الإسعاف فى أحكام الأوقاف

البرهان الطرابلسي

كتاب الإسعاف فى أحكام الأوقاف تأليف الشيخ الإمام العلامة حسام المعاني النعمان الثاني برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبى بكر ابن الشيخ على الطرابلسي الحنفي على نفقة أمين هندية الطبعة الثانية طبع بمطبعة هندية بشارع المهدي بالأزبكية بمصر المحمية سنة 1902 ـ 1320

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق الإنسان فى أحسن تقويم، وهدى من شاء منه إلى الصراط المستقيم، وأمره بالصلاة والصدقة والصيام، والحج إلى بيته الحرام، ليفوز بالنعيم المقيم، وجاد على من وقف فى سبيل الخيرات نفسه وماله، لما علم أن إليه مآله، بالفضل الجسيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له البر الجواد الكريم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الموصوف بالخلق العظيم، الواقف نفسه الزكية للشفاعة العظمى، يوم يفر الحميم من الحميم، والمرء من أخيه وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، ذلك تقدير العزيز العليم (وبعد) فإن العلماء الأولين، قد جعلهم الله رحمة للآخرين، لبذل مهجهم فى ضبط أحكام دين الإسلام، من كل واجب مندوب ومباح وحرام، وألهم الخلفاء الماهرين، ترتيبه على أبواب وفصول نعمة للآخرين، وان كتاب أحكام الأوقاف للإمام الهمام أبى بكر أحمد بن عمرو الخصاف بوأه الله دار السلام، لمَّا كان العمدة فى هذا الفن من تأليف الأوائل، وكان مكرر الصور والمسائل، مشحونا بجعل أحكام الوصايا له دلائل، وكان كثير الأبواب، غير خال عن الأطناب، اختصرته إلى كتاب احتوى على ما فيه من المقاصد، وعلى ما فى كتاب هلال بن يحيى من الزوائد، وضممت إليه كثيراً من المسائل والأصول ورتبته على أبواب وفصول، ليسهل بها الوصول إلى ما فيه منقول، وسميته الإسعاف، فى أحكام الأوقاف، وبالغت فى

كتاب الوقف

تصريح الكلام، حتى صارت مسائله على طرف التمام، والحمد لله على المبدا والتمام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الغر الكرام، الأئمة البررة العظام، عدد قطر الغمام. كتاب الوقف هو فى اللغة الحبس، يقال وقفت الدابة إذا حبستها على مكانها ومنه الموقف لأن الناس يوقفون أي يحبسون للحساب وفى الشرع هو حبس العين على حكم ملك الواقف أو عن التمليك والتصدق بالمنفعة على اختلاف الرأيين وسنبينه وهو جائز عند علمائنا أبى حنيفة وأصحابه رحمهم الله وذكر فى الأصل كان أبو حنيفة رحمه الله لا يجيز الوقف فأخذ بعض الناس بظاهر هذا اللفظ وقال لا يجوز الوقف عنده وقال الخصاف أخبرني أبى الحسن بن زياد قال قال أبو حنيفة رحمه الله لا يجوز الوقف إلا ما كان منه على طريق الوصايا وعن أبى يوسف رحمه الله كان يقول يقول أبى حنيفة حتى قيل له أنه كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض تدعى ثمغ فوقفها وسيأتي مسندا فرجع عنه وقال لو بلغ هذا الحديث أبا حنيفة لرجع والصحيح أنه جائز عند الكل وإنما الخلاف بينهم فى اللزوم وعدمه فعند أبى حنيفة رحمه الله يجوز جواز الإعارة فتصرف بينهم فى اللزوم وعدمه فعند أبى حنيفة رحمه الله يجوز جواز الإعارة فتصرف منفعته إلى جهة الوقف مع بقاء العين على حكم ملك الواقف ولو رجع عنه حال حياته جاز مع الكراهة ويورث عنه ولا يلزم إلا بأحد أمرين إما أن يحكم به القاضي بدعوى صحيحة وبينة بعد إنكار المدعى عليه فحينئذ يلزم لكونه مجتهدا فيه واختلفوا فى قضاء المحكم والصحيح انه لا يرفع الخلاف ولو كان الواقف مجتهدا يرى لزوم الوقف فأمضى رأيه فيه وعزم على زوال ملكه عنه أو مقلدا فسأل فأفتى بالجواز وعزم على ذلك لزم الوقف ولا يصح الرجوع فيه وأن تبدل رأى

المجتهد أو أفتى المقلد بعدم اللزوم بعد ذلك أو يخرجه مخرج الوصية فيقول أوصيت بغَّلة أرضى أو دارى أو يقول جعلتها وقفا بعد موتى فتصدقوا بها على المساكين أو يوصى بأن توقف فإنه يلزم فى رواية عنه والصحيح أنه يصح من الثلث غير لازم اتفاقا لكونه وصية محضة واللزوم إنما هو فى حق ورثته حتى لو مات من غير رجوع يلزمهم التصدق بمنافعه مؤبدا ولا يمكنهم أن يتملكوه بعده لتأبد الوصية فيه بعدم إمكان انقطاع الفقراء بخلاف الوصية بخدمة عبده لإنسان بعينه فإنه إذا مات الموصى له يرجع العبد إلى ورثة الموصى لانتهائها بموت المستحق للخدمة وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يلزم الوقف بدون هذين الشرطين وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح لأن النبى صلى الله عليه وسلم تصدق بسبع حوائط فى المدينة وإبراهيم الخليل عليه السلام وقف أوقافاً وهى باقية إلى يومنا هذا وقد وقف الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وسيأتي مصرحا به ثم أن أبا يوسف رحمه الله قال يصير وقفا بمجرد القول لأنه بمنزلة الإعتاق عنده وعليه الفتوى وقال محمد رحمه الله لا يصير وقفا إلا بأربعة شروط وستأتي فى أول الفصول ولأبى حنيفة رحمه الله ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما نزلت سورة النساء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حبس بعد سورة النساء وما روى لا حبس عن فرائض الله، وعن شريح رحمهُ الله جاء محمد ببيع الحبس ولأنه عقد على منفعة معدومة فيكون جائزاً غير لازم كما هو الصحيح عنه أو غير جائز كما تقدم والدليل على أنه باق على حكم ملكه بعد الوقف أنه لو قال تصدقوا على فلان فإذا مات فعلى أولاد فلان يفعل كما قال وأنه يجوز الإنتفاع به زراعة وسكنى وأن ولاية التصرف فيه إليه ولهذا عرَّف على قوله بأنه حبس العين على حكم ملك إلى آخره ولأنه لا يمكن أن يزول ملكه عنه لا إلى مالكه مع بقائه لأنه غير مشروع إذ حينئذ يصير

كالسائبة بخلاف الإعتاق لأنه إتلاف لمالية المعتق وبخلاف المسجد لأنه جعله لله تعالى خالصا ولهذا لا يجوز الإنتفاع به وهذا لم ينقطع حق العبد عنه فلم يصر خالصا لله تعالى ولما كان الوقف عندهما إسقاط الملك لا إلى مالك كالمسجد عرفوه بأنه حبس العين عن التمليك والتصدق بالمنفعة وأصل قولهما ما رواه أبو بكر أحمد بن عمرو الخصاف فى كتابه قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال أنبأنا صالح بن جعفر عن المسور بن رفاعة قال قتل مخيريق على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى أن أصبت فأموالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتصدق بها قال وحدثنا عن عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن إبراهيم قال حدثني عبد الله بن كعب بن مالك قال مخيريق يوم أحد فأوصى إن أصبت فأموالي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله تعالى فهي عامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثني محمد بن بشر بن حميد عن أبيه قال سمعت عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه يقول فى خلافته بخناصرة سمعت بالمدينة والناس بها يومئذ كثير من مشيخة من المهاجرين والأنصار أن حوائط رسول الله صلى الله عليه وسلم السبعة التي وقف من أموال مخيريق وقال إن أُصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله تعالى وقتل يوم أُحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيريق خير يهود، قال وحدثني ابن أبى سبره عن إسماعيل بن أبى حكيم قال شهدت عمر بن عبد العزيز ورجل يخاصم إليه فى عقار حبس لا يباع ولا يوهب ولا يورث فقال يا أمير المؤمنين كيف تجوز الصدقة لمن لا يأتي ولم يدر أيكون أم لا فقال عمر رضي الله عنه أردت أمرا عظيما فقال يا أمير المؤمنين إن أبا بكر وعمر كانا يقولان لا تجوز الصدقة ولا تحل حتى تقبض قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذين قضوا بما تقول هم الذين حبسوا العقار والأرضين على أولادهم وأولاد أولادهم عمر وعثمان وزيد ابن ثابت

فإياك والطعن على من سلفك والله ما أحب أني قلت ما قلت وأن لي جميع ما تطلع عليه الشمس أو تغرب فقال يا أمير المؤمنين إنه لم يكن لي به علم فقال عمر استغفر ربك وإياك والرأي فيما مضى من سلفك أو لم تسمع قول عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ان لي مالا أحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احبس أصله وسبل ثمره ففعل فلقد رأيت عبد الله بن عبيد الله يلي صدقة عمر وأنا بالمدينة وال عليها فيرسل إلينا من ثمرته، قال وحدثني أبى سبرة عن المسور بن رفاعة عن ابن كعب القرظي قال كانت الحبس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط بالمدينة الأعواف والصافية والدلال والمثيب والبرقة وحسنا والمشربة أم إبراهيم وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم ماريه كانت تنزلها قال ابن كعب وقد حبس المسلمون بعده على أولادهم وأولاد أولادهم وقد حبس أبو بكر رضي الله عنه رباعا له بمكة وتركها فلا نعلم أنها ورثت عنه ولكن يسكنها من حضر من ولد ولده نسله بمكة ولم يتوارثوها فإما ان تكون صدقة موقوفة أو تركوها على ما تركها أبو بكر رضي الله عنه وكرهوا مخالفة فعله فيها وهذا عندنا شبيه بالوقف وهى مشهورة بمكة، وحبس عمر رضي الله عنه قال حدثنا يزيد بن هرون قال حدثنا عبيد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال أصاب عمر رضي الله عنه مرة أرضا بخيبر فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصلها وتصدقت بثمرتها فجعلها عمر رضي الله عنه لا تباع ولا توهب ولا تورث تصدق بها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفى الرقاب والغزاة فى سبيل الله والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف وأن يطعم صديقا غير متموّل منه وأوصى به إلى حفصة أم المؤمنين ثم إلى الأكابر من آل عمر، وقال وحدثنا

محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا قدامه بن موسى الجمحى عن بشر مولى المازنيين قال سمعت جابر بن عبد الله يقول لم كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صدقته فى خلافته دعا نفرا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم ذلك وأشهدهم عليه فانتشر خبرها قال جابر رضي الله عنه فلم أعلم أحدا كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالا من ماله صدقة مؤبدة لا تشترى ولا توهب ولا تورث، قال حدثنا الواقدي قال لي أبو يوسف رحمه الله ما عندك فى وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت أنبأنا أبو بكر بن عبد الله عن عاصم بن عبد الله عن عبد الله بن عامر ابن ربيعة قال شهدت كتاب عمر رضي الله عنه حين وقف وقفه انه فى يده فإذا توفى فهو إلى حفصة بنت عمر فلم يزل عمر يلي وقفه إلى أن توفى ولقد رأيته هو بنفسه يقسم تمر ثمغ فى السنة التي توفى فيها ثم صار إلى حفصة رضي الله عنها فقال أبو يوسف رحمه الله هذا الذي أخذنا به إذا اشترط الذي وقف أنه فى يده فى حياته ثم إذا توفى فهو إلى فلان بن فلان فهو جائز وهذا فعل عمر رضي الله عنه كما ترى، وحبس عثمان بن عفان رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي الأسلمي قال حدثنا عمر بن عبد الله عن عنبسة قال تصدق عثمان فى أمواله على صدقة عمر بن الخطاب، قال وحدثنا فروة بن اذينة قال رأيت كتابا عند عبد الرحمن ابن ابان بن عثمان فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عثمان بن عفان فى حياته تصدق بماله الذي بخيبر يدعى مال ابن أبى الحقيق على ابنه ابان بن عثمان صدقة بتله لا يشترى أصله أبدا ولا يوهب ولا يورث شهد على بن أبى طالب رضي الله عنه وأسامة بن زيد وكتب، وحبس على بن أبى طالب رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا سليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد عن أبيه عن على بن أبى طالب رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قطع لعلىّ

رضي الله عنه بنبع ثم اشترى على رضي الله عنه إلى قطيعته التي قطع له عمر أشياء فحفر فيها عينا فبينما هم يعملون إذ تفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتى عليا فبشره بذلك فقال رضي الله عنه فبشره الوارث ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين فى سبيل الله وابن السبيل القريب والبعيد فى السلم والحرب يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ليصرف الله النار عن وجهه بها وبلغ جدادها فى زمن على رضي الله عنه ألف وسق، قال وروى موسى بن داود قال حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا محمد بن على بن أبى طالب رضي الله عنه تصدق بأرض له بتا بتلا ليقي بها وجهه عن جهنم على مثل صدقة عمر غير أنه لم يستثن منها للوالي شيئا كما استثناه عمر رضي الله عنه قال حدثنا على عن عيينة عن عمرو بن دينار قال فى صدقة على ابن أبى طالب رضي الله عنه أن جبيرا ورباحا وأبا نيزر موالي يعملون فى المال خمس حجج منه نفقاتهم ونفقات أهليهم ثم هم أحرار لوجه الله تعالى، قال وحدثني ابن أبى سبرة عن يحيى بن شبل قال رأيت على بن الحسين يبيع من رقيق صدقة على ويبتاع، قال حدثنا بشر بن الوليد قال أنبانا أبو يوسف قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن على بن أبى طالب عن أبيه عن جده أنه تصدق بينبع فقال أبتغى بها مرضاة الله تعالى ليدخلني بها الله الجنة ويصرفني عن النار ويصرف النار عنى فى سبيل الله ووجهه وذي الرحم والبعيد والقريب لا تباع ولا توهب ولا تورث كل مال لي ينبع غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا أن حدث بي حدث فليس عليهم سبيل وهم محررون موال يعملون فى المال خمس حجج وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق ما كان لي ينبع حياً أنا أو ميتا ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى من مال ورقيق حيا أنا أو ميتا ومع ذلك الأدينة وأهلها حيا أنا أو ميتا ومع ذلك عبد أهلها وان زريعا له مثل ما كتبت لأبى نيزر ورباح وجبير، وحبس الزبير رضي الله قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي

قال حدثنا ابن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه جعل دوره على بنيه لا تباع ولا تورث ولا توهب وان للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضى بها فإذا استغنت بزوج فليس لها حق، وحبس معاذ بن جبل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا النعمان بن معن عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال وحدثنا يحيى بن عبد الله بن أبىّ عن أبيه قالا كان معاذ بن جبل رضي الله عنه أوسع أنصارى بالمدينة ربعا فتصدق بداره التي يقال لها دار الأنصار اليوم وكتب صدقته قالا ثم ان ابن أبى اليسر خاصم عبد الله بن أبى قتادة فى الدار وقال ينبع هي صدقته على من لا ندرى أيكون أولا يكون وقد قضى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا صدقة حتى يقبض فاختصموا إلى مروان ابن الحكم فجمع لهم مروان بن الحكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن تنفذ الصدقة على ما سبل ورأوا حبس بن أبى اليسر فيكون له أدبا فحبسه أياما هم كلم فيه فخلاه فلقد كان الصبيان يضحكون به، وقد حبست عائشة رضي الله عنها وأختها أسماء وأم سلمه وأم حبيبة وصفية أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، وحبس سعد بن أبى وقاص وخالد بن الوليد وجابر بن عبد الله وعقبة ابن عامر وعبد الله ابن الزبير وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وهذا إجماع منهم على جواز الوقف ولزومه ولان الحاجة ماسة إلى جوازه لقول زيد بن ثابت رضي الله عنه لم نرى خيرا للميت ولا للحى من هذه الحبس الموقوفة أما الميت فيجرى أجرها عليه وأما الحي فتحبس عليه ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها فان زيد بن ثابت رضي الله عنه جعل صدقته التي أوقفها على سنة صدقة عمر بن الخطاب رضي الله وكتب كتابا على كتابه هذا وأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم لا حبس عن فرائض الله فنقول أنه محمول على أنه لا يمنع أصحاب الفرائض

[باب فى ألفاظ الوقف وأهله ومحله وحكمه]

عن فروضهم التي قدرها الله لهم فى سورة النساء بعد الموت بدليل نسخها لما كانوا عليه من حرمانهم الإناث قبل نزولها وتوريثهم بالمؤاخاة والموالاة مع وجودهن وقول شريح جاء محمد ببيع الحبس محمول على حبس العفرة مثل البحيرة والوصيلة والسائبة والحام عملا بما هو صريح اللفظ متواتر المعنى وحملا للمحتمل عليه توفيقا بين الأدلة والله اعلم. [باب فى ألفاظ الوقف وأهله ومحله وحكمه] يتوقف انعقاد الوقف على صدور ركنه من أهله مضافا إلى محل قابل لحكمه لما علم أن قيام ذات التصرف بالأهل وقيام حكمه بالمحل (فركنه) لفظ الوقف وما فى معناه كقوله صدقة محرمة أو صدقة محبسه أو صدقة مؤبدة أو صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث أو صدقة موقوفة (وأهله) أهل التبرع وهو الحر العاقل البالغ غير مرتد ولا مديون محجور عليه فيصح منه لازما عندهما ولو فى مرض الموت إلا أن للورثة إبطال ما زاد على الثلث كالتدبير ولا يصح من العبد إلا إذا أذن له مولاه وكان غير مستغرق بالدين ولو استغرقه لا يصح وقفه وإن أذن له سيده مع الغرماء بناء على قول أبى حنيفة رحمه الله ولا من الصبي والمجنون الذي لا يعقل لعجزهما عن التصرف ولا من المرتد وسيأتي بيانه فى آخر الأبواب ولا من المديون (¬1) المحجور على قول من يرى به وإن لم يكن محجورا عليه يصح وقفه وإن قصد به ضرر غرمائه لثبوت حقهم فى ذمته دون القي (ومحله) المال المتقوم بشرط كونه عقارا أو منقولا أو متعارفا وقفه وسيأتي بيانه فى فصله (وحكمه) ما ذكر فى تعريفه من أنه حبس العين عن التمليك والتصدق بالمنفعة فلو قال أرضى هذه صدقة موقوفة مؤبدة جاز لازما عند عامة ¬

_ (¬1) مطلب المديون المحجور عليه

العلماء إلا أن محمدا رحمه الله اشترط التسليم إلى المتولي واختاره جماعة وعند أبى حنيفة رحمه الله يكون نذرا بالصدقة بغلة الأرض وبيقى ملكه على حاله فإذا مات تورث عنه ولو قال صدقة موقوفة مؤبدة فى حياتي وبعد وفاتي جاز عندهم إلا أن أبا حنيفة رحمه الله قال ما دام الواقف حيا كان ذلك نذرا منه بالتصدق بالغلة وكان عليه الوفاء بما نذر ولو رجع عنه جاز ولو لم يرجع حتى مات جاز من الثلث ويكون سبيله سبيل من أوصى بخدمة عبده لإنسان فإن الخدمة تكون للموصى له والرقبة على ملك مالكها حتى لو مات الموصى له بها يصير العبد ميراثا لورثة المالك إلا أن فى الوقف لا يتوهم انقطاع الموصى لهم وهم الفقراء فتتأبد هذه الوصية ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة أو قال وقف ولم يزد على هذا لا يجوز عند عامة مجيزي الوقف قال هلال رحمه الله لأن الوقف يكون للغنى والفقير ولم يسم لأيهما هو فلذلك أبطلته وصار كما لو قال أرضى محبوسة ولم يزد على ذلك فإنها لا تكون وقفا ولأن الأرض توقف للدين والوصايا ولحبس الأصل فهذا وقف لم يسم سبيله ووجوهه فلم يتصدق بغلته فقد خرج من أن يكون على ما أمر به النبى صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه إنما ذكر حبس الأصل ولم يذكر الصدقة على ما أمر به عمر بن الخطاب فلذلك أبطلته حتى يجتمع الكلامان الصدقة والحبس فإذا اجتمعا كان الوقف جائزا وقال أبو يوسف رحمه الله يجوز ويكون وقفا على المساكين لأن مطلقه ينصرف إلى المساكين عرفا (¬1) ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة أو موقوفة صدقة ولم يزد على هذا جاز فى قول أبى يوسف ومحمد وهلال الرأي رحمهم الله ويكون وقفا على الفقراء وقال يوسف بن خالد السهتي رحمه الله لا يجوز ما لم يزد قوله وآخرها للفقراء أبدا والصحيح قول أصحابنا لأن محل الصدقة فى الأصل الفقراء فلا يحتاج إلى ذكرهم ولا انقطاع ¬

_ (¬1) مطلب لو قال أرضى هذه صدقة موقوفة أو موقوفة صدقة

لهم فلا يحتاج إلى ذكر الأبد أيضا ولو قال أرضى هذه محرمة صدقة جاز ويكون هذا بمنزلة قوله موقوفة صدقة لأن المحرمة بمنزلة قوله موقوفة فى لغة أهل المدينة ولو قال حبست أرضى هذه أو قال أرضى هذه حبس لا تكون وقفا فى قولهم ولو قال حرمت أرضى هذه أو قال أرضى هذه أو قال هي محرمة (قال الفقيه) أبو جعفر هذا على أبى يوسف كقوله موقوفة ولو قال حبيس موقوف أو حبيس وقف فهو باطل قال هلال فى قلنا وقول أبى حنيفة لأن معنى قوله وقف ومعنى قوله حبيس سواء فكأنه قال أرضى وقف وهذا باطل لا يجوز فى قولنا وقال وكذلك لو قال هي محرمة حبيس أو حبيس محرمة لا يجوز لأنه ذكر حبس الأصل ولم يسم لمن الغلة فلذلك أبطلته ولو قال موقوفة حبيس محرمة لا تباع ولا توهب ولا تورث ولم يزد على ذلك لا يجوز إلا أن يجعل فيها معنى الصدقة أو المساكين مع حبس الأصل فيجوز ذلك عندنا ولو قال حبيس صدقة أو صدقة حبيس قال هلال هذا جائز (وقال الفقيه أبو جعفر) هذا ينبغي أن يكون بمنزلة قوله صدقة موقوفة ولو قال هي موقوفة لله تعالى أبدا جاز وإن لم يذكر الصدقة ويكون وقفا على الفقراء لأن فى قوله موقوفة لله تعالى أبدا دليلا على أنه أراد بها المساكين لأن فيه قربة إلى الله تعالى بقوله لله تعالى وخرجت من أن تكون موقوفة للدين بقوله لله تعالى أبدا وكذا لو قال صدقة موقوفة على المساكين ولم يقل أبدا أو قال موقوفة لوجه الله تعالى أو موقوفة لطلب ثواب الله تعالى ولو أوصى بأن يوقف ثلث أرضه بعد وفاته لله تعالى أبدا تكون وصية بالوقف على الفقراء ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على فلان صح ويصير تقديره صدقة موقوفة على الفقراء لأن محل الصدقة الفقراء إلا أن غلتها تكون لفلان ما دام حيا ومثله لو قال صدقة موقوفة على زيد أبدا أو قال على ولدى أبدا لأنه يصح من غير ذكر الأبد فمع ذكره أولى ولا يصح على قول يوسف بن خالد السهتى وإن ذكر الأبد لأن ذكر لفظ

الأبد مضاف إلى الصدقة على زيد أو ولده وهو لا يتأبد فيلغو هذا اللفظ وكذا لو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على وجه الخير والبر أو قال على وجه الخير أو قال على وجه البر يكون وقفا على الفقراء لأن البر عبارة عن صدقة ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة فى الحج عنى أو العمرة عنى يصح الوقف ولو لم يقل عنى لا يصح لأنهما ليسا بصدقة ولو قال أرضى هذه موقوفة على الجهاد أو فى الجهاد أو فى الغزو أو قال فى أكفان الموتى أو فى حفر القبور أو قال فى بناء المساجد أو الحصون أو قال على مرمتها أو قال على عمل السقيات فى الأماكن المحتاج إليها أو غير ذلك مما يتأبد فإنه يصح ويكون وقفا على ذلك السبيل (قال الفقيه) أبو جعفر رحمه الله متى ذكر موضع الحاجة على وجه يتأبد فذاك يكفى عن ذكر الصدقة وكذا لو قال موقوفة على أبناء السبيل لأنهم لا ينقطعون ويكون لفقرائهم دون أغنيائهم كخمس الغنيمة وكذا لو قال على الزمني أو على المنقطع بهم لأنهم يتأبدون ويكون لفقرائهم فقط وهذا قول هلال رحمه الله وما سيأتي من بطلانه على الزمني قول الخصاف رحمه الله قال شمس الأئمة رحمه الله إذا ذكر مصرفا فيهم تنصيص على الحاجة فهو صحيح سواء كانوا يحصون أو لا يحصون لأن المطلوب وجه الله تعالى ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء فإن كانوا يحصون فذلك صحيح لهم باعتبار أعيانهم وإن كانوا لا يحصون فهو باطل إلا أن كان فى لفظه ما يدل على الحاجة استعمالا بين الناس لا باعتبار حقيقة اللفظ كاليتامى فالوقف عليهم صحيح ويصرف للفقراء منهم دون أغنيائهم فهذا الضابط يقتضى (¬1) صحة الوقف على الزمني والعميان وقرَّاء القرآن والفقهاء وأهل الحديث ويصرف للفقراء منهم كاليتامى لإشعار الأسماء بالحاجة استعمالا لأن العمى والاشتغال بالعلم يقطع عن الكسب فيغلب فيهم الفقر وهو أصح مما سيأتي فى باب الوقف الباطل أنه باطل على ¬

_ (¬1) مطلب صحة الوقف على الزمني والعميان والفقراء ونحوهم

[فصل فى بيان ما يتوقف جواز الوقف عليه]

هؤلاء ولو قال أرضى هذه موقوفة (¬1) على فقراء قرابتي أو قال على أولادي لا يصح لأنهم ينقطعون فلا يتأبد وبدونه لا يصح إلا أن يجعل آخره للفقراء ولو قال أرضى هذه موقوفة على فقراء بني زيد أو قال على يتامى بني عمرو فإن كانوا يحصون وكان الوقف فى الصحة لا يصح لأنه لا يتأبد وإن كانوا لا يحصون يصح ويصير بمنزلة الوقف على اليتامى الفقراء روى عن محمد رحمه الله أن (¬2) ما لا يحصى عشرة وعن أبى يوسف رحمه الله أنه مائة وهو المأخوذ عنه البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى أنه مفوّض إلى رأى الحاكم ولو قال أرضى صدقة لا تباع تكون نذرا بالصدقة ولا تكون وقفا لان قوله صدقة عبارة عن النذر فيتصدق بها ولا يجبره القاضي عليها ولو زاد ولا توهب ولا تورث صارت وقفا على المساكين ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على زيد أيام حياته جاز لحصول التأبيد بسبب كونها للفقراء بعده لأن ما لله تعالى يكون للفقراء إلا أن زيدا يقدم عليهم ولو قال هي صدقة موقوفة على زيد ما دام حيا وكان فى صحته فإنه يكون باطلا لكونه غير مؤبد ومن شرط صحة الوقف التأبيد كما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم جعلوا أوقافهم مؤبدة فما كان مثل ذلك يصح ومالا فلا ولو قال جعلت غلة دارى هذه للمساكين يكون نذرا بالتصدق بالغلة ولو قال جعلت هذه الدار للمساكين كان نذرا بالتصدق بعين الدار للمساكين للحال ولو قال ضيعتي سبيل أو للسبيل إن كان من ناحية تعارفوا هذا الكلام للوقف صارت وقفا وإلا فيسأل عن نيته فإن نوى وقفا فهو كما نوى وإن نوى صدقة تصدق بعينها أو قيمتها وإن لم يكن له نية تورث عنه إذا مات والله أعلم. [فصل فى بيان ما يتوقف جواز الوقف عليه] اتفق أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ¬

_ (¬1) مطلب الوقف على فقراء القرابة (¬2) مطلب حد ما لا يحصى

على أن الوقف يتوقف جوازه على شروط بعضها فى المتصرف كالملك فإن الولاية على المحل شرط الجواز والولاية يستفاد بالملك أو هي نفس الملك حتى لو وقف ملك الغير بغير إذنه توقف على إجازته وبعضها يرجع إلى نفس التصرف وهو كونه قربة فى ذاته وعند المتصرف حتى لو وقف المسلم أرضه أو داره على البيعة أو الكنيسة أو على دار دعوة للمبتدعة أو على فقراء أهل الحرب لا يجوز لعدم كونه قربة فى نفس الأمر وعند المتصرف وكذا لو كان الواقف ذميا لعدم كونه قربة فى نفس الأمر وسيأتي بيانه فى قف أهل الذمة إن شاء الله تعالى وبعضها يرجع إلى المحل وهو كونه عقارا أو منقولا تبعا للعقار واختلفنا فى كون أربعة أشياء شرطا للجواز (¬1) الأول التسليم للموقوف ليس بشرط عند أبى يوسف رحمه الله لأن الوقف ليس بتمليك وإنما هو إخراج له عن ملكه إلى الوقف فأشبه الإعتاق بخلاف الصدقة المنقدة فإنها إخراج من ملك إلى ملك فتحتاج إلى قبض العين لتملك ولما تقدم من رواية الواقدي فى وقف عمر بن الخطاب أنه فى يده فإذا توفى فهو إلى حفصة ولأن يد المخرج إليه يده حكما لاستفادته الولاية منه فيصير كأنه أخرجه منه إليه فلا تزيد يد الفرع على يد الأصل فى الحكم وشرط عند محمد رحمه الله لأنه تقرب إلى الله تعالى بعين من ماله فيتوقف جوازه على التسليم كالصدقة بالعين وقد علم جوابه ثم تسليم كل شئ عنده بما يليق به ففي المقبرة يحصل بدفن واحد فصاعدا بإذنه وفى السقاية بشرب واحد وفى الخان بنزول واحد من المارة هذا فى المقبرة والخان الذي تنزل فيه المارة كل يوم وأما السقاية التي تحتاج إلى صب الماء فيها والخان الذي ينزله الحاج بمكة والقرارة بالثغر فلا بد فيها من التسليم إلى المتولي لأن نزولهم مكون فى السنة مرة فيحتاج إلى من يقوم بمصالحه وإلى من يصب الماء فيها والغنى والفقير فى الخان والسقاية والبئر والحوض سواء ¬

_ (¬1) بيان الشروط المختلف فيها

لاستوائهما فى الحاجة وفى المسجد بالصلاة فيه بجماعة بإذن بانيه وسيأتي ما فيه من الاختلاف فى باب بناء المساجد إن شاء الله تعالى وعلى هذا الخلاف ينبني ما إذا استغنى الناس عن الصلاة فى المسجد لخراب ما حواليه فأعاده محمد إلى ملكه وارثه إن كان ميتا لأن التسليم بالصلاة شرط عنده ابتداء فكذا انتهاء وأبقاه أبو يوسف رحمه الله مسجدا لعدم اشتراطه التسليم والثاني كونه مفرزا شرط عند محمد رحمه الله لتوقف التسليم عليه وليس بشرط عند أبى يوسف رحمه الله لما بينا أنه ألحقه بالعتق فلو وقف نصف أرضه يصح عنده ولا يصح عند محمد رحمه الله وسيأتي تمامه فى فصل وقف المشاع والثالث ذكر التأبيد أو ما يقوم مقامه كالصدقة ونحوها شرط عند محمد رحمه الله وليس بشرط عند أبى يوسف رحمه الله فلو قال وقفت أرضى هذه أو قال جعلتها موقوفة ولم يزد عليه جاز عنده وصارت وقفا على الفقراء وبه أفتى مشايخ بلخ وعليه الفتوى لأن قوله وقفت يقتضى إزالته إلى الله تعالى ثم إلى نائبه وهو الفقير وذا يقتضى التأبيد فلا حاجة إلى ذكره كالإعتاق وعند محمد لا يجوز لأن موجبه زوال الملك بدون التمليك وذلك بالتأبيد كالعتق وإذا لم يتأبد لم يتوفر عليه موجبه ولهذا يبطله التأقيت كما يبطل البيع ولو قال وقفت أرضى هذه على عمارة المسجد الفلاني يجوز عنده لأنه لو لم يزد على قوله وقفت يجوز عنده فبالأولى إذا عين جهة ولا يجوز عند محمد لاحتمال خراب ما حوله فلا يكون مؤبدا وعن أبى بكر الأعمش ينبغي أن يجوز على الاتفاق لأن الوقف على عمارة المسجد بمنزلة جعل الأرض مسجدا أو بمنزلة زيادة فى المسجد قال الفقيه أبو جعفر هذا القول أصح إلىّ وقال أبو بكر الإسكاف ينبغي أن لا يصح هذا عند الكل لأن الوقف على المسجد وقف على عمارته والمسجد يكون مسجدا بدون البناء فلا تكون عمارة البناء مما يتأبد فلا يصح الوقف والأول أوجه ولو قال وقفت أرضى هذه على ولدى وولد ولدى ونسلهم أبدا يصح عند أبى يوسف

[فصل فى بيان اشتراط قبول الوقف وعدمه]

فإذا انقرضوا تكون الغلة للفقراء ولا يصح عند محمد لاحتمال الانقطاع ولو قال وقفت أرضى هذه على ولد زيد أو ذكر جماعة بأعيانهم لم يصح عند أبى يوسف أيضا لأن تعيين الموقوف عليه يمنع إرادة غيره بخلاف ما إذا لم يعين لجعله إياه وقفا على الفقراء ألا ترى فرق بين قوله أرضى هذه موقوفة وبين قوله موقوفة على ولدى فصحح الأول دون الثاني لأن مطلق قوله موقوفة ينصرف إلى الفقراء عرفا فإذا ذكر الولد صار مقيدا فلا يبقى العرف فظهر بهذا أن الخلاف بينهما فى اشتراط ذكر التأبيد وعدمه إنما هو فى التنصيص عليه أو على ما يقوم مقامه كالفقراء ونحوهم وأما التأبيد معنى فشرط اتفاقا على الصحيح وقد نص عليه محققو المشايخ رحمهم الله تعالى والرابع اشتراط الواقف الإنتفاع بالوقف لا يمنع من صحته عند أبى يوسف رحمه الله ويمنع عند محمد رحمه الله وسيأتي فى باب الوقف على النفس أن الفتوى قول أبى يوسف وأن معه جماعة والله أعلم. [فصل فى بيان اشتراط قبول الوقف وعدمه] قبول الموقوف عليه الوقف ليس بشرط إن وقع لِأقوام غير معينين كالفقراء والمساكين وإن وقع لشخص بعينه وجعل آخره للفقراء يشترط قبوله فى حقه فإن قبله كانت الغلة له وإن رده تكون للفقراء ويصير كأنه مات ومن قبل ما وقف عليه ليس له الرد بعده ومن رده أول مرة ليس له القبول بعده فلو قال وقفت أرضى هذه على أولاد زيد ونسله وعقبه ومن بعدهم على المساكين فقبله بعضهم ورده بعضهم تكون الغلة كلها لمن قبل منهم وإن رده كلهم تكون للمساكين وإن قبل كل واحد منهم بعضه ورد الباقي يكون ما ردوه للمساكين فإن حدث لزيد ولد أو نسل وقبله كلهم أو بعضهم رجع لمن قبله منهم وإن رده كلهم كان للمساكين وهكذا إلى أن ينقرضوا بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله لجماعة بأعيانهم فردها بعضهم فأن حصتهم تكون لورثة الموصى وكذلك لو ردها

الكل والفرق بينهما أن الموصى إنما أوصى لهم فقط فما بطل منها يكون لورثته وأما الواقف فإنه قد جعله بعدهم للمساكين فإذا بطل كونه لهم يصير للمساكين ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبداً على زيد وعمر وما عاشا ومن بعدهما على المساكين ثم مات أحدهما أو رَدّ تكون حصته للمساكين ولا يستحقها الآخر لأنه جعل الوقف لله عز وجل ابتداء ثم أوجبه لهما وما كان لله تعالى فهو للمساكين فمن قبل منهما وبقى حيا تقدم عليهم بحصته فقط بخلاف المسألة الأولى فإنه أوجبه لهم أولا ثم جعله من بعدهم للمساكين فلا يكون لهم شئ ما لم يردّ الكل أو ينقرضوا ولو قال وقفت أرضى هذه على زيد وأولاده ومن بعدهم على المساكين فقال زيد لا أقبل لنفسي ولا لأولادي يصح رده فى حصته فقط وأما أولاده فإن كانوا كبارا فالرد والقبول إليهم وإن كانوا صغارا تكون حصتهم لهم ولو قال وقفت أرضى هذه على زيد ومن بعده على المساكين فقال زيد قبلت غلة هذه السنة ورددت ما بعدها أو قال قبلت ثلثها أو نصفها ورددت الباقي استحق ما قبله وكان الباقي للمساكين ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على زيد وعمرو ما عاشا إن قبلا ومن بعدهما على المساكين فقبل أحدهما ورد الآخر استحق القابل حصته وتكون حصة الراد للمساكين وقد روى عن زفر رحمه الله أنه قال إذا أوصى أن يجرى على زيد وعمرو من ثلثه فى كل شهر دراهم لكل منهما ما عاشا إنه إذا مات أحدهما تبطل وصية الآخر لكونه قال ما عاشا والمراد من هذا عنده حياتهما معا وقال سائر أصحابنا رحمهم الله وصية الباقي منهما على حالها ولا تبطل بموت الآخر ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على زيد وعمرو ومن بعدهما على المساكين وكان أحدهما ميتا تكون الغلة كلها للحى منهما لعدم جواز الوقف على الميت فإذا مات الحي تصير الغلة للمساكين

[باب بيان ما يجوز وقفه وما لا يجوز وما يدخل تبعا وما لا يدخل وإنكار دخول بعض الموقوف فيه ووقف ما يقطعه الإمام]

[باب بيان ما يجوز وقفه وما لا يجوز وما يدخل تبعا وما لا يدخل وإنكار دخول بعض الموقوف فيه ووقف ما يقطعه الإمام] إذا وقف الحر العاقل البالغ أرضه أو داره أو ما جرى التعارف بوقفه من المنقولات وهو غير محجور عليه ولا مرتد يصح لازما عند عامة العلماء وقال أبو حنيفة يجوز جواز الإعارة أو لا يجوز على ما بينا فى أول الكتاب فلو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا ولم يزد تصير وقفا (¬1) ويدخل فيه ما فيها من الشجر والبناء دون الزرع والثمرة كما فى البيع ويدخل فيه أيضا الشرب والطريق استحسانا لأنها إنما توقف للاستغلال وهو لا يوجد إلا بالماء والطريق فكان كالإجارة بخلاف ما لو جعل أرضه أو داره مقبرة وفيهما أشجار عظام وأبنية فإنها لا تدخل فى الوقف فتكون له ولورثته من بعده ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة بحقوقها وجميع ما فيها ومنها وعلى الشجر ثمرة قائمة يوم الوقف قال هلال فى القياس تكون الثمرة له ولا تدخل فى الوقف وفى الاستحسان يلزمه التصدق بها على الفقراء على وجه النذر لا على وجه الوقف لأنه لما قال بجميع ما فيها ومنها فقد تكلم بما يوجب التصدق فيلزمه التصدق بالثمرة التي كانت متصلة به يوم الوقف وما يحدث بعده يصرف فى الوجوه التي سماها لكونه غلة الوقف وذكر الناطفي رجل قال جعلت أرضى هذه وقفا على الفقراء ولم يقل بحقوقها يدخل البناء والشجر الذي فيها تبعا ولا يدخل الزرع النابت فيها حنطة كان أو شعيرا أو غيره وكذلك البقل والآس والرياحين والخلاف والطرفاء وما فى الأجمة من حطب يقطع فى كل سنة والورد والياسمين وورق الحناء والقطن والباذنجان وزهر بصل النرجس والرطاب فإنها لا تدخل وأما الأصول التي تبقى والشجر الذي لا يقطع إلا بعد عامين أو أكثر فإنها تدخل تبعا ولو زاد بحقوقها تدخل ¬

_ (¬1) بيان ما يدخل فى الوقف وما لا يدخل

الثمرة القائمة فى الوقف وهذا أولى خصوصا إذا زاد بجميع ما فيها منها ولو وقف دارا بجميع ما فيها وفيها حمامات يطرن أو بيتا وفيه كوَّارات عسل يدخل الحمام والنحل تبعا للدار والعسل كما لو وقف ضيعة وذكر ما فيها من العبيد والدواليب وآلات الحراثة فإنها تصير وقفا تبعا لها وإن لم يجز إيصاله كالماء والهواء والأطراف فى بيع الأراضي والعبيد ونفقتهم من غلة الوقف وإن لم يذكرها الواقف ولو زوج الحاكم جارية الوقف يجوز وعبده لا يجوز ولو من أمة الوقف لأنه يلزمه المهر والنفقة ولو ضعف بعضهم عن العمل يجوز للقيم بيعه وشراء غلام بدله وكذلك الدواليب والآلات يبيعها ويشترى بثمنها ما هو أصلح للوقف وليس للقيم قطع الأشجار المثمرة ولا بيعها وله بيع غيرها بعد القطع لا قبله لأنها ما دامت متصلة بالأرض تكون تبعا لها وإذا نبت الفسيل فى أصول النخل إن كان فى تركه ضرر بالنخل يقطع ويباع وثمنه غله للوقف كثمن السعف وإلا يتركه على حاله وإذا صار نخلا خرج من أن يكون غلة وصار وقفا وهكذا حكم سائر ما ينبت من أصول أشجار الوقف ولو كان فى الكرم الوقف شجر يضر ظلها بثمارها إن كان ثمرها يزيد على ما ينقص من ثمره لا يقطع ولا تقطع وهكذا الحكم لو أضرت بالأرض ولو وقف ضيعة له وقال شهرتها تغنى عن تحديدها جاز الوقف ثم لو قال عن بعض قطع من الأرض إنها غير داخلة فى الوقف ينظر إلى حدودها فإن كانت مشهورة وكانت تلك القطع داخلها كانت وقفا وإلا كان القول فيها قوله وهكذا الحكم لو وقف دارا وقال إن هذه الحجرة لم تدخل فى الوقف فإنه ينظر إلى حدودها وتسأل الجيران عنها فإن شهدوا أنها من الدار كانت وقفا وإلا كان القول قوله فيما أشكل كونه وقفا ولو وقف أرضا أقطعه إياها السلطان فإن كانت ملكا له أو مواتا صح وإن كانت من بيت المال لا يصح ولا يصح وقف أرض الحوز وهى ما حازاها السلطان عند عجز أصحابها عن زراعتها

وأداء مؤنها بدفعهم إياها إليه لتكون منفعتها للمسلمين مقام الخراج ورقبة الأرض على ملك أربابها فلو وقفها من أدخله السلطان فيها لعمارتها لا يصح لكونه مزارعا ولو وقف أرضا اشتراها بعقد فاسد يصح إن كان بعد القبض لأنه استهلكها بإخراجه إياها عن ملكه بالوقف وعليه قيمتها وإن كان قبله أو كان البيع باطلا كان الوقف باطلا ولو وهبت له أرض هبة فاسدة فقبضها ثم وقفها صح وعليه قيمتها ولو استحق ما وقفه لا يلزمه أن يشترى بثمنه الذي يرجع به على البائع أرضا ليقفها بدلا لأنه وقف ما لا يملك ولو استحق بعضه مشاعا وأخذه المستحق لا يبطل الوقف فى الباقي عند أبى يوسف لأنه يجيزه مشاعا ابتداء فبالأولى بقاه ولو اشترى أرضا بالخيار وقبضها ثم وقفها قبل مضى مدته يصح ويكون ذلك إبطالا لخياره وهكذا الحكم فى البائع إذا كان الخيار له ووقف ما باع ولو بعد التسليم ولو وقفها المشترى بعد القبض فى مدة خيار البائع فأمضى البيع لزم وبطل الوقف لأن البات إذا طرأ على موقوف أبطله ولو استحقت بعد الوقف فضمن قيمتها جاز شراؤه ووقفه ومثله العتق لاستناد الملك إلى زمن الاستيلاء ولو اشترى أرضا فوقفها ثم أطلع فيها على عيب رجع بالنقصان ولا يلزمه أن يشترى به بدلا لعدم دخول نقصان العيب فى الوقف ولو وقف ما اشتراه قبل قبضه أو ما رهنه بعد تسليمه صح ويجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا أبطل الوقف وباعه فيما عليه بخلاف عتق المرهون لعدم إمكان رفعه بعد نزوله وبخلاف الوقف بعد الإجارة والتسليم إلى المستأجر لعدم تعلق حقه بماليتها وذكر البقالي فى فتاويه اختلافا فى جواز وقف البناء بدون الأرض وذكر عن محمد رحمه الله أنه قال إذا وقف بناءه فى أرض الوقف على الجهة التي وقفت الأرض عليها جاز وذكر فى أوقاف الخصاف أن وقف حوانيت الأسواق يجوز إن كانت الأرض بإجارة فى أيدي الذين بنوها لا يخرجهم السلطان عنها من قبل انا رأيناها فى أيدي

[فصل فى غرس الواقف أو غيره الاشجار او بنائه فى الوقف]

أصحاب البناء يتوارثونها وتقسم بينهم لا يتعرض لهم السلطان فيها ولا يزعجهم وإنما له غلة يأخذها منهم وتداولها خلف عن سلف ومضى عليها الدهور وهى فى أيديهم يتبايعونها ويؤاجرونها وتجوز فيها وصاياهم ويهدمون بناءها ويعيدونه ويبنون غيره فكذلك الوقف فيها جائز اه وفى فتاوى الناطفى عن محمد بن عبد الله الأنصاري من أصحاب زفر رحمه الله أنه يجوز (¬1) وقف الدراهم والطعام والمكيل والموزون فقيل له وكيف يصنع بالدراهم قال يدفعها مضاربة ويتصدع بالفضل وكذا يباع المكيل والموزون بالدراهم أو الدنانير ويدفع مضاربة ويتصدق بالفضل وقيل على هذا ينبغي أن يجوز إذا قال وقفت هذا الكر على أن يقرض لمن لا بذر له من الفقراء فيدفع إليهم ويبذرونه فإذا حصدوا يؤخذ ويقرض لغيرهم وهكذا دائما ولو وقف رب المال ضيعة من مال المضاربة يصح عند أبى يوسف مطلقا وعند محمد لا يصح إن كان فى المال ربح بناء على جواز وقف المشاع وعدمه والله أعلم. [فصل فى غرس الواقف أو غيره الأشجار أو بنائه فى الوقف] رجل غرس فيما وقف أشجارا أو بني بناء أو نصب بابا قالوا إن غرس من غلة الوقف أو من ماله وذكر أنه غرسها للوقف تكون وقفا ولو لم يذكر شيئا وغرس من ماله تكون ملكا له ولو غرس فى المسجد تكون للمسجد لأنه لا بغرس فيه ليكون ملكا ثم إن كان لها ثمرة كالتفاح مثلا أباح بعضهم للقوم الأكل منها والصحيح انه لا يباح لأنها صارت للمسجد فتصرف فى عمارته بخلاف مشجرة على طريق العامة جعلت وقفا عليهم ويستوي فيها الغنى والفقير كالماء الموضوع فى الفلوات وماء السقاية وسرير الجنازة والمصحف الوقف ولو كانت الثمار على أشجار رباط المارة قال أبو القاسم أرجو أن يكون النزال فى سعة من نناولها إلا أن يعلم أن غارسها جعلها للفقراء وقال ¬

_ (¬1) مطلب وقف الدراهم والطعام

أبو الليث الأحوط أن يحترز عن نناولها من لم يكن ساكنا فيه إلا أن تكون ثمرة لا قيمة لها كالتوت مثلا ولو غرس رباطي شجرة فى وقف الرباط وتعداها حتى كبرت ولم يذكر وقت الغرس أنها للرباط قال الفقيه أبو جعفر إن كان إليه ولاية الأرض الموقوفة فالشجرة وقف وإلا فهي له وله رفعها ولو طرح سرقينا فى وقف استأجره وغرس فيه شجرا ثم مات يكون لورثته ويؤمرون بقلعه وليس لهم الرجوع فيما زاد السرقين فى الأرض عندنا ولو وقف شجرة بأصلها على مسجد معين أو على الفقراء فإن كان لها ثمرة أو ورق ينتفع به كشجر الفرصاد لا تقطع إلا إذا يبست أو يبس بعضها فإنه يقطع اليابس ويترك غيره لأنه لا ينتفع باليابس وينتفع بالأخضر وإن لم يكن لها ثمرة تقطع ويصرف ثمنها فى عمارة المسجد أو يتصدق به، مقبرة فيها أشجار عظام وكانت فيها قبل اتخاذ الأرض مقبرة إن علم مالك الأرض تكون الأشجار له بأصولها يصنع بها ما يشاء وإن كانت مواتا واتخذها أهل القرية مقبرة فالأشجار بأصولها على ما كانت عليه قبل جعلها مقبرة ولو نبتت بعد ذلك فهي للغارس إن علم وإلا فالرأي فيها للقاضي أن رأى بيعها وصرف ثمنها فى عمارة المقبرة جاز له ذلك وهى فى الحكم كأنها وقف ولو جعل أرضه أو داره مقبرة وفيها أشجارا وبناء فهي ومقرها له ولورثته من بعده لأن مواضع الأشجار أو البناء كانت مشغولة فلا تدخل فى الوقف ولو غرس أشجارا فى ضفة حوض قرية أو فى جانبي طريق العامة أو على شاطئ نهر العامة كانت له فإن قطعها ثم نبت من عروقها أشجار تكون له أيضا لوجودها من ملكه، أشجار على حافتي نهر فى الشارع اختصم فيها الشربة ولم يعرف الغارس وهو يجرى أمام باب رجل فى الشارع قالوا إن كان موضع الأشجار ملكا للشربة فما نبت فيه ولم يعرف غارسه يكون لهم وإن لم تكن الأرض لهم بل للعامة وللشربة حق التسبيل فقط فإن علم أن الأشجار كانت موجودة فى ذلك المكان

[فصل فى وقف المنقول إصالة]

حين اشترى الدار صاحبها فإنها لا تكون له والا تكون له لأن ما نبت فى فناء داره يكون له ظاهرا والله أعلم. [فصل فى وقف المنقول إصالة] اختلف أبو يوسف ومحمد رحمهما الله فى وقف المنقول مستقلا فعن أبى يوسف فى النوادر لا يجوز الوقف فى الحيوان والرقيق والمتاع والثياب ما خلا الكراع والسلاح إلا بطريق كما تقدم والصحيح ما روى عن محمد رحمه الله من أنه يجوز وقف ما جرى فيه التعارف كالمصاحف والكتب والفاس والقدوم والمنشار والقدر والجنازة لوجود التعارف فى وقف هذه الأشياء وبه يترك القياس كما فى الاستصناع بخلاف ما لا تعارف فيه كالثياب والأمتعة لأن من شرطه التأبيد كما بينا ولكن تركنا فيما ذكرنا للتعارف وفى السلاح والكراع للجهاد بالنص فإن خالد بن الوليد رضي الله عنه وقف دروعا له فى سبيل الله فأجازه النبى صلى الله عليه وسلم وجعل ناقة فى سبيل الله فأرادت امرأته أن تحج عليها فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحج من سبيل الله وطلحة رضي الله تعالى عنه حبس سلاحه وكراعه فى سبيل الله أي خيله والإبل كالخيل لأن العرب تقاتل عليها وتحمل عليها السلاح فبقى فيما وراءه على الأصل ولو وقف بقرة على رباط بأن يعطى ما يخرج من لبنها وشيرازها (¬1) وسمنها لأبناء السبيل ان كان فى موضع تعارفوا ذلك يصح كما فى ماء السقاية وإلا فلا ولو وقف ثورا على أهل قرية لينزى على بقرهم لا يصح لأنه ليس فيه عرف ظاهر ولا هو قرية مقصودة ولو وضع حبا فى مسجدا وعلق فيه قنديلا له أن يرجع به لأنه لا يترك فيه دائما ولو كثرت الدواب المربوطة للمرابطين وعظمت مؤنها يجوز للمتولي بيع ما كبرت سنها وخرجت عن صلاحية ما ربطت له ويمسك الصالح منها ولو باع أهل المسجد نقضه أو غلة وقفه يجوز إن لم ¬

_ (¬1) الشيراز: اللبن التخين كذا فى فرهنك اه

[فصل فى وقف المشاع وقسمته والمهايأة فيه]

يكن ثمة قاض وإن كان فالصحيح أنه لا يصح إلا بإذنه وقد تقدم أن محمد بن عبد الله الأنصاري من أصحاب زفر رحمه الله تعالى قال بجواز وقف الدراهم والطعام والله أعلم. [فصل فى وقف المشاع وقسمته والمهايأة فيه] اتفق أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على جواز وقف مشاع لا يمكن قسمته كالحمام والبئر والرحى واختلفا فى الممكن فأجازه أبو يوسف وبه أخذ مشايخ بلخ وأبطله محمد بناء على اختلافهما المتقدم فنقول تفريعا على قول أبى يوسف رحمه الله إذا وقف أحد الشريكين حصته من أرض جاز وإذا اقتسماها بعد ذلك فما وقع فى نصيب الواقف كان وقفا ولا يحتاج إلى إعادة الوقف فيه وإن وقفه ثانيا كان أحوط لارتفاع الخلاف حينئذ ولو وقف نصف أرضه مثلا ينبغي أن يبيع نصفها ثم يقاسم المشترى ولو رفع الأمر إلى القاضي فأمر رجلا بالمقاسمة معه جاز وليس له أن يقاسم نفسه لأنه مأخوذة من المفاعلة فتقتضى المشاركة بين اثنين فما فوقهما ولو قضى بجواز الوقف المشاع ارتفع الخلاف ثم أذا طلبا من القاضي القسمة قال أبو حنيفة لا تقسم ويأمرهما بالمهايأة وقالا يقسم إذا كان البعض ملكا والبعض وقفا ولو كان الكل وقفا فأراد أربابه قسمته لا يقسم حتى لو وقف ضيعة على ولدية مثلا فأراد أحدهما قسمتها ليدفع نصيبه مزارعة لا يجوز بل يدفع القيم كلها مزارعة وليس ذلك إلى أربابه وإنما هو للقيم ولو قسمه الواقف بين أربابه ليزرع كل واحد منهم نصيبه وليكون المزروع له دون شركائه توقف على رضاهم ولو فعل أهل الوقف ذلك فيما بينهم جاز ولمن أبى منهم بعد ذلك إبطاله ومن (¬1) وقف دورا للاستغلال ليس له أن يسكنها أحدا بغير أجر ولو وقف داره لسكنى ولديه فطلب أحدهما المهايأة وأبى الآخر يسكن كل نصفا بلا مهايأة، حانوت بين اثنين فوقف أحدهما نصيبه وأراد نصب لوح الوقف على بابه فمنعه الآخر له ¬

_ (¬1) مطلب وقف الدور

ذلك لأنه تصرف فى محل مشترك ولو رفع الأمر إلى القاضي فأذن له به جاز صيانة للوقف عن البطلان ولعموم ولايته، امرأة وقفت دارا فى مرضها على ثلاث بنات لها وجعلتها بعدهن للمساكين وليس لها ملك غيرها ولا وارث لها غيرهن قالوا ثلث الدار وقف والثلثان ميراث لهن يفعلن به ما شئن من الإجارة والتملك وهذا عند أبى يوسف خلافا لمحمد ولو كانت الأرض بين رجلين فتصدقا بها جملة صدقة موقوفة على المساكين ودفعاها معا إلى قيم واحد جاز اتفاقا لأن المانع من الجواز عند محمد هو الشيوع وقت القبض لا وقت العقد ولم يوجد هاهنا لوجودهما معا منهما ولو وقف كل منهما نصيبه على جهة وجعلا القيم واحدا وسلماه معا جاز اتفاقا لعدم الشيوع وقت القبض ولو اختلفا فى وقفيهما جهة وقيما واتحد زمان تسليمهما لهما أو قال كل منهما لقيمه اقبض نصيبي مع نصيب صاحبي جاز أيضا اتفاقا لأنهما صارا كمتول واحد بخلاف ما لو وقف كل واحد وحده وسلم لقيمه وحده فإنه لا يصح الوقف عند محمد لوجود الشيوع وقت العقد وتمكنه وقت القبض ولو قال وقفت نصيبي من هذه الأرض وهو ثلثها فوجد أكثر من ذلك كان نصيبه كله وقفا كالوصية بخلاف البيع فإن الزائد يكون للبائع، أراض أو دور بين اثنين فوقف أحدهما نصيبه على الفقراء وحكم بصحته ثم أراد القسمة فقسم القاضي وجمع الوقف فى أرض دار واحدة جاز عند أبى يوسف ومحمد واختاره هلال كما لو كان لهما داران وطلبا القسمة فجمع القاضي نصيب أحدهما فى دار ونصيب الآخر فى دار جاز ذلك فكذلك هاهنا إلا أن ثمة يجوز سواء كانا فى مصر واحد أو مصرين وهاهنا يجمع إذا كانا فى مصر واحد لا فى مصرين وعلى قول أبى حنيفة يقسم القاضي كل واحدة على حدة إلا أن يرى الصلاح فى الجمع فحينئذ يجمع الوقف كله فى أرض أو دار واحدة فيصير عند جمع القاضي فى الحكم كأن الشريكين اقتسما بأنفسهما وذلك جائز ولو اقتسم الشريكان وأدخلا فى القسمة

دراهم معلومة فإن المعطى هو الواقف جاز ويصير كأنه أخذ الوقف واشترى بعض ما ليس بوقف من نصيب شريكه بدراهمه وانه جائز وان كان بالعكس لا يجوز لأنه يلزم منه نقض بعض الوقف وحصة الوقف وقف وما اشتراه ملك له ولا يصير وقفا ثم إذا أراد تمييز الوقف عن الملك يرفع الأمر إلى القاضي كما تقدم ولو وقف عشرة أذرع شائعا من أرض فقاسم فوقع نصيب الوقف أقل من ذلك لجودة الأرض التي وقعت للوقف أو أكثر لكونها دون القطعة الأخرى جاز لأن مثل هذه القسمة تجوز فى الملك فكذا فى الوقف إذا كان فيه صلاح للوقف لتحقيق المعادلة ولو أراد أن يصرف الأرض الوقف إلى أرض أخرى مكانها ويجعل الوقف ملكا لنفسه لا يجوز لأنه مناقلة للوقف إلى غيره إلا أن يكون قد شرط لنفسه الاستبدال فى أصل الوقف فحينئذ يجوز ولو قال وقفت من أرضى هذه شيئا ولم يسمه كان باطلا لأن الشيء يتناول القليل والكثير ولو بين بعد ذلك ربما يبين شيئا قليلا لا يوقف عادة ولو قال وقفت جميع حصتي من هذه الدار والأرض ولم يسم السهام يجوز استحسانا إذا ثبت الواقف على إقراره وإن جحد فجاءت بينة فشهدت بالوقف ومقدار حصته وسموه حكم القاضي بالوقف وإن شهدوا على إقراره بالوقف ولم يعرفوا مقدار حصته ألزمه القاضي ببيان مقدار حصته والقول قوله فيه وإن مات قام وارثه مقامه فما أقر به لزمه وحكم به القاضي ثم إن ثبت عنده أزيد من ذلك حكم به أيضا ولو وقف نصف أرض له ثم مات وقد أوصى إلى رجل وفى الورثة كبار وصغار فأراد الوصي أن يقاسم الكبار ويفرز حصة الوقف جاز أن ضم حصة الصغار إلى الوقف وإلا فلا لأنه وصى الصغار ووال على الوقف فلا يمكنه أن يفرز حصة الوقف عن حصة الصغار كما لو كان وصيا على صغار فإنه ليس اه أن يقسم بينهم ويفرز نصيب كل واحد منهم عن نصيب الآخر لأنه يلزم أن يكون مقاسما لنفسه

[باب فى الوقف الباطل وفيما يبطله]

وأنه لا يجوز ولو أراد الواقفان أن يقتسما ما وقفاه ليتولى كل واحد منهما على ما وقفه ويصرف غلته فيما سمى من الوجوه جاز ولو استحق نصف ما وقفه وقضى به للمستحق يستمر الباقي وقفا عند أبى يوسف خلافا لمحمد وتجوز المقاسمة مع وكيل الواقف ووصيه ولو وقف نصف أرضه وأوصى إلى ابنه وإلى رجل أجنبي لا يجوز له أن يقاسم الابن ويفرد حصة الوقف لكون الابن وصيا أيضا ولو وقف نصف أرضه على جهة معينة وجعل الولاية عليه لزيد فى حياته وبعد مماته ثم وقف النصف الآخر على تلك الجهة أو غيرها وجعل الولاية عليه لعمرو فى حياته وبعد وفاته يجوز لهما أن يقتسماها ويأخذ كل واحد منهما النصف فيكون فى يده لأنه لما وقف كل نصف على حدة صارا وقفين وإن اتحدت الجهة كما لو كانت لشريكين فوقفاها كذلك والله أعلم. [باب فى الوقف الباطل وفيما يبطله] اختلفت أئمتنا فيما لو وقف أرضه أو داره وشرط الخيار لنفسه فقال أبو يوسف إن بين وقتا معلوما يجوز الوقف والشرط كالبيع وإن كان الوقت مجهولا يكون الوقف باطلا وقال محمد لا يصح الوقف معلوما كان الوقت أو مجهولا واختاره هلال وقال يوسف بن خالد السمتي الوقف جائز والشرط باطل على كل حال كما لو أعتق بشرط الخيار وكما لو جعل داره مسجدا على انه بالخيار ثلاثة أيام فإنه يصح الجعل ويبطل الشرط اتفاقا ولو ذكر الواقف جهة لا تنقطع وعى تشمل الفقراء والأغنياء بأن قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على بني آدم أو قال على الناس أو بني هاشم أو على العرب أو على العجم أو قال على الرجال أو النساء أو قال على الصبيان أو قال على الموالى أو قال على العميان أو الزمني أو قال على قرّاء القرآن أو الفقهاء أو المحدثين وما أشبه ذلك مما يشمل الفقراء والأغنياء وهم لا يحصون كان الوقف باطلا وهذا على

إطلاقه قول الخصاف وقد تقدم الضابط المقتضى للصحة والبطلان فى أول الأبواب وهذا لأنه لم يقصد به المساكين ليكون قربة بخلاف ما لو قال صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على ولد زيد لأن زيدا معين فيكون لوقف على ولده جائزا وأما الناس وما أشبههم فلا يحصون ويدخل فيهم الفقير والغنى فلا يدرى لمن تعطى الغلة للأغنياء أو الفقراء ولا يمكن صرفها إلى الجهتين لاستلزام اختلاف الجهة غنى وفقرا اختلاف المصروف هبة وصدقة وهما مختلفان وصار كأنه قال وقفت على زيد أو على عمرو ومات بلا بيان فإنه لا يصح لأن أوفى موضع الحظر لأحد الأمرين فلا يكون عليهما ولا على أحدهما بعينه لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح (¬1) ولو قال على أن لي إبطاله أورده من سبيل الوقف أو بيعه أو رهنه أو قال على أن لفلان أو لورثتي أن يبطلوه أو يبيعوه وما أشبهه كان الوقف باطلا على قول الخصاف وهلال وجائزا على قول يوسف بن خالد السمتى لإبطاله الشرط بإلحاقه إياه بالعتق ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة يوما أو شهرا أو ذكر وقتا معلوما ولم يزد على ذلك صح وتكون وقفا أبدا ولو قال فإذا مضى ذلك الشهر فهي مطلقة كان الوقف باطلا لأنه لما قال موقوفة شهرا لم يشترط بعد الشهر منها شيئا فلما لم يشترط ذلك كانت موقوفة أبدا وهذا بمنزلة قوله صدقة موقوفة على فلان ولم يزد على ذلك فإذا مات فلان كانت للمساكين وهى موقوفة أبدا وأما إذا قال صدقة موقوفة شهرا فإذا مضى ذلك الشهر كانت مطلقة فالوقف باطل لأنه شرط الرجعة فيه ولم يشترط فى الباب الأول رجعة بعد مضى الوقت فإذا لم يشترط الرجعة فكأنه قال صدقة موقوفة وسكت هكذا فرق بينهما هلال رحمه الله ثم قال أرأيت رجلا قال أرضى بعد وفاتي صدقة موقوفة سنة قال الوقف صحيح جائز وهى موقوفة أبدا قلت فإن قال إذا مضت السنة فالوقف باطل ¬

_ (¬1) مطلب لو وقف على أن له إبطاله

قال فهو كما شرط أي تصير الغلة للمساكين سنة والأرض ملك لورثته لأنه باشتراطه البطلان خرجت من الوقف المضاف اللازم بعد الموت إلى الوصية المحضة وقال الخصاف ولو وقف داره يوما أو شهرا لا يجوز لأنه لم يجعله مؤبدا وكذلك لو قال صدقة موقوفة بعد وفاتي على فلان سنة يكون باطلا فالحاصل أن على قول هلال إذا شرط فى الوقف شرط يمنع التأبيد لا يصح الوقف، ولو قال إذا جاء غد أو إذا جاء رأس الشهر أو قال إذا كلمت فلانا أو إذا تزوجت فلانة وما أشبهه فأرضى هذه صدقة موقوفة يكون الوقف باطلا لأنه تعليق والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر لكونه مما لا يحلف به فلا يصح تعليقه كما لا يصح تعليق الهبة بخلاف النذر لأنه يحتمل التعليق ويحلف به فلو قال أن كلمت فلانا إذا قدم أو ان برأت من مرضى هذا فأرضى هذه صدقة موقوفة يلزمه التصدق بعينها إذا وجد الشرط لأن هذا بمنزلة النذر واليمين ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على أن لي أصلها أو على أنه لا يزول ملكي عن أصلها أو على أن أبيع أصلها وأتصدق بثمنها كان الوقف باطلا ولو قال هي صدقة موقوفة إن شئت أو إن أحببت أو هويت كان الوقف باطلا فى قولهم لأن هذا تعليق الوقف بشرط وتعليقه باطل فى قولهم، ولو قال إن كانت هذه الأرض فى ملكي فهي صدقة موقوفة فإنه ينظر إن كانت فى ملكه وقت التكلم صح الوقف وإلا فلا لأن التعليق بالشرط الكائن تنجيز ولو علق وقفها على شرائها فاشتراها لا تصير وقفا بخلاف تعليق العتق به للقبول وعدمه، ولو وقف أرض غيره فأجازه المالك جاز الوقف عندنا خلافا للشافعي بناء على جواز تصرف الفضولي موقوفا عندنا وبطلانه عنده، ولو انهدم علو وقف أو حوض وقف وليسا لهما ما يمكن به عمارتهما أو احترق حانوت وقف مع السوق وصار بحال لا ينتفع به يبطل الوقف على قول محمد ويرجع النقض إلى الواقف وإلى ورثته من بعده وكذلك لو كان بعيدا عن

[فصل فى شرط استبدال الوقف]

القرية وخرب وصار لا ينتفع به ولا يرغب أحد فى عمارته واستئجار أصله (وروى هشام عن محمد) أنه قال إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشترى بثمنه غيره وعلى هذا فينبغي أن لا يفتى على قوله برجوعه إلى ملك الواقف أو ورثته بمجرد تعطله أو خرابه بل إذا صار بحيث لا يشترى بثمنه وقف آخر يستغل ذكره بعض المحققين , ولو قال أرضى هذه صدقة موقوفة على أن لي أن أعطى غلتها لمن شئت من الناس جاز الوقف ثم إذا شاءها للأغنياء أو لأهل الدنيا أو ما أشبه ذلك مما لا يجوز الوقف عليه يبطل لصيرورته كالمذكور فى صلب العقد والله تعالى أعلم. [فصل فى شرط استبدال الوقف] لو قال أرضى هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أن لي أن أبيعها وأشترى بثمنها أرضا أخرى فتكون وقفا على شروط الأولى جاز الوقف والشرط عند أبى يوسف استحسانا واختاره الخصاف وهلال وقال محمد ويوسف ابن خالد السمتى الوقف صحيح والشرط باطل وهو القياس وقال بعضهم هما فاسدان والصحيح قول أبى يوسف رحمه الله لأن هذا شرط لا يبطل حكم الوقف فإن الوقف مما يحتمل الانتقال من أرض إلى أخرى فإن أرض الوقف إذا غصبها إنسان وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة وضمن قيمتها وشري بقيمتها أرض أخرى تكون وقفا على شرائط الأولى وكذلك أرض الوقف إذا قل نزلها لآفة وصارت بحيث لا تصلح للزراعة أو لا تفضل غلتها عن مؤنها يكون صلاح الوقف فى استبداله بأرض أخرى فيصح أن يشترط ولاية الاستبدال وإن لم تكن الضرورة داعية إليه فى الحال ولو قال الواقف فى أصل الوقف على أن أبيعها وأشترى بثمنها أرضا أخرى ولم يزد على هذا يكون الوقف باطلا فى القياس لأنه لم يذكر إقامة أرض أخرى مقام الأولى وجائزا فى الاستحسان لأن الأرض تعينت للوقف فيقوم ثمنها مقامها فى الحكم وبمجرد شراء أرض بثمنها تصير وقفا على شرائط الأولى من غير

تجديد وقف كما لو قتل العبد الموصى بخدمته خطأ وضمن الجاني قيمته واشترى بها عبد فإنه يجرى عليه حكم أصله بمجرد الشراء وهكذا حكم المدبر المقتول خطأ هذا إذا شرط الاستبدال فى أصل الوقف وأما إذا لم يشرطه فقد أشار فى السير إلى أنه لا يملكه إلا القاضي إذا رأى المصلحة فى ذلك ويجب أن يخصص برأي أول القضاة الثلاثة المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام قاض فى الجنة وقاضيان فى النار المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى إبطال أوقاف المسلمين كما هو الغالب فى زماننا، ولو وقف أرضه وشرط أن يستبدلها بأرض ليس له أن يستبدلها بدار ولو شرط البدل دارا لا يستبدلها بأرض ولو شرط أرض قرية لا يستبدلها بأرض غيرها لتفاوت أراضى القرى مؤنه واستغلالا فيلزم الشرط ولو اشترى البدل من أرض عشر أو خراج جاز لعدم خلو الأرض عن أحدهما ولو لم يقيد البدل بأرض ولا دار يجوز له أن يستبدلها من جنس العقارات بأي أرض أو دار أو بلد شاء للإطلاق ولو باعها بغبن فاحش لا يصح فى قول أبى يوسف وهلال لأن القيم كالوكيل ولو أجاز أبو حنيفة الوقف بشرط الاستبدال لأجاز البيع بالغبن الفاحش كما هو مذهبه فى بيع الوكيل به ولو اشترى القيم بنصف الثمن أرضا وأشهد على نفسه أنها من البدل جاز ويشترى بالباقي أيضا بدلا ولو باع الوقف وقبض ثمنه ثم مات ولم يبين حال الثمن كان دينا فى تركته ولو كان الوقف مرسلا لم يذكر فيه شرط الاستبدال لا يجوز له بيعه واستبداله وإن كانت الأرض سبخة لا ينتفع بها ولكن يرفع الأمر إلى القاضي الذي مر ذكره آنفا لأن سبيله أن يكون مؤبدا لا يباع وإنما يثبت له ولاية الاستبدال بالشرط وبدونه لا كالبيع الخلي عن شرط الخيار لا يملك أحد المتابعين نقضه وإن لحقه فيه غبن ولو وهب ثمنه تصح الهبة عند أبى حنيفة وعند أبى يوسف لا تصح ولو ضاع لا يضمنه لكونه أمينا ولو باعها ورُدَّت عليه بعيب بقضاء وهلك الثمن

عنده فإنه يضمنه من ماله ويجوز له بيع الأرض المردودة عليه فى الثمن الذي ضمنه بخلاف ما إذا غصبها رجل وضمن قيمتها لتعذر ردها وهلكت القيمة عند القيم ثم ردها إليه واستردّ القيمة منه فإنه يرجع فى الغلة ولا يبيعها، ولو باع أرض الوقف بعروض يصح فى قياس قول أبى حنيفة فيبيع العروض بأحد النقدين ويشترى به بدلا أو يشترى بها بدلا وعند أبى يوسف لا يباع إلا بأحد النقدين ثم يشترى به بدل ولو اشترى به ما لا يصح وقفه كغلام وجارية يكون الثمن دينا عليه ولو باع شرط استبداله ثم عاد إليه ان عاد بما هو فسخ من كل وجه كالرد بالعيب قبل القبض مطلقا وبعده بقضاء أو بفساد البيع أو خيار الشرط أو الرؤية جاز له بيعها ثانيا لان البيع الأول صار كأنه لم يكن وان عاد بما هو كعقد جديد كالإقالة بعد القبض لا يملك بيعها ثانيا لأنه صار كأنه اشتراها شراء جديدا فتصير وقفا فيمتنع بيعها كما لو اشترى أرضا نوى بدلها إلا أن يكون شرط الاستبدال مرة بعد أخرى ولو اشترى بالثمن أرضا ثم ردت الأولى عليه بعيب بقضاء عادات إلى ما كانت عليه وقفا والتي اشتراها ملك له لأنها بدل عن الأولى فإذا انفسخ البيع فيها من كل وجه رجعت الوقفية إلى الأصل لعدم تصور الخلف مع وجود الأصل وبغير قضاء لا تعود إلى الوقفية فتكون له وما اشتراه بدلا هو الوقف لعود ما باعه إليه بعقد جديد معنى ولو اشتراه رجل ثم وهبه لمن باعه إياه أو مات فورثه البائع لا يرجع إلى الوقفية بل يبقى على ملكه ويشترى بثمنه بدلا لعدم انتقاض عقده فيه وهذا ملك بسبب جديد ولو باع أرض الوقف واشترى بثمنها أرضا أخرى ثم استحقت الأرض الأولى تبقى الثانية وقفا فى القياس وفى الاستحسان لا تبقى لأنها إنما كانت وقفا بدلا عن الأولى وبالاستحقاق انتقضت تلك المبادلة من كل وجه فلا تبقى الثانية وقفا ولو قال على أن أستبدل بها ثم مات وأوصى إلى وصيه به فإنه لا يملكه لأنه شرطه لنفسه وهو أمر يحتاج فيه إلى الرأي والمشورة بخلاف ما إذا

[فصل فى اشتراط الزيادة والنقصان فى مقدار المرتبات وفى أربابها]

وكل به فى حياته حيث يصح التوكيل لقيام رأى الموكل وإمكان تدارك الخلل لو وجد ولو شرطه لكل من يلي عليه جاز وله ذلك ما دام الواقف حيا ولا يجوز بعد موته إلا إذا شرط له الولاية عليه فى حياته وبعد وفاته وهذا قول أبى يوسف وهلال بناء على أن القيم عندهما بمنزلة الوكيل والوكالة تبطل بالموت فيحتاج إلى الاستناد إليه فى حياته وبعد مماته أيضا لتبقى الوكالة وأما على قول محمد فإن الولاية لا تبطل بموت الواقف لأن المتولي وكيل الفقراء لا وكيل الواقف حتى لا يمكنه أن يعزله بدون شرط فى أصل الوقف فيجوز لا الاستبدال ولو بعد موت الواقف ولو شرط للمتولي استبداله بعد وفاته تقيد بشرطه ويجوز له هو استبداله ما دام حيا ثم ليس للمتولي سوى الاستبدال به خاصة دون الاستناد والإيصاء به ولو شرطه لرجل آخر مع نفسه يجوز له الإنفراد به دون الرجل لأنه اشترط رأيه مع رأيه، ولو كتب فى أول كتاب وقفه لا يباع ولا يوهب ولا يملك ثم قال فى آخره على أن لفلان بيعه والاستبدال بثمنه ما يكون وقفا مكانه جاز بيعه ويكون الثاني ناسخا للأول ولو عكس وقال على أن لفلان بيعه والاستبدال به ثم قال فى آخره لا يباع ولا يوهب لا يجوز بيعه لأنه رجوع منه عما شرطه أولا ولو باع المتولي دار الوقف وقبض الثمن ثم عزله القاضي ونصب غيره فاسترد الثاني الوقف من المشترى بحكم القاضي يجب عليه أجرة ما سكن فيها لأنها معدة للأجرة وهذا بناء على قول المتأخرين والله أعلم. [فصل فى اشتراط الزيادة والنقصان فى مقدار المرتبات وفى أربابها] لو اشترط فى وقفه أن يزيد فى وظيفة من يرى زيادته وأن ينقص من وظيفته من يرى نقصانه من أهل الوقف وأن يدخل معهم من يرى إدخاله وأن يخرج منهم من يرى إخراجه جاز ثم إذا زاد أحدا منهم أو نقصه مرة أو أدخل أحدا أو أخرج أحدا ليس له أن يغيره بعد ذلك لأن شرطه وقع على فعل يراه فإذا رآه وأمضاه فقد انتهى ما رآه وإذا

[باب فى بيان وقف المريض والوقف المضاف إلى ما بعد الموت وشرط رجوعه إلى المحتاج من ولده]

أراد أن يكون ذلك له دائما ما دام حيا يقول على أن لفلان بن فلان أن يزيد فى مرتب من يرى زيادته وأن ينقص من مرتب من يرى نقصانه وأن ينقص من زاده ويزيد من نقصه منهم ويدخل معهم من يرى إدخاله ويخرج منهم من يرى إخراجه متى أراد مرة بعد أخرى رأيا بعد رأى ومشيئة بعد مشيئة ما دام حيا ثم إذا أحدث فيه شيئا مما شرطه لنفسه أو مات قبل ذلك يستقر أمر الوقف على الحالة التي كان عليها يوم موته وليس لمن يلي عليه بعده شئ من ذلك إلا أن يشرطه له فى أصل الوقف وإذا شرط هذه الأمور أو بعضها للمتولي من بعده ولم يشرطها لنفسه جاز له أن يفعلها ما دام حيا لأن شرطها لغيره شرط منه لنفسه ثم إذا مات جاز للمتولي فعل ما شرطه له ولو شرط هذه الأمور للمتولي ما دام هو حيا جاز له وللمتولي ذلك ما دام هو حيا ولو شرط لنفسه فى أصل الوقف استبداله أو الزيادة والنقصان ولم يزد عليه ليس له أن يجعل ذلك أو شيئا منه للمتولي وإنما ذلك خاصة لاقتصار الشرط فى أصل الوقف على نفسه ولا يجوز له أن يفعل إلا ما شرطه وقت العقد وسيأتي لهذا الفصل مزيد بيان فى فصل التخصيص إن شاء الله تعالى [باب فى بيان وقف المريض والوقف المضاف إلى ما بعد الموت وشرط رجوعه إلى المحتاج من ولده] الوقف فى مرض الموت لازم ولكنه كالوصية فى حق نفوذه من الثلث كالتدبير المطلق والمضاف إلى ما بعد الموت وصية محضة فإن مات من غير رجوع عنه ينفذ من الثلث وقد تكررت الإشارة إلى هذا المبحث فإذا وقف المريض أرضه أو داره فى مرض موته يصح فى كلها أن خرجت من ثلث ماله وإن لم تخرج وأجازته الورثة فكذلك وإلا تبطل فيما زاد على الثلث وإن أجازه البعض ورده البعض جاز فى حصة

المجيز وبطل فى حصة الراد إلا أن يظهر له مال آخر يخرج الوقف من ثلثه فحينئذ يلزم فى الكل وحكم المال الغائب كحكم المعدوم وقدومه كظهوره ومن باع منهم سهمه قبل ظهور المال الآخر أو قدومه لا يبطل بيعه لإطلاق القاضي التصرف له فيه قبل الظهور أو القدوم ويغرم قيمته ويشترى بها أرض وتوقف بدله على وجهه وإن كان عليه دين محيط بماله ينقص وقفه ويباع فى الدين كما لو اشترى أرضا ووقفها ثم ظهر لها شفيع فإنه يجوز له إبطال الوقف وأخذها بالشفعة وإن لم يكن محيطا يجوز الوقف فى ثلث ما يبقى بعد الدين إن كان له ورثة وإلا ففي كله فإن باعها القاضي بقيمتها للدين ثم ظهر أو قدم له مال تخرج الأرض من ثلثه لا يبطل بيعه فيشترى بها أرض بدلا عنها وإن باعها بأكثر من القيمة يشترى بالثمن بدل وإن وقفها على بعض ورثته ثم من بعدهم على المساكين وهى تخرج من الثلث تتوقف وقفيتها عليهم على إجازة البقية فغن أجازوه تقسم غلته على الموقوف عليهم على ما شرط لهم وإلا تقسم بينهم وبين سائر الورثة على قدر ميراثهم منه وكل من مات منهم عن ورثة ينقل سهمه إلى ورثته ما بقى أحد من الموقوف عليهم حيا فإذا انقرض الموقوف عليهم تكون الغلة للمساكين وحكم ما يبقى عند عدم خروج كلها من ثلث التركة كحكم خروج كلها ولو وقفها على أولاده وأولاد أولاده ونسلهم أبدا بينهم بالسوية ثم على المساكين وهى تخرج من الثلث وكانت أولاده ونافلته ذكورا وإناثا وكان له زوجة وأبوان فإن إجازته الورثة كانت الغلة بين الموقوف عليهم على ما شرط لهم وإلا قسمت على عدد ولده لصلبه وعلى عدد نافلته فما أصاب ولد الصلب نعطى منه لزوجته وأبويه ثمنه وسدساه ويقسم الباقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه فى المرض كالوصية وهى لا تجوز لوارث دون وارث وما أصاب النافلة كان لهم خاصة وقسم بينهم بالسوية كما شرطه الواقف وقد ذكرنا حكم من مات من

ورثته عن وارث وتبقى القسمة على هذا ما بقى من ولد الصلب أحد فإذا انقرضوا تكون الغلة كلها للنافلة على ما شرطه الواقف لجوازه عليهم عند وجود أولاد الصلب وسقط ما كان يعطى لزوجته وأبويه لأنهم ليسوا بموقوف عليهم وإنما أعطيناهم مما أصاب أولاد الصلب فرائضهم لوقفه فى المرض على بعض ورثته دون بعض وأنه لا يجوز ثم فى كل سنة يعتبر عدد الفريقين يوم إتيان الغلة فيقسم على ذلك العدد فما أصاب النافلة سلم لهم وما أصاب أولاد ولده ونسله أبدا ثم من بعدهم على المساكين ولم يجيزوه تقسم الغلة على عدد فقراء الفريقين من أولاده ونافلته ثم يعمل كما تقدم وهكذا الحكم فيما لو وقفها على فقراء ولده وفقراء ولد ولده ونسله أبدا وعلى ولد زيد بن عبد الله، ولو وقف أرضا له على قوم وأوصى بوصايا لآخرين والثلث لا يفي بذلك ولم يجزهما الورثة يضرب لأصحاب الوصايا فى ثلث التركة بقدر ما أوصى لهم ويضرب للوقف فى الثلث بقيمة الأرض فما أصاب سهم الوصايا منه كان لأصحابها وما أصاب قيمة الأرض الموقوفة منه أفرد بقدر منها وكان وقفا على ما سبل فإذا كان ثلث التركة خمسة عشر دينارا مثلا وقيمة الأرض عشرين دينارا والوصية عشرة دنانير يعطى للموصى لهم خمسة ويبقى نصف الأرض وقفا لكون الوقف فى المرض كالوصية فيتساويان بخلاف ما لو أعتق فى مرض موته أو دبر وأوصى بوصايا فإنه يبدأ بالعتق فإن فضل شئ يصرف فى الوصايا وإلا يسقط لما ورد فى الخبر إنه يبدأ بالعتق من الثلث ولو قال تعطى غلة أرضى هذه بعد موتى لولد زيد بن عبد الله وولد ولده ونسله أبدا ما تناسلوا ولم يقل صدقة موقوفة فإنها تكون وصية لا وقفا فتصرف الغلة إلى المخلوق من ولده ونسله يوم موت الموصى ان خرجت من الثلث وإلا فبحسابه ولا يستحق الحادث بعده شيئا لعدم جواز الوصية للمعدوم فإذا

انقرضوا تعود الأرض إلى ورثة الموصي ولو وقفها ثم صارت وقف الصحة فتصبح من كل ماله ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل بعد وفاتي على ولدي ومن هلك منهم فجميع ما سمى له من غلات هذه الصدقة وما كان يصيبه منها لو كان حيا لولده وولد ولده ونسله أبدا ما تناسلوا يجري عليهم ويجري نصيب كل من هلك منهم عن غير ولد على من بقي منهم أحد يصح الوقف في كلها إن خرجت من ثلث ماله وتكون غلته لولده لصلبه ولسائر ورثته على قدر ميراثهم منه ومن هلك منهم وله ولد أو ولد ولد يكون سهمه لولده فتقسم الغلة على عدد أولاد الصلب كلهم فما أصاب الهالك لو كان حيا يأخذه ولده ونسله وهو وقف عليهم من جدهم وما أصاب ولد الصلب كان بينهم وبين جميع ورثة أبيهم على قدر ميراثهم منه ويأخذ ولد الهالك ونسله مما أصاب ولد الصلب ما كان يصيب أباهم لو كان حيا فيأخذون من وجهين أحدهما ما كان لأبيهم وهو وصية لهم من جدهم الواقف وهى جائزة لهم والثاني ما كان يصيب أباهم مما صار للباقين من ولد الصلب وهو ميراث لهم عن أبيهم فيقسم على جميع ورثته على قدر ميراثهم منه حتى لو كان عليه دين يوفي منه أولا وكذلك لو قال صدقة موقوفة على أولادي زيد وبكر وعمر ومن توفي منهم فنصيبه لوله ونسله أو قال للمساكين وهلك واحد منهم يأخذ ولده أو المساكين نصيبه ويشارك ولدي الصلب الباقين فى الثلثين الذين أصابهما من غلة الوقف لقيامه مقام أبيه لأن ما أخذه أولا كان بوصية الجد وإنها جائزة لولد أبيه عند وجود ولده لصلبه وأما ما يأخذه ولداه الباقيان من الوقف فإنما هو على جهة الميراث لعدم جوازه على وارث دون وارث فيكون ما سمى لهم لجميع ورثته هذا إذا لم يجز الورثة الوقف وأما إذا أجازوه بعد وفاته جاز وكان على ما شرطه وكل من هلك منهم ينتقل سهمه إلى ولده ونسله ولا شئ لهم من حصة من بقي من ولد الصلب

لأن الوصية قد أجيزت لهم من بقية الورثة ولو أجازه البعض دون البعض تقسم غلته على ولد الصلب فما أصاب الهالك منهم يكون نصيبه لولده ونسله وما أصاب الأحياء منهم يكون لهم ثم من كان من ولد من أجاز أبوه الوقف فلاحق له فيما بقى من الغلة ومن كان من ولد لم يجز أبوه الوقف فهو على حصته مما أصاب ولد الصلب من الغلة لما بينا فإن قال قائل لا يجوز أن يأخذ ولد الهالك من وجهين ما سمي لأبيهم من الوقف وما كان يصيبه على طريق الميراث من حصص من بقي من ولد الصلب وإنما يعطون ما أصاب أباهم خاصة ولا يزادون على ذلك قيل لو جعلها صدقة موقوفة بعد وفاته على ولديه زيد وعمرو ومن هلك منهما فنصيبه لولده ونسله أبدا ثم هلك زيد عن ولد أيكون نصيبه لولده والنصف لعمرو فإن قال له النصف ولا يزاد عليه شئ قيل له فإن قال ومن هلك منهما فنصيبه للمساكين وهلك عمرو عن ولد وصار نصيبه للمساكين أيكون النصف الآخر لزيد خاصة فإن قال نعم قيل له فقد صار لابن الصلب من الميت شئ لم يصل إلى ورثة إبنه شئ منه لوقوع وصيته للمساكين فى نصيب الهالك خاصة فتكون الوصية فى حصته دون حصة الباقي قال هلال رحمه الله وهذا مما لا احسب أحدا بقوله مع إن ولد الولد ممن تجوز لهم الوصية فهم كالمساكين فيأخذون ما كان لأبيهم من الغلة بوصية جدهم لهم ويقولون لعمهم ما تأخذه من غلة الوقف إنما هو بميراثك من أبيك فكيف يكون ذلك ميراثا منه ولا يكون لنا مثله وقد أوصى الواقف في حصة أبينا من الوقف لمن يجوز لهم الوصية فإن جاز لك أخذه دوننا جاز له أن يوصي في نصيب بعض الورثة دون بعض وأنه باطل فثبت ما قلنا ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة بعد وفاتي على ولدي وولد ولدي ونسلي أبدا ومن بعدهم على المساكين وليس له مال غيرها ولم تجزه الورثة يكون ثلثاها ملكا لورثته على قدر ميراثهم منه

وثلثها وقفا على ولده وولد ولده ونسله ثم ينظر إلى عدد الفريقين يوم إتيان الغلة وتقسم جميع غلة الأرض على عددهم فإن كان ما يصيب ولد الولد والنسل منها مثل غلة الثلث الذي صار وقفا كما إذا كان أولاد الصلب عشرة والنافلة خمسة أو أكثر من غلة الثلث الموقوف كما إذا تساوى عدد الفريقين كانت غلة الثلث الوقف لهم خاصة ولا شئ لولد الصلب منه وإن كان ما يصيب النافلة من جميع غلة الأرض أقل من غلة الثلث الذي صار وقفا كما إذا كانوا ثلاثة وأولاد الصلب تسعة يعطى لهم ما كان يصيبهم من جميع غلة الأرض وما فضل يكون ميراثا بين ورثته على كتاب الله تعالى وكلما زادوا أو نقصوا بتغير الاستحقاق إلى أن ينقرض ولد الصلب فإذا انقرضوا تكون غلة الثلث كلها للنافلة لزوال المزاحم ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل بعد موتي على أولاد زيد ومن بعدهم على ورثتي تكون الغلة لأولاد زيد ثم إذا انقرضوا ترجع إلى ورثة الواقف على قدر ميراثهم منه إن لم يجيزوه فإذا انقرضوا تكون للمساكين وهكذا الحكم لو قال على إخوتي وأولادهم ونسلهم أبدا فإذا انقرضوا فهي على ولدي ونسلي أبدا فإذا انقرضوا فهي للمساكين وإذا رجعت الغلة إلى ولده تقسم بين ولده ونسله على حكم ما تقدم ولو وقف أرضه وهى تخرج من ثلث ماله ثم تلف المال قبل موته أو بعد موته قبل وصوله إلى الورثة وليس له مال غير ذلك يجوز لهم أن يبطلوا الوقف من ثلثيها ولو لم يكن له مال تخرج الأرض من ثلثه وقت الوقف ثم ملك ما لا تخرج من ثلثه تكون كلها وقفا ولو جعلها وقفا بعد وفاته وهى تخرج من الثلث ثم حدث فيها غلة قبل موته فإنها تكون للورثة لأن الوصية إنما تجب بعد الموت فكل ثمرة تحدث قبله فهي ملكه فتكون لورثته وإن حدثت بعد موته وخرجت هي أيضا من الثلث تكون للموقوف عليهم ولو وقفها وفيها ثمرة لا تدخل فيه تبعا كما لا تدخل في البيع بخلاف

الخارجة بعد الوقف والموت إذا خرجت من الثلث لأنها نماء وقف ولو أوصى أن تشتري من ثلث ماله أرض بألف دينار وتوقف على ولد زيد وعلى ولد ولده ونسلهم أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين يجب أن يفعل كما أوصى ومن مات منهم سقط سهمه وتسمر الغلة جارية عليهم ما بقي منهم أحد ولو شرط أنه متى احتاج ولده أو ولد ولده أو نسله إليها يجرى عليهم دون غيرهم ما كانوا إليها محتاجين بقدر حاجتهم صح شرطه ثم إذا رُدت إلى أولاده لصلبه لحاجتهم يشاركهم فيها سائر الورثة وإذا ردت إلى النافلة كلهم أو بعضهم لا لما بينا وإذا ردت إلى الفريقين لحاجتهم كان حكم الاجتماع كحكم الافتراق في الاشتراك وعدمه وإذا رُدّ إلى أولاد الصلب من الغلة قدر ما يكفيهم وشاركهم فيه بقية الورثة يردّ إليهم أبدا هكذا حتى يصير ما يصيبهم بقدر كفايتهم من طعام وادام وكسوة لهم ولأولادهم ولأزواجهم في كل سنة ولو عين لمن يحتاج منهم قدرا معلوما كان ذلك له وحده إن كان من النافلة وتشاركه فيه بقية الورثة إن كان من ولد الصلب من غير ردّ وإن قال يجري على كل محتاج من البطن الأعلى من أولادي من العلة في كل سنة ألف درهم وعلى كل محتاج من البطن الذي يليه في كل سنة خمسمائة درهم وعلى كل محتاج من البطن الذي يلي الثاني في كل سنة مائتا درهم تصرف الغلة على ما شرط ان وسعتهم وألا تقسم بينهم على نسبة ما سمي لهم أن لم يرتب البطون وإن رتبهم يدفع للبطن الأعلى الألف أولا ثم وثم ولو قال أرضي هذه بعد وفاتي صدقة موقوفة على أن يعطى كل من كان فقيرا من ولدي وولد ولدي ونسلي أبدا ما تناسلوا منها في كل سنة ما يكفيه بالمعروف وهى تخرج من الثلث وقصرت الغلة عن هذه المصارف يبدأ بولد وبكل من جازت له الوصية فيعطى ما سمي له منها فإن فضل شئ يعطى لولد الصلب لأن الوقف فى المرض كالوصية وهى لا تجوز للوارث فتكون لمن تجوز له الوصية ولو

[فصل فى إقرار المريض بالوقف]

قال أرضي هذه صدقة موقوفة بعد وفاتي وذكر وجوها سماها ثم أوصى أن تكون صدقة موقوفة على وجوه أخر سوى الوجوه الأولى وذكر بعد كل وجه المساكين وهى تخرج من الثلث تكون الغلة بين الجهتين إنصافا لكونه أوصى بوصيتين ولم يرجع عن واحدة منها وإذا انقرض أحد الفريقين يكون سهمه للمساكين لذكره إياهم بعد كل فريق والله أعلم. [فصل فى إقرار المريض بالوقف] لو أقرّ مريض فقال هذه الأرض التي في يدي وقفها رجل مالك لها على فلان وفلان وعلى الفقراء والمساكين ثم مات المقرّ في مرضه ذلك تكون وقفا من جميع ماله لذكره في الموقوف عليهم أشخاصا بأعيانهم ويكون ثلثا الغلة للرجلين المعينين والثلث الآخر للفقراء والمساكين لأنه مصدّق فيما في يده ألا ترى أنه لو أقرّ المريض بأرض في يده فقال إن رجلا مالكا لهذه الأرض أقرّ انها لفلان انه يجب أن تدفع إليه فإن قال في مرضه ان هذه الدراهم دفعها إليّ رجل ولم يسمه وقال لي تصدّق بها أو حج بها عني لا يصدّق إلا في مقدار الثلث فقط فإن خرجت من ثلث ماله صرفت فيما قال وإلا فبحسابه وإنما لم يصدق لعدم تعيينه المقرّ له وإن قال دفعها إليّ رجل وقال هي لفلان فادفعها إليه كان إقراره جائزا وتدفع إليه الدراهم كلها وكذلك لو كانت أرضا فقال وقفها رجل على فلان وفلان ومن بعدهما على المساكين ودفعها إليّ فإنها تكون وقفا على من سمي ولا حق فيها لورثة المقرّ لكون المقرّ له معينا وإن قال دفعها إليّ رجل وقال قد وقفتها على زيد وعمرو يعطيان من غلتها في كل سنة كذا وكذا وللمساكين كذا وكذا وللغزو كذا وكذا وليس للمقرّ مال غير تلك الأرض يكون ثلثاها وقفا على زيد وعمر والثلث الآخر ثلثاه لورثته وثلثه للغزو والمساكين لأنه لما أفرد كلا بقدر من الغلة صار كأنه أفرد كلا بإقرار له بوقف على حياله بخلاف المسألة الأولى وإن قال دفعها إليّ وقال

قد وقفتها على ولد فلان ابن فلان وعلى ولد ولده ونسله أبدا ما تناسلوا وعلى الفقراء والمساكين وليس له مال غيرها وكان المقر بالوقف من جملة المقرّ لهم به لا يستحق هو ولا ولده ولا ولد ولده من غلته شيئا فينظر إلى حصصهم من الثلثين بعد قسمته على مجموع المقرّ لهم فيضم إلى الثلث الذي هو حصة الفقراء والمساكين فتأخذ الورثة ثلثيه والفقراء والمساكين ثلثه ولو (¬1) أقرّ بأرض في يده ان رجلا مالكا لها وقفها على الفقراء والمساكين لا تصير وقفا من جميع ماله وإنما تصير وقفا من الثلث فإن خرجت منه كانت كلها وقفا وإلا فبحسابه لأنه لما لم يقر بأنه وقفها على رجل بعينه صار كأنه هو الذي وقفها فى مرضه وإلى هذا ذهب الحسن بن زياد فإنه فرق بين إقراره لمعين وبين إقراره لغير معين فجعل الكل للمقر فيما إذا كان معينا وقفا كان المقر به أو ملكا وجعل له الثلث فقط فيما إذا كان مجهولا والباقي لورثة المقرّ ولو أقرّ بأرض في يده أن رجلا جعلها صدقة موقوفة عليه وعلى ولده ونسله أبدا ثم من بعدهم على المساكين وإنه دفعها إليه لا تكون وقفا عليه ولا على أولاده لكونه أقرّ بملكيتها للغير وادّعى أنه وقفها عليه وعلى أولاده فلا يقبل قوله في ذلك لنفسه ولا لولده وإن لم يكن له منازع معين لكونه أقر بأنها صدقة والأصل في الصدقة أن تكون للمساكين فقد أقر بها لهم معنى فيحتاج إلى إثبات ما ادعاه لنفسه ولا أولاده وأما إقراره به للغير فإنه شهادة منه على الواقف فتقبل بخلاف ما إذا أقر بأرض في يده أن رجلا وهبها له فإنها تكون له لأنه لم يقر بها لأحد وإذا أقر بأن الأرض التي في يده وقفها رجل على جماعة معينين وعلى الفقراء والمساكين يكون لكل ممن عين سهم وللفقراء والمساكين سهمان على ما رواه محمد عن أبى حنيفة وقال الحسن بن زياد لهما سهم واحد والله أعلم. ¬

_ (¬1) مطلب أقر المريض أنه وقفها على معين كانت كلها وقفا وإذا لم يكن معينا كان له الثلث فقط

[باب في إقرار الصحيح بأرض في يده انها وقف]

[باب في إقرار الصحيح بأرض في يده انها وقف] إذا أقرَّ رجل صحيح بأرض في يده انها صدقة موقوفة ولم يزد على ذلك صح إقراره وتصير وقفا على الفقراء والمساكين لأن الأوقاف تكون في يد القوّام عادة فلو لم يصح الإقرار ممن هي في أيديهم لبطلت أوقاف كثيرة ولا يجعل هو الواقف لها إلا ان يقيم بينة بأن الأرض كانت له حين أقر فحينئذ يكون هو الواقف لها وقبل قيام البينة بذلك يكون الرأي فيها إلى القاضي إن شاء تركها في يده وإن شاء أخذها منه ووجه قبول البينة أن يدعي رجل أنه الواقف لها فيقيم المقر بينة انه هو الواقف فتندفع خصومة المدعي وتثبت لنفسه ولاية لا يرد عليها عزل وهذا كرجل أقر بحرية عبد في يده فإنه يصح إقراره يصح إقراره بها ولا يكون له الولاء إلا أن يقيم بينة انه كان له حين الإقرار بعتقه فكذلك المقر بالوقف ان أقام بينة انه الواقف قبلت وقبلها لا تكون له الولاية قياسا وفي الاستحسان يتركها القاضي في يده وهو الذي يقسم غلتها على الفقراء ذكره في قاضيخان وذكر الخصاف وهلال ان ولايتها له ولا يقضي عليه بانتزاعها من يده حتى يعلم ان الولاية ليست له لأنها لو أخذت منه لقضى عليه بأنها لم تكن له ولم يثبت ذلك بخلاف الولاء فانه بإقراره بالعتق خرج من يده فلا يجعل له الولاء وأما الأرض فلا تخرج من يده بالإقرار بالوقف فتبقى الولاية على حالها ولو اقر انها وقف وسكت ثم قال هي وقف على جهة كذا يقبل قوله فيما قال لان من في يده شئ يقبل قوله فيه وهذا استحسان وفي القياس لا يقبل قوله الآخر لأن بإقراره الأول صارت للمساكين فلا يملك إبطاله ولو قال بعد الإقرار انا وقفتها على تلك الجهة يقبل قوله أيضا ما لم تعم بينة تشهد بخلاف ما قال ولو اقر انها وقف عليه وعلى ولده ونسله أبدا ومن بعدهم على المساكين يقبل قوله ولا يكون هو الواقف لها لان العادة جرت ان يكون الوقف عليهم من غيرهم فلو ادعي عليه بعد ذلك جماعة

بأنها وقف عليهم بانفرادهم فاقر لهم به صح إقراره على نفسه فقط فتكون حصته منه لهم ويرجع إلى أولاده فيما ينوبهم فإن كانوا كبارا وأقروا به لهم كان لهم وإلا تقسم الغلة عليه وعلى ولده ونسله فما أصابه كان للمقر لهم والباقي لأولاده وإذا مات يبطل إقراره وترجع حصته إلى أولاده ونسله ثم تكون من بعدهم للمساكين ولو أقر بأنها وقف من قبل أبيه وأبوه ميت صح إقراره ثم ان كان على أبيه دين أو أوصى بوصية وليس له مال غيرها يباع منها ما يوفي به دينه وتنفذ وصيته وما فضل يكون وقفا لعدم نفاذ إقراره في حق أبيه وإن أحاط بها الدين تباع كلها به إلا أن يقضي دينه عنه وإن كان معه وارث آخر يجحد الوقفية كان نصيبه منها له بعد التلوم ونصيب المقر وقف ولو أقر بأنها وقف على قوم معلومين وسماهم ثم أقر بعد ذلك أنها وقف على غيرهم أو زاد عليهم أو نقص منهم لا يصح إقراره الثاني ويعمل بالأول ولو أقر بأرض في يده أن القاضي الفلاني ولاه عليها وهى صدقة موقوفة لا يقبل قوله فى التولية قياسا ذكره في قاضيخان وقال هلال لا يقبل قوله في التولية والوقف قياسا وفي الاستحسان يتلوم القاضي أياما فإن لم يظهر عنده غير ما أقر به أمضى الوقف على نهج ما أقر به ولو كانت أرض في يد ورثة فأقروا أن أباهم وقفها وسمى كل واحد منهم وجها غير ما سمى الآخر يقبل القاضي إقرارهم والولاية عليها إليه فيصرف غلة حصة كل واحد منهم فيما ذكره لأنه لا تهمة فيه ولو كان فيهم صغير وغائب توقف حصتهم إلى الإدراك والقدوم ومن أنكر منهم الوقفية تكون حصته ملكا له ولو شهد اثنان على إقرار رجل بأن أرضه وقف على زيد ونسله وشهد آخران على إقراره بأنها وقف على عمرو ونسله تكون وقفا على الأسبق وقتا ان علم أو ذكروا وقتا واحدا تكون الغلة بين الفريقين أنصافا ومن مات من ولد زيد فنصيبه لمن بقي منهم وكذا حكم أولاده وإذا انقرض أحد الفريقين رجعت إلى الفريق الثاني لزوال

المزاحم ولو أقر بأن هذه الأرض كانت لزيد بن عبد الله وقد وقفها في وجوه سماها وجعلني متوليا عليها يرجع إلى زيد فيها إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا فى الوقفية وعدمها وإن لم يكن له ورثة أو سمى المقر رجلا مجهولا تستمر فى يده ولو أقر رجل بأن أباه وقف أرضه على المساكين وانه جعل ولايته إليه وليس معه وارث غيره يصح إقراره بالوقف ويقبل قوله فى الولاية أيضا استحسانا ولو أقر رجل فقال هذه الأرض صدقة موقوفة عن أبى على الفقراء والمساكين تصير وقفا ولو كان معه وارث آخر فجحد الوقفية لا يستحق شيئا حتى يثبت عند القاضي أنها كانت لأبيه لأنه لما قال عن أبي لم يقرانها كانت لأبيه لاحتمال أن يكون الواقف لها غيره والولاية عليها له إلا أن يثبت أنها لغيره بخلاف ما إذا قال انها صدقة موقوفة من أبى لأنه جعل ابتداء الوقف من أبيه فيرجع إلى قول شريكه فى حصته منها ولو قال هذه الأرض صدقة موقوفة على ولد جدي جاز ويكون المقرّ من جملة الموقوف عليهم إلا أن يثبت أنها كانت ملك المقر وقت الإقرار بالوقف فحينئذ يجوز ما يجوز للرجل أن يقفه ويبطل منها ما لا يجوز له أن يقفه ولو أقرّ بأن هذه الأرض وقف على ولد زيد ونسله أبدا ما تناسلوا على أن لي ولايتها وعلى أن لي أن أخرج منها من أرى إخراجه وأدخل من أرى إدخاله وأن لي ولاية الزيادة والنقصان وولاية الاستبدال بهذا الوقف ما أرى من أرض أو دار وأتى بهذه الأمور متصلة بإقراره ولم ينسب الأرض إلى واقف صح إقراره بالوقف لهم وبجميع ما ذكر ولا يسمع قول المقر بالوقف في نفيه بدون حجة ألا ترى انه لو قال هذه الأرض التي في يدي موقوفة على زيد وولد ولده ونسله عشر سنين ومن بعدها فهي وقف على ولد عمر ونسله أبدا ثم من بعدهم على المساكين كان إقراره بذلك جائزا وتكون وقفا على ولد عمرو ونسله أبدا ثم من بعدهم على المساكين كان إقراره بذلك جائزا وتكون وقفا على ولد زيد المدة التي ذكرها ثم إذا مضت تكون وقفا على ولد عمرو فإذا انقرضوا تكون على المساكين لأنه يقول إنما وقفت على هذه

الشروط التي ذكرتها فإن قبل قولي في أنها وقف فهي وقف على ما ذكرت هذا إذا لم ينسبها إلى رجل معروف وأما إذا ذكر لها واقفا معروفا فان ذكره عند إقراره بالوقف يرجع إليه فيه إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا وإن ذكره بعد الإقرار به لا يصح لاستلزامه احتمال بطلان ما صار وقفا بالإقرار الأول لكون القول قول المنسوب إليه في الوقفية وعدمها وإذا أقر أن رجلا معروفا دفع إليه هذه الأرض وقال هي وقف على وجوه سماها لا يقبل قوله فيها إن كان الرجل حيا وإن كان ميتا يتلوم القاضي فيها فإن صح عنده في أمرها شئ عمل به وإلا عمل بقول المقر استحسانا وصرف غلتها فيما ذكر من الوجوه وعلى هذا الأوقاف المتقادمة والإقرار بأن هذه الأرض ملك فلان اليتيم وقد دفعها إليّ فلان القاضي ولو ترك ابنين وفي يدهما أرض فقال أحدهما وقفها أبونا علينا وأنكر الآخر الوقف تكون حصة المقر وقفا عليه وحصة المنكر ملكا له ولا حق له في الوقف لان إنكاره له بمنزلة ردّه فإن فإن زاد المقر وقال وقفها علينا وعلى أولادنا ونسلنا أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين كانت حصته وقفا على من أقر ثم إن صدق أولاد المنكر عمهم فيما في يده أخذوا استحقاقهم منه ولا يبطل حقهم منه بإنكار أبيهم وإن وافقوه بعد موت أبيهم فيما كان في يده صارت كلها وقفا وإن تابعوه على الإنكار يحرمون من الوقف وان وافقه كلهم في حياة أبيهم وأنكروا بعد موته صارت كلها وقفا لإقرارهم السابق وإن وافقه بعضهم وأنكر بعضهم بعد موت أبيهم يضم نصيب الموافق إلى الوقف وتقسم غلته على حكم ما اعترفوا به ونصيب المنكر منهم ملك له ولو (¬1) باع المنكر حصته من الأرض ثم رجع إلى التصديق يبطل البيع وتصير وقفا ان صدقه المشتري وإلا فيلزمه قيمة ما باع ويشتري بها بدل ولو كان معدما ¬

_ (¬1) مطلب باع المنكر حصته من الأرض ثم رجع إلى التصديق يبطل البيع الخ

لا يقدر على شراء بدل يدخل مع الباقين في الوقف ولو أقرّ لرجلين بأرض في يده أنها وقف عليهما وعلى أولادهما ونسلهما أبدا ثم من بعدهم على المساكين فصدَّقه أحدهما وكذبه الآخر ولا أولاد لهما يكون نصفها وقفا على المصدّق منهما والنصف الآخر للمساكين ولو رجع المنكر إلى التصديق رجعت الغلة إليه وهذا بخلاف ما إذا أقرَّ الرجل بأرض فكذبه المقر له ثم صدقه فإنها لا تصير له ما لم يقر له بها ثانيا والفرق ان الأرض المقرّ بوقفيتها لا تصير ملكا لأحد بتكذيب المقر له فإذا رجع ترجع إليه والأرض المقر بكونها ملكا ترجع إلى ملك المقر بالتكذيب ولو أقر بأرض في يد رجل انها وقف وذو اليد منكر ثم اشتراها أو ورثها منه تصير وقفا مؤاخذة له بزعمه ولو كان معه ورثة فالمرجع فيما ينوبهم إليهم نفيا وإثباتا ولو أقر ان أباه أوصى ان تكون أرضه صدقة موقوفة ولم يكن له وارث غيره وقال ليس له مال غيرها كان ثلثها وقفا وله أن يبطله في الباقي ان لم يظهر له مال يخرج من ثلثه ولو أقر بأنه وقف الضيعة الفلانية في سنة ثلاث وتسعمائة مثلا وأشهد عليه بذلك ولم تكن في يده وإنما كانت في يد رجل اشتراها من آخر فأقر المشتري أنه اشتراها في سنة اثنين وتسعمائة للرجل المقر بالوقف بأمره وماله وأنها له دونه فإنها تكون وقفا إن صدَّق المقر بالوقف المشتري فيما قال من الأمر وتقدم التاريخ والا فلا وان أقر أنه اشتراها له بأمره ونقد ثمنها عنه تبرعا تكون وقفا وإن جحد المقر له الأمر بالشراء لعدم لحوق كلفه عليه بصيرورتها وقفا وإن مات الواقف فقالت الورثة وقفها قبل أن يملكها وقال وصية والموقوف عليهم وقفها بعد ما ملكها بشراء وكيله زيد وصدق زيد على ذلك بعد موت الواقف يكون وقفا إن كان تاريخ الشراء سابقا على الوقف وأقر بنقد الثمن عنه متبرعا ولا يقدح جحود الورثة في كونها وقفا لإشهاد مورثهم انه وقفها فإن قال نفدت الثمن من مال الواقف يرجع في صيرورتها وقف إلى الورثة فإن صدقوه على ما قال كانت

[باب الولاية على الوقف]

وقفا وإن كذبوه في التوكيل يلزمهم اليمين على نفي العلم فإن حلفوا بطل كونها وقفا وإلا فلا والله أعلم. [باب الولاية على الوقف] لا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به ويستوي فيها الذكر والأنثى وكذلك الأعمى والبصير وكذلك المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين، رجل طلب التولية على الوقف قالوا لا تعطي له وهو كمن طلب القضاء لا يقلد، لو وقف رجل أرضا له ولم يشترط الولاية لنفسه ولا لغيره ذكر هلال والناطفي أن الولاية تكون للواقف وذكر محمد في السير أنه إذا وقف ضيعة له وأخرجها إلى القيم لا تكون له الولاية بعد ذلك إلا أن يشترطها لنفسه وهذه المسألة مبنية على ما تقدم من أن التسليم شرط عند محمد فلا تبقى له ولاية إلا بالشرط منه له وليس بشرط عند أبي يوسف فتكون الولاية له من غير شرط لنفسه وبه أخذ مشايخ بلخ ولو شرط أن بكون الولاية له ولأولاده في تولية القوّام وعزلهم والاستبدال بالوقف وفي كل ما هو من جنس الولاية مسلمه إلى المتولي جاز ذلك ذكره في السير ولو لم يشرط لنفسه ولاية عزل المتولي ليس له عزله من بعد ما سلمها إليه عند محمد لكونه قائما مقام أهل الوقف وعند أبي يوسف هو وكيله فله عزله وإن شرط على نفسه عدم العزل ولو جعل الولاية لرجل ثم مات بطلت ولايته عنده بناء على الوكالة إلا أن يجعلها له في حياته وبعد مماته لأنه يصير وصية بعد موته ولا تبطل عند محمد بناء على أصله ولو كان له وقف فجعل عند مرضه رجلا وصيا ولم يذكر من أمر الوقف شيئا تكون ولايته إلى الوصي ولو قال أنت وصيي في أمر الوقف قال هلال هو وصي في الوقف فقط على قولنا وقول أبي يوسف وعلى قول أبي حنيفة هو وصي

في الأشياء كلها وجعل في قاضيخان أبا يوسف مع أبي حنيفة فكان عنه روايتين ولو جعل ولايته إلى رجلين بعد موته وأوصى أحدهما إلى الآخر في أمر الوقف ومات جاز له التصرف في أمره كله بمفرده وروى يوسف بن خالد السمتي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز لأن الواقف لم يرض إلا برأييهما ولم يرض برأي أحدهما وعلى قياس قول أبي يوسف ينبغي أن يجوز انفراد كل منهما بالتصرف عنده ولو شرط الواقف أن لا يوصي المتولي إلى أحد عند موته امتنع الإيصاء ولو شرط أن تكون ولاية وقفه لنفسه أو جعلها لغيره من ولد أو غيره وشرط أن لا يعزله منه سلطان ولا قاض كان شرطه باطلا إذا لم يكن هو أو من جعله مأمونا عليه ولو منع أهل الوقف ما سمي لهم فطالبوه به ألزمه القاضي بدفع ما في يده من غلته (¬1) ولو امتنع من العمارة وله غلة جبره عليها فإن فعل فيها وإلا أخرجه من يده فإن مات ولم يجعل ولايته إلى أحد جعل القاضي له قيما ولا يجعله من الأجانب ما دام يجد من أهل بيت الواقف من يصلح لذلك أما لأنه أشفق أو لأن من قصد الواقف نسبة الوقف إليه وذلك فيما ذكرنا فإن لم يجد فمن الأجانب من يصلح فإن أقام أجنبيا ثم صار من ولده من يسلح صرفه إليه كما في حقيقة الملك ولو جعل ولايته إلى رجلين فقبل أحدهما ورد الآخر يضم القاضي إلى من قبل رجلا آخر ليقوم مقامه وإن كان الذي قبل موضعا لذلك ففوّض القاضي أليه أمر الوقف بمفرده جاز ولو قال جعلت الولاية لفلان في حياتي وبعد مماتي إلى أن يدرك ولدي فإذا أدرك كان شريكا له في حياتي وبعد مماتي لا يجوز ما جعله لابنه في رواية الحسن عن أبي حنيفة وقال أبو يوسف يجوز وكذلك لو قال إن أدرك ابني فلان فإليه ولاية صدقتي هذه في حياتي وبعد مماتي ¬

_ (¬1) لو امتنع من العمارة وللوقف غلة

دون فلان فإنه يجوز عند أبي يوسف ولو أوصى إلى رجل بأن يشتري بمال سماه أرضا يجعلها وقفا على وجوه سماها له وأشهد على وصيته جاز ويفعل ويفعل الوصي ما أمر به وتكون الولاية له على الوقف وله ان يوصي بما أوصى إليه ويصير له ما كان لموليه ولو جعل الواقف رجلا متولنا على وقفه في حياته وبعد وفاته ثم وقف وقفا آخر ولم يجعل له واليا لا يكون متولي الأول متوليا على الثاني ألا أن يقول أنت وصيي ولو وقف أرضين وجعل لكل واحدة واليا لا يشارك أحدهما الآخر فإن أوصى بعد ذلك إلى رجل آخر يصير متوليا على كل وقف وقفه الموصي مع من جعله الواقف متوليا ولو جعل ولاية وقفه لرجل ثم جعل رجلا آخر وصيه يكون شريكا للمتولي في أمر الوقف إلا أن يقول وقفت أرضي على كذا وكذا وجعلت ولايتها إلى فلان وجعلت فلانا وصيي في تركاتي وجميع أموري فحينئذ ينفرد كل منهما بما فوض إليه ولو جعل الولاية لأفضل أولاده وكانوا في الفضل سواء تكون لأكبرهم سنا ذكرا كان أو أنثى ولو قال للأفضل فالأفضل من أولادي فأبى أفضلهم القبول أو مات تكون لمن يليه فيه وهكذا على الترتيب كذا ذكره الخصاف وقال هلال القياس أن يدخل القاضي بدله رجلا ما كان حيا فإذا مات صارت الولاية إلى الذي يليه في الفضل ولو كان الأفضل غير موضع أقام القاضي رجلا يقوم بأمر الوقف ما دام الأفضل حيا فإذا مات ينتعل إلى من يليه فيه فإذا صار أهلا بعد ذلك ترد الولاية إليه وهكذا الحكم لو لم يكن فيهم أحد أهلا لها فإن القاضي يقيم أجنبيا إلى أن يصير منهم أحد أهلا فترد إليه ولو صار المفضول من أولاده أفضل ممن كان أفضلهم تنتقل الولاية إليه لشرطه إياها لأفضلهم فينظر فى كل وقت إلى أفضلهم كالوقف على الأفقر فالأفقر من ولده فإنه يعطى الأفقر منهم وإذا صار غيره أفقر منه يعطى الثاني ويحرم الأول ولو جعلها لاثنين من أولاده وكان فيهم ذكر وأنثى صالحين للولاية

تشاركا فيها لصدق الولد عليها أيضا بخلاف ما لو قال لرجلين من أولادي فانه لا حق لها حينئذ ولو جعلها لرجل ثم عند وفاته قال قد أوصيت إلى فلان ورجعت عن كل وصية لي بطلت ولاية المتولي وصارت للوصي ولو قال رجعت عما أوصيت به ولم يوص إلى أحد ينبغي للقاضي ان يولي عليه من يوثق به لبطلان الوصية برجوعه ولو جعلها للموقوف عليه ولم يكن أهلا أخرجه القاصي وإن كانت الغلة له وولى عليه مأمونا لأن مرجع الوقف للمساكين وغير المأمون لا يؤمن منه عليه من تخريب أو بيع فيمتنع وصوله إليهم ولو أوصى الواقف إلى جماعة وكان بعضهم غير مأمون بدله القاضي بمأمون وإن رأى إقامة واحد منهم مقامه فلا بأس به وإن مات واحد منهم عن غير وصي أقام القاضي مقامه رجلا ولو منهم ولو شرط الولاية بعد موت وصيه لزيد ثم لعمرو ثم لبكر وهكذا وجب الترتيب ولو جعلها لأولاده وفيهم صغير أدخل القاضي مكانه رجلا أجنبيا أو واحدا منهم كبيرا ولو أوصى إلى صبي تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة ما دام صغيرا فإذا كبر تكون الولاية له وحكم من لم يخلق من ولده ونسله في الولاية كحكم الصغير قياسا واستحسانا ولو كان ولده عبدا يجوز قياسا واستحسانا لأهليته في ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولي ينفذ عليه بعد العتق لزوال المانع بخلاف الصبي والذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم أعتق العبد وأسلم الذمي لا تعود الولاية إليهما ولو جعل الولاية لغائب أقام القاضي مقامه رجلا إلى أن يقدم فإذا قدم ترد إليه ولو قال ولاية هذا الوقف إلى عبد الله حتى يقدم زيد فإذا قدم فهو وصي كان زيد وصيا وحده عند قدومه وقال بعضهم إذا قدم زيد كان شريكا لعبد الله في الولاية إلا أن يقول إذا قدم زيد فالولاية إليه دون عبد الله قال هلال وهذا القول عندنا ليس بشيء والقول عندنا القول الأول ولو جعلها لزيد ما دام في البصرة كانت له ما دام مقيما فيها وكذلك لو جعلها

[فصل فيما يجعل للمتولي من غلة الوقف]

لامرأته ما لم تتزوج فإنها إذا تزوجت تسقط ولايتها وإن لم ينص على سقوطها كما لو قال صدقتي لفلان ما كان فقيرا فإنه إذا استغنى لا يعطى شيئا لفوت ما علق الاستحقاق عليه ولو مات قيم المسجد فأقام أهله قيما مكانه بغير إذن القاضي لا يصير قيما في الأصح ولكن لا يضمن ما أنفق في عمارته من الغلة إن كان هو الذي اجر الوقف لأنه إذا لم تصح التولية يصير غاصبا والغاصب إذا أجر المغصوب تكون الأجرة له ذكره في قاضيخان بخلاف تولية الموقوف عليهم قيما إذا مات فيمهم فإنها صحيحة وإن لم يستطلعوا رأي القاضي إذا كانوا يحصون وكان القيم من أهل الصلاح ولو أقام قاضي بلدة قيما على وقف وأقام قاضي بلدة أخرى قيما آخر عليه هل يجوز لكل واحد منهما الإنفراد بالتصرف قال الشيخ إسماعيل الزاهد ينبغي أن يجوز تصرف كل واحد منهما بمفرده لتفويض كل منهما الأمر كاملا إلى ما أقامه ولو أراد (¬1) أحدهما أن يعزل من أقامه الآخر قال إن رأى المصلحة في عزله كان له ذلك وإلا فلا وإذا كان للوقف متول ومشرف لا يتصرف في الغلة إلا المتولي لأن المشرف مأمور بحفظ المال لا غير والله تعالى أعلم. [فصل فيما يجعل للمتولي من غلة الوقف] يجوز أن يجعل الواقف للمتولي على وقفه في كل سنة مالا معلوما لقيامه بأمره والأصل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال لوالي هذه الصدقة أن يأكل منها غير متأثل مالا وما فعله على بن أبي طالب رضي الله عنه حيث جعل نفقة العبيد الذين وقفهم مع صدقته ليقوموا بعمارتها من الغلة وهو بمنزلة الأجير في الوقف ألا ترى أنه يجوز له أن يستأجر أجراء لما يحتاج أليه الوقف من العمارة وعليه عمل الناس وليس له حد معين وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند عقده الوقف ليقوم بمصالحه من عمارة واستغلال ¬

_ (¬1) مطلب عزل أحد القاضيين من إقامة الآخر

وبيع غلات وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه الواقف ولا يكلف من العمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله ولا ينبغي له أن يقصر عنه وأما ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجب عليه حتى لو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرا معلوما لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفا ولو نازع أهل الوقف القيم وقالوا للحاكم ان الواقف إنما جعل له هذا في مقابلة العمل وهو لا يعمل شيئا لا يكلفه الحاكم من العمل مالا يفعله الولاة ولو حل به آفة يمكنه معها الأمر والنهي والأخذ والإعطاء فله الأجر وإلا فلا أجر له ولو طعن أهل الوقف في أمانته لا يخرجه الحاكم إلا بخيانة ظاهرة ببينة وان رأى أن يدخل معه رجلا آخر فعل ومعلومه باق له وان رأى أن يجعل لمن أدخله معه حصة من معلومه فلا بأس وإن رآه ضيقا فجعل لمن أدخله من غلة الوقف قدرا معينا جاز وينبغي له أن يقتصد فيما يجعل له من الغلة ولو جعل الواقف للقائم بوقفه أكثر من أجر مثله يجوز لأنه لو جعل له ذلك من غير أن يشترط عليه القيام بأمره يجوز فهذا أولى بالجواز ولو قال للقيم وكل في أمر الوقف حياتي من رأيت واجعل له مما عينته لك ما رأيت فوكل رجلا وجعل له منه شيئا جاز ويجوز له إخراجه والاستبدال به وقطع ما جعل له وعدم إقامة أحد مكانه ولو شرط له تفويض أمره بعد مماته مثل ما شرط له في حياته فجعل القيم بعض معلومه لرجل أقامه قيما وسكت عن الباقي ثم مات يكون لوصيه ما سمي له فقط ويرجع الباقي إلى أصل الغلة ولو شرط له المعلوم ولم يشرط له أن يجعله لغيره ليس له أن يوصي به ولا بشئ منه لأحد ويجوز له أن يوصي بأمر الوقف وينقطع المعلوم عنه بموته ولو وكل هذا القيم وكيلا في الوقف أو أوصى به إلى رجل وجعل له كل المعلوم أو بعضه ثم جن جنونا مطبقا يبطل توكيله ووصايته وما جعل للوصي أو الوكيل من المال ويرجع إلى غلة الوقف إلا أن يكون الواقف عينه لجهة أخرى عند انقطاعه

عن القيم فينفذ فيها حينئذ (¬1) وقدر الجنون المطبق بما يبقي حولا لسقوط الفرائض كلها عنه ولو عاد عقله عادت الولاية إليه لأنها زالت بعارض فإذا زال عاد إلى ما كان عليه ولو أخرج القيم حاكم ثم جاء حاكم آخر فادعى عنده انه أخرج بتحامل قوم سعوا به إليه من غير جريمة يستحق بها الإخراج من الوقف لا يقبل قوله لأن مبنى أمور الحكام على الصحة ولكن يقول له صحح انك موضع للولاية بأمر الوقف فإذا أثبت أنه موضع لها ردها إليه وأجرى له ما كان جاريا عليه من الغلة وهكذا الحكم لو أثبت أهليته عند من أخرجه بتجديد توبة ورجوع عما كان يقتضي إخراجه ولو مات القيم عن غير إيصاء وأقام القاضي مقامه رجلا يجرى عليه من ذلك المال بالمعروف ولا يجعل له جميع ما كان للقيم إن كان أكثر من المتعارف لأنه يجوز للواقف من التصرف ما لا يجوز للحاكم ألا ترى أنه يجوز له أن يجعل كل الغلة للقيم بخلاف القاضي فانه لا يجري عليه إلا بقدر الاستحقاق لأنه نصب ناظرا لمصالح المسلمين فلا يجوز له من التصرف إلا ما فيه المصلحة ولو خشي الواقف أن يتعرض الحاكم إلى ما جعله للمتولي من المال لقيامه بالوقف بإدخال أحد معه فيه أو إخراجه من الولاية يشترط في وقفه أن هذا المال جار على فلان مادام حيا وإن خرجت يده عن القيام بأمر الوقف لم ينقطع عنه المال فحينئذ يأخذه في كل سنة ما دام حيا ولو جعله لولد القيم ونسله أبدا بعد موته جاز وكان ذلك المال جاريا عليهم بعد موته بحكم شرطه (¬2) ولو وقف أرضا ووقف معها عبيدا يعملون فيها وشرط نفقتهم من غلتها بالمعروف ثم مرض بعضهم يستحق النفقة إن قال على أن يجري عليهم نفقاتهم من علتها أبدا ما كانوا أحياء وإن قال لعملهم فيها لا يجرى شئ من الغلة على من تعطل منهم عن العمل ولو باع العاجز واشترى بثمنه عبدا مكانه جاز وان جنا أحد منهم فعل المتولي ¬

_ (¬1) مطلب الجنون المطبق ما يبقي حولا (¬2) مطلب إذا لم يباشر لعذر

[فصل في بيان ما يجوز للقيم من التصرف وما لا يجوز]

ما هو الأصلح من الدفع أو الفداء ولو فداه بأكثر من أرض الجناية كان متطوعا في الزائد فيضمنه من ماله وان فداه أهل الوقف كانوا متطوعين ويتقى العبد على ما كان عليه من العمل في الصدقة ولو وقف أرضه على مواليه مثلا ثم مات فجعل القاضي للوقف قيما وجعل له عشر الغلة وفي الوقف طاحون في يد رجل بالمقاطعة لا يحتاج فيها إلى القيم وأصحاب الوقف يقبضون غلتها منه لا يستحق القيم عشر غلتها لأن (¬1) ما يأخذه إنما هو بطريق الأجرة ولا أجرة بدون عمل والله تعالى أعلم. [فصل في بيان ما يجوز للقيم من التصرف وما لا يجوز] أول ما يفعله القيم في غلة الوقف البداءة بعمارته وأجرة القوّام وإن لم يشرطها الواقف نصا لشرطه إياها دلالة لأن قصده منه وصول الثواب إليه دائما ولا يمكن ذلك إلا بها ويتحرى في تصرفاته النظر للوقف والغبطة لأن الولاية مقيدة به حتى لو آجر الوقف من نفسه أو سكنه بأجرة المثل لا يجوز وكذا آجره من ابنه أو أبيه أو عبده أو مكاتبه للتهمة ولا نظر معها وسيأتي ما فيه من الاختلاف في باب الإجارة ولو اشترى المتولي بما فضل من غلة وقف المسجد حانوتا أو مستغلا آخر جاز لأن هذا من مصالح المسجد فلو باعه اختلفوا فيه والصحيح أنه يجوز لأن المشتري لم يذكر شيئا من شرائط الوقف فلا يكون من جملة أوقاف المسجد ولو خشي القيم هلاك النخل أو الشجر الذي في الأرض يجوز له أن يشتري ما يغرسه فيها لئلا يفنى شجرها وليخلف بعضها بعضا ولو أراد المتولي أن يشتري من غلة وقف المسجد دهنا أو (¬2) حصرا أو إجراء أو حصا ليفرش فيه يجوز أن وسع الواقف في ذلك للقيم بأن قال يفعل ما يراه من مصلحة المسجد وان لم يوسع بل وقف لبناء المسجد وعمارته فليس له أن يشتري ما ذكرنا لأنه ليس من العمارة والبناء وان لم يعرف شرطه في ذلك ¬

_ (¬1) مطلب ما يأخذه القيم أجرة (¬2) مطلب في شراء المتولي الحصر والدهن

ينظر هذا القيم إلى من كان قبله فإن كان يشتري من الغلة ما ذكرنا جاز له الشراء وإلا فلا ولو اشتري بغلته ثوبا ودفعه إلى المساكين يضمن ما نقد من مال الوقف لوقوع الشراء له ولو طلب من القيم خراج الوقف والجباية وليس في يده شئ من الغلة قال الفقيه أبو القاسم أن كان الواقف أمره بالاستدانة جاز وإلا كان ذلك في ماله ولا يرجع به في غلته وقال أبو الليث إذا استقبله أمر ولم يجد بدا من الاستدانة ينبغي له أن يستدين بأمر الحاكم ثم يرجع به في غلة الوقف لأن للقاضي ولاية الاستدانة على الوقف وذكر الناطفي أن القيم لو استدان شيئا ليجعله في ثمن البذر للزراعة في أرض الوقف ان كان بإذن القاضي جاز عند الكل وتقييد الاستدانه بما ذكر إنما هو فيما إذا لم يكن في يده شئ من الغلة وأما إذا كان في يده شئ منها واشترى شيئا للوقف ونقد الثمن من ماله جاز له أن يرجع بذلك في غلته وان لم يكن بأمر القاضي كالوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من ماله فإنه يجوز له الرجوع به على موكله ولا يصح أن يرهن القيم الوقف بدين لأنه يلزم منه تعطيله فلو رهن القيم دارا من الوقف وسكن المرتهن فيها قالوا يجب عليه أجر مثلها سواء كانت معدة للاستغلال أو لم تكن احتياطيا في أمر الوقف ولو تناول الاكار من غلة الوقف شيئا فصالح المتولي على شئ ان وجد بينة على ما ادعى أو كان مقرا لا يملك أن يحط شيئا عنه ان كان الاكار غنيا وان كان محتاجا جاز إن لم يكن ما عليه فاحشا (¬1) ولو أخذ متولي الوقف من غلته شيئا ثم مات بلا بيان لا يكون ضامنا ولو طرح القيم حشيش المسجد الذي يكون في أيام الربيع جاز إن لم يكن له قيمة وإلا فلا يجوز له طرحه ويضمن الآخذ قيمته ولو مال حوانيت بعضها على بعض والأول منه وقف والباقي ملك والمتولي لا يعمر الوقف قال أبو القاسم إن كان للوقف غلة كان ¬

_ (¬1) مطلب أخذ من غلة الوقف ومات بلا بيان لا ضمان عليه

لأصحاب الحوانيت أن يأخذوه بتسوية الحائط المائل من غلة الوقف وإن لم يكن له غلة في يد المتولي رفعوا الأمر إلى القاضي ليأمره بالاستدانة على الوقف لإصلاحه حائط بين دارين أحداهما وقف والأخرى ملك فانهدم وبناه صاحب الملك في حد دار الوقف قال أبو القاسم يرفع القيم الأمر إلى القاضي ليجبره على نقضه ثم يبنيه حيث كان في القديم ولو قال القيم للباني أنا أعطيك قيمة البناء وأقره حيث بنيت وابن أنت لنفسك حائطا آخر في حدك قال أبو القاسم ليس للقيم ذلك بل يأمره بنقضه وبنائه حيث كان في القديم ولو أراد القيم أن يبني في الأرض الموقوفة قرية لأكرتها وحفاظها وليجمع فيها الغلات جاز له ذلك ولو كان الوقف خانا فاحتاج إلى خادم يكسح الخان ويقوم بفتح بابه وسده فسلم القيم بعض البيوت إلى رجل أجرة له ليقوم بذلك جاز وليس له أن يبني في الأرض الموقوفة بيوتا لتستغل بالإجارة لأن استغلال الأرض بالزراعة فإن كانت متصلة ببيوت المصر وترغب الناس في استئجار بيوتها والغلة من البيوت فوق غلة الزراعة جاز له حينئذ البناء لكون الاستغلال بهذا أنفع للفقراء ولو اجتمع من غلة وقف على الفقراء أو على المسجد الجامع مال ثم ناب الإسلام نائبة بأن غلب جماعة من الكفرة على مكان فاحتيج في دفع شرّهم إلى مال يجوز للحاكم أن يصرف ما كان من غلة المسجد في ذلك على وجه القرض إذا لم يكن للمسجد حاجة إلى ذلك المال ويكون دينا ذكره الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري ولو كان الوقف على البر والصدقات وحصلت منه غلة وهو محتاج إلى الإصلاح وظهر لها وجه بر يخاف المتولي فوته ان صرفها إلى العمارة والإصلاح نحو فك الأسارى أو إعانة المغازي المنقطع فإنه ينظر ان لم يكن في تأخير المرمة ضرر ظاهر يخاف منه خراب الوقف يصرفها في ذلك البر ويؤخر المرمة إلى الغلة الثانية وإن كان في تأخيرها ضرر ظاهر يصرفها إلى المرمة فإن فضل شئ يصرفه في ذلك البر والمراد

[فصل في اشتراط الواقف أن من أحده في الوقف حدثا يريد به إبطاله أو نازع القيم فهو خارج منه]

من وجه البر هاهنا وجه فيه تصدق بالغلة على نوع من الفقراء فأما عمارة مسجد أو رباط أو نحو ذلك مما لا يتصور فيه التمليك فإنه لا يجوز صرفها فيه لأن التصدق عبارة عن التمليك فلا يصح إلا على من هو أهل للتملك ولو أنفق المتولي دراهم الوقف في حاجته ثم أنفق من ماله مثلها في مصارفه جاز ويبرأ عن الضمان ولو خلط من ماله بدراهم الوقف مثل ما أنفق كان ضامنا للكل قاله الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل وهذا بناء على القول بأن الخلط استهلاك كما عرف في موضعه والله تعالى أعلم [فصل في اشتراط الواقف أن من أحده في الوقف حدثا يريد به إبطاله أو نازع القيم فهو خارج منه] لو اشترط الواقف في كتاب وقفه ان من أحدث من أهل الوقف حدثا فيه يريد به إبطاله أو شيئا منه أو أفسده بإدخال يد إنسان فيه فهو خارج من هذه الصدقة ولا شئ له في شئ من غلتها وما كان له منها فهو مردود على من كان من أهل هذه الصدقة معينا على إصلاحها وتصحيحها وثباتها في وجوهها وسبلها الموصوفة في هذا الكتاب كان شرطه جائزا وهو على ما شرط فلو نازع بعض أهل الوقف فيه وقالوا إنما نريد تصحيحه وإصلاحه وقال سائرهم إنما يريدون إبطاله وإفساده وقد شرط الواقف أن من فعل ذلك فهو خارج منه ينظر القاضي إلى أمر المنازعين فيه فإن كانوا يريدون بمنازعتهم تصحيحه وإصلاحه فذلك لهم وهم في الوقف على حالهم وإن كانوا يريدون بها إبطاله أخرجهم منها وأشهد على إخراجهم فإن قالوا ان القيم يظلمنا بمنع حقوقنا وإنما ننازعه في حقوقنا لا في إبطال الوقف ينظر القاضي أيضا فيما قالوه كالأول ولو شرط ان من تعرض لفلان وإلى هذه الصدقة من أهلها ونازعه فهو خارج من هذا الوقف ولا حق له فيه من غير تقييد بإبطال الوقف وإفساده ونازعه بعضهم وقال منعني حقي من الغلة فإنه يكون خارجا عنه ولم يبق له فيه حق وإن كانت منازعته لطلب حقه عملا بشرطه المطلق لأنه لو صرح به فقال على أنه ان

[فصل في إنكار المتولي الوقف وفي غصب الغير إياه]

نازع فلانا ناظر هذه الصدقة أحد فطالبه بحقه من الغلة فهو خارج من الوقف ولا حق له فيه فطالبه واحد منهم بحقه فإنه يخرج منه فهذا كذلك ولو شرط أنه ان نازع فلانا متولي هذه الصدقة أحد من أهل الوقف فأمره إليه أو قال إلى فلان رجل آخر إن شاء أقره وإن شاء أخرجه وصرف ما كان له من الغلة إلى من يرى من أهل الوقف كان أمر النازع في الإبقاء وعدمه إليه فإن أخرجه مرة ليس له أن يعيده وإن أراد إخراجه فكلم فيه فأبقاه له إخراجه بعد ذلك والفرق أن بإخراجه إياه قد فعل ما شرط له وليس فيه ما يقتضي التكرار وبقائه لم يفعل شيئا وإنما تركه وهو ليس بفعل فكان الشرط باقيا بحاله ولو شرط له رد من يخرجه منه جاز له رده ثم لو نازعه بعد الرد ورأى إخراجه ليس له إخراجه لانتهاء الشرط إلا أن يذكر لفظا يقتضي تكرار الإخراج منه بمنازعته له كقوله وكلما نازعه أخرجه وإن رأى رده أعاده فحينئذ يجوز له تكرار العزل والتوليه في كل منازعة ولو شرط مثل ذلك للقيم وشرط له الإيصاء به جاز وإذا أوصى به إلى رجل جاز له مثل ما جاز للأصل ولو شرط الإيصاء بذلك الشرط لكل من يلي عليه عم الحكم كل من يلي عليه من القوام والله تعالى أعلم. [فصل في إنكار المتولي الوقف وفي غصب الغير إياه] لو أنكر المتولي الوقف وادعى أنه ملكه يصير غاصبا له ويخرج من يده لصيرورته خائنا بالإنكار ثم إن كان الواقف حيا فهو خصمه في إخراجه من يده ثم هو بالخيار إن شاء أبقاه في يد نفسه وإن شاء دفعه إلى من يثق به وجعله واليا عليه وإن نقصت الأرض ضمن النقصان الحاصل بعد الجحود لا ما قبله لصيرورته غاصبا لها من ذلك الوقت وكذلك إذا انهدم شئ من الدار بعد إنكار وقفيتها فإنه يضمنه ويبني به ما انهدم منها وإن كان ميتا وطالبه أهل الوقف به أقام القاضي له قيما وأخرجه من يده إذا صح أمره عنده ولو غصبها غير المتولي ترد إليه ويضمن الغاصب النقصان ويصرف بذله في عمارتها

ولا يصرف لأهل الوقف لكونه بدل العين التي وقع عليها عقد الوقف وليس لهم فيها حق فكذا فيما قام مقامها وإنما حقهم في الغلة خاصة (¬1) ولو هدم الغاصب منها بناء وأدخل فيها جذوعا وآجرّا ضمن ما انهدم منها وأمر بهدم ما بني فيها ولو كانت أرضا وغرس فيها أشجارا أمر بقلعها إن لم يضر الهدم والقلع بالوقف وإن أضر به بأن تخرب الدار وتنقص الأرض برفعهما لا يمكن منه ويضمن القيم له قيمتها مقلوعين إن كان في يده من غلته ما يكفي للضمان وإلا آجره وأعطى الضمان من الأجرة وإن أراد الغاصب قلع الشجر من أقصى موضع لا ينقص الأرض فله ذلك ولا يجبر على أخذ القيمة ثم يضمن له ما بقي في الأرض من الشجر إن كان له قيمة وإلا فلا ولو كانت أرضا فكر بها الغاصب وحفر أنهارها أو فعل نحو ذلك مما ليس بمال متقوم لا يرجع بشئ ولو كانت دارا فنقي مخارجها وجصصها وطين سطوحها لا شئ له إن لم يمكنه أخذه وإن أمكنه الأخذ أخذه وإن نقصت الدار بأخذه ضمنه ولو غصبه رجل وأخرجه من يد نفسه أو غصب منه وعجز عن رده في الصورتين ضمن قيمته في قول من يرى تضمين العقار ثم يشتري بها بدل ويكون في يد الناظر كما كان الأصل فإن ردت الأرض المغصوبة قبل أن يشترى بالقيمة بدل ترد إلى من أخذت منه وإن ردت بعد الشراء رجعت الأرض إلى ما كانت عليه وقفا ويضمن القيم القيمة للغاصب وتكون الأرض التي اشتراها له ويرجع على أهل الوقف بما صرفه عليهم من غلتها ولو باعها ليرد له عوض القيمة بأنقص منها كان النقصان عليه خاصة ولا يرجع به في غلة الوقف قياسا واستحسانا ذكره هلال ولو ضاعت منه القيمة لا يضمنها لهم لكونه أمينا ولو هلكت القيمة ثم ردت الأرض المغصوبة ضمن قيمتها ويرجع بها في غلة الوقف ثم بعد الاستيفاء تصرف الغلة لأهلها ولو ضمن الغاصب قيمة ¬

_ (¬1) مطلب هدم الغاصب منه بناء وأدخل جذوعا وأجرا ضمن ما انهدم وأمر بهدم ما بني الخ

الوقف الذي خرج من يده لعجزه عن ردّه رجع إلى يده فإنه لا يملكه لعدم قبوله الملك كالمدبر إذا غصب وضمن غاصبه قيمته لعجزه عن ردّه باباقه مثلا فإنه لا يملكه إذا ظهر بل يعود إلى مولاه ويرد إلى الغاصب ما أخذ منه وليس له حبس الوقف بعد رجوعه إليه لأخذ ما دفعه كالمدبر ولو استغل الغاصب الأرض سنين بالزراعة فالغلة له وعليه قيمة ما نقص من الأرض ولا يلزمه أجر مثلها وهذا قول المتقدمين وقال المتأخرون بلزوم أجر مثلها وأجر مثل مال اليتيم وما أعدّ للاستغلال ولو استغل نخلها وشجرها فعليه رد الغلة إن كانت قائمة ورد مثلها أو قيمتها إن كانت هالكة اتفاقا بين المتقدمين والمتأخرين لكونها نماء من عين الوقف ويصرف ذلك لأربابه لتعلق حقهم به خلاف قيمة عين الوقف على ما بينا ولو أخرجت الأرض في يد الغاصب غلة ثم تلفت بآفة سماوية لا ضمان عليه لعدم وجود الغصب فيها ولو زادت قيمة الوقف في يد الغاصب ثم غصب منه وعجز عن رده ينبغي للقيم أن يختار تضمين الثاني لكونه أوفر على أهل الوقف إلا أن يكون معدما وإذا اتبع القيم أحدهما برئ الآخر من الضمان كالمالك إذا اختار تضمين الأول أو الثاني برئ الآخر ولو غصب أرضا أو دارا فهدم بناء الدار وقلع أشجار الأرض ولم يقدر على ردّها فضمنه القيم قيمة الأرض والشجر أو الدار والبناء ثم رد الأرض أو الدار والنقض المهدوم والشجر المقلوع باق بعد فإنه يكون للغاصب فيرد إليه القيم حصة الأرض من القيمة ويصرف حصة الشجر والبناء في العمارة ولو هدم بناء الدار غير الغاصب يأخذ القيم أرض الدار من الغاصب ثم هو بالخيار في تضمين قيمة البناء أيهما شاء فإن ضمن الغاصب رجع بما ضمن على الهادم وإن ضمن الهادم لا يرجع على أحد ولو ضمن الغاصب الجاني قيمة البناء لم يبق للقيم عليه سبيل وإن كان الغاصب

[باب إجارة الوقف ومزارعته ومسافاته]

معدما لرده القيمة إلى ما كان الوقف في يده يوم الجناية ولو عصب رجل أرضا وقف وأجرى عليها الماء حتى صارت بحرا لا تصلح للزراعة يضمن قيمتها ويشتري بها أرض أخرى فتكون وقف على شروط الأولى ولو وقف رجل موضعا فاستولى عليه غاصب وحال بين الوقف وبينه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يأخذ من الغاصب قيمته ويشتري بها موضعا آخر فيقفه على شرائط الأول فقيل له أليس بيع الوقف لا يجوز فقال إذا كان الغاصب جاحدا وليس للوقف بينة يصير مستهلكا والشيء المسبل إذا صار مستهلكا يجب به الاستبدال كالفرس المسبل إذا قتل والعبد الموصى لخدمة الكعبة إذا قتل والله تعالى أعلم. [باب إجارة الوقف ومزارعته ومسافاته] لو شرط الواقف أن لا يؤجر المتولي الوقف ولا شيئا منه أو أن لا يدفعه مزاره أو أن لا يعامل على ما فيه من الأشجار أو شرط أن لا يؤجره إلا ثلاث سنين ثم لا يعقد عليه إلا بعد انقضاء العقد الأول كان شرطه معتبرا ولا يجوز مخالفته ولو قال من أحدث من ولاة هذه الصدقة شيئا مما ذكر خارج من ولايتها وهي إلى فلان كان كما قال ولو لم يذكر في صك الوقف إجارته فرأى الناظر إجارته أو دفعه مزارعة مصلحة قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله ما كان أدر على الوقف وأنفع للفقراء جاز له فعله إلا أن في الدور لا تؤجر أكثر من سنة لأن المدة إذا طالت تؤدي إلى إبطال الوقف فإن من رآه يتصرف فيها تصرف الملاك على طول الزمان يظنه مالكا أما في الأرض فإن كانت تزرع في كل سنة لا يؤجرها أكثر من سنة وإن كانت تزرع في كل سنتين مرة أو في كل ثلاث سنين مرة جاز له أن يؤجرها مدة يتمكن المستأجر من زراعتها ولو شرط إن لا تؤجر أكثر من سنة والناس لا

يرغبون في استئجارها سنة وإيجارها أكثر من سنة أدر على الوقف وأنفع للفقراء لا يجوز له مخالفة شرطه بإيجارها أكثر بل يرفع الأمر إلى القاضي ليؤجرها أكثر من سنة لكونه أنفع للوقف فإن للقاضي ولاية النظر للفقراء والغائبين والموتى ولو استثنى في كتاب وقفه فقال لا تؤجر أكثر من سنة إلا إذا كان أنفع للفقراء فحينئذ يجوز له إيجارها إذا رأى ذلك خيرا من غير رفع الأمر إلى القاضي للإذن له منه فيه ولو أجر القيم دار الوقف خمس سنين قال الشيخ أبو القاسم البلخي لا يجوز إجارة الوقف أكثر من سنة إلا من عارض يحتاج إلى تعجيل الأجرة لحال من الأحوال وقال الفقيه أبو بكر البلخي أنا لا أقول بفساد الإجارة مدة طويلة لكن الحاكم ينظر فيها فإن حصل للوقف بها ضرر أبطلها وهكذا قال الإمام أبو الحسن عليّ السغدي وعن الفقيه أبي الليث انه كان يجيز إجارة الوقف ثلاث سنين من غير فصل بين الدار والأرض إذا لم يكن الواقف شرط أن لا تؤجر أكثر من سنة وعن الإمام أبي حفص البخاري أنه كان يجيز إجارة الضياع ثلاث سنين فإن أجر أكثر من ثلاث سنين اختلفوا فيه قال أكثر مشايخ بلخ لا يجوز وقال غيرهم يرفع الأمر إلى القاضي حتى يبطله وبه أخذ الفقيه أبو الليث ولو احتاج القيم إلى إجارة الوقف إجارة طويلة قالوا الوجه فيه أن يعقد عقودا مترادفة كل عقد على سنة ويكتب في الصك استأجر فلان بن فلان أرض كذا وكذا ثلاثين سنة بثلاثين عقدا عقد كل سنة بكذا من غير أن يكون بعضها شرطا لبعض فيكون العقد الأول لازما لأنه منجز والثاني غير لازم لأنه مضاف وفيه نظر لأنهم قالوا بأن الأول لازم والثاني غير لازم لكونه مضافا فلا يفيد المقصود وذكر شمس الأئمة السرخسي أن الإجارة المضافة تكون لازمة في أحدى الروايتين وهو الصحيح وذكروا أيضا أن القيم إذا احتاج إلى تعجيل الأجرة يعقد عقودا مترادفة على نحو ما قالوا وأجمعوا أن الأجرة لا تملك في الإجارة

المضافة باشتراط التعجيل فكان فيما قالوا نظر من هذا الوجه ولو أجر متولي الوقف أو وصي اليتيم منزلا للوقف أو لليتيم بدون أجر المثل قال الشيخ الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الفضل على أصل أصحابنا ينبغي أن يكون المستأجر غاصبا وذكر الخصاف في كتابه أنه لا يصير عاصبا ويلزمه أجر المثل فقيل له أتفتي بهذا قال نعم ووجهه أن المتولي والوصي أبطلا بالتسمية ما زاد على المسمى إلى تمام أجر المثل وهما لا يملكانه فيجب أجر المثل كما لو أجر من غير تسمية أجر وقال بعضهم يصير المستأجر غاصبا عند من يرى غصب العقار فإن لم ينتقص شئ من المنزل وسلم كان على المستأجر الأجر المسمى لا غير والفتوى على أنه يجب أجر المثل على كل حال وعن القاضي الإمام أبي الحسن على السغدي في هذا رجل غصب دار صبي أو وقفا كان عليه أجر المثل فإذا وجب أجر المثل ثم فما ظنك في الإجارة بأقل من أجر المثل ولو استأجر وقفا ثلاث سنين بأجرة معلومة هي أجر مثلها فلما دخلت السنة الثانية كثرت رغائب الناس فيها فزاد أجر الأرض قالوا ليس للمتولي نقض الإجارة بنقصان أجر المثل لأنه إنما يعتبر وقت العقد وفي وقته كان المسمى أجر المثل فلا يضر التغيير بعد ذلك ولو كان أحد المستحقين متوليا فاجر فمات لا تنفسخ الإجارة لأنها وقعت للوقف كما لا تنفسخ بموت الوكيل المؤجر أو القاضي ولو تقبل المتولي الوقف لنفسه لا يجوز لأن الواحد لا يتولى طرفي العقد إلا إذا تقبله من القاضي لنفسه فحينئذ يتم لقيامه باثنين ولو استأجر رجل أرضا وقفا وبني فيها حانوتا ثم جاء آخر فزاد في أجرة الأرض وأراد إخراجه منها ينظر إن كان استأجرها مشاهرة جاز للمتولي فسخها عند رأس الشهر لأنها إذا كانت مشاهرة يتجدد انعقادها عند رأس كل شهر ثم إن لم يضر رفع البناء بالأرض كان لصاحبه رفعه وإن أضر جاز للمتولي أن يدفع إليه قيمته ويصير وقفا وإن امتنع من ذلك لا يجبر بل يتربص

صاحب البناء إلى أن يمكن تخليصه من غير ضرر بالوقف فيأخذه ولو أجر المتولي ضيعة من رجل سنين معلومة ثم مات المؤجر والمستأجر قبل انقضاء المدة فزرع ورثته الأرض ببذرهم قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل تكون الغلة للورثة ثم إن انتقصت بزراعتهم بعد موت المستأجر يلزمهم ضمان النقصان ويصرف في مصالح الوقف دون أهله لما مر وهذا على وزان قوله في إجارة الوقف بدون أجر المثل ولو استأجر المتولي رجلا في عمارة المسجد بدرهم ودانق وأجر مثله درهم فاستعمله في عمارته ونقد الأجر من مال الوقف قالوا يكون ضامنا جميع ما نقد لأنه لما زاد في الأجر أكثر مما يتغابن الناس فيه صار مستأجرا لنفسه دون المسجد فإذا نقد من ماله يلزمه ضمانة ولو كانت الزيادة مما يتغابن فيها تقع الإجارة للمسجد فلا يضمن ما دفع ومثله حكما وتفصيلا ما إذا استأجر مؤذنا ليخدم المسجد بأجرة معلومة لكل سنة ولو استأجر فقير دارا موقوفة على الفقراء وسكن فيها وترك المتولي الأجر له بحصته من الوقف جاز كما لو ترك الإمام خراج الأرض لمن له حق في بيت المال بحصته منه وللمتولي أن يحتال على مديون لمستأجر الوقف إن كان مليا وإن أخذ منه كفيلا بالأجر فهو أولى بالجواز (¬1) ولو مات بعض الموقوف عليهم قبل انتهاء مدة الإجارة يكون ما وجب من الغلة إلى أن مات لورثته وما يجب منها بعد موته لجهات الوقف وهكذا الحكم لو كانت الأجرة معجلة ولم تقسم بينهم وبعد القسمة كذلك في القياس وقال هلال رحمه الله غير أني استحسن إذا قسم المعجل بين قوم ثم مات بعضهم قبل انقضاء الأجل إني لا أرد القسمة وأجيز ذلك ولو أجر القيم الوقف ممن يستحق غلته جاز لأن حق الموقوف عليهم في الغلة لا في رقبة الوقف، حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر ¬

_ (¬1) مطلب مسألة في استحقاق الميت ما خرج من الغلة قبل موته

المثل قالوا إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الأصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه ويؤجر من غيره وإلا يترك في يده بذلك الأجر، دار لرجل فيها موضع وقف بمقدار بيت واحد وليس في يد المتولي شئ من غلة الوقف وأراد صاحب الدار استئجاره مدة طويلة قالوا إن كان لذلك الموضع مسلك إلى الطريق الأعظم لا يجوز له أن يؤجره مدة طويلة لأن إبطال الوقف وإن لم يكن له مسلك إليه جازت إجارته مدة طويلة ولو باع القيم أشجارا في أرض الوقف ثم أجر الأرض من المشتري قالوا إن باعها بعروقها ثم أجره الأرض الوقف ثم أجر الأرض من المشتري قالوا إن باعها بعروقها ثم أجره الأرض جازت الإجارة وإن باعها من وجه الأرض ثم أجره الأرض لا تصح الإجارة لأن مواضع الأشجار مشغولة وهذا الحكم لا يختص بالوقف ولو أجر الناظر الوقف بشئ من العروض أو بحيوان معين قيل يجوز بلا خلاف بخلاف بيع الوكيل وإجارته به فإنه يجوز عند أبي حنيفة ولا يجوز عندهما قال الفقيه أبو جعفر في زماننا الإجارة تكون على الاختلاف أيضا لأن المتعارف الإجارة بالدراهم والدنانير ولو أجرها بحنطة أو شعير مطلق جاز العقد ولو شرطه مما يخرج منها فسد، ولو (¬1) أجر الموقوف عليه الوقف قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله في كل موضع يكون كل الأجر له بأن لم يكن الوقف محتاجا إلى العمارة ولم يكن معه شريك فيه جاز له إيجار الدور والحوانيت وأما الأرض فإن شرط الواقف البداءة بالخراج أو العشر وجعل للموقوف عليه ما فضل من العمارة والمؤنة لم يكن له إيجارها لأنه لو جازت إجارته كان جميع الأجر له بحكم العقد فيفوت شرط الواقف وإن لم يكن شرط البداءة بما ذكرنا وأجرها الموقوف عليه أو زرعها لنفسه ينبغي أن يجوز ويكون الخراج والمؤن عليه وكذا لو كان الموقوف عليهم اثنين أو أكثر فتهايؤا فيها وأخذ كل واحد أرضا ¬

_ (¬1) مطلب أجر الموقوف عليه الوقف

ليزرعها لنفسه لا يجوز وعن أبي يوسف إن كانت الأرض عشرية تجوز مهايأتهم وإن كانت خراجيه لا تجوز لأن العادة في الأراضي الخراجيه أنهم يشترطون البداءة بالخراج من غلتها فلو جاز فيها التهايؤ لم يكن الخراج في الغلة ويكون في ذمة الموقوف عليهم فيكون فيه تغيير شرط الواقف، أرض موقوفة في قرية يزرعها أهل القرية بالثلث أو النصف وفيها حاكم من جهة قاضي البلدة فاستأجر رجل من الحاكم الأرض سنة بدراهم معلومة فلما أدرك الزرع جاء المتولي وطلب حصة الوقف من الخارج قال بعضهم للمتولي ان يأخذ حصة الوقف من الخارج على عرف أهل القرية لان قاضي البلدة ان جعله متوليا قبل تقليد الحاكم أو كان متوليا من جهة الواقف لا تدخل تولية الحاكم في تقليده وإن جعله متوليا بعد ما قلد الحاكم الحكومة فقد أخرجه عن الولاية على تلك الأرض فلا تصح إجارته ويجعل وجودها كعدمها فمتى زرعها المستأجر يصير كأن المتولي دفعها إليه مزارعة على ما هو المتعارف في تلك القرية فكان للمتولي أن يأخذ ذلك من الخارج ولو غصب أرضا وقفا وفعل فيها شيئا ليس بمتقوم كالكراب وحفر الأنهار أو ألقى فيها سرقينا واختلط بالتراب وصار بمنزلة المستهلك لا يضمن القيم وإن زاد فيها مالا متقوما كالبناء والشجر يأمر بقلعه كما تقدم ولو أجر الوقف بما لا يتغابن فيه لا تجوز الإجارة وينبغي للقاضي إذا رفع إليه ذلك أن يبطلها ثم إن كان المؤجر مأمونا وكان ما فعله على سبيل السهو والغفلة فسخ الإجارة وأقرها في يده وإن كان غير مأمون أخرجها من يده ودفعها إلى من يوثق به وهكذا الحكم لو أجرها سنين كثيرة يخاف على الوقف تبطل الإجارة ويخرجها من يد المستأجر ويجعلها في يد من يوثق به (¬1) ولو قال المتولي قبضت الأجرة ودفعتها إلى هؤلاء الموقوف عليهم وأنكروا ذلك كان القول ¬

_ (¬1) مطلب قال قبضت الأجرة ودفعتها إلى الموقوف عليهم الخ

قوله مع يمينه ولا شئ عليه كالمودع إذا ادعى رد الوديعة وأنكر المودع لكونه منكرا معنى وإن كان مدعيا صورة والعبرة للمعنى ويبرأ المستأجر من الأجر وكذلك لو قال قبضت الأجرة وضاعت مني أو سرقت كان القول قوله مع يمينه لكونه أمينا ولو أجر المتولي الوقف من أبيه أو ابنه أو من عبده أو مكاتبه لا يجوز عند أبي حنيفة ويجوز عندهما فيما سوى عبده ومكاتبه ولو استأجر من رجل أرضا أو دارا وقفا إجارة فاسدة وزرعها أو سكنها يلزمه أجر مثلها لا يتجاوز به المسمى ولو لم يزرعها أو لم يسكنها لا يلزمه أجرة وهذا بناء على قول المتقدمين ولو تبين أن المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة ويخرجه من يده (¬1) ولا ينفرد أحد الناظرين بالإجارة ولو وكل أحدهما صاحبه فعقد جازت الإجارة ولو أذن القيم للمستأجر بالعمارة وقاصصه من الأجرة جاز ولو اشترط المرمة عليه تفسد الإجارة لجهالتها بخلاف ما لو عين لها دراهم معلومة فإن الإجارة تكون صحيحة ولو استأجر دار الوقف وجعل رواقها مربط الدواب يضمن النقصان لأنه بغير أذن (¬2) ولا يؤجر الغرس الحبيس في سبيل الله إلا إذا احتاج إلى النفقة وإذا دفع المتولي الأرض مزاره إلى رجل ليزرعها ببذره على أن ما أخرج الله تعالى يكون نصفه للوقف ونصفه للمزارع جاز عند أبي يوسف ومحمد وكذلك ان دفع البذر والأرض مزارعة بالنصف جاز إن كان فيها محاباة يتغابن بمثلها وإن لم يتغابن بمثلها لا يجوز ولو كان في أرض الوقف شجر فدفعه معاملة بالنصف مثلا جاز ولو زرعها القيم ببذر أهل الوقف جاز وله أن يكري أنهارها وسواقيها وإذا دفعها مزارعة فالخراج أو العشر من حصة أهل الوقف لأنها إجارة معنى ولا يسقط العشر بوقف الأرض لأن ¬

_ (¬1) مطلب لا ينفرد أحد الناظرين بالإجارة (¬2) مطلب لا يؤجر الغرس الحبيس إلا إذا احتاج إلى النفقة

الله تعالى عين له وجها فلا يتغير بالوقف ألا ترى أنه يجوز وقفها على غير من جعل الله له العشر ابتداء وصار كما لو نذر التصدق بهاتين المائتين ثم حال عليها الحول فإنه يلزمه زكاتها ثم يصرف الباقي فيما نذر ولو دفع الناظر الأرض مزارعة والشجرة مساقاة ثم مات قبل انقضاء الأجل لا يبطل العقد لأنه عقده لأهل الوقف بخلاف ما لو مات المزارع قبل انتهاء الأجل فإنه يبطل العقد لأنه عقده لنفسه ولو زرعها الواقف وقال زرعتها لنفسي ببذري وقال أهل الوقف زرعتها لنا كان القول قوله ويكون الخارج له وإن لم يشترط استغلالها لنفسه لكون البذر من قبله ولو سألوا القاضي في أن يخرجها من يده لزرعه إياها لنفسه لا يخرجها من يده بل يأمره بزرعها للوقف فإن اعتل بعدم البذر والمؤن المحتاج إليها أذن له بالإستدانه على الوقف وصرف ما يستدينه في ثمن البذر وما لا بد منه للزرع فإن ادعى العجز يأمر القاضي أهل الوقف بذلك مع بقائها في يد الواقف فإن قالوا انه إذا صار ذلك في يده يأخذه ويجحدنا ولكن نزرعها نحن لنا وترفع يده عنه لا يجيبهم إلى ذلك لأنه أحق بالقيام عليه إلا أن يكون غير مأمون فحينئذ يخرجه من يده ويجعله في يد من يوثق به وإذا صار الخارج له يضمن ما نقصت الأرض بزراعته وإذا زرعها ثم أصاب الزرع آفة فقال زرعتها لهم صدق في ذلك وله أن يأخذ ما استدان لكلفها من غلة أخرى ولو اختلف هو وأهل الوقف فيما أنفق كان القول قوله فيه لأن إليه ولايتها وكذا لو زرعها غيره وادعى أنه زرعها للوقف وصدقه الواقف على ذلك لكونه وكيلا عنه في زراعتها وكذلك لو اختلف متوليها مع أهل الوقف فقال زرعتها لنفسي وقالوا إنما زرعتها لنا كان القول قوله في ذلك لكون البذر له وما حدث منه فهو لصاحبه فصار كالواقف والله تعالى أعلم.

[باب بناء المساجد والربط والسقايات والدور في الثغور والخانات وجعل الأرض مقبرة]

[باب بناء المساجد والربط والسقايات والدور في الثغور والخانات وجعل الأرض مقبرة] قال أبو يوسف رحمه الله ليس التسليم بشرط في المسجد ولا في غيره من الأوقاف وقد تقدّم بيان وجهه فإذا قال جعلت هذا المكان مسجدا وأذن للناس بالصلاة فيه يصير مسجدا وقال محمد رحمه الله وهو قياس قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يزول عن ملكه قبل التسليم وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي ثم التسليم في المسجد أن يصلى فيه بالجماعة بإذنه وعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية الحسن عنه يشترط أداء الصلاة فيه بجماعة بإذنه اثنان فصاعدا وبها أخذ محمد وفي رواية أخرى عنه إذا صلى فيه واحد بإذنه يصير مسجدا إلا أن بعضهم قالوا إذا صلى فيه واحد بأذان وإقامة ولم يذكر هذه الزيادة في ظاهر الرواية فيكتفى بصلاة الواحد لان المسجد حق الله تعالى أو حق عامة المسلمين والواحد في استيفاء حق الله تعالى وحق العامة يقوم مقام الكل والصحيح رواية الحسن لأن قبض كل شئ وتسليمه يكون بحسب ما يليق به وهو في المسجد بأداء الصلاة بالجماعة أما الواحد فإنه يصلي في كل مكان ثم على الرواية التي لا يشترط الأداء فيها بجماعة إذا بني رجل مسجدا وصلى فيه هو وحده هل يصير مسجدا اختلفوا فيه فقال بعضهم نعم لأن محمدا ذكر في الكتاب أن على قول أبي حنيفة لا يصير مسجدا حتى يصلى فيه مبنيا للمجهول فيدخل فيه بانيه وغيره وقال بعضهم لا تكفي صلاته وهو الصحيح لأنها إنما تشترط لأجل القبض للعامة وقبضه لا يكفي فكذا صلاته ولو بناه وسلمه إلى المتولي هل يصير مسجدا قبل أداء الصلاة فيه لا رواية فيه عن أصحابنا واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يصير مسجدا ويتم كما تتم سائر الأوقاف بالتسليم إلى المتولي لأنه نائب عن الموقوف عليهم قال في الاختيار وهو الصحيح وكذا إذا سلمه إلى القاضي أو نائبه وقال بعضهم

لا يصير مسجدا بالتسليم إلى المتولي وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله إذ قبض كل شئ بما يليق به كما مر في شرط التسليم رجل له ساحة لا بناء فيها فأمر قوما ان يصلوا فيها بجماعة قالوا إن أمرهم بالصلاة أبدا أو لم يذكره ولكن أراده ثم مات لا يورث عنه وإن أمرهم بالصلاة شهرا أو سنة ثم مات يكون لورثته لأنه لا بد من التأبيد والتوقيت ينافيه ولو جعل داره مسجدا وجعل رجلا واحدا مؤذنا وإماما فأذن الرجل وأقام وصلى وحده كان تسليما لأن أداها بأذان وإقامة كإقامة الجماعة ولهذا قالوا لو صلى واحد من أهل المسجد بأذان وإقامة لا يكون لمن يجئ بعده من أهله أداؤها فيه بالجماعة عند البعض ولو جعل متولي المسجد منزلا موقوفا على المسجد مسجدا وصلى الناس فيه سنين ثم تركت الصلاة فيه وأعيد منزلا مستغلا جاز لعدم صيرورته مسجدا يجعل المتولي ولو اتخذ رجل مسجدا لصلاة الجنازة أو لصلاة العيد هل يكون له حكم المسجد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكون مسجدا حتى إذا مات لا يورث عنه وقال بعضهم ما اتخذ لصلاة الجنازة فهو مسجد فلا يورث عنه وما اتخذ لصلاة العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما يعطى له حكم المسجد في صحة الإقتداء بالإمام وإن كان منفصلا عن الصفوف وفيما سوى ذلك فليس له حكم المسجد وقال بعضهم له حكم المسجد حال أداء الصلاة لا غير وهو والجبانة سواء ويجنب هذا المكان عما تجنب عنه المساجد احتياطا ولو اتخذ مسجدا وتحته سرداب أو فوقه بيت أو جعل وسط داره مسجدا وإذن للناس بالدخول والصلاة فيه من غير أن يفرز له طريقا لا يصير مسجدا ويورث عنه إلا إذا كان السرداب أو العلو لمصالح المسجد أو كانا وقفا عليه وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أنه أجاز أن يكون الأسفل مسجدا إذا كان الأعلى ملكا لأن الأسفل أصل وهو مما يتأبد دون العكس وعن محمد رحمه الله انه لما دخل

الري أجاز ذلك بكل حال لضيق المنازل وعن أبي يوسف مثله لما دخل بغداد (¬1) ولو خرب المسجد وما حوله وتفرق الناس عنه لا يعود إلى ملك الواقف عند أبي يوسف فيباع نقضه بإذن القاضي ويصرف ثمنه إلى بعض المساجد ويعود إلى ملكه أو إلى ورثته عند محمد وذكر بعضهم أن قول أبي حنيفة كقول أبي يوسف وبعضهم ذكره كقول محمد وهذا بناء على ما تقدم من اشتراط التسليم عند محمد ابتداء فكذا وبقاه وعدمه عند أبي يوسف رحمه الله مطلقا ومن بني رباطا أو خانا أو حوضا أو حفر بئرا أو جعل أرضه سقاية أو مقبرة أو طريقا للمسلمين فعند أبي حنيفة لا يلزم ما لم يحكم به حاكم أو يعلقه بموته على ما تقدم من أصله وعند أبي يوسف يلزم بمجرد القول لما تقدم من ان التسليم ليس بشرط عنده وعند محمد يشترط التسليم وهو النزول في الخان والرباط والشرب من الحوض والاستقاء من البئر والسقاية والدفن في المقبرة بإذنه في الكل ويكتفى فيه بفعل واحد لتعذر الكل كما تقدم في أول الفصول وفي قاضيخان وقال محمد إن دفن فيها اثنان فلا رجوع وكأنها رواية عنه ووجهها أنه اعتبر أدنى جمع الميراث والوصية ولو بني مارستانا لتعالج فيه المرضى ووقف عليه أرضا لتنفق غلتها على ما يحتاج إليه المرضى والأطباء يجوز إن جعل آخره للمساكين ولو كان طريق العامة واسعا فبنى فيه أهل محلة مسجدا للعامة وهو لا يضر بالمارة قالوا لا بأس به وهو يروي عن أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لأن الطريق للمسلمين والمسجد لهم أيضا ولو احتيج إلى توسعته من الطريق أو توسعة الطريق منه ولا ضرر فيها على الآخر يجوز لما قلنا (¬2) وليس لأهل المحلة أن يدخلوا شيئا من الطريق في دورهم ولو لم يضر بالمارة ولو ضاق المسجد على الناس ¬

_ (¬1) مطلب خراب المسجد وما حوله (¬2) مطلب ليس لأهل المحلة ان يدخلوا شيئا من الطريق في دورهم

ويجنبه أرض ملك لرجل تؤخذ منه بالقيمة كرها دفعا للضرر العام ويجبر الخاص بأخذ القيمة ولو كانت وقفا على المسجد وأرادوا الزيادة فيه منها يجوز بإذن القاضي ولو أراد فيم المسجد أن يبني حوانيت في حرم المسجد وفنائه قال الفقيه أبو الليث لا يجوز له أن يجعل شيئا من المسجد سكنا ومستغلا ولو أذن السلطان لقوم أن يجعلوا أرضا من أراضي البلدة حوانيت وقف على المسجد أو أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن فتحت عنوة وهو لا يضر بالناس ينفذ أمره فيها وإن فتحت صلحا لم ينفذ لأنها إذا فتحت عنوة تصير ملكا للغانمين فينفذ أمره فيها وإذا فتحت صلحا تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمره فيها (¬1) ولو حول أهل المحلة باب المسجد من موضع إلى موضع آخر جاز ولو اشترى رجل موضعا وجعله طريقا للمسلمين وأشهد على ذلك صح ويشترط مرور واحد من الناس فيه بإذنه على قول من يشترط القبض في الوقف قال في قاضيخان وسوَّى في الكتاب بين الطريق والمقبرة وسائر الأوقاف وقال على قول أبي حنيفة يكون له الرجوع فيها إلا في المسجد خاصة وروى الحسن عي أبي حنيفة أنه لا يرجع في المقبرة في الموضع الذي دفن فيه ويرجع فيما سواه لان النبش قبيح وحكي عن الحاكم المعروف بمهرويه انه قال وجدت في النوادر عن أبي حنيفة أنه أجاز وقف المقبرة والطريق كما أجاز المسجد وكذا القنطرة يتخذها الرجل للمسلمين يتطرقون فيها ولا يكون بناؤها ميراثا لورثته وقال الخصاف بعد ذكره أوقاف الصحابة ومما يؤيد ذلك ويصححه بناء المساجد فإن الناس جميعا أجمعوا عليها ثم قال وكذلك بناء الخانات للسبيل وكذلك عمارة السقايات للمسلمين وكذلك بناء الدور في الثغور للسبيل وكذلك بناء الدور بمكة ينزلها الحاج وكذلك رجل جعل داره أو بعضها طريقا للمسلمين وأخرجه عن ملكه وأبانه له فليس له الرجوع في ذلك ¬

_ (¬1) مطلب حول أهل المحلة باب المسجد جاز

ولا رده إلى ملكه فهذه الأشياء كلها خارجة عن أملاك مالكيها إلى السبل التي جعلوها فيها فالوقوف مثلها وظاهر أن ما ذكره الخصاف من جنس ما حكي عن الحاكم من وجدانه الرواية عن أبي حنيفة فكان عنه ثلاث روايات الرجوع إلا في المسجد خاصة على ما قاله قاضيخان من تسوية الكتاب الخ والرجوع إلا في المسجد وموضع الدفن على رواية الحسن والرجوع إلا فيما ذكره الحاكم والخصاف والله أعلم، رجل قال جعلت حجرتي هذه لدهن سراج المسجد ولم يزد عليه قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله تصير الحجرة وقفا عليه إذا سلمها إلى المتولي وعليه الفتوى وليس له أن يصرفها في غير الدهن وعن أبي حنيفة إذا جعل أرضه وقفا على المسجد وسلم جاز ولا يكون له الرجوع لأن الوقف عليه بمنزلة جعل الأرض مسجدا أو بمنزلة زيادة في المسجد رجل تصدق بداره على المسجد أو على طريق المسلمين تكلموا فيه والفتوى على أنه يجوز وذكر الناطفي أنه يجوز ويكون ميراثا عنه وقد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة في فصل ما يتوقف جواز الوقف عليه وفي قاضيخان لو وقف أرضه على كل مؤذن يؤذن أو يؤم في مسجد بعينه قال الشيخ إسماعيل الزاهد لا يجوز هذا الوقف لأنه قربة وقعت لغير معين وقد يكون ذلك المؤذن أو الإمام غنيا وقد يكون فقيرا فلا يجوز وإن كان المؤذن فقيرا وتجوز الصدقة على الفقير لكن الوقف على هذا الوجه لا يجوز أيضا والحيلة في ذلك أن يكتب في صك الوقف وقفت هذا المكان على كل مؤذن فقير يكون في هذا المسجد أو المحلة فإذا خرب المسجد أو المحلة تصرف الغلة إلى الفقراء أما إذا قال وقفت على كل مؤذن فقير فهو مجهول فلا يصح كما لو قال أوصيت بثلث مالي لواحد من عرض الناس فإنه لا يصح رجل أعطى دراهم في عمارة المسجد أو مصالحة أو نفقته قيل بأنه يصح ويتم بالقبض ولو أوصى بثلث ماله لأعمال البر يجوز إسراج المسجد منه ولا يزاد على

سراج واحد ولو في رمضان لأنه إسراف ولو أوصى لعمارة المسجد قال أبو القاسم يصرف فيما كان من البناء دون التزين قيل أيصرف ذلك المال في (¬1) المنارة قال ذلك من بناء المسجد وسئل أبو بكر البلخي عن الوقف على المسجد أيجوز لهم أن يبنوا منارة من غلته قال إن كان ذلك من مصلحته بأن كان أسمع لهم فلا بأس به وإن كان بحال تسمع الجيران الأذان بغير منارة فلا أرى لهم أن يفعلوا ذلك ولو نقش القيم المسجد من غلة الوقف على عمارته كان ضامنا ولو قال أوصيت بثلث مالي للمسجد قال أبو يوسف هو باطل حتى يقول على المسجد وقال محمد هو جائز وذكر الناطفي إذا وقف ماله لإصلاح المساجد يجوز وإن وقف لبناء القناطر أو لإصلاح الطريق أو لحفر القبور أو اتخاذ السقايات والخانات للمسلمين أو شراء الأكفان لهم لا يجوز وهو جائز في الفتوى ولو جعل أرضه صدقة موقوفة على مرمة مسجد كذا وما يحتاج إليه وهي مثل تطيين سطحه وتأزير حيطانه وإدخال جذوع في سقفه أو ثمن بواريه وزيت قناديله ذكر الخصاف أنه باطل لأنه قد تخرب المحلة فيبطل المسجد ولا يحتاج إلى مرمة فإن زاد على ذلك وقال فإن استغنى عنه المسجد كانت الغلة للمساكين جاز لأنه مما يتأبد ولو كانت الأرض وقف على عمارة المساجد أو على (¬2) مرمة المقابر جاز لأن ذلك مما لا ينقطع أرض وقف على عمارة المسجد على أن ما فضل من عمارته فهو للفقراء فاجتمعت الغلة والمسجد غير محتاج إلى العمارة قال الفقيه أبو بكر البلخي تحبس الغلة لأنه ربما يحدث بالمسجد حدث وتصير الأرض بحال لا تغل وقال الفقيه أبو جعفر الجواب كما قال وعندي انه لو علم أنه اجتمع من الغلة مقدار ما لو احتاج المسجد والأرض إلى العمارة يمكن العمارة بها ويفضل تصرف الزيادة إلى الفقراء على ما شرط الواقف مسجد انهدم ¬

_ (¬1) مطلب المنارة من بناء المسجد (¬2) مطلب وقف على مرمة المقابر جاز

وقد اجتمع من غلة الوقف على مرمته ما يحصل به البناء قال الخصاف لا تنفق الغلة في البناء لأن الواقف على المرمة ولم يأمر بأن يبني هذا المسجد والفتوى على أنه يجوز البناء بتلك الغلة ولو كان الوقف على عمارة المسجد هل للقيم أن يشتري سلما ليرتقي به على السطح لكنسه وتطيينه أو يعطي من غلته أجر من يكنس السطح ويطرح عنه الثلج ويخرج التراب المجتمع في المسجد قال أبو نصر له أن يفعل ما في تركه خراب المسجد (¬1) ولو كان باب المسجد في مهب الريح فيصيب المطر بابه ويبتل داخله والخارج منه ويشق على الناس دخوله قال الفقيه أبو جعفر يجوز أن يتخذوا له ظلة من غلة وقفه إن كان لا يضر بأهل الطريق ولو بسط من ماله حصيرا في المسجد فخرب المسجد واستغنى عنها فإنها تكون له إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا عند محمد رحمه الله وإن بليت كان له أن يبيعها ويشتري بثمنها حصيرا أخرى وهكذا الحكم لو اشترى قنديلا ونحوه للمسجد واستغنى عنه وعند أبي يوسف يباع ويصرف ثمنه في حوائج المسجد وإن استغنى عنه هذا المسجد يحوّل إلى مسجد آخر وهذا الاختلاف بناء على الاختلاف في المسجد عينه إذا استغنى عنه لخراب ما حوله ولو كفن رجل ميتا فافترسه الأسد يكون الكفن للذي كفنه لو حيا ولورثته لو ميتا وإذا صار ديباج الكعبة خلقا يبيعه السلطان ويستعين به على أمرها لأن الولاية عليها له لا لغيره ولو كان بجنب المسجد ماء يضر بحائطه ضررا بينا فأراد القيم أو أهل المسجد أن يتخذوا من ماله حصنا بجانبه ليمنع الضرر عنه قالوا إن كان الوقف على مصالح المسجد يجوز للقيم ذلك لأن هذا من مصالحه وإن كان على عمارته لا يجوز لأن هذا ليس من العمارة ولو باع أهل المسجد حشيشه أو جنازة صارت خلقة وفاعلها غائب اختلفوا فيه فقال بعضهم يجوز والأولى أن يكون بإذن ¬

_ (¬1) مطلب لو كان مهب الريح في باب المسجد

القاضي وقال بعضهم لا يجوز إلا بإذنه وهو الصحيح وليس لمتولي المسجد أن يحمل سراج المسجد إلى بيته ولو ادعى رجل في مسجد أو مقبرة حقا وقضى القاضي له على واحد من أهل المحلة بالبينة كان ذلك قضاء على جميعهم لأن واحدا منهم خصم عن الباقين وفي الخان لا يقضي حتى يحضر القيم أو نائبه ولو اشترى شيئا لمرمة المسجد بدون إذن القاضي قالوا لا يرجع بقيمته في مال المسجد ولو أدخل المتولي جذعا من ماله في الوقف جاز وله أن يرجع بقيمته في غلة الوقف رجل بني مسجدا في سكة فاحتاج إلى العمارة فنازعه أهل السكة فيها كان الباني أولى منهم بعمارته وليس لهم منازعته فيها وكذلك لو نازعوه في نصب الإمام والمؤذن كان ذلك إليه دونهم إلا إذا عينوا رجلا أصلح ممن عينه هو فحينئذ لا يكون تعيينه أولى (¬1) ولا بأس أن يترك سراج المسجد فيه من المغرب إلى وقف العشاء ولا يجوز أن يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه بذلك كمسجد بيت المقدس ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام أو شرط الواقف بركه فيه كل الليل كما جرت العادة به في زماننا ويجوز الدرس بسراج المسجد إن كان موضوعا فيه للصلاة وإن كان موضوعا فيه لا للصلاة بأن فرغ القوم من الصلاة وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج فيه قالوا لا بأس بأن يدرس بنوره إلى ثلث الليل لأنهم لو أخروا الصلاة إلى ثلث الليل لا بأس به فلا يبطل حقه بتعجيلهم وفيما زاد على الثلث ليس لهم تأخيرها فلا يكون له حق الدرس ولو أن قوما بنو مسجدا وفضل من خشبهم شئ قالوا يصرف الفاضل في بنائه ولا يصرف إلى الدهن والحصر هذا إذا سلموه إلى المتولي ليبني به المسجد والا يكون الفاضل لهم يصنعون به ما شاءوا ولو جمع مالا لينفقه في بناء المسجد فأنفق بعضه في حاجته ثم ردَّ بدله في نفقة المسجد لا يسعه أن يفعل ¬

_ (¬1) مطلب في الكلام على السراج

[فصل في ذكر أحكام تتعلق بالمقابر والربط]

ذلك فإذا فعله وكان يعرف صاحبه ضمن له بدله أو استأذنه بإنفاق عوضه في المسجد وإن كان لا يعرفه رفع الأمر إلى القاضي ليأمره بإنفاق بدله فيه وإن لم يمكنه الرفع إليه قالوا نرجو له في الاستحسان الجواز إذا أنفق مثله في المسجد ويخرج عن العهدة فيما بينه وبين الله تعالى المذكر إذا سأل للفقير شيئا وخلط ما أخذ بعضه ببعض ولم يكن الفقير أمره بالسؤال والأخذ يكون ضامنا وإذا أداه بعد ذلك للفقير يكون متصدقا لنفسه من مال نفسه ولا تسقط عنهم الزكاة وإن نووها عند دفعهم إليه وإن أمره بالسؤال له فأخذ المال وخلط بعضه ببعض ودفعه إليه لا يضمن لقيامه مقامه بالأمر مأذونا له بالخل وتسقط الزكاة عن الدافع إن نواها وهذا بناء على ما تقرر من أن خلط الوديعة استهلاك لها عند أبي حنيفة رضي الله عنه والله تعالى أعلم. [فصل في ذكر أحكام تتعلق بالمقابر والربط] لو اتخذ أهل قرية أرضا لهم مقبرة وقبروا فيها ثم بني فيها واحد منهم بيتا لوضع اللبن وآلة الدفن وأجلس فيه من يحفظ الأمتعة بغير رضا أهل القرية أو برضا بعضهم فقط لا بأس به إن كان في المقبرة سعة بحيث لا يحتاج إلى ذلك المكان ولو احتاجوا إليه يرفع البناء ليدفن فيه ولو حفر لنفسه قبرا في مقبرة إن كان فيها سعة يستحب أن لا يوحش الذي حفر وإلا جاز لغيره الدفن فيه وهو كمن بسط المصلى في المسجد أو نزل في الرباط وجعل في موضع منه علامة وخرج لأمر وجاء آخر فإن كان في المكان سعة لا يوحش الأول وإذا دفن الغير فيه قال أبو نصر رحمه الله لا يكره ذلك وقال الفقيه أبو الليث يكره لأن الذي حفر لا يدري بأي أرض يموت وفي أي مكان يدفن مقبرة كانت للمشركين واندرست آثارهم أو أخرجت العظام الباقية ودفن المسلمون موتاهم فيها جاز لأن موضع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان مقبرة للمشركين فنبشت واتخذت مسجدا ولو اتخذ رجل قطعة أرض مقبرة ودفن فيها ولده وهي غير صالحة للدفن

فيها لغلبة الماء عليها ورغبة الناس عن الدفن فيها لفسادها لم تصر مقبرة وجاز له بيعها وإذا باعها جاز للمشتري أن يرفع الميت أو يأمر برفعه منها ولو دفن في أرض رجل بغير إذنه للمالك الأمر بالإخراج منها وله الترك وتسوية الأرض وزرعها وإذا دفن الميت في مكان لا يجوز لأهله إخراجه منه طالت المدة أو قصرت إلا بعذر وهو أن تكون الأرض مغصوبة ونحوه ولو حفر قبرا في موضع يباح له الحفر فيه في غير ملكه فدفن غيره لا ينبش القبر ولكن يضمن قيمة حفره ليكون جمعا بين الحقين ومراعاة لهما مقبرة قديمة لمحلة لم يبق فيها آثار المقبرة هل يباح لأهل المحلة الإنتفاع بها قال أبو نصر رحمه الله لا يباح قيل له فإن كان فيها حشيش قال يحتش منها ويخرج للدواب وهو أيسر من إرسال الدواب فيها ولو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنه وقيل لا يسقط والصحيح هو الأول انهدم رباط للمختلفة وفيه سكان فلما بني أراد من كان ساكنا فيه قبل الانهدام أن يسكن فيه قال أبو القاسم رحمه الله إن انهدم الرباط كله ولم يبق هناك بيت لم يكن هو أولى من غيره ولو لم يتغير ترتيبه بل استمر على حاله إلا أنه زيد فيه أو نقص كان هو أولى بالسكنى من غيره ولو عمر قوم أرضا مواتا وشربت بما العشر فصارت عشرية وبقربهم رباط فسأل متوليه السلطان عشرها فأطلقه له جاز ويصرفه إلى الفقراء والمساكين ولا يصرفه في عمارته لقوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين ولو صرفه للفقراء ثم إنهم أنفقوه في عمارة الرباط جاز وكان ذلك حسنا رباط على بابه قنطرة على نهر عظيم خربت القنطرة ولا يمكن الوصول إليه إلا بمجاوزة النهر ولا يمكن إلا بها هل يجوز عمارتها بغلته قال الفقيه أبو جعفر إن كان الوقف على مصالح الرباط لا بأس به وإلا فلا يجوز متولي الرباط إذا صرف فضل غلته في حاجة نفسه قرضا قال الفقيه أبو جعفر لا ينبغي له أن يفعل ولو فعل ثم أنفق في الرباط مثله رجوت أن يبرأ وإن

[باب الشهادة على إقرار الواقف بحصته من الأرض الفلانية ثم ظهورها أكثر مما ذكر واختلاف الشاهدين فيما شهدا به والرجوع عنها والشهادة على ذي اليد الجاحد]

أقرض الغلة ليكون أحرز لها من الإمساك عنده رجوت أن يكون واسعا له ذلك وقد مرت رجل أوصى بثلث ماله للرباط فإلى من يصرف قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله إن كان هناك دلالة أنه أراد به المقيمين يصرف إليهم وإلا يصرف إلى عمارته رباط في طريق بعيد (¬1) استغنى عنه المارة وبجانبه رباط آخر تصرف غلته إلى الرباط الثاني وهكذا حكم المسجد وهذا بناء على قول أبي يوسف ولو اشترى مصحفا فجعله في المسجد الحرام أو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو في مسجد آخر وقفا أبدا قال محمد رحمه الله جاز وقفه وليس له أن يرجع فيه ولو رجع كان لأهل المسجد وغيرهم من المسلمين مخاصمته وروى الحسن عن أبي حنيفة أن له أن يرجع فيه ويكون لورثته بعد موته وبه أخذ هو وأما أحكام المسجد فتطلب في باب المسجد من قاضيخان رحمه الله تعالى [باب الشهادة على إقرار الواقف بحصته من الأرض الفلانية ثم ظهورها أكثر مما ذكر واختلاف الشاهدين فيما شهدا به والرجوع عنها والشهادة على ذي اليد الجاحد] لو شهد شاهدان على إقرار رجل أنه جعل حصته من الأرض الفلانية وهي الثلث مثلا وحددها موقوفة لله تعالى على وجوه سماها من البر فوجدت حصته منها أكثر مما ذكر يكون المجموع وقفا كما لو أوصى بحصته منها ثم ظهرت أكثر مما سمي بخلاف البيع فإن العقد يقع على ما سمي فقط ولو جعل حصته من الأرض الفلانية وهي الثلث مثلا وقفا على أقوام بأعيانهم ثم من بعدهم على المساكين وشهد على إقراره بذلك شاهدان ثم وجدت حصته أكثر مما سمى الشهود ومما ذكر في كتاب وقفه وصدقه والموقوف عليهم وقالوا إنما قصد الواقف علينا وقف الثلث فقط تكون جميع حصته منها وقفا ولا عبرة بتصديق الموقوف عليهم في حق ¬

_ (¬1) مطلب استغنى عن المسجد وبجانبه مسجد آخر تصرف غلته إلى المسجد الثاني

الوقف بل في حقهم فتكون غلة الحصة التي ذكرها الواقف لهم وغلة ما زاد عليها للمساكين ولو شهد أحدهما بالثلث والآخر بالنصف قضى بالثلث المتفق عليه وهكذا الحكم فيما لو شهد أحدهما بالكل والآخر بالنصف فإنه يقضي بالمتفق عليه ولو شهد رجلان أو رجل وامرأتان على شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فشهد أحدهما أنهما أشهداهما انه وقف جميع أرضه وشهد الآخر أنهما أشهداهما انه وقف نصف أرضه قضى بالنصف المتفق عليه ولو شهدا على رجل انه أقر بوقف أرضه الفلانية وقالا لم يحددها أو حددها أحد الشاهدين دون الآخر فالشهادة باطلة لأنهما لا يعلمان بماذا شهدا ولا يعلم القاضي بماذا يحكم إلا أن تكون الأرض مشهورة تغني شهرتها عن تحديدها فغن الشهادة حينئذ تقبل ويقضي بوقفيتها ولو حددها الشاهدان بثلاثة حدود قبلت الشهادة ويقضي بكونها وقفا خلافا لزفر رحمه الله ولو حدداها بحدين لا تقبل اتفاقا ولو شهدا انه حددها لهما وقالا نسينا الحدود أو قالا لم يحددها ولكنا نعلمها أو قالا ليس له أرض بالبصرة مثلا سواها لم تقبل شهادتهما ولو شهدا على الحدود وقالا لا نعرفها قبلت الشهادة ويكلف المدعي شاهدين على معرفة الحدود ولو شهدا واختلفا في زمانها أو مكانها بأن قال احدهما أقر عندي بوقفه إياها في رجب سنة كذا وقال الآخر في رمضان منها أو قال أحدهما أقر بذلك عندي في البصرة وقال الآخر في الكوفة قبلت الشهادة ولو اختلفا في مكان الوقف لم تقبل الشهادة لان اختلافهما في مكانه يستلزم اختلاف الموقوف ضرورة ولم يقم على واحد منهما نصاب الشهادة بخلاف اختلافهما في زمانها أو مكانها أو فيها ولو شهد أحدهما أنه جعل أرضه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على المساكين أو على قوم بأعيانهم أبدا ما توالدوا ثم من بعدهم على المساكين وشهد الآخر انه جعل نصفها وقفا على المساكين لا تقبل ألا في قول أبي يوسف فإنها تقبل في نصفها بنا على أصله

من القول بجواز وقف المشاع ولو شهد احدهما انه جعلها صدقة موقوفة لله عز وجل على المساكين وشهد الآخر انه جعلها صدقة موقوفة على قوم بأعيانهم أبدا ما توالدوا أم تقبل اتفاقا لعدم تمام الشهادة على واحدة من الجهتين ولو شهد أحدهما انه جعلها وقفا على المساكين وشهد الآخر انه جعلها وقفا على مساكين أهل بيته وقراباته أبدا ما توالدوا ثم من بعدهم على المساكين قبلت الشهادة سواء كانوا يحصون أو لا يحصون ويكون لمساكين القرابة ولو شهدا عليه بوقف أرضه وقال أحدهما كان ذلك وهو صحيح وقال الآخر كان ذلك في مرضه قبلت الشهادة ثم ان خرجت من ثلث ماله كانت كلها وقفا وإلا فبحسابه ولو قال أحدهما وقفها في صحته وقال الآخر جعلها وقفا بعد وفاته بطلت الشهادة وإن كانت تخرج من الثلث لأن الشاهد بأنه وقفها بعد وفاته شهد بأنها وصية والشاهد بأنه وقفها في صحته قد أمضى الوقف وهما مختلفان وكذلك لو شهد أحدهما أنه نجز الوقف وشهد الآخر انه علقه بدخول الدار مثلا فإنها لا تقبل ولو شهدا بأنه وقف حصته من هذه الدار ولم يسم لنا كميتها تبطل قياسا وتقبل استحسانا ولو شهد أحدهما انه جعل أرضه صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين وأبواب البر أو قال لابن السبيل معهم وشهد الآخر أنه وقفها على الفقراء والمساكين ولم يذكر الزيادة تكون وقفا على الفقراء والمساكين لأن الصدقة عليهم من أبواب البر ولو شهد احدهما أنه جعلها صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين وشهد الآخر انه جعلها عليهم وعلى فقراء قرابته قال الخصاف هذا يشبه أبواب البر من قبل أن الذي شهد لفقراء القرابة لم يشهد بجميع الغلة للفقراء والمساكين إنما شهد لهم ببعضها ألا ترى أن رجلا أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين ولفقراء قرابته انه ينظر إلى عدد فقراء قرابته يوم مات فيضرب لهم في الثلث بعددهم ويضرب للفقراء والمساكين بسهمين فكذلك في الوقف ينظر إلى عدد فقراء القرابة

يوم قسمة الغلة الخ ثم ما أصاب الفقراء والمساكين يعطى لهم ويوقف ما أصاب فقراء القرابة إلى أن يتبين فيه الحال وقال هلال رحمه الله يكون للفقراء والمساكين وكذلك لو قال أحدهما للفقراء والمساكين وفقراء الجيران والموالي والقرابة وقال الآخر مثل ذلك إلا أنه قال لا أحفظ الموالي والجيران فالشهادة جائزة في هذا وتكون الأرض وقفا وكذلك لو قال أحدهما جعلها صدقة موقوفة في وجوه الخير والبر وقال الآخر لابن السبيل وفي سبيل الله جازت الشهادة وتكون الأرض وقفا ولو شهد أحدهما انه جعلها صدقة موقوفة على عبد الله وقال الآخر على زيد جازت الشهادة على الوقف وتكون الغلة للفقراء والمساكين لأنهما قد اتفقا على أنه قال صدقة موقوفة واختلفا فيما سوى ذلك فيقبل منهما ما اتفقا عليه ويرد ما اختلفا فيه ولو شهد أحدهما أنه جعلها صدقة موقوفة على عبد الله وأولاده ومن بعدهم على المساكين وشهد الآخر أنها على عبد الله ومن بعده على المساكين قسمت الغلة على عبد الله وعلى أولاده فما أصاب الأب أخذه وما أصاب الأولاد فهو للمساكين لأنهما قد أجمعا على أن لعبد الله حقا عي هذه الصدقة فقال أحدهما له من ذلك حصته لو قسمنا الغلة بينه وبين أولاده وقال الآخر له كلها فيقبل منهما ما اتفقا عليه ويبطل ما اختلفا فيه فإذا كانت أولاده ثلاثة تقسم الغلة على أربعة فيأخذ الأب الربع وكلما مات واحد منهم قبله يقسم على من بقي فيكون له الثلث بموت واحد والنصف بموت اثنين والكل بموتهم لعدم المنزلة ولو شهد أحدهما لزيد بمائتين من الغلة في كل سنة وشهد الآخر بمائة قبلت فيما اتفقا عليه ولو شهد أحدهما له بمائة في كل سنة وشهد الآخر بمائة في سنة واحدة يقضي له بمائة في سنة واحدة فقط وأصل هذا عندنا أنهما إذا اتفقا على أنها صدقة موقوفة وزاد أحدهما شيئا أو زاد كل منهما شيئا لم يزده الآخر أن تبطل الزيادة وتقبل الشهادة على ما اتفقنا عليه ولو شهد

اثنين على رجل أنه وقف أرضه على المساكين وحكم القاضي على المشهود عليه بذلك وجعلها وقفا عليهم ثم رجعا عن الشهادة لزمهما قيمتها يوم القضاء عليه بها والأرض وقف على حالها ولا فرق في الدعي بين أن يكون مدعيا الوقف لنفسه أو متبرعا في الدعوى حتى لو حضر رجل متبرع وقال للحاكم ان هذا وقف أرضه الفلانية على زيد بن عبد الله ما دام حيا ثم من بعده على المساكين وزيد يدّعي ذلك والمدعى عليه يجحد الوقف وأقام المدعي شاهدين فشهدا بذلك وكحم القاضي بشهادتهما لزيد ثم رجعا ضمنه قيمتها للمقضي عليه وإن جحد زيد بن عبد الله كونها وقف عليه حكم القاضي بوقفيتها وتكون غلتها للمساكين وهكذا الحكم لو شهدا عليه بأنه جعل داره هذه مسجدا أو أرضه هذه التي لا بناء فيها مسجدا أو مقبرة أو جعل ملكه هذا خانا للسبيل أو حوضه هذا سقاية للمارة وحكم به القاضي ثم رجع الشهود فإنهم يضمنون قيمة ذلك القضاء ولو ادعى رجل على آخر أن هذه الأرض التي في يده وقفها زيد ابن عمرو علينا وذو اليد يجحد الوقف ويقول هي ملكي وأقام المدعي بينة أن زيدا وقفها عليه لا يستحق بذلك شيئا وإن شهدت البينة أنها كانت في يده يوم وقفها لأن الإنسان قد يقف ما لا يملكه وقد يكون في يده بعقد إجارة أو إعارة ونحو ذلك بخلاف ما لو ادعى رجل على آخر أن الأرض التي في يده كانت في يد مورثه إلى أن مات وأقام دلك بينة فإنها تقبل وتكون ميراثا ولو شهدوا أن زيدا أقّر عندنا وأشهدنا عليه أنه وقف هذه الأرض وقفا صحيحا وانها كانت في يده إلى أن مات لا تصير وقفا لأنهم شهدوا أولا بالوقف ثم شهدوا بأنها كانت في يده حتى مات بين الشهادتين تناقض قال الخصاف فإن قضينا بأنها ميراث لم تكن وقفا وإن قضينا بأنه وقف لم تكن ميراثا وأولى الأمرين أن يحكم بأنها ميراث بين ورثته ولا تكون وقفا وهذا الحكم الذي ذكره إنما يتأتى على قول من يشترط لصحة

[فصل في شهادة اثنين بالوقف لجهه وشهادة آخرين لها ولغيرها أو لغيرها]

الوقف إخراجه من يده وتسليمه إلى المتولي وأما على قول من لا يشترط ذلك فينبغي أن يكون وقفا لعدم التناقض في الشهادة بالوقف والبقاء في اليد إلى الموت والله أعلم ولو ادعى على آخر بأن هذه الأرض التي في يده وقف زيد بن عبد الله وذو اليد يجحد ويقول هي ملكي ورثتها عنه أو يقول أنا وصيه فيها أو وكيله وأقام المدعي بينة على ذلك فشهدت على إقراره بأنه وقفها وانها كانت ملكه حين وقفها يقضي بوقفيتها على الجهة التي قامت عليها البينة ويشترط لسماع البينة كون ذي اليد خصما بأن يدعي أنه وارث أو وصي أو وكيل بخلاف ما لو ادعى أنه (¬1) مودع له أو مستأجر منه أو مرتهن أو غاصب فإنه لا يكون خصما ولو جحد الواقف وقفية أرضه فادعى عليه الموقوف عليه أو غيره تبرعا من قبل المساكين وأقام بينة على كونها وقفا يحكم القاضي بوقفيتها ويخرجها من يده لظهور خيانته وتصح دعوى الوقف والشهادة به من غير بيان الواقف ذكره في قاضيخان والله أعلم [فصل في شهادة اثنين بالوقف لجهة وشهادة آخرين لها ولغيرها أو لغيرها] لو مات رجل فحضر خصم وقال إن هذا التوفي جعل أرضه هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على الفقراء والمساكين قبل موته وهو صحيح وأقام على ذلك شاهدين وحضر جماعة آخرون وقالوا أنه وقفها في صحته على الفقراء والمساكين وعلى فقراء قرابته وإننا فقراء قرابته وأقاموا على ذلك شاهدين يحكم القاضي بكونها وقفا ثم ان ذكرت البينتان وقتا فإن كان وقت الشهادة للفقراء والمساكين مقدّما تكون الغلة كلها لهم بمفردهم لثبوت الوقف لهم في زمن لا مزاحم لهم فيه إلا أن يكون شرط التغيير والتبديل والزيادة والنقص في أصل الوقف فحينئذ تكون الغلة للفقراء والمساكين وفقراء القرابة فإن كانوا عشرة مثلا تقسم على اثني عشر سهما فيضرب ¬

_ (¬1) مطلب المودع والمستأجر والمرتهن والغاصب ليسوا أخصاما بخلاف الوصي والوكيل

للفقراء والمساكين بسهمين ويضرب لفقراء القرابة بقدر عددهم وكلما زادوا أو نقصوا تتغير القسمة وإن كان وقت الشهادة لفقراء القرابة سابقا تقسم الغلة على نسبة ما ذكرنا في الصورة المذكورة من غير احتياج إلى شرط تغيير وتبديل وزيادة ونقص لأن شهودهم قد شهدوا للفقراء والمساكين أيضا وإن تذكر البينتان وقتا وكان عدد فقراء القرابة عشرة مثلا تكون الغلة على اثني عشر سهما إذ قد أوجب شهود فقراء القرابة لهم منها عشرة وللفقراء والمساكين سهمين وأوجب شهود الفقراء والمساكين لهم الكل فتقسم الغلة على اثنين وعشرين سهما لضرب الفقراء والمساكين في الكل المشهود لهم به وضرب فقراء القرابة بالعشرة المشهود لهم بها ثم كلما زادوا أو نقصوا يضم سهما الفقراء والمساكين إلى عددهم ويصير الحاصل هو المسألة ويضرب للفقراء والمساكين في كلها ولهم فيها بقدر عددهم فلو صاروا اثني عشر تكون المسألة من أربعة عشر فيضرب لهم منها بعددهم اثنا عشر وللفقراء والمساكين بالكل وهو أربعة عشر فتكون القسمة من ستة وعشرين ولو صاروا ثمانية تكون المسألة من عشرة فيضرب لهم منها بثمانية وللفقراء والمساكين بالكل فتكون القسمة من ثمانية قشر وعلى هذا فقس هذا على ما رواه محمد بن الحسن في الجامع الصغير عن أبي حنيفة انه يضرب للفقراء والمساكين بسهمين ويضرب لأمهات الأولاد بعددهن وهن ثلاثة أنفس فتقسم الغلة بينهم على خمسة أسهم وقال الحسن بن زياد للفقراء والمساكين سهم واحد فعلى هذا يجب أن يضرب للفقراء والمساكين بسهم واحد ويضرب لفقراء القرابة بعددهم ولو شهدت بينتان كما ذكرنا وشهدت بينة أخرى أنه وقفها على الفقراء والمساكين وعلى فقراء مواليه ولم يذكروا وقتا وكانت فقراء مواليه ثمانية مثلا وفقراء قرابته عشرة مثلا وضم إليهم سهما الفقراء والمساكين تكون المسألة من عشرين بعدد السهام لفقراء القرابة خمسة أسداسها ولفقراء

[فصل في الشهادة بالوقف يجره لنفسه أو لوليه]

الموالي أربعة أخماسها إذ على التقدير الأول وحده تكون المسألة من اثني عشر لفقراء القرابة خمسة أسداسها والباقي للفقراء والمساكين وعلى التقدير الثاني فقط تكون من عشرة لفقراء الموالي أربعة أخماسها والباقي للفقراء والمساكين وعلى التقديرين تكون من عشرين وليس لها سدس صحيح فاحتجنا إلى عدد له خمس وسدس كلاهما صحيحان وهو الثلاثون فتجعل المسألة منها فتضرب للفقراء والمساكين بكلها ولفقراء القرابة بخمسة أسداسها وهي خمسة وعشرون ولفقراء الموالي بأربعة أخماسها وهي أربعة وعشرون فيكون مجموع السهام تسعة وسبعين فتقسم الغلة عليها ولو شهد اثنان أنه وقفها على الفقراء والمساكين وشهد اثنان آخران أنه وقفها على ما ذكرا وعلى الفقراء من قرابته أيضا وشهد اثنان آخران أنه وقفها على ما ذكروا وعلى فقراء مواليه أيضا ولم يذكروا وقتا وكان فقراء القرابة عشرة وفقراء الموالي ثمانية تكون المسألة من عشرين ثم تجعل من ثلاثين لما ذكر في الأولى ثم يضرب للفقراء والمساكين بكلها ولفقراء القرابة بخمسة أسداسها وهي خمسة وعشرون ولفقراء الموالي بخمسيها وهو اثنا عشر لأن شهودهم لما شهدوا للفريقين الآخرين معهم فقد أوجبوا لهم خمسي العشرين فيأخذون بتلك النسبة منها ومجموع السهام سبعة وستون فتقسم الغلة عليها ثم يأخذ كل فريق ما أصاب سهامه ولو شهد اثنان على إقرار رجل في حال صحته أنه وقف أرضه على زيد ومن بعده على المساكين وشهد آخران على إقراره في صحته أنه وقفها على عمرو ومن بعده على المساكين وإحداهما أسبق يقضي بالسابقة ولو وقتت إحداهما دون الأخرى قضى بالمؤقتة ولو لم يذكرا وقتا أو ذكرا وقتا واحدا قضى به بينهما إنصافا لعدم الأولوية ومت مات منهما انتقل نصيبه لمن بقي لزوال المزاحم وهكذا حكم ما لو شهد آخران لثالث والله أعلم. [فصل في الشهادة بالوقف يجره لنفسه أو لوليه] إذا شهد اثنان أن رجلا جعل

أرضه وقفا عليهما أو على ولديهما أو على ولد أحدهما أو على أنسابهما أو على نسائهما أو نساء أحدهما فالشهادة باطلة وهكذا حكم الشهادة للآباء والأجداد ولو شهدا لأخويهما أو لعميهما أو لخاليهما فالشهادة جائزة ولو شهدا بأنه وقفها على أهل بيتهما وعلى قوم آخرين أو شهدا عليه بأنه وقفها على قرابته وهما من قرابته أو شهدا عليه بأنه وقفها على يسله وهما من نسله فالشهادة باطلة ولو شهدا عليه بأنه جعل أرضه وقفا عليهما وعلى قوم معلومين ولما أريد إبطال شهادتهما قالا إنا لا نقبل ما جعله لنا جازت شهادتهما وكانت حصتهما للمساكين بخلاف ما لو شهدا به لقرائب الواقف وهما من قرائبه فإن شهادتهما باطلة وإن ردا حصتهما لأنهما قد شهدا بذلك لأولادهما ونسلهما ولو رد أولادهما لا تقبل أيضا لبقاء الشهادة للنسل وهكذا الحكم لو شهدا أنه وقفها على فقراء قرابته ولكنهما كانا غنيين وقت الشهادة لأنهما إذا افتقرا يصير لهما حصة منه فكانا شاهدين لأنفسهما والأصل أن الشهادة متى وقعت لهما أو لمن لا تقبل له شهادتهما مآلا أو احتمالا باطلة ولو شهدا بأنه جعلها وقفا على الفقراء والمساكين وعلى فقراء جيرانه وهما من فقراء الجيران جازت شهادتهما والفرق بين فقراء القرابة وفقراء الجيران أن القرابة لا تزول ولا تنقطع والجيران إذا تحولوا تنقطع المجاورة ويزول عنهم اسم الجيران (¬1) والنظر إلى الجار يوم قسمة الغلة وقد لا تكون الشهود حينئذ جيرانا وهكذا الحكم في فقراء المسجد الفلاني أو فقراء الثغر الفلاني أو السجن الفلاني والشهود منهم فاحتمال انقطاع الاسم هاهنا يكفي للقبول واحتمال الاستحقاق لنفسه أو لمن لا تقبل له شهادته يكفي للرد هكذا ذكره هلال رحمه الله وقال الخصاف لو شهدا بأنه جعلها صدقة موقوفة لله عز وجل على جيرانه وهما من جيرانه فالشهادة باطلة ولو شهد رجلان على شهادة رجلين أن فلانا وقف أرضه على ¬

_ (¬1) مطلب النظر إلى الجار يوم قسمة الغلة

[فصل في غصب الوقف والدعوى به]

فقراء قرابته الفروع أو الأصول من القرابة فالشهادة باطلة ولو ماتت الأصول القرائب ثم شهد الفروع الأجانب لا تقبل أيضا لوقوعها من الأصول لأنفسهم فلا تقبل أحياء كانوا أو أمواتا والله تعالى أعلم. [فصل في غصب الوقف والدعوى به] لو غصب رجل ضيعة موقوفة فخاصمه المغصوب منه وأقام بينة قبلت بينته وترد إليه الضيعة إجماعا أما عند أبي يوسف فلأنها تصير وقفا قبل الإخراج إلى المتولي فكان له ولاية الاسترداد وعند أبي حنيفة ومحمد إن لم تصر وقفا قبل التسليم إلى المتولي كان هذا أولى بها وقف على نفر استولي عليه ظالم ولا يمكن انتزاعه منه فادعى أحد الموقوف عليهم على واحد منهم أنه باع الوقف من الغاصب وسلمه إليه فأنكر المدعي عليه فأراد المدعي تحليفه قال الفقيه أبو جعفر له ذلك فإن نكل عن اليمين أو قامت عليه بينة يقضي عليه بقيمتها ثم يشتري بها ضيعة فتكون على سبيل الوقف الأول (¬1) لأن العقار يضمن بالبيع والتسليم عند الكل لأن البيع والتسليم استهلاك (¬2) ولو باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها قبل البيع فأراد تحليف المدعي عليه ليس له ذلك عند الكل لأن التحليف يعتمد صحة الدعوى ودعواه لم تصح لمكان التناقض وإن أقام بينة على ما ادعى اختلفوا فيه قال بعضهم لا تقبل بينته لأنه متناقض وقال بعضهم تقبل لأن التناقض وإن منع صحة الدعوى ولكن على قول الفقيه أبي جعفر الدعوى لا تشترط لقبول البينة على الوقف لأنه حق الله تعالى وهو التصدق بالغلة فلا يشترط فيه الدعوى كالشهادة على الطلاق وعتق الأمة إلا أنه إن كان هناك موقوف عليه مخصوص ولم يدع لا يعطى شيئا من الغلة ويصرف جميعها إلى الفقراء لأن الشهادة قبلت لحق الفقراء فلا يظهر حكمها إلا في ¬

_ (¬1) مطلب العقار يضمن بالبيع والتسليم عند الكل (¬2) مطلب باع أرضا ثم ادعى أنه وقفها قبل البيع لا تصح دعواه

حقهم ولو ادعى رجل كرما في يد رجل انه له وزعم المدعى عليه انه وقف وليس للمدعي بينة وأراد تحليف المدعى عليه قالوا إن أراد تحليفه ليأخذ القيمة إن نكل عن اليمين كان له أن يحلفه وإن أراد تحليفه ليأخذ الكرم إن نكل عن اليمين ليس له أن يحلفه لأن النكول بمنزلة الإقرار ولو أقر المدعى عليه بعد مما أقر أنه وقف لا يصح إقراره ضيعة في يد حاضر وضيعة أخرى في يد غائب فادعى رجل الحاضر أن هاتين الضيعتين وقف عليه وقفهما جده عليه وعلى أولاده وأولاد أولاده قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله إن شهد الشهود أن هاتين الضيعتين كانتا ملكا للواقف وقفهما جميعا وقفا واحدا يقضي بوقف الضيعتين جميعا وإن شهدوا على وقفين متفرقين لا يقضي إلا بوقفية الضيعة التي في يد الحاضر ولو وقف في صحته ضيعة ومات فجاء رجل وادعى أن الضيعة له فأقر له بها بعض الورثة أو استحلف فنكل قال الفقيه أبو جعفر لا يصدق الوارث على إبطال الوقف ويضمن هذا الوارث للمقر له قيمة حصته من الضيعة من تركه الميت في قول من يرى العقار مضمونا بالعصب ولو ادعى دارا في يد رجل انها له بأصلها وبنائها وقال المدعى عليه لا بل هي وقف على مصالح المسجد الفلاني فأقام المدعي بينة على دعواه وقضى القاضي له بها وكتب السجل ثم أقر المدعي أن أصل الدار كان وقفا والبناء له قالوا تبطل دعواه ويبطل قضاء القاضي والسجل ولو ادعي على رجل في يده ضيعة أنها وقف وأحضر صكا فيه خطوط العدول والقضاة الماضين وطلب من القاضي القضاة بذلك الصك قالوا ليس للقاضي أن يقضي بذلك الصك لأن القاضي إنما يقضي بالحجة والحجة (¬1) إنما هي البينة أو الإقرار أما الصك فلا يصلح حجة لان الخط يشبه الخط وكذا لو كان على باب الدار لوح مضروب ينطق بالوقف لا يجوز للقاضي أن يقضي ما لم تشهد الشهود ¬

_ (¬1) مطلب القاضي لا يقضي إلا بالبينة أو الإقرار لا بالصك

[فصل فيما يتعلق بصك الوقف]

[فصل فيما يتعلق بصك الوقف] رجل وقف ضيعة وأشهد على ذلك جماعة وكتب صكا وأخطأ في كتابة الحدود فكتب حدين كما كان وحدين بخلاف ما كان قال الفقيه أبو بكر ان كان الحدان اللذان غلط في ذكرهما في جانب الغلط ولكن بين الذي جعله وبين الضيعة الوقف أرض غيره أو كرم غيره أو دار غيره فالوقف جائز ولا يدخل ملك غيره في الوقف وإن كان الحد الذي سماه في الصك لا يوجد في ذلك الموضع ولا بالبعد منه فالوقف باطل إلا أن تكون ضيعة مشهورة مستغنية عن التحديد فيجوز الوقف حينئذ رجل وقف ضيعة له وكتب صكا وأشهد الشهود على ما في الصك ثم قال إني وقفت على أن بيعي فيه جائز إلا أن الكاتب لم يكتب ذلك الشرط ولم أعلم بالذي كتب في الصك قال الفقيه أبو بكر إن كان الواقف رجلا فصيحا يحسن العربية فقرئ عليه الصك فأقر بجميع ما فيه فالوقف صحيح كما كتب ولا يقبل قوله فإن كان أعجميا لا يفهم العربية ولم تشهد الشهود على تفسيره فالقول قول الواقف إني لم أعلم ما في الصك وأشهدت الشهود على ما في الصك من غير أن أعلم ما فيه وإن قال الشهود قرئ عليه بالفارسية فأقر به وأشهدنا عليه لا يقبل قوله وهذا لا يختص بالوقف بل يجري في البيع وسائر التصرفات ولو أراد رجل أن يقف جميع ضيعة له في قرية من القرى على قوم وأمر بكتابة الصك في مرضه فنسي الكاتب أن يكتب بغض أقرحة من الأراضي والكروم ثم قرئ الصك عليه وكان المكتوب أن فلان بن فلان وقف جميع ضيعة له في هذه القرية وهو كذا وكذا قراحا على المساكين وبين حدودها ولم يقرأ عليه القراح الذي نسيه الكاتب. فاقر الواقف بجميع ذلك قال أبو نصر رحمه الله إن كان الواقف في صحته وأخبر أنه أراد به جميع ماله في هذه القرية المذكورة وغير المذكورة فذلك على الجميع الذي أراده وكذا لو مات الواقف وقد أخبر عن نفسه قبل الموت فالأمر على ما تكلم الناظر إذا أجر الوقف

[فصل في ذكر كحم الأوقاف المتقادمة]

أو تصرف تصرفا آخر وكتب في الصك آجر وهو متول على هذا الوقف ولم يذكر أنه متول من أي جهة قالوا تكون فاسدة وكذا الوصي إذا لم يذكر أنه وصي من أي جهة ولو استأجر أرضا من متول على وقف وكتب بذلك كتابا ولم يذكر واقفه تجوز الإجارة والله تعالى أعلم. [فصل في ذكر كحم الأوقاف المتقادمة] إذا تقادم أصل الوقف ومات شهوده فما كان في أيدي القضاة وله رسوم في دواوينهم وتنازع أهله فيه يجري على الرسوم الموجودة فيها استحسانا وما ليس له رسوم في دواوينهم وتنازع أهله فيه حملوا في القياس على التثبت فمن برهن على شئ حكم له به وإذا حملوا على التثبت يصير حشريا وتبقى غلته في يد القاضي ولو أن قاضيا تولى بلدا فوجد في ديوان من كان قبله ذكر أوقاف وهي في أيدي أمناء ولها رسوم في ديوانه فإنه يعمل بها استحسانا ولو تنازع فيه قوم وادعى كل فريق أنه وقفه فلان بن فلان علينا وليس لهم بينة فإن كان للواقف ورثة يرجع في البيان إليهم ويعمل بقولهم وإن يكن الوقف في أيديهم بل كان في يد أمين القاضي الذي كان قبله وإلا حملوا على التثبت فإن اصطلحوا على أخذه وليس لهم رسم في ديوان القاضي ليعمل به يستحسن تنفيذه وقسمة غلته بينهم وإلا يصرف إلى الفقراء لأنه بمنزلة اللقطة لأنه مال تعذر إيصاله إلى مستحقه ولو أنكر الورثة وقف مورثهم إياه وقالوا هو ميراث لنا كان ملكا لهم ولو قالوا إنما وقفه علينا وعلى أولادنا خاصة ثم من بعدنا على المساكين قال الخصاف الوقف في أيدي القضاة ولا يجوز إن أقبل قولهم فيما ليس في أيديهم ومحمل قوله هذا على ما ذكر في آخر هذا الفصل ولو أتى القاضي رجل وقال إني كنت أمينا لمن كان قبلك وفي يدي ضيعة كذا وهي وقف زيد بن عبد الله على جهة كذا فإنه يرجع في أمرها إلى ورثة زيد فإن ذكروا جهة تخالف قوله عمل بقولهم وإن قالوا هي وقف علينا وعلى أولادنا ثم من بعدنا على

[باب وقف الرجل على نفسه ثم على أولاده ثم على الفقراء والمساكين]

المساكين أو قالوا ليست بوقف وإنما هي ميراث لنا عنه عمل بقولهم وقفا وملكا ولو لم ينسب المقر الوقف إلى أحد أو نسيه ولكن ليس للمنسوب إليه ورثة فحينئذ يعمل القاضي بقول الأمين ما لم يثبت عنده خلافه ورجوع القاضي إلى قول الورثة وبيانهم مقيد بما إذا قبض القاضي الوقف على أنه كان ملك الرجل الذي يدعي المتنازعون فيه أنه وقفه وأما إذا قبضه على نزاع وقع بينهم ولم يقبضه على أنه كان ملك الذي يدعون أنه وقفه فإنه لا ينظر إلى قول الورثة فيه وإنما يرجع فيه إلى ما يوجد من رسمه في ديوان القاضي الذي كان قبله ويعمل به هذا محصل ما ذكره الخصاف رحمه الله ولو شهد الشهود على وقف بالتسامع قال عامة المشايخ إن كان مشهورا متقادما نحو وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما أشبهه جازت الشهادة بالتسامع وقال أبو بكر البلخي لا يجوز وإن كان مشهورا وأما الشهادة على شرائطه وجهاته فذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أنه لا تجوز الشهادة على الشرائط والجهات بالتسامع وهكذا قال الشيخ الإمام الأستاذ ظهير الدين رحمه الله تعالى والله أعلم. [باب وقف الرجل على نفسه ثم على أولاده ثم على الفقراء والمساكين] لو قال رجل أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على أن لي غلتها أبدا ما عشت ثم من بعدي على ولدي وولد ولدي ونسلي أبدا أو قال ثم من بعدي على ولد زيد ونسله أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين يجوز على قول أبي يوسف رحمه الله وهو أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين يجوز على قول أبي يوسف رحمه الله وهو قول أحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة والزهري وابن سريج من أصحاب الشافعي وبه أخذ مشايخ بلخ وذكر الصدر الشهيد أن الفتوى على قوله ترغيبا للناس في الوقف ولا يجوز على قياس قول محمد وبه قال هلال وهو قول الشافعي ومالك وكذا لا يجوز وقفه على نفسه وفرَّع عليه هلال فروعا كثيرة ولو قال صدقة موقوفة

[باب ذكر الوقف على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه أبدا والوقف المنقطع]

على نفسي قال الفقيه أبو جعفر ينبغي أن يجوز في قياس قول أبي يوسف وقال الخصاف يجوز قياسا على ما أجاز أبو يوسف من استثناء الغلة لنفسه ولحشمة ولأولاده ما دام حيا ومما يقوي هذا القول ما روي أن محمد بن الحسن أجاز أن يقف الرجل على أمهات أولاده ومدبراته قال الفقيه أبو جعفر الوقف على أمهات أولاده بمنزلة الوقف على نفسه لان ما يكون لأم الولد في حياة المولي يكون للمولي فلو جعله على أمهات أولاده الموجود منهن ومن سيحده في حياته وبعد وفاته ما لم يتزوجن جاز أما على قول أبي يوسف فظاهر وأما على قول محمد فإنما أجاز الوقف عليهن لأنه لا بد من تصحيح هذا الوقف بعد موت الواقف لأنهن أجنبيات وإذا جاز بعد الموت جاز في حياته تبعا وكم من شئ يجوز تبعا ولا يجوز إصالة ولو وقف أرضا واستثنى لنفسه أن يأكل منها ما دام حيا ثم مات وعنده من غلة هذا الوقف زبيب أو معاليق فذلك كله مردود إلى الوقف ولو كان عنده خبز من بر ذلك الوقف كان ميراثا عنه لأنه ليس من الوقف حقيقة ولدخول الصنعة فيه بخلاف من تقدم ولو جعل أرضه وقفا لله عز وجل أبدا على أن ينفق غلتها على نفسه أبدا ما دام حيا وعلى أولاده وحشمه فإذا مات يكون لولده ونسله ثم من بعدهم على المساكين يصح ثم إذا استغلها سنين وتوفي والمال قائم لم ينفقه وتنازع فيه الورثة وأهل الوقف يكون ميراثا عنه لورثته لأن قوله على أن أنفقه بمنزلة قوله على أن لي أن أتموله والله أعلم. [باب ذكر الوقف على أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه أبدا والوقف المنقطع] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على ولدي كانت الغلة لولده لصلبه يستوي فيه الذكر والأنثى لأنه اسم مأخوذ من الولادة وهي موجودة فيهما إلا أن يقول على الذكور من ولدي فحينئذ لا يدخل فيه الإناث ثم تكون الغلة

لأولاد الصلب ما بقي منهم أحد فإذا انقرضوا تصرف الغلة إلى المساكين ولا يصرف إلى ولد الولد شئ لاقتصاره على البطن الأول ولا استحقاق بدون شرط وإن لم يكن له ولد لصلبه وقت الوقف وله ولد ابن كانت الغلة له لا يشاركه فيها من دونه من البطون لقيامه مقام ولد الصلب ولا يدخل ولد البنت في ظاهر الرواية وبه أخذ هلال وذكر الخصاف عن محمد أنه يدخل فيه أولاد البنات أيضا والصحيح ظاهر الرواية لأن أولاد البنات إنما ينسبون إلى آبائهم لا إلى آباء أمهاتهم ولو قال على بنيّ وكان له ابنان أو أكثر تكون الغلة كلها لهم وإن كان له ابن واحد يستحق نصفها والنصف الآخر للمساكين لأن أقل الجمع اثنان هنا كالوصية (¬1) ولو قال على بنيّ وله بنون وبنات قال هلال تكون الغلة بينهم جميعا بالسوية لأن البنات إذا جمعن مع البنين ذكروا بلفظ التذكير وهو رواية عن أبي حنيفة ألا ترى أنه قال على إخوتي وله إخوة وأخوات ان الغلة تكون لهم جميعا لقوله تعالى فإن كان له إخوة وأنه يشمل الإناث وروى أبو يوسف عنه أنه قال في الوصية أن الثلث للبنين دون البنات إلا في كل بنت يحسن أن يقال هذه المرأة من بني فلان فإذا نسب إلى فخذ أو قبيلة شمل البنين والبنات جميعا في الروايات كلها ولو قال على بنيّ وله بنات فقط (¬2) أو قال على بنافي وله بنون لا غير تكون الغلة للمساكين ولا شئ لهم ولو قال على بناتي وله بنات وبنون تكون الغلة للبنات فقط لعدم شمول لفظ البنات البنين ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عزَّ وجل على الذكور من ولدي وعلى أولادهم فهي للذكور من ولده لصلبه ولولد الذكور إناثا كانوا أو ذكورا دون بنات الصلب فلا تعطى للبنت الصلبية وتعطى بنت أخيها ولو قال على ذكور ولدي وذكور ولد ولدي يكون للذكور ¬

_ (¬1) مطلب قال على بنيّ وله بنون وبنات هل تدخل الإناث (¬2) مطلب قال على بناتي وله بنون لا غير

من ولده لصلبه وللذكور من ولد ولده وتكون الذكور من ولد البنين والبنات في الغلة سواء وال يدخل فيها أنثى من ولده ولا ولد ولده ولو قال على ولدي وعلى أولاد الذكور من ولدي يكون على ولده لصلبه الذكور والإناث وعلى الذكور والإناث من ولد الذكور من ولده ويكونون فيها سواء ولا يدخل بنات الصلب ولو قال على ولدي وولد ولدي الإناث يكون للإناث من ولده دون ذكورهم وللإناث من ولد الذكور والإناث وهن فيها سواء ولو قال على الذكور من ولدي وعلى ولد الذكور من نسلي يكون على الذكور من ولده لصلبه وعلى أولادهم من البنين والبنات وعلى ولد كل ذكر من نسله سواء كان من ولد الذكور أو ولد الإناث ولا تدخل فيه الأنثى الصلبية ولو قال على ولدي وولد ولدي ولم يزد عليه تكون الغلة بين أولاده وأولاد ابنه لأنه سوى بينهما في الذكر وهل يدخل ولد البنت قال هلال يدخل ولو قال على ولدي وولد ولدي الذكور قال هلال يدخل فيه الذكور من ولد البنين والبنات وقال علي الرازي لو وقف على ولده ثم ولده يدخل فيه الذكور والإناث من ولده فإذا انقرضوا فهو لولد ابن الواقف دون ولد بنته ولو قال على أولادي وأولادهم كان ذلك لكلهم يدخل فيه ولد الابن وولد البنت والصحيح ما قال هلال رحمه الله لأن اسم ولد الولد كما يتناول أولاد البنين يتناول أولاد البنات ذكر في السير إذا قال أهل الحرب أمنونا على أولادنا يدخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله لأن ولد الولد اسم لمن ولده ولده وابنته ولده فمن ولدته بنته يكون ولد ولده حقيقة بخلاف ما إذا قال على ولدي فإن ثم ولد البنت لا يدخل في الوقف في ظاهر الرواية لأن اسم الولد يتناول ولده لصلبة وإنما يتناول ولد الابن لأنه ينسب إليه عرفا ولو قال وقفت أرضي هذه على ولدي وقفا وآخره للمساكين فمات ولده قال أبو القاسم تصرف الغلة إلى المساكين ولو قال على ولدي

وولد ولدي قال تصرف الغلة إلى ولده وولد ولده فإذا ماتوا ولم يبق منهم أحد تصرف الغلة للمساكين ولا تصرف إلى البطن الثالث ولو ذكر بطونا ثلاثة بأن قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي ثم من بعدهم على المساكين تصرف الغلة إلى أولاده أبدا ما تناسلوا ولا تصرف إلى المساكين ما بقي منهم أحد وإن سفل لأنه لما ذكر البطن الثالث فقد فحش فتعلق الحكم بنفس الانتساب لا غير وهو موجود في حق من قرب وبعد ولو قال على أولادي وأولاد أولادي يصرف إلى أولاده وأولاد أولاده أبدا ما تناسلوا ولا يصرف إلى الفقراء ما دام واحد منهم باقيا وإن سفل لأن اسم الأولاد يتناول الكل بخلاف اسم الولد فإنه يشترط فيه ذكر ثلاثة بطون حتى يصرف إلى النوافل ما تناسلوا والأقرب والأبعد في الغلة سواء فتقسم بينهم على عدد رؤوسهم والأنثى مثل الذكر ويدخل في القسمة كل من ولد لأقل من ستة أشهر من وقت طلوع الغلة ولا يدخل فيها من ولد لأكثر منها إلا ان يكون وقف على ولد نفسه فمات ثم جاءت امرأته أو أم ولده بولد لأقل من سنتين فانه يكون له حصته من تلك الغلة وكذلك لو طلق امرأته أو اعتق أم ولده فجاءت بولد فيما بينه وبين السنتين فإنه يكون أسوة سائر أولاده ولو كان له جارية يغشاها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من مجيء الغلة فادعاه يثبت نسبه ولا يشارك من كان قبله فيها لأنها قد وجبت لهم فلا يصدق في انتقاص حق الذين وجبت لهم الغلة بمن لا يدرى أهو منهم أم لا ذكره هلال وكلما زادوا أو نقصوا تتغير القسمة السابقة ولو ذكر البطون الثلاثة ثم قال على الأقرب فالأقرب أو قال على ولدي ثم من بعدهم على ولد ولدي ثم وثم أو قال بطنا بعد بطن فحينئذ يبدأ بما بدأ به الواقف ولا يكون للبطن الأسفل شئ ما بقي من البطن الأعلى أحد هكذا الحكم في كل بطن حتى تنتهي البطون موتا إلا

أن يموت أحد من البطن الأعلى بعد طلوع الغلة فإنه يستحق سهمه من تلك الغلة ويكون ميراثا عنه بين جميع ورثته ولا حق لمن مات منهم قبل طلوعها ووقت وجود الغلة الوقت الذي ينعقد الزرع فيه حبا وقال بعضهم يوم يصير الزرع متقوما (¬1) وكون سهمه بين جميع ورثته فيما أذا وقف في زمان صحته وأما إذا وقف في مرض موته على ولده وولد ولده وإن سفل بطنا بعد بطن ثم ماتت منهم امرأة بعد ما طلعت الغلة وتركت زوجا وأخا قال أبو يوسف لزوجها نصف سهمها من الغلة ولا يعطى الأخ شيئا إذا كان من أهل الوقف لأنه وصية فلا يأخذها من وجهتين وقال محمد هو ميراث وليس بوصية فللزوج النصف وللأخ النصف ولو قال على ولديّ هذين فإذا انقرضا فهي على أولادهما أبدا ما تناسلوا قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله إذا انقرض أحد الولدين وخلف ولدا يصرف نصف الغلة إلى الباقي والنصف الآخر يصرف إلى الفقراء فإذا مات الولد الآخر يصرف جميع الغلة إلى أولاد أولاده لأن مراعاة شرطه لازمة في الوقف وهو إنما جعل لأولاد الأولاد بعد انقراض البطن الأول فإذا مات أحدهما يصرف نصف الغلة إلى الفقراء ولو وقف على ولده وليس له ولد لصلبه وله ولد ابن فإن الغلة تكون لولد الابن فإذا حدث للواقف بعد ولد لصلبه تصرف الغلة إليه ولو وقف على ولده ونسله أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين ولم يكن له ولد تكون الغلة للمساكين فإذا حدث له ولد ترجع الغلة إلى ولده ونسله ثم إذا انقرضوا تكون للمساكين وكذلك الحكم لو وقف على ولد زيد ونسله ثم من بعدهم على المساكين ولم يكن لزيد ولد ثم حدث له بعد ذلك ولد ونسل وكذلك لو وقف على أقاربه المقيمين في بلدة كذا فانتقل منها كلهم تصرف الغلة إلى الفقراء ثم تعود الغلة إليهم بعودتهم إليها وسيأتي ¬

_ (¬1) قوله وكون سهمه إلى قوله وللأخ النصف مؤشر عليه بالنسخة التي بأيدينا أنه زائد

منقطع البعض في باب الوقف على آله ولو قال على ولدي وعلى أولادهم وأولاد أولادهم ونسلهم أبدا ما تناسلوا وكان له أولاد وقد مات بعضهم عن أولاد قبل الوقف تكون على الأحياء وأولادهم فقط ولا يدخل معهم أولاد من مات قبله لأنه لا يصح إلا على الأحياء ومن سيحدث دون الأموات وقد نسبه إلى أولاد الأحياء يوم الوقف بقوله وأولادهم بعود الضمير إليهم دون غيرهم ولو قال على ولدي وولد ولدي وعلى أولادهم أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين يدخل فيه ولد من مات قبله لقوله على ولدي وولد ولدي وولد من مات قبله ولد ولده ولو قال بطنا بعد بطن للذكر مثل حظ الأنثيين فإن جاءت الغلة والبطن الأعلى ذكور وإناث يكون بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وإن جاءت والبطن الأعلى ذكور فقط أو إناث فقط تكون بينهم بالسوية من غير أن يفرض ذكر مع الإناث أو أنثى مع الذكور بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله لولد زيد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين وكانوا ذكورا فقط أو إناثا فقط فإنه يفرض مع الذكور أنثى ومع الإناث ذكر ويقسم الثلث عليهم فما أصابهم أخذوه وما أصاب المضموم إليهم يرد إلى ورثة الموصي والفرق أن ما يبطل من الثلث يرجع ميراثا إلى ورثة الموصي وما يبطل من الوقف لا يرجع ميراثا وإنما يكون للبطن الثاني وأنه لا حق له ما دام أحد من البطن الأعلى باقيا فعلم بهذا أن مراده بقوله (¬1) للذكر مثل حظ الأنثيين إنما هو على تقدير الاختلاط لا مطلقا وعلى هذا أمور الناس ومعايشهم ألا ترى أنه قال على ولد فلان تقسم الغلة بينهم فإذا انقرضوا فهي على المساكين ولم يكن لفلان إلا ولد واحد ان الغلة كلها تكون له بخلاف (¬2) ما لو قال على بني فلان ثم على المساكين ولم يكن ¬

_ (¬1) مطلب قول الواقف للذكر مثل حظ الأنثيين إنما هو عند الاختلاط (¬2) مطلب لو قال على ولد فلان الخ

له سوى ابن واحد فإنه يستحق نصف الغلة والنصف الآخر للمساكين لان أقل الجمع هنا اثنان واسم الولد يصدق على الواحد فلهذا اختلفا في الحكم ولو قال في صحته أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على ولدي وولد ولدي وولد ولد ولدي وأولادهم ونسلهم أبدا ما تناسلوا ومن بعدهم على المساكين ولم يقل بطنا بعد بطن وإنما قال وكلما حدث الموت على واحد منهم كان نصيبه من الغلة لولده وولد ولده ونسله أبدا ما تناسلوا يصح الوقف وتكون الغلة لجميع ولده وولد ولده ونسلهم بينهم بالسوية وإذا مات بعض ولد الصلب عن ولد ينتقل نصيبه إلى ولده فتقسم الغلة على عدد الموجودين من أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا وعلى ولده الميت فما أصاب الميت يأخذه ولده منضما إلى نصيبه لأنه استحقهما من وجهين بخلاف (¬1) ما أوصى لرجل بألف درهم وأوصى بثلث ماله لقرابته وكان الرجل من قرابته فإنه يستحق الأكثر من الألف ومما ينوبه بالمقاسمة لأن هاتين الوصيتين من وجه واحد فلا يجوز أن يجمع بينهما ولو كانت المسألة بحالها ولكن قال على أن يبدأ بالبطن الأعلى ثم بالذي يليه بطنا بعد بطن إلى آخرهم وكلما حدث الموت على واحد منهم كان نصيبه لولده وولد ولده ونسله أبدا على أن يقدم البطن الأعلى ثم الذي يليه كذلك أبدا وكلما حدث الموت على أحد منهم ولم يترك ولدا ولا نسلا كان نصيبه مردودا إلى أصل غلة هذه الصدقة ومجرى على أحكامها وشروطها تكون الغلة للبطن الأعلى الموجود يوم الوقف والحادث بعده ثم يكون لمن بعدهم بطنا بعد بطن فلو كانت أولاده لصلبه عشرة مثلا وقسمت الغلة عليهم سنين ثم مات بعضهم وترك ولدا أو ولد ولد وإن سفل قسمت على عدد أولاد الصلب فما أصاب الأحياء أخذوه وما أصاب الموتى كان لأولادهم ونسلهم على ما شرط من تقديم بطن على بطن فإذا كانت أولاد ¬

_ (¬1) مطلب أوصى لرجل بألف درهم وثلث ما له لقرابته وكان الرجل من قرابته الخ

الصلب كما فرضنا عشرة ومات منهم اثنان عن غير ولد تقسم الغلة على الثمانية الباقين ثم إذا مات اثنان آخران عن أولاد تقسم على الثمانية أيضا فما أصاب الأحياء أخذوه وما أصاب الميتين كان لأولادهما على ما شرط ثم إذا مات اثنان آخران عن غير ولد ولا نسل تقسم الغلة على ستة أسهم على الأربعة الباقين وعلى الميتين عن أولاد فيأخذ كل حي سهمه ويعطي ما أصاب الميتين لأولادهما ويسقط سهام الأربعة الذين ماتوا عن غير أولاد فإن نازع الأربعة الباقون من أولاد الصلب أولاد الميتين ثانيا في سهمي الميتين آخرا وقالوا إنهما لنا دونكم لموتهما بعد موت أبويكم يقال لهم أن الواقف شرط أن من مات ولم يترك ولدا ولا نسلا كان نصيبه مردودا إلى أصل غلة الصدقة ومجري على أحكامها وشروطها فيرد نصيب من مات عن غير ولد ولا مسل إلى أصل الصدقة ويقسم على مستحقيها ويعطى كل ذي حق حقه عملا بشرطه ولو قال وكلما حدث الموت على أحد منهم ولم يترك ولدا ولا نسلا كان نصيبه مردودا إلى ولدي لصلبي وصورة الموت على حالها تقسم الغلة على ثمانية فما أصاب أبوي الأولاد وهو الربع كان لهم وما أصاب الميتين آخرا وهو الربع أبضا كان للأربعة الذين هم ولد الصلب عملا بشرطه ولو قال وكلما حدث الموت على أحد منهم ولم يترك ولدا ولا نسلا كان نصيبه منها راجعا إلى البطن الذي فوقه ومات واحد منهم ولم يكن فوقه أحد أو لم يذكر في سهم من يموت عن غير ولد ولا نسل شيئا يكون نصيبه راجعا إلى أصل الغلة وجاريا مجراها ويكون لمن يستحقها ولا يكون للمساكين منها شئ إلا بعد انقراضهم لقوله على ولدي ونسلهم أبدا وإذا كانت المسألة بحالها المقدم أولا ومات اثنان من العشرة عن غير ولد ثم مات اثنان آخران عن أولاد وكان أولاد أحدهما أربعة مثلا ثم مات من الأولاد الأربعة واحد عن ولد ومات آخر منهم عن غير ولد تقسم الغلة على ثمانية كما تقدم فما أصاب

الأحياء أخذوه ويدفع سهم كل من الميتين إلى أولادهما ثم يقسم ما أصاب الأربعة بينهم أرباعا ثم يرد الربع وهو سهم الميت منهم عن غير ولد إلى أصل الغلة ويقسم على ثمانية أسهم فما أصاب أباهم من ذلك يقسم بين الاثنين الباقين من الأربعة وبين أخيهم الذي مات وترك ولدا أثلاثا فما أصاب الحيين يأخذانه وما أصاب الميت يكون لولده ولو مات أحد من البطن الثاني قبل الاستحقاق ولد كما لو مات المسمى بعمرو مثلا من البطن الثاني عن ولده بكر وعن أخوه ثم مات أبوهم من البطن وأخوه الأعلى يكون نصيبه لأولاده فقط ولا يستحق بكر شيئا لأن نصيبه من نصيب أبيه عمرو وأنه مات قبل الاستحقاق فلا يستحق بكر شيئا ما بقي أحد من البطن الثاني لكونه ذكر البطون مترتبة فإذا انقرض البطن الثاني يشارك بكر البطن الثالث لكونه منه فلو ماتت أولاده العشرة عن عشرة أولاد مثلا وقد كان له ولدان ماتا قبل الوقف عن ولدين مثلا تنتقض القسمة التي كانت على عدد البطن الأول وتصير من اثني عشر على عدد رؤوس البطن الثاني ولم يعمل بقوله وكلما حدث الموت في أحد منهم انتقل نصيبه إلى ولده وولد ولده الخ بموت العشرة لدخول بعضهم في الغلة بنفسه بلا واسطة أبيه بل بقول الواقف على ولدي وولد ولدي وإنما لم يستحقوا مع أولاد الصلب لترتيبه البطون وإذا صارت الغلة للبطن الثاني ومات منهم أحد عن ولد أو نسل انتقل نصيبه إليه عملا بذلك الشرط وهكذا الحكم في كل بطن إلى أن تنتهي البطون موتا فالمحرر إن ما أمكن أن يدخل بنفسه لا يعمل بذلك الشرط وما لم يمكن يعمل به ولو مات جميع البطن الثاني عن أولاد بعضهم عن واحد وبعضهم عن اثنين وبعضهم عن ستة مثلا تقسم الغلة على عدد رؤوس البطن الثالث بالسوية بالغا ما بلغوا وهكذا الحكم في كل بطن إلى أن تنتهي البطون ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على ولدي لصلبي ما داموا

أحياء تجري عليهم ولا يخرج عنهم شئ منها إلى غيرهم حتى ينقرضوا فإذا انقرضوا تكون الغلة لولد ولدي وأولادهم ونسلهم أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين وكلما حدث الموت على أحد من ولدي لصلبي كان نصيبه لولده من بعده لولده ثم لولد ولده أبدا ما تناسلوا وكل من مات من ولدي أو ولد ولدي عن غير ولد كان نصيبه راجعا إلى أصل الوقف وجاريا مجراه كان الوقف جائزا وتصرف غلته فيما شرطه ثم إذا مات أحد من أولاد الصلب ينتقل نصيبه إلى ولده على ما شرط ثانيا من انتقاله إلى ولد ولده وانتسخ به قوله لا يخرج عنهم شئ منها الخ لكونه متأخرا مفسرا ولو وقف على ولده ونسله أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين ولم يكن له ولد تكون الغلة للمساكين فإذا حدث له ولد ترجع الغلة إلى ولده ونسله ثم إذا انقرضوا تكون الغلة للمساكين وكذلك الحكم لو وقف على ولد زيد ونسله ثم من بعدهم على المساكين ولم يكن لزيد ولد ثم حدث له بعد ذلك ولد ونسل ولو قال على (¬1) عقبي تكون الغلة لولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا من أولاده الذكور دون الإناث إلا أن تكون أزواج الإناث من ولد ولده الذكور فكل من يرجع بنفسه إلى الواقف بالآباء فهو من عقبه وكل من كان أبوه من غير الذكور من ولد الواقف فليس من عقبه ولو قال على زيد وعلى ولده وولد ولده ونسله وعقبه أبدا ما تناسلوا على أن يبدأ بزيد وبالبطن الأعلى معه ثم وثم كذلك حتى تنتهي البطون وكلما حدث الموت على أحد منهم وله ولد كان نصيبه من الغلة لجميع ورثته تقسم بينهم على قدر ميراثهم منه وكلما حدث الموت على أحد منهم ولم يترك ولدا كان نصيبه منها مردودا إلى أصل غلة الوقف وجاريا على أحكامها وشروطها ثم من بعدهم للفقراء والمساكين صح وتقسم الغلة بين زيد وأولاده من البطن الأعلى على ¬

_ (¬1) مطلب تفسير العقب وهو ولد الواقف وولد ولده أبدا ذكر كان أو أنثى

عددهم فلو كانت أولاده خمسة بنين وابنتين كانت القسمة على ثمانية لكل واحد منهم سهم فإذا مات زيد ولم يترك غيرهم من الورثة أو مات أحد أولاده ولم يترك غيرهم من الورثة يسقط سهمه وتقسم الغلة على سبعة فلو ترك زيد زوجة وأبوين أيضا كان سهمه بين جميع ورثته على قدر ميراثهم منه وتأخذ أولاده من وجهين وهو جائز بخلاف الوصية كما تقدم بيانه أنا نقسم الغلة على ثمانية فيأخذ كل واحد من أولاده سهمه ثم يقسم سهم أبيهم بينهم وبين بقية ورثته على قدر ميراثهم منه فلو ماتت زوجة زيد أو أبواه أو أحدهما قسمت الغلة إذا جاءت على ثمانية كما تقدم ودفع إلى كل ولد سهمه ثم قسم سهم زيد بين أولاده وبين من بقي من زوجته أو أبويه وسقط سهم الميت منهم وهكذا الحكم لو مات بعد موت زيد بعض ولده عن ولد وورثة أخر أيضا فإنه يقسم سهمه الذي هو الثمن بين جميع ورثته كما تقدم وتسقط حصته من سهم أبيه لترتيب الواقف البطون وسهمه هو باق للنص على بقائه ما بقي له ولد ويكون ذلك الساقط لمن بقي من ولد زيد وبقية ورثته على قدر ميراثهم منه فلو مات بعد ولد زيد في حياة زيد عن ولد ذكر وزوجة وأم مع إخوته تنحجب الأم إلى السدس والزوجة إلى الثمن حجب نقصان وتنحجب الإخوة حجب حرمان فلا ينوبهم شئ من سهمه ويكون لأمه وأبيه من سهمه على اعتبار السدس ولزوجته منه على اعتبار الثمن والباقي لابنه ثم إذا زال الحاجب لا يعود المحروم إلى الاستحقاق ولا يكمل للأم الثلث ولا للزوجة الربع لأن العبرة بالاستحقاق كاملا أو ناقصا أو الحرمان بالكلية وقت موت المورث ولو مات بعض ولد زيد بعد موت زيد عن بنت وأم وزوجة مع إخوته لا تنحجب إخوته بها فيقسم سهمه بين ورثته على مقدار ميراثهم منه ولو مات عن ابن وزوجة وأخذته الزوجة على نسبة الثمن ثم مات الابن بعد ذلك يستمر حقها على نسبة الثمن فتأخذه ويرد الباقي إلى أصل غلة الوقف ولو كان آخر أولاد زيد موتا بنتا عن

[فصل فيما لو شرط في الوقف على أولاده أن من انتقل من الإثبات إلى مذهب الإعتزال فهو خارج أو ذكر غيره من الشروط]

زوج وبنت يأخذ الزوج الربع والبنت النصف ثم يرد الباقي على البنت وإذا ماتت يردّ سهمها إلى أصل الغلة ولا يكمل لزوجها النصف لأنا لو كملناه لكنا مخالفين لما شرطه الواقف ولو كان ليد أولاد ماتوا قبل الوقف عن أولاد دخلوا في البطن الثاني وهو أولاد من كان موجودا وقت الوقف والتوجيه كما تقدم في الصورة الأولى من الأولاد العشرة وما دام زيد حيا يشارك كل بطن إلى أن يموت ولو مات آخر أولاده عن امرأته مثلا فلا شئ لها من الوقف لانقراض نسل زيد وقد علق الواقف استحقاق ورثته بما لو مات ولد زيد أو نسله عن ولد ولم يوجد ولو قال الواقف وكلما حدث الموت على أحد كان نصيبه لجميع ورثته ولم يقل وكان له ولد تكون الغلة لورثة من مات منهم سواء كان له ولد أو لم يكن ومن مات منهم ولا وارث له كان سهمه راجعا إلى أصل غلة الوقف ولو مات وترك ابنين وفي يد أحدهما ضيعة يزعم أنها وقف عليه من أبيه والابن الآخر يقول هي وقف علينا قال الفقيه أبو جعفر القول قول الذي يدعي أنها وقف عليهما لأنهما تصادفا أنها كانت في يد أبيها وقال غيره القول قول ذي اليد والأول أصح. [فصل فيما لو شرط في الوقف على أولاده أن من انتقل من الإثبات إلى مذهب الإعتزال فهو خارج أو ذكر غيره من الشروط] لو وقف على ولده ونسله وعقبه أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين وشرط عي عقدة وقفه أن من انتقل منهم من الإثبات وصار إلى مذهب الإعتزال فهو خارج صح الوقف ويخرج منه بخروجه ولو كان الواقف من المعتزلة وشرط عكس هذا الشرط عمل بشرطه وهكذا الحكم في سائر المذاهب ولو ارتدّ يخرج أيضا وإن لم يكن الكفر مذهبا مختلفا فيه لأن مذهب أهل الإثبات الإسلام والقول بشرائع الإسلام فمن خرج عنه فقد ترك الإسلام وشرائعه والإثبات من شرائعه ولو رجع إلى الإثبات بعد ما خرج منه لا يرجع إليه

الوقف إلا أن يكون الواقف شرط أن من رجع إلى الإثبات رجع حقه بخلاف ما لو وقف على من يسكن بغداد من فقراء قرابته فانتقل منها بعضهم وسكن الكوفة ثم عاد إليها وسكن فإنه يعود حقه لأن النظر هاهنا إلى حالهم يوم قسمة غلة الوقف ألا ترى أنه لو وقف على فقراء قرابته وكان فيهم فقراء وأغنياء تكون الغلة للفقراء ثم لو افتقر الأغنياء واستغنى الفقراء تكون الغلة لمن افتقر دون من استغنى ولو لم ينظر إلى حالهم يوم القسمة لربما لزم دفع الغلة إلى الأغنياء دون الفقراء وأنه لا يجوز لكونه خلاف شرط الواقف ولو كان بعض قرابته ساكنا في الكوفة وقت الوقف ثم انتقل وسكن بغداد استحق من الغلة (¬1) ولو وقف على أقاربه المقيمين في البلدة إلا من خرج منها فإنه لا يعود حقه إذا عاد لأنه استثنى الموصوف بهذه الصفة فلا يدخل تحت الشرط ولو وقف على أقاربه المقيمين في بلدة كذا وآخره للفقراء ثم أراد أقاربه الانتقال من بلك البلدة هل يحرمون عن نزل هذا الوقف قال الفقيه أبو بكر البلخي إن كان أقاربه في تلك البلدة يحصون ويحاط بهم فإن وظيفتهم وحقهم يدور معهم أينما داروا وإن كانوا لا يحصون ولا يحاط بهم فكل من انتقل منهم من تلك البلدة انقطعت وظيفته من الوقف ويعطى من كان مقيما بها وإن لم يبق أحد منهم مقيما بها تصرف الغلة إلى الفقراء قال الفقيه أبو الليث فإن رجعوا إلى البلدة وأقاموا بها رجعت إليهم الغلة في المستقبل ولو وقف على من تزوَّج من قرابته تكون لمن تزوّج وكذالك لو وقف على من اسلم من قرابته تكون لمن أسلم دون من خلق مسلما ولو قال وقفت على أولادي لصلبي ما داموا صغارا فإذا بلغوا قطعت الغلة عنهم وكانت ليد ما دام حيا فإذا مات ردت إلى أولادي لصلبي ثم من بعدهم لأولادهم ونسلهم أبدا ثم على المساكين أو قال على ولدي عشر سنين ثم تكون لزيد ما دام حيا ثم من بعده ترد إلى ¬

_ (¬1) مطلب وقف على أقاربه المقيمين في البلدة إلا من خرج منها

[باب الوقف على أهل بيته وآله وجنسه وفيه منقطع البعض]

ولدي ونسله أبدا على المساكين صح الوقف ويجري على ما شرطه ولو وقف على الأصاغر من ولده تكون الغلة لمن كان صغيرا من ولده يوم الوقف ولا يكون لمن يحدث له من الولد شئ منها لأن الصغر وإن كان يزول لكن يزول زوالا لا يعود فكان ذكره بمنزلة اسم العلم بخلاف الفقر وسكنى بغداد فإنهما يحتملان العود بعد الزوال فلا يكونان بمنزلة اسم العلم فتعتبر الصفة وقت وجود الغلة ولو قال على الأكابر من ولدي كان للأكبر منهم يوم الوقف ولو قال على أولادي العوران أو العميان كان لهم خاصة دون غيرهم لأنه علق الاستحقاق بوصف لا ينتقل عنه صاحبه فصار بمنزلة الاسم فيعتبر ذلك الوصف فيهم يوم الوقف لا يوم الغلة وهكذا الحكم لو شرط هذه الشروط في كل موقوف عليه من أقاربه أو من الأجانب والله أعلم. [باب الوقف على أهل بيته وآله وجنسه وفيه منقطع البعض] أهل بيت الرجل وآله وجنسه واحد وهو كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له في الإسلام وهو الذي أدرك الإسلام أسلم أو لو لم يسلم فكل من يناسبه إلى هذا الأب من الرجال والنساء والصبيان فهو من أهل بيته (¬1) والقرابة والأرحام والأنساب كل من يناسبه إلى أقصى أب له في الإسلام من قبل أبيه وإلى أقصى أب له في الإسلام من قبل أمه فكل من كان من هؤلاء فهو قرابته ما خلا أبويه وولده لصلبه فإنهم لا يسمون قرابة فيكون ولد ولده وأجداده وجداته داخلين في القرابة وسيأتي ما في ولد الولد والجد من الخلاف في الفصل الآتي فلو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أهل بيتي فإذا انقرضوا فهي وقف على المساكين تكون الغلى للفقراء والأغنياء من أهل بيته ويدخل فيه أبوه وأبو أبيه وإن علا وولده لصلبه ¬

_ (¬1) تفسير القرابة

[فصل في الوقف على قرابته أو أرحامه أو أنسابه أو عياله أو أهله أو أقرب الناس إليه]

وولد ولده وإن سفل والذكور والإناث والصغار والكبار والأحرار والعبيد فيه سواء والذمي فيه كالمسلم ولا يدخل فيه هو ولا الأب الذي أدرك الإسلام ولا الإناث من نسله إذا كان آباؤهم من قوم آخرين وإن كان آباؤهم ممن يناسبه إلى جدّه الذي أدرك الإسلام فهم من أهل بيته وعلى هذا التفصيل أولاد عماته وأولاد أخواته ولو قيده بفقراء أهل بيته تقيد بهم ويعتبر الغنى والفقر وقت وجود الغلة فمن استغنى قبل ذلك حرم ومن افتقر رزق ولو تأخر صرف الغلة لعارض مدَّة سنين فافتقر الغني واستغنى الفقير يشارك المفتقرين حين القسمة الفقير وقت وجود الغلة بخلاف ما لو تأخرت لمانع فحدث له جماعة من أهل بيته فإنهم إنما يشاركون من كان قبلهم فيما يأتي من الغلة بعد وجودهم لا فيما كان موجودا قبلهم ولو استغنى كل أهل بيته تصرف الغلة إلى المساكين وإن افتقروا تعود إليهم ولو وقفت المرأة على أهل بيتها لا يدخل فيه ولدها ولا أمها إلا أن يكون زوجها أو أمها من أهل بيتها ولو قال ارضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أهل بيتي أو على قرابتي ومن بعدهم على المساكين يصح الوقف وتكون الغلة لأهل بيته دون قرابته لدخولهم في الوجهين جميعا بخلاف القرابة فإنهم يدخلون في حال إرادة القرابة دون إرادة أهل البيت ولا يعطون بالشك ولو قال على عمي وأولاده أو على أهل بيتي ومن بعدهم على المساكين يصح أيضا لاستحقاق عمه وأولاده الوقف في الوجهين جميعا إما بأنفسهم وإما بآبائهم من أهل البيت ثم يضم إليهم بقية أهل البيت وتقسم الغلة على عدد رؤوسهم ويعطى لعمه ولأولاده ما أصابهم ولا شئ لبقية أهل البيت لثبوتهم في حال وسقوطهم في حال ويكون ما أصابهم للمساكين بخلاف ما لو قال على زيد أو على عمرو ثم على المساكين فإنه لا يصح وقد تقدم توجيهه في باب الوقف الباطل والله أعلم. [فصل في الوقف على قرابته أو أرحامه أو أنسابه أو عياله أو أهله أو أقرب الناس إليه] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على قرابتي أو قال على أرحامي

أو أنسابي أو رحمي أو ذي نسب مني فإذا انقرضوا فهي على المساكين جاز الوقف وتصرف غلته إلى قرابته الموجودين يوم الوقف وإلى من يحدث من قرابته أبدا ولا يدخل فيه أبواه ولا أولاده لصلبه وتدخل فيه النافلة وإن سفلت والأجداد والجدات من قبل الآباء والأمهات وإن علوا ويدخل فيه المحارم وغيرهم من أولاد الإناث وإن بعدوا وهذا عندهما وعند أبي حنيفة تعتبر المحرمية والأقرب فالأقرب للاستحقاق وليس ابن الابن والجد من القرابة عند أبي حنيفة وأبي يوسف فلا يدخلان وعند محمد هما منها فيدخلان وفي الزيلمي ويدخل فيه الجد والجدة وولد الولد في ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة وأبي يوسف انهم لا يدخلون ولو قال على قرابتي من قبل أبي وأمي وكان له قرابة من قبل أبيه فقط وأخرى من قبل أمه فقط كان الوقف بين الفريقين نصفين سواء تساوى العدد أو اختلف ويكون نصف كل فريق بينهم بالسوية لأن مراده أن تكون الغلة لقرابته من الجهتين جميعا لا أن تجتمع القرابتان معا في واحد ولو قال على ذوي قرابتي لا يكون ذوو القرابة أقل من اثنين عند أبي حنيفة وعندهما يطلق إلى الواحد أيضا فإذا كان له عمان وخالان تكون الغلة للعمين وكذلك الحكم لو كان له عم وعمة وخالان وإذا كان له عم واحد وأخوال وخالات يكون النصف للعم والنصف الآخر للأخوال والخالات على عددهم وهذا كله في قول أبي حنيفة وفي قولهما تكون الغلة بين الأعمام والعمات والأخوال والخالات على عددهم ولو قال على إخوتي وله ثلاثة إخوة متفرقين تكون الغلة بينهم قال الخصاف وهذا من الحجة على أبي حنيفة في العمين والخالين ولو قال على قرابتي دخل فيه كل قريب له صغيرا كان أو كبيرا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا حرا أو عبدا والرد والقبول إلى العبد دون السيد فإن رد العبد وقبل السيد بطل وبالعكس صح وتكون الغلة للسيد فإذا أعتق انتقل إليه، ولو قال على عيالي يدخل فيه كل من كان في نفقته ولو لم يكن ذا

[فصل في بيان الأقرب من قرابته]

رحم محرم منه ولو قال على أهلي قال أصحابنا في القياس تكون الغلة لزوجته خاصة ولكن يستحسن أن تكون لكل من يعول في منزلة من الأحرار دون العبيد ولو كان له زوجتان في بلدتين يدخل في الوقف كل من يعول في منزله مع المرأتين ولو قال على إخوتي فإذا انقرضوا فهي على إخوتي من قبل أبي وكان له إخوة متفرقون كان الوقف عليهم جميعا ثم تكون من بعدهم على المساكين لأنه يستحيل أن تكون عليهم ومن بعد موتهم على إخوته لأبيه وهم من جملة الإخوة الموقوف عليهم ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على أقرب الناس مني أو قال إليّ ومن بعده على المساكين تصرف الغلة لأقرب الناس منه فلو كان له ولد وأبوان تكون الغلة لولده ذكرا كان أو أنثى لأنه أقرب إليه من أبوية ثم من بعده تكون الغلة للمساكين دون أبويه لأنه وقف هكذا ولو يقل للأقرب فالأقرب ولو كان له أبوان كانت الغلة بينهما نصفين ومن مات منهما انتقل نصيبه للمساكين لعدم جعله نصيب من مات منهم لمن بقي ولو كان له أم وإخوة تكون الغلة لأمه دون إخوته لكونها أقرب إليه منهم ولو كان له أم وجد لأب كانت الغلة لأمه ولو كان له جد لأب وإخوة تكون الغلة للجد على قول من يجعله بمنزلة الأب وعلى القول الآخر تكون الغلة للإخوة لأن من ارتكض مع الواقف في رحم أو خرج معه من صلب كان أقرب إليه ممن كان بينه وبين الواقف حائل ولو كان له أب وابن ابن تكون الغلة لأبيه دون نافلته لكون الأب أقرب إليه منه ولو كان له بنت بنت وابن ابن ابن تكون الغلة لبنت البنت لأنها أقرب إليه منه لإدلائها بواسطة وإدلائه بواسطتين وإن كان الميراث له دونهما لأن الوقف ليس من قبيل الميراث ولو قال على اقرب قرابة مني وكان له أبوان وولد لا يدخل واحد منهم في الوقف إذ لا يقال لهم قرابة [فصل في بيان الأقرب من قرابته] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل

أبدا على أقاربي على أن يبدأ بأقربهم إليَّ نسبا أو رحما فيعطى من الغلة ما يكفيه لطعامه وكسوته في كل سنه ثم يعطى من يليه في القرب كذلك وهكذا حتى تنتهي البطون ثم ما فضل عنهم يصرف للمساكين كان الوقف صحيحا وتصرف غلته على ما شرطه فلو كان له إخوان أو أختان أحدهما لأبويه والآخر لأبيه يبدأ بمن لأبويه ثم بمن لأبيه وحكم أولادهما كحكمهما ولو كان أحدهما لأبيه والآخر لأمه يبدأ بمن لأبيه عند أبي حنيفة وعن أبي يوسف ومحمد هما سواء لأنه قد ارتكض مع الأخ لأم في بطن الأم ومع الأخ لأب في صلب الأب ولو اجتمع ثلاثة من الإخوة والأخوات متفرقين يجري الخلاف والثاني والثالث إن فضل عن الأول شئ من الغلة وحكم الفروع كحكم أصولهم إذا اجتمعوا متفرقين ولو كان له ثلاثة أعمام وعمات متفرقين أو ثلاثة أخوال وخالات كذلك كان من لأبوين أولى ممن لأب والخال أو الخالة لأبوين أولى من العم لأم أو لأب كعكسه والعم أو العمة لأبوين مقدم على الخال أو الخالة لأبوين على قول أبي حنيفة وعلة القول الآخر هما سواء ومن لأب منهما أولى ممن لام في قول أبي حنيفة وفي قولهما هما سواء وحكم الفروع إذا اجتمعوا متفرقين كحكم الأصول وعند أبي يوسف ومحمد قرابته من جهة أبيه وقرابته من جهة أمه سوا ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين ويقدم الأقرب فالأقرب منهم عملا بشرط الواقف ولو كان له أخ لأب أو لأم وابن أخ لأبوين يقدم أخوه على ابن أخيه لأبويه وابن الأخ لأب مقدم على ابن ابن الأخ لأبوين ولو كان له عم لأبوين وأخ لأم كان الأخ مقدما وأولاد الأخوة ولو لأم وإن بعدوا يقدمون على الأعمام والعمات ولو لأبوين فلا يعطى ولد الجد حتى يفرغ ولد الأب اعطاء وهكذا كلما ارتفع إلى بطن لا يعطى من فوقه حتى يفرغ هو ونسله اعطاء أو موتا ولو كان له جد لأم وابنة أخ لأم كان الجد عند أبي حنيفة أولى وعندهما بنت الأخ من الأم أولى ولو كان له بنت أخ لأبوين

[فصل في إثبات قوم مشاركة القرائب فيما وقف عليهم]

أو لأب وجد لأم كان الجد عند أبي حنيفة أولى وعند أبي يوسف بنت الأخ أولى وبنت البنت مقدمة على الجد أبي الأم وبنت البنت مقدمة على بنت بنت الابن وبنت البنت كابن البنت اتحدت الأم أو اختلفت وبنت العمة مقدمة على عمة أبيه ولو لأبويه وخالته مقدمة على بنت عم أبيه وبنت خالته مقدمة على خال أبيه قال الخصاف فإن ترك عما وعمة وخالا وخالة فعلى مذهب أبي حنيفة ان نصف الغلة للعم والنصف الباقي بين العمة والخال والخالة أثلاثا وعلى قول أبي يوسف ومحمد الغلة بينهم جميعا بالسوية وإن ترك عمة وخالا وخالة فالغلة بينهم جميعا في القولين وينبغي أن يحمل العم في الصورة الأولى على أنه لأبوين والبواقي لأب أو لأم وفي الثانية على أن الكل لأب أو لأم حملا للمطلق على ما ذكره هو وغيره مفصلا من تقديم ذي الأبوين من الجهتين على ذي الأب منهما ومن تقديم الإمام ذي الأب على ذي الأم والله أعلم. [فصل في إثبات قوم مشاركة القرائب فيما وقف عليهم] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على قرابتي من جهة أبي ومن جهة أمي كان الوقف عليهم جميعا وتقسم الغلة بينهم على عددهم يستوي فيها الغني والفقير فلو جاء قوم إلى القاضي وقالوا نحن من قرابة الواقف وجحدهم المعروفون من قرابته يأمرهم القاضي بإثبات قرابتهم منه بالبينة والخصم في ذلك وصي الواقف أو هو إن كان موجودا ولو كان له قرائب معروفون ثم اعترف بقرائب آخرين لا يسري إقراره عليهم إلا أن تكون عند عقدة الوقف ولو لم يكن له وصي أقام القاضي للوقف قيما وجعله خصما لمن يدعي أنه قرابة الواقف ولو أحضر المدعي وارث الواقف وادعى عليه لا يكون خصما إلا أن يكون قيما على الوقف لأنه خرج عن ملك الواقف ولم يدخل في ملك الوارث فكان الأمر فيه إلى القاضي لعموم ولايته ويشترط لقبول شهادة الشهود أن يشهدوا ويفسروا القرابة فإذا شهدوا بأنه أخوه لا بد أن يشهدوا بأنه لأبويه أو لأبيه أو

لأمه لأن القاضي لو قبلها قبل ذلك لقضى له بنسب مجهول ولا ينبغي له ذلك وكذلك في العم والخال وابن العم وابن الخال فإذا ثبت كونه قريبا وشهدوا انهم لا يعلمون للواقف قرائب غير هؤلاء قسمت الغلة حينئذ بينهم على عددهم فلو غفل القاضي أن يسأل الشهود أنهم لا يعلمون له قرائب غيرهم أمرهم بإعادة البينة فإن لم يقدروا على من شهد لهم بذلك وطال الأمر يستحسن أن تفرق الغلة عليهم ويأخذ منهم كفلاء بما يدفع إليهم فإن أقام مدعي القرابة شاهدين فشهدا بأن القاضي الفلاني أشهدهم أنه قضى لهذا بأنه قريب فلان الواقف ولم يفسر شيئا يستحسن إجازتها وحملها على الصحة ولو كان الأوصياء جماعة يكتفي بالدعوى على واحد منهم ولو حكم القاضي لرجل بأنه قرابة الواقف ثم حضر ابنه وأقام بينة أنه ابن المحكوم له كفاه ذلك لاستحقاق الوقف والمرأة وابنها والجد وولد ولده وإن سفل كالرجل وابنه في حكم الحاكم ولو حكم القاضي لرجل بأنه قرابة الواقف وفسر الشهود قرابته لأبويه ثم جاء آخر وأقام بينة أنه أخو المقضي له من أبويه قضي له بها كذلك ولو فسروا قرابته بأنه لأبيه وأقام الآخر بينة انه أخو المثبت لأبيه قضي له كذلك وهكذا حكم قرابة الأم ولو قضى لرجل بأنه عم الواقف أو خاله مثلا وفسروا حاله ثم حضر رجل وادعى عليه أنه قرابة الميت وأقام على ذلك بينة يقبلها القاضي إن كان المقضي له اخذ من الوقف شيئا وإلا فلا لعدم كونه خصما وهذا استحسان وفي القياس يقبل مطلقا وإن شهد ابنا الواقف لرجل بأنه قرابة الواقف وفسراها قبلت الشهادة ودخل في الوقف ولو شهد رجلان ممن صحت قرابتهما من الواقف لرجل أنه قرابته وفسراها قبلت أن عدلا ودخل معهم في الوقف وإن لم يقبلهما القاضي لعدم ظهور عدالتهما جاز للمشهود له أن يشارك الشاهدين فيما ينوبهما من الغلة مؤاخذة لهما بزعمهما ولو شهد القرابة بعضهم لبعض بأن شهد اثنان لاثنين بالقرابة وشهد المشهود لهما

[فصل في الوقف على فقراء قرابته وكيفيه إثباته وما بتعلق بذلك]

للشاهدين بالقرابة لا تقبل الشهادة والله أعلم. [فصل في الوقف على فقراء قرابته وكيفيه إثباته وما بتعلق بذلك] لو وقف رجل أرضه على الفقراء من قرابته أو على من افتقر منهم فأثبت رجل قرابته منه وفقره دخل في الوقف وقال محمد لو قال على من افتقر من قرابتي تكون الغلة لمن كان غنيا ثم افتقر ونفيا فيه اشتراط تقدم الغنى ولو قال على من احتاج من قرابتي فهي لكل من يكون محتاجا وقت وجود الغلة سواء كان غنيا ثم احتاج أو كان محتاجا من الأصل ومثله المسكين والفقير ولو وقف على فقراء قرابته وكان فيهم يوم مجيء الغلة فقير فاستغنى أو مات قبل أخذ حصته منها كان له حصته لثبوت الملك له وقت مجيئها ولو ولدت امرأة قرابته بعد مجيئها لأقل من ستة أشهر لا يستحق منها شيئا لأن مستحقها هو الفقير من قرابته والحمل لا يعد فقيرا إذ الفقر الحاجة وهو غير محتاج إلى شئ فصار بمنزلة الغني من قرابته وقت مجيئها بخلاف ما لو وقف على ولده أو وقف على قرابته فجاءت المرأة بولد لأقل من ستة أشهر من يوم مجيئها فإنه يستحق حصته منها لتعليقه الاستحقاق بالنسب ذكره هلال رحمه الله وإذا وقفها على فقراء قرابته ولم تقسم غلة سنة حتى جاءت غلة أخرى وكان نصيب كل واحد من كل غلة نصابا استحقوا الكل إن دفعت إليهم الغلتان معا وإلا لا يستحقون الثانية لصيرورتهم أغنياء بقبض الأولى إلا إذا نقصت وكذلك لو وقف رجل على الفقراء من ولد زيد ابن عبد الله ووقف آخر على الفقراء منهم أيضا فجاءت غلة الوقفين استحقوا الكل إن دفعت الغلتان إليهم معا مطلعا وإلا فإن كان المدفوع إليهم أولا نصابا نصابا لا يستحقون الغلة الأخرى وتكون للمساكين وإن كان أقل من نصاب استحقوا الأخرى أيضا ولو قال كل من الواقفين على ولد زيد يعطى كل فقير منهم قوته من غلة هذا الوقف فجاءت الغلتان معا استحق كل فقير من غلة كل وقف قوتا وإن

جاءت إحداهما قبل الأخرى وأخذ منها كل واحد منهم قوته ثم جاءت الأخرى لا يستحقون منها قوتا آخر فإن كانوا قد أنفقوا بعض ما أخذوه من الأولى أخذوا من الثانية قوتا آخر وهكذا الحكم في وقف الرجل الواحد ارضين بعقدين بخلاف ما لو وقف أرضين بوقف واحد على هذا الوجه فإنه لا يستحق كل فقير غير قوت واحد ثم الفقير الذي يجوز له الدخول في الوقف على الفقراء هو الذي يجوز له أخذ الزكاة على ما بين في موضعه من كتاب الزكاة وكيفية إثبات الفقر أن يشهدوا أنه فقير لا يعلمون له مالا ولا عرضا يخرج بملكه إياه عن حال الفقر فإذا شهدوا له هكذا دخل في الوقف واحتمال أن له مالا ولا يعلمون به لا يضر في شهادتهم لأنه ليس عليهم أن يعلموا الغيب وإنما عليهم أن يشهدوا بما يظهر لهم من أمره كإثبات القاضي فقر المديون ولو كان لمثبت الفقر ولد غني تجب نفقته عليه لا يدخل في الوقف وإذا لم يعلم القاضي أن له ولدا حلفه أنه ليس له أحد تجب نفقته عليه فإن حلف دخل فيه وإلا فلا وسيأتي تمام الفروع فيما يليه فإن شهد له رجلان بالفقر بعد ما جاءت الغلة لا يدخل فيها وإنما يدخل فيما يحدث منها بعد الشهادة إلا أن يشهدا له في وقت ويسندا فقره إلى زمن سابق فإنه يقضي له بالاستحقاق من مبدأ الزمن الأول وإن طال، رجل ليس من قرابة الواقف ولكن أولاده من قرابته يجوز له أن يثبت فقرهم وقرابتهم منه إذا كانوا صغارا وأما الكبار العقلاء فإليهم إثبات قرابتهم منه وفقرهم ووصي أبيهم في ذلك كأبيهم ولو لم يكن لهم وصي وكان لهم أم يجوز لها ذلك ولو لم يكن لهم أم وكانوا في حجر أخيهم يجوز له أن يثبت ذلك استحسانا وكذلك العم والخال وهو نظير اللقيط في قبول المتلقط الهبة له وإذا أثبت فقرثم وقرابتهم وكانوا في عيال عمهم أو خالهم يدفع إليه ما صار لهم من الغلة إن كان موضعا له ويؤمر بإنفاقها عليهم وإلا تدفع إلى أمين ويؤمر بأن ينفقها عليهم وإذا أثبت القريب فقره

[فصل في الوقف على الصلحاء من فقراء قرابته أو الأقرب فالأقرب أو الأحوج فالأحوج منهم]

بالنسبة إلى وقف قريبه زيد مثلا ثبت فقره في حق كل وقف من أقاربه على فقراء الأقارب ويستمر مستحقا إلى أن يثبت أنه استغنى طالت المدة أو قصرت في القياس وفي الاستحسان وكلف شهودا على فقره في هذه الحالة إن طالت فلو قال بعض أهل الوقف للقاضي ان هذا أصاب مالا صار به غنيا وطلبوا منه أن يحلفه على ذلك يحلفه بالله ما هو اليوم غني عن الدخول معهم في الوقف ولا يحلفه أنه ما أصاب مالا صار به غينا لاحتمال أنه أصابه ثم افتقر وإذا مات القاضي المثبت للفقر والقرابة أو عزل تكفيه إقامة بينة عند القاضي الثاني أن الأول أثبت فقره وقرابته من الواقف ولو تعارضت بينه الفقر والغنى تقدم بينة الغني لأنها مثبتة ولو طلب معلومة عن مدة ماضية وهو غني وقت الطلب وقال إنما استغنيت الآن لا يعطى شيئا عما مضى ما لم يقم بينة على ما قال من حدوث الاستغناء وهذا استحسان وفي القياس ينبغي أن يكون القول قوله والله أعلم. [فصل في الوقف على الصلحاء من فقراء قرابته أو الأقرب فالأقرب أو الأحوج فالأحوج منهم] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على الصلحاء من فقراء قرابتي ثم من بعدهم على المساكين صح الوقف واستحق غلته من فقراء قرابته من كان مستورا ولم يكن مهتوكا ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل الشر ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال ولا قذافا للمحصنات ولا معروفا بالكذب فهذا هو الصلاح عندنا ومثله أهل العفاف والخير والفضل ومن كان أمره على خلاف ما ذكرنا فليس هو من أهل الصلاح ولا العفاف ولو قال على قرابتي الأقرب فالأقرب ومن بعدهم على المساكين تصرف الغلة كلها للأقرب فالأقرب من قرابته واحدا كان أو أكثر بينهم بالسوية وإذا مات الأقرب انتقل الوقف إلى من يليه وهكذا كلما انقرض بطن ينتقل إلى من يليه إلى

آخر البطون فإذا لم يبق منهم أحد تكون الغلة للمساكين وهكذا الحكم لو قال تعطى غلته لأقرب الناس إلىّ نسبا أو رحما الأقرب فالأقرب أو قال الأدنى فالأدنى قال الحسن في رجل أوصى بثلث ماله للأحوج فالأحوج من قرابته وكان في قرابته من يملك مائة درهم مثلا وفيهم من يملك أقل منها أنه يعطى ذو الأقل إلى أن يصير معه مائة ثم يقسم الباقي بينهم جميعا بالسوية قال الخصاف رحمه الله والوقف عندي بمنزلة الوصية ولو قال على ان يبدأ بالأقرب فالأقرب من فقراء قرابتي فيعطى من الغلة ما يغنيه يعطى الأقرب منهم مائتي درهم ثم الذي يليه كذلك إلى آخر البطون وان فضل شئ يكون بينهم وإن قصرت الغلة يبدأ بالبطن الأعلى فيعطى كل واحد نصابا ثم وثم كذلك إلى أن تنتهي الغلة صح الوقف وتصرف الغلة على ما شرط ولو قال على أن يبدأ بأقربهم إليّ نسبا أو رحما فيعطى من غلة هذا الوقف في كل سنة ألف درهم ثم يعطى من يليه في كل سنة تسعمائة درهم ثم من يليه في كل سنة ثمانمائة درهم وعلى نسبة هذا النقص إلى آخر البطون يصرف للبطن الأعلى ألف ثم وثم على ما شرط إلى أن تنتهي الغلة ثم يحرم من لم يفضل له شئ ومهما زاد من الغلة عما قال الواقف يكون للمساكين لاستيفاء الأقارب ما سمي لهم ولو قال على فقراء قرابتي الأقرب فالأقرب يبدأ بأقربهم إليه بطنا فيعطى كل واحد مائتي درهم ثم يعطى الذي يليه كذلك حتى تفرغ الغلة وهذا استحسان وفي القياس تعطى الغلة كلها للبطن الأقرب منه ولا يعطى لمن بعده شئ حتى ينقرض الأقرب ذكره هلال ولو جعل أرضه وقفا على فقراء قرابته ثم من بعدهم على المساكين وكان له أقارب فقراء وأقارب أغنياء وللأغنياء أولاد لأصلابهم كبار وصغار ذكور وإناث والكل فقراء تعطى الغلة لأقاربه الفقراء ولأولاد الأغنياء الذكور الكبار القادرين على الكسب دون الزمني والصغار والإناث الكبار لفرض نفقتهم على آبائهم فلا يدخلون فيه ومثله

[فصل في وقف داره على سكنى أولاده ثم على المساكين وبيان من عليه المرمة]

لو كان الأب فقيرا وابنه غني ولو كان للأولاد الكبار الفقراء أولاد صغار فقراء لا يعطون شيئا من الوقف لوجوب نفقتهم على جدهم ذكره الخصاف وهلال وهكذا الحكم في المرأة الموسرة إذا كان لها أولاد كبار وصغار فقراء وهم أقارب الواقف ولو كان للواقف قرابة فقيرة وزوجها غني لا يفرض لها شئ من غلة الوقف لغناها بغنى زوجها ولو بالعكس يفرض له لعدم غناه بغناها ولو كان له قرابة فقيرة ولها أخ وابن أخ أو خال موسر تدخل في الوقف وإن كان يفرض لها النفقة عليهم والأصل أن الصغير إنما يعد غنيا بغنى أبويه أو جديه من جهة أبويه فقط وأن الرجل الفقير والمرأة الفقيرة إنما يعدان غنيين بغنى فروعهما وزوجها فقط ولا يعد الفقير غنيا بغنى غيرهم من القرائب قال الخصاف وهذا مذهب أصحابنا رحمهم الله ثم قال الصواب عندي وبالله التوفيق انه يجب أن يعطى هؤلاء وإن كان يفرض لهم النفقة على أحد ممن تلزمه نفقتهم لأنهم قالوا ان للرجل أن يأخذ من الزكاة إذا كان له منزل وخادم ومتاع بيت لأفضل فيه ثم قال ولا أقول أن فقيرا يكون غنيا بغنى غيره والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ذي مال أحق بماله من الناس أجمعين ورده هلال بما حاصل أن أمر الناس على خلافه لأنا رأينا الناس لم يجوّزوا في كلامهم أن يقولوا أولاد الأغنياء من الفقراء ويضيفونهم إلى غنى آبائهم فكان الغني عندهم على ذلك وتجوز وصاياهم على ذلك ووقوفهم على معانيهم التي نرى أنهم أرادوها والله أعلم [فصل في وقف داره على سكنى أولاده ثم على المساكين وبيان من عليه المرمة] لو قال رجل داري هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أن يسكنها ولدي وولد ولدي ونسلي أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم تكون غلتها للمساكين صح الوقف ويكون سكناها لأولاده وأولاد أولاده ما بقي منهم أحد ولو لم يبق منهم غير واحد وأراد أن يؤجرها أو ما فضل عنه منها ليس له ذلك وإنما له السكنى فقط ولو كثرت

أولاد الواقف وضاقت الدار عليهم (¬1) ليس لهم أن يؤجروها وإنما تقسط سكناها على عددهم ومن مات منهم بطل ما كان له من سكناها وتكون لمن بقي منهم فلو كانوا ذكورا وإناثا وأراد كل من الرجال والنساء ان يسكنوا معهم نساءهم وأزواجهنّ معهن وحشمهم جاز لهم ذلك إن كانت الدار ذات مقاصير وحجر ويغلق على كل واحدة باب وإن كانت دار واحدة لا يمكن أن تقسم بينهم لا يسكنها إلا من جعل لهم الواقف السكني دون غيرهم من نساء الرجال ورجال النساء ولو جعل سكنى داره لبناته دون الذكور كانت لبناته لصلبه فقط ولو كان لهن أزواج كان الحكم فيهم كالمتقدمة ولو عمم سكناها لبناته وبنات أولاده وإن سفلن كانت السكنى لكل أنثى من ولده وولد ولده ونسله أبدا يقسم سكناها بينهن على عددهن ومن مات منهن سقط حقها وكذلك من تزوج منهن وخرجت مع زوجها فإن طلقها أو مات عنها وعادت عاد حقها في السكنى ولو شرط أن من تزوج منهن فلا سكنى لها سقط حق من تزوّج منهن ثم لا يعود حقها بموته أو طلاقها إلا أن يشترط أن من مات زوجها أو طلقها عاد حقها في السكنى وعلى هذا لو كان مكان البنات أمهات أولاد ولو شرط تقدم بطن على بطن كان كما شرط ولو شرط سكناها بعد انقراضهن أو تزوجهن للذكور من أولاد أولاده أبدا ما تناسلوا كان كما شرط ولو جعل سكنى داره لولده هم من بعده لرجل ليس لولده ولا لمن بعده ان يسكن غيره فيها إلا بطريق العارية دون الإجارة لأن العارية لا توجب حقا للمستأجر ولو جعل سكناها لواحد بعد واحد تكون مرمتها وإصلاحها على من بدأ به الواقف بالسكنى ¬

_ (¬1) ليس للموقوف عليهم للسكنى أن يؤجروا وعند الشافعي له أن يؤجر

ويقال له رماها مرمة لا غنى عنها وهي ما يمنع من خرابها ولا يلزمه أزيد من ذلك ولو وزر الأول حيطانها أو أدخل جذوعها في سقفها بدلا عما انكسر منها ثم مات وانتقلت الدار إلى الثاني يكون ذلك لورثة الأول ويقال للثاني إن شئت فادفع إليهم قيمة ذلك ويكون ملكا لك وإلا تؤجر ويدفع إليهم قيمة ذلك من الأجرة ثم يعود سكناها إليك ولو انهدمت وقال الأول أنا أبنيها وأسكنها كان له ذلك وإذا مات يكون البناء لورثته ويقال لهم ارفعوا بناءكم عن الدار وخذوه والفرق بين هذه وبين ما قبلها أن ما رمم به لا يمكن تخليصه أو تمييزه إلا بضرر بخلاف البناء فإن كله لهم فلهم أخذه وليس للثاني أن يمتلك البناء بقيمته بدون رضاهم ولو جصصها الأول أو طين سطوحها ثم مات لا ترجع ورثته بشئ لأن ما لا يمكن أخذ عينه هو في حكم الهالك ألا ترى أن رجلا لو اشترى دارا وطين سطوحها وجصصها ثم استحقت ليس له أن يرجع بقيمة ذلك وإنما يرجع بثمن الدار وبما يمكن هدمه وتسليمه إليه ويرجع بقيمته مبنيا على البائع لكونه مغرورا ولو امتنع من له السكنى من مرمتها أجرها القاضي ورممها من أجرتها ثم إذا استغنت ترد إلى من له السكنى وهكذا الحكم إذا صارت للمساكين تؤجر وترمم من غلتها وما فضل منها يكون لهم ولو امتنع احد الموقوف عليهم من الترميم تقسم الدار ويؤجر نصيبه مدة يحصل منها قدر ينوبه لو دفع من عنده ثم بعد ذلك يرد إليه نصيبه ولو قال جعلت سكناها لزيد مدة حياته إن شاء سكنها وإن شاء أجرها وأخذ غلتها وله أن يجعل سكناها لمن شاء من الناس يفعل ذلك كلما يراه وإذا مات زيد ومن جعل له زيد السكنى تؤجر وتكون غلتها للمساكين صح وكان لزيد أن يجعل سكناها لقوم بعد قوم وليس له أن يفوَّض لغيره ما فوَّض إليه إلا بشرط منه له عند الوقف ولو كان الموقوف عليهم مرتين فجعل التفويض المذكور لواحد منهم بعينه اختص به ولو جعل سكناها لرجل معين ثم من بعده لبناته أو أمهات أولاده صح والله أعلم.

[باب الوقف على العلوية أو المتعلمين في بغداد أو المدرسة الفلانية]

[باب الوقف على العلوية أو المتعلمين في بغداد أو المدرسة الفلانية] إذا وقف على المتعلمين فإن كان على متعلمي بلدة بعينها كبغداد مثلا وكان بعضهم يختلف إلى الفقهاء لكنه يشتغل بكتب العلم فيما يحتاج إليه لا يحرم وظيفته لأنه نوع تعلم وإن كان لا يشتغل أصلا لا يستحق شيئا فإن خرج منها مسيرة ثلاثة أيام بطلت وظيفته لأنه مسافر وإن خرج إلى ما دونها فإن مكث خمسة عشر يوما فكذلك لأنها مدة طويلة وإن مكث أقل منها فإن خرج لشيء له منه بدّ كالتنزه يحرم وإن كان لما لابد له منه كطلب القوت لا يحرم لأنها مدة يسيرة شغلها بما لا بد له منه وإن كان الوقف على ساكني مدرسة بعينها لا يستحق إلا من جمع بين السكنى والتفقه لأن السكنى مشروطة لفظا والتفقه مشروطة دلالة وعرفا والسكنى لا يتحقق فيها إلا بأن يأوي إلى بيت من بيوتها مع أثاثه وآلات السكنى فإن كان يتفقه فيها نهارا ويبيت خارجها للحراسة لا يحرم لأنه لا يخل بالشرطين وإن قصر في التفقه نهارا واشتغل بشغل آخر فإن كان بحال يعدّ من المدرسة رزق وإلا حرم ولو وقف على العلوية الساكنين ببلخ مثلا وجعل لهم شيئا من الوظيفة ومنهم من يغيب عن البلد سنة أو نحو ذلك قال الفقيه أبو بكر البلخي من غاب منهم ولم يبع مسكنه ولم يتخذ مسكنا آخر فهو من سكان بلخ ولا تبطل وظيفته ولا وقفه قال ودلت المسألة على جواز الوقف على بني هاشم كما تجوز الوصية لهم ولا يجوز صرف الزكاة إليهم هكذا قاله القاضي الإمام أبو زيد رحمه الله [باب الوقف على قوم بتقديم بعض على بعض أو على رجلين ويجعل لكل واحد سهما معينا أو على ورثة فلان] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عزّ وجل أبدا على زيد وعمرو ما عاشا ومن بعدهما على المساكين على أن يبدأ بزيد فيعطى من غلة هذه الصدقة في كل سنه ألف درهم

ويعطى عمرو قوته لسنة جاز الوقف ويبدأ بزيد فيدفع إليه ألف ثم يعطى عمرو قوته لسنة ومهما فضل كان بينهما نصفين لجمعه إياهما أولا بقوله على زيد وعمرو ولو لم يزد عليه لكان الكل بينهما إنصافا فأما فصل في البعض عمل به فيه فإن لم تف الغلة بما قال يقدم زيد ثم إن فضل عنه شئ يدفع إلى عمرو وإلا فلا شئ له وإن جاءت الغلة بعد موت زيد وكانت ثلاثة آلاف مثلا وقوت عمرو يعدل ألفا مثلا دفع إليه ألف لقوته ثم خمسمائة أخرى تكملة لنصف الغلة كما لو كان زيد حيا وفضل من الغلة شئ والباقي للمساكين ولو مات عمرو وبقي زيد كان الحكم كذلك يأخذ ألفا وخمسمائة والباقي للمساكين ولو لم يجمع بينهما أولا بأن قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عزّ وجل أبدا يبدأ بزيد فيعطى من الغلة ألفا ثم يعطى عمرو قوته لسنة فجاءت الغلة ثلاثة آلاف وكان قوت عمرو يعدل ألفا مثلا يعطى كل واحد منهما ألفا والألف الأخرى للمساكين لتعيينه لكل واحد منهما قدرا معينا ولو قال على زيد وعمرو وبكر يبدأ بزيد فتكون الغلة له أبدا ما عاش ثم لعمرو كذلك ثم لبكر كذلك ينفذ وقفه على ما قال من تقديم بعض على بعض ثم إذا انقرضوا تكون الغلة للمساكين ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على زيد وعمرو ما عاشا لزيد من غلتها في كل سنة ألف درهم ولعمرو مائتان فجاءت الغلة ألفا تقسم بينهما أسداسا لزيد خمسة أسداس لضربه بكل الألف ولعمرو سدس لضربه بمائتين ولو قال لزيد نصفها ولعمرو ثلثاها تقسم الغلة على سبعة أسهم لزيد ثلاثة ولعمرو أربعة ولو قال لزيد نصفها ولعمرو ثلثها قسمت الغلة على اثني عشر شهما سبعة منها لزيد وخمسة لعمرو لأن صاحب النصف يأخذ ستة أسهم من اثني عشر وصاحب الثلث يأخذ منها أربعة ويبقى سهمان لم يقل الواقف فيهما شيئا فيكونان بينهما نصفين وإنما كانا بينهما ولم يكونا للمساكين لجعله كل الغلة لهما في أول كلامه ولو اقتصر على ذلك لكانت كلها أنصافا ولكن لما فصل عمل به أيضا

ألا ترى لو قال تجري غلتها في كل سنة على فلان وفلان لفلان من ذلك الثلث وسكت عن فلان الآخر أن الباقي يكون له أصله قوله تعالى وورثة أبواه فلأمه الثلث ولو قال تجري غلتها في كل سنة على زيد وعمرو لزيد من ذلك مائة درهم وسكت عن الباقي يكون لزيد مائة في كل سنة ويكون الباقي منها لعمرو فإن جاءت الغلة مائة فقط كانت لزيد ولا شئ لعمرو ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عزّ وجل على ورثة زيد ومن بعدهم على المساكين صح فإن كان له جماعة من الورثة تكون الغلة بينهم على عددهم الزوجة والأنثى كالذكر فلو نزلوا بالموت إلى واحد أو كان واحدا من الابتداء استحق النصف والنصف الآخر للمساكين ولو قال على ورثة فلان على قدر ميراثهم منه وكان فلان حيا فلا شئ لهم وتكون الغلة للمساكين لأنهم لا يسمون ورثته إلا بعد موته ولأنهم قد يموتون قبله فلا يكونون ورثته فإن مات عن ورثة ترجع الغلة إليهم على قدر ميراثهم منه ولو كانت عائلة فاستحقاقهم على نسبته كما لو ترك أختين لأبوين وأختين لأم وجدة ومن مات منهم تكون حصته للمساكين ولا ترد إلى من بقي لاستلزامه خلاف الشرط وأنه لا يجوز فلو مات عن أم وأخوين يكون تصحيح مسألته من اثني عشر للأم سهمان ولكل أخ خمسة فتجعل غلة الوقف كذلك ولا تتغير القسمة بموت أحد الأخوين إلى الأثلاث لكونه خلاف ميراثهم من موروثهم ولو قال على زيد وعلى ورثة عمرو على قدر ميراثهم منه ومن بعدهم على المساكين تكون الغلة بين زيد وورثة عمرو على عددهم فإذا كانت ورثة عمرو ابنين وابنتين قسمت الغلة على خمسة أسهم لزيد منها سهم وأربعة لورثة عمرو ثم تقسم بينهم على قدر ميراثهم منه للذكر مثل حظ الأنثيين فإن حدث لعمرو بعد موته ولد كان حملا دخل مع الورثة في الغلة ومن مات منهم صرف سهمه للمساكين ولا يرد إلى من بقي لما قلنا من

الاستلزام (¬1) ولو قال زيد وورثة عمرو على قدر ميراثهم منه استحق زيد النصف وورثة عمرو النصف ويقسم بينهم على نسبة ميراثهم منه ولو قال على زيد وورثة عمرو ولم يذكر قوله على قدر ميراثهم منه قسمت الغلة على زيد وورثة عمرو على عددهم فإذا مات أحد من ورثة عمرو يسقط سهمه وتقسم الغلة على زيد ومن بقي من الورثة ولا ينتقل نصيبه إلى المساكين لعدم المانع من الانتقال إليهم هاهنا وإذا مات زيد تنتقل حصته للمساكين لا إليهم لانفراده عنهم بما وقف عليه ولو قال على زيد وعمرو ونسله ليس لولد زيد من الغلة شئ وإنما هي لزيد وعمرو وولد عمرو لإضافة الولد إليه ولو قال على ولد زيد ومن بعدهم على المساكين تكون الغلة لولد زيد ولو كان واحدا ومهما حدث لزيد من الولد يدخل في الوقف ومن مات منهم يصير سهمه لمن بقي لا للمساكين لأنه إنما جعله لهم بعد ولد زيد فإذا انقرضوا تصير الغلة للمساكين (¬2) ولو قال على ولد زيد وهم عمرو وبكر وخالد ومن بعدهم على المساكين فذكر ثلاثة مثلا تكون الغلة لهم فقط ولا شئ لمن عداهم من ولد ومن مات منهم يكون نصيبه للمساكين لأنه لما عدّهم صال كل واحد منهم منفردا عن غيره بما وقف عليه فتكون بعده للمساكين ولو قال على زيد وعمرو وبكر أبدا ما عاشوا ومن مات منهم عن ولد لصلبه أو ولد ولد وإن نزل كان نصيبه لولده تكون الغلة بينهم ومن مات منهم عن ولد ينتقل ما كان يخصه إلى ولده وولد ولده أبدا ولو قال وكل من مات من أهل هذه الصدقة وترك وارثا كان نصيبه منها لورثته على قدر ميراثهم منه شمل كل ورثته فلو مات عن بنت وإخوة وأخوات كلهم لأبوين أو لأب يكون نصف حصته لبنته والنصف الآخر بين إخوته للذكر مثل حظ الأنثيين ولو جعل أرضه ¬

_ (¬1) مطلب قال بين زيد وورثة عمرو يكون لزيد النصف ولورثة عمرو النصف (¬2) مطلب قال على ولد زيد ثم على المساكين وكانوا عددا الخ

[فصل في الوقف على قوم على أن يفضل أو يخص أو يحرم من شاء منهم أو يدخل معهم من شاء وفي أن يضعه أو يعطيه لمن شاء من الناس]

صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على زيد وعمرو ولدى بكر ومن مات منهما عن ولد انتقل نصيبه إليه وإن مات عن غير وارث كان نصيبه مردودا إلى الباقي منهما جاز الوقف فلو مات أحدهما ولم يترك سوى أخيه لا يردّ إليه نصيبه بل يكون للمساكين لموته عن وارث ولو لم يكن أحدهما ممن يرث الآخر ومات أحدهما عن غير وارث انتقل نصيبه إلى الآخر والله أعلم. [فصل في الوقف على قوم على أن يفضل أو يخص أو يحرم من شاء منهم أو يدخل معهم من شاء وفي أن يضعه أو يعطيه لمن شاء من الناس] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على بني فلان على أن لي أن أفضل من شئت منهم ومات قبل أن يفضل بعضهم على بعض كانت الغلة بينهم على السوية لعدم اتصال التفضيل بأحد منهم فإن قال فضلت فلانا فجعلت له كل الغلة لم تصح لأنه تخصيص وليس بتفضيل ولا بد أن يعطى لكل واحد منهم شيئا ثم يزيد من شاء منهم بما شاء من قليل أو كثير مطلقا أو مدة معينة ولو زاد وقال على بني فلان ونسلهم وفضل واحدا منهم وولده ونسله أبدا ما تناسلوا جاز وكان ذلك له ولنسله أبدا وليس له الرجوع فيه لأن التفضيل يلتحق بأصل الوقف بسبب اشتراطه فيه ولو فضل واحدا بنصف غلة سنة مثلا جاز وتكون أسوة شركائه فيما يحدث بعدها وتعود مشيئة التفضيل إليه ولو قال فضلت فلانا على إخوته بنصف الغلة وكانوا ثلاثة استحق المفضل ثلثيها وأخواه ثلثها لأن النصف صار له بالتفضيل والنصف الآخر يقسم بينهم أثلاثا لتساويهم فيه فيكون لكل سدس والنصف مع السدس ثلثان ولو قال لست أشاء أن أعطى لبني فلان شيئا من الغلة وأعطيها لغيرهم بطلت مشيئته في التفضيل وصارت بينهم جميعا لأنه لم يجعل لنفسه مشيئة غيرهم وإذا قال لست أشاء أن أعطي ولد فلان ونسله فقد أبطل مشيئته التي شرطها في التفضيل ألا ترى أن رجلا لو قال أوصيت بثلث مالي لبني

فلان على أن للوصي أن يفضل تعضهم على بعض فقال الوصي لست أرى أن أعطي أحدا منهم من هذا الثلث شيئا أن مشيئته قد بطلت وصار الثلث بينهم سواء فالوقف كذلك وإذا قطعها وأبطلها صار كأنه لم يشرطها في أصل العقد ولو قال على أن لي أن أخص غلتها بمن شئت منهم جاز له أن يخصها بواحد منهم مطلقا أو مدة معينة وبواحد بعد واحد وجاز له التفضيل أيضا وليس له الرجوع بعد ذلك وإذا خصها بواحد منهم ثم مات قبل الواقف عادت مشيئته لأنه إنما خص الرجل بغلتها حياته فتنقطع مشيئته في الاختصاص حياته فإذا مات الرجل فمشيئته في الاختصاص على حالها قال هلال وهذا عندي بمنزلة الذي قال قد اختصصت بغلة هذه السنة فلانا فإذا انقضت السنة عادت مشيئته في الاختصاص وإن مات بعده تكون الغلة بين من بقي منهم ولو قال على أن لي أن أحرم أو أخرج من شئت منهم ثم مات قبل ذلك تكون الغلة بينهم جميعا وإن أخرج واحدا منهم أو أخرجهم إلا واحدا منهم مطلقا أو مدة معلومة صح وليس له حرمان الجميع قياسا وإذا مات من بقي منهم أو أخرجهم كلهم بناء على الاستحسان تكون الغلة للمساكين وليس له أن يعيدها إليهم لأنه لما حرمهم غلتها أبدا فقد خرجت من أن تكون لهم وانقطعت مشيئته فيها وصارت للمساكين ولا أن يردها عن ذلك لأن فعله حصل عن مشيئة مشروطة في عقد الوقف فكأنه لم يسم أحدا من أولئك ولو قال أخرجت فلانا من غلتها فإن كان فيها غلة موجودة وقت الإخراج خرج منها فقط وإلا كان خارجا أبدا والتخصيص كذلك ولو قال أخرجت فلانا وفلانا أو قال أخرجت فلانا لا بل فلانا أو قال بل فلانا صارا مخرجين ولو قال أخرجت فلانا أو فلانا خرج أحدهما والبيان إليه وله إخراجهما لبقاء مشيئته فيهما وليس له إبقاؤهما لخروج أحدهما لا بعينه ويجبر على البيان فإن مات قبله تقسم الغلة على عدد من لم يخرجهم ويضرب لهما بسهم واحد ويقال لهما إن اصطلحتما كان

لكما وإلا فهو موقوف أبدا إلى أن تصطلحا وكذلك لو قال خصصت بها فلانا أو فلانا أبدا له إن يبين من خصه بها وإن مات بلا بيان كانت لهما كما وصفنا ولو قال على أن أدخل معهم من شئت جاز له أن يدخل معهم من شاء ولو غنيا وليس له أن يخرج منهم أحدا لعدم شرطه إياه وله ذلك مطلقا ومدة معينه ولو قال أدخلت فلانا بل فلانا صارا داخلين ولو قال أدخلت فلانا أو فلانا دخل أحدهما وليس له حرمانهما فيجبر على البيان وحكم الموت بلا بيان كما تقدم ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على بني فلان على أن لي أن أعطي غلتها لمن شئت منهم ثم جعل لواحد منهم كلها أو بعضها مطلقا أو مدة معينة أو رتبهم فيها واحدا بعد واحد أو فضل بعضهم على بعض جاز وليس له تغيير ما فعل ولو جعلها لواحد منهم مدة فمضت أو مطلقا فمات عادت مشيئته وإن قال لا أشاء أن أجعلها لهم بطلت مشيئته وكانت بينهم بالسوية ولو قال وضعتها في غيرهم كان قوله باطلا وهي بينهم قياسا وفي الاستحسان مشيئته باقية فيهم ولو مات بنو فلان كلهم قبل أن يسمى لأحد منهم شيئا من الغلة بطلت مشيئته لتقييده إياها بهم وصارت للمساكين ولو مات الواقف قبل أن يسمى لأحد منهم شيئا كانت الغلة بينهم بالسوية لانقطاعها بموته ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أن لي أن أعطي غلتها لمن شئت من بني فلان صح الوقف والشرط وله أن يجعل غلتها لمن شاء منهم كما تقدم إلا انه إذا قال أشاء أن أعطي غلتها لأحد منهم ولكني أعطيها لغيرهم تبطل مشيئته في إعطائها لهم ولا مشيئة له في الإعطاء للغير لتصح فتكون الغلة للمساكين وكذلك إن مات قبل أن يشاءها لهم تكون للمساكين لأنه لما قال صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا ثم قال على أن لي أن أعطي غلتها لمن شئت من بني فلان كانت وقفا جائزا وكانت على المساكين غير أن له إن شاء في الغلة ومشيئته في صرفها عن المساكين إلى بني فلان خاصة فإن صرفها

[باب الوقف على الموالي]

إليهم جاز وإن شاء غيرهم أو مات قبل أن توجد منه مشيئة كانت للمساكين لذكره إياهم في صدر الوقف وإنما قوله على أن أعطي غلتها لمن شئت من بني فلان ثنيا فإن استثناها صح وإلا فالوقف للمساكين ولو شاءهم ثم مات منهم أحد جاز له صرف حصته إلى من شاء منهم دون غيرهم وإن أبطل مشيئته في حصته كانت للمساكين ولو شاءها لهم ولأولادهم صحت مشيئته لهم دون أولادهم لعدم اشتراطها له في أولادهم فإذا انقرضوا تكون الغلة للمساكين دون الفروع ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على أن للقيم أن يعطي غلتها لمن شاء من الناس جاز له أن يصرفها إلى الفقراء والأغنياء ولو من ولده أو ولد الواقف ولو قال جعتها للأغنياء يبطل الوقف كما تقدم ولو جعلها لنفسه لا يجوز والوقف ومشيئته بحالهما لأن الإعطاء يستلزم معطي له والإنسان لا يعطي نفسه ولأنه يراد بمن شئت غيره كتوكيلها رجلا بأن يزوجها بمن شاء ليس له أن يزوجها من نفسه فإذا قال جعلتها لفلان ما عاش جاز وليس له أن يحولها عنه إلى غيره لأنه بمشيئته إياه صار كأنها شرطت له في عقد الوقف فلا يبقى له ما دام حيا فإذا مات عادت مشيئته ولو جعل لزيد غلة سنة مثلا بطلت مشيئته فيها وهي على حالها فيما بعد السنة وكذلك الحكم فيما لو شاء بعض الغلة لزيد ولو لم يجعلها لأحد حتى مات تكون للمساكين ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على أن لفلان أن يضع غلتها حيث شاء جاز له ما جاز في الإعطاء وجاز له وضعها في نفسه ولو كلها مطلقا أو مدة معينة لأنه يمكن أن يكون الإنسان واضعا عند نفسه كما لو قال ثلث مالي إلى فلان يضعه حيث شاء فإنه يجوز له وضعه في نفسه. [باب الوقف على الموالي] لو قال رجل حر الأصل أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على مواليّ ثم من

بعدهم على المساكين صح وتكون الغلة لكل من أعتقه الواقف ولكل من أدركه العتق بعد الوقف حتى يدخل فيه المعتق بعد موته من مدبريه وأمهات أولاده والموصى بشرائهم وعتقهم والقسمة على الذكور والإناث سواء والمخالف لدين الواقف كالموافق لصدق المولي على الكل ويدخل فيه أولاد مواليه لأنهم مواليه إذ ليس لهم مولي غيره إلا من كان من أولاد موليات له وآباؤهم موال لغيره ولا يدخل موالي مواليه لتوسط من هو أولى بولائهم منه ولا مولى الموالاه مع مولى العتاقة ولا مع أولادهم ولو لم يكن له سوى مولي الموالاة استحق حينئذ استحسانا ولو مات أبو الواقف أو ابنه أو أخوه وله موال وورث ولاءهم لا يدخلون مع مواليه فيه ولا مع أولادهم بعد موت آباءهم ولو كان له موالي موال ولأبيه موال قد ورث ولاءهم تكون الغلة لموالي مواليه دون موالي أبيه ولو لم يكن موال وله موالي الأب قال أبو يوسف تعطى الغلة لموالي الأب وبه أخذ هلال رحمه الله وهو استحسان ولو قال على مواليّ وأولادهم ونسلهم دخل في الوقف حينئذ أولاد بنات مواليه ولو لم يرجع ولاؤهم إليه أو كانوا من العرب لشمول النسل الذكور والإناث ولو قال على مواليّّّّ الذين وليت نعمتهم تكون الغلة لكل من أعتقه ولمن يناله العتق من جهته لا غير فلا يدخل أولادهم فيه لأنهم ليسوا ممن ولي نعمتهم وإنما صاروا موالي بالجر ولا يدخل مشترك الولاء فيه لعدم خلوص ولائه له ولو قال على مواليّ وموالي أبي أو أهل بيتي كان كما شرط ويدخل فيه موالي ابنه وأبيه دون موالي أخواله إلا أن يكونوا من أهل بيته فحينئذ تدخل مواليهم ولو قال على مواليّ وله موال أعتقهم أو والاهم وله موال أعتقوه لا يستحق أحد منهم شيئا من الغلة وتكون للمساكين كما لا تصح الوصية لهم لعدم جواز عموم المشترك ولا لأحد بعينه لعدم جواز الترجيح بلا مرجح ولو زوج الواقف عبده بحرة فجاءت منه بولد ثم أعتق عبده دخل

[فصل في الوقف على أمهات أولاده ومدبريه ومكاتبيه وممالكيه]

الولد مع أبيه في الوقف وكذلك لو زوج معتقته بعبد الغير فجاءت منه بولد يدخل في الوقف ما دام أبوه عبدا فإذا أعتق يبطل حقه منه لانجرار ولائه إلى مولي أبيه وهكذا الحكم لو زوجها بحر الأصل فجاءت منه بولد فنفاه ولاعنها وقطع القاضي نسبه عنه يدخل الولد في الوقف ومتى ما أكذب نفسه سقط حق الولد منه ولو اشترى معتق الواقف أمة مع رجل آخر ثم جاءت بولد فادعياه معا دخل الولد في الوقف لثبوت نسبه منهما ولو وقف على موالي زيد ومن بعدهم على المساكين فأقر زيد بأن مفتاحا هذا مولاه وصدّقه على عتقه إياه دخل في الوقف لأن الولاء بمنزلة النسب ولو قال على مواليّ وموالي مواليّ دخل مع مواليه موالي مواليه فقط ولا يدخل من بعدهم في الوقف ولو وقف على مواليه وله مواليات فقط كانت كل الغلة لهن لما ذكره محمد في السير حربي طلب الأمان لمواليه وله مواليات ليس معهن رجل دخلن جميعا في الأمان روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن مطرف عن الشعبي رحمه الله أنه قال لا ولاء إلا لذي نعمة وهو قول ابن أبي ليلى وعثمان البتي رحمهم الله والله أعلم. [فصل في الوقف على أمهات أولاده ومدبريه ومكاتبيه وممالكيه] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أمهات أولادي أو قال على مدبريّ جاز الوقف حتى عند محمد بن الحسن أيضا في المشهور عنه وقد وضعه في كتاب الوقف وكتب في ذلك شرطا قال فيه لفلانة كذا ولفلانة كذا وكذا في كل شهر أو في كل سنة في حياة فلان وبعد وفاته وكذلك في مدبراته وشرط لهن مثل الذي شرطه لأمهات أولاده وقال بعض فقهاء أهل البصرة لا يجوز الوقف على أمهات أولاده بناء على عدم جواز الوقف على النفس وقد بيناه فيما تقدم فلو كان بعض أمهات أولاده عنده والبعض قد زوّجهن والبعض أعتقهن تكون الغلة لمن عنده وللمزوجات

دون المعتقات وإن مات المولى لأنهن صرن موليات له ويدخل فيه من يحدث له من أمهات الأولاد بعد الوقف قال بشر بن الوليد رحمه الله سمعت أبا يوسف يقول في رجل أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وله أمهات أولاد عنده وأمهات أولاد قد أعتقهن في صحته وأمهات أولاد قد أعتقهن في مرضه القياس في هذا على وجهين أحدهما أن يكون الثلث لأمهات أولاده اللاتي لم يكن أعتقهن ويعتقن بموته دون من كان أعتقهن في حياته والثاني أن يكون الثلث لهن جميعا لأنه يقال لها بعد العتق أم ولد فلان ويقال لها مولاة فلان ويكون صادقا في الإطلاقين ويقال هذا ابن مهيرة فقد افترق اسم أم الولد واسم المهيرة وإن كانت أم ولد أعتقت وأحسن هذا كله عندنا والله أعلم أن يكون لأمهات أولاده اللاتي عتقن بموته وإن كان قد أعتق كل أمهات أولاده في حياته كانت غلة الوقف لهن جميعا والله أعلم. ولو وقف على أمها أولاد زيد أو على مدبراته كان حكمهن كحكم وقفه على أمهات أولاده ولو قال على سالم مملوك زيد ومن بعده على المساكين جاز الوقف وتكون الغلة تبعا لسالم فما دام عي ملك زيد فهي له وإذا باعه تنتقل معه إلى مشتريه لأن الوقف عليه ألا ترى أن قبول الوقف ورده إليه لا إلى سيده فلو ملكه الواقف بطل الوقف عن سالم بالكلية وصارت الغلة للمساكين حتى لو باعه الواقف لا يعود الوقف إليه لأنه بطل كونه وقفا عليه من حين الوقف وصار للمساكين ولو اشتراه الواقف مع رجل آخر بطل حقه من الوقف بقدر حصة الواقف منه وكانت للمساكين فإذا أعتق يكون له من الغلة بقدر حصة شريك الواقف والباقي للمساكين وهذا بناء على القول بعدم جواز الوقف على النفس قال في الكافي (¬1) ولو شرط الغلة لإمائه أو لعبيده فهو كاشتراطها لنفسه فيجوز عند أبي يوسف ولا يجوز عند محمد قال والفتوى ¬

_ (¬1) مطلب شرط الغلة لإمائه أو عبيده كاشتراطها لنفسه

[باب الوقف على فقراء جيرانه أو على زيد مدة معلومة ثم من بعدها على غيره ثم من بعده على المساكين]

على قول أبي يوسف ولو وقف على فلانة أم ولد زيد وعلى فلانة مدبرة بكر وعلى فلانة مكاتبة عمرو ومن بعدهن على المساكين تكون الغلة بينهن أثلاثا فما أصاب المدبرة وأم الولد كان لسيدهما وما أصاب المكاتبة كان لها دون المولى فلو عجزت وردت إلى الرق يأخذ سيدها حصتها ولو أدت فعتقت صارت حصتها ملكا لها وهكذا الحكم إذا عتقت المدبرة وأم الولد بموت سيدهما والله تعالى أعلم. [باب الوقف على فقراء جيرانه أو على زيد مدة معلومة ثم من بعدها على غيره ثم من بعده على المساكين] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على فقراء جيراني ومن بعدهم على المساكين صح الوقف وتكون الغلة على قول أبي حنيفة للفقير الملاصقة داره لدار الساكن هو فيها لتخصيصه الجار بالملاصق فيما لو أوصي لجيرانه بثلث ماله والوقف مثله وبه قال زفر وتكون لجميع السكان في الدور الملاصقة له الأحرار والعبيد والذكور والإناث والمسلمون وأهل الذمة فيها سواء وبعد الأبواب وقربها سواء ولا يعطي القيم بعضا دون بعض بل يقسمها على عدد رؤوسهم وعلى قولهما تكون الغلة للجيران الذين تجمعهم محلة واحدة لقوله عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وفسر بمن يسمع النداء الوسط من الأصوات وتفرقهم في مسجدين صغيرين متقاربين لا يخرجهم من أن يكونوا أهل محلة واحدة بخلاف ما إذا كانا كبيرين وتباعد ما بينهما فإنه يصير أهل كل مسجد جيرانا على حدة والأمصار التي فيها القبائل إن قال على فقراء جيراني من بني فلان ونسبهم إلى أب قريب كالفخذ أو البيت يعطى العرب منهم دون الموالي والسكان وإلى قبيلة فكذلك في القياس وفي الاستحسان تكون الغلة لتلك القبيلة من العرب وللموالي والسكان إذا كانوا فقراء

لأن معنى كلام الناس على هذا عرفا في وصاياهم فيعمل به ويترك القياس ذكره هلال رحمه الله ومن انتقل من جوار الواقف أو استغنى سقط سهمه والعبرة للاستحقاق وعدمه بالمجاورة يوم قسمة الغلة فمن كان في ذلك الوقت جارا وفقيرا استحق وإلا فلا لا وقت مجئ الغلة إذ لو اعتبرت وقت مجيئها لربما أعطى الأغنياء منهم وانه خلاف الشرط ولو انتقل الواقف إلى محلة أو بلدة أخرى واتخذ فيها دار للإقامة انتقل الوقف معه وكانت الغلة لجيرانه وقت القسمة وهكذا كلما انتقل ينتقل الوقف معه ويستقر على مجاوريه وقت موته ولا ينتقل عنهم وإن انتقل ورثته منها أو باعوها ولو خرج مسافرا فمات في سفره قبل أن يتخذ سكنا في بلد تكون الغلة لجيران داره التي سافر منها ولو كان له داران وله في كل منهما أهل تكون الغلة لجيران الدارين جميعا سواء كانتا في محلتين أو بلدتين أو مات في أحدهما ولو مرض الواقف فحوله ولده أو أحد أقاربه إلى محلة أخرى فمات عندهم تكون الغلة لجيرانه الأولين وليس هذا كانتقاله عنهم وإنما هو بمنزلة الزيارة لهم ولو كان له إخوة وأخوال فقراء وهم من جيرانه استحقوا أيضا بخلاف أولاده وأولادهم وأبويه وجده وامرأته ومن مثلهم فإنهم لا يسمون جيرانا عرفا وعدم إعطاء ولد الولد والجد استحسان وفي القياس يعطون ولو كان ساكنا في دار له فتزوج امرأة وانتقل إلى بيتها ثم وقف على جيرانه تكون الغلة لجيران دار امرأته دون جيرانه الذين كان بين أظهرهم وهكذا حكم وقف المرأة ولو كان للواقف جيران ولواحد منهم منزل آخر في محلة أخرى فإنه يستحق من الغلة ولا يبطل حقه بتعدد منازله ولو ادعى كل من أهل محلتين أنهم جيران الواقف كان البيان في ذلك إلى الواقف إن كان حيا وإلا كلفهم القاضي إقامة البينة على دعواهم فمن برهن منهم قضي له بالغلة وإن برهنوا قضي بها للفريقين لجواز أنه كان جارا لهم بأن كان له بيتان في محلتين عند الوقف ومن ادعى الاستحقاق للفقر والجوار وكانا مجهولين أو أحدهما كلف البينة عليهما أو على

[باب الوقف في أبواب البر من الصدقة والاحجاج عنه أو الغزو وما أشبهه]

مجهولهما ولو وقف على زيد عشر سنين ثم من بعدها على وجوه سماها صرفت الغلة إلى زيد المدة المقدرة ثم بعدها تصرف في الوجوه التي ذكرها الواقف وكذلك لو أوصى بغلتها لرجل بعينه أيام حياته وأوصى أن تكون وقفا بعد موت ذلك الوجل على وجوه سماها وكانت تخرج من الثلث لزم الورثة تنفيذ الوصية ثم الوقف بعد موت الموصى له ولو أوصى بغلتها لرجل عشر سنين بعد موته وليس له وارث سوى ولد واحد فقال الولد وقفت هذه الضيعة بعد المدة المذكورة على المساكين جاز الوقف بخلاف ما لو قال رجل وقفت أرضي هذه بعد سنة تمضي على المساكين فإنه لا يصح لعدم كونه مبتوتا والله أعلم. [باب الوقف في أبواب البر من الصدقة والاحجاج عنه أو الغزو وما أشبهه] لو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا تصرف غلتها في كل سنة إلى الفقراء والمساكين أو قال في ختان أيتامهم أو كسوتهم وكسوة أراملهم أو قال في إصلاح القناطر والجسور بمصر مثلا أو قال يشتري بالغلة أكسية وثياب ويكسي بها فقراء المسلمين أو قال على فقراء أهل السجن الفلاني في البلد الفلاني أو قال في كفارات أيماني وفي زكاة كانت عليّ أو قال في قضاء ديني أو قال يحج عني عشر حجج أو قال يغزى بالغلة عشر غزوات ثم بعدها تكون للمساكين صح الوقف ووجب صرف غلته على ما شرطه الواقف ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة على الفقراء والمساكين وسائر سبل الصدقات ووجوه البر والخير تقسم الغلة على ثمانية أسهم إن جعل الفقراء والمساكين بسهم واحد كما هو قول الحسن واختيار هلال وعلى تسعة أن جعلا بسهمين كما هو رواية محمد عن أبي حنيفة فيجعل لهما سهم أو سهمان ويسقط سهما العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ويجعل لكل نوع من الرقاب وما بعده سهم سهم ولوجوه البر والخير ثلاثة أسهم ولو ذكر معهم فقراء قرابته مثلا يؤخذ عدد رؤوسهم

[باب الوقف على قوم على أنه إن احتاج قرابته يرد الوقف إليهم]

فيضم إلى الثمانية أو التسعة فما بلغ تقسم الغلة عليه وليس للقيم أن يزيد بعض هذه الوجوه على بعض بل يقسمها عليهم بالسوية لكونه ملحقا بالوصية دون الزكاة ولو قال هي صدقة موقوفة في أبواب البر فاحتاج ولده أو ولد ولده أو قرابته يصرف إليه من الغلة لأن الصدقة عليهم من أبواب البر وكذلك لو جعلها صدقة موقوفة على المساكين فاحتاج ولده فإنه يدفع إليه الغلة لأنه من المساكين ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة ورحم محتاجة فيكون ولده وقرابته أحق ولكن لا يتعين بحيث لا يجوز الدفع لغيره وإن كان بجعل قاض بل على وجه الاستحباب والأفضلية ولو عزل القاضي أو مات يجوز لمن يلي بعده أن يجريه عليه وأن يبطله لعدم كون فعل الأول قضاء ومن مات منهم أو استغنى سقط وحكم ورثته كحكمه إن كانوا أقارب الواقف وكذلك جيران الواقف إن كانوا فقراء ينبغي للقاضي أو القيم أن يعطيهم من الغلة ما يراه ولو كان على الواقف دين لا يوفى دينه من غلة هذا الوقف وللوالي تقديم الموالي كتقديم الأقارب والجيران ولو أوصى أن تجعل داره صدقة موقوفة بعد وفاته على المساكين جاز أن يصرف من غلتها على الفقراء من أولاده وليس هذا بوصية لهم وإنما هو صدقة للفقراء بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله للفقراء فإنه لا يعطى ولده لصلبه شيئا منه ولو قال بعض فقهاء أهل البصرة لا يعطى أحد ممن يرث الوقف شيئا من الغلة فجعله وصية وهي لا تصح لوارث والله أعلم. [باب الوقف على قوم على أنه إن احتاج قرابته يرد الوقف إليهم] لو جعل أرضه وقفا على زيد وولده ونسله وعقبه ثم من بعدهم على المساكين على أنه إن احتاج قرابته يرد الوقف إليهم صح ويستحق الغلة زيد وأولاده ومتى احتاج بعض قرابته يرد الوقف إليهم ولا يشترط في رده إليهم احتياج كلهم لأنه قصد بالرد إلى

[باب وقف أرضين على جهتين واشتراط النفقه من غلة أحدهما على الأخرى أو تكميل ما سمي للموقوف عليه أحدهما من الأخرى]

قرابته المحتاج منهم لا احتياج جميعهم بخلاف ما لو قال إن احتياج ولد بكر بن عبد الله يرد الوقف من زيد وولده إلى عمرو فإنه لا يرد إلى عمرو إلا بعد احتياج جميع ولد بكر لأنه لم يقصد بالرد الحاجة وإنما قصد ردها إلى عمرو محتاجا كان أو غنيا وصار بمنزلة قوله جعلت أرضي هذه صدقة موقوفة على المساكين ما دام ولد زيد حيا فإذا ماتوا ترد الغلة إلى عمرو فإنها لا ترد إليه ما بقي منهم أحد وهكذا الحكم لو وقفها على جهة معينة ثم قال فإن احتاج ولدي أو ولد ولدي أو مواليّ ترد إليهم واحتاج البعض منهم فقط فإنها ترد إليهم وإذا استغنوا تقطع عنهم وترجع إلى ما كانت عليه ولو ادعى قرابته الفقر والحاجة وأنكر الموقوف عليهم دعواهم ان أثبتوه استحقوا الوقف وإلا فلا ولو وقفها على الفقراء والمساكين أو في الحج عنه في كل سنة أبدا على أنه إن احتاج جيرانه ترد الغلة إليهم فاحتاج البعض منهم فقط استحقوا الغلة كلها والله تعالى اعلم. [باب وقف أرضين على جهتين واشتراط النفقة من غلة أحدهما على الأخرى أو تكميل ما سمي للموقوف عليه أحدهما من الأخرى] لو وقف أرضا له على زيد ونسله وعقبه ووقف أرضا أخرى على وجوه سماها وعلى أن ينفق من غلتها على الأرض الأخرى في عمارتها وإصلاحها صح فلو شرط أن يكون من غلة أحدهما لزيد في كل سنه ألف درهم ولعمرو في كل سنه خمسمائة درهم ولبكر بعد ذلك ما يبقى من غلتها في كل سنة أربعمائة درهم فإن لم يبق من غلتها ما يعطى بكر أربعمائة درهم تمم له الأربعمائة من غلة الأرض الأخرى ثم يصرف ما يبقى من غلتها في وجوه البر تصرف غلة الأرضين على ما شرط فإن لم يفضل لبكر شئ من غلة الأرض التي شرط له منها الأربعمائة تعطى كلها له من غلة الأرض الأخرى وإن صدر منه بلفظ تمم له من الأرض الأخرى كما لو وقف أرضين وقال يعطى زيد من غلة هاتين

[باب الوقف على اليتامى والأرامل والأيامى والثيبات والأبكار]

الأرضين ألف درهم وما فضل يصرف في كذا فأخرجت أحداهما ألفا ومائة مثلا ولم تخرج الأرض الأخرى شيئا فإنه يعطى زيد الألف كلها من غلة هذه الأرض وليس المراد أن يعطى من غلة كل أرض خمسمائة بل المقصود أن يعطى ألفا منهما أو من أحدهما ولو قال ينفق على أرض كذا الموقوفة من غلة هذه الأرض ما تحتاج إليه ويعطى فلان كذا وفلان كذا تقسم الغلة على القوم المسمين وعلى ما يحتاج إليه لنفقة تلك الأرض فيضرب لها بذلك فما أصاب النفقة جعل لعمارتها والباقي لمن سمي والله أعلم. [باب الوقف على اليتامى والأرامل والأيامى والثيبات والأبكار] لو جعل أرضه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على اليتامى صح واستحق الغلة كل من مات أبوه ولو يبلغ الحلم ذكرا كان أو أنثى بشرط كونه فقيرا لأن قصده بالوقف عليهم الفقراء منهم فقط ولقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه الخ وقد خص سهم اليتامى بالفقراء منهم فكذلك هاهنا ومن احتلم أو حاضت منع منها لقول النبي عليه السلام لا يتم بعد البلوغ هذا إذا أطلق اليتامى وأما إذا قال على يتامى بني فلان أبدا فإن كانوا يحصون تكون الغلة للموجودين وقت الوقف سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو مختلطين لجعله إياه لأيتام معينين وإن كانوا لا يحصون تكون لكل يتيم منهم سواء كان موجودا وقت الوقف أو وجد بعده بشرط كونه فقيرا إذ هو حينئذ بمنزلة جعله إياه للمساكين وإذا خصه بأيتام بني فلان ينبغي أن يؤكده بقوله على الفقراء منهم دون الأغنياء وإذا لم يبق فيهم يتيم كان للمساكين ثم إذا حدث فيهم يتامى يعود إليهم لئلا يبقى فيه لأحد مطعن، ولو وقفها على الفقراء من يتامى أهل بيته الموجودين ومن سيحدث (¬1) فإذا انقرضوا واستغنوا تكون الغلة للمساكين وكلما حدث فيهم يتامى ¬

_ (¬1) مطلب كون الاستغناء انقراضا حكما كالانقراض الحقيقي في صرف الوقف إلى من يلي المنقرض

تعود إليهم ثم إذا لم يبق منهم أحد أو استغنوا كان للمساكين صح الوقف وعمل به على ما شرطه ولو جعلها صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا تجري غلتها على يتامى قرابته من قبل أبيه وأمه فإن كانوا يحصون يوم الوقف استحقها كل من كان موجودا يومئذ غنيا كان أو فقيرا ويشاركهم كل من يحدث منهم بعد ذلك من اليتامى سواء كانوا فقراء أو أغنياء إذا كانوا يحصون ومن بلغ منهم سقط وإن كانوا لا يحصون يوم الوقف ولا يحصى من يحدث منهم بعده تكون الغلة للفقراء منهم دون الأغنياء وللقيم أن يعطيها لمن شاء منهم ثم متى صاروا يحصون تشاركهم الأغنياء فيها ولو قيدهم بالفقراء استحقها الفقراء منهم دون الأغنياء ويشارك الحادث بعد الوقف الموجود قبله فيها ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أرامل بني فلان ثم من بعدهم على المساكين صح الوقف واستحق الغلة الأرامل يوم الوقف والحادثات بعده سواء كن يحصين أو لا يحصين وهي للفقيرات منهن دون الغنيات قياسا له على الوصية بثلث ماله لأرامل بني فلان فإنه للفقيرات منهن دون الغنيات سواء كن يحصين أو لا يحصين فإن كن يحصين تكون الغلة بينهن بالسوية وإن كن لا يحصين أعطى القيم الغلة لمن شاء منهن وينبغي للواقف أن يؤكده بقوله للفقيرات منهن دون الغنيات وهكذا الحكم لو قال لأرامل أهل بيتي أو قال لأرامل أقاربي وينبغي أن يؤكده كما تقدم في اليتامى والأرملة كل امرأة مات عنها زوجها أو طلقها بعد ما بلغت مبلغ النساء دخل بها أو لم يدخل فمن لم تكن حاضت وقت طلاقها أو موت زوجها لا تدخل في الوقف لأن اسم اليتم لم يزل عنها بعد فلا تكون يتيمة وأرملة في وقت واحد ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على أيامى قرابتي أو قال أيامى بني فلان فإن كن يحصين يصح الوقف وتجري غلته عليهن وإن كن لا يحصين لا يصح عليهن لأنا لا ندري لمن تعطى الغلة لدخول الغنيات مع الفقيرات لكونه

بمنزلة قوله جعلتها وقفا على بني شيبان أو بني تميم وبنو تميم أو شيبان أكثر من أن يحصوا فلا يصح الوقف عليهن وإنما يكون للمساكين هكذا ذكره الخصاف ولم يذكر الفرق بين الأرملة والأيم وما بعدها وهو محل تأمل والأيم كل امرأة جومعت بنكاح أو سفاح ولا زوج لها غنية كانت أو فقيرة بلغت مبلغ النساء أو لم تبلغ ومن لها زوج ليست بأيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر واحتج أصحابنا على دخول الصغيرة التي جومعت ولا زوج لها بقول عمر رضي الله عنه لما أراد أن يهاجر يا معاشر قريش من أحب منكم أن تتأيم امرأته فليلحق هذا الوادي فما تبعه منهم أحد فهذا يدل على أن الأيم هي التي قد أيمت من زوجها بعد الجماع وهي مثل الأعزب من الرجال إلا أن الأعزب يطلق على الذي لم يجامع قط وعلى الذي لا زوجة له ولا جارية يجامعها وأما الأيم فإنه لا يطلق على المرأة إلا بعد الجماع ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على كل ثيب من قرابتي أو قال من بني فلان ثم من بعدهن على المساكين صح الوقف ثم إن كن يحصين يكون لكل من كان موجودا منهن يوم الوقف ولكل من يحدث بعده وإن كن لا يحصين تكون الغلة للمساكين لأنه لا يدري لمن تعطى الغلة لدخول الغنيات مع الفقيرات ثم إن صرن يحصين وقت القسمة ترجع الغلة إليهن وإلا فلا وهكذا يدور الاستحقاق وعدمه على الإحصاء وعدمه في وقت قسمة كل غلة والثيب كل امرأة جومعت ولو بحرام والزوج والبلوغ والغنى وعدمهم في كونها ثيبا سوا ولو قال أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل على كل بكر من قرابتي أو قال من بني فلان ومن بعدهن على المساكين فإن كن يحصين يجوز الوقف عليهن وتكون الغلة لهن ما بقي منهن أحد ويستوي فيها من كان موجودا منهن يوم الوقف ومن يحدث بعده أبدا وأن كن لا يحصين فالوقف عليهن باطل ويكون للمساكين والبكر كل امرأة لم تجامع

[باب أوقاف أهل الذمة والصابئة والزنادقة والمستأمنين]

بنكاح ولا بغيره وإن كان لها زوج والصغيرة والكبيرة والغنية والفقيرة سواء وزوال عذريتها بحيض أو علة لا يحرجها من حكم الإبكار إذن البكر هي التي لم تبتكرها الرجال ولو تجامع والله أعلم. [باب أوقاف أهل الذمة والصابئة والزنادقة والمستأمنين] الأصل في هذا الباب أن ما كان وقفه أو الوقف اعليه قربة عندنا وعندهم يصح وقفه والوقف عليه وما كان قربة عندنا فقط أو عندهم فقط لا يصح وقفه ولا الوقف عليه فلو قال ذمي يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا أرضي هذه صدقة موقوفة لله عز وجل أبدا على ولدي وولد ولدي ونسلي وعقبي أبدا ما تناسلوا ثم من بعدهم على المساكين صح الوقف وتكون الغلة لولده ونسله ومن بعدهم تكون لمن سمي من المساكين وإن سمى مساكين المسلمين لأن هذا مما يتقرّب به أهل الذمة في دينهم إلى الله تعالى وإن لم يعين مساكين المسلمين يجوز صرف الغلة لمساكين أهل دينه ولمساكين المسلمين وغيرهم ولو كان الواقف نصرانيا مثلا وقال على مساكين أهل الذمة جاز صرفها لمساكين اليهود والمجوس لكونهم من مساكين أهل الذمة ولو عين مساكين أهل دينه تعينوا ولا يجوز صرفها لغيرهم فإن فرقها القيم في غيرهم يكون ضامنا لما فرق لمخالفته الشرط وإن كان أهل الذمة ملة واحدة لتعين الوقف بمن يعينه الواقف ألا ترى أن المسلم لو خص وقفه بفقراء جيرانه لا يكون لغيرهم من الفقراء فيه حق ولو جعل داره بيعة أو كنيسة أو بيت نار أو وقفها أو أرضا له على ما ذكر أو على القسيسين أو الرهبان وأشهد على أنه أخرجها عن ملكه للوجه الذي سمى في حال صحته لا يجوز ويكون باطلا وهي كسائر أمواله تورث عنه بعد موته وكذا لو جعل داره مسجدا للمسلمين أو أوصى بأن يحج عنه يكون الوقف باطلا لكونه ليس مما يتقرب به أهل الذمة إلى الله تعالى ولو أوصى الذمي أن تبنى داره مسجدا لقوم

بأعيانهم أو لأهل محلة بأعيانهم جاز استحسانا لكونه وصية لقوم بأعيانهم وكذلك يصح الإيصال بمال لرجل بعينه ليحج به لكونه وصية لمعين ثم إن شاء حج بذلك وإن شاء ترك ولو وقف أرضه على الرهبان الذين في بيعة كذا أو على القائمين بها كان باطلا بخلاف ما لو وقفها على فقراء بيعة كذا فإنه يجوز لكونه قصد الصدقة ولو وقفها على مصالح بيعة كذا من عمارة ومرمة وإسراج وإذا خربت واستغنى عنها تكون الغلة لإسراج بيت المقدس أو قال للفقراء والمساكين يجوز الوقف وتكون الغلة للإسراج أو للفقراء والمساكين ولا ينفق على البيعة منها شئ ولو انهدمت بيعة أو كنيسة من كنائسهم القديمة جاز لهم أن يبنوها في ذلك الموضع كما كانت وإن قالوا نحوّلها إلى موضع آخر لم يمكنوا منه بل يبنوها في ذلك الموضع على قدر البناء الأوَّل ويمنعون عن الزيادة عليه فقالوا بجواز إعادتها دون الوقف على مصالحها وظاهره مشكل لأن المنع عن الأدنى يستلزم المنع عن الأعلى والجواب أنه لما أقرهم عليها الإمام فقد عهد لهم بالإعادة عند الانهدام بخلاف الوقف فإنه إنشاء فعل فلا يجوز إلا على ما ذكر من أصل الباب ولو وقفها على ان يجهز بها الغزاة فإن كان في غزو قوم مخالفين لمذهبه وجعل آخره للمساكين صح الوقف وكان للمساكين وإن كان في غزو قوم مخالفين لأهل دينه وكان أهل دينه مما يتقربون بغزوهم جاز عليهم ولو وقفها في أبواب البر كانت الغلة للمساكين دون عمارة البيع والكنائس ونحوها مما هو من أبواب البر عندهم فقط ولو وقفها على أكفان موتاهم وحفر قبورهم صح وصرفت غلته فيما ذكر ولو وقفها على فقراء جيرانه صرفت الغلة إلى كل فقير من جيرانه مسلما كان أو ذميا ولو وقف داره على أن يسكنها الفقراء من أهل دينه فإذا استغنوا عن سكناها صرفت غلتها للفقراء صح وكان على ما شرطه وكذلك لو عين غلتها لأقوام معينين أو لأهل بيته أو لقرابته أو لمواليه أو للفقراء منهم ثم من بعدهم للمساكين فإنه

يصح ويدخل فيه من أهل بيته وقرابته كل من يناسبه إلى أقصى أب له أدرك الإسلام كالمسلمين لأن من يناسبه إلى هذا الأب معروف فيدخل ولده لكونه ولد معروف ويستحق الغلة من كان موجودا وقت الوقف ومن يوجد بعده أيضا من القرابة ولو وقفها على ولده ونسله وعقبه أبدا على أن من أسلم منهم فهو خارج عن الوقف كان كما قال ولو كان نصرانيا وقال من انتقل من دين النصرانية إلى غيره فهو خارج عنه فأسلم بعضهم وتهوّد بعضهم وتمجس بعضهم خرجوا من الوقف ولو وقف الذمي أرضه ثم جحد الوقفية وشهد عليه اثنان من أهل دينه أو من غير أهل دينه وهما عدلان في دينهما أو مسلمان على شهادة ذميين على إقراره بالوقف جازت الشهادة ولو شهد ذميان عند القاضي على شهادة مسلمين على إقراره بذلك لا يجوز لعدم جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين وهذه شهادة منهم على المسلمين على ما عندهم من الشهادة ولو شرط في وقفه الزيادة والنقصان والإدخال والإخراج أو استثنى الغلة لنفسه وغير ذلك جاز كالمسلمين ووقف نسائهم صحة وفسادا كوقف رجالهم وإسلامه بعد الوقف مما يزيده تأكيدا وأما الصابئة فهم عند أبي حنيفة بمنزلة أهل الذمة توضع عليهم الجزية وتجري عليهم أحكامهم وقال غيره إن كانوا دهريه ممن يقول ما يهلكنا إلا الدهر فهم صنف من الزنادقة والتحقيق ان الاختلاف فيهم لفظي لان كلا أجاب فيهم بما ترجح عنده أنهم عليه وأما الزنادقة فقد اختلف أصحابنا في الذمي الذي يتزندق فقال بعضهم نقرّه على ما اختار من ذلك ونضع الجزية عليه لأنا لو ذهبنا نأخذه بالرجوع إلى الذي كان عليه فإنما نرده من كفر إلى كفر وأنه لا يجوز وقال بعضهم لا يقرّ عليها وأما الحربي المستأمن فيجوز من الوقف ما يجوز للذمي ثم لا يبطل برجوعه إلى داره ولا بموته عندنا ولا بأبطاله إياه قبل عوده إلى داره ولا برجوعه إلينا ثانيا بأمان ولو أوصى بكل ماله صح لأن ورثته كالموتى بالنسبة إلينا لانقطاع حكمنا عنهم

[فصل في إقرار الذمي بأرض في يداه أن مسلما أو ذميا وقفها على وجوه سماها ودفعها إليه]

[فصل في إقرار الذمي بأرض في يداه أن مسلما أو ذميا وقفها على وجوه سماها ودفعها إليه] لو أقر ذمي في صحته أن هذه الأرض التي في يده وقفها رجل مسلم في أبواب البر أو قال في بناء المساجد أو في أكفان الموتى أو قال غير ذلك مما يتقرب به المسلمون إلى الله تعالى صح إقراره على الوجه الذي أقر به أن المسلم وقفها عليه وصرفت غلته فيه ولو أقر في صحته أن رجلا مسلما وقفها على البيع والكنايس وما أشبه ذلك مما لا يتقرب به المسلمون إلى الله تعالى يبطل إقراره وتكون الأرض كلها لبيت المال ولو أقر في مرضه الذي مات فيه أن رجلا مسلما مالكا لهذه الأرض وقفها وسلمها إليه فإن كانت تخرج من ثلث ماله نفذ إقراره بها على ورثته وإن لم تخرج من الثلث كان مقدار ثلث ماله نافذا من الأرض التي أقر أنها وقف ثم ينظر إلى الجهة التي أقر أن المسلم وقفها عليها فإن كانت مما يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى نفذ ذلك ... على الوجه الذي ذكره وكان وقفا وإلا كان لبيت المال ولو أقر في صحته أن ذميا وقفها وسلمها إليه يصح إقراره فيها إن ذكر وجها يجوز الوقف عليه وإلا يبطل إقراره وتكون كلها لبيت المال لكونه لم يسم لها مالكا ولو أقر بذلك في مرضه وذكر جهة لا يصح الوقف عليها يخرج منها مقدار ثلث ماله فيكون لبيت المال والباقي لورثته ولو أقر أن مسلما ونصرانيا وقفاها وهما مالكان لها يوم الوقف كان التفصيل والحكم في هذا الإقرار كالتفصيل والحكم المذكورين فيما لو أقر بأن الواقف لها واحد ولو أن مسلما وذميا في يديهما أرض فاقر المسلم بأن مالكها وقفها فإن ذكر وجوها لا يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى كان إقراره باطلا ويخرج النصف من يده فيكون لبيت المال إن كان إقراره في صحته وإن كان في مرض موته لم ينفذ إقراره على ورثته في النصف الذي في يده وإنما ينفذ في مقدار ثلثه فقط وعلى هذا التفصيل إقرار الذمي فيما في يده النصف والله تعالى أعلم.

[باب الإرتداد بعد الوقف]

[باب الارتداد بعد الوقف] لو وقف رجل مسلم أرضه على المساكين أو في الحج عنه في كل سنة أو الغزو عنه أو في أكفان الموتى أو حفر القبور وما أشبه ذلك مما يتقرب به إلى الله تعالى ثم ارتد وقتل أو مات على ردته بطل وقفه وصار ميراثا عنه لحبوط عمله بها والوقف قربة إلى الله تعالى فلا تبقى معها وإن عاد إلى الإسلام لا يعود إلى الوقفية بمجرد العود فإن مات قبل أن يجدد فيه الوقفية كان ميراثا عنه ولو جعلها وقفا على ولده ونسله وعقبه ثم من بعدهم على المساكين ثم ارتد بعد ذلك عن الإسلام فمات أو قتل عليها يبطل الوقف وترجع ميراثا فإن قيل كيف يبطل الوقف وقد جعله على قوم بأعيانهم قلنا يجعل آخره للمساكين وذلك قربة إلى الله تعالى فلما بطل ما يتقرب به إلى الله تعالى بطل الباقي لأنه لما بطل ما جعله للمساكين بارتداده فكأنه وقف ولو يجعل آخره للمساكين وإذا لم يكن آخره لهم لا يصح الوقف على قول من لا يجيزه إلا بجعل آخره لهم وكذلك لو وقف على أهل بيته أو على قرابته أو على مواليه أو على بني فلان أبدا ثم من بعدهم على المساكين فإنه يبطل بموته مرتدا وقف وهو مرتد كان وقفه باطلا لأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يجيز تصرفه في المال الذي في يده حتى لو قتل على ردته أو مات عليها يكون جميع تصرفاته في ماله باطلة والمحفوظ عن أبي يوسف أن بيعه وشراءه واستئجاره ونحوه جائز قال الخصاف ولم يرو عنه فيما يتقرب به إلى الله تعالى شئ نعرفه وقال ألا ترى أنه لو أوصى بعتق عبد له أو أوصى بحج أو بعمرة أو أوصى للمساكين بشئ ان ذلك باطل لا يجوز لأنه لا يملك من ماله شيئا بعد موته فكيف تجوز وصيته بحج أو بغزو أو بصدقة وهو كافر بالذي يتقرب إليه بذلك نسأل الله الثبات على الدين والموت على الإسلام بجاه النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله وأصحابه الأئمة العظام البرره الكرام والحمد لله على التمام

[قال المؤلف رحمه الله]

[قال المؤلف رحمه الله] وقد وقع الفراغ من تحريره على وجه التوضيح والتصريح في يوم الخميس خامس عشر المحرم الحرام سنة خمس وتسعمائة على يد جامعه إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ على الطرابلسي الحنفي نزيل القاهرة المحروسة وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير غفرانك ربنا وإليك المصير ثم كتبت بعد هذه النسخة نسختين أخريين والحمد لله وحده تم طبع هذا الكتاب الجليل مضبوطاً على أصلهِ المطبوع في المطبعة الكبرى المصرية وكان الفراغ من طبعهِ في أواسط شهر ربيع الثاني سنة 1320 للهجرة في مطبعة هندية في شارع المهدي بالأزبكية رحم الله مؤلفه وأفاد به الطالبين

§1/1