ذلك من علماء المالكية المعروفين بالإجادة والإتقان في علم أصول الفقه وغيره من العلوم الشرعية، وهذا بغض النظر عن أئمة المذاهب الأخرى. رابعًا: اختصر المؤلف كتاب (الإشارة) من كتابه الكبير المفصَّل في الأصول وهو (إحكام الفصول في أحكام الأصول) غير أنه - حرصًا على تبسيط الكتاب وتسهيله - لم يسلك فيه نهج المقارنة بين الآراء الأصولية المتعارضة بإيراد أدلتها ثم مناقشتها ونقضها وإبراز الراجح منها كما فعل في الأصل إلا نادرًا، لذلك نراه يبيِّن ما ترجح عنده من الآراء الأصولية المالكية مدعمًا ترجيحه بالحجة النقلية والعقلية، وتارة يكتفي بدليل نقلي أو عقلي. أما التعريفات الاصطلاحية الواردة في النص فقد استقاها المؤلف كلها من كتابه (الحدود في أصول الفقه)، كما يظهر - أيضًا - رجوع المؤلِّف إلى كتابه في الجدل المسمى (تفسير المنهاج في ترتيب الحجاج) فقد أفاد منه مسائل عديدة منها باب الترجيح.
ولا يخفى تأثر أبي الوليد الباجي بشيخه أبي إسحاق الشيرازي في مسائل تعرض لها في كتبه الأصولية والجدلية وهي: (التبصرة) و (شرح اللمع) و (المعونة في الجدل) كما هو الحال في اصطلاح لحن الخطاب وفحوى الخطاب وإطلاق لفظ الراوي وغيرها، كما اعتمد على كُتبه في نقل الآراء الأصولية للمذهب الشافعي، وعلى كتب شيخه أبي جعفر السمناني في نقل اجتهادات المذهب الحنفي، كما أفاد المؤلِّف من كتاب (التقريب في أصول الفقه) لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني في مسائل عديدة منها: الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، وأحكام أفعال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسائل أخرى. وكان للباجي رأي مع الاجتهادات التي يوردها، فإن حصل توافق بينها وبين رأيه أخذ بها وإلا ناقشها وفنَّدها بالحجة والبرهان. هذا، وإن كان لكتاب (الإشارة) جوانب إيجابية مهمَّة إلا أنه لا يخلو من جوانب أخرى سلبية مؤاخذِ علها - شكلًا ومضمونًا - يمكن أن نشير إليها في النقاط التالية: * عدم التوازن الحاصل بين الأبواب والفصول، بحيث أننا نجد أبوابًا تتراوح فصولها من ثلاثة إلى أحد عشر فصلًا، وأبوابًا أخرى بفصل واحد فريد كباب أحكام الاستثناء، وباب بيان الأسماء العرفية، وباب أحكام الترجيح، وأبوابًا ثالثة مجرَّدة تمامًا عن الفصول: كباب حكم المطلق والمقيد وما يتصل بالخاص والعام، وباب حكم المجمل، وتارة نجد بعض المباحث الأصولية معراة عن الأبواب والفصول كمسائل النهي. ومما تجدر ملاحظته - أيضًا - أن المؤلف قد يقسِّم المسألة إلى ضربين أو أكثر فيترك الضرب الأول ضمن الباب والأضرب الأخرى يجعلها ضمن فصول مثل ما فعل في باب الكلام في معقول الأصل، وقد يعمد - أحيانًا - إلى تقسيم المسألة قسمين، يضع القسم الأول في فصل والثاني في باب، مثل الذي حصل في باب أحكام الترجيح. وهذه المنهجية معيبَة من الناحية الشكلية.
* إقحام المؤلِّف بعض الفصول ضمن أبواب غير أصلية لها، إذ كان الأولى تخصيص باب مستقل لها، وذلك كالفصل المتعلق بالتعارض والترجيح حيث أن المؤًلف أدرجه في باب العموم وأقسامه. ولا يخفى ما جرت به عادة علماء الأصول عند تعرضهم لمسألة التعارض والترجيح أن يضعوها في باب مستقل ويؤخِّرونها مع أواخر المباحث الأصولية وهو مكانها الأصلي لها. * اقتصار المؤلِّف في مؤلَّفه على أقوال وآراء علماء المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي من غير أن يتعرض للمذهب الحنبلي، ولعلَّ اقتصاره هذا - في تقديري - جاء نتيجة اطلاعه على الاجتهادات الأصولية لعلماء المذاهب الثلاثة من خلال تلْمذَته على شيوخه من الحنفية والمالكية والشافعية. * عدم إشارته إلى كون المسألة مختلفًا فيها في العديد من المسائل، وإنما يكتفي بذكر القول منسوبًا لأهله ومقرونًا بدليله كمسألة تخصيص العموم بخبر الواحد، وتخصيص عموم القرآن وأخبار الآحاد بالقياس الجلي والخفي وفحوى الخطاب ولحن الخطالب والحصر وغيرها. * ومن مؤاخذات المؤلِّف أنه يورد الحديث الصحيح بصيغة التضعيف والتمريض كقوله: (روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس). وقوله: (فمثل ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنه سئل عن بئر بُضاعة فقال: (الماء طهور لا ينجسه شيء) وتكرر ذلك في غالب الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في النص. ولا يخفى أن هذه الطريق مغايرة لمنهج العلماء المحققين من أهل الحديث الذين يميِّزون بين صيغتين عند إيراد الحديث: - صيغة الجزم موضوعة للصحيح والحسن. - صيغة التمريض موضوعة لما عداهما.
وهذا أدب أخلَّ به جماهير أصحاب العلوم ما عدا حذاق المحدثين (¬1). * حكاية المؤلِّف عدم اختلاف العلماء في مسألة اعتبار تبعية الجواب غير المستقل بالسؤال أو الحادثة في العموم والخصوص، والعلماء في ذلك مجمعون على تبعية الجواب غير المستقل بالسؤال أو الحادثة في عمومه، وأما الاعتبار في خصوصه فالصواب أنه محل نزاع بين العلماء، ويتبع السؤال في خصوصه في أحد قولي العلماء وهو المختار عند الجمهور. * يلاحظ أن المصنِّف أطلق اصطلاح لحن الخطاب على دلالة الاقتضاء وهو من المنطوق غير الصرح تبع في ذلك شيخه أبا إسحاق الشيرازي، ونلفت النظر هنا إلى أن لحن الخطاب يختلف إطلاقه باختلاف مقصود كل أصولي، فكما أطلقه الباجي وغيره على دلالة الاقتضاء أطلقه آخرون على مفهوم المخالفة كما فعل الإسنوي، أو على المساوي من مفهوم الموافقة كما جاء عن الشوكاني إطلاقه، وسوَّى الآمدي وابن الحاجب بين لحن الخطاب وفحواه. هذا، ولم يتفق العلماء - أيضًا - على اصطلاح واحد في فحوى الخطاب، فقد أطلقه المصنف على مفهوم الموافقة وهو إطلاق الأكثرين، ويسمى أيضًا بتنبيه الخطاب، ومفهوم الخطاب على ما سماه به أبو يعلى والكلواذاني كما يطلق فحوى الخطاب على الأولوي، ويسوِّي بعض العلماء بين لحن الخطاب وفحواه على ما تقدم. * لم يعيِّن المصنِّف المراد بالراوي هل هو مخصوص بالصحابي أم أعم؟ ، كما جعل المصنف لفظ الحصر واحدًا وهو (إنما) وهو ما ذهب إليه الباقلاني وجماعة من المتكلمين خلافًا لشيخه أبي إسحاق الشيرازي وغيره الذين يذهبون إلى أن للحصر أدوات غير (إنما) منها: تقدم النفي قبل أدوات الاستثناء، ¬
وتقديم المعمولات، والمبتدأ مع الخبر، وفي هذا المضمون لم يشر المصنِّف إلى حصول الاختلاف بين العلماء في إفادة مفهوم (إنما) للحصر أم لا؟ كما لم يشر إلى أن المثبتين للحصر اختلفوا في الجهة التي تدل عليه أهي النطق أم الفهم؟ هذا ما وقفت عليه من ملاحظات عامة حول منهجية المصنف في هذا الكتاب، وقد أشرت إلى بعضها على هامش النص المحقَّق.
المخطوطة رقم (1)
المخطوطة رقم (2)
المخطوطة رقم (3)
القسم التحقيقي
باب أقسام أدلة الشرع
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا بَابُ أَقْسَامِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ (¬1) أَضْرُبٍ: أَصْلٌ، وَمَعْقُولُ أَصْلٍ، وَاسْتِصْحَابُ حَالٍ. فَأَمَّا الْأَصْلُ: فَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ. وَأَمَّا مَعْقُولُ الْأَصْلِ: فَهُوَ لَحْنُ الْخِطَابِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ وَالْحَصْرُ (¬2) وَمَعْنَى الْخِطَابِ (¬3) وَأَمَّا اسْتِصْحَابُ الْحَالِ: فَهُوَ اسْتِصْحَابُ حَالِ (¬4) الْعَقْلِ (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَالْكِتَابُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَجَازٌ وَحَقِيقَةٌ (¬1) فَأَمَّا الْمَجَازُ (¬2): فَهُوَ كُلُّ (¬3) لَفْظٍ تُجُوِّزَ (¬4) بِهِ عَنْ (¬5) مَوْضُوعِهِ (¬6). وَهُوَ عَلَى (¬7) أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (¬8): - زِيَادَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ (¬9) مِيثَاقَهُمْ} (¬10). ¬
- وَنُقْصَانٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ (¬1)} (¬2). - وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً (¬3) أَحْوَى (¬4) (¬5)} (¬6). - وَاسْتِعَارَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ (¬7)} وَقَوْلِهِ (¬8): {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (¬9)، * وَقَوْلِهِ: {إِنَّ ¬
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (¬1) وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَجَازَ لِلضَّرُورَةِ وَاللَّهُ يَتَعَالَى عَنِ الضَّرُورَةِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ، بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْفُصْحَاءُ الْمَجَازَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ، يَرَوْنَهُ أَبْلَغَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ حَقٌّ، وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا مَا لَيْسَ بَحَقِيقَةٍ. وَالْجَوَابُ: إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ مِنَ الْحَقيقَةِ بِسَبِيلٍ، وَلِذَلِكَ اجْتَمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ ضِدِّ الآخَرِ، فَتَصْدُقُ إِذَا قُلْتَ: الأَسَدُ في الدَّارِ، وَفيهَا رَجُلٌ شُجَاعٌ، وَتَكْذِبُ إِذَا قُلْتَ: زَيْدٌ في الدَّارِ، وَلَيْسَ فيهَا أَحَدٌ (¬2) وَقَدْ * (¬3) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزَمِنْدَادٍ (¬4) مِنْ أَصْحَابِنَا، (¬5) وَدَاوُدُ (¬6) ¬
الْأَصْبَهَانِيُّ (¬1): (إِنَّهُ لَا يَصِحُّ وُجُودُ الْمَجَازِ في الْقُرْآنِ) وَقَدْ بَيَّنَا ذَلِكَ (¬2). ¬
فصل
فَصْلٌ وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَهُوَ: كُلُّ (¬1) لَفْظٍ بَقِيَ عَلَى مَوْضُوعِهِ (¬2). وَهُوَ عَلَى (¬3) ضَرْبَيْنِ: مُفَصَّلٌ وَمُجْمَلٌ. وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ (¬4): فَهُوَ * مَا فُهِمَ (¬5) الْمُرَادُ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ في بَيَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ * (¬6). وَهُوَ عَلَى (¬7) ضَرْبَيْنِ: غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، وَمُحْتَمَلٌ (¬8). ¬
فصل
فَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَمَلِ فَهُوَ النَّصُّ. وَحَدُّهُ: مَا رُفِعَ في بَيَانِهِ إِلَى أَرْفَعِ (¬1) غَايَاتِهِ (¬2) نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬3)، فَهَذَا نَصٌّ في الثَّلَاثَةِ (¬4) لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ (¬5)، فَإِذَا وَرَدَ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ إِلَّا أَنْ يَرِدَ نَاسِخٌ أَوْ مُعَارِضٌ (¬6). فَصْلٌ وَأَمَّا (¬7) الْمُحْتَمَلُ فَهُوَ: مَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَزَائِدًا. وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَيْضًا (¬8): أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ في أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ أَظْهَرَ مِنْهُ في سَائِرِهَا (¬9) نَحْوُ ¬
قَوْلِكَ: لَوْنٌ، لِلَّذِي يَقَعُ عَلَى الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ (¬1) وَغَيْرِهِمَا (¬2) مِنَ الْأَلْوَانِ وُقُوعًا وَاحِدًا، لَيْسَ هُوَ في أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ أَظْهَرَ (¬3) مِنْهُ في سَائِرِهَا. فَإِذَا قَالَ لَكَ (¬4) مَنْ يَلْزَمُكَ أَمْرُهُ: (اصْبَغِ هَذَا الثَّوْبَ لَوْنًا) فَإِنْ (¬5) كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى التَّخْيِيرِ فَأَيَّ (¬6) لَوْنٍ صَبَغْتَ الثَّوْبَ (¬7) كُنْتَ مُمْتَثِلًا لِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ لَوْنًا بِعَيْنِهِ لَمْ يُمَكِّنْكَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ (¬8) اللَّوْنَ الَّذِي أَرَادَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ البَيَانُ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ إِلَى امْتِثَالِ الفِعْلِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ في أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ أَظْهَرَ مِنْهُ في سَائِرِهَا كَأَلْفَاظِ الظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ (¬9) (¬10). ¬
فصل
فَصْلٌ فَأَمَّا الظَّاهِرُ فَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَسْبِقُ فَهْمَ السَّامِعِ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي يَحْتَمِلُهَا (¬1) اللَّفْظُ (¬2) كَأَلْفَاظِ الْأَوَامِرِ (¬3) نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬4) {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬5). فَهَذَا اللَّفْظُ إِذَا وَرَدَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِبَاحَةُ نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬6)، وَالتَّعْجِيزِ نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} (¬7)، وَالتَّهْدِيدِ نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (¬8)، وَالتَّعَجُّبُ بِنَحْوِ قَوْلِكَ: أَحْسِنْ بِزَيْدٍ، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} (¬9)، ¬
فصل
* وَالتَّكْوِينُ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (¬1) * (¬2) (¬3) إِلَّا أَنَّهُ أَظْهَرُ (¬4) في الْأَمْرِ (¬5) مِنْهُ في سَائِرِ مُحْتَمَلَاتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ إِلَّا أَنْ تَرِدَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْأَمْرِ فَيُعْدَلُ عَنْ (¬6) ظَاهِرِهِ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (¬7) الدَّلِيلُ (¬8). فَصْلٌ إِذَا (¬9) ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ: اقْتِضَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ (¬10) عَلَى وَجْهِ ¬
الاسْتِعْلَاءِ وَالْقَسْرِ (¬1) (¬2). وَهُوَ (¬3) عَلَى ضَرْبَيْنِ: وَاجِبٌ، وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ. - فَالْوَاجِبُ (¬4): مَا كَانَ في تَرْكِهِ عِقَابٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكٌ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَا (¬5) نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬6). - وَالْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ: هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي في فِعْلِهِ ثَوَابٌ، وَلَيْسَ في تَرْكِهِ عِقَابٌ (¬7) مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكٌ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَا (¬8) نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ¬
{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (¬1) إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ في الْوُجُوبِ أَظْهَرُ مِنْهُ في النَّدْبِ، فَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ الْأَمْرِ عَارِيًا مِنَ الْقَرَائِنِ وَجَبَ (¬2) حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ (¬3) عَلَى أَنَّ (¬4) النَّدْبَ مُرَادٌ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ (¬5) ........................... ¬
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬1) (¬2): (يُتَوَقَّفُ فيهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى وُجُوبٍ وَلَا نَدْبٍ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ) (¬3). وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (¬4) بْنُ (¬5) الْمُنْتَابِ (¬6) وَأَبُو الْفَرَجِ (¬7) (¬8): ................ ¬
(يُحْمَلُ (¬1) عَلَى النَّدْبِ وَلَا يُعْدَلُ بِهِ إِلَى (¬2) الْوُجُوبِ إِلَّا بِدَلِيلٍ) (¬3). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ (¬4) قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (¬5) فَوَبَّخَهُ وَعَاقَبَهُ لَمَّا لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ (¬6)، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَاهُ (¬7)، الْوُجُوبَ لَمَا عَاقَبَهُ وَلَا وَبَّخَهُ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ (¬1) إِذَا وَرَدَتْ لَفَظَّةُ (افْعَلْ) بَعْدَ الْحَظْرِ اقْتَضَتْ الْوُجُوبَ أَيْضًا عَلَى أَصْلِهَا. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّهَا تَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِي. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَا قَدْ (¬2) أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِهِ (¬3) يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَهَذَا لَفْظُ الْأَمْرِ مُجَرَّدًا فَوَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ. وَتَقَدُّمُ الْحَظْرِ عَلَى الْأَمْرِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ، كَمَا أَنَّ تَقَدُّمَ الْأَمْرِ عَلَى الْحَظَرِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ (¬4). ¬
فصل
فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬1)، وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزَمَنْدَادٍ (¬2) أَنَّهُ مَذْهَبُ الْمَغَارِبَةِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ. وَقَالَ أَكْثَرُ (¬3) الْمَالِكِيِّينَ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ إِنَّهُ يَقْتَضِي (¬4) الْفَوْرَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى * مَا نَقُولُهُ أَنَّ لَفَظَّةَ (افْعَلْ) لَا تَتَضَمَّنُ الزَّمَانَ (¬5) إِلَّا كَتَضَمُّنِ الْأِخْبَارِ عَنِ (¬6) الْفِعْلِ لِلزَّمَانِ *، (¬7) وَلَوْ أَنَّ مُخْبِرًا يُخْبِرُ أَنَّهُ يَقُومُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا إِذَا وُجِدَ قِيَامُهُ (¬8) مُتَأَخِّرًا، * فَكَذَلِكَ (¬9) مَنْ أُمِرَ بِالْقِيَامِ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِمَا أُمِرَ بِهِ (¬10) إِذَا وُجِدَ (¬11) مِنْهُ الْقِيَامُ مُتَأَخِّرًا * (¬12). ¬
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلْوَاجِبِ (¬1) عَلَى التَّرَاخِي حَالَةً يَتَعَيَّنُ (¬2) وُجُوبُ الْفِعْلِ فيهَا، وَهُوَ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ (¬3) فَوَاتُ الْفِعْلِ، وَتَجْرِي إِبَاحَةُ تَأْخِيرِ (¬4) الْمُكَلَّفِ الْفِعْلَ (¬5) مَجْرَى إِبَاحَةِ تَعْزِيرِ الْإِمَامِ الْجَانِيَ وَتَأْدِيبِ الْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ (¬6) إِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ هَلَاكُهُ حُرِّمَ ذَلِكَ (¬7). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا نُسِخَ وُجُوبُ الْأَمْرِ جَازَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ (¬1) لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (¬2). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِعْلِ وَجَوَازِهِ، وَالْجَوَازُ أَلْزَمَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ (¬3) يَكُونُ جَائِزًا وَلَا يَكُونُ وَاجِبًا، * وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَلَا يَكُونُ جَائِزًا * (¬4) لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ (¬5) أَنْ يُؤْمَرَ بِفِعْلِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ (¬6) فِعْلُهُ، وَمَعْنَى الْجَائِزِ هَا هُنَا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ (¬7). ¬
فصل
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَنُسِخَ الْوُجُوبُ خَاصَّةً بَقِيَ عَلَى حُكْمِهِ في الْجَوَازِ، لِأَنَّ النَّسْخَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْجَوَازِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ (¬1) بِالْوُجُوبِ دُونَهُ (¬2) (¬3). فَصْلٌ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ مَأْمُورَانِ بِصَوْمِ (¬4) رَمَضَانَ (¬5)، مُخَيَّرَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ غَيْرِهِ (¬6). قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْمُسَافِرُ مُخَاطِبٌ بِالصَّوْمِ دُونَ الْمَرِيضِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ (¬7): (الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ غَيْرُ مُخَاطَبَيْنَ بِالصَّوْمِ). ¬
فصل
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ صَامَ أُثِيبُ عَلَى فِعْلِهِ (¬1) وَنَابَ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِهِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ بِصَوْمِهِ لَمَا أُثِيبَ عَلَيْهِ كَالْحَائِضِ لَمَّا لَمْ تُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ وَلَمْ تُثَبْ عَلَيْهِ (¬2) في حَالِ حَيْضِهَا (¬3) (¬4). فَصْلٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ (¬5) رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ¬
شَرَائِعِ الْإِيمَانِ (¬1). وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ خُوَيْزَمِنْدَادٍ (¬2): (لَيْسُوا مُخَاطِبِينَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (¬3)). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ الْمُجْرِمِينَ: {مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ ¬
فصل
بِيَوْمِ الدِّينِ} (¬1). فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْعَذَابَ حَقَّ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ (¬2) (¬3). فَصْلٌ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَنَهَانَا (¬4) عَنْ كَذَا (¬5)) وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ. * وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بْنِ (¬6) دَاوُدَ (¬7) أَنَّهُ .............................. ¬
قَالَ (¬1): لَا يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ * (¬2) حَتَّى يُنْقَلَ إِلَيْنَا لَفْظُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (¬3). وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ طَرِيقُهُ (¬4) اللُّغَةُ (¬5)، وَإِذَا كُنَّا نَحْتَجُّ في اللُّغَةِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَغَيْرِهِ (¬6) بِقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ (¬7) ¬
وَالنَّابِغَةِ (¬1) فَلأَنْ (¬2) نَحْتَجَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ (¬3) وَعُمَرَ (¬4) أَوْلَى وَأَحَقُّ لِكَوْنِهِمَا ¬
مِنْ (¬1) أَفْصَحِ الْعَرَبِ وَلِمَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ أُمُورِ (¬2) الدِّينِ وَالْفَضْلِ (¬3) (¬4). *** ¬
مسائل النهي
مَسَائِلُ النَّهْيِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمَرٌ بِأَحَدِ أَضْدَادِهِ (¬1). وَالنَّهْيُ يَنْقَسِمُ إِلَى (¬2) قِسْمَيْنِ: نَهْيٌ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَيَةِ (¬3)، وَنَهْيٌ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ (¬4)، إِلَّا أَنَّ النَّهْيَ إِذَا وَرَدَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلَّا أَنْ ¬
يَقْتَرِنَ بِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْكَرَاهِيَةِ (¬1) (¬2). وَالنَّهْيُ إِذَا وَرَدَ دَلَّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ (¬3)، وَبِهَذَا (¬4) قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ (¬5) أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ (¬6). وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬7) لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعَدَهُمْ عَلَى ¬
الاسْتِدْلَالِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ في الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ (¬1) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَاسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى فَسَادِ عَقْدِ الرِّبَا بِقَوْلِهِ: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (¬2) وَبِنَهْيِ (¬3) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مَتْفَاضِلًا (¬4). وَاحْتِجَاجِ (¬5) ابْنَ عُمَرَ (¬6) في تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ وَفَسَادِهِ بِقَوْلِهِ ¬
تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (¬1)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً (¬2) (¬3). ¬
أبواب العموم وأقسامه
أَبْوَابُ الْعُمُومِ وَأَقْسَامُهُ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُحْتَمَلَ الظَّاهِرَ في أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِهِ مِنْهُ ضَرْبَيْنِ (¬1): أَوَامِرٌ وَعُمُومٌ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا في الْأَوَامِرِ، وَالْكَلَامُ هَا (¬2) هُنَا في الْعُمُومِ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ خَمْسَةٌ (¬3) مِنْهَا: - لَفْظُ (¬4) الْجَمْعِ كَالْمُسْلِمِينَ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَبْرَارِ، وَالْفُجَّارِ. - وَأَلْفَاظُ (¬5) الْجِنْسِ كَالْحَيَوَانِ، وَالْإِبِلِ. - وَأَلْفَاظُ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ (¬6): (مَا جَاءَنِي (¬7) مِنْ أَحَدٍ). - وَالْأَلْفَاظُ الْمُبْهَمَةُ كَ (مَنْ) فيمَنْ (¬8) يُعْقَلُ، وَ (مَا) فيمَا لَا يُعْقَلُ، وَ¬
(أَيُّ) فيهِمَا مَعًا (¬1)، وَ (مَتَى) في الزَّمَانِ، وَ (أَيْنَ) في الْمَكَانِ. - وَالْاسْمُ الْمُفْرَدُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ نَحْوُ قَوْلِنَا (¬2): الرَّجُلُ وَالْإِنْسَانُ وَالْمُشْرِكُ، فَهَذَا إِذَا وَرَدَ * اقْتَضَى أَمْرَيْنِ: - أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَرِينَةِ عَهْدٍ (¬3) (¬4). - وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِهِ جَمِيعُ الْجِنْسِ، فَإِذَا وَرَدَ عَارِيًا مِنْ الْقَرَائِنِ حُمِلَ (¬5) عَلَى جَمِيعِ الْجِنْسِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُنَا عَلَى أَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (¬6) مَعْرِفَةً بِالْعَهْدِ أَوْ بِاسْتِيعَابِ الْجِنْسِ (¬7). فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَهْدٌ حُمِلَ عَلَى اسْتِيعَابِ الْجِنْسِ وَإِلَّا كَانَ نَكِرَةً. (¬8) وَمِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ: الْإِضَافَةُ (¬9) إِلَى مَا تَصِحُّ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ مِنْ هَذِهِ ¬
فصل
الْأَلْفَاظُ الْمُتَقَدِّمَةِ (¬1) (¬2) نَحْو قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ) (¬3). فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِذَا وَرَدَ (¬4) * شَيْءٌ (¬5) مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ الْمَذْكُورَةِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ (¬6) عَلَى تَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَصِيرُ (¬7) إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ (¬8) (¬9). ¬
* وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬1): (يُتَوَقَّفُ فيهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى عُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ بِهَا (¬2) * (¬3). وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (¬4) بْنُ الْمُنْتَابِ (¬5): (تُحْمَلُ عَلَى أَقَلَّ مَا تَقْتَضِيهِ الْأَلْفَاظُ) (¬6). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِهَا مَعْرِفَةً، وَإِنَّمَا تَكُونُ (¬7) مَعْرِفَةً إِذَا اقْتَضَتْ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ، فَيَتَمَيَّزُ مَا يَقَعُ تَحْتَهَا مِنْ غَيْرِهِ * وَلَوْ لَمْ يَرِدْ بِهَا جَمِيعُ الْجِنْسِ لَكَانَتْ نَكِرَةً لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ الْمُرَادُ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ * (¬8) إِذْ قَدْ بَقِيَ مِنْ جِنْسِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ (¬9)، وَلِذَلِكَ (¬10) قُلْنَا: إِنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ إِذَا ¬
فصل
نُكِّرَ (¬1) لَا يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَضَى اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ لَكَانَ مَعْرِفَةً (¬2). فَصْلٌ فَإِذَا (¬3) دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ بَقِيَ بَاقِي مَا يَتَنَاوَلُهُ (¬4) اللَّفْظُ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ (¬5) عَلَى عُمُومِهِ أَيْضًا، يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا كَانَ يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ لَمْ يُخَصْ شَيْءٌ (¬6) مِنْهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬7) فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ، ثُمَّ قَدْ (¬8) خُصَّ ذَلِكَ بِأَنْ (¬9) مُنِعَ مِنْ قَتْلِ مِنْ أَدَّى الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَبَقِيَ (¬10) الْبَاقِي ¬
عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ (¬1) وُجُوبِ الْقَتْلِ (¬2) فَيُحْتَجُّ (¬3) بِهِ في وُجُوبِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ غَيْرَ مَنْ قَدْ خَرَجَ بِالتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَلِكَ (¬4) لَوْ وَرَدَ تَخْصِيصٌ آخَرُ لَبَقِيَ اللَّفْظُ الْعَامُّ (¬5) عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ (¬6). وَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ (¬7) مَعَ اللَّفْظِ الْعَامِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ إِلَى وَقْتِ فِعْلِ الْعِبَادَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ (¬8) ذَلِكَ الْوَقْتِ (¬9) (¬10). ¬
فصل
فَصْلٌ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَكَى (¬1) الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬2) بْنُ الطَّيِّبِ (¬3) إِنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ (¬4). ¬
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِي: أَقَلُّ الْجَمْعِ (¬1) ثَلَاثَةٌ (¬2). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى (¬3): {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ في الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} (¬4)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاذْهَبَا (¬5) بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} (¬6) وَحُكِيَ (¬7) أَنَّهُ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ (¬8) ........................... ¬
وَسِيبَوَيْهِ (¬1) وَأَنْشَدَ في ذَلِكَ (¬2) .... : (¬3). وَ (¬4) مَهْمَهَيْنِ (¬5) قَذَفَيـ (¬6) ـنِ (¬7) مَرَتَيْنْ (¬8) ¬
فصل
ظَهْرَاهُمَا (¬1) مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ (¬2) (¬3). فَصْلٌ إِذَا وَرَدَ لَفْظُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ لَمْ تَدْخُلْ فيهِ جَمَاعَةُ (¬4) الْمُؤَنَّثِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، لِأَنَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ لَفْظًا تَخْتَصُّ بِهِ (¬5) في مُقْتَضَى اللُّغَةِ، قَالَ اللَّهُ ¬
تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (¬1). وَقَالَ بَعْضُ (¬2) أَهْلِ اللُّغَةِ: إِنَّ (¬3) الْوَاوَ في الْجَمْعِ السَّالِمِ تَدُلُّ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءٍ: عَلَى التَّذْكِيرِ، وَالسَّلَامَةِ، وَالرَّفْعِ، وَالْجَمْعِ، وَمَنْ يَعْقِلُ (¬4). وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ تَحْتَهُ الْمُؤَنَّثُ إِلَّا بِدَلِيلٍ (¬5)، كَمَا لَا يَقَعُ تَحْتَهُ مَا (¬6) لَا يَعْقِلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ (¬7) (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا (¬1) ثَبَتَ ذَلِكَ، فَقَدَ يَرِدُ أَوَّلُ (¬2) الْخَبَرِ عَامًّا وَآخِرُهُ خَاصًّا، وَيَرِدُ آخِرُهُ عَامًّا (¬3) وَأَوَّلُهُ خَاصًّا (¬4)، فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ كُلُّ لَفْظٍ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِسِوَاهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ (¬5) قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ (¬6)}، وَهَذَا عَامٌّ في كُلِّ مُطْلَقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا رَجْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ بَائِنَةً (¬7)، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ} (¬8)، وَهَذَا خَاصٌّ في الرَّجْعِيَّةِ. وَمِمَّا خُصَّ أَوَّلُهُ وَعُمَّ آخِرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ (¬9)} (¬10). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا تَعَارَضَ لَفْظَانِ خَاصٌّ وَعَامٌّ بُنَيَّ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ * مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغَرُبَ الشَّمْسُ) (¬1)، فَاقْتَضَى ذَلِكَ نَفْيَ كُلِّ صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَالَ: (مَنْ نامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) (¬2)، فَأَخْرَجَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْخَاصِّ الصَّلَاةَ الْمَنْسِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بَعْدَ الْعَصْرِ * (¬3) (¬4)، ............................. ¬
وَ (¬1) سَوَاءٌ كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا (¬2). وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (¬3): (إِذَا كَانَ الْخَاصُّ مُتَقَدِّمًا نَسَخَهُ الْعَامُّ الْمُتَأَخِّرُ (¬4) *، وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَالْخَاصُّ مُخْتَلَفًا فيهِ، قُدِّمَ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ * (¬5)). ¬
فصل
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْخَاصَّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَالْعَامُّ يَتَنَاوَلُهُ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، فَكَانَ الْخَاصُّ أَوْلَى (¬1) (¬2). فَصْلٌ فَإِذَا (¬3) تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ (¬4) عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عُلِمَ (¬5) التَّارِيخُ فيهِمَا نُسِخَ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ، نُظِرَ في تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذَا (¬6)، فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ (¬7)، وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى مَا تَرَجَّحَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ ¬
فصل
في أَحَدِهِمَا (¬1)، تُرِكَ النَّظَرُ فيهِمَا وَعُدِلَ إِلَى سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أُخِذَ بِهِ (¬2)، فَإِنْ تَعَذَّرَ في الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمِ (¬3) تِلْكَ الْحَادِثَةِ، كَانَ النَّاظِرُ مُخَيَّرًا في أَنْ (¬4) يَأْخُذَ بِأَيِّ اللَّفْظَيْنِ (¬5) شَاءَ الحَاظِر أَوْ الْمُبِيحُ، إِذْ لَيْسَ في الْعَقْلِ حَظْرٌ وَلَا إِبَاحَةٌ (¬6). فَصْلٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ ¬
الْفُقَهَاءِ (¬1)، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ (¬2) (¬3)، وَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَأَخْبَارِ (¬4) الْآحَادِ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْخَفيِّ (¬5)، لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ، ¬
وَمَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ (¬1) دَلِيلَيْنِ (¬2) كَانَ أَوْلَى مِنْ اطْرَاحِ أَحَدِهِمَا وَالْأَخْذِ بِالْآخَرِ، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ إِنَّمَا نُصِبَتْ لِلْأَخْذِ (¬3) بِهَا وَالْحُكْمِ بِمُقْتَضَاهَا، فَلَا يَجُوزُ (¬4) اطْرَاحُ شَيْءٍ مِنْهَا مَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ وَقَدْ يَقَعُ (¬1) التَّخْصِيصُ أَيْضًا (¬2) بِمَعَانٍ في أَفْعَالِ النَّبِيِّ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقْرَارِهِ عَلَى الْحُكْمِ (¬4) وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ (¬5)، ¬
وَلَا يَقَعُ التَّخْصِيصُ (¬1) بِمَذْهَبِ الرَّاوِي (¬2) وَذَلِكَ مِثْلُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ (¬3) عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬4): (الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا (¬5)) (¬6)، ¬
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ (¬1). فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِي (¬2) إِلَى (¬3) أَنَّهُ يَقَعُ التَّخْصِيصُ بِذَلِكَ (¬4) (¬5). ¬
وَذَهَبَ مَالِكٌ (¬1) رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ (¬2)، وَهُوَ الصَّحِيحُ (¬3)، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ (¬4)، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْرَحَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِقَوْلِ غَيْرِهِ (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ هَذَا الْكَلَامُ في اللَّفْظِ الْعَامِ الْوَارِدِ ابْتِدَاءً. فَأَمَّا الْوَارِدُ عَلَى سَبَبٍ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ (¬1): مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَغَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. فَأَمَّا الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَمِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَقَالَ: (الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (¬2)) (¬3)، فَمِثَّلُ هَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيهِ: فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ (¬4) رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يُقْصَرُ (¬5) عَلَى سَبَبِهِ، وَإِلَيْهِ ¬
ذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي (¬1) وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِلَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ دُونَ السَّبَبِ، لِأَنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَوْ انْفَرَدَ لَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَالسَّبَبُ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الاعْتِبَارُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (¬2) الْحُكْمُ دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ (¬3) بِهِ (¬4). ¬
وَأَمَّا مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، فَمِثْلُ مَا سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ (¬1) إِذَا يَبِسَ (¬2)؟ قَالُوا: (نَعَمْ) قَالَ: (فَلَا إِذًا) (¬3) ............................... ¬
فَمِثْلُ (¬1) هَذَا الْجَوَابِ يُقْصَرُ (¬2) عَلَى سَبَبِهِ، وَيُعْتَبَرُ بِهِ في خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ، وَلَا اخْتِلَافَ في ذَلِكَ نَعْلَمُهُ (¬3) (¬4). ¬
باب أحكام الاستثناء
بَابُ أَحْكَامِ الاسْتِثْنَاءِ وَمِمَّا (¬1) يَتَّصِلُ بِالتَّخْصِيصِ وَيَجْرِي مَجْرَاهُ: الْاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ (¬2): اسْتِثْنَاءٌ يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ، (¬3) وَاسْتِثْنَاءٌ لَا يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ. فَأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ (¬4) الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ، واسْتِثْنَاءٌ مِنَ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَاسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجُمْلَةِ (¬5). فَأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجِنْسِ فَقَوْلُكَ (¬6): (رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَّا زَيْدًا). وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ (¬7) الْجُمْلَةِ فَقَوْلُكَ (¬8): (رَأَيْتُ زَيْدًا (¬9) إِلَّا يَدَهُ). وَأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَلَا يَقَعُ بِهِ التَّخْصِيصُ (¬10)، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ (¬11) مِنَ الْجُمْلَةِ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَتْهُ (¬12)، وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ. ¬
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خُوَيْزَ منْدَادٍ (¬1): (لَا يَجُوزُ) (¬2). وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (¬3)، وَالْخَطَأُ لَا يُقَالُ فيهِ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا لَيْسَ (¬4) لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ قَالَ النَّابِغَةُ (¬5): وَقَفْتُ فيهَا أُصَيْلانًا (¬6) أُسَائِلُهَا (¬7) ... عَيَّتْ (¬8) جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ ¬
فصل
إِلَّا أَوَارِيُّ (¬1) لِأْيًا (¬2) مَا أُبَيِّنُهَا (¬3) ... وَالنُّوْيُ (¬4) كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ (¬5) الْجَلَدِ (¬6) فَصْلٌ الاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ بِجُمَلٍ مِنْ الْكَلَامِ (¬7) مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى (¬8) ¬
بَعْضٍ يَجِبُ رُجُوعُهَا إِلَى جَمِيعِهَا عِنْدَ جَمَاعَةِ (¬1) أَصْحَابِنَا (¬2). وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬3) فيهِ بِمَذْهَبِ بِالْوَقْفِ (¬4) (¬5). وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: (يَرْجِعُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلَيْهِ) (¬6). وَمِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬7). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْمَعْطُوفَ بَعْضَه عَلَى بَعْضٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ ¬
جَمِيعِهِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ مَنْ قَالَ: (اضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا وَخَالِدًا) وَبَيْنَ مِنْ قَالَ: (اضْرِبْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ). وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَوْ وَرَدَ الاسْتِثْنَاءُ عَقِيبَ (¬1) جُمْلَةٍ مَذْكُورَةٍ بِاسْمٍ وَاحِدٍ لَرُدَّ إِلَى جَمِيعِهَا، فَكَذَلِكَ (¬2) إِذَا وَرَدَ عَقِيبَ (¬3) مَا عُطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ (¬4). ¬
باب حكم المطلق والمقيد وما يتصل بالخاص والعام
بَابُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَمَا (¬1) يَتَّصِلُ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ الْمُقَيَّدُ وَالْمُطْلَقُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حُكْمَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬2): التَّقْيِيدُ (¬3) يَقَعُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءٍ: الْغَايَةِ، وَالشَّرْطِ، وَالصِّفَةِ. فَأَمَّا الْغَايَةُ فَقَوْلُكَ (¬4): (اضْرِبْ زَيْدًا وَعَمْرًا أَبَدًا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ) فَلَوْلَا (¬5) أَنَّهُ قَيْدَ الضَّرْبَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْحَقِّ لَاقْتَضَى ذَلِكَ (¬6) ضَرْبَهُ أَبَدًا. وَأَمَّا الشَّرْطُ فَقَوْلُكَ (¬7): (مَنْ جَاءَكَ (¬8) مِنَ النَّاسِ فَأُعْطِهِ دِرْهَمًا) فَقُيِّدَ ¬
ذَلِكَ بِالشَّرْطِ. وَأَمَّا الصِّفَةُ فَقَوْلُكَ (¬1): (اعْطِ الْقُرَشِيِّينَ الْمُؤْمِنِينَ) فَقُيِّدَ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاقْتَضَى اللَّفْظُ كُلَّ قُرَشِيٍّ (¬2) (¬3). فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَوَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ (¬4) يَكُونَا مِنْ جِنْسَيْنِ أَوْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. فَإِنَّ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ (¬5)، فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ (¬6) أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لِأَنَّ تَقْيِيدَ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ لَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ (¬7) رَقَبَةِ الْعِتْقِ بِالْإِيمَانِ (¬8). ¬
وَأَمَّا إِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحْدٍ (¬1) * فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ (¬2) يَتَعَلَّقَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ بسَبَبٍ (¬3) وَاحِدٍ * (¬4). فَإِنَّ تَعَلَّقَا (¬5) بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوَ أَنْ يُقَيِّدَ الرَّقَبَةَ في الْقَتْلِ بِالْإِيمَانِ وَيُطْلِقَهَا في الظِّهَارِ (¬6) فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا (¬7) إِلَّا بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِي (¬8): (يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى ¬
الْمُقَيَّدِ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ (¬1)). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُطْلَقَ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ، وَإِطْلَاقُ الْمُطْلَقِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْتَّقْيِيدِ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُقَيَّدِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْإِطْلَاقِ عَنْهُ (¬2)، فَلَوْ وَجَبَ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ لِأَنَّ (¬3) مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ مُقَيَّدٌ لَوَجَبَ (¬4) إِطْلَاقُ الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ مِنْ (¬5) جِنْسِهِ مَا هُوَ مُطْلَقٌ (¬6). ¬
وَأَمَّا إِذَا كَانَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ مِثْلُ أَنْ تَرِدَ الزَّكَاةُ في مَوْضِعٍ (¬1) وَاحِدٍ (¬2) مُقَيَّدَةً بَالْسَّوْمِ (¬3)، وَتَرِدَ في مَوْضِعٍ (¬4) آخَرَ مُطْلَقَةً فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ (¬5) (¬6)، وَسَيَرِدُ في مَوْضِعِهِ الْكَلَامُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (¬7). *** ¬
باب بيان حكم المجمل
بَابُ بَيَانِ حُكْمِ الْمُجْمَلِ (¬1) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُفَصَّلٌ، وَمُجْمَلٌ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ في الْمُفَصَّلِ، وَالْكَلَامُ هَا هُنَا في الْمُجْمَلِ. وَجُمْلَتُهُ (¬2): أَنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُفْهَمُ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ لَفْظِهِ وَيَفْتَقِرُ في الْبَيَانِ إِلَى غَيْرِهِ (¬3)، نَحْوُ قَوْلِهِ (¬4) تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬5) فَلَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ بِ (الْحَقِّ) مِنْ نَفَسِ اللَّفْظِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَيَانٍ يَكْشِفُ عَنْ جِنْسِ الْحَقِّ وَقَدْرِهِ، فَإِذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذَا وَجَبَ اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ إِلَى أَنْ يَرِدَ بَيَانُهُ، فَيَجِبُ امْتِثَالُهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (¬6)، وَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (¬7) وَ {لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (¬8)، ¬
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1). فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (¬2) إِلَى أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ (¬3). وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ نَصْرٍ (¬4): (كُلُّهَا مُجْمَلَةٌ إِلَّا قَوْلُهُ (¬5) تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، فَإِنَّهُ (¬6) عَامٌ). وَقَالَ مُحَمَّدُ (¬7) بْنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ (¬8): (كُلُّهَا عَامَّةٌ، فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى عُمُومِهَا إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ). وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي (¬9). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْ هَذِهِ (¬10) الْأَلْفَاظِ يَقْتَضِي في اللُّغَةِ جِنْسًا مَخْصُوصًا، فَالصَّلَاةُ مَعْنَاهَا: الدُّعَاءُ، فَإِذَا (¬11) وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ كَانَ امْتِثَالُهُ (¬12) بِكُلِّ (¬13) مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الاسْمِ مِنْ الدُّعَاءِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، ¬
لَكِنَّ (¬1) الشَّرْعَ قَدْ خَصَّ مِنْهُ دُعَاءً مَخْصُوصًا تَقْتَرِنُ بِهِ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالصَّوْمُ هُوَ: الْإِمْسَاكُ، لَكِنَّ الشَّرْعَ قَدْ خَصَّ مِنْهُ إِمْسَاكًا مَخْصُوصًا عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ في أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ (¬2) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ (¬3) وَالزَّكَاةُ: هِيَ (¬4) النَّمَاءُ، وَالْحَجُّ: هُوَ (¬5) الْقَصْدُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (¬6) الَّذِي يَقْتَضِي قَتْلَ كُلِّ مُشْرِكٍ، وَقَدْ خَصَّ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ أَنْوَاعًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (¬7). ¬
باب بيان الأسماء العرفية
بَابُ بَيَانِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفيَّةِ (¬1) وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْبَابِ الْأَسْمَاءُ الْعُرْفيَّةُ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: (عُرْفيَّةٌ) أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ مَوْضُوعَةً في كَلَامِ الْعَرَبِ لِجِنْسٍ مَا، ثُمَّ يَغْلُبُ عَلَيْهَا عُرْفُ الاسْتِعْمَالِ في بَعْضِ ذَلِكَ الْجِنْسِ نَحْوَ قَوْلِنَا: (دَابَّةٌ)، هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ مَا دَبَّ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ عُرْفُ الاسْتِعْمَالِ في نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: (صَلَاةٌ) هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ دُعَاءٍ في اللُّغَةِ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ عُرْفُ الاسْتِعْمَالِ في نُوعٍ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَعُرْفُ الاسْتِعْمَالِ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: اللُّغَةُ، نَحْوُ قَوْلِنَا: (دَابَّةٌ). وَالثَّانِي: عُرْفُ (¬2) الشَّرِيعَةِ (¬3) نَحْوُ قَوْلِنَا: (صَلَاةٌ)، وَ (صَوْمٌ) وَ (حَجٌّ). ¬
وَالثَّالِثُ: عُرْفُ الصِّنَاعَةِ كَتَسْمِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابَةِ (¬1) الدِّيوَانَ زِمَامًا، وَتَسْمِيَةِ أَهْلِ الْإِبِلِ الْخِطَامَ زِمَامًا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِذَا وَرَدَ شَيْءٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفيَّةِ وَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا عُرِفَ (¬2) بِالاسْتِعْمَالِ فيهِ (¬3) مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْهَا (¬4). *** ¬
باب أحكام أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -
بَابُ (¬1) أَحْكَامِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّنَّةُ الْوَارِدَةُ عَن (¬2) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَقْوَالٌ، وَأَفْعَالٌ، وَإِقْرَارٌ (¬3)، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ في الْأَقْوَالِ، وَالْكَلَامُ هَا هُنَا (¬4) في الْأَفْعَالِ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إِلَى (¬5) قِسْمَيْنِ: ¬
أَحَدُهُمَا: مَا يَفْعَلُهُ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ، فَحُكْمُهُ: حُكْمُ الْمُجْمَلِ في الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ (¬1). وَالثَّانِي: مَا يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً، وَذَلِكَ (¬2) أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ هُمَا (¬3): أَحَدُهُمَا (¬4): أَنْ تَكُونَ فيهِ قُرْبَةٌ نَحْوُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَصُومَ، فَهَذَا قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فيهِ. فَذَهَبَ (¬5) ابْنُ الْقَصَّارِ (¬6) وَالْأَبْهَرِيُّ (¬7) وَغَيْرُهُمَا إِلَى ¬
أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ (¬1). وَقَالَ ابْنُ الْمُنْتَابِ (¬2): (هِيَ (¬3) عَلَى النَّدْبِ) (¬4). ¬
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬1): (هِيَ عَلَى الْوَقْفِ) (¬2) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (¬3). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (¬4)، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (¬5)، ¬
وَالْأَمْرُ يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ حَقِيقَةً (¬1)، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ رُجُوعُهُمْ إِلَى قَوْلِ عَائِشَةَ (¬2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا اخْتَلَفُوا في وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْتِقَاءِ الِخْتَانَيْنِ: (فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاغْتَسَلْنَا) (¬3)، وَأَخَذَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالْتَزَمُوهُ (¬4) وَاجِبًا (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ (¬1) وَأَمَّا الضَّرْبُ (¬2) الثَّانِي: وَهُوَ مَا لَا قُرْبَةَ (¬3) فيهِ، نَحْوُ: الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ نَحْوُ: الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ، وَابْتِدَاءِ الْتَّنَعُّلِ (¬4) بِالْيَمِينِ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ النَّدْبَ هَا هُنَا لَيْسَ في نَفَسِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ في صِفَةِ الْفِعْلِ، وَتِلْكَ قِرْبَةٌ (¬5) (¬6). ¬
فصل
فَصْلٌ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنْ (¬1) يُفْعَلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلٌ وَلَا يُنْكِرُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ (¬2) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ (¬3)، وَذَلِكَ نَحْوُ (¬4) مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَلَّمَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ (¬5) ذُو الْيَدَيْنِ (¬6): (أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ) وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَلَامَ في الصَّلَاةِ لِيَفْهَمَ الْإِمَامُ (¬7)، ...................... ¬
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ (¬1). *** ¬
باب أحكام الأخبار
بَابُ أَحْكَامِ الْأَخْبَارِ (¬1) الْخَبَرُ هُوَ الْوَصْفُ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ (¬2). وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى (¬3) قِسْمَيْنِ: صِدْقٌ وَكَذِبٌ، فَالصِّدْقُ: هُوَ الْوَصْفُ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ. وَالْكَذِبُ: هُوَ الْوَصْفُ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى مَا لَيْسَ بِهِ (¬4). فَصْلٌ (¬5) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: تَوَاتُرٌ وَآحَادٌ: فَالتَّوَاتُرُ: مَا وَقَعَ الْعِلْمُ بِمُخْبَرِهِ ضَرُورَةً مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ (¬6) (¬7)، نَحْوُ ¬
الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ وُجُودِ مَكَّةَ وَخُرَاسَانَ وَمِصْرَ، وَظُهُورِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَوُرُودِ الْقُرْآنِ (¬1) (¬2). وَأَمَّا خَبَرُ الْآحَادِ: فَمَا (¬3) قَصُرَ عَنِ التَّوَاتُرِ (¬4)، وَذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ وَإِنَّمَا يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّ السَّامِعِ لَهُ صِحَّتُهُ لِثِقَةِ الْمَخْبِرِ بِهِ (¬5)، لِأَنَّ الْمُخْبِرَ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالسَّهْوُ كَالشَّاهِدِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ (¬6) بْنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ (¬7): (يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ). وَالْأَوَّلُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُسْنَدٌ (¬1)، وَمُرْسَلٌ. فَالْمَسْنَدُ (¬2): مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ (¬3). وَهُوَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ. وَأَنْكَرَ الْعَمَلَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ (¬4). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ (¬5) أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (¬6) مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَنْ يَتَعَبَّدَنَا ¬
الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعَمَلِ بِخَبَرِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا ثِقَتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَنَا الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ، كَمَا تَعَبَّدَنَا بِالْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَينَ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا ثِقَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَنَا الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمَا. وَلِذَلِكَ (¬1) يَرْجِعُ (¬2) كَثِيرٌ مِنَ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ قَبُولِهَا وَبَعْدَ إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِهَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِذُ أُمَرَاءَهُ إِلَى الْبِلَادِ يُعَلِّمُونَ (¬3) النَّاسَ الدِّينَ وَالْإِسْلَامَ (¬4)، وَيَأْخُذُونَ مِنْهُمْ الصَّدَقَاتِ (¬5). وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْآحَادِ كَرُجُوعِ عُمْرَ بْنِ الْخَطَّابِ (¬6) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ شَرْعٍ (¬7) بِخَبَرِ ¬
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوْفٍ (¬1)، وَأَخْذِهِ جِزْيَةَ (¬2) الْمَجُوسِ بِخَبَرِهِ (¬3)، وَرُجُوعِ الصَّحَابَةِ إِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ (¬4) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في الْغُسْلِ مِنِ الْتِقَاءِ ¬
الِخْتَانَيْنِ (¬1)، وَأَخْذِ عُثْمَانَ (¬2) في السُّكْنَى بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ (¬3) (¬4) بِنْتَ مَالِكٍ (¬5)، ¬
فصل
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً (¬1). فَصْلٌ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ: فَهُوَ مَا انْقَطَعَ إِسْنَادُهُ فَأُخِلَّ فيهِ بِذِكْرِ بَعْضِ رُوَاتِهِ (¬2). ¬
وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ غَيْرَ (¬1) مُتَحَرِّزٍ (¬2)، فَإِذَا كَانَ مُتَحَرِّزًا (¬3) لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنِ الثِّقَاتِ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ (¬4) وَسَعِيدِ (¬5) بْنِ الْمُسَيِّبِ (¬6) .................. ¬
فَإِنَّهُ يَجِبُ (¬1) الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ (¬2) رَحِمَهُ اللَّهُ (¬3) وَأَبِي حَنِيفَةَ (¬4). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَرَاسِلُ (¬5) ¬
سَعِيدِ (¬1) بْنِ الْمُسَيِّبِ خَاصَّةً، فَإِنِّي اعْتَبَرْتُ (¬2) مَرَاسِيلَةُ (¬3) فَوَجَدْتُهَا مُسْنَدَةً) (¬4). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ: اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى نَقْلِ (¬5) الْمُرْسَلِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْحَدِيثَ لِمَا حَلَّ الْإِرْسَالُ، فَمِمَّنْ (¬6) أَرْسَلَ وَبَلَغْنَا ذَلِكَ عَنْهُ: أَبُو هُرَيْرَةَ (¬7)، ¬
وَابْنُ عَبَّاسٍ (¬1) وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ (¬2)، ...................... ¬
وَابْنُ عُمَرَ (¬1)، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (¬2) وَغَيْرُهُمْ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (¬3) (¬4): (إِنْكَارُ الْمُرْسَلِ (¬5) بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ الْمِئَتَيْنِ) (¬6)، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ (¬7) سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ الْمُرْسِلُ ثِقَةً (¬8) ¬
مُتَحَرِّزًا (¬1)، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدٍ إِلَّا بِمَا اتَّصَلَ بِهِ (¬2) إِسْنَادُهُ فَلَمْ يَأْخُذْ بِمُرْسَلِهِ * وَإِنَّمَا أَخَذَ بِالْمَسْنَدِ فَلَا (¬3) مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَخَذَ بِمُرْسَل سَعِيدٍ وَإِنْ كَانَ أَخَذَ بِمَرَاسِلِهِ (¬4) * (¬5)، لِأَنَّهُ وَجَدَ مِنْهَا مَا يُسْنِدُ (¬6)، فَهَذَا (¬7) حُكْمُ غَيْرِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ أَنَّنَا قَدْ اتَّفَقْنَا (¬8) عَلَى أَنَّ (¬9) التَّعْدِيلَ يَقَعُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ: (فُلَانٌ ثِقَةٌ) وَلَا يَحْتَاجُ (¬10) إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَلَمِ أَنْ يُبَيِّنَ (¬11) مَعْنَى الْعَدَالَةِ عِنْدَهُ، فَإِذَا عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ أَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِرْسَالُهُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ: (حَدَّثَنِي فُلَانٌ - وَهُوَ ثِقَةٌ (¬12) -) وَقَدْ (¬13) أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ (¬14) ذَلِكَ لَوَجَبَ تَقْلِيدُهُ في تَعْدِيلِهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَلَ عَنْهُ (¬15). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا رَوَى الرَّاوِي (¬1) الْخَبَرَ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ (¬2) لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (¬3) وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: (إِنَّ ذَلِكَ (¬4) يُبْطِلُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ) (¬5). ¬
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ خَبَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَجَبَ عَلَى الصَّحَابِي وَغَيْرِهِ (¬1) امْتِثَالُهُ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ (¬2) دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِهِ، وَلَيْسَ إِذَا تَرَكَهُ تَارِكً مِمَّا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ عَمَّنْ بَلَغَهُ، وَلِذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ في الْأَمَةِ إِذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ خُيِّرَتْ بِخَبَرِ (¬3) برِيرَةَ (¬4) بِيعَتْ (¬5) فَأُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (¬6) ........................ ¬
فصل
فَخُيِّرَتْ (¬1)، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ (¬2) أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ (¬3) طَلَاقُهَا * (¬4) (¬5). فَصْلٌ إِذَا رَوَى الرَّاوِي الْخَبَرَ فَأَنْكَرَهُ الْمُرْوَى عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ (¬6) عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَقَّفَ فيهِ وَيَشُكُّ. ¬
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْطَعَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ (¬1). فَأَمَّا (¬2) إِنَّ شَكَّ الْمُرْوَى عَنْهُ فيهِ فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِي إِلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ (¬3). * وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ (¬4) إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ * (¬5). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ نِسْيَانَهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ مَوْتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا ¬
عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ لَا يُسْقِطُ الْعَمَلَ بِهِ فَكَذَلِكَ (¬1) نِسْيَانُهُ (¬2). وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ (¬3) بِهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ: (هُوَ في رِوَايَتِي وَلَمْ أُحَدِّثْ بِهِ الرَّاوِي)، فَهَذَا لَا يَمْنَعُ (¬4) وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُرْوَى عَنْهُ. وَأَمَّا إِذَا قَالَ: (لَمْ أَرْوِهِ قِطُّ)، فَهَذَا مِمَّنْ (¬5) لَا يَجُوزُ الاحْتِجَاجُ بِهِ جُمْلَةً، لِأَنَّ الْمُرْوَى عَنْهُ إِنْ (¬6) كَانَ كَاذِبًا فَقَدْ بَطَلَ (¬7) الْخَبَرُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ بَطَلَ الْخَبَرُ أَيْضًا لإِخْبَارِه ِأَنَّهُ (¬8) لَمْ يَرَوِهِ (¬9). ¬
فصل
فَصْلٌ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الثَّبْتِ الْمَشْهُورِ (¬1) بِالْحِفْظِ (¬2) وَالْإِتْقَانِ (¬3) الْزِيَادْةَ (¬4) في الْخَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مَعْمُولٌ بِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ * في قَوْلِهِمْ: (لَا يُقْبَلُ (¬5) ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ (¬6)، [وَلِبَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ في قَوْلِهِمْ: (تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْعَدْلِ عَلَى الْإِطْلَاقِ (¬7)] * (¬8). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى غَرِيمِهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ (¬9) وَشَهِدَ شَاهِدَانِ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ (¬10) لأَخَذَ (¬11) بِالزِّيَادَةِ * فَكَذَلِكَ الْخَبَرُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ بِنَقْلِ خَبَرٍ لَقُبِلَ مِنْهُ فَكَذَلِكَ * (¬12) إِذَا انْفَرَدَ بِنَقْلِ زِيَادَةٍ في (¬13) الْخَبَرِ (¬14). ¬
فصل
فَصْلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا نُقِلَ عَلَى وَجْهِ الْإِجَازَةِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ (¬1) الْعُلَمَاءِ (¬2). وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ (¬3): (لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِجَازَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُنَاوَلَةً وَ (¬4) أَنْ (¬5) يَكْتُبَ إِلَيْهِ الْمُجِيزُ (¬6): أَنَّ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ الدِّيوَانَ الْفُلَانِيَّ ¬
- بِعَدَدٍ (¬1) مِنْ ذَلِكَ - مِنْ رِوَايَتِي عَنْ فُلَانٍ فَارْوِ ذَلِكَ عَنِّي) (¬2). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَنْ كَتَبَ إِلَى غَيْرِهِ: (إِنَّ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ (¬3) إِنَّ دِيوَانَ الْمُوَطَّأ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمَعْلُومَةِ رَوَيْتُهُ (¬4) عَنْ (¬5) زَيْدٍ (¬6) فَارْوِهِ عَنِّي إِذَا صَحَّ عِنْدَكَ) يَحْتَاجُ في ثَبَاتِ (¬7) الْكِتَابِ (¬8) عِنْدَهُ (¬9) إِلَى نَقْلِ الثِّقَةِ (¬10) ثُمَّ يَحْتَاجُ في تَصْحِيحِ كِتَابِ الْمُوَطَّأ وَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِأَصْلِ الْمُجِيزِ لَهُ (¬11) إِلَى نَقْلِ ثِقَةٍ أَيْضًا، فَتَحْصُلُ لَهُ (¬12) الرِّوَايَةُ بَعْدَ ثَبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ (¬13) مِنْ طَرِيقَيْنِ. ¬
وَإِذَا قَالَ لَهُ مُشَافَهَةٍ: (مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ حَدِيثِي فَارْوِهِ عَنِّي) لَمْ يَحْتَجْ في ذَلِكَ إِلَّا (¬1) إِلَى إِخْبَارِ ثِقَةٍ، بِأَنَّ (¬2) هَذَا الْكِتَابَ رَوَاهُ الْمُجِيزُ لَهُ (¬3) عَنْ فُلَانٍ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ (¬4) إِلَّا مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إِذَا (¬5) ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ في النَّوْعِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ إِجَازَتُهُ فَبِأَنْ تَصِحَّ هَا هُنَا أَوْلَى وَأَحْرَى (¬6) (¬7). *** ¬
باب أحكام الناسخ والمنسوخ
بَابُ أَحْكَامِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ النَّسْخُ: هُوَ إِزَالَةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدِّمِ بِشَرْعٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ (¬1) لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا (¬2)، وَذَلِكَ أَنَّ (¬3) النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ شَرْعِيَيْنَ (¬4)، فَأَمَّا النَّاقِلَ عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ (¬5) أَوْ السَّاقِطُ بَعْدَ ¬
فصل
ثُبُوتِهِ وَامْتِثَالِ مُوجِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا (¬1). فَصْلٌ إِذَا (¬2) ثَبَتَ ذَلِكَ، فَإِذَا (¬3) نَقَصَ بَعْضُ الْجُمْلَةِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا فَقْدَ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ، * وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِي * (¬4). وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: (هُوَ نَسْخٌ (¬5)) (¬6). ¬
وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ في النَّصِّ (¬1)، قَالَ (¬2) أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: (هُوَ نَسْخٌ). * وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ الشَّافِعِي: (لَيْسَتْ بِنَسْخٍ) * (¬3). وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬4) (¬5): (إِنْ كَانَ النَّقْصُ مِنَ الْعِبَادَةِ أَوِ الزِّيَادَةُ فيهَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ الْمَزِيدَ فيهِ أَوِ الْمَنْقُوصَ مِنْهُ حَتَّى يَجْعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ (¬6) عِبَادَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا عِبَادَةً ثَابِتَةً (¬7)، وَقُرْبَةً (¬8) مُسْتَقِلَّةً، أَوْ يَجْعَلَ (¬9) مَا كَانَ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ فَهُوَ نَسْخٌ، نَحْوَ أَنْ يُزَادَ في الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ رَكْعَتَانِ، رَكْعَتَانِ أُخْرَيَتَانِ (¬10) فَهَذَا يَكُونُ نَسْخًا لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ (¬11) حِينئِذٍ ¬
لَا تَكُونُ (¬1) صَلَاةً شَرْعِيَّةً، وَكَذَلِكَ إِذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ أَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ نَسْخٌ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ صَلَاةً. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُغَيِّرْ (¬2) الزِّيَادَةُ وَلَا النُّقْصَانُ حُكْمَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَلَا الْمَنْقُوصِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِنَسْخٍ، مِثْلَ أَنْ يُؤْمَرَ في حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ يُؤْمَرُ فيهِ (¬3) بِثَمَانِينَ، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تُبْطِلُ حُكْمَ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ (¬4) الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالثَّمَانِينَ لَأَجْزَتْ (¬5) عَنِ الْأَرْبَعِينَ وَلْيَبْنِ عَلَيْهَا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ (¬6) الثَّمَانِينَ، وَالَّذِي أُمَرَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُجْزِيهِ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَبْتَدِئَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُمِرَ بِجَلْدِ ثَمَانِينَ في الْخَمْرِ ثُمَّ نُقِصَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِجَمِيعِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْأَرْبَعِينَ فَقَطْ (¬7). ¬
فصل
فَصْلٌ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَدْخُلُ الْأَخْبَارِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: (يَدْخُلُ النَّسْخُ في الْأَخْبَارِ). وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْخَبَرِ لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ (¬1)، لِأَنَّ ذَلِكَ ¬
فصل
لَا يَكُونُ نَسْخًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا لَكِنْ إِنْ ثَبَتَ بِالْخَبَرِ حُكْمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ جَازَ أَنْ يَدْخُلَهُ النَّسْخُ (¬1). فَصْلٌ يَجُوزُ نَسْخُ الْعِبَادَةِ بِمِثْلِهَا وَمَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهَا (¬2) وَأَثْقَلُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ ¬
الْفُقَهَاءِ. وَمَنَعَ قَوْمٌ (¬1) نَسْخَ الْعِبَادَةِ بِمَا هُوَ أَثْقَلُ مِنْهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْبَارِي تَعَالَى قَدْ (¬2) أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفينَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إِيجَابُهُ (¬3) وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ (¬4) تَحْرِيمُهُ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّعَبُّدَ (¬5) بِمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَيْهِمْ (¬6) * مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ جَازَ أَيْضًا أَنْ يَنْسَخَ عَنْهُمْ الْعِبَادَةَ بِمَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا (¬7) * (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا وَرَدَتِ التِّلَاوَةُ مُتَضَمِّنَةً حُكْمًا وَاجِبًا عَلَيْنَا مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ فَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَأُمِرْنَا (¬1) بِتِلَاوَتِهَا فَإِنَّ فيهَا حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْعِبَادَةِ. وَالثَّانِي: مَا أَلْزَمْنَاهُ مِنْ حِفْظِهَا وَتِلَاوَتِهَا (¬2)، وَذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ تَضَمَّنَ الْخَبَرُ حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: صَوْمٌ (¬3)، وَالْآخَرُ: صَلَاةٌ. فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ جَازَ نَسْخُ الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ (¬4) التِّلَاوَةِ * وَجَازَ نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ (¬5). ¬
فَأَمَّا نَسْخُ الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ التِّلَاوَةِ فَهُوَ * (¬1) مِثْلُ نَسْخِ حُكْمِ التَّخْيِيرِ (¬2) بَيْنَ الصَّوْمِ أَوِ الْفِدْيَةِ لِمَنْ طَاقَ الصَّوْمَ (¬3)، وَنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (¬4)، وَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (¬5)، ¬
وَإِنْ بَقِيَتْ التِّلَاوَةُ لِذَلِكَ (¬1) كُلّهِ. وَأَمَّا بَقَاءُ الْحُكْمِ وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ فَمَا تَظَاهَرَتْ (¬2) بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ نَسْخِ تِلَاوَةِ آيَةِ (¬3) الرَّجْمِ (¬4)، وَنَسْخِ خَمْسِ (¬5) رَضَعَاتٍ (¬6)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَقِيَ حُكْمُهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ. ¬
فصل
فَصْلٌ يَصِحُّ نَسْخُ (¬1) الْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَعَلَى ذَلِكَ (¬2) أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ الصَّيْرَفيُّ (¬3) وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ (¬4): (لَا يَصِحُّ (¬5) نَسْخُ الْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِ الْفِعْلِ) (¬6). ¬
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ (¬1) مَا أُمِرَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ (¬2) (¬3) ثُمَّ نُسِخَ عَنْهُ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا هُوَ إِزَالَةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالشَّرْعِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الْعِبَادَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ (¬4) يَكُونَ فَعَلَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا، فَإِنْ كَانَ فَعَلَهَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّسْخِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدِ امْتَثَلَهُ. ¬
فصل
وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْهَا (¬1) فَلَا يَصِحُّ النَّسْخُ * أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ (¬2): (لَا تَفْعَلْ أَمْسِ كَذَا) لِأَنَّ الْفِعْلَ فيمَا مَضَى غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، فِعْلُهُ وَلَا تَرْكُهُ، فَلَا يَصِحُّ النَّسْخُ * (¬3) إِلَّا قَبْلَ (¬4) انْقِضَاءِ (¬5) وَقْتِ الْعِبَادَةِ. وَأَمَّا إِسْقَاطُ (¬6) مِثْلِ الْعِبَادَةِ في الْمُسْتَقْبَلِ فَلَيْسَ بِنَسْخِ مَا مَضَى وَقْتُهُ مِنْهَا (¬7) لِنَفَسِ الْمَأْمُورِ بِهِ (¬8) وَإِنَّمَا هُوَ إِسْقَاطُ لِمِثْلِهِ. فَصْلٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ في جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِمَثَلِهِ، وَخَبَرِ الْوَاحِدِ بِمِثْلِهِ (¬9). وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (¬10) وَمَنَعَ ¬
مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِي (¬1) (¬2). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ كِلَاهُمَا (¬3) شَرْعٌ مَقْطُوعٌ ¬
فصل
بِصِحَّتِهِ فَإِذَا جَازَ (¬1) أَنْ يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ جَازَ أَنْ يُنْسَخَ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (¬2) مَنْسُوخٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ (¬3) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ (¬4): (إِنَّ (¬5) اللَّهَ قَدْ أَعْطَى (¬6) كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) (¬7). فَصْلٌ (¬8) يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ. وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ (¬9). ¬
فصل
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةِ (¬1) الْخَوْفِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ تَأْخِيرُهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ (¬2) إِلَى أَنْ يَأْمَنَ، وَنَسْخُهُ (¬3) التَّوَجُّهَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (¬4) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬5)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (¬6) بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ (¬7). فَصْلٌ (¬8) يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْآحَادِ. ¬
وَقَدْ مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ (¬1). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحَوُّلِ أَهْلِ قُبَاءَ إِلَى الْكَعْبَةِ (¬2) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (¬3) وَقَدْ (¬4) كَانُوا يَعْلَمُونَ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
فصل
ضَرُورَةً (¬1) إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ (¬2). فَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلَا يَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ جُمْلَةً (¬3). فَصْلٌ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ (¬4) وَالشَّافِعِي إِلَى (¬5) أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا لَازِمَةٌ لَنَا إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى نَسْخِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬6) وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. ¬
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬1)، فَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِمْ وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فيهِ} (¬2)، وَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬3)) (¬4)، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخَذَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬5). *** ¬
باب الإجماع وأحكامه
بَابُ الْإِجْمَاعِ وَأَحْكَامِهِ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَى مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ وَالْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ (¬1) .................... ¬
خِلَافًا لِلْإِمَامِيَّةِ (¬1). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬2). فَتَوَعَّدَ عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِاتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ. ¬
فصل
فَصْلٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْأُمَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ (¬1): خَاصَّةٌ وَعَامَّةٌ. فَيَجِبُ اعْتِبَارُ أَقْوَالِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فيمَا كُلِّفَتِ (¬2) الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ (¬3) مَعْرِفَةَ الْحُكْمِ فيهِ (¬4). فَأَمَّا مَا يَنْفَرِدُ الْحُكَّامُ وَالْفُقَهَاءُ بِمُعَرَّفَتِهِ مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْجِنَايَاتِ وَالرُّهُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا عِلْمَ لِلْعَامَّةِ بِهَا (¬5) فَلَا اعْتِبَارَ فيهَا بِخِلَافِ الْعَامَّةِ (¬6)، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ (¬7) الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬8): (يُعْتَبَرُ بِأَقْوَالِ الْعَامَّةِ في ذَلِكَ (¬9) كُلّهِ (¬10)). ¬
فصل
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْعَامَّةَ يَلْزَمُهُمْ اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ فيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ، فَهُمْ (¬1) في ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي مَعَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ، بَلْ حَالُ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي أَفْضَلُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَلَمِ وَالاجْتِهَادِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِأَقْوَالِ (¬2) أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي مَعَ اتِّفَاقِ أَقْوَالِ (¬3) أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، فَبِأَنْ (¬4) لَا يُعْتَبَرُ بِأَقْوَالِ الْعَامَّةِ مَعَ اتِّفَاقِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى وَأَحْرَى. فَصْلٌ لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إِلَّا بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ شَذَّ (¬5) مِنْهُمْ وَاحِدٌ لَمْ يَنْعَقِدْ إِجْمَاعٌ (¬6). ¬
فصل
وَذَهَبَ ابْنُ خُوَيْزَ مِنْدَادٍ (¬1) إِلَى أَنَّ الْوَاحِدَ وَالاثْنَيْنِ (¬2) لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (¬3)، وَقَدْ وُجِدَ الاخْتِلَافُ (¬4). فَصْلٌ إِذَا اجْتَمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَحَرُمَتِ الْمُخَالَفَةُ وَلَا يُعْتَبَرُ في ذَلِكَ بِانْقِرَاضِ الْعَصْرِ وَعَلَى هَذَا (¬5) أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا ¬
وَغَيْرِهِمْ (¬1). وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ (¬2) (¬3) الْبَصَرِيُّ (¬4) مِنْ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ (¬5) أَصْحَابِ الشَّافِعِي: (لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إِلَّا بِانْقِرَاضِ الْعَصْرِ (¬6)). ¬
فصل
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُجَّةَ الْإِجْمَاعِ لَا يَخْلُو مِنْ (¬1) أَنْ تُثْبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِانْقِرَاضِ الْعَصْرِ (¬2) أَوْ بِهِمَا: وَلَا يَجُوزُ أَنَّ تُبْثَتَ بِانْقِرَاضِ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلٍ وَلَا حُجَّةٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الاخْتِلَافُ حُجَّةً مَعَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَالاتِّفَاقُ جَمِيعًا (¬3) حُجَّةً لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (¬4) بِانْفِرَادِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَبِإِضَافَتِهِ إِلَى الْآخَرِ لَا يَصِيرُ حُجَّةً فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الاتِّفَاقُ حُجَّةً (¬5) وَذَلِكَ مَوْجُودٌ مَعَ بَقَاءِ الْعَصْرِ. فَصْلٌ إِجْمَاعُ (¬6) أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ، هَذَا قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ (¬7) فَإِنَّهُ قَالَ: (إِجْمَاعُ عَصْرِ الصَّحَابَةِ دُونَ إِجْمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ (¬8) في سَائِرِ الْإِعْصَارِ). وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (¬9). وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ غَيْرَ الصَّحَابَةِ يُشَارِكُ الصَّحَابَةَ في هَذَا الاسْمِ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ ¬
فصل
لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ إِلَّا (¬1) أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الصَّحَابَةِ بِهِ (¬2) (¬3). فَصْلٌ وَأَمَّا إِجْمَاعُ (¬4) أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا عَوَّلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَقِّقُو أَصْحَابِهِ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ (¬5) فيمَا (¬6) طَرِيقُهُ النَّقْلُ كَمَسْأَلَةِ الْآذَانِ (¬7)، وَالصَّاعِ، وَتَرْكِ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ (¬8) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ في الْفَرِيضَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي طَرِيقُهَا النَّقْلُ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ بِهَا في الْمَدِينَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ، وَنُقِلَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْمَدِينَةُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ دُونَ * سَائِرِ الْبِلَادِ (¬9) لِوُجُودِ ذَلِكَ فيهَا * (¬10) دُونَ ¬
فصل
غَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَوْضِعَ النُّبُوَّةِ وَمُسْتَقَرَّ الصَّحَابَةِ وَالْخِلَافَةِ (¬1) بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ تَهَيَّأَ مِثْلُ (¬2) ذَلِكَ في سَائِرِ الْبِلَادِ (¬3) لَكَانَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ (¬4) أَيْضًا (¬5) (¬6). فَصْلٌ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ أَوْ الْإِمَامُ قَوْلًا أَوْ حَكَمَ بِحُكْمٍ وَظَهَرَ ذَلِكَ وَانْتَشَرَ انْتِشَارًا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَمْ يُسْمَعْ (¬7) لَهُ مُنْكِرٌ فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِي. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ (¬8) (¬9): (لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا حَتَّى يُنْقَلَ قَوْلُ كُلِّ ¬
وَاحِدٍ مِنَ (¬1) الصَّحَابَةِ في ذَلِكَ كُلِّهِمْ (¬2)) وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ (¬3). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَالْجَمُّ الْغَفيرُ الَّذِي (¬4) لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ وَالتَّشَاغُرُ (¬5) قَوْلًا يَعْتَقِدُونَ خَطَأَهُ وَبُطْلَانَهُ ثُمَّ يُمْسِكُ جَمِيعُهُمْ عَنْ إِنْكَارِهِ وَإِظْهَارِ خِلَافِهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ (¬6) يَتَسَرَّعُ (¬7) إِلَى ذَلِكَ وَيُسَابِقُ إِلَيْهِ، فَإِذَا (¬8) ظَهَرَ قَوْلٌ وَانْتَشَرَ (¬9)، وَبَلَغَ أَقَاصِيَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ السُّكُوتَ رِضىً مِنْهُمْ بِهِ وَإِقْرَارٌ عَلَيْهِ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ لَمْ (¬10) يَصِحْ إِجْمَاعٌ وَلَا ثَبَتَتْ بِهِ حُجَّةٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْوَى الاتِّفَاقُ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ (¬11) مِنْ أَهْلِ الْعَلَمِ (¬12) في عَصْرِ الْإِجْمَاعِ لَبَطَلَ (¬13) الْإِجْمَاعُ وَبَطُلَ الاحْتِجَاجُ بِهِ ¬
لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ ذَلِكَ في مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ كَمَا (¬1) لَا نَعْلَمُ الْيَوْمَ اتِّفَاقَ عُلَمَاءِ عَصْرِنَا في جَمِيعِ الْآفَاقِ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ مِنْ الْحَوَادِثِ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا نَعْلَمُ بِوُجُودِهِمْ (¬2) في الْعَالَمِ (¬3). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا اخْتَلَفَتِ (¬1) الصَّحَابَةُ في حُكْمٍ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ * هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِي. وَقَالَ دَاوُدُ (¬2): (يَجُوزُ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ) * (¬3). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُمْ إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا في تَعْيِينِ الْحَقِّ في أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا في (¬4) أَنَّ مَا عَدَّاهُمَا خَطَأٌ، فَمَنْ قَالَ بِغَيْرِهِمَا فَقَدْ صَوَّبَ مَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّهُ خَطَأٌ (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الحُكْمِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ في قَوْلِ (¬1) كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ (¬2) الطَّبَرِيُّ (¬3) إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ، وَلَوْ وُجِدَ لَكَانَ دَلِيلًا (¬4). وَقَالَ دَاوُدُ (¬5): (لَا يَصِحُّ ذَلِكَ) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ (¬6)، ................... ¬
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (¬1). *** ¬
باب الكلام في معقول الأصل
بَابُ الْكَلَامِ في مَعْقُولِ الْأَصْلِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَصْلٌ، وَمَعْقُولُ أَصْلٍ، وَاسْتِصْحَابُ حَالٍ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ (¬1) في الْأَصْلِ وَالْكَلَامُ هَا هُنَا (¬2) في مَعْقُولِ الْأَصْلِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (¬3): لَحْنُ الْخِطَابِ، وَفَحْوَى الْخِطَابِ، وَالْحَصْرُ، وَمَعْنَى الْخِطَابِ (¬4). فَأَمَّا لَحْنُ الْخِطَابِ (¬5): ..................... ¬
فَهُوَ الضَّمِيرُ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إِلَّا بِهِ (¬1). مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّحْنِ: وَهُوَ مَا يَبْدُو في عَرْضِ الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَاهُ (¬2)، نَحْوَ (¬3) قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬4) مَعْنَاهُ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرٍ (¬5). فَهَذَا حُجَّةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَالْعَمَلُ بِهَا (¬6). وَقَدْ يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ ادِّعَاءُ ضَمِيرٍ يَتِمُّ الْكَلَامُ دُونَهُ (¬7)، نَحْوُ اسْتِدْلَالِنَا عَلَى أَنَّ الْعَظْمَ تَحُلُّهُ (¬8) الْحَيَاةُ بِقَوْلِهِ (¬9) تَعَالَى: {قَالَ مَنْ ¬
فصل
يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (¬1)، * فَيَقُولُ الْحَنَفيُّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ * (¬2) مَنْ يُحْيِي أَصْحَابَ الْعِظَامِ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ فيهِ تَقْدِيرُ مُضْمَرٍ إِلَّا بِدَلِيلِ اسْتِقْلَالِ الْكَلَامِ دُونَهُ (¬3). فَصْلٌ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَهُوَ (¬4) فَحْوَى الْخِطَابِ (¬5) وَهُوَ (¬6): مَا يُفْهَمُ مِنْ ¬
نَفْسِ الْخِطَابِ مِنْ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِعُرْفِ (¬1) اللُّغَةِ (¬2) نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} (¬3) فَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ (¬4) مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ (¬5) الْمَنْعُ مِنَ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ، وَيَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ في وُجُوبِ (¬6) الْعَمَلِ بِهِ وَالْمَصِيرِ إِلَيْهِ (¬7). ¬
فصل
فَصْلٌ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ فَهُوَ (¬1) الْحَصْرُ، وَلَهُ (¬2) لَفْظٌ وَاحِدٌ وَهُوَ (إِنَمَا) (¬3)، وَذَلِكَ نَحْوُ (¬4) قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) (¬5)، فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُعَتَّقِ (¬6) لَا وَلَاءَ لَهُ. وَقَدْ (¬7) يَرِدُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لِتَحْقِيقِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَا لِنَفْيِ ¬
مَا سِوَاهُ (¬1) نَحْوُ قَوْلِكَ (¬2): (إِنَّمَا الْكَرِيمُ يُوسُفُ، وَإِنَّمَا الشُّجَاعَ عَنْتَرَةُ (¬3)) وَلَمْ تَرِدْ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْ غَيْرِ يُوسُفَ، وَلَا نَفْيَ الشَّجَاعَةِ عَنْ غَيْرِ (¬4) عَنْتَرَةَ (¬5)، وَإِنَّمَا أَرَدَ (¬6) إِثْبَاتَ ذَلِكَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُ مَزِيَّةً في الْكَرَمِ عَلَى غَيْرِهِ (¬7) إِلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مَا بَدَأْنَا بِهِ أَوَّلًا فَلَا يُعَدَلُ عَنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ وَمِمَّا يَلْحَقُ بِذَلِكَ وَيَقْرُبُ مِنْهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ دَلِيلُ الْخِطَابِ (¬1) وَهُوَ: أَنْ يُعَلَّقَ الْحُكْمُ عَلَى مَعْنَى في بَعْضِ الْجِنْسِ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ نَفْيَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَمَّا (¬2) لَمْ يَكُنْ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ (¬3)، نَحْو قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (في سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ) (¬4)، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ نَفْيَ الزَّكَاةِ في غَيْرِ السَّائِمَةِ، فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الاسْتِدْلَالِ يُسَمَّى (¬5) عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ دَلِيلُ الْخِطَابِ. وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِي. * وَمَنَعَ مِنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِي * (¬6) وَأَبِيَّ حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (¬7). ¬
لِأَنَّ (¬1) تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِصِفَةٍ في بَعْضِ الْجِنْسِ يُفيدُ تَعْلِيقَ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِمَا (¬2) وُجِدَتْ فيهِ تِلْكَ الصِّفَةُ خَاصَّةً وَيَبْقَى (¬3) الْبَاقِي في حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يُطْلَبُ دَلِيلُ حُكْمِهِ في الشَّرْعِ * وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ (¬4) ¬
عَنْ (¬1) الشَّيْبَانِيِّ (¬2) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى (¬3) قَالَ: (نَهَى .............. ¬
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْه الْجَرِّ (¬1) الْأَخْضَرِ (¬2) قُلْتُ (¬3): أَنَشْرَبُ في الْأَبْيَضِ؟ قَالَ: لَا) (¬4) فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْجَرِّ (¬5) الْأَخْضَرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْأَبْيَضِ حُكْمُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَلَوْ جَازَ التَّعَلُّقَ (¬6) بِدَلِيلِ الْخِطَابِ لَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِالْمُخَالَفَةِ وَأَنْ لَا يُعَلِّقَ الْحُكْمَ بِالْجَرِّ الْأَخْضَرِ خَاصَّةً * (¬7). ¬
باب أحكام القياس
بَابُ أَحْكَامِ الْقِيَاسِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الرَّابِعُ مِنْ مَعْقُولِ الْأَصْلِ فَهُوَ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَحَدُّهُ: حَمْلُ أَحَدِ الْمَعْلُومَيْنَ عَلَى الْآخَرِ في إِثْبَاتِ حُكْمٍ أَوْ إِسْقَاطِهِ بِأَمْرٍ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا (¬1). ¬
وَهُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ (¬1). وَقَالَ دَاوُدُ (¬2): (يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ مِنْهُ (¬3). ¬
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعَلَمِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (¬1)، وَالاعْتِبَارُ في اللُّغَةِ (¬2): هُوَ تَمْثِيلُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ (¬3) وَإِجْرَاءُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ (¬4)، وَلِذَلِكَ (¬5) يُقَالُ: عَبَّرَتُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ (¬6)، أَيْ (¬7) قَايِسْتُهَا بِمَقَادِيرِهَا مِنَ الْأَوْزَانِ (¬8)، وَيُقَالُ لِمُفَسِّرِ الرُّؤْيَا: مُعَبِّرٌ، وَعَبَّرَتُ (¬9) الرُّؤْيَا أَيْ حَكَمَتُ لَهَا بِحُكْم مَا يُمَاثِلُهَا (¬10)، وَقِسْتُهَا بِمَا يُشَاكِلُهَا، وَعَبَّرْتُ (¬11) عَنْ كَلَامِ فُلَانٍ (¬12) .................. ¬
إِذَا جِئْتُ بِأَلْفَاظٍ (¬1) تُطَابِقُ مَعَانِيهِ وَتَمَاثُلُهَا (¬2)، وَتُقَاسُ بِهَا دَلِيلٌ ثَانٍ (¬3). وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬4)، وَنَحْنُ نَجِدُ أَحْكَامًا كَثِيرَةً (¬5) لَيْسَ لَهَا ذِكْرٌ في الْقُرْآنِ وَلَا في سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِثْلُ: رَجُلٍ لَهُ دِينَارٌ وَقَعَ (¬6) في مَحْبَرَةٍ لِغَيْرِهِ (¬7) فَلَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى (¬8) إِخْرَاجِهِ، وَمْثْلُ: ثَوْبٍ أَبْيَضٍ بِرَحْلِ رَجُلٍ (¬9) وَقَعَ في قِدْرٍ لِصَبَّاغٍ (¬10) فَكَمُلَ صَبْغُهُ وَحَسُنَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْآيَةِ أَنَّهُ نَصٌّ عَلَى حُكْمِ كُلِّ حَادِثَةٍ (¬11) في الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ نَصٌّ فيهِ (¬12) عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَأَحَالَ (¬13) عَلَى سَائِرِ الْأَدِلَّةِ ¬
فيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُنَصَّ في الْقُرْآنِ عَلَى جَمِيعِهَا، فَمِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي أَحَالَ عَلَى الْأَحْكَامِ بِهَا (¬1) (الْقِيَاسُ) لِأَنَّنَا (¬2) نَجِدُ أَحْكَامًا كَثِيرَةً (¬3) لَا طَرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِهَا (¬4) إِلَّا بِالْقِيَاسِ (¬5) وَالرَّأْيِ كَالْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (¬6) وَمَا شَاكَلَهَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعُمْرَ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْقُبْلَةِ للصَّائِمِ (¬7): (أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ هَلْ كَانَ عَلَيَّ مِنْ جُنَاحٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَفيمَ (¬8) إِذًا؟ ) (¬9)، وَقَوْلُهُ لِلْخَثْعَمِيَّةِ (¬10): (أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى ¬
أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ (¬1)؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى) (¬2)، وَقَوْلُهُ لِلَّذِي أَنْكَرَ لَوْنَ ابْنِهِ (¬3): (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمُرٌ، قَالَ: هَلْ فيهَا مِنْ أَوْرَقَ (¬4)؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى تَرَى ذَلِكَ؟ ، قَالَ: عِرْقٌ نَزَعَهَ (¬5)، ¬
قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ) (¬1)، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِلْمُنَا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اخْتَلَفَوا (¬2) في مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمْ (¬3) فيهَا مُنَاظَرَاتٌ (¬4) كَثِيرَةٌ (¬5) وَمُنَازَعَاتٌ مَشْهُورَةٌ (¬6) وَمُرَاجَعَاتٌ (¬7) كَثِيرَةٌ كَاخْتِلَافِهِمْ في تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْأِخْوَةِ (¬8)، وَاخْتِلَافِهِمْ في الْحَرَامِ (¬9) وَالْعَوْلِ (¬10) (¬11)، .......................... ¬
وَالظِّهَارُ (¬1)، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ (¬2) ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: - إِمَّا أَنْ يَكُونَ في هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفِ فيهَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ (¬3) التَّأْوِيلَ. - أَوْ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ. - أَوْ (¬4) لَا يَرِدُ (¬5) ذِكْرٌ لِحُكْمِهَا (¬6) جُمْلَةً. وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فيهَا نَصٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (¬7)، * أَوْ ظَاهِرٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ لَا يَرِدُ ذِكْرٌ لِحُكْمِهَا جُمْلَةً. وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فيهَا نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ * (¬8)، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ¬
لَسَارَعَ (¬1) الْمُخَالِفُ (¬2) إِلَيْهِ الْمُوَافِقُ لَهُ (¬3)، وَانْقَطَعَ (¬4) الْخِلَافُ، وَثَبَتَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْحَقِّ، وَيسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ (¬5) فيهَا نَصٌّ فَيَذْهَبَ (¬6) عَنْ جَمِيعِهِمْ، لِأَنَّ ذَلكَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا (¬7)، وَلَوْ جَازَ ذَلكَ لَجَازَ أَيْضًا أَنْ تَذْهَبَ عَلَيْهِمْ شَرَائِعٌ وَصَلَوَاتٌ وَصِيَامٌ وَعِبَادَاتٌ قَدْ نَصَّ عَلَيْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلمِينَ (¬8)، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ دَلِيلٌ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ (¬9)، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلكَ لَوَجَبَ بُمِسْتَقَرِّ (¬10) الْعَادَةِ أَنْ يَنْزَعَ كُلُّ مُخَالِفٍ إِلَى الظَّاهِرِ الذِي تَعَلَّقَ (¬11) بِهِ، وَيُبَيِّنَ (¬12) احْتِجَاجَهُ مِنهُ، وَلَا يَحْتَجَّ بِالرَّأْيِ وَالْقيَاسِ، لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ وَالْمُحْتَجَّ إنَّمَا يَحْتَجُّ بِمَا ثَبَتَ عِندَهُ بِهِ الْحُكْمَ وَلَا يَعْدِلُ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ (¬13) وَقَصْدِ إِثْباتِ الْحَقِّ إلَى مَا لَيْسَ (¬14) بِدَلِيلٍ (¬15) وَلَا حُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا (¬16) عِنْدَ خَصْمِهِ. وَلَمَّا رَأَيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ احْتَجَّ ¬
في ذَلِكَ بِالرَّأْيِ والْقِيَاسِ دُونَ مُنْكِرٍ وَلَا مُخَالِفٍ عَلِمْنَا إِجْمَاعَهَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ. * وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ * (¬1). كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ بِالْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ (¬2)، وَإجْمَاعِهِمْ عَلَى إمَامَةِ عُثْمَانَ (¬3)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ خَبَرُ عُمَرَ بْنِ اْلَخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذْ خَرَجَ (¬4) إلَى الشَّامِ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا بَلَغَ (¬5) سَرْغَ (¬6)، بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ (¬7) بِالشَّامِ (¬8)، فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْه، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَهُ (¬9): (أَرَى أَنْ ¬
لَا نَفِرَّ (¬1) مِنْ قَدَرِ اللَّهِ)، * وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: (لَا تَقْدِمْ بِبَقِيَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَبَاءِ) * (¬2)، ثُمَّ دَعَا الْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَهُمْ، ثُمَّ دَعَا مَنْ حَضَرَ (¬3) مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجرَةِ الْفَتْحِ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَأَمَرُوهُ بِالرُّجُوعِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (¬4) ذَكَرَ في ذَلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ أَشَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرَأْيِهِ وَبِمَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ (¬5)، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِعْلَهُ (¬6) وَقَالَ (¬7) عُمَرُ: (إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى (¬8) ظَهْرٍ (¬9)، فَاصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ (¬10): (أَفِرَارًا (¬11) مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ ) قَالَ لَهُ عُمَرُ: (لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا، ¬
فصل
أَبَا عُبَيْدَةَ (¬1)! ! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ إِبِلٌ في وَادٍ لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ (¬2) وَالْأُخْرَى جَذْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَى الجَذْبَةَ رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ (¬3)، وَإِنْ رَعَى الْخَصْبَةَ (¬4) رَعَاهَا بِقَدَرِ اللَّهِ) (¬5). فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالرَّأْيِ وَجَاوَبَهُ عُمَرُ بِالرَّأْيِ، وَلَمْ يَحْتَجْ (¬6) أَحَدُهُمَا في ذَلِكَ بِكِتَابٍ وَلَا بِسُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ: ثُمَّ شَاعَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَذَاعَتْ، وَلَمْ يَكُنْ في الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ، وَمَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَةً يُدَّعَى الْإِجْمَاعُ فيهَا (¬7) أَثْبَتُ في حُكْمِ الْإِجْمَاعِ (¬8) مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَصْلٌ إِذَا (¬9) ثَبَتَ أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تُثْبَتَ بِهِ الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْمُقَدَّرَاتُ وَالْأَبْدَالُ (¬10). ¬
فصل
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: (لَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبَتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (¬1) بِالْقِيَاسِ). وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ في الْأَمْرِ بِالاعْتِبَارِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ إِلَّا بِدَلِيلٍ (¬2). فَصْلٌ الْعِلَّةُ الْوَاقِفَةُ (¬3) (¬4) عِنْدَنَا صَحِيحَةٌ نَحْوُ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ في الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ. ¬
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: (لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ أَمَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً وَعَامَّةً كَالْخَبَرِ (¬1). ¬
فصل
فَصْلٌ ذَكَرَ مُحَمَّدُ (¬1) بْنُ خُوَيْزَ مِنْدَاد (¬2) أَنَّ مَعْنَى الاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الْقَوْلُ (¬3) بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ (¬4)، مِثْلَ تَخْصِيصِ بَيْعِ الْعَرَايَا (¬5) مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِخرِصِهَا (¬6) لِلسُّنَّةِ الْوَارِدَةِ (¬7) في ¬
ذَلِكَ (¬1)، وَذَلِكَ (¬2) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ شَرْعٌ (¬3) في إِبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ (¬4)، وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ (¬5) هُوَ الدَّلِيلُ وَإِنْ (¬6) سَمَّاهُ اسْتِحْسَانًا عَلَى مَعْنَى الْمُوَاضَعَةِ، وَلَا يُمْتَنَعُ ذَلِكَ في حَقِّ (¬7) أَهْلِ كُلِّ صِنَاعَةٍ (¬8). * وَالاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْأُصُولِ في إِثْبَاتِهِ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ (¬9) مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ (¬10) إِلَى إِثْبَاتِهِ. وَمَنَعَ مِنْهُ شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ (¬11). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مُعَارَضَةٌ لِلْقِيَاسِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَوَجَبَ أَنْ ¬
فصل
يَبْطُلَ أَصْلُ ذَلِكَ إِنْ (¬1) عُورِضَ بِمُجَرَّدِ الْهَوَى (¬2) * (¬3). فَصْلٌ مَذْهَبُ (¬4) مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَنْعُ (¬5) مِنْ الذَّرَائِعَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْإِبَاحَةُ، وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى فِعْلِ (¬6) الْمَحْظُورٍ، وَذَلِكَ نَحْوُ (¬7): أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بِمِائَةٍ إِلَى أَجْلٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا بِخَمْسِينَ نَقْدًا لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى ¬
بَيْعِ خَمْسِينَ مِثْقَالًا نَقْدًا بِمِائَةٍ إِلَى أَجْلٍ (¬1). وَأَبَاحَ الذَّرَائِعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ (¬2). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ في السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ) (¬3) فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الاصْطِيَادَ يَوْمَ السَّبْتِ (¬4) وَأَبَاحَهُ سَائِرَ الْأَيَّامِ، فَكَانَتِ الْحِيتَانُ تَأْتِيهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ، وَتَغِيبُ عَنْهُمْ في سَائِرِ الْأَيَّامِ، فَكَانُوا يَحْظُرُونَ عَلَيْهَا إِذاَ جَاءَتْ ¬
يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَسُدُّونَ عَلَيْهَا الْمَسَالِكِ، وَيَقُولُونَ: (إِنَّمَا مُنِعْنَا مِنَ الاصْطِيَادِ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا نَفْعَلُ الاصْطِيَادَ في سَائِرِ الْأَيَّامِ) (¬1) وَهَذِهِ صُورَةُ الذَّرَائِعَ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ * قَوْلَهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬2)، فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ (¬3) مَنَعَ جَمِيعَ (¬4) الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: (رَاعَنَا) لِمَا كَانَ الْيَهُودُ يَتَوَصَّلُونَ بِذَلِكَ إِلَى سَبِّ (¬5) النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْصِدُونَ بِهِ مَا مُنِعَ مِنْ أَجْلِهِ (¬6). وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ * (¬7) أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهَ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ)، ثُمَّ قَالَ: (احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ) (¬8)، لِمَا رَأَى مِنْ ¬
شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ (¬1)) (¬2). * وَأَيْضًا (¬3) فَإِنَّ (¬4) ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ * (¬5) عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (¬6): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُبِضَ وَلَمْ يُفَسِّرْ لَنَا الرِّبَا فَاتْرُكُوا (¬7) ¬
الرِّبَا (¬1) وَالرِّيبَةَ) (¬2). وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا اشْتَرَى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ (¬3) جارِيَةً (¬4) مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ بِثَمَانِمِائَةٍ إِلَى الْعَطَاءِ، وَبَاعِهَا مِنْهَا (¬5) بِسِتِّمِئَةٍ نَقْدًا: (أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ (¬6) اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ لَمْ يَتُبْ) (¬7). ¬
فصل
* وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى: (دَرَاهِمٌ بِدَرَاهِمَ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ (¬1)) * (¬2). فَصْلٌ يَصِحُّ الاسْتِدْلَالُ بِالْعَكْسِ (¬3). ¬
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَائِينِيُّ (¬1): (لَا يَجُوزُ). وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّ الْمُعَلِّلَ إِذَا قَالَ: (لَا تَحُلُّ الشَّعْرَ الرُّوحُ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّتْهُ (¬2) لَمَا (¬3) جَازَ أَخْذُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ حَالِ الْحَيَاةِ * مَعَ السَّلَامَةِ، وَلَمَّا جَازَ أَخْذُهُ مِنْهُ حَالَ الْحَيَاةِ * (¬4) عَلِمْنَا أَنَّ الرُّوحَ لَا تَحُلُّهُ كَالرِّيشِ). فَهَذَا اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَّتِ الْحَيَاةُ الشَّعْرَ وَجَازَ أَخْذُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ حَالَ الْحَيَاةِ لَانْتَقَضَتِ الْعِلَّةُ (¬5). ¬
فصل
فَصْلٌ لَا يَجُوزُ الاسْتِدْلَالُ بِالْقَرَائِنِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ أَبُو (¬1) مُحَمَّدٍ ابْنُ نَصْرٍ (¬2): (يَجُوزُ ذَلِكَ) وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ (¬3) (¬4) (¬5). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ الْمُقْتَرِنَيْنِ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ (¬6)، وَيَصِحُّ أَنْ يُفْرَدَ بِحُكْمٍ دُونَ مَا قَارَنَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا لَوْ وَرَدَا مُفْتَرِقَيْنِ (¬7). ¬
باب حكم استصحاب الحال
بَابُ حُكْمِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ ثَلَاثَةِ (¬1) أَضْرُبٍ (¬2): أَصْلٌ، وَمَعْقُولُ أَصْلٍ، وَاسْتِصْحَابِ حَالٍ. وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ في الْأَصْلِ وَمَعْقُولُ الْأَصْلِ، وَالْكَلَامُ هَا هُنَا (¬3) على (¬4) اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ (¬5): ¬
أَحَدُهُمَا: اسْتِصْحَابُ حَالِ الْعَقْلِ (¬1)، وَذَلِكَ إِذَا ادَّعَى في الْمَسْأَلَةِ (¬2) أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَادَّعَى الْآخَرُ الْبَقَاءَ عَلَى حُكْمِ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ: أَنْ يُسْأَلَ الْمَالِكِيُّ عَنْ وُجُوبِ (¬3) الْوِتْرِ، فَيَقُولُ: (الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَطَرِيقُ اشْتِغَالِهَا الشَّرْعُ، فَمَنْ ادَّعَى شَرْعًا يُوجِبُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ). وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ صَحِيحَةٌ مِنَ الاسْتِدْلَالِ (¬4). وَالثَّانِي: اسْتِصْحَابُ حَالِ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ مِثْلُ: اسْتِدْلَالِ دَاوُدَ (¬5) ¬
عَلَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ يَجُوزُ بَيْعُهَا (¬1)، لِأَنَّا (¬2) قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَبْلَ الْحَمْلِ، فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْحَمْلِ (¬3) فَعَلَيْهِ الدَّلِيلِ (¬4)، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ مِنَ الاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ الاتِّفَاقِ، وَمَا كَانَ حُجَّةً فَلَا يَصِحُّ الاحْتِجَاجُ بِهِ في الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فيهِ كَأَلْفَاظِ (¬5) صَاحِبِ الشَّرْعِ إِذَا تَنَاوَلَتْ (¬6) مَوْضِعًا خَاصًا (¬7) لَمْ يَجُزْ الاحْتِجَاجُ بِهَا في الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَتَنَاوَلُهُ (¬8). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا (¬1) ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ في الْعَقْلِ حَظْرٌ وَلَا إِبَاحَةٌ، وَإِنَّمَا تُثْبِتُ الْإِبَاحَةُ (¬2) أَوْ التَّحْرِيمُ بِالشَّرْعِ، وَالْبَارِي تَعَالَى يُحَلِّلُ مَا يَشَاءُ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ، هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَبْهِرِيُّ (¬3): (الْأَشْيَاءُ في الْأَصْلِ (¬4) عَلَى الْحَظْرِ). وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ (¬5): (الْأَشْيَاءُ في الْأَصْلِ (¬6) عَلَى الْإِبَاحَةِ). وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَقْلُ يُوجِبُ إِبَاحَةَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ أَوْ حَظْرَهُ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَنْقُلَهُ الشَّرْعُ عَمَّا يَقْتَضِيهِ في الْعَقْلِ ¬
فصل
* لِاسْتِحَالَةِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِمَا (¬1) يُنَافي الْعَقْلَ * (¬2)، كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَرِدَ بِنَفْيِ أَنَّ الْاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنَ الْوَاحِدِ (¬3). فَصْلٌ مَنِ ادَّعَى نَفْيَ (¬4) حُكْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ (¬5) الدَّلِيلُ كَمَا يَجِبُ (¬6) ذَلِكَ (¬7) عَلَى مَنْ أَثْبَتَهُ. وَقَالَ دَاوُد (¬8): (لَا دَلِيلَ عَلَى النَّافي) (¬9). وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ (¬10) قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ ¬
فصل
كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (¬1)} (¬2). فَصْلٌ صِفَةُ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَوْضِعِ الْأَدِلَّةِ (¬3)، وَمَوَاضِعِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ. وَيَكُونُ عَارِفًا (¬4) بِطَرِيقِ الْإِيجَابِ وَبِطْرِيقِ الْمُوَاضَعَةِ (¬5) في اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ. وَيَكُونُ عَالَمًا بِأُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ. ¬
عَالَمًا بِأَحْكَامِ الْخِطَابِ مِنَ الْعُمُومِ، وَالْأَوَامِرِ، وَالنَّوَاهِي، وَالْمُفَسَّرِ (¬1)، وَالْمُجْمَلِ، وَالنَّصِّ، وَالنَّسْخِ، وَحَقِيقَةِ الْإِجْمَاعِ. عَالَمًا بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْآثَارِ، وَالْأَخْبَارِ وَطُرُقِهَا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا (¬2). عَالَمًا بِأَقْوَالِ (¬3) الْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَبِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَمَا (¬4) اخْتَلَفُوا فيهِ. عَالَمًا مِنَ النَّحْوِ (¬5) وَالْعَرَبِيَّةِ مَا (¬6) يَفْهَمُ بِهِ مَعَانِيَ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ (¬7) مَأْمُونًا في دِينِهِ، مَوْثُوقًا بِهِ في فَضْلِهِ، فَإِذَا كَمُلَتْ (¬8)، لَهُ هَذِهِ الْخِصَالُ (¬9) كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَفْتِيَ، وَجَازَ لِلْعَامِّيِّ تَقْلِيدُهُ فيمَا يُفْتِيهِ (¬10) فيهِ (¬11). *** ¬
باب أحكام الترجيح
بَابُ أَحْكَامِ التَّرْجِيحِ التَّرْجِيحُ في أَخْبَارِ الْآحَادِ يُرَادُ لِقُوَّةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ إِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى تَقْدِيمِ بَعْضِ أَخْبَارِ الرُّوَاةِ عَلَى أَخْبَارِ (¬1) سَائِرِهِمْ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الضَّبْطُ وَالْحِفْظُ وَالاهْتِمَامُ بِالْحَادِثَةِ (¬2). ¬
فصل
فَصْلٌ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، فَالتَّرْجِيحُ يَقَعُ في الْأَخْبَارِ الَّتِي تَتَعَارَضُ وَلَا (¬1) يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا (¬2)، وَلَا يُعْرَفُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهَا (¬3) فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ في مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْإِسْنَادُ. ¬
وَالثَّانِي: الْمَتْنُ (¬1). - فَأَمَّا (¬2) التَّرْجِيحُ بِالْإِسْنَادِ (¬3) فَعَلَى أَوْجُهٍ (¬4): * الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مَرْوِيًّا في قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ مُتَدَاوَلَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَيَكُونُ الْمُعَارِضُ لَهُ عَارِيًا مِنْ ذَلِكَ، فَيُقَدَّمُ الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ في قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ لِأَنَّ النَّفْسَ إِلَى ثُبُوتِهِ أَسْكَنُ وَالظَّنَّ في صِحَّتِهِ أَغْلَبُ (¬5). * وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ أَضْبَطَ وَأَحْفَظَ (¬6)، وَرَاوِي الَّذِي يُعَارِضُهُ دُونَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِمَا، فَيُقَدَّمُ خَبَرُ أَحْفَظِهِمَا وَأَتْقَنِهِمَا، لِأَنَّ النَّفْسَ أَسْكَنُ إِلَى رِوَايَتِهِ وَأَوْثَقُ بِحِفْظِهِ (¬7). ¬
* وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رُوَاةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ رُوَاةِ الْخَبَرِ الْآخَرِ، فَيُقَدَّمُ الْخَبَرُ الْكَثِيرُ الرُّوَاةِ، لِأَنَّ (¬1) السَّهْوَ وَالْغَلَطَ أَبْعَدُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْوَاحِدِ (¬2). * وَالرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ رَاوِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) * وَالْآخَرُ يَقُولُ (¬3): (كَتَبَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (¬4) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَيُقَدَّمُ (¬5) خَبَرُ مَنْ سَمِعَ ¬
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - * (¬1)، لِأَنَّ السَّمَاعَ مِنْ الْعَالِمِ (¬2) أَقْوَى مِنَ الْأَخْذِ بِكِتَابِهِ (¬3) الْوَارِدِ (¬4). * وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُتَّفَقًا عَلَى رَفْعِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَالْآخَرُ مُخْتَلَفًا فيهِ، فَيُقَدَّمُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْخَطَأِ وَالسَّهْوِ (¬5). ¬
* وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ (¬1) أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ تَخْتَلِفُ (¬2) الرِّوَايَةُ عَنْ رَاوِيهِ (¬3) * فَيُرْوَى عَنْهُ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ وَنَفْيُهُ، وَرَاوِي الْخَبَرِ (¬4) الْآخَرِ لَا تَخْتَلِفُ الرُّوَاةَ عَنْهُ (¬5)، وَإِنَّمَا * (¬6) يُرْوَى عَنْهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ مَنْ لَمْ يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حِفْظِ الرُّوَاةِ عَنْهُ (¬7) وَشِدَّةُ اهِتْبَالِهِم (¬8) بِحِفْظِ مَا رَوَاهُ (¬9)، فَكَانَ أَوْلَى (¬10). * وَالسَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ هُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَالْمُتَلَبِّسُ بِهَا. وَرَاوِي الْخَبَرِ الْآخَرِ أَجْنَبِيًّا (¬11)، فَيُقَدَّمُ خَبَرُ صَاحِبِ الْقِصَّةِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَأَشَدُّ اتْقَانًا (¬12) بِحِفْظِ حُكْمِهَا (¬13). ¬
* وَالثَّامِنُ: إِطْبَاقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُوجِبِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ مَنْ يُخَالِفُ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَمُجْتَمَعُ (¬1) الصَّحَابَةِ فَلَا (¬2) يَتَّصِلُ الْعَمَلُ فيهَا إِلَّا بِأَصَحِّ الرِّوَايَاتِ (¬3). ¬
* وَالتَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ (¬1) أَشَدَّ تَقَصِّيًا لِلْحَدِيثِ وَأَحْسَنَ نَسَقًا لَهُ مِنَ الْآخَرِ، فَيُقَدَّمُ حَدِيثُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ اهْتِبَالِهِ (¬2) بِحُكْمِهِ وَبِحِفْظِ جَمِيعِ (¬3) أَمْرِهِ (¬4). * وَالْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْإِسْنَادَيْنِ سَالِمًا مِنَ الاضْطِرَابِ وَالْآخَرُ مُضْطَرِبًا، فَيَكُونُ السَّالِمُ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ (¬5) عَلَى اتِفَاقِ رُوَاتِهِ وَحِفْظِ جُمْلَتِهِ (¬6). وَالْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَالْآخَرُ يُخَالِفُهُ (¬7) فَيَكُونُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ أَوْلَى (¬8). *** ¬
باب ترجيحات المتون
بَابُ تَرْجِيحَاتِ (¬1) الْمُتُونِ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ (¬2) في التَّرْجِيحِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ (¬3)، وَالْكَلَامُ هَا هُنَا في التَّرْجِيحِ مِنْ جِهَةِ الْمَتْنِ، وَذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ: * أَحَدُهَا: (¬4) أَنْ يَسْلَمَ أَحَدُ الْمَتْنَيْنِ مِنَ الاضْطِرَابِ وَالاخْتِلَافِ وَيَكُونَ مَتْنُ الْحَدِيثِ الثَّانِي (¬5) الْمُعَارِضِ لَهُ مُضْطَرِبًا مُخْتَلِفًا فيهِ فَيَكُونُ ¬
السَّالِمُ مِنَ الاضْطِرَابِ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ (¬1) الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ (¬2). * وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا تَضَمَّنَهُ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مِنَ الْحُكْمِ مَنْطُوقًا بِهِ، وَالْآخَرُ مُحْتَمَلًا فَيُقَدَّمُ مَا يُنْطَقُ (¬3) بِحُكْمِهِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ فيهِ أَبْيَنُ وَالْمَقْصُودُ فيهِ أَجْلَى (¬4). * وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُستْقِلًّا بِنَفْسِهِ * وَالْآخَرُ غَيْرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ * (¬5)، فَيَكُونُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مُتَعَيَّنًا (¬6) أَوْلَى (¬7)، لِأَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ يُتَيَقَّنُ الْمُرَادِ بِهِ، وَغَيَّرَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَا يُتَيَقَّنُ (¬8) الْمُرَادُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ (¬9). ¬
* وَالرَّابِعُ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخَبَرَانِ في مَوْضِعِ (¬1) الْخِلَافِ، فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا وَإِطْرَاحِ الْآخَرِ، لِأَنَّ في ذَلِكَ إطْرَاحَ أَحَدِ (¬2) الدَّلِيلَيْنِ، وَاسْتِعْمَالُهُمَا أَوْلَى مِنْ إِطْرَاحِ أَحَدِهِمَا (¬3). * وَالْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ مُتَنَازَعًا في تَخْصِيصِهِ وَالْآخَرُ مُتَّفَقًا عَلَى تَخْصِيصِهِ، فَيَكُونُ الْتَّعَلُّقُ (¬4) بِعُمُومٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهِ أَوْلَى (¬5). * وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُقْصَدُ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ وَالْآخَرُ لَا يُقْصَدُ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ مَا قُصِدَ بِهِ بَيَانُ الْحُكْمِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ ¬
مِنَ الاحْتِمَالِ * (¬1) (¬2). * وَالسَّابِعُ (¬3): أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مُؤَثِّرًا في الْحُكْمِ وَالْآخَرُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فيهِ، فَيَكُونُ (¬4) الْمُؤَثِّرُ أَوْلَى (¬5). * وَالثَّامِنُ (¬6): أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ * وَالْآخَرُ وَرَدَ عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ * (¬7) فَيُقَدَّمُ مَا وَرَدَ عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ عَلَى الْوَارِدِ عَلَى (¬8) سَبَبٍ لِأَنَّ (¬9) مُعَارَضَةَ الْخَبَرِ الْآخَرِ لَهُ (¬10) تَدُلُّ (¬11) عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى سَبَبِهِ (¬12) (¬13). ¬
* وَالتَّاسِعُ (¬1): أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ قَدْ قُضِيَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ في مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ (¬2)، فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْهُ في سَائِرِ الْمَوَاضِعِ (¬3). * وَالْعَاشِرُ (¬4): أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنَ (¬5) وَارِدًا بِأَلْفَاظٍ مُتَغَايِرَةٍ وَعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيَكُونُ أَوْلَى مِمَّا رُوِيَ مِنْ (¬6) أَخْبَارِ الْآحَادِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ وَالتَّحْرِيفِ (¬7). * وَالْحَادِي عَشَرَ (¬8): أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَنْفي النَّقْصَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْآخَرُ يُضِيفُهُ (¬9) إِلَيْهِمْ، فَيَكُونُ النَّافي أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِفَضْلِهِمْ وَدِينِهِمْ وَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ (¬10) (¬11). ¬
باب ترجيح المعاني
بَابُ تَرْجِيحِ الْمَعَانِي قَدْ مَضَى الْكَلَامُ في تَرْجِيحِ الْأَخْبَارِ، وَالْكَلَامُ هَا هُنَا (¬1) في تَرْجِيحِ الْعِلَلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ (¬2) قَدْ يَتَعَارَضُ قِيَاسَانِ (¬3) في حُكْمِ حَادِثَةٍ وَ (¬4) يَتَرَدَّدُ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ، وَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْهُ، فَيَحْتَاجُ النَّاظِرُ إِلَى تَرْجِيحِ إِحْدَى (¬5) الْعِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ ضَرْبًا: * أَحَدُهَا (¬6): أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا وَالْأُخْرَى غَيْرَ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، فَتُقَدَّمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِا (¬7)، لِأَنَّ نَصَّ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا (¬8) دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهَا (¬9). ¬
* وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ لَا تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بِالتَّخْصِيصِ * وَالثَّانِيَةُ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بِالتَّخْصِيصِ * (¬1) فَالَّتِي لَا تَعُوُدُ عَلَى أَصْلِهَا أَوْلَى، لِأَنَّ التَّعَلُّقَ (¬2) بِالْعُمُومِ أَوْلَى اسْتِنْبَاطًا وَنُطْقًا (¬3). * وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُوَافِقَةً لِلَفْظِ الْأَصْلِ وَالْأُخْرَى مُخَالِفَةٌ لَهُ (¬4)، فَتُقَدَّمُ الْمُوَافِقَةُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ شَاهِدٌ لِلَفْظِهَا (¬5) (¬6). * وَالرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُطَّرِدَةً مُنْعَكِسَةً وَالْأُخْرَى مُطَّرِدَةً (¬7) غَيْرَ مُنْعَكِسَةٍ، فَتُقَدَّمَ الْمُنْعَكِسَةُ (¬8)، لِأَنَّ الْعِلَّةَ (¬9) إِذَا اطَّرَدَتْ وَانْعَكَسَتْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ (¬10) تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِهَا لِوُجُودِهِ (¬11) بِوُجُودِهَا (¬12) ¬
وَعَدَمِهِ بِعَدَمِهَا (¬1) (¬2). * وَالْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ تَشْهَدُ لَهَا (¬3) أُصُولٌ كَثِيرَةٌ وَالْأُخْرَى لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ، فَمَا شَهِدَ لَهَا (¬4) أُصُولٌ كَثِيرَةٌ أُولَى، لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ، فَكُلَّمَا كَثُرَ مَا يَشْهَدُ لَهَا (¬5) مِنَ الْأُصُولِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهَا (¬6). ¬
* وَالسَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ رُدَّ الْفَرْعُ إِلَى الْأَصْلِ (¬1) مِنْ جِنْسِهِ وَالْآخَرُ رُدَّ الْفَرْعُ إِلَى الْأَصْلٍ (¬2) مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَيَكُونُ قِيَاسُ (¬3) مَنْ رُدَّ الْفَرْعُ (¬4) إِلَى جِنْسِهِ أَوْلَى، لِأَنَّ قِيَاسَ الشَّيْءِ عَلَى جِنْسِهِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى مُخَالِفِهِ (¬5) (¬6). * وَالسَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَاقِفَةً (¬7) وَالْأُخْرَى مُتَعَدِّيَةً، فَتَقَدُّمُ (¬8) الْمُتَعَدِّيَةِ أَوْلَى (¬9) (¬10). ¬
* وَالثَّامِنُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَاهُمَا لَا تَعُمُّ فُرُوعَهَا وَالْأُخْرَى (¬1) تَعُمُّ فُرُوعَهَا، فَتَكُونُ الْعَامَّةُ أَوْلَى (¬2). * وَالتَّاسِعُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ عَامَّةً وَالْأُخْرَى خَاصَّةً، فَتَكُونُ الْعَامَّةُ أَوْلَى، لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفُرُوعِ تَجْرِي مَجْرَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ لَهَا * (¬3) (¬4). ¬
* وَالْعَاشِرُ: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ لَمْ يُنَصْ عَلَيْهِ، فَتَكُونُ الْمُنْتَزَعَةَ مِنْ أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ أَوْلَى (¬1). * وَالْحَادِي عَشَرَ: * أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَقَلَّ أَوْصَافًا وَالْأُخْرَى كَثِيرَةَ الْأَوْصَافِ، فَتُقَدَّمُ قَلِيلَةُ الْأَوْصَافِ لِأَنَّهَا * (¬2) أَعَمُّ فُرُوعًا، وَلِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ يَحْتَاجُ في إِثْبَاتِهِ (¬3) إِلَى ضَرْبٍ مِنَ الاجْتِهَادِ، وَكُلَّمَا اسْتَغْنَى الدَّلِيلُ عَنْ (¬4) كَثْرَةِ الاجْتِهَادِ كَانَ أَوْلَى (¬5). *** ¬
كَمُلَتْ الْإِشَارَةُ لِأَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِي في أُصُولِ الْفِقْهِ بِحَمْدِ اللَّه وَحُسْنِ عَوْنِهِ، وَذَلِكَ في يَوْمِ السَّابِعِ مِنْ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ عَامَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِئةٍ عَلَى يَدِ الْفَقِيرِ إِلَى اللَّهِ: الْحَسَنِ بْنِ مَسْعُودٍ الْحَاجِيِّ الْمُتَكَاوِيِّ، عَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ آمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (¬1). *** تَمَّ - بِعَوْنِ اللَّه وَتَوْفيقِهِ - تَحْقِيقُ كِتَابِ الْإِشَارَةِ في يَوْمِ: 23 ربيِع الأول 1411 هـ - 13 أكتوبر 1990 م المحقق محمد علي فركوس ¬
فهرس الكتب
رابعًا: فهرس الكتب (1) كتب علوم القرآن والتفسير: * أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، المتوفى سنة (543 هـ) بتحقيق علي محمد البجاوي. دار الفكر - الطبعة الثالثة: 1392 هـ - 1972 م. * البرهان في علوم القرآن: للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي المتوفى سنة (794 هـ) بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1391 هـ - 1972 م. * تفسير القرآن العظيم: للإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة (774 هـ) دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. 1388 هـ - 1969 م. * جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310 هـ) دار الفكر. 1405 هـ - 1984 م. * الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة (671 هـ) المعروف ب (تفسير القرطبي) دار القلم - الطبعة الثالثة: 1386 هـ - 1966 م. * زاد المسير في علم التفسير، للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي
(2) كتب العقائد والفرق والأديان
المتوفى سنة (596 هـ) المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1384 هـ - 1964 م. * فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ). دار المعرفة - بيروت - لبنان. * مفاتيح الغيب: للإمام فخر الدين محمد بن ضياء الدين عمر الرازي المشتهر بخطيب الري المتوفى سنة (604 هـ) ويعرف الكتاب ب (تفسير الفخر الرازي) وأيضًا به (التفسير الكبير) دار الفكر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. (2) كتب العقائد والفرق والأديان: * الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، المتوفى سنة (478 هـ) بتحقيق وتعليق الدكتور محمد يوسف موسى، وعلي عبد المنعم عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر مكتبة الخانجي. 1369 هـ - 1950 م. * أصول الدين: للإمام الأستاذ أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي، البغدادي، المتوفى سنة (429 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1401 هـ - 1981 م. * الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة (458 هـ) كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. * شرح العقيدة الطحاوية: للعلامة ابن أبي العز الحنفي، حققها وراجعها جماعة من العلماء وخرَّج أحاديثها محمد ناصر الدين الألباني والتوضيح بقلم زهير الشاويس المكتب الإسلامي - الطبعة الرابعة: 1391 هـ.
* الفَرْق بين الفِرَق وبيان الفِرقة الناجية منهم: للإمام الأستاذ عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي المتوفى سنة (429 هـ) تحقيق لجنة إحياء التراث العربي دار الآفاق الجديدة - بيروت - لبنان - الطبعة الخامسة: 1402 هـ - 1982 م. * الفصل في الملل والأهواء والنحل: للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري المتوفى سنة (456 هـ) دار المعرفة - بيروت - لبنان. 1403 هـ - 1983 م. * مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: للعلامة ابن القيم الجوزية المتوفى سنة (751 هـ) اختصره الشيخ محمد بن الموصلي. دار الندوة الجديدة - بيروت - لبنان. 1984 م - 1405 هـ. * معالم أصول الدين: للإمام فخر الدين محمد بن عمر الخطيب الرازي المتوفى سنة (604 هـ) راجعه وقدم له وعلق عليه طه عبد الرؤوف سعد. دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. 1404 هـ - 1984 م. * مقالات الإسلاميين: للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المتوفى سنة (320 هـ) بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. دار الحداثة - الطبعة الثانية: 1405 هـ - 1985 م. * الملل والنحل: للإمام أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة (548 هـ) على هامش الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري. دار المعرفة - بيروت - لبنان. 1403 هـ - 1983 م. * منهاج السنة النبوية: لشيخ الإسلام ابي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الشهر بابن تيمية الحراني. المتوفى سنة (728 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. وبهامشه كتاب: (بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول). لنفس المؤلف المذكور.
(3) كتب الحديث وعلومه
(3) كتب الحديث وعلومه: * إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: للمحدث محمد ناصر الدين الألباني بإشراف محمد زهير الشاويش. المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. * أسباب اختلاف المحدثين: للأستاذ خلدون الأحدب. الدار السعودية للنشر والتوزيع - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. * الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: للحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنهَ (774 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1370 هـ - 1351 م. * بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني: الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا. دار الشهاب - القاهرة. * بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام: للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ). راجعه وعلق عليه الشيخ محمد عبد العزيز الخولي. دار إحياء التراث العربي - الطبعة الرابعة: 1379 هـ - 1960 م - ومعه سبل السلام شرح بلوغ المرام: لمحمد بن إسماعيل الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير. * تخريج أحاديث اللمع في أصول الفقه: للشيخ عبد الله بن محمد الصديقي الغماري الحسني ومعه اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى (476 هـ) خرَّج أحاديثه وعلق عليه: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي. عالم الكتب - الطبعة الثانية: 1406 هـ - 1986 م. * تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. المتوفى سنة (911 هـ) تحقيق وتعليق الدكتور أحمد عمر هاشم دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. 1409 هـ - 1989 م.
* التعليق المغني على الدارقطي: للمحدث أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي مذيَّل بسنن الدارقطي. دار المحاسن للطباعة - القاهرة. * تقريب التهذيب: للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) حققه وعلق حواشيه وقدم له: الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف. دار المعرفة - بيروت - لبنان. 1380 هـ. * تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) عني بتصحيحه وتنسيقه والتعليق عليه: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني شركة الطباعة الفنية المتحدة - القاهرة. 1384 هـ. * تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سة (911 هـ) ويليه كتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي. مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني - القاهرة. * تهذيب التهذيب: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ). مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية - الهند - الطبعة الأولى. * تهذيب السنن: للحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751 هـ) مذيل في كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية - الطبعة الثالثة: 1399 هـ - 1979 م. * توجيه النظر إلى أصول الأثر: للشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي المتوفى سنة (1338 د). دار المعرفة - بيروت - لبنان.
* توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: للعلامة محمد بن إسماعيل الكحلاني الأمير الحسني الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) بتحقيق وتقديم: الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة السلفية - المدينة المنورة. * جامع الأصول في أحاديث الرسول: للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري. المتوفى سة (606 هـ) بتحقيق وتخريج وتعليق: عبد القادر الأرناؤوط - دار الفكر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. * جامع التحصيل في أحكام المراسيل: للحافظ صلاح الدين أبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي المتوفى ستة (761 هـ) حققه وقدم له وخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي - عالم الكتب - مكتبة النهضة العربية - الطبعة الأولى: 1307 هـ - 1986 م. * الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سودة المتوفى سنة (297 هـ). بتحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. * الجرح والتعديل: للحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي المتوفى سنة (327 هـ) مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - الهند - الطبعة الأولى: 1371 هـ - 1952 م. * الجوهر النقي: للعلامة علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني المتوفى سنة (745 هـ) مذيل بالسنن الكبرى للبيهقي - دار الفكر - بيروت - لبنان. * سبل السلام شرح بلوغ المرام: للإمام محمد بن إسماعيل الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير المتوفى سة (1182 هـ) راجعه وعلق عليه الشيخ محمد عبد العزيز الخولي. دار إحياء التراث العربي - الطبعة الرابعة: 1379 هـ - 1960 م.
* سنن الدارقطني: للإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة (385 هـ) عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، وبذيله التعليق المغني لأبي الطيب محمد شمس الحق. دار المحاسن للطباعة - القاهرة. 1386 هـ - 1966 م. * سنن الدارمي: للإمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي المتوفى سنة (255 هـ) طبع بعناية محمد أحمد دهمان - دار إحياء السنة النبوية - دار الكتب العلمية. * السنن الكبرى: للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفى سنة (458 هـ) وفي ذيله: الجوهر النقي لابن التركماني - دار الفكر - بيروت - لبنان. * سنن ابن ماجه: للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني المتوفى سنة (275 هـ) حقق نصوصه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي دار الكتب العلمية - دار الفكر - بيروت - لبنان. * سنن النسائي: للحافظ أبي عبد الرحمن أسد بن شعيب علي النسائي، ومعه شرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1348 هـ - 1930 م. * شرح السنة: للإمام المحدث أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي المتوفى سنة (516 هـ) حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: محمد زهير الشاويش. شعيب الأرناؤوط. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. * شرح مسلم للنووي: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي الحواربي المتوفى سنة (676 هـ) دار الفكر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1392 هـ - 1972 م.
* شرح معاني الآثار: للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي المتوفى سنهَ (321 هـ) حققه وعلق عليه: العلامة محمد زهري النجار. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. * صحيح البخاري: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة (256 هـ) ومعه فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني. قرأ أصله تصحيحًا وتحقيقًا الشيخ عبد العزيز بن عبد اله بن باز، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب - دار المعرفة - بيروت - لبنان. * صحيح الجامع الصغير وزيادته: للشيخ ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1402 هـ - 1982 م. * صحيح ابن خزيمة: للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري المتوفى سنة (311 هـ). حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وقدم له: الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي - الطبعة الثانية: 1401 هـ - 1981 م. شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة، الرياض. * صحيح سنن ابن ماجه: للمحدث محمد ناصر الدين الألباني: مكتب التربية العربي لدول الخليج - الطبعة الثانية: 1408 هـ - 1987 م. * صحيح مسلم: للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى سنة (261 هـ) ومعه شرح النووي - دار الفكر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1392 هـ - 1972 م. * طريق الرشد إلى تخريج أحاديث بداية ابن رشد: للشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل عبد اللطيف. من مطبوعات الجامعة الإسلامية: 1397 هـ. مؤسسة مكة للطباعة والإعلام. * عون المعبود شرح سنن أبي داود: للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي. ومعه تهذيب السنن لابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751 هـ).
ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان المكتبة السلفية - الطبعة الثالثة: 1399 هـ - 1979 م. * فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ). قرأ أصله تصحيحًا وتحقيقًا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب - دار المعرفة - بيروت - لبنان. * الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني: للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا مع شرحه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني لنفس المؤلف. دار الشهاب - القاهرة. * فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي: للإمام شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة (902 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. * فيض القدير شرح الجامع الصغير: للعلامة المحدث محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1391 هـ - 1972 م. * قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث: للمحدث محمد جمال الدين القاسمي المتوفى سنة (1332 هـ) بتحقيق وتعليق الأستاذ محمد بهجة البيطار - الطبعة الثانية: 1380 هـ - 1961 م. دار إحياء الكتب العربية. * الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب السِّتة: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) تحقيق وتعليق: عزت علي عيد عطية - موسى محمد علي المرسى - دار الكتب الحديثة - القاهرة - الطبعة الأولى: 1392 هـ - 1972 م.
* الكفاية في علم الرواية: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سة (463 هـ) تحقيق وتعليق: الدكتور أحمد عمر هاشم - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. * لسان الميزان: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. * مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. المتوفى سنة (807 هـ). دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1402 هـ - 1982 م. * المستدرك على الصحيحين: للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة (405 هـ) وبذيله: التلخيص للحافظ الذهبي - دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. * مسند الإمام أحمد بن حنبل، وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي، وفي أوله فهرس رواة المسند من الصحابة وضعه: محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الرابعة: 1403 هـ - 1983 م. * مسند الإمام الحميدي: للإمام الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي المتوفى سنة (219 هـ) تحقيق: حبيب الله الأعظمي - عالم الكتب - بيروت - لبنان. * مسند الإمام الشافعي: للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة (204 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م. * مشكاة المصابيح: للإمام محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي المتوفى
سنة (737 هـ) تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م. * المصنف: للإمام الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى سنة (211 هـ) ومعه كتاب الجامع: للإمام معمر بن راشد الأزدي ورواية الإمام عبد الرزاق. تحقيق: الأستاذ حبيب الرحمن الأعظمي. المكتب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1392 هـ - 1972 م. * المعتصر من المختصر من مشكل الآثار: للقاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي تصوير عالم الكتب - بيروت - لبنان. * معرفة علوم الحديث: للإمام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري. المتوفى سنة (405 هـ) اعتنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه الأستاذ الدكتور: السيد معظم حسين - دار الكتب العلمية - الطبعة الثانية: 1397 هـ - 1977 م. * مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: للإمام المحدث أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري المعروف بابن الصلاح المتوفى سنة (642 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان: 1398 هـ - 1978 م. * المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للإمام أبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري المتوفى سنة (307 هـ) حققه وعلق عليه ووضع فهارسه لجنة من العلماء بإشراف الناشر. وراجعه: الشيخ خليل الميس - دار القلم - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م. * موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى سنة (807) حققه ونشره: محمد عبد الرزاق حمزة. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. * الموطأ: لإمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي
(4) كتب أصول الفقه
المتوفى سنة (179 هـ) ومعه شرح تنوير الحوالك للإمام السيوطي. مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني - القاهرة - مصر. * ميزان الاعتدال في نقد الرجال: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عنان الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) تحقيق: علي محمد البجاوي - دار المعرفة - بيروت - لبنان. * نصب الراية لأحاديث الهداية: للإمام الحافظ جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي المتوفى سنة (762 هـ) مع حاشية (بغية الألمعي في تخريج الزيلعي). دار الحديث - القاهرة - مصر. * نيل الأوطار شرح منتفى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) حققه الأستاذان: طه عبد الرؤوف سعد - مصطفى محمد الهواري. مكة الكليات الأزهرية مصر: 1398 هـ - 1978 م. * هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري: للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) قام بإخراجه وتصحيح تجاربه: محب الدين الخطيب. دار المعرفة - بيروت - لبنان. (4) كتب أصول الفقه: * الإبهاج في شرح المنهاج: للإمام علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة (756 هـ) وولده تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة (771 هـ) كتب هوامشه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. * إجابة السائل شرح بغية الآمل: للإمام المحدث محمد بن إسماعيل، الأمير الصنعاني. المتوفى سنة (1182 هـ) تحقيق: القاضي حسين بن أحمد السياغي والدكتور: حسن مقبولي الأهدل. مؤسسة الرسالة - بيروت - مكتبة الجيل الجديد صنعاء - الطبعة الثانية: 1408 هـ - 1988 م.
* الاجتهاد من كتاب التلخيص: للإمام أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني المتوفى سنة (478 هـ) تحقيق: الدكتور عبد الحميد أبو زنيد. دار العلوم والثقافة - بيروت - دار القلم - دمشق - الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1987 م. * الإحكام في أصول الأحكام: للإمام سيف الدين علي بن محمد الآمدي، المتوفى سنة (635 هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 1401 هـ - 1981 م. * الإحكام في أصول الأحكام: للإمام الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري المتوفى سنة (456 هـ) تحقيق: الشيخ أحمد محمد شاكر، قدم له الأستاذ الدكتور: إحسان عباس - دار الآفاق الجديدة - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. * إحكام الفصول في أحكام الأصول: للإمام القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، المتوفى سنة (474 هـ) حققه ووضع فهارسه وقدم له: عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1986 م. * إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول: للعلامة محمد بن علي بن محمد الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) وبهامشه شرح الشيخ أحمد بن قاسم العبادي على شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي على (الورقات في أصول الفقه، للجويني. دار المعرفة - بيروت - لبنان: 1399 هـ - 1979 م. * أصول السرخسي: للإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي المتوفى سنة (490 هـ) بتحقيق: أبو الوفا الأفغاني - دار المعرفة - بيروت - لبنان. * أصول الشاشي: للإمام نظام الدين أبي علي أحمد بن محمد بن إسحاق المتوفى سنة (344 هـ) دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان: 1402 هـ
- 1982 م. وبهامشه عمدة الحواشي للمولى محمد فيض الحسن الكنكوهي. * أصول الفقه: للإمام محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي - القاهرة. * أصول الفقه: للشيخ محمد الخضري بك. المكتبة التجارية الكبرى - مصر - الطبعة السادسة: 1389 هـ - 1969 م. * الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: للإمام الحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني المتوفى سنة (584 هـ) حققه وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. سلسلة منشورات جامعة الدراسات الإسلامية - باكستان - الطبعة الثانية: 1410 هـ - 1989 م. * البرهان في أصول الفقه: لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني المتوفى سنة (478 هـ) حققه وقدمه ووضع فهارسه: الدكتور عبد العظيم الديب - الطبعة الأولى: 1399. * البلبل في أصول الفقه: للإمام سليمان بن عبد القوي الطوفي. المتوفى سنة (716 هـ) الطبعة الثانية: 1410 هـ. مكتبة الإمام الشافعي - الرياض. * بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب: للإمام شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني المتوفى سنة (749 هـ). تحقيق: الدكتور محمد مظهر بقا. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي. مكة المكرمة - السعودية - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. * التبصرة في أصول الفقه: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي المتوفى سنة (476 هـ) شرحه وحققه: الدكتور محمد حسن هيتو. دار الفكر - دمشق، تصوير 1402 هـ - 1983 م عن الطبعة الأولى: 1980. * التحصيل من المحصول: للإمام سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي، المتوفى سنة (682 هـ) دراسة وتحقيق: الدكتور عبد الحميد علي أبو زيد مؤسسة الرسالة - الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م.
* تخريج الفروع على الأصول: للإمام شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفى سنة (656 هـ) حققه وعلق حواشيه: الدكتور محمد أديب صالح. مؤسسة الرسالة - الطبعة الخامسة: 1404 هـ - 1984 م. * التعريفات: للعلامة الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفى سنة (816 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. * تفسير النصوص في الفقه الإسلامي: للدكتور محمد أديب صالح. المكتب الإسلامي - الطبعة الثالثة: 1404 هـ - 1984 م. * تقريب الوصول إلى علم الأصول: للإمام أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المتوفى سنة (741 هـ) بتحقيقنا. دار الأقصى - مصر - الطبعة الأولى: 1410 هـ - 1990 م. * التمهيد في أصول الفقه: للإمام محفوظ بن أحمد بن الحسن، أبو الخطاب الكلواذاني المتوفى سنة (510 هـ) دراسة وتحقيق: الدكتور محمد علي بن إبراهيم. مركز البحث العلي وإحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة - السعودِية - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1985 م. * جمع الجوامع: للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة (771 هـ) شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية: 1356 هـ - 1937 م. وعليه حاشية العلامة البناني على شرح الجلال شمس الدين محمد بن أحمد المحلي، وبهامشها تقرير الشيخ عبد الرحمن الشربيني. * حاشية البناني على متن جمع الجوامع للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي شركة ومطعة مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية: 1356 هـ - 1937 م. * حاشية نسمات الأسحار على شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار:
للإمام محمد أمين بن عمر بن عابدين - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م. * الحدود في الأصول: للإمام القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة (474 هـ) بتحقيق: الدكتور نزيه حماد. الناشر مؤسسة الزعبي للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1392 هـ - 1973 م. * دراسات في مصادر الفقه المالكي: للأستاذ ميكلوش موراني. دار الغرب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1409 هـ - 1988 م. * الرسالة: للإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة (204 هـ) بتحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر. * روضة الناظر وجنة المناظر: للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة (630 هـ) ومعها نزهة الخاطر للشيخ عبد القاهر أحمد بن مصطفى بدران. مكتبة المعارف - الرياض - السعودية - الطبعة الثانية: 1404 هـ - 1984 م. * شرح إفاضة الأنوار على متن أصول المنار: للإمام محمد علاء الدين الحصني الحنفي ومعه حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين، وتقييدات على الحاشية والشرح للشيخ محمد أحمد الطوخي. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية: 1399 هـ - 1979 م. * شرح اللوح على التوضيح لمتن التنقيح: للإمام سعد الدين سعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة (792 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. * شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول: للإمام شهاب الدين بن إدريس القرافي. المتوفى سنة (684 هـ) حققه: طه عبد الرؤوف سعد. دار الفكر للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1393 هـ - 1973 م.
* شرح عضد الملة والدين المتوفى سنة (75 هـ 6) لمختصر المنتهى لابن الحاجب دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1403 هـ - 1983 م. * شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، أو المبتكر شرح المختصر: للعلامة محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار. المتوفى سنة (972 هـ) تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد. مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي 1408 هـ - 1987 م. * شرح اللمع: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي. المتوفى سنة (476 هـ) حققه وقدم له ووضع فهارسه: الدكتور عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م. * شرح المحلي على متن جمع الجوامع لابن السبكي: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد المحلي، وعليه حاشية العلامة البناني وتقرير الشيخ الشربيني. طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر. 1356 هـ - 1937 م. الطبعة الثانية. * شرح العبادي على شرح المحلي على الورقات في الأصول للجويني: للإمام أحمد بن قاسم العبادي وهو على هامش كتاب إرشاد الفحول للإمام الشوكاني. دار المعرفة - بيروت - لبنان. 1399 هـ - 1979 م. * صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: للإمام أحمد بن حمدان الحراني المتوفى سنة (695 هـ) خرج أحاديثه وعلق عليه: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. المكتب الإسلامي - الطبعة الثالثة: 1397 هـ. * العُدَّة في أصول الفقه: للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء. المتوفى سنة (458 هـ) حققه وعلق علية وخرج نصه: الدكتور أحمد بن علي سير المباركي. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر - الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م.
* عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي: للمولى محمد فيض الحسن الكنكوهي دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. 1402 هـ - 1982 م. * غاية الوصول شرح لب الأصول: للإمام أبي يحيى زكريا الأنصاري وبهامشه (لب الأصول) وهو ملخص جمع الجوامع في الأصول لابن السبكي. طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي - مصر. * فتح الغفار بشرح المنار المعروف بمشكاة الأنوار في أصول المنار: للإمام زمن الدين إبراهيم، الشهير بابن نجيم الحنفي، المتوفى سنة (970 هـ). مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر. 1355 هـ - 1936 م. * الفقيه والمتفقه: للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463 هـ) قام بتصحيحه والتعليق عليه الشيخ إسماعيل الأنصاري دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1400 هـ - 1980 م. * فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت: العلامة عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري، مفصول بجدول مع المستصفى للإمام أبي حامد الغزالي. المطبعة الأميرية - ببولاق - مصر - الطبعة الأولى: سنة 1322 هـ. * مباحث الكتاب والسنة: للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي. المطبعة التعاونية 1394 هـ - 1974 م. * المحصول في علم الأصول: للإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة (606 هـ) دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني. لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر - المملكة السعودية - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. * مختصر حصول المأمول من علم الأصول: للإمام صديق حسن خان المتوفى سنة (1307 هـ) تعليق الدكتور: مقتدى حسن الأزهري. دار الصحوة للنشر والتوزيع - القاهرة - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1985 م.
* المختصر في أصول الفقه: للإمام علي بن محمد بن علي البعلي المعروف بابن اللحام المتوفى سنة (803 هـ) حققه وقدم له ووضع حواشيه وفهارسه: الدكتور محمد مظهر بقا. دار الفكر - دمشق. 1400 هـ - 1980 م. * المدخل إلى أصول الفقه المالكي: للأستاذ محمد عبد الغني الباجقني. دار لبنان للطباعة والنشر - بيروت - الطبعة الأولى: 1387 هـ - 1968 م. * مذكرة أصول الفقه: للشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي. المكتبة السلفية - المدينة المنورة - السعودية. * المستصفى من علم الأصول: للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي، المتوفى سنة (505 هـ) ومعه كتاب فواتح الرحموت للأنصاري. دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - المطبعة الأميرية - ببولاق - مصر - الطبعة الأولى: 1322 هـ. * المسودة في أصول الفقه: تتابع على تصنيفه: الإمام مجد الدين أبو البركات، والإمام شهاب الدين أبو المحاسن والإمام تقي الدين أبو العباس جمعها الإمام شهاب الدين أبو العباس. تحقيق وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد. دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. * المعتمد في أصول الفقه: للإمام أبي الحسين محمد بن علي بن الطيب المعتزلي المتوفى سنة (436 هـ) اعتنى بتهذيبه وتحقيقه: محمد حميد الله بتعاون محمد بكر وحسن حنفي المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية - دمشق. 1384 هـ - 1964 م. * المعونة في الجدل: لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي المتوفى سنة (476 هـ) حققه وقدم له ووضع فهارسه: الدكتور عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م. * مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول: للإمام أبي عبد الله محمد بن
أحمد التلمساني المتوفى سنة (771 هـ) حققه وخرج أحاديث وقدم له: الأستاذ عبد الوهاب عبد اللطيف دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. 1403 هـ - 1983 م. * ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل: للإمام الحافظ أبي محمد علي بن حزم الظاهري المتوفى سنة (456 هـ) بتحقيق: سعيد الأفغاني. دار الفكر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1389 هـ - 1969 م. * مناظرات في أصول الشريعة الإسلامية بين ابن حزم والباجي: للدكتور عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. * مناهج العقول: للإمام محمد بن الحسن البدخشي، ومعه شرح الإسنوي لمنهاج الوصول في علم الأصول للبيضاوي المتوفى سنة (685 هـ). مطبعة محمد علي صبيح وأولاده - مصر. * منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل: للإمام جمال الدين عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب المتوفى سنة (571 هـ). دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م. * منتهى السول في علم الأصول: للإمام سيف الدين علي بن محمَّد الآمدي، المتوفى سنة (635 هـ). مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده. * منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز: للشيخ محمد الأمين بن محمد الجكني الشنقيطي ومعه إضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لنفس المؤلف الجزء العاشر. عالم الكتب - بيروت - لبنان. * المنهاج في ترتيب الحجاج: للإمام القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة (474 هـ) تحقيق: الدكتور عبد المجيد تركي. دار الغرب الإسلامي - الطبعة الثانية: 1987 م.
* الموافقات في أصول الشريعة: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي المتوفى سنة (790 هـ) وعليه شرح للشيخ عبد الله دراز، وعني بضبطه وترقيمه ووضع تراجمه: الأستاذ محمد عبد الله دراز. دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان. * ميزان الأصول في نتائج العقول: للإمام علاء الدين شمس النظر أبي بكر محمد بن أحمد السمرقندي المتوفى سنة (539 هـ) حققه وعلق عليه: الدكتور محمد زكي عبد البر - الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. * النبذ في أصول الفقه: للإمام أبي محمد علي بن حزم الظاهري المتوفى سنة (456 هـ) وهو الكتاب المسمى النبذة الكافية في أحكام الدين. تقديم وتحقيق وتعليق: أحمد حجازي السقا. مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة - مصر - الطبعة الأولى: 1401 هـ - 1981 م. * نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر: للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران المتوفى سنة (1346 هـ) مكتبة المعارف - الرياض - السعودية - الطبعة الثانية: 1404 هـ - 1984 م. * نشر البنود على مراقي السعود: للشيخ عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي طبع تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين الحكومة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. * نهاية السول شرح منهاج الوصول: للإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي المتوفى سنة (772 هـ) مطبعة محمد علي صبيح وأولاده - مصر. * الوجيز في أصول الفقه: للشيخ يوسف حسين الكراماستي المتوفى سنة (906 هـ) تحقيق وشرح وتعليق: الدكتور السيد عبد اللطيف كساب. دار الهدى للطباعة: 1404 هـ - 1984 م. * الوسيط في أصول الفقه الإسلامي: للدكتور وهبة الزحيلي. مطبعة دار الكتب 1397 هـ - 1977 م.
(5) كتب الفقه
* الوصول إلى الأصول: للإمام شرف الإسلام أبي الفتوح أحمد بن علي بن برهان المتوفى سنة (518 هـ) تحقيق: الدكتور عبد الحميد علي أبو زنيد - مكتبة المعارف - الرياض - السعودية - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. (5) كتب الفقه: * أحكام المواريث: للأستاذ محمد مصطفى شلبي. دار النهضة العربية للطباعة والنشر - بيروت - لبنان: 1978. * الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (911 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. * أعلام الموقعين عن رب العالمين: للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751 هـ) راجعه، وقدم له وعلق عليه: طه عبد الرؤوف سعد. مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة: 1388 هـ - 1968 م. * الأم: للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة (204 هـ) أشرف على طبعه وباشر تصحيحه: الشيخ محمد زهري النجار. دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1393 هـ - 1973 م. * بداية المجتهد ونهاية المقتصد: للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المتوفى سنة (595 هـ) دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الرابعة: 1398 هـ - 1978 م. * حاشية محمد بن عمر البقري شرح متن الرحبية في علم الفرائض. الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية - القاهرة: 1388 هـ - 1968 م.
* العذب الفارض شرح عمدة الفارض: للإمام الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الفرضي. أمر بطبعه الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. * القوانين الفقهية: للإمام أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المتوفى سنة (741 هـ) قام بنشره: عبد الرحمن بن حمدة اللزام الشريف ومحمد الأمين الكتبي بتونس: 1344 هـ - 1926 م. * المجموع شرح المهذب: للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي المتوفى سنة (676 هـ) ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للإمام أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفى سنة (623 هـ) ويليه التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ). دار الفكر. * مجموع الفتاوى: لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية المتوفى سنة (728 هـ)، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن القاسم العاصمي ومساعده ابنه محمد. مطابع دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان - تصوير الطبعة الأولى: 1398 هـ. * المحلى: للإمام الظاهري أبي محمد علي بن أحمد بن حزم المتوفى سنة (456 هـ) تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة - بيروت. * المغني: للإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المتوفى سنة (630 هـ) مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. * المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها المشكلات: للإمام أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المتوفى سنة (520 هـ) تحقيق: الدكتور محمد حجي. دار الغرب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأولى: 1408 هـ - 1988 م.
(6) كتب اللغة وعلومها
* المنتقى شرح موطأ مالك بن أنس: للإمام القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي المتوفى سنة (474 هـ) دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1403 هـ - 1983 م. * موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي: للأستاذ سعدي أبو جيب. دار الفكر - دمشق - الطبعة الثانية: 1404 هـ - 1984 م. (6) كتب اللغة وعلومها: * اختيارات من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: للدكتور إحسان النص - مؤسسة الرسالة - الطبعة الثالثة: 1405 هـ - 1985 م. * الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين: للإمام كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري المتوفى سنة (577 هـ) ومعه كتاب الانتصاف من الإنصاف. لمحمد محيي الدين عبد الحميد - دار الجيل: 1982 م. * البيان في غريب إعراب القرآن: للإمام كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري المتوفى سنة (557 هـ) تحقيق: الدكتور عبد الحميد طه، مراجعة: مصطفى السقا. الهيئة المصرية العامة للكتاب: 1400 هـ - 1980 م. * البيان والتبيين: للإمام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة (255 هـ) بتحقيق وشرح: الأستاذ عبد السلام محمد هارون. مكتبة الخانجي - القاهرة - الطبعة الخامسة. 1405 هـ - 1986 م. * حاشية الخضري على شرح ابن عقيل: للشيخ محمد الخضري. دار الفكر - بيروت - لبنان: 1398 هـ - 1978 م. * خريدة القصر وجريدة العصر: للعماد الأصفهاني الكاتب المتوفى سنة (597 هـ) تحقيق: آذرتاش آذرنوش، نقحه وزاد عليه: محمد المرزوقي،
ومحمد العروسي المطوي والجلاني بن الحاج يحيى. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر - الدار التونسية للنشر: 1972 م. * خزانة الأدب ولبّ لُب لسان العرب: للإمام عبد القادر بن عمر البغدادي المتوفى سنة (1093 هـ) تحقيق وشرح: الأستاذ عبد السلام محمد هارون. مكتبة الخانجي بالقاهرة الطبعة الثانية. * الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريتي المتوفى سنة (542 هـ) تحقيق: الدكتور إحسان عباس. الدار العربية للكتاب - ليبيا - تونس: 1398 هـ - 1978 م. * شرح الأشموني على ألفية ابن مالك وعليه حاشية محمد الصبان - المطبعة الأزهرية المصرية - الطبعة الأولى: 1305 هـ. * شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: للقاضي بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المتوفى سنة (769 هـ) ومعه كتاب منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل للأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد - الطبعة الثانية. * الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: للإمام إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة (393 هـ) تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. دار العلم للملايين - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1404 هـ - 1984 م. * القاموس المحيط: للعلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي. المتوفى سنة (817 هـ) تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة. مؤسسة الرسالة - الطبعة الثانية: 1407 هـ - 1987 م. * قلائد العقيان في محاسن الأعيان: أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله القيسي المشتهر بابن خاقان. المتوفى سنة (529 هـ). قدم له ووضع فهارسه: محمد العناني بدار الكتب الوطنية. المكتب العتيقة - تونس - وهي طبعة مصورة عن طبعة باريس.
(7) كتب القبائل والأنساب
* كتاب سيبويه: للإمام اللغوي أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المتوفى سنة (180 هـ) تحقيق وشرح: الأستاذ عبد السلام محمد هارون - مكتبة الخانجي بالقاهرة - الطبعة الثالثة: 1408 هـ - 1988 م. * لسان العرب المحيط: للعلامة محمد بن مكرم بن علي بن منظور المتوفى سنة (711 هـ) قدم له الشيخ عبد الله العلايلي، إعداد وتصنيف: الأستاذ يوسف خياط - دار لسان العرب - بيروت - لبنان. * معجم الأدباء: للإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي المتوفى سنة (626 هـ). راجعته وزارة المعارف العمومية - طبع بمطبعة دار المأمون. * مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: للإمام جمال الدين ابن هشام الأنصاري المتوفى سنة (761 هـ) حققه وخرج شواهده الدكتور مازن المبارك ومحمد علي حمد الله. راجعه: سيد الأفغاني. دار نشر الكتب الإسلامية - لاهور - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. (7) كتب القبائل والأنساب: * الاشتقاق: لأبي بكر محمد بن الحسن بن دُريد المتوفى سنة (321) تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون مكتبة الخانجي - مصر. * الإكمال في دفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب: للحافظ الأمير أبي نصر علي بن هبة الله الشهير بابن ماكولا المتوفى سنة (487 هـ). اعتنى بتصحيحه والتعليق عليه: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. الناشر: محمد أمين دمج - بيروت - لبنان. * الأنساب: للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني المتوفى سنة (562 هـ) اعتنى بتصحيحه والتعليق عليه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. طبع بإعانة وزارة المعارف للتحقيقات العلمية والأمور الثقافية
للحكومة العالية الهندية تحت مراقبة الدكتور محمد عبد المعد خان. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - الهند - الطبعة الأولى: 1383 هـ - 1963 م. * تبصير المنتبه بتحرير المشتبه: للحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) تحقيق محمد علي النجار ومراجعة: علي محمد الجاوي. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. الدار المصرية للتأليف والترجمة. * جمهرة أنساب العرب: للإمام الظاهري أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة (456 هـ) راجع النسخة وضبط أعلامها لجنة من العلماء بإشراف الناشر. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. * اللُّباب في تهذيب الأنساب: للإمام أبي الحسن علي ومحمد بن محمد الشيباني. المعروف بابن الأثير الجَزَري. الملقب عز الدين. المتوفى سنة (630 هـ) تحقيق: الدكتور إحسان عباس - دار صادر - بيروت - لبنان. * المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم: للإمام أبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي المتوفى سنة (370 هـ) بتصحيح وتعليق: الدكتور ف. كرنكو. ومعه كتاب معجم الشعراء للإمام أبي عبيد الله محمد بن عمران الموزباني المتوفى سنة (384 هـ). عنيت بنشرهما للطبعة الأولى مكتبة القدسي. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. * معجم قبائل العرب القديمة والحديث: للأستاذ عمر رضا كحالة. دار العلم للملايين - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1388 هـ - 1968 م. * نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب: لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله القلقشندي المتوفى سنة (821 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1985 م.
(8) كتب التاريخ والتراجم
(8) كتب التاريخ والتراجم: * أسد الغابة في معرفة الصحابة: للإمام عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير، المتوفى سنة (630 هـ) دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. * الاستيعاب في معرفة الأصحاب: للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر المتوفى سنة (463 هـ) تحقيق: علي محمد الجاوي. ملتزم الطبع والنشر مكتبة نهضة مصر ومطبعتها - مصر. * الإصابة في تمييز الصحابة: للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852 هـ) وبهامشه الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر النمري القرطبي - دار صادر - مطبعة السعادة - مصر - الطبعة الأولى: 1328 هـ. * أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام: للشيخ عمر رضا كحالة. مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الخامسة: 1404 هـ - 1984 م. * أعمال الأعلام في من بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام: للإمام لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله السلماني المعروف بابن الخطيب. المتوفى سنة (776 هـ) تحقيق وتعليق: إ. ليفي بروفنسال - دار المكشوف - بيروت - الطبعة الثانية: 1956 م. * البداية والنهاية: للإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة (774 هـ). مكتبة المعارف - بيروت - الطبعة الرابعة: 1401 هـ - 1981 م. * برنامج التجيبي: للإمام القاسم بن يوسف التجيبي السبتي المتوفى سنة (730 هـ) تحقيق وإعداد: عبد الحفيظ منصور - الدار العربية للكتاب - ليبيا - تونس: 1981 م.
* بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس: لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي. المتوفى سنة (599 هـ) دار الكاتب العربي: 1967 م. * بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى سنة (991 هـ) دار المعرفة - بيروت - لبنان. * البلغة في تاريخ أئمة اللغة: للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي المتوفى سنة (817 هـ) تحقيق: محمد المصري. منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي - دمشق: 1392 هـ - 1972 م. * البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: لأبي العباس أحمد بن محمد المراكشي. تحقيق: إ. ليفي بروفنسال. دار الثقافة - بيروت - لبنان. * تاريخ الأدب العربي: حنا الفاخوري. المكتبة البولية - بيروت - لبنان - الطبعة السادسة. * تاريخ الأدب والنصوص الأدبية: للأستاذ محمد الطيب عبد النافع، والأستاذ إبراهيم عبد الرحيم يوسف. مراجعة الأستاذ منير البعلبكي. منشورات مكتبة الوحدة العربية. * تاريخ بغداد أو مدينة السلام: للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي. المتوفى سنة (463 هـ) دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان. * تاريخ التراث العربي: للأستاذ فؤاد سزكين. نقله إلى العربية: د. محمود فهمي حجازي. ود. فهمي أبو الفضل. الهيئة المصرية العامة للكتاب: 1977 م. * تاريخ الشعوب الإسلامية: لكارل بروكلمان. نقله إلى العربية: نبيه أمين فارس. ومنير البعلبكي. دار العلم للملايين - بيروت - لجان - الطبعة العاشرة: 1984 م.
* تاريخ الفكر الأندلسي: لآنخل جنثالث بالنثيا. نقله إلى العربية: حسين مؤنس. ملزمة النشر والطبع مكتبة النهضة المصرية القاهرة - الطبعة الأولى: 1955 م. * التاريخ الصغير: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة (256 هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زايد. فهرس أحاديثه: د. يوسف المرعشلي. دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م. * التاريخ الكبير: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة (256 هـ). توزيع دار الباز للنشر والتوزيع - مكة المكرمة. * تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية: للإمام محمد أبو زهرة دار الفكر العربي. * تاريخ المغرب والأندلس: للدكتور أحمد بدر - المطبعة الجديدة - دمشق: 1401 هـ - 1981 م. * تذكرة الحفاظ: للإمام أبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان. * ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: للقاضي أبو الفضل فياض بن مرسى بن عياض اليحصبي السبتي المتوفى سنة (544 هـ) تحقيق: الدكتور أحمد بكير محمود - منشورات: دار مكتبة الحياة - بيروت - دار مكتبة الفكر - طرابلس - ليبيا. * تهذيب تاريخ ابن عساكر: للشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى المعروف بابن بدران المتوفى سنة (1346 هـ) مطبعة الرقي - دمشق. * جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس: لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي المتوفى سنة (488 هـ). الدار المصرية للتأليف والترجمة المكتبة الأندلسية: 1966 م.
* الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية: لأبي محمد عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي المتوفى سنة (775 هـ) تحقيق: الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو - مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه: 1398 هـ - 1978 م. * الحُلة السيراء: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي. المعروف بابن الأبار المتوفى سنة (658 هـ) حققه وعلق حواشيه: الدكتور حسين مؤنس. الشركة العربية للطباعة والنشر. دار الكتاب العربي - الطبعة الأولى: 1963 م. * الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية: لمؤلف أندلسي من أهل القرن الثامن عشر. حققه الدكتور: سهل زكار والأستاذ: عبد القادر زمامة دار الرشاد الحديثة - الدار البيضاء - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. * دول الإسلام: للإمام أبي عبد الله شمس الدين محمد الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) عُني بطبعه ونشره: الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري. إدارة إحياء التراث الإسلامي - قطر. * دول الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطي: للأستاذ محمد عبد الله عنان. الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة - الطبعة الثانية: 1389 هـ - 1969 م. * الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: للإمام برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المتوفى سنة (799 هـ) وبهامشه كتاب: نيل الابتهاج بتطريز الديباج للشيخ بابا التنبكتي. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. * الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة: للإمام محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة (1345 هـ) كتب مقدماتها ووضع فهارسها: محمد المنتصر بن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني. دار البشائر الإسلامية - بيروت - الطبعة الرابعة: 1406 هـ - 1986 م.
* الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة: للإمام يحيى بن أبي بكر العامري أشرف على ضبطه وتصحيحه: عمر الديراوي أبو حجلة. الناشر: مكتبة المعارف - بيروت - الطبعة الثالثة: 1983 م. * سير أعلام النبلاء: للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) وخرج أحاديثه وعلق عليه في الجزء الثامن عشر: شعيب الأرنؤوط. ومحمد نعيم العرقسوسي. مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى: 1405 هـ - 1984 م. * السيرة النبوية: للإمام أبي محمد عبد الملك بن هشام المتوفى سنة (213 هـ) حققها وضبطها وشرحها الأساتذة: مصطفى السقا - إبراهيم الأبياري - عبد الحفيظ شلبي - تراث الإسلام. * شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: للأستاذ الشيخ محمد بن محمد مخلوف. دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1349 هـ. * شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى سنة (1089 هـ) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيِع .. دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1399 هـ - 1979 م. * شرف الطالب في أسنى المطالب: للشيخ أبو العباس أحمد بن حسن بن علي الشهير بابن قنفد القسنطيني المتوفى سنة (809 هـ) ومعه وفيات ولقط الفوائد لأحمد بن القاضي تحقيق: الأستاذ محمد حجي. مطبوعات دار المغرب - الرباط: 1396 هـ - 1976 م. * الشعر والشعراء: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة (276 هـ) عالم الكتب - بيروت - لبنان. * الصلة: لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال المتوفى سنة (578 هـ) الدار المصرية للتأليف والترجمة - المكتبة الأندلسية - مطابع سجل العرب - القاهرة: 1966 م.
* طبقات الحفاظ: للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة (911 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. له طبقات الشافعية: للإمام أبو محمد جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي المتوفى سنة (772 هـ) كمال يوسف الحوت - مركز الخدمات والأبحاث الثقافية دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م. * طبقات الشافعية: لأبي بكر بن أحمد بن محمد، تقي الدين بن قاضي شهبة المتوفى سنة (851 هـ) اعتنى بتصحيحه وعلق عليه: الدكتور الحافظ عبد العليم خان. رتب فهارسه: الدكتور عبد الله أنيس الطباع - عالم الكتب - بيروت - الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م. * حلقات الشعراء: للأديب عبد الله بن المعز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد المتوفى سنة (296 هـ) تحقيق عبد الستار أحمد فراح. دار المعارف - القاهرة - الطبعة الرابعة. * طبقات فحول الشعراء: لمحمد بن سلام الجُمحي المتوفى سنة (231 هـ) قرأه وشرحه أبو فهر محمود محمد شكر. مطبعة المدني - المؤسسة السعودية بمصر. * طبقات الفقهاء: للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، المتوفى سنة (476 هـ) حققه وقدم له: الدكتور إحسان عباس. دار الرائد العربي - بيروت - لبنان: 1970 م. * الطبقات الكبرى: للإمام محمد بن سعد بن منيع البصري المتوفى سنة (230 هـ) دار صادر - دار بيروت: 1380 هـ - 1960 م. * طبقات المفسرين: للحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي
المتوفى سنة (945 هـ) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1403 هـ - 1983 م. * طبقات المفسرين: للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. المتوفى سنة (911 هـ) بتحقيق: علي محمد عمر. مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة الأولى: 1396 هـ - 1976 م. * طبقات النحويين واللغويين: لأبي بكر محمد بن الحسين الزبيدي الأندلسي المتوفى سنة (379 هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم دار المعارف - القاهرة - الطبعة الثانية. * العبر وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر: للإمام عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المتوفى سنة (808 هـ) دار الكتاب اللبناني - بيروت - مكتبة المدرسة - بيروت - لبنان: 1983 م. * العرب قبل الإسلام: لجرجي زيدان. دار مكتبة الحياة - بيروت - لبنان: 1966 م. * الغنية: للإمام أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المتوفى سنة (455 هـ) تحقيق: ماهر زهير جرار. دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1402 هـ - 1982 م. * الفتح المبين في طبقات الأصوليين: للأستاذ الشيخ عبد الله مصطفى المراغي. مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني - القاهرة - الطبعة الأولى. * الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي: للشيخ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المتوفى سنة (1376 هـ) خرج أحاديثه وعلق عليه: عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة - الطبعة الأولى: 1396 هـ.
* فهرست ابن خير: أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة المتوفى سنة (575 هـ) تحقيق: الأستاذ فرنسشكه قداره زيدين وتلميذه: خليان دبارة طرغوه المكتب التجاري - بيروت - مكتبة المثنى - بغداد - مؤسسة الخانجي - القاهرة - الطبعة الثانية: 1382 هـ - 1963 م. * فهرس ابن عطية: للإمام أبي محمد عبد الحق بن عطية المحاربي المتوفى سنة (541 هـ) تحقيق: الأستاذ أبو الأجفان والأستاذ محمد الزاهي. دار الغرب الإسلامي - بيروت - الطبعة الأولى: 1400 هـ - 1980 م. * فهرس للنديم: أبي الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق المعروف بالوراق المتوفى سنة (380 هـ) تحقيق: رضا - تجدد. * فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات: للشيخ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. باعتناء الدكتور: إحسان عباس. دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1402 هـ - 1982 م. * فوات الوفيات والذيل عليها: لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي المتوفى سنة (764 هـ) تحقيق: الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة - بيروت - لبنان. * الكامل في التاريخ: للإمام عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير المتوفى سنة (630 هـ) دار صادر - دار بيروت: 1380 - 1965 م. * كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: للعالم مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة - منشورات مكتبة المثنى - بغداد. * مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: للإمام أبي محمد عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المتوفى سنة (768 هـ) منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1390 هـ - 1970 م.
* مراتب النحويين: لأبي الطيب عبد الواحد بن علي العسكري المتوفى سنة (351 هـ) تحقيق: الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم. دار نهضة مصر للطبع والنشر - القاهرة - الطبعة الثانية. * المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا: للشيخ أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن النباهي. تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة - منشورات دار الآفاق الجديدة - بيروت - لبنان - الطبعة الخامسة: 1403 هـ - 1983 م. * المعارف: للإمام أبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي المتوفى سنة (276 هـ) حققه وقدم له: الدكتور ثروت عكاشة. دار المعارف - القاهرة - مصر - الطبعة الرابعة. * المُعجب في تلخيص أخبار المغرب: للمؤرخ الأديب عبد الواحد المراكشي. ضبطه وصححه وعلق حواشيه وأنشأ مقدمته: الأستاذ محمد سعيد العريان. والأستاذ محمد العربي العلمي. دار الكتاب - الدار البيضاء - المغرب - الطبعة السابعة: 1978 م. * معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية: للأستاذ الشيخ عمر رضا كحالة مكتبة المثنى - بيروت - ودار إحياء التراث العربي - بيروت. * معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: للإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة (748 هـ) حققه وقيد نصه وعلق عليه: الأستاذ بشار عواد معروف والأستاذ شعيب الأرناؤوط والأستاذ صالح مهدي عباس - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. * ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة والوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة: للإمام أبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري المتوفى سنة
(9) كتب الأقطار والبلدان
(721 هـ) تقديم وتحقيق: الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة. الدار التونسية للنشر - تونس: 1402 هـ - 1982 م. * نفح الطيب من غصن الأندلس الرهيب: للشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني المتوفى سنة (1041 هـ) حققه: الدكتور إحسان عباس. دار صادر - بيروت - لبنان: 1388 هـ - 1968 م. * هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين: للشيخ إسماعيل باشا البغدادي المتوفى سنة (1339 هـ) طبع بعناية وكالة المعارف في مطبعتها باستانبول سنة 1951. منشورات مكتبة المثنى - بغداد. * وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان المتوفى سنة (681 هـ) حققه: الدكتور إحسان عباس. دار الثقافة - بيروت - لبنان. (9) كتب الأقطار والبلدان: * الآثار الأندلسية في إسبانيا والبرتغال: للأستاذ محمد عبد الله عنان. مؤسسة الخانجي - القاهرة: 1381 هـ - 1961 م. * الروض المعطار في خبر الأقطار: لأبي عبد الله محمد بن عبد المنعم الحميري المتوفى سنة (727 هـ) حققه: الدكتور إحسان عباس. مكتبة لبنان - بيروت: 1975 م. * مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي. المتوفى سنة (739 هـ) تحقيق وتعليق: علي محمد البجاوي. دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1373 هـ - 1954 م. * معجم البلدان: للإمام أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي المتوفى سنة (626 هـ) دار صادر - دار بيروت: 1404 هـ - 1984 م. * معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: للوزير الفقيه أبي عبيد،
(10) كتب متنوعة أخرى
عبد الله بن عبد العزيز البكري المتوفى سنة (487 هـ) حققه وضبطه: الأستاذ مصطفى السَّقا. عالم الكتب - بيروت - لبنان - الطبعة الثالثة: 1403 هـ - 1983 م. * وصف إفريقيا: للحسن بن محمد الوزان الفاسي المعروف بليون الإفريقي. ترجمه عن الفرنسية: د. محمد حجي. د. محمد الأخضر. دار الغرب الإسلامي - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية: 1983 م. (10) كتب متنوعة أخرى: * الأموال: للإمام أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة (224 هـ) مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1981 م. * جامع بيان العلم وفضله: للإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة (463 هـ) وقف على طبعه وتصحيحه وتقييد حواشيه: إدارة الطباعة المنيرية دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان. * الدُّرر في اختصار المغازي والسير: للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري المتوفى سنة (463) دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى: 1404 هـ - 1984 م. * رسالة راهب فرنسا إلى المسلمين وجواب القاضي أبي الوليد الباجي عليها: دراسة وتحقيق: الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي. دار الصحوة للنشر والتوزيع بالقاهرة: 1406 هـ - 1986 م. * العواصم من القواصم: للإمام أبي بكر محمد بن عبد الله الشهير بابن العربي المعافري المتوفى سنة (543 هـ) دراسة وتحقيق: الدكتور عمار طالبي بعنوان: (آراء أبي بكر بن العربي الكلامية) الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر - الطبعة الثانية: 1981 م. * مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين: للدكتور رمضان عبد التواب. الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة - الطبعة الأولى: 1406 هـ - 1986 م.