الإسلام والحركات الهدامة المعاصرة

عبد المحسن العباد

الإسلام والحركات الهدامة المعاصرة

الإسلام والحركات الهدامة المعاصرة بقلم الشيخ: عبد القادر شيبة الحمد المدرس بكلية الشريعة بالجامعة. الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وإمام المهتدين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن سلك سبيلهم، وترسم خطاهم، ونهج مناهجهم إلى يوم الدين أما بعد: فإن الحركات الهدامة قد استشرى خِطرها، واتسع نطاق ضررها، وأصبحت محاربتها ألزم من محاربة جميع الأمراض الفتاكة، والأوبئة المبيدة، لأن شرها على الإنسانية أكثر من شر تلك الأمراض وهذه الأوبئة؛ لأن هذه الحركات تمسخ الإنسان وهو لا يدري، وتجعله أحط من بهيمة الأنعام، وهو يعد نفسه أو يعده غيره من العقلاء. وقد تنوعت أساليب هذه الحركات واختلفت أشكاله، وأخطر هذه الحركات في هذا العصر الماسونية وفروعها من الشيوعية والاشتراكية، والصهيونية التي تنبع من عين واحدة وإن اختلفت مظاهرها، وتعمل لهدف واحد وإن تغايرت أساليبها، حتى صار بعض الناس يحسب - بسبب هذا التغاير المظهري - أنها حركات متعادية، وهي في الواقع مؤسسة يهودية عالمية. وأساس هذه الحركات هي

الماسونية، وهي جمعية سرية يهودية الأصل، ومعنى (ماسون) أو فرسون: (البناءون الأحرار) وقد أسس المحفل الأعظم لهذه الجمعية لأول مرة في بريطانيا عام 1717م، وقد زعم دعاتها أنهم يهدفون إلى مبادئ ثلاث، هي الحرية والإخاء والمساواة، ومقصودهم من الحرية في الواقع أن يتحرر الناس من أديانهم، وأن يرتكب الإنسان ما شاء له هواه دون رادع أو زاجر، وأن يخالف جميع ما تأمر به الشرائع، وأن تفعل المرأة ما شاءت من الزيغ والرجس والفساد والتهتك والانحلال تحت ستار هذه الحرية. كما أن مقصودهم من الإخاء هو محاربة روح التمسك بالدين، وأنه لا فرق بين يهودي ونصراني ومسلم ومجوسي وبوذي ودهري وملحد؛ فالناس كلهم إخوان، وعليهم أن يحاربوا أي استمساك بأي دين، ويسمون من يلتزم مبادئ دينه بأنه متعصب مذموم. كما أن مقصودهم من المساواة كذلك هو ملء قلوب الفقراء بالحقد والضغينة ضد من وسع الله عليهم من الأغنياء، وملء قلوب الأغنياء بالحقد والضغينة على الفقراء. وبعد مائتي سنة تقريبا من وجود المحفل الأعظم الماسوني في بريطانيا، انتشرت المحافل في العالم ولا سيما في فرنسا وروسيا وأمريكا والهند، حتى صار في أمريكا وحدها عام 1907م أكثر من خمسين محفلا ماسونيا رئيسيا تتبعها آلاف المحافل. وقد نشرت المخابرات الإيطالية عام 1927م في عهد موسوليني أنها اكتشفت 36 ألف جمعية ماسونية في العالم يتبعها ملايين الناس. وقد عمد الماسان إلى اصطياد رجال ونساء في فخاخهم من جميع الديانات ممن يأملون فيهم أن يخدموا أهدافهم في بلادهم، فإذا تمت تجاربهم على العضو، وأيقنوا أنه يمكن أن يكون عبدا مطيعا لمبادئهم وأغراضهم، بذلوا كل ممكن لديهم لتنصيبه في مركز حساس في بلاده، وبذلوا حوله كل ما يستطيعون من وسائل الدعاية لتركيزه، وصار له عندهم وصف؛ كسكرتير أعظم، أو أستاذ أعظم، أو

قطب أعظم في المحفل الماسوني الذي ينتمي إليه. ولا يصل العضو إلى هذه المراتب إلا بعد اختبار شاق. فهم في بادئ دعوة العضو وبعد أن يدرسوه نفسيا يدخل العضو في سرداب طويل، قد ملئ بالجماجم الإنسانية المعلقة، والسيوف والخناجر التي تكاد تمس رأسه ورقبته، ويمر به من تحتها وجوانبها ويقال له: هذه رأس من باحوا بالسر، ثم تعصب عيناه ويتسلمه رجلان قويان نشيطان، ويضعان حبلا في عنقه كأنهما يريدان شنقه وهو مستسلم لهما، ثم يدفعانه إلى غرفة سوداء، فيرفعان غطاء عينيه ليرى صندوقا، ثم يدخلانه في الصندوق وحبل المشنقة في عنقه، فإذا وجدوا منه استسلاما كاملا فعلوا به كقوم لوط، فإذا لم يجدوا منه أية مقاومة اعتبر ناجحا، وأعطي الدرجة الماسونية التي يستحق. وقد بدأ الماسون في تشكيل هيئات أخرى لتظهر في صورة غير ماسونية، وقد كان من أخطرها الشيوعية الحديثة، والاشتراكية، والصهيونية، فهذه المذاهب الثلاثة تلتقي مع الماسونية في أغراضها وأهدافها وإن تشكلت بأشكال مختلفة، وتظاهرت في بعض الأحيان بأنها متعادية، فالأفعى الرمزية هي الشعار اليهودي الصهيوني الشيوعي الماسوني، والمنجل الشيوعي شبيه بالمطرقة والسندان الماسوني، وماركس داعي الشيوعية والاشتراكية، ولينين وعصابته التي قامت بالانقلابات الشيوعي جلهم من اليهود؛ بل أكثر أعضاء الحكومة الروسية في نصف القرن الماضي عاماهم إما يهود، أو متزوجون بيهوديات؛ ولذلك رأينا دعاة الاشتراكية في البلاد العربية - مع اختلافهم - يرددون نفس شعار الماسون، فهتافهم: الحرية، والوحدة، والاشتراكية، وهي في الحقيقة عين ما يردده الماسان في هتافهم "الحرية، والإخاء، والمساواة". فالهدف الأول لم يختلف حتى في الاسم، والهدف الثاني معناه عندهما واحد، وكذلك الهدف الثالث؛ والغرض الحقيقي للماسونية والصهيونية هو السيطرة على العالم بعد إشاعة الانحلال الأخلاقي، والتسلط على اقتصادياته، والعمل على قيام دولة يهودية، وإعادة بناء هيكل سليمان عليه السلام. وقد مثل اليهود الصهيونيون والماسون

حركتهم بأفعى زحف رأسها من فلسطين ليبتلع العالم، وقد بقي ذنبها في فلسطين، حتى إذا ما التقى رأس الأفعى بذنبها يكون اليهود قد أطبقوا على العالم وسيطروا عليه بشتى الوسائل ومختلف المظاهر، كما ثبت أن جميع دعاة الشيوعية وخاصة في البلاد العربية كانوا يهودا، وأكثرهم بعث من روسيا السوفيتية، فقد اتضح أن أول دعاة الشيوعية في سوريا ولبنان كان يهوديا بولونيا يدعى (جوزيف برجز) ثم (الياهو تيبر) وهو يهودي من ليتوانيا؛ وكذلك (نخمان ليتفتسكي) كان يهوديا روسيا، وقد جاء هؤلاء الثلاثة إلى بيروت عن طريق حيفا، وعملوا على تأسيس حزب شيوعي في سوريا ولبنان، على أن يكون تابعا للحزب الشيوعي اليهودي في فلسطين، وبعد بضع عشرة سنة صار تابعا للحزب الشيوعي الفرنسي، فلما أنشأت روسيا سفارة لها في سوريا ولبنان صار هذا الحزب يتبعها مباشرة. وفي عام 1922م قدم إلى الاسكندرية بمصر يهودي روسي اسمه (جوزيف روزنتال) وقد جاء من الاتحاد السوفيتي، وأنشأ محلا لبيع المجوهرات، وكانت له ابنة تدعى (شارلوت) أخذت هي وأبوها في الدعوة للشيوعية حتى اعتقلت بعد انكشاف أمرها، فاعترفت بأنها تقوم بنشر الشيوعية وفقا للتعليمات التي تتلقاها من الاتحاد السوفيتي. وقد جاء بعدهما (هنري كوريل) اليهودي، و (ايلي شوارتز) اليهودي، و (ريمون دويك) اليهودي وغير هؤلاء من اليهود. كما قدم إلى العراق من موسكو أحد الضباط الروس واسمه (بتروف) وافتتح حانوتا للخياطة وتسمى باسم (بطرس أبو ناصر) وأسس الحزب الشيوعي العراقي، ولذلك كانت روسيا الشيوعية، وأمريكا الرأسمالية أسرع دول العالم للاعتراف بما يسمى (دولة إسرائيل) وكان عدد الجنرالات الروس المحاربين مع اليهود عام 1948م لا يقل عن عدد الجنرالات الأمريكيين المحاربين لتثبيت اليهود في أرض فلسطين، وذلك كله أثر من آثار المخطط الماسوني الخطير. كما رأينا كمال جنبلاط الاشتراكي المعروف يدعو إلى اتحاد يهودي عربي فيدرالي

فيدرالي في أرض فلسطين، مع دمج هذا الاتحاد في الدول العربية؛ فقد ألقى كمال جنبلاط هذا محاضرة بعنوان (دور القومية في تقوية المجتمعات الحرة أو في تقويضها) باللغة الفرنسية في ميلانو عام 1954م، ثم عاد وألقاها في شهر مايو سنة 1956م باللغة العربية في (حلقة دراسات مفاهيم الحرية) برعاية المركز الإقليمي في الشرق الأوسط للمنظمة العالمية لحرية الثقافة في لبنان، وقد اقترح كمال جنبلاط في هذه المحاضرة إقامة اتحاد فدرالي عربي يهودي فلسطيني، ليحل معضلة مشكلة فلسطين وقال: "بينما كان من الواجب حل المعضلة على أساس قومية متفتحة إنسانيا، وهي وحدها الوصفة المحكمة التي يمكن الإشارة بها في هذه المنطقة الحساسة من العالم على أساس اتحاد فدرالي عربي يهودي فلسطيني، يفسح مجال إدخال فلسطين ودمجها معنويا إن لم يكن سياسيا في مجموعة بلدان الشرق الأدنى، وقد نشرت هذه المحاضرة في كتاب (دراسات) الذي أصدرته (حلقة دراسات مفاهيم الحرية) . وقد رحبت الدوائر اليهودية آنذاك باقتراح كمال جنبلاط، فقد نشرت جريدة (هاعولام زاده) اليهودية في أواخر عام 1956م في فلسطين المحتلة تقريرا نص على وجوب حل قضية فلسطين على أساس توطين النازحين في الضفة الغربية وغزة بعد تحويلها إلى وطن فلسطيني يرتبط (بإسرائيل) في اتحاد فدرالي يكون منطلقا لاتحاد أشمل مع الدول العربية وفي 8/6/1972م أعرب شمعون بيرز وزير المواصلات اليهودي في فلسطين المحتلة عن أمله بأن يقوم اتحاد يضم دولة يهودية وأخرى عربية في فلسطين، وقال الوزير الصهيوني: "إني آمل بأن أرى قيام أسس لدولة اتحادية جديدة، يعيش فيها العرب واليهود معا في قطاعين مختلفين، يكون لكل منهما برلمانه وحكومته، وكل منهما يتحدث اللغة التي يفضلها، ويتعبد على طريقته". وقد تنبه مجلس النواب الأردني لهذه الدسيسة، وناقشها في جلسة المجلس بتاريخ 11/6/1972م، أي بعد إعلان الوزير الصهيوني بثلاثة أيام. وبهذه المناسبة أحب أن ألفت الانتباه إلى أن كمال جنبلاط يسعى مع زعماء الشيوعيين في الجنوب العربي

لإعادة مجد القرامطة، وبعث مذهبهم من جديد؛ فقد نشرت جريدة النهار للمدعو كمال جنبلاط امتداحا لدولة القرامطة، وأنهم كمنظمة ثورية كان لهم موقع الريادة في الدعوة إلى المساواة. وطبعا كمال جنبلاط درزي، وأخص عقائد الدروز أن خالق السماوات والأرض هو الحاكم العبيدي المجنون اليهودي، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولم يكن كمال جنبلاط وحده في هذا الميدان المنحرف الهدام، بل قد نشرت جريدة السياسة الكويتية حديثا للمدعو/ عبد الله عبد الرزاق باذيب، وزير السياحة والثقافة والآثار في حكومة عدن الشيوعية في 15/2/73م اعتز فيه بأن حكومته منسوبة للقرامطة وقال: "يقولون إننا من القرامطة ... ليكن، نحن نعتز بهذا الأصل ونؤكد عليه، إذ نمثل استطرادا في مجتمعنا لذلك الطموح إلى الاشتراكية الذي بدأ من أيام القرامطة"، ويكرر قائلا: "نعتز بأصلنا القرمطي، القرامطة عبروا منذ القدم عن طموح شعبنا العربي لمجتمع اشتراكي". على أن المؤرخين مطبقون على أن القرامطة ليس لهم في التاريخ العربي أي مجد، بل تاريخهم أسوا تاريخ مر بالأمة العربية، علما بأنهم ليسوا من العرب، بل هم جماعة من فروخ المجوس، واليهود أرادوا القضاء على الإسلام، فلما صار لهم دولة عاثوا في الأرض فسادا، واستولوا على البحرين وهجر، وأخافوا البلاد، وروعوا العباد. قال ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين هجرية: " وفيها تحركت القرامطة، وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومزدك، وكانا يبيحان المحرمات، ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى باطل، وفي سنة سبع عشرة وثلثمائة اشتدت شوكتهم، وتمكنوا من الوصول إلى الكعبة والناس يوم التروية، فما شعروا إلا والقرامطة برئاسة المدعو بابي طاهر الجنابي قد انتهبوا أموالهم، وقتلوا كل من وجدوا من الحجيج في رحاب مكة وشعابها، وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة، وجلس أميرهم أبو طاهر الجنابي على باب الكعبة والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في المسجد الحرام في الشهر الحرام في يوم التروية، ويقول هذا الملعون: أنا الله وبالله

أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا، ولم يدع أحد طائفا أو متعلقا بأستار الكعبة إلا قتله؛ ثم أمر بإلقاء القتلى في بئر زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاء قرمطي فضرب الحجر بمثقل في يده وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، وأخذوه معهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة. وقد اعتز عبد الله باذيب بعلي بن الفضل الذي تغلب على اليمن، وزعم أنه طلع من يافع، وقد جهل أو تجاهل هذا المغرور أن علي بن الفضل هذا كان يعمل هو وأتباعه عمل قوم لوط، ويحرض نساءه على الزنا والدعارة، ويرغب أتباعه كالشيوعيين المحدثين في وقاع أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم؛ إذ يقول في قصيدته المشهورة: ولا تمنعي نفسك المعرسين ... من الأقربين ومن أجنبي فكيف حللت لهذا الغريب ... وصرت محرمة للأب أليس الغراس لمن ربه ... ورواه في الزمن المجدب وقد أرجع ابن كثير وغيره من المؤرخين أصل القرامطة إلى اليهود والمجوس، وذكروا أنه بعد أن أظهر الله الإسلام، وبسط رواقه على أرض فارس، تشاور جماعة من المجوس والمزدكية، وشرذمة من الثنوية، وطائفة من ملاحدة الفلاسفة، وبعض اليهود في حيلة يدفعون بها في نحر الإسلام، ويعملون بها على تشتيت شمل المسلمين، فاتفقوا على انتحال مذهب يستمد أصوله من أصول الفلاسفة، وقواعد المزدكية، وعقائد الثنوية واليهود، ورأوا أن أنجع الوسائل لتحقيق أهدافهم أن يتمسحوا بالانتساب إلى نصرة آل البيت، بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يختاروا رجلا يزعمون للرعاع بأنه من آل البيت، وأنه يجب على كافة الخلق مبايعته، وتتعين عليهم طاعته، مدعين أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه معصوم عن الخطأ؛ وقد تذرعوا بذلك إلى استدراج العامة لينسلخوا من الدين، فإن أراد أحد أن يتمسك بظاهر القرآن ومتواتر الأخبار، أخبروه أن تلك الظواهر لها أسرار وبواطن، وأن أمارة الأحمق الانخداع بظواهرها،

وأن الفطن هو من لا يرى هذه الظواهر، وإنما يتبع الإمام في تفسير الباطن، فكان هؤلاء الباطنيون كما قيل عنهم: ظاهرهم الرفض، وباطنهم الكفر المحض. وقد اتفقت كلمة الناس عنهم أنهم كانوا يسلطون أتباعهم على الشهوات، وقضاء الملذات، وانتهاك الحرمات، وأنهم كانوا يستبيحون كل محرم، وكان لهم ليلة يجتمعون فيها رجالهم ونساؤهم، ويطفئون سرجهم، ثم يتناهبون النساء، وأنهم كانوا يؤمنون برجل في جاهلية الفرس قبل الإسلام يدعى شروين، ويزعمون أنه كان نبيا، وأنه أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. هذا وقد قسمت الماسونية جمعياتها حسب مخططاتها وأغراضها، فبعض هذه الجمعيات لإثارة الطلاب، وبعضها للاستيلاء على أفكار الصحفيين والكتاب والمؤلفين، وبعضها لإثارة العمال والفلاحين، وبعضها مختصة بالعسكريين، وبعضها لإحداث الانقلابات في الدول، إلى غير ذلك؛ فالماسون كانوا وراء الثورة الفرنسية، وهم وراء مذبحة استنبول التي ذبح فيها 68 ألف مسلم عام 1908م، وهم كذلك وراء حرب البلقان عام 1912م، والتي أثارت كذلك الحرب العالمية الأولى، وهم كذلك مدبروا الانقلاب ضد السلطان عبد الحميد، وهم مزيلوا الخلافة الإسلامية. وقد يؤيد الماسون دعوات ليسوا في الأصل منشئيها إذا وجدوا أن هذه الدعوات تخدم بعض أغراضهم ولو إلى حين؛ ولذلك أيدوا داروين النصراني في نظريته التطور والارتقاء، وبذلوا كل دعاية ممكنة لترويج مذهبه الفاسد، لأنه يحدث بلبلة ضد الأديان، كما أيدوا كذلك دعاة القومية العربية مع أنها في الواقع أسسها دعاة النصرانية، وعقدوا لها أول مؤتمر في باريس عام 1910م، ومع أنها كذلك تخالف بعض مبادئهم ضد الأمميين، لكنها لما كان ترويجها يحطم روح الدين في نفوس أهلها، ويؤدي إلى محاربة الأديان، قام الماسون بالترويج والدعاية لها. كما أيدوا القاديانية التي أنشئت لتكون كالخراج الحار في جسم الأمة الإسلامية؛ كما أيدوا البهائية التي تدعوا صراحة للتجمع الصهيوني في فلسطين، إذ قام رئيس هذه العصابة - عباس المسمى بعبد البهاء - يعمل على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي ذلك يقول في (مفاوضات عبد البهاء) ص59: "وفي زمان ذلك العصن الممتاز، وفي

تلك الدورة سيجتمع بنو إسرائيل في الأرض المقدسة، وتكون أمة اليهود التي تفرقت في الشرق والغرب والجنوب والشمال مجتمعة" ثم يقول: "فانظروا الآن تأتي طوائف اليهود إلى الأرض المقدسة، ويتملكون الأرض والقرى ويسكنون فيها، ويزدادون تدريجيا إلى أن تصير فلسطين جميعا وطنا لهم" وقد ذكر صاحب دائرة معارف القرن العشرين "الرابع عشر في الجزء الثاني ص377 ... أن بعض دعاة البهائية فسر الفقرة الثانية من الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية التي تقول: "جاء الرب من سيناء، وأشرق من ساعير، وتلألأ من جبل فاران// فقال: فهذه الآية المباركة تدل دلالة واضحة أن بين يدي الساعة وقدام مجيء القيامة، لابد أن يتجلى الله على الخلق أربع مرات، ويظهر أربع ظهورات حتى يكمل بني إسرائيل وينتهي أمرهم إلى الرب الجليل، فيجمع شتيتهم من أقصى البلاد، ويدفع عنهم كل العباد، ويسكنهم في الأرض المقدسة، ويرجع موازينهم القديمة//. ومن أهم وسائل الماسون لتحقيق أغراضهم هو الاستيلاء على جميع وسائل الدعاية في العالم، من الصحافة والإذاعة والكتابة والتلفزيون وغيرها من شئون الإعلام، كما أن من أعظم وسائلهم الاستيلاء على المناصب الحساسة في إدارات الدول، بوضع رجال خبراء من اليهود أو مؤيديهم في تلك المناصب. أما الصهيونية نسبة لصهيون، وهو جبل يقع في جنوب بيت المقدس، والصهيونية حركة يهودية تسعى بكل الوسائل إلى إعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، والسعي إلى السيطرة على العالم وحكمه من القدس أولا، ثم روما ثانيا على يد ملك من اليهود يكون من نسل سليمان. والصهيونية كما أشرت سابقا: هي إحدى فروع الماسونية، وقد برزت قرونها في القرن السابع عشر الميلادي باسم حركة منشة بن إسرائيل، وبدأت بالدعوة إلى توطين اليهود في بريطانيا تمهيدا لنقلهم إلى فلسطين، وقد استطاعت هذه الحركة أن تسخر الإنجليز لتحقيق أهداف اليهود. وقد نشطت في فرنسا في عهد نابليون بعد الثورة الفرنسية التي كان الماسون من ورائها؛ ففي سنة 1798م وجه أحد

زعماء الصهيونية خطابا يعتبره اليهود دستور الصهيونية، وقد جاء فيه: "هيا بنا أيها الإخوان لتجديد هيكل أورشليم، إن عددنا يبلغ ستة ملايين منتشرين في أقطار العالم، وفي حوزتنا ثروات طائلة واسعة، وممتلكات عظيمة، فيجب أن نتذرع بكل ما لدينا من الوسائل لاستعادة بلادنا، إنه يجب العمل وإقامة مجلس ينتخبه اليهود المقيمون في بلدان أوربا وآسيا وأفريقيا، واللجنة الممثلة لليهود المقيمين في هذه البلدان يمكنها أن تبحث في مهمتها وتتخذ ما تراه من القرارات، وعلى اليهود أن يقبلوا هذه القرارات، ويجعلوها قانونا يخضعون له". وقد حدد الوطن القومي لليهود بفلسطين وسيناء إلى النيل من أرض مصر، ثم يقول: "فهذا المركز يجعلنا قابضين على ناصية تجارة الهند وبلاد العرب وأفريقيا، مع سهولة الاتصال ببلاد أوربا"، ثم يختم خطابه بقوله: أيها الإسرائيليون: "لقد قربت الساعة التي ينتهي فيها حالتكم التعسة، وإن الفرصة الآن سانحة، فحاذروا أن تفلت من أيديكم". وقد عمل اليهود بكل الوسائل على شراء الأراضي في فلسطين، وبناء المستعمرات بمساعدة كبار اليهود من الإنجليز مثل: درزائيلي اليهودي الإنجليزي الذي تنصر وصار رئيسا للوزارة البريطانية. ثم نشطت الصهيونية بقيادة هرتزل الذي يلقبونه "بأبي الصهيونية الحديثة" وهو صحفي نمساوي، وقد حاول هرتسل هذا أن يدفع للسلطان عبد الحميد خمسة ملايين ليرة ذهبية عثمانية هدية للخزينة السلطانية الخاصة، وعشرين مليونا كقرض من الجمعية اليهودية للحكومة العثمانية لمدة تعينها الحكومة العثمانية، وقد تنبه السلطان عبد الحميد إلى خطر هذه الحركة الإجرامية، ورفض أي وعد باستيطان اليهود في أرض فلسطين؛ ففكر اليهود في إقامة وطن مؤقت في سيناء أو يوغنده، ولكن المؤتمر اليهودي السادس المنعقد سنة 1903م رفض هذه الفكرة وأصر على أرض فلسطين، ومات هرتزل سنة 1904م بعد أن وضع كثيرا من الوسائل لتحقيق هدفهم الخبيث؛ ومن أهم هذه الوسائل وجوب عقد مؤتمر في كل عام يضم قادة الحركة الصهيونية، وقد انعقد أول مؤتمر لهم في مدينة بال بسويسرا عام 1897م واتخذ هذا

غير أن قباذ استطاع أن يعود إلى الملك وأن يحبس أخاه، فقوي شر المزدكية من جديد، واستمرت إلى أن قتل قباذ وتولى بعده ابنه أنوشروان الذي ولد في عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استقل بالملك وجلس على السرير قال لخواصه: "إني عاهدت الله إذا صار إلي الملك ألا أبقي على أحد من المزدكية الذين أفسدوا أموال الناس ونساءهم"، وكان عند سريره رجل مزدكي فقال: "أتقتل الناس جميعا؟ " فنظر إليه أنوشروان وقال له: "أتذكر يا ابن الخبيثة يوم طلبت من أبي أن يأذن لك في المبيت عند أمي فأذن لك، ولما ذهبت إلى حجرتها لحقت بك وقبلت رجلك وتضرعت إليك حتى وهبتها لي ورجعت؟ " فأقر الرجل أمام الحاشية بما قال الملك، فأمر بقتله فضربت عنقه وأحرقت جثته، ثم أمر أنوشروان باستئصال شأفة المزدكية وقضى عليهم. كما عرفت الشيوعية في العصر الحديث في صور متقاربة بزعامة رجال تكاد تتشابه ظروف حياتهم مع حياة مزدك الفارسي، وأشهر هؤلاء كارل ماركس المولود عام 1818م من أبوين يهوديين، غير أن اباه أظهر أنه تنصر وترك دين اليهودية، وكذلك فعل ابنه كارل ماركس، وقد وصف "أوتورهل"ماركس بأنه كان على الدوام متقلبا حقودا لا يزال في تصرفه عرضة لتأثير سوء الهضم والانتفاخ، وهياج الصفراء، وكان موسوسا يغلو كجميع الموسوسين في الشعور بمتاعبه الحسدية، وقد كان كارل ماركس يهمل دروسه، وينقطع عن معهده الأسابيع المتواصلة متابعا لما شذ من الآراء التي يبنيها اليوم ويهدمها غدا؛ أو باحثا عن اللذة الجنسية والمتاع الجسدي، وقد شغف أولا بدراسة القانون ثم تركه وشغف بدراسة الفلسفة ثم تركها، واشتغل بدراسة المذاهب الاقتصادية وحصل على دكتوراه بالمراسلة من جامعة جينا الألمانية عام 1841م. وكان ماركس أيام حياته الدراسية عالة على أبيه "هرشل" فلما مات أبوه صار عالة على أمه وأخته حتى عجزتا عن مواصلة الإنفاق عليه، فصار يلجأ إلى الاستدانة من أقربائه وأصدقائه، وبخاصة من انجلز الذي صار قرينه

غير أن قباذ استطاع أن يعود إلى الملك وأن يحبس أخاه، فقوي شر المزدكية من جديد، واستمرت إلى أن قتل قباذ وتولى بعده ابنه أنوشروان الذي ولد في عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استقل بالملك وجلس على السرير قال لخواصه: "إني عاهدت الله إذا صار إلي الملك ألا أبقي على أحد من المزدكية الذين أفسدوا أموال الناس ونساءهم"، وكان عند سريره رجل مزدكي فقال: "أتقتل الناس جميعا؟ " فنظر إليه أنوشروان وقال له: "أتذكر يا ابن الخبيثة يوم طلبت من أبي أن يأذن لك في المبيت عند أمي فأذن لك، ولما ذهبت إلى حجرتها لحقت بك وقبلت رجلك وتضرعت إليك حتى وهبتها لي ورجعت؟ " فأقر الرجل أمام الحاشية بما قال الملك، فأمر بقتله فضربت عنقه وأحرقت جثته، ثم أمر أنوشروان باستئصال شأفة المزدكية وقضى عليهم. كما عرفت الشيوعية في العصر الحديث في صور متقاربة بزعامة رجال تكاد تتشابه ظروف حياتهم مع حياة مزدك الفارسي، وأشهر هؤلاء كارل ماركس المولود عام 1818م من أبوين يهوديين، غير أن اباه أظهر أنه تنصر وترك دين اليهودية، وكذلك فعل ابنه كارل ماركس، وقد وصف "أوتورهل"ماركس بأنه كان على الدوام متقلبا حقودا لا يزال في تصرفه عرضة لتأثير سوء الهضم والانتفاخ، وهياج الصفراء، وكان موسوسا يغلو كجميع الموسوسين في الشعور بمتاعبه الحسدية، وقد كان كارل ماركس يهمل دروسه، وينقطع عن معهده الأسابيع المتواصلة متابعا لما شذ من الآراء التي يبنيها اليوم ويهدمها غدا؛ أو باحثا عن اللذة الجنسية والمتاع الجسدي، وقد شغف أولا بدراسة القانون ثم تركه وشغف بدراسة الفلسفة ثم تركها، واشتغل بدراسة المذاهب الاقتصادية وحصل على دكتوراه بالمراسلة من جامعة جينا الألمانية عام 1841م. وكان ماركس أيام حياته الدراسية عالة على أبيه "هرشل" فلما مات أبوه صار عالة على أمه وأخته حتى عجزتا عن مواصلة الإنفاق عليه، فصار يلجأ إلى الاستدانة من أقربائه وأصدقائه، وبخاصة من انجلز الذي صار قرينه

في الدعوة إلى الشيوعية. وكان أصدقاؤه إذا ضاقوا من طلباته حاولوا أن يكلفوه ببعض الأعمال التي قد تدر عليه ببعض الرزق، ولكنه كان يبوء بالفشل في كل عمل يسند إليه. وكان ماركس قد تعرف على فتاة أثناء دراسته للحقوق في جامعة بون تدعى جيني، ولم يكن أحد قد اشتم منه رائحة نزعته الشيوعية إلى ذلك الحين. وكان عمره لا يتجاوز العشرين، وقد وقعت الفتاة في قلبه وهام بها، ولم يكن في أول أمره ذلك يفكر في الزواج منها لأنها من طبقة فوق طبقة أهله، والتقاليد تقف حجر عثرة في سبيله، غير أن الفتاة رغبت في الزواج منه ولم تعبأ بالفوارق الطبقية التي توجد بينهما. وقد أعلنت الفتاة أنها لن تتخلى عنه مهما كانت الفوارق، وأنها راضية به على أي حال. وعلى الرغم من تحقيق هذا الحلم فقد بدأ ماركس يشعر بالحقد الثائر نحو نظام الطبقات الذي كاد يحول بينه وبين جيني، وقد بدأت مشكلة المعاش - له ولزوجته - تتعقد أمام ماركس، فقد زادت نفقاته ولم يتحسن إنتاجه، ولاسيما بعد أن صار ذا أولاد، وقد صورت زوجته جيني ما صارت إليه هي وزوجها من البؤس وتعاسة العيش في كتاب إلى صديق لها تطلب منه أن يمد لها المساعدة؛ قالت فيه: "ائذن لي أن أصف لك يوما من أيام هذه الحياة وسترى أن غيرنا لم يقاس ما قاسينا، فأنا مريضة سقيمة، ومع أن ثديي وظهري بهما أوجاع وآلام بالغة، فأنا مضطرة إلى أن أرضع طفلي الرابع الحديث الولادة، لأنني لا أستطيع أن أدفع أجرة مرضعة، ولكن طفلي كان يرضع الحزن والألم والوجع، فيتلوى من المرض ليلا ونهارا، ومع هذا الفقر والحاجة فقد دخلت علينا صاحبة المنزل وطلبت منا أجرة البيت، كما طالبت بما علينا لها من القروض، ولما كنا عاجزين عن الدفع فقد حجزت على كل ما نملك في البيت حتى فراش الطفل، وباعته بما لها علينا من الدين. ثم طردتنا إلى الشارع والمطر ينهمر بغزارة، والبرد قارس لا يرحم، وبذل زوجي ماركس كل ما في وسعه من جهد فلم نجد من يقبل إيواءنا"؛ كما كتبت جيني مرة أخرى تصف إحدى ليالي البؤس التي مرت بها وبماركس فتقول: "أحست ابنتنا

بنزلة شعبية، وصارعت الموت ثلاثة أيام ثم ماتت، وأخذنا نبكي عليها، ولم يكن لدينا ما نجهزها ونكفنها به، وأبقينا الجثة حتى نجد ما نستعين به على دفنها، ومضيت إلى جار فرنسي مهاجر فأعطاني جنيهين ... وا أسفاه!! وفدت ابنتنا إلى الدنيا فلم تجد مهدا، وعندما غادرت الدنيا لم تجد كفنا". ويبدو أن الماسون قد استغلوا هذه الحوادث، وأثاروا في ماركس هذه الدوافع حتى حدت به أن يكون داعيا لمصارعة الطبقات، عنيدا في الدعوة إلى الشيوعية، عبدا ضارعا أمام محراب المادية، ينفث سمومه في نواح متعددة من أوربا، ولاسيما إنجلترا، حتى هلك عام 1883م، غير أن دعوته لم تنجح في أوربا، حتى قام اليهود الروس بالثورة الشيوعية ضد القياصرة من آل رومانوف بقيادة اليهودي لينين عام 1917م تحقيقا لمقررات الماسونية والصهيونية، وقد جعل السوفيت المادة الأولى من دستورهم أنه لا إله والكون مادة؛ والمادية في نظر الماركسيين تعني عدم الإيمان بالغيب، وإنكار جميع المظاهر الدينية والمذاهب الروحية والمنازع الأخلاقية، وحرب التقاليد ونظام الزواج والأسرة، وقد كان ماركس يرى أنه لابد لقيام المجتمع الشيوعي من خمسة أركان يبنى عليها وهي: 1- استيلاء الطبقة الكادحة من العمال والفلاحين على مقاليد الحكم في أول الأمر. 2- تأميم وسائل الإنتاج ومصادر الثروة. 3- القضاء على رأس المال. 4- القضاء على الطبقات. 5- ثم القضاء على الحكومة. غير أن نظام الماركسيين ينص على "أن قيام حكومة العمال والفلاحين هو شيء مؤقت، وأنه حركة انتقالية إلى مرحلة الشيوعية الحقيقة التي لا تبقى فيها حكومة، وإنما ينطلق الشعب حرا بلا حكومة ولا سلطان". بيد أن واقع الشيوعية لم ير هذه النظرية مطبقة في قطر من الأقطار التي بليت بهذا النظام، فجميع البلاد التي صارت إلى الشيوعية قامت حكومتها من جنس الحكومات التي كانت في تلك البلاد قبل الحكم الشيوعي؛ ففي روسيا مثلا كان الدور الذي قام به العمال والفلاحون هو إشعال نار الثورة ضد الحكم القيصري والقضاء عليه، فلما تم لرؤساء الحزب الشيوعي ما أرادوا من سقوط عرش آل رومانوف، قبض رؤساء الحزب الشيوعي على زمام الحكم، وأزاحوا العمال

والفلاحين من الطريق، وردوهم مدحورين إلى المصانع والمزارع، ليقاسوا تحت نيران الحزب الشيوعي أشد ألوان المهانة والإرهاق. وقد قام العمال والفلاحون بعدة ثورات كانت تقابل بأنكى صنوف القمع والإرهاب، ولم تمنع وسائل التعذيب الإجرامية هؤلاء من أن يقوم الكثير منهم بإحراق المحاصيل، وتبديد الماشية والأموال حتى لا تقع في يد هؤلاء الحكام المستبدين. وقد حاول ستالين أن يقضي على ثورات الطبقة الكادحة بألوان شتى من أنواع القتل والحبس والنفي في مجاهل سيبيريا، والتهديد والوعيد فلم يفلح؛ وفي منشور له في هذا الصدد يقول: "لكي يضمن الكولخوزيون "المزارعون" لأنفسهم الحياة والعيشة، يتطلب ذلك منهم أن يعملوا في الكولخوزات "المزارع التعاونية" ويحافظوا عليها، ولا ينسوا مسؤوليتهم تجاهها!! " ولما قال العمال لستالين: "لقد وعدتمونا بأن تكون الحكومة من العمال والفلاحين فلم لا تنفذون وعودكم؟ " قال ستالين: "لقد انتقلت السلطة، وتركزت في يد حزب واحد هو حزبنا، ولن يشاركنا في توجيه الدولة أي فئة أخرى؛ وهذا ما نعنيه بالدكتاتورية العمالية. وهكذا نرى المخطط الأول من المخططات التي رسمت للمجتمع الشيوعي لم تكن إلا حبرا على ورق - كما يقولون - بل صار العمال والفلاحون في المجتمع الشيوعي أحط أنواع العمال والفلاحين في العالم. أما تأميم وسائل الإنتاج ومصادر الثروة ثم القضاء على رأس المال ثم القضاء على الطبقات، فقد كانت سلب الغني من الأغنياء وإدامة الفقر والمسكنة للمساكين والفقراء، والذين يزورون برلين الشرقية وبرلين الغربية يذكرون أنهم إذا تجاوزوا سور برلين إلى الشرق، صاروا كالمنتقلين من النهار إلى الليل؛ فالمحال مقفرة، والشوارع تكاد تكون خالية، ومظاهر سوء الحالة الاقتصادية لا يكاد يخفى على ذي عينين. ومع أن الشيوعيين

قد بذلوا كل جهدهم للقضاء على النظام الطبقي، فإن المجتمع الشيوعي يتمثل فيه ما يتمثل في غيره من نظام الطبقات؛ فلا يزال روسيا - مثلا - طبقة العمال والفلاحين، وطبقة القادة العسكريين، وطبقة البوليس السري والمخابرات، وطبقة العمال والأكاديميين، وطبقة المهندسين، وطبقة الفنانين والرقاصين، وطبقة زعماء الحزب الشيوعي؛ وقد وجدت هذه الطبقات في المجتمع الشيوعي بحسب تفاوت الدخل الذي قدرته الحكومة لهؤلاء حسب ميزان الاحتياج الذي صنعوه، فقد جعل المعدل الوسط لحاجة العمال والفلاحين ما بين 600 إلى 700روبل، كما جعل المعدل الوسط للفنانين والرقاصين يتراوح ما بين 1400 إلى 2000روبل، وجعل المعدل الوسط للقادة العسكريين والمهندسين ما بين 4000 إلى 7000روبل؛ وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحكومة الشيوعية ببناء منازل ومنح سيارة وسائق لبعض الطبقات. أما إلغاء الحكومة فيقول ماركس: "وبعد أن تزول المنازعات بين الطبقات زوالا نهائيا خلال التطور، وبعد أن يتركز الإنتاج كله في أيدي الأفراد المتشاركين، عندئذ تفقد السلطة العامة طابعها السياسي" ثم يقول: " والدولة هي سلطة الطبقة المنظمة، تزول بزوال الطبقة، وعندئذ يكون عهد الشيوعية بكل ما تعني الكلمة ... " ويقول: "الشيوعية هي عهد تسوده الحرية، وعصر يزدهر فيه الإنسان أكمل ازدهار، فهو يحتم مع زوال الطبقات زوال الحكومة". ونحن لا نستطيع أن نجزم هل كان ماركس متمتعا بقواه العقلية حينما يخرج على الناس بمثل هذه النظرية التي لا يعرفها التاريخ البشري في المجتمعات المتمدنة أو الهمجية على حد سواء، وحتى ولو فرض وجودها في مجتمع بدائي همجي فهل يجيز العقل وجود مثلها في مجتمع ذي حاجات متفاوتة، بل وإلحاح في طلب الكماليات. وهل ظن ماركس والذين خططوا له أن فطر الناس المتباينة، وطبائعهم المتنازعة سيئول بها الحال إلى الزوال؟ فيعيش الناس في الأرض يأكلون من نباتاتها المختلفة، ولحوم حيواناتها المتغايرة الطبائع ثم يصيرون في نفس الوقت كملائكة السماء. ولا نذهب بعيدا لنراجع نحن أو غيرنا في ذلك حوادث التاريخ، وإنما

نلقي نظرة عابرة على واقع الحكومة في المجتمع الشيوعي لنرى أن الحكومة في المجتمع الشيوعي تسير في طريق الدكتاتورية إلى حد لا نظير له في المجتمعات الأخرى، وفي ذلك يقول ستالين: "إن تقرير المصير لأي فرد أو أمة أو جماعة يجب ألا يتضارب مع حق الحزب الذي يمثل الجماهير الكادحة في أن يحكم حكما دكتاتوريا" هذا وكثير من الناس لا يفرقون بين الشيوعية والاشتراكية؛ فروسيا وبلاد أوربا الشرقية الشيوعية يطلق عليها اسم البلاد الاشتراكية، إلا أن بعض الناس يفرق بين الشيوعية والاشتراكية في الجملة من وجوه: 1- أن الاشتراكية هي الخطوة الأولى للشيوعية. 2- أن الاشتراكية لا تمانع في قيام حكومة "البروليتاريا" العمال والفلاحين، بخلاف الشيوعية الحقيقة فإنها لا تجيز أي نوع من الحكومات. 3- أن الشيوعية لا تبيح أي نوع من الملكيات، بخلاف الاشتراكية فإنها تجيز بعض الملكيات الفردية في حدود ضيقة وعلى قواعد تؤدي في النهاية إلى تلاشي هذه الملكية. هذا ولم يزعم زاعم - مهما كان - أن الإسلام والشيوعية قد يلتقيان، فلم نسمع إلى الآن صوتا واحدا يقول: إن الإسلام لا يتنافى مع الشيوعية؛ إذ أصل الشيوعية إنكار ألوهية خالق السماوات والأرض وإنكار الدين، وإنما سمعنا أن بعض الناس - وقد يكونون من المنتسبين للإسلام أو للعلم - يزعمون أن الإسلام لا يتنافى مع الاشتراكية، وقد يتعامون عن أن الاشتراكية مذهب خاص، ذاتية هذا المذهب تخالف ذاتية الإسلام في روحه وصورته، وأن ثلاثة عشر قرنا مرت على الإسلام والمسلمين ولم يعثر على كلمة الاشتراكية في كتب الإسلام التي تجاوزت آلاف الملايين، سواء كانت كتب الفقه أو التفسير أو الحديث أو سائر كتب العلم الإسلامية، ولا وجود لها قبل وجود دعاتها الماسونيين. كما يتجاهلون أن الإسلام - وهو دين الله الحقلا - قد أتى بجميع ما يسعد الناس في معاشهم ومعادهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك بابا من أبواب

الخير إلا دل الناس عليه، ولا بابا من أبواب الشر إلا حذر الناس منه، بيد أن جماعة من هؤلاء يقولون: إن بعض نصوص القرآن كقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ} (الحشر: من الآية7) وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة: في الماء والنار والكلأ" تدل على صحة المذهب الاشتراكي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهل هؤلاء بحقيقة الإسلام عموما، وبمعنى هذه الآية وذلك الحديث خصوصا؛ فإن الآية نزلت تشرح مصرف الفيء، وهو نوع خاص له طابع خاص من بين الأموال الإسلامية، وأما الحديث فقد بين موضع الشركة وهو الماء والنار والكلأ، ولفظ الحديث يدل بمفهومه على أن ما عدا هذه الأشياء الثلاثة من الأموال والأشياء التي يمكن أن يتملكها الإنسان لا اشتراك فيها، على أن صريح القرآن وصحيح وصريح السنة يدل بما لا مجال للشك فيه على حفظ ممتلكات الناس وأموالهم إلا برضا منهم، وفي ذلك يقول الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:188) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " ... ألا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد" وكما قال صلى الله عليه وسلم: "من غصب شبرا من أرض طوقه الله بسبع أرضين يوم القيامة" وتاريخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كالزبير بن العوام الذي مات عن أرض الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودار بالكوفة، ودار بمصر، وقد كان عليه دين يبلغ ألفي ألف ومائتي ألف "أي مليونين وربع تقريبا" وأن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حصر مال أبيه فوجده خمسين ألف ألف "أي خمسين مليونا" ومائتي ألف، والزبير من المبشرين بالجنة. وكذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو أحد العشرة كذلك رضي الله عنهم قد كان نصيب نسائه من تركته فوق ستين ألفا. ومعنى ذلك أن تركته

تجاوزت أربعمائة وثمانين ألفا؛ ولا طعن على أحد في ذلك ما دام يأخذه من حل ويضعه في حل، ويؤدي حق الله فيه. وقد أكمل الله الدين، وأتم الشريعة، فلا حاجة معها لمذاهب مستوردة أتعست أهلها، وجلبت الشقاء للمبتلين بها، والحق يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1