الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة

محمد البهي

الإسلام ومواجهة المذاهب الهدامة الدكتور محمد البهي الناشر: مكتبة وهبة - القاهرة. - عدد الأجزاء: 1. - عدد الصفحات: 40. أعده للمكتبة الشاملة / توفيق بن محمد القريشي، - غفر الله له ولوالديه -. [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي].

الطبعة الأولى: رجب سَنَةَ 1401 هـ - مايو سَنَةَ 1981 م.

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مُقَدِّمَةٌ: .. دعونا نسائل أنفسنا: هل منطق الحياة الإنسانية لم يزل: هو الطغيان عن طريق القوة ... واستغلال القوي للضعيف؟ .. {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (¬1) .. هل القوي بعصبيته أو بماله .. أو بعدته وعتاده يسعى لأن يكون سندًا؟ على من لا يملك القوة ذا القوة والعتاد. وأمارة سيادته: أن يستغل الضعيف، ويحرص على بقائه ضعيفًا، كي يستمر في استغلاله؟. هل ما نسميه بالمذاهب الهدامة هو تبريرات للقوة والطغيان بها وتوجيهات لاستغلال الضعيف وبقائه ضعيفًا؟. وهل رسالة الله [لرسله]- عَلَيْهِمْ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على هذه الأرض - وختامها القرآن الكريم - دعو إلى التوازن بين القوة والضعف، حتى لا يطغى القوي بقوته ولا يذل الضعيف، يقبل أن يستغل بسبب ضعفه؟. وإنما على الأقوياء أن يجنبوا قوتهم الاعتداء ¬

_ (¬1) [سورة العلق، الآيتان: 6، 7].

أليست هذه مذاهب تخفي وراءها مصالح خاصة؟

وعنى الضعفاء أن يستندوا في مواجهة قوة القوى، وفي رفض الطغيان بالقوة: إلى مؤازرة بعضهم لبعض وإلى اعتصامهم بحبل الله وهدايته؟. ... أَلَيْسَتْ هَذِهِ مَذَاهِبُ تُخْفِي وَرَاءَهَا مَصَالِحَ خَاصَّةٍ؟: وإذا كانت المذاهب الهدامة بمثابة تبريرات لطغيان القوي بقوته لحمل الضعيف على قبول التبعية والرضا باستغلاله، فأصحاب القوة إذن هم أصحاب المصلحة في نشر تلك المذاهب وترويجها بين الضعفاء .. هم الذين يدفعون بها وإليهم، ويدفعون عنها بينهم لتظل واقعًا في حياتهم. وأصحاب هذه القوة إذن هم أصحاب المصلحة والنفعة. ومصلحتهم لدى الضعفاء هي استغلالهم إن كانت لهم طاقات بشرية، أو امكانيات اقتصادية في المواد الأولية أو في تسويق المنتجات الصناعية لما يصنعون. إن المذاهب الهدامة قامت ونشأت لتهدم فعلاً: لتهدم الدعوة إلى مؤازرة الضعفاء بعضهم لبعض فيما بينهم على أساس من الإيمان بالله .. لتهدم سعي هؤلاء في سبيل التمكن من الاستقلال ودفع التبعية والاستغلال بسبب الضعف، بعيدًا عن أنفسهم .. لتهدم محاولات هؤلاء أن يستقلوا بإمكانياتهم الاقتصادية ومواردهم من المواد الأولية .. لتهدم سيادتهم على أموالهم وطاقاتهم .. لتحول دون أن تكون لهم إرادة في الإشراف على هذه الأموال، وفي التصرف فيها. 1 - ثم كان إكراه المسلمين في مجتمعاتهم على قبول «العلمانية»

في التربية والتعليم والتشريع، وأخيرًا في الأسرة والعلاقات بين الأفراد فيها عن طريق ما يسمى بتنظيم النسل، واقتباس شرع الناس بدلاً من شرع الله في علاقة الزوج بزوجته؟. وممن كان الإكراه؟. أليس من القوي والحاكم الذي يعيش في ظله؟ وأليست مصلحة هذه القوى في استغلال الطاقات البشرية الرخيصة للمسلمين؟. أليست منفعته في التصرف عن طريق مباشر أو غير مباشر: في المواد الأولية والإمكانيات الاقتصادية، التي وهبها الله للمسلمين في أرضهم وأوطانهم؟. الم تكن «العلمانية» كما هي سبيل إلى إضعاف المسلمين في مجتمعاتهم: سبيلاً أيضًا إلى احتفاظ صاحب المصلحة في الاستغلال، وهو القوى بقوته؟. وهي قوة التوجه والضغط والإكراه على قبول المسلمين للتبعية في صورة أو في أخرى؟. ... 2 - لم كان ترويج «الماسونية» أو اليهودية العالمية بين المسلمين في مجتمعهم؟ ألم تكن للنقل المسلمين من محيط إيمانهم بالإسلام، إلى ذوبانهم في «عالمية» يقودها رأس المال في الدول الصناعية، والفكر الاشتراكي في النظم الماركسية؟. وقوة المسلمين في بقاء تماسكهم على أساس من الإسلام، بينما ضعفهم في تفرقهم وفي ذوبانهم في «عالمية» هم فيها اتباع فقط؟. ومن هم وراء الماسونية؟. من هم أصحاب المصلحة في ترويجها؟. أهم الزعماء في النظامين: الرأسمالي، والاشتراكي؟ أهم اليهود أصحاب «العقلية العالمية»؟.

أهم أصحاب الصناعة والسيطرة عن طريقها في النظام الرأسمالي؟ أهم أصحاب الإيديولوجية الماركسية والسيطرة عن طريقها في الدول الاشتراكية؟. وعن طريق نقل المسلمين إلى «عالمية» هم فيها أتباع لا يعرفون السيادة على أنفسهم وعلى ما تحت أيديهم من إمكانيات اقتصادية: يسهل استغلالهم: إما لأصحاب الصناعة، أو لأصحاب الفكر الاشتراكي. * * * 3 - لم كانت نوادي «الروتاري» في المجتمعات الإسلامية؟. ولم كانت الدعوة إليها في هذه المجتمعات قصدًا إلى احتواء أكبر عدد من المثقفين الوطنيين وأصحاب النفوذ السياسي، ورجال القانون، والفكر، والصحافة؟. أليس هدف نوادي الروتاري إضعاف «حبل الله» بين المسلمين، وتمزيقهم وتفريقهم ليظلوا أتباعًا في «عالمية» يسود فيها القوي لمصلحة له؟. وأليست الصليبية الدولية وراء هذه النوادي والعمل على احتواء الصفوف المتميزة في المجتمعات الإسلامية ليبشروا بـ «روح العالمية» بين مواطنيهم، وليضعفوا بالتالي روح الوحدة والتماسك في علاقة بعضهم ببعض؟. * * * 4 - لم كان الاستشراق؟. ولم كانت العودة عن طريق المستشرقين إلى ترديد شبهات المشركين بمكة على عهد الرسالة؟. أليس عمل المستشرقين في بحوثهم .. وفي كتبهم .. وفي توجيه

أبناء المسلمين في الجامعات الغربية والشرقية، عندما تسند إليهم الحكومات الإسلامية إعدادهم وتأهيلهم بالدرجات العلمية ليعودوا للقيام بوظائف التدريس في الجامعات الإسلامية: تشكيكًا، وتضليلاً، وتوهينًا للقيم الإسلامية ولرسالة القرآن الكريم؟. أليس وراء عمل المستشرقين: سلطة الكنيسة، وسلطة الدولة العلمانية مَعًا في الغرب .. وفي الشرق على السواء؟. أليس وراء تشويه المستشرقين لمبادئ الإسلام وللقيم الإسلامية إضعاف للمسلمين في وحدتهم وفي تعاونهم لمنفعة القوي، وهو ذلك الذي يسخر القساوسة والربانيين من اليهود، بعد أن يضفي عليهم مسحة العلماء وطابع الأكادميين، للاعتداء على الإسلام باسم العلم والبحث العلمي؟. وأليس للسلطة الكنسية مصلحة في تجميد الإسلام أو انحساره في إفريقيا على الأقل؟ وأليس لسلطة الدولة العلمانية منفعة في الاستيلاء على المواد الأولية من أوطان المسلمين بأثمان أدنى بكثير من أثمانها بعد تصنيعها وإعادتها للاستهلاك في أسواق المسلمين؟. * * * 5 - ولم كانت الدعوة إلى «الإلحاد العلمي» باسم الاشتراكية، أو الماركسية، أو الشيوعية؟. أليست الدعوة إلى الإلحاد العلمي هجومًا على الإسلام ومبادئه .. وادعاء بأنه كذب وخرافة؟. أليس مضمون الإلحاد العلمي في الجامعات الإسلامية تفريقًا لنفوس المؤمنين من إيمانهم بالله ورسوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - .. أو على الأقل تشكيكًا لهم في دينهم، وبالتالي أضعافًا وتوهينًا لعلاقة بعضهم ببعض؟. ولمصلحة من: أعدت الدعوة إلى الإلحاد العلمي؟. أليست لأصحاب الدعوة؟ أليست للاشتراكيين، أو الماركسيين، أو

الشيوعيين؟. أليست لمصلحة الدولة الكبرى التي تقود الماركسية في العالم، والتي تدافع عنها في إصرار، وتخفي اعتداءها على الفريسة التي تنقض عليها بين الفينة والأخرى، لالتهامها واستغلال مواردها الطبيعية بحجة أو بأخرى باسم السلام العالمي؟. * * * 6 - من الذي يقصر إطلاق «العلم» على نتائج التجربة وحدها في مجال البحوث الطبيعية؟. ومن الذي يجعل وحي الرسالة الإلهية «غيبًا» وخرافة؟. ومن الذي يخلق «مشكلة» بين «العلم» .. و «الدين»؟. ومن الذي يجعل علم الله أدنى علم الإنسان؟. أليس هو صاحب المصلحة والمنفعة في هذا الادعاء؟ ألم تكن الدولة العلمانية صاحبة المصلحة في مطاردة الكنيسة، وفي إضعاف سلطتها والتشكيك في هيبتها؟. ولكي تسقط الكنيسة في مواجهة الدولة العلمانية في المجتمع الواحد .. ولكي تضعف هيبة رجال الدين في مواجهة رجال السياسة والدولة ينادي ببخس القيمة الذاتية لعلم الله، بينما يرفع من شأن علم الإنسان. فيدعي للأول بأنه أساطير، بينما يدعى للثاني بأنه «يقين»!! متى كان الإنسان معصومًا عن الخطأ؟. ومتى كان الله عرضة للصواب والخطأ؟ إنما هي الرغبة في الانفراد بالسلطة الزمنية في الحكم تجعلها تدافع عن الإنسان، بينما تكيل التُّهَمَ إلى الله - جَلَّ شَأْنُهُ -!!. والسلام كدين لم يسلم مما وجهه الآخرون إلى المسيحية: من شظايا الحرب بين الدولة والكنيسة في أوروبا، من أجل السلطة، فاتهم بأنه خرافة وليس يقينًا. ويحلو لرجال السياسة في المجتمعات الإسلامية أن يكرروا الاتهام لإبعاد المسؤوليات عن كاهل الحكام التي يلقيها الإسلام وينيط بها الحكم الإسلامي. * * *

أهذه مذاهب فكرية؟

أَهَذِهِ مَذَاهِبٌ فِكْرِيَّةٌ؟ هذه جملة من المذاهب الهدامة توجه كمعاول هدم ضد الإسلام في غفلة من أكثر المسلمين، وربما عن وعي لقلة منهم .. وربما أيضًا بمعاونة بعض هذه القلة التي تعي ما يصنع الإسلام. هنا: العلمانية .. وهنا الماسونية .. وهنا الصليبية العالمية .. وهنا الاستشراق .. وهنا الإلحاد العلمي .. وهنا العلم والدين. نحن نطلق عليها «مذاهب» ولكنها في واقع أمرها: حيل وألاعيب، تخفي أهواء ورغبات: [أ] من يقول: إن التربية الدينية تضاد الطبيعة البشرية؟. - تقول ذلك فلسفة «جون ديوي» التربوية، التي من الأسف تؤسس عليها كليات التربية في مجتمعاتنا الإسلامية وهي فلسفة تتجه إلى «العلمانية» وإبعاد الدين عن مجال التربية، والتشريع مَعًا. [ب] من يقول: إن «الماسونية» .. وهي دعوة إلى «العالمية» عن طريق إبعاد الدين .. والوطن .. والعرق، عن رؤيا الإنسان في الحكم والعلاقات بين الإنسان والإنسان: مذهب فكري واتجاه إنساني؟ نعم الدين يقول بأبعاد الوطن، والعرق، والقبيلة، عن مجال الرؤيا للإنسان، ولكنه يحدد هذا المجال بأبعاد الرسالة الإلهية، وهي المحيطة بخواص الطبيعة الإنسانية وحدود السبيل السوي لمواقفها وسلوكها. إن الفكر في سلامته، وفي صحة منطقه: يجب أن لا يخضع للهوى والرغبات، فإذا حرصت الماسونية على مصالح اليهود وحدهم مفرقين في العالم، أو مجتمعين في إسرائيل، على حساب أهل الأديان الأخرى كانت لحزب دون آخر، وما هكذا يكون شأن الفكر، وإنما هو شأن الهوى.

[ج] من يقول: إن «الصليبية الدولة» في دفعها الدعوة إلى العمق في نفوس: المثقفين وأصحاب النفوذ والقيادة في كل مجال من المسلمين عن طريق: «نوادي الروتاري» .. وغيرها، كي يتجنبوا الإسلام في التعامل، والمعاملة، والنظرة إلى الحياة، مع أنفسهم ومع الآخرين عداهم: تكون مذهبًا مغايرًا «للماسونية» في نتائجها وإن اختلفت سبلها، واختلف أصحاب المصلحة والمنفعة فيها؟. إنها ليست غير أهواء ورغبات، واتجاهها في النهاية اتجاه غير إنساني لأنه يتحايل على أن يأخذ ما بأيدي المسلمين برضاء المسلمين أنفسهم. فهو خدعة في التحايل والتلاعب. [د] من يقول: إن بحوث المستشرقين تدخل تحت مفهوم «العلم» .. واتجاهاتهم فبها يحكي مذهبًا فكريًا، وهي بحوث تسعى لتشويه الإسلام في مبادئه والوصول في تصويرها في نظر المؤمنين بها: على أنها ضد رسالة الله، وعلى أن محمدًا صاحب القرآن: جانبه الصواب، وحاد عن الحق، عندما أَلَّفَهُ وخالفه فيه الإنجيل؟. ومتى كان اختلاف القرآن مع الإنجيل سببًا في عدم صحة القرآن بالذات، ولو كان الاختلاف في أن القرآن يدعو لوحدة الألوهية، وإنسانية الرسول عيسى ابن مريم، بينما الإنجيل في يد النصارى الآن يدعو إلى «التثليث» في الألوهية و «تأليه» عيسى الرسول؟. أليس قياس القرآن في الحكم بصحته أو بعدم صحته على الإنجيل القائم: تحزبًا للإنجيل وتحزبًا لما حرف في رسالة الله التي جاءت قبل القرآن؟ وأليس التعبير عن التحيز تعبيرًا عن رغبته؟.

[هـ] وما يسمى «بالإلحاد العلمي» وتعبيره عن إنكار الألوهية عن طريق ادعاء: أن المنهج العلمي يثبت: أن الله خرافة .. وأن الدين مخدر تخدر به الشعوب الكادحة (!!) عن طريق رجال الدين لحساب الأثرياء من أصحاب رؤوس الأموال، وإقطاع الأراضي الزراعية. أي منهج علمي يثبت ذلك؟ أهو منهج المادية الذي يجعل العقل تابعًا للبدن وظاهرة من ظواهره؟ فهل الله ظاهرة من ظواهر المادية وليس له وجود مستقل؟ وأية مادة هي التي تعتبر الله ظاهرة لها؟. أهو منهج علم الاجتماع الذي يجعل الروابط بين الأفراد والمجتمع قوانين حتمية تلزم بها الأفراد؟. كما يجعل المجتمع مصدر الحركة والفاعلية في مصير الأفراد أنفسهم؟. أي المجتمع في وجوده السابق المدعى والمستقبل عن الأفراد؟ أليس المجتمع ظاهرة تتبع الأفراد في تجمعهم وفي اتجاههم، دون أن يكون صاحب وجود مستقل؟. وما يسمى بالمنهج العلمي في هذا المجال هو منهج الرغبة والهوى ممن هم أصحاب مصلحة في مطاردة الدين ورجاله، كي تفقد الجماهير سندها في الحياة وعندئذٍ تكون قيادتها هينة. إنه على أية حال ليس منهج الواقع والتجربة هو منهج الماركسية والغوغائية. [و] وفي علاقة العلم والدين: يثار الادعاء بأن قضايا الدين غيبية وليست تجريبية أي لا تقع تحت إدراك الإنسان الحسي حتى يستطيع أن يخضعها للتجربة. والعلم نتيجة التجربة وحدها واليقين صفة من صفات العلم. من قال: إن التجربة وحدها مصدر العالم؟.

أليست «الرياضة» عِلْمًا، ومع ذلك ليست نتيجة التجربة؟ وأليس «الاجتماع» مجموعة من التجارب، ومع ذلك ليس علمًا؟ إذ هو احتمال وسيظل احتمالاً، طالما الإنسان هو الإنسان: في تفاعله مع مجتمعه، وفي تطوره مع غده. ولكن أليس إبعاد الدين عن مجال العلم ومجال المعرفة اليقينية سبيل من سبل مطاردته في المجتمع. وسبيل آخر لإفساح مجال الحياة الإنسانية للدولة، وتطبيقه على الكنيسة في سلطتها، وعلى رجال الدين في مناقشتهم وجدلهم؟. أليس من مصلحة السياسيين في الدولة: أن يطارد الدين في المجتمع حتى لا يكون هناك مسؤولية للخطأ والصواب، وِفْقًا لرسالة الله قائمة على وجوههم؟. إن هناك مصلحة. وهناك هوى. وهناك رغبة في اتهام الدين بأنه يناقض العلم. وهي مصلحة رجال السياسة على الأقل، قبل غيرهم. * * * إن ما نسميه بالمذاهب الهدامة ليست مذاهب فكر، ومنطق، تستهدف حماية الإنسان من التلبيس والخداع. إنها بالأحرى دعوة إلى التلبيس والخداع، والغفلة: إن أربعة من هذه الاتجاهات تدعو المسلمين إلى «العالمية» وهي: العلمانية تدعو إلى العالمية .. والماسونية تدعو إلى العالمية .. * * *

والصليبية الدولية تدعو المسلمين إلى العالمية .. والإلحاد العلمي الماركسي يدعو إلى العالمية .. والدعوة إلى «العالمية» بين المسلمين هي دعوة لتركهم التمسك بالإسلام كإطار يجمع بين المسلمين .. هي دعوة لذوبانهم في الآخرين، وقبول قيادة الأقوياء أصحاب المصلحة في الدعوة إلى «العالمية». واثنان من هذه الاتجاهات يشككان في الإسلام .. وينتقصان من القيم الإسلامية وهما: «الاستشراق» يدعو إلى التشكيك، والانتقاص من القيم الإسلامية. و «علاقة العلم بالدين»: وتدعو إلى التشكيك في المعارف الدينية .. وهي معارف الوحي الإلهي - وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية. والدعوة بين المسلمين إلى التشكيك في معارف الوحي الإلهي .. وإلى الانتقاص من القيم الإسلامية: هي دعوة غير مباشرة إلى ترك الإسلام، أو على الأقل إلى الغض من قيمته، والتهاون في أمره. * * *

من المفهوم .. إلى التطبيق

مِنَ المَفْهُومِ .. إِلَى التَّطْبِيقِ: إذا كانت إحدى القوتين صاحبتي المصلحة في بقاء المسلمين ضعفاء: تنبني الدعوة إلى الماسونية، والصليبية الدولية، والأخرى تقوم على أمر الإلحاد العلمي، فإنهما مَعًا يرعيان «العلمانية» .. و «الاستشراق» .. و «علاقة العلم بالدين». وأولى وسائل التطبيق لأي من هذه المذاهب الهدامة في مجتمع من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، هي اختيار هذه القوة أو تلك من القوى صاحبة المصلحة في إضعاف المسلمين وإبقاء مجتمعاتهم ضعيفة، للأشخاص الوطنيين في هذه المجتمعات ومساعدتهم على تولي الوظائف القيادية: في الثقافة .. والتعليم .. والروابط الاجتماعية .. والترويج لمذهب من المذاهب الهدامة ضد الإسلام في أي مجتمع إسلامي لا يأتي من فراغ، وإنما عن طريق اختيار هؤلاء الأشخاص، الذين يخضعون لتجربة الولاء والخضوع لهذه القوة أو تلك. وثانية الوسائل اتفاق القوى الدولية التي تتميز بالرغبة الجامحة في إضعاف المجتمعات الإسلامية أو الحرص على بقائها ضعيفة، على عدم معارضة أية قوة من هذه القوى للأخرى فيما تسلكه من طريق قد يكون عنيفًا لإخضاع هذا المجتمع أو ذاك للتعبية. فاجتماع «يالتا» أثناء الحرب العالمية الثانية قسم نفوذ القوتين العظميين اللتين دخلتا الحرب مَعًا ضد ألمانيا وإيطاليا، في عالم ما بعد الحرب والنصر .. والحرب ضد باكستان الكبرى في ديسمبر 1970 كان باتفاقهما .. ودخول السوفييت أفغانستان وإخضاعها إلى الحكم الإلحادي كان باتفاقهما كذلك، وإن كان بقاء السوفييت هناك إلى ما شاء الله: لم يكن موضع الوفاق بين القوتين العظميين!. * * *

• في مفهوم العلمانية .. وفي تطبيقها

• فِي مَفْهُومِ العِلْمَانِيَّةِ .. وَفِي تَطْبِيقِهَا: يؤول مفهومها إلى «الفصل» بين سلطتين، إحداهما دينية، والأخرى دنيوية أو الفصل بين حكومتين: حكومة الكنيسة. وحكومة الدولة، وحكومة الكنيسة هي حكومة إلهية معصومة عن الخطأ. لأن «بَابَا» الكنيسة عندما ينصب عليها تحل فيه «روح المسيح» وهو ابن الله في اعتقاد طائفة من المسيحيين .. بينما حكومة الدولة هي حكومة بشرية تصيب وتخطأ .. وهي عندئذٍ ليست لها عصمة. ومعنى الفصل بين السلطتين: أن كل سلطة لها الحرية في التصرف، ودون معارضة من السلطة الأخرى، فالكنيسة لها الرأي الأول في شؤون الأسرة: في التعميد .. وفي الزواج .. وفي الحكم بإلغاء الزواج .. وفي الوفاة ومراسيمه. والدولة الزمنية لها الحرية في التعليم .. وفي التشريع .. وفي الاقتصاد .. وفي الشؤون السياسية .. وفي فرض الضرائب وجبايتها .. وفي إعلان الحرب وقبول السلام ... إلخ. والكنيسة عندئذٍ إن مارست السياسة تمارسها من وراء ستار .. بأن تساعد حزبًا سياسيًا معينًا. كالحزب الديمقراطي المسيحي. وإن مارست التعليم ففي مدارس دينية معينة كمدارس الجزويت .. والغرير، وبدون مساعدة مادية من الدولة .. وهكذا. وهذا الفصل بين السلطتين في الساحة الغربية جر إليه خلافهما وطول الخصومة بينهم. ومع هذا الفصل فإن السطلة الزمنية أو سلطة الدولة السياسية لا تتباطأ في تقديم الديبلوماسية للكنيسة كلما طلب منها. ولذا نفوذ الكنيسة على السلطة السياسية

في أوروبا طوال القرون الصلييبية الثلاثة لم يضعف بعد الفصل بين السلطتين إلا في ظاهر الأمر فقط. ولم تزل الكنيسة ذات تأثير قوي، عن طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية في العالم الكاثوليكي كله. والشرق الإسلامي عندما جاءه الاستعمار الغربي (¬1)، على الأخص، منذ القرن التاسع عشر: فرض العلمانية في المجتمعات الإسلامية: فرضتها هولندا .. والبرتغال .. وإنجلترا .. وفرنسا، بمفهوم يغاير مفهوم الفصل بين سلطتين. وهو مفهوم «إبعاد الدين» عن الدولة. أي إبعاد الإسلام عن الحكم وشؤونه، إذ ليس في الإسلام مكان للسلطتين، ولا لحكومتين. فسلطة الحكم في الإسلام سلطة واحدة تعمل بكتاب الله وسنة رسوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -. وهي سلطة غير معصومة عن الخطأ. لأنها سلطة بشرية وتظل بشرية رغم أنها تستند في الحكم إلى القرآن، والسنة الصحيحة. في تطبيق العلمانية: وهنا يأتي دور التطبيق للعلمانية، وهي إبعاد الإسلام عن الدولة وشؤونها .. ويسعي القوي - وهو الأجنبي، عن طريق أصحاب النفوذ في نظام الحكم القائم في المجتمع الإسلامي - إلى ازدواج التعليم ما بين ديني، ومدني .. وازدواج القضاء ما بين شرعي وأهلي أو مدني، في أولى مراحل تطبيق العلمانية. تكون هناك مدارس أو معاهد ابتدائية وثانوية للتعليم الوطني أو الديني الإسلامي، كما تكون هناك مدارس ابتدائية وثانوية للتعليم المدني وتقوم هناك بعض الجامعات على أساس علماني: أي في السعودية، ¬

_ (¬1) تقريبًا انتشر في جميع مجتمعاته.

أو القرويين في الرباط، أو الزيتونة في تونس والبيضاء في ليبيا، على أساس وطني أو إسلامي تراعى فيها المواد الإسلامية والعربية وتقل فيها الدراسات الإنسانية، وتختفي منها الرياضة، والعلوم التجريبية والطبيعية. وفي المرحلة الثانية لتطبيق العلمانية في دائرة التعليم تعمل القوى الأجنبية على إضافة المواد الإنسانية، والرياضية، والطبيعية إلى مناهج المدارس أو المعاه الدينية دون أن تضيف المواد العربية أو الإسلامية إلى مناهج المدارس المدنية. كما تحاول إلغاء الجامعات الدينية وتحويل مواد الدراسة فيها إلى كلية تنشئها باسم كلية الدراسات الإسلامية والعربية تضاف إلى كليات الجامعة المدنية أو العلمانية. كما تم في إلغاء جامعة البيضاء الإسلامية، وضم الدراسة فيها إلى جامعة بني غازي المدنية .. وفي إلغاء جامعة القرويين وضم الدراسة فيها إلى جامعة الرباط المدنية .. وفي إلغاء جامعة الزيتونة وضم الدراسة فيها إلى جامعة تونس المدنية والعلمانية. وقد كانت هذه المحاولة في مصر بالنسبة للأزهر، ولكنها لم تقم حتى الآن. وكذلك - في المرحلة الأولى للعلمانية - ينوع القضاء، فتقام بعض المحام المدنية بجانب المحاكم الشرعية، على أن تحل المحاكم المدنية تدريجيًا محل المحاكم الشرعية، إلى أن يلغى هذا النوع الأخير، كما ألغي في مصر على يد وزير العدل أحمد حسني على عهد ما يسمى بالثورة المصرية. وكما ألغي في تونس، وفي مجتمعات إسلامية أخرى. وعلى أن يحل القانون الوضعي محل الشريعة الإسلامية، رغم أنه قد ينص في بعض دساتير المجتمعات الإسلامية على أن الشريعة الإسلامية

مرجع رئيسي أو المرجع الرئيسي للتشريع، بينما قد ينض في البعض الآخر بدلاً عن ذلك: بأن اسم الدولة: مسلم. وتدريجيًا يخف الرجوع إلى التراث الإسلامي والمصادر الإسلامية ويتجه الاعتماد على ما للغرب من: ثقافة .. وتشريع .. وتخطيط في البحث والتعليم. وبذلك يضعف استقلال المجتمعات الإسلامية، بينما تشتد تبعيتها لصاحب القوة في التوجيه، وصاحب المصلحة في إضعاف استقلال المجتعات الإسلامية. وقوة معاول الهدم، تحت تأثير العلمانية، يوجهها القوي صاحب المصلحة في إضعاف المسلمين اليوم: إلى «الأحوال الشخصية» .. تحت ستار: «تحرير المرأة» .. وقد نالت هذه المعاول فعلاً من هدم هذا الركن الباقي علميًا في المجتمعات الإسلامية، فألغى تعدد الزوجات أو قيده بما يخرجه عن كونه «رخصة» ويجعله مصدر ضرر .. وقيدت ولاية الرجل على المرأة بما يسلب هذه الولاية منه عند خروج الزوجة إلى العمل خارج المنزل، فلها وحدها حق اختيار العمل وحق الخروج إليه دون حاجة إلى إذن الزوج، رغم عدم الحاجة إلى إذنه فإنه هو ملزم بالإنفاق عليها، ولو كان عملها لا يتم إلا بالاختلاط مع غير المحارم .. ولو كان علمها بالليل أو على حساب رعاية الأولاد. ودفع حركة تحرير المرأة إلى الخروج عن المسار الإسلامي الصحيح ليس عن طريق العلمانية وحدها، وإنما عن طريق الصليبية الدولية، والإلحاد العلمي كذلك. فلا بأس من أن تعين المرأة سفيرة .. ورئيسة مجلس إدارة لهيئة من هيئات النشر الحكومية .. ورئيس لبعض أجهزة الإعلام الرئيسية .. وَهَلُمَّ جَرًّا .. ولا بأن تتبنى

• في مفهوم الماسونية

في تلك الوظائف الرئيسية: الدعوة بقوة إلى تحديد النسل .. وإلى أن تمكن البنت من حريتها - كما يقال - في اختيار الزوج وإن خالف رأي الوالدين في الأسرة، وإن خالف جميع التقاليد التي تجعل من الأسرة وحدة متماسكة. * * * • في مفهوم الماسونية: والماسونية: أو البناءون الأحرار أقيم كيانها في لندن 1717، وفي ألمانيا 1937. وهي هيئة واسعة الانتشار، ونظامها نظام سري ويتعاون أعضاؤها على تحقيق هدفها وعلى مساعدة بعضهم بعضًا. وتخضع للنفوذ اليهوي، وتسيطر العقلية اليهودية العالمية على توجيهها. وكانت ممنوعة في ألمانيا على عهد الاشتراكية الوطنية، بسبب نفوذ اليهود فيها. وهي متغلغلة في الأوساط الاقتصادية في المجتمعات العالمية. وللسرية التامة في نظامها تتم معاونة الأعضاء بعضهم لبعض بدون أن يحس العضو أن واحدًا معينًا أو بعض أشخاص من الأعضاء قاموا بأداء المساعدة. والهدف من هذه الجمعية حمل الأعضاء على أن يمارسوا نشاطهم داخل إطار «العالمية» غاضين النظر عن التعاليم الدينية الخاصة بالوطن الذي يعيشون فيه، وعن الصفات الوطنية أو القبلية أو العنصرية. إذ «العالمية» لا تفرق بين إنسان وآخر في الوظيفة ولا تنظر

عند الاختيار إلى عنصره وموطنه، وبالأخص في الوظائف الدولية إذ لا مانع - وليست هناك فضاضة أيضًا - في أن يتولى يهودي في مؤسسة دولية مصلحة أي بلد عربي أو إسلامي طالما هذا اليهودي يحمل جواز سفر من الدولة التي يمثلها. وكلما استع نطاق «العالمية» وانتشر مفهومها الواسع بين الأعضاء، وفي الأعمال التي يؤدونها تحت هذا المفهوم: كلما خف الضغط الوطني في أي مجتمع في نظرته إلى اليهودية كأقلية منبوذة في المجتمع. فالمعروف أن هجرة اليهود من كنعان بعد اضطهاد الرومان لهم جعلتهم أقليات مختلفة في روسيا، وفي أوروبا الشرقية، أو البلقان. ولم يكن لهم استقرار في الأوطان التي هاجروا إليها، بسبب نظرة الوطنيين إليهم، وهي نظرة تنطوي على التحقير والازدراء بهم. وهذه النظرة كانت تدفع الأقليات اليهودية في أي مجتمع إما إلى التسرب إلى مجتمع آخر تقل فيه نظرة الاحتقار .. وإما إلى جمع المال عن طريق الربا والتجارة .. وإما إلى تحصيل المعرفة. فإذا حصل بعضهم ثروة كبيرة، أو حصل معرفة واسعة أمكنه أن يعيش بين الوطنيين دون أن يحس باحتقارهم وازدرائهم به. ومن هنا كان اليهود فيما بعد من أصحاب رؤوس الأموال في الصناعة بعد الثورة الصناعية، كما كانوا أصحاب علم في الجامعات الأوروبية، ولم تزل لهم سيادة في هذه المجتمعات: إما عن طريق المال، أو طريق العلم. وبجانب تفكير العقلية اليهودية العالمية في تحصيل المال، والعلم،

انبثق عنها تفكير آخر، وهو تحطيم الروابط التي تفرق بين الوطنيين في أي مجتمع وبينهم كأقلية نازحة إلى هذا المجتمع أو ذاك. وأقوى رابط بين هذه الروابط كان الدين، أو بعبارة أخرى كانت المسيحية .. فإذا أضعفت المسيحية أو تلاشت لم تكن هناك في المجتمع أكثرة مسيحية وأقلية يهودية، ولم يكن من المنتظر في غد أن تظل نظرة التحقير إلى اليهود. ومن أجل توهين روابط الدين بين الأكثرية في المجتمعات الأوروبية كان التشجيع على العلمانية في الدول الرأسمالية .. والتشجيع على الإلحاد العلمي في الدول الماركسية أو الاشتراكية، إذ أن كلاً من العلمانية والإلحاد العلمي يدفع إلى «العالمية» وزوال حدود الوطنية والعنصرية والشعوبية .. الخ. ثم كانت الماسونية في نظامها السري الرهيب. وإذن العقلية اليهودية هي عقلية علمانية .. وعقلية الاشتراكية أو الماركسية .. وعقلية الماسونية، والغريب أن نظام الماسونية نظام نافذ، ومقاومته صعب في تتبعه، إذ يبدو للأعضاء أن كل عضو يفعل ما يراد منه دون أن يعرف شخص آخر ماذا يصنع؟ ولحساب من؟ فهو «حُرٌّ» من غير رقابة، كما يعتقد!. في تطبيق الماسونية: وفي تطبيق هذا الاتجاه يحاول الأقوياء من الأجانب الحريصون على نشره في المجتمعات الإسلامية أن يضعوا الأشخاص «المناسبين» من الوطنيين في مراكز القيادة في الاقتصاد بالذات، وفي التوجيه الإعلامي والسياسي، وبطرق غير مباشرة «يتوسط» ممثلو هؤلاء

• في مفهوم الصليبية الدولية

الأقوياء لدى بعض رجال الحكم، عند منح قروض أو مساعدات اقتصادية لشأن من شؤون الدولة: في ترقية بعض «المناسبين» من الوطنيين في هذا المجال .. أو في ذاك. * * * • فِي مَفْهُومِ الصَّلِيبِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ: والصليبية الدولية هي عودة العالم المسيحي المعاصر عن طريق الديبلوماسية والأسالي الهادئة غير المباشرة إلى ممارسة الحروب الصليبية ضد الإسلام، انتقامًا منه، ومحاولة لإبقاء المسلمين ضعفاء، والفصل بين الكنيسة والدولة ليس له واقع عملي ضد تحقيق رغبات الكنيسة. فإذا كانت الكنيسة في القرون الثلاثة التي دفعت فيها أوروبا إلى إعلان العداء والحرب ضد المسلمين في ديارهم باسم الحروب الصليبية، تولت زعامة هذه الحروب صريحًا وعلانية، فإنها بعد اتفاق الفصل بين السلطتين ظلت صاحبة التوجيه لتيار الكثلكة في العالم جميعه، وأصبحت ديبلوماسية الدول المسيحية المعاصرة في خدمة هذا التوجيه، ويرى شأن هذه الديبلوماسية وتآزرها عند ما يحدث من نقد أو إجراء عملي ضد التبشير .. أو عند ما يحدث من كشف لبعض أسرار العمل المسيحي في إفريقيا وآسيا، في مجتمع من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، والتآزر ليس بين سفارات الدول الكاثوليكية فقط، وإنما تنضم إليها سفارات البروتستانت، وفي مقدمتها سفارة الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا: الفصل بين السلطتين لم يمنع الكنيسة من أن تمارس النشاط السياسي فيما بعد الفصل - وهو أخص نشاط تتميز به

الدولة - عن طريق الأحزاب الديمقراطية المسيحية المعاصرة: من أن الفصل أيضًا تباشر دينًا، عن طريق خدمة الكنيسة وتوجيهها في المجتمعات الإسلامية العديدة. فإذا انتقلنا للموازنة فقط بين عمل الديبلوماسية للدول المسيحية في العصر الحاضر وعمل الديبلوماسية للدول العربية الإسلامية - وهي ما عدا تركيا وبنجلاديش، لم تعلن بعد: الفصل بين الإسلام والدولة - نجد أن هذه الدول الأخيرة العربية والإسلامية تهرع إلى الهرب من شيء اسمه الإسلام وتتغاضى تمامًا عما يسيء إليه في دوريات أو صحف أو في وسائل الإعلام الأجنبية. والعرب والمسلمون يخدمون أنفسهم إذا اعتقدوا - أو ظنوا على الأقل - أن العلمانية في الدول الغربية حاجز ضد ممارسة الدين في سياسة هذه الدول - إذ لم يتغير أمر هذه الدول بعد الفصل بين السلطتين عما كان من قبل، إلا الأسلوب والوسيلة، وإنجلترا وتاجها هو «الحامي» للبروتستانت .. وفرنسا وهي الحامية للكثلكة، ومعهما الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحامية للكنيستين، تؤدي كل واحدة فيهما دور «الحماية» في كثير من اليقظة أو على وجه السرعة لدور الكنيسة، أية كنيسة، في العالم الخارجي. في تطبيق الصليبية الدولية: وعلى نحو تطبيق الماسونية في المجتمعات الإسلامية: تطبيق الصليبية الدولية فيها، والمجالان: الاجتماعي والثقافي هما المفضلان لدى الأقوياء

أصحاب المصلحة في الدعوة إلى الصليبية الدولية في إسناد الوظائف ذات النفوذ أو ذات الرياسات العليا، إلى أوليائهم من الوطنيين. ويلحق المجال القانوني بالمجالين السابقين: فرؤساء تحرير الصحف .. ورؤساء مجالس إداراتها .. ورؤساء الجامعات .. ورؤساء الأقسام العلمية .. والأساتذة فيها. قلما يكون واحد منهم غير مؤهل في قبول المهنة التي يباشرها أي ناد من نوادي «الروتاري» في مجتمع إسلامي. وتلقى حركات «تحرير المرأة» كل رعاية من صاحب المصلحة في الدعوة إلى الصليبية الدولية: سواء في تحديد النسل، أو في اختلاط المرأة .. أو ممارسة الحرية الفردية في الرحلات أو في الزواج، أو في العمل الخارجي .. الخ. هذا من جانب، ومن جانب آخر يحاصر الأشخاص أصحاب الرأي المعارض أو الكاشف للصليبية الدولية في المجتمع الإسلامي، في دوائر عملهم بحيث لا يتجاوزونها .. وبحيث لا تسلط عليهم الأضواء - كما يقال - في الصحف وفي وسائل الإعلام .. وبحيث لا يشاركون في نشاط خارجي عن دائرة عملهم الرسمي، ولا يكلفون بمهام أخرى في مؤسسات دولية، ولا يقلدون أي وسام من حكوماتهم يشير إلى جدارتهم. ومثل التوسط في رفع بعض الأشخاص القياديين من الوطنيين .. إلى وظائف أعلى أكثر نفوذًا: الحث بطريق غير مباشر على تعديل قانون الأسرة والأحوال الشخصية وبالأخص أمور: الطلاق .. وتعدد الزوجات .. والإرث .. وكذلك ما يسمى بتنظيم النسل والاستجابة السريعة في أي مجتمع إسلامي معاصر: أمارة على طواعية نظام الحكم للتوجيه الأجنبي الخاضع للصليبية الدولية.

وعلى نمط تعديل قوانين الأسرة المسلمة بما لا يرضي الله وإن كان يرضي بعض الزعيمات لحركة تحرير المرأة: إعلان «التقريب» بين المسيحية والإسلام عن طريق إنشاء بعض الجمعيات والبيئات المشتركة .. والدعوة إلى إنشاء أماكن للعبادة للأديان الثلاثة: الإسلام، والمسيحية، واليهودية، يجاوز بعضها بعضًا، رمزًا لوحدة الأديان السماوية الثلاثة .. وهل الأديان الثلاثة الآن بعد عصر الرسالات يساوق بعضها بعضًا. ولو كانت الأديان الثلاثة واحدة لما كان هناك سبب يدعو إلى الوحي بالمسيحية بعد التوراة .. ثم إلى الوحي بالإسلام بعد الإنجيل. وإنما جاءت المسيحية لتعيد إلى رسالة الله في التوراة: الوضع السماوي الصحيح. وجاء القرآن ليوضح ما اختلف فيه أهل الكتاب من أصحاب الإنجيل والتوراة، من رسالة الله فيه، فالقرآن مهيمن، وفيصل وصاحب الكلمة فيما اختلف فيه أهل الكتاب السابقين. ولذا ليس ندًا ولا مساوقًا، هو حكم عليهما. وكيف تكون المساوقة بين الأديان الثلاثة والقرآن يدعو إلى وحدة الألوهية وبشرية الرسول، بينما الإنجيل الآن يدعو إلى التثليث وألوهية عيسى؟. وكيف تكون المساوقة والقرآن يدعو إلى المساواة في الاعتبار البشري بينما التوراة الآن تدعو إلى «العنصرية» وإلى أن اليهود هم شعب الله المختار؟. في سبتمبر 1953 انعقد في جامعة برنستون ومكتبة الكونجرس في واشنطن مؤتمر من رجال الفكر الإسلامي، بدعوة من الجامعة لدراسة الفكر الإسلامي المعاصر، ولكن في واقع الأمر أقيم هذا المؤتمر لإعطاء

• في مفهوم الإلحاد العلمي

الفرصة لرجال المخابرات المركزية عن طريق سير المناقشات والاشتراك فيها، كي يقفوا على الأشخاص ومنمفري المسلمين وعلمائهم وأساتذة الجامعات في بلادهم، الذين يمكن «التعامل» معهم لتنفيذ سياسة الصليبية الدولية في المجتمعات الإسلامية، بمساعدتهم. وكانت وظيفة رجال المخابرات الركزية بعد انتهاء المؤتمر: هي تصنيف هؤلاء القادة من المسلمين: إلى من له أهلية التعامل مع المنفذين لتخطيط الصليبية الدولية .. ومن ليست له هذه الأهلية. وإذن ليست الجدارة هي كل شيء وراء اختيار فلان أو فلانة للوظيفة القيادية في أي مجتمع إسلامي، بدلاً من فلان أو فلانة. وليست أيضًا الأمانة والدقة. بل قبل كل شيء: المرونة في التعامل .. وطرح التعصب الوطني والديني .. أي التعامل في دائرة «العالمية» .. * * * • في مفهوم الإلحاد العلمي: والإلحاد العلمي مسألة رئيسية في فلسفة الماركسية، كما يحلو للاشتراكيين العلميين أن يصفوا بالفلسفة: محاولة كارل ماركس في إثارة العامة ضد الدين .. وضد الملاك للأراضي الزراعية، وللصناعات الختلفة، وأصحاب رؤوس الأموال في البنوك والهيئات التجارية وخلافها .. والفلسفة الماركسية هي في واقع أمرها: محاولة تقوم على الحماس والإثارة أكثر مما تقوم على المنطق والفكر. كارل ماركس كان يهوديًا قبل كل شيء، وكان إحساسه باليهودية

وسط الأكثرية المسيحية في ألمانيا أو في إنجلترا لا يقل عن إحساس أي يهودي عادي. وكانت ضريبة الفكر اليهودي عليه: أن يضم معولاً جديدًا في هدم الحدود بين اليهود والمسحيين في الشعوب الأوروبية كي يعيشوا جميعًا بإحساس مشترك. وهو إحساس الإنسانية. وذلك للانتقال من دائرة الدين، والوطن، والعنصر .. إلى دائرة «العالمية» .. وقد سبق الماركسية في إضعاف الدين والعنصر: معول «العلمانية» .. ومعول «الماسونية» .. وسلطت الماسونية على أصحاب القيادات والرياسات العليا وبالأخص في دائرة الاقتصاد، بينما سلطات العلمانية على التربية والتعليم، والتشريع، حتى يمكن أن تتخرج أجيال بعد ذلك تتنفس في جو «العلمانية» وحدها. والآن «بالماركسية» يدخل التفكير اليهودي مجال «العامة» و «الجماهير» في الشعوب، بعد أن دخل من قبل الماسونية مجال الرياسات والقيادات .. وبالعلمانية مجال الشباب والأجيال الصاعدة. والماركسية إن بدت أنها محاولة في مجال الاقتصاد بنقل ملكية المال إلى الدولة .. وأنها محاولة أخرى في مجال الاجتماع بادعاء تحقيق «العدل الاجتماعي» وإزالة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الطبقات: فإنها محاولة قاسية في مجال الدين بمطاردته وادعاء أنه مخدر الجماهير في صرفهم عن حقوقهم إزاء طبقة الملاك من الإقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال. والإلحاد العلمي هو ادعاء للماركسية في سلسلة ادعاءاتها ضد الدين - أي دين ومفهومه أن «العلم» يثبت عدم وجود الله، وبالتالي

كذب ما يقال من وحي لرسول ما في تاريخ البشرية. وما الدين إلا أساطير ابتدعت لتسكين الكادحين، والمحرومين عن مقاومة الإقطاعيين والرأسماليين. وعن طريق الدين استغلت الطبقة الكادحة سنين طويلة، وجريمة ضد العدل الاجتماعي جريمة منكرة. ومن هنا يتجه ماركس بندائه إلى الثورة الحمراء .. إلى سفك الدماء .. إلى التخريب في كل ما يملكه الإقطاعيون والرأسماليون ويجب على العمال الكادحين أن ينتزعوا بالقوة الأموال من أيديهم، ولا ينتظروا أن تتحول إليهم، تحقيقًا لمبدأ «النقيض»! فحقهم في هذه الأموال حق مشروع. ومبدأ الوجود نفسه - وهو مبدأ النقيض - مبدأ حتمي لا يتخلف إطلاقًا. والسؤال الآن: أي «علم» يثبت عدم وجود الله .. وبالتالي أسطورة الوحي؟ أهو «علم التجربة»؟ .. وهل التجربة هي وحدها مصدر «العلم»؟ وإذا كان الأمر كذلك: هل التجربة مصدر علوم الرياضة، أم مصدرها العقل وحده؟. وإذا لم تكن التجربة هي المصدر الوحيد «للعلم» كيف يحمل الإنسان على التزام ما لا يلزم، وهو الإيمان بعدم وجود الله؟، إن الإلحاد العلمي ادعاء لم يسنده دليل. وسؤال آخر: كيف تصف الماركسية: الاشتراكية أو العدل الاجتماعي، أو نقل ملكية المال إلى الدولة: بأنه إنساني بينما تطلب في تحقيق ذلك: سفك الدماء وتخريب الملكية بكل سبيل ممكن؟. ولكن القوة الكبرى صاحبة المصلحة والمنفعة الخاصة من وراء ترويج

الإلحاد العلمي في المجتمعات الإسلامية هي التي تستخدم أولياءها في هذه المجتمعات لتنفيذ المخطط الإرهابي في إضعاف الإسلام وحمل الكثرة الغالبة في مجتمعاته على رفضه وعدم الإيمان به. في تطبيق الإلحاد العلمي: وفي التطبيق في دائرة الإلحاد العلمي: يبدو الأمر واضحًا في القسوة في التطبيق. فتعلن في المجتمع الإسلامي الذي يتبع النفوذ لقوة الإلحاد الكبرى: «الرقابة» على النشر، إما لمنع الرأي الآخر إذا تعرض لنقد الإلحاد الماركسي .. أو للتضييق عليه بحيث يفقد القيمة الذاتية لو نشر. ويختار رقباء النشر، والمشرفون على وسائل الإعلام في الإذاعة، والتلفزيون، والصحافة، والكتب من الموالين للماركسية، ويوصي بهم أصحاب الدعوة إلى الإلحاد العلمي، أو أصحاب الدعوة إلى الاشتراكية. ويتشددون في تمكينهم من شؤون الثقافة .. وشؤون المسرح والفن على العموم، ومن شؤون وسائل الإعلام جميعًا. وإذا أصبح المجتمع الإسلامي اشتراكيًا ماركسيًا فمعناه: أن الإلحاد العلمي لا بد أن يتسرب إلى كل جانب من جوانب حياة الإنسان، بحيث يصبح جو الاشتراكية هو جو «الإلحاد» وجو الإشادة بصداقة الأصدقاء. * * *

• في مفهوم الاستشراق

• في مفهوم الاستشراق: ولعل الاستشراق هو أبرز المجالات لتمكين الصليبية الدولية .. والإلحاد العلمي من ترويج ما تبتغيه الكتلتان الصليبية والإلحادية مَعًا ضد الإسلام، وباسم البحث العلمي. فالقوة التي تحمي الصليبية الدولية من أركانها: المستشرقون الغربيون، أو الماركسيون من عمد الإلحاد العلمي في المجتمعات الإسلامية. والاستشراق بحوث ودراسات في قضايا التراث الإسلامي: في العقيدة .. وفي الفقه .. والشريعة .. وفي التاريخ السياسي .. وفي الإمامة والخلافة .. وفي الفلسفة .. وفي الاجتماع .. الخ. قام بها قساوسة ولاهوتيون بتكليف من الكنيسة، أو من وزارات الخارجية للدول الغربية أو الشرقية على السواء، ويدعون فيها التزامهم بمناهج البحث العلمية، وقد يدرسون قضايا أدبية أو لغوية في العربية إما للتمويه، أو للإبراز فقط .. ينتقلون منها إلى ادعاء شيء معين، كمشرع كتابة العربية بالأحرف اللاتينية، ادعاء لتيسير النطق بالعرية وتخفيف الحركات الإعرابية. ثم دخل الاستشراق الآن من ليسوا قساوسة ولا لاهوتيون، وإنما متخرجون في الجامعات ومسيرون في بحثهم طبقًا لمنهج الاستشراق العام. ومعظم النتائج التي يتوصل إليها المستشرقون إما أن ترجع إلى سوء فهم باللغة العربية والتراث العربي .. إما أن تعود إلى قصد التحريف في مبادئ العقيدة، وبالأخص في دائرة ما يختلف فيه القرآن عن التوراة والإنجيل.

والادعاءات التي يتوصل إليها كثير من المستشرقين - في الغرب أو في الشرق - تكاد تكون تكرارًا لما كان يدعيه مشركو مكة على عهد الرسول - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -. والفرق أن ما يدعيه المكيون يعود إلى اعتقادهم في الشرك والوثنية. وقد صاحبت بحوث المستشرثن ثقة من كثير من المسلمين فيما يكتبون وينشرون: أولاً: للتنظيم الذي يتبعونه في التبويب والتصنيف، والإخراج، واستيفاء التاريخ الزمني للأحداث، واستيعاب ظروفها، مما يجذب كثيرًا من المسلمين إلى الاستعانة بما يكتبون، وبالأخص بـ " دائرة المعارف الإسلامية ". وثانيًا: لما راج بين المسلمين بحكم الاستعمار عن الغربيين عامة أنهم أهل حضارة وأنهم قادة في الثقافة، والعلم. وقد ارتبطت حضارتهم بصناعتهم: في الجودة، والدقة. فعلمهم ونتائج بحوثهم كذلك على هذا النحو في الجودة والدقة!!! هكذا يتصورها الكثيرون من المسلمين. وثالثًا: إلى الفراغ في التأليف الإسلامي والعربي، والفجوة الواسعة بين كتب الأمس وما يطلب من كتب اليوم والغد. فالمراجع العربية والإسلامية السابقة تحتاج في فهمها والنقل عنها إلى دربة خاصة ومراس في تحديد وجه من وجوه الاحتمال في تراكيبها، وليس من السهل إذن: الرجوع إلى تلك الكتب واستخلاص الرأي المحدد منها في زمن وجيز. ومن هنا كانت دراسة الأزهر القديمة هي الطريق المتعين للإفادة من كتب التراث السابقة.

وفي التطبيق في دائرة الاستشراق: وفي التطبيق في دائرة الاستشراق تدفع بعض الحكومات في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ببعض الشبان من أبناء المسلمين المتخرجين في الجامعات في البلاد العربية والإسلامية، ومن الذين ينتظر منهم أن يسدوا الفراغ في الكادر الجامعي لتميزهم وتفوقهم على زملائهم إلى كبار المستشرقين في الجامعات في أوروبا وأمريكا الشمالية، لتوجيههم وتأهيلهم أكاديميًا، حتى يمكن لهم بعد عودتهم أن يباشروا التدريس في الكليات الجامعية الوطنية. وفي توجيههم يثير الكثير من المستشرقين شبهات ضد القرآن .. وضد الرسول - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - .. وضد الإسلام، وهي شبهات جمعها المستشرقون على طول عهد الاستشراق بعد تحريف أو تأويل غير سليم لنصوص وردت فيها أو بناء على روايات مكذوبة. وتعتبر هذه الشبهات «رصيد الاستشراق» في الدراسة والبحث (¬1)، ويتركون لهذه الشبهات: أن تؤتي أكلها في نفوس الشباب المسلم الذي ذهب إليهم، عن حسن نية يتتلمذ عليهم. وربما يحس بعض الطلاب من أساتذتهم المستشرقين: أن حصولهم على المؤهل الأكاديمي - وهو درجة الدكتوراه - رهن بقبولهم لهذه الشبهات وتبنيها في بحوثهم وفي كتاباتهم. وبعض الطلاب الباكستانيين مثلاً - وباكستان هي الدولة التي قامت على أساس الإسلام - أرسل في الخمسينات من الحكومة ¬

_ (¬1) وكتابنا " الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي " يكشف الكثير من شبهات المستشرقين في دراساتهم المختلفة.

• في مفهوم العلم .. والدين

الباكستانية ليكمل دراسته الجامعية على المستشرق الإنجليزي «آربري» ومعروف عن هذا المستشرق بأنه من المعتدلين. ورغم ذلك فإنه كلف الطالب الباكستاني «داود هبار» ببحث عن القرآن يجمع فيه بين الأضداد التي وردت في كتاب الله. وفعلاً أتم البحث تحت عنوان " التضاد في القرآن " ولكي يكون هذا الطالب نموذجًا لطلاب آخرين من العالم الإسلامي ألقحه معهد الدراسات الإسلامية بجامعة «ماكجيل» بمنتريال بكندا، بوظيفة باحث متميز. واستمر يقوم بالتدريس في هذا المعهد حتى تنصر هو وزوجته وبنتاه. وانتقل من كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الستينات، وعين للتدريس بمعهد «استان فورد» وهو سيمنار في الدراسة اللاهوتية المسيحية، أقامه القس «زويمر» وهو المبشر الأمريكي المعروف بجرأته على الإسلام وصاحب امتياز مجلة " العالم الإسلامي " ولم تزل تصدر حتى اليوم وتحمل شبهات المستشرقين إلى داخل المجتمعات الإسلامية. و" دائرة المعارف الإسلامية " - مع حسن تنظيمها - صورة أخرى لتطبيق الإسلام في مجال التراث الإسلامي، وهي صورة تنكر على الإسلام حجيته وتفوقه في عرض رسالة الله في صدق وأمانة. * * * • فِي مَفْهُومِ العِلْمِ .. وَالدِّينِ: ومفهوم «العلم» ليس هو مطلق المعرفة، وإنما هو المعرفة الناشئة عن التجربة والملاحظة. هو المعرفة التي تستخدم الوسائل الحسية في موضوعها.

ومفهوم الدين: أنه حصيلة المعارف الكنيسة التي تلتزمها الكنيسة وتفرضها على أتباعها. فالتثليث .. وألوهية المسيح .. وعصمة البابا .. وصكوك الغفران .. والتعميد .. ومراسم الدفن والزواج، من موضوعات الدين. وهذه الموضوعات لا تخضع للتجربة الحسية المشاهدة. ولذا تعد من «عالم الغيب» .. وهذا العلم الغيبي يجانبه «اليقين» كما يدعي أرباب العلم!. والعلم: إذن هو المعرفة اليقينية، بينما الدين معارفه غيبية أو ظنية. ولذا يطالب العلميون إبعاد الدين عن التوجيه .. وعن التربية .. وعن مجالات عديدة، إذا أريد للإنسان أن يتجنب الأخطاء، والأخطار مَعًا في حياته. والعلموين خصوم لرجال الكنيسة .. ورجال الكنيسة خصوم للعمليين. والعداوة قائمة بين الدين .. والعلم، بهذا التفسير. وإذا كان العلميون يطالبون بإبعاد الدين عن جوانب الحياة الإنسانية، حفاظًا على حسن توجيه الإنسان، كما يدعون، فإنهم بهذه المطالبة يقللون من شأن الدين ويدفعون أتباع الكنيسة إلى الشك في قيمة التدين. ومن هذه النقطة تفتح النافذة على «العالمية» .. وتضعف الحدود التي تفصل باسم الدين: مجموعة من البشر عن مجموعة أخرى. وهكذا: إعلان الخصومة بين العلم .. والدين، هي على حساب الدين وحده لأن القليل من المثقفين هو الذي يدرك: أن «اليقين» في المعرفة ليس مرتبطًا بالتجربة بدليل أن المعارف الرياضية في الحساب، والجبر، والهندسة مثلاً، هي معارف يقينية ومع ذلك ليست وليدة

التجربة الحسية وملاحظتها. وقليل أيضًا من المثقفين يدرك أن «التطور» قانون من قوانين «العلم»، على معنى: أن المعارف البشرية خاضعة للتطور في وسائل التجربة .. وفي ملاحظة الإنسان نفسه. فمعارف الأمس ولو كانت وليدة التجربة قد تصبح اليوم أو في غد المعارف «ظنية» وليست يقينية، بفضل الدقة في الأجهزة الجديدة للاختبار .. وبفضل يقظة الإنسان الملاحظ وتقدمه في الخبرة. وطالما «التطور» مبدأ قائم فلا ينبغي أن يحكم حكمًا نهائيًا على «العلم» كنتيجة للتجربة والملاحظة، بأنه يقين إلى الأبد. وإنما قد تعرض عوامل وأسباب أو ظروف تكشف عن عدم دقة هذا الحكم النهائي. وإذا كان هذا الاحتال قائمًا في مجال «العلم» فالفرق هَيِّنٌ - أو لا فرق إطلاقًا - بين العلم التجريبي .. والعلم الغيبي والخصومة إذن بين النوعين خصومة تقوم على «التحيز» وليس على الواقع. في التطبيق في دائرة العلم والدين: وفي تطبيق الخصومة بين العلم والدين في المجتمعات الإسلامية يوضع الإسلام كدين موضع المسيحية أو موضع المعارف الكنيسة، ويدعي أن الإسلام خصم للعلم، شأنه شأن المعارف الكنسية في خصومتها لها. وبهذا القياس يحكم المدعون بخصومة العلم للإسلام - وبالعكس - على الإسلام بأن معارفه ظنية، وليست من اليقين في شيء. نعم مبادئ الإسلام ليست من موضوعات الطبيعة التي تخضع

للتجربة الحسية ولكن هناك تجربة أخرى، وهي التجربة الموضوعية، على معنى: أيمكن أن تكون مبادئ الإسلام غير ملائمة لخصائص الطبيعة البشرية؟. أيمكن أن يعطينا «الواقع» في التاريخ البشري ما يفيد اختلاف ما يقننه الإسلام من: حرام .. وحلال، لمصلحة هذه الطبيعة. إذا كان التاريخ والواقع لا يعطينا إلا صدق ما يقره الإسلام في كتاب الله، وهو القرآن الكريم، في توجيه الإنسان وتوجيه مجتمعه، كما يقوله كتاب الله إذن: يقيني لا يحتمل الظن إطلاقًا، وإن كان من علم الغيب .. وإن كان وحيًا من الله إلى رسوله الكريم محمد - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عن طريق تلك. فرق بين تعاليم الكنيسة التي تمثل الدين عندها، وبين الإسلام، كما يوضحه كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلاَةِ وَالسَّلاَمُ -. وهذا الفرق هو الأمر الذي يحول قطعًا بين أن تكون هنا خصومة أو عداوة بين العلم .. والإسلام، كدين أتى به خاتم النبيين والمرسلين فضلاً عن أن ادعاء العلم: قصر «اليقين» .. على نتائج التجربة الحسية وحدها ادعاء فيه تحيز وغير واقعي، والعلوم الرياضية توضح تحيزه وعدم واقعيته. ولكن أصحاب المصلحة الخاصة - وهم من الغرب والشرق على السواء - يدفعونه بخصومة «العلم .. والدين» .. داخل المجتمعات الإسلامية على ألسنة بعض الأساتذة في الكليات الجامعية في الوطن العربي والإسلام، حتى يحملوا شباب الجامعات على قبول الشك في الإسلام، بدعوى معاداته للعلم .. وبدعوى أنه يعيد

المواجهة هي السبيل

الأساطير والخرافات التي كانت تقوم عليها الكهانات .. وميل بعض الشباب إلى قبول الشك في الإسلام يمثل اهتزازًا في مستقبل المجتمعات الإسلامية، وضعفًا في الأمة الإسلامية، وتفريقًا للشباب نفسه بين مؤمن ومعارض للإيمان .. أو بين يميني ويساري، وأخطبوط غريب داخل المجتمعات الإسلامية المعاصرة لمساعدة الداعين من الأساتذة الوطنيين إلى عداوة العلم للإسلام في محاضراتهم الجامعية. فرغم أن هؤلاء الأساتذة قلة تراهم يدعون إلى هذه الجامعة أو لتلك. وقد تكون بعض الجامعات الداعية لهم في الوطن العربي والإسلامي ذات طابع إسلامي وليس بعلماني. كما تراهم يدعون إلى الكتابة في الصحف العربية والمجلات العربية والإسلامية، بمكافأة سخية، وبصفة منتظمة، وليس من الصعب أن يعرف الراغب في المعرفة: من هو من الغرب الصليبي، أو من الشرق الإلحادي، وراء دعوة هذا الأستاذ أو ذاك. ولأن هذه القلة من الأساتذة تجد دائمًا مكافأتها بالمال .. أو بالرحلات على حساب جمعيات خارجية: تصر على التمادي في دعوتها إلى العلمانية بحجة ادعاء عداوة الإسلام للعم. ومن الأسف أنها لا تؤمن بما تقول ولا تستطيع التدليل على ما تدعي. ولكنها المنفعة العاجلة: لها بريق يطوي في سهولة من لا إيمان له. * * * المُوَاجَهَةُ هِي السَّبِيلُ: هذه المذاهب الهدامة هي اتجاهات متشابكة بعضها مع بعض .. ومتداخلة بعضها في بعض، ومن السهل أن يتعاون أصحاب

المصلحة من الشرق والغرب على السواء في ترويجها ضد الإسلام، ومن هنا كان «الوفاق» بين قمة القوة الإلحادية العلمية .. وقمة القوة الصليبية الدولية، أمرًا ميسرًا. فسيطرة الشيوعية الدولية على مجتمع إسلامي ما، قد تكون مقبولة في نظر القوة الصليبية لفترة تطول أو تقصر حسب النتائج التي تظهر من ترويج الإلحاد العلمي فيه وقد تكون باتفاق الطرفين. ونفوذ القوة الصليبية في مجتمع إسلامي ما، قد تباركه القوة الإلحادية العالمية طالما الإسلام تحت هذه النفوذ في طريقه في الضعف. وليس من السهل - لتداخل هذه المذاهب الهدامة - مواجهة كل مذهب على حدة، وإنما تجب المواجهة .. ككل لا يتجزأ .. يجب أن تواجهه هذه المذاهب بالتربية الأساسية (¬1) للفرد المسلم وتأكيدها في الأجيال الصاعدة. وإن إحسان الحكام في المجتمعات الإسلامية بتسرب هذه المذاهب قد لا يكون واضحًا لهم. ومن ثم: عن طريق المواجهة الكلية لهذه المذاهب، وعدم الإفراط في الثقة بأية قوة من القوتين العالميتين اللتين برزتا بعد الحرب العالمية الثانية: تؤمل يقظة الوعي لدى المسلمين بقوتهم في غدهم: يف عقيدتهم، وفي تماسكهم .. وفي نعمة الله عليهم في أوطانهم من ثروات عديدة. ¬

_ (¬1) لنا رسالة صغيرة بعنوان " التربية الأساسية .. التربية النوعية " تعنى بشأن الطرفين والفرق بينهما.

والتربية الأساسية المشار إليها هي التربية الإسلامية لصياغة الأفراد وإعدادهم لأداء ما يناط بهم، مع التربية النوعية التي تؤهلهم للمهن والحرف المختلفة في الحياة والمزاوجة في مراحل التعليم المختلفة بين التربية الأساسية والأخرى النوعية في المجتمعات الإسلامية بفرضها وضع المسلمين بين القوتين العالميتين في وقتهم الحاضر. * * * وهكذا: إذا كانت العلمانية .. والماسونية .. والإلحاد العلمي .. والعلاقة بين العلم والدين قد وجهت فيما مضى إلى المسيحية، فإنها الآن مع «الاستشراق» ... والصليبية الدولية: توجه مجتمعة إلى الإسلام في المجتمعات الإسلامية المعاصرة وتلاحظ أن أَيًّا منها لم يوجه إلى اليهودية كدين .. الأمر الذي يدل على أنها من صنع العقلية اليهودية العالمية. والمهمة الأولى لوسائل الإعلام الإسلامي يجب: أولاً: أن تكشف عن التحديث لهذه الاتجاهات ضد الإسلام بعرض المآخذ التي يوجهها بأسلوب علمي موثق، ونقضها نقضًا منهجيًا. وثانيًا: أن تعرض المبادئ الإسلامية وملاءمتها لخصائص الطبيعة البشرية بحيث يتكون من عرضها منهج عملي في حياة الإنسان: يلتزمه في السلوك .. والمعاملة معًا. وثالثًا: أن تعمل على وضع منهج للتربية الأساسية للفرد المسلم في أي مجتمع في جميع مراحل التعليم، بما فيها مرحلة التعليم الجامعي، وبالأخص في دراسة كليات التربية، على أن يكون هدف هذا المنهج هو إعداد «الصلاحية» و «الأهلية» لدى الفرد المسلم لأداء الواجب في رقابة ذاتية وفي خشية من الله لأداء وظيفته في المجتمع التي تؤهله لها تربيته النوعية في المهنة أو الحرفة. .... والله الموفق .. وهو المستعان ..

§1/1