الإرشاد إلى سبيل الرشاد

أبو علي بن أبي موسى الهاشمي

كتاب الإرشاد إلى سبيل الرشاد تأليف الشريف محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي المتوفى سنة 428هـ تحقيق الدكتور عبدالله بن عبد المحسن التركي

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم الحمد لله الذي ابتدأنا بنعمته، وصورنا في الأرحام بحكمته، وأبرزنا إلى رفقه وما يسر لنا من رزقه وعلمنا ما لم نكن نعلم وكان فضل الله علينا عظيما ونبهنا بآثار صنعته، وأعذر إلينا على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقة، فهدى من وفقه بفضلة وأضل من خذله بعدله، ويسر المؤمنين لليسرى، وشرح صدورهم للذكرى، فآمنوا بالله بألسنتهم ناطقين، وبقلوبهم مخلصين، وبما أتتهم به رسُله وكتُبة عاملين، وتعلموا ماعلمهم، ووقفوا عند ما حد لهم، واستغنوا بما أحل لهم عما حرم عليهم. قال الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي رحمة الله تعالى: أما بعدُ: أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه وحفظ ما أودعنا من شرائعه، فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانة وما تنطق به الألسنة، وتعتقدُه الأفئدة، وتملهُ الجوارح مما يتصلُ بالواجب من ذلك ومن السنن من مؤكدها ونوافلها ورغائبها، وشيئا من الآداب منها وجملة من الفقه على مذهب أبي عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني - رضي الله عنه وعنا به - وطريقته مع ما

يسهل سبيل ما أشكل من ذلك، من تفسير الراسخين في العلم وبيان المتفقهين، فأسرعتُ في ذلك، لما رجوت لنفسي ولك من ثواب تعليم دين الله عز وجل والدعاء إليه مع إعلاميك نهيه - رضي الله عنه - عن تقليده غيره بخبره فإنه قال مامن أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك ماسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تعلموا العلم فإنه نافع لكم في دينكم وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: لاتقلد أمرك أحداً وعليك بالأثر. واعلم رحمك الله أن خير القلوب أوعاها للخير وقد بينت من ذلك ماتنتفع إن شاء الله تعالى بحفظة وتشرف بعلمه وتسعدُ باعتقاده والعمل به وقد فرض الله عز وجل على القلب عملا من الطاعات وسأُفصل لك ماشرطت لك ذكره باباً باباً ليقرُب من فهم متعلميه إن شاء الله تعالى وإياه نستخير ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما كثيرا.

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات

باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات حقيقة الإيمان عند أهل الأديان: الاعتقادُ بالقلب والنطق باللسان أن الله واحد أحد فرد صمدٌ لايغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير عليٌ كبير ولي نصيرٌ قويٌ مجير ليس له شبيه ولا نظير ولا عونٌ ولا ظهير ولاشريك ولا وزير ولا ند ولا مشير. سبق الأشياء كلها فهو قديم لاكقدمها وعلم كون وجودها ونهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأوهام فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا حل في الأشياء تعالى الله رب العالمين لا تجري ماهيته في

مقال ولا تخطر كيفيتُهُ ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يُشبّه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته (ليس كمثله شي وهو السميع البصير) الشورى 11) أراد مالعَالمٌ فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لاسَمِيً له في أرضه وسماواته ولا عديل له في حكمه وإرادته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء. كذلك سئل أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- عن قولة (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا) (المجادلة 7) فقال: علمه. وأن القران كلام الله وصفة من صفات ذاته وأنه غير محدث ولا مخلوق كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي أسماع السامعين وبأكف الكاتبين وبملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمة قاهر ومعجزة باهر. وأن الله تعالى كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما وأنه خلق النفوس فسواها وألهمها فجورها وتقواها. والإيمان بالقدر خيرة وشره حلوه ومره كل من الله تعالى وأن مع كل عبد رقيبا وعيدا وحفيظا وشهيدا يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يُعاينُ عملة عند حضور منيته ويعلمُ

مصيره قبل ميتته وأن منطرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان - سوى النبيين - فيسألانه ويمتحنانه عما يعتقدهُ من الأديان وأن المؤمن يُحبَرُ في قبرة بالنعيم والكافر يعذبُ بالعذاب الأليم وأنه لامحيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور (وأن الساعة آتية لايب فيها وأن الله يبعث من في القبور) (الحج7) وأن الله جل اسمه يعيد خلقة كما بدأهم ويحشرهم كما أنشأهم من صفائج القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأوجواف السباع وحواصل الطيور. وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأن يخرج أقواما من النار ويسكنهم دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار صلى الله علية وسلم في أهل الكبائر والأوزار وأن الميزان حق يوضع لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار وأن الصراط حق يجوزه الأبرار ويعجز عنه الكفار وأن حوض رسول الله صلى الله علية وسلم حق يردهُ المؤمنون ويُذادُ عنه الكفار. وأن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان وإخلاص بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقصُ بالأوزار. وأن محمد صلى الله علية وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين وأفضلهم القرن الذين آمنوا به وشاهدوه وصدقوه وأفضل القرن الذين صحبوه أربع عشر مئة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر إذا نصروه وأفضلهم

أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهدينون الأربعة الأخيار وأفضل الأربعة أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم علي الرضا عليه السلام. وأفضل القرون الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم. وأن نتولى أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم بأسهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحس الذكر لهم وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ماكان منهم من علي وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ومعاوية رضوان الله عليهم ولا ندخل فيما شجر بينهم اتباعا لقول رب العالمين (والذين جاء والحمد لله رب العالمين

باب فضل العلم والتفقه في الدين

باب فضل العلم والتفقه في الدين وذكر العام والخاص وما ظاهره العموم والمراد به الخصوص وما ظاهره الخصوص والمراد به العموم وذكر الأصول التي عليها مدار الفقه وما في معنى ذلك قال الله عز وجل (فلولا نفر من كل فرقة وروى سفيان بن عيينه عن عبد الملك بن عمير عن ابن عبد الله بن مسعود عن أبيع رضي الله عنه أن النبي صلى الله علية وسلم خطب بالخيف من منى فقا ل ((نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لافقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لايغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله عز وجل وصيحة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحوط من وراءهم)) وروى محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا سعيد بن عُفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن أبن شهاب قال حدثني حميد بن عبد الرحمن قال سمعت معاوية خطيبا فقال: سمعت النبي صلى الله علية وسلم يقول (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لايضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله))

فالفقه يدور على ثلاثة أصول متفق عليها: كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله علية وسلم وإجماع الأمة وأصل رابع مختلف فيه وهو القياس وهو عندنا أصل صحيح يعمل به عند عدم هذه الأصول الثلاثة لأن القياس هو رد الشي إلى نظيره من أحد هذه الأصول التي ذكرتها. وليس من حادثة تحدث ولا من نازلة تنزل بأحد إل وفي كتاب الله تعالى حكمها إما نصا وإما دليلا قال الله عز وجل ((ما فرطنا ..) الإنعام 38) وقال الله تعالى (وأنزالنا إليك الذكر) النحل 44) فالقرآن أصل علم الشريعة نصه ودليله والحكمة بيان رسول الله صلى الله علية وسلم فكل ما صح عنه علية الصلاة والسلام بالنقل الصحيح أنه قاله أو فعله وجب المصير إليه إلا أن يقوم الدليل أنه أراد به الندب دون الإيجاب أو يقوم الدليل أنه خاص له صلى الله علية وسلم أو لمن أمره به دون غيره فلا نُعدي به موضح الخصوص إلا بدليل قال الله عز وجل (وما آتاكم الرسول) الحشر 7) وقال (فلا وربك لايؤمنون ... بينهم) النساء 65) وقال الله تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم (3 - 4) والأمة المجتمعة حجة على من خالفها أو شذ عنها وخبر الواحد يوجب العمل والعمل والأصل: كل ما تمكن بنفسه وتفرع عنه غيره والفرع: مالم يعلم بنفسه والعلم: معرفة الشيئ المعلوم على ماهو به والكلام على ظاهره وعمومه حتى يقوم دليل الخصوص فيه

والأسماء المفردة ثلاثة: عام لاخصوص فيه كقول: شيء قال الله عز وجل (إن الله بكل شيء عليم) الأنفال 75) (إن الله على كل شيء قدير) البقرة 20) والثاني: عام من وجه خاص من وجه قال الله جل اسمثه (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة5) و (قاتلوا الذين لايؤمنون بالله) إلى آخر الآية (التوبة 29) هذا عام في جميع المشركين إلا من استثناه منهم من أهل الكتاب وقال عز وجل: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) (المائدة38) فهو عام فيمن سرق ربع دينار فأكثر من حرز خاص فيما دون ذلك. والثالث: خاص لاعام فيه كقولك: زيد وعمرو قال الله عز وجل (محمد رسُولُ الله) الفتح 29) فهذا خاصُ. وإن أقل العموم شيئان وأقل الخصوص واحد. والمطلق: مالم يُقيد والمقيد ماضم إليه وصف قال الله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلى قوله: (وأمهات نسائكم) (النساء23) فأطلق وقال في الربائب (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) النساء 23 فقيد. والعموم: مالو كُلف إمضاؤه لصح. والمجملُ: مالو كٌلف إمضاؤه لم يصح حتى يُفسر. وأوامر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم على الوجوب إلا ما قام الدليل على الندب وأفعالُ النبي صلى الله عليه وسلم عل الوجوب عندنا إلا ما قام دليل الندب والإرشاد فيه. والأوامر على ضروب: أمرُ حتم كقول: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقر 110) و (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) النساء 59) و (واتقوا الله) النساء 1) يفي ذلك

وأمرٌ وعيد كقوله (اعملوا ماشئتم) فصلت 40) وقولة (قمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف 39) وأمر تعجيز كقوله (قل كونوا حجارة أو حديدا) الإسراء 50) وأمر جزاء كقوله (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) الزخرف 70) أي: هذا ثواب لكم وقوله (وقيل ادخلا النار مع الداخلين) التحريم 10) أي: هذا عقابكم. وأمرُ إباحة كقوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) المائدة 2) (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) الجمعة 10) وقوله عز وجل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) البقرة 194) وأمرُ إرشاد كقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) البقرة 282) (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) البقرة 283) وفي القرآن أي أولها ندبُ وآخرها حتم وكذلك في السُنة كقوله تعالى (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) الأنعام 141) وقوله تعالى (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) النور 33) ومن أصحابنا من قال: إذا علم السيدُ في عبده خيرا وجب عليه أن يكاتبه إذا اختار العبدُ ذلك وسأل مولاه وقال تعالى: (لاجناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) البقرة 236) فهذه الآيات أولها ندب وأخرها حتم. ومن السنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هُجرا) و: (انتبذوا في الظُروف واجتنبوا كُل مسكر)

والقياس قياسان: جلي وخفي. فالجلي: مالاتجاذب فيه قال الله تعالى (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما) الإسراء 24) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) الزلزلة 7 - 8) ونهي عن الثوب المصبوغ بالورس للمحرم لكان الممسك أشد نهيا. والخفي ماتتجاذبة الأصول كالجناية على العبد فالعبد في شبة من الأحرار وشبة من الحيوان فأشبة الأحرار من جهة أنه أدمي وأنه مخاطب عن العبادات وأنه يجري فيما بينهم القصاص ويجب على قاتله الكفارة وأشبه الحيوان من جهة أنه مال. والكلام عند أهل النظر أربعة خبر، واستخبارا، وأمر ونهي. والنسخ رفع ماثبت من الحكم مثل قوله تعالى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) النساء 15) نسختها: (والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) النور 2) ومثل قولة تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواج متعا إلى الحول غير إخراج) البقرة 240) نسخها قوله: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) البقرة 234) ومثل قوله: (الوصية للوالدين والأقربين) البقرة 180) نسخها قوله (يوصيكم الله في أولادكم) النساء 11) السنة لاتنسخ القران عندنا ولكنها تخص وتبين وقد روي عنه رواية أخرى أن القران يُنسخُ بالمتواتر من السنة. والمكنيُ: مثل قوله تعالى (وسئل القرية التي كنا فيها) يوسف 82) يريد: أهلا و (وكم قصمنها من قرية) الأنبياء 11) أي: أهلها ومن أصحابنا من منع

أن يكون في القرآن مكني وحمل كل لفظ وارد في القرآن على الحقيقة والأول أمكنُ لأن قولة تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) الإنعام 30) يقتضي ظاهر هذا أن يكون هذا الخطاب من الله عز وجل للكفار حقيقة ولا أعلم خلافا بين أصحابنا أن الله تعالى لايكلم الكفار ولا يحاسبهم فعلم بذلك أالمراد بالآية غير مافي ظاهرها. والعام يراد به الخاص مثل قوله (وأوتيت من كل شيء) النمل 23) ولم تؤت ملك سليمان ولا خٍلقة الرجل وقال (تدمر كل شيء بأمر ربها) الأحقاف 25) ولم تدمر السماء فدل القياس على الخصوص. والخاص يرادُ به العام كقوله: (يا أيها النبي اتق الله) الأحزاب 1) وهو يريد الكل وقال تعالى (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) النساء 23) وهو يريدهم وحلائل البنين من الرضاعة. والخصوص من العام كقولة تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) المائدة 38) ثم خص من سرق أقل من ربع دينار من حرز أو غير حرز أو أكثر من ربع دينار من غير حرز وكقوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة 5) وقال (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) البقرة 221) ثم استثنى محصنا أخل الكتاب وقال: (وماذبح على

النصب) المائدة 3) (وما أهل به لغير الله) البقرة 173) ثم قال (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) المائدة 5)

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة باب ما يجب منه الوضوء والغسل قال الله تعالى (يا أيها الذين أمنو إذا قمت إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم) المائدة 6) وقال: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) النساء 43) فالوضوء يجب لما يخرج من السبيلين أو من أحدهما من نجس أو طاهر معتاد أو غير معتاد مثل البول والغائط والدم والريح والقيح والحصى وغير ذلك قليلا كان الخارج أو كثيرا ولما يخرج من الذكر من مذي مع غسل الذكر كله والأنثيين منه وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالإنعاظ عند المداعبة والتذكار يجب منه مايجب من البول. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل النبي صل الله علية وسلم فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأله فقال (ذلك ماء الفحل ولكل فحل ماء فليغسل ذكره وأنثييه وليتوضأ وضوءه للصلاة) واختلف قول أحمد ابن حنبل رضي الله عنه في المذي إذا نزل في الثوب ما الواجب في إزالته؟ فروي عنه: أنه كالدم يعفى عن يسيره ويغسل كثيره وروي عنه: أنه كالبول يجب غسل يسيره وكثيره وروي عنه رواية ثالثة: أنه يكفيه أن ينضح عليه الماء كما جاء الحديث.

وأما الودي فهو ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول ليس فيه غير الوضوء وأما المني فهو الماء الأبيض الدافق عند الجماع أو بالاحتلام رائحته كرائحة الطلع وهو طاهر في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى: هو كالدم يعفى عن يسيره ويغسل كثيره ويجزء في إزالته المسح إن كان رطبا والفرك إن كان يابسا. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أمطه عنك بإذخرة فإنما هو كبصاق أو نخاط ويجب به طهر جميع الجسد وهو الغسل. وماء المرأة ماء رقيق أصفر فيجب منه الغُسلُ أيضاء كما يجب من طهر الحيض والنفاس. وأما دم الاستحاضة فيجب منه الوضوء ويجب عليها وعلى من به سلس البول أو كثرة المذي - فلا ينقطع - الوضوءُ لكل صلاة بعد تحصين فروجهم ويجب الوضوء بزوال العقل بنوم مستثقل إلا اليسير في حالة استواء الجلوس فلا وضوء فيه قولا واحداً إلا أن يكون مستندا إلى شيء أو في حالة القيام في أحدى الروايتين. ويجب من الإغماء والجنون وقد روي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: إن المجنون يغتسل إذا أفاق يقال قل مايصرع إلا احتلم ويجب الوضوء من ملامسة المرأة من غير حائل للذة ومن المباشرة بالجسد للذة ومن القبلة للذة في أحدى الروايتين فإن عرا ذلك له عن اللذة فلا وضوء فيه قولا واحدا ويجبُ الوضوءُ من مس الذكر مباشرة للذة قولا واحدا سواء كان ببطن الكف أو بظهره سن نفسه ومن غيره ومن الكبير والصغير والذكر والأنثى والحي والميت ولغيرة لذة في أحدى الروايتين. وفي مس الدبر أيضا روايتان: إحداهما ينقض الوضوء والأخرى: لا

وضوء فيه ولا وضوء من مس الأنثيين والمغابن قولا واحدا واختلف عنه في مس المرأة فرج نفسها فقيل عنه: لا وضوء عليها وقيل عنه: هن شقائق الرجال وعليها بذلك الوضوء إذا كان اللذة وكذلك مسُها لزوجها. وجب الوضوء من كل نجس خارج من الجسد غير السبيلين فإن كان بولا أو غائطا فمن يسيره وكثيره كما لو خرج من السبيلين وإن كان دما أو قيحا أو مدى ففي فاحشة الوضوء قولا واحدا واختلف فوله في يسيره هل ينقض الوضوء أم لا؟ على روايتين وكذلك القيء. ويجبُ الوضوءُ من أكل لحم الجزور قولا واحدا واختلف أصحابنا في إيجابة من ألبان الإبل وشحومها على وجهين. ويجب الغسل بما ذكرنا من خروج الماء الدافق في نوم أو يقظة من رجل أو امرأة أو انقطاع دم الحيض أو الاستحاضة أو دم النفاس أو تغييب الحشفة في الفرح أو الدبر وإن لم ينزلا أو إسلام الكافر ويجب الغسل أيضا بالإيلاج في فرج البهيمة وإن لم يُنزل. وتغييب الحشفة في الفرج يوجب الغسل ويوجب الحد ويكمل المهر ويحصن الزوجين ويحل المطلقة ثلاثا للذي كان طلقها ويفسد الحج ويوجب البدنة مع الفساد ويفسد الصوم ويسقط العُنة ويُسقط الإيلاء ويوجب العدة ويوجب الكفارة في صوم شهر رمضان خاصة ,

باب طهارة الماء والثوب والبقة وما يجوز من اللباس في الصلاة

باب طهارة الماء والثوب والبقة وما يجوز من اللباس في الصلاة والمصلي يناجي ربه عز وجل فعليه أن يتأهب لذلك بالوضوء أو بالغسل إن جب عليه وليكن ذلك بماء طاهر مطلق غير ملوث بنجاسة ولا بماء قد تغير بشيء خالطه من نجس أو طاهر ولا بماء مستعمل في طهارة ترفع الحدث ولا بفضل ماء خلت امرأة بالطهارة منه أو الغسل ولا بماء معتصر من ورد أو عرق أو شجر. فأما الماء الذي غيرته الأرض لطول مكثه فيها أو السبخة أو الحمأةُ فطاهر مطهر وكذلك الماء المشمس طاهر مطهر والحديث المروي في النهي عنه ضعيف وماء السماء والآبار والأنهار والبحار طاهر مطهر عذبة وأجاجه يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس ويجب الوضوء به والغسل مع وجوده والقدرة على استعماله وكل ما غير لونه شي طاهر حل فيه ولم ينقله عن التسمية ولا سلبه رقته ولم يُخرجه عن طبعة وجريانه فهو طاهر غير مطهر في وضوء أو غسل من جنابة أو إزالة نجاسة مع وجود الماء المطلق قولا واحد وعند عدم الماء المطلق في إحدى الروايتين ولا بأس بشربة والعجن والطبخ به وكذلك الماء المستعمل وكذلك الماء الفاضل عن استعمال المرأة الخالية

به لا يتوضأ الرجل به وتجوز إزالة النجاسات به وشربه والعجن به والطبخ به. وما غيرته المخالطة حتى سلبته التسمية وأثبتت له تسمية أخرى كالنبيذ والخل وما في معنى ذلك أو أحرجته عن رقته وجريانه أو صار مرقه بما طبخ فيه من الأشياء الطاهرة فهو طاهر غير مطهر على كل حال قولا واحدا إلا النبيذ فإنه إذا اشتد فهو حرام نجس وما اعتصر من الورد والشجر والعروق طاهر غير مطهر لايرفع الأحداث ولا تزال به الأنجاس قولا واحدا. وما غيرته النجاسة فليس بطاهر ولا مطهر قولا واحدا قليلا كان أو كثيرا وما نقص عن القلتين من الماء ينجس بمخالطة النجاسة له مائعة كانت أو جامدة تغير الماء بمخالطتها له أو لم يتغير. وما بلغ قُلتين أو زاد عليهما لم ينجُس بمخالطة النجاسة له مائعة كانت أو جامدة مالم تُغير لونهُ أو طعمه أو ريحه فإن تغير صار نجسا. والقلتان خمس قرب وهي قلال هجر وهي خمس مئة رطل وقد قيل عنه: إن القلتين أربع قرب والأول أظهر عنه إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرةً رطبة فإن ذلك ينجس القلتين وإن لم يتغير في إحدى الروايتين وفي الأخرى قال ذلك كسائر النجاسات، لاينجسُ القلتين فصاعدا إلا إن تغير بإحدى العلامات. فإن كان الماء عظيما كثيرا كالغدير والقليب الذي لا يتأتي نزحه لم ينجس لشيء خالطه إلا أن يغيره. فإن سقط في ماء يسير مالا نفس له سائلة ومات لم ينجس بذلك لأنه لاينجس في عينة فكذلك لاينجسُ الماء بملاقاته وذلك كالزنبور والذباب والخنافس وما في معنى ذلك إلا أن يكون الساقط في الماء قد لاقى نجاس نحو صراصر الكنيف وما في معناها فإن ذلك ينجس الماء القليل بملاقاته له. وقد يَطهٌرُ النجس لقلبِ الله عز وجل لعيِنه كالخمرة فإنها في حالها نجسة وكذلك أوانيها فإذا قلب الله عز وجل عينها فصارت خلا صارت حلالا طاهرة.

وطهُرت أوانيها فإن عولجت الخمرةُ بفعل الآدميين حتى صارت خلاً لم تحل ولم تطهر وكانت على حالها في التحريم والتنجيس. ولو صُب في ماء قد غيرته النجاسةُ قلتان من ماءين فزال التغير طهُر الماءُ كله وكذلك لو جرى فيه من ماء المطر قدرُ قلتين فزال التغير وقيل عنه: أنه قال: أُحبُ أن ينزح وإن زال الغير والأول أظهر. فأما إن صُب على ذلك أقلُ من قُلتين من ماء فإنه لايطهر به قولا واحدا زال به التغيُرُ أو لم يزُل بلغ الماء الأول والثاني قُلتين أو أكثر أو أقل. والماء إذا مسه جُنُب أو حائضُ ولا نجاسة بأيديهما لم يضرة ولا بأس بالوضوء به قد توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزادة امرأة من قريش وتوضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرةٍ نصرانية. وإذا ولغ في إناء فيه من الماء أقلُ من قُلتين كلب أو خنزير أو من السباع ما خلقته فوق خلقة الهر نجس الماءٌ قولا واحدا بولوغ الكلب والخنزير وبما عداهما من السباع في إحدى الروايتين وأهريق الماء وغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب وقد قيل عنه يُغسل ثماني مرات إحداهن بالتراب والأول عنه أظهر. فإن ولغ فيه بغلٌ أو حمار أهلي فعلى روايتين: إحداهما: أن البغل والحمار الأهليين نجسان فيغسل الإناء من ولوغهما كما يُغسل من ولوغ الكلب والخنزير والرواية الأخرى: أنهما طاهران ولا ينجس الماء لشربهما منه والأول عنه أظهر. فأما الهرة لحرام أكلها ولا بأس بُؤرها كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصغي لها الإناء فتشرب منه ثم يتوضأ منه وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات))

والاقتصاد في كل الأمور حسن وقلة الماء مع إحكام الوضوء والغسل سُنة والسرف فيه اعتداء، توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمُد وهو رطل وثلث واغتسل بصاع وهو أربعة أمداد. وطهارة الثوب والبقعه للصلاة واجبة ولا تجوز الصلاة في ثوب نجس مع العلم بحاله قولا واحدا وإن فعل أعاد فإن صلى فيه جاهلا بالنجاسة ففي وجوب الإعادة روايتان. ويُنهى عن الصلاة في معاطن الإبل ومحجة الطريق وظهر الكعبة – البيت الحرام – والحمًًام والمزبلة والمقبرة والمجزرة وكل موضع نجس ومن صلى فيها مع العلم والقدرة على التحول عنها أعاد قولا واحدا وإن صلى مع الجهل بحالها والعجز عن التحول عنها ففي وجوب الإعادة روايتان ولا بأس بالصلاة في مراح الغنم. فأما الصلاة في الثوب المغصوب أو على الأرض المغصوبة أو في الثوب المُشترى بالثمن الحرام فلا تجوز فإن فعل فهل يعيدُ أم لا؟ على روايتين. وكذلك الحكم فيمن توضأ بالماء المغصوب أو من بئر احتفرت بمال غصب وفي أرض مغصوبة. وكذلك الصلاة في الثوب الحرير والثوب النسيج بالذهب يعيدُ في إحدى الروايتين وفي الأخرى: لا إعادة عليه مع الكراهية وبوجوب الإعادة في ذلك كلة أقول. فأما الصلاةُ في الثوب الخَزًًً والثوب الخليط الذي من الحرير والقطن غلب عليه فجائز قولا واحدا وكذلك لابأس بالصلاة في الثوب الذي له العلم الحرير كالطراز ونحوه

ولا بأس بالصلاة في ماظهر من ثياب اليهود والنصارى مالم تُعلم فيها نجاسة ويُجتنب ماسفل منها نحو السراويل وما التصق من الثياب بأبدانهم قيل: يصلى فيها وقيل عنه: لايُصلى فيها حتى تُغسل والأول عنه أظهر. ولا يُصلى في ثياب المجُوس حتى تُغسل ويُبالغ في غسلها لأنهم لا يتنزهون من البول وكذل ثياب الصبيان. ولا بأس باستعمال أواني اليهود والنصارى مالم تُعلم نجاستُها إلا قدور النصارى فلا تستعمل حتى تُغسل لأجل استحلالهم لحم الخنزير. واختلف قوله في الثوب يَنسُجُهُ اليهودي والنصراني فهل يُصلي فيه ملسم قبل أن يُغسل أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لابأس بالصلاة فيه وإن لم يُغسل مالم تُعلم نجاسة. وقال في الأخرى: لايُصلي فيه حتى يغسله فأما الثوب الذي ينسجه المجوسيُ فلا يصلي فيه مسلم حتى يغسله قولا واحدا ولا يصلي في ثوب مزعفر ولا معصفر لورود النهي عن ذلك فإن فعل أساء والصلاة ماضية ولابأس بالصلاة في الثوب المطيب كذلك ولا بأس بالنشاستج – وهو ماء العُصفر – إذا كان خفيفا. وأقل ما يُجزي الرجُل من اللباس ثوب واجد صفيق ساتر من درع – وهو القميص – ويُزرُه فهو أفضل فإن لم يفعل جاز أو رداء طويل يستر عورته ومنكبية ويخالف بين (طرفيه) ولا يصلي في واحد ليس منه على كتفية شيء فإن فعل أعاد الصلاة التي صلاها فيه ويجزئه في النفل. وأقل مايجزىء المرأة الحرة من اللباس في الصلاة الدرع الصفيقُ السابعُ

الساترُ ظهور قدميها وخمارُ تتقنع به ولا تكشف في الصلاة غير وجهها فإن سائر جسدها عورة سوى الوجه فإن فعلت أعادت. فأما الأمة لها أن تصلي مكشوفة ليعلم الفرق بينها وبين الحرة وكذلك الولد قبل أن تعتق والمدبرة والمكاتبة قبل أن تؤدي. وعورة الرجل مابين سرته وركبتيه في الصحيح من المذهب وقيل عنه: العورة: الدبر والقبل خاصة. وينهى عن اشتمال الصماء في الصلاة على غير ثوب يسترة قلم يجز ذلك إذا فعل ذلك فإن اشتمل الصماء على ثوب وصلى كره ذلك وأجزأته صلاته والسدل في الصلاة منهي عنه وهي لبسة اليهود فإن فعل ففي الإعادة روايتان: إحداها: لا إعادة عليه ومن صلى مربوط الوسط أجزأته صلاته ومن بدت عورته أعاد إلا أن يكون الشيء اليسير منها في حالة الركوع والسجود لصغر الثوب الذي لايجد غيره. ومن صلى في ثوب لطيف لا يجد غيره لم يتزر به وعقده من ورائه وصلى جالسا فإن لم يعممه لتسر عورته ومنكبية أتزر به وصلى قائما ولا إعادة عليه في الصحيح عنه ومن أتزر من فوق أجزأته فعل ذلك سالم بن عبدالله وكُلُ النجاسات تُغسل سبعا في إحدى الروايتين كما قلنا في غسل الإناء من

ولوغ الكلب والخنزير والرواية الأخرى: لايجب استيفاءُ السبع إلا في الولوغ خاصة وماسوى ذلك فتجوز إزالته بأقل من ذلك. وفي وجوب التراب فيما عدا الولوغ من النجاسات روايتان: إحداهما: يجبُ والأخرى لايجبُ. ويجزئ الرش على بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ويجب غسل بول الجاري وإن لم تطعم. ويجزئ في تطهير الأرض من البولة الذنوب من الماء. والنار والشمس والريح والجفاف لايطهر شيئا. وأبوال البهائم المأكول لحمُها وأراوثها طاهرة وقد روي عنه أن الأبوال كلها نجسة على كل حال والأول عنه أظهر. فأما بول ما لا يؤكل لحمة وروثه فنجس قولا واحدا وما كان من الحيوان طاهرا في حال حياته مأكولا وغير مأكول فعرقه وريقة طاهر وما كان منها نجسا في حال حياته فعرقه وريقة ولبنه نجس كبوله. ومن أصاب ثوبه نجاسة وجهل موضعها وجهتها نم الثوب غسل جميعه لا يجزئة غير ذلك فإن عرف جهتها وجهل موضعها من الجهة غسل الجهة كلها ليحصل له الإزالة باليقين

باب صفة الوضوء ومفروضه ومسنونه وذكر الاستنجاء والاستجمار

باب صفة الوضوء ومفروضه ومسنونه وذكر الاستنجاء والاستجمار قال الله عز وجل (والرجز فاهجر) المدثر5) فالاستنجاءُ لإزالة النجوٍ فريضة غير انه لايجب إيصال الاستنجاء بالوضوء حتى لايجوز أن يتراخى عنه وهو من باب زوال النجاسة المأمور بإزالتها فرضا ولا يجوز أن يصلي بها في جسدة وتجزئ إزالتها بغير نية. واختلف قولة: هل الإزالة من نية الوضوء حتى إن يتوضأ قبل إزالة الخبث بطل الوضوء حتى يزيله ثم يتوضأ أم لا؟ على روايتين، قال في إحداهما: من توضأ قبل أن يتسجمر، استجمر ثم أعاد الوضوء وقال في الأخرى يُعيد الاستجمار أو الإنجاء ولا يُعيد الوضوء. وصفةُ الاستنجاء أن يبدأ بعسل يده ثم يغسل مخرج البول ثم يمسح مافي المخرج الآخر من الأذى بمدر أو غيره ثم يستنجي بالماء ويواصل صبه ويسترخي قليلا ويجيد ذلك الموضع بيده حتى يتنظف وينقي وليس عليه غسلُ مابطن من المخرجين ولا يستنجي من الريح فإن اقتصر على الماء أجزأه والأول أفضل ومن استجمر فليوتر وأقله ثلاثة أحجار إذا أنقى بها فإذا فعل وخرج آخرها نقيا أجزأه إذا لم يعدُ الغائط المخرج {وإلا} فالماء أطهر وأطيب.

لأن الماء يزيل الجسم القائم والأثر اللاصق والحجر يزيل الجسم القائم دون الأثر اللاصق فيكون نجسا غير أنها نجاس معفو عنها رفقا من الله تعالى بعبادة وتخفيفا عنهم. ولا يجتزئ من أقتصر على الاستجمار بدون ثلاثة أحجار وإن أنقى بذلك حتى يستوفى العدد ومن لم ينق بالثلاثة زاد حتى ينقي فإن استجمر بحجر كبير له ثلاثة أحرف مسح كل حرف بها مسحة ولأنقى أجزلأه ذلك في أحدى الروايتين ولا يجزئة في الأخرى إلا ثلاثة أحجار كبار. وكذلك إن استجمر بغير الحجر مثل الخزف والخشب والخرق ومافي معنى ذلك أجزأه في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى لايجزئه إلا الحجر دون غيره ولا يستجمر بجلد ميتة دبغ أو لم يدبغ لأنه نجس ولا يستجمر بعظم ولا بنجس ولا يستجمر بيمينه ومن أراد الوضوء من قيام نوم بالليل فلابد من غسل يده قبل إدخالها الإناء ثلاثا وهل ذلك من مسنون الطهرة أم من مفروضها؟ على روايتين فإن أدخل يده في الإناء قبل غسلها والماءُ أقل من قلتين وتوضأ منه فالأظهر عنه أنه قال: يبدد ذلك الماء ويُعيدُ الوضوء فأما إذا قام من نوم نهار ويده طاهرة فذلك مستحب غير واجب قولا واحدا ومن مسنون الطهرة: السواك والتسمية والمبالغة في الاستنشاق لغير الصائم وتخليل اللحية وتخليل أصابع اليدين والرجلين ومسح الأذنين بماء جديد وتقديم الميامن على المياسر. وقيل عنه: إن المضمضة والاستنشاق من سُنن الوضوء والأظهر عنه في المذهب: أنهما من فرائضه ولايختلف قوله: إنهما فرض في الطهارة الكبرى.

ومفروض الطهرة – بعد إزالة الحدث على مابينت -: الماء الطاهر المطلق والنية للوضوء وغسل الوجه وغسل اليدين مع المرفقين والمسحُ بالرأس وهل يجب استيعابة بالمسح أم لا؟ على روايتين إحداهما: لا يُجزئه إلا مسحُ جميعه والرواية الأخرى: يجزئة المسح ببعض رأسه بغير تحديد والأول عنه أظهر وغسل الرجلين مع الكعبين – وهما الناتئان – وترتيب الأعضاء والموالاة. قا: فإن كان أقطع لايد من الزند غسل الذراع باليد الأخرى وإن كان القطع من المرفق فإن بقي من كوع المرفق شيء غسلة لايجزئه غير ذلك وإن لم يكن بقي منه شيء مسح الماء على موضع القطع. وكذلك في التيمم. يمسحُ بالتراب على موضع القطع. فأما صفة الوضوء الكامل: فهو أن يبدأ من قام إلى وضوء من نوم أو غيره فيجعل الإناء عن يمينه فإنه أمكن له ثم يسمي الله عز وجل ويبدأ بغسل يديه فبل إدخالهما في الإناء ثلاثا فإن كان بال أو تغوط غسل ذلك منه ثم غسل يده ثم ينوي بالطهارة رفع الحدث ثم يُدخل يده اليمنى في الإناء فيأخذُ الماء فيمضمض فإن شاء من غرفة واحدة وإن شاء من ثلاث غرفات وإن استاك بإصبعه أو بسواك فهو حسن. ثم يستنشق بأنفه الماء ويستنثر ثلاثا ويجعل يده على أنفه كامتخاطه ويجزئه أقل من ثلاث في المضمضة والاستنشاق ويجزئه جميع ذلك في غرفة واحدة والنهاية أحسن. ثم يأخذ الماء إن شاء بكلتا يديه وإن شاء بيده اليمنى ويجعله في يديه جميعا ثم ينقله إلى وجهه فيفرغه علية غاسلا له بيديه من أعلى جبهته وحد منابت شعر رأسه إلى أطراف ذقنه ودور وجهه كله وخديه وحد عظم لحيته إلى صُدغيه ويغسل البياض الذي بين عارضيه وأُذُنيه فإنه من وجهه ويمر يديه على ماغاب من ظاهر أجفانه وغضون جبهته وماتحت حاجبيه وكذلك ظاهر أنفه يغسل وجهه هكذا ثلاثا ويخلل لحيته وليس عليه إيصال الماء إلى ماتحت

لحيته من بشرة وجهه إن كانت لحيته كثيفة ساترة للبشرة في الطهارة الصغرى وإن كانت اللحية خفيفة يرى ماتحتها من بشرة الوجه لزمة إيصال الماء إلى بشرته كثفت اللحية أم خفت. ثم يغسل يده اليمنى باليسرى وذراعه ومرفقه يُفيض الماء عليها ويغسلها باليسرى ويخلل أصابع يديه بعضها ببعض ثم يغسل اليد اليسرى باليمنى كذلك ثم يأخذ الماء بيده فيفرغُهُ على باطن يده اليسرى ثم يرسله ثم يمسح ببلله رأسه مبتدئا بيديه من مقدم رأسه من أول منابت شعره وقد قرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه ويجعلٌ إبهامية في صُدغيه ثم يذهب بيديه ماسحا إلى أطراف شعر رأسه مما يلي قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ ولو أدخل يديه في الإناء ثم رفعهما مبلولتين ومسح بها رأسه أجزأه. ثم يأخذ ماء جديدا بيديه ثم يرسله ثم يمسح ببله أذنيه ظاهرهما وباطنهما ثم يغسل رجليه يصب الماء بيده اليمنى على رجله اليمنى ويغسلها بيده اليسرى قليلا قليلا حتى يعمها بالغسل يفعل ذلك ثلاثا ويخلل أصابع رجليه ويتعاهد عقبيه وعٌُرقوبيه ومالايكاد يُداخله الماءُ بسرعة من جساوة أو شقوق فيتابعه بالصب والغسل فإنه رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ويل للأعقاب من النار)) وعقب الشيء طرفة وآخره ثم يفعل باليسرى مثل ذلك. وليس تجديد غسل الأعضاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا بأمر حتم لايجزئه دونه ولكنه أفضل مايفعل ومن أوعب وأسبغ بأقل من ذلك أجزأه إذا كان يُحسن فليس كل الناس في إحسان ذلك سواء وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم

أنه توضأ مرة مرة ثم قال عند فراغه من الوضوء ((هذا الوضوء الذي لايقبل الله الصلاة إلا به وروي ((هذا وظيفةُ الوضوء الذي لايقبل الله الصلاة إلا به)) فأخبر أن غسل مرة يجزئ ثم توضأ مرتين مرتين ثم قال ((من توضأ مرتين آتاه الله عز وجل أحره مرتين)) وروي ((آتاه الله كلفين من الأجر)) ثم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال ((هذا وُضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ووضوء خليل الله إبراهيم عليه السلام فالذي وصفه هو كمال الوضوء فأما الزيادة على الثلاث في الوضوء فهو مكروه وهو اعتداء إلا إن يكون رجلا مبتلى بالوسواس. ولا يجزئ في الوضوء إلا غسل الرجلين دون مسحهما فمن مسح على رجليه ولم يغسلهما وصلى لم تُجزه الصلاة وهو بذلك عاص وعليه إعادة الوضوء والصلاة قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعة في رجِل رجُل لم يُصبها بالماء فقال ((ويل للأعقاب من النار)) ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمعة بقد الدرهم في رجل رجل لم يصبها الماء فأمره بإعادة الوضوء والصلاة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحدة لاشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) ويجب على كل متوضئ أن يعمل بعمل الوضوء احتسابا لله تعالى لما أمره يرجو تقبُله وثوابه وتطهيره من الذنوب وتستيقن نفسة أن ذلك تأهب وتنظف لمناجاة ربه عز وجل والوقوف بين يديه لأداء فريضته والخضوع له والركوع

والسجود فليعمل على يقين وليتحفظ وليصل صلاة مودع علام بأن الله سبحانه وتعالى يراه فقد جاء الأثر ((اعبُد الله كأنك تراهُ فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك)) وتمام كل عمل بحسن النية والمرأة كالرجل فيما وصفت

باب الغسل

باب الغُسل قال الله عز وجل: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) المائدة 6) وقال (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) النساء 43) فالغسل واجب من الجنابة والحيض والنفاس فإن اقتصر المغتسل على الغسل دون الوضوء ونوهما جميع عند الاغتسال أجزأه في إحدى الروايتين بعد أن يتمضمض ويستنشق وقال بعض أصحابنا: يجزئة ويلزمه أن يتمضمض ويستنشق ويمسح رأسه ويغسل رجلية ليحصل له الترتيب. ولا يجزئه في الأخرى إلا أن يأتي بالطهارتين بعد أن يغسل مابفرجه وجسده من الأذي ثم يتوضأ وضوءة للصلاة فإن شاء غسل رجليه وإن شاء أخر غسلهما إلى آخر غسله ثم يغرفٌ الماء بيديه كلتيهما فيفيض على رأسه ثلاث حفنات غاسلا به حتى يُبل الشعر ويوصل الماء إلى البشرة ثم يفيض الماء على شقة الأيمن ثم على شقه الأيسر ويتدلك بيديه بإثر صب الماء حتى يعم جسده وليس التدلك بواجب بل مستحب ويبالغ عُمق سُرته وتحت حلقه ويخلل شغر لحيته حتى يوصل الماء إلى بشرته وتحت جناحيه وأليتيه ورُفغيه وتحت ركبتيه وأسافل رجليه ويخلل أصابع يديه ورجليه وإن كان أخر غسل رجليه غلسلهما آخر ذلك ليجمع بهما تمام غسله وتمام وضوئه وينوي بالغسل رفع الجنابة وبالوضوء رفع الحدث ويتوقى أن يمس ذكره فإن فعل وقد فرغ من الغسل أعاد الوضوء

واختلف قوله في الجنب هل عليه إيصال الماء إلى داخل عينيه أم لا؟ على روايتين أوجب ذلك في إحداهما بحديث ابن عمر أنه كان يفعله ولم يوجبه في الأخرى وهو الصحيح عندي وكذلك اختلف قوله فيمن يرى في منامه أنه أحتلم ويجد لذة الإنزال ثم لا يرى بعد الاستيقاظ بللا هل عليه الغسل أم لا؟ على روايتين: إحداهما: قد وجب عليه الاغتسال بانتقال الماء وإن لم يخرج والأخرى: لاغسل عليه إلا أن يرى الماء والمرأة في ذلك والرجل سواء غير أنه ليس عليها حل ضفر رأسها في الغسل من الجنابة وعليها حله في غسل الحيض والنفاس وأن تأخذ لذلك سدرا وتتبغ موضع الدم بالطيب إن وجدت فإن لم تفعل فالماء كاف. وغسل الإسلام واجب كغسل الحيض والنفاس بماء وسدر على كل من أسلم من الكفار ولا فرق عنده بين من كان الكفار فأسلم أو كان مسلما فارتد ثم رجع إلى الإسلام في وجوب الغسل عليهما. قال: ولو جامع فلم ينزل فلما اغتسل خرج منه المني وجب عليه إعادة الغسل فإن جامع فأنزل فلما اغتسل خرج منه مني متسبسب من غير دفق ولا شهوة حادثة فلا غسل عليه وعلية الوضوء وسواء كان قبل النوم أو بعده

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم قال الله عز وجل (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) المائدة 6) فالتيمم يجب بعدم الماء في السفر الطويل والقصير إذا دخل وقت الصلاة ويئس أن يجده في الوقت وفي وجوب الطلب روايتان وقد يجب التيمم أيضا مع وجود الماء إذا كان جنبا ولم يقدر على استعمالة لشدة البرد وعدم مايسخن الماء به أو لحاجته إليه لشربه وإحياء نفسة أو لعجزة عن ابتياعه أو لامتناع مالكه عن بيعه إلا بثمن يجحف به أو في الحضر لمرض يمنع من استعماله أو مريض يقدر على ماء ولا قدرة له على الحراك ولا يجد من يناوله إلى أن يخاف فوات الوقت أو المسافر يقرب منه الماء ويمنعه من الوصول إليه خوف اللصوص أو السباع أو خوف الانقطاع عن الرفقة أو يرى الماء في بئر ولا يجد رشاء ولا مايستقي به الماء فكل هولاء في حكم العادم للماء وعليهم التيمم. وهل يجب التيمم في أول الوقت أو في آخره؟ على روايتين ومن تيمم من هؤلاء وصلى ثم قدر على استعمال الماء في الوقت أو بعد خروج الوقت فلا إعادة عليه وليتوضأ لما يستقبل من الصلاة. وإن وجد المريض القادر على مس الماء العادم من يناوله وإياه بعد أن صلى بالتيمم من يوضئه أو يناوله الماء ليتوضأ والوقت باق فإن أعاد الصلاة بالوضوء كان حسنا

ومن كان خوفه جبنا وضعف قلب لا عن سبب موجب للخوف لم تجزئة الصلاة بالتيمم ولزمه المضي إلى الماء والتوضؤ منه. فأما المرأة إذا كان الماء عند مجتمع الفساق من الرجال وخافت على نفسها إن مضت الفجور جاز لها أن تتيمم وتصلي وهل تعيد بالوضوء إذا قدرت أم لا؟ على وجهين أصحهما: لا إعادة عليها؟ والصحيح المقيم إذا احتاج إلى الغسل وعجز عنه لشدة البرد وعدم مايسخن به الماء توضأ ثم تيمم للجنابة عند خوف فوت الوقت وصلى وهل يعيد بالغسل إذا قدر أم لا روايتين. ولا يصلي متيمم صلاتي فرض مستقبلتين بتيمم واحد ولا يتيمم قبل دخول وقت الصلاة وله أن يقضي الفوائت بالتيمم الواحد وأن يتنفل بين الوقتين بالتيمم الواحد. والتيمم بالصعيد الطيب وهو الطاهر من تراب الحرث هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: أطيب الصعيد تراب الحرث. فيضرب بيديه عليه يفرج أصابعه ويرفعهما يما حملتا من التراب ثم يمسح بباطن أنامل يديه وجهه كله ويمسح كفيه إلى الكوع براحتيه يمسح ظاهر الكف اليمنى بالسرى وظاهر اليسرى باليمنى لايجزئة دون ذلك وإن ضرب ضربة فمسح بها وجهه وضرب أخرى فمسح بها كفيه وذراعية إلى المرفقين يمسح يمناه بيسراه ويسراه بيمناه أتى بالفرض والفضل والأول يجزئ وينوي بالتيمم المكتوبة ولا يتيمم بغير التراب نم سائر الصعيد مع وجودة والقدرة عليه قولا واحدا فإن فعل لم يجزئة ويتيمم عند عدمه بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض مثل الرمل والسبخة والنورة والكحل وما في

معنى ذلك ويصلي وهل يعيد بالوضوء من تيمم بغير التراب وصلى أم لا؟ على روايتين والحائض كالجنب إذا عجزت عن الاغتسال في السفر لشدة البرد تيممت وصلت واغتسلت - اذا قدرت - للحيض ولا تعيد ماصلت بالتيمم وإذا أبحناها الصلاة بالتيمم والقراءة أبحنا زوجها وطأها. ووجود الماء بعد التيمم قبل التحلي بالصلاة يبطل التيمم لا أعلم فيه اختلافا ووجوده بعد التيمم والتحلي بالصلاة قبل الفراغ منها يبطله ويبطل الصلاة ويلزم المصلي الخروج والتوضؤ أو الغسل إن كان جنبا واستقبال الصلاة وقال بعض اصحابنا: إن المسألة على روايتين في المضي بالصلاة مع رؤية الماء وقطعها والصحيح أنه يقطع والقول الآخر قاله قديما ثم رجع عنه ومن كان على بدنه نجاسة ومعه من الماء مايكفيه لإزالتها أو الوضوء ولا يكفيه لهما قدم إزالة النجاسة على الوضوء وتيمم لأن الوضوء يرجع إلى بدل وهو التيمم و {إزالة) النجاسة لابدل لها ومن نسي الماء في رَحْلة فتيم وصلى ثم ذكره أو علم به أعاد الصلاة لا يجزئه غيرة ومن عجز عن التيمم والوضوء صلى بغير طهارة ولا تيمم وأعاد بالوضوء إذا قدر في إحدى الروايتين ولا يعيد في الأخرى وبالإعادة أقول ومن كان جنبا ومعه من الماء مالا يكفيه لغسل جميع بدنه غسل به ما أمكنه من جسده ثم يتيمم لما لم يصبه الماء فإذا قدر على الماء غسل من جميع جسده مالم يكن أصابه الماء ومن كان محدثا ومعه من الماء مالا يعم أعضاء طهارته تيمم ولم

يستعمله لأنه غير مستحب له به إذ تفريق الوضوء لايجوز ومن كان ببعض أعضاء طهارته جرح لايقدر على مسه بالماء غسل مالا جرح بعه وتيمم لما لم يصبه الماء وقيل عنه: يغسل الصحيح ويمسح الجريح وكذلك الجنب الذي ببعض جسده جرح لايقدر على غسله وقيل عنه يغسل الصحيح ويجمع في الجريح بين المسح والتيمم ولو كان مع المسافرين ميت وجنب ومعهم من الماء مايكفي أحدهما فعلى روايتين قال في أحدهما: يغسل الميت ويتيمم الجنب وقال في الأخرى: ييمم الميت ويغتسل الجنب لأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء وهذا واجد والميت قد سقط الفرض عنه وليس بمتعبد بعد الموت والله أعلم

باب المسح على الخفين وما في معناهما

بابُ المسح على الخفين وما في معناهما قال الله تعالى: (وامسحو برؤسكم وأرجلكم) المائدة 6) قال بعض أهل العلم: أراد به المسح على الخفين لقيام الدلالة على أنه لايجوز المسح على الرجلين. وروى المغيرة بن شعبة: أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسليم خُفين أسودين ساذجين فلبسهما وتوضأ ومسح عليهما فقلت: يارسول الله أنسيت؟ فقال: (بل أنسيت) بهذا أمرني ربي عز وجل) وروي أن جرير بن عبدالله البجلي بال فتوضأ ثم مسح على خُفيه فعاب عليه ذلك ناس من أصحابه فقال: أتنهوني عن شيء رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله؟ فقيل له: ذلك قبل نزول المائدة قال: فوالله ما أسلمتُ إلا بعد نزول المائدة ولقد رأيته يفعله. فالمسح على الخفين رخصة وتخفيف يجوز في الحضر والسفر فإن كان مقيما مسح يوما وليلة وإن كان مسافرا مسح ثلاثة أيم ولياليهن من الحدث وقيل عنه: يمسحُ من المسح إلى المسح والأول عنه أظهر وذلك إذا أدخلهما رجليه بعد كمال الطهارة والفراغ من غسل رجليه في طهارة تحل له الصلاة بها. فهذا إذا أحدث وتوضأ جاز له المسح عليهما وإلا فلا.

ويمسح على ظاهر خفيه وأسفلهما كيف شاء من الأصابع إلى الساق أو من الساق إلى الأصابع وأن مسح أعلاهما دون أسفلهما أجزأه وإن مسح أسفلهما دون أعلاهما لم يجزئه ومتى خلع بعد المسح أعاد الوضوء كله وسواء في ذلك الرجال والنساء. فمن مسح في الحضر أقل من يوم وليلة ثم سافر أتم على مسح مقيم ثم خلع فإن كان مقيما مسح يوما وليلة ثم سافر خلع لوقته أو كان مسافرا مسح أقل من يوم وليلة ثم أقام أو قدم أتم على مسح مقيم ثم خلع فإن مسح يوما وليلة فصاعدا ثم أقام خلع ساعتئذ. والرخصة ترتفع بمضي زمان المسح خلع أو لم يخلع وقد روي عنه رواية أخرى في مقيم مسح في الحضر أقل من يوم وليلة ثم سافر أنه يبني على مسح مسافر والأول اختياري. فأما إذا مسح في الحضر يوما وليلة ثم سافر فإنه يخلع قولا واحدا لأن زمان مسح المقيم مضى قبل التحلي بالسفر ولو شك في مدة المسح هل انقضت أم لا؟ خلع استظهارا. والمسح على الجرموقين والجوربين المجلدين وغير المجلدين إذا كانا صفيقين والعمامة والخمار جائز كالمسح على الخفين يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر إذا كان لبس ذلك بعد إكمال طهارته كما وصفت وقد دل عليه حديث عطاء بن أبي ميمون عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نمسح على الخفين والعمامة ثلاثة أيام ولياليهن في السفر ويوما وليلة للمقيم. قال ولو مسح على الجرموقين ثم خلعهما أو أحدهما بطلت طهارته،

ولزمه أن يخلع الخفين ويعيد الطهارة ويغسل قدميه لا يجزئه غير ذلك. قال: ولا يجوز المسح إلا على خُف ساتر للقدم والكعبين أو مقطوع ساتر للكعبين، فإن كان في الخف خرق يبدو منه بعض القدم لم يجزه المسح عليه إلا أن يكون على رجله في الخف جورب ضفيق ساتر للقدم فيجزئه المسح عليه فإن كان على رجليه في الخف المخرق لفائف خرق لم يُجزه المسح عليه. فإن غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها الخف ثم أحدث، فهل يجزئه المسح على الخفين أم لا؟ الظاهر من قوله الذي عليه العمل عند أصحابنا: أنه لايجزئه وروي عنه: أن المسح أجزأه مع الكراهية، وبالأول أقول. ومتى خلع قبل انقضاء مدة المسح استأنف الوضوء. وكذلك لو انتقض من العمامة التي مسح عليها كور ابتدأ الوضوء وكذلك الخمار إذا زال عن رأس المرأة بعد المسح عليه حتى انكشف رأسها أو بعضه فإن أدخل يده تحت العمامة بعد المسح عليها لحك رأسه ولم تنزل عن رأسه لم تبطل طهارته. ولو مسح على الجوربين مع النعلين ثم خلع النعلين استأنف الوضوء. ومسح الجبيرة واجب إذا لزم {غسل موضع} الكسر ولا يعيد ماصلى بالمسح عليها بعد حلها إذا كان قد جبر العضو على {وضوء قولا} روايتان. والمستحاضة تمسح على الخف يوما وليلة إذا لبسته بعد كمال طهارتها. وكذلك من به جرح أو باصور جزما.

ومن انقطع ظفره أو كان بإصبعه جرح خاف إذا أصابه الماء أن يزرق الجرح جاز له المسح عليها وكذلك لو عصبة بعصابة فعل ذلك عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فألقمه مرارة ولم يجاوز بها موضع الجرح.

كتاب الحيض

كتاب الحيض قال الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) الآية البقرة 222) فأقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما. وقيل عنه إن الحيض يوم واحد وأكثره سبعة عشر يوما وهو قول عطاء والأول عنه أظهر وأقل من يوم لا يكون حيضا قولا واحدا. وأكثر من سبعة عشر يوما لايكون حيضا قولا واحدا. وأقل الطُهر خمسة عشر يوما في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: أقله ثلاثة عشر يوما. وماينقص عن الثلاثة عشر يوما فليس بطهر كامل. ومن أصحابنا من قال: ليس لأقل الطهر حد. وما دام من الدم يوما وليلة إلى خمسة عشر يوما، فهو حيض صحيح قولا واحدا، وما بين ذلك أيضا حيض صحيح مع استقامة الحال. ومن كانت لها أيام حيض معلومة فلتقعد عن الصلاة فيها، ولتغتسل إذا جاورتها وتصوم وتصلي. والحيض يمنع فعل الصلاة ويُسقطُ لزومها، ويمنع فعل الصوم دون لزومه، فتقضي الحائض الصوم، ولا تقضي الصلاة. ومن رأت الطهر قبل تمام أيامها فهي طاهر، تغتسل وتصلي وتصوم فإن لم يعد الدم عليها إلى أن جازت أيام عدتها فالأول طهر صحيح لايختلف المذهب فيه. فإن رجع الدم عليها في بقية أيامها، مثل أن كان عدتها عشرة أيام رأت منها خمسة أيام ثم طهرت يوم السادس والسابع ثم رجع الدم عليها يوم الثامن، فالظاهر من قوله هاهنا، بين الدمين طهر صحيح، ولا تلتفت إلى رجعة الدم إلى أن تجيء أيامُ عادتها ولا يكون للراجع عليها حكم حيض فتصلي معه وتصوم،

وتقضي الصوم احتياطا. ويُروى عن أحمد –رحمه الله – رواية أخرى: أن الدم إذا رجع عليها في بقية أيام عادتها فهو حيض صحيح تقعدٌ فيه عن الصلاة والصوم. فعلى هذا يجب أن تقضي ماأتت به من أول يوم في الطهر المتخلل بين الدمين إذا ليس بطهر صحيح إذا الطهر الكامل لايكون أقل من ثلاثة عشر يوما. وكذلك النُفساء ترى الدم أقل من أربعين يوما، ثم تطهر أياما، ثم يعاودها الدم في الأربعين، الصحيحُ عندي القول الأول، لأن أحمد – رضي الله عنه – نص فيمن كانت عادتا طهر يوم، وحيض يوم، أنها ترجع إلى عادتها وتعمل عليها. ومن تقدم حيضها على أيام عادتها لم تلتفت إليه، إلى أن تجيء أيامها على ذلك ثلاث مرات، فتصير إليه. ومن رأت الدم زيادة على عادتها، وانقطع في زمان الإمكان، وهو خمسة عشر يوما فما دونها، لم تلتفت إلى الزيادة، إلا أن يتكرر عليها ثلاث مرات، فتعلم أن حيضها قد انتقل، فتصير إليه. وإن كانت صامت في حالة الزيادة في الثلاث مرار صوما فريضة قضته ـ فإن استمرت الزيادة عليها حتى تجاوزت زمان العادة والإمكان، كان الحكم لعادتها دون غيرها، وعليها الاغتسالُ عند تمامها والصوم والصلاة. قال: ومن جرت عادتها بزيادة الحيض في شهر ونقصانه في شهر آخر وثبت ذلك عادة، عملت عليه، وذلك مثل أن تحيض في شهر عشرا، ثم تطهر، وفي شهر آخر تحيض أحد عشر يوما، ثم تطهر، فإنها تعمل على ذلك وتجلس زمان الزيادة في شهرها، وزمان النقصان في شهره. ومن اختطلط أمر حيضها، وكانت عادتها زمان الإمكان، فإن كانت معتادة غير مميزة، فترجع إلى عادتها قولا واحدا. وإن كانت مميزة غير معتادة فالحكم إلى التمييز قولا واحدا، وهو أن دمها في ابتداء مجيئه دم أسود ثخين مخدم منتن

فتقعد زمان إقبال الدم الذي هذا وصفة. فإذا تغير إلى الرقة والإشراق استأنفت وصلت وصامت. وإن لم تكن مميزة ولا معتادة قعدت عن عدتها في عادات النساء ستا أو سبعا. في كل شهر، واغتسلت إذا كان ذلك، وصلت وصامت. وإن كانت معتادة، فهل تعتد بالتمييز دون العادة أم بالعادة دون التمييز؟ على روايتين. ومن اختلط عليها أم حيضها، من ثلاثة أحوال: أما أن تنسى وقت حيضها من الشهر، وتعرف عدد الأيام التي كانت تخلو. أو تكون جاهلة بأيامها عارفة بالوقت. أو تكون جاهلة بهما جميعا: فأما الأولى: تجلس وهي العارفة بالأيام الجاهلة للوقت، فعلينا أن تجلس من كل شهر قدر أيام عادتها، غير أنها تتحرى الوقت الذي يغلب على ظنها أنه وقت حيضها. فتقعد فيه عن الصلاة والصوم، إلا أن تكون مميزة، فيلزمها أن تعمل على التمييز، فيكون زمان إقبال الدم زمان الحيض. وأما الثانية: وهي الجاهلة بالأيام، العارفة للوقت، فإنها ترجع إلى التمييز، وتعمل على إقبال الدم وإدباره، كما وصفت. وأما الجاهلة بهما جميعا: ففيها عنه روايتان: إحداهما: أنها تتربص من كل شهر ستة أيام، أو سبعة أيام غالب عادات النساء، لاتبالي في أي زمان كان من الشهر، إّا لم تكن من أهل التمييز. والرواية الأخرى: أن حكمها حكم المبتدأة على ما ذكرنا من الاختلاف فيها. وحكم الناسية لأيام عداتها وهي غير مميزة، حكم من لا عادة لها ولا تمييز. قأما المبتدأة: فقد اختلف قوله فيها، فقيل عنه: تقعد أقل الحيض. وقيل عنه: يل تجلس كجلوس أكثر الحيض. وقيل عنه: هي كمن لاعادة لها ولا تمييز. وقيل عنه: تجلس كما أمها وجدتها وأختها.

والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض صحيح كالدم العبيط ولا يحكم بالطهر في حال الاستقامة إلا ببرء من الحيض والنفاس (ولا توطأ) حتى تغتسل الغسل المبيح للصلاة والصوم وانتفاء الدم في حالة الشهر وعدم الماء. واختلف فوله في المرأة يطؤها زوجها (فتحيض قبل) أن تغتسل للجنابة هل عليها غسل الجنابة قبل الطهر من الحيض أم لا؟ على روايتين إحداهما: استحب لها أن تغتسل من الجنابة فإذا طهرت من الحيض اغتسلت منه والرواية الأخرى لاغسل عليها حتى تطهر من الحيض فتغتسل لهما غُسلين اثنين ومن وطئ حائضا مع علمة بحالها قبل انقطاع دمها فعلية أن يتصدق بنصف دينا كفارة لفعلة، وقيل عنه: لاكفارة عليه مع الأثم. والأول عنه أظهر، للحديث الذي يرويه شعبة ع الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال – في الذي يأتي أمرأته وهي حائض -: (يتصدق بدينار أو نصف دينار)) فإن كان جاهلا بالحيض وبالتحريم فلا كفارة عليه. ولا يحرم من الحائض سوى مخرج الدم وله الاستمتاع منها بما دون الفرج تحت الإزار وفوقه. وعلى المستحاضة الوضوء لكل صلاة وصومها تام ولزوجها وطؤها عند شدة

الشبق ومن رأت الدم ولها تسع سنين فصاعدا، على الوصف الذي ذكرته في أقل الحيض وأكثره كان حيضا صحيحا ومن رأته لأقل من تسع سنين كان دم فساد وليس بحيض قولا واحدا. ومن رأته ولها ستون سنة، أو أكثر كان دم فساد، ولم يكن حيضا أيضا قولا واحدا. وأكثر النفاس أربعون يوما ولا حد لأقله. ومن ولدت ولم تر دما فعليها الغسل لن الولد مخلوق من مائها وماء الرجل فأقل أحوالها أن تكون جنبا بخروج الولد فعليها الاغتسال وإن لم تر دما.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة باب في أوقات الصلاة وأسمائها وأعدادها قال الله تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} النساء 103) وقال {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة 5) فالصلوات المفروضات في اليوم والليلة على كل مكلف خمس صلوات وهي سبع عشرة ركعة منها: صلاة الصبح ركعتان، وهي صلاة الفجر وأول وقتها: انصداع الفجر الثاني، المعترض بالبياض في أقصى المشرق، ذاهبا من القبلة إلى دُبرها حتى يرتفع ويعم الأفق وآخر الوقت الإسفار البين الذي إذا سلم منه بدا حاجب الشمس ومابين هذين وقت واسع وأفضل ذلك التغليس بها ومن أدرك منها ركعة كاملة قبل طلوع الشمس فقد أدرك وقتها وتلك حالة الضرورة. وصلاة الظهر أربع ركعات. وأول وقتها: إذا زالت الشمس عن كبد السماء، وأخذ الظل في الزيادة. ويستحب الإبراد بها في شدة الحر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)) وآخر وقتها: أن يصير ظل كل شيء مثله بعد مازالت الشمس عليه من الظل وفي غير زمان القيظ فعلها في أول الوقت أفضل

وصلاة العصر أربع ركعات وهي الصلاة الوسطى وأول وقتها: آخر وقت الظهر وآخره: أن يصير ظل كل شيء مثليه بعد ظل نصف النهار. وقيل عنه: إن آخر وقتها أن تصفر الشمس. ومن أدرك منها ركعة كاملة قبل غروب الشمس فقد أدركها مع الضرورة. وصلاة المغرب ثلاث ركعات وأول وقتها: غروب الشمس، فإذا توارت بالحجاب وجبت الصلاة. ووقتها ممتد إلى غيبوبة الشفق. وفعلها في أول الوقت أفضل. وصلاة العتمة أربع ركعات، وهي صلاة العشاء وهذا الاسم أولى بها وأول وقتها: غيبوبة الشفق الحمر وهو الحمرة الباقية في المغرب من بقايا شعاع الشمس. فإذا لم يبق في المغرب حمرة فقد وجب الوقت ولم يختلف القول عنه أن الشفق في السفر الحمرة واختلف قوله فيه في الحضر على روايتين: أحدهما: أنه الحمرة في الحضر والسفر والأخرى: أنه البياض في الحضر فإذا غاب فقد وجبت. ووقتها الأول ممتد إلى ثلث الليل الأول، وقيل عنه: إلى نصف الليل وتأخيرها أفضل. وينهى عن النوم قبلها وعن النوم قبلها وعن الحديث بعدها لغيرها شغل ولا تفوت إلى بطلوع الفجر الثاني. والصلاة المنسية إذا ذكرها في وقت الصلاة الراتبة مقدمة على صلاة الوقت مالم يخض فوته قولا واحدا فإن خشي فوت الصلاة الراتبة فهل يقدمها على المذكورة أم لا؟ على روايتين. والصلاة تجب بأول الوقت ويستقر الوجوب بإمكان آخره

باب الأذان والإقامة

باب الأذان والإقامة قال الله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) المائدة 58) فالأذان من فروض الكفاية في إحدى الروايتين وفي الأخرى: أنه مسنون وليس بفرض، وكذلك الإقامة. فأما الأذان المحرم للبيع يوم الجمعة، فإنه واجب والمؤذنون أمناء والأذان المختار عند أحمد بن حنبل رضي الله عنه أذان عبدالله بن زيد وهو أذان بلال الذي أقر النبي صلى الله علية وسلم إلى أن قُبض وهو: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها، إلا للصبح وحدها. ويثوب في أذان الصبح، فيقول بعد قوله: حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم. يكررها مرتين، لايقول ذلك في غير نداء الصبح. والإقامة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والأذان مثنى مثنى واٌلإقامة فرادى إلا في قولة: قد قامت الصلاة فإنه

مثنى كما جاء في الحديث ولا يرجع في الأذان. ولا أذان على النساء وإن صلين جماعة ويترسل في الأذان ويحدُرُ في الإقامة. ويلتفت على يمينه عند قوله: حي على الصلاة وعلى شماله عند قولة: حي على الفلاح. ومن جمع بين صلاتين أو صلوات فوائت، فإن شاء أذن لكل صلاة وأقام لها وإن شاء أذن للأولى وأقم، وأفرد ماسوها بإقامة أقامة لكل صلاة أيً ذلك فعل فموسع. والمستحب أن يؤذن وهو طاهر فإن أذن محدثا أجزأه قولا واحدا. وفي أذان الجُنب روايتان: إحداهما: لايجوز، ويعيده إذا أغتسل، والأخرى: يجزئه مع الكراهية. ويقم من أذن في الموضع الذي أذن فيه كما جاء الحديث وإذا كان المؤذن غير الإمام فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة فليقم الإمام والمأمومون. ولا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة وإذا كان الإمام هو المؤذن فأقام الصلاة لم يقم المأمومون حتى يروه قد فرغ من الإقامة كما جاء الأثر. ومن تكلم في أذانه أساء وليتم الأذان وكذلك إن سكت في خلال الأذان سكوتا يسيرا فإن كثر كلامه وتطاول سكوته ابتدأ الأذان ولا يتكلم في خلال

الإقامة. ويؤذن قائما مستقبل القبلة فإن كان مسافرا فأذن راكبا أو ماشيا أجزأه وكذلك إن أذن جالسا في غير السفينة. إلا من علة. ولا بأس بأذان الضرير إذا كان في بلدة فيها مؤذنون فاتبع الناس في أذانهم وأذن بعدهم. وإن كان في قرية لا مؤذن فيها غيره لم يؤذن إلا بعد أن يتحقق دخول الوقت. وتكره الصلاة في الجماعة بغير أذان ولا إقامة فإن فعلوا أساوؤا وأجزأتهم الصلاة

باب صفة الصلاة المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

باب صفة الصلاة المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن قال الله تعالى (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) الآية (ال عمران 191) وقال (وقوموا لله قانتين) البقرة 223) فالقيام مع القدرة عليه شرط في صحة الصلاة الفرض. واستقبال القبلة - الكعبة البيت الحرام - مع مشاهدتها عيانا أو الصلاة في مساجد الأمصار عند الغيبة عنها أو الاجتهاد بالصواب إلى جهتها أو اتباع الدال عليها أو التحري في حالة السفر إذا أشكلت الأدلة والتوجه إلى حيث يغلب الظن من الجهات أنها القبلة فيصلي إليها. والقبلة مابين المشرق والمغرب والمشرق عن يسار المصلي والمغرب عن يمينه ومابينهما قبلة قال الله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شرطة) البقر 144) والشط: النحو والقصد والتلقاء ماكان يقدر على ذلك قال الشاعر الهذلي: أقول لأم زنباع أقيمي ... صدور العيس شطر بني تميم يريد نحو بني تميم والنية للصلاة فريضة ومحلها القلب. وهي مقدمة على تكبيرة الإحرام.

والإحرام للصلاة: أن يقول المصلي: الله أكبر. لايجزئة غير هذه الكلمة ويرفع يديه عند هذه التكبيرة إلى حذو منكبيه وإلى فرع أذنية باسطا كفية مضمومة أصابعة و (لا) يفرج بين أصابعه في الصحيح عنه وقيل: يرفع يديه إذا كبير ويفرج بين أصابعه. والأول عنه أظهر وأصح. ثم يضع يمينه على شماله إن شاء فوق السرة، وإن شاء وإن شاء تحتها ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمُك وتعالى جدُك ولا إله غيرُك ثم يستعيذ فيقول: أعوذك بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم. واختلف قوله، هل يتعوذ في كل ركعة أم يجزئه التعوذ في الركعة الأولى دون غيرها؟ على روايتين. ثم يقرأ بأم القرآن. فإن كان في الصبح افتتحها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) يُسرها وجهر بـ (الحمد لله رب العالمين) إلى آخرها. فإذا قال (ولا الضالين) قال: أمين مخففة غير مشددة إن شاء بالقصر وإن شاء بالمد ويجهر بها إماما كان أو مأموما أو منفردا ثم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يٌسرٌها وسورة من طوال المفصل يجهر بها. فإذا فرغ (من) القراءة كبر في انحطاطه إلى الركوع ويرفع يديه كرفعه الأول ثم يمكن يديه من ركبتيه في حال الركوع ويفرج بين أصابعه ولا يُطبقُ فإن التطبيق منسوخ. قال مصعب بن سعد صليتُ إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني عن ذلك فعدتُ فقال: لاتصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على رُكبنا وروى مصعب بن سعد عن أبيه أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ثم يدعه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يديه راحتيه على رُكبتيه ويسوي ظهره مستويا ولا يرفع رأسه ولا يخفضه ويجافي ضبعيه عن جنبيه

ويعتقد الخضوع لله عز وجل بركوعه وسجوده ولا يدعو في ركوعه بشيء ثم يقول سبحان ربي العظيم يكررها ثلاثا والواجب منها مرة ومازاد عليها مسنون. ثم يرفع رأسه رافعا يديه كما وصفت في الابتداء وهو قائل: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد. كان إماما أو منفردا فإن كان مأموما قال بعد قول الإمام سمع الله لمن حمدة: ربنا ولك الحمد. ويستوي قائما مطمئنا مترسلا. ثم يهوي ساجدا ويكبر في انحطاط ولا يرفع يديه عند هذا التكبير ويضع ركبتيه على الأرض قبل يديه إن لم يشق ذلك عليه ويمكن جبهته وأنفه من الأرض ويباشر بكفيه الأرض باسطا يديه مستويتين إلى القبلة مضمومة الأصابع يجعلها حذو أذنيه ودون ذلك واسع عندنا لايفترش ذراعيه في الأرض ولا يضم عضديه إلى جنبيه ولكن يجنح بهما تحنيحا وسطا ولتكن رجلاه في سجوه قائمتين وتكون إبهاماهما إلى الأرض ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى يكررها ثلاثا والفرض المرة الأولى منها. ولا يدعو في سجود الفرض بشيء ويترسل في ذلك حتى يتمكن من السُجود ويطمئن فيه ويخفف مع التمام. ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يرفع يديه فيجلس وينثي رجله اليسرى في جلوسه بين السجدتين وينصب اليمنى ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض ويجلس على اليسرى ولا يجلس على عقبيه فهو الإقعاء. وقد قيل: إنها جلسة الشيطان وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إقعاء كإقعاء الكلب)) ويرفع يديه عن الأرض على ركبتيه

ويقول رب اغفر لي يكررها مرتين وليس ذلك بحتم فإذا اطمأن جالسا سجد الثانية مكبر بغير رفع فيفعل كما فعل في السجدة الأولى. فإذا رفع رأسه من الأرض نهض مكبرا لا يرفع يديه ويتعمد بيديه على رُكبتيه وينهض على صدور قدميه ولا يرجع جالسا على الأرض عند الرفع من السجود للقيام وقد قيل عنه: بل يرجع جالسا ثم ينهض والأول عنه أظهر. فإن سجد على جبهته دون أنفه أجزأه في إحدى الروايتين وإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه قولا واحدا ولا يسجد على كور عمامته فإن فعل لتوقي حر أو برد أجزأه قولا واحدا وإن سجد عليها لغير توقي حر أو بر د فهل يجزئه أم لا؟ على روايتين. ولا يسجد على قلنسوته فإن فعل لم يجزه قولا واحدا. وإذا انتصب قائما قرأ في الركعة لأولى بأم القرآن وسورة دون السورة الأولى يجهر بالقراءة ويفعل في الثاني مثل مافعل في الأولى سواء غير أنه لا يرفع يديه إلى تكبيرة الإنحطاط إلى الركوع وعند الرفع منه ولا يقنت في صلاة الفجر فإذا فرغ من الركعة الثانية جلس كجلوسة بين السجدتين وجعل جلوسه على رجله اليسرى ونصب اليمنى ولم يتورك وتشهد فقال التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها لنبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أِهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف

الميعاد ويستحب له أن يقول: اللهم اسألك من كل خير سألك منه محمد عبدك ورسولك وأعوذ بك من كل شر استعاذ منه محمد عبدك ورسولك أعوذ بالله من عذاب جهنم وأعوذ بالله من عذاب القبر وأعوذ بالله من قتنة المسيح الدجال وأعوذ بالله من فتنة المحيا والممات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ثم يسلم عن يمينة: السلام عليكم ورحمة الله وعن شمالة السلام عليكم ورحمة الله ويلتفت يمينا وشمالا في حال السلام حتى يرى بياض خديه كما روي عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعل ذلك وينوي بالسلام الخروج من الصلاة فإن لم ينو ذلك ونوى به السلام على الملائكة ومن خلفه أجزأه ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمده ثلاثا وثلاثين ويكبر أربعا وثلاثين فذلك مئة باللسان وألأف في الميزان ويختم بقول: لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شي قدير. ويستحب التمادي قليلا بالذكر – يعني بعد صلاة الصبح – والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس وليس ذلك بحتم بل يستحب لما فيه من الفضيلة ويقدم ركعتي الفجر على صلاة الصبح بعد طلوع الفجر الثاني قولا واحدا وأن يفرأ منهما بأم القرآن (قل يا أيها الكافرون)

(سورة الكافرون) وفي الثانية بأم القرآن (قل هو الله أحد) سورة الأخلاص) ويسر القراءة فيهما. والقراءة في الظهر في الركعة الأولى بأم القرآن وثلاثين آية وفي الثانية بعد أم القرآن بدون ماقرأ به في الألى وفي الثالثة والرابعة يقرأ فيهما بأم القرآن حسبُ ويستشهد في الجلسة الأولى كما وصفتُ إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ويجعل جلوسه على رجله اليسرى، كما وصفت في صلاة الصبح ولا يتورك فإذا فرغ من التشهد نهض مكبرا ويفعل في بقية الصلاة من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ماتقدم ذكره فإذا جلس للتشهد الأخير تورك فنصب رجله اليمنى وجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمنى وأفضى بأليتيه إلى الأرض. ويستحب له أن ينفل قبلها بأربع ركعات وبعدها بأربع يُسلم من كل ركعتين ويستحب أن يتنفل قبل صلاة العصر بأربع ركعات يسلم فيها من كل شفع وليس له بعدها صلاة نافلة إلى غروب الشمس. ويفعل صلاة العصر كما وصفت في صلاة الظهر سواء غير أنه يقرأ في الأوليين منها بأم القرآن وبنحو النصف مما قرأ به في صلاة الظهر ولايجهر بالقراءة في الظهر ولا في العصر. فأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة منهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ويجلس للتشهد الأول كما وصفت في الظهر ويقرأُ في الثالثة منها بأم القُرآن حسب ُ يُسرُها ولا يجهر بها ويتشهد ويُسلم ويأتي بعدها بركعتي السُنة. وأن صلى ست ركعات يتطوع بها كان حسا والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه.

وأما العشاء الآخرة وهي العتمة فيجهر في الأوليين منها بالقراءة ويقرأ في الركعة الأولى منها بأم القرآن وبـ (والشمس وضحاها) سورة الشمس) وفي الثانية بأم القرآن و (إنا أنزلناه في ليلة القدر) سورة القدر) وما في معنى ذلك ويجلس للتشهد الأول. وليس ماذكرته من القرآن في كل ركعة تحديد لا يجوز خلافة بل مستحب وكل ماقرأ المصلي من القرآن بعد فاتحة الكتاب في ذلك كله أجزأه. ويقرأ في الأخريين منها بأم القرآن حسبُ يُسرُها ويفعل في سائرها كما تقدم من الوصف في العصر هو سواء. ويكره النوم قبلها والحديث لغير شغل بعدها كما جاء الحديث وليس نهيُ الحديث بعدها نهي حظر بل كراهية. والقراءة التي يسرها في الصلاة بتحريك اللسان والشفتين بالتكلم بالقراءة وأما الجهر فُيسمع نفسه ومن يليه إن كان إماما أو منفردا. وإن كان مأموما لم يقرأ فيما يجهر الإمام فيه لا بأم القرآن ولا بغيرها لقوله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف 204) فأمر بالإنصات حال جهر الإمام بالقراءة فإذا أسر الإمام القراءة أو كانت له سكتات يمكن القراءة فيها فالمستحب هاهنا للمأموم أن يقرأ فهو الأفضل عنده من غير أن يكون ذلك واجبا عليه لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم. ولا تجزئ القراءة في الصلاة إلا بالعربية كما قال الله عز وجل (وهذا لسان عربي مبين) النحل 103) فإن قرأ فيها بالفارسية أساء ولم يُجزه وسواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها. ومن كان يحسن قراءة فاتحة الكتاب لم تجزه الصلاة إلا بها إلا أن يكون مأموما. فإن كان لايحسنها ويحسن غيرها نم القرآن صلى بما يحسن إلى أن يتعلمها. فإن كان يحسن آية أجزأته الصلاة بها ولم يلزمه تكرارها في كل ركعة سبعا وإن كان لايحسن شيئا من القرآن صلى بالتسبيح إلى أن يتعلم.

والمرأة في هيئة الصلاة كالرجل غير أنه تنضم ولا تفرج فخذيها ولا تجنح بعضديها بل تكون منضمة منزوية في جلوسها وسجودها وأمرها كله. وإن جلست متربعة أجزأها. وليس عليها أن تجهر بالقراءة في شيء من الصلاة ويستحب للرجل في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار إلا أن يخاف على نفسة الرياء والعجب فينبغي أن يسر في ليل كان أو نهار. وصلاة الليل مثنى مثنى فإذا أراد الوتر أجببنا له أن يصلي قبلها ركعتين يقرأ في الأولى منهما بأم القرآن و (سبح اسم ربك الأعلى) (سورة الأعلى) وفي الثاني بأم القرآن و (قل يا أيها الكافرون) (سورة الكافرون) ويتشهد ويسلم ثم يصلي الوتر واحدة مفصولة مما قبلها يقرأ فيها بأم القرآن و (قل هو الله أحد) ويقنت بعد الركوع فيقول (اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم اهدنا فيمن هديت وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيم أعطيت واصرف عنا شر ماقضيت إن تقي ولا يقضى عليك إنه لايذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت) وإن زاد على ذلك فحسن وقد روي أن النبي صلى الله علية وسلم كان يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة وأفضل الليل آخرة في القيام فمن أخر تنفله ووتره إلى آخر الليل فذلك أفضل إلا من الغالب عليه ألا ينتبه، فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوتر أول

الليل وكان عمر الفاروق رضي الله عنه يوتر آخر الليل ثم إن استيقظ في آخر الليل من قد كان أوتر في أوله واختار التنفل، فليتنفل ماشاء مثنى مثنى ولا يعيد الوتر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا وتران في ليلة) إلا أن يشاء نقض وتره وأشفاعة فيكون له ذلك وصفته: أنه إذا أوتر أول الليل بواحدة ثم قام ليصلي صلى ركعة واحدة ينوي بها نقض وتره وأشفاعة وسلم منها ثم تنفل بعد ذلك ماشاء مثنى مثنى ثم أوتر بواحدة قبل أن يصبح وقد روي عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه كراهة ذلك والأول عنه أظهر. ومن غلبتة عيناه فنام عن ورده ووتره فله أن يصليه مابينه وبين طلوع الفجر الثاني والإسفار ثم يوتر ثم يصلي الصبح ولا يقضي الوتر من ذكرة بعد صلاة الصبح. ومن دخل المسجد في وقت لم يُنه عن التنفل فيه وهو غير محدث لم يجلس حتى يركع ركعتين ومن دخل ولم يكن أتى بركعتي الفجر في منزله أتى بهما وأجزأتاه عن تحية المسجد ومن ركع للفجر في بيته ثم أتى المسجد فالأظهر القول أنه لا يركع للتحية. ومن لم يفته ورده ووتره لم يركع بعد طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس سوى ركعتي الفجر. ومن أدرك الإمام في صلاة الصبح قبل أن يركع ركعتي الفجر فليصل مع الإمام الفرض ولا يركع حتى تطلع الشمس وترتفع في أحدى الروايتين وفي الأخرى: يصليها بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، لأنه سئل عن من فاتته ركعتا الغداة فقال: إن أعاد مكانه فلا نعيبه وإن أخره إلى الضحى فلا بأس فإن فاته ذلك من الضحى فلا يعيد وروي عنه رواية أخرى: أن رجلا صلى معه العصر

في المسجد فقال له: يا أبا عبد الله لم أركع ركعتي الفجر فقال له قم فصل فصليت وهو ينظر إلى فحصل له في قضاء الفوائت من السنن المركدات روايتان وفي الإتيان بها في الأوقات المنهي عن صلاة التطوع فيها روايتان والأظهر عنه: أنه لايأتي بشيء من السنن في الأوقات المنهي عن صلاة التطوع فيها. والتطوع في البيوت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ((احعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا)) قال: ولا بأس بالدعاء في التطوع إذا مر بآية عذاب استعاذ بالله من النار وإذا مر بآية رحمة سأل الله الجنة. وسجود الشكر لله جل وعز مستحب إذا بشر بما يسره قد فعل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام وفعلة أبو بكر رضي الله عنه حين بُشر بفتح اليمامة. ومن أفسد تطوعه لم يلزمه قضاؤه إلا أن يشاء. قال: ولا بأس بصلاة التطوع في جماعة. قد قام النبي علية الصلاة والسلام يتهجد من الليل فقام أبن عباس رضي الله عنه عن شماله فأخذ بذوائبه فأقامه عن يمينه. وصلاة الضحى ثمان ركعات تروي ذلك أم هاني بنت أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد بن حنبل وهو أثبت.

ومن أكل الثوم والبصل والكراث نيئا فتغير بذلك لهواته ووجد منه رائحة فلا يقر المسجد. ولا يصلي وهو يدافع الأخبثين، فإن فعل ولم يكن من ذلك مايزعجة ويشغله عن الصلاة فالصلاة ماضية، وإن كان حاقنا وبه من ذلك مايزعجه ويشغله عن الصلاة أو عن إتمامها فلا يصلين حتى يقضي حاجته ويُجدد طهارته، فإن لم يفعل وصلى على ذلك، أعاد في الظاهر من القول عنه. ومن قُطع أنفه أو أُذنه فأعاد ذلك بحرارته فنبت والتحم وصلى بذلك فإن لم يُرح ولم يتغير فصلاته ماضية وإن راح وتغير أُمر بإزالته وأعاد ماصلى مذ يوم رده إلى أن أزاله. ولو جُبر عظمه بعظم نجس فنبت اللحم عليه أو خُيط جرحه بشيء نجس وأنبت اللحم عليه صار في حكم الباطن، ولم تلزمه إزالته لما في ذلك من الخطر وأجزأته الصلاة به. فإن قُلغ ضرسه فرده مكانه فلم يثبت لزمه قلعه وأعاد ماصلى به لأنه لا خوف عليه بقلعه. فإن جعل موضعه فإن جعل موضعه سن شاة ذكية وصلى أجزأته صلاته ثبت ذلك أو لم يثبت لأنه طاهر والله أعلم.

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم قال الله عز وجل (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) النساء 102) وهذا أمر والأمر على الوجوب وروى الأعمش عن أبي صالح أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق مع الرجال معهم حزم الحطب إلى قوم لايشهدون الصلاة وأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) فصلاة الجماعة فريضة على القادر على إتيانها ولا يجوز حضورها إلا من عذر. ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، ثم أفقههم في دين الله ثم أسنهم ثم أشرفهم ثم أقدمهم هجرة. ولا تؤمن امرأة رجلا بحال في فرض ولا في نافلة. ولها أن تؤم النساء وتقوم في وسطهن. وقد روي عنه رواية أخرى أنه قال: لا بأس أن تؤم المرأة الرجال إذا كانت أقرأ منهم في صلاة التراويح وتقوم من ورائهم. ولا تجوز إمامة جهمي ولا قدري ولا معتزلي ولا واقفي ولا

لفظي ومن ائتم بهم لم تجزه الصلاة وأعاد ماصلى بصلاتهم قل ذلك أم كثر وكذلك لا يجوز الائتمام برافضي ولا مرجئ ولا خُنثى مشكل ولا تجوز إمامة إباضي ولا حروري ولو كان إمام الأصل سُنيا فاستخلف مبتدعا صلى بالناس الجمعة فليصلوها معه ولا يدعوا حضورها وليعيدوها ظُهرا لايجزئهم غير ذلك. ولا بأس بالائتمام بمن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويقنت في الفجر إذا كان صحيح الأصل قال: ومن غلب من الخوارج على بلد صلى خلفة الجمعة وأعادها ظهرا وسئل أحمد بن حنبل رضي الله عنه عن الصلاة خلف ساب معاوية رضي الله عنه فقا ل: لا ولا كرامة. وإمامة الفساق غير جائزة ولا تجوز إمامة شارب الخمر ولا إمامة من يسكر ولا إمامة المعلن ببدعته والداعي إليها ولا إمامة مرابي. ولا يتقدم على السلطان إذا حضر ولا على رب البيت في منزلة إلا بإذنه ومن لم يقم فاتحة الكتاب فلا يؤمن ومن أقامها ولحن في غيرها من القرآن لحنا لا يغير به المعنى جازت أمامته.

ولا يؤمن أخر متكلما ولا أخرس بحال. ولا تجوز إمامة المقعد ولا بأس بإمامة العبد والضرير لحديث حماد بن زيد: أمهم جابر بن عبد الله بعدما ذهب بصره واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أم مكتوم على الصلاة بهم وكان ضريرا وروى عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عائشة رضي الله عنها صلت خلف مملوك لها وفعله أيضا عبدالله بن عمر. ولا يأتم في الفريضة بمن لم يبلغ الحُلُم وهو قول عبدالله بن عباس رضي الله عنه وبه قال الضحاك (.....) ومرخص ذلك في النفل. واختلف قوله في الصلاة خلف شارب النبيذ على التأويل إن لم يسكر على روايتين: إحداهما: يجوز والأخرى: على من صلى خلفه الإعادة وبهذا أقول. ومن صلى خلف كافر أعاد وأُجبر الكافر على الإسلام فإن أ [ي عرض عليه ثلاثا فإن لم يُسلم قُتل. ومن صلى خلف محدث ناس لحدثه والمأموم غيرُ عالم بحاله كانت صلاةُ المأموم جائزة وأعاد الإمام وحده فإن ذكر في أثناء الصلاة أنه محدث فمضى فيها أو تعمد الصلاة بهم بالحدث أساء وأعاد قولا واحدا وأُدب. ولا تؤمن أمرأة رجلا في فريضة ولا نافلة بحال ومن ائتم بها من الرجال عالما أو جاهلا بالفرض أعاد. ولا تجوز إمامة من يقول: الماء من الماء

ولا بأس بإمامة من يرى أن مس الذكر لاينقض الوضوء ولا يوجب الوضوء من أكل لحوم الإبل ولا يرى أن الحجامة تُفطر الصيام إذا كانوا متأولين. ومن صلى في جلود الثعالب المدبوغة وهو يرى أن الدباغ يُطهرُ الأُهُب صحت صلاته وجاز الائتمام به وكذلك لابأس بالصلاة خلف من يرى أن ماخرج من السبيلين من الدم لاينقض الوضوء فإن كان يرى أن الدباغ لايُطهر أُهُب الميتة لم يُصل في جلود الثعالب وإن صلى فيها أعاد لأنه صلى فيما يعتقد أنه نجس مع العلم بحاله وعلى من ائتم به في هذه الحال الإعادة وكذلك من كان يرى أن خروج الدم من غير السبيلين ينقض فاحتجم وصلى ولم يتوضأ أعاد الصلاة لأنه صلى وهو يرى أنه محدث وعلى من ائتم به الإعادة مع العلم بحاله. واختلف قوله في الإمام يطرأ عليه الحدث في الصلاة هل له أن يستخلف من يُتمُ بهم أم لا؟ على روايتين أجاز ذلك في إحداهما ومنع منه في الأخرى وأوجب الاستئناف عليه وعلى المأمومين. وإمامة المقيد القادر على الركوع والسجود جائزة وإن كان عاجزا عن ذلك لم تجز إمامته وكره أحمد رحمه الله أن يؤم الرجلُ أباه وإن فعل ذلك جاز. وفي إمامة المُتنفل بالمفترض ورايتان أصحهما: أنه لاتجوز وكذلك لو ائتم قاضي الظُهر بمؤدي ظهر يومه جاز قولا واحدا ويقرأ مع الإمام فيما يُسرُ فيه ولا يقرأ معه فيما يجهر فيه. ومن أدرك مع الإمام ركعة كاملة فقد أدرك الجماعة فليأت بعد سلام الإمام بما فاته وهل يكون قاضيا أو مُتما على روايتين إذا قلنا: إنه يقضي. كان ما أدركه مع الإمام آخر صلاته في الحكم وإذا قلنا يتمُ كان ما أدركه المأموم هو أول

صلاته آخر صلاة الإمام فليتم مابقي ولم يختلف قوله أن من أدرك من الصلاة الرباعية ركعتين فإنه يقرأ بعد صلاة الإمام فيما فاته بأم القرآن وسورة قود يتوجه على الرواية التي نقول فيها: أنه يصلي ما أدرك ويتم ما بقي أنه يقرأ في الركعتين الفائتتين بأم الكتاب فحسب لأنها آخر صلاته ويقرأ فيما أدرك مع الإمام بالفاتحة وسورة والأول هو المنصوص عنه. ومن أدرك الإمام راكعا فركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام فقد أدرك الركعة ومن أدركه راكعا فكبر ثم رفع الإمام قبل أن يركع الداخل فلم يدرك تلك الركعة. ومن صلى فُرادى أو في جماعة ثم لبث في المسجد حتى أقيم لتلك الصلاة فليصلها ثانية مع الإمام ولا يسعه الخروج بعد الإقامة قبل أن يُسلم الإمام وسواء كانت فجرا أم عصرا أم مغربا غير أنها إن كانت مغربا فإذا سلم الإمام قام هو فأتى بركعة أخرى ثم سلم لتكون شفعا والأولى فرضه أبدا والثانية سُبحة له. وموقف الرجل الواحد عن يمين الإمام وموقف الرجلين فأكثر خلفه وموقف المرأة الواحدة والنسوة الجماعة وراء الإمام كان معه رجل أو كان وحده. ومن صلى برجل وصبي أقام الرجل عن يمينه والصبي عن شماله والإمام بينهما كذلك فعل عبدالله بن مسعود بعلقمة والأسود ومن قام بين يدي الإمام أو عن شماله مؤتما به أعاد الصلاة قد قام ابن عباس رضي الله عنه عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره حتى أقامه عن يمينه. ومتى كان الإمام أعلى موقفا من المأموم لم تُجر المأموم صلاته قد قام عمار ابن ياسر على دُكان يصلي والناس أسفل منه فتقدم حُذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حُذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة ألم تسمع

رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم)) فقال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي ولا بأس أن يكون موقف المأموم أعلى من موقف الإمام مع اتصال الصفوف قد صلى أنس بن مالي فوقف (في) غرفة له (يصلي) بصلاة الإمام. ومن صلى بأهله في بيته فليقمها من ورائة ومن صلى فريضة لم يؤم غيره فيها ثانيا، فإن صلى رجلان كل واحد منهما يعتقد أنه يؤم الآخر فسدت صلاتهما جميعا. وإذا سها الإمام وسجد لسهو فليتبعه المأمومون في السجود، وإن لم يدخل عليهم سهو فإن لم يسجد الإمام لسهوه وقد علم به من خلفه فهل عليهم سجود سهو أم لا؟ على روايتين. ولا يركع أحد قبل إمامه ولا يرفع قبله ولا يأتي بشيء من الأفعال إلا بعد فعل الإمام. فإن خالف ذلك وسبقه في أفعاله فصلاته باطلة. وإن سبقة الإمام لم يحرج. والإمامُ يتحمل سهو المأموم ولا سجود عليه. ويلزم المأموم سهو إمامه إذا علمه ولا يتحمل الإمام من سهو المأموم إلا ماورد الأثر فيه أو ماكان في معناه. فإما إن ترك المأموم ركنا من أركان الصلاة كتكبيرة الافتتاح والركوع من ركعة أو سجدة أو السلام أو التشهد الأخير في الصحيح عنه، أو اعتقاد نية الفرض وما في معنى ذلك لم يحمل ذلك الإمام عنه. وإذا افتتح الإمام الصلاة جالسا في حال عجزة عن القيام اتبعه المأمومون جلوسا لحديث جابر بن عبدالله قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرع

على جذع نخلة فأتيناه نعوده فوجدناه في سترٍ لعائشة فسبح جالسا فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاة قال: (إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا وإذا صلى قائما فصلوا قياما)) وذكر باقي الحديث فإن أمهم قائما فمرض في خلال الصلاة فجلس في بقيتها اتُّبع حالُه قياما. ولا بأس أن يؤم المتيمم بالمتوضئ فعله ابن عباس رضي الله عنه وفعله أيضا عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل. ولا يؤُمن موميء قادرا على السجود بحال. ولا يؤمن أمي قارئا فإن فعل أعاد القارئ. فإن أم أُمي أُميا وقارئا أعادوا جميعا وإن أم قارئا وأميين أعاد القارئ وحده. ولا يقطع صلاة المصلي مايمر بين يديه إلا الكلب الأسود البهيم. واختلف قوله في قيام الإمام في طاق المحراب على روايتين: استحب ذلك في أحدهما وفي الرواية الأخرى قال: أستحب أن يخرج منه قليلا ولا يصلي بين السواري فإن فعل أجزأه مع الكراهية. وإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة فليقم الإمام فليأخذ مقامه وليقُم الناس خلفة ولا يكبر حتى تستوي الصفوف وتعتدل ويفرغ المؤذن من الإقامه فإن كان الإمام هو المؤذن لم يقم المأمومون حتى يروه. واختلف قوله في المأموم ينام خلف الإمام حتى يصلي ركعتين ثم يستيقظ على روايتين، قال في إحداهما: يصلي معه ركعتين كأنه أدرك ذلك ثم يقضي ركعتين بعد سلام الإمام وقال في رواية أخرى: هذا يعيد لأنه قد نام وبهذا أقول

فإن نام حتى ركع الإمام ورفع رأسه لم يعتد بتلك الركعة واعتد بما بعدها في إحدى الروايتين وفي الأخرى: يعيد الصلاة لأنه قد نام (فإن نام) حتى سبقه بسجدة سجد معه ثم قضى مافاته واعتد بالركعة وإن كان سبقة بسجدتين لم يعتد بلك الركعة واعتد بما بعدها. ولو أدرك مع الإمام بعض الصلاة فسها الإمام وسجد لسهوه بعد السلام فإن المأموم يسجد معه ثم يقوم لقضاء مافاته وقد روي عنه: أنه يخير إن شاء سجد معه وإن شاء قام فأتى بما فاته ثم سجد لسهو الإمام. فأم أن سجد لسهوه قبل السلام فإنه يسجد معه ثم يقوم فيأتي بما فاته قولا واحدا ولا يقوم المسبوق لقضاء مافاته حتى يسلم الإمام وينفتل. ولو سها المسبوق بعد سلام الإمام فيما بنى سجد لسهوه. وينبغي أن يكون للإمام سكتتان: إحداهما بعد التكبير قبل القراءة والأخرى بعد فراغه من القراءة قبل الركوع لما رواه الحسن عن سمرة قال: السكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في صلاته وإذا فرغ من القراءة. ولا بأس بانتظار الداخل في حال الركوع ليدرك الركعة مالم يشق على من خلفه ومن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل الصف ولم يكن بلغهنهي النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة عن ذلك أجزأته الركعة وقيل له: لا تعُد. وإن كان عالما بالنهي لم تُجزه الصلاة. ومن أحرم بالصلاة خلف الصف ثم قام إلى جنبه آخر قبل أن يركع أجزأته

الصلاة قولا واحدا فإن قام إلى جنبه آخر بعدما ركع قبل أن يسجد فهل تجزئه صلاته أم لا. على روايتين فأما إن صلى ركعة كاملة وحدة ثم قام إلى جنبه غير لم تجزة الصلاة قولا واحدا. ولو قام الإمام إلى خامسة فسبح به واحد لم يرجع إليه مالم يتيقن فإن سبح به اثنان فصاعدا رجع إليهما فإن لم يرجع ومضى فتتبعه بعض من ائتم به مع علمهم بقيامه إلى خامسة ولم يتبعه بعضهم فقد اختلف قوله هاهنا على ثلاث روايات قال في إحداها: صلاة من اتبعه ومن لم يتبعه جائزة وقال في الأخرى: صلاة من جلس ماضية وصلاة من تبعة مع العلم بقيامه إلى خامسة باطلة وقال في الرواية الثالثة: صلاتهم كلهم باطلة. ومن الأدب أن يجعل الإمام نعله عن يساره والمأموم نعله بين يديه لئلا يؤذي غيره. وإذا سلم الإما فلا يلبث في محرابه وليقم فليأت بتنفله في غير مكانه الذي صلى فيه كذلك جاءت السنة روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لايتطوع الإمام في مقامه الذي يصلي فيه بالناس المكتوبة) فأما المأموم فموسع له التنفل (في) مكانه الذي أدى فيه فريضته قد فعل ذلك ابن عمر رضي الله عنه.

باب جامع الصلاة والسهو

باب جامع الصلاة والسهو قد ذكرت أن أقل ما يجزئ المرأة الحرة من اللباس في الصلاة الدرع الصفيق السابغ الذي يستر ظهور قدميها في الصلاة وهو القميص والخمار الخصيف ومتى ظهر منها في الصلاة سوى وجهها أعادت. ويُجزئ الرجل الصلاة في الثوب الواحد على مابينت. ولايغطي المصلي وجهه في الصلاة ولا يتلثم ولا يكف فيها ثوبا ولا شهرا كما جاء الحديث. وكل سهو دخل على المصلي بزيادة أو نقصان فليسجد له قبل السلام إلا من سها فسلم من اثنتين أو من ثلاث فإنه يبني على مامضى من صلاته مالم يتكلم ويسجد للسهو بعد السلام كما روى ابن عُونٍ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشيًّ فذكرها أبو هريرة ونسيها محمد قال فصلى ركعتين ثم سلم فأتى خشبة في المسجد معروضة فقال بيده عليها كأنه غضبان وخرج السًّرعان من أبواب المسجد فقالوا: قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهاباه أن يكلماه

وفي القوم رجل في يديه طول يٌسمى ذا اليدين فقال: يارسول الله أنسيت أم قُصرت الصلاة؟ قال: (لم أنس ولم تقصر الصلاةُ) ثم قال (أكما يقول ذو اليدين)؟ فقالوا: نعم فجاء فصلى الذي كان ترك ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجودة أو أطول ثم رفع رأسه ثم كبر فسجد مثل سجودة أو أطول ثم رفع رأسه وكبر وسلم، وذكر باقي الحديث. ومن شك هل صلى ثلاثا أو أربعا وأغلب ظنه الأربع فبنى على غالب الظن فإنه يسجد للسهو بعد السلام كما روى خصِيفُ عن أبي عبيدة بن عبدالله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كنت في الصلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على الأربع تشهدت وسلمت ثم سجدت سجدتين وأنت جالس ثم تشهدت أيضا ثم تسلم)) وما عدا هذه الثلاث المواضعمن السهو فإنه يسجد له كله قبل السلام مثل أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا فيبني على اليقين أو يصلي خمسا. ومن سجد للسهو بعد السلام فليتشهد له تشهدا ثانيا ويسلم كما بينا في حديث ذي اليدين. ومن سجد له قبل السلام سلِّم عقيب رفعه من السُجود ولم يكن عليه إعادة التشهد ومن نسي السجود للسهو سجد متى ذكر ماكان في المسجد وإن تكلم فإن ذكر بعد ما خرج من المسجد فلا سجود عليه في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى قال: رجع فسجد وإن خرج من المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رجع

إلى المسجد بعدما خرج منه وسجد للسهو وقد روي عنه أيضا أنه قال يسجدُ للسهو مالم يأخذ في عمل غير الصلاة. وسجود السهو يجب في الأقوال والأفعال وفي الفروض والنفل. ومن بنى على اليقين سجد للسهو قبل السلام كما روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فليق الشك وليبن على اليقين. فإذا استيقن التمام سجد سجدتين ثم سلم فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتين وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته والستجدتان مرغمتين الشيطان)) فمن لم يكن له غالب ظن عند شكه فيما صلى فليبن على اليقين قولا واحدا. ومن سها سهوين في صلاة كفاه لهما سجود واحد إذا كان مُوجبهما واحدا مثل أن يكون السهوان يواجبان السجود قبل السلام أو يوجبانه بعده. فإن سها سهوين أحدهما يوجبُ قبل السلام والآخر بعدة فعلى وجهين: أحدهما: يجزئه لهما سجدتان والآخر: يحب أن يسجد لكل سهو سجدتين بحسب موحبه. ومن تكلم في صلاته عامدا لغير مصلحتها أعاد قولا واحدا فإن كان إماما فتكلم لمصلحة الصلاة عامدا فهل يبني أو يستأنف؟ على روايتين وقد يتوجه في المأموم إذا تكلم عامدا لمصلحة الصلاة وجهان بناء على الروايتين أحدهما: يبني والآخر: يستأنف. ومن تكلم ساهيا أعاد في الآظهر من المذهب ومن شك هل سلم أم لا؟ فليُسلم ومن شك في شيء من صلاته بعد فراغة منها والسلام لم يلتفت إلى ذلك وقد صحت صلاته ومن كثر السهوُ منه حتى صار كالوسواس لها عنه. ومن قام من اثنتين ساهيا رجع مالم ينتصب فإن لم يذكر حتى انتصب قائما

لم يرجع وسجد للسهو قبل السلام كما روى الزهري عن عبد الرحمن الأعرج وعن عبدالله بن بحينة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فقام من ركعتين فلم يجلس فما كان في آخرصلاته انتظرنا أن يسلم علينا فسجد سجدتين قب السلام ثم سلم. وقد قيل عن أحمد رضي الله عن: إن رجع بعد الانتصاب وقبل أن يأخذ في القراءة جاز. فإن أخذ في القراءة لم يرجع قولا واحدا ومن ذكر صلاة صلاها وقت الذكر على مافاتته. ومن فاتته صلوات كثيرة صلاها في سائر الأوقات من ليل أو نهار وقبل طلوع الشمس وغروبها وكيفما يتيسر له الإتيان بها وليقضها على الترتيب فجرا ثم ظهرا ثم عصرا ثم مغربا ثم عشاء فإن قدم بعضها على بعض أعاده على الترتيب لا يجزئة غير ذلك. فإن ذكرها في صلاة الوقت قبل التلبس بها وهو قادر على قضائها وأداء صلاة الوقت في الوقت بدأ بالفائته قولا واحدا فإن بدأ صلاة الوقت مع الذكر للفائته لم تُجز قولا واحدا وإن علم أن الوقت يفوت قبل قضائها إما لكثرة الفوائت أو لضيق الوقت عن القضاء والأداء فيه صلى من الفوائت إلى أن يبقى من الوقت قدر ما يؤدي فيه صلاة الوقت ثم أتى بصلاة الوقت ثم عاد إلى قضاء الفوائت حتى لا تضيع فضيلة الأداء هذا هو الأظهر عنه وهو اختياري وقد قيل عنه يبدأ بالفوائت أبدا على صلاة الوقت وإن فات وقتها. وكذلك لو تلبس بصلاة الوقت ثم ذكر الفوائت قبل إتمامها نظر فإن كان

الوقت واسعا يتمكن فيه من إتمام هذه قضى الفائتة وأعاد هذه (وإن لم يكن واسعا) مضى في صلاة الوقت إن كان وراء إمام ثم قضى الفائتة ثم أعاد هذا وإن كان منفردا فهل يقطع صلاته مع ذكر الفائتة أم يمضي فيها؟ على روايتين إحداهما: يمضي فيها ويقضي الفائتة ثم يأتي بصلاة الوقت فإن ضاق الوقت عن إتمام هذه وقضاء الفائتة وإعادة هذه اعتقد وهو في صلاة الوقت أن لايعيدها وأتمها ثم قضى الفائتة وحدها وقد روي عنه رواية أخرى: أنه لافرق بين ضيق الوقت واتساعه في أن هذه لاتجزئه ولا بد من الإتيان بها قعد قضاء الفائتة وإن لم يذكر الفائته حتى فرغ من صلاة الوقت وخرج منها أجزأته ولم يلزمه إلا قضاء الفائتة وحدها قولا واحدا هذا القول في المنفرد والمأموم. والإمام إذا ذكر في خلال الصلاة أن عليه صلاة والوقت واسع (أتمها) ثم يعيد بعد القضاء ويستأنف من خلفه الصلاة قولا واحدا. وإن كان الوقت (ضيقا فهل) يكون حكمه حكم المنفرد والمأموم فيما ذكرته من الخلاف عنه فيمها؟ على روايتين والأظهر عنه: أن حكم الإمام بخلاف حكم غيره وعليه الخروج من الصلاة وقضاء الفائتة وأعاد هذه وعلى من خلفة الاستئناف ضاف الوقت أم اتسع فإنه قد نص عليه في صلاة الجمعة بما قد ذكرته في بابها ووقتها ضيق يفوت لا محالة كذلك في غيرها ومن نسي صلاة من صلاة يوم وليلة وجهلها عينا صلى خمس صلوات فجرا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء ونوى بكل صلاة أنها المنسية لا يجزئه غير ذلك. ومن نسي صلاة من صلاة نهار وجهل عينها صلى ثلاث صلوات على نحو ماذكرت فجرا ثم ظهرا ثم عصرا. ومن ترك سجدة من ركعة ثم ذكرها بعد قيامه إلى الثانية قبل أن يُحدث للثانية

عملا عاد فسجد سجدة تمام الركعة الأولى وأتى ببقية الصلاة وسجد للسهو قبل السلام. وإن كان أحدث عملا للثانية ألغى الأولى وجعل الثانية أولى وأتم الصلاة والاستفتاح ثابت وكذلك لوترك سجدتين من ركعتين في صلاة رباعية ألغى الركعتين وأضاف إلى الركعتين الكاملتين ركعتين وسجد للسهو قبل السلام. واختلف قوله فيمن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد فرُوي عنه أنه قال: يسجد سجدة تصبح له ركعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو قبل السلام. وروي عنه قال: كان هذا يلعب يبتدئ الصلاة من أولها. وكل ركعة لا يؤتى فيها بسجدتين لا يعتد بها عند قولا واحداَ. ومن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد الوضوء ولا شيء في التبسم واختلف قوله في النفخ في الصلاة على روايتين قال في إحداهما: أنه يٌبطل الصلاة والأخرى: لايبطلها كما قلنا في كلام الناسي وقد روي عنه خلاف في نفخ العامد: أنه لايبطل الصلاة لأنه ليس بكلام والأول أصح عنه وأظهر. ومن أخطأ القبلة في السفر في حالة الالتباس وصلى بالاجتهاد إلى غيرها ثم علم بعدما صلى فلا إعادة عليه فإن بانت له جهة القبلة يقينا وهو في الصلاة استدار إليها وبنى على مامضى من صلاته وإن غلب على ظنه من طريق الاجتهاد أن القبلة في غير الجهة التي هو متوجه إليها لم يستدر في حال كونه في الصلاة وأتمها إلى الجهة التي افتتحها إليها لأن الاجتها لا ينقض بالاجتهاد فإذا حضرت الصلاة الأخرى أعاد الاجتهاد وصلى إلى مايغلب على ظنه أنه القبلة وإن خالف الاجتهاد الأول. وقد روى عن جابر بن عبدالله قال: أظلمت مرة فلم نرى النجوم فقال بعضهم: هذه القبلة فصلى كل واحد منهم على حدة وخط خطاً في قبلته فلما أضاءت إذا نحن على غير القبلة فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأخبرناه فقال: (أجزأت عنكم صلاتكم) ومن صلى في ثوب نجس غير عالم بالنجاسة ثم علم بها بعد تمام الصلاة فهل يعيدها أم لا؟ على روايتين أظهرهما: عليه الإعادة. وكذلك لو علم بالنجاسة في حال التلبس بالصلاة هل يخرجُ فيخلع الثوب ويبتدئ الصلاة أم يخلعه ويبني على مامضى من صلاته؟ على روايتين ومن صلى على موضع نجس مع العلم والقُدرة على التحول عنه أعاد قولا واحدا وإن كان غير عالم أعاد في الصحيح من المذهب. ومن توضأ بماء (نحس) عالما أو غير عالم وصلى لم تجزه الصلاة قولا واحدا ولزمه غَسلُ ما أصابته النجاسة من بدنه وثيابه وأعاد الوضوء والصلاة. ومن كان معه إناءان في أحدهما ماء طاهر وفي الآخر ماء نجس وأشكل عليه الطاهرُ منهما من النجس والماء أقل من قلتين لم يجز له التحري فيهما والوضوء من أحدهما وأراقها جميعا ويتيمم في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى: يمسكهما ويتيمم. ومن ترك من أركان الصلاة مما لاينوب عنه سجود السهو إلى أن خرج من الصلاة استأنفها من أولها وذلك مثل القيام والتوجه إلى الكعبة وتكبيرة الافتتاح وقراءة فاتحة الكتاب والركوع والاعتدال بعده والسجود والجلسة بين السجدتين والجلسة الأخيرة والتشهد الأخير والسلام والنية للصلاة عامدا أساهيا وإن ترك ماعدا ذلك عامدا أعاد وإن تركه ساهيا ناب عنه سجود السهو ولم يلزم الإتيان به إذا كان قد أخرجه بالسهو عن محلة. ومن ترك لمعة من أعضاء طهارته لم يصبها الماء حتى جف وضوءُه ابتدأ الطهرة وإن كان قد صلى بها أعاد الصلاة وإن لم يكن الوضوء جف غسل ما

ترك من ذلك العضو وأعاد غسل مابعده من الأعضاء على الترتيب وأعاد الصلاة. ومن لم يرتب طهارته أو عكسها أعادها على الترتيب. ومن توضأ ومسح رجليه مباشرة ولم يغسلها وصلى أعاد ماصلى بهذه الطهارة قل ذلك أم كثر عالما كان أو جاهلا لايجزئة غير ذلك. ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى: يصلي قائما ويركع ويسجد بالأرض وإذا صلى العراةُ جماعة قام إمامهم وسطهم. ومن لم يقدر إلا على سُترةٍ نجسة لا يجدُ غيرها لم يُبدِ عورته وصلى فيها وأعاد في إحدى الروايتين ولم يُعد في الأخرى فإن صلى عُريانا مع وجودها أعاد قولا واحدا واختلف قوله في الغريق يُصلي على الماء على روايتين قال في إحداهما: يومئ بالركوع والسجود وقال في الأخرى: يسجدُ على متن الماء والقائمُ في الماء والطين العاجزُ عن الخروج عنه يُصلي ويومئ بالركوع والسجود إيماء قولا واحدا. والمصلي على الثلج يسجد عليه. وقد رخص في الجمع بين المغرب والعشاء في الحضر في ليلة المطر وفي الطين وفي الظُّلمة وبين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر إذا جد به السيرُ فإن كان نازلا ودخل وقت الصلاة صلاها ثم ارتحل. والجمع بين الظهر والعصر بعرفة من السُّنة وصفتها أن يؤخر الأولى ويقدم الثانية فيصليهما في آخر وقت الأولى وأول وقت الثاني وقيل عنه: أنه إن قدم الثانية عن وقتها وصلاها في وقت الأولى في حالة الجمع جاز. والأولُ أظهرُ في المذهب وأصحُ ولا يختلف قولُه: إنه إن قدم الثانية إلى وقت الأولى أو أخر

الأولى إلى وقت الثانية فإن الترتيب بينهما مستحق يبدأ بالأولى ثم بالثانية ويجمع بينهما بأذان واحد وإقامة لكل صلاة وإن أذن لكل صلاة وأقام جاز والأول أظهر. وللمريض أن يجمع بين الصلوات كما وصفتُ والفجر لاتُجمع إلى ماقبلها ولا إلى ما بعدها. والإغماء لايُسقط الصلاة وعلى المغمى عليه قضاءُ جميع الصلوات التي تفوته في حال إغمائه قلت أو كثرت قد أغمي على عمار بن ياسر ثلاثا فقضى وقال سَمُرة: يقضي مع كل صلاة صلاة وقال عمران بن حُصين: يقضي مافاته فأما المجنون فلا يقضي مافاته في حال زوال عقله في الصحيح من المذهب. والحائض إذا صلت قبل غروب الشمس صلَّت الظهر والعصر وإن طهرت قبل طلوع الفجر الثاني صلت المغرب والعشاء وكذلك الصبي يحتلم والكافر يُسلم والمجنون يفيق في هذه الأوقات. ومن حاضت أو نفِسَت بعد دخول وقت الصلاة قبل أن تفعلها لزمها قضاء تلك الصلاة إذا تطهرت وقد يتوجه على معنى قوله أن يقال: إن دخل الوقت وأمكنها الأداءُ فلم تصل حتى حاضت قضتها وإن كانت حاضت عقيب دخول الوقت قبل إمكان الأداء لم تقضها والأول هو المنصوص عليه. ومن تيقن الوضوء وشك هل أحدث أم لا؟ فهو على يقين الطهارة ومن تيقن أنه محدث وشك هل توضأ أم لا؟ فهو على يقين الحدث وعليه أن يتوضأ. ومن خيل إليه في حال صلاته أنه قد أحدث لم يلتفت إليه ولم يخرج من الصلاة حتى يسمع صوتا أو يشم ريحا كما جاء في الحديث وإن خُيًّل ذلك

له وهو في غير الصلاة فالأحوط أن يتوضأ ثم يصلي. ومن فرّق وضوءه فلم يغسل العضو الثاني حتى جفَّ الماء من العضو الأول وهو في غير علاج الوضوء استأنف الوضوء ومن فرق غُسله أو عكسه أجزأه قولا واحدا بخلاف ماقلنا في الوضوء. ومن نسي المضمضة والاستنشاق حتى صلى أتى بهما وأعاد الصلاة إذا قلنا: أنهما من فرضِ الوضوء وأما إذا قلنا: أنهما من مسنون الوضوء فلا يلزمه الإتيانُ بهما ولا إعادةُ الصلاة. وإذا قلنا: يلزمه الإتيانُ بهما فهل يقتصر عليهما أم يلزمه استئنافُ الطهارة؟ على روايتين إحداهما يستأنفُ الوضوء لإخلاله بالترتيب كما لو أخل بغسل بعض وجهه. والروايةُ الأخرى: يجزئة الاقتصار على الإتيان بهما ولا تلزمه إعادةُ الوضوء لما رواه عبيدُالله بن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر بأصحابه فلما أخذ في القراءة انتفل فقال (إني تركت من الضوء شيئا لاتتم الصلاة إلا به)) فرجع فتمضمض واستنشق ولم يُنقل أنه استأنف الوضوء. ومن صلى على حصير أو بساط أو ما في معنى ذلك وفي بعضه نجاسة ولم تقع مساجده ولا شيء منها عليها وكانت صلاته على الطاهر منه أجزأته الصلاة لأن ذلك كالأرض ومن صلى على حصير عليه مُسكرٌ فوقعت مساجده أو بعضها عليه لم تُجزة الصلاة لأن ذلك نجس عنده. ومن بسط على بول لم يجف أو على غائط حصيرا وصلى عليه لم تجزه الصلاة فإن كانت الأرض قد جفت من البول فبسط عليه حصيرا وصلى عليه أجزأه. قال: ولو طُين مسجدٌ بطين فيه تِبنٌ قد بالت عليه الحميرُ الأهليه لم يصل فيه حتى يُقطع الطين منه وكذلك لو فُرشت أرضُه بتراب نجس لم يُصل فيه حتى

يُزال ويخرج التراب منه ومن صلى في ثوب في أحد طرفيه نجاسةُ والذي عليه منه طاهرٌ أعاد الصلاة مع العلم بها قولا واحدا ومع الجهل بها في إحد الروايتين لأنه يكون بذلك حاملا للنجاسة. ولا بأس بالصلاة على الحُصُر والبُسُط والطَّنافِسِ وإن صلى على بساط عليه صُور وتماثيل رجونا أن تُجزئة. ومن عمل في صلاته عملا قد ورد الأثر به أو مافي معناه مثل أن يحمل فيها صبيا فيضعه إذا ركع وسجد ويحمله إذا قام كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأُمامة أو فتح بابا لطارقه أو ذاد ضريرا مسلما عن التردي في بئر جاز ذلك وبنى على صلاته وقد قيل عنه: إنه يقطع الصلاة ويذود الضرير عن البئر ثم يستأنف الصلاة ومن رأى في حال صلاته ضريرا كافرا يريدُ التردي في بئر لم يُذدهُ عنها واشتغل بصلاته قد سئل أحمد رضي الله عنه عن ذلك فلم يقل فيه شيئا. والتسبيحُ في الصلاة للرجال والتصفيق للنساء فمن سبح في صلاته لغيره تسبيحا يفهم منه غرضه لم تبطل بذلك صلاته وسواء كان ذلك منه ابتداء أو جوابا وللمصلي أن يقتل الحيه والعقرب في الصلاة ولا شي عليه. قال: ومن أشار في الصلاة إشارة تُفهم عنه لم تبطل صلاته قد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه: (أن اجلسوا)) ومن عطس في الصلاة فليحمد الله في نفسه ونم سُلم عليه وهو في الصلاة

فرد السلام إشارة بأصبعه لم يضره والمريض إذا عجز عن القيام صلى جالسا متربعا أو على حسب قدرته فإن عجز عن الجلوس صلى مضطجعا على جنبه الأيمن فإن عجز عن ذلك استلقى على ظهره واستقبل القبلة بوجهه وأومأ بالركوع والسجود وجعل السجود أخفض من الركوع كذلك ورى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يُصلي المري قائما إن استطاع فإن لم يستطع صلى قاعدا إن يُصلي قاعدا صلى على جنبه اليمن مُستقبل القبلة فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مُستقليا رجلاه مما يلي القبلة)) وقد روي عن أحمد رحمه الله تعالى روايه أخرى: أن العاجز عن الجلوس القادر على الاضطجاع على جنبه الأيمن مُخير بين أن يصلي مضطجعا وبين أن يُصلي مُستقليا والأول عنه أظهر ومن قدر على الصلاة جالسا ولم يقدر على الركوع والسجود لعلة تمنعُه من ذلك جاز له الإيماءُ كما جاء الحديث. ولا يدعُ المريضٌ الصلاة مع ثبوت عقلة وليصلها بقدر طاقته. ومن لم يقدر على مس الماء لمرض به يمنعه منه ويضر به استعماله تيمم وصلى ولا إعادة عليه وإن كان يقدر على مسه ولم يجد من يناوله الماء ولا حراك به وخاف فوت الوقت تيمم وصلى وأعاد بالوضوء إذا قدر عليه وقيل عنه: لا إعادة عليه ومن لم يقدر على الطهارة والتيمم صلى على حاله وأعاد بالطهارة إذا قدر في أحدى الروايتين. قال: ومن ضُرب فصار إذا ركع أو سجد لايقدر على حبس الريح ركع وسجد وإن خرج منه الريح ولا إعادة عليه وعليه الوضوءُ لكل صلاة كمن به سلس

البول وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُصلي وجرحه يثعب دما وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (صلي ولو قطر الدم على الحصير) ومن كان مصلوبا على خشبة مستدبرا القبلة أو محبوسا في موضع نجس لا يجد وضوءا ولا يقدر على تيمم صلى على حاله يومئ إيماء ويعيد إذا قدر على الوضوء في إحدى الروايتين. وصلاة القاعد نصف صلاة القائم إلا المتربع ومن تطوع جالسا مع قدرته على القيام أجزأه قائما الفريضة فلا يجوز أن يصليها جالسا مع القدرة على القيام فإن فعل أعاد لايجزئه غير ذلك. وللمسافر أن يتطوع على دابته وعلى راحلته أينما توجهت به إلى القبله وإلى غيرها بعد أن ينوي استقبال القبله ويجتهد أن يُحرم بالصلاة إلى القبلة فإن لم يفعل جاز ويومئ في هذه الحال بالركوع والسجود وإن كان في محمل يقدر على الركوع والسجود بحيث لايشق على البعير ركع وسجد ولم يُجزه الإيماء وإن كان ذلك يشق على البعير أومأ في الظاهر من قوله. واختلف قوله هل يصلي المسافر ركعتي الفجر على الظهر أم لا؟ على روايتين أظهرهما: أن ذلك يجوز وله أن يؤم على الراحلة قولا واحدا. واختلف قوله: هل له أن يتطوع على الظهر في الحضر أم لا؟ على روايتين أجاز ذلك في إحداهما: ومنع منه في الأخرى وقال: ماسمعنا بذلك إلا في السفر وقد دل على ذلك حديث جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته تطوعا حيث توجهت به، وإن كانت الصلاة مكتوبة نزل واستقبل القبلة. واختلف قوله في المسافر إذا كان سائرا على البعير أو الدابه ونزل المطر.

حتى بل المطر وحضرت الصلاة وخاف أن نزل أن تفسد ثيابه أو في الراكب السائر في السفر في الثلج هل يُصليان الفرض على الظهر إلى القبلة أم ينزلان فيصليان بالأرض؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما للضرورة الداعية إليه واحتج فيه بحديث عمر بن عثمان بن يعلى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى ألىمضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم وحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن فأذن وأقام فتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بهم على راحلته وهم على رواحلهم يومئون إيماء ويحعلون السجود أخفض من الركوع أو يجعل سجوده اخفض من ركوعه ومنع منه في الرواية الأخرى وقال: لا يصلي الفرض إلا بالأرض لحديث جابر الذي رويناه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي على راحلته التطوع فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل وكان ابن عمر رضي الله عنهما ينزل مرضاه فيصلون على الأرض. واختلف قوله في المريض المسافر: هل يصلي الفرض على الظهر أم لا على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما للمشقة التي تلحقه في النزول والركوب ومنع منه في الأخرى وقال لايصلي إلا بالأرض لحديث ابن عمر الذي ذكرناه. ولم يختلف قوله في التوجه إلى الكعبة في المكتوبه في سائر الأحوال من شرط صحة الصلاة إلى في حالة المسايفة خاصة والذي أقول به من مذهبه: إنه لا يجوز صلاة فريضة إلى بالأرض إلا في حالة المسايفة وقد روي عن أحمد رضي الله عنه مايؤيد اختياري وهو أنه قال: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى شئيا من الفرائض على ظهر. وأم الصحيح المقيم فلا يجوز أن يصلي فريضة إلا بالأرض قولا واحدا في المسايفة في صلاة الخوف ووصف ذلك يأتي في بابه.

وللمسافر أن يصلي في السفينة السائرة قائما إن قدر أو جالسا إن عجز عن القيام ويستقبل القبلة في الفرض ويدور إليها كلما دارت السفينة ويُعذر في النفل أن لا يدور إلى القبلة إذا دارت السفينة ولو كانوا جماعة عجز جميعهم عن القيام في السفينه لأجل ازدحامهم وقدر بعضهم على القيام صلى من قدر على القيام قائما وانتظر الباقون حتى إذا فرغ من الصلاة جلس ثم قام من بقي فصلوا قياما ولم يختلف قوله: إنه إن قدر جميعهم على القيام جاز أن يصلوا في السفينة جماعة فإن عجزوا عن القيام فهل يصلون جماعة أم لا؟ على روايتين أجاز ذلك في أحداهما ومنع منه في الأخرى واختياري أن يجوز ذلك. ومن رعف في الصلاة خرج فتوضأ إن كان الدم كثيرا فاحشا قولا واحدا وهل يبني على مامضى من صلاته أم يستأنفها؟ على روايتين وإن كان الدم يسيرا فهل يخرج أو يمضي في صلاته؟ على روايتين: إذا قلنا أن اليسير من الدم ينقض الوضوء قلنا يخرج وإذا قلنا لاينقضلم يخرج ومضى في صلاته. وكذلك حكم أحدث في الصلاة بغير رعاف في البناء والاستئناف على روايتين أصحهما عند: أن يتوضأ ويستأنف الصلاة. ويسير الدم في الثوب معفو عنه ومن صلى فيه لم يعد ولا يعفى عن الفاحش منه وقد اختلف قوله في حد الفاحش والذي عليه العمل عند أن ما يُفحشه الإنسان من الدم لم يصل به وإن كان يسيرا فإن لم يفحُش في نفسه ما كان أقل من الفتر صلى به ولا شيء عليه وما بلغ من الدم فأكثر لايدخل العفو سواء فحش في نفسة أم لا يفحش لأن ذلك في حيز الدم المسفوح ومتى صلى في ثوب فيه منه دقر الفتر مع العلم به أعاد وكذلك القيح والمدَّةُ ودم

البراغيث معفو عنه لنها حال ضرورة لايمكن التحرز منها وقليل ماعدا الدم والقيح من النجاسة كيسيره في وجوب إزالته وارتفاع العفو فيه ومن صلى بذلك عالما أعاد. ومن صلى في ثوب نجس جاهلا بالنجاس ثم علم بها في أثناء الصلاة خلعه قولا واحدا إلا أن لا يجد سترا غيره فلا يخلعة وهل يبني بعد خلعه أو يستأنف؟ على روايتين كما قلنا فيمن علم بالنجاسة بعدما صلى. ومن كان معه ثوبان: طاهر ونجس وأشكلا عليه صلى في كل واحد منهما الصلاة التي قد حضر وقتها يكررها واحد بعد واحد ليحصل له الأداء في الطاهر منهما بيقين وكذلك إن كانت ثلاثة أثواب أو مئة ثوب فيها واحد نجس لم يلزمه أن يصلي إلى في اثنين منمها واحد بعد واحد. فإن كانت عشرة أثواب فيها تسعة نجسة وواحد طاهر أتى بالصلاة في العشرة يكررها فيها واحد بعد واحد ليحصل له الأداء في الطاهر منها باليقين.

فصل: [في سجود التلاوة]

فصل: [في سجود التلاوة] وسجود القرآن أربع عشرة سجدة وهي العزائم إذا قلنا: إن سجدة (ص) ليست من العزائم وإذا قلنا إنها منها فهي خمس عشرة سجدة أولها في خاتمة سورة الأعراف عند قولة تعالى: (ويسبحونه وله يسجدون) العراف 206) وفي سورة الرعد عند قوله تعالى (وظلالهم بالغدو والآصال) الرعد 15) وفي سورة النحل 50) وفي بني اسرائيل عند قوله (ويزيدهم خشوعا) الإسراء 109) وفي مريم عند قوله تعالى (خروا سجدا وبكيا) مريم 58) وفي الحج سجدتان: الأولى منهما عند قوله تعالى (ومن يهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل مايشاء) الحج 18) والثانية عند قوله تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) الحج 77) وفي الفرقان عند قوله تعالى (وزادهم نفورا) الفرقان 60) وفي سورة النمل عند قوله تعالى (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) النمل 26) وفي (الم تنزل) السجدة 1 - 2) وفي حم السجدة عند قوله تعالى (إن كنتم إياه تعبدون) فصلت 37 - 38) إلى أخر الآية واختلف قوله في سجدة (ص) عند قوله تعالى (وخر ركعا وأناب) ص 24) هل هي من عزائم السجود أم لا؟ على روايتين وفي سورة النجم في خاتمتها عن قوله تعالى (فاسجدوا لله واعبدوا) النجم 62) وفي سورة

(إذا السماء انشقت) الانشقاق 1) (وإذا قرئ عليهم القرآن لايسجدون) الانشقاق21) وفي خاتمة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق 1) عند قوله تعالى (واسجد واقترب) العلق 19) ولا يسجد سجود التلاوة إلى على وضوء ويكبر إذا سجد ويسلم إذا فرغ وفي التكبير عند الرفع منها خلاف ويسجد من قرأها في الفرض والنفل إن شاء وإن تركها لم يحرج ومن قرأها أو سمعها في وقت لا تحل صلاة النافلة لم يسجد لها والله أعلم.

باب صلاة السفر

باب صلاة السفر قال الله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) الآية (النساء101) فمن سافر مسافة أربعة بُرُد وهي ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمي سفر طاعة أو مباح كان له قصر الصلاة إن شاء يصلي الصلوات كلها ركعتين ركعتين إلا الصبح والمغرب فإنهما لايقصران. ولا يقصر حتى يجاوز بيوت قريته ليس بين يديه ولا بإزائه منها شيء ثم ليس عليه الإتمام حتى يرجع إلى قريته أو يعزم على إقامة إحدى وعشرين صلاة في قرية أخرى في إحدى الروايتين والرواية الأخرى: ليس يجب عليه الإتمام إلا أن يعزم على إقامة اكثر من إحدى وعشرين صلاة فمن عزم على إقامة هذه المدة لزمة الإتمام ولم يجز له القصر حتى يرتحل عن مكانه ذلك فإن نزل بلدا لم يدر متى يرتحل عنه ولم يعزم على إقامة مايوجب الإتمام وقال اليوم أخرج غدا أخرج قصر وإن طال مقامه قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثمانية عشر يوم يصر وأقام بتبوك عشرين يوما يقصر. قال أحمد رضي الله عنه: لأنه لم يجمع على إقامة وقت بعينة وأقام أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أربعين يوما يقصر يقول اليوم أخرج غدا أخرج أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقو اليوم أخرج غدا أخر وهو يقصر الصلاة وكذلك لو كان مع أمير ينزل لنزوله ويرتحل بارتحاله ولا يعلم قدر إقامته فله القصر إلى أن يرتحل.

ومن خرج من قريته مسافرا لا يعلم قدر مسافة سفره لم يجز له القصر والفطر حتى يسير من سفرته مقدار سته عشر فرسخا. وقيل عنه: إذا سافروا ولم يعلموا قدر قصرهم لم يقصروا حتى يجاوزا عشرين فرسخا والأول عنه أظهر قال: فإن سافر سفرا لايعلم قدر مسافته فلما بلغ عشرين فرسخا رجع لم يقصر في الذهاب وقصر في العود. ولو خرج يريد سفرا يجوز في مثله القصر والفطر فلما جاوز بيوت قريته قصر وأفطر إلى رأس عشرة فراسخ ثم بدا له فعاد لزمه الصوم وإتمام الصلاة في العود فأجزأه ماصلى بالقصر في حال الذهاب لأنه كان على نيه السفر المبيح للقصر والفطر. قال: ومن أخرج مكرها لايريد السفر إلى مسافة يجوز له القصر في مثلها أو كان مختارا للسفر أو كان أسيرا يرتحل به من بلد إلى بلد فهل له القصر والفطر أم لا؟ على روايتين. ومن لم ينو القصر وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر فإن أحرم بنية القصر ثم نوى الإقامة أتم. فإن أحرم مقيما بالصلاة ثم نوى السفر أتم. وإذا دخل وقت صلاة على مقيم يريد السفر صلاها ثم ارتحل فإن ارتحل قبل أدائها ثم أداها في السفر ووقتها باق كان مخيرا إن شاء قصرها وإن شاء أتمها فإن لم يصلها حتى خرج وقتها صلاها صلاة حضر لايجزئة غير ذلك. ومتى صلى مسافر خلف مقيم أتم. فإن صلى مقيم خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه ولا جمعة على مسافر فإن قدم بلدا أو حضر الجمعة صلاها وأجزأته. فإن كانوا جماعة مسافرين فأحبوا ان يصلوا الظهر في جماعة بأذان وإقامة

كما فعل ابن عمر جاز. ولو قدم مسافر بلدا بعدما صلى الظهر فود الإمام لم يصل الجمعة لم يلزمه حضور الجمعة وإن حضرها مع الإمام جاز والأولى فرضُهُ. ولو أدرك مسافر إماما مقميا في التشهد الأخير فدخل معه لزمه الإتمام في أحدى الروايتين وفي الأخرى قال: له أن يصلي ركعتين ولو أدركهم في تشهد الجمعة صلى أربعا ويجيء على الرواية الأخرى أن يصلي ركعتين إن شاء هذا إذا كان نوع القصر وقت الدخول وإن كان أدرك الإمام في تشهد الجمعة فدخل معه ولم يكن صلى الظهر لزمه الإتمام وكان عليه أن يصلي الظهر أربعا لايختلف القول فيه. وللمسافر الجمع بين الصلاتين إذا جد به السير على مابينت لحديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر إذا كان على مسير ويجمع بين المغرب والعشاء وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء. ومن فاتته صلاة حضر فذكرها في السفر أو صلاة سفر فذكرها في الحضر قضاهما في الحالتين صلاة حضر. ومن سافر سفر معصية أو لاعبا أو متنزها لم يجز له فيه القصر ولا الفطر وإن قصر فيه لزمته الإعادة والإتمام. قال: وإن اضطر في سفر المعضية إلى أكل الميتة لم تحل له لما رواه ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (فمن اظطر غير باغ ولا عاد)

عاد) البقرة 173) قال: غير باغ على المسلمين ولا معتد عليهم. وسفر البر والبحر سواء ولمن سافر في السفينة أن يقصر كما لو سافر على الظَّهْر ويصلي فيها قائما إن قدر أو جالسا إن عجز على مابينت ويسجد أرضها إن قدر أو على عدل أو على ظهر رجل إن عجز أو زحم ويجزئة ذلك ولا يسجد على يديه فإن فعل لم يجزه. فأما الملاح فإن كانت السفينة بيته وفيها عياله وتنوره وليس له منزل يأوي إليه غيرها وهو مديم للسفر لم يجز له القصر والفطر لأنه بمنزل المقيم فإن كان له بيت يأوي إليه ويسافر تارة ويقيم أخرى فإن القصر والفطر على مابينا. وكذلك الجمَّال والمُكاري والفَيجُ وللرعاء إذا كانت لهم منازل يسافرون عنها ويأوون إليها قصروا وأفطروا إلى أن يقيموا على مابينا وإن لم يكن لهم منازل وكان مأواهم السفر لم يقصروا. والمسافر مخير بين القصر والإتمام والفطر والصيام لما روى عطاء عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُتمُِ. في السفر ويقصُر وروى زيدُ العمَّيَ عن أنس قال: كنا نسافر فمنا المتم ومنا المقصر ولا يعيب بعضنا على بعض. والقصر والفطر عند أفضل لحديث سعيد بن شُفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى ركعتين حتى يرجع. وروى عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما كانا

يصليان ركعتين ركعتين ويفطران في أربعة بُرُد. وروي عن عمران بن حصين قال: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ومع أبي بكر فصلى ركعتين ومع عمر فصلى ركعتين ومع عثمان ست سنين من خلافته أو ثماني سنين فصلى ركعتين. وإن صام المسافر وأتم أجزأه لايختلف قوله فيه. ومن كان مودعا في سفره ولاتلحقه فيه مشقة كان القصر والفطر كالمتعوب في سفره لافرق بينهما والله أعلم.

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة قال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) الآية الجمعة 9) وروى سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((يا أيها الناس توبرا إلى ربكم قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له ترزقوا وتنصروا وتجبروا واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة فريضة واجبة إلى يوم القيامة من تركها وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها فلا جمع الله له شمله ولا أتم له أمره ألا لا صلاة له ألا لازكاة له ألا لاحج له ألا لا صوم له إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي مهاجرا ولا فاجر مؤمنا إلا أن يخاف سيفه أو سلطانه) فالسعي إلى الجمعة فريضة وذلك عند جلوس الإمام على المنبر وأخذ المؤذنين في الأذان ويحرم حينئذ البيع وكل ما شغل عن السعي محرم ومتى عقد في هذا الوقت مخاطب بالجمعة بيعا كان باطلا فإن عقده مقيم ليس بمخاطب بالجمعة فعلى روايتين إحداهما البيع صحيح لأن الله تعالى أنما أمر بترك البيع عند النداء لها من كان مخاطبا بحضورها مأمورا بالسعي إليها والرواية الأخرى البيع باطل فإما المسافر أو المقيم في قرية لايلزمه السعي منها إلى الجمعة لبعد مابينهما من المسافة فإن عقد في هذا الوقت بيعا كان جائزا قولا واحدا. والجمعة تجب بالمصر والجماعة الأحرار الذين تبلغ عدتهم أربعين رجلا

وقيل عنه: لاتنعقد الجمعة بأقل من خمسين رجلا والمقام وإذن الإمام في الصحيح من المذهب. والخطب فيها واجبة قبل الصلاة ويجلس الإمامُ إذا رقي المنبر حتى يؤذن المؤذنون ثم يقوم فيخطب فإن جلس في وسط الخطبة جاز وإن سردها ولم يجلس فيها فكل موسع قد روى أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يقعد قعدة لا يتكلم وقد سرد الخطبة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولم يجلسوا فيها منم المغيرة وبه قال أُبي بن كعب وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بين الخطبتين فالأمران جائزان. ويستقبله الناس وينصتون له في حال خطبته ثم تقام الصلاة عند فراغه من الخطبة وينزل فيصلي بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة في الأول منهما بفاتحة الكتاب وسورة الجمعة وفي الثانية بفاتحة الكتاب و (سبح اسم ربك الأعلى) وما قرأه فيهما بعد أُم الكتاب فجائز. ويجب السعي إلى الجمعة على أهل المِصر وعلى من بينه وبين المصر ثلاثة أميال فأقل وقيل عنه يجب السعي إليها على من يقدر على إيتان المصر وفعل الجمعة والعود إلى منزله من يومه ولا تجب على من لم يقدر على ذلك. قال ابن عمر تجب الجمعة على من آواه الليل إلى أهله فإن كانت قرية فيها أربعون رجلا وبينها وبين المصر أكثر من ثلاثة أميال وقد أذن لهم الإمام في إقامة الجمعة في قريتهم خطب بهم أحدهم وصلى بهم الجمعة وأجزأتهم في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى إن كانوا خمسين رجلا جاز أن يصلوا الجمعة فأما أقل فلا وإن لم يكن الإمام أذن لهم في إقامة الجمعة فهل يصلونها

جمعة أو ظهرا؟ على روايتين. وللجمعة وقتان وقت جواز وهو قبل الزوال وقيل في الساعة الخامسة ونحوها ووقت وجوب وهو بعد الزوال وهي مخصوصة بذلك وقد روى وكيع السُلمي قال شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: قد انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان بن عفان رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره. ومتى ابتدأ بهم الجمعة في وقتها وطول إلى أن خرج وقت الظهر وهو فيها أتموها جمعة وأجزأتهم. ولا تجب الجمعة على عبد ولا على مسافر ولا على امرأة ولا صبي ولا مريض ولا محبوس لحديث أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مسافرا أو عبدا ومن استغنى بلهوا أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد)) ومن حضرها من هؤلاء وصلاها أجزأته عن فرضه. وقد روي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه في العبد رواية أخرى: أن الجمعة تجب عليه كالحر وكغيرها من الصلوات. ولا يركع بعد صعود الإمام المنبر من كان في المسجد ويركع من دخل في ذلك الوقت ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس. والغسل للجمعة مسنون والتبكير إليها ومس الطيب لها ولبس أحسن

الثياب مستحب حسن. ولو خطبهم - وهم أربعون- فانفضوا أو بعضهم قبل فراغ الإمام من الجمعة صلوها ظهرا. وكل مكلف مخاطب بالعبادات ففرضه الجمعة سوى من ذكرنا. فمن صلى الظهر في بيته يوم الجمعة ممن عليه حضورها قبل صلاة الإمام لم تُجزه الظهر قولا واحدا ولزمه السعي إلى الجمعة فإن أدركها وصلاها مع الإمام فهي فرضه وإن لم يدركها أعاد الظهر وكذلك لو لم يسع إليها بعد أن صلى الظهر حتى فاتته لزمه إعادة الظهر بعد صلاة الإمام لم يجزه غير ذلك. فإن كان إمام يؤخر الجمعة إلى أن يخرج وقتها وصلى الظهر في بيته من يريد إتيان الجمعة ثم أتى الجمعة فإن أدركها صلاها مع الإمام والأولى فرضه وإن لم يدركها أجزأته الظهر ولم تلزمه إعادتها وقد جل على ذلك ما رواه همام عن أبي عمران الجوني عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف تصنع إذا أدركت أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال قلت كيف تأمرني أن أصنع قال صل الصلاة لوقتها واجعل صلاتك معهم نافلة)) والسفر يوم الجمعة قبل الصلاة مكروه إلا في الجهاد خاصة فإنه مباح عندي لحديث مقسم عن أبي عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهة عبدالله بن رواحة الإنصاري وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة فتخلف عبدالله بن رواحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماخلفك؟ قال الجمعة يارسول الله أجمع ثم أروح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) فراح منطلقا. ولو ترك الخطبة في الجمعة لم تجزهم جمعة وأعادوها ظهرا.

ولم يختلف قوله أنه لايجوز أن يخطب الرجل ويصلي بهم غيره لغير عذر واختلف قوله فيه إذا كان لعذر مثل أن يحدث الإمام بعد فراغه من الخطبة فهل له أن يستخلف من يصلي الجمعة أم لا؟ على روايتين فإذا قلنا لا يستخلف صلاها ظهرا وإذا قلنا يستخلف فهل تجب على الثاني إعادة الخطبة أم يجزئه أن يصلي بهم ولا يخطب وتجزئهم خطبة الأول؟ على روايتين. وكذلك اختلف قوله في الإمام يُصْرَف بعد خطب ويُولى غيره هل يُتمُ بهم الذي خطب بعد أن عُزل أم لا؟ على روايتين إذ قلنا لاتفتقر الجمعة إلى إذن الإمام جاز وإذا قلنا تفتقرُ لم يجز وإن صلى بهم الثاني فهل يبني على خُطبة الأول ويصلي بهم أم يفتقر إلى استئناف خُطبة؟ على روايتين. ومن زُحم يوم الجمعة فلم يقدر على الركوع والسجود في ركعة وقدر عليه في ركعة أضاف إليها أخرى وأجزأته جمعة ومن لم يقدر على ذلك في الركعتين فليصلها ظهرا فإن قدر على السجود على ظهر رجل وفعل أجزأه ومن أدرك من الجمعة ركعة كاملة أضاف إليها أخرى وكانت له جمعة ومن أدرك أقل من ركعة أو أدركهم جلوسا في التشهد فقد فاتته الجمعة فليصل الظهر أربعا كذلك إذا أدركهم بعد فراغ القراءة أو قال إذا أدركهم جلوسا صلى أربعا ونقل هبيرة بن يريم وأبو الأحوص عن عبدالله من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها ركعة أخرى ومن فاته الركعتان فليصل أربعا. ومن دخل مع الإمام في صلاة الجمعة ثم ذكر بعد أن يحرم بها أو عند قيامه إليها أن عليه صلاة الفجر فعلى روايتين قال في إحداهما يُتمُّ الجمعة ثم يقضي الفجر ثم يعيد الجمعة أربعا وقال في الأخرى يصلي الجمعة ثم يقضي الفجر ولا يعيد الجمعة وهو الصحيح لأن وقت الجمعة ضيق وهي صلاة تؤدى ولا تقضى وقد قال في غيرها من الصلوات إذا ضاق وقتها عن القضاء والأداء بدأ بصلاة الوقت حتى لايضيع الوقتين ففي الجمعة أولى.

وكذلك الإمام يذكر أن عليه صلاة بعد دخوله في الجمعة يتم الجمعة ثم يقضي التي ذكرها وهل يعيد الجمعة أم لا على روايتين قد أجزأته فلا يعيدها وكذلك من صلى خلفه والرواية الأخرى عليه بعد قضاء المنسية أن يصلي الظهر أربعا لأن الجمعة لم تجزه ويجب على المأمومين على هذه الرواية إعادة صلواتهم ظهرا لأن من قوله إن صلاة المأمومين منعقدة بصلاة الإمام فإذا بطلت صلاته بطلت صلاتهم. وإن كان ذكر المنسية عند القيام إلى الجمعة قبل التحريم بها فالأولى هاهنا أن يستخلف من يصلي بهم الجمعة ثم يصلي التي عليه ثم إن أدرك الجمعة صلاها مع الإمام وإلا صلى الظهر فإن لم يفعل وصلى بهم الجمعة فعلى روايتين كما بينا والله أعلم.

باب صلاة الخوف

باب صلاة الخوف قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) النساء 102) وصلاة الخوف في السفر - إذا خافوا العدو - أن يتقدم الإمام بطائفة ويدع طائفة مواجهة للعدو فيصل بالطائفة الأولى ركعة ثم يثبت قائما ويتمون لأنفسهم ركعة أخرى ثم يُسلمون ويقفون مكان أصحابهم ثم يأتي أصحابهم فيحرمون خلف الإمام فيصلي بهم الركعة الثانية ثم يثبت جالسا ويطيل التشهد حتى يُصلوا الركعة الباقية عليهم ويسلم بهم ولو سلم الإمامُ وانصرف وأتموا لأنفسهم جاز والأول اختياره. هكذا يفعل في صلاة الفرائض كلها في الخوف إلا المغرب فإنه يُصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعة وذهب في ذلك إلى حديث سهل بن أبي خثمة الذي يروية عبد الرحمن بن قاسم (عن أبي) عن صالح بن خوت عن سهل بن أبي حثمة رفعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال (يقوم الإمام وصف خلفه وصف بين يديه فيصلي بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم يقوم قائما حتى يصلوا لأنفسهم ركعة أخرى ثم يتقدم أولئك مكان هؤلاء ثم يجيء أولئك فيقومون مقام هؤلاء فيصلي به ركعة وسجدتين ثم يعقد حتى يقضوا ركعة أخرى ثم يسلم بهم)

قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه والأحاديث التي جاءت في صلاة الخوف كلها جياد صحاح وهي تختلف فأقول إن ذلك كله عندي جائز لمن فعله إلا أن حديث سهل بن أبي حثمة أنكأ للعدو وإليه أذهب. ولو صلى بهم في حضرة لشدة خوف صلى في الظهر والعصر والعشاء بكل طائفة ركعتين وتتم كل طائفة لنفسها بقية الصلاة ركعتين ركعتين على مابينا ليدركوا فضل الجماعة ويأتوا بالصلاة على تمامها فإن القصر في الحضر لا يجوز. فأما المغرب فحكمها لا يختلف حضرا ولا سفرا في أنها لاتُقصر فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين ويجلس لتتم لأنفسها الركعة الباقية عليها وتمضي إلى مقام أصحابها ويصلي بالطائفة الثانية ركعة وتتم لأنفسها ركعتين على مابينا. وفي الفجر يصلي بكل طائفة ركعة كهيئة فعلها عند الخوف في السفر. وإذا اشتد الخوف والتحم القتال صلوا وحدانا بقدر طاقتهم مشاة وركبانا ماشين وساعين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. وقد روي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه مايدل على جواز تأخير صلاة الخوف حال التحام القتال والمطاردة إلى أن تضع الحرب أوزارها. وروي عنه أنه قال: قال بعضهم ذلك قبل نزول قوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) البقرة 239) وللمطلوب أن يصلي صلاة خائف قولا واحدا والطالب الآمن عطفة العدو يصلي صلاة آمن فإن كان الطالب يخاف فوات العدو فهل يصلي صلاة خائف أو صلاة آمن؟ على روايتين إحداهما إذا كان خائف عطفة العدو يصلي صلاة خائف.

باب صلاة العيدين والتكبير البين

باب صلاة العيدين والتكبير البين قال الله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) الأعلى 12 - 15) فصلاة العيدين من فروض الكفايات وقيل أنها سنة مؤكدة يخرج لها الإمام والناس ويجعل فعلها صخوة إذا ارتفعت الشمس ولا يفوتُ وقتها مالم تزُل الشمس وينبغي أن يقدم صلاة الأضحى على صلاة الفطر قليلا وليس فيها أذان ولا إقامة فيصلي الإمام بالناس ركعتين يقرأ فيهما جهرا بأم القرآن و (سبح اسم ربك الأعلى) في الأولى وفي الثانية بأم القرآن و (هل أتاك حديث الغاشية) وقيل عنه يقرأُ في الأولى بأم القرآن و (ق، والقرآن المجيد) وفي الثانية بالفاتحة و (اقتربت الساعة وانشق القمر) وكل ماقرأ فيهما بعد أم القرآن فجائز. ويكبر في الأولى سبعا قبل القراءة منها تكبيرة الافتتاح ويستفتح عقيب التكبيرة الأولى في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى يستفتح بعد فراغه من التكبير ويقرأ. ويكبر في الثانية خمسا لايعدُ منها تكبيرة القيام ثم يقرأ فلا يوالي بين القراءتين في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى قال: يوالي بينهما فيكبر في الأولى سبعا ثم يقرأ فإذا نهض إلى الثانية بدأ بالقراءة ثم كبر خمسا بعد فراغه من القراءة ثم ركع ثم سجد ثم يتشهد ويسلم. ثم يرقى المنبر ويخطبُ بعد الصلاة كما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانو يبتدئون بالصلاة قبل الخطبة في العيدين.

ويجلس في وسط الخطبة إن شاء أو يسردها ولا يجلس فيها إن أحب فكل موسع. ويُعرًّفُ الناس في خطبة الفطر وجوب صدقة الفطر على الغني منهم وعلى الفقير الواجد بعد قوته وقوت عياله يوم الفطر وليلته قدر الواجب عليهم وسقوطها عمن عجز عن ذلك ويبين لهم قدر الصاع وما يخرجونه من الأصناف. وفي خُطبة الأضحى يعلمهم فضل الأُضحية ويرغبهم فيها ويبين لهم السن الجائز في الأضاحي ويعرفهم أن البدنة تجزئ عن سبعة وكذلك البقرة والشاة تجزئ عن واحد ويعرفهم ملا يجوز في الأضاحي ماذكر في الحديث ثم ينزلُ وينصرفون. ولا يركعُ قبل صلاة العيد لا الإمام ولا المأموم: قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه لا يركعُ قبل ولا بعدُ وهو قول عمر ابن الخطاب وعبدالله بن عباس وابن عمر رضي الله عنهم. ومن فاتته ركعة من صلاة العيد قضاها بعد سلام الإمام بتكبير وهل يكبر فيها سبعا كما فاته أو خمسا على روايتي ن أظهرهما: أنه يكبر سبعا فإن أدرك الأمام راكعا في الأولى فركع معه صلى معه الثانية ولم يكن عليه قضاء مافاته من التكبير في الأولى وكذلك لو أدركه راكعا في الثانية قضى بعد سلامه الركعة الفائته بتكبيرها ولم يقض مافاته من تكبير الركعة الثاني التي أدركه راكعا فيا. وإن فاته جميع صلاة العيد فإن صلى وحدة كان مخيرا بين أن يصلي أربعا كصلاة الضحى بغير تكبير وبين أن يصلي ركعتين بغير تكبير أيضا.

وإن أحب أن يجمع من فاته العيد مع الإمام أهله فيصلي بهم في بيته صلاة العيد ركعتين يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا كما بينا جاز ذلك في إحدى الروايتين كما فعل أنس بن مالك حين فاته العيد جمع أهله فصلى به صلاة العيد والرواية الأخرى قال لايصلى إل أربعا بغير تكبير كما روى عبد الله بن مسعود. وإ أدرك الإمام في التشهد صلى ركعتين بتكبير العيد كما فاته ويستحب له أن يرجع في غير الطريق التي غدا منها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس أيضا كذلك. ويُخرج الإمامُ في الأضحى أضحيته إلى المصلى فيذبحها أو ينحرها ليلعم الناس فيذبحون بعده. ويكبر الناسُ الله تعالى في ليالي العيدين في منازلهم وفي خروجهم من منازلهم إلى صلاة العيدين جهرا حتى يأتي الإمام المصلى ويفعل الإمام كذلك فإذا دخل في الصلاة قطع التكبير ويكبر الناس بتكبير الإمام في خطبته وينصتوا فيما سوى ذلك. قال أحمد رضي الله عنه: يكبر جهرا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى قال وكان علي وابن عمر رضي الله عنهما يكبران في العيد جهرا وهو في الفطر آكد على مخرج الاية (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم) البقرة 185) وروى داود بن أبي هند عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق ونافع عن ابن عمر قال: كان يوم العيد في الأضحى يكبر دُبُر الصلوات المكتوبات من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام

التشريق يكبر إذا صلى العصر ثم يقطع وكذلك روى علي وعثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. وصفة التكبير: الله أكبر الله اكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله (أكبر) ولله الحمد كذلك روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة الفجر من يوم عرفة أقبل عينا بوجهه ثم قال: (على مكانكم) ثم يقول الله أكبر الله (اكبر) لا إله إلا الله والله أكبر (الله أكبر) ولله الحمد) فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق وبذلك قال علي بن أبي طالب وعبد الله ابن عباس وعبدالله بن مسعود رضوان الله عليهم. ولاتكبير على النساء إلا أن يصلين في جماعة فيكبرن إذا كبر الإمام ولا يرفعن أصواتهم بالتكبير إلا بقدر مايُسمعن أنفسهن. والغُسْلُ للعيدين مسنون غير واجب ولُبْسُ الحسن من الثياب ومس الطيب وإظهار نعمة الله تعالى حسن مستحب. ويطعمُ في الفطر قبل خروجه إلى المصلى فهو أفضل لحديث أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا ولا يستحب له ذلك في الأضحى إذا كانت له أُضحية حتى يعود من المصلى فيأكل منها. وإذا دخل العشر أمسك من أراد أن يضحي عن أخذ شي من شعره وأظفاره إلى أن ينحر فإذا نحر استحب له الحلق عقيب النحر.

ولو عم عليهم العيد ثم جاءهم الخبر برؤية الهلال بالأمس فإن بلغهم ذلك قبل الزوال أفطروا ويخرجوا من يومهم لعيدهم وإن كان بعد الزوال أفطروا من يومهم وخرجوا من الغد لعيدهم كذلك روى أبو عُمير بن أنس عن عمومته من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غُم علينا هلالُ شهر شوال فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا أنهم رأؤه بالأمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا لعيدهم من الغد. وإذا اجتمع عيدٌ وجمعةٌ في يوم واحد كان حضورهما جميعا أفضل وحضور أحدهما يُجزئ عن حضور الآخر لحديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد يوم جمعة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا يوم اجتمع لكم فيه عيدان عيدكم هذا والجمعة وإني مُجَمَّعٌ إذا رجعت فمن أحب منكم أن يشهد الجمعة فليشهدها) وذكر الحديث وروى أبو عبد الرحمن السُّلمي قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى أول النهار وقال: (إذا اجتمع عيدان أجزأ أحدهما) يعني حضور أحدهما. وفي الأيام المعلومات والمعدودات عنه روايتان: قال في إحداهما: إن المعلومات: أيم النحر الثلاثة والمعدودات: أيم منى وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر وقال في الأخرى: المعلومات: أيام العشر منها يوم النحر والمعدودات أيام التشريق الثلاثة.

باب صلاة الخسوف

باب صلاة الخسوف قال الله تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) الإسراء 59) وروى عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشمس والقمر من آيات الله لاينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فصلوا) فإذا خُسفت الشمس أو القمر أو ظهرت آية مثل الزلزلة وانتشار الكواكب والظلمة بالنهر والضياء بالليل مثل النار في سمء كان ذلك أو في أرض وكان ذلك في وقت لم يُنه عن الصلاة فيه خرج الإمام إلى المسجد الأعظم فافتتح الصلاة بالناس بغير أذان ولا إقامة فقرأ قراءة طويلة بعد فاتحة الكتاب مثل سورة البقر أو نحوها يجهر بها ثم يركع ركوعا طويلا بقدر ثلثي قيامه وقراءته في هذه الركعة ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده ويقول الناس ربنا ولك الحمد ثم يقرأ بعد فاتحة الكتاب بقدر ثلثي قراءته الأولى ثم يركع ركوعا طويلا بقدر ثلثي قراءته الثانية ثم يرفع سمع الله لمن حمده ويقول الناس ربنا ولك الحمد ثم يسجد سجدتين تامتين كهيئة سجوده في سائر الصلوات ثم يقوم فيقرأ بأم القران وكقدر نصف قراءته في أول ركعة ثم يركع بقدر ثلثي قراءته في هذه الركعة ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده ويقول الناس: ربنا ولك الحمد ثم يقرأ بعد فاتحة الكتاب بنحو ثلثي قراءته هذه ثم يركع بقدر ثلثي هذه القراءة الأخير (ثم) يرفع كما ذكرنا ثم يسجد كما وصفنا ثم يتشهد ويسلم فتكون أربع ركعات وأربع سجدات. وإن زاد فيما ذكرته من القراءة أو نقص فموسع وقد دل على ذلك حديث

الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما أنها قال: خُسفت الشمسُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي النبي صلى الله عليه وسلم المصلى فكبر فكبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة وأطال القيام ثم ركع وأطال الركوع ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ثم قام فقرأ فأطال القراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه ثم سجد ثم قام يفعل في الثانية مثل ذلك ثم قال (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لاينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رايتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) وقد اختلف عن أحمد رضي الله عنه في كيفية صلاة الخسوف واختلفت الرواية فيها إلا أن المختار عنده ماذكرنا. ولمن شاء أن يصلي هذه الصلاة في بيته أن يفعل كما وصفت وإذا كان الخسوف أو الآية في وقت قد نهي عن الصلاة النافلة فيه فزع الناس إلى ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن في غير صلاة وإلى الدعاء والتضرُع والتسبيح إلى أن تنجلي. وليس في صلاة الخسوف خُطبة مرتبة قبل الصلاة ولا بعدها.

باب صلاة الاستسقاء

باب صلاة الاستسقاء قال الله عز وجل (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) (النحل 53) فصلاة الاستسقاء سنة تقام يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة فيصلي بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة يكبر في الأولى سبعا منها تكبيرة الافتتاح وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام ويجهر بالقراءة فيمها. فإذا فرغ من الصلاة رقي المنبر واستقبل الناس بوجهه وسلم عليهم وردوا عليه السلام وجلس جلسة خفيفة إن شاء ثم قام فخطب واكثر في خطبته من الاستغفار ثم استقبل القبلة فحول رداءه ماعلى منكبه الأيمن على الأيسر وما على الأيسر على الأيمن ولا ينكس الرداء ويفعل الناس كذلك وهو قائم ثم يدعو ويرفع يديه في حال الدعاء حسبُ ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين جهر فيهما وحول رداءه ودعا واستسقى قال (اللهم اسقنا غيثا مُغيثا هنيئا مريعا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا ن القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من البلاء والجهد والظنك مالا نشكوا إلا إليك اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع واكشف عنا من البلاء مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا

فأرسل السماء علينا مدرارا) فإن دعا به كان حسنا إن دعا بغير ذلك مما روي في الحديث فلا بأس ثم ينصرف وينصرفون. ولا بأس بالتوسل إلى الله عز وجل في الاستسقاء بالشيوخ الزُهاد من المسلمين وأهل العلم والفضل والدين منهم كما روى عمرو بن المقداد عن يحيى بن مصقلة عن أبيه عن موسى بن عمر قال: أصاب الناس قحط فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فأخذ العباس رضي الله عنه فاستقبل القبلة به فقال: اللهم هذا عم نبيك جئنا نتوسل به إليك فاسقنا به قال: فما رجعوا حتى سُقُوا. وليكن خروجهم إلى الاستسقاء بذلة وتواضع وخشوع وتذلل وافتقار وتوبه كما جاء الحديث. ولا يُمنع أهلُ الذمة من الخروج للاستسقاء إن أحبوا ذلك ويؤمروا بالانفراد عن المسلمين لو خرج المسلمون يوما وأهل الذمة يوما كان أجود. فإن سُقي في أول يوم وإلا خرجوا يوما ثانيا وثالثا.

باب الجنائز وما يفعل بالمحتضر في غسله وتكفينه تحنيطه ودفنه

باب الجنائز وما يفعل بالمحتضر في غسله وتكفينه تحنيطه ودفنه ويستحب استقبال القبلة بالمحتضر وأن يلقن لا إله إلا الله عند الموت فقد روى عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لُقَّن لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة) وتُغمضُ عيناه إذا قضى ويُشدُ لحياهُ كيلا ينفتح فاه ويُسجى بثوب. والبكاء حينئذ غيرُ مكروه إذا خلاه الندب أو النياحة قد روت عائشةُ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فكشف الثوب عن وجهه ثم أكب عليه ثم بكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه وحُسنُ التعزي والتصبر أجمل لمن استطاع ويُنهى عن الصُراخ والندب والنياحة. ويتولى غسله أهل الفضل والدين والعلم فقد روى عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غسل ميتا وكفنه وحنطة وصلى عليه ولم يُفش عليه مارأى منه خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمُه) ولا يغسل تحت السماء لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نُغسلُ إحدى بناته في بيت فجعلنا بينها وبين السقف سترا

وروى جويبر عن الضحاك أنه أوصى الذي يغسله أن يجعل فوقه ثوبا فوق أربعة. ويغسل الميت وترا أقله ثلاث ويبدأ الغاسل بتجريد الميت وستره من سرته إلى ركبتيه ويمنع كل أحد من مشاهدته إلا من لا بدل له منه لمعونة على غسله ثم يلين مفاصله برفق ن سهلت عليه وإلا فليدعها ثم يحنيه قليلا ولا يُجلسه مستويا ثم يعصر بطنه عصر رفيقا يمر يده عليه مسحا ثم يرده ويلف على يده خِرقة فينجيه ويتابع صب الماء على يده وأقل مايُنجية مع النظافة ثلاث في كل دفعة بخرقة نظيفة فأم إن خرج على الخرقة شيء فإنه يلقيها ويغسلُ يده ويلف عليها غيرها ويعود لإنجائه حتى يٌنقية ثم يُوضئه وضوءه للصلاة مرتبا ويصُبُ الماء على فيه وأنفه كالمضمضة والاستنشاق من غير أن يُدخل الماء في فيه وأنفه. فإذا فرغ من وضوئه صب عليه الماء القراح من رأسه إلى رجليه ويقله يمينا وشمالا فيصب الماء على جنبه الأيمن من رأسه إلى رجليه ثم على حنبه الأيسر من رأسه إلى رجليه يبدأ بميامنه ثم بمياسره ثم يغسلُ برغوة السدر رأسه ولحيته ويغسل بالسدر جميع جسده ويغسله الغسلات كلها بالماء والسد وينظفة عقيب كل غسلة من السدر بالماء القراح كما وصفت وإن احتاج الأٌشنان لغسل وسخ كان عليه استعماله والخلال فيزيل مابأنفه وصماخيه من الوسخ وينظفهما ويرفق به في جميع أموره ثم يعود لإنجائه وإعادة وضوئه ثم يغسله الغسلة الأخيرة بماء فيه كافور وينشفه بثوب ثم يكفنه ويحمله وروى هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت: توفيت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اغسلنها بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور)

ومن أحب من أهل الميت أن يراه لم يُمنع وإن اختار تقبيله جاز له فقد قبل الصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن انتقض وجرج منه شيء بعد الغسل غسله إلى خمس فإن زاد فإلى سبع فإن لم ينقطع ألجمه القطن والطين الحر من غير أن يحشوه فإن أحمد رضي الله عنه كره ذلك وقد روي عنه روايه أخرى أنه سهل فيه وقال: لابأس أن يحشى إذا لم ينقطع ما يخرج منه. وغن سقط منه شيء غُسل وجُعل معه في كفنه وإن كان شعره أو ظفره طويلا أُخذ ذلك وجعل معه في كفنه. والزوجه تُغسلُ زوجها لغير ضرورة ولابأس أن يُغسل الزوجُ أمرأتهُ عند الضرورة قد غسلت أسماء بنت عُميس أبابكر الصديق رضي الله عنه وغسل علي فاطمه الزهراء رضي الله عنهما. والمرأة إذا ماتت مع الرجال في السفر ولا نساء معهم ولا زوج لها فيهم فقد اختلف عنه في غُسلها فقيل عنه: تُيممُ ولا تُغسل وقيل عنه: تُستر بثوب صفيق ويصبُ عليها الماء نم فوقه صبا ولا يمسُها أحد من الرجال من فوق الثوب ولا من تحته. وكذلك لو كان الميت رجلا بين النساء ولا رجل معهن ولا زوجة له فيهن يممنهُ في إحدى الروايتين وصببن الماء عليه من فوق الثوب صبا في الأخرى. وكذلك حكم الخنثى المُشكل على كل حال. والمجدور والمحترق بالنار والذي تقطع بالسيوف يُصبُ عليهم الماء صبا ويكفنون ويُدفنون وقد قيل عنه: أن خيف عليهم أن يتقطعوا إذا صُب عليهم

الماء كُفنوا ودفنوا ولم يُغسلوا وقيل عنه: لايكفنون إذا خيف عليهم ولا يُغسلون. ويكفن الرجل في ثلاثة أثواب يُدرج فيها إدراجا لايكون فيها قميص ولا مئزر ولا عمامة وإن كُفن في قميص ومئزل ولفافة جاز وجُعل المئزر مما يلي جلده ولم يُزر القميصُ عليه والأول أفضل لما روته عائشةُ رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحوليه ليس فيها قميص ولا عمامة والحنوط يُجعل على القُطن ويُجعل بين أليتيه وفخذيه وتحت جناحيه وعلى أكفانه وعلى جسده ويُجعل الطيبُ في موضع سجوده ومعابنه وسائر مساجده ويُطرح الكافور على القُطن ويُجعل على ظاهر عينيه ولا يُدخله في عينيه وإن خاف عليه الانقاض أو خشي عليه أن ينزل فلابأس أن يحشو أنفه وصماخيه بالقطن مع الكافور. والمرأة تكفن في خمسة أثواب: خمار وإزار ودرع - وهو قميص- وما بقي أثواب تُدرج فيها إدراجا وافزار يعمُها ويُستحبُ أن يُعمل لها خامسة يُشدُ بها فخذاها. ويُضفر شعرها ثلاثة قرون ويُسدلُ من خلفها ويفُعل بها وبالرجُل كما يُفعل بالعروس. والحاملُ إذا ماتت والولد يتحرك لم يُشق بطهنا بل تسطوا القوابل عليه فيخرجنه إن قدرن ويُنتظر بها مادام حيا. والشهيد المقتول في المُعترك لايغسل ولا يصلى عليه في إحدى الروايتين ويُنزع ما كان عليه من حديد وجلود ويُدفن في ثيابه بدمائه كما روى سعيدُ بن جُبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن يُنزع عنهم الحديد والجلود وأن يُدفنوا بدمائهم وثيابهم وروى جابر بن عبدالله: أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد في قبر واحد ثم يقول (أيُهم أكثرُ أخذا للقران؟) فإذا أُشير إلى واحد قدمهُ في اللحد وقال: (أنا شهيد على هؤلاء) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ومن جرح في المعترك وحُمل وبه رمق ثم مات غُسل وصلي عليه قولا واحدا ومن غل أو قتل نفسه لم يُصل الإمام عليه. ومن قُتل في حد أو قود غُسل وصلي عليه. ومن قتله اللصوص في المعترك لم يغسل ولم يُصل عليه في إحدى الروايتين ومن مات شهيدا بغير قتل غُسل وصلي عليه ولا أعلم عنه فيه خلافا. والمشيُ أما الجنازة والراكب خلفها كذلك جاءت السُّنة فروى سالم عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم يمشون أمام الجنازة. ويُجعل الميتُ على النعش مستلقيا ويُحمل ويُدفن في قبره على جنبه المين مستقبل القبله في لحده ويُنصب اللبن عليه وقد روي عنه رواية أخرى: أنه يُستحب القصب مكان اللبن. ويكره البناء على القبور وتجصيصها ولا يُدخل القبر آجرا ولاجصا ولا شيئا مستهُ النارُ ولايُخرق الكفنُ في القبر وتُحلُ العُقدُ حلا وتُسنمُ القبور ولا تسطح كما جاء الحديث. واللحد للمسلمين والشق لغيرهم كذلك وري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((اللحد لنا والشق لغيرنا)) والله أعلم.

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت التكبير على الجنائز أربع تكبيرات كما روى عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون وكبر عليه أربعا. ويرفع يديه في كل تكبيرة كما روى نافع عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ويضع يمينه على شماله كما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله) ويقرأ في الأولى فاتحة الكتاب كما روى مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب. ويكبر الثانية ويصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم كما يصلي عليه في التشهد. ويكبر الثالثة ويدعو فيها للميت فيقول: الحمد لله الذي أمات أحيا والحمد الله الذي يحيى الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والشأن وهو على كل شئ قدير اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم إنه عبدك ابن عبدك ابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمتهُ وأنت تُحييه وأنت أعلم بسره جئنا نشفع فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل حوارك له إنك

ذو وفاء وذو منه اللهم وقه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم منزله ووسع مُدخله واغسله بماء وثلج ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وبدله دارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه وأهلا خيرا ن أهله وأدخله الجنة ونجه من النار. اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسأله منطقة ولاتبتله في قبره بما لا طاقة له به اللهم لاتحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. ويكبر في الرابعة ويقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ثم يسلم تسليمه واحدة على يمينة كذلك قال أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه يروي عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سلموا على الجنازة تسليمة واحدة وهم علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس وابن عمر وابن أبي أوفى وأبو هريرة وواثلة بن الأسقع رضوان الله عليهم. وليس ماذكرته من الدعاء في الصلاة على الميت تحديد لا يجوز غيره ومهما دعا به من ذلك ومن غيره كان جائزا وقد رُوي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه دعاء مفروف وروي عن عمر الفاروق رضي الله عنه غيره وروي عن علي رضي الله عنه وعن جماعة من السلف أشياء مختلفة وكل موسع. وإن كانت أمرأة قال: اللهم إنها أمتك بنت عبدك وبنت أمتك ثم يتم الدعاء

ولا بأس أن يجمع الجنائز إذا حضرت ويصلي على جميعها صلاة واحدة فإن كانوا رجالا كلهم جُعل أفضلهم مما يلي الإمام وإن كانوا رجالا ونساء جُعل الرجال مما يلي الإمام والنساء خلفهم وإن كان رجلا وصبيا وامرأة جُعل الرجل مما يلي الإمام والصبي خلفه والمرأة مما لي القبلة. وفي الدفن فيجوز أن تجمع الجماعة في القبر الواحد وإذا اضطر إلى ذلك على مابينا من الحديث في قتلى أحد ويعل الرجل مما يلي القبلة والصبي خلفه والمرأة خلفهما ويجعل بين كل اثنين حاجز من التراب. والذمية إذا ماتت وفي بطنها ولد من مسلم دفنت بين مقابر المسلمين وأهل ملتها على جنبها الأيسر مستدبرة القبلة ليكون الولد متوجها إلى القبلة. ومن فاتته الصلاة على ميت صلى على قبره وتجوز الصلاة على القبر منذ وقت الدفن إلى تمام شهر ولايُصلى عليه بعد شهر قد سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر مسكينة وصلى على قبر سوداء وصلى على قبر أم سعد بعد شهر. ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاء في المسجد. واختلف قوله فيمن مات ببلد بعيد هل يُصلي عليه أهل مصر آخر على الغيبة على روايتين أظهرهما: أن ذلك لايجوز. ويصلى على بعض الجسد ويُغسل ويدفن على كال حال فإن كان عضوا منفصلا عن الجسد كاليد والرجل ومافي معنى ذلك صُلي عليه إذا كان عضوا

الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

كاملا وقد روي رواية أخرى أنه قال: لايُصلى على الجوارح المنفصلة عن البدن على انفرادها وتُغسل وتدفن على كل حال. وإذا اختلط مسلمون بكفار وماتوا فلم يُعلم المسلمون من الكفار غُسل جميعهم وصلي عليهم وينوي بالصلاة المسلمين والدعاء لهم دون غيرهم. ويستحب لمن رأى الجنازة أن يقوم ثم لا يجلس حتى تغيب وإن لم يقم فموسع فإن تبعها لم يجلس حتى توضع أو تغيب. الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله وللنساء أن يُغسلن السقط والطفل الوليد كما وصفنا بحديث جابر عن أبي جعفر قال: توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فغلسه النساء. ويصلى عليه ويكبر الأولى ويقرأ فاتحة الكتاب ويكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما وصفت ويكبر الثالثة ويقول: اللهم إنه عبدك ابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه اللهم فاجعله لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وأجرا وثقل به موازينهم وعظم به أجورهم اللهم لا تحرمنا وإياهم أجره ولا تفتنا وإياهم بعده اللهم ألحق به صالح سلف المؤمنين في كفالة إبراهيم وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وعافه من عذاب جهنم اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ويكبر الرابعة ويقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) البقرة 201) ويسلم والسقط إذا استهل صارخا ورث وغسل وصُلي عليه ومن لم يستهل صارخا وقد كمال خلقة غُسل وصُلي عليه ولم يرث ولم يورث وكذلك من استبان

فيه بعضُ خلق الإنسان ومن لم يستبن فيه شيء من خلق الإنسان لم يُل عليه. ومن مات في البحر ولم يُتمكن من إخراجه من المركب غُسل وكفن وصلي عليه وثُقل بشيء ودُلي في البحر. وأولى الناس بالصلاة على الميت من وصى أن يُصلي عليه ثم الإمام أو الأمير إن حضر ثم الأولياء الأقرب فالأقرب واختلف قوله في الزوج والأولياء إذا اجتمعوا فروي عنه: أن الزوج أحقُ بالصلاة على زوجته من أوليائها وروي عنه الأولياء أحق. واختلف قوله في التيمم للجنازة في المصر عند خوف فوتها على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما ومنع منه في الأخرى. ولا بأس بالصلاة على الجنازة في سائر الأوقات إلا إذا تدلت الشمس للغروب فإنه لا يصلى عليها حتى تغرب الشمس ويُقدمُ صلاة المغرب على صلاة الجنازة إذا حضرت فإن حضرت وقت صلاة الفجر بُديء بالجنازة.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة قال الله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) البقرة 43) وقال عز وجل (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) التوبه 103) فزكاة الأموال تجب باستقرار الملك وكمال النصاب وتمام الحول. وزكاة الماشية تجب بما ذكرته وأن تكون سائمة وهي الراعية التي لامؤنة على مالكها في علفها. وزكاة الحبوب تجب يوم الحصاد إذا تم النصاب. ويجوز تقديم الزكاة قبل الحول وإسلافه للفقراء وتجزئ المُعطي سواء بقي المُعطى حيا فقيرا إلى الحول أو مات قبل الحول أو استغنى منها أو من غيرها قبل الحول إذا كان المُعطى وقت الإخراج من أهلها. فنصاب الحب والتمر والرز خمسة أوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم يكون قدر ذلك وزنا: ألف رطل وست مئة رطل وكيلا ثلاثة عشر قفيزا ومكوكين وكيلجتين بكيل المعدل ولا زكاة في أقل من ذلك. فإذا بلغ النصاب فالواجب فيه عُشْرُه إن كان يسقى سيحا ونصف العُشر إن كان يسقيه بدولاب أو داليه أو سادوف وماكان بعلا يشربُ بعرقة كالنخل ففية العُشر أيضا.

واختلف قوله: هل يُخرجُ عن الرطب تمرا وعن العنب زبيبا أم لا؟ على روايتين قال في إحداهما: تخرج الثمار بما تؤول إليه فيُخرجُ عن التمر عُشره تمرا وعن الزبيب عُشرة زبيبا وقال في روايه أخرى: إذا خُرص كله بعشرة أوساق رُطبا أخرج عنها وسقا من تمر وإذا خُرص الكرم بعشرة أوساق عنبا أخرج عنها وسقا من زبيب. فغن سقى زرعه نصف الحول سيحا ونصفه بدولاب كان عليه ثلاثة أرباع العشر وإن سقاة أكثر السنة بأحداهما وأقلهما بالآخر كان الحكم للأغلب منهما. وقد روي في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس فيما دون خمسة أوسق صدرقة) ونذكر باقي الحديث. ولا زكاة من الورق في أقل من مئتي درهم وذلك خمسة أواق والأوقية أربعون درهما من وزن سبعة أعني أن كل سبعة مثاقيل وزنها عشرة دراهم فإذا بلغت مئتي درهم ففيها ربع عشرها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك وإن قل. ولا زكان من الذهب في أقل من عشرين مثقالا فإذا بلغت عشرين ففيها نصف دينار ربع العشر فما زاد فبحساب ذلك وقد روي في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم (وليس فيما دون خمس أواق صدقة) وروي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث طول قال: قال رسول الل صلى الله عليه وسلم (ولا في أقل من عشرين مثقالا شيء) ويجمع الذهب والفضة في الزكاة في إحدى الروايتين فمن له مئة درهم

وعشرة دنانير فليخرج من كل مال ربع عُشرة وقيل لايجمع ذلك ولا تجبُ الزكاةُ في واحد منهما حتى يكون نصابا ولا يُرج ورقا عن ذهب وال ذهبا عن ورق ويُخرج من كل جنس منهما ربع عُشرة في إحدى الروايتين والرواية الأخرى يخرج عن الذهب ورقا وعن الورق ذهبا بحسابه. والحنطة والشعير جنسان والتمر جنس واجد وإن اختلفت أنواعه والزبيب جنس واحد والرز والدخن والذرة أجناس مختلفة والقطاني أجناس مختلفة كالعدس والحمص واللوبياء والكزبرة والكمون والخردل ومافي معنى ذلك. ومن ملك من كل صنف منها خمسة أوسق فعليه فيه الزكاة ومن ملك من صنفين من ذلك أو أكثر خمسة أوسق فهل يُضم ذلك ويزكى أم لا؟ على قولين كما ذكرنا في الذهب والفضة. ولا يضم تمر إلى حب قولا واحدا. واختلف قوله في الزيتون هل فيه زكاة أم لا؟ على روايتين: إحداهما أنه مكيل وفيه الزكاة والأخرى: لا زكاة فيه. ولا زكاة في الجوز لأنه معدود فأما الفُستق والبندُق ففيهما الزكاة لأنهما مكيلان وكذلك اللوز. ولا زكاة في الفواكه كلها مثل البطيخ والقثاء والخيار والرمان والسفرجل والكمثرى والإنجاص والخوخ والباذنجان وما أشبه ذلك. ولا زكاة في الخُضر كله والبقول وفي القُطن والزعفران الزكاة في إحدى الروايتين ولا زكاة في شيء من العروض كلها إلا أن تكون للتجارة فما كان منها للتجارة قُوم إذا حال عليه الحول وأخرج م قيمته ربع العُشر إذا كانت نصابا ومن كان تاجرا يبتاع العروض ويبيعها ولا يستقر بيده عين ولا ورق ولا

عروض فإنه يعتبر حول رأس ماله فإذا تم نظر ما في يده من عين أو ورق فأخرج ربع عشره وقوم مافي يده من عُروض فأخرج ربع عشر قيمته كالبزاز يشتري في كل يوم العُرُوض ويبيعها ولا يتربص بها فالاعتبار في ذلك بحول رأس ماله إذا كان له نصاب. وحول نماء المال حول أصله فإن كان الأصل نصابا زكاه مع النماء عند تمام حول الأصل وإن كان الأصل أقل من نصاب استقبل به من يوم يتم نصابا حولا ثم زكاه وكذلك سخال الماشية من الإبل والبقر والغنم حولها حول أمهاتها إذا كانت الأمهات نصابا وإن نقصت الأُمهاتُ عن النصاب وتمت بالسخال فلا زكاة في الجميع حتى يتم الحولُ من يوم كمل النصاب. ومن ملك نصابا من عين أو ورق وكان عليه من الدين مثله أو ما يُنقصه عن النصاب ولا مال له غيره فلا زكاة عليه فيه إذا كان الدين حالا. ومن كان له زرع قد استدان ما أنفقه عليه وعلى عياله بدأ بقضاء ما استدان للنفقة على زرعه قولا واحدا ثم زكى مابقي وهل يقضي (ما) استدانه في النفقة على عياله قبل الزكاة ثم يزكي مابقي أم لا؟ على روايتين. وكذلك إذا كان عليه دين وله ماشية بقد قيمة الدين يجب فيها الزكاة فهل يلزمه زكاة الماشية مع الدين أم لا؟ على روايتين الصحيح من مذهبه أن الدين يمنع وجوب الزكاة على كل حال. ومن كان له من الدين مايجب الزكاة فيه فلا زكاة عليه حتى يقبضه فإن كان مئتي درهم أو عشرين مثقالا فليس عليه فيه إلا زكاة حول واحد ولو مضى عليه أعوام لأنه ينقص بالإخراج عن النصاب فلا تجب في باقية الزكاة وإن كان أكثر من نصاب زكاه لما مضى إلى أن ينقص عن النصاب.

ومن كان عنده خمس من الإبل فأخر زكاتها حولين أو أكثر من ذلك لزمه لكل حول شاة لأن زكاتها من غير عينها وإن كان عنده خمس وعشرون من الإبل فلم يزكها حولين أو أكثر من ذلك فليس عليه فيها أكثر من ابنة مخاض للحول. وعليه للحول الثاني أربعة من الغنم لأنها لما صارت أربعة وعشرين بإخراج ابنة مخاص منها عادت فريضتها إلى الغنم وكذلك لو كان عنده أربعون من الغنم أخر زكاتها حولين أو أكثر لم يكن عليه فيها إلا شاة ثم يكون عليه لباقي السنين الماضية لكل سنة بحساب الواجب , ومن استفاد مالا من إرث أو هبة أو وصية أو صدقة استقبل به حولا من يوم أفاده ثم زكاه. ومن ملك عشرين دينارا أو أكثر الحول ثم باعها بورق أدى زكاتها عند تمام حول الذهب. وعلى الصبيان والبله والمجانين الزكاة في أموالهم في كل ما تجب الزكاة في مثله يخرجها وليهم وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعائشة أم المؤمنين والحسن بن علي وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم وزكاة الفطر عليهم في أموالهم إلا أن يتطوع متطوع بالإنفاق عليهم من ماله فيلزمه إخراج صدقة الفطر عليهم من ماله. ولا زكاة عبد ولا مدبر ولا أم ولد ولا مكاتب لأنهم لا يملكون في الصحيح من قوله. وعلى المولى زكاة مافي أيديهم لأنه مالكه إلا المكاتب فليس على مولاه أن يزكي ماله مالم يعجز ولا على المكاتب زكاة حتى يؤدي ويعتق ويستقبل بما في يده حولا ثم يزكيه. ولا زكاة على أحد في عبده وأمته وفرسه وداوره ورحاه ولا فيما يُتخذ للقنية

من العقار والعروض ولا فيما يتخذ النساء من الحلي المذخرة للبس والعارية وقد روي عنه رواية أخرى في الحلي المبتغى به اللبس والعارية الزكاة فأما الحُليُ المتخذ للكراء ففيه الزكاة قولا واحدا وكذلك ما اتخذ من أواني الذهب والفضة فيه الزكاة أيضا قولا واحدا ومتخذ ذلك عاص آثم لأنه من السرف والخيلاء. واختلف قوله فيمن استسلف من أجرة عقاره ماتجب فيه الزكاة هل يزكيه لوقته أم يستقبل به الحول ثم يزكيه؟ على روايتين إحداهما أنه كالمال المأخوذ من المعدن والأخرى أنه كالمال المُستفاد وإذا قبضت المرأة صداقها زكته لما مضى فإن وهبت صداقها لزوجها بعدما قبضته منه فالزكاة عليها لما مضى قولا واحدا وإن وهبته قبل أن تقبضه منه وقبل الهبة فهل الزكاة عليها لما مضى قولا واحدا وإن وهبته قبل أن تقبضه منه وقبل الهبة فهل الزكاة عليها لما مضى أم عليه؟ على روايتين قال في إحداهما على الزوج أن يزكي لما مضى من السنين وفي الرواية الأخرى: الزكاة على المرأة لما مضى لأن الأصل كان لها. (وفي) المال المغصوب والتاوي إذا عاد إلى ربه روايتان إحداهما يزكيه لما مضى والأخرى هو كالمال المستفاد يستقبل به حولا ثم يزكيه. ومن ورث مالا تجب الزكاة في عينه وتجب في قيمته فإن ابتغى به القُنية فلا زكاة فيه وإن نوى به التجارة استقبل به حولا من يوم أراده للتجارة ثم زكاه. ومن حصل له من أرضه من الحب ماتجب فيه الزكاة أخرجها ثم ما ادخر لقوته ولزراعته فلا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه ويستقبل بثمنه حولا. وفيما يخرج من المعادن من عين وورق ورصاص وحديد وزئبق يبلغ النصاب الزكاة لوقته ربع العُشر. والكنز العادي وهو دفن الجاهلية وهو الركاز فيه الخُمُسً لأهل الصدقات وباقيه لمن وحده والله أعلم

باب زكاة الماشية

باب زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم فريضة. ولا زكاة في الإبل في اقل من خمس ذود فإن بلغت خمسا ففيها شاة إلى تسع ثم العشر شاتان إلى أربع عشرة ثم خمس عشرة ثلاث شياه إلى تسع عشرة فإذا صارت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع واشعرية ثم في خمس وعشرين ابنة مخاض وهي ابنة سنتين فإن لم يكن في إبله إبنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين ثم في ست وثلاثين بنت لبون وهي بنت ثلاث سنين إلى خمس واربيع ثم ست وأربعين حقة وهي التي يصلح أن يحمل على ظهرها ويطرقها الفحل وهي ابنة أربع سنين إلى ستين ثم في إحدى وستين جذعة وهي ابنة خمس سنين إلى خمس وسبعين ثم في ست وسبعين ابنتا لبون إلى تسعين ثم في إحدى وتسعين حقتان إلى مئة وعشرين فما زاد على ذلك ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون. ولا زكاة من البقر في أقل من ثلاثين فإذا بلغتها ففيها تبيع عجل جذع قد أوفى سنتين وقيل هو الذي انعطفت شعرته وقيل المستدير القرن الذي يتبع سرح البقر ثم كذلك حتى تبلغ أربعين فيكون فيها مسنة. ولا يؤخذ إلا أنثى. والمسنة التي قد صارت في سن أمها عند وضعها كاملة غير صعبة ذلول

ويقال هي التي أسن من التبيع بسنة ويقال هي التي حصل لها جمع سنين وأقل ذلك ثلاث سنين ويقال هي ابنة أربع سنين (وهي) الثنية ثم كذلك إلى تسع وخمسين فإذا صارت ستين ففيها تبيعان ثم كذلك إلى تسع وستين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة فما زاد ففي كل أربيع مُسنة وفي كل ثلاثين تبيع والجواميس كالبقر والمأخوذ منها كالمأخوذ من البقر.

فصل في زكاة الغنم

فصل في زكاة الغنم ولا زكاة في الغنم في أقل من أربعين فإذا بلغتها ففيها شاة إلى مئة وعشرين فإذا بلغت مئة وأحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مئتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مئة ثم مازاد ففي كل مئة شاة شاة. ولا زكاة في الأوقاص وهي مابين الفرضين. وتجمع الضأن والمعز في الزكاة وكذلك الجواميس والبقر والنُجُبُ والعِرابُ من الإبل وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس في أقل من خمس ذود شيء ولا في أقل من ثلاثين من البقر شيء)) وذكرنا في الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه فرائض الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سُئلها من المسلمين من وجهها فليعطها ومن سُئل فوق ذلك فلا يعط ((في أربع وعشين فما دونها من الإبل في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض فإن لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ست وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعه إلى خمس وسبعين فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومئة فإذا زادت على

العشرين ومئة ففيكل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين جقة)) وروى أبو وائل عن مسروق عن مُعاذ لما بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مُسنة والزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض والسنن ((في ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة وفي كل أربعين باقورة بقرة)) وفي حديث أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له حين وجهه إلى البحرين ((هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين الذي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم إلى أن قال ((في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومئة ففيها شاة فإذا زادت على عشرين ومئة إلى أن تبلغ مئتين ففيها شاتان فإذا زادت على مئتين إلى أن تبلغ ثلاث مئة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاث مئة ففي كل مئة شاة)) وكل خليطين في ماشية رعيهما وفحلهما ومبيتهما ومحلبهما ومسرحهما وأحد فإنهما يزكيان زكاة الواحد ولو كان لعشرة نفر أربعون شاة وهم خُلطاء فيها على ماوصفت لكان على جماعتهم شاة بينهم بالحصص وإن كان أخلاطهم على غير ما وصفت فلا زكاة على من لم تبلغ ماشيته أربعين وقد روي عنه أيضا إذا كان راعيهما ومُراهما ومشربهما واحدا فعليهما في كل أربعين

شاة بينهما وكذلك لو كانا شريكين في أربعين شاة فأخرجا شاة بينهما. ولا يفرق بين مُجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة كرجلين لهما أربعون مجتمعة على ماوصفت فإذا فرقاها نقص مال كل واحد منهما عن النصاب فسقطت الزكاة وإذا أقراها على حالها وجبت فيها شاة وكرجلين لكل واحد منهما أربعون شاة وليسا بخليطين فعليهما شاتان مع التفرق فإذا اختلطا وجبت فيها شاة واحدة وكرجل له ببغداد أربعون شاة وبالكوفة أربعون شاة فعليه فيها شاتان مع التفرق فلو جمعهما كانت عليه شاة واحدة وكثلاثة نفر خلطاء في مئة وعشرين شاة فلو فرقها لوجب عليهم فيها ثلاث شياه وعليهم مع الاختلاط في جميعها شاة واحدة فنهوا عن دمع المتفرق وتفريق المجتمع خشية الصدقة لهذه العلة فالخشية خشية العامل أن تقل الصدقة وخشية رب المال أن تكثر الصدقة فمتى اجتمعا إذا قرب الحول أو تفرق طلبا لنقصان الفريضة وفرار من الزكاة أُخذا بما كانا عليه قبل ذلك. وقد روى الزهري عن سالم عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في الصدقة فلم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها أبو بكر رضي الله عنه بوصيته وذكر كمال الحديث وقال ((لاتفرق بين مجتمع ولا تجمع بين متفرق مخافة الصدقة)) وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية. ولا زكاة (في السخلة) إلا أن تكون الإمهات نصابا فيجب فها وفي أمهاتها الزكاة. ويعُدُ الساعة السخلة ولا يأخذها في الزكاة ولا يُجزئه أن يأخذ أقل من

الجذع (من) الضأن والثني من المعز وقد قيل عنه: إذا تمت الفريضة بالسخال وجبت الزكاة في الكحل بحول الأمهات والأول عنه أظهر وأصح. ولا تؤخذ العجاجيل الصغار في زكاة البقر ولا الفُصلان في الإبل ولا يؤخذ في الصدقة تيس ولا هرمة ولا ذات عُوار ولا الماخض ولا شاة العلف ولا فحل الغنم ولا التي تربي ولدها ولا خيارُ أموال الناس إلا أن يتطوعوا بذلك ولا عجفاء إلا أن تكون غنمُةُ عجافا كلُها. ولا يؤخذ في ذلك عَرَضُ ولا ثمن إلا فيمن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده فدفع مكانها جذعة فإن المصدق يأخذها ويعطيه شاتين أو عشرين درهما وفيمن وجبت عليه جذعة فلم تكن عنده حقة فإن المُصَّدَّقَ يأخُذُها ويأخذُ معها شاتين أو عشرين درهما كذلك ذكر في فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب أبي بكر رضي الله عنه فقال فيه ((فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبلُ منه ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تُقبلُ منه ويعطيه عشرين درهما أو شاتين)) وذكر باقي الحديث. ولا يختلف القوات عنه في الخلطاء في المواشي أنهم يزكون زكاة الواحد على مابينت. واختلف قوله في الخُلطاء في العين والورق والحبوب هل يزكون زكاة الواحد أم لا؟ على روايتين: إحداهما لا زكاة على من لم تبلغ حصته منهم النصاب. والرواية الأخرى: يزكون جميعا زكاة الواحد ويتراجعون بها بينهم بالحصص. ولا زكاة على مُضارب حتى يحتسبا ويحصل له ماتجب في الزكاة فيستقبل

به حولا ثم يزكيه. ولا يدفع زكاة ماله إلى والديه وإن عليا ولا إلى ولده وإن سفلوا ولا إلى زوجته ولا إلى مملوكه ولا إلى شريكه ولا إلى من في مؤنته من قريب أو بعيد وهل تعطي المرأة زوجها من زكاتها أم لا؟ على روايتين ولا يُعطى منها الغني وهو من ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فإن دفع زكاة ماله إلى مُظهر فقر وبان أنه كان وقت الأخذ غنيا فهل يجزئ عن المُخرج أم لا؟ على روايتين. ولا يُعطي الفقير منها أكثر من خمسين درهما إلا أن يكون غارما فيعطيه منها مايقضي دينه ثم يُعطية بعد ذلك خمسين درهما إن أحب. ويجوز أن يقتصر بزكاته على صنف من الثمانية الأصناف الذين سماهم الله تعالى في كتابه وإن كان باقيهم موجودا والاستحباب أن يقسمها في جماعتهم. ولا يُعطي من الزكاة بني هاشم ولا بني المطلب الذي لا تحل لهم الصدقة ولا لمواليهم وهل يُعطون من صدقات التطوع أم لا؟ على روايتين أظهرهما جواز ذلك وذلك المعروف والبِرُ. وقد روى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشر من سقايات بين مكة والمدينة فقلت له أتشرب من الصدقة؟ فقال إنما حُرمت علينا الصدقة المفروضة. ولا يبني من الزكاة مسجدا ولا يكفن منها ميتا. والغزو من السبيل ولا بأس أن يُشترى منها الأسى واختلف أصحابنا في

الحج هل هو من السبيل وهل يجوز صرف الزكاة فيه أم لا؟ على وجهين. ويجوز أن يتولى الرجُلُ إخراج زكاته بنفسه ولو دفعها إلى الإمام ليخرجها كان أفضل.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر قال الله تعالى (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) الأعلى 14 - 15) فزكاة الفطر فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل صغير وكبير ذكر وأنثى حر وعبد من المسلمين صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم على كل نفس. ويؤدي تمرا أو زبيبا أو بُرا أو شعيرا أو دقيقا أو أقطا لمن كان من أهل البادية فمن عجز عن ذلك ولم يجد شيئا منه يخرج مما يقتات من ذُرَةٍ أو دخن أو أرز ولو أخرج الصاع من صنفين أجزأه وقد روى أحمد ابنُ حنبل عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمر أو من شعير) ورواه أبو داود قال حدثنا القعنبي حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر قال أبو داود قال القعنبي فيما قرأت على مالك زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر وصاعا من شعير (على) كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين)) وعن الزهري عن عبدالله بن ثعلبه بن صُعير عن أبيه أن رسول الله قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر ((صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل واحد عن كل إنسان عن الصغير والكبير والحر والعبد)) وفي حديث جعفر بن محمد عن

أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرض ذلك على كل صغير وكبير حر وعبد. وروى سفيان بن عيينة عن ابن عجلان عن عياض بن عبدالله عن أبي سعيد الخُدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في صدقة الفطر ((صاعا من زبيب أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من دقيق)) ويخرج السيد عن عبده والوالد عن ولده الذي في مؤونته صغيرا كان أو كبيرا وإن (كان) الصغير يقتات من مال نفسه فليخرج عنه وليُهُ زكاة الفطر من مال الصغير. ويخرجُ زكاة الفطر عن كل من تلزمُهُ نفقته وعن كل من التزم نفقته. والمكاتب يخرج عن نفسه صدقة الفطر مالم يعجز. ومن ملك عبدا أو رزق ولدا قبل غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان أخرج عنه زكاة الفطر قولا واحدا وإن ملكه أو رزق الولد قبل طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر فهل يلزمه الإخراج عنه أم لا؟ على روايتين فإن رزق الوالد أو ملك العقد بعد طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر لم يلزمه الإخراج قولا واحدا. ولوا ابتاع عبدا بالخيار فأهل هلال شوال قبل فسخ البيع فزكاة الفطر على المشتري ولو أسلم ذمي قبل غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان لزمه إخراج صدقة الفطر وإن أسلم بعد غروب الشمس لم يلزمه أن يخرج ولو ارتد مسلم قبل غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان أو قبل تمام الحول ثم رجع إلى الإسلام سقطت عنه زكاة الفطر واستقبل بماله حولا ثم زكاة. ولو ملك جماعة عبدا أخرجوا عنه جميعا صدقة الفطر صاعا واحدا في

إحدى الروايتين وفي الأخرى يخرج كل واحد منهم عنه صاعا واحدا. ولا يعطي صدقة الفطر من لا تحل له زكاة المال ويخرج عن عبيده للخدمة والتجارة غائبهم وحاضرهم ويخرج عن عبده الآبق إذا علم مكانه فإن لم يعلم مكانه لم يخرج عنه قال أحمد لعله مات. ومن كان له شقص في عبد وباقيه حُرً أخرج السيد عن العبد بقدر ملكه فيه وقيل عنه يُخرج السيد صاعا كاملا ويُخرجُ العبد من ماله عن نفسه بقدر ما فيه من الحرية. ويخرج صدقة الفطر عن زوجته فإن كان لها رقيق في مؤونته أخرج عن جماعتهم. ولا يخرج قيمة الصاع عينا ولا ورقا فإن فعل لم يجزه ولا يخرج خبزا ولا سويقا ولا لبنا عند عدم الأقط. ومن ملك قوته وقوت عياله يومه وليلته وفضل مقدار صاع أخرج الصدقة عن نفسه فإن وجد أقل من ذلك لم يلزمه الإخراج واختلف أصحابنا فيمن ملك صاعين فأخرج أحدهما عن نفسه وله زوجة وولد هل يخرج الصاع الآخر عن زوجته أو عن ولده؟ على وجهين منهم من قال الزوجة أولى بالتقديم ومنهم من قال الولد. ويجب إخراج صدقة الفطر بعد طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر قبل صلاة العيد ويجوز تقديمهما قبل الفطر بيوم وأيام والله أعلم.

باب الجزية وأحكام أهل الذمة

باب الجزية وأحكام أهل الذمة قال الله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطُوا الجزية عن يد وهم صاغرون) التوبة 29) فالجزية تؤخذ من رجال أهل الذمة الأحرار البالغين الُعقلاء ولا جزية على نسائهم ولا على صبيانهم ولا على عبيدهم ولا عليهم في عبيدهم ولا جزية على الشيخ الفاني ولا على من كان زمنا أو ضريرا ولا على الفقير الذي لا يجد شيئا. وتؤخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس. والجزية على الغني أربعة دنانير أو ثمانية وأربعون درهما ورقا وعلى الوسط: ديناران أو أربعة وعشرون درهما وعلى أدونهم دينار واحد أو اثنا عشر درهما وإن رأى الإمام أن يزيد عليهم لغناهم واتساع أحوالهم جاز ذلك وكذلك لو رأى أن يُنقص من ذلك جاز ولا يُنقص عن الدينار الواحد بحال. ويؤخذ ممن تجر من أهل الذمة من بلد إلى بلد نصف العُشر من متاجرهم والجزية فإن اختلفوا في المتاجر مرارا في السنة لم يؤخذ منهم نصف العشر إلا مرة واحدة في السنة ولا شيء عليهم في متاجرهم في البلد الذي هم مقيمون به ولا في زرعهم ومواشيهم وكرمهم وثمارهم سوى الجزية. فأما نصارى بني تغلب فيؤخذ منهم من متاجرهم إذا مروا بها على العاشر العشر مضاعفا وكذلك عليهم في أرضهم وثمارهم العشر مضاعفا وعليهم في مواشيهم الصدقة مضاعفة ضعف ما على المسلمين ولا تؤخذ منهم الجزية

ولا تؤكل ذبائحم ولا تنكح نساؤهم في الأظهر من القول عنه ومن تجر منهم في المحرمات كالخمر والخنزير وليناهم بيعها وأخذنا منهم العشر من أثمانها. ومن ادعى منهم أن عليه دينا لم يقبل العاشر قوله واخذ منه العشر من أصل هؤلاء فإن مر بجارية فادعى أنها ابنته أو أخته أو زوجته فهل يقبل قوله بغير بينة أم لا على روايتين. فأما أرض أهل الذمة فلا عشر فيها فإن كانت أرض صُلح لم يكن يُؤخذ منهم إلا ما صولحوا عليه وشرط لهم ما أقاموا على كفرهم فإن أسلموا سقط عنهم الصُلح ولزمهم العُشرُ وإن كانت أرضهم أرض خراج قرره الإمام عليهم لم يكن عليهم إلا الخارج ولا عشر عليهم فإن ابتاعها منهم مسلم كان عليه الخراج ثم حصل له نصاب بعد أداء الخراج لزمه إخراج العُشر منه. ومن أحيا من أهل الذمة أرضا مواتا فهي له ولا زكاة عليه فيها ولا عشر فيما أخرجت وروي عنه رواية أخرى أنه لا خراج على أهل الذمة في أرضهم ويؤخذ منهم العشر مما تُخرج يضاعف عليهم والأول عنه أظهر. قال وليس لذمي أن يبتاع أرضا فتحها المسلمون عنوة واختلف قوله إذا ابتاع أرض عُشر من مسلم على روايتين منع من ذلك في إحداهما قال لأنه لا زكاة على الذمي وفيه إبطال العشر وهذا ضرر على المسلمين قال وكذلك لا يُمكنون من استئجار أرض العشر من مسلم واختلف قوله - إذا جاز ذلك - فيما على الذمي فيما تخرج هذه الأرض على روايتين قال في إحداهما لا عشر عليه ولا شيء سوى الجزية وقال في الرواية الأخرى: عليه فيما تُخرج هذه الأرض الخُمُسُ ضعف ما كان على المسلم ومن أسلم من أهل الذمة بعد وجوب الجزية عليه قبل أن يؤديها سقطت عن بالإسلام.

واختلف قوله في المسلم يُعتق عبده الذمي هل على العبد جزية أم لا؟ على روايتين قال في إحداهما ذمته ذمة مولا هـ وقال في الأخرى عليه الجزية لأنه صار حرا. قال ولا بأس بأخذ العروض في الجزية فإن اعتق ذمي عبدا ذميا فعلى العبد بعد العتق الجزية قولا واحدا. وكره أن يبيع مسلم داره من ذمي يكفر فيها بالله تعالى ويستبيح المحظورات فإن فعل أساء ولم يبطل البيع. قال وإذا أسلمت ابنة مجوسي فرق بينها وبين أبيها لأنه غير مأمون عليها لأنهم يرون نكاح البنات والأخوات ويستبيحونه قال ولا يكون محرما لها. فإن تمجس يهودي أو نصراني لم يُقر على المجوسية وهل يُرد إلى دينه أم يجبر على الإسلام؟ على روايتين فإن أبي الرجوع فهل يُقتل أم لا؟ على روايتين. وكذلك لو تزندق يهودي أو نصراني لم يقر على الزندقة قولا واحدا ولم يرد إلى دينه واجبر على الإسلام فإن أبى فهل يقتل أم لا؟ على روايتين. فإما تجر المحاربين الداخلين إلينا بأمان فإنه يؤخذ من متاجرهم العشر كلما دخلوا إلينا بها وقد روي عنه أنه قال لا يؤخذ منهم في السنة إلى مرة واحدة وإن اختلفوا فيها مرارا كما يؤخذ من متاجر أهل العهد مره واحدة في السنة وبهذا أقول وهو الصحيح المنصوص عنه.

كتاب الصيام

كتاب الصيام قال عز وجل (يا أيها الذين أمنوا كتيب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) البقرة) البقرة183) وقال عز وجل (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة185) فصوم شهر رمضان فريضة يصام لرؤية الهلال ويُفطر لرؤيته كان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما فإن غُم الهلال ليلة الثلاثين من شعبان صام الناس يوم الثلاثين بنية أنه من رمضان حكما وقال بعض أصحابنا يصومه على أنه من رمضان قطعا والأول أصح فإن وافقه أجزأهم عن فرضهم ولو غُم الهلال ليلة الثلاثين من شهر رمضان صام الناس يوم الثلاثين منه. ويجب الصوم على من رأى الهلال وعلى من لم يره بشهادة رجل عدل في إحدى الروايتين والرواية الأخرى لا يلزمه الصوم إلا بأن يراه أو يشهد على رؤيته رجلان فصاعدا. ولا يجوز الفطر لمن رآه وحده ولا لمن لم يره إلا بشهادة رجلين عدلين قولا واحدا. ويبيت الصيام كل ليلة في الفرض قبل طلوع الفجر الثاني ولا تُجزئة نية واحدة لجميع الشهر من أوله إلى آخره في الظاهر من المذهب وعليه العمل وقيل عنه تُجزئة نية واحدة لجميع الشهر من أوله إلى آخره مالم يفسخها.

ولا يجزئه في النذر والقضاء إلا تبييت النية في كل ليلة قولا واحدا وفي التطوع له إيقاع النية في الليل والنهار قبل الزوال وبعده مالم يطعم ويتم الصيام إلى الليل. ومن السنة تعجيل الإفطار وتأخير السحور وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى فقد وجب الإفطار وما دام على يقين من الليل فإنه يأكل ويشرب فإن شك في الفجر فالاحتياط أنه لا يأكل فإن أطل ولم يتيقن طلوعه فصومه تام. ومن أكل في الفجر جاهلا أو أفطر قبل غروب الشمس جاهلا لحدوث غيم يظن معه أنها قد غابت فعليه في الوجهين القضاء بلا كفارة قولا واحدا ومن أكل في الفرض ناسيا فهو على صومه ولا قضاء عليه لما روته أم حكيم ابنة دينار عن مولاتها أم إسحاق الغنوية قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت زوجته حفصة وعنده قصعة فيها ثريد ولحم فقال ((يا أم إسحاق وهلمي فكلي)) قالت وكنت صائمة فمن حرضي أن آكل معه أنسيت صومي فناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا من القصعة فما أدنيته من فمي ذكرت صومي فبقيت لا آكله ولا أضعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم مالك يا أم إسحاق قلت كنت صائمة فأنسيت صومي فقال ذو اليدين الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن ضعي العرق من يديك وأتمي صومك فإنما هو رزق ساقه الله إليك) ومن جامع في الفرج في صوم رمضان عامدا أو ساهيا عالما أو جاهلا فعليهما مع القضاء الكفارة إن كانت طاوعته وإن كان أكرهها فعليها القضاء والكفارة عليه دونها وقيل وعليها أيضا كفارة ترجع بها عليه وقيل عليه كفارة واحدة دونها على كل حال والأول عنه أظهر وهو اختياري وقد روي عنه فيمن جامع في رمضان ناسيا أن عليه القضاء بلا كفارة والأول عنه أظهر. ولو وطئها في الفرج وهي نائمة فلم تستيقظ إلا بعد مفارقته الفعل لم يكن عليها قضاء ولا كفارة وكان عليه القضاء والكفارة قولا واحدا ولو ألزمناه كفارتين عنه وعنها كان وجها وقال بعض أصحابنا عليها القضاء وجها واحدا

والكفارة في أحد الوجهين وترجع بها عليه فإن استيقظت وهو في الفعل فعليها القضاء والكفارة وترجع بالكفارة عليه إن كانت لم تُمكنه من إتمام الفعل حين استيقظت وإن كانت مكنته من الإتمام بعد الاستيقاظ لم ترجع بالكفارة عليه. فإن أكره أم ولده على الوطء فالكفارتان عليه وإن كانت طاوعته فعليه كفارة واحدة وكفارتها هي بالصوم إذا لا تملك ما تكفر به. ومن جامع في الفجر جاهلا فعليه القضاء مع الكفارة فإن ابتدأ الفعل قبل الفجر فطلع وهو فيه فإن انتزع لوقته ولم يتحرك لغير انتزاعه فعليه القضاء قولا واحدا وفي الكفارة عنه خلاف وإن تحرك لغير إخراجه فعليه مع القضاء الكفارة قولا واحدا ولو أُكره على الجماع في نهار الصوم من رمضان كان عليه القضاء مع الكفارة قولا واحدا قال لأن الجماع لا يتأتى إلا بعد حدوث الشهوة فلا يكون هذا مُكرها ولو وطئها في أول النهار فحاضت من يومها ومرض هو من يومه مرضا يبيحه الفطر فعليهما جمعيا القضاء مع الكفارة. ولا يُصام يوم الشك إذا لم يُغم الهلال ومن أصبح فلم يطعم ولم يشرب وأُنسي أن ذلك اليوم من رمضان أمسك عن الأكل بقية يومه ولم يُجزه عن فرضه وقضاه بعد خروج الشهر. وإذا قدم المسافر مفطرا في نهار رمضان أحببنا له أن يمسك عن الأكل والشرب بقية يومه فإن أكل أو جامع من قد طهرت من حيضها أساء ولا كفارة عليه ولا يلزمه سوى القضاء. والحائض إذا طهرت في بعض النهار فلها الأكل بقية يومها وعنه رواية أخرى أنها تمسك بقية يومها كالمسافر. ومن أفطر في تطوع عامدا فالاختيار أن يقضي من غير أن يجب ذلك عليه. ومن أكل في فرض عامدا لم يكن عليه اكثر من القضاء وليتب إلى الله تعالى من ذلك.

ولا بأس بالسواك للصائم مالم يزل الزوال وليمسك عنه بعد الزوال ولا يحتجم ولا يحجم فإن فعل أفطر. ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإن استقاء لزمه القضاء كذلك روى هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرعه القيء فليس عليه القضاء ونم استقاء فليقض)) وإذا خافت الحامل على جنينها والمرضع على ولدها أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا والشيخ الكبير العاجز عن الصوم لضعفه يُطعم عن كل يوم مسكينا) والإطعام في هذا كل مُدُبُرًّ بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نصف صاع من تمر أو شعير. وكذلك يُطعم من فرط في قضاء شهر رمضان حتى أظله رمضان آخر وعليه مع الإطعام قضاء مافرط فيه بعد صيام الشهر المهل. ومن أطاق من الصيام صوم ثلاثة أيام متتابعة لا تصر بصحته أخذ بصيام رمضان وعنه رواية أخرى لا يصوم حتى يحتلم أو يبلغ خمس عشرة سنة والجارية تصوم إذا حاضت ومن أصبح جنبا من جماع أو احتلام أو كانت امرأة طهرت نم حيضها قبل الفجر فلم يغتسلا إلا بعد الفجر أجزأهما صومهما ذلك اليوم إذا نويا الصيام من الليل. ولا يجوز صيام يوم الفطر والأضحى عن فرض ولا نذر ولا قضاء ولا صوم

أيام منى الثلاثة متطوعا قولا واحدا وهل يصومها المتمتع العادم الهدي عن مُتعته أم لا؟ على روايتين أظهرهما لا يصومها. ومن سافر سفرا يبيح قصر الصلاة فله الفطر وإن لم تنله مشقة بسفره ويقضي إذا أقام وإن صام في سفره أجزأه عن فرضه وكذلك المريض الذي لا يطيق الصيام والذي يريد الصوم في مرضه له أن يفطر فإن تحمل وصام أجزأه. قال: ولو أن مقيما نوى الصوم قبل الفجر ثم سافر بعد الفجر أفطر إن شاء ولم يضره دخوله في الصوم مقيما والإتمام أحسن قد روي عن عبيدالله بن عبدالله ابن عتبة بن مسعود عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم. ومن سافر أقل من أربعة بُرُد لم يقصر ولم يفطر. ومن سافر سفر معصية لم يحل له فيه القصر والفطر وإن قصر فيه أعاد على التمام. ومن أفطر في صوم واجب كنذر أو كفارة أو قضاء رمضان عامدا بجماع أو غيره لم يكن عليه سوى القضاء ولا كفارة عليه. وكفارة الوطء في شهر رمضان بالجماع على الترتيب ككفارة المظاهر قولا واحدا – غير أنه لا يحرُمُ عليه الوطء قبل الكفارة ولا إذا كفر بالصوم في ليالي الصوم – فيعتق رقبة فإن لم يجد فليصم شهرين متتابعين فإن لم يستطع.

فليطعم ستين مسكينا كما روى محمد بن أسماعيل البخاري صاحب الصحيح قال: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبدالرحمن أن أبا هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يارسول الله هلك وأهلكت قال ((مالك؟)) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل تجد رقبة تُعتُقها؟)) قال لا قال ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال لا قال ((فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟)) قال لا فمكث فينا نحن كذلك أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال أين السائل قال أنا قال ((خُذْ هذا فتصدق به)) فقال الرجل أعلى أفقر مني يارسول الله فوالله مابين لابتيها –يريد الحرتين – أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال ((أطعمه أهلك)) وقد روى هذا الحديث سفيان بن عُيينة عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلك وقعت على امرأتي في رمضان وذكر الحديث. قال: ومن وطئ في يوم من رمضان فكفر فيه ثم عاد فوطئ من يومه فعلية كفارة أخرى فإن وطئ في يوم مرارا ولم يكفر أو وطئ في أيام ولم يتخلل وطأه كفارة لم يكن عليه إلا كفارة واحدة ولا يختلف قوله إن من وطئ في رمضان فقدرة على الكفارة من ماله أن عليه أن يكفر واجبا فإن كان فقيرا فتصدق بالكفارة عليه فهل له أن يأكلها كما جاء الحديث أو كان ذلك خصوصا فذلك الرجل وعليه أن يتصدق بذلك ولا يجوز له أكله على روايتين. ومن أُغمي عليه قبل الفجر ولم يكن نوى الصم ولم يفق حتى طلع الفجر فعليه قضاءُ ذلك اليوم فإن كان نوى الصيام وأفاق قبل غروب الشمس أجزأه

صومُ ذلك اليوم وإن لم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيامه ومن أُغمي عليه بعد أياما وقد كان نوى الصيام أجزأه صيام أول يوم وقضى مابعده من أيام الإغماء وقال بعض أصحابنا ويجيء على الرواية التي تقول إن نية واحدة تُجزئُة لجميع الشهر إنه إذا صح له صيام أول يوم أجزأه صيام باقي أيام الإغماء ولم يكن عليه قضاء والصحيح الأول. فأما المجنون فلا يقضي مافاته من الصيام في حال زوال عقله في الصحيح من المذهب. ومن أسلم في شهر رمضان صام مايستقبل من الشهر ولم يلزمه قضاء مامضى منه. والأسير إذا خفي عليه شهر رمضان فصام شهرا يريد به رمضان فوافقه أو ما بعده أجزأه وإن وافق ماقبله لم يجزه. وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ولفظه في شهر رمضان ويعظم من شهر رمضان ما عظم الله سبحانه ولا يقرب النساء بجماع ولا مباشرة في نهار الصوم ولا قبله إن كان شابا شبقا يخاف على نفسه فإن قبًّل وسلم من حدث فهو على صيامه ولا شيء عليه وقد روى جابر بن عبدالله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هَشِشْتُ يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت صنعت أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أرأيت لو تمضمصت بماء وأنت صائم؟ فقلت لا بأس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيم)). ولا يحرم عليه ذلك كله في ليالي الصوم. ومن تلذذ في نهار الصوم بمباشرة أو قبلة فأمذى أو أمنى فعليه القضاء بلا كفارة ومن فعل ذلك ناسيا فهو على صيامه ولا قضاء عليه.

ومن كرر النظرحتى أنزل لم يلزمه أكثرُ من القضاء إن كان ذاكرا ومن وطئ دون الفرج فأنزل فعليه مع القضاء الكفارة ومن هاجت شهوته فأمذى من غير أن يمس ذكره فهو على صيامه ويحتمل أيلزمه القضاء. وما غلب الإنسان فدخل حلقه كالذباب وغبار الطريق والدخان وما في معنى ذلك لم يفطر به. ومن اكتحل بما يجد طعمه من صبر أو ذرور أو قطور أفطر فإن اكتحل باليسير من الإثمد غير الطيب كالميل ونحوه لم يُفطر قد روي عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ونزلت معه فدعا بكُحل إثمد غير ممسك فاكتحل في رمضان وهو صائم. ومن داوى جرحه بدواء بأتمر أو رُطب فوصل إلى جوفه أفطر ومن احتقن أو استعط أفطر. ومن بلع ماليس بطعام ولاشراب عامدا أفطر. ومن تنخم من دماغه فلما حصلت النخامة في فيه ازدردها أفطر بذلك فإن تنخم من صدره ثم ازدرده بعد حصوله في فيه فهل يفطر أم لا؟ على روايتين ولا جناح عليه في بلع الريق ومن بقي بين أسنانه من طعامه مايعلم به ويقدر على لفظة فازدرده أفطر وإن كان لايعلم به فجرى به الريق من غير قصد فازدرده لم يفطر. ومن سبقه الماء في حال المضمضة والاستنشاق فدخل حلقه الماء على طريق الغلبة لم يفطر إلا أن يزيد على الثلث فإن دخل حلقه الماء فيما زاد على الثلث أفطر قولا واحدا.

ومن نوى الإفطار صار مفطرا وإن لم يطعم ومن ارتد عن الإسلام أفطر وحبط عمله فإن عاد إلى الإسلام بقية رمضان صام مابقي منه وهل يلزمه قضاء ما أفطر بعد الردة أم لا؟ على روايتين. وقيام شهر رمضان سنة حسنة فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه والقيما له في مساجد الجماعات بإمام هو السنة المأثورة وقيامه بعشرين ركعة تُفعل كصلاة الليل مثنى مثنى ثم يوتر بثلاث ركعات ويفصل بين الشفع والوتر منهما بسلام إذ الوتر المستحب ركعة واحدة ويقنت فيها بعد الركوع. ومن أوتر مع إمامه كتب له قيام ليلة ومن أحب التعقيب في شهر رمضان وهو أن يصلي مع الإمام التراويح ويوتر معه ثم ينصرف إلى بيته ثم يعود إلى المسجد فيشفع وتره بركعة يسلم منها ثم يصلي من الليل مابدا له مثنى مثنى ثم يوتر بركعة جاز فهذا هو التعقيب وهو فعل خير وقد روي عنه رواية أخرى أنه كره التعقيب لأن أفضل قيام الليل آخره والأول أحب إلي. ولا يتنفل بين التراويح كره ذلك ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء. وله أن يتطوع بعد الفرض قبل التراويح بركعتين بذلك جاءت السُنَّةُ ومن سها في صلاة التراويح فقام من اثنتين رجع فجلس وتشهد وسلم ولا يسجُدُ قبل السلام. ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال متتابعة أو متفرقة فكأنما صام الدهر. وقضاء رمضان متفرقا يجزئ والمتتابع حسن والله أعلم.

باب الاعتكاف

باب الاعتكاف الاعتكاف سنة ومن نذره لزمه الوفاء وهو من فعل الخير. والعُكوفُ: الملازمة وحبس النفس على الطاعة. ولا اعتكاف إلا بصيام في إحدى الروايتين والرواية الأخرى يصح بغير صوم ولا يكون الاعتكاف إلا في مساجد الجماعات كما قال الله تعالى. ومن نذر اعتكاف يوم فأكثر لزمه وإن نذر اعتكاف ليلة لزمه فإن نذر يوما دخل معتكفه قبل طلوع الفجر الثاني وخرج منه بعد غروب الشمس وروي عنه: يدخل معتكفه وقت صلاة الفجر ويخرج منه بعد غروب الشمس وإن كان ليلة دخل معتكفة قبل الغروب وخرج منه بعد طلوع الفجر الثاني وهذا إذا قُلنا إن الاعتكاف ليس من شرطه الصوم. فإن نذر اعتكاف شهر بعينه دخل معتكفه وقت صلاة المغرب من أول ليلة من الشهر فإذا طلع هلال الشهر الثاني خرج من معتكفه فإن طلع الهلال نهارا لم يخرج من الاعتكاف حتى تغرب الشمس وقيل عنه فيمن أراد اعتكاف شهر إنه يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله ويخرج منه بعد غروب الشمس من آخره. ومن صام في اعتكافه ثم أفطر فيه عامدا فإذا قلنا إن الصوم من شرطه استأنفه وإن قلنا ليس الصوم شرطا فيه فلا شيء عليه إلا أن يكون أوجب الاعتكاف بالصوم فيلزمه قضاء ما أفطر فيه من الاعتكاف بالصوم في أحد الوجهين وفي الآخر لا يلزمه استئنافه.

ومن جامع في اعتكافه ليلا أو نهارا عامدا أو ساهيا ابتدأه واختلف قوله فيما يلزمه فروي عنه ليس عليه أكثر من القضاء وقيل عنه عليه مع القضاء ماعلى المظاهر من الكفارة وهو مذهب الزهري. ولو نذر الاعتكاف العشرة الأواخر من شهر رمضان ثم أفسده لزمه أن يقضيه من قابل في وقته. ومن مرض فخرج من معتكفه بنى إذا صح على مامضى. وإذا حاضت معتكفة أخرجت من المسجد وضربت خباء في الرحبة وبنت على اعتكافها إذا طهرت وكذلك من توفي عنها زوجها تخرج لقضاء العدة وتبني على مامضى من اعتكافها بعد قضاء العدة وتكفر كافرة يمين وقيل لا كفارة عليها. ولا يخرج المعتكف من معتكفة إلا لحاجة الإنسان وصلاة الجمعة فإن شرط لنفسه عيادة المرضى وتشييع الجنازة فله شرطه. وله أن يتزوج في حال اعتكافه ويزوج غيره ولا يتجر في حال اعتكافه ولا يتكسب بالصنائع. ومن أفسد اعتكافا واجبا قضاه وإن كان تطوعا فلا قضاء عليه. ومن اتصل اعتكافه بيوم الفطر كمن اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان أحسنا له أن يبيت ليلة الفطر في معتكفه ليخرج منه إلى المصلى.

كتاب الحج والعمرة

كتاب الحج والعمرة قال الله عز وجل (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) العمران 97) وقال تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا نافع لهم) الآية الحج 27 - 28) فحج بيت الله تعالى الحرام بمكة فريضة على كل حر مسلم بالغ صحيح عاقل استطاع إلى ذلك سبيلا مرة احدة في عمره. وكذلك العمرة واجبة على كل من وجب عليه الحج مرة في العمر قال الله تعالى (وأتموا الحج والعمرة) البقرة196) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن حزم ((ألا أن العمرة هي الحجة الصغرى)) وبذلك قال ابن عباس رضي الله عنه وقال جابر بن عبدالله ليس أحد من خلق الله عز وجل إلا وعليه عمرة واجبة. والسبيل: الطريق السابلة السالمة غالبا والزاد والراحلة المبلغان إلى مكة وإلى العَوْد إلى منزله مع نفقة عياله لمدة سفرة. وكذلك المرأة والمحرم من شرط استطاعتها فمن عجز عن ذلك ففعل الحج غير واجب عليه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما نزلت (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97) قالوا يارسول

الله أفي كل عام؟ فسكت ثم قالوا أفي كل عام؟ قال ((لا ولو قلت نعم لوجبت)) فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) الآية (المائدة 101) وقال الحسن ولما نزلت (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قالوا يارسول الله وما الاستطاعة؟ قال (الزاد والراحلة) ومن ملك منزلا يسكنه وخادما لاغنى له عن خدمته أو منازل يؤجرها بقدر كفايته وكفاية عياله ولا مال له غير ذلك لم يلزمه بيع ذلك للحج فإن كان له ما يفضل عن قدر كفايته وكفاية عياله باعه وحج به. وفرض الحج أربعة فروض وهي الإهلال بالحج والوقوف بعرف وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة وروي عنه أن السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب وروي عنه أن فرض الحج فرضان وهما الوقوف بعرفة وطواف الإفاضة وماعداهما مسنون حتى إنه سئل رجل حج فوقف بعرفة وطاف طواف الإفاضة وانصرف ولم يأت بغير ذلك فقال؟ عليه دم شاة وحجة صحيح. وعلى من حج أو اعتمر والميقات بينه وبين مكة أن يحرم من الميقات ومن لم يكن الميقات بينه وبين مكة أحرم من دويرة أهله. وميقات أهل المدينة ذو الحليفة وميقات أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة وميقات أهل اليمن يلملم وميقات أهل الطائف ونجد قرن وميقات أهل العراق والمشرق ذات عرق وهذه المواقيت لأهلها ولكل من

اجتاز عليها ممن يريد حجا أو عمرة. ويحرم الحاج والمعتمر بإثر صلاة مكتوبة أو نافلة استحبابا ويغتسل عند الإحرام الرجُل والمرأة طاهرا كانت أو حائضا أو نفساء ويتطيب قبل أن يحرم ويتجرد من مخيط الثياب وينوي – والنية هي العزم والقصد للفعل – فإن أراد الإفراد بالحج قال اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتممه ويلبي فيقول لبيك الله اللهم لبيك لبيك بحجة تمامها عليك لبيك لاشريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويستحب الاشتراط وهو أن يقول بعد التلبية إن حبسنى حابس فمحلي حيث حبسنى ثم لايزال يلبي في دبر الصلوات وعند كل نشز وهبوط وعند التقاء الرفاق وإذا غطى رأسه ناسيا إلى أن يرمي جمرة العقبة فإذا رماها قطع التلبية وأخذ في التكبير. وإذا دخل مكة فليدخل من الثنية العليا من باب الأبطح فإذا أراد الخروج فليخرج من الثنية السفلى من دبر مكة ويستلم عند دخوله الحجر الأسود يُقبله بفيه إن قدر وإلا وضع يده عليه ثم قبلها ثم يطوف بالبيت على يساره وهو متوضئ سبعة أشواط ثلاثة خببا وأربعة مشيا ويُقبل الحجر في كل شوط ويستلم الركن اليماني بفيه فإن لم يستطع فيده ويقبلها ولا يقبل من الأركان إلا الأسود واليماني. وإن طاف محدثا لم يُجزه وتوضأ وأعاد وإن عكس الطواف لم يجزه وأعاده غير معكوس. فإذا تم طوافه ركع عند المقام ركعتين ثم استلم الحجر وهذا يسمى طواف الورود

ثم يخرج إلى الصفا فيقف عليه للدعاء ثم يسعى إلى المروة فإذا أتاها وقف عليها للدعاء ثم يسعى إلى الصفا يفعل ذلك سبع مرات يفتتح بالصفا وتختم بالمروة فيقف بذلك أربع وقفات على الصفا وأربع وقفات على المروة. ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يُفضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله. فإذا زالت الشمس يوم عرفة راح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الإمام وإن فاته مع الإمام جمع في رحله ثم يخرج إلى موقف عرفة فيقف بها مع الإمام إلى غروب الشمس ولا يقف ببطن عُرنة ثم يدفع الإمام إلى مزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر الحرام ثم يدفع قبل طلوع الشمس إلى منى فإذا بلغ بطن محسر سعى إن كان ماشيا أو حرك دابته إن كان راكبا فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق وقد حل له كل شيء إلا النساء ثم يأتي بالبيت فيطوف سبعا وهذا طواف الإفاضة وهو الطواف الواجب الذي به تمام الحج ثم يركع ركعتين وقد حل له النساء وغيرهن ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم رمى الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك يكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف. فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجة وإن شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف. فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع وانصرف.

ومن رمى بحجر قد رُمي به لم يُجزه ومن رمى بذهب أو فضة لم يُجُز قولا واحدا وإن رمى بغير الحصى فعلى روايتين إحداهما لايُجزئه إلا الحجارة فليُعد الرمي والرواية الأخرى يجزئه مع الكراهية. ومن نفر قبل الوداع رجع فودع ماكان قريبا فإن بعد مضى ولم يرجع وعليه ذم يذبحه بمكة. وليس على النساء رمل ولا اضطباع ولا سعي ولا صعود على الصفا والمروة ومن أهل بالحج من أهل مكة لم يكن عليه سعي ولا رمل ومن اعتمر فعليه في العمرة كما ذكرت في الحج إلى تمام السعي من الصفا والمروة ثم يحلق وقد حل من العمرة. والحِلاَقٌ في الحج والعمرة أفضل والتقصير يجزئ فمن فعله فليقصر من جميع شعره فأما المرأة فسنتها التقصير فلتقصر من جميع شعرها مقدار الأنملة. وعلى المحرم أن يجتنب في حال إحرامه النساء والطيب والكُحل المطيب والدواء الذي فيه طيب رطبا كان أو يابسا وقتل الصيد ولبس مخيط الثياب كالقميص والعمامة والبرنس والقباء والدواج فإن اضطر إلى طرح الدُّواج على كتفيه لم يدخل يديه في كميه وكذلك القباء وقد روي عنه رواية أخرى أنه قال ولا يلبس المحرمُ الدواج ولا شيئا يُدخل يديه فيه ولا يلبس الثياب ولا السراويل. وإن أحرم في قميص خلعه ولم يشقة وكذلك الجُبة.

ولا يغطي رأسه ولا يحلقة إلا من ضرورة ويفتدي بصيام ثلاثة أيام إن شاء متتابعة وإن شاء مفترقة أو إطعام ثلاثة مساكين لكل مسكين نصف صاع تمر أو يذبح شاة. ومن لبس المخيط افتدى واختلف قوله فيمن لبس الثياب وغطى رأسه مكانه على روايتين: قال في إحداهما عليه فدية واحدة وقال في الأخرى في الرأس فدية وفي البدن فدية ولم يختلف قوله أنه إذا فرق لُبسته أن عليه لكل لُبسة كفارة ويخلع مالبسه فإن لبس فكفر ثم عاد فلبس فكفارة ثانية وكذلك من وجب عليه كفارة من طيب أو غيره فكفر ثم عاد إلى مثل ذلك فعليه كفارة أخرى فإن لم يكفر حتى عاود الفعل فليس عليه إلا كفارة واحدة. وله أن يلبس الهميان والمنطقة ويدخل السُّيُورَ بعضها في بعض ولا يعقدها إلا أن لا يجد من ذلك بدا لحفظ ماله ونفقته فليفعله ولا فدية عليه وبه قال ابن عباس رضي الله عنه. وفي قطع شعرة واحدة وفي شعرتين مد وفي ثلاث شعرات فصاعدا دم وقيل عنه في خمس شعرت فصاعدا دم وكذلك الأظفار ولو حلق رأسه لغير ضرورة فعليه الفدية وليس بمخير فيها فيلزمه دم وإن تنور فعليه فدية على التخيير ولو حديث به علة احتاج معها إلى لُبس المخيط لبس وكفر كفارة واحدة سواء كانت العلة في رأسه وفي بدنه أو في إحداهما فإن حدثت به علتان مختلفتان إحداهما في رأسه وأخرى في بدنه فلبس ثوبا لأجل العلة وغطى رأسه لأجل الأخرى فكفارتان وإن انكسر ظفره فقصة فلا فدية عليه وبه قال عبدالله بن عباس.

ولا بأس أن يحلق المحرم رأس حلال ويقلم أظفاره ولا فدية عليه فإن حلق الحلالُ رأس المحرم أو قلم أظفارة بأذنه فالفدية على المحرم في ماله وإن فعل ذلك الحلالُ بالمحرم وهو نائم أو أكرهه عليه فعلى وجهين أحدهما الفدية على الحلال دون المحرم والوجه الآخر الفدية على المحرم ويرجع بها على الحلال. وللمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة والكلب العقور والأسود البهيم والسبع والذئب والحدأة والغراب الأبقع والزُنبور والقرد والنسر والعُقاب والبق والبعوض والحلم والقردان وكل ماعدا عليه أو آذاه ولا فدية عليه. ويكره له قتل القملة ولا يقتل النملة في حل ولا حرم ولا يقتل الضفدع وما قتل من الصيد مما لا يؤكل لحمه فلا فدية عليه فيه ورى عن النبي صلى الله عليه وسلم حفصة وعبدالله بن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري أنه قال ((خمس يُتقلن في الحل والحرم)) وقالت حفصة في حديها ((خمس فواسق فاقتلوهن في الحل والحرم الحية والفأرة والحدأة والكلب العقور والغراب الأبقع وثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأمر بقتل الزنبور ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن قتل الذر ولا بأس أن يُقرد المحرم بعيره فعل ذلك جماعة من الصحابة والتابعين رحمة الله عليهم أجمعين. وللمحرم أن يدخل الحمام فعله أبو سعيد الخدري ولا بأس أن يحتجم ويقطع العرق إذا احتاج إلى ذلك ولا يقطع شعرا قد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. ولا يغتسل المحرم بماء زمزم لقول العباس بن عبد المطلب: ألا لا أُحلها لمغتسل ولكنها لكل شارب حل وبل. ولا تحج المرأة حج فرض ولا تطوع إلا مع ذي محرم منها وكل من لا تحل له بحال من النسب والسبب فهو لها محرم والزوج محرم لها وهي تحل له بكل حال. وليس لزوجها أن يمنعها من حجة الفرض وله أن يمنعها من حجة التطوع. وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله ولا تحج المرأة حج فرض ((لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تُسافر سفرا فوق ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أخوها أو أبوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها)) وليس العبد محرما لمولاته لأنه قد تعتقه فتحل له بالنكاح ولا تحج المرأة مع زوج أختها لأنها قد تحل له. لو حجت امرأة بغير محرم أجزأتها الحجة عن حجة الفرض مع معصيتها وعظم الإثم عليها ولا تحج امرأة في عدتها نم الوفاة ولا من الطلاق الرجعي.

ولها أن تحج في عدتها من الطلاق البائن وليس على الزوج الخروج معها لحج إلا أن يختار فإن كان لها محرم غيره كان لها أن تخرج معه لحجة الفرض ولا اعتراض للزوج عليها وقال أحمد رضي الله عنه: أستحب لها أن تستأذنه فإن كان غائبا أن تكتب إليه فإن أذن خرجت وليس ينبغي أن يمنعها من أداء الفرض. قال ولو أحرمت بالحج فقال زوجها: أنت طالق ثلاثا إن حججتِ. فإنها بمنزلة المُحصر تطوف بالبيت وبالصفا والمروة وعليها الحج من قابل وبه قال عطاء. وللمحرمة أن تلبس الحُحلي والمعصفر والمخيط من الثياب والسراويل والخفين غير مقطوعين ولا فدية عليها وإحرامها في وجهها فلا تُغطية ولا تتبرقع. فإن احتاجت سدلت على وجهها لحديث مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه. ولا تلبس القفازين ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا طيب كذلك روى عبدالله ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب ومامس الزعفران والورس من الثياب ومتى غطت وجهها أو تبرقعت افتدت ولها أن تُظلل عليها في المهمل قولا واحدا وليس لها أن تكتحل بما فيه طيب. والحائض تأتي بجميع المناسك غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تدخل المسجد حتى تطهر وتغتسل لما روى عبدالرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت لبينا بالحج حتى إذا كنا بسرف حضتُ فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكري فقال لي ((مايُبكيك ياعائشة؟)) فقلت حضتُ ليتني لم

أكن حججت فقال سبحان الله إنما ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم انسُكي المناسك كلها غير أن لا تطوفي بالبيت)) وذكر الحديث بطوله. فإن حاضت قبل طواف الإفاضه لزم أمير الحاج انتظارها حتى تطهر ثم تطوف وإن حاضت بعدما أفاضت لم يجب انتظارها وجازلها أن تنفر وإن لم تودع ولا شيء عليها كذلك روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حُيي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعلها حابستنا)) فقالوا يارسول الله إنها قد أفاضت قال ((فلا إذا)) فأما المستحاضة فتفعل جميع المناسك تطوف بالبيت وبالصفا والمروة بعد أن تتوضأ كما يفعل من به سلس البول وتصلي. ولا يلبس المحرم الخفين إلا عند عدم النعلين وهل يقطعهما أسفل من الكعبين أم لا؟ على روايتين: إحداهما يقطعها لما روى الزهري عن سالم عن ابن عمر قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فيما يترك المحرم من الثياب فقال ((لايلبس القميص)) وذكر حديث طويلا قال فيه ((ولا الخفين إلا لمن لا يجد النعلين فمن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين)) فمن لم يقطعهما فعليه دم والرواية الأخرى له أن يلبس الخفين ولا يقطعهما ولا فدية لأن في قطعهما فسادا ولما روته صفية بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما. وكان ابن عمر يفتي بقطعهما قال: فلما أخبرته بهذا رجع

ولا يلبس السراويل والتُبان إلا أن يعدم المئزر فيلبس السروايل ويفتدي ويزيل ما على نعله من قيد أو عقب فإن لم يفعل فعليه دم ويتقلد بالسيف عند الضرورة فأما لغير ضرورة فلا. ولا يشم الريحان في إحدى الروايتين لأنه من الطيب وإن فعل افتدى والروية الأخرى: ليس الريحان من الطيب فله شمه ولا فدية عليه. وله أن يأكل الأترج والتفاح والموز والطيخ ومافي معنى ذلك ولا بأس بنبات الأرض مما لا يتخذ طيبا. ولا يظلل على رأسه في إحدى الروايتين فإن فعل افتدى لما روي عن عبدالله بن عمر قال أضح لمن أحرمت له والرواية الأخرى: له ذلك ولا فدية عليه لما رواه زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن الحصين عن جدته أم الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت بلالا وأسامة وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره به من الحر حتى رمى الجمرة. والتمتع عند أحمد بن حنبل رضي الله عنه أفضل من القران والإفراد هو اختيار النبي صلى الله عليه وسلم فمن قرن بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد كالمفرد سواء غير أنه يقول في تلبيته لبيط بعمرة وحجة تمامها عليك بعد أن ينوي القران وعليه دم شاة وإن تمتع بالعمرة إلى الحج بدأ فأحرم بعمرة في شهور الحج وحل منها في شهور الحج بالطواف والسعي ثم قصر من شعره وقد حل من عمرته ثم لا يخرج من مكة إلى مايقصر في مثله الصلاة.

وينشئ الحجة من عامه وهو متمتع عليه دمُ المتعة إن وجد وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. فإن دخل في الصوم عند عدم الهدي ثم وجد هديا لم يلزمه الخروج من الصوم ومضى فيه وأجزأه ولو سها عن الهدي إلى أن وصل بلده لزمه إنفاذ هدي ينحر بالحرم لايجزئه غير ذلك. ومن أحرم بعمرة في غير شهور الحج وأحل منها في شهور الحج أو في غير شهور الحج فليس بمتمتع وإن حج ن عامه لأن العمرة عند صاحبنا في الشهر الذي يهل بها فيه لافي الشهر الذي يحل منها فيه. وشهور الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. ومن اعتمر في شهور الحج وحل من عمرته في شهور الحج ثم خرج من مكة إلى ماتُقصر في مثله الصلاة قبل إهلاله بالحج لم يكن متمتعا وإن حج من عامه ذلك. ومن أدخل الحج على العمرة قبل أن حيل من العمرة صار قارنا ولا يجوز إدخال العمرة على الحج. ولا يجوز التمتع لأهل حاضري المسجد الحرام ولا لمن منزله دون القصر إلى مكة لقوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) البقرة 196) وعمرة القران لاتجزئ عن العمرة الواجبة في إحدى الروايتين وتجزئ عنها في الأخرى وعمرة التمتع تجزئ عن العمرة الواجبة قولا واحدا. ومن أراد العمرة من غير المتمتعين وكان قد أتى بالعمرة الواجبة فليخرج إلى أقرب الحل إلى مسجد عائشة رضي الله عنها فيحرم بالعمرة من التنعيم ومن كان منزله دون المواقيت إلى مكة فميقاته لحجة وعمرته الواجبه من دويرة أهله

على مابينا. ومن أراد العمرة من أهل مكة فليخرج إلى أقرب الحل فيحرم بها ومن كان بمكة من غير أهلها وأراد العمرة الواجبة فليخرج إلى الميقات ليحرم بها فإن لم يخرج إلى الميقات وأحرم بها دونه أجزأته العمرة وعليه دم كما قلنا فيمن جاوز الميقات غير محرم ثم أحرم دون الميقات بالحرم أن عليه دما. وكل دم وجب على المحرم من جزاء الصيد أو لشيء أصابه بمكة أو بالحرم أو لشيء تركه من أمر الحج بالحرم فلا يذبحه إلا بالحرم قولا واحدا لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) المائدة 95) وقال (والهدي معكوفا أن يبغ محله) الفتح 25) وقال (ثم محلها إلى البيت العتيق) الحج 33) وكذلك الكفارة بالإطعام فأما الصوم فيجزئه بكل مكان وروي عنه أن مالزم المحرم م حلق رأس أو لبس ثوب وما في معنى ذلك فله أن يخرج الكفارة بحيث حلق أو لبس والأول عنه أظهر فأما إن صاد الصيد بعد الإحرام في حل أو حرم فلا يخرج جزاءه إلا بالحرم. وكذلك ما وجب من الصدقة في الحرم وقد روي عنه أن مالزم المحرم من كفارة حلق الرأس أو لبس الثياب فله إخراج الكفارة لذلك أي بحيث حلق أو لبس من حل أو حرم والأول أظهر. فأما الصوم فيجزئه بكل مكان. ومن حج بمال حرام لم يجزه ذلك عن حجة الإسلام في الصحيح من المذهب وقيل عنه تجزئه مع الكراهية والأول عنه أظهر , ومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ماقتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله الحرم وهو مخير بين أن يفيده بالنظير أو يُقوم النظير دراهم فيتصدق بها أو يقوّم بالدراهم طعاما ويصوم عن كل مُدَّ يوما فإن بقي أقل من نصف صاع صام له يوما واختلف قوله هل يقوم الصيد أو الجزاء على

روايتين إحداهما يُقوم المتلف والأخرى يقوم الجزاء. وكلما أصاب المحرم صيدا حكم عليه في العمد والخطأ جميعا وقد قيل عنه يحكم عليه في أول صيد يصيبه فإن عاد لم يحكم عليه والأول أصح. ولو أشار محرم إلى صيد فقلته محرم آخر كان الجزاء عليهما وقيل بل على كل واحد جزاء كامل فإن دل محرم حلالا على صيد في الحرم فقلته الحلالُ فالجزاء عليهما فإن كان الصيد في الحل فالجزاء على المحرم وهو قول علي وابن عباس رضي الله عنهما. فإن قتل نعامة فعليه بدنه وفي حمار الوحش بدنة وفي بقرة الوحش بقرة وفي الثيتل بقرة وفي ضبع شاة وفي الظبي جذعه وفي الأرنب عناق وقيل جفرة وفي اليربوع جدي وقيل عنه جفرة وفي الضب جدي. ولو أخرج في الحرم الجزاء حاملا فولدت ثم ماتت وأولادها كان عليه جزاؤها وجزاء أولادها فإن أخرج الجزاء عنها وعن أولادها قبل هلاكهم ثم ماتت وأولادها لم يلزمه جزاء ثان وأجزاه الأول وكان بمنزلة من كفر قبل الحنث وفي الأبل بقرة وكذلك في الوعل وفي الغزال عنز وفي الوبر شاة وفي السنور حكومة وفي الثعلب وروايتان إحداهما أنه صيد وفيه شاة والأخرى ليس بصيد ولا شيء فيه وفي صغار أولاد الصيد صغار أولاد المفدى به وبالكبيرة أحسن. ولو صاد المحرم صيدا فأمسكه حتى حل من أحرامه لزمه إرساله واجبا فإن تلف في يده أو ذبحه بعد الإحلال فعليه جزاء ولا يحل له أكله وكذلك لو أحرم وفي يده صيد لزمه إرساله فأما ماكان في منزله من الصيد فليس عليه إرساله بعد الإحرام

ولا يأكل المحرمُ م صيد صاده ولا دل عليه ولا أشار ولا من صيدٍ صيدَ لأجله وله أن يأكل من صيد لم يصده ولم يُشر إليه ولم يدل عليه ولم يُصد لأجله لما رواه عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه أنه كان في قوم محرمين وهم يسيرون فرأوا حمارا فركب فرسه فصرعه قال: فأكلوا فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((أشرتم أو أصدتم أو قتلتم؟)) قالوا لا قال كلوا)). وإذا صاد صيدا أعور أو مكسورا فداه بمثله وبالصحيح أحسن ويفدي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى وهو قول علي بن أبي طلب رضي لله عنه فإن اضطر محرم فقدر على صيد وميتة أكل من الميتة ولم يصد الصيد فيأكله والدجاج الأهلي ليس بصيد قولا واحدا وفي الدجاج السندي روايتان إحداهما أنه صيد فإن أصابه محرم فعليه الجزاءُ والأخرى ليس بصيد ولا جزاء فيه. وإذا اشترك جماعة في صيد كان على جماعتهم جزاء واحد في الأظهر عنه. وقيل عنه: على كل واحد منهم الجزاء وصام بعضهم لزم من صام منهم صوم كامل. ومن رمى صيدا في الحل فأصاب صيدا في الحرم لزمه الجزاءُ لأنها جناية يده وكذلك لو رمى من الحرم فأصاب صيدا في الحل فإن أرسل كلبه في الحل فأصاب صيدا في الحرم فلا جزاء عليه إلا أن يكون أرسله قريبا من الحرم. فإن أرسل كلبه في الحرم فأصاب صيدا في الحل فالأظهر عنه لاجزاء عليه وقيل عنه عليه الجزاءُ وهو اختياري. ولو قتل محرم صيدا في بلد حلال فعليه جزاؤه وقيمته لصاحبه. ولا يقطع من شجر الحرمين مكة والمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع منهما فهما

في الحرمة سواء إلا ماخصه عليه الصلاة والسلام برخصة فجائز أخذه وقطعه. وما سواه فعلى أصل التحريم. فأما الإذخر فمباح وقد روى جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة قالوا: يارسول الله إن أصحاب نضح وأصحاب عمل وإنا لا نستطيع أن ننتاب أرضا غيرها فأرخص لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((القائمتان والوسادة والعارضة والمسد) وكل هذا آله الحرث وماسواه فمحرم. وفي الشجرة الكبيرة وهي الدوحة بدنة وقيل عنه بقرة وسواء كان القاطع لها محلا أو محرما وفي الصغيرة شاة وكذلك في الغصن الكبير ولا ينتفع بما قطع من حطبها فإن انكسر منها غصن أو عود بغير فعل آدمي جاز الانتفاع به وكذلك ماتساقط من الورق بنفسه ولو قطع غصنا في الحل من شجرة أصلها في الحرم أو غصنا في الحرم من شجرة في الحل فعلية في الحالين الجزاء. وما اصاد المحرم من الصيد مما لايؤكل لحمه فلا جزاء فيه. والعمد والسهوُ في قتل الصيد وقطع الشعر وقص الظفر الصحيح في وجوب الفدية سواء لأنه إتلاف. وفي بيض النعامة قيمته وكذلك بيض كل ما يؤكل لحمه من الطير وفي الجرادة تمرة حكم بذلك عبدالله بن عمر وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أصاب ثلاث جرادات لو تصدقت بقبضة من طعام لرأيت ذلك قد أجزأ

عنك وقيل عنه لا شيء فيها لأنها من صيد البحر وروي عن أبي هريرة أنه قال أصبنا رِجلا من جراد فكان رجل يضرب بسوطه وهو محرم فقيل له إن هذا لايصلح فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (إنما هو من صيد البحر) وفي الضفدع حكومة. ولو ذبح المحرم صيدا كان ينتة لا يحل أكله لحلال ولا محرم وإن استأنس الصيد فهو على أصل التحريم وإذا استوحش الأهلي فليس بصيد وهو على أصل الإباحة لمالكة. ولو استأجر بيتا بمكة فغلقه ثم فتحه فأصاب فيه صيدا ميتا فداه احتياطا وإذا أصاب المحرم القمري والدبسي والحبارى والحجلة أو الكركي والحمامة أو الكروان كان عليه في كل واحد منها شاة. ولو كانت شجرة أصلها في الحرم واغصانها في الحل فأصب الحلال صيدا على غصنها المظل إلى الحل لزمه جزاؤه فإن كان اصلها في الحل وبعض أغصانها في الحرم وبعضها في الحل فما أصاب الحلال من الصيد على غصنها في الحل فلا جزاء عليه وما أصاب من الصيد على الغصن المظل في الحرم فعليه جزاؤه. \ وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم جميعا وصيد البر حرام على المحرم دون الحلال وصيد البحر حلال للمحل والمحرم وصيد حرم المدينة حرام كصيد حرم مكة. ومن نتف صيد ريشا نظر فإن كان ممتنعا فما نقصه وإن كان غير ممتنع فعليه جزاؤه كاملا.

والطير صنفان فما عَبَّ منه وهدر فُدي بمثله من النعم الصغير على قدر صغره والكبير على قدر كبره على ما بينا وما كان منه لا يَعُبُ ويهدرُ فعليه قيمته في المكان الذي أصاب فيه. وفي العصفور قيمتُه وكان عطاء يقول فيه نصف درهم. وإحصار العدو المانع من الوصول إلى البيت إحصار صحيح قولا واحدا. فمن أحرم ولم يشترط أن محله حيث حُبس فحصره عدوٌ وحال بينه وبين حجه تحر هديا لإحصاره إن كان معه حيث أحصر في حل كان أو في حرم وحل ولا قضاء عليه إلا أن يكون حجا واجبا فيلزمه القضاء وإن كان الحصر بغير عدو كالمرض والكسر أو انقطاع النفقة ولم يكن اشترط فهل يكون محصورا بذلك كحصر العدو أم لا؟ على روايتين إحداهما: لاحصر إلا حصر العدو فيبقى على إحرامه ولا يحل إلا بمكة فإن أتب مكة بعد فوات الحج تحلل بعمرة وطاف وسعى وكان في معنى من فاته الحج بغير إحصار والرواية الأخرى: يكون مُحصرا بذلك كحصر العدو وينحر إن كان معه ويحل وقال بعض أصحابنا لاينحر هدي الإحصار إلا بالحرم لقوله تعالى (هديا بالغ الكعبة) المائدة 95) وقوله (ثم محلها إلى البيت العتيق) الحج 33) فإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل ولا يأخذ المحصر شيئا من شعره ولا ظفره ولا يتطيب ولا يلبس المخيط حتى ينحر الهدي أو الصيام ويحل بعد أن يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لقدرته على ذلك والأول أصح. فإن كان المحصر معتمرا أقام على إحرامه حتى يصل إلى البيت إذا لا وقت

للعمرة يفوت. ولو أحرم العبد بغير أذن سيده أساء فإن منعه السيد م الحج تطوعا أو منعها زوجها من الخروج كان له ذلك وكانت في معنى المحصر وعليها الهدي إن وجدت فإن عدمت صامت عشرة أيام ثم حلت. ولو استؤجر للحج من غيره فأحرم عنه من ميقاته ثم أُحصر فإنه يحل بعد أن ينحر الهدي ويكون له من الأجره بقدر ذلك إلى الموضع الذي أحصر فيه واختلف أصحابنا في دم الإحصار هل هو في مال الأجير أو في مال المستأجر؟ على وجهين. وإن كان من أُحصر اشترط عند إحرامه أن محله حيث حُبس فمتى حُصر بعدو أو بغيره من كسر أو ذهاب نفقة أو مرض حل من موضعه قولا واحدا ولا دم عليه ولا شيء إلا أن يكون قد ساق هديا فليزمه نحره ولا قضاء عليه إلا أن تكون حجة الفرض. ومن فاته الحج بغير إحصار تحلل بعمرة في إحدى الروايتين وعليه الحج من قابل ودم للفوات وإن كان قد ساق هديا نحره ولم يُجزه عن الفوات والرواية الأخرى يمضي في حج فاسد ويحج (من) قابل وعليه دم الفوات. ويوم عرفة وليلة المزدلفة زمان الوقوف فمن وقف بعرفة في هذا الزمان في أي وقت كان من ليل أو نهار أٌقل القليل وهو يعقلها فقد أدرك الحج ومن فاته الوقوف بها حتى طلع الفجر الثاني يوم النحر فقد فاته الحج ومن وقف بعرفة يوم عرفة قبل الزوال ونفر منها قبل الزوال أساء وحجة تام وعليه دم.

قال ولا يقدم حجة الفرض فإن فعل لم يجزه. ومن أهل بحجة وعمرة وفاته الحج أجزأه دم واحد قال ومن أهل فقال لبيك بحجتين كان حجة واحدة ولو نوى الحج فلبى بعمرة غالطا كان حجا وإن نوى العمرة فلبى بالحج غالطان كان معتمرا ومن أجر نفسه للخدمة وحج أجزأته عن حجة الفرض ومن أهل بالحج قبل شهور الحج أحببنا أن يجعلها عمرة فإذا حل منها أنشأ الحج فإن لم يفعل وأقام على إحرامه بما أهل به إلى أن يأتي بالحج أجزأه وقد تحمل مشقة. ومن جاوز الميقات غير محرم رجع فأحرم من الميقات ولا دم عليه فإن أحرم ولم يرجع إلى الميقات أو رجع بعدما أحرم فعليه دم. ولا بأس أن يحجم المحرم غيرها ولا شيء عليه وله أن يتداوى بالدواء الذي لا طيب فيه عند الحاجة إليه. ومن نذر أن يطوف على أربع طاف طوافين وكذلك لو نذر أن يسعى على أربع لزمه سعيان. ومن طاف غير طاهر لم يجزه. ومن وطئ مابين أن يحرم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجهما وعلى كال واحد منهما بدنة والحج (من) قابل إن كانت طاوعته وإن كان أكرهها كفر عنها وأحجها (من) قابل من ماله وفرق بينهما في المكان الذي أصابها فيه في العام الماضي وقيل عنه: تجزئهما بدنة واحدة طاوعته أم أكرهها ولو باشرها كان عليه دم شاة وكذلك لو قبلها لزمه دم شاة فإن وطئها دون الفرج فإنزل فعليه بدنة قولا واحدا وفي فساد حجة روايتان ولو وطئ زوجة أو زوجات مرة أو مرارا لم يلزمه إلا كفارة واحدة مالم يكفَّر.

ولو جامع ثم أصاب صيدا فسد حجه وكان عليه بدنة وعليه جزاءُ الصيد فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة قبل أن يطوف طواف الإفاضة كان حجُه تاما صحيحا وعليه دمُ شاة وعليها أيضا إن كانت طاوعته ويخرجان إلى التنعيم فيُحرمان بعُمرة ليطوفا طواف الإفاضة وهما محرمان. ومن وطئ في العمرة بعد الطواف قبل السعي بين الصفا والمروة أفسد العمرة وعليه دم شاة للفساد وعمرة مكانها وإن وطئ فيها بعد السعي قبل الحلاق أساء والعمرة صحيحة وعليه دم. ولا يتزوج المحرم ولا يزوج فإن فعل فالنكاح في الحالين باطل وقد روي رواية أخرى أن المحرم إذا زوج غيره لم يفسخ عقده فأما عقده النكاح لنفسه فلا يصح قولا واحدا وهل له (أن) يراجع في حال الإحرام أم لا؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما ومنع منه في الأخرى. ومن أفرد الحج ولم يسق هديا فأحب أن يفسخ الحج ويجعله عمرة ويحج من عامه ويصير متمتعا جاز له ذلك وعليه دم التمتع فإن كان ساق هديا لم يجز الفسخ وأقام على إحرامه إلى أن يأتي بالحج وينحر الهدي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم صبيحة رابعة من العشر فأمر من كان أهل قارناأو مفردا ولم يكن ساق هديا أن يحل ثم أخبر عن نفسه بالسبب المانع من الفسخ فقال ((إني سقت الهدي ولو ذلك لحللت كما حللتم)) فلا زال كذلك حتى أحل من الحج وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة قال أحمد رضي الله عنه أنا أرى فسخ الحج يُروى عن عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: أبن عباس وجابر والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأسماء قال وحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج أنه

خاص لمن أمر به لا أقول به ولا نعرف هذا الرجل (يعني الحاث بن بلال) ولم يروه إلا الدراوردي وهذه الأحاديث أحب إلى وقد روت عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج في أشهر الحج حتى نزلنا سرفا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال ((من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل) فذكر الحديث ولا يستحب لأحد أن يحرم بنية الفسخ فإما من أحرم بالحج بنية المضي فيه ثم بدا له أن يفسخ رغبة في الجمع بين النسكين في عامه على طريق التمتع جاز. ولو مس المحرم طيبا ولبس ثيابه ولبس الخفين وحلق شعره وأتى بذلك كله في مكان واحد لزمه كفارة واحدة وقيل عنه: كفارتان إلا أن يفرق ذلك فيلزمه بكل فعل كفارة قولا واحدا. ولا يأكل الحاج م دم جزاء الصيد ولا من دم الكفارة ولا من دم النذر ويأكل مما سوى ذلك قد أكل أزواج رسول لله صلى الله عليه وسلم من دم المتعة. ودم التطوع إن عطب دون محلة نحره مكانه وخلى بينه وبين المساكين ولم يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته منه ولا بدل عليه فيه ودم الواجب إذا عطب دون محله أبدله وكان له أكله وبيعة إن شاء وإذا ذبح الدم الواجب ثم سرق فقد أجزأه لأنه بالذبح قد فعل مالزمه. وتشعر البدن والبقر في أسمنتها من الجانب الأيمن وتقلد الغنم بعلاقة

قربة ومن ساق بدنه فنتجت ذبحها وولدها. ومن أراد إبدال بدنته بأجود منها جاز له ذلك وم ضلت بدنته بعد إيجابها فأبدلها ثم وجدها ذبحها جميعا وله أن يركب البدنه ولا ينهكها بالركوب. وإذا أعتق العبد بعرفة وليس بمحرم أحرم مكانه وأجزأته الحجة عن حجة الفرض قولا واحدا وإن كان محرما حين أعتق أجزأته أيضا في الأظهر من قوله وكذلك الذي يسلم بعرفة والصبي يبلغ بها والمجنون يفيق فإن دخل ذمي مكة لتجارة فأسلم بها فليخرج إلى الميقات فيحرم بالحج إلا أن يضيق الوقت عليه ويخشى فوات الحج فيحرم من موضعه وهل عليه دم إذا أحرم من مكة أم لا؟ على روايتين وقد روي عنه رواية أخرى في الذمي يسلم بمكة أنه يحرم منها. ولا يلزمه الخروج إلى الميقات فأما المسلم يدخل مكة لتجارة بغير إحرام ثم يريد الحج فإنه يخرج إلى الميقات فيحرم فإن خشي فوات الحج أحرم من مكة وكان عليه دم قولا واحدا. وإذا حج الصبي ثم بلغ فعليه حجة الفرض بعد البلوغ ويتجنب إذا حج ما يتجنب الكبير ومالا يستطيع فعله من مناسك الحج يُفعل عنه. وكذلك العبد إذا حج ثم أعتق لزمه حجة الفرض بعد العتق كذلك ورى العمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أيما صبي حج ولم يبلغ ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج به أهله ثم أعتق فعليه حجة أخرى)) فإن أتي العبد في حجه بما يوجب الدم فكفارته الصيام فإن أذن له السيد أن يخرج الدم في الكفارة ففعل أجزأه كما كان له أن يتسرى بإذن السيد.

ومن جيء به إلى عرفة مغمى عليه فأفاق بها ساعة من ليل أو نهار قبل طلوع الفجر الثاني من يوم النحر فقد أدرك الحج فإن لم يُفق حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج. ومن وقف بعرفة قبل الزوال ونفر منها قبل الزوال أجزأته الحجة وعليه دم شاة لأن يوم عرفة بأسره زمان للوقوف كليلة المزدلفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ومن وقف بعرفة من ليل أو نهار فقد أدرك الحج)) وروي (فقد تم حجة) ولم يخص وقتا من النهار كما لم يخص وقتا من الليل والنيابة في الحج تجوز عمن مات بعد وجوب فعل الحج عليه ولم يحج وذلك مقدم على الوصية والميراث من صلب المال وعمن عجز عن الحج ببدنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو كان لايستمسك على الراحلة وليحج عنه من الموضع الذي وجب عليه فيه فإن عوفي وأمكنه الحج بعد ذلك بنفسه لم يلزمه إلا أن يشاء وقد أجزأه حج الغير عنه. ولا يحج عن الغير إلا من كان حج عن نفسه حجة الفرض وفي الإجارة على الحج روايتان كره أحمد رضي الله عنه في إحداهما أن يأخذ دراهم فيحج بها عن غيره قال إلا أن يكون متبرعا بالحج عن أبيع أو عن أخيه أو عن أمه وأجاز ذلك في موضع أخر فقال وإذا فا حُجُوا عن بألف صُرف جميعُها في الحج إذا حملها الثُلُثُ فإن قال حجُوا عني حجة بألف أتوا بحجة فما فضل من الألف فللورثة ولو قال لفلان الأف يحج بها عني دفع إليه الألف فما فضل منه بعد أداء الحج فللذي حج قال ولو دفع إلى رجل مالا وقال حج عني بهذا حجة ومافضل منه فلك لم يكن للمدفوع إليه أن يبتاع بذلك المال متاعا للتجارة ومتى فعل ذلك كان مخالفا إنما أمر أن يحج به وما فضل منه فله ولم

يجعل له التجارة به قبل الحج قال ولو أخذ من رجلين (مال) حجتين في عام واحد كان ضامنا وقد فعل مالا يجوز ويُؤدب وما لزم الأجير من دم أو غيره فعليه في ماله دون المحجوج عنه وكذلك لو أفسد الحج كان دم الفساد عليه في ماله والحج (من) قابل عن الذي خرج ليحج عنه ولو أمره أن يفرد الحج فدخل قارنا أو متمتعا فالعمرة عن المجوج عنه والدم على الحاج في ماله. ومن حج من غيره ولم يكن حج (عن) نفسه لم تُجزه تلك الحجة عن فرضه ولا الذي حج عنه في إحدى الروايتين وفي الرواية الأخرى يرُدُ ما أخذ وتقع الحجة عن نفسه. وتحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة وروي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال كان الفضل بن عباس رضي الله عنهما رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته امرأة من بني خثعم تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها إلى الشق الآخر فقالت يارسول الله صلى الله عليك إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لايستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم. وذلك في حجة الوداع. والقارن إذا أتى ما يوجب الفدية كفاه دم واحد كالمفرد في الأظهر من قوله. ولو وجد مايحج به أن يتزوج به ولا يكفيه لهما وكان به شبق وحاجة إلى النكاح وخشي على نفسه ولم يكن حج الفرض بدأ بالنكاح على الحج إذا لم يصبر وقال بعض أصحابنا: يبدأ بالحج لأنه قد خوطب به وتعين عليه لوجود السبيل إليه والأول هو المنصوص عنه. ومن مات محرما غسل وكفن في ثيابه ولم يُخمر رأسه ولم يقرب طيبا فإن يبعث يوم القيامة ملبيا كما جاء الحديث روى سعيد بن جبير عن ابن عباس

رضي الله عنه أن رجلا صُرع عن راحلته وهو محرم فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلوا صاحبكم بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تُخمروا رأسه ولا تمسوه طيبا فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) واختلف اصحابنا في الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟ على وجهين: أصحهما أنه على الفور على من وجد السبيل إلأيه وهو بيًّنٌ في كلام أحمد رضي الله عنه قال وإذا وجد الزاد والراحلة وجب عليه الحج وقال أيضا ولا تُقبل شهادة من كان موسرا قد وجب عليه الحج فلم يحج إلا أن يكون به زمانة أو أمر يحبسه وهو قياس على سائر العبادات المؤقتة. ويوم الحج الأكبر هو يوم النحر كذلك روى نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال (أي يوم هذا؟) فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر. وللمحرم أن يتطيب في إحرامه قبل أن يُحرم وما وحده من روائح الطيب الذي كان تطيب قبل الإحرام لم يضره ولا فديه عليه فيه قد رؤي المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إحرامه. ويستحب للحاج أن يقول عند منصرفه من حجة أو عمرة آيبون تأئبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.

كتاب البيوع وما يتعلق بالبيوع

كتاب البيوع وما يتعلق بالبيوع قال الله عز وجل (وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة 275) وقال (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) النساء 29) فالبيع هو الإيجاب والقبول والثمن الحلال المعلوم فكل ماحصل هذا فيه فهو بيع صحيح إلا مانهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو قام على فساده دليل. والربا حرام بقوله (وحرم الربا) البقرة 275) وقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) الآية البقرة 278 - 279) وقيل إن ربا الجاهلية كان في الديون إن أن يقضيه وإما أن يُربي له فيه. ومن الربا بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب متفاضلا نقدا كان ذلك أو نسيئة ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة ولا يجوز بيع ذهب بذهب ولا ورق بورق إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز متفاضلا ولانسيئة. وعله الربا عنده هي الكيل والوزن فكل ما كان مكيلا أو موزونا مُقتاتا وغير مُقتات فلا يجوز بيع جنس منه بجنسه متفاضلا نقدا ولا نسيئة ولا بيع بعضه ببعض (إلا) متساويا (وكذا) الموزونات كلها. ولا يجوز الافتراق عن مجلس الصرف قبل التقابض قولا واحدا فإن فعلا بطل الصرفُ.

وما خرج من المكلي والموزون مأكولا وغير مأكول فلا ربا فيه وبيعُ بعضة ببعض من جنسه ومن غير جنسه متساويا ومتفاضلا نقدا جائز ولا يجوز نسيئة. وقد روي عنه رواية أخرى أن ماكان مطعوما لم يجز التفاضل فيه من جنسه. والأول عنه أصحُ عنه أصحُ وأظهر. والبُرُ والشعير جنسان والزبيب كله جنس واحد وإن اختلف أنواعه والتمور كلها جنس واحد والقطاني أجناس مختلفة واختلف قوله في لحوم الأزواج الثمانية من الأنعام هل هي جنس واحد أو أجناس مختلفة؟ على روايتين قال في إحداهما إن لم البقر والغنم جنس واحد ولا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلا نقدا ولا نسيئة وقال في الرواية الأخرى إنها أجناس مختلفة ولا بأس ببيع رطل لحم غنم برطلين لحم بقر وكذلك رطل لحم بقر برطلين لحم جزور يدا بيد. ولا يجوز نسيئة والخلاف عنه في لحوم الوحش من الظباء والأيل كالخلاف في لحوم الأنعام. فأما الطير فصنف واحد والسمك صنف واحد وشحوم ذلك كلحمه وما تولد من ألبان ذلك فحكمه كحكم لحمه إذا قلنا إن اللحوم أجناس وكذلك الشحوم وإذا قلنا: اللحوم جنس واحد فكذلك الألبان والشحوم ولا خلاف عنه أن لحم السمك والطير جنسان. قال ولا تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم من غير بأس ومنع من إنفاق الورق المغشوش حتى يُصفى وكره كسر الدراهم الصحاح والدنانير إلا أن يكون فيه غش فلا يجوز إنفاقها حتى تُسبك وتصفى من الغش. ولا يجوز أن يبيع عشرة دراهم مكسرة بثمانية دراهم صحاحا وفلسين فإن خبيث وإن باعها بذهب نقدا كان جائزا. قال ولا يجوز أن يبيع ألف درهم صحاحا بألف درهم ومئة درهم مكسرة.

وثوب وكذلك لايجوز أن يبيع ألف درهم صحاحا ودينارا بألف درهم ومئة درهم مكسرة ولا بأس أن يبيع من دينار بعضه بورق ويكون شريكا فيه قال ولو باعه دينارا ونصفا فدفع إليه دينارين ووكله في بيع الزيادة له جاز قال ولو باع من رجل دينارا بدراهم نقدا (جاز) ولا يجوز نسيئة. وما اختلف أجناسه من ذلك جاز بيع بعضه ببعض من غير جنسه متفاضلا نقدا ولا يجوز نسيئة وقد روى ابن سيرين عن مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والملح بالتمر بالملح كيف شئتم يدا بيد)). وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الربا في النسيئة) وذلك محمول على التفاضل في الجنسين المختلفين إلى أجل بدليل حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (الذهب بالورق ربا إلاهاء والبر بالشعير ربا إلاهاء وهاء)) وكأن في هذا الخبر دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله ((إنما الربا في النسيئة)) أن لا يتفارقا حتى يتقابضا لئلا يدخل النساء فيحصل الربا. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمالك بن أوس بن الحدثان وقد صارف

رجلا لا تفارقه حتى تعطيه ورقه أو ترد عليه ذهبه وهو راوي ((هاء وهاء)) فدلت هذه الأحاديث على أن الربا من وجهين أحدهما في النقد بالزيادة في الكيل والوزن من الجنس الواحد والآخر في النساء بزيادة الأجل في الجنس الواحد والجنسين المختلفين. وقد يدخل الربا في غير ما سمي بدليل حديث يحيى بن سعيد القطان عن صدقة بن المثنى عن رياح بن الحارث عن عمار: أنه قال في هذا: العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس إنما الربا في النساء إلا ماكيل أو وزن. قال أحمد رحمه الله: فهذا حديث جامع جعل عمار الربا في جميع ما يكال ويوزن مما يؤكل ومما لا يؤكل كالحديد والنحاس وما في معنى ذلك قال أحمد فلا يباع الفلس بالفلسين ولا السكين بالسكين لأن النحاس بالحديد بمنزلة الذهب والفضة وأصله الوزن. ولو باعه عينا بورق أو ورقا بعين وأحد النقدين حاضر ثم لم يفترقا من المجلس حتى تقابضا جاز ذلك وكذلك في المكيلات لم يجُز أن يشتري بالدراهم منه ذهبا إلا أن يمضي ليبتاع بالورق من غيره ذهبا قال لا ضمان على الناقد فيما يخطئ فيه من النقد ومتى وجد المتصارفان أو أحدهما بعد التفرق في أحد النقدين زيوفا فعلى روايتين إحداهما يبطل الصرف كله والرواية الأخرى له البدل والصرف صحيح وقد قيل عنه: إنه لابدل له والصرف صحيح. \ومتى اشترى طعاما كيلا معلوما لم يجز له بيعه قبل أن يستوفيه كيلا قولا واحدا فإن ابتاعه جزافا مع جهالتهما بكيله فهل للمشتري بيعه قبل قبضه أم لا؟ على روايتين أجاز ذلك في إحداهما ومنع منه في الأخرى.

ولا بأس ببيع صبر الطعام بالثمن المعلوم إذا جهل البائع والمشتري قدر كيله ولا يجوز ذلك مع علمهما بدر كيله إلا كيلا ولا يجوز بيع صبر الطعام بصر الطعام ولا يعلم كيل هذا ولا كيل هذا. وحكم الموزون حكم المكيل إذا بيع وزنا أو جزافا. ولو ابتاع رجلان طعام كيلا وقبضاه كيلا ثم اختار أحدهما بيع حصته منه من شريكة قبل أن يتفرقا فهل يلزمه أن يوفيه ذلك كيلا أم يجزئهما الكيل الأول؟ نقص فعليه. ومن ابتاع ماليس بمكيل ولا موزون فله بيعه قبل قبضه وكذلك العقار. وما أصله الكيل فلا يباع بجنسه موزونا وما أصلُه الوزن فلا يباع بجنسه مكيلا. قال ولا خير فيما يوزن بما يوزن جزافا ولا فيما يكل (بما يكال) جزافا اتفقت الأجناس أم اختلفت. ولا بأس ببيع المكيل بالموزون جزافا والموزون بالمكيل جزافا على مابيناه. ولا يجوز بيع المحاقله وهو: بيع السنبل بالحنطة كيلا ولا بيع المزابنه وهو بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا يجوز بيع رطب بيابس من جنسه متساويا ولا متفاضلا ولا يباع البر بالدقيق كيلا ولا وزنا متساويا ولا متفاضلا نقدا ولا نسيئة ولا يباع السويق بالبر ولا الدقيق متفاضلا قولا واحدا واختلف قوله في بيع البر بالسويق والسويق بالبر ولا الدقيق متفاضلا قولا واحدا واختلف قوله في بيع البر بالسويق والسويق بالبر مثلا بمثل على روايتين أجاز ذلك في إحداهما ومنع منه في الأخرى

ولا يجوز (بيع) التمر بالرطب ولا بأس ببيع الرطب بالرطب مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز نسيئة. والنسيئة في الصرف هي الربا اختلفت الجناس أم اتفقت. قال ولا يباع اللحم بالحيوان. ولا ربا في الفواكه كلها كالبطيخ والباذنجان والقثاء والخيار والكمثرى والسفرجل والرمان ويجوز بيع بعضه ببعض من جنسه ومن غير جنسه متساويا ومتفاضلا يدا بيدا ولا يجوز نسيئة وهذا هو الصحيح من قوله وعليه العمل عندي وعلى الرواية التي يجعل فيها عله الربا الطعم فلا يجوز ذلك. وبيع الحيوان بالحيوان نقدا جائز متفاضلا ومتساويا لحديث حمار بن سلمه عن ثابت عن أنس بن مالك قال قيل يارسول الله إن قد وقع في سهم دحيه الكلبي جارية جميلة فابتاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ولا نسيئة لحديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. ولا بأس ببيع ثوب قطن بثوبي كتان نقدا. قال ولو قال بعتك هذه المئة شاة بمئة شاة بغير عينها لم يجز فإن قال بعتك هذه المئة شاة بهذه المئة شاة إلا هذه الشاة جاز. قال ولو باعه بعيرا ببعيرين وعشرة دراهم والحيوان نقدا والدراهم إلى أجل جاز فإن باعه بعيرا ببعيرين وعشرة دراهم والدراهم نقدا والحيوان نسيئة لم يجز وكذلك لو باعه عرضا بعرض وفضل دراهم العرض نقدا والدراهم إلى أجل جاز.

قال: ولا يباع الزيت متفاضلا ولا الزيت بالزيتون متفاضلا ولا يباع اللبن بالزبد متفاضلا ولا الزبد بالسمن متفاضلا في الصحيح من المذهب وكذلك لا يباع المصل بالزبد ولا بالجبن متفاضلا. وكره بيع التمر بالنوى متفاضلا في موضع وأجازه في موضع أخر نقدا وبهذا أقول. واختلف قوله في بيع خل العنب بخل التمر متفاضلا على روايتين أجاز ذلك في أحداهما نقدا ومنع منه في الأخرى إلا مثلا بمثل يدا بيد. واختلف قوله في المتصارفين هل لهما خيار المجلس بعد البيع والتقابض قبل التفرق أم لا؟ على روايتين أثبته لهما في أحداهما ولم يثبته في الأخرى. ولا بأس باقتضاء أحد النقدين من الآخر الذهب من الورق والورق من الذهب بسعر يومهما ولا يفترقان وبينهما شيء من الثمن. ولا يجوز بيع الدواة المحلاة ولا السيف المحلا والقلادة والمنطقة والمراكب بلا وزن وما في معنى ذلك بجنس ماعليها حتى تُخلص الحلية منها وتوزن فإن فعلا فالبيع باطل قولا واحدا لحديث فضالة بن عبيد قال بعت عام خيبر قلادة فيها خرز وذهب بسبعة دنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا حتى تميز بينه وبينه)) قال الرجل يارسول الله إنما أردت الخرز فقال ((لا حتى تميز بينهما)) قال فرده حتى ميز بينهما وفي بيع ذلك بغير جنس ماعليه خلاف عنه والأظهر من قوله أن ذلك لا يجوز مثل أن يبيعه بورق وهو محلى بذهب قال لأنه لو استحق وقد استهلك لم يدر بم يرجع على صاحبه.

ولا يجوز بيع الغرر ولا العبد ولا الطائر قبل أن يصاد ولا السمك في الماء ولا الصوف على ظهور الغنم ولا اللبن في ضروعها وقد قيل عنه أنه رخص في الصوف إذا باعه وجزه مكانه والصحيح الأول. ولا يجوز بيع الحمل دون أمه ولا الدين بالدين. ولا بأس ببيع العين الغائبة الموصوفة وبنقد الثمن فيها وهي (في) ضمان البائع حتى يقبضها المبتاع وللمشتري خيار الرؤية إن خالفت الصفة ولا خيار له إن لم تخالفها فأما العين الغائبة غير الموصوفة فلا يجوز بيعها. ولا بأس ببيع وشرط لحديث مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبدالله قال ابتاع مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط لي ظهره إلى المدينة. ولايجوز شرطان في بيع لما رواه إسماعيل بن أمية عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد (إني قد بعثتك إلى أهل الله أهل مكة فانههم عن بيع (ما) لم يُضنم وعن ربح مالم يصيبوا وعن شرطين في بيع وعن سلف وبيع. ولو باعه بيعا بشرط فاسد كان في ذلك روايتان إحداهما يبطل البيع والشرط والرواية الأخرى يصح البيع ويبطل الشرط. وبيع الكلب لا يجوز وسواء كان مُعلما أو غير معلم وكذلك لايجوز بيع الفهد والقرد والنمر والنسر والسبع وقال بعض أصحابنا يجوز بيع الفهد المعلم ولا بأس ببيع البزاة والصقور. ولا يجوز بيع الخمرة ولا يحل ثمنها وثمن الخنزير حرام وثمن الميتة حرام

وثمن جلد غير المذكى قبل الدباغ حرام قولا واحدا وفي بيعه بعد الدباغ خلاف والصحيح من قوله: أنه لا يجوز. ولا يباع الداذي لمن يتخذه نبيذا والتمر لمن ينبذه ولا العنب لمن يعتصره خمرا ولا السلاح في الفتن. ولا يجوز بيع المضطر وهو المكره لما رواه مطرف عن بشير بن مسلم عن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا يشتري امرؤ مسلم مال امرئ مسلم ذي ضغطة من سلطان) فإن فعل كان الشراء عندنا باطلا. ولا تجوز النقيصة من الدين المؤجل على تعجيله في إحدى الروايتين وهو من باب الربا وأرخص فيه في الأخرى ولا بأس في النقيصة من الدين الحال قولا واحدا. قال ولو أن رجلين لكل واحد منهما على صاحبه مئة درهم دينا فقال كل واحد منهما لصاحبه قد جعلت مالي عليك قضاء بمالك علي جائز فإن كان لحدهما ألف درهم وللآخر خمسون دينار فقال أحدهما لصاحبه قد جعلت مالي عليك قضاء بمالك علي لم يجز إلا أن يكون أحد النقدين حاضر لأنه يكون بيع الدين بالدين فإذا حضر احد النقدين جاز ذلك بسعر يومه لأنه يصير قضاء الدين بالعين. ولا يجوز بيع العطاء قبل قبضه ولا بيع الصك بعين ولا ورق قولا واحدا. فإن باعه بعروض جاز في أحدى الروايتين إذا قبض العروض قبل أن يتفرقا.

ومنع منه في الأخرى. ولا يجوز شراء المغانم قبل أن تقسم ولا الصدقات قبل أن تُقبض. ولا بأس بالسفتجه إذا كانت على وجه المعروف ليس فيها وقاية ولا ريح ولا يعطي دون ما أخذ. ومن دفع إلى رجل ثوبا وقال بعه بكذا وماازددت فلك كان جائزا. وحكرة الطعام بمكة وبمدينة النبي صلى الله عليه وسلم مكروهة قولا واحدا وفي غيرهما من البلاد ذلك أسهل إلا أن يقع الغلاء ببلد فإنه يكره الاحتكار فيه على كل حال. ولا يختلف قوله أادخار القوت للعيال غير مكروه وليس ذلك من باب الاحتكار في شيء ولا بأس أن يشتري الجراب فيه كذا وكذا ثوبا وموصوفا فإن سمى ذرعا معلوما جاز فإن زاد فعليه وإن نقص فله. ولا يجوز بيع الصبي إلا أن يأذن له وليه إلا أن يكون الشيء اليسير كما فعل أبو الدرداء ابتاع من صبي عصفورا. ومن باع مكيلا أو موزونا كان أجرة الكيال والوزان عليه لأن الوفاء عليه. فأما ملا يكال ولا يوزن فما لزم عليه كان لازما للمشتري لأنه يملكه بنفس تمام العقد والبيع والإيجاب والقبول على ما ينبت. ولا ينعقد البيع إلا أن يقول البائع قد بعتك ويقول المشتري قد قبلت. ومن ابتاع مكيلا أو موزونا أو معدودا كان من ضمن البائع مالم يقبضه المبتاع فإذا قبضه صار من ضمانه ومن ابتاع ماليس بمكيل ولا موزون فهو من ضمانه وإن لم يقبضه مالم يكن البائع منعه من التخلية بينه وبينه.

ولا يختلف قوله أن خيار المجلس ثابت للبائع والمشتري قبل التفوق بالأبدان فإن كل واحد منهما مخير بين إجازة البيع وفسخة مالم يتفرقا وكذلك لو كانا في محمل أو سفينة فتبايعا فكل واحد منهما الخيار حتى يتفرقا بالأبدان ولو أقاما أياما فإن قام أحدهما لحاجته من طهارة أو غيرها حتى غاب عن صاحبة قبل الفسخ بطل خيارهما واستقر البيع وقد دل عليه حديث أبي الوضيء قال كنا في غزاة فباع صاحب لنا فرسا من رجل فلما دنا الرحيل خاصمه فيه إلى أبي برزة فقال أبو برزة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (البيعان بالخيار مالم يتفرقا) ولا أراكما تفرقتما ويروى أنهما باتا ليلة بعد التبايع فجعل لهما أبو برزة الخيار مع المبيت في مكان واحد بعد البيع. واختلف قوله في المتبايعين يخير كل منهما صاحبه قبل أن يتفرقا بين إجازة البيع وفسخه فيختار الإجازة هل انقطع بذلك خيار المجلس أم لا؟ على روايتين قال في أحداهما لا ينقطع بذلك خيار المجلس حتى يتفرقا بالأبدان وقال في الأخرى قد انقطع خيار المجلس بينهما وإن لم يتفرقا واستقر البيع وبهذا أقول لحديث نافع عن عبدالله بن عمر أن النبي صلى الله عليه قال (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار مالم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب). ولو كان المبيع عبدا أو أمة فأعتقه المشتري قبل التفرق نفذ عتقه لأنه عتق ما ملك وكذلك لو مات كان من مال المشتري فإن أعتقه البائع قبل التفرق لم يقع العتق إلا أن يقول قد فسخت البيع ثم يعتقه فيصير عتيقه. واختلف قوله إذا أعتق المشتري العبد قبل التفرق ثم اختار البائع فسخ البيع

بماذا يرجع على المشتري؟ على روايتين قال في إحداهما يرجع عليه بقيمة العبد لا بالثمن الذي باعه به وقال في الأخرى ليس له إلا الثمن الذي انعقد البيع به. ولو اشترى عبدا فوهب له مال قبل التفرق ثم اختار البائع فسخ البيع قبل التفرق فالمال للمشتري دون البائع بضمانه. ولو كان المبيع بهيمة فنتجت قبل التفرق ثم تفرقا من غير الفسخ فهي وولدها للمشتري فإن تفاسخا البيع قبل التفرق فهي وولدها للبائع. ولو كان المبيع أمة فوطئها البائع قبل التفرق من غير أن يُخبره وهو عالم بالتحريم حد وإن كان جاهلا لم يُحد فإن وطئها المشتري فلا حد عليه لأنه وطئ ما ملك. ولو باع المشتري العبد أو وهبه قبل التفرق فعلى روايتين إحداهما بيعه باطل وكذلك هبته حتى يتفرقا والرواية الأخرى ذلك موقوف فإن فعل قبل الفسخ صح وإن اختار البائع الفسخ بطل بيع المشتري وهبته. ويجوز خيار الشرط أكثر من ثلاث قال ولو قال المشتري اشتريت منك على أن لي الخيار وأنكر ذلك البائع أو قال البائع بعتك على (أن) لي الخيار وأنكر ذلك المشتري فالبيع لازم في الوجهين ولمدعي منهما اليمين على صاحبه عند عدم بينته على دعواه. ولو قال: بعتك دارا وأنا صغير وقال المشتري بل ابتعتها منك وأنت كبير فالقول قول المشتري لأن البائع قد أقر بالبيع وادعى فساده فلا يقبل قوله ولو قال بعتك بنقد وقال المشتري ابتعت منك بنسيئة فالقول قول البائع مع يمينه. فإن أقاما بينتين على ما ادعاه كل منهما فالبينة بينه البائع. واختلف قوله في الإقالة: هل هي بيع أم فسخ؟ على روايتين فأما التولية

فبيع ولو باعه ثم تقايلا فبل التفرق لم يطأها البائع حتى يستبرئها بحيضة إذا قلنا إن الإقالة بيع وإذا قلنا إنها فسخ كان له وطؤها قبل الاستبراء فإن تقايلا بعد التفرق لم يطأها البائع حتى يستبرئها قولا واحدا. ولو اشترى طعاما مكيلا واكتاله ثم ولاه غيره لم يقبضه المولى إلا بكيل ثان قولا واحدا إذا لم يكن حضر الكيل الأول وإن كان حضر الكيل الأول فعلى روايتين قال في إحداهما لا بد من كيل ثان قولا واحدا وفي الأخرى يُجزئه ألا يكيله إذا كان قد شهد كيله الأول. ومن باع سلعة إلى أجل بثمن معلوم لم يجز أن يبتاعها من ُمشتريها منه بأقل مما باعها به نقدا فإن ابتاعها بمثل (ما) باعها به أو أكثر نقدا جاز لما رواه شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها وعندها أم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى فقالت لها أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمان مئة درهم نسيئة واشتريته منه بست مئة نقدا فقالت عائشة أبلغي زيد بن أرقم أن قد بطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب بئس ما اشتريت وبئس ما اشترى. قال ومتى سميا عددا في البيع أو كيلا أو وزنا فلا بد أن يستوفيه كما سميا ولو قال ابيعك بنقد بكذا وبنسيئة بكذا ثم افترقا على إحداهما جاز. قال ولو ساومه في ثوب وقطع معه ثمنه ثم حمله ليريه أهله فإن رضوه ابتاعه فسرق منه فمن مال المشتري وعليه الثمن وكذلك لو ساومه فيه وأخذه على غير قطع ثمن ليريه أهله فهلك فمن مال القابض وعليه قيمته ولو أخذ الثوب عن غير مساومة ولا قطع بثمن ليريه أهله بإذن مالكه فإن رضوه وزن ثمنه فهلك فهو مال صاحبه هلك ولا ضمان على الاخذ لأنه أمين إلا أن يتعدى

فيه وقيل عنه إنه يضمن قيمته لصاحبه والأول أظهر. ولو تبايعا سلعة ثم تشاحا في القبض فقال البائع لا أسلم حتى أقبض وقال المشتري لا أسلم الثمن حتى أقبض جعلا بينهما أمينا عدلا يقبض من كل واحد منهما ويُقبضه. ولو اشترى ثوبا للبائع فيه خيار الشرط فباعه المشتري قبل انقضاء مدة الخيار بربح فالربح للبائع الأول إن أجاز البيع فإن لم يجز لزمه رده وإن هلك فعليه قيمته ماكانت وقد قيل عنه إن الربح للمشتري إذا لم يختر البائع الفسخ لأنه باع ماملك فإن لم يبعه فسرق الثوب أو هلك فمن مال المشتري لأنه من ضمانه فإن كان خيار الشرط للمشتري فباعه قبل انقضاء مدة الخيار بربح بطل خياره حين عرضة على البيع والربح له له ولو ابتاع سلعة بثمن عاجل وأجل جاز. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان وأن يبيع حاضر لباد وأن يبيع الرجل على بيع أخيه وعن النجش وعن بيع المضامين وهو ما في بطون الأنعام من الولد وعن بيع الملاقيح وهو بيع مافي ظهورها وعن بيع الملامسة والمنابذة وإلقاء الحجر وعن بيع مالم يُقبض وعن ربح مالم يضمن وعن سلف وبيع وعن شرطين في بيع وعن بيع الغرر فمن تلقى الركابان وابتاع منهم كان شراؤه باطلا في إحدى الروايتين وفي الأخرى قال هم بالخيار إذا دخلوا السوق فعلموا أنهم قد غُبنوا بين فسخ البيع وإجازته وأما بيع الحاضر للبادي فإن (كان) الحاضر عارف بالأسعار والبادي غير عارف بها لم يبع له الحاضر وتركه يبيع لنفسه ليرزقا لله الناس بعضهم من بعض كما جاء الحديث الذي رواه سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لايبع حاضر لباد ودعوا الناس يرزق الله بعضهم من

بعض) فإن كان الحاضر لايعرف الأسعار فباع للبادي فعلى روايتين أظهرهما جواز ذلك وكذلك لو كان البادي عالما بالأسعار جاز بيع الحاضر له في الصحيح عنه وباقي ماذكرته من البيوع باطل لايجوز. ولا يجوز بيع المعاومة وهو بيع الثمر سنين لحديث جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين. ولا يجوز التدليس في البيع ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط ردئ بجيد ولا يكتم من أمر السلغة ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره بخسا في الثمن ولا ينفق سلعته بالحلف. ومن غبن في البيع بقدر ثلث قيمته المبيع فأكثر فله فسخ البيع إذا علم بالغبن وقيل قد لزمه البيع وليس له فسخ والأول عنه أظهر. وكذلك كل بيع فاسد فضمانه قبل قبضة من البائع وقد قبضه من المشتري من يوم يقبضه بقيمة مثله إن هلك ولا مثل له وبمثله إن كان له مثل والمثل في كل شيء من مكيل أو موزون معتبر قولا واحدا وفي العقار غير معتبر قولا واحدا وكذلك الحيوان والرقيق عنده مع وجوده وينتقل إلى القيمة عند عدم المثل. ولا يجوز بيع تراب صاغة الذهب بذهب ويجوز بيعة بورق نقدا وكذلك لا يجوز بيع تراب صاغه الورق بورق ويجوز بذهب نقدا فإن أشكل عليه واختلط فليبعه بعرض ولا يبعه بعين ولا ورق. والدين المؤجل غير القرض إلى أجله لا يستحق المطالبة به قبل محله ولا يجب إعطاء الكفيل والضمن به قبل محله ولمن ذلك عليه تعجيله قبل محله إن شاء فأما القرض فلا يكون إلا حالا ومتى أجله ربه به لم يصر مؤجلا وله المطالبة

به متى شاء ولا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها على الترك ولا بيع العنب حتى يسود ولا الحب حتى يشتد لما رواه حجاج عن حماد عن حميد عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمارة حتى تزهي وعن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد ويجوز بيع ذلك إذا بدا صلاح بعضه وإن كان يسيرا من كثير وقد قيل عنه لايباع منه إلا مابدا صلاحه دون غيره والأول أصح. ولا يجوز بيع نتاج مانتجت الناقة وهو بيع حبل الحبلة ولا بيع البعير الشارد ولا العبد الآبق. ولا يجوز بيعتان في بيعة وذلك مثل أن يشتري سلعة بعشرة دراهم نقدا أو بعشرين نسيئة إلى أجل قد لزمت بأحد الثمنين أو يقول أبيعك هذه الدار بدراهم وأدفع إليك بالدراهم عينا بسعر كذا أو يقول: أبتاع منك هذه الدار بكذا فإن أدركتني فيها درك فدارك الأخرى بيع لي بهذا الثمن. ولا يجوز بيع الزبيب بالعنب كما لا يجوز بيع التمر بالرطب لا متساويا ولا متفاضلا لأن ذلك مما نهي عنه من المزابنة ولا يباع جزاف بمكيل من صنف. وبيع المرابحة جائز إذا استوى علم البائع والمشتري في السلعة وأخبره بقدر

رأس المال فإن غلط فيما أخبر به من الثمن له أو عليه رد الغلط له وعليه. وبيع المساومة جائز بقليل الربح وكثيرة. وبيع الرقم و (التولية) جائز ولو اشترك اثنان في سلعة فابتاع أحدهما نصفها بخمسين وابتاع الآخر نصفها بمئة فإن باعاها مساومة فالثمن بينهما نصفان وإن باعاها مرابحة فعلى روايتين: قال في إحداهما لافرق بين المرابحة والمساومة في أن الثمن بينهما نصفان اختلفت رؤوس أمولهما أم اتفقت لأن كل واحد منهما مالك لنصف السلعة. وقال في الرواية الأخرى: المرابحة غير المساومة فإذا باعها مرابحة كل لكل واحد منهما رأس ماله ثم الربع بينهما على رؤوس الأموال. فإن اشتريا متاعا ثم تعاونا عليه واقتسماه فهل لكل واحد منهما بيع ماحصل له منه بالقسمة مرابحة أم لا؟ على روايتين: إحداهما: له بيعه مرابحة إذا أخبره برأس المال وبما لزمه عليه من مؤنه قلت أم كثرت. والرواية الأخرى: لايبيعه مرابحة وله بيعه مساومة. ولا يبيع ما ليس عنده فإن فعل كان البيع باطلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام ((لا تبع ماليس عندك) ومن ابتاع شاة أو بقرة أو ناقة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ومعها صاع من تمر كما جاء في الحديث رواه هشام بن

حسان عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ومن ابتاع مصراة فهو بالخيار فإن ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء)) يعني الحنطة فإن عدم التمر أعطاه قيمته لا قيمة اللبن. قال: والخراج بالضمان فمن ابتاع غلاما فاستعمله ثم ظهر على عيب فله رده به والغلام له بضمانه كذلك روى عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان)) وروى مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا اشترى غلاما فاستعمله زمانا ثم أصاب به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى برده فقال: يارسول الله إنه استغل غُلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الخراج بالضمان)) فكل ماحدث في ملك المشتري من غلة أو نتاج ماشية أو لد أمة أو خدمة فكله له ولا يرد شيئا منه. ولو اشترى عبدا فظهر على عيب به فهو بالخيار إن شاء أمسكه وأخذ أرش العيب وإن شاء رده والخيار هنا للمشتري دون البائع وإن كان به عيب وحدث به عيب عند المشتري فهل له رده ورد أرش العيب الحاث عنده أم قد لزمه وله إرش العيب الذي كان به؟ على روايتين أصحهما أنه قد لزمه وله أرش العيب الذي كان به ولو ظهر على عيب فاستغله بعد علمه به أو عرضه على البيع فقد لزمه وليس له رده ولا أرش العيب. وإن كان المبيع أمة فوطئها المشتري ثم ظهر على عيب فإن كانت ثيبا فله ردها في الصحيح عنه وهل عليه عُقرُها أم لا؟ على روايتين: إحداهما: أن الوطء كالخدمة ولا عُقر عليه والأخرى عليه عُقرها. وإن كانت بكرا لم يكن له ردها في الصحيح عنه وله أرش العيب وقيل عنه:

له ردها بالعيب, وعليه عُقرها قولا واحدًا, إلا أن يكون البائع دلَّس العيب على المشتري, فيكون له ردُّها قولا واحدا ولا عُقر عليه. وكذلك لو باعه ثوبا, فقطعه المشتري أو صبغه, ثم ظهرَ على عيب, فهل له ردُّه أم لا؟ على روايتين: إحداهما: له ردُّه, وعليه أرش القطع. والأخرى: له أرش العيب وليس له ردُّه مقطوعًا, إلا أن يكون البائع دلس العيبَ, فيكون للمشتري الردُّ قولا واحدا. ولا غُرمَ عليه في القطع. وبيع الخيار جائزٌ إذا ضُربا أجلا معلوما, وإن كان أكثر من ثلاث. فإن ماتَ مَن له الخيار قبل انقضاء مدته بطل الخيارُ, ولم يرثه ورثته. قال أحمد رضي الله عنه: ثلاثة أشياء لا تورث ما لم تقع المطالبة بها قبل الموت: خيارُ الشرط والشفعة, والحدود. فإن أنكر البائع العيب, وكان يمكن حدوثه عند المشتري, وقَبِل بذلك, فادعى البائع حدوثه عند المشتري, وادعى المشتري أنَّه كان به, فهل القول قول البائع أو المشتري؟ على روايتين, وعلى مَنِ القول قولُه منهم اليمين. ولو ابتاع ثوبين صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيبا, فهل له أن يرده بحصته من الثمن أو لا؟ على روايتين؛ إحداهما: هو مخيَّر بين رده بحصته من الثمن وبين أخذ أرش العيب؟ والأخرى: ليس له ذلك, وهو مخير بين أن يردهما جميعا, أو يمسكهما ويأخذ أرش العيب؛ لأن الصفقة لا تتجزأ. وكذلك لو اشترى رجلان ثوبًا بينهما صفقة واحدة, فوجدا به عيبا, فاختار أحدهما إمساكه, واختار الآخر ردَّه, فعلى روايتين؛ إحداهما: ليس له ردُّ نصيبه وله أرشُ العيب. والأخرى: له ردُّ حصته منه, ويكون البائع شريكا للمشتري الراضي بالعيب. ولو تبايعا عَرَضًا بعَرَض, فوجد أحدهما فيما حصل له عيبا, فله ردُّه وأخذ سلعته, فإن كانت قد هلكت كان له قيمتها. والقول قول الغارم في القيمة مع يمينه.

ولو اشترى أمة ثم ظهر على عيب, فله الأرش. فإن وطئها بعد العلم بالعيب قبل العتق لزمته, والأرش له. ولو اشترى متاعًا, فوجده خيرًا مما اشتراه ردّه على صاحبه, كما لو وجد أردأ كان له رده على بائعه. ولو اشترى متاعًا معيبا في ظروفه, فله خيار الرؤية. ولو ابتاع بيضا فوجد فيه فروخًا ميتة, أو بطيخًا فوجده مدوّدًا, فعلى روايتين؛ قال في إحداهما: ليس له الرد, إنما له ما ظهر, إلا أن يكون اشترط عليه: إن كان مُرًّا أو مدودًا فعليك؛ فيكون له الردُّ بالشرط. والرواية الأخرى: إن كان له مكسورًا قيمةٌ رجع عليه بأرش العيب بما بين صحيحهِ ومعيبهِ. وإن لم يكن له مكسورًا قيمة؛ كالبيض ونحوه, رجع عليه بجميع الثمن. ولا يجوز بيع البراءة إلا أن يُعيّن العيوب ويسميها عيبًا عيبًا, ويبرأ منها. فإن ظهر المشتري على عيب لم يذكر في البراءة, فله الرد أو الأرش. والأيمان في العيوب على البتات في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: على العلم. ولا يفرق بين الأم وولدها قبل بلوغهم في البيع والشراء والسبي جميعا. ولا يجوز بيع ما ليس عند الإنسان على أن يكون حالًا. ومَن باع نخلًا قد أُبّرتْ, فثمرتها للبائع, إلا أن يشترطه المبتاعُ. وما لقح من التمر كان مؤبرًا قولا واحدًا. وما تشقَّق طَلعُهُ ولم يُلقَّح فليس بمؤبّر في إحدى الروايتين. وقيل: إنْ تشقق لا يكون مؤبرًا قولا واحدًا. ولا يُباع من الثمار قبل بدو صلاحها. فإن كان نخلًا, فحتى يصفر ويحمر. فإن كان من الفاكهة, فحتى يبدو فيها النضج.

وبيع الثمار بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجَداد جائز. وبيعها قبل بدو صلاحها على الترك باطل. وبيعها قبل بدو صلاحها على القطع جائز. فإن تركها المشتري في النخل حتى بدا صلاحها بطل البيع وكان له الثمن, والثمرة للبائع. وقيل عنه: يتصدَّق البائع بالفضل فيه؛ لأنه نماء في غير ملكه. وقيل عنه: يكون المشتري شريك البائع في النماء. وبالأوَّل أقول. ولو باع ثمرة حائطه واستثنى منها ثلثًا أو ربعا لم يجز. وكذلك لو استثنى منها صاعًا معلومًا لم يجز. فإن استثنى نخلةً بعينها جاز. ولو باع شاة واستثنى رأسها أو جلدها جاز ذلك. وما كان من الثمار خروجه فمًا واحدًا جاز بيعه بعد بدو صلاحه. وما كان منها خروجُه فمًا بعد فم لم يُبع, إلا ما ظهر منه وبلغ لَقَطَة بعد لَقَطَة. وكذلك الرَّطبة جَزَّة بعد جَزَّة. ولا يُباع القِثَّاء والخيار والبطيخ والباذنجان إلا لَقَطَة لَقَطَة. ومَن باع حشيشًا على القطع, فتركه المشتري حتى سَنْبل بطل البيع, وكان للبائع وعليه رد الثمن على المشتري. ولا يُباع الجزَر والسَّلجم والفجل وكل مُغيَّب تحت الأرض إلا مقلوعًا. ومن باع عبدًا وله مال, فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع. وسوم الرجل على سوم أخيه مَنهيٌّ عنه إذا أركنا وتقاربا. والنجش منهي عنه. وصفته: أن يزيد في السلعة وليس هو مشترٍ لها.

والبيع الفاسد لا يقع به الملك وإن اقترن به القبض. ومَن حلف ألَّا يبيع, فباع بيعًا فاسدًا, لم يحنث. وإذا اختلف المتبايعان في المبيع والثمن, والمبيع قائم, ولا بيِّنة لواحد منهما, تحالفا, ثم المشتري بالخيار؛ إن شاء أخذ السلعة بما قال البائع, وإلّا ترادَّا. والمبتدئ باليمين البائع. وإن كانت السلعة هالكة؛ فالقول قول المشتري في الثمن في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: القول قول البائع مع يمينه. وسواءٌ كانت السلعةُ باقيةً أو تالفة. ولو باعه طعامًا بثمن مؤجَّل, فَقَبْلَ قبض المشتري الطعام ماتَ البائع, فالطعام للمشتري, والثمن عليه إلى أجله. ولو باعه ثوبًا, واشترط المشتري خياطته أو قصارته, كان البيع والشرط جائزين. وكذلك لو باعه بعيرا واشترط البائع ظهره إلى مكان معلوم, أو باعه غلامًا واشترط خدمته سنةً أو أقل أو أكثر, كان البيع جائزًا, والشرطُ جائزًا. فإن باعه رطبةً واشترط على البائع جزَّها لم يجُز, وقيل: يجوز, فإذا قلنا: لا يجوز هذا الشرط. فهل يصح البيع ويبطل الشرط أو يبطل البيع لبطلان الشرط؟ على روايتين.

باب السلم

بابُ السَّلَم ولا بأس بالسلم في العُروض والرقيق والحيوان, وكل ما يكال ويوزن بصفة مضبوطة معلومة, وكيلٍ معلوم, ووزنٍ معلوم, وعددٍ معلوم, وأجلٍ معلوم بالأهلَّة, موجودٍ عند المحل. ويُعجل رأس المال نقدًا وقت السَّلم قبل التفرق. فإن عدم شيءٌ مما ذكرتُه بطل السَّلم. روى ابن أبي نَجيح عن عبدالله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلفون في السَّنتين والثلاث, فقال: " مَن سلَّف فلْيُسلِف في كيلٍ معلومٍ, ووزنٍ معلومٍ, إلى أجلٍ معلوم". فإن شرطَ مكان الإيفاء كان حسنًا, وإن لم يشترطه كان عليه الإيفاءُ في الموضع الذي عقدا فيه السلف بينهما, إلا أن يكونا في بريَّة, فيلزم ها هنا شرطُ مكان الإيفاء. وقد اختلف قولُه في ذلك على روايتين؛ قال في إحداهما: ولو أسلفه واشترط عليه الإيفاء في غير الموضع الذي عقدا فيه السلم لم يجُز. وقال في الأخرى: ولو أسلفه على أن يوفيه في مكان كذا, ثم لقيه دون مكانه فقال: خُذ طعامك مني, وأنا أحمله إلى مكان كذا, فلا بأس به. ولا يختلف قوله في السلم في المعدود على روايتين؛ فقال في إحداهما: لا يجوز. وقال في الأخرى: يجوز إذا ضُبط بصفة.

ولا بأس بالسلم في الخُبز, يقول: خُبُز خُشَار أو حويري. ويجوز السلم في الرؤوس, يقول: رأس ثَنيٍّ معلوم, رأس ضأن, رأس ماعز. ولا يجوز السلم إلا بالعين والورِق خاصة, ولا يجوز أن يُسلم غيرها في جنسه ولا في غير جنسه. ولا يجوز أن يسلم عينا في ورق, ولا ورِقا في عين, ولا ذهبا في ذهب, ولا ورقا في ورق. ولا يُسلف فيما أصله الكيلُ وزنا, ولا ما أصله الوزن كيلا. ومَن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره. فإن أسلم في بُر فعدِم البرَّ عند المحِل ووجد شعيرا, فاختار المُسلم أن يأخذ منه مكان البر شعيرا قفيزًا بقفيز, جاز ذلك في إحدى الروايتين. ولم يجز أن يأخذ معه أكثر من ذلك على حال. والرواية الأخرى: يبطل السلم, وليس للمسلم إلا رأس ماله. ولا يجوز أن يأخذ من غير جنسه ما أسلم فيه, وبهذا أقول؛ لما رواه عطيةُ بنُ سعد عن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن أسلف في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره ". ولو أسلم في جنسين ثمنا واحدا لم يجُز حتى يُبيِّنا ثمن كل جنس. وكذلك لو أسلفه في كُرِّ حنطة خمسةَ دنانير وخمسين درهما لم يجز أن يُفرد بالذهب منه شيئًا معلوما, وبالورق شيئًا معلوما؛ لأنهما جنسان. قال: ولا يسلم فيما ينقطع أصله. ولا يجوز أن يُسلم في ثمرة نخلة بعينها, ولا في ثمرة قَرَاح بعينه, ولا في زرع قَراح بعينه, أو قرية بعينها. فإن فعل, فالسلمُ

باطل. فإن أسلمه في غلّة من طُسوج بعينه جاز. وإذا أسلم في شيء لم يجز أن يأخذ بعض ما أسلم فيه عند المحل وبعض رأس ماله. ولا يجوز بيع السلم قبل قبضه, ولا هبته, ولا الحوالة به. ولا أن يولِّيه غيره. فإن فعل كان فعله باطلا. ولا بأس بأخذ الرهن والحَميل في السلم في إحدى الروايتين. وهو قول ابن عباس رضي الله عنه. والرواية الأخرى: لا يأخذ رهنًا ولا كفيلًا في السَّلم. وهو قول علي بن أبي طالب, وابن عمر رضوان الله عليهما. ولو أسلفه في شيء معلوم فخرج الثمن زيوفًا, فعلى روايتين؛ إحداهما: قد بطل السلم كله, كالصرف. والرواية الأخرى: يَرُدُّ من المُسلم بحساب الزائفةِ, ويصح فيما بقي. قال: ولو أسلفه دراهم في سَلَم, فثبت أنها مسروقة, بطل السلم. ولا بأس باللحم إذا ذكر جنسه, وضبطه بالصفة: لحم ضأن, لحم ماعز, ثنيّ, رباع, لحم كتف, لحم فخذ. وما في معنى ذلك. وكذلك لا بأس بالسلم في السمن والزبد إذا ضُبط بصفةٍ: ماعزٍ أو ضأنٍ أو بقر. ولا بأس بالسلم في الحرير والثياب إذا ذكر الجنس, والطول, والعرض: ثوب صفيق, خفيف, بين الثوبين. وكذلك لا بأس بالسلم في الشَّهْد؛ لأنه موزون. واختلف قوله في السلم في البيض والجوز وما في معنى ذلك على روايتين؛ أجازه في إحداهما إذا أمكن ضبطه بالصفة, ومنع منه في الأخرى. ولا بأس بالسلم في الرقيق, يقول: عبدًا روميًا, حبَشيًا, خُماسيًا أو سُداسيًا.

وكذلك الحيوان من الدواب يصفها بجنسها ولونها: ثَنيّ, رُباع, قارح, وما في معنى ذلك. فإن أسلم في صوفٍ قال: صوف ضأن أسودَ, أبيض. وقال بعض شيوخنا: ويسمي صوفَ ضأن بلدِ كذا, لاختلافه في البُلدان. ولو اختلفا في مكان الإيفاء كانَ القولُ قولَ المسلَم إليه مع يمينه. وكذلك لو اختلفا في الأجل.

باب الإجارة

باب الإجارة قال الله عز وجل: {إني أريد أن أُنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجُرني ثماني حجج} الآية [القصص:27]. والإجارة على المعلوم جائزة, إذا ضربا أجلا معلوما, وسمَّيا أجرًا معلوما. ويملك المستأجر المنافع بالعقد. ويملك المؤجر عليه الأجرة حالَّة, إلَّا أن يتفقا على أجل في الأجرة, فتكون إلى أجله. فإن امتنع المؤجر من تسليم ما آجره, فلا أجرةَ له مدة المنع. وإن سلَّم فامتنع المستأجر من استيفاء المنافع, ولا مانع له عنها, فهو أتلف حقَّ نفسه, والأجرة عليه. فإن وقعت الإجارةُ على دارٍ فخربت, أو على أرضٍ فغرقت, أو انقطع شربها, فلا أجرة للمؤجر من يوم الهدم, أو الغرق أو انقطاع الشُّرب. ولا يجوز استيفاء المشاع إلا من الشريك المختلط؛ لأن المنافع تكمل له, فيمكنه استيفاؤها. ومَن أكرى دابّة بعينها إلى بلد فماتت في بعض الطريق, أو عطبت, انفسخ الكراء فيما بقي. وكذلك الأجيرُ يموت قبل انقضاء مدةِ الإجارة. ويلزم المستأجر من الأجر بحساب ما ركب, وللأجير بقدر ما عمل. فإن كانت الإجارة انعقدت على حُمولة بعينها, فماتت الدابة, فليأتِ المُكري بغيرها لحمل المستأجر إلى المكان الذي وقعت الإجارةُ على التبليغ إليه. ومن استؤجر لعمل شيء معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل. فإن استؤجر في كل يوم بأجر معلوم, فله أجرةُ كل يوم عند تمامه. ومن آجر نفسه لردِّ آبقٍ فله الأجر إذا ردَّه. فإن ردَّه بغير عقد إجارة ولا اشتراطِ

جُعْل, فإن كان من خارج المصر؛ فعلى روايتين؛ إحداهما: له دينارٌ أو اثنا عشر درهما. والرواية الأخرى: له أربعون درهما. وإن رده من المصر, فله عشرة دراهم قولا واحدا. ولو استأجر غلاما شهرا ثم جاء به آخر الشهر, فقال: قد كان أبق مني منذ يوم أخذته, أو أبق مني أياما. فإن أقام بينة على الإباق سقط عنه الأجر بقدر مدة الإباق. وإن عدِم البينة لم يقبل قوله, وعليه جميع الأجر. وكذلك لو ادعى أنه مرض عنده منذ يوم أخذه وقد جاء به صحيحا, وقال: لم يعمل. وقال الغلام: بل عملتُ عنده. لم يُقبل قوله على ما يدعيه من المرض إلا ببينة؛ لأنه كان في حيازته وبيته مدة الإجارة. وكذلك لو أقر العبدُ أنه لم يعمل, فإن ادعى في أوَّل الإجارة أنه هرب, فالقول قوله مع يمينه. ولا بأس بمشارطة الطبيب على البُرء. والإجارة على الحمولة إلى مكة جائزة إذا شاهد الجمَّالُ الراكبين والمحامل والأغطية والأوطية. وكذلك الإجارة لحمولة رِطلِ بعينه إلى مكة جائزةٌ. والأجراءُ ضامنون ما جَنَت أيديهم, وما فرَّطوا في حفظه, فهلك, قولا واحدًا. فإن هلك في أيديهم هلاكًا ظاهرا بغير جناية منهم ولا تفريط في حفظه, كاللصوص والنهب والحريق وما أشبه ذلك, فلا ضمان عليهم قولا واحدًا. وما عُلم هلاكه من جهتهم بغير جناية منهم ولا تفريط في حفظه, فهل عليهم ضمانه أم لا؟ على روايتين؛ إحداهما: إذا صدَّقهم في قولهم, فلا ضمان عليهم. فإن اتُّهموا فليس عليهم إلا اليمين. والرواية الأخرى: إذا لم يكن الهلاك ظاهرًا لم يُصدِّقهم وعليهم الضمان. وكذلك الراعي والخيَّاط, والنسَّاج والقصَّار. وسواءٌ كان

الأجير خاصا أو مشتركا, مالم يكن العمل في بيت المستأجِر. فأمَّا إذا كان في بيته, فلا يضمن الأجير ما هلك بغير فعله قولا واحدا. ومَن عمل منهم فيما هلك عملا, فلا أجرة له لما عمل. وكذلك الصبَّاغ. ولا ضمان على الحمَّامي مالم يتعدَّ أو يخن. ولا ضمانَ على الملَاح فيما هلك من السفينة هلاكًا ظاهرًا, أو غرق فيها بغلبة ريح لا يمكنه ضبطها قولا واحدا. فإن هلك منها شيء بفعله أو جنايته, مثل أن يقال له: توقَّ هذه الصخرة في طريقك لا تمرَّ عليها. فقصد السير عليها, فانكسرت السفينة وغرق ما فيها, أو قيل له: توقَّ الدخول إلى موضع كذا؛ لأجل الخوف فدخله, فأصيب, ضمِن؛ لأنه خالف وجَنى. وما هلك بغير جنايته ولا فعله هلاكًا لم يعلم إلا من جهته فهل يضمن أم لا؟ على روايتين. والراعي إذا غلبه سبعٌ فأكل بهيمة معه لغيره, أو قهره لصوصٌ على أخذ الغنم لم يضمن. فإن نام أو غفل عن الحفظ, فسُرق منها شاةٌ ضمن, وكذلك لو جاءَ بجلد شاة, وقال: ماتت. قُبل قوله ولم يضمن. وقيل عنه: لا أقبل قوله وعليه الضمان. قال: ولو استأجر دابة فذهب بها, ثم جاء, فقال: ماتت في بعض الطريق. فالقول قوله ولا ضمان عليه. وعلى الرواية الأخرى: يلزمه الضمان إذا لم يأت ببينة على موتها. قال: ولو استأجره لبناء ألفِ لبنة في حائط, فبناه بها, ثم سقط الحائط, فللبنَّاء أجرُه؛ لأنه قد وفَّى بالعمل. وكذلك لو استأجره يومًا يبني له فيه, فعمل فيما استأجره فيه يومه, ثم سقط البناء, فله الأجرة. فإن قال له: ارفع لي هذا الحائط كذا وكذا ذراعًا. فله أن يرفعه. فإن عمل بعضه فسقط, فعليه تمام ما وقعت الإجارةُ عليه من الذرع.

قال: ولو استأجر ملاحا يحمل له طعامًا ودفعه إليه كيلًا, وأشهد عليه, فنقص الطعام, فعلى الملاح ضمان ما نقص. فإن زاد, فالزيادة لربِّ الطعام. ومن اكترى دابة إلى مكان بعينه, فتعدى بها المكان الذي اكتراها إليه, فعليه أجرة المثل بقدر ما اعتدى فيه. فإن هلكت الدابة أو نقصت ضمِن قيمتها في الهلاك, وقيمة نقصانها إن لم تهلك. وكذلك لو استأجر دابة لحمولةٍ بعينها, فزاد عليها, ضمن قيمة الدابة إن عطبت, وأجرة الزيادة. وإن سلمت الداية كان عليه الأجرة وأجر الزيادة. قال: ولو دفع إلى قصار ثوبا ليَقصُرَهُ, ثم هلك الثوب من يده مقصورًا, فعليه قيمة الثوب خاما, ولا أجرةَ للقصار فيما عمل فيه. فإن دفع إلى حائك غزلا فأفسد حياكته فهو ضامن؛ لأن هذا فساد يده, فإن دفع إلى حائك غزلا لينسجه على الثلث أو الربع, فأفسده, لم يكن عليه شيء؛ لأنه شريك فيه, وشبّهه بالمضارب. والذي يقوى عندي هاهنا أنه يضمن؛ لأن الفساد إذا جاء من قبله كان جناية يده, فوجب أن يضمن, كالمضارب لو جنى أو تعدى ضمن. ولو اكترى دابة فضربها ضربا لم يتعدَّ فيه, وكان صاحبها يضربها مثله لم يضمن وإن هلكت, وإن تعدَّى فيه ضمن. ويتوجه أن يضمن على الوجهين جميعا. والأول هو المنصوص عنه. قال: ولو أخطأ الأجير المشترك فدفع ثوبا كان عنده ليقصُره إلى غير صاحبه, فضمانه على القصار؛ لأنه هو دفعه إلى غير مالكه, فهي جناية يده. ولا يسع المدفوع إليه لبسه, ولا الانتفاع به إذاع علم أنه ليس بثوبه, وعليه رده إلى القصار ومطالبته بثوبه. وإن لم يعلم القابض حتى لبسه ثم علم, رده مقطوعا, وضمن أجرة القطع واللبس للقصار. وله مطالبته بثوبه إن كان موجودًا. وإن كان هالكًا, فهل على القصار ضمانه أم لا؟ على روايتين كما بينَّا.

ولو دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه, فصبغه أسود, فقال رب الثوب: أمرتُك أن تصبغه أحمر. وقال الصباغ: بل أمرتني أن أصبغه أسود. أو دفعه إلى خياط فقطعه قميص امرأة, فقال رب الثوب: أمرتك أن تقطعه ثوب رجل. فقال الخياط: بل أمرتني أن أقطعه قميص امرأة. أو قطعه قباء, وقال: بهذا أمرتني, وقال رب الثوب: بل أمرتك أن تقطعه قميصا. فقد اختلف قوله هاهنا, فروي عنه: إذا لم يكن الرجل ممن يلبس الأقبية ولا السواد, فالقول قوله: وعله الصابغ ضمان ما أفسد, وغرم ما نقص الثوب بالقطع. وروي عنه رواية أخرى أنه قال: القول قول المدفوع إليه مع يمينه عند عدم بينة رب الثوب على ما يدعيه. ولو اختلف رب الدار والمستأجر في قدر الأجرة؟ فقال رب الدار: أجرتكها بعشرين في كل شهر. وقال المستأجر: استأجرتها بعشرة دراهم في كل شهر. كان القول قول مالك الدار مع يمينه عند عدم بينة المستأجر. والإجارة لا تنفسخ بالموت ولا بالبيع. فإن علم المشتري بالإجارة فليس له التصرف في المنافع إلا بعد انقضاء مدة الإجارة. وإن لم يعلم بالإجارة كان ذلك عيبا, والمشتري بالخيار, إن شاء رد, وإن شاء أقام على البيع, والغجارة صحيحة. وقال: وليس للأجير أن يتشاغل عما استؤجر له بشيء من حوائجه إلا بإذن مُستأجره. فأما أجير المشاهرة فله أن يشهد الجمعة والأعياد وإن لم يشترط ذلك. ولا يدع الأجير الصلوات في أوقاتها. ولا يتطوع بعد أداء الفرائض إلا بالسنن المؤكدات دون غيرها. قال: ولا بأس أن يجعل للسمسار فيما يبتاعه من المتاع من كل ألف درهم شيئًا معلوما. قال: ولو أمر سمسارًا أن يبتاع له متاعا موصوفا, فاشتراه له بمال دفعه الآمر إليه أو ابتاعه السمسار له, ولم يقبض منه ثمنه, فأبى الآمر أن يقبضه, لزمه قبضه؛ لأنه ابتاعه بأمره. فإن هلك المتاع في يد السمسار بغير جناية, فمن مال

الآمر هلك. ولو أمر أن يبتاع له متاعا موصوفا بمئة دينار, فابتاعه له بأقل منها لزم الآمر. ولو قال: ابتع لي متاعا, ولم يصفه, فاشترى متاعا, فأبى الآمر أن يأخذه لم يلزمه. قال: ولو ابتاع من سمسار عدة ثياب, وقال: ادفعها إلى القصار, وأمره أن يرقُمها برقم كذا, ففعل السمسار, وخرجت الثياب من عند القصار, وتسلمها ربها, وسافر بها لم يجز له أن يبيعها مربحة, إلا أن يكون هو تولى رقهما بنفسه؛ لأنه لا يعلم ما صنع بها القصار. قال: ولو دفع إلى سمسار مالا يعمل به واصطلحا على الربع والثلث من الربح, فكان السمسار يدفع إليه في كل يوم شيئا معلوما زائدا أو ناقصا, ثم طلب رب المال ماله بعد زمان, فدفع إليه السمسار, وقال: الذي كنت أدفعه إليك كان من رأس مالك, ولم أكن أربح شيئا. فالقول قول السمسار مع يمينه فيما يذكره. قال: ولا بأس باستئجار الأجير بطعامه وكسوته. قال: ولا بأس باستئجار المرأة الحرة للخدمة, وليصرف بصره عنها, ولا يخلُ بها. واختلف قوله في أجرة المعلمين؛ فروي عنه أنه أباحها لهم, وقال: التعليم أحب إلي من أن يستدين, لعله لا يقدر على رد ذلك, فيلقى الله بأمانات الناس. قال: وهو أحب إلي من أن يتوكل للسلاطين. ولا يُشارط ويأخذ ما يُعطى. وروي عنه أنه قال: ما يعجبني التعليم, وشدد فيه. أراد بذلك النهي عن أخذ الأجرة على تعليم القرآن, لا أنه نهى عن التعليم. وكره أن يؤجر الرجل نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني. قال: فإن فعل قُضي له بالكراء. فإن آجر نفسه لحمل مرحم لمسلم كانت الكراهية أشد, ويأخذ الكراء, وهل يصيب له أم لا؟ على وجهين؛ أوجههما: أنه لا يطيب له, ولْيتصدق به.

ونهى عن كسب الحجام وقال: هو شر كسب. قال: ولا يأكله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " لا تأكله, واعلفه الناضح ". ولو استأجر دابة عشرة أيام بأجرة معلومة, فقال ربها للمستأجر: إن حبستها فعليك بكل يوم درهم. كان جائزًا.

باب الشركة

باب الشركة قال: ولا بأس بشركة الأبدان, وإن لم يكن لهم مال, كالصيادين والنقالين والحمالين, ونحو هذا. قد اشترك عمار وسعد وابن مسعود يوم بدر بأبدانهم, فجاء سعد بأسيرين, ولم يأتِ عمار ولا ابن مسعود بشيء, فكانوا شركاء. فشركة الأبدان جائزة, عملا في موضع واحد أو في مواضع متفرقة. وشركة الأموال جائزة, اختلف المالان أو تساويا, عملا جميعا أو أحدهما, والربح على ما اصطلحا عليه. والوضيعة على قدر رؤوس الأموال. ولو اشترك رجلان: أحدهما بماله والآخر ببدنه كان جائزًا, والربح على ما اصطلحا عليه, والوضيعة على المال دون البدن. ولا ضمان على الشريك إلا أن يخون أو يخالف أو يتعدى. ولا يجوز لأحد الشريكين مشاركة ثالث بغير إذن شريكه. ولو استدان أحد الشريكين بغير إذن صاحبه لم يلزم شريكه, إلا أن يكون جُعل له في أصل عقد الشركة. أو قال كل واحد منهما لصاحبه: ما استدنت فعلي. فيلزمه ما استدان شريكه. وشركةُ المفاوضة جائزة. والشركة بالعُروض باطلة في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: هي جائزة.

ومتى افترق الشريكان وبينهما في الشركة عين ودين, فاقتسما بالعين جاز. فإن اقتسما بالدين على الغرماء, فقال أحدهما: ما على فلان لك, وما على فلان علي, وتراضيا بذلك, لم يجز, وكان يُبض من الدين بينهما, وما يَتْوى منه فمنهما. ولو اشترك رجلان: أحدهما بماله والآخر ببدنه, واتنفقا على أن الربح بينهما نصفين, ثم عملا فلم يربحا, فلا شيء لصاحب البدن, ولا أجرة له فيما عمل. ولو اشتركا بماليهما, وجاء كل واحد منهما بمئة درهم, ولم يخلطاها بعد عقد الشركة بينهما حتى ذهب أحد المالين, كان منهما؛ لأن الشركة بالأقوال عنده, خلطا المالين أو لم يخلطاهما. ولو اشترك رجلان, فجاء أحدهما بخمسين دينارا, وجاء الآخر بألف درهم, فاشتريا بالعين خاصة جارية فهلكت, فمن ماليهما, إذا كانا ابتاعاها للشركة. وإذا استرك رجلان: أحدهما بعين, والآخر بقيمة العين ورِقا جاز. فإذا افترقا رجع كل واحد منهما بمثل رأس ماله من العين والورق. ولو اشترى رجل متاعا, فقال لرجل: يا فلان, أنت شريكي في نصفه. وقبل الشريك ذلك, جاز, ونصف الربح للشريك, والوضيعة على رب المال خاصة. وكذلك لو قال رجل لرجل: ابتع متاعا كذا وكذا أنا شريكك. فقال: نعم. وابتاع المتاع, جاز, والربح بينهما على ما اصطلحا, والوضيعة على المال. قال: ولو اصطلحا على أن الربح بينهما, والوضيعة عليهما نصفين, لم يجز, وكان الربح بينهما على ما اصطلحا عليه, والوضيعة من المال دون البدن. فإن اشتركا على أن لأحدهما النصف وزيادة عشرة دراهم لم يجز, ولكن يقول: الثلث, الربع, الثلثان. فأما أن يعين دراهم معلومة فلا يجوز؛ لأنه يجوز أن لا يربحا قدر ما سمَّيا من الدراهم.

قال: ولو كانا شريكين في زرع, لم يكن لأحدهما أن يأخذ شيئًا من السنبل فيفركه ويأكله إلا بإذن شريكه. ولو اشترك رجلان ولأحدهما حانوت أو خان فعملا فيه, ولم يشترط صاحب الحانوت أن له أجرة لحانوته, لم يكن له على شريكه أجرة لمدة عملهما في الحانوت, إلا أن يشترط عليه الكراء, فيلزمه. وليس لأحد الشريكين أن ينفق أكثر من نفقة شريكه, فإن احتاج إلى ذلك استأذنه في قدر معلوم من الزيادة على ما يأخذ شريكه. وإن اتفقا على شيء معلوم من النفقة لكل واحد منهما كان أحوط. ولو عمل أحد الشريكين في الشركة عملا ببدنه لو عمله غيره استحق عليه أجرا, ولم يكن اشترط على شريكه أن له أجر ما يعمله, لم يكن له أجرة لما عمل. واختلف قوله إذا كان أحد الشريكين أبصر بالتجارة وأقوم بالعمل, فقال: أنا أعمل ببدني, وآخذ أجرًا لعملي. واشترط على الشريك ذلك, هل له أن يأخذ أجر ما يعمله وسطا أم لا؟ على روايتين؛ أوجب له ذلك في إحداهما مع الاشتراط. وقال في الأخرى: لا يعجبني أن يأخذ أجرًا وهو شريك. ولو باع الشريكان أحدهما قبل الآخر, كان البيع بيع الأول منهما. ولو باع أحد الشريكين جميع السلعة, جاز بيع حقه منها بحصته من الثمن في إحدى الروايتين, وفي الأخرى قال: بيعه باطل في الجميع, إلا أن يكون مأذونا له, فيصح بيعه في حقه وحق شريكه. ولو كان لهما على رجل دين فأخَّره أحدهما دون الآخر, جاز تأخيره في قدر حقه. وقيل: يجوز تأخيره في حقه وحق شريكه, إلا أن يكون قرضا. ولو وُسْوسَ أحد الشريكين أو جُنَّ خرج من الشركة, وسلَّم الشريك حقه من المال إلى وليه.

ولو اشترك ثلاثة نفر, فباع أحدهم بيعا ثم جحد, فشهد الشريكان عليه, جازت شهادتهما, ولو كان المشتري جحد الشراء, فشهد الشريكان عليه, لم يجز؛ لأن لهما حقًا في المبيع. ولو باع أحد الشريكين جارية له ولشريكه, فوجد المبتاع بها عيبا, وقد غاب البائع, كان له مطالبة الشريك بحصته من أرش العيب.

باب المضاربة

باب المضاربة المضاربة بالعين والورق جائزة. ولا تجوز بالعروض في الأظهر من قوله. والربح على ما اصطلحا عليه, والوضيعة على المال. ولا يجوز أن يشترط المضارب مع حصته من الربح فضل دراهم. ونفقة المضارب من نصيبه, وليس على رب المال نفقته. ولا يستحق ربحا حتى يَنِضَّ رأس المال, فإن عمل فربح ثم عمل فوضع قبل قسمة الفائدة, جبرت الوضيعة من الربح. وكذلك لو ابتاع سلعتين فربح في إحداهما ووضع في الأخرى, فإن كانا عملا واحتسبا واقتسما المال, ثم عملا فوُضعا, كانت الوضيعة من المال, ولم يلزم المضارب أن يجبرها من الربح المقتسم عليه. ويجوز توقيت المضاربة عنده, مثل أن يدفع إليه مالا, فيقول: ضارب به شهرا, ثم هو قرض عليك. ولا يجوز أن يعطيه مالا , فيقول: هو قرض عليك شهرا, ثم هو بعد الشهر مضاربة. وإن أخذ المضارب نفقته من المال كانت دينا عليه, إلا أن يشترط له ذلك رب المال. ولا يجوز المضاربة بالدين قبل قبضه, ويجوز ذلك بالوديعة قبل قبضها. والمضارب أمين لا ضمان عليه في تَوى المال, إلا أن يخون أو يُخالف. فإن

خالف؛ فالربح كله لرب المال قولا واحدا. وهل للمضارب أجرة مثله أم لا؟ على روايتين: وإن تلف المال كله كان ضامنا لمخالفته. فإن اختلف رب المال والمضارب في الربح, فقال رب المال: لي الثلثان. وقال المضارب: بل اشترطتُ عليك أن لك الثلث. فالقول قول رب المال. فإن قال رب المال: دفعت إليك ألفين. وقال المضارب: دفعت إلي ألفا. فالقول قول المضارب. وكذلك لو قال رب المال: أمرتُك أن تبيع بالنقد. وقال المضارب: أمرتني أن أبيع بالنقد وبالنسيئة. كان القول قول المضارب. ويتوجه وجه آخر: أن القول في ذلك قول رب المال. وكل من قلت: القول قوله, فعليه اليمين عند عدم بينة صاحبه.

باب المساقاة

باب المساقاة والمساقاة جائزة في الأصول, كالنخل والكرم إذا استؤجرت الأرض بأجرة معلومة على النصف مما تخرج من الثمر, أو الثلث, أو نحو ذلك. والباقي للعامل بحق عمله. ولا يجوز أن يُجعل للعامل مع سهمه أجر. والعمل كله, من السقي, والتأبير, وتسوية النخل, والحفظ, وأجرة العوامل للسقي, والحرث, على العامل دون رب الأرض, وما كان من كراء عمود, وحفر نهر, وإنشاء ساقية وما في معنى ذلك, فعلى رب الأرض. وكذلك ما كان من بناء دولاب وعمارته ومَرَمَّته والخراج, فذلك كله على رب الأرض دون العامل. وما كان من طريق الماء واستسقائه من دولاب وغيره, وأجرة الأجراء للعمل, فداخل في جملة ما على العامل دون رب الأرض. وإن وقعت المعاملة على الأرض والنخل على أن يكون البذر من رب الأرض وله من الريع سهم معلوم بحق أرضه, ومن الثمرة سهم معلوم بحق نخله, وللعامل سهم معلوم من الريع والثمرة بحق عمله, جاز ذلك, إذا لم يرتجع رب الأرض بدل بذره, ويكون الكِراب والتقطيع وسائر العمل على العامل. قال: ولا يقرض رب الأرض العامل شيئًا؛ لأنه يكون قرضا جر منفعة. والشركة في المزارعة جائزة إذا كانت الأرض لأحدهما والبذر من عنده, والعمل, والنفقة, والعمارة, والكراب, والسعي على الآخر. فإن كانت الأرض لغيرهما, فاستأجراها بأجرة معلومة مدة معلومة, وتشاركا في زراعتها والبذر من

عندهما, أو كانت الضيعة ملكهما واشتركا في زراعتها على ما قدمت ذكره, فالشركة صحيحة, والريع بينهما على ما اصطلحا عليه. فأما إن كان البذر من أحدهما, والأرض للآخر, والعمل على أحدهما أو عليهما, واتفقا أن الريع بينهما, لم يجز, وكان الريع لصاحب البذر, ولصاحب الأرض أجرة أرضه. وكذلك لو كان البذر من رب الأرض, وتشارطا أن يرتجع مثل بذره ويقتسما ما بقي, لم يجز, وكان الريع كله لصاحب الأرض, وعليه للعامل أجرة مثله. وإن اكتريا أرضا من غيرهما واشتركا في زراعتها, على أن البذر من أحدهما والعمل على الآخر, لم يجز, وكان الريع لصاحب البذر, وللعامل أجرة مثله في الأظهر من القول عنه. وقيل عنه: يجوز ذلك. وهذا من قوله مبني على جواز الشركة بالعروض. ولا بأس باستكراء الأرض بالأجر المعلوم من عين أو ورق أو حب معلوم. وقد قيل عنه: لا تكرى الأرض بجنس ما يزرع فيها, مثل أن يكريها ببر ممن يزرعها برا, فإذا آجرها ببر لمن يزرعها شعيرا جاز. وهذا منه على طريق الكراهية لا على طريق الحظر. فإن كانت الأرض ذات نخل وشجر, فاستأجر البياض دون النخل أو الشجر جاز. وإن استأجر الأرض وما فيها من نخل, لم يجز إلا على وجه المساقاة على ما بينت. قال: ولو زارع رجلا على الثلث, أو الربع, أو عامله على نخل أو شجر, لم يكن للعامل أن يبيع نخله من غيره, ولا أن يبيع سهمه من غيره. وإن فعل, كان البيع باطلا, فإن باع حقه من الزرع بعد بدو صلاحه جاز. واختلف قوله في الرجلين تكون لأحدهما أرض لا شرب لها وللآخر الماء, فيقول رب الأرض لرب الماء: أنا أزرع أرضي على أن تسقيني من مائك والزرع بيننا. على روايتين؛ أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى, والأول أظهر. ومتى حصل للأكَّار من الزرع خمسة أوسق فأكثر, فالزكاة عليه واجبة وقد

بينته في باب الزكاة. قال: وما تساقط من الحب وقت الحصاد ثم نبت في العام المقبل وصار زرعا, كان لرب الأرض دون العامل أو المستأجر. ولو آجر أرضه سنة ممن يزرعها, فزرعها المستأجر, فلم تنبت في تلك السنة شيئا, ثم أنبتت في السنة الأخرى, كان الزرع للمستأجر, ولرب الأرض الأجرة بحساب ما احتبست الأرض. وليس لرب الأرض مطالبة المستأجر بقلع زرعه قبل إدراكه. ومن آجر أرضا فغرقت, انفسخت الإجارة. فإن ظهر فيها سمك كان لرب الأرض. ومن حصل له من أرضه من الحب خمسة أوسق فصاعدا, فأخرج عشره, ثم بقي عنده سنتين لا يريد به التجارة, فلا زكاة فيه قولا واحدا إلا أن يبيعه فيستقبل بثمنه حولا, ثم يزكيه إن كان نصابا, فإن نوى به التجارة ولم يبعه حتى حال الحول, فهل عليه أن يقومه ويخرج ربع عشر قيمته أم لا؟ على روايتين: أظهرهما: أنه يقومه بعد تمام الحول من يوم أراد التجارة ويزكيه. والأخرى: لا زكاة فيه, وإن نوى به التجارة, إلا أن يبيعه ويستقبل بثمنه حولا, ثم يزكيه. واختلف قوله في الرجل يقول لرجل: جُذَّ نخلي أو احصد زرعي بالثلث منه أو الربع, على روايتين؛ أجاز ذلك في إحداهما بما اتفقا عليه, ومنع منه في الأخرى, وقال: للعامل أجرة مثله, وكره الحصاد والجذاذ ليلا, وأباح اللِّقاط, ونهى أن يمنع منه. ومن ابتاع تمرا في رؤوس النخل, فأصابته جائحة سمائية أو أرضية من برد أو ريح أو حر أو ما في معنى ذلك, فأهلكته أو بعضه, فللمشتري أن يرجع بالجائحة على البائع. وسواء كانت بقدر الثلث أو أكثر أو أقل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع

الجوائح, ولم يخص منها قليلا من كثير. ومن أعرى ثمر نخلات من حائط لا يبلغ قدرها خمسة أوسق, فوهبها لرجل, جاز أن يبيعها بخرصها تمرا كيلا بعد زهوها, ولا يجوز ذلك في خمسة أوسق فأكثر. ولا يكون ذلك من باب ما نهي عنه من المزابنة, لأثر الوارد فيه.

كتاب الشفعة, والهبة, والصدقة, والقرض والحبس, والرهن, والعراية, والوديعة واللقطة, واللقيط, والغصب

كتاب الشفعة, والهبة, والصدقة, والقرض والحبس, والرهن, والعرايّة, والوديعة واللقطة, واللقيط, والغصب وإنما الشفعة في المشاع, ولا شفعة فيما قد قسم, ولا لجار, ولا في طريق, ولا في عرصة دار قد قسمت بيوتها, ولا في نخل ولا بئر إذا قسمت النخل والأرض, ولا شفعة بالشرب, ولا شفعة إلا في الأرض وما يتصل بها من الباء والغراس, فإنه تبع لها. ولا شفعة في حمام, ولا حيوان, ولا سيف, ولا حجر. ولا شفعة فيما لا ينقسم. وقد روي عنه رواية أخرى أن الشفعة فيما لا ينقسم, كالحجر والسيف والحيوان, وما في معنى ذلك, لأن الشفعة موضوعة لرفع الضرر, وحصول الضرر بشركة ما لا ينقسم أبلغ منها فيما ينقسم. ولا شفعة للحاضر إذا علم بالمبيع, فأمسك عن المطالبة, ولا للغائب إذا علم فلم يُشهد على مطالبته في حال الغيبة, فإن لم يعلم, فهو على شفعه متى حضر. فإن كان المشتري أحدث فيها بناء, ثم قدم الشفيع فطالب بالشفعة, كان عليه الثمن وقيمة البناء قائما. ولا يؤمر المشتري بقلع بنائه؛ لأنه بنى في ملكه وهو غير متعدّ. وكذلك لو غرس فيها غراسا, أو حفر فيها بئرًا, وكان المشتري هدمها بعد الشراء, ثم قدم الشفيع فطالب بالشفعة, كان له أخذها بالقيمة. ولو اشترى دارًا بألف فباع بابها بألف, وكانت قيمة الدار بعد ذلك ألفا, ثم جاء الشفيع فطلب الشفعة, أخذها بخمس مئة.

ومن اشترى شِقصًا من دار وعرض وحيوان صفقة واحدة, فطالب الشريك في الدار بالشفعة, كان له أخذ الشقص بقيمته من الثمن, ولا يلزمه أخذ العروض والحيوان مع ذلك. ولا شفعة لذمي على مسلم في خلطة, ولا مجاورة بحال؛ لحديث الثوري عن حُميد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا شُفعة لنصراني ", وقال الشعبي: ليس ليهودي ولا لنصراني شفعة. وهو قول الحسن البصري. وللصغير الشفعة إذا بلغ, فإن أمسك عن طلبها بعد البلوغ والعلم, فلا شفعة له, ولوليه المطالبة له بالشفعة في حال صغره إذا كان فيها نظر له. ولو تبايع ذلك جماعة كان للشفيع مطالبة أيهم شاء بالشفعة, ما لم يظهر تسليمه المبيع إلى مشتريه منه. فإن سلمه إليه تسليما ظاهرا, أو ثبت أنه في يده, فالخصومة في الشفعة بين الشفيع وبين مَن الملك في يده. وقال بعض أصحابنا: إن للشفيع مطالبة أيهم شاء, وإن كل من اشترى منهم ثم باع فهو خصم في الشفعة, سواء كان المبيع في يده أو في غير يده. والأول اختياري. وعهدة الشفيع على المشتري. وعهدة المشتري على البائع. والشفعة لا تُوهب, ولا تباع, ولا تورث, ما لم تقع المطالبة من الشفيع بها قبل وفاته. ولا شفعة فيما بيع بالخيار قبل انقضاء مدة الخيار واستقرار البيع. فإذا انقضت واستقر, وجبت المطالبة بها للشفيع.

والشفعة بين الشركاء بقدر الأنصباء في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: هي بينهم على عدد الرؤوس, فإن تركها بعضهم وطلبها البعض, لم يكن لطالبها إلا أخذ جميع المبيع أو الترك. ولا يجوز أن يقول: آخذ بقدر حقي من الملك. فإن فعل سقطت شفعته في جميع المبيع. ولا شفعة فيما بيع من البناء دون الأرض. ولا شفعة في الثمار, ولا فيما بيع من الغروس للقلع دون الأرض. ولا شُفعة في الوقف, ولا بالوقف, ولا في الصدقة. ولا شفعة في الهبة وإن عاوض عليها, إلا أن يقصد بها الحيلة لإبطال الشفعة. ومن اشترى دارا فجعلها مسجدا, فقد استهلكها, ولا شفعة فيها. قال: ولا شفعة في أرض السواد, ولا فيما فتح عنوة؛ لأنه لجميع المسلمين. ومن قال قبل البيع: ترتكتُ شفعتي, أو: قد وهبتها, أو: قد نزلت عنها. كان له المطالبة بها بعد البيع. ومن ابتاع عقارا فطولب بشفعته فقايل البائع البيع, لم تسقط الشفعة بالإقالة. وللشفيع انتزاع المبيع من يد البائع بالثمن الذي انعقد به البيع قبل الإقالة. ولا شفعة فيما جعل صداقا للمرأة من الأرض. وقال بعض أصحابنا: للشفيع أن يأخذ الشقص بقيمته. والأول أصح, وبه أقول.

الهبة

الهبة ولا تتم هبة ولا صدقة إلا مقبوضة. وقيل عنه: إن القبض معتبر فيما يكال ويوزن من الهبة دون غيره. والأول عنه أظهر وأصح. وهبة المشاع, وصدقته, ورهنه, ووقفه جائز قولا واحدا. وهبة الرجل لبعض ولده منهي عنها, فإن فعل أُمر بالعدل بينهم في العطية, وإلا رده. كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اردده". رواه أحمد بن حنبل, أنبأنا سفيان ابن عيينة, أنبأنا الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير وحميد ابن عبدالرحمن بن عوف, أخبراه أنهما سمعا النعمان بن بشير قال: نحلني أبي غلاما, فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهده, فقال: "أكل ولدك نحلت؟ " قال: لا. قال: "فاردده". فإن لم يفعل حتى توفي الوالد والهبة في يد الموهوب له, لم يرجع فيها الأب ولا حكم ببطلانها حاكم, ثبتت الهبة له دون باقي الورثة. وقيل عنه: إن ذهب ذاهب إلى أنها ترد بعد الموت وتكون ميراثا كان مذهبا. والأول عنه أصح وأظهر. وللأب أن يأخذ من مال ولده الصغار والكبار ما يحتاج إليه بعلمهم وغير علمهم, رضوا أم كرهوا, ما لم يكن ذلك مضرا بهم, قولا واحدا, غنيا كان الأب أو فقيرا, وكره أن يأخذ من مالهم ما يكون مضرا بهم, وليس ذلك للأم ولا للجد أبي الأب. ولا يختلف قوله أن مال الولد ملك له دون والده, ولكن جعل له أن يأخذ ما شاء على ما بينَّا. فإذا قبض الأب من مال ولده شيئًا على وجه التمليك له ملكه

عنده بالقبض, وجاز تصرفه فيه بالبيع والهبة وغير ذلك. وكذلك لو كان للولد عبد أو أمة, فقبض ذلك الأب على وجه التملك له ملكه, وجاز عتقه له بعد القبض. فإن قال لعبد ولده قبل أن يقبضه: أنت حر. لم يعتق؛ لأنه باق على ملك الابن. وكذلك لو قال لرجل: قد وهبتُ لك من مال ولدي كذا. لم تصح الهبة إلا أن يقبض ذلك الأب ثم يهبه. واحتج في جواز أخذ الوالد من مال ولده وما يحتاج إليه بما رواه عن يحيى القطان: أنبأنا عبيد الله بن الأخنس قال: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتى أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: "أنت ومالك لأبيك, إن أطيب ما أكلتم من كسبكم, وإن أموال أولادكم من كسبكم, فكلوه هنيئًا". وتصرف الولد البالغ الرشيد في أمواله بالبيع والهبة والصدقة جائز, لا اعتراض للأب عليه فيه, إلا في موضع واحد؛ وهو أن يكون للولد عقار يعود عليه منه قدر كفايته وكفاية والده ولا مال له غيره, ولا مال لوالده, فيتصدق به الولد, فإنه قال ها هنا: إن اعترض فيه الوالد رأيت أن يرده الحاكم على الأب ولا يدعه فقيرا لا حيلة له. واحتج لذلك بما رواه حماد بن زيد عن عمرو عن أبي بكر بن محمد أن رجلا تصدق بأرضٍ له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء أبواه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله, ما كان لنا مال - أو قال: معيشة- غيرها. قال: فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما, فماتا, فورثهما ابنهما. وليس لواهب أن يرجع في هبته وإن لم يُثب عليها, إلا أن يشترط الثواب عند الهبة, فيكون له شرطه, إلا الأب, فله أن يرجع فيما وهبه لولده, ما لم يكن غرَّ

بالهبة, قولا واحدا. فإن كان غرَّ بما وهبه له قومًا لم يكن له أن يرجع في هبته في إحدى الروايتين. وما استدان الأب من ولده, فله رده عليه إن اختار الأب ذلك. وإن لم يختر رده, لم يكن للأب مطالبته بذلك. فإن مات الأب وقد أنفق ما استقرض من الابن بطل دينه قولا واحدا, ولم يكن له مطالبة الورثة. فإن استدان الأب من ابنه دينا أو ابتاع منه ثوبا ولم ينقد ثمنه, ثم مات الأب وقد أنفق بعض ما استدان وبعضه موجود بعينه, أو ما ابتاعه من ابنه موجود بعينه فهل يكون ذلك للابن دون سائر الورثة, أم يكون ميراثا ويكون الابن فيه كسائر الورثة؟ على روايتين؛ قال في إحداهما: إن ما وجده الولد من ماله بعينه, فهو له, يأخذه دون الورثة. وقال في الأخرى: ليس له الرجوع فيه, وهو ميراث بين جماعة الورثة, كسائر تركات الميت. ولو قبض الأب مهر ابنته الصغيرة من زوجها, فأنفق بعضه ثم مات, وأصابت الابنة باقيه, فقد برئ الزوج من المهر قولا واحدا, وليس له الرجوع على أبيها بما أنفق منه, وتأخذ ما بقي منه. وإن كانت الابنة كبيرة, فهل يبرأ الزوج من المهر بقبض الأب ذلك منه أم لا؟ على روايتين؛ إحداهما: أنه يبرأ بدفع المهر إلى الأب, ولا يكون لابنته الرجوع على الزوج به ولا مطالبته. فإن أنفق الأب بعضه ثم مات, كان الحكم فيها كما بينا في المسألة قبلها. والرواية الأخرى: الزوج لا يبرأ من المهر بدفعه إياه إلى الأب بغير إذن الزوجة. فإذا أنفق الأب بعضه كان لابنته مطالبة الزوج بجميع المهر, وعليه الخروج إليها منه. ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه إن كان حيا, وفي تركته إن كان ميتا. ولم يختلف قوله أن الربا ثابت بين الوالد وولده, وأنه لا يجوز أن يبيع من ابنه درهما بدرهمين نقدا ولا نسيئة, ولا يبتاع منه درهما بدرهمين, وأجاز الربا بين العبد وسيده, وفرق بينهما بأن قال: إن مال الابن ملك له, والعبد وما له ملك لسيده, فإذا

دفع إلى عبده درهما بدرهمين, فكأنه أضاف ماله إلى ماله, فلا ربا في ذلك. قال: ولو تصدق على ولده بصدقة, وأقبضه إياها إن كان كبيرا, أو قبضها الأب له من نفسه إن كان الولد صغيرا إذا أشهد على صدقته, لم يكن له أن يقبض منها بعد ذلك شيئا لنفسع, ولا يرجع في صدقته, ويثبت ذلك للابن. وهبة الأم لولدها جائزة, وليس لها أن ترجع فيها بخلاف ما قلنا في الأب. وقد روى محمد بن جعفر عن سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرجع إلا الوالد من ولده". ولو قسم رجل ماله وعقاره بين ولده في حياته, فليقسم ذلك على سهام الله تعالى المفروضة, للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن جهز بعض بناته فأعطاها شيئًا, فليعط جميع ولده مثل ما أعطاها يساوي بينهم. قال: ولو أعطى ولده ماله, ثم وُلد له بعد ذلك ولد, فأعجب إلي أن يرجع فيساوي بينهم. قال: والذي أحب أن لا يقسم الرجل ماله في حياته, يدعه على فرائض الله تعالى لعله يولد له. قال: ولو زوى رجل ميراثه عن بعض ورثته, وأشهد قوما على نفسه أنه قد باعه من بعضهم, وعلم الشهود ذلك, ثم سئلوا الشهادة والرجل حي أو ميت, أمرتهم ألا يشهدوا. ولو فضل بعض ولده, وأشهد له لم تقم الشهادة له قولا لولده بعد موته بذلك؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ذلك: جَور. قال: ولو شهد الشهود ولا يعلمون له ولدا غيره ثم علموا, فإن دعاهم إلى

إقامة الشهادة فامتنعوا, فأرجو أنْ ليس عليهم شيء. ومن وهب لغائب هبة, وأنفذها إلسه على يد رسول نفسه, فمات الواهب قبل قبض الموهوب له الهبة كانت لورثة الواهب؛ لأن يد رسوله كيده. وإذا لم تخرج عن يده حتى توفي, بطلت؛ لعدم القبض وصارت ميراثا. وإن كان الواهب أنفذها على يد رسول الموهوب له أو وكيله, ثم مات الواهب قبل وصولها, فهي للموهوب له, دون ورثة الواب؛ لأن قبض رسوله أو وكيله كقبضه.

كتاب القرض

كتاب القرض قال: والقرض معروف, ومن سُئل فلم يقرض لم يأثم. وليش القرض من المسألة التي لا تحل. قال: ولا أُحب أن يتحمل الإنسان بأمانته ما ليس عنده. وقضاء الدين مقدم على الصدقة. قال: ومن كان فقيرا فأراد أن يستقرض, فليُعلم من يسأله القرضَ بحاله ولا يغره من نفسه, إلا أن يكون الشيء اليسير الذي لا يتعذر رد مثله. وكذلك: لا يتزوج الرجل الفقير المرأة الموسرة ولا يعلمُها بحاله. ولا يغر مسلم مسلمة. قال: ولا بأس أن يقول رجل لرجل: اسقرض لي من فلان ألف درهم ولك عشرة دراهم. ولو قال: اكفلني لفلان ولك أجرة كذل, لم يجز. قال: ولو أقرض رجلا دراهم إلى أجل, لم يكن القرض مؤجلا, وكان حالا, وينبغي له أن يفي له بما وعده. قال: ولو استقرض من رجل دراهم مكسرة وهي جائزة, فأتلفها, ثم حرم السلطان التعامل بالمكسرة, ونادى فيها, كان للمقرض قيمتها يوم اقترضها. وكذلك لو كانت باقية بعينها بعد أن حُرمت ونودي فيها, لم يكن له أن يردها؛ لأنه أخذها وهي جائزة, وفسدت في يده, فعليه قيمتها يوم أخذها ذهبا. قال: ولو استقرض دراهم, أو حبوبا, أو خبزا, فردَّ أجود مما أخذ, لم يكن به بأس, إذا كان بغير شرط. قال: ولو أقرض رجلا فضة فرد أرجح منها, وحلله منها, طاب ذلك له, ولم

يكن ربا, قد اقترض ابن عمر قرضا, فرد أكثر من ذلك, وقال للمقرض: هذا نيل منا لك. وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض بعيرا, فأعطاه أفضل من سِنِّه. قال: لا بأس بذلك في القرض, ولا يجوز في السلم. وعن ابن مسعود: أن أقرض رجلا دراهم, فرد عليه أجود منها. قال: ولو أقرض رجلا دراهم فأعطاه بها طعاما وحاباه في السعر, لم يكن به بأس. هذا كل يجوز عنده إذا لم يكن شرط ولا تشوف نفس. فإن أقرض رجلا عشرة دراهم غلَّة, فقضاه صحاحا جاز في أول مرة, فإن عاد يلتمس منه قرضا ثانيا لم يقرضه, وإن فعل لم يأخ منه إلا مثل ما أقرضه, وإن أخذ زيادة أو أجود كان حراما قولا واحدا. ولو كان له على رجل بر معلوم, ولم يكن عنده, لم يجز أن يعطيه شعيرا أكثر كيلا من الطعام, إلا أن يقوم الطعام دراهم ويبيعه بها شعيرا. فإن أعطاه بطعامه شعيرا قفيزا بقفيز من غير زيادة جاز. فإن كان له على رجل دراهم مكسرة, فجاءة بدراهم صحاح أقل منها, لم يأخذها بجميع حقه, ولكن يأخذها بمثلها من حقه, وإن أحب أن يهب له الباقي جاز. ولا يجوز أن يأخذها على وجه الصرف قولا واحدا. قال: ولو كان له على رجل ألف درهم, فأعطاه دراهم فيها مكحَّلة أو مزبَّقة, لم يكن قد وفاه حقه؛ لأنه أعطاه كحلا وزئبقا. قال: ولا يكسبها المعطي إلا بأمره, وعلى المعطي أن يعطيه ما نقص. قال: ولا خير في الخبز قرصا بقرصين, ولا عظيما بصغير, إذا كان بعض

ذلك أفضل من بعض. فأما إذا كان يتحرى أن يكون مثلا بمثل, فلا بأس به, وإن لم يوزن, قال: والوزن في الخبز والخمير أحب إلي. قال: وقد سهل قوم في أن يأخذ الأصغر ويعطي الأكبر, فإذا لم يكن على مواطاة, فلا بأس. ولا خير في قرضِ جر منفعة, إلا أن يعطيه صاحبه بطيب من نفسه على غير مواطأة أول دفعة على ما بينا. ولو أقرض رجلا قرضا, فأهدى إليه هدية, لم يقبلها إلا أن يكافئه أو يحبسها من دَينه, إلا أن يكونا ممن جرت العادة بينهما أن بتهاديا قبل ذلك, فليس به بأس, وهو قول أنس. ولو استضاف رجلٌ غريما له, ولم تكن العادة جارية بينهما قبل القرض بذلك, حسب له ما أكل. ومن كان له على رجل قمح أو زيت, فطلبه ولم يكن عنده, لم يُقرضه دراهم يبتاع ذلك بها ويقضيه, فإن فعل كان مكروها غير محرم. قال: فأما إن كان له على رجل ألف درهم أفلس, فأقرضه صاحب الحق ألفا أخرى على أن يردها عليه والألف الأولى في كل شهر شيئا معلوما جاز. وكذلك لو كان له على رجل مال فأفلس, فقال صاحب الحق له: أعطني رهنا, وأعطيك مالا تعمل به وتقضيني. جاز ذلك. ولو أقرضه قرضا, ثم استعمله عملا لم يكن يستعمله مثله قبل القرض, كان ذلك قرضا جر منفعة. وكذلك لو قال له رجل: أقرضني درهما لأسكن دراك, وأزيدك في الأجرة. لم يجز؛ لأنه قرض جر منفعة.

قال: ولو كان لرجل أكّارٌ يعمل في أرضه, فقال له: أقرضني ما أبتاع به بقرا, لم يقرضه. قال: ولو قال له رجل: أقرضني ألف درهم, وادفع إلي أرضك أزرعها على الثلث. كان خبيثا. قال: ولو أقرضه طعاما ببغداد, فقضاه طعاما بالكوفة على غير شرط جاز. فإن أقرضه طعاما ببغداد, وشرط عليه أن يقضيه الطعام بالكوفة؛ لأن الطعام بها أغلى, كان مكروها. ومن كان له على رجل طعام قرضا, لم يبعه من غيره قبل قبضه قولا واحدا. واختلف قوله في بيعه من الذي عليه الطعام قبل قبضه منه على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى إلا بعد قبضه. قال: ولو استقرض منه فلوسا وقيمة كل عشرين فلسا دانق, فصارت قيمة كل عشرة فلوس منها دانقا كان له عليه عشرون فلسا. ولا بأس باستقراض سائر الحيوان, وكُره استقراض بني آدم. قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلف بعيرا, ولم يستسلف عبدا ولا جارية. قال: ولو استقرض من رجل عشرة دراهم وزنها كعددها, لم يجز أن يأخذ منه عشرة دراهم, عددها أكثر من وزنها, إذا كانت تجوز في ذلك البلد برؤوسها. قال ولا بأس بتسعين دينارا بمئة دينار والوزن واحد, إذا كانت لا تنفُق في مكان إلا بالوزن. فأما إن كانت تنفُق في مكان برؤوسها فلا. قال: ولو أراد رجل أن ينقد نفقة عياله, فأقرضها رجلا على أن يدفعها إلى عياله, فلا بأس, إذا لم يأخذ عليها شيئا.

باب الحبس

باب الحبس ولا يتم الحبس حتى يخرجه المحبس عن يده. فإن مات قبل إخراجه وحيازته بطل وكان ميراثا. ومن وقف جميع ماله في صحته على وارث وغير وارث جاز. وإن وقف في مرض موته جاز ذلك في ثلثه. وسواء وقفه على وارث أو أجنبي. ولا يحل ذلك محل الوصية التي لا تجوز لوارث. قال: ومن أوقف وقفا على ولده, وولد ولده, ونسله, وعقبه, أو على أجانب, وجعل آخره بعد انقراضهم لفقراء المسلمين ومساكينهم, وأخرجه إلى غيره عن يده في حال إيقافه, كان وقفا صحيحا على ما شرط قولا واحدا. فإن وقفه على قوم, ولم يجعل آخره للمساكين, فعلى روايتين: إحداهما: يكون وقفا على أقرب عصبات الميت المُوقِف بعد انقراض من وُقف عليه. والرواية الأخرى: يرجع بعد وفاة الموقف عليه إلى ورثة الموقِف ملكا بينهم على الفرائض. فإن وقفه على نفسه أيام حياته, فإذا مات فعلى المساكين, كان باطلا, ولم يكن وقفا صحيحا, وكان باقيا على ملك ربه, فإذا توفي كان لورثته. فإن وقف وقفا وشرط لنفسه سُكنها أيام حياته, أو شرط لنفسه النفقة من بعض أرفاقه, أو شرط النظر لنفسه أيام حياته, أو صرف غلَّته فيما جعهل وقفا عليه, جاز, بعد أن يخرجه عن يده إلى يد غيره, ثم يرتجعه لينظر فيه, كما اشترط. وكذلك لو اشترط لأولاده أو لبعضهم سُكنى الوقف, أو سُكنى بعض أيام حياته جاز ذلك.

ومن اشترط لنفسه تغيير وقفه متى شاء عن الوقف, أو بيعه عند الحاجة, أو الرجوع فيه, كان باطلا, ولم يكن وقفا صحيحا. ومن وقف وقفا جعل آخره للمساكين, وأخرجه عن يده, فقد خرج عن ملكه, وانقطع ملكه منه على ما بينت, فلا يباع ولا يوهب ولا يُملك ولا يورث, وليس لأحد أن يجع فيه, ولا أن يغيره عن حالته التي وُقف عليها. ومن وقف وقفا على ولده, وولد ولده لصلبه, لم يدخل فيهم البنات. ولو وقف على ولده ونسله وعقبه, وله أولاد, ثم رُزق بعدهم أولادا, دخل من حدث له من الولد في الوقف, وشاركوا فيه من قبلهم من ولده. ولو قال: هذه الضيعة وقف على ولدي. فمات الأولاد الموقوف عليهم, وتركوا نسودة حوامل, فكل ما كان من أولاد الذكورمن ذكر وأنثى, فالضيعة وقف عليهم, وما كان من ولد البنات فليس لهم في الوقف شيء. وكذلك لو جعلها وقفا على ولده, وولد بنيه لم يكن لولد البنات فيها شيء. فإن قال: ولدي وولد ولدي فهي على ولد الذكور والإناث, وعلى ولد ولده الذكور والإناث. ولو وقف ضيعة أو نخلا على ولده وولد ولده, فحصل فيها زرع قد استحصد, أو تمر قد أبرت, ثم رزق ولدا آخر بعد الحصاد والتأبير, فلا حق للولد الحادث في الزرع ولا في الثمرة. وإن كان قبل تأبير الثمرة وقبل حصاد الزرع شرِك الولد الحادث من كان قبله من الولد في الزرع وفي الثمرة. ولو حبس حبسًا على ولده الصغير, كانت حيازتع له صحيحة إلى أن يبلغ, وكان والده قيما له به ما دام صغيرا. فإن وقفا وقفا على ولده, وفيهم ذكور وإناث وبيّن قدر ما لكل واحد

منهم, كان ذلك بينهم على ما شرط, فإن لم يبين قدر ما لكل واحد منهم, كان الذكور والإناث فيه سواء, لا يفضل ذكر عن أنثى, إذا كان قال: وقفا على ولدي الذكور والإناث, فإن قال: بينهم على فرائض الله عز وجل. كان للذكر منهم ضعف الأنثى. فإن فضّل بعضهم على بعض كان بينهم على ما شرط. فإن ماتوا ولهم أولاد, كان ما كان وقفا عليهم, وعلى أولادهم, وإن ماتوا ولا ولد لهم رجع الوقف إلى عصبة الموقف وقفا عليهم. فإن لم يكن للموقِف عصبة ولا ولد, وكان الواقف جعل آخر الوقف بعد انقراض الموالي للمساكين, كان وقفا على مساكين المسلمين أبدا كما شرط. وإن لم يكن آخره للمساكين بيع الوقف, وجُعل ثمنه في المساكين, وعلى الرواية الأخرى: يرجع ملكا لورثة الواقف. ولا يجوز وقف العين والورق والثياب, وما في معنى ذلك, ولا بأس بوقف السلاح والخيل. والوقف لا يباع ولا يوهب, ولا تُغير شروطه, ولا يُناقل به, إلا أن يخرب ولا يَرُدَّ شيئا, ولا يتمكن أربابه من عمارته, فيجوز حينئذ بيعه, ويُجعل ثمنه في وقف مثله. وكذلك الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو والطراد جاز بيعه, وصرف ثمنه في مثله يكون حبيسا. وكذلك المسجد إذا خرب موضعه, ولم يبق له مجاور يصلي فيه, وخيف هلاكه, جاز أخذ آلته وبُني بها مسجد في موضع عامر يُصلى فيه. وكذلك ما تكسر من خشبه, ولم يصلح للعمل بيع واشتري بثمنه آلة تصلح للعمل, فجعلت في المسجد. ومن مات من أهل الوقف, رجع ما كان له منه على من شرط الواقف رجوعه إليه من بعده من ولد أو غيره. ومن وقف وقفا على بطن أعلى, وجعل غلته بعد انقراض البطن الأعلى على البطن الأسفل, ولم يشارك البطن الأسفل البطن الأعلى في شيء من غلة الوقف مع وجودهم, أو وجود بعضهم. والولاية على الوقف إلى من جعلها الموقف من أرباب الوقف, أو من غيرهم,

فإن أخلاه من وال, كان النظر فيه إلى الحاكم. وإذا حصل لأهل الوقف من غلته خمسة أوسق فصاعدا, لكل واحد منهم, كانت الزكاة عليه واجبة قولا واحدا. فإن كان الذي حصل من الوقف خمسة أوسق, فقُسم بين جماعة أهل الوقف, فهل فيها زكاة أم لا؟ على وجهين. فإن وقف وقفا على مساكين المسلمين وفقرائهم, فلا زكاة عليهم فيما يحصل لهم منه. قال: لأن ذلك صار جميعة لجماعة المساكين, فلا أرى عليهم فيه صدقة, إلا أن يوفق الرجل على ولده, أو على قوم أغنياء, فتجب الزكاة على من تبلغ حصته منهم خمسة أوسق فما زاد. قال: ومن وقف وقفا على قوم, وشرط أنَّ من مات منهم رجع نصيبه من الوقف إلى ورثة الموقِف, كان جائزًا على من شرط, وكان ما يرجع إلى الورثة من ذلك وقفا على سُبُله المشروطة. ولا اعتراض لأهل الوقف على من ولاه الموقف أمر الوقف إذا كان أمينا. ولهم مساءلته عما يحتاجون إلى عمله من أمر وقفهم, حتى يستوي علمه فيه وعلمهم. قال: ولهم مطالبته بانتساخ كتاب الوقف, لتكون نسخة في أيديهم وثيقة لهم. وإن كان الموقف جعل للناظر في الوقف أجرا على قيامه به ونظره, وكان الوقف يحتاج إلى أجر أمناء وغيرهم, وكلفة النظر فيما جُعل للقيم من الأجر على نظره, فإن كان ذلك زائدا على قدر أجر مثله, كانت المؤنة التي تلزم الأمناء وغيرهم عليه مما جُعل له, دون أرباب الوقف, حتى يصير الباقي له مقدار أُجرة مثله. فإن احتيج إلى كلفة بعد ذلك كانت من غلة الوقف, إلا أن يكون الواقف شرط له ذلك خالصا. وشرط أن ما يلزم من الكلفة للوقف للأمناء وغيرهم من جُملة غلة الوقف دون ما جعلها للقيم, فيكون ذلك على ما شرط.

قال: وإن كان الوالي على الوقف غير أمين, ولم يرضَ به أرباب الوقف لم تنتزع يده, ولكن يجعل الحاكم معه أمينا يحتاط على الوقف ويحفظ غلته. ووقف المشاع جائز, كما يجوز وقف الحاضر, لا فرق بينهما عنده. وإذا جعل الرجل بيتا من داره مسجدا, فأذن فيه وأقام, ودعا الناس إلى الصلاة فيه, خرج بذلك عن ملكه, وانقطع ملكه عنه, وصار لله عز وجل, ولم يعد إلى ملك من كان له أبدا, قيل له: فإن بنى في دار مسجدا ونوى أن يصلي فيه حياته, فإذا مات كان ميراثا لورثته؟ قال: لا يجوز ذلك, إذا أذّن فيه ودعا الناس للصلاة فيه, خرج عن ملكه, ولم يعد إليه ولا إلى ورثته, ولا تأثير للنية في ذلك بعد الأذان والصلاة فيه, قد صار لله عز وجل. وكذلك من بنى سقاية وجعلها للسبيل, أو سبَّل أرضا وجعلها مقبرة, وأذن في الدفن فيها, لم يعُد ذلك إلى ملكه أبدا. قال: ومن غرس في مسجد نخلة كرهتُ ذلك, فإذا فعل, فثمرتها لمساكين الدرب. وكذلك لو كانت نَبْقة, أكل ثمرتها مساكين الجيران. ويخرج أهل المسجد من عندهم ما يحتاج المسجد من بواري وغيرها, فأما إن وقف على المسجد نخلا, أو حوانيت, فإن غلة ذلك بعد عمارته تكون مصورفة إلى عمارة المسجد, كما شرط الوقف. قال: وما كان من خُلقَان بواري المسجد تُصُدق به على المساكين, إنما هو لله عز وجل, فلا يأخذه أحد.

باب العمرى

باب العمرى ومن أعمر رجلا داره في حياته, كانت له ولورثته من بعده, ولم ترجع إلى المُعمِر الأول أبدا؛ لأنها تخرج بذلك عن مِلكه, كالوقف. وكذلك الرقبى. وليس كذلك السكنى. فإن قال لرجل: داري لك سكنى عمرك أو عمري. كان له ارتجاعها ممن جعل له سكناها أي وقت شاء في حياته, فإن لم يرتجعها إلى أن توفي, فهي لورثته من بعده, موروثة على الفرائض دون الساكن, والله أعلم.

باب الرهن

باب الرهن قال الله عز وجل: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} [البقرة:283]. والرهن جائز في الحاضر والمشاع, والسفر والحضر. ولا يصح الرهن إلا مقبوضا. وضمان الرهن من الراهن ما لم يجنِ عليه المرتهن, أو يفرط في حفظه. فإن فعل, فضمانه عليه. ونماء الرهن رهنٌ معه, إن كان لا يفسُدُ بالبقاء, وإن كان مما يفسد بالبقاء باعه المرتهن, إن كان الراهن جعله وكيلا في البيع, أو الحاكم إن لم يكن الراهن جعل ذلك للمرتهن, وكان ثمنه رهنا. وولدُ الأمة الرهن الحادث بعد رهنها رهن معها, وكذلك نتاج الماشية. وما هلك من الرهن بيد أمين, فمن مال الراهن. ومن رهن سلعتين صفقة واحدة لم تخرج إحداهما من الرهن بقضاء نصف الدين, وكذلك الرهن الواحد يُقضى أكثر ما عليه يكون رهنا بما بقي. وكذلك لو رهن رجلان دارا لهما عند رجل صفقة واحدة على ألف درهم, ثم جاء أحدهما بخمس مئة درهم فأقبضها المرتهن كانت الدار كلها رهنا على ما بقي, ولم تخرج حصة الدافع من الرهن.

ولو رهنه عبدا فقُتل العبد, فأخذ مولاه قيمته كانت رهنا مكانه. فإن جنى العبد الرهنُ جنايةً تحيط بقيمته, فهي في رقبته. فإن فداه المولى, فهو رهنٌ بحاله. وإن سلمه بجنايته كان عليه بقدر قيمته تكون رهنا مكانه. فإن مات العبد الرهن كان دين المرتهنبقايا في ذمة الراهن, وليس له مطالبته برهن يكون في يده مكانه. فإن أعتق المولى العبد الرهن نفذ عتقه, ولزمه أن يجعل بقدر قيمته رهنا مكانه. ورهنُ الشجر دون الأرض والولد دون الأم, والثمرة دون الأصل جاز. ومتى هلك الرهن هلاكا يتعلق ضمانه بالمرتهن, واختلفا في قيمته, كان القول قول المرتهن في القيمة, مع يمينه عند عدم بينة الراهن على ما يدعيه من القيمة. وإن هلك الرهن بغير جناية من المرتهن عليه كان من مال صاحبه, ودين المرتهن باق بحاله, وله المطالبة. فإن اختلفا في رهنه, فقال المالك: هووديعة, وقال مَن هو في يديه: بل هو رهن عندي, كان القول قول المالك مع يمينه, إلا أن يأتي الآخر ببينة على ما يدعيه من الرهن. وكذلك لو اختلفا في قدر ما عليه من الحق, فقال الراهن: رهنته عندك على مئة. وقال المرتهن: على مئتين. كان القل قول الراهن مع يمينه عند عدم بينة المرتهن على ما يدعيه من الزيادة. ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن, إلا ما كان مركوبا, أو محلوبا, فيركب ويحلب بمقدار العلف, بيد أن لا يُعجفه, ولا يُنهكه بالحِلاب والركوب. فإن كانت قيمة اللبن أكثر من قدر العلف, كان الفضل للراهن. وإن كانت قيمة ذلك أقل من قدر العلف, كان الفضل على الراهن. قال: ولا يحلب ولا يركب إلا بإذن مالكه. وما عدا ذلك من الرهون إذا احتاجت إلى مؤنة من طعام, أو أجرة مخزن, وما في معنى ذلك, فعلى الراهن. وكفن العبد الرهنِ إذا مات على الراهن دون المرتهن.

وبيع الرهن غير جائز؛ لأنه وثيقة بحق المرتهن, فإن اتفقا على بيعه ليقضيه حقه من ثمنه جاز. فإن كان الدين مؤجلا, فأذن المرتهن للراهن في بيعه قبل محل أجل الدين, فقد خرج بذلك من الرهن, ولا يستحق المطالبة بدينه, إلا عند محل أجله. ولا يستحق أخذ ثمنه ليكون رهنا في يده, ولا مطالبة الراهن برهن يكون مكانه؛ لأن المرتهن اختار إخراجه من الوثيقة, فإن شاء الراهن تعجيل قضاء الدين قبل محله كان ذلك له, وكان به متطوعا. ولو وكل الراهن المرتهن في بيع الرهن, إن حل الأجل ولم يقضه, كان له بيعه عند محل أجل الدين, إذا امتنع الراهن من الأداء بعد المحل, وقبض حقه من ثمنه. فإن لم يوكله في بيعه لم يجز له أن يبيعه, وإن حل أجل الدين, إلا بإذن الراهن أو الحاكم. فإن وكله ببيعه, ثم فسخ وكالته قبل محل الأجل بغير علمه, كان فسخا صحيحا. قال: ولا ينبغي له أن يحتال له ويخدعه, وفيه وجه آخر؛ لأنه ليس له فسج الوكالة, ولا إخراجه عنه؛ لأن فيه إبطال حقه من التصرف واستيفاء الدين. وقد منع أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الحيلة في غير موضع من كتبه, والأول هو المنصوص عنه. ولو تصدق الراهن بالدار الرهن, أو وقفها لم يجز, وكان فعله باطلا. ولو قيل: إن عتق العبد الرهن لا يجوز, كما لم يجز وقف الدار الرهن, كان وجها. ولو رهنه رهنا بدين, وله عنده دين آخر بغير رهن, كان الرهن وثيقة بما رهن به دون غيره, ولم يكن للمرتهن حبسه بالدين الذي لا رهن به. ويُمنع الراهن من وطء الأمة الرهن, فإن أقدم على ذلك أساء, فإذا أتت بولد خرجت من الرهن, ولزمه أن يأتي بقدر قيمتها لتكون رهنا مكانها. قال: فإن رهنه رهنا وأذن له في إعارته وإكرائه جاز له أن يعيره ويكريه. والأجرة

للراهن رهن مع الأصل. ولا يخرج الرهن بالعارية والإجارة من الرهن على معنى قوله. ولو آجره الراهن بإذن المرتهن خرج من الرهن في أحد الوجهين؛ لأن المرتهن حين أذن للراهن بالتصرف فيه يصير مخرجا بذلك عن عقد الرهن. والوجه الثاني: لا يخرج بذلك من الرهن, كما لو أخرجه المرتهن بإذن ربه, فيكون الأجر في الموضعين رهنا مع الأصل.

باب العارية

باب العارية والعارية مضمونة مؤداة, تعدى فيها المستعير أو لم يتعد, فإن اختلفا في قيمتها بعد هلاكها, كان القول في القيمة قول المستعير مع يمينه, إلا أن يأتي المعير ببينة على قدر ما يدعيه من القيمة. ومن استعار عارية, واستأذن ربها في رهنها, فأذن له, ثم هلكت في يد المرتهن, كان على المستعير ضمان قيمتها لربها, ولا ضمان على المرتهن إذا لم يخت ولم يتعدَّ فيها, ويرجع المرتهن على المستعير الراهن بدينه, فإن هلكت بيد المرتهن هلاكا يتعلق عليه به ضمانها كان المستعير خصمه فيها دون المعير, والمعير خصم المستعير فيها, ولا خصومة بينه وبين المرتهن.

باب الوديعة

باب الوديعة والمودَع أمين, وقوله مقبول في رد الوديعة, وإن أنكرها ربها, إن كان أودعها بغير بينة قولا واحدا. وإن كان أودعها ببينة لم يقبل قوله إلا ببينة في الظاهر من قوله. والمودَع مصدَّق في هلاكها قولا واحدا إذا هلكت مع متاعه, ولا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى, أو يخون, أو يخالف, أو يفرط في حفظها, فيضمن بالتعدي. فإن هلكت وحدها من بين متاعه, فهل يضمن أم لا؟ على روايتين؛ فإن كانت عينا, أو ورقا فأنفق بعضها, ثم رده, ثم هلكت جميعها ضمن قدر ما أنفقه منها. فإن كانت الوديعة غلة, فخلطها بصحاح, أو صحاحا, فخلطها بغلة, لم يضمنها إن هلكت؛ لأنها تتميز من ماله. ولو أودع الوديعة غيره بغير إذن ربه ضمنها إن هلكت, فإن سلمها إلى زوجة ربها أو غلامه الذي جرت عادته بقبض أمواله لم يضمنها. وكذلك لو سلمها المودع إلى من جرت عادته بحفظ ماله من خادمه أو زوجته ليحرزها فهلكت, فلا ضمان عليه. ومن تَجَر بالوديعة, فقد تعدى, والربح كله لربها, وعليه ضمانها له متى هلكت. ومن باع الوديعة اعتدى, وكان بيعه باطلا, وعليه ردها مع وجودها, أو ضمان

مثلها إن هلكت, أو قيمتها عند عدم العين والمثل. وتُعتبر القيمة يوم التعدي. فإن اختلفا في القيمة, كان القول فيها قول الغارم مع يمينه, عند عدم بينة ربها على ما يدعيه من قيمتها. ولو أودعه ورقا, ثم قال: صرِّفه لي بعين. ففعل ثم هلكت العين بغير جنايته, لم يضمن؛ لأنه أمين. ولو فرض القاضي على غائب فرضا لزوجته وولده, وله وديعة, فأمر المودَع بدفع ما فرضه من النفقة من الوديعة, ففعل, برئ مما يدفعه إليهم, ولم يكن لرب الوديعة مطالبته.

باب اللقطة

باب اللقطة ومن وجد لقطة من عين أو ورق عرفها في الأسواق على أبواب المساجد في أوقات الصلوات سنة, فإن جاء ربها فوصف عفاصها, ووكاءها, ونقدها, دُفعت إليه بغير بينة, وإن لم يأت ربها بعد تمام الحول كان للاقط التصرف فيها إن شاء بالإنفاق لها, وإن شاء بالصدقة بشرط الضمان في الموضعين, في الصحيح من قوله. وقد لوَّح في موضع أنه إذا أنفقها بعد الحول والتعريف لم يضمنها؛ لحديث مطرف بن عبدالله عن عياض بن حمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة, فقال: " يُعرِّف, ولا يُغيِّب ولا يكتم, فإن جاء صاحبها, وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء". والصحيح أن يضمنها؛ لحديث الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بُسر ابن سعيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة, فقال: " عرِّفها سنة, فإن جاء باغيها, فأدِّها إليه". وهذا الحيث أولى؛ لأن حديث عياض بن حمار ليس فيه بيان مدة التعريف, ولا فيه أيضا بيان سقوط الضمان عن الملتقط بعد الإنفاق لها, فهو أولى. فمتى جاء ربها وقد أنفقها المتلقط كان عليه غرامة مثلها. وإن كان قد تصدق بها, خُير ربها بين غرامتها له وبين الأجر, فكان له ما اختار منهما.

وعلى من وجد لُقطة أن يُشهد عليها ذوَي عدل ولا يكتم, فإن فعل فهلكت من يده قبل تمام الحول أو بعد ذلك قبل تصرفه فيها من غير تعد منه, لم يضمنها قولا واحدا. وإن لم يُشهد حين وجدها, لكنه عرفها, وأظهر التعريف, فهل يضمنها أم لا؟ على روايتين. فإن كانت اللقطة عروضا, فهل حكمها حكم العين والورق في تعريف السنة, وجواز التصرف فيها بعد ذلك أم لا؟ على روايتين؛ إحداهما: أن حكمها حكم العين والورق. والرواية الأخرى: أن حكم لُقطة العروض بخلاف لُقطة العين والورق في التعريف. وعلى من التقط عروضا أن يُعرِّفها أبدا, ولا يباح له التصرف فيها قبل الحول ولا بعده. قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدراهم والدنانير: "هي له بعد سنة" وهذا المتاع يعرفه. قال: فلم يجعل له التصرف بعد الحول, كما جعل ذلك في العين والورق. والأول أظهر. واختلف قوله فيمن وجد عروضا هل يبيعها بعد السنة والتعريف, ويتصدق بثمنها أم لا؟ على روايتين؛ قال في إحداهما: يبيعه ويتصدق بثمنه, بشرط الضمان على ما بينَّا. وقال في الأخرى لا يبيعه, ويعرفه أبدا. هذا إذا كان لا يفسد على البقاء. فإن كان مما يفسد بالبقاء, وخاف هلاكه باعه. وهل يتصدق بثمنه أم لا؟ على روايتين كما ذكرنا. وقد منع أحمد رضي الله عنه في موضع, من الصدقة باللقطة, سواء كانت عينا, أو ورقا, أو عروضا, فقال: كيف يتصدق بمالٍ ليس له؟! ولا زكاة على الملتقط في اللقطة في زمان لزوم التعريف لها, وكونه ممنوعا من التصرف فيها, فإذا جاز الحول من حين التقطها وأبحناه التصرف فيها

استقبل حينئذ بها حولا, ثم زكاها. فإن جاء ربها فوصفها وأخذها كان عليه أن يزكيها للحول الذي كان الملتقط ممنوعا منها. وقيل عنه: لا زكاة عليه فيها لما مضى؛ لأنها كانت في معنى المال التَّوي. ولا يأخذ ضالة الإبل, ولا ضالة البقر؛ لحديث زيد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة, فذكر الحديث إلى أن قال: يا رسول الله, فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت عيناه, أو احمر وجهه, ثم قال: "ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها". ويأخذ ضالة الغنم, وعليه تعريفها سنة؛ فإن جاء ربها سلمها إليه. فإن أقدم على أخذ الإبل والبقر أساء, ولزمه تعريفها سنة ودفعها إلى ربها من جاء فوصفها. ومن وجد شاة بمهلكة من الأرض لم يملكها بأخذه لها, وكانت لقطة, وعليه تعريفها سنة. قال: والحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم: "هي لك, أو لأخيك, أو للذئب" فقد لا تكون للذئب. وكذلك لا تكون لك, عرِّفها سنة, فإن جاء صاحبها ردها عليه, وإلا فهي لك. وقد جاء في الحديث في ضالة الشاة عند قوله: "أو للذئب": "واجمعها حتى يأتيها باغيها" رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. فإن وجد ضالة من غنم أو غيرها, فأنفق عليها محتسبا, ثم جاء ربها, فهل له مطالبته بما أنفق عليها أم لا؟ على روايتين. وإن كان غير متطوع بالنفقة كان له الرجوع بما أنفق, إذا لم يتعد, وأنفق عليها نفقة مثلها. وما نُتجت الشاة, أو الناقة, أو البقرة, وهي في يده قبل الحول أو بعده كان ولدها لربها معها متى حضر. قال أحمد رضي الله عنه: طيرةٌ سقطت عند قوم فاصطادوها, وفرَّخت عندهم,

ثم جاء ربها, فعليهم ردها, ورد فراخها معها إلى ربها. فجعل الولد لمالك الأم. وحكم لقطة الحرم, كحكم اللقطة في الحل في التعريف على ما بينَّا. ومن التقط لقطة في أرض العدو أو من أموالهم طرحها في المقسم, وكانت كمالِ الغنيمة؛ لأنه بقوة جيش المسلمين صار إلى بلاد العدو. فإن وجد لقطة لا يعلم هل هي من مال مسلم أو كافر, فهي لقطة, عليه تعريفها سنة كما ذكرنا. واختلف قوله في الرجل يبتاع الشاة, فيجد في بطنها عينا أو ورقا في روايتين: قال في إحداهما: لقطة يعرفها حولا. وقال في الأخرى: هي لرب الشاة البائع لها, فليردها إليه. فإن ابتاع سمكة فوجد في بطنها درة, فالدرة للصياد. فإن وجد في بطنها عينا أو ورقا, كانت لقطة. فإن اصطاد سمكة فوجد في بطنها درة أو ما يكون البحر معدن له, كان ذلك له, فإن كانت عينا, أو ورقا, أو ما ليس البحر له معدنا, كان ذلك لقطة, والسمكة له. ولو وثبت سمكة من البحر فسقطت في حجر رجل جالس في السفينة كانت له دون رب السفينة. فإن سقطت في السفينة كانت لربها دون الراكب. ولو نصب رجل شَرَكًا, فوقع فيه صيد وثبت فيه, ولم يقلعه ويذهب به, فأدركه غير صاحب الشرك, لم يكن له أخذه. فإن أخذه, لزمه رده إلى صاحب الشرك؛ لأنه قد ملكه بذلك, فهو كصاحب السفينة. فإن طرح شبكته في الماء فوقعت فيها السمكة فقطعت الحبل, وذهبت بالشبكة في الماء, فأصابها غير ربها, كانت السمكة لمن أصابها, والشبكة لقطة, وإنما كان ذلك؛ لأن صاحب الشبكة لم يحز السمكة, وصاحب الشرك أثبت الصيد وحازه. وكذلك لو قلع الشرك وطار به فاصاده غير رب الشرك كان له, وكان الشرك لقطة. فإن وجد مملوك لقطة فاستهلكها قبل الحول كانت جناية, وهي في رقبته متى

جاء ربها فوصفها , وعلى سيده أن يعرفها لربها أو يسلم العبد بها. وإن عرفها حولا ثم أنفقها ثم جاء ربها, كانت في ذمته يتبع بها إذا عتق, ولا تكون في رقبته, ولا يلزم مولاه أن يفديه ها هنا؛ لأنه لم يتعد. وهل يلزم ها هنا مدعي اللقطة على العبد أن يقيم عليه بلقطها البينة أنه التقطها أم لا؟ على وجهين؛ أوجههما: تلزمه؛ لأن إقرار العبد لا يجوز فيما يتعلق برقبته. ومن أحيا دابة رجل قد تركها بفلاة مهلكة من الأرض عند إياسه منها, فقام عليها الذي أصابها وعلفها حتى قويت, كانت لمن أحياها دون ربها, ويتوجه أن يكون له ما أنفق عليها, وتكون الدابة لربها, كما قال فيمن وجد الشاة بمهلكة من الأرض, وقد قال فيمن أسلم غلامه للموت وتركه فأحياه رجل: إن الغلام لربه, ولمن أحياه ما أنفق عليه. ومن وجد لقطة لها قيمة كثيرة أو يسيرة, كان ممنوعا منها قبل الحول, وعليه تعريفها حولا, ثم له التصرف فيها بشرط الضمان على ما بينا, إلا أن يجد ما لا قيمة له, كالخرقة والكسرة والتمرة, فلا يلزمه تعريف ذلك, ولو تناوله وأكله في الحال, قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي أصاب التمرة وأكلها: "لو لم تأتها لأتتك", فجعلها عليه الصلاة والسلام رزقا لواجدها. ومن أتلف ما لا يُكال ولا يوزن, فعليه مثله إن وجد المثل, أو قيمته يوم استهلكه عند عدم المثل. وقيل: ليس عليه مثله, وعليه قيمته. فأما إن كان مكيلا أو موزونا, فعليه مثله إذا استهلكه قولا واحدا, فإن عدم المثل فعليه قيمته.

باب اللقيط

باب اللقيط واللقيط حر, ينفق عليه الإمام من بيت المال, وميراثه في بيت المال لجماعة المسلمين. وهو مسلم. فإن ادعاه مسلم وكافر, فعلى وجهين: أحدهما: أنه مسلم بحكم الدار, فلا يلتفت إلى دعوى الكافر, إلا ببينة عادلة من المسلمين. والوجه الآخر: أنه يُرى القافة, فيُلحق بمن ألحقوه به منهما.

باب الغصب

باب الغصب الغاصب ظالم معتد ضامن لما غصب. فإن رد ذلك بعينه, فلا شيء عليه غيره, إلا أن يكون لمثله أجرة, فيلزمه أجرة مثله لمدة كونه في يده, انتفع به أو لم ينتفع. فإن استعمله فأخلقه لزمه مع أجرته ما نقص من قيمته, فإن كانت له قيمة يوم غصبه, فنقصت في يده, ثم رده, فعليه رد ما نقص من قيمته. وقيل عنه: إن لم يتغير في عينه, وإنما نقصت قيمته لنقصان السعر, رده كما غصبه, ولم يلزمه رد نقصان القيمة معه. فإن كان حيوانا, فزاد عند الغاصب في يده, أو زادت قيمته عنده, رده زائدا. فإن زادت قيمته في يده بزيادة في بدنه, أو بتعلم صناعة, ثم نقصت قيمته في يد الغاصب بنقصان بدنه, أو بنسيان تعلمه, رده ورد ما نقص من قيمته. وقيل عنه: إذا رده بعينه لم يلزمه غير ذلك. فإن كان استغله, رده ورد غلته معه قولا واحدا. فإن اغتصب أمة, وقيمتها يوم الغصب ألف, فزادت قيمتها في يده حتى بلغت ألفين, ثم ماتت في يد الغاصب, أُخذ بألفين. فإن كانت أرضا فزرعها الغاصب, ثم أدركها ربها والزرع فيها, فهي والزرع له, وعلى ربها أن يرد على الغاصب ما أنفق على الزرع. وإن لم يكن الزرع قائما فيها, فله الأرض وأجرة مثلها على الغاصب. وإن كان الغاصب غرسها, فليس لعرقٍ ظالمٍ حق, ويؤخذ بقلع غرسه منها. فإن نقصها القلع عما كانت عليه قبله كان عليه مع الأجر ما نقصها. فإن اصطلحا

على ترك الغرس فيها, وأعطاه الغاصب قيمته, كان له قيمة الغرس مقلوعا. فإن كان الغاصب باعها ممن غرسها, والمشتري غير عالم بالغصب, ثم استُحقت, كان للمشتري قيمة غرسها, غير مقولع؛ لأنه غير متعد, ولا أجرة عليه لمدة كونها في يده. ولا يلزمه رد ما حصل له من غلتها, ولرب الأرض قلع الغرس من أرضه, وأجرة مثلها على الغاصب إلى يوم رجعت إلى ربها, وإن كان قلع الغرس نقصها, كان له مع الأجر ما نقصها القلع. وإن كان الغاصب بنى فيها بناءً أُمر بقلع بنائه, وردها وأجرة مثلها. فإن كانت حين بنائها آجرها, كان الأجر بين الغاصب ورب الأرض نصفين. ومن غصب ماشية فنتجت عنده فهي وولدها لربها. فإن هلكت أو ولدها في يده بفعله, أو بغير فعله ضمن قيمة الهالك. وإن كانت أمة فوطئها الغاصب, كان عليه عُقرها, وعليه الحد. فإن أتت بولد كان رقيقا لسيدها معها. وإن كان الغاصب باعها فأولدها المشتري, ثم ردت إلى ربها, كان له قيمة ولدها يوم يحكم له بها على أبيهم, فهم أحرار, ويرجع المشتري على الغاصب بما يغرمه من قيمة ولده, وبما أخذ من الثمن. فإن اغتصب أمةً فوطئها زنىً حتى قتلها بالوطء, كان عليه الحد, وعليه قيمتها لسيدها. ومن اغتصب مالا وتجر به, فربحه لرب المال يرده معه. ومن اغتصب ساجَةً فبنى عليها حائطا, أو جعلها في سفينة, قُلعت من الحائط أو السفينة, وإن استهدمها بالقلع إن اختار ذلك ربها. فإن اغتصب حديدا فعمله سيوفا أو سكاكين, ثم رده, أعطي ما لزمه من النفقة عليه للصنعة.

فإن اغتصب خيطا وخاط به جرحه, لم يؤمر بفتق الجرح وإخراج الخيط منه, وأُلزم قيمة الخيط, ولم يُعرض للتلف. ومن اغتصب حرة فوطئها, فإن كانت بكرا؛ فعليه عقرها والحد قولا واحدا. وإن كانت ثيبا؛ فعليه الحد قولا واحدا. وفي وجوب العقر روايتان. وردُّ المظالم واجب. قمن رد مظلمة على ربها, وبيّن له أنها المظلمة التي كانت له عنده, برئ منها قولا واحدا. وإن تاب برئ من الإثم أيضا. فإن ردها إلى ربها علي طريق الصلة والهدية ولم يُعلمه أنها المظلمة, فهل يبرأ منها أم لا؟ على روايتين؛ أظهرهما: أنه لا يبرأ منها حتى يبينها له, ويقول: هذه مظلمتك كانت لك عندي. وكذلك إن كانت المظلمة تتعلق بغير المال, فاستحله منها بعد أن بينها له, برئ إذا حلله المظلوم, فإن قال: لك عندي مظلمة فحللني منها. ولم يبينها له, ففعل, فهل يبرأ منها أم لا؟ على روايتين. فأما حقوق الله تعالى, فإنها تسقط بالتوبة النصوح, وهي التي يعتقد في حال التوبة أن لا يعود في الذنب أبدا: {إن الحسنات يُذهبن السيئات} [هود:114]. وقال أحمد رضي الله عنه فيمن كان عليه مظلمة تتعلق بحقوق الله عز وجل: إذا حج وصلى وتصدق رجوتُ له. قال الله تعالى: {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم} [التوبة:102]. قال: فإن اغتصب مالا من رجل, ثم أداه إلى ورثة المغصوب منه بعد وفاته, برئ منه, ولم يبرأ من إثم الغصب. ولو مات الغاصب قبل رد المظلمة, فقال وارثه للمغصوب: هي لك علي وحلله منها. ففعل, فهل يبرأ الغاصب منها قبل أن يقبضها المغصوب من الوارث أم لا؟ على الوجهين. وتوبةُ الربا: أن يأخذ رأس ماله, ويرد الفضل الذي كان بينه وبين صاحبه.

باب المفلس

باب المفلس روى أبو بكر بن محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وصلم قال: "أيما رجل أفلس فأدرك رجلٌ متاعه بعينه عنده, فهو أحق به من غيره". وروى الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال فيه: " فإن كان قضاه من ثمنها شيئا, فما بقي فهو أسوة الغرماء, وأيما رجل هلك وعنده متاع امرئ بعينه, قبض منه شيئا أو لم يقبض, فهو أسوة الغرماء". ولا يختلف قول أحمد رضي الله عنه فيمن باع سلعة, ولم يقبض من ثمنها شيئا, ثم أفلس المشتري, فوجد البائع سلعته بعينها, لم يُحدث المشتري بها حدثا, فإن البائع أحق بها من جميع الغرماء. وكذلك لو كان باعها بثمن مؤجل, فأفلس المشتري قبل محل الأجل, كان البائع أحق بها, وله أخذها في الحال. وسواء كانت السلعة قد زادت قيمتها أو نقصت. وإن كان البائع قد قبض بعض ثمنها لم يكن له أخذها, وكان أسوة الغرماء, كما جاء في الحديث. وكذلك لو وجد البائع بعض سلعته لم يكن له أخذه, قبض من ثمنها شيئًا أو لم يقبض, وكان أسوة الغرماء. قال: ولو باعه ثلاثين ثوبا, ثم أفلس المشتري فوجد البائع عنده خمسة عشر ثوبا, لم يكن له أخذها, وكان أسوة الغرماء. فإن باعه ثوبا فصبغه المشتري صبغا لا ينقلع منه, أو أحدث فيه صنعة أو غيَّره عما كان عليه, ثم أفلس, كان البائع أسوة الغرماء.

فإن مات المشتري المفلس, فوجد البائع سلعته بعينها, لم يكن له أخذها سواء كان قبض بعض ثمنها أو لم يقبض منه شيئا, وكان أسوة الغرماء؛ لأنها انتقلت بالموت إلى ورثة المفلس. فإن باعه جارية ثيبا, فوطئها المشتري, ثم أفلس, فوجدها البائع ولم يكن قبض من ثمنها شيئا, فهل له أخذها دون الغرماء, أم يكون فيها أسوء الغرماء؟ على وجهين؛ أحدهما: ليس له أخذها, وهو أسوة الغرماء. والوجه الثاني: أن الوطء, كالخدمة؛ لأنه لم ينقصها عما كانت عليه قبله, فله أخذها؛ إذ هو أحق بها من جميع الغرماء. فإن كانت بكرا فافتضها المشتري, ثم أفلس, فالبائع أسوة الغرماء وجها واحدا؛ لأنه لم يُصبها كما كانت حين باعها. وقد جعل أحمد بن حنبل رضي الله عنه أمر البكر أغلظ من أمر الثيب. قال: فإن باعه أمةً, فولدت عنده, أو دابة, فنتجت عنده, ثم أفلس المشتري, كان البائع أحق بها وبولدها من جميع الغرماء؛ لأنها ماله, وقد استحقها. وهذا صحيح, وهو محمول عليه إذا كان ابتاعها حاملا؛ لأن الولد حادث في ملك البائع داخل تحت العقد. فأما إن كان المشتري ابتاعها غير حامل ثم زوَّجها, فأتت بولد, فليس للبائع أخذها, ولا أخذ ولدها, وهو أسوة الغرماء. وقد يتوجه: إن كان باعها ثيبا غير حامل, ثم أتت بولد في ملك المشتري من زوج, ثم أفلس, أن يكون البائع أحق بها, ويكون الولد للمشتري, كما قلنا في نتاج الماشية, وغلة الأرض الحادثة في ملك المشتري, إذا استحقت أنها للمشتري بضمانه. والأول أظهر وأصح. فإن ابتاع أمةً فهزُلت عنده, أو دابة فعجفت ونقصت قيمتها, أو سمنت عنده, فزادت قيمتها, ثم أفلس, فالبائع أحق بها؛ لأنها عين ماله. وقال بعض أصحابنا:

إن كانت السلعة متزيدة بما لا تنفصل زيادتها, كان البائع فيها أسوة الغرماء. ولا يختلف قوله: أن تصرف المفلس في أمواله قبل إيقافه وحجر الحاكم عليه بالبيع, والهبة, والعتق, والصدقة جائز ماض, وتصرفه في أمواله بعد حجر الحاكم عليه, بالهبة, والعطية, والصدقة, باطل قولا واحدا, وفي عتقه في هذا الحال روايتان؛ إحداهما: عتقه ماض؛ لأنه استهلاك. والرواية الأخرى: عتقه باطل؛ لأن فيه إتلاف حقوق الغرماء, فلا يجوز. فإن كثر غرماء المفلس, ولم يف ماله بما عليه, فُضّ ماله بين غرمائه بالحصص. وإقراره قبل الحجر عليه وبعده للأجانب, جائز لازم. فإن كان عليه دين ببينة, ثم أقر بعد الإفلاس بدينٍ لأجنبي لزمه إقراره, وبدأ بقضاء دين البينة, ثم بالذي أقر به. فإن تقاعد بحقوق الناس, فاختاروا حبسه حُبس لهم. فإن امتنع من الخروج إليهم من حقوقهم, باع الحاكم عليه ما يثبت عنده من أمواله, وقسّم الثمن بين غرمائه. قال: ويبيع عليه سائر أمواله وعقاره, إلا المسكن الذي لا غنى به عنه, وما يواريه من كُسوة, أو كان شيخا كبيرا أو مكفوفا. وله خادم لا غنى به عن خدمته لم يبعه عليه. قال: ويدع له بلاغا من القوت. وإن له عيال ترك لهم قوتا. واختلف قوله: هل للحاكم أن يشفع للمفلس حتى يضع عنه الغرماء بعض حقوقهم أم لا؟ على روايتين؛ أجاز ذلك في إحداهما, لحديث كعب بن مالك الذي يرويه الزهري عن عبدالله بن كعب: أن كعب بن مالك أخبره أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد شيئا كان له عليه في المسجد, فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته, فخرج إليهما حتى كشف سَجْفَ حجرته, ونادى: "يا كعب". قال:

لبيك يا رسول الله, فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن ضع الشطر من دينك. قال كعب: قد فعلت يا رسول الله. قال عليه الصلاة والسلام: "قم فأعطه". ومنع منه في الرواية الأخرى, وقال: ذلك حكم من النبي صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لغيره. فأما إن كان على وجه المسألة, فلا بأس. واختلف قوله في المفلس إذا كان صانعا يقدر على كسب أكثر من مؤنته, هل يؤجره الحاكم إذا لم يبق له مال, ويقضي فاضل أجرته بعد مؤنته على غرمائه أم لا؟ على روايتين؛ أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى, وقال: إذا قُسّم ماله بين غرمائه, فليس عليه أكثر من ذلك. وإذا وضح أمر المفلس, ولم يبق له مال, لم يجز حبسه, ولا تعدي الحاكم عليه. ومن عامله بعد ظهور إفلاسه, فهو المتلف لماله, ولا تحل ديونه المنجمة ولا المؤجلة بالإفلاس. وكذلك لا يحل ما عليه من دين منجم أو مؤجل بالإفلاس. ويحل ما عليه من الديون بموته. وإن كانت له سلعة مرهونة كان المتهن أحق بها من جميع الغرماء حتى يستوفي ماله عليها. ثم إن فضل من ثمنها شيء كان للغرماء. وكذلك إن كان له دار فآجرها ثم أفلس, كان المستأجر أحق بالتصرف فيها مدة الغجارة. ولو أذن لعبده في التجارة, فادّان دينا, فعتقه, كان على المولى جميع ما ادّان العبد في إحدى الروايتين. وإن لم يكن مأذونا, كان على العبد, وأدّى عن سيده جميع الدين. فإن أفلس العبد المأذون له, ولم يعتقه المولى, كان عليه جميع ما ادان العبد, وقيل عنه: لا يلزمه من الدين إلا بقدر قيمة العبد أو يسلمه للغرماء.

وإقرار العبد المأذون جائز. إقرار غير المأذون لا يجوز, وتكون في ذمته, يتبع بها إذا عتق.

باب الصلح

باب الصلح والصلح جائز بين المسلمين, إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلال. كذلك روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما, أو حرم حلالا. والصلح على الإقرار, هضم للحق, وإلزام الذمة ما ليس عليها, فإن تطوع المقَر له بإسقاط بعض حقه على طريق الترك بطيبة من نفسه, أو التزم المنكر بعض ما ادعي عليه بطيبة من نفسه, جاز في الوجهين, غير أن ذلك ليس بصلح, ولا هو من باب الصلح بسبيل. فإن أُلزم المقر له ترك بعض حقه, فتركه عن غير طيبة من نفسه, أو ألزم المنكر بعض الدعوى بغير طيبة من نفسه, لم يطب ذلك للآخذ في الوجهين جميعا. فأما الصلح الجائز؛ فهو صلح الورثة للزوجة من صداقها الذي لا بينة لها به, ولا علم للورثة بمبلغه, فيصح الصلح فيه لتخليص الميت. وكذلك الرجلان يكون بينهما المعاملة والحساب الذي قد مضى عليه الزمان الطويل, ولا علم لكل واحد منهما بما عليه لصاحبه, فيجوز الصلح بينهما. وكذلك من كان عليه حق لا علم له بقدره جاز أن يصالح عليه. وسواء كان صاحب الحق يعلم قدر حقه ولا بينة له به, أو لا علم له بقدره. ويقول القابض: إن كان قد بقي لي عليك حق, فأنت منه في حل. ويقول الدافع: إن كنت أخذت مني أكثر من حقك, فأنت منه في حل. والصلح جائز بالنقد والنسيئة.

ويجوز أخذ الكفيل والضمين والرهن بالصلح, فإن أعطاه ضمينا بألف, فصالح الضمين صاحب الحق على بعض الألف, وأبرأه من باقيه, لم يكن للضمين أن يرجع على المضمون, إلا بقدر ما وقع الصلح عليه. ومتى اختلفا في قدر الصلح, ولا بينة لواحد منهما, بطل, وعاد إلى أصل الخصومة والدعوى. ولو غصب رجل أرضا, وفع إلى ربها بعض ثمنها صلحا, وأشهد عليه بذلك, والشهود يعلمون ذلك ويعرفون الحال, لم تسعهم إقامة الشهادة للغاصب بالأرض, وكذلك لو علموا على رجل حقا لرجل قد جحده إياه, ثم صالحه على بعضه وأشهدهم على البراءة, لم تحل لهم إثامة الشهادة بالإبراء, مع علمهم ببقاء شيء من الحق في ذمة المبرأ. قال: ولو صالحه على ألف درهم, ولم يقل: صحاحا أو مكسرة ثم اختلفا, قُضي بينهما بها ألفا صحاحا, إلا أن يتواضعا على شيء فيلزم ذلك. ومن صالح على شيء رضيه وطابت به نفسه, لم يحل له الرجوع فيه, ولزمه إمضاؤه. والله أعلم بالصواب.

باب في النكاح, والطلاق, والرجعة, والظهار, والإيلاء واللعان, والخلع, والرضاع

باب في النكاح, والطلاق, والرجعة, والظهار, والإيلاء واللعان, والخلع, والرضاع. قال الله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} الآية [النساء: 3]. فالنكاح مرغب فيه, واختلفت الرواية عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: هل هو واجب على القادر المستطيع له, أم مسنون؟ على روايتين؛ أظهرهما: وجوبه. ولا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل. فإن عدم الولي فيه, فالنكاح باطل. وإن عدم الشهود في العقد, فلا نكاح. ولا ولاية لفاسق ولا بدعي ولا معلن ببدعته, وإن عقدا لم يصح النكاح. ولا تجوز شهادة الفساق في النكاح, ولا ينعقد لحضورهم. ومن زوج معتزليا, أو جهميا, أو قدريا, أو حروريا, فرق بينه وبين المرأة. ومن سب السلف من الروافض, فليس بكفء, ولا يزوج. وشارب الخمر ليس بكفء, ولا يزوج, سكر منها أم لم يسكر. وكذلك من سكر من خمر أو غيرها من المسكر, لم يكن كفئا. ومن رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله عنه, مرق من الدين, ولم ينعقد له نكاح على مسلمة, إلا أن يتوب وتظهر توبته. ومن شرب مسكرا قد اختلف فيه, ولم يسكر, كرهنا أن يزوج. فإن زوج لم يفرق

بينهما في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: ليس بكفء أيضا. والكفاءة عنده معتبرة في النكاح. والكفء: ذو الدين والمنصب, فقريش بعضها لبعض أكفاء, والعرب بعضها لبعض أكفاء, والناس أكفاء بعضهم لبعض إلا حائك, أو حجام. وغير قريش ليس بأكفاء لقريش. فإن تزوج من ليس بقرشي بقرشية, فرق بينهما في الصحيح من مذهبه. وقيل عنه: لا يفرق. والأول أظهر عنه, وأصح على أصله. وأقل الصداق ما اتفق عليه الزوجان من حلال, له قيمة صحيحة, وإن قل. وللأب إنكاح أولاده الصغار الذكور والإناث, ولا خيار لهم إذا بلغوا, وليس ذلك لغير الأب. واختلف قوله في الأب يزوج ابنته البالغ البكر بغير إذنها على ثلاث روايات: قال في إحداهن: النكاح صحيح جائز عليها, وإن كرهت. وقال في الأخرى: إن النكاح موقوف على إجازتها, فإن أجازته صح, وإن ردته بطل. وقال في الثالثة: لا يجوز عقد الأب عليها إلا بإذنها. وفي تزويج غير الأب من العصبات للصغيرة روايتان: إحداهما: النكاح باطل. والأخرى: هو موقوف, فإذا بلغت تسع سنين فأجازته جاز, وإن ردته بطل. فإن مات أحدهما قبل الإجازة أو الرد ورثه صاحبه على هذه الرواية. فإن زوج أجنبي ليس من العصبات صغير, كان النكاح باطلا من أصله قولا واحدا, أيهما مات لم يرثه الآخر. فإن زوج رجل من العصبات كبيرة بغير إذنها, ولا ولي لها أقرب منه, كان فيها وجهان: أحدهما: النكاح باطل. والآخر: هوموقوف على إجازتها وردها. والوصي كالأب يزوج في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى قال: النكاح إلى الأولياء, وليس ذلك للأوصياء. فإن زوج الوصي لم يجز.

وإذن البكر الصمات, ولا يزوج الثيب أبوها, ولا غيره حتى تأذن بالكلام. ومتى عقدت امرأة نكاحها على نفسها كان باطلا, ولا تلحقه الإجازة من جهة الولي وإن أجازه. ومتى زوج الأب ابنته الصغيرة بدون صداق مثلها ثبت النكاح, ولم يكن لها إلا المسمى. فإن زوج غير الأب من الأولياء ونقص لها عن مهر مثلها فلم ترض به, ثبت النكاح, وكان لها مطالبة الزوج بتمام مهر مثلها. ولا يزوج المرأة إلا ولي عصبة. فإن لم يكن لها ولي من عصباتها زوجها الحاكم, أو من يوليه الحاكم ذلك بإذنها. وللحاكم أن يزوج الصغيرة التي لها تسع سنين فصاعدا بإذنها, إذا كان في ذلك نظر لها. وأحق الناس بإنكاح المرأة الحرة أبوها ثم ابنها. واختلف قوله في الجد للأب والأخر إذا اجتمعا, فقيل عنه: الجد أولى بإنكاحها. وقيل عنه: الأخ أولى. وإذا اجتمع الأخ للأبوين والأخ للأب كان الأخ للأبوين أولى. فإن زوج الأخ للأب لم يفسخ النكاح وثبت. وابن الأخ أولى من العم, والعم أولى من ابن العم ومن عم الأب. والجد أولى من ابن الأخ وأولى من العم ومن ابن العم. ومن عم الأب, ثم أقرب العصبة. ومن لم يكن من العصبات, وكان من ذوي الأرحام, فليس بولي. ومتى زوج الولي الأبعد مع القدرة على الولي الأدنى, كان النكاح باطلا. وإذا أذن الوليان أحدهما قبل الآخر ثبت النكاح الأول, وبطل الثاني. فإن كان الثاني دخل بها نزل عنها بغير طلاق, وكان عليه المهر بما استحل منها, وهي زوجة الأول. ولا يطؤها الأول حتى تنقضي عدتها من وطء الثاني. فإن أتت بولد لحق بالثاني. فإن جهل أولهما نكاحا بطل النكاحان جميعا. وقيل عنه: يُقرع

بينهما, فمن قَرَعَ صاحبه فهي له, والأول عنه أظهر وأصح. ومن تزوج أختين في عقدين بطل نكاح التي بها وقع الجمع بينهما, وهي الثانية. فإن جهل أولاهما نكاحا بطل النكاحان, ونزل عنهما. ثم هو المخير في العقد على أيتهما شاء بإذنها. وكذلك لو تزوجهما في عقد واحد بطلا جميعا. وقيل عنه: إن تزوج أختين في عقدين, وجهل أولاهما نكاحا أقرع بينهما. والأول أصح. وإذا عضلها الأقرب من عصباتها, فهل للأبعد أن يزوجها أم لا. على روايتين: إحداهما: يزوجها, ولا ولاية معه للحاكم. والرواية الأخرى: لا يزوجها الأبعد, ويزوجها الحاكم. فإن كان الأقرب من عصباتها طفلا, أو غائبا غيبة منقطعة زوجها الأبعد من عصباتها بولاء وإذن. وإن لم يكن لها عصبة سوى الغائب أو الطفل زوجها الحاكم بإذنها. ولم يختلف قوله في المرأة تزوج نفسها بغير شهود أن النكاح باطل. واختلف قوله: هل لها أن تتزوج, وإن لم ينزل هذا الزوج عنها, ولا فرق بينهما حاكم أم لا. على روايتين: قال في إحداهما: ليست له بامرأة! كيف يخلي سبيلها؟ وقال في الأخرى: لا تتزوج حتى يطلقها أو يفرق حاكم بينهما. ولم يختلف قوله: إنهما إن ماتا قبل التفريق بينهما لم يتوارثا. فأما المرأة تزوج نفسها بغير ولي بحضرة شهود, فلا يختلف قوله أنها لا تتزوج إلا أن يطلقها هذا, أو يفرق بينهما حاكم, مع قوله: إن النكاح فاسد. وللسيد أن يزوج عبده, وأمته, وأم ولده بحق المِلك. وله أن يزوج معتقته التي

لا ولي لها من عصباتها بالولاء. وله أن يزوج إماءه بغير إذنهن, ولا يزوج عبده إلا بإذنه. فإن فعل لم يجز العقد عليه. فإن رضي العبد به بعد العقد فهل يصح, أم يحتاج إلى استئناف عقد بإذنه أم لا؟ على وجهين. وللمرأة أن تزوج أمتها ومعتقتها التي لا عصبة لها في إحدى الروايتين. وفي الأخرى قال: تأمر من يزوجها؛ فإن النساء لا يلين عقود الأنكحة. قال: ولو ولت أمرها رجلا فزوجها بحضرة شهود, ثم مات الزوج, اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا, وتوارثا على هذه الرواية. وكذلك من زوجت نفسها بحضرة شهود, فإن طلقها في هذا النكاح وهو مريض ثم مات, فإن بعض الناس قال: لا ترث. والنكاح في العدة لا يجوز. ومن تزوج امرأة في عدتها نزل عنها بغير طلاق, ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها. فإذا انقضت عدتها جاز له أن يتزوجها بإذنها على شروط النكاح الصحيح قولا واحدا. وإن كان دخل بها وهو جاهل بحالها أو جاهل بالتحريم أُدب فنزل عنها, ولها المهر بما استحل من فرجها. وعليها أن تقضي تمام عدة الأول. وتقضي عدة كاملة من الثاني. فإذا قضت العدتين جميعا, فهل تحل للثاني بعقد جديد أم لا؟ على روايتين: إحداهما: لا تحل له, وقد صارت من المحرمات على التأبيد, كتحريم ذوات المحارم, وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والرواية الأخرى: أنه يكون خاطبا من الخطاب, وتحل له بعقد جديد, وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ومن أراد أن يتزوج امرأة هو وليها أمر من يزوجه بها بإذنها, كما فعل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. ومن طلق في نكاح مختلف فيه وقع طلاقه قولا واحدا. فإن طلق في نكاح متفق على بطلانه, كالنكاح في العدة, والعقد على الأخت الثانية والأولى تحته, لم يقع طلاقه في الصحيح من القول عنه. وقيل عنه: أحتاط وأجيز طلاقه. والأول أصح عنه وأظهر له. ومن تزوج على مال بغير عينه, ثم ساق إليها مالا مغصوبا ثبت النكاح قولا واحدا, وعليه رد الغصب أو مثله. فإن تزوجها على عين المال المغصوب, أو على محرم بعينه, كالخمر والخنزير فعلى روايتين: إحداهما: النكاح باطل, كالشغار, والرواية الأخرى: النكاح ثابت, ولها مهر مثلها إن دخل بها, أو المتعة إن طلقها قبل الدخول بها؛ لأنها في معنى من لم يسم لها مهرا. فإن تزوجها على تعليمها سورة من القرآن ثبت النكاح قولا واحدا. وهل يكون القرآن مهرا أم لا؟ على روايتين: إحداهما: لا يكون مهرا, ولها مهر مثلها إن دخل بها, أو المتعة إن طلقها قبل الدخول. والرواية الأخرى: يكون ذلك مهرا صحيحا. فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف أجر من يعلم تلك السورة إن كان قد لقنها هي وحفظتها. فإن لم يكن علمها رجعت عليه بنصف أجر من يعلمها. فإن تزوجها على عبد بعينه فاستُحق, أو كان حرا ثبت النكاح وكان لها قيمة العبد. وعلى هذه الرواية يجب إذا تزوجها على مال مغصوب أن يستحق عليه مثله, وأن يستحق المثل بعد الدخول, والمتعة قبله إذا كان الصداق محرما

لا قيمة له. فإن تزوجها على عبد من عبيده بغير عينه كان لها أوسطهم إلا أن يشاء أن يعطيها الأفضل. فإن تزوجها على حكمها, فأسقطت مهرها كان لها مهر مثلها. فإن تزوجها على عبدين فخرج أحدهما حرا فعلى روايتين: إحداهما: لها قيمة العبدين جميعا. والرواية الأخرى: لها قيمة الحر منهما, والآخر ملك لها. ولو تزوجها على دار على أن ذرعها ألف ذراع, فكانت تسع مئة ذراع, فهي بالخيار بين أن تأخذ الدار, ولا شيء لها غيره, وبين أن تأخذ منه قيمة ألف ذراع, ولو قيل: إنها إذا اختارت الدار كان لها معها قيمة مئة ذراع, كان وجها. فإن تزوجت على أن يخدمها في ضياعها حولا, ويكون ذلك مهرا, لم يجز, وكان لها مهر نسائها. وقيل عنه: يجوز, كما لو تزوجها على خياطة ثوب بعينه جاز. ولو تزوجها على أمة فزوجها عبده, فولدت منه, ثم طلقها قبل الدخول, كان لها نصف قيمة الأمة وقيمة ولدها. وفيه وجه آخر: أن الولد لها؛ لأنه حدث في ملكها, ولها نصف قيمة الأمة؛ لأنه قال في رجل تزوج امرأة على أمة ثم عتق الأمة: إن عتقه باطل؛ لأنها ملكتها بالعقد. ولو تزوجها على مسمى, فطلبت منه الخيار قبل الدخول, واختارت نفسها, بانت. وهل لها نصف المسمى أم لا مهر لها؟ على روايتبن: إحداهما: لا شيء لها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها. والرواية الأخرى: لها نصف ما سماه لها. ولو تزوجها على ألف درهم ساقها إليها, فوهبتها له, ثم طلقها قبل الدخول, رجع عليها بخمس مئة في إحدى الروايتبن, وفي الرواية الأخرى: لا يرجع عليها بشيء. والذي بيده عقدة النكاح هو الزوج في الصحيح عنه, وقيل: هو الأب. والأول اختياري. فإن تزوجها على عاجل وآجل كان العاجل حالا, ولم يحل الآجل إلا بالموت أو الطلاق, إلا أن يضرب له أجلا معلوما, فيحل عند حلول أجله. وقد يتوجه إذا كان

الأجل مجهولا أن يكون حالا, كما قال في غير الصداق من الديون. والأول هو المنصوص عنه. فإن اتفقا على مهر في السر, وعقدا النكاح على أكثر منه في العلانية, كان المهر مهر العلانية. وإذا زوج الأب ابنه الصغير, فالصداق على الأب ضمنه أو لم يضمنه في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: هو على الابن, ولا يلزم الأب إلا أن يضمنه لها. ومن خلا بزوجته فأغلق بابا, أو أرخى سترا, وجب المهر عليه كاملا, ولزمتها العدة إن طلقها, وطئ أو لم يطأ. وسواء كانا سالمين, أو صائمين, أو مُحرمين, أو كانت المرأة حائضا, أو نفساء. واختلف عنه إذا قال الزوج: أُدخلت علي وأنا غير عالم بها. فصدقته, فقيل عنه: ليس لها إلا نصف المسمى. وإن لم تصدقه كان القول قولها, ولها عليه جميع المسمى. فعلى هذه الرواية يجب إذا قالت الزوجة: أُدخلت عليه وأنا صائمة أو محرمة, أو حائض أو نفساء, ولم يطأني, أن لا يلزمه إلا نصف المسمى, ولذلك لو ادعى هو أنها أدخلت عليه وهو محرم أو صائم, وأنه لم يصبها, وصدقته يجب أن يلزمه نصف المسمى. وقيل عنه: إذا خلا بها, وأغلق بابا, وأرخى سترا. فأحكامها كلها أحكام المدخول بها في سائر أحوالها منالطلاق, والعدة, وتكملة المهر, إلا في الإحصان والإحلال للزوج الأول؛ فإنها لا تحصن, ولا تحل للزوج الأول إلا بالوطء الكامل في النكاح الصحيح. فإن قال الزوج: لم أطأ, وصدقته المرأة, قال: لا أقبل قول واحد منهما, هو يفر من كمال المهر, وهي تفر من العدة, فعليه المهر كله, وعليها العدة. ويتوجه إذا قال: لم أطأها, وصدقته أن لا يجب لها عليه إلا نصف

المسمى؛ لأن قولها مقبول على نفسها في إسقاط حقوقها, وتجب عليها العدة؛ لأن قولها غير مقبول في إسقاط ما وجب عليها. وهل تكون الخلوة مع عدم الدخول إذا قارنها الطلاق محرمة للربيبة كتحريم الوطء أم لا؟ على وجهين. قال: ولو خلا بامرأته. وهي نصرانية في شهر رمضان وهو صائم, ثم طلقها قبل المسيس, ألزمته جميع المهر, وألزمتها العدة. فإن أتت بولد لممكن, لزمه لثبوت الفراش. وقيل عنه: لا يلزمه الولد إلا بالوطء. والأول عنه أصح وأظهر. ولو اختلفا في المهر, فقالت: تزوجني على ألفين. وقال: تزوجتها على ألف. كان لها مهر مثلها. فإن كن مهر مثلها خمس مئة فلها ألف؛ لأنه أقر به لها. وإن كان مهر مثلها ألفا وخمس مئة كان لها مهر مثلها, فإن كان مهر مثلها أكثر من ألفين لم يكن لها إلا الألفين؛ لأنها أقرت بالرضا بها. ولو تزوج امرأة فلم يدخل بها, ثم تزوج أخرى فدخل بها, فكانت المدخول بها أم الأولى حرمتا جميعا عليه أبدا. ولو كانت المدخول بها ابنة الأولى فارقهما جميعا, ثم إن شاء تزوج الابنة بنكاح جديد, فأما الأم فحرمت عليه أبدا. فإن كان دخل بهما جميعا حرمتا عليه أبدا, وكان عليه لكل واحدة منهما المهر المسمى. فإن تزوج امرأة فلم يدخل بها, ثم تزوج أخرى فدخل بها, فإن كانت المدخول بها أخت التي لم يدخل بها نزل عن الثانية, وكان لها عليه المهر بما استحل من فرجها, ولم يطأ الأخرى حتى تنقضي عدة الموطوءة, ثم الأولى زوجته. وكذلك الحكم لو كان دخل بهما جميعا. ولا بأس أن يتزوج الرجل ابنة زوج أمه, وابنة زوجة أبيه, وحماة ولده وحماة والده, وزوجة زوج أمه, إذ لا رحم بينهما, ولا رضاع. وله أن يجمع بين ابنتي عميه في النكاح, وكذلك ابنتي عمتيه. وقد كرهه في موضع آخر, لا كراهة حظر وتحريم.

ومن زنى بامرأة فأتت بابنة لم يتزوجها. ولا يتزوج أم الموطوءة, ولا ابنتها منه, ولا من غيره, وحرمت الموطوءة على آبائه وأبنائه أبدا. ومن طلق واحدة من نسائه الأربع طلاقا رجعيا أو بائنا لم يتزوج خامسة حتى تنقضي عدة الرابعة المطلقة. وكذلك لو طلق امرأة ثلاثا أو واحدة لم يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها. ولو ماتت الرابعة كان له أن يتزوج خامسة عقيب موتها إن شاء. وكذلك الأخت. ولو تزوج المريض صح نكاحه. فإن زادها على مهر مثلها, فعلى روايتين: إحداهما: ليس لها إلا مهر مثلها دون الزيادة. والرواية الأخرى: يثبت مهر مثلها في صلب ماله, والزيادة في ثلثه. ومن وطئ حماته, أو ابنة امرأته زنىً, أو وطء شبهة حرمت عليه زوجته. فإن قبل حماته أو ابنة امرأته لشهوة, أو نظر إلى فرجها بشهوة, فهل تحرم عليه امرأته أم لا؟ على روايتين. ومن كان تحته أربع نسوة, فتزوج خامسة وأولدها, فرق بينه وبينها, ولحق به الولد, ودُرئ عند الحد إن كان جاهلا بالتحريم. فإن كان عالما به, وفعل ذلك عامدا رُجم إن وطئها وهو محصن, ولم يلحق به الولد. ومن زنى بامرأة, لم يتزوج بها هو ولا غيره حتى تنقضي العدة كم وطئه. ومن كان تحته أربع نسوة, لم يسافر بإحداهن إلا بإذن باقيهن, أو يقرع بينهن, فمن خرج لحسابها السفر منهن أخرجها معه. وأقل الحمل ستة أشهر قولا واحدا, وفي أكثره روايتان: إحداهما: أربع سنين, والرواية الأخرى: سنتان. والولد يلحق الزوج بثبوت الفراش, وإمكان الوطء. فإن لم يمكن الوطء, أو كان الزوج صغيرا لا يولد لمثله لم يلحقه الولد.

وولد الزنى لا يلحق بالزاني وإن أقر به. وكل وطء في نكاح فاسد يلزم فيه الولد, ويسقط الحد وتثبت الحرمة, ولا تحل به المرأة للزوج الأول. ومن تزوج امرأة في عدتها, فولدت له لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها, ولأقل من سنتين منذ يوم طلقها الأول, فالولد للأول قولا واحدا. ومن أتت به لستة أشهر فصاعدا منذ يوم تزوجها الثاني, ولأكثر من أربع سنين منذ طلقها الأول, فهو للثاني قولا واحدا. وإن أتت به لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها الثاني ولأقل من سنتين منذ طلقها الأول, ولم تكن أقرت بانقضاء العدة وادعياه جميعا أُري القافة, فكان ولد من ألحقوه به منهما. وإن ألحقوه بهما كان ولدهما جميعا. ومن أقرت بانقضاء عدتها, ثم أتت بولد لستة أشهر فصاعدا بعد إقرارها بانقضاء العدة, لم يُلحق نسبه بمطلقها. وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت إقرارها فهو ولده. فإن أقرت بانقضاء العدة وتزوجت زوجا, فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ تزوجها, فادعاه الأول والثاني, فهو للثاني؛ لأن الفراش له. ولو تزوج امرأتين كبيرة وصغيرة, فأرضعت الكبيرة الصغيرة, فإن كان لم يدخل بالكبيرة حرمت وحدها؛ لأنها صارت أم الصغيرة, ونكاح الصغيرة ثابت. وإن كان قد دخل بالكبيرة حرمتا جميعا عليه أبدا, وللكبيرة الصداق بما استحل من فرجها. وللصغيرة نصف الصداق, ويرجع به على الكبيرة؛ لأن الفساد جاء من قبلها. وقد يتوجه أن يقال: إن الكبيرة إن كانت عالمة بأن الرضاع يحرم الصغيرة, أو تعمدت الفساد بذلك رجع عليها بما يلزمه من صداق الصغيرة. وإن كانت لم تعمد الفساد, ولا كانت عالمة بالتحريم أنه لا يرجع عليها بشيء. قال: ولو عمدت أم الكبيرة فأرضعت الصغيرة حرمت عليه الزوجتان؛ لأنهما صارتا أختين, وللصغيرة نصف الصداق يرجع به على أم الكبيرة. فإن كان لم

يدخل بالكبيرة تزوج بعد ذلك أيتهما شاء. قال: وإن كان قد دخل بالكبيرة فاختار أن يتزوجها بعد الرضاع جاز له ذلك. وكذلك أيضا يجوز على قوله: إن لم يختر الكبيرة بعد الرضاع واختار الصغيرة, أن له أن يتزوجها في الحال إن كان لم يدخل بالكبيرة. وإن كان قد دخل بها, كان له أن يتزوج الصغيرة بعد انقضاء عدة الكبيرة. وشهادة المرأة العدلة مقبولة في الرضاع, ويفرق بها بين الزوجين إذا شهدت أنها أرضعتهما في الحولين. وقيل عنه: لا يفرق بينهما إلا بشهادة امرأتين عدلتين. والأول أظهر عنه. وإذا التمس الزوج فطام ولده في الحولين, وأبت الأم إلا أن ترضعه تمام الحولين كان لها ذلك. وإن اتفقا على فطامه في الحولين, وكان لا يضر ذلك به جاز له. ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها, وله العزل عن الأمة بغير إذنها. وإتيان النساء في أعجازهن حرام. فمن فعل ذلك نهي عنه, فإن انتهى وإلا فرق بينهما. ومن تزوج امرأة نكاحا فاسدا, أو سمى مهرا جائزا, ثم طلق قبل المسيس, فلا مهر لها ولا متعة. وإن طلق بعد الدخول فلها المسمى. وإن تزوج نكاحا جائزا, وسمى مهرا فاسدا, وطلق قبل الدخول, فلا مهر لها قولا واحدا. وفي المتعة وجهان: إذا قلنا: إن النكاح فاسد, فلا متعة ولا شيء, وإذا قلنا: إن النكاح صحيح, كان لها المتعة؛ لأنها مطلقة قبل المسيس غير المسمى لها. وإن طلقها بعد المسيس كان لها مهر مثلها قولا واحدا. وجملته: أن ما فسد من

النكاح لصداقه, فإذا وقعت الفرقة فيه قبل المسيس, فلا مهر ولا متعة, وإن وقعت بعد المسيس كان لها مهر مثلها؛ وما فسد لعقده دون صداقه وقد وقعت التسمية فيه, فوقعت الفرقة فيه قبل المسيس, فلا مهر ولا متعة أيضا. وإن وقعت بعد المسيس, فلها المسمى كاملا قولا واحدا. وإذا قال الولي للخاطب: قد زوجتك فلانة, وقال الزوج: قبلت هذا النكاح وكان ذلك بحضرة رجلين رشيدين صح العقد. وكذلك لو قال الخاطب للولي: زوجني فلانة, فقال: قد زوجتكها, وقال الزوج: قد قبلت. وكذلك لو قيل للولي: زوجت فلانة من فلا هذا. فقال: نعم. وقيل للزوج: قبلت منه هذا النكاح؟ فقال: نعم. كان نكاحا صحيحا. ولا ينعقد بعد إيجاب الولي إلا بقبول الزوج على كل حال إن كان حاضرا, أو قبول وكيله إن كان غائبا, أو قبول من له الولاية عليه إن كان الزوج صغيرا. وحرم الله سبحانه من النساء سبعا بالقرابة, وسبعا بالرضاع والصهر, فقال: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} فهؤلاء السبع من النسب. واللواتي من الصهر والرضاعة قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} [النساء: 23] , وقال تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء:22] , فحرم الله سبحانه من ذكرنا. وحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاع ما يحرم من النسب. ونهى صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها, وعلى خالتها وعلى ابنة أخيها, وعلى ابنة أختها, فمن تزوج امرأة حرمت عليه أمها, وإن علت بالعقد

وإن لم يمسها. وكذلك تحرم هي على آبائه وأبنائه, وإن كان لم يمسها. ولا يحرم عليه بناتها إلا أن يدخل بالأم. وكذلك لو وطئ بملك, أو شبهة, أو نكاح. وأباح وطء الكتابيات بالملك ووطء حرائرهن بالنكاح. وحظر وطء إمائهن بعقد النكاح على الحر والعبد من المسلمين. ومن كان أحد أبويها كتابيا والآخر وثنيا, لم يحل وطؤها لمسلم بنكاح ولا ملك يمين. ولا تتزوج المرأة عبدها, ولا الرجل أمته, وهما على الرق إلا أن يعتقهما. وللحر أن يجمع بين أربع زوجات حرائر مسلمات كن أو كتابيات. ولا يتزوج أمة إلا عند عدم الطول إلى حرة, وخوف العنت. فإذا وجد الشرطان فيه: عدم الطول وخوف العنت جاز أن يتزوج أمة. وهل له أن يجمع بالنكاح بين أربع من الإماء أم لا؟ على روايتين: إحداهما: لا ينزوج أكثر من أمة واحدة. والرواية الأخرى: له أن يتزوج منهن أربعا. ولا يجمع العبد بين أكثر من زوجتين حرتين كانتا أو أمتين, أو حرة وأمة. ومتى وجد الحر طولا لحرة وتحته أمة, فنكاح الأمة ثابت, ما لم يتزوج الحرة قولا واحدا. وهل ينفسخ نكاح الأمة إذا عقد النكاح على حرة أم لا. على روايتين: إحداهما: ينفسخ نكاحها بنفس العقد على الحرة. والرواية الأخرى: يثبت النكاحان, ويقسم للحرة ليلتين, وللأمة ليلة. وليس لحر تحته حرة أن يتزوج عليها أمة, لا أعلم عنه فيه خلافا. فإن تزوج حرة وأمة في عقد واحد فعلى روايتين؛ إحداهما: يثبت نكاح الحرة دون نكاح الأمة. والرواية الأخرى: يبطل النكاحان جميعا. وللعبد الذي تحته حرة أن يتزوج عليها أمة قولا واحدا. ومن تزوج أمة غارة على أنها حرة وأولدها أولادا, ثم ادعى رجل أنها أمته أبقت منه, وأقرت الأمة له بذلك, لم يقبل قولها في إحدى الروايتين إلا ببينة

عادلة. والرواية الأخرى: يقبل قولها, وترد إلى سيدها, وعلى الزوج أن يفدي ولده منها بقيمتهم وهم أحرار. وقيل عنه: بل يفديهم كل وصيف بوصيف. وكذلك الحكم لو جحدت الأمة, فأقام السيد بينة بذلك, فإن كان غره منها إنسان, فعلى الذي غره ضمان ما يلزمه من قيمة ولده خاصة. فأما المهر فعلى الزوج, ولا يرجع على الغار. ولو تزوج عبد حرة على أنه حر, ثم ثبت أنه عبد, كان مهرها في رقيته, إما أن يفديه السيد أو يسلمه. فإن فداه فلها الخيار بين فراقه أو المقام معه’ إن كان تزوجها بإذن السيد. وإن كان بغير إذنه كان النكاح باطلا, وتفارقه. فإن لم يفده السيد وسلمه إليه بمهرها, ملكته وانفسخ النكاح. ومن زوج أمته حرم عليه وطؤها ما كانت تحت الزوج. فإن أقدم على وطئها جاهلا بالتحريم لم يحد قولا واحدا. وإن كان عالما بالتحريم لم يرجم قولا واحدا, محصنا كان أو غير محصن. وهل يضرب الحد الكامل أم لا؟ لوح في موضع أنه يحد. وصرح في موضع آخر أنه يضرب الحد الكامل. قال: فإن كان زوجها صغيرا وأتت بولد من وطء السيد لم يلحق نسبه بالسيد ولا بالزوج. ولا يسترقه السيد, بل يعتقه؛ لأنه وإن لم يلحق به نسبا, فإنه منه. وإذا زوج عبده كان الطلاق بيد العبد. وبيع العبد المزوج لا يكون طلاقا, وكذلك الأمة. غير أنه إذا باع أمة تحت زوج, فإن كان المشتري عالما بذلك, كان البيع صحيحا, والنكاح ثابتا, وليس للمشتري منع الزوج منها, وإن كان غير عالم, كان بالخيار بين إتمام البيع وفسخه؛ لأن ذلك عيب. ومن أعتق أمته وجعل عتقها صداقها وتزوجها, ثبت العتق والنكاح جميعا إن كان ذلك بحضرة شهود. وسواء قدم لفظ العتق على العقد, أو العقد على العتق إذا كان كاملا موصولا. ولا خيار للأمة, ولا امتناع من التزويج إذا وقع العتق على ذلك. واختلف قوله: هل يكون المولى العاقد لنفسه النكاح عليها أم يحتاج إلى توكيل من يعقد له النكاح عليها بأمره؟ على روايتين. فإن طلقها قبل الدخول بها

رجع عليها بنصف قيمتها. فإن وكل رجل رجلا في تزويج ابنته أو أخته ممن يرى, فتزوجها الوكيل بولاية نفسه, كان النكاح باطلا قولا واحدا. فإن وكل الوكيل وكيلا فزوجه منها بأمره نُظر, فإن كان الأب جعل للوكيل أن يزوجها, وأن يوكل في تزويجها من يرى, كان عقد وكيل الوكيل النكاح عليها لوكيل الأب جائزا قولا واحدا. وإن كان لم يجعله له أن يوكل غيره في تزويجها, فوكل الوكيل وكيلا زوجه منها, فعلى وجهين: أحدهما: أن النكاح باطل بناء على الرواية التي قال فيها: إن وكالة الوكيل لا تجوز إذا لم يجعل له الموكل ذلك. والوجه الآخر: أن النكاح جائز بناء على الرواية الأخرى التي قال فيها: إن وكالة الوكيل جائزة, وإن لم يجعل ذلك له إذا لم يكن حظر عليه أن يوكل غيره. وإن كان الأب وكله في تزويجها من رجل بعينه لم يجز للوكيل أن يتزوجها بولاية نفسه, ولا بولاية وكيله قولا واحدا. قال: ولو قال لأمته: أنت حرة, ثم قال لها عقيب ذلك: أنت طالق إن تزوجتك. طلقت منه متى تزوجها بواحدة, وكان لها نصف الصداق إن كان سمى لها مهرا, أو المتعة عند عدم التسمية. ويتوجه أن لا يقع عليها هذا الطلاق ولا تبين منه إلا بطلاق مجدد بعد النكاح, كما قال في الطلاق قبل النكاح في غير هذا الموضع. والأول هو المنصوص عنه. ومن أراد بيع أمته لم يبعها حتى يستبرئها بحيضة. فإن كانت آيسة, أو صغيرة لم تبلغ المحيض, فثلاثة أشهر. ولا يطأها المشتري أيضا حتى يستبرئها كما وصفت. وسواء كان البائع رجلا أو امرأة, فلا بد من الاستبراء. فإن باع أمته ثم تقايلا البيع بعد الافتراق بالأبدان والتقابض, لم يطأها البائع حتى يستبرئها قولا

واحدا؛ لأن الإقالة تجديد ملك, فإن تقايلا قبل الافتراق, فهل على البائع استبراء ثان أم لا؟ على روايتين. والحمل في بنات آدم عيب, وفي الحيوان نماء وزيادة, فمن ابتاع أمة فظهر بها حمل, فهو بالخيار بين إمساكها وردها. ولا يجوز تقبيل الأمة المستبرأة في حال الاستبراء إذا كانت ممن تحيض, ولا مباشرتها قولا واحدا, لجواز أن تكون حاملا من البائع, فلا يدخل تحت العقد, ويصير قد باشر أم ولد غيره. فإن كانت مسنة لا يحيض مثلها, أو صغيرة لم تبلغ المحيض, فهل له أن يقبلها أو يباشرها في زمان الاستبراء أم لا؟ على روايتين. واختلف قوله في العبد: هل يملك أم لا؟ على روايتين. ولا خلاف عنه أن للعبد أن يتسرى بإذن سيده. ومن باع أمة وشرط على المشتري ألا يطأها, أو متى أراد بيعها فهي للبائع بالثمن, فعل روايتين: إحداهما: البيع جائز, والشرط باطل. والرواية الأخرى: البيع باطل؛ لبطلان الشرط. ولو تزوج حر أمة بين رجلين, ثم ابتاع نصيب أحدهما منها, انفسخ النكاح, ولم يجز له أن يطأها بالملك, ولا بالنكاح حتى يملك حصة شريكه فيها, فيطأها بالملك. ومتى ملك الزوج امرأته, أو المرأة زوجها, انفسخ النكاح قولا واحدا. وعلى الزوج أن يعدل بين نسائه في القسم بنفسه. والقسم قسم الليل. وعليه أن ينفق على كل واحدة منهن بقدر كفايتها, ويكره له أن يفضل إحداهن في النفقة على الأخرى, فإن فعل, ولم يقصر بالأخرى عن قدر كفايتها لم يحرج. ولا قسم في المبيت لأمته, وأم ولده اللتين يطؤهما بملك اليمين مع الحرة. ومن تزوج أمة غيره فأولدها أولادا, وله أولاد من حرة, ثم ابتاع الأمة وأولاده منها, عتق أولاده عليه بنفس ملكه, وانفسخ نكاح الأمة, وله وطؤها بملك اليمين.

فإن مات السيد وخلف أولاده منها ومن غيرها, فإذا قلنا: إنها تصير أم ولد له بالاستيلاد في ملك الغير. عتقت من أصل ماله بموته. وإذا قلنا: لا تصير أم ولد إلا بولد حادث بعد ملكه لها. فهل تعتق في نصيب أولادها ويضمنون في أموالهم قيمة حصة إخوتهم منها أم لا؟ على روايتين: إحداهما: أنها تعتق في حصة أولادها, ويضمنون لإخوتهم قيمة حصتهم فيها. والرواية الأخرى: أن من ملك ذا رحم محرم بالميراث لم يعتق عليه. وإنما يعتق عليه إذا ملكه بالابتياع. فعله هذه الرواية هي أمة. وهل يجبر أولادها على عتق حصتهم منها أم لا يجبرون؟ على روايتين: إحداهما: أنهم يجبرون على العتق فتعتق حصتهم منها, ثم تسري الحرية إلى حقوق إخوتهم فيها إن كان أولادها موسرين. ويلزمهم لهم قيمة حقهم منها. والرواية الأخرى: لا يجبر أولادها على العتق, وتبقى على الرق لجميع الأولاد, فإن ابتاع أولادُها حصة إخوتهم منها, عتقت في أموالهم قولا واحدا. وإن باع الإخوة حصتهم منها لأجنبي صح شراؤه, وكان شريكا لأولادها فيها يستخدمها بقدر حقه فيها, ولا يجوز له وطؤها قولا واحدا. والذي أقول به من مذهبه: إنها تصير أم ولد بالاستيلاد في ملك الغير, وتعتق بموته من صلب ماله. ولا نفقة للزوجة حتى تسلم نفسها, ومثلها يوطأ, أو تبذل التسليم, فيمتنع الزوج من تسلمها, فيلزمه النفقة لها إن طالبته بها. ونكاح التفويض جائز, وهو: أن يتزوجها على غير مسمى, ولا يشترطا دفع المهر, فيثبت النكاح, ولها مطالبته بالفرض لها قبل الدخول, فإن فرض لها مهرا فرضيته فذاك مهرها, كان بقدر صداق مثلها, أو أقل, أو أكثر, لا شيء لها غيره. فإن لم يفرض لها مهرا حتى دخل بها, كان لها عليه مهر مثلها, فإن طلقها قبل الدخول والفرض, لم يكن لها عليه إلا المتعة, ولو مات عنها قبل الدخول والفرض, كان لها صداق مثلها من صلب ماله ثم الميراث. ولو تزوجها على مسمى, ثم زادها فيه بعد العقد, ثم طلقها قبل الدخول, كان لها نصف

المسمى ونصف الزيادة. وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسج النكاح بغير طلاق. فإن كانت هي المرتدة, فلا مهر لها. وإن كان هو المرتد كان لها نصف المسمى. وإذا عاد المرتد منهما إلى الإسسلام لم يحل له صاحبه إلا بنكاح. وإن كانت الردة بعد الدخول, فارتد الزوج ثم عاد إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها فهي زوجته بالنكاح الأول. وإن عاد بعد انقضاء عدتها, لم تحل له إلا بنكاح جديد. وكذلك الحكم لو كانت هي المرتدة. ولا نفقة لها بعد الردة في زمان العدة. ونكاح أهل الشرك صحيح, وطلاقهم واقع, لأن الله تعالى قال: {وامرأته حمالة الحطب} [المسد:4]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولدت من نكاح, ولم أولد من سفاح". وقد قيل عنه: في ذمي طلق ثلاثا. ثم أسلما أنه قال: هدم الإسلام الطلاق. وقيل عنه: إنها لا تحل له إلا بعد زوج, وهو الصحيح. فإن أسلم الزوجان الكتابيان فهما على نكاحهما, فإن أسلمت الزوجة قبله كان أحق لها إن أسلم في عدتها بالنكاح الأول, إن كانت مدخولا بها. وإن أسلم هو قبلها فهما على نكاحهما. وما عقد عليه الكتابيان النكاح من المهر إن كان حلالا جاز, وإن كان محرما فقبضته ثم أسلما فذاك مهرها, ولا شيء لها غيره, وإن لم تقبضه حتى أسلما كان لها مهر مثلها. وإن كانت مجوسية فأسلمت قبله, أو أسلم قبلها انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان. فإن أسلم الآخر منهما لم يحل له صاحبه إلا بنكاح جديد, وسواء كانت مدخولا بها, أو غير مدخول. وإن أسلم مجوسيان معا أقرا على نكاحهما إلا أن تكون المرأة ذات رحم

محرم منه, فيفرق بينهما. وإن أسلم كتابي, وتحته أكثر من أربع زوجات, فليختر منهن أربعا ويفارق من سواهن. ولا فرق بين أن يختار أولهن نكاحا أو أخراهن في أن ذلك جائز. وكذلك لو كان تحته أختان كان له أن يختار أيهما شاء. فإن أسلم وتحته أم وابنتها, وكاذ ذلك قبل الدخول انفسخ نكاح الأم. وإن كان بعد الدخول بالابنة انفسخ نكاحهما, ولم تحل له واحدة مهما أبدا, وكذلك لو كان بعد الدخول بالأم أو بهما انفسخ نكاحهما جميعا, ولم تحل له واحدة منهما أبدا. ومن وقعت الفرقة بينه وبين زوجته بلعان لم تحل له أبدا. ومن تزوج امرأة في عدتها, ووطئها جاهلا, نزل عنها, ولم تحل له أبدا في إحدى الروايتين. ومن زنى بحماته, أو وطئها بشبهة حرمت عليه ابنتها, ولم يحل له واحدة منهما أبدا. ومن زنى بربيبته, أو وطئها بشبهة حرمت عليه أمها, ولم تحل له واحدة منهما أبدا. ولا نكاح لعبد ولا أمة إلا بإذن السيد. ولا تعقد امرأة, ولا عبد, ولا من على غير الإسلام نكاحا على امرأة, إلا المرأة تزوج أمتها على ما بينت. ولا يجوز لمسلم أن يتزوج كتابية بولاية أبيها الكافر, ولا يزوجها من مسلم إلا الحاكم. ولا ولاية لفاسق في عقد النكاح, ولا ينعقد بشهادته, وليس بكفء حتى يتوب من فسقه. ولا يتزوج المرأة ليحلها لزوج كان قبله طلقها ثلاثا, فإن فعل لم يحلها ذلك لمطلقها, ولا يجوز لهذا الإقامة عليها بهذا النكاح. وكذلك لو تزوجها نكاحا صحيحا, ووطئها وطئا فاسدا, مثل أن يطأها حائضا, أو نفساء, أو محرمة, أو صائمة صوم فرض, ثم طلقها عقيب هذا الوطء, فإنها لا تحل للأول إلا بوطء صحيح في نكاح صحيح. ولا يجوز نكاح المحرم لنفسه قولا واحدا. ولا يعقد نكاحا لغيره, فإن فعل,

فهل يفسخ أم لا؟ على روايتين؛ أظهرهما: أنه لا يجوز, ويفسخ. والرواية الأخرى: أنه لا يفسخ. وهل له ارتجاع زوجته في حال الإحرام أم لا؟ على روايتين. ومن تزوج امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها, ولا يتسرى, أو لا يخرجها من دارها أو بلدها, فلها شرطها. فإن خالف ذلك, فلها الخيار بين المقام معه وبين فراقه, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج". فإن تزوجها واشترط عليها ألا يقسم لها في كل أسبوع أكثر من ليلة, فشرطت له ذلك, فلها الرجوع في شرطها والمطالبة بحقها من القسم. ولو ادعى رجلان نكاح امرأة فأقرت لأحدهما بالنكاح, وأنكرت الآخر, لم تسلم إلى من أقرت له, إلا أن يحضر الولي العاقد له, والشهود الذين حضروا عقد النكاح.

باب الطلاق

باب الطلاق قال الله عز وجل: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة:230]. فمن طلق زوجته ثلاثا في لفظ واحد, أو ألفاظ متفرقة, بانت منه, ولم تحل له بملك ولا بنكاح حتى تنكح زوجا غير, وسواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول. فإن طلقها بعد الدخول أقل من ثلاث, فله الرجعة عليها ما لم تنقض عدتها. ولا رجعة له بعد انقضاء العدة, وهو كأحد الخطاب. وطلاق الثلاث بكلمة واحدة, للطاهر غير المجامعة, طلاق السنة في إحدى الروايتين. والرواية الأخرى: طلاق السنة المستحب: أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة, ثم يدعها حتى تنقضي عدتها, فإن بدا له مراجعتها في العدة فذاك له, وإلا بانت منه بانقضاء العدة. هذا هو طلاق العدة وطلاق السنة. قال: لأني تدبرت الفرق فلم أجد إلا ذلك. ولو طلقها بعد الدخول في كل طهر لم يصبها فيه طلقة حتى أكمل لها ثلاث طلقات في ثلاثة أطهار, ولم يرتجعها في خلال ذلك, كان مطلقا للسنة أيضا, لا يختلف قوله فيه. ويلزمها بعد الطلقة الثالثة أن تعتد بحيضة واحدة تمام ثلاثة أقراء. فإذا طهرت منها واغتسلت حلت للأزواج. ولو طلقها بعد الدخول واحدة ارتجعها في العدة, ثم طلقها أخرى قبل أن يمسها, فهل تبني على ما مضى من عدتها, أو تستأنف عدة أخرى؟ على روايتين. ومن طلق أمة طلقة واحدة بعد الدخول, كان له ارتجاعها ما لم تطهر من الحيضة الثانية, وإذا اغتسلت بانت, وكان خاطبا من الخطاب. وله أن يطلق الصغيرة التي لم تبلغ المحيض, والآيسة من المحيض,

والحامل, والتي لم يدخل بها متى شاء ما شاء. وله ارتجاع الحامل في الطلاق الرجعي ما لم تضع حملها, والمعتدة بالشهور ما لم تنقض الشهور الثلاثة, والحرة المعتدة بالأقراء ما لم تطهر من الحيضة الثالثة وتغتسل منها, والأمة ما لم تطهر من الحيضة الثانية وتغتسل منها إن كانت من ذوات الأقراء, وإن كانت صغيرة لم تحض أو آيسة من الحيض ما لم يمض شهران في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: ما لم يمض شهر ونصف. ولا فرق بين الأمة الحامل والحرة في أن له ارتجاعها ما لم تضع حملها, ولا رجعة له عليهن من بعد ذلك, وهو كأحد الخطاب. والأقراء: الحيض في الأظهر من المذهب, وعليه العمل. وقد قيل عنه: إن الأقراء الأطهار, فعلى هذه الرواية: إذا طلق الحرة في طهر لم يصبها فيه, فذاك كأحد أقرائها, فإذا حاضت بعد ذلك حيضتين, وطعنت في الدم من الحيضة الثالثة حلت للأزواج, وإن كانت أمة, فإذا طعنت في الدم من الحيضة الثانية حلت للأزواج, والأول أظهر عنه, وأصح على أصوله, وبه أقول. واختلف قوله في الرجعة هل تفتقر إلى الإشهاد أم لا؟ على روايتين. ولو وطئها ونوى به الرجعة, صح. وينهى عن أن يطلق في الحيض, فإن طلق فيه واحدة, أو ثلاثا وقع الطلاق قولا واحدا. فإن كانت واحدة أُجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة, كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر حين طلق زوجته, وهي حائض واحدة أن يرتجعها. وقيل عنه: لا يجبر على الارتجاع. والأول عنه أظهر. فإن طلقها طاهرا مجامعة كُره له ذلك, ووقع الطلاق, ولم يجبر على الارتجاع فيه إن كان أقل من ثلاث. والتي لم يدخل بها, ولا خلا معها تبينها الطلقة

الواحدة, ويكون الزوج كأحد الخطاب. ويحرمها الثلاث إلا بعد زوج. ومن قال للمدخول بها وهي حائض: أنت طالق للسنة. طلقت إذا طهرت من الحيض واغتسلت. وإن قال لها ذلك وهي طاهر مجامعة, فإذا مضى ذلك الطهر ثم حاضت وطهرت واغتسلت, وقع الطلاق عليها. فإن قال لها وهي حائض: أنت طالق ثلاثا للسنة. وقعت الثلاث جميعا عليها إذا طهرت واغتسلت. فإن قال لها: أنت طالق للبدعة. طلقت لوقتها إن كانت حائضا أو طاهرا مجامعة. وإن كانت طاهرا غير مجامعة لم تطلق حتى تحيض أو يطأ, فإن وطء حنث بنفس الإيلاج. فإن كان الطلاق أقل من الثلاث انتزع, وكانت له مراجعتها ما كانت في العدة. فإن لم ينتزع واستدام الفعل واعتقد به الرجعة كان رجعة. وإن كان الطلاق ثلاثا حنث بنفس الإيلاج ولزمه الانتزاع. فإن لم ينتزع واستدام الفعل مع العلم بالتحريم لزمه الحد, وإن كان جاهلا بالتحريم أدب ولم يبلغ به الحد. وإن قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا: نصفها للسنة ونصفها للبدعة. طلقت لوقتها ثلاثا, طاهرا كانت أو حائضا. فإن قال لغير المدخول بها: أنت طالق, أنت طالق, أنت طالق. بانت منه بالأولى, ولا يلزمها ما بعدها, ولاعدة عليها, وكذلك لو قال لها: أنت طالق فطالق فطالق, وكذلك لو قال لها: أنت طالق, ثم طالق, ثم طالق, لم تطلق إلا بواحدة. فإن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق. طلقت ثلاثا, نص على ذلك. قال: لأنه كلام معطوف بعضه على بعض, فهو كقوله: أنت طالق ثلاثا. وفيه وجه آخر: أنها تطلق بالأولى, ولا يلحقها ما بعدها, لأن الواو عنده للترتيب, وإنما ينقل إلى الجمع بدليل, فصيرها هنا في معنى الفاز وثم. والأول هو المنصوص عنه.

فإن قال ذلك كله للمدخول بها, طلقت ثلاثا, إلا في قوله لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق. فإنه إن أراد الثلاث, طلقت ثلاثا, وإن لم يرد عددا طلقت أيضا ثلاثا, وإن لم يرد بقوله ذلك الثلاث, وأراد به واحدة, وقصد بالتكرار تأكيد الأولى وإفهامها أنها قد وقعت بها, طلقت بواحدة, فإن لم يكن له نية في عدد, ولا قصد التأكيد بالتكرار, طلقت ثلاثا قولا واحدا. ومن قال لزوجته: أنت طالق. فهي واحدة, فإن نوى ثلاثا فهي ثلاث. ولا اعتبار بالنية في صريح الطلاق في الصحيح من المذهب. فإن قال لها: يا مطلقة, وأراد من زوج كان قبله, وكانت كذلك حقيقة, كان القول قوله, ولم تطلق. فإن قال: أنت طالق إن شاء الله طلقت زوجته, قال: لأن ذلك ليس باستثناء. والخلع طلقة تبين الزوجة إذا سماها, أو نواها في الخلع قولا واحدا, فإن لم يسم طلاقا ولا نواه, وأراد الفسخ, فقال: قد خلعتك. فهل يكون ذلك طلاقا أم فسخا بغير طلاق؟ على روايتين: إحداهما: الخلع طلقة تبين الزوجة على كل حال, ولا تحل له إلا بنكاح جديد. فإن تزوجها عادت عنده على ما بقي من الطلاق, والرواية الأخرى: تكون فسخا بغير طلاق, فإن تزوجها كانت عنده على ثلاث, وهذا اختياري. فإذا قال لها بعد تمام الخلع: أنت طالق واحدة أو ثلاثا, لم يلحقها الطلاق لأنها بائن منه. ويصح الخلع على الفدى قولا واحدا, وعلى غير فدى في الأظهر من القول. فإن قال لها: أنت خلية, أو بريّة, أو بائن, أو بتة, أو حبلك على غاربك, أو الحقي بأهلك, ولم يكن تقدم ذلك خصومة ولا مسألة طلاق, وقال الزوج: لم أُرد

الطلاق, بل أردت شيئا آخر قبل قوله في إحدى الروايتين, ولم يقبل في الأخرى, وكذلك لو قال: أردت طلاقا أقل من ثلاث. وإن كان قد تقدم ذلك خصومة ومسألة طلاق, كان كل واحد من هذه الألفاظ ثلاثا ثلاثا في الصحيح عنه, ولا يلتفت إلى قوله فيما يخالف ذلك. والموهوبة لأهلها إن قبلوها طلقت بواحدة في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى: تطلق ثلاثا, وإن لم يقبلوها لم يقع شيء من الطلاق. ولو قال لها في الغضب: أنت حرة لوجه الله. ونوى به الطلاق كان ثلاثا. وإن قال ذلك في غير الغضب, وقال: أردت بذلك وصفها بالحرية والفضل, ولم أرد به الطلاق, صُدق, ولم يلزمه طلاق. فإن قال لها: أنت علي حرام, أعني به الطلاق. لزمه ثلاث. فإن قال: أنت علي حرام, أعني به طلاقا. لزمه واحدة. فإن قال: أنت علي حرام, ولم يزد على هذه اللفظة لم يلزمه طلاق وإن نواه, ولزمه كفارة الظهار, فإن قال لها: يا مطلقة. وقال: أردت به من زوج كان قبل, صدق, وإن لم يوجد ذلك قال: خفت عليه. ومن قيل له: طلقت امرأتك؟ فقال: نعم, لزمه طلقة في الحكم. فإن قيل له: ألك امرأة فقال: لا, لم يلزمه شيء. فإن قال: اعتدي, فعلى روايتين: إحداهما: هي واحدة, يملك الرجعة, والرواية الأخرى: هي ثلاث. فإن قال: أنت طالق لا رجعة فيها ولا مثنوية, كان كقوله: أنت خلية, أنت برية. فإن قال: أنت طالق كألف, كانت ثلاثا. فإن قال: أنت طالق مثل هذا البيت, فهي واحدة, وهو أحق بها, قال: إلا أن يكون أراد بذلك التغليظ بأن تبين منه فيكون ثلاثا. فإن قال: أنت طالق غليظة, أو شديدة. كانت واحدة. فإن قال: اذهبي

فانكحي من شئت, وأراد بذلك الطلاق كانت طلقة. وكذلك لو قال لها: لا حاجة لي فيك, وأراد بها الطلاق, كان طلاقا. ولو قال: استبرئي رحمك, وأراد به الطلاق كانت طلاقا. والمطلقة قبل الدخول والخلوة, وقد سمى لها صداقا تستحق نصف المسمى إلا أن تعفو هي عنه, أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح, وهو الزوج في الصحيح عنه, قيل عنه: الذي بيده عقدة النكاح هو الأب, وذلك محمول عندي من قوله على الصغيرة التي في حجره, فأما الكبيرة فلا. وقد روي عن علي بن أبي طالب وجبير بن مطعم أنهما قالا: الذي بيده عقدة النكاح: الزوج. واختلف قوله في المخيرة قبل الدخول إذا اختارت الفرقة, فهل لها صداق أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: إذا اختارت نفسها فلا صداق لها, وقال في الأخرى: لها نصف الصداق, فإن كانت أمة, فالعفو عن صداقها إلى سيدها؛ لأنه المالك له دونها. ومن طلق غير المدخول بها, ولم يكن سمى لها صداقها, فلها المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. قيل: أعلاه خادم, وأدناه كسوة, يجوز لها أن تصلي فيها. وقيل عنه: بل يكون المتاع بقدر نصف صداق مثلها, إلا أن تشاء هي أن تنقصه, أو يشاء هو أن يزيدها. ومن طلق المدخول بها كان لها المسمى كاملا, أو مهر مثلها عند عدم التسمية. وهل لها مع التسمية واستيفاء المسمى متاع أم لا؟ على روايتين: أظهرهما: لا متاع لها, وهو الصحيح. ولا متعة للمختلعة قولا واحدا. فإن تزوج على غير المسمى, ومات قبل الدخول والفرض له, كان لها

الميراث و [مثل] صداق نسائها. وترد المرأة الحرة في النكاح بالجنون, والجذام, والبرص, والعَفَل, والقرن, والفتق, والرتق, وقيل: والكوسج, فترد بهذه الخصال, ولكل واحدة منها. وكذلك الرجل إذا كان مجنونا, أو مجذوما أو أبرص, أو مجبوبا, كان للمرأة فراقه بغير أجل إن شاءت. فأما العنين فإنه يؤجل سنة من يوم ترافعه, فإن وطء, وإلا كان لها فراقه إن اختارت ذلك. فإن امتنع من طلاقها, فرق الحاكمبينهما إذا طالبت المرأة بذلك. فإن ادعى أنه أصابها فأنكرته, فإن كانت ثيبا كان القول قوله مع يمينه في إحدى الروايتين. والرواية الأخرى: قال: يؤمر بالخلوة معها, ويقال له: طأ, وأخرج ماءك على شيء, فإن خالفته فيه وقالت: إنه ليس بمني, عرض على النار, فإن كان منيا فسيذوب, وإن جمد علم أنه ليس بمني. وإن كانت بكرا وادعى الوصول إليها, ولم تصدقه نظر إليها القوابل, فإن قلن: إنها عذراء. بطل قوله. والمفقود يضرب له أجل أربع سنين من يوم ترفع امرأته أمره إلا الحاكم, ثم تعتد عدة وفاة أربعة أشهر وعشرا, ثم لها أن تتزوج من اختارت, ويقسم ماله بين ورثته, فإن جاء الزوج الأول وقد تزوجت, خير بين المرأة وبين الصداق الذي ساقه إليها, فإن اختارها, فهي زوجته بالنكاح الأول, وينزل الثاني عنها. ولا يطؤها الأول

حتى تعتد من الثاني إن كان أصابها. وإن اختار الصداق فذلك له, وهي زوجة الثاني. وروي عنه رواية أخرى في زوجة المفقود: أنها تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا, ثم يقال للولي: طلق بعد ذلك, فعلى هذه الرواية: إذا لم يجئ الزوج بعد مضي المدة, فإن الولي يطلقها ثم أمرناها أن تعتد بعد الطلاق بثلاث حيض لتجمع بين العدتين, عدة وفاة وعدة طلاق, كما قال في المطلقة في مرض الموت: إنها تجمع بين العدتين. قال: فإن تزوجت امرأة المفقود قبل مضي المدة فرق بينها وبين الثاني. فإن أتت بولد يمكن أن يكون منه كان للثاني. وقد روي عنه: أنه توقف عن الجواب في المفقود, وقال: قد كنت أقول: إنها تتزوج بعد التربص وقد وهبت الجواب فيها لما قد اختلف الناس فيها, فكأني أحب السلامة. وهذا من قوله يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك من قوله رجوعا إلى أنها لا تتزوج, وتبقى على حكم التربص والانتظار له إلى أن يثبت موته, أو طلاقه, أو يمضي من الزمان ما لا يعيشه مثله, كما قلنا في المتيمم الواجد للماء بعد التلبس بالصلاة: إنه كان يقول: يمضي, ثم رأيت أكثر الأحاديث على أن يقطع, وأنا أقول: يقطع. فصار هذا من قوله رجوعا. والوجه الثاني: أن المسألة على قولين, لأنه قال: قد هبت الجواب للاختلاف فيها, ولم يقل: وأنا أقول: إنها تتربص أبدا, كما قال في مسألة التيمم: وأنا أقول: يقطع. فالمسألة ها هنا على قولين: الأول: إذا فقدت زوجها تربصت أربع سنين, ثم اعتدت شهرين وخمسة أيام حرا كان زوجها أو عبدا. وعلى الرواية الأخرى: يطلقها الولي بعد مضي المدة, ثم تتربص حتى تحيض

حيضتين إن كانت من ذوات الأقراء, وإن كانت صغيرة أو مؤيسة, فشهرين في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: شهر ونصف. والعبد إذا فقد وتحت حرة تربصت به أربع سنين, ثم اعتدت أربعة أشهر وعشرا, وكان حكمها حكم الحرة التي تفقد زوجها الحر على ما ثبت من الاختلاف فيها عنه. ولا تخطب المعتدة قبل انقضاء عدتها. ولا بأس بالتعريض لها بالقول المعروف. ومن نكح بكرا أقام عندها سبعا دون سائر نسائه. وإن كانت ثيبا أقام عندها ثلاثا, ثم ابتدأ القسم. ولا يجمع بين أختين بملك اليمين في الوطء في الصحيح عنه, ومتى وطئ إحداهما لم يكن له أن يطأ الأخرى, حتى يحرم فرج الأولى عليه بعتق, أو بيع, أو هبة, أو نكاح, ولا يجمع بينهما في عقد النكاح بالإجماع. ومن وطئ أمة بملك اليمين حرم عليه أمهاتها وإن علون, وبناتها وإن سفلن, وحرمت هي على آبائه كتحريم النكاح. وكذلك وطء الأمة بين الشريكين. ولا طلاق لصبي لا يعقل الطلاق قولا واحدا, وذلك إذا كان له عشر سنين فما دونها, فإن كان له اثنتا عشرة سنة فما زاد, ولم يكن قد احتلم, وكان يعقل الطلاق فطلق, لزمه, ووقع الطلاق في الظاهر من قوله. وقد قيل عنه: لا يقع طلاقه ما لم يبلغ الحلم, أو خمس عشرة سنى, وبهذا أقول. وطلاق المجنون, والمبرسم, والنائم, والموسوس, لا يقع قولا واحدا.

وطلاق الأخرس الذي يفهم الإشارة ويُفهمها واقع. ومن كتب طلاق زوجته بيده, ونواه بقلبه وقع قولا واحدا, وإن لم يتلفظ به. فإن كتب بيده ولم ينوه وقع في الظاهر من قوله, وقيل عنه: لا يقع. ومن وكل رجلين في طلاق زوجته, فطلقها أحدهما, لم يقع طلاقه, فإن طلقها أحدهما ثلاثا, وطلق الآخر واحدة وقعت الواحدة التي اجتمع الوكيلان عليها, إلا أن يكون جعل إليهما أن يطلقها على الاجتماع والانفراد, فيقع ما أوقعه كل واحد منهما. فإن وكل رجلا في أن يطلق زوجته طلقة واحدة فطلقها ثلاثا, وقعت واحدة. فإن ملك زوجته أمرها, فقالت: طلقتك ثلاثا, أو أقل, لم يقع شيء. وطلاق العبد طلقتان لزوجته الحرة أو الأمة. فإن كان نصفه حرا ونصفه رقيقا, كان طلاقه ثلاثا للحرة والأمة. وطلاق الحر ثلاث للحرة أو الأمة, لأن الطلاق أبدا بالرجال عنده, والعدة بالنساء. واختلف قوله في العبد يطلق زوجته الأمة طلقتين, ثم يُعتقان جميعا على روايتين: قال في إحداهما: له أن يتزوجها, وتكون عنده على طلقة واحدة, وهو قول عبدالله بن عباس, وجابر بن عبدالله, وأبي سلمة, وقتادة رضوان الله عليهم. وقال في الرواية الأخرى: قد حرمت عليه, ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره, لأن أقصى طلاق العبد طلقتان, فإذا وُجدتا منه فقد ارتفع حكم نكاحه, ولم يبق منه شيء, فطريان العتق بعد ذلك لا يحلها له. وغّا زوج الأبوان الصغيرين, ثم اختارا التفريق بينهما قبل البلوغ, فهل لأبي الغلام أن يطلق عليه أم لا؟ على روايتين. والمملكة أمرها لها أن تقضي في نفسها ما شاءت, أي وقت شاءت, والقضاء

ما قضت, ولا يخرج الأمر عن يدها, إلا أن يرتجعه منها, أو يطأها قبل أن تقضي بشيء, فإن طلقت نفسها ثلاثا, فقال الزوج: لم أجعل إليها بالتمليك إلا واحدة, لم يُلتفت إلى قوله, وكان القضاء ما قضت. والمخيرة لها أن تقضي ما كانا في المجلس, فإن قاما من مجلسهما قبل أن تختار, فقد بطل الخيار. وليس للمخيرة أن تُطلق نفسها إلا واحدة. فإن طلقت نفسها أكثر منها لم يقع ما زاد على الواحدة. ومن طلق شعر امرأته, أو ظُفرها, أو سنها, لم يقع شيء من الطلاق. وأي شيء طلق منها غير ذلك وقع الطلاق على جملتها. ومن طلق بعض طلقة لزمه طلقة كاملة. ومن قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا نصفها للبدعة, ونصفها للسنة. طلقت في الحال ثلاثا, طاهرا كانت أو حائضا. ومن حلف بالطلاق ليفعلن محرما في وقت عينه, نهيناه عن فعله, وأمرناه بالطلاق, لأنه مباح, وفعل المحظور حرام, قيل لأحمد ابن حنبل رضي الله عنه: ما تقول في رجل حلف على زوجته بالطلاق ليطأنها في وقت عينه, فإذا هي حائض؟ فقال: ليُطلقها, ولا يطأها, فإن الله تعالى أباح الطلاق, وحظر وطء الحائض. وإن كان لم يوقت وقتا, ولا أراد قرب الحال, لم يفعل, ولم يحنث إلا بموت أحدهما قبل الفعل. فإن أقدم على فعل ما حلف ليفعلنه من المحظور عصى الله سبحانه, ولم تطلق زوجته. ومن قال لزوجته: أنت طالق رأس الشهر, أو رأس السنة. لم تطلق إلا عند محل الأجل المشروط. وله وطؤها والاستمتاع بها إلى أن يحل الأجل, وأيهما مات قبل محل الأجل ورثه صاحبه. وكذلك لو قال/ أنت طالق إلى الحول. وقد قيل عنه ها هنا: إن الطلاق يقع في الحال. والأول عنه أظهر. ومن قال للمدخول بها: إذا طلقتك فأنت طالق. فطلقها واحدة طلقت

باثنتين. فإن كانت غير مدخول بها بانت بطلقة المواجهة دون طلقة الصفة. فإن قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق. ولم يرد قرب الحال, ولا عين وقتا لم يحنث إلا بآخر أوقات الإمكان. وقيل: لايحنث إلا بعد الموت, فأيهما مات قبل إيقاع الطلاق وقع الحنث بموته, وورثه صاحيه إذا كان الطلاق أقل من ثلاث. وإن قال لها: إذا شفى الله مريضي, أو قدم غائبي فأنت طالق, لم تطلق إلا بقدوم الغائب وشفاء المريض. فإن مات المريض من مرضه ذلك, أو مات الغائب في تلك الغيبة لم تطلق. ومن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق. بكسر الهمزة لم تطلق إلا أن تدخلها بعد اليمين, أو تدخل بعض أعضائها الدار في الظاهر من قوله. وقد ذكرت الخلاف عنه في هذه المسألة من باب الأيمان من كتابي هذا. فإن قال: أنت طالق أن دخلت الدار. بفتح الهمزة, والحالف من أهل اللسان, فإن كان تقد لها دخولٌ إلى تلك الدار قبل اليمين, طلقت في الحال, لأن ذلك للماضي من الفعل دون المستقبل, وإن كانت لم تدخلها قبل اليمين بحال, لم تطلق, وإن دخلت الدار بعد اليمين, إذا كان الحالف قصد بيمينه الفعل الماضي دون المستقبل, لأن ذلك بمعنى: إن كنت دخلت الدار فأنت طالق. وإن كان الحالف جاهلا باللسان وإنما أراد باليمين الدخول المستقبل, فمتى دخلت الدار بعد اليمين طلقت بما حلف به قولا واحدا. وإن كان تقدم لها جخول إلى الدار قبل اليمين, فهل يحنث بالدخول الماضي أم لا؟ على وجهين: أصحهما: لا يحنث. فإن قال: أنت طالق إن لم تدخلي الدار. فأدخلها بعض أعضائها, لم يبر حتى تدخلها بجملتها.

ومن طلق بقلبه ولم يتلفظ به بلسانه لم يقع طلاق حتى يتكلم له. ومن طلق بالفارسية وقع طلاقه, ولزمه منه ما نواه وأراده. وطلاق المكره لا يقع. ولا يكون مكرها إلا أن ينال بشيء من العذاب نحو الضرب, أو الحبس, أو القيد, أو عصر الساق, وما في معنى ذلك. فأما التواعد فليس بإكراه. ومن قال لزوجته: أنت طالق, ولانية له في عدد, طلقت منه ثلاثا في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: إن نوى ثلاثا كانت ثلاثا, وإن لم ينو عددا, فهي واحدة. وطلاق السكران الزائل العقل واقع في إحدى الروايتين, وغير واقع في الأخرى. وطلاق كل زائل العقل بغير سكر لا يقع قولا واحدا. ومن طلق زوجته طلقة واحدة, ثم ارتجعها في العدة أو بعد انقضائها قبل أن تنكح زوجا غيره, عادت إليه على ما بقي من طلاقها قولا واحدا. وإن كانت تزوجت قبل ارتجاعه لها من أصابها, ثم طلقها, ثم تزوجها الأول, فهل تعود إليه على ما بقي من الطلاق, أم يملك عليها ثلاث طلقات مستقبلات؟ على روايتين. ومن طلق بلسانه, واستثنى بقلبه وقع طلاقه, ولم ينفعه الاستثناء, حتى يتكلم به موصولا باليمين بلا فصل يمكنه الكلام في مثله. ومن قال: كل امرأة أتزوجها طالق, أو إن تزوجت فلانة, فهي طالق. فلا حكم لهذه اليمين, ومتى تزوج لم تطلق الزوجة باليمين المتقدمة, وقد يتوجه على معنى قوله, أن نطلق منه باليمين المتقدمة, لأنه قال فيمن قال لزوجته: إن تزوجت عليك فلانة, فهي طالق, أو قال: كل امرأة أتزوجها عليك طالق. فمتى تزوج عليها طلقت الثانية بنفس العقد عليها في إحدى الروايتين, قال: لأن هذه اليمين لها, يعني لزوجته الأولى. وفي الرواية الأخرى: لا فرق بين أن يحلف لزوجته, أو يقول: كل امرأة أتزوجها طالق, فإنها لا تطلق إلا بطلاق يُستأنف بعد العقد, فتصير

المسألتان على قولين. ومن طلق واحدة من نسائه ثلاثا, ثم جهلها عينا, أقرع بينهن , فمن وقع عليها سهم الطلاق أخرجها. فإن كان هو تولى الإقراع بينهن بنفسه, فوقع سهم الطلاق على واحدة فأخرجها, ثم تيقن أن المطلقة غيرها أخرج المطلقة ورد تلك, إلا أن تكون قد قضت العدة منه, وتزوجت غيره, فلا سبيل له عليها وهو شيء قد فات, ويخرج الأخرى التي تيقن أنها المطلقة. وإن كان الحاكم أقرع بينهن, فأخرج إحداهن بالقرعة وجعلها المطلقة فلا ترجع إليها, لأنها حرمت عليه بالطلاق الثلاث, ولم يُعد المخرجة إلى حباله تزوجت أو لم تتزوج, لأجل حكم الحاكم, وفي هذا قوله, دليل على أن لحكم الحاكم تأثيرا في التحريم. ومن قال: امرأتي طالق, وله زوجات, ولم ينو بالطلاق واحدة منهن بعينها, وقع على كل واحدة منهن طلقة. وكذلك لو كان الطلاق ثلاثا, طلقن كلهن ثلاثا ثلاثا. ومن قال لزوجتيه: إحداكن طالق. ولم ينو واحدة منهن بعينها, كان له صرف الطلاق إلى من شاء منهن في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى قال: يقرع بينهن, فيخرج المطلقة منهن بالقرعة. ومن طلق في مرض موته وقع طلاقه, وورثته امرأته في العدة وبعد العدة ما لم تتزوج. فإن التمست الزوجة منه الخلع, فخلعها في مرض موته لم ترثه في العدة ولا بعدها, لأن الفرقة جاءت من قِبلها. وكذلك لو خيرها, فاختارت فراقه لم ترث, إن مات من مرضه ذلك. وكذلك لو ارتدت, أو فعلت عفلا تحرم به عليه, لم ترثه, لأنها هي السقطة لحقها من

الميراث. ومن قال لزوجته: أنت طالق إن عملتِ كذا. لم تطلق إلا بوقوع الصفة. فإن قال: إن لم أفعل كذا فأنت طالق, فإن أراد قرب الحال, فلم يفعل ما حلف عليه حتى مضى من الزمان ما يقدر على الفعل فيه حنث, فإن عين وقتا لم يحنث إلا بمجيء الوقت قبل الفعل, وإن لم يُرد قرب الحال, ولا عين وقتا, فاليمين على التراخي, ولا يحنث إلا بآخر أوقات الإمكان, فإن مات قبل الفعل ورثته, وسواء كان الطلاق ثلاثا أو واحدة. وإن كانت هي الميتة, لم يرثها إن كان الطلاق ثلاثا, فإن قال: إذا لم أفعل كذا فأنتِ طالق, فاليمين على الفور, وقال بعض أصحابنا: إنها على التراخي, والأول أظهر, فإن قال: متى لم أفعل كذا فأنت طالق. فاليمين على الفور قولا واحدا. ومن قال لزوجته وهي حامل: إن ولدت غلاما فأنت طالق واحدة, وإن ولدت جارية فأنت طالق ثلاثا. فولدت غلاما, ثم ولدت جارية طلقت واحدة بوضع الغلام, ولم يلحقها الطلاق بوضع الجارية, لأن عدتها تنقضي بوضع الجارية, وتحصل بذلك البينونة, فلا يلحقها بعد ذلك طلاق, ويصير الزوج كأحد الخطاب.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء قال الله عز وجل: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} [البقرة 226 - 227]. فكل حالف بالله عز وجل, أو باسم من أسمائه, أو بما يدخله الكفارة من الأيمان, على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر, فهو مول, ولا مطالبة لها عليه قبل مصي أربعة أشهر. ولها مطالبته بعد مضيها بالفيئة. ولا يقع عليها طلاق, وإن مضت المدة حتى ترافعه إلى الحاكم, وتطالبه بالفيئة, فيأمره الحاكم بها. فإن فاء سقط الإيلاء, ولزمته كفارة اليمين التي حلف بها إن كانت المدة لم تنقض. وإن أبى أن يفيء, واختارت الزوجتة فراقه أمره الحاكم بالطلاق, فإن طلق وإلا طلق الحاكم عليه إذا سألته ذلك الزوجة. فإن قال الحاكم: قد فرقت بينكما, فهل يكون ذلك بغير طلاق, أم يكون طلقة؟ على روايتين: أظهرهما: أنها فرقة بغير طلاق. والرواية الأخرى: أنها طلقة. فإن قلنا إنها فرقة, فلا رجعة فيها قولا واحدا. ومتى اختار مراجعتها احتاجا إلى تجديد عقد النكاح. وإذا قلنا: إنها طلقة, فهل تكون رجعية أو بائنة؟ على روايتين: إذا قلنا إنها رجعية, كان له ارتجاعها في العدة, وإذا قلنا: إنها بائنة, لم تحل له إلا بعقد جديد في العدة وبعد انقضائها. فإن تزوجها بعد الفرقة, وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر, فالإيلاء ثابت, والحكم فيه بعد مضي أربعة أشهر من وقت العقد الثاني كما مضى إن لم يطأ.

فإن كان مريضا مرضا يمنعه من الفيئة بالفعل, ففاء بلسانه كانت فيئة. قال: وكذلك لو آلى من زوجته, وهي صغيرة لا يوطأ مثلها, أو كانت كبيرة رتقاء, ففقاء بقلبه وبلسانه بعد مضي المدة أو قبلها, كانت فيئة, وسقط الإيلاء. وكذلك لو كانت حائضا بعد مضي المدة, فطالبته بالفيئة, ففاء بلسانه كانت فيئة. وكذلك لو كان مسافرا بينه وبينها مسيرة أربعة أشهر. ولو قال: والله لا أقربك حتى أموت, أو تموتي, أو ما دام فلان حيا. فلم يطأها حتى مضت أربعة أشهر, كان موليا. فإن قال: والله لا قربتك في هذه الدار سنة. فليس بمول, لأنه يقدر على وطئها في غير تلك الدار, ولا يحنث. فإن قال: والله لا أقربك حتى تضعي حملك, فمضت أربعة أشهر قبل وضع الحمل, لزمه الإيلاء. وإيلاء العبد شهران, فإن وطئ قبل مضيها كفر يمينه بالصيام, إذ لا ملك له. ومن حلف بالطلاق ألا يطأ زوجته مدة طويلة أو قصيرة لم يدخل عليه بذلك إيلاء, ولزمها الصبر إلى أن تنقضي مدة اليمين, ولا مطالبة لها عليه بالفيء. فإن قال: إن قربتك فكل مملوك اشتريته حر. كان له وطؤها, ولا يعتق عليه ما يبتاعه من العبيد. ولو آلى منها فلم توقفه حتى مات, ورثته, وسواء مات قبل مضي المدة أو بعدها, لأنها زوجته والنكاح ثابت. فإن قال لها: والله لا أكلمك سنة. لم يكن بمول, لأنه يقدر على وطئها ولا يكلمها.

ولو قال لأجنبية: والله لا أطؤك أبدا, ثم تزوجها, ولم يطأها أربعة أشهر, فليس بمول, لأن عقد اليمين, وليست بزوجة, فإن آلى منها ثم طلقها, وقع الطلاق, فإن ارتجعها وقد بقي من مدة الإيلاء أربعة أشهر فأكثر كان الإيلاء باقيا, وكان لها أن توقفه بعد مضي أربعة أشهر من يوم العقد الثاني. ولو اختلفا في الوطء بعد الإيلاء قبل مضي المدة أو بعدها, فقال: قدوطئت, وقال: لم تطأ. كان القول قوله.

باب الظهار

باب الظهار قال الله عز وجل: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} الآية [المجادلة: 3 - 4]. فمن تظاهر من امرأته, فقال: أنت علي كظهر أمي, أو كأمي, أو كبعض جسدها, يريد بذلك الظهار أو التحريم, فلا كفارة عليه حتى يريد العود لما قال, وهو الوطء, فيلزمه أن يكفر قبل أن يطأ بعتق رقبة مؤمنة كاملة الرق سليمة من العيوب, وإن كانت ذمية أجزأته في إحدى الروايتين عن كفارته, فإن لم يجد, فليصم شهرين متتابعين لا يطأ فيهما ليلا ولا نهارا. فإن وطئ في خلالهما ليلا مضى في صيامه, وبنى عليه, والصحيح الأول. فأما لإن وطئ نهارا, فإنه يستأنف قولا واحدا. فإن لم يستطع, فليطعم ستين مسكينا من المسلمين لكل مسكين مد بر, أو نصف صاع من تمر, أو شعير, ولا يحرم عليه الوطء في خلال الإطعام. ولا يجزئه إخراج الكفارة إلى أقل من ستين مسكينا مع وجودهم في الحال. فإن لم يجد إلا أقل من يتبن, فهل يكرر عليهم إطعام الستين, ويجزئه أم لا؟ على روايتين. ومن وطئ قبل الكفارة فليتب إلى الله عز وجل, وليس عليه إلا كفارة واحدة. ويجزئ في الكفارة الصبي, ومن قدصلى أفضل, ويجزئ فيها ولد الزنى

أيضا. والظهار لا يكون طلاقا وإن نوى الطلاق به, لأنه ليس بمكني ولا صريح. وعليه ما على المُظاهر. ولو قال: أنت علي كظهر عمتي, أو خالتي, أو جدتي, أو بنت أخي, أو بنت أختي, أو كظهر امرأة لا تحل له بحال من نسب, أو رضاع, أو سبب, كزوجة أبيه, أو زوجة ابنه, كان بذلك مظاهرا. وإن قال: أنت علي كظهر امرأة تحل له بحال, لم يكن بذلك مظاهرا. فإن قال لها في غير غضب: أنت علي مثل أمي, أو أنت عندي مثل أمي, يريد بذلك الإجلال لها, والإعظام, ولم يرد الظهار, ولا نواه, لم يكن بذلك مظاهرا. فإن قال: أنت علي مثل الميتة, والدم, ولحم الخنزير. فعلى روايتين: قال في إحداهما: عليه كفارة يمين, وقال في الأخرى: عليه كفار الظهار. والظهار من كل زوجة, مسلمة أو ذمية, حرة كانت أو أمة. فإن تظاهر من أمته فليس بظهار, لأنها ليست زوجة, وعليه كفارة يمين. واختلف قوله في ظهار السكران على روايتين: قال في إحداهما: يلزمه الظهار, وقال في الأخرى: لا يلزمه. فإن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي, لزمه كفارة للظهار متى تزوجها. ولو تظاهر من امرأته مرارا في مجلس واحد, أو في مجالس متفرقة , لم يكن عليه إلا كفارة واحدة ما لك يكفر. فإن تظاهر من نسائه الأربعة بكلمة واحدة, فعلى روايتين: إحداهما: عليه كفارة واحدة, والرواية الأخرى: عليه أربع كفارات, وإن تظاهر من كل واحدة منهن ظهارا مفردا, فعليه أربع كفارات قولا واحدا.

ولو تظاهر من ارمأة من نسائه, ثم قال لأخرى: قد شركتك معها, لزمه الظهار من الزوجتين, وكان عليه كفارتان. ولو قال لزوجته: أنت علي حرام, لزمه كفار الظهار. واختلف قوله: هل للمظاهر أن يقبِّل, أو يباشر قبل الكفارة, أم لا؟ على روايتين: منع من ذلك في إحداهما, وأباحه في الأخرى. ولو تظاهر منها ثم طلقها, ثم ارتجعها في العدة أو بعدها, كان الظهار باقيا. ولو تظاهر منها فلم يطأ حتى لاعنها من قذف قذفها, وفرق الحاكم بينهما, فلا ظهار عليه. فإن ظاهر, ثم ارتد, ثم رجع إلى الإسلام , وهي في العدة, فالظهار عليه, ولا يطأ حتى يكفر كفارة الظهار, فإن رجع بعد انقضاء عدتها, فقد بانت منه, ولا ظهار عليه, فإن تزوجها, فعليه الظهار. فإن تظاهر منها ثم جن فوقع عليها في حال جنونه, ثم أفاق, فعليه كفارة الظهار. والعبد إذا تظاهر من زوجته الحرة أو الأمة, ثم أراد العود, كفر بالصوم, فصام شهرين متتابعين من قبل أن يطأ. والمرأة إذا تظاهرت من زوجها كان عليها كفارة الظهار. وليس على زوجها الامتناع عن زطئها قبل أن تكفر.

باب اللعان

باب اللعان قال الله عز وجل: {والذين يرون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}. [النور: 6 - 9] فمن قذف أجنبية بالزنى, وطالبته المقذوفة ببيان ما قال فلم بأت ببينة, جلد ثمانين جلدة, ولم تقبل له شهادة أبدا حتى يتوب. فإن تاب قبلت شهادته. وسواء تاب قبل الحد أو بعده. وكذلك المرأة إذا قذفت. قال الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}. [النور: 4 - 5] ومن قدف زوجته بالزنى, ولم يأت على ذلك بشهود, وطالبته المرأة وجب عليه أن يلاعن, فيقول أربع مرات: أشهد بالله لقد زَنَت, وإني لصادق فيما رميتها به من الزنى. ويخمّس باللعنة, فيوقل: لعنة الله عليه إن كان فيما رماها بع من الزنى كذبا. ثم تلتعن علي, فتقول أربع مرات: أشهد بالله ما زنيت, وإنه فيما رماني به من الزنى لكاذب, ثم تخمس بالغصب, كما قال الله تعالى, فتقول: وغضب الله عليها إن كان فيما رماني به من الزنى صادقا. وإن رماها بالزنى ونفى ولدها حين وضعته, ذكره في التعانه, فقال في كل مرة: وما هذا الولد ولدي. وقال هي في كل مرة من التعانها: وهذا الولد ولده. وينتفي عنه الولد بعد ذلك, ولا يلحقنسبه به, ويلحق بأمه.

ولا يصح نفي الحمل في حال الالتعان قبل وضعه. فإن التعن ولم يذكر الولد ثبت اللعان, ووقعت به الفرقة, ولحق به الولد, ولم ينتف عنه. فإن نكل عن الالتعان أو أكذب نفسه جلد حد القذف ثمانين جلدة, والنكاح ثابت له. وإن نكلت المرأة عن الالتعان لم تجلد, ولم ترجم, إلا أن تقر بعد النكول بالزنى. واختلف أصحابنا في ذلك؛ فقال بعضهم: إذا أقرت بعد النكول عن اللعان أربع مرات جلدت. وقال بعضهم: أقيم النكول مقام إقرار مرة. فإذا أقرت بعده ثلاثا حددتها. واختلف قوله إذا لزمها الحد: هل تجلد مئة جلدة, ثم ترجم, أم ترجم ولا تجلد؟ على روايتين. واللعان بين زوجين مسلمين كانا أو كافرين, أو مسلما وذمية, أو عبدين, غير أن حد العبد في القذف أربعون, وكذلك الأمة. وحد الأمة في زنى خمسون, وكذلك العبد. ولا رجم على واحد منهما. ومن قذف زوجته وهو صحيح, ولاعنها وهو مريض, ثم مات من مرضه ذلك, فإن كان الحاكم فرق بينهما بعد تمام اللعان وقعت الفرقة قولا واحدا, وإن كان لم يفرق بينهما, فهل تقع الفرقة بنفس تمام اللعان من غير تفريق الحاكم أم لا؟ على روايتين. فإن كان موته بعد تفريق الحاكم, فهل ترثه أم لا؟ على روايتين. فإن كان موته قبل تفريق الحاكم بينهما, فإذا قلنا: إن الفرقة لم تقع, ورثته على هذه الرواية وجها واحدا, وكذلك لو ماتت هي قبل تفريق الحاكم ورثها, وإذا قلنا: إن الفرقة تقع بنفس تمام اللعان, ولا يحتاجان إلى تفريق الحاكم, ورثته في إحدى الروايتين, ولم ترثه في الأخرى, وإن ماتت هي لم يرثها قولا واحدا إذا فرق الحاكم بنيهما, وإذا قلنا: إن الفرقة تقع بنفس تمام اللعان, فإن التعن الزوج ونفى ولدها, وأبت هي أن تلتعن لم يجلد, ولم ينتف نسب الولد من أبيه, ولا ينتفي إلا

بالتعانهما جميعا. ولو لاعنها ونفى ولدها, ثم أكذب نفسه بعد تمام اللعان, ثبت نسب الولد, ولا يجتمعان أبدا إن كان الحاكم فرق بينهما بعد تمام اللعان, وإن كان لم يفرق بينهما حاكم, فهي زوجته في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: لا يجتمعان أبدا, وهل يجلد الزوج أو لا؟ على روايتين: أظهرهما: أنه يجلد ثمانين جلدة. وإذا لاعنها ونفى ولدها نُسب الولد إلى أمه, وكان ميراثه لها في حال حياتها, ولعصباتها من بعد وفاتها.

باب الخلع

باب الخلع قال الله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة 229]. فللمرأة الكارهة لزوجها, المخوف عليها الإثم والعصيان افتداء نفسها منه بما ساقه إليها من الصداق, أو بأقل منه, فإن امتنع من مخالعتها إلا بأكثر مما ساقه إليها لم تطب له الزيادة إن بذلتها له. ولا رجعة في الخلع على قول من جعله فسخا, ولا على قول من جعله طلاقا. ولا تحل له المختلعة منه إلا بنكاح جديد برضائها, فإن اختارا ذلك جاز له العقد عليها في العدة, وبعد انقضاء العدة, وإن لم يختارا ذلك لم يجز لها أن تتزوج غيره إلا بعد انقضاء عدتها منه. ولو خلعها على عبد بعينه, فعتقته كان عتقها باطلا, لأنها أعتقت ما لا تملك, والعبد للزوج. فإن قالت: اخلعني على هذا العبد, ففعل, ثم باعت العبد وهو لا يعلم, كان عليها قيمته, فإن كان لها عليه مهر قاصصها منه بقيمة العبد, ويتوجه وجه آخر: أن بيعها باطل, والعبد للزوج. فإن اختلعت منه, وهي مريضة بأقل من مهر مثلها جاز, وإن كان بأكثر من ميراثه منها لم يجز, ويتوجه وجه آخر: إن كان ميراثه منها بقدر ما ساقه إليها من الصداق أو أقل, صح الخلع, وطاب له ما بذلته له, وإن كان ما اختلعت به أكثر مما ساق إليها من الصداق, لم تطب الزيادة. واختلف قوله: هل الخلع طلقة بائنة, أم فسخ للنكاح؟ على روايتين: إحداهما: أنه طلقة بائنة, وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه. والرواية

الأخرى: أنه فسخ, وهو قول عبدالله بن عباس رضي الله عنه. فإن تزوجها بعد الخلع قبل أن تنكح زوجا غيره, فإذا قلنا: إنه طلقة. كانت عنده على ما بقي من الطلاق قولا واحدا. وإذا قلنا: إنه فسخ. ملك عليها ثلاث طلقات. فإن طلقها طلقتين ثم خالعها, فإذا قلنا: إن الخلع طلاق. فقد بانت منه بالخلع, ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره, وإذا قلنا: إنه فسخ, وقع الخلع, وكان له أن يتزوجها إن شاء, وتكون عنده على طلقة واحدة. ولو خلعها, ثم طلقها في حال اعتدادها من الخلع, لم يلحقها الطلاق قولا واحدا, وهو قول ابن عباس, وابن الزبير رضي الله عنهما. والمعتقَة تحت العبد لها الخيار بين فراقه, والمقام معه ما لم يطأها, ولا خيار لها في فراقه إن وطئها بعد العتق, علمت أن لها الخيار أو لم تعلم, ولا ينقطع خيارها قبل الوطء إلا بالرضا, والمقام معه. ولا خيار للمعتقة تحت الحر بحال.

باب الرضاع

باب الرضاع قال الله عز وجل: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء:23]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب". فكل ما وصل إلى جوف الرضيع في الحولين من اللبن, فإن كان خمس رضعات فصاعدا حرم قولا واحدا, وصارت المرضعة أم الصبي المرتضع, وأولادها إخوته من الرضاعة. وإن كان الرضاع أقل من خمس رضعات, فقد اختلف عنه في ذلك, فقيل: لا يحرم من الرضاع إلا ثلاث رضعات فصاعدا, وما دونها لا يقع به تحريم, وقيل عنه: إن الرضعة الواحدة تحرم, كتحريم الكثير من الرضاع, وكذلك المصة والإملاجة والوَجور. ومن لم يرتضع من امرأة في الحولين, أو ارتضع منها بعد أن تم له حولان فأكثر, لم تصر بذلك الرضاع أمه, ولم يقع به التحريم. ورضاع الكبير غير محرم, وهو قول عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم. والسَّعوط الواصل إلى الدماغ, والحقنة باللبن يحرمان. ومن أرضعت صبيا بلبن زوجها, فبنات تلك المرأة, وبنات زوجها, منها ومن غيرها -ما تقدم الرضاع وما تأخر عنه- إخوة له, يحرم عليه نكاحهن ونكاح بناتهن, ويحرمن على بنيه وبني بناته, ولا يحرمن على إخوته الذين لم يشاركوه في

الارتضاع منها. ولبن الميتة يحرم كما يحرم لبن الحية. ولو كان لرجل امرأتان, فأرضعت هذه صبية, وأرضعت الأخرى صبيا بلبن أولاد الرجل صارا أخوين, ولم يجز أن يتزوج أحدهما بالآخر, لأنه لبن الفحل. وللرجل أن يتزوج أخت ولده من الرضاعة, كامرأة ترضع صبيا ولها ابنة, فلأب الصبي الرضيع أن يتزوج ابنة المرأة التي أرضعت ابنه. فأما حد الرضعة, فإن أحمد رضي الله عنه قال: أما ترى الصبي يرتضع من الثدي, فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي, ليتنفس أو يستريح, فإذا فعل ذلك, فهي رضعة. وسواء أخرج الثدي من فيه أو لم يخرجه. واختلف قوله في المرأة لا يكون لها بعل لا ولد, فتطرح صبيا على ثديها فيدر لها لبن فتسقيه الصبي, وهل يكون ذلك رضاعا يحرم, ويصير الصبي ولدها من الرضاعة أو لا؟ على روايتين: أظهرهما: أنه رضاع صحيح يقع به التحريم. وكذلك اختلف قوله في الوجور هل يحرم أم لا؟ على روايتين: أصحهما: أنه يحرم. قال: ولو كان لرجل زوجات أصاغر أرضعتهن كلهن امرأة, صرن بذلك أخوات, وحرمن كلهن على الزوج, ثم له أن يتزوج بعد ذلك أيتهن شاء في معنى قوله. وكره رضاع الذمية لمسلم, قال: لأن اللبن يشبه عليه. وكذلك كره رضاع الزانية. وكره أيضا أن تقبل ذمية مسلمة.

باب العدة والنفقة والاستبراء والسكنى

باب العدة والنفقة والاستبراء والسكنى قال الله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}. [البقرة: 227]. فعدة الحرة المطلقة التي من ذوات الأقراء ثلاثة قروء, مسلمة كانت أو كتابية, كان الزوج حرا أو عبدا. وكذلك عدة المختلعة, والملاعنة, وزوجة العنين إذا فرق بينهما. والأقراء: الحيض في الصحيح عنه. فإن كانت صغيرة لم تبلغ المحيض, أو مؤيسة من المحيض لكبر, فعدتها ثلاثة أشهر, بدليل قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق:4]. والبكر الكامل التي لم تحض عدتها سنة في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى: عدتها ثلاثة أشهر, كالصغيرة والآيسة. وعدة الأمة في الطلاق حيضتان إن كانت من ذوات الأقراء قولا واحدا. فإن كانت صغيرة أو مؤيسة من المحيض, فشهران في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى: عدتها شهر ونصف. وعدة التي ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه سنة إن كانت حرة, وأحد عشر شهرا إن كانت أمة. وقيل: عدتها عشرة أشهر ونصف. فإن علمت ما الذي رفع حيضها,

تربصت أبدا حتى تزول العلة الموجبة لرفع الحيض, فتعتد بالأقراء, أو تصير في عداد المؤيسات, فتعتد بعد الإياس بالشهور. وعدة الحامل وضع الحمل, من الوفاة والطلاق جميعا, حرة كانت أو أمة, مسلمة كانت أو كتابية, لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق:4]. ولا عدة على المطلقة قبل الدخول والخلوة. وعدة الحرة الحائل من الوفاة أربعة أشهر وعشر صغيرة كانت أو كبيرة, دخل بها أو لم يدخل, مسلمة كانت أو كتابية, لقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} [البقرة:234]. فإن كانت أمة, فعدتها من الوفاة شهران وخمسة أيام. فإن كانت معتقة بنصفها, فعدتها ثلاثة أشهر وثمانية أيام, منها شهران وخمسة أيام نصف عدة حرة, وشهر وثلاثة أيام نصف عدة أمة, وجبرنا عليها فضل نصف يوم, لأنه لا يتبعض. ومن اعتدت من الطلاق بالشهور لصغر أو إياس, فقبل تمام العدة بالشهور رأت الحيض, استأنفت العدة بالأقراء. ومن وضعت ولدين, فعدتها من الثاني منهما في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: العدة من الأول. والصحيح: القول الأول. وعدة أم الولد في العتق ثلاثة أقراء إن كانت من ذوات الأقراء, أو ثلاثة أشهر إن كانت مؤيسة. وفي الوفاة أربعة أشهر وعشر. وقد روي عنه رواية أخرى: أن عدتها في العتق والوفاة حيضة واحدة. وعدة الزانية كعدة الموطوءة وطأ صحيحا. وكالموطوءة بشبهة. وقيل عنه: ليس عليها عدة, بل عليها الاستبراء بثلاث حيض. وقيل عنه: عليها الاستبراء

بحيضة واحدة. والصحيح: أن عليها العدة. وعدة من يموت زوجها, أو يطلقها في الغيبة, من يوم يموت أو يطلق, لا من حين يبلغها. فإن طلقها ثلاثا وهو مريض, ثم مات من مرضه ذلك قبل انقضاء عدتها, لزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر, فيها ثلاث حيض, فتجمع بين العدتين قولا واحدا, فإن لم يمت حتى حاضت بعد الطلاق ثلاث حيض, ثم مات من مرضه ذلك, فقد اختلف قوله ها هنا, قيل عنه: عليها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر بعد الحيض. قال: لأني إذا ورثتها ألزمتها عدة الوفاة, وقيل عنه: ليس عليها أن تعتد بالشهور, لأنها إذا اعتدت بالحيض قبل وفاته بانت منه, فلا يلزمها الاعتداد بالشهور, ولها منه الميراث. والإحداد في عدة الوفاة هو: لبس الأسود والكحلي والأزرق, وعليها اجتناب الزينة والطيب والكحل والدهن والخضاب, وأن لا تمتشط بما يختمر في رأسها ولا تلبس شيئا من الصبغ غير ما ذكرنا. وسواء في ذلك الحرة والأمة, والكبيرة والصغيرة المسلمات. فأما المطلقة ثلاثا, فلا إحداد عليها, وعليها اجتناب الزينة, كما ذكرت في العدة من الوفاة. ولها في الطلاق الرجعي أن تكتحل, وتدهن, وتطيّب, وتمتشط, وتلبس أفخر ما تقدر عليه, وتتزين لتنفق نفسها على زوجها. وتجبر الكتابية على العدة من المسلم في الطلاق والوفاة. واستبراء الأمة في انتقال الملك حيضة واحدة, وسواء في ذلك البيع والهبة والميراث والسبي. ومن كانت في حيازته أمة ملكها لغيره, فابتاعها من ربها, لزمه أن يستبرئها, وسواء كانت قد حاضت عنده قبل أن يبتاعها, أو لم تحض. واستبراء الصغيرة التي يوطأ مثلها, والآيسة, من المحيض, ثلاثة أشهر. وقيل

عنه: إن استبراء الصغيرة والآيسة, شهر واحد. واختلف قوله في وجوب استبراء الصغيرة التي لا يوطأ مثلها, على روايتين: قال في إحداهما: لا يجب استبراؤها. وقال في الأخرى: عليه أن يستبرئها. والأول أظهر. واختلف قوله هل للمشتري أن يقبلها ويباشرها, أو يطأ دون الفرج أم لا؟ على روايتين: أباحه ذلك في إحداهما, ومنعه منه في الأخرى. قال: ولو اشترى جارية فذكر بائعها أنها لم تحض قط إلا حيضة واحدة, فإنه ينتظر بها تسعة أشهر للحمل, ثم ثلاثة أشهر, كالتي تطلَّق, فتحيض حيضة أو حيضتين, ثم يرتفع حيضها لا تدري ما رفعه, أنها تعتد سنة على ما بينا. وروي عنه رواية أخرى: أنها تتربص عشرة أشهر, منها تسعة للحمل, وشهر واحد مكان الحيضة؛ لأنه استبراء. قال: ولا يجوز الحيلة لإبطال الاستبراء, كرجل يبتاع جارية, ثم يعتقها في الحال, ثم يتزوجها ليستبيح وطأها قبل الاستبراء. قال أحمد: سبحان الله! لا يطأها وإن عتقها وتزوجها إلا بعد أن يستبرئها. ومن أجاز ذلك فقد احتال لإبطال سنن النبي صلى الله عليه وسلم, وإزالة الأحكام عن مواضعها, فلا يجوز ذلك. فإن استبرأ صغيرة, فلما مضى من مدة استبرائها شهران حاضت, وجب أن يسبرئها بحيضة. هذا إذا قلنا: إن استبراءها بثلاثة أشهر. فأما إذا قلنا: إنها تُستبرأ بشهر واحد, فإنه إذا مضى الشهر حل له وطؤها. ولا فرق بين البكر والثيب في وجوب الاستبراء. قال: فإن اشترى جارية, ثم وطئها قبل أن يستبرئها, فأتت بولد من ستة أشهر لم يلحق به ولا يبيعه, بل يعتقه, لأنه قد شركه في مائه, لأن الماء يزيد في الولد.

ومن ملك حاملا من غيره, لم يطأها حتى تضع الحمل قولا واحدا, ولا يتلذذ منها بشيء في حال الحمل في الصحيح من المذهب. ومن تزوج أمة غيره فأولدها, ثم ملكها انفسخ النكاح. وهل تكون بذلك أم ولد له أم لا؟ على روايتين: إحداهما: قد صارت أم ولد له, والاستيلاد في ملك غيره. والرواية الأخرى: لا تكون أم ولد إلا بولد حادث منه بعد ملكه لها. قال: ولو تزوجت امرأة بصبي, فظهر بها حمل, ثم توفي زوجها عنها, كان أجلها أن تضع حملها. ولا يلتحق الولد بزوجها, ولو كانت حائلا اعتدت بالشهور أربعة أشهر وعشرا.

باب السكنى والنفقات

باب السكنى والنفقات ولا سكنى ولا نفقة لكل حائل طلقت ثلاثا, ويلزمها العدة, عبادة مفروضة عليها, كالصلوات وغيرها من العبادات المفروضات, وكذلك المختلعة. وقد روي عنه أنه قال: السكنى للمطلقة ثلاثا آكد من النفقة, لقوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم} الآية [الطلاق:6]. فصار له في السكنى للحائل المطلقة ثلاثا روايتان: إحداهما: أنها واجبة, والأخرى: لا تجب بالحديث. ولا يختلف قوله: إن النفقة لها غير واجبة. ولا نفقة لصغيرة لا يوطأ مثلها, ولا لناشز, ولا نفقة للملاعن الحائل, ولها النفقة إن كانت حاملا. والسكنى والنفقة لكل مطلقة حامل, ولكل من طلقت أقل من ثلاث, حائلا كانت أو حاملا. وكذلك المختلعة الحامل لها النفقة, إلا أن تُبرئه منها في حال الخلع. والمعتدة من الوفاة بالحمل أو الشهور لا نفقة لها من تركة زوجها المتوفى, لأن المواريث قد وقعت لأهلها, ونفقتها من نصيبها. وقد روي عنه رواية أخرى فيمن طلق زوجته وهي حامل, ثم توفي عنها قبل أن تضع حملها: أن نفقتها من جميع المال. والأول: أظهر عنه, وأصح على أصوله.

ولا تخرج المرأة من بيتها في الوفاة ولا في الطلاق البائن حتى تنقضي عدتها, إلا فيما لا غنى بها عنه نهارا. ولا تنتقل عن منزلها الذي توفي عنها فيه إلا أن يخرجها رب الدار عنها, أو لا يقبل من الكراء ما يشبه, فلتخرج حينئذ, وتقيم بالمكان الذي تنتقل إليه لتمام عدتها. والتي يتوفى عنها زوجها وقد خرجت للحج ترجع ما كانت قريبة, فإن بعدت مضت. وعلى الرجل نفقة زوجته التي يوطأ مثلها, غنية كانت أم فقيرة, وعليه نفقة ولده, وولد ولده, الصغار والكبار, الذكور والإناث, الفقراء, وعليه نفقة أبويه, الفقيرين وإن علوا, وعليه نفقة كل عصبة له, فقير, يقع التوارث بينه وبينه, بقدر ميراثه منه إذا كان غنيا في حالة فضل الإنفاق عليهم. ومن كان من سائر هؤلاء غنيا, فلا نفقة له إلا الزوجة. وتجب النفقة على مولى النعمة إذا كان المولى المعتَق فقيرا, ليس له عصبة أغنياء, لأنه يرثه. ولا تجب النفقة على المولى من أسفل؛ لأنه لا يرث. ولا نفقة لذوي الأرحام وإن كانوا فقراء. ويتوجه على معنى قوله: أن يكون لهم النفقة إذا كانوا فقراء, لأنه يورثهم عند عدم العصبة وذوي السهام, كما يورث العصبة مع وجودهم. والأول هو المنصوص عنه. وعلى العصبة الوارثين رضاع الصغير الفقير. وعلى المولى من فوق رضاع ولد مولاه من أسفل بعد موت أبيه إذا كان فقيرا. قال: وليس على الابن نفقة زوجة أبيه, ولا على الأب نفقة زوجة ولده البالغ. فإن زوج الأب ابنه الصغير وله مال, فهل على الابن نفقة زوجته أم لا؟ على

روايتين. فأما الأب, فلا نفقة لها عليه. فإن مات وخلف أمة حاملا منه, فهل يُنفق عليها من جميع المال أو من حصة ولدها؟ على روايتين. واختلف قوله في نفقة أم ولد النصراني تسلم على روايتين: إحداهما: أنه يُجبر على نفقتها, ويُمنع من غشيانها, فإذا مات, فهي حرة. والرواية الأخرى: قال: تنفق من حيث كانت تنفق لو مات عنها سيدها. وهل له أن يستسعيها في قدر قيمتها أم لا؟ على روايتين: إحداهما: له أن يستسعيها في مقدار قيمتها, ثم تعتق بعد الأداء إليه. والرواية الأخرى: ليس له أن يستسعيها, ولا يجوز له بيعها قولا واحدا. فإن زوج رجل عبده أمة غيره, فنفقتها على العبد من ضريبته في حال كونها عنده في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: نفقتها على مولى العبد. ولا نفقة عليه في حال كونها في بيت مولاها. وكذلك إن حملت منه, فإذا ولدت, فأولادها ملك لمولاها دون مولى العبد, ولا نفقة على العبد لولده, ونفقتهم على سيد الأم. فإن تزوج العبد بغير إذن سيده, فعلى روايتين: إحداهما: النكاح باطل, والأخرى: قال لا نفقة على السيد. وإن شاء أن يفرق بينهما فرق. فعلى هذه الرواية: إن أقرهما المولى على النكاح, فهل النفقة على المولى أم على العبد؟ على وجهين. فإن تزوج حر أمة فأولدها, فنفقة ولده منها على مولى الأم دون أبيهم. وعلى الرجل إخدام زوجته التي لا يخدم مثلها نفسه, ولا يلزمه لها أكثر من نفقة خادم واحد.

وعليه نفقة عبيده وإمائه بقدر كفايتهم بالمعروف, وعليه كسوتهم عند حاجتهم إليها, وعليه تكفينهم إذا ماتوا. والناشز الحامل لها النفقة على زوجها لأجل الحمل. وكفن الزوجة الموسرة من مالها, فإن كانت فقيرة لا مال لها ولا عصبة أحببنا للزوج أن يكفنها والممتنعة من تسليم نفسها لأجل صداقها, لها النفقة إذا طالبته بها. ما لم تكن سلمت نفسها قولا واحدا, فإن كانت سلمت نفسها فدخل بها برضائها, ثم امتنعت بعد ذلك من التسليم لأجل الصداق, فهل لها نفقة مع الامتناع أم لا؟ اختلف أصحابنا فيه على وجهين: منهم من قال: ليس لها الامتناع بعد التسليم, ولها المطالبة بالصداق, فإن أبت أن تسلم نفسها فلا نفقة لها. ومنهم من قال: إذا كان الصداق حالا, فلها الامتناع بعد التسليم حتى تقبضه, كما كان ذلك لها قبل التسليم, ولها النفقة في حال الامتناع حتى تستوفي مهرها. ومن طالبت بنفقة ماضية قد كان قدرها حاكم وفرضها لها, فهي واجبة لها, وعلى الزوج الخروج إليها منها, وإن كان لم يفرضها لها حاكم ولا قدرها الزوج لها, وألزمها نفسه, فلا نفقة لها لما مضى, ويحكم لها بالنفقة من يوم ترافعه إلى الحاكم. ومن غاب عن زوجته فاستدانت عليه قدر كفايتها لنفقة مثلها, لزم الزوج قضاء ما استدانته, فإن استدانت أكثر من نفقة مثلها كان الزيادة عليها دون الزوج. ومن ادعت بعد الطلاق حملا من مطلقها, فلينفق عليها ثلاثة أشهر, فإن استبان الحمل, وإلا قطع النفقة بعد مضي الشهور الثلاثة. وإن امتنع من الإنفاق عليها إلى أن يتبين الحمل, لم يُجبر على النفقة. فإن ادعت حملا فأنفق عليها ثم تفشى وبطل أن يكون حملا, فهل له أن يرجع عليها بما أنفق أم لا؟ على روايتين: جعل له ذلك في إحداهما, ولم يجعله له في الأخرى.

ومن عجز عن قدر قوت زوجته, وما يجوز لها أداء الصلاة فيه, من الكسوة, فاختارت فراقه أُمر بذلك, فإن فعل, وإلا فرق الحاكم بينهما إذا سألته الزوجة ذلك. وإذا بذلت الزوجة تسليم نفسها, فأبى الزوج أن يتسلمها, فطلبت النفقة كانت لها واجبة عليه. وإن كان الامتناع من التسليم من قبلها بغير حق يبيحها ذلك, فلا نفقة لها. وإذا قصر الزوج بزوجته وولده عن قدر كفايتهم, كان للزوجة أن تأخذ من ماله تمام كفايتها وكفايته ولده منها بالمعروف, بأمره وغير أمره, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان حين قالت: يا رسول الله, إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي, فقال: "خذي من ماله قدر ما يكفيك وولدك بالمعروف". وإذا أسلمت ذمية, ولها ولد صغار من ذمي, كان الأولاد مسلمين بإسلام أمهم, وأُجبر الأب على نفقتهم, أسلم أو لم يسلم, إذا كانوا فقراء.

باب من أحق برضاع الصغير

باب من أحق برضاع الصغير قال الله عز وجل: {والوالدات يرضعن أولادهن} الآية. [البقرة: 233]. والأم أحق برضاع ولدها, زوجة كانت أو مطلقة, إذا اختارت ذلك. فإن امتنعت من إرضاعه إلا بأجر, فلها أجر مثلها. فإن أبت أن ترضعه بأجر وغير أجر, وجب على الأب استئجار من ترضعه. فإن التمست الأم أجرا, فوجد الأب من يرضعه بدونه, ويقوم له مقام الأم, فالأم أحق برضاعه بذلك الأجل إن اختارت, وإلا كان للأب أن يسترضع له غيرها, إن أبت إرضاعه بما بذلته الأجنبية. وكذلك لو بذل غير الأم إرضاعه بأجر مثله, كانت الأم أحق بالرضاع بذلك الأجر إذا اختارت. فإن وجد الأب من يتطوع بإرضاع ولده بغير أجر, واختارت الأم أن ترضعه بأجر مثله, كانت الأم أحق برضاعه بالأجر. ولو تزوج رجل امرأة, ولها ولد رضيع من غيره, كان لها منعها من إرضاعه, ولزم الأب أن يسترضع له غيرها, إلا أن تشترط الأم على الزوج عند العقد أنها ترضع ولدها, فيكون لها شرطها.

باب الحضانة

باب الحضانة الأم أحق بحضانة ولدها الطفل من أبيه, ذكرا كان أو أنثى, ما لم تتزوج. فإذا بلغ الغلام سبع سنين خُير بين أبويه, وكان مع من اختار منهما. وأما الجارية فإنها إذا بلغت سبع سنين كان الأب أحق بحضانتها من الأم, تزوجت الأم أم لم تتزوج في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى: الأم أحق بحضانتها إلى أن تحيض. والأب أحق بحضانته من الأم إذا تزوجت قولا واحدا. فأما الجارية إذا تزوجت أمها فهل تسقط حضانتها أم لا؟ على روايتين: أصحهما: أنها تسقط, ويكون الأب أحق بها, وعليه العمل. وفي الرواية الأخرى: أن الأم أحق بالحضانة حتى تبلغ الجارية. وذلك بعد الأم, إن ماتت أو نكحت زوجا للجدة للأم الخالية من زوج غريب من الطفل, ثم الخالة. واختلف قوله في مستحق حضانة الطفل بعد الأم من القرابات على روايتين: قال في إحداهما: إن قرابات الأب أولى بحضانته من قرابات الأم. وقال في الأخرى: قرابات الأم أولى بذلك من قرابات الأب. وبهذا أقول.

باب الحوالة

باب الحوالة ومن أُحيل بدينه على مليء, فرضي المحال عليه, فقد برئ المحيل من الدين, ولا رجوع له عليه أبدا. وإن أفلس المحال عليه, أو مات فإن غره منه بأن كان المحال عليه مفلسا, والمحتال يظن أنه مليء, فله الرجوع على المحيل بحقه. فإن أحاله على مفلس والمحتال يعلم ذلك فرضي بالحوالة عليه مع علمه بإفلاسه, فهو المتلف حق نفسه, وليس له الرجوع على المحيل.

باب الضمان

باب الضمان والضامن غارم, فمن ضمن عن رجل ما عليه بأمره رجع عليه بما يؤديه عنه من الحق, قولا واحدا. وإن ضمن عنه بغير أمره, وأدى ما ضمنه, فهل له الرجوع عليه بما أدى عنه أم لا؟ على روايتين: إحداهما: له الرجوع, وهو الصحيح. ولصاحب الحق مطالبة الضامن والمضمون عنه, لأن الضمان زيادة وثيقة, وليس كالحوالة. وأيهما أدى برئ الآخر. ومن قال لرجل: ما لك على فلان فهو علي, لزم الضامن ما يثبت أنه كان عليه قبل الضمان, ولا يلزمه ما يحصل له عليه من الحق في المستقبل بعد الضمان. فإن قال له: ما دفعت إلى فلان من شيء فهو علي, كان فيها وجهان: أحدهما: يلزم الضامن ما يثبت أنه دفعه إليه بعد الضمان, ولا يلزمه ما كان له عليه قبل الضمان. وسواء عين المضمون أو لم يعينه. والوجه الثاني: يلزمه ضمان ما كان عليه قبل الضمان, ولا يلزمه ما كان له عليه بعد الضمان؛ لأن قوله: ما دفعت إليه, بمنزلة قوله: مالك عليه. فإن قال له: ما تدفع إلى فلان من شيء فهو لك علي, لزمه ما يثبت أنه دفعه إليه بعد الضمان, ولا يلزمه ما كان له عليه قبل الضمان, قولا واحدا. ولو كان له على ميت دينا, فقال له الوارث: مالك عليه فهو علي, لم يبرأ الميت من الحق حتى يقبض الغريم جميع حقه في إحدى الروايتين, والرواية الأخرى: إذا ضمن الحي ما على الميت من الحق, ورضي به صاحب الحق برئ

الميت بالضمان قبل الأداء, بدليل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن بالصلاة على رجل, فقال: "أعلى صاحبكم دين؟ " قالوا: نعم يا رسول الله درهمان, وروي: ديناران. فقال: "صلوا على صاحبكم". فقال علي عليه السلام: هما علي يا رسول الله .. فقال: "فك الله أسرك كما فككت أسر أخيك". وروي أنه قال: "فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك" أو كما قال. ثم تقدم فصلى عليه. فأخبر أنه قد فُك رهانه بنفس الضمان. ومن ادعى على رجل أنه ضمن على رجل مالا معينا, فأنكر الضمان, فإن القول قوله مع يمينه عند عدم بينة مدعي الضمان. فإن نكل عن اليمين لزمه الحق المدعى بالضمان. والضمان لا يبطله الموت. ومن ضمن عن رجل لم يكن للمضمون له مطالبة الضامن بالحق قبل محل الأجل, إن كان المضمون عنه مفلسا. فإن كان غنيا, وخلف وفاء بالحق, فهل يحل بالموت أم لا؟ قال في موضع: إذا وثق الورثة للغريم فالدين إلى أجله. ووجه آخر: أن الدين يحل بالموت, لأن الذمة تخرب, فينتقل الحق إلى المال, فلا يكون إلا حالا. والصحيح من المذهب: أنه لا يحل.

باب الكفالة

باب الكفالة كفيلٌ بالنفس كفيل بالمال إلى أن يأتي بالمكفول. فإن مات المكفول قبل أن يسلمه الكفيل بطلت الكفالة, ولم تلزم الكفيل. وحميل الوجه: ضامن للمال إن لم يأت به في أحد الوجهين, إلا أن يشترط أن لا مال عليه, فلا يلزمه المال قولا واحدا, ويؤخذ بالإتيان به. ومن كفل برجل ثم جاء به لم يبرأ من الكفالة حتى يقول للمكفول له: قد برئت إليك منه, فيبرأ, أو يقول: قد سلمته إليك, وأخرجت نفسي من كفالته. ولو كفل به كفيلان أحدهما بعد الآخر, لم يبرأ واحد منهما من الكفالة إلا بالإتيان به والتبري من كفالته على ما بينا, فإن سلمه أحدهما كان للمكفول له مطالبة الكفيل الآخر حتى يسلمه إليك. ولا كفالة في حد ولا في قصاص. قال: ولو كان له على رجل ألف درهم, فكفل له بها رجلان, ثم أحال المكفول صاحب الحق بالألف على مليء وقبِلَ الحوالة برئ المكفول والكفيلان, مات المحال عليه, أو أفلس, أو أدى. قال: ولو كفل لرجل بنفس رجل, فقال: إن توافِ به غدا, فما لزمه فهو عليك, فلم يأت به لم يكن عليه شيء مما على المكفول. فإن قال: إن لم توافِ بع فما عليه لازمٌ لك. لزمه ما ثبت أنه كان له عليه إن لم يأت به, إذا كفل به على ذلك.

باب الإقرار بالحقوق

باب الإقرار بالحقوق قال الله تعالى: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا} [آل عمران: 81]. فإقرار الحر, البالغ, العاقل على نفسه جائز. وإقرار العبد, والصبي, والمجنون, والمحجور عليه, والمكره, غير جائز. فإن كان الصبي مأذونا له في التجارة, كان إقراره جائزا في قدر ما أُذن له فيه إذا كان يسيرا. وإقرار العبد المأذون له في التجارة جائز. وإقرار الصحيح للوارث وغير الوارث جائز. وإقرار المريض لغير وارث جائز في إحدى الروايتين, وللوارث غير جائز قولا واحدا, إلا أن يجيزه الورثة بعد وفاة المقر. وإقرار المريض لزوجته في قدر مهر مثلها فما دون جائز, وفيما زاد عليه غير جائز, إلا أن يجيزه الورثة. وإقرار السكران غير جائز. ومن أقر بالزنى لم يجلد حتى يقر أربع مرات يُرد فيها, كما رد النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا. فإن أقر بقتل عمد فهل يقتل بإقراره مرة, أو يرد مرتين؟ على روايتين. فإن أقر بسرقة لم يُقطع حتى يُقر مرتين. ويلزمه ما أقر بسرقته من المال على كل حال.

ومن أقر بأنه عبد فبيع, ثم ثبت أنه حر كان بيعه باطلا, وأُدّب, وأُلزم رد الثمن إلى المشتري من قبضه منه. وإن كان المقرُّ بالرق أخذ من الثمن شيئا لزمه رده. فإن أقرت امرأة حرة بأنها أمة فابتاعها من لا علم له بحريتها, وأولدها, فلا حد عليه, ويلحق به الولد, ولا مهر لها, وعليها حد الزنى إن كانت عالمة بالتحريم, تجلد مئة إن كانت بكرا وتغرب سنة, وإن كانت محصنة رُجمت. وإن كانت جاهلة بالتحريم لم يُبلغ بها الحد الكامل, وعُزرت بكرا كانت أو محصنة, وعوقب بائعها عقوبة شديدة, ويجاوز به التعزير, ولا يبلغ به الحد. ومن أقر لرجل بنخلة في أرضه فهي له بأصلها. فإن ماتت النخلة أو سقطت لم يكن لمالكها موضعها من الأرض. ومن أقر بدين وعليه دين ببينة, بدأ بقضاء الدين الذي بالبينة, ثم بدين الإقرار في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: هما سواء, ويؤخذ بهما جميعا, ولا يقدم واحد منهما على الآخر. ومن أقر بولد لزمه إقراره وثبت به نسبه منه. وكذلك إن أقر به اثنان عدلان من ولد الميت بعد موت الأب ثبت نسبه, وورث أباه مع باقي ورثته. فإن أقر به واحد, وأنكره الباقون, لم يثبت نسبه من المتوفى, وشارك المقر في نصيبه من الميراث بقدر سهمه. واستثناء القليل من الكثير يجوز قولا واحدا. وكذلك استنثاء النصف فما دونه. واستثناء الكثير من القليل لا يجوز. ومن أقر بشيء واستثنى من جنسه صح استثناؤه قولا واحدا. ومن استثنى من غير جنسه لم يجز في الصحيح عنه, ولزمه جميع ما أقر به. فإن استثنى عينا من ورق, أو ورقا من عين صح استثناؤه في إحدى الروايتين, ولم يصح في الأخرى.

ومن أقر بدين, وقال متصلا: وقد قضيته جميعه, لم يقبل ذلك منه إلا ببينة, ولزمه الخروج من جميع ما أقر به, وله على المقر له اليمين, فإن أقر بحق, وقال: قد قضيته بعضه. قبل ذلك منه في إحدى الروايتين, ولم يقبل في الأخرى, وأخذ بالكل. ومن ادعى على رجل حقا فقال: قد برئت إليه منه. كان مقرا, وكلف البينة على ما يدعيه من البراءة, فإن عدمها لزمه الحق, وله على المدعي اليمين. ومن ادُّعيَ عليه حق, فقال: كان له علي وقضيته, لم يكن ذلك جوابا صحيحا عن الدعوى, وطولب برد الجواب. وقيل عنه: إنه جواب صحيح, وإنه قد أقر, وادعى البراءة, فالحكم فيه على ما تقدم. ومن أقر وادعى الحلول كان القول قول المقر في الأجل, مع يمينه عند عدم بينة مدعي الحلول. ومن أقر بحق, وقال: إن شاء الله, كان إقراره صحيحا, ولزمه من أقر به, ولم يرفعه عنه الاستثناء. ومن مات وعليه دين مؤجل حل دينه, وقد روي عنه أنه لا يحل, ويكون إلى أجله إذا وثق الورثة للغريم. ومن أقر لامرأة أجنبية بحق في مرضه, ثم تزوجها, ثم توفي, ثبت الإقرار لها, لأنه أقر وهي غير وارثة. فإن أقر لزوجته في مرضه بحق, ثم طلقها, ثم مات من مرضه ذلك, لم يجز إقراره لها إلا أن تجيزه الورثة. قال: ولو قالت امرأة في مرض موتها: قد قبضت صداقي من زوجي, أو: لا مهر لي عليه, لم يقبل قولها إلا ببينة تشهد على قبضها ذلك منه, أو على إقرارها في صحتها بقبضها منه مهرها.

ومن أقر لرجل بحق عند السلطان, ثم رجععنه, وادعى أنه كان مكرها, لم يقبل قوله, وأخذ بما أقر به, إلا إن أتى بالبينة على ما يدعيه من الإكراه. قال: ولو ادعى عند القاضي على رجل ألف درهم, فأقر له بثلاثين دينارا لزمه ما أقر به إذا قبل ذلك منه المقر له, ولم يكن إقراره بذلك جوابا عن الدعوى, ولزمه الجواب عما ادعي عليه. واختلف أصحابنا فيمن أقر لرجل, فقال: له علي درهم ودرهم ودرهم, على طريقين: منهم من قال: يلزمه ثلاثة دراهم, لأنه كلام معطوف بعضه على بعض, فهو بمنزلة قوله: له علي ثلاث دراهم, ومنهم من قال: يلزمه درهمان, لأن إقراره بهما غير محتمل, وإقراره بالثالث محتمل, والأول أوجه. فإن قال: له علي درهم بل درهم, لزمه درهمان عند بعض أصحابنا, وقال بعضهم: لا يلزمه إلا درهم واحد. فإن قال: له علي كُرُّ حنطة لا بل كر شعير, قال بعضهم: يلزمه كُرَّان: أحدهما حنطة, والآخر شعير, وقال بعضهم: يلزمه المقر به أخيرا, وهو كر شعير, ولا يلزمه الحنطة. فإن قال: له علي درهم فدرهم, أو درهم ثم درهم, لزمه درهمان قولا واحدا. وإقرار العبد المأذون له في التجراة جائز, وما ادَّان فعلى مولاه دونه, ولا يُحبس العبدبه, وإن لم يكن مأذونا له فإقراره غير جائز, وما ثبت أنه ادانه ففي رقبته, أو يفديه السيد, فإن لم يفده بيع في ديونه, فإن زادت ديونه على قدر قيمته, لم يلزم السيد أن يفديه بأكثر من قيمته. ويحبس من عليه الحق إذا التمس ذلك صاحب الحق ولم يخرج منه المقر. فإن ادعى المقر الإعسار, لم يقبل قوله إلا ببينة. ولا يجوز حبسه بعد ثبوت البينة بعسرته, ولا وقت الحبس. ومتى أقام البينة على العسر سُمعت وأطلق, وقال بعض أصحابنا: أرى إحلافه مع بينته أنه

معسر غير قادر على ما عليه من الحق, ولا مال له, قال: لأن البينة تشهد بالظاهر من حاله, وقد يجوز أن يكون له مال لا يعلمه الشهود. وإن علم صاحب الحق أنه معسر لم يحل له حبسه, ولزمه إنظاره إلى ميسرته, فإن لم يفعل كان ظالما. قال الله عز وجل: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280].

باب الفرائض

باب الفرائض روى أبو الأحوص, عن عبدالله بن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا القرآن وعلموه الناس, وتعلموا الفرائض وعلموها الناس, فإني امرؤ مقبوض, والعلم مرفوع, ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة, فلا يجدان أحدا يخبرهما". فالوارثون من الرجال عشرة: الابن, وابن الابن وإن سفل, والأب والجد للأب وإن علا, والأخ لأبوين أو للأب, وابن الأخ وإن بعد, والعم للأبوين أو للأب, وابن العم وإن بعد, والزوج, ومولى النعمة. والموالي على ذوي الأرحام عنده أبدا. والوارثات من النساء سبع: الابنة, وابنة الابن, والأم, والجدة, والأخت, والزوجة, ومولاة النعمة. فميراث الزوج من الزوجة النصف, إن لم تترك ولدا أو ولد ابن. فإن تركت ولدا أو ولد ابن منه أو من غيره, ذكرا كان أو أنثى فله الربع. وترث هي منه الربع, إن لم يكن له ولد أو ولد ابن. فإن كان له ولد أو ولد ابن منها أو من غيرها فلها الثمن. وميراث الأب -إذا انفرد- جميع المال. فإن ترك الولد مع الأب ولدا ذكرا, كان للأب معه السدس, والباقي للابن, فإن كانت ابنة كان لها النصف, وللأب السدس بالفرض, والباقي له بالتعصيب.

وترث الأم من ولدها الثلث إن لم يترك ولدا, ذكرا كان أو أنثى, أو اثنين من الإخوة فأكثر من أي وجه كانوا, إلا في فريضتين: في زوج وأبوين: فللزوج النصف, وللأم ثلث ما بقي, وما بقي فللأب. وفي زوجة وأبوين: فللزوجة الربع, وللأم ثلث ما بقي, وما بقي للأب. والابن له جميع الميراث إذا انفرد. وللابنة منه النصف, والباقي للعصبة. وللابنتين فأكثر منه الثلثان, وما بقي للعصبة. وابن الابن في عدم الابن كالابن. وابنة الابن في عدم الابنة كالابنة. وبنات الابن كالبنات عند عدمهن. ولبنات الابن, واحدة كانت أو أكثر مع ابنة الصلب الواحدة, السدس تكملة الثلثين, والباقي للعصبة. ولا شيء لبنات الابن مع الاثنتين من بنات الصلب فأكثر, إلا أن يكون بإزائه أو أسفل منهن ذكر فيعصبهن, ويكون الباقي بينهم, للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك ابنة وابن ابن, كان للابنة النصف, والباقي لابن الابن. وميراث الأخت للأبوين النصف. وللأختين فأكثر الثلثان. فإن كانوا إخوة وأخوات, أبوهم واحد وأمهم واحدة, أو كانوا لأب كلهم, فالمال بينهم للذكر ضعف ما للأنثى. والأخوات مع البنات عصبة, لهن ما فضل عن فرض البنات. ولا ميراث للإخوة والأخوات مع الأب, ولا مع الولد الذكر, ولا مع ابن الابن. والإخوة للأب في عدم الإخوة للأبوين, كهم ذكورهم وإناثهم.

فإن كانت أختا لأبوين. وأختا أو أخوات لأب, فالنصف للأخت لأبوين, ولمن بقي من الأخوات للأب السدس. ولو كانتا أختين لأب وأم أو أكثر, لم يكن للأخوات للأب شيء, إلا أن يكون معهن ذكر, فيأخذون ما بقي بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك أخوات لأبوين وأخوات لأب [وابن أخ] كان للأخوات للأبوين الثلثان, والباقي لابن الأخ دون الأخوات للأب. فإن ترك أختا لأبوين, وأختا لأب, وابن أخ لأبوين أو لأب, كان للأخت للأبوين النصف, وللأخت للأب السدس, والباقي لابن الأخ. ولكل واحد من الإخوة والأخوات للأم السدس, لا يزاد عليه فرضا, وللاثنين منهم فأكثر الثلث بينهم بالسوية, ذكرهم وأنثاهم فيه سواء. ويحجبهم عن الميراث الولد ذكرا كان أو أنثى, وبنوا الابن, والأب, والجد للأب. والأخ يرث جميع المال إذا انفرد, كان لأب وأم, أو لأب, وكذلك ابن الأخ. فإن كان مع الأخ ذو سهم بُدئ بذي السهم, ثم كان الباقي للأخ. فإن كانوا إخوة جالا ونساء كان الفاضل عن ذوي السهام بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين, فإن لم يفضل عن ذوي السهام شيء, فلا شيء لهم. فإن كان الورثة زوجا, وأما, وإخوة لأب وأم, [وإخوة لأم] , كان للزوج النصف, وللأم السدس, وللإخوة للأم الثلث, ولا شيء للإخوة للأب والأم؛ لأنهم عصبة يأخذون ما بقي بعد فرض ذوي السهام, ولم يبق شيء فيكون لهم. وهذه المسألة يسميها أهل العلم: المشتركة, وتسمى الحمارية أيضا.

فإن كان من هو من قبل الأم واحدا, كان له السدس, وكان السدس الباقي للأخوة للأبوين بالتعصيب. فإن كان مكان الإخوة للأبوين أخت أو أخوات لأب وأم أو لأب ولا ذكر معهن أُعيل لهن, فكان للزوج النصف, وللأم السدس, وللإخوة للأم الثلث, وللأخت للأبوين أو للأب النصف إن كانتا واحدة. وإن كانتا اثنتين أو أكثر كان لهن الثلثان. وابن الأخ كالأخ عند عدمه, كان لأب وأم أو لأب. ولا ميراث لابن الأخ للأم مع ذي سهم ولا عصبة. والأخ للأبوين يحجب الأخ للأب. والأخ للأب يحجب ابن الأخ للأبوين. وابن الأخ للأبوين يحجب ابن الأخ للأب. وابن الأخ للأب يحجب العم, والعم للأبوين يحجب العم للأب. والعم للأب يحجب ابن العم للأب والأم. وابن العم للأبوين يحجب ابن العم الأبعد. وابن العم أولى من عم الأب, ثم هكذا أبدا حتى يكون الأقرب أولى. وكل ذكر يعصب الأنثى التي في درجته, فيأخذان المال بينهما, للذكر ضعف ما للأنثى, كالبنين والبنات, وبني الابن وبنات الابن, والإخوة والأخوات. فأما ابن الأخ وابنة الأخ فيرثان عمهما, فإن المال لابن الأخ دون أخته. وكذلك العم والعمة في ميراث ولد أخيهما, المال للعم دون العمة. وكذلك ابن العم وابنة العم في ميراث ابن عمهما, يكون المال لابن العم دون أخته. ومن ترك ثلاثة إخوة متفرقين, كان للأخ للأم السدس, وللأخ للأبوين الباقي, ولا شيء للأخ للأب. فإن كن ثلاث أخوات متفرقات, كان للأخت للأبوين النصف, وللأخت للأب السدس, وللأخت للأم السدس, والباقي للعصبة.

ومتى انفرد بالميراث ذو سهم يرث بالنسب لا يحوز جميع المال, ولم يكن معه عصبة, كان له سهمه المفروض, والباقي يرد عليه, فيصير له جميع الميراث بالفرض والرد. فإن كان يرث بالسبب دون النسب, كان له سهمه المفروض, ولم يرد الباقي عليه, وكان الفاضل عن سهمه لذي سهم إن كان, أو عصبة, أو لذي رحم, أو لبيت مال المسلمين عند عدم جميع من ذكرت. ومن لم يكن من العصبات, ولا من ذوي السهام, وكان من ذوي الأرحام, مثل أولاد البنات, وأولاد الأخوات, وبنات الإخوة وبنات الأعمام وولد العمات, والجد أبي الأم, والعم أخي الأب لأمه, والعمات, فإنهم لا يرثون مع ذي فرض مسمى يرث بالنسب, ولا مع عصبته بالإجماع. فإذا لم تكن له عصبة ولا من له سهم مسمى فإنهم يرثون, لحديث راشد بن سعد, عن أبي عامر الهوزني, عن المقدام ابن معدي كرب الكندي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك دَيْنا فإلي, ومن ترك مالا فهو لورثته, وأنا ولي من لا ولي له, أفُكُّ عنه وأرث ماله, والخال وارث من لا وارث له يفك عنه ويرث ماله". وبذلك قال عمر بن الخطاب, وعلي بن أبي طالب, وعبدالله بن مسعود, وعائشة أم المؤمنين رضوان الله عليهم في جماعة من الصحابة والقرابة والتابعين. واختلفت الرواية عنه في كيفية توريثهم, فروي عنه: أنهم يورَّثون الأقرب فالأقرب منهم على ترتيب تورث العصبات. وروي عنه: أنهم يورثون بالتنزيل, فيرث كل واحد منهم بالرحم التي أدلى بها. ومتى اجتمع قرابتان من ذوي الأرحام: إحداهما من قبل الأب, والأخرى من قبل الأم, كان لقرابة الأب الثلثان, واحدا كان أو أكثر, ذكرا كان أو أنثى, ولقرابة الأم الثلث.

فقرابات الأب: العمات وأولادهن, وبنات الأعمام وأولادهن, وبنات الإخوة وأولادهن. وقرابات الأم: الخال, والخالة وأولادهما, والجد أبو الأم. واختلف في قوله في تنزيل العمة, فروي عنه: أنه يجعلها بمنزلة الأب, وروي: أنه جعلها بمنزلة العم. فإذا قلنا: إنها بمنزلة الأب لم يرث معها من ذوي الأرحام إلا من حل محل الأم, كالخال والخالة. ومن حل محل الولد من أولاد البنات وأولاد بنات البنين, ويسقط من سواهم معها. وإذا قلنا: إنها بمنزلة العم شاركها سائر ذوي الأرحام إذا ورثناهم بالتنزيل. وإذا ورثنا الأقرب فالأقرب منهم أسقطها بنات الإخوة ومن هو أقرب منها, وشاركت أولاد الأخوات في الميراث. فإن ترك قرابتين من ذوي الأرحام, إحداهما من قبل الأم, والأخرى من قبل الأب, وقرابة الأب أقرب من قرابة الأم, أو قرابة الأم أقرب من قرابة الأب, فالميراث للقربى منهما في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: الميراث بينهما على ما بينا, ولا تسقط البعدى منهما بالقربى. فأما إن كانت القرابة من وجه واحد من قبل الأم أو من قبل الأب, وفيهم من هو أقرب إلى الميت, كخالة وابنة خالة أخرى, أو عمة وابنة عمة أخرى, فالميراث للقربى منهما دون البعدى في الصحيح من قوله. واختلف قوله في تفضيل ذكور ذوي الأرحام على إناثهم في الميراث على روايتين: إحداهما: أنه لا يفضل الذكر منهم على الأنثى, كما قال في الإخوة والأخوات للأم, إلا في الخال والخالة إذا اجتمعا, فإنه قال: للخال الثلثان, وللخالة الثلث, لا أعلم عنه ها هنا خلافا, والرواية الأخرى أنه ورثهم للذكر مثل حظ الأنثيين, كتوريث العصبات. فإن ترك ابنة أخ وعمة كان المال للعمة دون ابنة الأخ على الرواية التي نزلها فيها منزلة الأب, كان الميت ترك أبا وأخا, وعلى الرواية التي قال فيها: إن العمة بمنزلة العم يكون المال لابنة الأخ دون العمة, كأن الميت ترك أخاه وعمه.

فإن ترك ابنة أخت وعمة كان المال بينهما نصفين في إحدى الروايتين, كأنهما أخت وعم, وفي الرواية الأخرى: المال للعمة دون ابنة الأخت. فإن ترك ابنة أخت وخالة, كان للخالة الثلث, ولابنة الأخت النصف, والباقي رد عليهما على قدر سهامهما, فيكون المال بينهما على خمسة أسهم, للخالة الخمسان, ولابنة الأخت ثلاثة أخماس. فإن ترك ابنة أخ وابنة أخت, كان لابنة الأخ الثلثان, ولابنة الأخت الثلث. فإن ترك ابنة ابن وابنة أخت, كان المال لابنة الابن بالفرض والرد, ولا شيء, لابنة الأخت. فإن ترك ابنة أخت لأبوين, وابنة أخت لأب, وابني ابنة أخت أخرى, كان المال بين ابنة الأخت للأبوين وابنة الأخت للأب على أربعة أسهم بالفرض والرد: لابنة الأخت للأبوين ثلاثة أرباعه, ولابنة الأخت للأب ربعه, ولا شيء لابني ابنة الأخت الأخرى. فإن ترك ابنتي عم وابني عمتين وخالا وخالة, فالثلثان بين ابنتي العم وابني العمتين للذكر مثل حظ الأنثيين في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: الثلثان بينهم بالسوية لا يفضل ذكرهم على أنثاهم, والثلث للخال والخالة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين قولا واحدا. فإن ترك ابنةَ ابنةٍ وابنةَ أخت, كان المال بينهما نصفين. فإن ترك عمته وخالته, كان للعمة الثلثان, وللخالة الثلث, وكذلك لو ترك ابنة ابنة, وابنة أخ لأبوين أو لأب. فإن ترك ثلاث عمات متفرقات, كان المال بينهن على خمسة أسهم, للعمة لأبوين ثلاثة أخماسه بالفرض والرد, وللعمة للأب الخمس, وللعمة للأم الخمس بالفرض والرد. فإن ترك ثلاث خالات متفرقات, كان المال بينهن على خمسة أسهم بالفرض والرد على ما بينا.

فإن ترك ثلاث عمات متفرقات, وثلاث خالات متفرقات, فالثلثان بين العمات على خمسة أسهم, والثلث بين الخالات على خمسة أسهم. فإن ترك أختا لأم وابنة أخ لأب وأم أو لأب, كان للأخت للأم السدس بالفرض, والباقي رد عليها, ولا شيء لابنة الأخ. فإن ترك ولد خال وولد خالة, قال: أجعله بمنزلة أخ وأخت, المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وكذلك لو ترك ابنة عم وولد عمة. وعنه رواية أخرى: أن المال بينهم بالسوية, لا يفضل ذكرهم على أنثاهم. فإن ترك ابنة ابنة وابنة أخ لأم, كان المال لابنة الابنة بالفرض والرد, ولا شيء لابنة الأخ للأم, لأن الأخ للأم لا ميراث له مع الابنة. فإن ترك ابنة أخت وخالة, كان المال بينهما على خمسة أسهم بالفرض والرد, لابنة الأخت ثلاثة أخماسه, وللخالة الخمسان. فإن ترك عمته وحدها, أو خالته وحدها, كان المال لها, وكذلك الخال إذا انفرد. ولا يرث عبد إلا أن يكون فيه جزء من حرية, فيرث ويحجب بمقدار ما فيه من الحرية, وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد رواه ابن عباس رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن نصيبه من كل شيء بقدر العتق. من ذلك: لو ترك أبا نصفه حر وأخا لأب حر, كان للأب النصف وللأخ النصف. فإن كان مع الأب أخ لأم, كان للأب النصف وللأخ للأم نصف السدس, حجبه الأب عن استكمال السدس بما فيه من الحرية, والباقي للمولى.

ولا يرث قاتل عمد ولا خطأ من دية ولا مال. ولا يرث مسلم كافرا, ولا كافر مسلما إلا بالولاء خاصة, كرجل مسلم أعتق عبدا نصرانيا أو يهوديا ثم مات العبد ولم يخلف وارثا سوى مولاه الذي أعتقه. فإن المسلم يرثه بالولاء. قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: الولاء شعبة من الرق. وهو قول علي بن أبي طالب, وابن عمر, وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم. ولا ميراث للإخوة للأم, ولا لبني الإخوة للأبوين أو للأب, ولا للعم مع الجد للأب. ولا يرث إخوة مع أب بحال. وسواء كانت من قبل الأب أو من قبل الأم. ولا يرث من لا يحجب, إلا الإخوة مع الأبوين, فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس ولا يرثون. والمطلقة في مرض الموت ثلاثا ترث قبل انقضاء عدتها وبعد انقضائها ما لم تتزوج, ولا يرثها الزوج. وإن كان الطلاق أقل من ثلاث, ورثته قبل انقضاء العدة وبعد انقضائها, وورثها هو في العدة, ولم يرثها بعد انقضائها. والصحيح إذا طلق أقل من ثلاث للمدخول بها, فمات أحدهما قبل انقضاء العدة لم يرثه الآخر. ومن تزوج في مرضه نكاحا صحيحا توارثا فيه. ولا ميراث لمرتدة, ولا لمختلعة, ولا لمخيَّرةٍ اختارت نفسها في مرض موت زوجها, ولا للمُمَلَّكة أمرها إذا جاء الفراق من جهتها, ولا لمن أحنثت زوجها في يمين كان حلفها عليها. ومن طلق غير المدخول بها في مرض موته, كان لها مهر كامل والميراث, وعليها العدة أربعة أشهر وعشر. وروي عنه رواية أخرى: لها نصف الصداق, ولا ميراث لها, ولا عدة علها. وروي عنه: لها نصف الصداق والميراث, وعليها

العدة, وروي عنه رواية رابعة: لها الصداق كاملا والميراث, ولا عدة عليها. وتورَّث الجدة للأم إذا انفردت السدس, لا تزاد عليه فرضا, وكذلك الجدة للأب. فإذا اجتمعتا, فالسدس بينهما نصفين. فإن كانت التي من قبل الأم أقعد, فالسدس لها قولا واحدا. وإن كانت التي من قبل الأب أقعد, كان السدس بينهما في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: السدس أبدا للقربى من أي وجه كانت دون البعدى. ولا ميراث لأكثر من ثلاث جدات. فإذا اجتمعن, فالسدس بينهن بالسوية لا يُزدن عليه فرضا, وهن أم أم أم, وأم أم أب, وأم أب الأب. وقد روى إبراهيم النخعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم من الجدات ثلاثا السدس: جدتَيْ أبيك, وجدة أمك من قبل أمها. ولم يختلف قوله أن الأم تحجب جميع الجدات من أي وجه كن. واختلف قوله في الأب: هل يحجب أمه أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: ترث الجدة أم الأب مع ابنها, لحديث الشعبي عن مسروق عن عبدالله في الجدة مع ابنها أنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنها حي, وبه قال عثمان بن عفان رضوان الله عليه. وقال في الرواية الأخرى: إن الأب يحجب أمه عن الميراث, فلا ترث معه, كما حجبت الأم أمها عن الميراث. وبذلك قال علي بن أبي طالب, وزيد بن ثابت رضي الله عنهما. وميراث الجد للأب إذا انفرد جميع المال. وله مع الابن أو ابن الابن السدس, وكذلك مع البنين والبنات, وبني الابن وبنات الابن. فإن كان مع الجد إخوة وأخوات قاسمهم الجد كأنه أخ, حتى يكون الثلث خيرا من المقاسمة,

فينفرد بالثلث. فإن شركه غير الإخوة من ذوي السهام, فله السدس بالفرض, ولذي السهم سهمه, ثم ما بقي له. فإن اجتمع الإخوة وذوو السهام مع الجد أخذ ذو السهم سهمه, ثم كان الجد مخيرا بين ثلاثة منازل فيما بقي, فيأخذ أفضلها له: إما مقاسمة الإخوة, أو ثلث ما بقي, أو سدس جميع المال, ولا ينقص من السدس أبدا. والإخوة للأب معه كالإخوة للأبوين عند عدمهم. فإذا اجتمع الإخوة للأب مع الإخوة للأبوين والجد عادُّوا الذين من قبل الأب والأم بالذين من قبل الأب, فمنعوه بهم كثرة الميراث, ثم كان الإخوة للأبوين أحق بذلك من الإخوة للأب. بيانه: أن يجتمع أخ لأبوين وأخ لأب وجد, فيكون للجد الثلث, ولكل أخ الثلث, ثم يرجع الأخ للأبوين على الأخ للأب, فيأخذ ما في يده, فيصير له الثلثان. فإن كان مع الجد أخ وأخت لأب وأم, أو لأب, كان للجد الخمسان, وللأخ الخمس, وللأخت الخمس. فإن كان مع الجد أخت لأبوين, وأخت لأب, قسم المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين, فيكون للجد سهمان من أربعة, ولكل أخت سهم من أربعة, ثم ترجع الأخت للأبوين على الأخت للأب, فتأخذ ما في يدها لتستكمل النصف. فإن كان مع الأخت للأب أخوها, قسمت الفريضة من ستة أسهم, للجد سهمان, وللأخ سهمان, ولكل أخت سهم, ثم ترجع الأخت للأبوين على الأخ والأخت للأب, فتأخذ ما في أيديهما تمام النصف, فتصبح المسألة من ثمانية عشر سهما, للجد سنة أسهم, وللأخت للأبوين تسعة أسهم, وللأخ للأب سهمان, وللأخت للأب سهم. فإن كان مع الجد زوجة وابنة وأم وأخت, كان للزوجة الثمن, وللابنة النصف, وللأم السدس, وللجد السدس, وللأخت ما بقي.

فإن ترك ابنة وأما وثلاث أخوات وجدا, كان للابنة النصف, وللأم السدس, وللجد السدس, وللأخوات ما بقي. فإن كان مع الجد زوجة وأم, كان للزوجة الربع, وللأم الثلث, وما بقي للجد. فإن كان مع الجد زوجة وأم وأخ, كان للزوجة الربع, وللأم الثلث, وما بقي فبين الجد والأخ نصفين. فإن ترك زوجة وأما وجدا وأختا, فللزوجة الربع, وللأم الثلث, وما بقي فبين الجد والأخت, للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك زوجة وأما وأختين, وجدا, كان للزوجة الربع, وللأم السدس, وما بقي بين الجد والأختين, للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن تركت زوجا وأخا وجدا, كان للزوج النصف, وما بقي بين الجد والأخ نصفين. فإن كان زوجا وأختا وجدا كان للزوج النصف, والباقي بين الجد والأخت, للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن تركت زوجا وجدا وأختين, كان للزوج النصف, وما بقي بين الجد والأختين, للذكر مثل حظ الأنثيين. وإذا اجتمع من سمي له سهم معلوم في كتاب الله تعالى, وكانت سهامهم أكثر من المال أُدخل الضرر عليهم كلهم, وقسمت الفريضة على مبلغ سهامهم. ولا يعاول لأخت مع جد إلا في الأكدرية وحدها, وهي: امرأة تركت زوجا وأما وأختا لأبويها, وجدا لأبيها, فللزوج النصف, وللأم الثلث, وللجد السدس, وللأخت النصف, ثم يجمع الجد مع نصف الأخت, فيقسم ذلك بينهما

على ثلاثة أسهم, للجد سهمان, وللأخت سهم, فتصح من سبعة وعشرين سهما: للزوج تسعة أسهم, وللأم ستة أسهم, وللجد ثمانية أسهم, وللأخت أربعة أسهم. ولا يُفرض للجد مع الأخوات في غير هذه المسألة. فإن تركت أما وأختا, وجدا, كان للأم الثلث, والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة أسهم, للجد سهمان, وللأخت سهم. وهذه المسألة تسمى الخرقاء. فإن كانت بنتا وأختا وجدا, كان للابنة النصف, والباقي بين الجد والأخت على ثلاثة أسهم, للجد ثلثاه, وللأخت ثلثله. فأما الخنثى المشكل, فله نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى, فأما إن سبق البول من أحد الفرجين, فإن له حكمه وليس بمشكل, فإن لم يظهر ذلك بالبول نُظر, فإن حاضت كانت امرأة, وإن أنزل المني كان رجلا, وإن نبتت لحيته فهو رجل, وإن سقط ثدياه فهو امرأة, وإن طلب النساء كان رجلا, وإن طلب الرجال كانت امرأة, وزال الإشكال, فإن عدم جميع ذلك اعتبر بعدد الأضلاع, فإن كانت أضلاعه ستة عشر ضلعا كان رجلا. وإن كانت سبعة عشر ضلعا كانت امرأة. كذلك قال الحسن البصري رضي الله عنه. فإن كان أطلس الجنبين كان مشكلا. فلو توفي رجل وخلف ابنتين, إحداهما خنثى مشكل, كان للابنة التي لا إشكال فيها الثلث, وكان للخنثى المشكل النصف, والباقي للعصبة. فإن لم يكن عصبة, كان الباقي ردا عليهما على قدر سهامهما, فتكون التركة بينهما على خمسة أسهم, للخنثى ثلاثة أسهم, وللابنة سهمان.

فإن ترك خنثى وأبوين, فالمسألة من اثني عشر سهما, للخنثى سبعة منهم, وللأم سهمان, وللأب ثلاثة أسهم. وبيان ذلك: أن فرض الأم السدس, وللخنثى النصف بمنزلة أنثى, وللأب السدس سهمان, ويبقى سهمان, فهما في حال للأب لو كان الخنثى أنثى, وفي حال هما للخنثى لو كان ذكرا. فلما أشكل كان السهمان بينه وبين الأب نصفين, له سهم وللأب سهم. ولا ميراث للحميل, وهم: السبي يُسلمون, فيقر بعضهم لبعض بالنسب, أو يدعي بعضهم نسب بعض, فإنهم لا يصدقون, ولا يقبل منهم إلا ببينة عادلة. وهو قول عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم. فأما اللقيط فهو حر, وولاؤه لجماعة المسلمين, وميراثه في بيت مال المسلمين. هذا هو المنصوص عنه. وحكى بعض شيوخنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ولاؤه للملتقط. قال: وروي عن أحمد نحو ذلك. والأول هو الصحيح. واختلف قوله في ميراث الملاعِنة من ابنها على روايتين: قال في إحداهما: جميع ميراثه لأمه, فن ماتت قبل فعصبته عصبة أمه. واحتج لذلك بما رواه عبيدالله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للملاعِنة بجميع ميراث ولدها لما أصابها فيه من النصب. والرواية الأخرى: أن لأمه الثلث من ميراثه والباقي لعصبة أمه. من ذلك: لو أن ابن ملاعنة توفي وخلف أمه وخاله أخا أمه لأبويها أو لأبيها, كان للأم الثلث, وللخال الثلثان. واحتج لذلك بما رواه شريك عن أبي بكر بن أبي الجهم عن خُليد بن سلمى قال: انتفى مني خباب فرافعته أمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال: فلاعن بينهما عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحقني بأمي, وقال: عصبته عصبة أمه. فنُسبت إلى أمي

سلمى. والأول عنه أظهر. فإن كانت مولاة كان لها الثلث, والباقي لمواليها في إحدى الروايتين, وفي الأخرى جميع المال لها. فإن ماتت أمه قبله, فميراثه لموالي أمه. فإن ترك ابن الملاعنة خاله وخالته, كان المال للخال دون الخالة, لأنه العصبة دون أخته. فإن ترك ابنة, وابن ابن, فللابنة النصف, ولابن الابن ما بقي. وإن ترك ابنته, وأمه, وأخاه, وأخته, فللابنة النصف, وللأم السدس, والباقي للأم بالتعصيب لا بالرد. فإن ترك ابنته, وأخته, وأخاه, فللابنة النصف, وما بقي فللأخ دون أخته, لأن الابنة تحجب ولد الأم, وأما الأخ فيرث بالتعصيب, لأنه عصبة الأم, والأخت ليست عصبة, كما قلنا في ابنة وابن عم هو أخ لأم: إن للابنة النصف, والباقي له بالتعصيب, فتحجبه الابنة من جهة الفرض, ويرث من جهة التعصيب. فإن ترك جده وجدته, وخاله وخالته, كان للجدة السدس, والباقي للجد أبي الأم في هذا الموضع. ولو ترك خال أمه, وخالتها, وجدتها, ومولاها الذي أعتقها, كان للجدة السدس, والباقي رد علياه, لأنها ذات سهم, وذو السهم عنده أحق ممن لا سهم له. قال إسحاق بن منصور: أخبرنا أحمد بن حنبل, قال: حدثنا معاذ عن أشعث عن الحسن, قال: لا ترث النساء الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن, إلا الملاعنة, فإنها ترث من أعتق ابنها الذي انتفى منه أبوه. قال أحمد رضي الله عنه: ما أحسن ما قال.

فإن ترك أمه وأخاه, فلأمه الثلث, ولأخيه السدس, والباقي للأم بالتعصيب. فإن ترك أخاه وأخته. كان الثلث بينهما نصفين بالسوية, ثم الباقي للأخ دون أخته؛ لأنه عصبة الأم. وميراث ولد الزنى كميراث ولد الملاعنة, وهو قول علي, وعبدالله بن مسعود, ومعاذ بن جبل, وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم. فإن ادعاه مدع فأقرت الأم له به, لم يلحقه بالدعوة ولم يرثه, لا أعلم فيه اختلافا في السلف, لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما رجل اعترف بولد حرة, أو أمة لا يملكها, فهو ولد زنى, لا يرث ولا يورث". ولا ميراث لمرتد, ومن أسلم على ميراث قبل أن يقسم ورث في إحدى الروايتي, ولا يرث في الرواية الأخرى. قال: لأن المواريث قد وجبت لأهلها. وكذلك العبد يعتق على الميراث قبل أن يقسم يرث في إحدى الروايتين, ولا يرث في الأخرى. ومن ارتد وقُتل على ردته, أو مات عليها, كان ماله فيئا لبيت مال المسلمين. وكان بعض شيوخنا يرى أن ماله لورثته المسلمين. والأول هو المنصوص عنه. ولا ميراث للقاتل من الدية, ولا من المال, وسواء كان القتل عمدا أو خطأ, لما رواه عمر بن الخطاب, وأبو هريرة, وعمرو بن العاص, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لقاتل ميراث".

فإن شهد أربعة على أختهم بالزنى فرجمت, لم يكونوا قاتلين, وورثوها, وكذلك لو شهدوا عليها ورجموها مع من رجمها, ورثوها. وكذلك الزوج يزني ويرجم, ترثه زوجته وإن رجمته, والمرأة تزني, فترجم يرثها زوجها وإن رجمها. ومن ضرب ابنه ضربا يسيرا على وجه التأديب فمات, لم يرثه, فإن كان به جرح احتاط إلى بطِّه فبطَّه, فمات, فهل يرثه أم لا؟ على وجهين. والجنين إذا سقط حيا واستهل, ورِث ووُرِث. فإن لم يستهل لم يرث ولم يورث, لما رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبدالله والمسور بن مخرمة, قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث الصبي حتى يستهل صارخا", واستهلاله: أن يبكي, أو يصيح, أو يعطس. ومن مات وترك حملا لم يقسم الميراث حتى تضع الحمل, فإن اختاروا قسمته قبل الوضع, فأقل ما يوقف حق ذكرين ثم يقسم الباقي. ولو كان في الورثة من يدخل الحمل عليه نقصا من فرض إلى فرض, فطلب ميراثه أعطي أقل النصيبين, كالزوجة تعطى الثمن, والزوج الربع, والأم السدس, والأب يعطى السدس, لأن ذلك لهم مع وجود الولد, ويُمنعون ما يُعلم أن الولد يحجبهم عنه إلى أن تضع المرأة ما بها من الحمل. وكل شخص أدلى بقرابتين إلى الميت, متى اجتمعتا فيه لم تُسقط إحداهما الأخرى, ويرث بكل واحدة منهما إذا انفردت فيه, وإن يرث بهما جميعا إذا اجتمعتا فيه, كمجوسي ترك أخته وهي أمه, فإنها ترث بأنها أم الثلث. وبأنها أخت النصف, ويكون الباقي للعصبة, فإن عدموا كان ردا عليها.

فإن تركت مجوسية ابنتها, وهي أختها, كان لها النصف بأنها ابنة, والباقي بأنها أخت, لأن الأخوات عصبة البنات. فإن تركت ابنتها, وهي ابنة ابنها, كان لها النصف بأنها بنت, والسدس بأنها ابنة ابن تكملة الثلثين, والباقي للعصبة, فإن عُدموا رُد ذلك عليها. فإن ترك مجوسي أخته, وهي زوجته, ورثت بأنها أخت, ولم ترث بالزوجية شيئا, لأن الزوجية لو انفردت فيها لم ترث بها إجماعا. بيانه: أن يتزوج مجوسي أخته, وله ابن من غيرها, ثم يموت, فإن الابن يحجبها عن الميراث بالنسب, ولا ترث بالزوجية شيئا بالاتفاق. ولو تزوج مجوسي ابنته فرُزق منها ابنتين ثم مات, كان للبنات الثلاث الثلثان, والباقي للعصبة. فإن ماتت إحدى البنات, وخلفت أمها, وهي أختها لأبيها, وأختها لأبيها وأمها, كان لأختها لأبويها النصف, ولأختها التي هي أمها السدس, بأنها أم حجبت نفسها بنفسها عن الثلث إلى السدس, ولها السدس, بأنها أخت لأب, والباقي للعصبة. فإن تزوج مجوسي بأمة فرزق منها ابنتين ثم توفي, كان للابنتين الثلثان وللأم السدس, والباقي للعصبة. فإن ماتت إحدى الابنتين وتركت أختها, وهي خالتها, وأمها, وهي جدتها, كان لأختها النصف, ولأمها الثلث بأنها أم, ولا ترث بأنها جدة شيئا؛ لأنها حجبت نفسها بنفسها. وقد روي عنه رواية أخرى: أنه كان يورث المجوس من وجه واحد بالحلال, وهو أقوى القرابتين. والأول عنه أظهر وأصح وأشهر, لأنه قول عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم, وبه أقول. وكذلك من أدلى من المسلمين بقرابتين من النسب, أو من السبب يورث بإحداهما بالفرض وبالأخرى بالتعصيب, ورث بهما جميعا, كرجل مات وترك

ابني عم أحدهما أخ لأم, فإن لابن العم الذي هو أخ لأم السدس بالأخوة, والباقي بينه وبين ابن العم الذي ليس بأخ نصفين. وبذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكالمرأة تموت وتخلف ابني عم, أحدهما زوجها والآخر أخوها لأمها, قال: لزوجها النصف, ولأخيها لأمها السدس, ثم الباقي بينهما نصفين. وبه قال زيد بن ثابت. فلو ترك ابني عم, أحدهما أخ لأم, وابنة, كان للابنة النصف, والباقي لابني العم بينهما نصفين بالتعصيب, ولا يرث بالأخوة شيئا, لأن الأخ للأم يسقط مع الابنة. فأما ميراث أهل الملل بعضهم من بعض, فإن الأظهر عنه: أن الكفر كله ملة واحدة, وأنه يورث اليهودي من النصراني, والنصراني من اليهودي. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤيد هذا القول, وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس حيز ونحن حيز". وقال بعض أصحابنا: إن الأديان أربعة, وإن كل ملة من الكفر لا ترث الأخرى. قال: وكذلك مخرج عندي على المذهب. قال: وكل من لا كتاب له ملة واحدة. والأول أظهر عنه وأصح. وقال بعض أصحابنا: فإذا ورثنا بعضهم من بعض لم نورث أهل الذمة من أهل الحرب, ولا أهل الحرب من أهل الذمة, وهذا الصحيح. فأما الأسير من المسلمين فإنه يرث ويورث. والكلالة عنده: من عدا الوالد والولد من سائر الورثة. وهو قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وعبدالله بن عباس, وعبدالله بن مسعود, وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

وقال بعض أهل العلم: الكلالة في اللغة: هو قول الرجل: قد كللت, فأنا كلُّ وكلالة, أي جللوه وأحاطوه به بنسبهم, ومنه سمي الإكليل إكليلا؛ لإحاطته بالرأس وتجلله إياه, فسمي المنعطفون على الرجل بأرحامهم كلالة؛ لتكللهم واجتماعهم في قرابة واحدة. وأنشد عمرو بن أبي عمرو الشيباني يمدح بني هاشم: ورثتم قناة المُلك غير كلالة عن ابني منافٍ عبد شمس وهاشم وقال بعض أهل اللغة: الكلالة من القرابة: من انتسب إليك. كما انتسبت إليه, كالإخوة وبني العمومة. وقال أبو عبيدة: هو مصدر من كلله النسب, أي: أحاط به. والأب والابن طرفان, فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه, فسمي ذهاب الطرفين كلالة. ومنه قيل: كلَّ السيف, إذا ذهب حده, وكل البصر؛ إذا أدام نظره, فقيل: كل النسب؛ إذا لم يكن فيه والد ولا ولد, أي ضعف. فأما الموتى بالغرق, أو تحت الهدم, ولا يعلم أيهم مات قبل صاحبه, فإنه ورث بعضهم من بعض من تِلاد أموالهم دون ما ورثوه بعضهم من بعض. وبذلك قال عمر بن الخطاب رض الله عنه, وهو في إحدى الروايتين عنه. وهو قول علي بن أبي طالب. وإياس بن عبدالمزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبه قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. من ذلك: لو أن أخوين غرقا, أو انهدم عليهما بيت, ولكل واحد منهما ابنة, وتركا ثمانية دراهم بينهما, ورثنا ابنة أحدهما من أبيها النصف مما ترك وهو درهان, وجعلنا الباقي وهو درهمان لأخيه الميت, ثم ورثنا بنت الآخر من مال أبيها الذي خلفه دون ما ورثناه من أخيه النصف, وهو درهمان من أربعة دراهم,

وجعلنا الدرهمين الباقيين لأخيه الميت, ثم ورثنا ابنة كل واحد منهما مما جعل في يد أبيها النصف, وهو درهم, فيصير في يد كل ابنة ثلاثة دراهم, وما بقي في يد كل واحدة من الميتين, وهو درهم واحد, فهو للعصبة, لأننا لا نورث أحدا منهما من شيء ورثه عن صاحبه. ولا يختلف القول عنه في وجوب الرد على أهل الفرائض الوارثين بالنسب عند عدم العصبة, فيرد على كل واحد يرث بقدر سهمه. فأما من ورث بسبب, فإنه لا يرد عليه شيئا, ولا يزاد على فرض المسمى له, كالزوج والزوجة. ولا يختلف قوله في صحة العول والقول به, ونحن نوضحه في باب الحساب وتصحيح المسائل إن شاء الله. ومن تزوج في مرض موته تزويجا صحيحا, ورثته المرأة. ومن طلق في مرض موته ثلاثا, ورثته الزوجة ما كانت في العدة, وبعد انقضائها ما لم تتزوج, فإن تزوجت فلا ميراث لها, وإن ماتت قبله لم يرثها. وإن كان الطلاق أقل من ثلاث في المرض, فأيهما مات قبل صاحبه وقبل انقضاء العدة ورثه الآخر. فإن ماتت المرأة بعد انقضاء العدة لم يرثها الزوج, وإن مات هو بعد انقضاء عدتها قبل أن تتزوج ورثته. وإن كان الطلاق في الصحة توارثا جميعا قبل انقضاء العدة, ولم يرث واحد منهما صاحبه بعد انقضاء العدة. وقد ذكرت ذلك في باب الطلاق.

باب معرفة أصول المسائل وشيء من الحساب

باب معرفة أصول المسائل وشيء من الحساب يخرج حساب الصلب من سبعة أصول: منها ثلاثة تعول, وأربعة لا تعول. فإذا كان في المسألة نصف ونصف, فأصلها من اثنين, وإذا كان فيها ثلث وثلثان, فأصلها من ثلاثة, وإذا كان فيها ربع وما بقي, أو ربع ونصف وما بقي فأصلها من أربعة. وإذا كان فيها ثمن وما بقي, أو ثمن ونصف فأصلها من ثمانبة. وهذه الأصول التي لا تعول. وإذا كان في المسألة نصف معه ثلث أو سدس, فأصلها من ستة, ويعول هذا الأصل إلى سبعة, أو ثمانية, أو تسعة, أو عشرة. فإذا كان في المسألة ربع معه ثلث أو سدس, فأصلها من اثني عشر, وتعول إلى ثلاثة عشر, وخمسة عشر, وسبعة عشر. وإن كان فيها ثمن معه ثلث, أو سدس, فأصلها من أربعة وعشرين, وتعول إلى سبعة وعشرين, ولا تعول إلى أكثر من ذلك. وإذا ألقيت عليك مسألة فانظر أهي من اللاتي تعول, أو من اللاتي لا تعول. فإن استقامت غير منكسرة, فاقسمها, وإن انكسرت ولم تنقسم سهام فريق عليهم, فاضرب عددهم في أصل الفريضة وفيما عالت إليه إن كانت عائلة, مثل امرأة وأخوين, فللمرأة الربع سهم, وللأخوين ثلاثة أسهم لا تنقسم عليهما فاضرب اثنين في أصل المسألة تكن ثمانية, ومنها تصح, للمرأة سهمان ولكل أخ ثلاثة أسهم. وإن وافق سهامهم عددهم فاضرب وفق عددهم في أصل المسألة, مثل امرأة

وستة إخوة؛ للمرأة الربع سهم, وللإخوة ثلاثة أسهم توافقهم بالأثلاث, فاضرب ثلث عددهم, وهو اثنان في أصل الفريضة تكن ثمانية. فإن لم تنقسم سهام فريقين أو أكثر, فاضرب أحد الفريقين في الآخر, ثم ما اجتمع في الفريق الثالث, ثم ما اجتمع في أصل المسألة, مثل: ثلاثة نسوة وأخوين, فاضرب النسوة في الأخوين تكن ستة, ثم في المسألة تكن أربعة وعشرين, ومنها تصح. فإن تساوت الأعداد أجزأ أحدها على الباقي, مثل: امرأتين وأخوين, فاضرب اثنين في المسألة, فإن كان أحد العددين يخرج من الآخر, أغناك الأكثر عن الأقل, مثل: أربع نسوة وأخوين, فالأخوان نصف الأربعة, فاضرب الأربعة في المسألة تكن ستة عشر سهما, ومنها تصح. فإن وافق أحد العددين الآخر, ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر في صحيح المسألة, مثل: أربع نسوة وأخت وستة أعمام. فالستة توافق الأربعة بالأنصاف, فاضرب نصف أحدهما في الآخر, ثم في أصل المسألة, تكن ثمانية وأربعين سهما, ومنها تصح. فإذا أردت قسمة التركة, فاضرب سهام كل وارث في التركة, ثم اقسم ما اجتمع على ما صحت منه الفريضة, فما يخرج, فهو نصيبه, مثل: زوج وأم وأختين, للزوج النصف ثلاثة أسهم, وللأم السدس سهم واحد, وللأختين الثلثان أربعة, فأصلها من ستة, وتعول إلى ثمانية. فإن كانت التركة عشرين دينارا, فاضرب سهام الزوج في عشرين تكن ستين, واقسمها على الثمانية يخرج له سبعة دنانير ونصف, وللأم سهم في عشرين مقسوم على ثمانية يخرج لها ديناران ونصف, ولكل أخت سهمان في عشرين تكن أربعين مقسومة على ثمانية يخرج لها خمسة.

ومن صولح على شيء فأخذه بميراثه, فأسقط سهامه من الفريضة, واقسم باقي التركة على سهام الباقين. مثاله: زوج وأم وأخ, والتركة ثلاثون دينارا وثوب, صولح الزوج على الثوب, الفريضة من ستة, أسقط سهام الزوج, بقي ثلاثة أسهم؛ سهمان للأم, وللأخ سهم. فاضرب سهمي الأم في الثلاثين تكن ستين, واقسمها على ثلاثة, يخرج لها عشرون دينارا, وللأخ سهم في ثلاثين مقسوم على ثلاثة, يخرج له عشرة دنانير.

باب المناسخات

باب المناسخات فإن مات ميت فلم يقسم ميراثه حتى مات بعض ورثته فانظر, فإن كان ورثة الميت الثاني هو ورثة الميت الأول, ويرثون منه مثل ما ورثوا من الأول, فاجعل الميت الأول كأنه مات آخرهم, وألق من بعده, وكذلك في الميت الثالث والرابع وما زاد على ذلك, واقسم ما ترك الميت الأول على من بقي من الورثة, كرجل توفي وترك أربعة بنين وأربع بنات, مات أحد البنين, ثم ماتت ابنة, ثم مات ابن, ثم ماتت ابنة, ثم مات ابن, ثم ماتت ابنة, وجميعهم لأب وجد وأم واحدة, فجميع الميراث بين الابن والابنة الباقين للذكر مثل حظ الأنثيين, لأن ميراثهم في جميع المواريث كذلك, ليس معهم من غيَّر الفريضة ولا حجبهم عن بعضها, فلم يحتج فيها إلى ضرب. فأما إذا كان الهالكون من غير هذا الجنس, فانظر في فريضة الهالك الأول ومن فيها من الورثة, فخذ سهامهم حتى تتفق من أقل من تخرج منها واحفظها, ثم انظر في الفريضة الثانية فاعلم ما فيها من الورثة, فخذ سهامهم حتى تتفق بينهم من أقصر ما تخرج وأقربه, ثم انظر هل لما أصاب الميت الثاني في ميراث الميت الأول جزء يوافق سهام فريضته؟ مثل أن يوافق بالأنصاف, أو الأثلاث, أو الأرباع. فإن كان كذلك, فاضرب وفق فريضة الثاني في أصل فريضة الميت الأول, فمنها تصح. وإن لم تكن كذلك, فاضرب جميع فريضة الميت الثاني في أصل فريضة الميت الأول, فما يصح منها فاقسم منه فريضة الميت الأول ثم فريضة الميت الثاني. وكذلك إن كان ثالثا ورابعا فلم يوافق, فاضرب جميع فريضة الميت الثالث فيما استقر في يدك من سهام الميت الأول والثاني, ثم اعمل في الميت الرابع والخامس, وما زاد على ذلك, ثم اقسم كما وصفت.

من ذلك: لو هلك هالك وترك أبويه, فمات الأب قبل قسمة التركة, ففريضة الابن من ثلاثة أسهم, وفريضة الأب من أربعة أسهم, فلم ينقسم ما ورث الأب من ابنه على فريضته, ولما ورث نصف ولفريضته نصف, فاضرب نصف فريضته, وهو سهمان في فريضة الابن, وهي ثلاثة أسهم, تكن ستة أسهم, للأم من ذلك الثلث سهمان, وما يبقى وهو أربعة أسهم للابن. توفي عنها وترك زوجته, لها من ذلك الربع سهم, وما بقي للعصبة. وقد يمكن اختصار مثل هذا, لأن الذي حصل في يد الأم ثلاثة أسهم, سهمان من قبل ابنها, وسهم من قبل زوجها. وفي يد العصبة ثلاثة أسهم ورثوها عن الأب, وهي متفقة بالأثلاث, فاجعل الفريضة من ثلثها, فتصير من سهمين, للأم نحو الثلث والربع سهم, والعصبة ثلاثة أرباع الثلثين سهم. وعلى هذا فاعمل فيما يأتي من مثل هذا الباب. فأما الباب الآخر الذي لا يوافق؛ فكرجل هلك وترك ثلاث بنات, أمهم واحدة, فلم تقسم التركة حتى ماتت إحداهن, ثم ماتت أخرى قبل القسمة, ففريضة الميت الأول من ثلاثة أسهم, للبنات منها الثلثان سهمان, وذلك غير منقسم, ولا موافق, فاضرب عدد البنات, وهو ثلاثة في أصل الفريضة, وهو ثلاثة, تصبح من تسعة أسهم, للبنات منها الثلثان ستة أسهم, لكل واحدة سهمان, والباقي وهو ثلاثة أسهم للعصبة, ماتت إحدى البنات عن سهمين, فلأختيها من تركتها الثلثان, غير منقسم عليهما ولا موافق, وأصل فريضتها من ثلاثة أسهم, فاضرب أصل فريضة الابنة الميتة, وهو ثلاثة, في أصل فريضة الميت الأول, وهو تسعة, تصير سبعة وعشرين سهما, ثلثاها للبنات الثلاث, وهو ثمانية عشر سهما, لكل واحدة ستة أسهم, والباقي وهو تسعة أسهم للعصبة. ماتت إحدى البنات عن ستة أسهم, لأختيها من ذلك الثلثان أربعة أسهم, لكل واحدة سهمان, ولها ميراثها عن أبيها ستة أسهم, فيصير لها بالميراثين ثمانية أسهم. فإذا توفيت واحدة منهما وخلفت أختها, فلأختها النصف أربعة

أسهم, والباقي وهو أربعة أسهم للعصبة, فيصير للأخت الباقية بالمواريث الثلاثة عن أبيها وأختيها اثنا عشر سهما, ويصير للعصبة بالمواريث الثلاثة خمسة عشر سهما, تسعة عن الأخت وسهمان عن الابنة الميتة أولا, وأربعة عن الميتة أخيرا. فإن كانت العصبة جماعة, فدعها على ما قسمتها من سبعة وعشرين سهما, وإن كان واحدا وأردت الاختصار, فإنه لما اجتمع للعصبة ثلث صحيح, وهو خمسة, ولما اجتمع للابنة ثلث صحيح, وهو أربعة, فاجعل الفريضة من ثلثها, وافعل فيما يأتيك من هذا الباب كذلك ترشد إن شاء الله.

باب الحجر

باب الحجر قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم} إلى قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} الآية [النساء: 5 - 6]. ففي الآية الأولى دلالة على جواز الحجر على الكبير السفيه, وفي الثانية دلالة على جواز الحجر على الصغير. وقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: ويحجر على السفيه. وهو مذهب عثمان, وعلي, والزبير, رضوان الله عليهم. قيل لأحمد ابن حنبل رضي الله عنه: ويُحجر على الرجال؟ قال: أي لعمري, لولا الحجر لذهب أموال الناس. وبيع المحجور عليه, وهبته, وشراؤه, وصدقته, باطل قولا واحدا. وإقراره بالحقوق لا يصح إذا كان الحجر عليه لسفه. وفي عتقه روايتان: إحداهما: لا يقع عتقه ولا ينفذ, والرواية الأخرى: يقع؛ لأنه استهلاك. وطلاق المحجور عليه يقع, وإقراره بما يوجب حدا, أو قصاصا يلزمه. وعقوده كلها في حال الحجر عليه غير جائزة, إلا في النكاح إذا كان محتاجا إليه. وشراؤه للشيئ اليسير بالدرهم ونحوه جائز. ولا يحجر على أحد من السفهاء غير الحاكم إلا الأب, فله الحجر على ابنه

السفيه, وإن كان بالغا, حاكما كان الأب أو غير حاكم. وقد روي عنه في الأب إذا كان خرفا أو سفيها: أن للابن أن يحجر عليه. وذلك محمول من قوله: إذا كان الابن حاكما. قال: ومن أنفق ماله في الفساد وفي ابتياع المغنيات رأيت أن يحجر عليه, ويُمنع من ذلك أشد المنع. فإن كان يشتري الجواري للتسري والتمتع بهن, لم يمنع من ذلك. ولم يختلف قوله في الغلام إذا بلغ الحلم وأونس منه الرشد: أنه يدفع إليه ماله إذا اختاره, ويُفك حجره كما قال الله تعالى. وإن استظهر عليه بعد بلوغه بالحول والحولين, ليختبر ويظهر منه ما يستدل به على إيناس رشده فلا بأس. وإن دفع إليه شيئا من ماله بعد البلوغ لبتجر به, وينظر كيف ضبطه وحفظه لماله, ثم يفك حجره بعد ظهور رشده كان حسنا, اتباعا لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى} [النساء: 6] وهو الاختبار لهم. ويُشهد عليه إذا دفع ماله إليه, كما قال الله تعالى: {فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم} الآية [النساء: 6]. فأما الجارية إذا كانت محجورا عليها, فبلغت, وأُنس بها الرشد, فهل يدفع إليها مالها, كما قال في الغلام أم لا؟ اختلف قوله فيه, والظاهر عنه: أن حكم الجارية حكم الغلام. قال: وينبغي أن يحفظ عليها مالها, وقل امرأة يقع في يدها شيء إلا وأفسدته. قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] النساء والصبيان. فينبغي أن يحفظ عليها. واحتج لذلك بحديث هشيم عن زكريا عن الشعبي عن شريح قال: عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا أجيز

لجارية عطية حتى تحيل في بيت زوجها حولا, أو تلد بطنا, وهذا من قوله محمول على الاختبار والاحتياط, لأن الغالب من أحوال النساء قلة الضبط. فأما من تحقق رشدها, وعرف صلاحها, وضبطها, وحفظها لمالها, وإصلاحها له, فإنه يدفع إليها عند وجود ذلك منها وظهوره عنها, نكحت أم لا, ولدت أو لم تلد. ولا معنى لقول من يقول: إذا تم الغلام خمس وعشرون سنة فقد خرج من الحجر, لأنه هذا يوجب أن يدفع إليه ماله, وإن كان سفيها, والله تعالى نهى عن ذلك. قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: لا يدفع إليه حتى يؤنس منه الرشد وإن شمط. فأما العبد المحجور عليه؛ فمن عامله عالما بحاله, فهو المتلف لماله, ولا مطالبة له عليه ما دام رقيقا, فإن عتق أتبعه به. ومن عامل عبدا مأذونا له في التجارة وداينه كان ذلك على مولاه, لأن عليه غرمه. ويلزمه جميع ما يثبت على العبد من الديون, وإن كان ذلك أكثر من قيمته في الأظهر عنه. وقد روي عنه رواية أخرى: أنه لا فرق بين أن يكون العبد مأذونا أو غير مأذون في أن جميع ما ادان في رقبته, ولا يلزم السيد أن يفديه بأكثر من قيمته أو يُسلمه.

باب الوكالة

باب الوكالة والتوكيل لإثبات الحجج واستيفاء الحقوق جائز, حاضرا كان الموكل أو غائبا. وكذلك التوكيل بالشراء, والبيع والعتق, والطلاق, والقسمة, وسائر الحقوق والعقود جائز. واختلف عنه: هل يجوز التوكيل باستيفاء الحد والقصاص أم لا؟ على روايتين. وإقرار الوكيل على موكله غير جائز, وصلحه عنه غير ماض, إلا أن يجعل إليه لامصالحة, فيجوز حينئذ صلحه. وكذلك لو جعل إليه أن يقر عليه, جاز إقراره عليه. وشراؤه لنفسه من نفسه من مال موكله باطل. وكذلك شراؤه لموكله من نفسه. واختلف قوله: هل للوكيل أن يوكل به غيره بغير إذن موكله أم لا؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى, إلا بإذن الموكل, وبهذا أقول. فإن وكل الوكيل وكيلا, وابتاع منه لنفسه من مال موكله, أو باعه لموكله من مال نفسه, فإن كان الموكل الأول جعل للوكيل أن يوكل فيما وكله به غيره؛ فالابتياع في الوجهين جائز. وإن كان لم يجعل إليه توكيل غيره؛ فالابتياع في الوجهين غير جائز في إحدى الروايتين, إذا قلنا: إن وكالة الوكيل لا تجوز, إلا بإذن موكله. وإذا قلنا: إن وكالته جائزة, وإن لم يجعل ذلك إليه, كان الابتياع جائزا في الوجهين. والوكيل أمين ما لم يتعد أو يخن. فإن خالف أو خان كان ضامنا.

ولو باع الوكيل بالوكالة بيعا, ثم ادعى تلف المال, كان القول قوله, فإن اتُّهم لم يلزمه غير اليمين. ولو وكله في طلاق زوجته, كان الطلاق بيد الوكيل, ما لم يفسخ وكالته, أو يطأ الموكل قبل إيقاع الوكيل الطلاق, وقد يتوجه أن لا تنفسخ وكالة الوكيل بوطء الموكل قبل إيقاع الوكيل الطلاق, وقد يتوجه أن لا تنفسخ وكالة الوكيل بوطء الموكل, كما لو وكله في بيع دار ثم سكنها الموكل, فإن ذلك يكون عزلا للوكيل من الوكالة. ومن وُكِّل في شيء مخصوص لم يكن وكيلا في غيره, ولا خصما في سواه. فإذا أطلق وكالته جاز تصرفه في سائر حقوقه, وجاز بيعه عليه, وابتياعه له, وكان خصما في كل ما يدعيه لموكله ويُدّعى عليه بعد ثبوت وكالته منه. ولو وكل وكيلا ثم وكل غيره, فهما وكيلاه حتى يخرج أحدهما من وكالته. ومن وكل وكيلين على الاجتماع لم يجز انفراد أحدهما بالتصرف دون صاحبه, فإن جعل لهما التصرف في حالة الاجتماع والانفراد, جاز تصرفهما على الاجتماع وتصرف كل واحد منهما على الانفراد في الوكالة. ولو دفع إلى رجل عشرة دراهم, فقال: ابتع لي بها ثوبا. فابتاع له الثوب, ولم ينقد الثمن, فهلك الثوب والثمن في يده, فالوكيل أمين في الثوب, ومن مال الموكل هلك, ويضمن الوكيل للبائع ثمن الثوب, لأنه خالف حين لم ينقده ثمنه عند عقد البيع, فضمن بالمخالفة, إلا أن يكون لم يفرط, مثل أن يبتاع الثوب, والثمن في بيته ويقبضه ويقول للبائع: امض لأفيك الثمن, فيهلك الثوب منه, ويكون الثمن قد هلك من حرزه, فيكون هلاك الثوب والثمن جميعا من الموكل, ويلزمه ضمان الثمن للبائع دون الوكيل. ولو وكله في قبض ورق له, فصارف عليها الوكيل, لم يجز فعله, إلا أن يكون الموكل جعل إليه المصارفة, فيجوز فعله. قال: ولو كان له على رجل خمسون دينارا, فوكل المدين صاحب الحق في

بيع داره أو متاعه, فباعه بورق, لم يجز له أن يصارف نفسه ويأخذ الدراهم بحقه, ولكن يبيعها من غيره بعين, ويستقصي فيها ويحتاط, ثم يأخذ من العين قدر حقه. فإن وكله في قبض خمسين فقبض مئة, ثم هلك الجميع منه, كان ضامنا للباعث قدر الزيادة, لأنه خالف فيها وقبضها بغير حق. فإن خلط الوكيل مال موكله بماله فيما لا يتميز, فهلك المالان, لم يضمن, وإن هلك أحدهما ضمن مال موكله, وكان الهالكمن ماله, لأنه لا يعلم هذا الهالك ماله أو مال موكله. ولو وكله في قبض مال فأخذ به رهنا, وهلك الرهن في يده كان مسيئا, وكان الرهن هالكا من ماله, ولا ضمان على الوكيل ما لم يجن عليه, أو يفرط في حفظه. ولو وكله في ابتياع سلعة, فابتاعها, ثم باعها بغير إذن الموكل, فعلى روايتين: إحداهما: البيع باطل, والرواية الأخرى: البيع موقوف على إجازة الموكل ورده, فإن أجاز صح, وإن رده بطل. وكذلك لو باع السلعة وابتاع للموكل بثمنها سلعة أخرى, كان ذلك باطلا في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: موقوف على إجازة الموكل ورده, لحديث عروة البارقي الذي يرويه عبدالله بن أحمد بن أبيه, قال: حدثنا أبو كامل, حدثنا سعيد ابن زيد, حدثنا الزبير بن الخريت, حدثنا أبو لبيد عن عروة بن أبي الجعد البارقي, قال: عرض للنبي صلى الله عليه وسلم جَلَب, وأعطاني دينارا, وقال لي: "أي عروة: ائت الجلب فاشتر لنا منه شاة", فأتيت الجلب فساومت صاحبه, فاشتريت منه شاتين بدينار, فجئت أسوقهما, قال: أو أقودهما, فلقيني رجل بالطريق, فساومني, فابتعته الشاة بدينار, فجئت بالدينار وجئت بالشاة, فقلت: يا رسول الله هذا ديناركم, وهذه شاتكم. قال: "وصنعت كيف؟ " قال: فحدثته الحديث, فقال: "اللهم بارك له في صفقة يمينه". قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفا قبل أن

أصل إلى أهلي. قال: وكان يشتري الجواري ويبيع.

باب في الضحايا, والذبائح, والعقيقة, والصيد, وما يحرم من الأطعمة والأشربة

باب في الضحايا, والذبائح, والعقيقة, والصيد, وما يحرم من الأطعمة والأشربة قال الله عز وجل: {لن ينال اللهَ لحومها ولا دماؤها. ولكن يناله التقوى منكم} الآية [الحج: 37]. فالأضحية سنة مؤكدة, فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وندب إليها, فهي مستحبة لكل من استطاعها, لحديث زيد بن أرقم أنهم قالوا: يا رسول الله, هذه الأضاحي ما هي؟ قال: "سنة نبيكم", قالوا: فما لنا فيها: قال: "بكل شعرة حسنة", قالوا: فالصوف؟ قال: "بكل صوفة حسنة". وأقل ما يجزئ فيها من الأسنان: الجذع من الضأن, وهو: ابن ستة أشهر إذا كان سمينا نبيلا. والثني من المعز, وهو: ما أوفى سنة, ودخل في الثانية. ولا يجزئ من غير الضأن من الأزواج الثمانية إلا الثني. والثني من البقر: ما دخل في السنة الرابعة, ومن الإبل: ما كان له ست سنين. وفحول الضأن في الضحايا أفضل من إناثها, وإناثها أفضل من المعز. ويستحب الأقرن الأملح من الضأن, والبياض أعجب إليه من السواد. ويجزئ في الضحايا الخصي المشدوخ غير المجبوب, فإنه أسمن. والإبل والبقر أفضل من الغنم.

والبدنة تجزئ عن سبعة, وكذلك البقرة, والجواميس في الأضاحي كالبقر. والشاة تجزئ عن واحد, وقد قيل عنه: ولو ضحى بشاة عن أهل البيت جاز, للحديث المروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح كبشين, قرب أحدهما, فقال: "بسم الله, هذا عن محمد وعن أهل بيته". فإذا اشترك جماعة في بدنة أو بقرة على أنهم سبعة, فإذا هم ثمانية ذبحوا معها شاة وأجزأتهم. ومن أراد أن يضحي, فإذا دخل العشر لم يأخذ من شعره, ولا من أظفاره, حتى ينحر. واستحب له أن يحلق رأسه عقيب النحر, لحديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي, فلا يأخذ من شعره, ولا من أظفاره". ولا يجوز في الأضاحي ولا في الهدايا عوراء بين عورها, وهي المخسوفة العين. فإن كانت العين صحيحة وفيها اليسير من البياض, لم يكن بها بأس. ولا العرجاء البين ظلعها, ولا المريضة البين مرضها, ولا العجفاء التي لا تنقي, وهي التي لا مخ لها, ولا البتراء, لأنه نقص في الخلق, ولا الجداء التي قد يبس ضرعها, ولا العضباء, وهي التي انكسر نصف قرنها فما زاد, ولا الشرقاء وهي التي خرمت السمة أذنها, ولا الخرقاء وهي المشقوقة الأذن, ولا المُقابَةَ, وهي: المقطوعة الأذن من أعلاها, ولا المدابرة, وهو: قطع الأذن من أسفل, فإن كان قطع الشيء اليسير من الأذن فلا بأس بها. ولا يضحي ببقر الوحش ولا بحمير الوحش. ويستحب أن يتولى ذبح أضحيته بيده إن استطاع, رجلا كان أو امرأة, فإنه أفضل. فإن لم يستطع, فلا يضحيها له, إلا مسلم. فإن ذبح أضحيته ذمي كره له

ذاك وأجزأته, إن كانت من البقر, أو الغنم في الظاهر من قوله. وقيل عنه: لا تجزئه. فأما إن كانت من الإبل, فلا يجوز أن ينحرها ذمي قولا واحدا, فإن فعل لم تجزه على حال. ولا يذبح أحد قبل صلاة العيد, فإن فعل لم تجزه, لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا ذبح إلا بعد التشريق" يعني بعد الصلاة, كذلك فسره شعبة. ولا يضحي أحد قبل أن ينحر الإمام, فمن فعل لم يجزه, لحديث أبي بردة بن نيار أنه ذبح يوم النحر قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعد ذبحا", وذكر باقي الحديث. ومن كان بعيدا عن المصر انتظر حتى يمضي من الوقت بعد صلاة العيد ما يغلب على ظنه أن الإمام قد نحر ثم ينحر أو يذبح. ومن نحر في أول يوم قبل طلوع الشمس لم يُجزه قولا واحدا, فأما في اليوم الثاني واليوم الثالث, فله أن يذبح بعد طلوع الفجرالثاني وقبل طلوع الشمس قولا واحدا, وفي أي وقت شاء من النهار. واختلف قوله: هل يجوز أن يضحي في اليومين ليلا أم لا؟ على روايتين: منع منه في إحداهما, وأجازه في الأخرى. وزمان النحر يوم الأضحى ويومان بعده, ينحر فيها إلى غروب الشمس. واليوم الثالث من أيام التشريق هو زمان للتكبير إلى أن يصلي العصر, وليس بزمان للأضحية. وهو قول خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر, وعلي, وابن عمر, وأبي هريرة رضوان الله عليهم.

وأفضل أيام النحر أولها. ولا يباع شيء من الأضاحي. واختلف قوله في بيع جلود الإبل والبقر من الأضاحي, فروي عنه أنه قال: إذا باع الجلد واشترى بثمنه أضحية, فلا بأس. وروي عنه كراهة ذلك. ولا يعطى الجازر منها شيئا, وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وتوجه الضحية إلى القبلة, وإن ذبحها إلى غير القبلة غير متعمد جاز. وليقل الذابح: بسم الله والله أكبر. وإن زاد فقال: ربنا تقبل منا, فلا بأس. ومن نسي التسمية عند ذبح الأضحية وغيرها لم يضره, وأُكلت قولا واحدا. وإن ترك التسمية عليها عامدا لم تؤكل في الظاهر من قوله, وقيل عنه: تؤكل. ويأكل المضحي الثلث, ويهدي الثلث, ويتصدق بالثلث. ويستحب له أن يتصدق بأفضلها, ويهدي الوسط, ويأكل الأدون. وله الادخار منها ما شاء. وإن زاد على ذلك, أو نقص, أو تصدق بجميعها, فكل جائز. ومن أوجب أضحية ثم مات قبل أن يذبحها ضحى بها عنه ورثته, لا يسعهم غير ذلك. ولا بأس أن يضحي عن اليتيم وليه إذا كان في ماله فضلة. وله شرب لبن أضحيته إذا لم يعجفها, ويكره جز صوفها. ولم يختلف قوله: إن الأضحية لا تباع بعد إيجابها إلا أن يريد إبدالها, فيبيعها, ويصرف ثمنها فيما هو خير منها من الأضاحي. وقيل عنه: إني لأستوحش منه, يعني من بيعها. وقيل عنه: له أن يبدلها بما هو خير منها, ولا يبدلها بما هو دونها, فصح من قوله: أن بيعها بعد الإيجاب لغير بدل لا يجوز. وإذا أراد الإبدال بما هو خير منها جاز. وإن باعها بشرط أن يضحي بها, صح بيعه قولا واحدا. وإن

باعها لغير ضحية كان بيعه باطلا في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: بيعه جائز. وإذا ضاعت أضحيته فاشترى غيرها ثم وجدها ذبحهما جميعا, كما قلنا في البدنة. وإذا اشتراها سليمة, وأوجبها, فحدث بها عيب لو كان بها منع من أن يضحي بها, كان له ذبحها وتجزيه, لأنه أوجبها سليمة. ولو أوجب سبعة أنفس بقرة أو بدنة, فنُتجت, ذبحت وولدها عن السبعة. فإن اشترك ثلاثة نفر في بقر أضحية, وقالوا: من جاءنا يريد أضحية شاركنا, فجاء قوم فشاركوهم, لم تجز, ولا تجزئ إلا عن الثلاثة الأول؛ لأنهم أوجبوها عن أنفسهم. فإن اشترى رجل سُبع بقرة ذبحت للحم على أن يضحي به, لم يجزه. قال أحمد رضي الله عنه: هذا لحم اشتراه, وليس بأضحية.

باب الذبائح

باب الذبائح والذكاة في الحلق, والنحر في اللَّبَّة. والذكاة: قطع الحلقوم, والمريء, والوَدَجَين. فإذا قطع ذلك وأنهر الدم أُكلت. فإن ذبحها فأبان رأسها غير متعمد أكلت قولا واحدا, فإن ذبحها من قفاها فلم تمر السكين على موضع الذبح حتى ماتت, لم تؤكل قولا واحدا. فإن مرت السكين على موضع الذبح وهي حية أكلت, وقد أساء في ذلك. وقد روي عنه: أن كل ذبيحة تذبح من غير مذبحها لغير تردّ ولا مانع من الذبح في المذبح, لا تؤكل. والبقر والغنم تذبح, والإبل تنحر. فإن نحر ما يذبح, وذبح ما ينحر أكلت. وقد روي عنه رواية أخرى: أنه توقف عن ذبح البعير. والأول عنه أظهر. وذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تم خلقه, أشعر أو لم يشعر, فإن خرج حيا ثم مات في الحال أكل. وإن تباقى أقل القليل فلا بد من تذكيته. فإن مات قبل أن يذكى لم يؤكل. ولا ينبغي أن تسلخ الذبيحة حتى تموت وتبرد, ولا يقطع رأسها قبل السلخ. فإن فعل أساء وأكلت. ولو قطع منها بعد الذبح قطعة وهي تختلج كرهتُ ذلك, ولم تحرم. قال: وأكره نفخ اللحم. وقد روى كليب الأودي عن علي بن أبي طالب رضي

الله عنه أنه مر باللحامين فقال: من نفخ فليس منا. ولا يفرِسُ الذبيحة, والفَرْس: كسر عنقها عقيب الذبح قبل أن تموت, فإن فعل أساء وأكلت. والمنخنقة بحبل وما في معناه, والمتردية من جبل, والتي تتردى في بئر فيقع رأسها في الماء ولا يمكن إخراجها منه, والموقوذة بالبندق, أو بالعصا, أو الحجر, والنطيحة, وأكيل السبع إذا ماتت, أو بلغ ذلك منها في هذه الوجوه مبلغا لا تعيش لمثله لم تؤكل. وإن قطع منها ما يقطعه من المذكى. وما ندَّ من الإبل والبقر واستوحش فلم يقدر عليه, فحكمه حكم الصيد, إن طعنه فأسال دمه أو رماه بسهم فجرحه, وذكر اسم الله عليه فمات من ذلك أكل؛ لحديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما غلبكم من هذه البهائم فاصنعوا به ما يُصنع بالوحش". وما سقط في بئر لا ماء فيها ولم يقدر على ذبحه ولا نحره جرحه حيث أمكن من بدنه وسمى الله عليه وأكله. ومتى ترك مسلم التسمية على الذبيحة ناسيا أكلت قولا واحدا. فإن تركها عامدا لم تؤكل في الصحيح من قوله. وقيل عنه: تؤكل. وما عقره الذئب أو السبع وأدرك حيا ولم يتيقن أنه يموت من ذلك العقر ذكي وأكل. قال أحمد رضي الله عنه: إذا مصعت بذنبها, وطرفت بعينها, وحركت يدها أو رجلها بعد الذبح وانهار الدم أكلت, إلا أن يكون السبع أو الذئب شق جوفها وأخرج حشوتها, فإنها لا تؤكل وإن ذكاها. وكذلك لو نطحت شاة شاة, فشقت جوفها وأخرجت قُصبها -يريد بذلك

معاها- لم تؤكل, وإن أدرك ذكاتها. وذبائح اليهود والنصارى تؤكل إذا ذكروا اسم الله عليها إلا البعير, فلا تصح فيه ذكاة اليهودي. ولا تؤكل ذبيحة المجوسي على حال. فإن ترك يهودي أو نصراني التسمية على الذبيحة عامدا أو ساهيا, فإنها تؤكل. وقد قيل عنه: إنهما إن تعمدا ترك التسمية عليها لم تؤكل. ولا بأس بذبيحة الأخرس إذا نظر إلى السماء وأشار بيده إليها بالتوحيد لله تعالى. واختلف قوله في ذبيحة الأقلف على روايتين: أجازها في إحداهما, ومنع منها في الأخرى. قال: والمجنون إذا ذبح في حال زوال عقله لم تؤكل ذبيحته. ولا تؤكل ذبيحة المرتد على حال. قال: ويُجتنب أكل ما ذبحه اليهود والنصارى لكنائسهم وأعيادهم. ولا يؤكل ما ذُبح للزهرة. قال: والسامرة من أهل الكتاب, فلا بأس بأكل ذبائحهم.

واختلف قوله في ذبيحة الصابئ, والأظهر من قوله: أنها تؤكل؛ لأنهم يسبتون, فهم بمنزلة اليهود, ولهم كتاب. وتؤكل ذبيحة نصارى العرب. ولا بأس بذبيحة الصبي والمرأة إذا أطاقا الذبح. وتوجه الذبيحة إلى القبلة. ولو انحرف عنها قليلا أساء وأكلت. وتوارى السكين عنها, ولا يُظهرها إلا عند الذبح. كذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواري الشفرة. ولا يحد الشفرة وهي تنظر إليه, ويقول عند تحريك يده: بسم الله والله أكبر, كما ذكرنا في الأضاحي. ولا تجوز الذكاة بالسن ولا بالظفر منزوعين, ولا متصلين بالخلقة, وتجوز بغير ذلك. ولا بأس بالذبح بالليل والنهار. قال: ولو ذبحها فوقعت بعد الذبح في ماء فماتت لم يأكلها, وكذلك لو ذبح طائرا فوقه في ماء, أو تردى من جبل لم يأكله, لأن الماء والتردي أعان على خروج نفسه, لأنه تردى وفيه بقية روح, ولم تزهق نفسه. ولا بأس أن يأكل المضطر من الميتة بقدر ما يزيل الاضطرار, ويأمن معه الموت قولا واحدا. وهل يأكل منها حتى يشبع أم لا؟ على وجهين. ولا ينتفع بجلود الميتة دبغت أو لم تدبغ, لأن الدباغ لا يطهرها. ولا تباع, ولا تؤكل, ولا يستجمر لها. ولا يصلى في جلود السباع ولا عليها وإن دبغت. وما لا يؤكل لحمه لا تعمل الذكاة في طهارة جلده, كما لا تعمل في إباحة لحمه.

ولا بأس بصوف كل ميتة تعمل الذكاة في إباحتها. وكذلك شعرها ووبرها وريشها, لأنه طاهر لا روح فيه لا يحله موت. وله أخذه منها حية وميتة, فإن كان عليه نجاسة وجب غسله, وإن لم تصبه نجاسة أحببت غسله من غير أن تجب. وناب الفيل وعظامه نجسة أخذت منه حيا أو ميتا. وما ماتت فيه فأرة من سمن أو زيت أو عسل ذائب طرح جميعه, ولم يؤكل, ولا يباع. فإن كان جامدا طرحت وما حولها, وأكل ما بقي. واختلف أصحابنا في الاستصباح بالدهن النجس, فأجازه بعضهم, ومنع منه بعضهم. وبالمنع أقول. ولا بأس بأكل طعام أهل الكتاب وذبائحهم. ولا تؤكل شحوم ما ذكوه في إحدى الروايتين, وتؤكل في الأخرى. ولا يؤكل ما ذكاه مجوسي بكلبه. فإن أخذ مسلم كلب مجوسي غير معلم فعلمه المسلم واصاد به أكل صيده أيضا. وقيل عنه: لا يؤكل, لأن تعليم المجوسي كذكاته. ولا بأس بأكل ما اصاده المجوسي من السمك والجراد.

باب الصيد

باب الصيد والصيد للهو مكروه وليس بمحرم, ولغير اللهو مباح مستحب. ومن أرسل كلبه المعلم وذكر اسم الله عليه, فاصاد فقتل, ولم يأكل من الصيد, جاز أكله قولا واحدا. قال: ولتكن التسمية مع الإرسال. وكل ما قتله الكلب المعلم بغير إرسال لم يؤكل, وما قتله عن إرسال أكل. فإن أكل الكلب من الصيد لم يؤكل, لأنه أمسك على نفسه. وقد روي عنه رواية أخرى أنه قال: إذا أرسل سمى وقتل فكل, وإن أكل منه الكلب, لأن التسمية له ذكاة. ولا يؤكل صيد الكلب الأسود البهيم, لأنه شيطان, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله, والأمر بذلك يفيد النهي عن اقتنائه والاصطياد به. والنهي يقتضي فساد المنهي. وكل ما قتله البازي والصقر المعلم من الصيد عن إرسال أكل, وإن أكل البازي منه قولا واحدا. وما أدرك من ذلك حيا لم يؤكل إلا أن يذكى, إلا أن يكون به الرمق اليسير, فيموت في الحال قبل أن يدرك ذكاته, فلا بأس بأكله. وكذلك لو أدركه يتشحط في دمه ثم مات بالقرب أكل, لأن الكلب قتله. فإن كان فيه قوة لم يأكله حتى يذكيه. فإن أدرك الصيد حيا ولم يكن معه مُذية ولا ما يذكيه به أشلى الكلب عليه حتى يقتله ثم أكله. ولو أرسل كلبه على صيد بعينه وسمى, فاصاد غيره أكل, وكذلك لو أرسله

على صيد فاصاد اثنين أكلهما. ولو رمى طائرا وسمى فأصاب غيره أكله. وكذلك لو رماه فأصابته الرمية, وأنفذته صيدا آخر أكلا جميعا. قال: ولو رمى هدفا, فأخطأه وأصاب صيدا لم يأكله. وسواء سمّى عند رمي الهدف أو لم يسم, لأن هذا رمي لا يفتقر إلى تسمية, فوجودها كعدمها. ولو أرسل كلبه فوجد معه كلب غيره, وقد أثبتا صيدا لم يأكله, لأنه سمى على كلبه ولم يسم على غيره. وكل ما قتل من الصيد برمح, أو سهم, أو معراض أصاب بحده وجرحه أكله. وإن أدركه حيا ذكاه ثم أكله. وما أصاب المعراض بعرضه لم يؤكل, لأنه وقيذ. ومن رمى صيدا بسهم نهارا فأصابته الرمية, ثم غاب عنه, فوجده من يومه ميتا, وسهمه فيه, ولا أثر به غير سهمه أكله. وإن كان رماه ليلا, فغاب عنه ثم وجده ميتا لم يأكله. وإن رماه, فغاب عنه يومه ولم يجده إلا من بعد الغد لم يأكله, لأنه لا يدري ما حدث به. وقد قيل عنه: إذا وجده وبه سهمه, ولا أثر به غيره فإنه يأكله. والأول أظهر. وقيل عنه: إذا رماه رميا ظن أنه يموت منه أكله. وإن كان يخشى أن يكون شركه غيره فلا يأكله. يريد بذلك: أنه إذا رماه فغاب عنه, ثم وجد سهمه في موضع منه, الغالب من حاله أنه بعمله أكله, وإن كان السهم في موضع لا يموت من مثله غالبا لم يأكله, لجواز أن يكون قد شركه غيره. قال: ولو رمى رجلان صيدا, وسميا, فأصاباه جميعا بحديد أكلاه. فإن رماه أحدهما بسهم والآخر بمعراض فأصابه السهم وجرحه, وأصابه المعراض بعرضه, لم يأكله واحد منهما, قال: لأني لا آمن أن يكون المعراض قتله. فإن أصابه المعراض بحده وجرحه أكلاه جميعا. فإن رمى أحدهما بسهم, والآخر ببندقة وأصابه, فسقط ميتا لم يؤكل, لأن البندقة تقتل. ومن رمى صيدا على شجرة أو نخلة في دار قوم, فحمل الصيد نفسه وسقط

خارج الدار, فهو لمن اصَّاده. وإن سقط في دارهم, فهو لهم, لأنه في حريمهم. قال: ولا بأس بصيد الدالوية. قال: ولو سمى ورمى صيدا, فمات الرامي ثم أصابت الرمية الصيد أُكل. فإن منع الصيد من الماء حتى مات أكل وكره الصيد بالشِّباش, وهو طائر يخيط عينه, لأجل تعذيبه. ولا بأس بصيد الفخ والشبكة. ولو ألقى الخَرْبَق للطير ليأكله فيسكر ويصيده لم يكن به بأس. وصيد السمك حلال طيب. ولا بأس بإلقاء العلف للسمك في الماء ليجتمع فيُصاد. ولا يصيد بالنجاسات, ولا بالمحرمات, فإن فعل كان مكروها عنده غير محرم. وقيل عنه: بل هو حرام لا يصاد به. ولا بأس بصيد الطير الوحشي بالليل من غير أوكارها, وكرهه من أوكارها من غير أن يحرمه. ولا بأس بأخذ فراخ الطير من أوكاره. ومن ترك التسمية على الصيد عند الإرسال عامدا أو ساهيا لم يؤكل. وإذا نصب المناجل للصيد وسمى حال النصب, فأصاب صيدا وجرحه وقتله أكله. فإن نصب قيودا لا حديد فيها, فوقعت في رجل صيد, فاضطرب فمات, لم يؤكل. ولو رمى صيدا وسمى, فتردى من جبل, أو وقع في ماء, فمات, لم يؤكل. وكذلك لو كان طائرا فأصابته الرمية من الهواء إلى الأرض ومات, لم يؤكل, لأن

التردي أعان على قتله. وقد روي عنه: أنه يؤكل. وما أدرك ذكاته من ذلك كله أُكل. ولو ضرب صيدا فأبان منه عضوا, فمات الصيد في الحال, أو بالقرب, أكل الصيد قولا واحدا, ويأكل العضو المباين في الأظهر عنه, لأنها ذكاة واحدة. فإن تباقى الصيد ولم يمت عن قرب, ذبحه وأكله قولا واحدا. وهل يأكل العضو البائن أم لا؟ على روايتين: أظهرهما: أنه ميتة فلا يأكله. والرواية الأخرى: يأكل الجميع. فإن رماه فأبان رأسه, وقد سمى, أكله قولا واحدا.

باب الأطعمة

باب الأطعمة ولا بأس بادخار القوت للعيال. ولحوم الحمر الأهلية حرام, وكذلك البغال. وألبان ذلك محرمة, كتحريم لحمها. ولحوم حمير الوحش حلال مباحة. ولحوم كل ذي ناب من السباع, وخلب من الطير, ما يفرس ويصيد بمخلبه حرام. وما قُطع من بهيمة حية, مثل الألية والسنام, وما في معنى ذلك من الأعضاء الثابتة, فهو ميتة حرام. ولا يأكل الغدة, ولا أذن القلب. وطعام الفجأة مكروه. قال أحمد رضي الله عنه: هو الرجل يتعمد القوم حتى يضعوا طعامهم فيفجأهم, فأما على غير العمد, فلا بأس به. وكل ما لفظه البحر من السمك فحلال. وكذلك ما طفا منه وقفا. ولا بأس بأكل السلحفاة والرق إذا ذكيا. وكلب الماء مكروه أكله, وليس بمحرم إذا ذكي. والسرطان يذكى ويؤكل. وقد روي عنه: أنه يؤكل ولا يذكى. والضفدع حرام, لما رواه عبدالرحمن بن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الضفدع. واختلف عنه في التمساح, فقيل: إنه يحرم, وقيل: إنه مكروه غير محرم. وفي الثعلب روايتان: إحداهما: أنه محرم, والأخرى: أنه مباح, واختياري: أنه

لا يؤكل. وأكل اللحم النيء مما تعافه النفس, وليس بمحرم, وكذلك المذكى القابّ. ولا بأس بأكل لحم الضب والضبع. قد قُدِّم الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم. والجراد حلال, لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحلت لنا ميتتان ودمان", يريد: السمك والجراد والكبد والطحال. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة أنه قال في الجراد: "لا آكله ولا أُحرمه", أو: "ولا أنهى عنه" أنا شككت. ولم يختلف قوله في الجراد إذا صيد حيا ثم طرح في الماء والملح حتى مات وطبخ, فإنه حلال. واختلف قوله إذا رأى في الصحراء جرادا ميتا, هل يجوز له أكله أم لا؟ على روايتين: منع منه في إحداهما, وأباحه في الأخرى, والعمل على إباحته, كالطافي من السمك والقافي. وكذلك اختلف قوله فيمن اصاد سمكة فوجد في جوفها سمكة قد ابتلعتها, هل يأكل السمكة التي أصابها في جوف السمكة أم لا؟ على روايتين: أباح ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى. وقال: لا يؤكل ما أُكل مرة. ولم يختلف قوله في الجراد الموجود في حواصل الطير أنه لا يؤكل. فأما اليربوع, فإنه نهى عنه في موضع, وأرخص فيه في موضع آخر. قال: ولا بأس بطبخ اللحم بالعنب.

واختلف قوله في التنور تشوى فيه المحرمات, هل يخبز فيه أم لا؟ فقيل عنه: إذا لم يلتصق به ما شوي فيه, فلا بأس بالخبز فيه, وقيل عنه: لا, حتى يُغسل. وأرخص في سجر التنور بالنجاسات في موضع, ونهى عنه في موضع آخر. ولا بأس بالأرنب. قال: ولا يؤكل القنفذ. قال أبو هريرة: هو حرام. والفأر محرم أكله. وكذلك الوَرَل. وابن آوى وابن عرس محرمان. وكذلك الهر والفيل ليس من أطعمة المسلمين. والدب إن لم يكن له ناب فلا بأس به. وكره لحوم الحيات. قال: لأن للحية نابا. وكذلك كره أكل العقرب. وكره من الطير ما يأكل الحية, كالرخم والغراب الأبقع. ولا بأس بالصغار من الغربان, يعني الأسود منها, قال: ولا يأكل الكبير, ويأكل الزاغ. قال: ولا يأكل الخفاش. ولا بأس بأكل النعامة والزرافة. ولا بأس بأكل لحوم الخيل. وكره لحوم الجلالة وألبانها وبيضها, وأحب أن يتوقى عرقها حتى تحبس إلى أن يذهب ما في جوفها, فإن كانت دجاجة ونحوها حبست ثلاثا, وإن كان بعيرا, أو بقرة أو شاة حبس ذلك أربعين يوما, وقيل: إن الشاة تحبس سبعة أيام, وكذلك لو شرب بعير أو بقرة خمرا حبس أربعين يوما ثم أكل. وقيل عنه: إن ذلك محرم حتى يحبس. ولو سلق بيضا في خمر لم يتشقق أكل. ولا يؤكل ما تشقق منه. ولو غسل

بيضة وطرحها في قدر فلما قشرها وجد فيها فرخا ميتا. فإن كانت انشقت في القدر لم يؤكل ما فيها, وإن كانت لم تنشق أكل ما في القدر. قال: ولو سقط طائر في قدر, فمات فيها, طرح ما في القدر. حكي عن عكرمة أنه قال: ألقوا الطير, وأهريقوا المرق, وكلوا اللحم بعد أن يغسل بالماء ثلاثا ويغلى. قال أحمد رضي الله عنه: وتركه أعجب إلي؛ لأن اللحم قد يشرب النجاسة. والذباب إذا سقط في الشراب, أو الثريد, أو القدر فمات فيه, غمس فيه, ثم ألقي, وأكل الطعام, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فامقلوه, فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء". ولم يختلف قوله: إن الدم العبيط حرام. قال: والدم المسفوح: هو الذي لا يخالطه شيء. قال: ودم السمك ليس بعبيط. واختلف أصحابنا فيه على وجهين: منهم من قال: إنه حلال طاهر. ومنهم من قال: على أصل التحريم والتنجيس. ولم يختلف قوله: إن اللحم إذا غسل وطبخ, فخرج على المرق حمرة الدم أنه لا بأس به ويؤكل. قال: ولو ذبح بسكين, ثم مسحها بخرقة, ثم قطع بها جبنا رطبا أو غيره أُكل, ولم يكن به بأس, لأن ذلك مما عفي عنه. قال: ولا بأس بتقطيع اللحم بالسكين عند أكله. وحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقطعوا اللحم بالسكين, فإن ذلك من صنع الأعاجم". لا يعرف, وليس بصحيح. والعمل على حديث عمرو بن

أمية الضَّمري, كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة, فقام, إلى الصلاة, وجاء عن جامع بن شداد, عن المغيرة بن عبدالله, عن المغيرة بن شعبة: ضِفتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فأمر بجنب فشوي, ثم أخذ الشفرة فجعل يحز, فجاء بلال يؤذن بالصلاة. قال: فألقى الشفرة وخرج. ولبن الشاة الميتة حرام نجس. والبيضة المأخوذة من الدجاجة الميتة بعد استحكام قشرها حلال. وما عجن من الخبز بالماء النجس, أو طبخ به لم يؤكل, ولم يتصدق به. ويعلف للبهائم التي لا يؤكل لحمها. ومن أصاب في حال الاضطرار ميتة وتمرا في حائط محوط, أو غنما, أو إبلا, أكل من الثمار, أو شرب من اللبن, ولم يأكل الميتة؟ قال: لا, هذا مما قد اختلف فيه, فإن أصاب شاة ميتة وأخرى ذكية أكل من الميتة ولم يتعرض للذكية. وكذلك لو اضطر فوجد ثمرا قد أحرز في البيوت, أو إبلا قد أوت إلى المراح وميتة, أكل من الميتة, ولم يتعرض للثمر ولا لألبان الإبل. فإن وجد في حال الاضطرار طعاما لآدمي, وعدم الميتة سأله إياه بالثمن, فإن أبى عليه رفق به, فإن أبي أن يعطيه وخاف الموت أخذه منه قهرا بالثمن ما لم يكن لصاحبه ضرورة إليه كضرورته. فأما إن كانت به ضرورة إليه, فلا يتعرض له. وكذلك في الماء يجده مع غيره, وقد خاف الموت من العطش ولا ضرورة بصاحب الماء إليه يجوز له أخذه منه بالثمن لإحياء نفسه به. فإن لم يقدر على أخذه منه إلا بمقاتلته عليه لم يقاتله, فإن الله تعالى يرزقه, فإنه لا يأمن في قتاله أن يؤدي ذلك إلى قتله. وأكل الطين مكروه, لأنه يضر بالصحة, فإن أكل منه اليسير أرخص فيه.

وما تساقط من الثمار فله أكله, وما كان منها محوطا عليه لم يدخله إلا بإذن ربه, فإن استأذنه ثلاثا فلم يأذن انصرف, لأن الحائط صار حريما له. وما ليس بمحوط عليه منها, وهو في فضاء, فله أن يأكل منه لحاجة وغير حاجة. وكذلك يأكل من السبيل القائم غير المحوط عليه, ولا يفسد, ولا يتخذ خُبْنَة. وقال في موضع: إذا لم يجد تحت النخل شيئا من التمر وبه ضرورة, فله أن يصعد فيأكل قدر ما ينفي ضرورته. فلا يختلف قوله في إباحة أكل ما تناثر من الثمار غير المحوط عليها لضرورة وغير ضرورة. ولا يضمن قيمة ما يأكله من ذلك. وما كان محوطا عليه, فلا يقربه لغير ضرورة إلا بإذن ربه قولا واحدا. ويأكل من في حال الاضطرار ما يحيي به نفسه. وهل عليه ثمن ما يأكله من ذلك أم لا؟ على وجهين. فإن مر بإبل, أو بقر, أو غنم, وبه عطش, فهل له أن يشرب من ألبانها أم لا؟ على روايتين. وكره نثار العرس, والنثار على الصبيان, لأنه في معنى النهبة. وكان أحمد رضي الله عنه يفرق الجوز على الصبيان. قال: ولا بأس بإجابة الداعي في الولائم, كالعرس والختان, وهو في النكاح آكد, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على نسائه, وأمر بذلك. فإن كان صائما دعا وانصرف. فإن دعي إلى عرس فيه طبل, أو مزمار, أو تخنث, أو غناء لم يحضره. ولا يأكل من طعام يُشرب عليه الخمر. ولا يجيب دعوة من يُعرف بذلك. وقال بعض أصحابنا: لا يجيب الداعي إلا في وليمة العرس خاصة. ولا يجيب فيما سواها.

العقيقة

وإن دعي إلى طعام فرأى آنية ذهب أو فضة فلينصرف. كذلك روي عن أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي مسعود الأنصاري, وحذيفة, وعبدالله بن يزيد, وأبي أيوب الأنصاري. والضيافة حق على كل مسلم, فمن نزل به ضيف كان عليه أن يُضيفه ثلاثا, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الضيف حق واجب على كل مسلم". ويلزمه أن يقدر له ما يمونه في الثلاثة الأيام. ولا يلزمه بعد ذلك أن يضيفه, لما روى أبو سعيد الخدري وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الضيافة ثلاثة أيام, فما زاد فهو صدقة". العقيقة والعقيقة سنة مستحبة, تعق عن الولد يوم السابع, شاتان عن الغلام, وشاة عن الجارية. وهي كالأضحية, وصفتها. وتذبح ضحوة, وينوي أنها عقيقة. ولو ذبح عن الغلام شاة واحدة جاز إذا لم يقدر على شاتين. ويأكل منها ويتصدق. ولا تكسر عظامها, وتقطع من المفاصل جداول كبارا. ويحلق رأس الصبي ويتصدق بوزن شعره ورقا. وإن خلق رأسه بخلوق مكان الدم, فلا بأس. وقد روي عنه أنه قال: وإن لطخ رأسه بالدم, فهو السنة. والختان سنة مؤكدة في الذكور, والخفاض في النساء مكرمة. وكره أن يختن الغلام يوم السابع, لأن اليهود كانت تفعله, وأجازه في رواية أخرى. ولم يختلف قوله: أنه بعد اليوم السابع مستحب.

باب الأشربة

باب الأشربة قال الله عز وجل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]. وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر, وكل مسكر حرام". قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: تحريم المسكر من عشرين وجها عن النبي صلى الله عليه وسلم, في بعضها: "كل مسكر خمر" وبعضها: "كل مسكر حرام". فالخمرة حرام, قليلها وكثيرها, وكل ما خامر العقل فأسكره من كل شراب, فهوخمر. وقد روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخمر من هاتين الشجرتين: الكرم والنخلة". وقال أحمد رضي الله عنه: حرمت الخمرة يوم حرمت, وشرابهم الفضيخُ: التمر والبسر. وما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام. كذلك روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم, وعبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".

وروي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث الزبير بن عدي عن ابن بريدة عن أبيه في حديث طويل أنه قال: "واجتنبوا كل مسكر". فنهى صلى الله عليه وسلم عن جنس المسكر قليلا كان أو كثيرا. والخمرة نجسة العين, ولا يجوز الانتفاع بها, وثمنها حرام. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين من الأشربة. وذلك أن يخلط عند الانتباذ أو عند الشرب. قال أحمد: إذا شرب خليطين فسكر, فهو بمنزلة رجل اتخذ لحم خنزير ميت, فهو حرام من الوجهين جميعا. وذلك أن الخنزير حرام أكله, والميتة حرام أكلها, فلما اجتمع المعنيان في شيء واحد كان حراما أكله من وجهين. والخليطان شربهما حرام, وإن لم يسكر إلا أن المسكر عنده محرم قليله وكثيره. قال: ويشرب نبيذ السقاية إذا لم يكن مسكرا. وأما اليوم وقد وليه من وليه يعملون مسكرا فلا يشرب. وقد قال في موضع آخر: إن ما أسكر من الأشربة وإن كان حراما, فإنه ليس كالخمرة بعينها, قال: لأن الذي يشرب الخمر مستحلا لها أرى حينئذ أن يُستتاب, فإن تاب وإلا قتل. وأما إذا شربها غير مستحل لها وهو يرى أنها محرمة رأيت عليه الحد ويضعف عليه. وكان الانتباذ في الدباء, والحَنتَم, والنقير, والمزفت, منهيا عنه, ثم أرخص في سائر الأوعية, ونهي عن المسكر. وكره أحمد رضي الله عنه: أن ينبذ في الأوعية كلها إلا في السقاء إذا أوكي. وهذا الظاهر عنه. وقيل: إنه أرخص في انتباذ

غير المسكر في جميع الأوعية, وكره المزفت له, وكره أيضا أن يشرب نقيع الزبيب والعناب, ونقيع الزبيب والتمر هندي, ونحو هذا من الأدوية, وإن كان لا يسكر, لأجل النهي عن الخليطين. وسواء بقَّاه أياما أو نقعه غدوة وشربه عشاء, أو نقعه عشاء وشربه غدوة, لأن الاسم يتناوله. قال: ولكن إن طبخه وشربه لوقته لم يكن نبيذا, ولم ير به بأسا. وقيل عنه: إنه كره ذلك إذا نقع وغلى, ولم يكرهه قبل أن يغلي. وما كان من العصير لم يمض له ثلاثة أيام, ولم يغل, فحلال قولا واحدا. وما مضى له ثلاثة أيام, فهو محرم غلى أو لم يغل. وما نشر قبل الثلاث وغلا فقد اختلف عنه فيه. فقيل عنه: إنه حرام, وهو الظاهر من قوله. وقيل عنه: النبيذ عندنا على ثلاث: حلال, وحرام, وموقوف عنده, فأما الحلال: فنبيذ في سقاء يوكى وكاء شديدا, لأن لا يتنفس, وأما الحرام: فالذي يُسكر كثيره, وأما الموقوف عنده: فهو الذي ينشر. وقطع في موضع آخر: أنه إذا غلى فقد حرم, وهو الصحيح من قوله. وكره الخردل يطرح فيه الزبيب. فإن مضى عليه ثلاث لم يؤكل. قال: والسلجم إذا طرح عليه الدبس والزبيب ممن يأكله ويتخذ منه الناطف والعصائد والحلوى المباحات جائز, وممن يتخذه خمرا لا يجوز, كره سعد, وابن عمر بيع العصير ممن يتخذه خمرا, وحديث عمر: "لعن الله بائع الخمر وحاملها".

قال: وإذا علم القصاب أن من يشتري منه اللحم يدعو عليه, ويشربون عليه, فلا يبيعه. قال: ولا يعجبني أن يباع النرجس ممن يشرب المسكر. قال: وإذا خرط الرجل القناني والأقداح, فلا يبيعها ممن يشرب فيها مسكرا. وما قلب الله عينه من الخمر فصارت خلا, طهر وحل أكله. وما عولج من الخمر بفعل الآدمي حتى صار خلا لم يطهر ولم يحل, وكان باقيا على حالة التحريم والتنجيس. قال: ولا بأس بشراء الخل خمرا من الخلال, لأنه على أصل الإباحة. وما طبخ من العصير حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه كان مباحا. وما بقي منه بعد الطبخ أكثر من الثلث لم يحل. قال: والمُرِّي الذي يعمل أهل الشام المعروف بمري النِّينان وهو السمك والملح يطرحان في الخمر, ويعمل منه المري, فهو على أصل التحريم والتنجيس, لا يحل بذلك الفعل, ولا يطهر, لأنها خمر أُفسدت بفعل الآدمي.

باب الجهاد

باب الجهاد قال الله عز وجل: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} الآية [التوبة: 73] و [التحريم: 9] , وقال: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} الآية [التوبة: 123]. فالجهاد من فروض الكفايات, يحمله من قام به عن غيره. وغزو البحر أفضل من غزو البر. ولا يقاتل من لم تبلغه الدعوة من العدو حتى يُدعى إلى الإسلام, إلا أن يعجلوا عن ذلك, بأن يغشوا المسلمين فيقاتلوا حينئذ. ومن بلغته الدعوة لم يجب أن يدعى ثانية, وقوتلوا حتى يسلموا, أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. ولا تقبل الجزية إلا من اليهود والنصارى والمجوس, ولا يقبل من سواهم إلا الإسلام, أو السيف. والفرار من العدو من الكبائر إن كان مثلي عدد المسلمين أو أقل, إلا أن يتحرف المسلمون للقتال أو يتحيزوا إلى فئة, فلا يحرجوا. فإن كان من مثلي المسلمين ولم يطيقوا قتالهم لم يحرج من انهزم منهم. ويقاتل العدو مع كل بر وغير بر من الولاة. ولا يخرج أحد للقتال, ولا يبارز إلا بأمر الإمام أو الأمير, وإن فعل كان عاصيا, ولم يكن له في الغنيمة حق. إلا أن يفجأهم من العدو ما إن تأخروا عن الخروج إليه هلكوا, فيجب ههنا أن يقاتلوه, ولا إذن في هذا المقام لأمير ولا لغيره. ويقتل الرجل أباه وابنه, وأخاه وذا قرابته في المعترك, ولا يحرج, لقوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم} الآية [المجادلة: 22].

ومن أسر من الأعلاج فالأمير فيه مخير, إن شاء قتلهم, وإن شاء من عليهم فأطلقهم بعوض وبغير عوض, وإن شاء فادى بهم, وإن شاء قتلهم. أي ذلك فعل رأى أنه أحظ للمسلمين وأنكى للعدو, فله فعله. ولا يُقتل أحد بعد أمان, ولا يُخفر لهم عهد. ولا تقتل النساء والرهبان والصبيان, والأحبار, إلا أن يقاتلوا فيقتلوا في المعترك. وكذلك لو علم من الراهب أنه يدل على عورات المسلمين قتل. فإن لم يعلموا ذلك منه, ووقع في أنفسهم أنه يدل عليهم لم يقتل, وحملوه معهم, لأنه قد روي في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة. ولا يقتل الشيخ الكبير الفاني الذي لا قدرة له على القتال, ولا الزمن, ولا المقعد. ويجوز أمان أدنى المسلمين على أنفسهم. وأمان المرأة والمملوك جائزان, ولا يجوز أمان الصبي إلا أن يكون مراهقا. ولو أن علجا أدل المسلمين على قلعة على أن له جارية سماها, فلما انتهوا إليها صالحهم صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعلوا, فإذا أهله تلك الجارية, كان المستحق للجارية الأول, وللثاني قيمتها. ويتوجه أن تكون الجارية لزوجها, ولا يفرق بينهما, ويكون للأول القيمة. ومن منعه السلطان من الغزو معه فغزا, لم يسهم له. وما غنم المسلمون من العدو بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه, فيقسمه على خمسة أسهم: سهم له يصرفه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين, وسهم

لبني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف أين كانوا, للذكر ضعف ما للأنثى, الغني منهم والفقير سواء, وسهم لليتامى, وسهم للمساكين, وسهم لأبناء السبيل. وأربعة أخماس الغنيمة يقسمها الأمير بين الجيش الذين شهدوا الوقعة؛ للفارس ثلاثة أسهم, سهم له وسهمان لفرسه. وللراجل سهم. ويسهم لفارس الهجين سهمان, سهم له, وسهم لهجينه في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى أنه يسهم لفارس الهجين ثلاثة أسهم, كما يسهم لفارس الجواد العتيق. والأول أظهر. ويسهم لفارس البعير سهمان, سهم له وسهم لبعيره, ولا يسهم لبغل ولا حمار. ويسهم لفرسين, ولا يسهم لأكثر منهما, ثبتت الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للزبير خمسة أسهم, أربعة أسهم لفرسيه, وله سهم. ويسهم للأجير إذا قاتل. وقيل عنه: لا يسهم له. ويسهم لمن شهد القتال, ولمن تخلف عنه في شغل المسلمين من أمر جهادهم. وكذلك يسهم للطليعة وللرسول وإن لم يشهدوا القتال. أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان رضي الله عنه, ولم يشهد بدرا, وكان استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في المقام على زوجته ابنة النبي صلى الله عليه وسلم, وكانت عليلة. ولا يسهم لعبد, ولا امرأة ولا لصبي, ويرضخ لهم. وإن قاتل العبد على فرس أسهم للفرس, وكان ذلك للسيد, ورضخ للعبد. والذمي إذا قاتل مع المسلمين أسهم له في إحدى الروايتين, وفي الأخرى يرضخ له. واختلف أصحابنا في قسمة الغنائم في دار الحرب؛ فمنهم من منع من ذلك, وقال: لا يقسم إلا في المأمن. ومنهم من أجاز ذلك. قال: وفي الأمن أحب إلي.

ولم يختلف قوله في جواز أكل الطعام والعلف من الغنيمة قبل أن تُقسم إذا احتيج إليه. ومن تعلف من بلاد العدو أخذ منه قدر الحاجة, ورد الباقي على الجيش, وكذلك الطعام. وإن خرجوا إلى العسكر ومعهم العليق والعليقان, والطبخة والطبختان من اللحم ومن الدارصيني, فهل يلزمه أن يرده في المغانم أم لا؟ على روايتين: إحداهما: يرده استحبابا. وإن أخذه فقد رخصوا فيه. والرواية الأخرى: إذا خرجوا إلى المعسكر طرحوا كل ما معهم حتى الوتد فما فوقه. وقد قيل عنه: إذا أخذ الطعام من بلد العدو رد قيمته من الغنائم. والأظهر عنه أنه لا يلزمه قيمة ما أكل عند الحاجة إليه, وهو الصحيح من قوله. ومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فقد ملكه, ولا ينتزع من يده, قضى بذلك عمر بن الخطاب, ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما. وما أحرزه العدو من أموال المسلمين ثم أخذه المسلمون في المغانم, فأدركه ربه قبل أن يقسم, فهو أحق به بغير ثمن. وهو أحق به بعد القسم بالثمن. وقد روي عنه رواية أخرى: أنه إذا قسم فقد ملكه من حصل له, ولا شيء لربه فيه. وبذلك قال أبو عبيدة بن الجراح. ومن اشترى من أموال المسلمين شيئا من المغانم لم يأخذه ربه إلا بالثمن. ويتوجه أن لا يكون له فيه حق على الرواية التي تقول: إنه لا حق له فيه بعد القسم. ومن ابتاع من المغانم في بلاد العدو شيئا ثم غلب العدو عليه, فلا ثمن على من ابتاعه. وإن كان قد قبض من الثمن رد عليه. وما أخذه مسلم من صيد أو حجارة في دار الحرب, فإنما أخذه بقوة من معه من المسلمين, فليرده في المقسم. ولو أخذ المشركون أم ولد مسلم, ثم سباها المسلمون فقسمت, ثم عرفها

سيدها أخذها بالثمن. ومن قال لجارية من السبي قبل القسم: أنت حرة, لم تعتق, فإن حصلت له بعد ذلك بالقسمة عتقت عليه, لأنه قال فيمن أعتق حصته من السبي وقيمة ماله ديناران أقل أو أكثر: إنه يعتق عليه قدر حقهمن ذلك. فعلى هذا إذا أعتق حصته من السبي, فتعينت في عبد أو عبيد عتق جميعهم. فإن تعينت في بعض عبد عتق عليه منه ما ملك, وقوم عليه ما بقي إن كان موسرا. وإن كان معسرا لم يعتق منه إلا قدرحقه. وإن كان في السبي أبواه أو ذو رحم محرم مسلما كان أو كافرا, عتق عليه إن كان بقدر حصته, وإلا عتق منه بقدر حصته منه. ولا يفرق في السبايا بين الولد ووالديه, صغيرا كان أو كبيرا, ولا بين كل ذي رحم محرم. وسواء كانوا رجالا كلهم أو نساء, أو رجالا ونساء. قد اشترى عثمان ابن عفان رضي الله عنه أبياتا وأمر ألا يفرق بينهم. وما قدر عليه الأسير من أموال العدو فله أخذه, ولا ربا بينه وبينهم في دار الحرب, فإن ائتمنوه على شيء من أموالهم لم يجز له أن يخونهم فيه, وإن استخدموه بغير ائتمان لم يحرج فيما خانهم فيه, أو أخذه من أموالهم. وإن أكرهوه على ترك العبادات بذل دمه ولم يتركها. فإن أكره على شرب الخمر ولم يمتنع من العبادات لم يحرج بشربها. وإن أكره على شربها, ومنع من العبادات بذل نفسه, ولم يشربها, ولم يدع العبادات. فإن أكره على الزنى لم يأته. وإن فعله لم يسقط الحد عنه. قال أحمد رضي الله عنه: الزنى لا يكون فيه إكراه, لأنه لا يتأتى إلا بالشهوة والاختيار. وإن أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان, لم يحرج وكان مؤمنا. ومن أتى من المسلمين حدا في دار الحرب أقيم عليه إذا خرج إلى دار

الإسلام. ولا تقام الحدودفي الجيش ببلاد العدو. ولا تحرق بلادهم, ولا منازلهم, ولا أموالهم, ولا تقطع أشجارهم إلا أن لا يجد بدا من ذلك فيكون له فعله, أو يكونوا قد فعلوا ذلك بالمسلمين عند ظفرهم بهم, قال: ولم يثبت الحديث المروي أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير. ومن أصاب مسلما في دار الحرب لايعلم إسلامه, كان عليه عتق رقبة مؤمنة في ماله, ولا دية عليه. ومن قتل مستأمنا فعليه ديته. ومن دخل من المسلمين أرض العدو بأمان لم يخنهم, ولم يبتع منهم درهما بدرهمين. قال: ومن غزا على فرس فغنم عليه, ثم باعه, فغزا المشتري عليه, وغنم, فالغنيمتان بينهما, إلا أن يعرف كل واحد منهما غنيمته فتكون له دون صاحبه, ومن أمنه الإمام فهو على أمانه حتى يرده إلى مأمنه. ولو دخل التاجر الحربي إلينا بأمان فقتل, فعلى قاتله الدية, يوجه بها إلى ورثته. وإن كان له مال أو عروض من تجارته في بلادنا أنفذ ذلك إلى ورثته. كذلك فعل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه. ومن وقع على جارية من المغنم لم يحد, وكان عليه مهر مثلها, ويرفع عنه منه بقدر حصته منها. فإن حملت منه كانت أم ولد له, وعليه قيمتها. ويحط عنه من القيمة بقدر نصيبه منها. ومن غزا ومعه مدبر, فقتل السيد, فقاتل الدبر مع المسلمين نظر, فإن كان

يخرج من الثلث, فهو حر بموت سيده ويقسم له. وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث. واختلف قوله فيما له من الغنائم, فقيل عنه: يرضخ له. وقيل: يعطى من سهم الحر بقدر ما فيه من الحرية, ويرضخ له بقدر ما فيه من الرق حسب اجتهاد الإمام. وهذا هو الصحيح, وهو أقيس على مذهبه, وأطرد على أصوله. فما كان سهم الحرية فللعبد, وما رضخ له بحق العبودية فلورثة مولاه. وإن كان غزا على فرس لسيده فسهم الفرس لورثة السيد. ولو خرجت سرية فأخطأ منها رجل الطريق, أو قصرت به دابته فرجع إلى الجيش وغنمت السرية, لم يشاركها فيما لم يشهده معها, ويتوجه أن يشاركها, لأن أحمد قد قال: ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت, وتشركه فيما غنم. والأول هو المنصوص عنه. ولو لقي مسلم علجا يَجنُبُ فرسا فقتله, كان سلبه له غير مخموس, فأما الفرس, فإنه غنيمة لا يختص القاتل به دون الجيش. فإن كان العلج على الفرس فاقتتلا وقتله المسلم, كان سلبه وفرسه له غير مخموس. ومن قال لعلج: قف, أو ألق سلاحك. فقد أمنه. ولا بأس أن يفادى الجماعة بالواحد, ولا يفادى بالعين والورق. ومن اشترى أسيرا من العدو, وأخرجه إلى دار الإسلام, لزم الأسير أن يرد عليه بمثل ما اشتراه به. وأنفقه عليه إلى أن أوصله إلى مأمنه, وسواء اشتراه بأمره أو بغير أمره. ولا يشتري المشركون من سبايا المسلمين شيئا, ولايباع نصراني من نصراني, ولا يهودي من يهودي. ومن فعل ذلك رد البيع. كذلك أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على نصارى الحيرة حين كتب لهم الأمان.

وإذا بارز مسلم مشركا بإذن الإمام, فاستظهر المشرك عليه, لزم المسلمين معونته على المشرك, قد أعان المسلمون بعضهم بعضا يوم بدر. ولو أطلق المشركون أسيرا من المسلمين واستحلفوه أن لا يهرب منهم وفى لهم, ولم يهرب منهم. وقال بعض أصحابنا: له الهرب منهم, إذا قدر. والأول هو المنصوص عنه. وكذلك لو أطلقوه ليمضي إلى بلده على مال ينفذه إليهم, وأحلفوه على ذلك وفى لهم, وبعث إليهم ما وافقهم عليه. ولو حلف لهم أنه يخرج إلى بلاد الإسلام ثم يعود إليهم أحببت أن يفي لهم, لحديث حذيفة حين أحلفوه أن لا يقاتلهم, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء. فإن خرج علج بمسلم يطلب به الفداء فداه الإمام من بيت المال. فإن لم يفعل, اشتراه المسلمون, ولم يرد إلى بلاد العدو بحال, ومن لم يؤخذ عليه العهد ألا يهرب, فليهرب متى قدر. لايقيم ذمي بالحجاز, ولا بأس أن يدخله مجتازا. ولو لقي المسلمون تجارا مشركين ليس معهم سلاح, ولا آلة قتال, لم يبدؤوهم بالقتال, ولم يعرضوا لهم إلا أن يبدأهم المشركون بالقتال. قال بعض أصحابنا: فإن كان معهم السلاح دل على أنم ليسوا تجارا, وغنموا. ومن دخل من أهل الحرب بتجارة إلى بلاد المسلمين بويع, ولم يسأل عن شيء. ولو ركب قوم من العدو البحر, فحملتهم الريح فألقتهم في بعض سواحل المسلمين, فقالوا: نحن تجار, فإن عرفوا بالتجارة ولا سلاح معهم قبل قولهم. وإن يعرفوا بالتجارة وكان معهم آلة الحرب لم يقبل قولهم, ولم يغنموا, ولم يقتلوا, وحبسوا. وإنما منع أحمد رضي الله عنه من قتلهم للشبهة. والحدود تدرأ

بالشبهات. وأجاز حبسهم بالتهمة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة. والنفل بعد الخمس, كما جاء في الحديث: "في البداءة الربع بعد الخمس, وفي الرجعة الثلث بعد الخمس". ومن نفل فليرد ذلك على أهل السرية, إذ بقوتهم صار إليه. ومن قتل قتيلا من العدو مقبلا على قتاله, فله سلبه غير مخموس, والدابة وما عليها من آلتها, والسلاح, وثياب بدنه من السلب. فإن كان مع السلاح عين أو ورق, فهل هو من السلب أو لا؟ على روايتين. ونقل بعض أصحابنا في الدابة رواية أخرى: أنها ليست من السلب. وفي الرباط فضل كبير, وذلك بقدر خوف أهل ذلك البلد, وكثرة تحرزهم من عدوهم. ولا يغزون أحد بغير إذن أبويه المسلمين إلا أن يفاجئ العدو مدينة قوم, أو يغير عليهم, ففرض على كل من فيه فضل للقتال أن يقاتله ويدفعه, ولا إذن للأبوين في مثل هذا. ومن سُبي من أطفال العدو مع أبويه كان على دينهما. ومن سبي منهم وحده كان مسلما قولا واحدا. ومن سبي مع أحد أبويه كان أيضا مسلما في الصحيح من قوله. ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت, وتشاركه فيما غنم. ومن قاتل من أهل الذمة مع المسلمين فسبي حتى قدر المسلمون عليه رد

إلى ما كان عليه من الذمة, ولم يسترق. وما أخذه العدو من أموالهم وعبيدهم رد عليهم قبل القسم إذا أخذه المسلمون, ولم يرد عليهم بعده. وإذا فودي بالمسلمين, فودي بعدهم بمن أسر من أهل الذمة. ومن نقض العهد من أهل الذمة حورب, ولم تسب ذراريه, ولم يسترقوا. ومن ولد له منهم بعد نقض العهد استرق ولده. ومن غل من المغانم حرق رحله إلا المصاحف وذوات الأرواح. ومن جاء من المدد لمعونة المسلمين قبل إحراز الغنائم أسهم له. ولا يسهم له بعد إحرازها. وما أخذ من أموال العدو بغير إيجاف, فهو فيء يأخذ الإمام خمسه, فيفرقه فيمن فرق فيه خمس مال الغنيمة, وأربعة أخماس الفيء لجميع المسلمين الأحرار بالسوية بينهم, غنيهم وفقيرهم سواء. وللإمام أن يهادن أهل الشرك إذا ضعف المسلمون عن قتالهم نظرا للمسلمين. ولا يجاوز بالهدنة مدة الحديبية التي هادنهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي عشر سنين. فأما إذا كان في المسلمين فضل وقوة على قتالهم ولم يضعفوا عنهم, فلهم أن يهادنوهم, ولا يجاوزوا بالهدنة أربعة أشهر, لقوله تعالى: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} الآية [التوبة: 1 - 2]. ولما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لصفوان بعد فتح مكة أربعة أشهر. ومن جاءتنا من نساء أهل الحرب مؤمنة لم ترد إليهم على حال, فإذا انقضت عدتها جاز للمسلم أن يتزوجها, لقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا

ترجعوهن إلى الكفار} الآية: [الممتحنة: 10]. وهل على المسلم الذي يتزوجها أن يرد على من كان زوجها من الكفار المهر الذي كان ساقه إليها أم لا؟ على روايتين. فأما الزكاة فلا يجاوز بها الأصناف الثمانية التي سماها الله تعالى في كتابه وهم: الفقراء, والمساكين, والعاملون عليها, والمؤلفة قلوبهم, وفي الرقاب, وهم المكاتبون, والغارمون, وهم المدينون, وفي سبيل الله, وهو في الغزو, وابن السبيل, وهو المنقطع به الذي له اليسار في بلده. وقد عدم في هذا الوقت المؤلفة والعاملون عليها. ومن ملك من هؤلاء خمسين درهما أو قيمتها عينا, فهو غني لا تحل له الزكاة. وليس بواجب صرف الزكاة إلى جميع الأصناف حتى لا يجوز أن يقتصر بها على فريق منهم, بل لو دفعها جميعها إلى صنف واحد منهم أو صنفين أو أقل أو أكثر أجزأته, كان من بقي منهم موجودا أو معدوما. ولا يجوز أن يخرجها عن هذه الأصناف, وإن فعل لم تجزه. ولم يعط من الزكاة لواحد أكثر من خمسين درهما إلا أن يكون غارما, فيقضي منها دينه, ثم يعطى منها بعد ذلك خمسون درهما. ولا يبنى منها مسجد, ولا يكفن منها ميت, والأفضل أن تدفع إلى الإمام ليتولى إخراجها في أهلها, فإن تولى ربها إخراجها بنفسه أجزأته. ومن كان له دين على فقير لم يجز أن يحاسبه به من زكاته, ويحلله منه. ثم إن اختار بعد قبضه أن يتصدق به عليه ويجعله من زكاته جاز.

ولا يجوز صرف الزكاة في الحج عن بعض أصحابنا. وقال بعضهم: الحج من السبيل, ويجوز صرف الزكاة فيه.

باب الأيمان والنذور والكفارات

باب الأيمان والنذور والكفارات قال الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية [البقرة: 224] وقال: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم:2]. فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. ويكره أن يحلف بطلاق أو عتاق, فإن فعل وحنث لزمه ما حلف به. ولا كفارة إلا في يمين بالله, أو باسم من أسمائه, أو بصفة من صفاته. ومن استثنى في يمين تدخلها كفارة, وقال: إن شاء الله. موصولا باليمين, وأراد به الاستثناء, فله ثُنْياه, ولا كفارة عليه إن حنث, ولا إثم. وإن لم يصل ذلك باليمين لم ينفعه الاستثناء. وقد قال بعض أصحابنا: إن له الاستثناء في اليمين بالله تعالى ما لم يقم من المجلس الذي عقد يمينه فيه, وكان ذلك بالقرب, ولم يفصل بين الاستثناء واليمين بكلام, واحتج بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لأغزون قريشا, والله لأغزون قريشا" ثم سكت, ثم قال: "إن شاء الله". قال: ولا يجوز الاستثناء في نفسه حتى يتكلم به, فإن كان الحالف مظلوما, فاستثنى في نفسه أو ورَّى في قلبه غير ما حلف عليه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه. قال: ولو أراد أن يحلف بالله تعالى, أو أن يتكلم بشيء غير يمين, فجرى الطلاق على لسانه عن غير قصد رجوت له.

والأيمان أربعة: يمينان تكفران: وهو أن يحلف بالله إن فعلت كذا, أو يحلف بالله تعالى ليفعلن كذا, ثم خالف ما يحلف عليه. ويمينان لا تكفران: إحداهما: لغو اليمين, وهو أن يحلف بالله على شيء يظنه كما حلف, ثم تحقق أنه بخلاف ذلك. أو يقول في حديثه وكلامه: لا والله, بلى والله, غير قاصد لليمين, ولا معتقد لها, فلا كفارة في هذا ولا إثم. والأخرى: أن يحلف بالله متعمدا للكذب أنه فعل أو لم يفعل, وقد فعل, فهذا آثم ولا كفارة له لعظم إثمه, وليَتبْ إلى الله عز وجل من ذلك. والكفارة: إطعام عشرة مساكين من المسلمين الأحرار, لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم إن كان برا, أو نصف صاع تمر أو شعير, أو كسوتهم, لكل واحد قميص صفيق, يجوز له الصلاة فيه. وللمرأة قميص وخمار, أو عتق رقبة, فإن كانت مؤمنة أجزأته قولا واحدا, وإن كانت كتابية أجزأته في إحدى الروايتين, فإن لم يقدر على شيء من ذلك, فليصم ثلاثة أيام متتابعة. وقيل عنه: إن فرقها أجزأته, والأول عنه أظهر. وله أن يكفر قبل الحنث, وبعده أولى, ليخرج من الخلاف. ولا يخرج قيمة الكفارة, فإن فعل لم يجزه. فإن أطعم في كفارة اليمين خمسة مساكين, وكسا خمسة أجزأه, لأنه مخير بين الإطعام والكسوة. قال: فإن حنث وهو معسر فلم يكفر حتى أيسر, لم تجزه الكفارة بالصوم وأطعم. فإن كان وقت الحنث موسرا, ففرط في الكفارة حتى أعسر, لم يجزه الصوم. ولا يعطي من الكفارة غير مسلم. فإن فعل لم يجزه. ويعطي منها الصغير إذا كان يأكل الطعام. فإن كفر بالعتق فليعتق رقبة سليمة من العيوب. فإن أعتق زمنا, أو مقعدا في كفارة اليمين أو الظهار, أجزأه في إحدى الروايتين. فإن أعتق أعمى لم يجزه. وإن أعتق ولد الزنى, أو مدبرا أجزأه قولا واحدا, فإن أعتق مكاتبا لم يعجز أجزأه في إحدى الروايتين, ولم يجزه في الأخرى. وإن كان قد أدى نصف مال الكتابة

فأكثر ولم يعجز بما بقي, فالأظهر عنه أنه لا يجزئه عتقه عن كفارته, فإن أعتق أم ولده لم تجزه عن كفارته قولا واحدا. فإن ابتاع عبدا فعتقه في كفارته, ثم ظهر على عيب به, فأخذ أرشه من البائع, فهل يلزمه صرف الأرش في الرقاب أم لا؟ على روايتين. واختلف قوله فيمن تصدق عليه بالكفارة وبه فاقة إليها, فهل له أن يأكلها أم لا؟ على روايتين. ولو قال له رجل: أنا أعتق عنك جاريتي هذه. لم تجزه حتى يملكه إياها فيعتقها, فإن لم يفعل وعتقها المولى, فولاؤها له, ولا يجزئ المعتق عن كفارته, فإن أطعم عنه بأمره جاز. ومن نذر أن يطيع الله فليطعه. ومن نذر صدقة مال غيره, أو عتق عبد غيره لم يلزمه. وهل عليه كفارة يمين أم لا؟ على روايتين. فإن قال: إن ملكت عبد فلان فعلي عتقه. لزمه الوفاء بنذره متى ملكه. ولم يختلف قوله في الرجل يقول: عبد فلان حر. في يمين حلف بها, أن عتقه غير جائز, واختلف قوله: هل عليه كفارة يمين أم لا؟ على روايتين. فإن قال: كل مملوك لي حر. وله عبيد, وأشقاص عبيد بينه وبين غيره, ثم حنث, عتق عليه كل مملوك خاص له, وما كان مملوكا مشتركا بينه وبين غيره, فإن كان أراده بالعتق عتق, وإن لم يرده لم يعتق. وقيل عنه: يعتق عليه الأشقاص كما يعتق عليه الخواص. فإن قال: إن ملكت مال فلان فعلي أن أتصدق به. فملكه أجزأه أن يتصدق بثلثه. ومن قال: إن فعلت كذا وكذا فعلي كذا من أبواب البر, كالحج والعمرة

والصلاة, والصوم, والصدقة, وما في معنى ذلك من القُرب, أو المباح, فكذلك يلزمه إن حنث, كما يلزمه لو نذره مجردا. ومن نذر معصية من قتل أو شرب خمر, أو ما ليس بطاعة, فليتق الله عز وجل, ولا يفعل شيئا من ذلك, وليكفر كفارة اليمين. ومن نذر أن يتصدق بجميع ماله أجزأه منه الثلث. وقيل عنه: يلزمه أن يتصدق بجميع ماله, وإن كان له أرَضون ومواش وصامت, فإن نوى أن يتصدق بجميع ما يملكه من عقار ومواش وغير ذلك أخرج الثلث من جميعه. وإن لم يكن له نية, فهل يتناول النذر جميع ما يمكله, أو الصامت خاصة؟ على روايتين. ولو حلف بالله, أو بطلاق, أو عتاق ليفعلن محظورا, لم يفعله, فإن الله سبحانه أباح الطلاق وحرم الفواحش. فإن أقدم على فعل ذلك عصى الله وأثم, ولم يحنث في يمينه. قال أحمد رضي الله عنه فيمن حلف بالطلاق ليجامعن زوجته في وقت عينه فوجدها حائضا: فيطلقها, ولا يطؤها, فإن الله تعالى أباح الطلاق, وحرم وطء الحائض. ومن قال: علي عهد الله أو ميثاق الله في يمين حلف بها, ثم حنث, فكفارة يمين. وقد غلظ أحمد رضي الله عنه أمر العهد فقال: العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله عز وجل: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا} [الإسراء: 34]. وقال: وليتقرب إلى الله عز وجل بكل ما استطاع إذا حلف بالعهد فحنث. قال: وعائشة رضي الله عنها أعتقت أربعين رقبة ثم تبكي حتى يبتل خمارها, وتقول:

واعهداه. قال: ويكفر إذا حنث بأكثر من كفارة يمين. وليس على من وكَّد اليمين بالله تعالى يكررها في شيء واحد سوى كفارة واحدة, ومن حلف على أفعال, أو أشياء مختلفة إذا حنث في بعضها فكفر, ثم حنث في باقيها فعليه كفارة أخرى. فإن حلف بأيمان تختلف موجباتها في الكفارات, ثم حنث فيها لزمه في كل يمين يحنث فيها كفارتها. ومن قال: هو يهودي, أو نصراني, أو مجوسي, أو مشرك إن فعل كذا, ثم حنث, كفر كفارة يمين. فإن حلف بذلك كله في يمين واحدة, فكفارة واحدة. وإن حلف بواحد منها ثم حنث, فكفارة يمين. ولو قال لعبده: إن بعتك من فلان فأنت حر, وقال الآخر: إن اشتريته فهو حر. فاشتراه عتق من مال البائع. فإن كان ثوبا بين رجلين, فقال أحدهما: إن بعتك فهو صدقة, وقال الآخر: إن ابتعته فهو صدقة, فابتاعه منه لزم كل واحد منهما كفارة يمين. ومن قال: إن اشتريت هذا الغلام فهو حر. فاشتراه, عتق عليه, وقيل عنه: لا يعتق, كما قال في الطلاق قبل النكاح, والعتق قبل الملك, فقال: العتق حق لله عز وجل, فيجب أن يقع, والطلاق ليس هو لله. ومن حرم على نفسه شيئا من المباحات من طعام أو شراب أو لباس, ثم خالف ما عقد يمينه عليه, لزمه كفارة يمين. وإن حرم زوجته, فعليه كفارة الظهار. ومن جعل ماله في المساكين, أجزأه أن

يتصدق منه بالثلث. ومن حلف بنحر نفسه أو ولده ذبح كبشا في موضعه. وإن قال: أنا أهدي نفسي, أو ولدي. لم يجزه أن يهدي الكبش إلا بالحرم. وقد قيل عنه: يلزمه كفارة يمين. ومن نذر أن يحج ماشيا فعجز, أو لحقته مشقة في المشي ركب وكفر كفارة يمين, لحديث أخت عقبة بن عامر حين نذرت إذا رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا أن تحج ماشية, فقال صلى الله عليه وسلم لأخيها عقبة: "إن الله ورسوله غنيان عن تعذيب أختك هذه نفسها, مرها فلتركب, ولتكفر كفارة يمين" أو كما قال. فإن قال: علي المشي إلى المقام, أو إلى الحرم. فهو يمين. وكذلك لو قال: علي المشي إلى بيت المقدس. وكذلك لو نذر أن يصلي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, أو أن يصلي في بيت المقدس, وأن يأتيهما ماشيا أتاهما إن قدر كما نذر, ليوفي بنذره. فإن عجز أو كان معدما ركب وكفر يمينه. ومن حلف بالقرآن, أو أخذ المصحف وحلف بما فيه, ثم حنث, فعليه بكل آية كفارة يمين, إلا أن لا يجد, فتجزئه كفارة يمين واحد. ومن قال: أحلف بالله, أو أقسم بالله, أو أشهد بالله, أو أعزم بالله, أو أمانة الله, أو قال: أقسم, أو أحلف, أو أشهد, ولم يقل: بالله, وقصد بذلك اليمين, أو قال: والأمانة, أو قال: والله, أو: تالله, أو: بالله أو: وحق الله, أو: وحق القرآن, في يمين عقدها ثم حنث, لزمه بكل واحدة منها كفارة يمين. واختلف قوله فيمن قال: حلفتُ. ولم يكن حلف, هل عليه كفارة يمين أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: عليه كفارة يمين. وقال في الآخرى: هي كذبة,

وليس عليه يمين. فإن قال: حلفت بالطلاق. ولم يكن حلف ولا طلق, لزمه الطلاق في الحكم. فإن قال: واحدة أو اثنتين كان القول قوله. وكذلك لو قال: ثلاثا. واختلف أصحابنا: هل يلزمه الطلاق فيما بينه وبين الله تعالى أم لا؟ على وجهين: أحدهما: يلزمه, والآخر: لا يلزمه, وهي كذبة. فأما إن قال: طلقت, ولم يكن طلق, فإنه يلزمه, لأنه قوله: طلقت, كقوله لزوجته: قد طلقتك. ولا يختلف المذهب أنه يلزمه ههنا طلقة, إلا أن يقول: ثلاثا, لأن قوله: طلقتك, من ألفاظ الصريح, فيلزمه. ومن حلف بعتق, أو طلاق, ثم حنث, لزمه ما حلف به. فإن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق. أو قال: كل امرأة أتزوجها طالق. فتزوج من عينها أو لم يعينها لم تطلق باليمين المتقدمة قولا واحدا. وإن قال لزوجته: إن تزوجت فلانة عليك فهي طالق. أو قال لها: كل امرأة أتزوجها عليك طالق, فتزوج عليها, فقد اختلف قوله ههنا على روايتين: إحداهما: لا تطلق باليمين المتقدمة, ولا طلاق إلا بعد نكاح, وقال في الرواية الأخرى: تطلق منه باليمين المتقدمة؛ لأن هذه اليمين لزوجته. فإن قال: إن ملكت فلانا فهو حر, أو قال: كل عبد أملكه فهو حر, فملك, فهل يعتق عليه أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لا يلزمه العتق إلا بعتق مجرد بعد الملك, وقال في الرواية الأخرى: يعتق عليه بالعتق المتقدم. ولو حلف لا يتزوج فلانة, أو لا يملك فلانا, فتزوج نكاحا فاسدا, أو اشترى شراء فاسدا لم يحنث. فإن حلف: لا اشتريت فلانا. فاشتراه شراء فاسدا, فهل يحنث أم لا؟ على وجهين. ويحتمل أيضا في قوله: لا تزوجت فلانة؛ أنه إذا تزوجها فاسدا, فإنه يحنث إذا كان النكاح مختلفا فيه. ولو حلف لا يفعل شيئا ما, فأمر عبده بفعله حنث, إلا أن تكون عادته جارية

بمباشرة ذلك الفعل بنفسه, ويقصد بيمينه أن لا يتولى هو فعله, فأمر غيره بفعله, لم يحنث. قال: ولو حلف أن لا يبيع رجلا شيئا فباعه من آخر, وهو يعلم أنه يبتاعه للمحلوف عليه, فإنه يحنث. فإن حلف ألا يلبس من غزل امرأته فلبس ثوبا فيه من غزلها وغزل غيرها, لم يحنث في إحدى الروايتين, وحنث في الأخرى. فإن حلف أن لا يسكن دارا هو ساكنها, فإنه يخرج منها في الحال, فإن أقام فيها ساعة حنث. وكذلك لو حلف لا يلبس قميصا هو لابسه خلعه في الحال. فإن مشى خطوات قبل خلعه وهو ذاكر لليمين حنث. ولو حلف لا يلبس من غزل زوجته لأجل امتنانها عليه به, فإن أراد باليمين رفع المنة, لم يجز له أن يلبسه, ولا أن يبيعه, ويبتاع بقيمته ما يلبسه, ولا ينتفع به, فإن فعل حنث, وإن لم تكن اليمين لرفع المنة جاز له الانتفاع بثمنه في الكسوة وغيرها. ولو حلف لا يدخل على زوجته دارا عينها مدة معلومة, فإن قصد باليمين البعد عنها وعقوبتها بإبعادها عنه, لم يدخل عليها فيها ولا في غيرها المدة التي ضربها, فإن فعل حنث, وإن كان قصده باليمين الكراهية للدار أو للمجاورين دخل عليها في غيرها ولم يحنث. ولو حلف لا يكلم زيدا حينا, لم يكلمه ستة أشهر. فإن حلف لا يكلمه فكتب إليه حنث, فإن حلف لا يكلمه فناداه: يا فلان, قاصدا لكلامه, حنث, وسواء سمع المحلوف عليه النداء أو لم يسمعه. فإن راسله, فهل يحنث أم لا؟ على وجهين. ولو حلف بالله تعالى لا يفعل شيئا, ففعله ناسيا, لم يحنث قولا واحدا. فإن كانت اليمين بالطلاق أو العتاق, فإنه يحنث بفعله ناسيا كان أو عامدا. وقال بعض أصحابنا: إن فعل ذلك ناسيا لم يحنث, كما لا يحنث إذا كانت اليمين بالله تعالى.

ولو حلف لا يأكل لحما, ولم يقصد اجتناب الدسم, فأكل الدماغ والمخ والشحم, والألية لم يحنث. فإن أكل المرق حنث, لأن فيه طعم اللحم. ولو حلف لا يأكل فاكهة حنث بما أكل منها, ويحنث بأكل الرمان والعنب أيضا, لأنه من الفاكهة. ولو حلف لا يأكل أدما فأكل الخل أو الزبيب أو المرق حنث. والتمر من الأدم. واللحم سيد الإدام. ولو حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا, أو جبنا لم يحنث, وقيل: يحنث, والأول عنه أظهر. فإن حلف لا يأكل لحما, فأكل رأسا, ولم يكن قصد بيمينه الرؤوس لم يحنث. وإن أكل سمكا طريا ولم يكن نواه باليمين لم يحنث. ولو حلف لا يأوي موضعا أو مع إنسان, فأوى معه ساعة من ليل أو نهار كان حانثا. قال تعالى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة} [الكهف: 63] , قال أحمد رضي الله عنه: كم كان ذلك إلا ساعة أو ما شاء الله. فإن قصد بالإيواء الليل دون النهار, وكان عنده أنه لا يكون إلا ليلا, فأوى مع المحلوف عليه نهارا توجه أن لا يحنث. والأول هو المنصوص عنه. والأيمان أبدا محمولة عنده على الأسباب وما هيجها. فإن عدم السبب فعلى نية الحالف. فإن عدمت النية, فعلى مقتضى ظاهر اللفظ وما يتناوله الاسم. ومن حلف لا يدخل دارا فأدخلها بعض أعضائه, فقد اختلف قوله ههنا, فروي عنه أنه يحنث بذلك, وقيل عنه: لا يحنث, إلا أن يدخلها رجليه جميعا. وقيل عنه: لا يحنث حتى يدخل بجملته. ولو حلف ليدخلنها لم يبر حتى يدخل بجملته قولا واحدا. ويمين المظلوم على نيته, ويمين الظالم على نية مستحلفه.

وأيمان المكره من طلاق, أو عتاق, أو غير ذلك غير لازمة له, ولا واقعة عليه, ولا يكون مكرها حتى يُنال بشيء من العذاب نحو الضرب أو الحبس, أو الخنق, أو عصر الساق, أو القيد, وما في معنى ذلك مما يعد إكراها.

باب الوصايا, والمدبر, والمكاتب, والعتق, وأم الولد, والولاء

باب الوصايا, والمدبَّر, والمكاتَب, والعتق, وأم الولد, والولاء ويستحب لمن له ما يوصي فيه أن يعد وصيته, لما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ له مال أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". ولا وصية لوارث. والوصايا خارجة من الثلث, ويُرد ما زاد عليه, إلا أن يجيزه الورثة. والعتق بعينه مقدم على غيره من الوصايا في إحدى الروايتين, والمدبر في الصحة مقدم على المدبر في المرض إذا لم يحملهما الثلث, وما فرط فيه من الزكاة يخرج من صلب المال قبل الوصية والميراث. وكذلك حجَّة الإسلام إذا فرط في فعلها بعد الوجوب, إذا كان في المال فضل كبير. وكذلك كفارات الأيمان, وكفارات الظهار. فإن وصى بحجة تطوع, فهي من الثلث. والوصية بالصدقة أفضل منها بحج التطوع, وإذا مات أجير الحاج قبل الوصول كان له بحساب ما مضى من الطريق, ورد ما بقي, وإن كان مؤتمنا كان له ما أنفق في غير إسراف, ورد ما بقي, وإن كان ضمن الإتيان بالحجة فلم يأت بها رد جميع المال, وإن هلك المال من يد الأمين, فمن مال الدافع, وإن هلك من الأجير وضامن الحجة, فمن مالهما. ووصية المجنون الذي يفيق أحيانا في حال إفاقته جائزة, فأما الموسوس والمطبق به الذي لا يفيق, فلا تجوز وصيتهما.

ووصية الغلام الذي لم يبلغ عشر سنين, والجارية التي لم تبلغ تسع سنين باطلة قولا واحدا. فأما إذا بلغ الغلام عشرا فما زاد, والجارية تسعا فأكثر, فوصيتهما جائزة إذا وافقا الحق؛ لحديث عمرو بن سليم: أن غلاما من غسان كان له عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة, قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه يموت. قال: مروه فليوص. فأوصى ببئر جُشَم, فبيعت بثلاثين ألفا. وفيه وجه آخر: أن وصيتهما قبل البلوغ لا تجوز إلا أن يجيزها الورثة بعد وفاة الموصي بناء على إقرارهما. وعطية الحامل التي لم يمض لها ستة أشهر من حملها وهبتها جائزة من صلب مالها. وبعد تمام الستة أشهر من ثلثها. وكذلك إقرارها لوارث جائز قبل تمام الستة أشهر, وغير جائز بعد تمامها, إلا أن يجيزه الورثة بعد وفاتها إن توفيت في ذلك الحمل. وإذا وصى بوصية ثم بأخرى, فالأولى على حالها إلا ما غير منها. وإذا أوصى إلى رجل ثم إلى آخر, فهما وصياه إلا أن يُخرج أحدهما. ووصية الرجل إلى المرأة, والمرأة إلى الرجل جائزة, قد وصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى حفصة. ولا بأس أن يجعل للوصي قسطا معلوما من الوصية, أو مالا معلوما. وإذا وصى بوصايا ضاق عنها الثلث تحاص أهل الوصايا في الثلث, إلا أن يكون فيها عتاقة, فيبدأ بالعتق في إحدى الروايتين. ثم يتحاص أهل الوصايا فيما بقي. والرواية الأخرى: لا يقدم العتق ويتحاصون فيه وفي غيره من الوصايا. وللموصي الرجوع في وصيته وتغييرها, وإن كان فيها تدبير.

والوصية غير جائزة للقاتل والمرتد. ولا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة. والوصية للأقارب من أهل الكتاب جائزة, قد وصت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأقارب لها يهود. ولو وصى بثلث ماله لرجل, ثم قتل الموصي خطأ, فهل للموصى له ثلث الدية أم لا؟ على روايتين" إحداهما: له ثلث المال وثلث الدية. والرواية الأخرى: له ثلث المال ولا حق له في الدية. فإن اكتسب الموصي مالا, فثلثه داخل في الوصية قولا واحدا ما لم تكن الوصية في مال بعينه. ولمن لا وارث له أن يوصي بجميع ماله في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث, لأن بيت المال له عصبة. ومن وُصي إليه في شيء بعينه لم يكن وصيا فيما سواه. فإن وصى إلى رجلين لم يجز تصرف أحدهما دون الآخر إلا باجتماع منهما. فإن وصى إلى رجل بإخراج ثلثه وفي يد الوصي بعض المال, وفي يد الورثة بعضه, فامتنع الورثة من إخراج ثلث ما في أيديهم, فهل للوصي إخراج جميع المال مما في يده أم لا؟ على روايتين: جعل ذلك له في إحداهما, ومنعه منه في الأخرى. وقال: لا يخرج إلا ثلث ما في يده, إلا أن يكون له بينة على الوصية أو يصدقه الورثة عليها, فيجيزهم الحاكم على إخراج الثلث من جميع المال. فإن وصى لمن لا يعرف دفع ذلك إلى الحاكم ليصرفه فيما يرى من أبواب البر. فإن جاء الموصى له وثبت أن الوصية له, فهل يضمن الحاكم ما فرقه من ماله أم لا؟ على روايتين: أظهرهما: لا ضمان عليه. وكذلك لو كان الوصي تولى تفريق ذلك في أبواب البر, فهل يضمن أم لا؟ على روايتين.

فإن وصى لغير معينين, كان للوصي تفريقها في أبواب البر حسبما يرى. ومن كان مسافرا فمات في موضع لا حاكم به, وخلف متاعا وأثاثا, فإن قدر على حمل ذلك إلى ورثته حمل إليهم, وإن عجزوا عن حمله كوتب الورثة بالخروج لتسلمه. فإن عجزوا جاز لمن يحضره من المسلمين بيع الرحل والأثاث وما يفسد على البقاء, وحفظ ثمنه على الورثة. فإن ترك إماء وعبيدا حملوا إلى الورثة. ولا يجوز أن يتولى بيع الإماء إلا حاكم. ومن مات وعليه ديون وله ديون, ولا وارث له, جاز لمن عليه الدين أن يقضيه لغرمائه إذا عرف صحته. فأما إن كان له ورثة, فإنه ليس لمن عليه حق أن يقضيه عنه لغرمائه, بل يدفعه إلى ورثته, ويكون الغرماء خصوما للورثة فيما يدعونه على الميت. ولو وصى بعتق ثلاثة أعبد له لا مال له غيرهم, ولا فضل لأحدهم على صاحبه في القيمة, وترك أولادا ذكورا وإناثا فلم يُجز الورثة الوصية عتق منهم واحد ورق اثنان. فإن تشاح العبيد في العتق أقرع بينهم, فعتق من وقع عليه سهم العتق منهم, ورق من بقي لجميع الورثة الذكور والإناث. فإن أجاز الورثة عتق جميعهم, ففي الولاء وجهان: أحدهما: الولاء للذكور من الورثة دون الإناث, وهذا مبني على قولنا: إن الإجازة تنفيذ لفعل الموصي. والوجه الآخر: أن ثلث الولاء للثذكور, وثلثان بين الذكور والإناث على الفرائض إذا قلنا: إن الإجازة ابتداء عتق الورثة فيما زاد على الثلث. ومن وصى لرجل بسهم من ماله أعطي السدس. وقيل عنه: له سهم مما تصح فيه الفريضة. وقيل عنه: له أقل سهم امرأة من بناته. فإن وصى لرجل بمثل نصيب أحد أولاده, وله ثلاثة بنين كان للموصى له الربع. فإن ترك ذكورا وإناثا كان له مثل نصيب امرأة من بناته. فإن وصى لرجل

بعبد من عبيده بغير عينه دفع إليه بالقرعة إذا حملهم الثلث. وقيل عنه: يدفع إليه أدونهم قيمة. ولو وصى لرجلين بمئة درهم, وكان أحدهما ميتا دفع إلى الحي خمسين درهما, وردت الخمسين الباقية إلى الورثة. ولو قال: اشتروا عبد فلان بألف درهم, وأعتقوه عني. فابتاعوه بخمس مئة, عتقوه عنه, وكانت الخمس مئة الباقية للورثة. فإن قال: أعتقوا عني نسمة بألف. فأعتقوا عنه نسمة بخمس مئة, لزمهم ابتياع نسمة أخرى بخمس مئة أخرى, وعتقها عنه إذا حمل ذلك الثلث. ومن وصى بعتق ثلث عبده لزم الورثة عتث ثلث العبد, ولم تسر الحرية إلى باقيه. فإن وصى لعبده بمئة درهم من ماله فعلى روايتين: إحداهما: تصح الوصية له, وتدفع المئة إلى العبد. فإن باعه الورثة بعد ذلك, فالمئة لهم إلا أن يشترطها المبتاع. والرواية الأخرى: لا تجوز له الوصية بمال معلوم؛ لأنه لا يملك. والوصية له, كأنها وصية للورثة فلا تجوز, فإن أوصى لعبده بثلث ماله أو بربع ماله, فالعبد من جملة المال يعتق بالوصية إن كانت قيمته بقدرها, وإن كانت قيمته أقل من قدر الوصية عتق, وكان له تمام الوصية يدفع ذلك إليه. وإن كانت قيمته أكثر, عتق منه بقدر الوصية, ورق باقيه. فإن قال: حجوا عني بخمسين, فما فضل صُرف في الحج في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: ما فضل للورثة. فإن قال: أحِجّوا عني بخمسين, فما فضل فللذي حج. فإن وصى لرجل بجميع ماله, ولآخر بنصف ماله فلم يجز ذلك الورثة, قسم الثلث على ثلاثة أسهم, ثلثاه للموصى له بجميع المال, وثلثه للموصى له بالنصف. فإن وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بجميع ماله, قسم الثلث على أربعة أسهم,

للموصى له بجميع المال ثلاثة أرباع الثلث, وللموصى له بثلث المال ربع الثلث. فإن وصى لرجل بثلث ماله, ولآخر بنصف ماله, ولآخر بربع ماله, قُسم الثلث على ثلاثة عشر سهما, للموصى له بنصف المال ستة أسهم من ثلاثة عشر سهما, وللموصى له بالثلث أربعة أسهم من ثلاثة عشر سهما, وللموصى له بالربع ثلاثة أسهم من ثلاثة عشر سهما من الثلث. ومن وصى بثلث ما يملك, وله أرض من أرض السواد, لم يدخل في الوصية, إلا أن يكون فيها بناء, فيدخل البناء في الوصية دون الأرض. ولو كان معه مئتان وله عبد قيمته مئة, فوصى بالعبد لرجل ثم سُرق المال بعد موت الموصي, فمن مال الورثة هلك, والعبد للموصى له؛ لأن المال سُرق بعد استقرار العبد للموصى له. ولا نظر للحاكم مع الوصي إذا كان أمينا كافيا, وله أن يجعل معه أمينا يحتاط على المال إذا كان متهما أو عاجزا, ولا يُخرجه من الوصية. ولا يجوز شراء الوصي لنفسه من مال مَن يلي عليه, ولا شراء ليتيم من نفسه. وشراؤه له, وبيعه عليه من غيره جائز, فيما فيه الحظ والنظر لليتيم. وله مكاتبة عبيده وإمائه إذا كان في ذلك نظر له. وهل له دفع مال اليتيم مضاربة أم لا؟ على روايتين: إحداهما: ليس له ذلك. فإن فعل فهلك المال ضمن. والرواية الأخرى: له أن يفعل لك, والربح كله لليتيم, وللمضارب أجر مثله, ولا ضمان على الوصي إن هلك المال. وكذلك اختلف قوله: هل يجوز للوصي أن يقرضض مال اليتيم أم لا؟ على روايتين: منع من ذلك في إحداهما. وأجاز في الأخرى أن يقرضه من مليء, ويحتاط بالإشهاد عليه, ويرتهن منه على ذلك رهنا. ولا يستقرض الوصي لنفسه من مال اليتيم قولا واحدا. فإن كان الوصي فقيرا محتاجا جاز له أن يأكل من مال اليتيم بقدر شغله معه بالمعروف. فأما إذا كان

غنيا, فلا يحل له أن يأكل من ماله شيئا بحال. وهل للوصي أن يعتق على اليتيم عبيده أم لا؟ على روايتين: أصحهما: ليس له ذلك, لأنه إتلاف ماله. ومن وصى بما وصي به إليه إلى غيره, ولم يكن الموصي جعل له ذلك لم تجز وصيته في إحدى الروايتين: والرواية الأخرى: وصيته جائزة. والوصية تستقر بالموت, فمن وصى لوارث, ثم حدث من حجبه عن الميراث, ومات الموصي وهو غير وارث تثبت له الوصية. وإن وصى لغير وارث, فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له وارثا, بطلت الوصية له, إلا أن يجيزها الورثة. وله إفراد أقاربه عن الوارثين بالوصية, وله صرف جميعها إلى الأجانب دون الأقارب, أي ذلك فعل جاز. وله الرجوع في وصيته متى شاء, وتغييرها والزيادة فيها والنقصان منها. فإن وصى إلى رجل بوصيته, وعين سبلها, وقبلها الوصي, ثم غيرها, فللوصي أن لا يقبلها بعد التغيير. وفي هذا من قوله, دليل على أن الوصي إذا قبل الوصية لم يكن له إخراج نفسه منها. وإن عين وصيته لمسمى البر فقد اختلف عنه في ماذا تصرف. فقيل عنه: يجزئها الوصي أربعة أجزاء, فيصرف منها جزءا في أقارب الموصي غير الوارثين, وجزءا في الجهاد, وجزءا في الحج, وجزءا إلى الأجانب من فقراء المسلمين ومساكينهم. وقيل عنه: بل تجزأ الوصية ثلاثة أجزاء, فيصرف جزءا في الجهاد, وجزءا في أقارب الموصي غير الوارثين. والجزء الثالث قيل عنه: يصرف في الحج, وقيل: بل يصرف في الفدي إذا كان في المال فضل لذلك. فإن قال: ثلثي في قرابتي. لم يجاوز بها أربعة أبناء ممن ينسب إلى الموصي من قبل الرجال والنساء, قربوا أو بعدوا غير الوارثين. وكذلك لو قال: ثلثي لعترتي. وإن قال: ثلثي لأهل بيتي, نظر إلى من كان يصله في حال حياته من أهل بيته من

قبل أبيه, ومن قبل أمه, فجعل بينهم. وإن كان لا يصل قرابة من قبل أمه, كان ثلثه لأهل بيته من قبل أبيه. وهل يجازو بها أربعة آباء أم لا؟ قيل عنه: لا يجاوز بها أربعة آباء. وقيل عنه: هو لمن كان يصل من أهل بيته في حياته وإن جاوز الأربعة. قال: والحُجة في الأربعة آباء أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذي القربى على أربعة آباء في بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف, ولم يجاوز به عبد مناف. وقد كانت له قرابة غير أولئك من قريش, وقال زيد بن أرقم: أهل البيت: آل العباس, وآل علي, وآل عقيل, وآل جعفر. وإذا وصى لذوي أرحامه كان الرجال والنساء فيه سواء, لا يفضل ذكورهم على إناثهم, إلا أن يفاضل هو في الوصية بينهم. فإن وصى لأقاربه وفيهم مسلمون وأهل ذمة, ولم يسم أهل الذمة, كانت الوصية للمسلمين خاصة. وإن ذكر أهل الذمة فيهم جاز, ودفع إليهم ما وصى به لهم. فإن قال: ثلثي لبني فلان, كان للذكور من ولده دون الإناث, فإن قال: ثلثي لولد فلان, كان للذكور والإناث بينهم بالسوية. فإن وصى لجيرانه ففي حد الجوار عنه خلاف. وروي عنه أن حد الجوار أبعون دارا حواليه عن يمينه وشماله وقبالته ومن ورائه. وروي عنه: أربعون دارا من كل ناحية. فإن قال: ثلثي لأهل سكة فلان. فكذلك لمن كان ساكنها وقت الوصية دون من طرأ إليها بعد ذلك. فإن قال: ثلثي لعقب فلان. كان لولده الذكور والإناث, ولولد بنيه الذكور والإناث, دون ولد بناته. فإن وصى لبني هاشم لم يشركهم مواليهم في الوصية.

ولو أعتق عبده في مرض موته وقع العتق لوقته من الثلث, وكان اعتبار الثلث بعد الوفاة. فإن أوصى بعتق شركة له في عبد يحمله الثلث, عتق منه ما عتق, ولم تسر الحرية إلى باقيه. فإن قال: أعتقوا عني عبدا بعشرين دينارا, لم يجز أن يعتقوا عنه إلا مسلما. ولو أعتق عبده ثم مات, فقال الورثة: أعتقك في مرضه. وقال العبد: أعتقني في صحته, كان القول قول الورثة, إلا أن يأتي العبد ببينة على ما يدعيه من العتق في الصحة. فإن قال: ثلثي لفلان, لا بل لفلان. كان للأخير منهما. فإن قال: إن أمت من مرضي هذا, أو في سفرتي هذه, فثلثي لفلان. فتوفي من ذلك المرض, أو قدم من تلك السفرة, بطلت الوصية لمن وصلى له. فإن وصى لرجل بثوب, فلبسه الوارث, كان الثوب للموصى له, وله أرض ما نقصه اللبس على الوارث. فإن وصى لرجل بدار, فبنى فيها الوارث بناء, كانت الدار للموصى له إذا حملها الثلث, ويرجع الوارث عليه بقيمة ما أحدثه فيها. قال: ولا بأس أن يزوج الوصي عبد اليتيم إذا خاف عليه الفساد, ولا يزوج أمته, قال: لأن الأمة تخدمه, فإذا زوجها اشتغلت بزوجها عن خدمة اليتيم. وللوصي إسلام اليتيم إلى الكتاب, ودفع الأجرة من ماله. فإذا بلغ اليتيم وأنس من الرشد جاز للوصي أن يدفع إليه ماله بغير إذن الحاكم, ويشهد عليه. قال: ولو أودع رجلا ألف درهم, وقال: إذا أنا مت فادفع الألف إلى ابني فلان, وله ولد غيره, كان الألف ميراثا. وإن دفعه إلى الموصى له ضمن حقوق باقي الورثة منه.

باب المدبر

باب المدبر والتدبير: أن يقول لعبده: قد دبرتك, أو أنت مدبر أو أنت حر بعد موتي. فيصير بذلك مدبرا, ويعتق بعد الموت من الثلث إذا احتمله. فإن قال لعبده: أنت حر بعد موتي بشهر. لم يكن مدبرا, وكان عبدا للورثة. وروي عنه رواية أخرى: أنه يكون بذلك مدبرا إذا حمله الثلث. وله بيع البعد المدبر في الدين وغيره قولا واحدا. وهل له بيع الأمة المدبرة أم لا؟ على روايتين. وله الرجوع في التدبير؛ لأنه بمنزلة الوصية. وله استخدام المدبر, ووطء المدبرة اشترط ذلك أو لم يشترطه. قال: ولو دبر أمته وهي ذات زوج, فأتت بابنة بعد التدبير كان حكمها حكم أمها, تعتق بعتقها إذا حملها الثلث, غير أنه قال: ليس له أن يطأ ابنة مدبرته. وما كان لها من ولد قبل التدبير فهم رقيق غير مدبرين. كذلك روي عن عثمان بن عفان, وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما. وجناية المدبر في رقبته, إما أن يفديه السيد, أو يسلمه. وكذلك المدبرة. فإذا دبر جماعة لا يحتملهم الثلث, عتق منهم مقدار الثلث, إلا أن يجيز الورثة عتق جميعهم, فإن لم يجيزوه وتشاح العبيد في العتق أقرع بينهم, فعتق منهم بالقرعة مقدار الثلث ورق من بقي. وعدة الدبرة من وطء السيد حيضة, ومن الطلاق حيضتان, ومن وفاة زوجها شهران وخمسة أيام ما لم تعتق. فإن كان للمدبر مال, فهل يكون له بعد عتقه أم لورثة السيد؟ حكى أحمد ابن حنبل رضي الله عنه عن ابن عمر رضوان الله عليه, وعن ابن مسعود, وأنس بن

مالك رضي الله عنه أنهم قالوا: هو للسيد. ثم أبان عن رأيه فقال: اختياري أن المال للسيد, لأن المدبر عبد. والمعتقة إلى أجل له بيعها قبل الأجل ووطؤها. ولو مات السيد قبل الأجل كانت ميراثا. وإذا لم يخرج المدبر من الثلث, ولم يجز الورثة عتق جميعه عتق منه بمثدار الثلث, ورق باقيه. والعبد والمدبر وأم الولد قبل أن تعتق لا يملكون في إحدى الروايتين. ولو قال شريكان في عبد: أنت حر متى متنا. فإن ماتا معا عتق العبد في ثلثيهما. وإن مات أحدهما قبل صاحبه عتقت حصته من العبد في ثلثه, ولم تسر الحرية إلى نصيب شريكه معسرا كان أو موسرا. ولو دبر عبده, ثم ارتد السيد بطل التدبير, فإن كات على ردته كان العبد فيئا. وإن عاد السيد إلى الإسلام استأنف التدبير إن اختار. ولو دبر المرتد عبده في حال ردته كان تدبيره باطلا, لأنه ممنوع من ماله في حال الردة, ولا ينفذ تصرفه فيه. ولو أعتق المدبر عن الكفارة الواجبة أجزأ. ووقيل عنه: إن المدبر من صلب المال لا من الثلث. والأول عنه أصح.

باب المكاتب

باب المكاتب قال الله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] فإذا كان في العبد خير وسأل الكتابة أحببنا لسيده أن يكاتبه. وقال بعض أصحابنا: يلزم السيد أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا واختار العبد الكتابة. ويضع له الربع أو نحوه من المال بعد الأداء, لقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والكتابة جائزة على ما يتراضيا به -السيد والعبد- من مال مؤجل أو منجم, قلت نجومه أو كثرت, والمكاتب عبد ما بقي عليه دراهم في إحدى الروايتين, وهي المشهورة عنه, وقيل عنه: إذا أدى أكثر مال الكتابة ثم عجز لم يرد إلى الرق, واتبع بما بقي. وإذا كان المال منجما فأخر أداء نجم واحد لم يعجِّزه بذلك. فإن أخر أداء نجمين فأكثر نجما بعد نجم, فقد عجز وعاد رقيقا. وقيل عنه: لا يعجز حتى يقول: قد عجزت. وإن كان في يد العبد مال قبل الكتابة كان للسيد, إلا أن يستثنيه العبد. وإذا عجز وقد أدى بعض مال الكتابة عاد رقيقا, وكان ما أدى من المال للسيد. ولو عجز وعليه ديون كانت في رقبته, إما أن يؤدي عنه السيد أو يُسلمه بما عليه إلى

غرمائه. وليس له وطء مكاتبته إلا أن يشترط ذلك عليها, فإن وطئها بغير اشتراط أدب, وكان عليه عقرها يضعه من مال كتابتها, فإن أتت بولد كانت من أمهات الأولاد, قيلزمه أداء باقي مال كتابتها, فإن أدته قبل السيد وصارت حرة بالأداء, وإن مات السيد قبل أن تؤدي عتقت بموته. وهل عليها أداء ما بقي من مال الكتابة إلى ورثة مولاها أم لا؟ على روايتين. وقد قيل عنه: إن المكاتبة إذا علقت من سيدها كانت مخيرة بين العجز وتكون أم ولد, وبين المضي على الكتابة. نقل ذلك أبو القسام الخرقي رحمه الله. ولو كاتب أمته, واشترط ما في بطنها جاز, وكان له شرطه, كما قلنا في العتق إذا أعتقها دون ما في بطنها, وهو قول ابن عمر, وأبي هريرة رضي الله عنهما. ولا يتسرى المكاتب بغير إذن سيده. وما حدث له من ولد في حال الكتابة من أمة له دخل في الكتابة معه, فعتق بعتقه ورق برقه. وما كان له من ولد قبل الكتابة من أمة لسيده, فهم عبيد للسيد إلا لمن يشترط إدخالهم في كتابته. وكذلك الأمة إذا كوتبت ولها ولد. ولو عجل المكاتب مال كتابته قبل محله لزم السيد أخذه. فإن امتنع أجبره الحاكم على أخذه, وصار العبد حرا. واختلف قوله في المكاتب إذا ملك قدر مال الكتابة هل يصير حرا قبل الأداء؟ أم لا يعتق إلا بالأداء؟ على روايتين. وليس له إتلاف ماله, ولا عتق عبيده وإمائه قبل الأداء. ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده. ولا يجمع بين أكثر من زوجتين. وحكمه في طلاقه وإيلائه, وظهاره, وقذفه, وحدوده وجناياته حكم العبيد ما لم يعتق. فإن تزوج بغير إذن السيد كان المهر عليه دون سيده. وله أن يسافر في مصالحه, ويحترف لفكاك رقبته, وليس للسيد منعه من ذلك.

ولو مات المكاتب وخلف وفاء كتابته, قام ورثته مقامه في أداء باقي مال الكتابة. وهل يصير ذلك حالا بموته أم لا؟ الظاهر من القول عنه: أنه على نجومه. ووجه آخر: أنه يصير حالا في ماله بعد موته؛ لأنه سئل عن الرجل يموت أو يفلس يحل دينه؟ قال: إذا وثق له الورثة فهو أحب إلي, وإذا أفلس لم يحل دينه, الموت أحرى أن يحل دينه, ففرق بين الموت والإفلاس, وقطع أن الإفلاس لا يحل ما عليه من دين مؤجل أو منجم, وأن بالموت أحرى أن يحل, وهذا هو الصحيح عندي. فعلى هذه الرواية: يؤخذ باقي مال الكتابة من تركته حالا, وما يبقى فلورثته إن كانوا ممن يحوز جميع المال. وإلا كان لهم منه بقدر الفرض, ثم الباقي للسيد بالولاء. وقد روي عنه رواية أخرى: إذا مات المكاتب قبل الأداء, فهو عبد وميراثه للسيد. وإن كان له ولد من أمة كان رقيقا, وإن كان له ولد من حرة كان حرا, ولا ميراث منه, وماله للسيد. وإن لم يترك وفاء بباقي كتابته, وكان قد أدى الأقل منها, فهو عبد قولا واحدا. وما ترك من مال وولد من أمة فللسيد, وإن كان قد أدى أكثر مال الكتابة, ولم يترك وفاء بباقيها, فهل يكون عبدا وولده رقيقا, أم لا يرجع أولاده إلى الرق ويسعون في أداء باقي مال الكتابة وهم أحرار؟ على وجهين: أحدهما: أنه يصير حرا, ويكون ولده رقيقا بناء على قوله: إن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. والوجه الآخر: أن أولاده لا يعودون إلى الرق بل يسعون في أداء باقي مال المكاتبة وهم أحرار؛ لأن المكاتب إذا أدى أكثر مال الكتابة ثم عجز, لم يكن عنده في حكم من لم يؤد شيئا, ولا في حكم من أدى الأقل منها في إحدى الروايتين عنه؛ لأنه قال في المكاتب الذي لم يؤد شيئا من مال كتابته: يجوز عتقه عن الواجب. وإذا كان قد أدى من كتابته النصف أو الثلثين لم يعجبه أن يعتق عن الواجب, وإن فعل لم يجزه. وقد صرح في موضع آخر أنه إذا أدى الأكثر من مال الكتابة, لم يرد إلى الرق.

ولو مات السيد كانت الكتابة بحالها, يؤديها المكاتب إلى ورثة سيده على نجومها. فإذا عتق كان ولاؤه للذكور من الورثة دون الإناث. وإن عجز عاد رقيقا للذكور والغناث من الورثة. فإن مات السيد وله وصية, وقد بقي على المكاتب بقية احتسب له ما بقي عليه من ثلث السيد وعتق. ولو كاتب رجلان عبدا لهما, فأدى إلى أحدهما وفاء حصته من مال الكتابة, ولم يؤد إلى الآخر شيئا, ثم مات المكاتب رجع المولى الذي لم يقبض شيئا على شريكه في العبد بنصف ما قبض من العبد, ثم ميراثه بينهما, وما اكتسبه في مدة الكتابة بينهما. هذا إذا كاتباه كتابة واحدة. وقيل عنه: إن كان قد ترك وفاء بما بقي من مال الكتابة لم يكن للسيد إلا ما بقي من الكتابة, وما فضل لورثة المكاتب, فإن لم يكن له ورثة كان للسيد بالولاء. ولو اختلف السيد والمكاتب في قدر مال الكتابة, كان القول قول السيد, أو يرجع العبد رقيقا. ولو ملك المكاتب أباه أو ابنه أو ذا رحم منه, ولم يعتق عليه حتى يوفي مال كتابته, فيعتقون بعتقه, ويرقون برقه. ولا يختلف قوله في جواز بيع المكاتب رجلا كان أو امرأة إذا بين السيد ذلك, ويكون على كتابته, وولاؤه لمشتريه الذي أوى إليه. ود اختلف قوله: هل للسيد أن يبيعه بأكثر مما كاتبه عليه أم لا؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما, قال: لأنه ملك السيد ما بقي عليه درهم. وقال في الأخرى: لا, ليس له أن يبيعه بأكثر؛ لأن جابر بن عبدالله يقول: هم على

شروطهم. ولأن بريرة إنما بيعت على مكاتبتها. ومن كان له شقص في عبد فكاتبه عليه, فأدى إليه, عتق نصيبه منه, ثم ينظر, فإن كان المعتق موسرا قوم عليه حصة شركائه منه, وكان العبد حرا في ماله, وولاؤه له. وإن كان معسرا؛ عتق منه ما عتق وكان باقيه على الرق للشركاء, وكان كسب البعد له, ولباقي مواليه بقدر ما فيه من مواليه. ويعتق إذا أدى لبقية الشركاء, وولاؤه لسائر مواليه. والأول عنه أظهر. واختلف قوله في عبد بين رجلين كاتباه على ألف درهم, فأدى إلى كل واحد منهما أربع مئة وخمسين درهما, ثم أعتق أحدهما نصيبه منه, فروي عنه أنه قال: إن كان المعتق موسرا أدى إلى شريكه نصف قيمة العبد ولا يحاسبه بما أدى إليه؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم. ويعتق كله من مال المعتق, وولاؤه له. وروي عنه قال: يؤدي المعتق إلى الذي لم يعتق خمسين درهما, ويصير العبد كله حرا. والولاء على هذه الرواية بينهما في معنى قوله. واختلف قوله في رجل كاتب عبده على مال, ثم مات السيد وخلف ابنا وابنة, فأدى العبد إليهما بعض مال الكتابة, ثم توفي العبد وعليه بقية مال الكتابة, هل ترث الابنة من ولائه شيئا أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: الولاء للابن والابنة؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وقال في الأخرى: الولاء للابن خاصة؛ لأن المكاتب لا يعود رقيقا إلا بالعجز. فأما الوفاء إذا ترك وفاء بمال الكتابة, فلا. فعلى هذه الرواية: يكون للابنة قسطها من باقي مال الكتابة تقبضه من

تركة العبد. وما فضل بعد أداء الكتابة كان للابن بالولاء. ولو كاتب رجل جماعة من عبيده كتابة واحدة على مال معلوم, ولم يبين حصة كل واحد منهم من المال جاز, ولم يعتق واحد منهم إلا بأداء جميع مال الكتابة. فإن مات بعضهم قبل الأداء سقط من مال الكتابة حصته منه. واختلف أصحابنا في قدر المسقط على وجهين: منهم من قال: يكون المال مفرقا عليهم بالسوية على عدد رؤوسهم, إن كانوا ثلاثة سقط ثلث المال, وإن كانوا أربعة سقط ربعه, ولا ألتفت إلى قدر قيمتهم. ومنهم من قال: بفضِّ ذلك على أثمانهم, فيسقط منه بقدر قيمة الميت. ولو مات المكاتب وترك مالا, وعليه ديون للناس, وبقية من مال كتابته بدئ بقضاء ديونه قبل الكتابة في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: يكون السيد غريما من الغرماء, ويحاص أصحاب الدين في تركته إن لم يترك وفاء بالجميع, والأول عنه أظهر. ولو كاتب عبدا وولده كتابة واحدة, ثم أعتق السيد ابن المكاتب نفذ عتقه, ووضع عن أبيه بقدر حصته من مال الكتابة. ولا تصح الكتابة على مخبول لا يعقل, كما لا تصح عن المجنون والصبي. ولو ورث رجال ونساء مكاتبا لم يعجز فعتقه جميعهم نفذ العتق, وسقط عنه مال الكتابة, وكان ولاؤه للذكور دون الإناث, لأن الولاء موروث عن الأب. ولو كاتب عبده على عروض فأداها إليه وعتق العبد, ثم ظهر السيد على عيب في العروض كان له أرش العيب, ولا يرجع العبد رقيقا. ولو وطئ الشريكان مكاتبتهما واحدا بعد واحد في زمانين مختلفين, كان على كل واحد منهما مهر مثلها يضعه عنها من مال كتابتها. فإن حملت وجاءت

بالولد لأقل من ستة أشهر منذ وطئها الثاني, ولستة أشهر فأكثر من وطء الأول, ولم يكن الأول استبرأها من وطئه, فالولد للأول, وعليه نصف قيمتها قولا واحدا. وقال بعض أصحابنا: وعليه نصف مهر مثلها, وعندي لا يلزمه لأجل وطء الشريك. ولو حكمنا عليه بنصف المهر لشريكه حكمنا على شريكه بنصف المهر أيضا له. فأما الولد, فهل عليه نصف قيمته للشريك أم لا؟ على روايتين: إحداهما: عليه نصف قيمته, كما لو كانت الأمة لغيره, فأولدها بشبهة, أن عليه مهر مثلها, وعليه أن يفدي ولده منها. والرواية الأخرى: ليس عليه قيمة الولد لشبهة ملكه فيها؛ ولأن العتق به وجب, وولاؤها لمن صارت أم ولد له. وإن كانا وطئاها في طهر واحد, وأتت بولد وادعياه جميعا أُري القافة, فإن ألحقوه بأحدهما كان الحكم فيه كما تقدم, وإن ألقوه بهما, فهو ابنهما يرثهما ويرثانه, وهي أم ولد لهما, ولا سبيل لواحد منهما إلى وطئها في هذه الحال لا بملك, ولا بنكاح, إلا أن يعتقاها جميعا ثم يتزوجها بعد ذلك من شاء منهما بإذنها. ولو كان للسيد على المكاتب ألف درهم قد حلت عليه من مال كتابته, وللمكاتب على مولاه مئة دينار, فجعل الألف قضاء بالمئة دينار من غير أن يحضر أحد النقدين جاز؛ لأنه لا ربا بينهما, بخلاف ما قلنا في الحُرين؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم في الأظهر من قوله. ولو أغار المشركون على مكاتب ثم استنقذه المسلمون, كان باقيا على كتابته. ولو كاتب المرتد عبده كان الكتابة باطلة في معنى قوله؛ لأن المرتد ممنوع من ماله في حال ردته. ولو أنكح السيد ابنته من مكاتبه برضائها, ثم مات السيد, فالكتابة بحالها, ويتوجه على معنى قوله, أن يكون النكاح ثابتا ما لم يعجز المكاتب, فإن أدى مال الكتابة كان لورثة السيد وعتق. وإن عجز عاد رقيقا وانفسخ النكاح, لأن الزوجة

تملك بعضه بالعجز. ولو وصى برقبة مكاتبه, وبين أنه مكاتب, كانت الوصية جائزة, كما يجوز له بيعه على مكاتبته, ويبين, حكى ذلك عنه بعض أصحابنا, ولم يسم راوي المسألة, فعلى هذا: لا يكون للموصى له بالعبد إلا مال الكتابة, ما لم يعجز. فإذا أدى عتق, وكان ولاؤه للموصى له به, وإن عجز, كان رقيقا للموصى له به إذا حمله الثلث. ولو ادعى المكاتب أنه أدى إلى مولاه جميع مال الكتابة, وأنكر السيد, فجاء المكاتب على ذلك بشاهد واحد, حلف مع شاهده, فبرئ وصار حرا. واختلف قوله: هل يجوز أخذ الضمين والكفيل من المكاتب أم لا؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى. فإن ضمن رجل عن المكاتب ثم عجز سقط الضمان. قال: ولو سرق المكاتب من مولاه درأت عنه الحد. وجناية المكاتب مقدمة على كتابته, فإن عجز عاد رقيقا, وفداه السيد إن شاء, وإلا سلمه بالجناية. وقد قيل: إن جناية المكاتب في رقبته وإن لم يعجز. وعلى السيد أن يفديه إن أحب أو يسلمه. قال: لأني أرى بيع المكاتب, وإذا كان له بيعه وإن لم يعجز, لزمه أن يفديه أو يسلمه وإن لم يعجز؛ لأنه عبد لم يوف مال كتابته. ولو مات ونصفه حر ونصفه رقيق, وخلف مالا وابنا من حرة, كان ماله بين ابنه ومالك نصفه نصفين. وإن كان الزوجة باقية, فلها أيضا ثمن النصف. فإن خلف ابنة, كان ربع ماله لابنته, وربعه لمعتق نصفه بالولاء, ونصفه لمالك نصفه. فإن لم يخلف ولدا, كان ماله بين معتق ومالك نصفه. وكل ذات رحم محرم ولدها بمنزلتها إلا ولد العم والعمة, وولد الخال

والخالة. بيان ذلك: أن من ابتاع أخاه, أو ولده, أو أخته, أو ولدها, أو أباه, أو جده, وإن علا, أو ولده وولد ولده وإن سفلوا, أو أمه, أو أمها وإن علت, أو جده لأمه, أو جد أمه وإن علا, أو جدته لأبيه, أو أمهاتها وإن علون عتقوا جميعا عليه. وإن ابتاع أولادهم لم يعتقوا عليه. وكذلك لو ابتاع خاله أو خالته عتقا عليه. فإن ابتاع أولادهما لم يعتقوا عليه. فإن ملك ذا رحم محرم بالميراث, فهل يعتق عليه أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لا يعتق عليه إلا بعتق مجدد منه. وقال في الأخرى: يعتق عليه بنفس دخوله في ملكه, كما يعتق عليه في البيع بنفس تمامه. فإذا قلنا: يعتق, فلا كلام. وإذا قلنا: لا يعتق, فهل يجبر على عتقه أم لا؟ على روايتين. وولد أم الولد بمنزلتها. وأموال العبيد والمدبرين وأمهات الأولاد لمواليهم. ولو ابتاع العبد عبدا بإذن السيد جاز ابتياعه, وكانا جميعا ملك السيد. ومن استولد أمته حرم عليه بيعها. وله الاستمتاع ووطؤها واستخدامها مدة حياته, وإنكاحها واستخدام ولدها من غيره من غيره استمتاع, وتعتق من رأس المال بوفاة سيدها. وكل ما أسقطته مما يعلم أنه ولد, قد استبان فيه خلق الإنسان أو بعض خلقه, فهي به أم ولد, وتنقضي به العدة من الوفاة والطلاق. ولا ينفعه العزل عن أمته, ومتى أقر بوطئها لحق به ولدها.

باب العتق

باب العتق ومن أعتق بعض عبده عتق جيعه. فإن أعتق شعر أمته أو ظفرها أو سنها لم تعتق, كما قلنا في الطلاق. ومن أعتق شركا له في عبد قوم عليه حصة شريكه منه إن كان موسرا قولا واحدا, وإلا عتق ما عتق إن كان معسرا, ورق ما بقي. وفي استسعاء العبد لباقي مواليه روايتان: قال في إحداهما: يسعى في فكاك رقبته, وقال في الأخرى: لا يُستسعى. وهل تعتبر القيمة إن كان المعتق موسرا يوم أعتق أو يوم يقع التقويم؟ على وجهين. فإن كان عبدا بين جماعة عتقوه جميعا معا عتق, وكان ولاؤه بينهم بالحصص. ومن أعتق حاملا كان جنينها حرا بعتقها قولا واحدا. فإن أعتق الحمل دونها عتق الجنين ولم تعتق. فإن أعتقها دون جنينها عتقت دون ولدها في الظاهر من قوله. ويتوجه أن يعتق الولد بعتقها, ولا يصح استثناؤه؛ لأنه بضعة منها, كبعض أعضائها؛ ولأنه نهي عن بيع الحمل دون أمه؛ لدخول الغرر والجهالة فيه. ونهي عن استثناء المجهول من المعلوم, وكذلك هذا. والأول هو المنصوص عنه. ولا يعتق في الرقاب الواجبة من فيه جزء من حرية, ولا أقطع اليدين, ولا إحداهما, ولا أقطع الرجلين ولا إحداهما, ولا أعمى, ولا أعور, ولا تجزئه في كفارة القتل إلا الرقبة المؤمنة, السليمة من العيوب قولا واحدا. وهل تجزئه الكتابية في

سائر الكفارات الواجبات سوى القتل أم لا؟ على روايتين. وليس للسفيه المحجور عليه, ولا الصبي إتلاف أموالهما. فإن أعتق المحجور عليه فعتقه باطل في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى قال: إن أعتق البالغ المحجور عليه نفذ عتقه؛ لأنه استهلاك. وبالأول أقول. فإن أعتق الصبي وله أقل من عشر سنين, كان عتقه باطلا قولا واحدا. وكذلك الجارية إذا كان لها أقل من تسع سنين. فإن كان للغلام عشر سنين فصاعدا, وللجارية تسع فصاعدا, فعتقا وهما يعرفان العتق ويعقلانه, صح عتقهما في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: لا يقع عتقهما حتى يبلغا الحلم. وبهذا أقول. ومن قال لعبده: أنت حر, عتق عليه. وكذلك لو قال له: أنت لله, صار حرا, وكذلك لو قال له: لا ملك لي عليك. فإن قال: لا سبيل لي عليه, فهل يعتق أم لا؟ على روايتين. ومن أعتق نسمة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. وقيل عنه: إذا عتق الرجل أمتين أعتق الله بكل عضوين منهما عضوا منه من النار. وأفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. ومن قال لعبد غيره: أنت حر في مالي. فلم يجز ذلك المولى, لم يعتق العبد قولا واحدا. وإن أجاز المولى ذلك, فالأظهر عنه أنه لا يعتق. ويتوجه أن يعتق بالإجازة, كما قال في النكاح الموقوف على الإجازة في إحدى الروايتين عنه. فإن قال الرجل: أعتق عبدك وعلي ثمنه. فعتقه المولى نفذ عتقه, وكان له الثمن على الآمر, والولاء للمعتق. فإن قال له: أعتق عبدك هذا عني, وعلي ثمنه. ففعل عتق, وكان على الآمر ثمنه, وولاؤه للمعتق عنه. ولو قال: أنت حر رأس الشهر. لم يعتق حتى يحل الأجل. وله بيعه قبل أن

يحل الأجل إن شاء. ومن أعتق عبدا واستثنى خدمته شهرا أو سنة كان جائزا؛ فقد أعتقت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم سفينة على أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. واختلف قوله: هل للمعتِق أن يبيع خدمة عبده التي استثناها أم لا؟ على روايتين: أجاز ذلك في إحداهما, ومنع منه في الأخرى. فإن قال: إذا خدمتني سنة فأنت حر. لم يعتق حتى يوفي خدمة السنة ثم يعتق. فإن مات السيد قبل تمام السنة, كان العبد ميراثا لورثة السيد. فإن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر. فمتى أوجبه بالبيع عتق. فإن قال ذمي لعبده: إذا خدمت البيعة سنة فأنت حر. فخدمها بعض السنة ثم أسلم, فقد اختلف قوله ههنا على روايتين: قال في إحداهما: على العبد أجرة ما بقي من خدمة السنة, وهو حر, وقال في الأخرى: إذا أسلم فقد عتق ولا يرجع المولى عليه بشيء. وكذلك اختلف قوله في الرجل يقول لعبيده: أيكم يأتيني بخبر كذا, فهو حر. فأتاه بذلك الخبر اثنان معا أو أكثر, على روايتين: قال في إحداهما: قد عتق واحد منهم فيقرع بينهم, فمن قرع منهم صاحبه عتق. وقال في الأخرى: قد عتقوا جميعا. فإن قال لجاريته: إذا خدمت ابني هذا حتى يستغني, فأنت حرة. لم تعتق حتى يكبر الغلام ويستغني عن الرضاع, ويحتمل أن لا تعتق حتى يستغني عن الرضاع, وعن أن يُلقم الطعام, وعن أن ينجى من الغائط. ومن أعتق صبيا أو شيخا لا حرفة له, ولا وارث له غير سيده, لزم مولاه الإنفاق عليه والقيام بجميع مؤنته مما لا غنى به عنه, لأنه وارثه.

فإن قال لعبده: قد عتقتك على أن تعطيني ألفا. فقال العبد: لا أرضى, عتق ولم يلزمه شيء من الألف, فإن قال له: قد عتقتك على ألف. فقال: لا أرضى, لم يعتق. ومن أعتق عبدا من عبيده بغير عينه, أقرع بينهم, فأخرج المعتق بالقرعة. وكذلك لو قال: أعتقوا عني أحد عبدي هذين. فتشاحا أقرع بينهما فمن وقع عليه منهما سهم حرية عتق. ولا اعتبار بالنية في العتق في الظاهر من قوله, فإن قال لعبيده: أنتم أحرار, وفيهم من لا يريده بالعتق ولا قصده عتق جميعهم, وإن كان قد نوى بالعتق بعضهم. وقد روي عنه أنه اعتبر النية في العتق وأنه لا يعتق منهم إلا من أراده بالعتق دون من لم يرده, فقال في رجل قال: كل مملوك لي حر. وله عبيد وأشقاص من عبيد بينه وبين غيره, قال: يعتق عليه كل مملوك له خاصة, ولا يعتق ما له من الأشقاص إلا أن يقصدهم ويريدهم بالعتق. ومن قال: كل عبد لي حر, وله عبيد ومكاتبون ومدبرون, فإذا قلنا: إن النية غير معتبرة في العتق, فقد عتق جميعهم. وإذا قلنا: إنها معتبرة فيه. فإن كان نوى عتق جميعهم, أو لم تكن له نية في عتق بعضهم دون بعض, عتق جميعهم, وإن نوى عتق بعضهم, عتق من نواه منهم دون من لم ينوه. ومن قال لعبيده: أقدمكم عندي حر. عتق منهم من له في ملكه سنة. واحتج لذلك بقوله تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} [يس: 39].

فإن قال لعبده: أنت حر إن شاء الله. عتق. ولو دفع عبد إلى رجل مالا, فقال له: ابتعني من مولاي وأعتقني. فإن ابتاعه المأمور بمال من عنده وأعتق صح الشراء ونفذ العتق قولا واحدا, وولاؤه للمعتق. وعليه رد ما أخذه من العبد من المال إلى مولاه. وإن اشتراه المأمور بعين المال الذي دفعه العبد إليه وعتقه, فعنه في ذلك روايتان: أظهرهما: أن الشراء والعتق باطلان, والعبد للمولى والمال جميعا. والرواية الأخرى: قال: الشراء والعتق جائزان ويغرم المعتق للمولى الثمن الذي ابتاع به العبد؛ لأن الذي قبضه المولى منه كان ملكا له, وولاء العبد للمعتق, والولاء لمن أعتق. وإن اختلف الدينان, كمسلم عتق عبدا يهوديا أو نصرانيا, فمتى مات العبد ولا وارث له, ورثه المولى بالولاء, ولا يجوز هبة الولاء ولا بيعه. ومن أعتق عبدا وله مال, فماله للمعتق في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: المال للعبد, بخلاف ما قلنا في البيع. ومن أسلم على يد رجل لم يستحق بذلك ميراثه, وكان ماله لبيت مال المسلمين إن لم يكن له وارث. وولاء ما أعتقت المرأة لها, وكذلك من أعتق من أعتقته أو كاتبته أو كاتب من كاتبته. ولا ترث ولاء من أعتق غيرها من أب أو غيره من سائر قراباتها من الأنساب والأسباب غير ما ذكرنا. وقد قيل عنه: إن ابنة المعتق ترث ولاء من أعتقه أبوها خاصة إذا لم يكن للأب عصبة؛ لحديث ابنة حمزة. والأول عنه أظهر. وولاء معتق ابن الملاعنة له, وبعد وفاته لأمه؛ لأنها عصبته, وعصبة أمه عصبته أيضا.

واختلف قوله في المرأة تشتري أباها فتعتقه ثم يموت, ويخلفها وابنة أخرى, فروي عنه: أن للابنتين الثلثان بينهما نصفين, والباقي للعصبة. فإن لم يكن له عصبة, فالباقي رد عليهما. وقد قيل عنه: لهما الثلثان, ثم الباقي لابنته المعتقة له عند عدم العصبة ولم يختلف قوله في العبد يتزوج مولاة قوم أو حرة الأصل, فيولدها أولادا ثم يعتقه مولاه: أن العبد يجر أولاده. فإن مات الأب وخلف أولاده ثم ماتوا ورثهم معتق أبيهم إن لم يكن لهم عصبة, فإن مات العبد بعد أن يعتق وخلف أباه وأولاده, فهل يجر الجد ولاء أولاد ابنه أم لا؟ على روايتين. وولاء السائبة لجميع المسلمين. والولاء للأبعد من عصبة الميت الأول. فإن ترك المعتق ابنين فورثا ولاء مولى أبيهما, كان بينهما نصفين, فإن مات أحدهما عن بنين رجع الولاء إلى أخيه دون بنيه؛ لأن الولاء للكبر. فإن مات أحدهما وترك ابنا, ومات الآخر وترك عشرة بنين فالولاء بينهم على أحد عشر سهما, لكل واحد منهم سهم واحد من أحد عشر سهما. وليس ذلك كقسمة المواريث. فإن مات عبد وخلف أخا معتقه, وجد معتقه كان الولاء بينهما نصفين. فإن خلف أبا معتقه, وابن معتقه كان للأب السدس, وللابن ما بقي. وكذلك لو ترك جد معتقه, وابن معتقه كان للجد سدس الولاء, وللابن ما بقي. ولو اشترك جماعة في عتق عبد جاز, وكان الولاء بينهم على قدر أنصبائهم منه, فإن كان أحدهم عتق نصفه, وثلاثة أعتقوا النصف بينهم بالسوية, كان

ميراثه بينهم على ستة أسهم, لمعتق النصف ثلاثة أسهم, وللشركاء الثلاثة النصف, ثلاثة أسهم لكل واحد منهم سهم. فإن مات العبد ولم يترك عصبة ولا ذا سهم, ولا كان لمعتقه عصبة, ورثه الرجال من ذوي أرحام معتقه دون نسائهم.

باب أحكام الدماء والحدود والديات

باب أحكام الدماء والحدود والديات قال الله عز وجل: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة: 45] وقال تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} الآية [البقرة: 178]. فمن قتل عمدا قتل, ولا تقتل نفس بنفس إلا ببينة عادلة, أو اعتراف القاتل طوعا, أو بالقسامة إذا وجبت, يُقسم ولاة الدماء خمسين يمينا ويستحقون الدم. ولا تجب القسامة إلا أن يكون هناك عداوة أو لوث من بينة. ولا يقبل بالقسامة أكثر من واحد. وإذا نكل مدعو الدم عن اليمين حُلِّف عليهم المدعى عليهم خمسين يمينا بالله تعالى ما قتلوه ولا علموا له قاتلا, وبرئوا. فإن لم يوجد من يحلف من ولاته معه غير المدعى عليه وحده حلف خمسين يمينا وبرئ. ويحلف من ولاة الدم في طلب الدم خمسون رجلا خمسين يمينا. فإن كانوا أقل من خمسين قسمت الأيمان عليهم. وإن لم تنقسم عليهم إلا بزيادة جبر الكسر عليهم. ولا يحلف النساء ولا الصبيان في القسامة. ولو قال المجروح: دمي عند فلان. لم يكن ذلك موجبا للقسامة ما لم يكن هناك عداوة. وسواء كان المقتول مسلما أو ذميا, حرا أو عبدا إذا كان دمه يكافئ

دم المدعى عليه. فإن وجد رجل عبده قتيلا, فادعى على رجل أنه قتله, وجاء بشاهد واحد حلف المولى مع شاهده يمينا واحدة أنه قتله, واستحق قيمته على المدعى عليه. وإن لم يكن له بينة, وكان بين المدعى عليه وبين العبد أو السيد ما يوجب القسامة حلف السيد خمسين يمينا واستحق قيمة عبده على المدعى عليه. ولا يُقسم على أكثر من واحد كما قلنا. والعفو عن دم العمد جائز. وإذا عفا بعض الأولياء عن الدم بطل القود, وصاروا إلى الدية. وعفو البنات صحيح كعفو البنين. وكذلك لو كان فيهم مجنون لا يفيق, أو أبله لم يكن إلى القتل سبيل, وصاروا إلى الدية. ولو كان في الأولياء صغار وكبار لم يجز القود حتى يكبر الصغير. وكذلك الزوجات. وليس على قاتل العمد حد واجب, ولا شيء واجب إذا عفي عنه. والدية على أهل الإبل مئة من الإبل, وعلى أهل الذهب ألف دينار, وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم. وأسنان دية العمد: خمس وعشرون بنت مخاض, وخمس وعشرون بنت لبون, وخمس وعشرون حقة, وخمس وعشرون جذعة. ودية الخطأ عشرون بنت مخاض, وعشرون ابن مخاض, وعشرون بنت لبون, وعشرون حقة, وعشرون جذعة. ودية الخطأ شبه العمد أرباع مثل دية العمد سواء, غير أنها منجمة في ثلاث سنين, وهي على العاقلة. وروي عنه: أن دية الخطأ والعمد مغلظة: ثلاثون حقة,

وثلاثون جذعة, وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وهي في مال القاتل على هذه الرواية. وكذلك تغلظ الدية في الحرم بالإحرام عنده, فدية المحرم المقتول في الحل دية وثلث, ودية المحرم المقتول في الحرم شهر حلال دية وثلثا دية, ودية المحرم المقتول في الحرم في شهر حرام ديتان, ودية الحلال المقتول في الحرم دية وثلث. قضى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه. ودية العمد حالة في مال القاتل قولا واحدا. ودية الخطأ منجمة على العاقلة في ثلاث سنين قولا واحدا. والعاقلة: الإخوة وأولادهم, والعمومة وأولادهم. والأب من العاقلة في إحدى الروايتين, والابن ليس من عاقلة أمه إلا أن يكون من عصباتها. فإن اجتمع في قتل الخطأ جماعة, فعلى عواقلهم دية واحدة, وعلى كل واحد من القاتلين عتق رقبة مؤمنة في ماله كفارة لفعله. وقيل عنه: على جماعتهم عتق رقبة واحدة, والأول عنه أظهر. وقيل عنه: إن كان نصيب كل واحد منهم قدر ثلث الدية حمل ذلك عاقلته. وإن كان أقل, فذلك عليه في ماله, لأن العاقلة لا تحمل أقل من ثلث الدية. وعاقلة العبد المعتق عصبته. فإن لم يكن له عصبة, فعاقلة سيده المعتق له. وعاقلة ابن الملاعنة عصبة أمه. ومن لا عاقلة له لا دية عليه في قتل الخطأ, وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله. وهل يؤدى المقتول من بيت المال أم لا. على روايتين: أظهرهما: لا يلزم الإمام أن يديه من بيت المال.

واللقيط إذا قتل خطأ لم يعقل عنه أحد, لأنه لا عاقلة له. ومن قتل مسلما في دار الحرب, قد كان أسلم وكتم إيمانه حتى يقدر على الخروج إلينا يحسبه القاتل كافرا, فلا دية عليه, ولا على عاقلته, وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله, لقوله تعالى: {فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة} [النساء: 92]. ولو أسلم معاهد فقتل خطأ, ولا وارث له من المسلمين, كانت ديته على عاقلة القاتل لبيت مال المسلمين. وعلى القاتل عتق رقبة مؤمنة في ماله. ومن قتل ذميا في دار الإسلام خطأ, فديته على عاقلة القاتل, وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله, كما لو قتل مسلما خطأ. ومن قتل حاملا خطأ, فلم تلق جنينها لم يكن على العاقلة أكثر من دية الأم. فإن ألقت جنينا حيا ثم مات ولم يستهل, كانت دية الأم والجنين على عاقلة القاتل. ولا يرث من لم يستهل, ولا يورث. وإن استهل ورث وورث. فإن ضربها فألقت جنينا ميتا, ثم ماتت, كانت ديتها ودية الجنين على العاقلة؛ لأنها جناية واحدة. ولو وجد قتيل بالطواف وداه الإمام من بيت المال. ومن مات من الزحام يوم الجمعة فديته في بيت المال في إحدى الروايتين. ودية المرأة الحرة المسلمة نصف دية الرجل الحر المسلم. ودية اليهودي أو النصراني نصف دية الحر المسلم. وديات نسائهم نصف دياتهم. وقيل عنه: إن دية كل واحد من اليهود والنصارى ثلث دية الحر المسلم. ودية المجوسي ثمان مئة درهم. ودية المرأة المجوسية أربع مئة درهم. وقد روي عنه أنه غلظ دية الذمي إذا قتله المسلم عمدا, فقال فيمن قتل يهوديا أو نصرانيا عمدا: أدرأ عنه القود, وألزمه دية مغلظة ألف دينار. فإن كان مجوسيا لزمته ألف وست مئة درهم. قال: وكل من درأت عنه الحد غلظت عليه الدية, وهو قول عمر وعثمان

ومعاوية رضي الله عنهم. وكل ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه إذا أتلف الدية, وما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية, وفي كل واحد منهما نصف الدية, وما فيه منه ثلاثة ففي جميعها الدية, وفي كل واحد منها ثلث الدية. وما فيه منه أربعة ففيها كلها الدية, وفي كل واحد منها ربع الدية؛ ففي العقل الدية, وفي البصر الدية, وفي السمع الدية, وفي اللسان الناطق الدية, وفي الأنف الدية, وفي المَشامِّ الدية, وفي الطعوم الدية, وفي اللحية إذا لم تنبت الدية. وفي الشارب إذا لم ينبت حكومة, وفي قرع الرأس الدية, وفي الصعر الدية, وهو أن يضربه فيتحول وجهه إلى جانب ثم لا يعود. وفي كسر الصلب الدية, وفي البطن إذا لم يستمسك الدية. وفي المثانة إذا لم يستمسك البول الدية. وروي عنه في المثانة إذا لم تستمسك: ثلث الدية. والأول عنه أظهر. وفي انقطاع النسل الدية. وفي الذكر الدية. وفي الحشفة مثل ما في جميعه, فإن قطع الحشفة لزمه دية, فإن قطع بعد ذلك باقية كانت فيه حكومة. ويتوجه أن يكون فيه ثلث الدية. وفي الأنثيين الدية, ولو ضربه فحال لونه عن البياض إلى غيره ولم يعد, كان عليه الدية, وفي اليدين الدية, وفي الرجلين الدية, وفي الأذنين الدية, وفي الأليتين الدية, وفي الثديين الدية, وفي الشفتين الدية, وفي العينين الدية. وفي الحاجبين الدية. وفي إسكتي المرأة الدية. وفي كل واحد من هذه نصف الدية. وفي أشفار العين الأربعة الدية, وفي كل واحد منها ربع الدية.

وفي الحرمات الثلاث في الأنف الدية. وفي كل واحد منها ثلث الدية. وفي عين الأعور دية كاملة. وفي الموضحة خمس من الإبل, وفي السن إذا ثغر خمس من الإبل, وكذلك في الضرس. وفي كل أصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل. وفي كل أنملة إصبع ثلث دية الإصبع, وفي أنملة الإبهام نصف دية الإبهام, لأنها مفصلان. وفي الظفر إذا اسود خمس دية الإصبع. وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل, وهي التي تنقل العظام من مواضعها. والموضحة: ما أوضح العظم ولم ينقله. وفي الهاشمة عشر من الإبل, وهي التي تشق اللحم, وتهشم العظم, ولا تنقله. والسمحاق دون الموضحة, وهو الذي يشق اللحم ويبقى بينه وبين العظم جلدة رقيقة, وفيه أربع من الإبل. والمأمومة التي تؤم الرأس فتكسر العظام, ولا تخرق جلدة الدماغ, وفيها ثلث الدية. وفي الجائفة ثلث الدية, وهي التي تصل إلى الجوف, فإن نفذت فهي جائفتان, وفيهما ثلث الدية. وفي العين القائمة ثلث ديتها, وفي السن السوداء ثلث ديتها, وفي لسان الأخرس ثلث الدية. فإن قطع من اللسان الناطق بعضه لزمه من ديته ما نقص في كلامه من حروف المعجم. وفي اليد الشلاء ثلث ديتها. وفي ذكر الخصي ثلث الدية, وكذلك في ذكر العنين. وقيل عنه: إن في ذكر الخصي حكومة. وروي عنه رواية أخرى: إن في ذكر العنين دية كاملة, وفي السن السوداء حكومة, وكذلك في الإصبع الزائدة. وفي الترقوة بعير. وفي كسر الساق بعيران, وفي الفخذ بعيران, وفي الضلع بعير, وفي الزند بعيران في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: في الزند الواحد أربعة أبعرة, لأنه عظمان. ولو قطع يده من الزند فاندملت ووداها, ثم عاد فقطع ذراعه, فعليه ثلث الدية.

ولا يجتمع قصاص ودية إلا أن يفقأ عين أعور, فيكون المجني عليه بالخيار عنده بين أن يقلع إحدى عيني الجاني ويأخذ منه نصف الدية, وبين أن يأخذ دية كاملة ولا قصاص. ولا دية لمن مات من القصاص, ولا لمن أقيم عليه الحد فمات فيه. وأول الشجاج التي لا توقيت فيها وفيها حكومة: الحارصة, وهي: التي تشق الجلد قليلا, ثم الباضعة, وهي: التي تشق الجلد وتبضع اللحم, والدامية, وهي: التي تدمي, والمتلاحمة, وهي: التي تشق الجلد وتعمل في اللحم, ولا توضح العظم. ففي كل واحدة من هذه الجراح الأربعة حكومة. وكذلك كل ما لم توقت ديته من الجراح, ولا هو نظير لما وقتت ديته, فليس فيه غير الحكومة بحسب اجتهاد الحاكم. وصفة ذلك أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به, ثم يقوم وبه الجناية, فما نقص من القيمة بين الصحة والجناية كان له بحسابه من الدية. وفي الجراح العمد القصاص إلا المتالف منها, كالمأمومة والجائفة, والمنقلة, والفخذ, والأنثيين, والصلب, ونحوه. وكذلك لا قصاص في كسر عظم الساق والذراع, لأنه لا يعلم ما قدره وليس له غاية, ولا قصاص عن مفصل. وفي ذلك كله الدية بعد الاندمال والبرء. ولا تحمل العاقلة عمدا, ولا عبدا, ولا اعترافا, ولا صلحا, ولا ما دون الثلث. وتحمل من جراح الخطأ ما كان قدر ثلث الدية فصاعدا. وما كان دون الثلث ففي مال الجاني. ولا تحمل العاقلة من قتل نفسه عمدا, ولا من قطع بعض أعضائه عمدا. فإن قتل نفسه خطأ, أو قطع بعض أعضاء نفسه خطأ مما ديته قدر ثلث الدية فأكثر, حمل ذلك العاقلة في الأظهر من قوله, وهو قول عمر وعلي رضي الله عنهما, ولا مخالف لهما في الصحابة.

ولو استعدى على امرأة بالشُّرط, فأسقطت جنينا ميتا, كانت دية الجنين على المستعدي في ماله. وإن أسقطت حيا فاستهل أو لم يستهل ثم مات, فديته على عاقلة المستعدي, وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله في الوجهين جميعا. وتعادل المرأة الرجل إلى ثلث الدية, فإذا بلغت جراحها ثلث دية الرجل رجعت إلى ديتها, فكان دية جراحها على النصف من دية الرجل. بيانه: أن من قطع إصبع امرأة كان فيها عشر من الإبل, فإن قطع منها إصبعين فعشرين من الإبل, فإن قطع ثلاث أصابع, ففيها ثلاثون من الإبل. فإن قطع أربع أصابع منها, ففيها عشرون من الإبل. وإذا قتل النفر رجلا عمدا قتل جميعهم به في الظاهر من قوله, وهو قول عمر, وعلي عليهما السلام. وقيل عنه: لا يقتل بنفس أكثر من نفس. وهو قول عبدالله ابن عباس, ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهما. فعلى هذه الرواية لا يقتلون, وعليهم الدية. وهل يلزم جماعتهم دية واحدة أم على كل واحد منهما دية كاملة؟ على روايتين. وإذا قتل السكران عمدا قتل. وعمد الصبي والمجنون خطأ, فإذا قتلا, فالدية على عواقلهما, وإذا اجتمع على القتل صبي وبالغ, أو عاقل ومجنون قتل العاقل والبالق, وكان على عاقلة الصبي أو المجنون نصف الدية في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى قال: إذا اجتمع على القتل من يقاد, ومن لا يقاد, فلا قود. وعلى العاقل نصف الدية في ماله, وعلى عاقلة من لا قود عليه من صبي أو مجنون نصف الدية.

فإن قطع جماعة يد رجل عمدا قطعوا كلهم به. ويتوجه أن لا يقطع واحد منهم على الرواية التي قال فيها: لا تقاد الجماعة بالواحد, ولزمهم دية اليد بينهم. وتقتل المرأة بالرجل, والرجل بها, وكذلك يقتص لبعضهم من بعض في الجراح, ويقتل البالغ بالصبي, والعاقل بالمجنون, ويقتل الكافر بالمسلم, والعبد بالحر. فإن قتل ذمي مسلما عمدا, ثم أسلم, لم يدرأ عنه الإسلام القتل, وقتل. فإن قتل حربي مسلما ثم دخل إلينا مسلما, لم يقد بالمسلم. ولا يقتل مجنون بعاقل, ولا صبي ببالغ, ولا والد بولده قولا واحدا. واختلف قوله في الابن يقتل أباه عمدا, هل يقاد به أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لا أقتل والدا بولده, ولا ولدا بوالده, خطأ كان القتل أو عمدا. وقال في الرواية الأخرى: الابن إذا قتل أباه فإنه يقاد به. وسئل عن المرأة تقتل ابنها, فقال: لم يبلغني فيها شيء. ولم يقل: إنها تقاد به أو لا تقاد. واختلف أصحابنا في ذلك على وجهين: منهم من قال: لا تقاد به, كالأب, ومنهم من قال: تقاد به, كالابن يقاد بأبيه. ومن لم يقد بعضهم ببعض من أصحابنا غلظ الدية. واختلفوا في التغليظ؛ فمن أصحابنا من جعل التغليظ في الأسنان, وجعل الدية ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها, كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تغليظ الدية على المدلجي الذي قتل ابنه, فأخذ منه عمر رضي الله عنه ثلاثين حقة, وثلاثين جذعة, وأربعين خلفة في بطونها أولادها, ودفعها إلى أم المقتول وأخيه, ولم يورث الأب منها شيئا لأنه قاتل.

ومن أصحابنا من جعل التغليظ ههنا الزيادة في الدية, فجعلها دية وثلثا, كما قال أحمد رضي الله عنه في تغليظ الدية بالحرم والإحرام والبلد الحرام. ومنهم من قال: التغليظ أن تضعف الدية فتصير ديتين, كما قال أحمد رضي الله عنه في من قتل ذميا عمدا: أدرأ عنه القود؛ لأني لا أقتل مسلما بكافر, ولكني أغلظ عليه الدية, فألزمه دية رجل حر مسلم. وكما قال في قاطع التمر والكثر من النخل إذا سرقه: أن لا يقطع وتضعف عليه القيمة ويؤدب. وكذلك الجد أبو الأب وإن علا لا يقتل بابن ابنه, وابن الابن وإن سفل لا يقتل بجده. وكذلك اختلف أصحابنا في الجد للأم يقتل ابن ابنته, وابن الابنة يقتل جده لأمه, هل بينهما قصاص أم لا؟ على وجهين: فقال بعضهم: لا يقتص من الجد للأم, كما لا يقتص من الجد للأب, تغلظ عليه الدية, ويقتص من ابن الابنة إذا قتل جده لأمه, كما يقتص من الابن إذا قتل أباه. وقال بعضهم: لا يقتل أحدهما بالآخر, كما لا يقتل أب بابن, ولا ابن بأب. ويقاد من سوى هؤلاء من ذي رحم محرم بصاحبه في القتل العمر إذا اجتمع الأولياء على طلب القصاص. فإن قتل عبد حرا, فأولياء المقتول بالخيار بين قتل العبد وبين أخذ قيمته. فإن أبى المولى أن يفديه لم يلزمه إلا تسليمه, فإن تسلمه الأولياء فلم يختاروا قتله واستحقوه, فهل يصير ملكا لهم أم يكون باقيا على ملك مولاه ويرد إليه؟ على روايتين. فإن لم يختر الأولياء قتله واختاروا القيمة وبذلها السيد نُظر, فإن كانت دية العبد بقدر دية المقتول أو أقل, فالقيمة للأولياء قولا واحدا. وإن كانت قيمة العبد أكثر من الدية, فهل يلزم المولى قدر الدية أم جميع قيمة العبد؟ على روايتين: قال

في إحداهما: ليس على السيد إلا الدية؛ لأن الأولياء إذا عفوا عن القود سقط, ولم يكن لهم أكثر من الدية. وقال في الأخرى: قد استحق الأولياء رقبة العبد, فإذا اختار المولى أن يفديه, فعليه جميع قيمته قلت أو كثرت, أو يسلمه, كما لو كانت قيمة العبد بعض الدية لم يكن على السيد إلا القيمة قولا واحدا أو يسلمه. فإن قتل عبد حرا فقال الأولياء: قد عفونا عن دمه وهو حر, لم يعتق بذلك, وكان باقيا على ملك سيده, ولا قود ولا قيمة على السيد, وروي عنه رواية أخرى أنه قال: أذهب إلى أن العبد إذا قتل عمدا يدفع إلى أولياء الدم, فإن شاؤوا قتلوه, وإن شاؤوا عفوا واسترقوه. فوجه قوله في الرواية الأولى: إن عتق الأولياء له باطل, هو: إذا عفوا عن دمه قبل أن يسلمه المولى إليهم, لأنه في هذه الحال باق على ملك السيد, ما لم يختر الأولياء أخذه, لجواز أن يختاروا القيمة, فلا يستحقوا العبد. وأما إذا اختاره الأولياء وسلمه السيد إليهم, فإنهم يملكون رقبته بالقبض. وإذا ملكوه كان لهم قتله إن أحبوا, ولهم أيضا استحياؤه واسترقاقه. ففي هذا الموضع إذا أعتقوا نفذ عتقه وصح. وقد قيل عنه: إنهم إذا استحقوا دمه, فعفوا عن القتل لا إلى القيمة, كان باقيا على ملك السيد, فلا يصح عتق الأولياء له في هذه الحال. لأن المستحق بقتل العمد هو النفس, وإنما ينتقل إلى الدية بمعنى آخر, والأول أظهر. والذي بين ذلك من قوله, ما روي عنه في أمة قتلت ابنا لرجل, فسلمها سيدها إلى أبي المقتول ليقتلها, فوقع عليها وحملت منه, قال: لا شيء عليه, هي له. فهذه أوجه الروايتين عندي. وجراح العبد في قيمته يوم يصاب. فإن قتل حر وعبد حرا قتلا به, إن كان القتل عمدا. وإن قتلاه خطأ, فعلى روايتين: قال في إحداهما: على عاقلة الحر نصف دية المقتول. فأما العبد فإن

اختار سيده تسلميه بجنايته فذا إليه, وإن لم يختر أن يسلمه, فداه بنصف دية المقتول, إلا أن تكون قيمته أقل من نصف الدية, فلا يلزم السيد إلا قدر قيمته. والرواية الأخرى: قال في حر وعبد قتلا حرا خطأ: إن كان العبد يسوى نصف دية الحر لزم السيد أن يفديه بها أو يسلمه, وإن كان يسوى ألفا أخذ الأولياء من السيد ألفا, وكان باقي الدية عل عاقلة القاتل الحر. فإن قتل حر وعبد عبدا عمدا, فلا قود على الحر قولا واحدا, وعليه نصف قيمة العبد في ماله. وأما العبد, فإن شاء سيده فداه بنصف قيمة العبد المقتول, وإن شاء سلمه, ويتوجه أن يكون عليه نصف قيمة عبده لا نصف قيمة العبد المقتول. وقد روي عنه: أن الخيار في أخذ القيمة أو العبد إلى الأولياء لا إلى السيد. وروي عنه: بل الخيار للسيد دون الأولياء, وهذا صحيح. أما إذا كان القتل عمدا, فالخيار للأولياء, وإذا كان خطأ, فالخيار لسيده, ويتوجه أن يكون الخيار للسيد في الوجهين جميعا؛ لأن الذي يستحقه الأولياء في قتل العمد رقبة العبد, وليس للسيد منعهم منه. فإن قالوا: نختار القيمة. كان السيد بالخيار بين أن يدفعها إليهم, أو لا يختار ذلك, فلا يلزمه إلا تسليم العبد. فإن قطع رجل يد عبد وشجه آخر, ثم مات قبل الاندمال, ولا يعلم من أي الجنايتين تلف, فقيمته عليهما نصفين. فإن قطع حر يد عبد وقتله آخر في الحال, فعلى قاتله قيمة كاملة, وعلى قاطع يده نصف قيمته في ماله. فإن شج حر عبدا ثم أعتق, ثم شجه آخر, فمات قبل اندمال الجراحتين, فعلى الجاني الأول نصف قيمة العبد لمولاه, وعلى الجاني الثاني نصف دية حر لورثة العبد, فإن لم يكن له ورثة, فلمعتقه بالولاء. فإن فقأ حر عين عبد فأُعتق العبد ثم مات من السراية, كان فيه قيمته للسيد ولا دية. فإن قطع مسلم يد نصراني, فأسلم, ثم مات من السراية, فلا قود بينهما؛ لأن الجناية كانت وهو ممن لا قصاص بينه وبين مسلم, وعلى القاتل دية حر مسلم.

ويتوجه أن لا يكون فيه إلا نصف دية مسلم, كما قال في العبد يجرح, ثم يعتق, ثم يموت: إن فيه قيمته, وإن كان مات حرا. وعلى قياس قوله في النصراني, يتوجه أن يكون في اعتبار ديات الجراح روايتان: إحداهما: حال الإصابة. والثانية: حال السراية. ولو جرح مسلم مسلما عمدا, فارتد المجروح, ثم أسلم, ثم مات من السراية, فالقصاص بينهما ثابت. ولو قتل مرتد نصرانيا أقيد به. ولو أمسكه رجل وقتله آخر قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين, وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال في الرواية الآخرى: يقتلان جميعا. ولو ضربه بما الغالب أنه لا يقتل مثله فمات, لم يقتل به. وإن ضرب بعض أعضائه بشيء لا يقطع مثله, فأتلف العضو اقتص منه. قال بعض أصحابنا: لأن العضو يتلف بأيسر مما تتلف به النفس. ولو قتل خنثى مشكلا لزمه نصف دية رجل ونصف دية امرأة. وبه قال عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما. وأولياء الدم: كل وارث بالغ, وصغير, وزوجة, وولد, وأخ, وأخت. ولا قود حتى يختاروه جميعا. ويُنتظر بالصغير البلوغ, وبالغائب القدوم, وبالمجنون أن يفيق. وإذا مات من الأولياء من ليس له مطالبة بالقود في الوقت, كالصغير قبل البلوغ, والمجنون قبل الإفاقة, والغائب قبل القدوم, بطل القود, وصاروا إلى الدية. ولو قتل عمدا وعليه ديون وله وصايا, فعفا الورثة عن القاتل صح عفوهم, ولم يكن لأهل الديون والوصايا منعهم. قال بعض أصحابنا: لأن المال لا يملك

بالعمد إلا بمشيئة المجني عليه إن كان حيا, وبمشيئة ورثته إن كان ميتا. ولا تقتل حامل حتى تضع حملها وتفطم ولدها, إلا أن يوجد له مرضعة. ولو قتل رجل جماعة كان أولياؤهم بالخيار, إن أحبوا جميعا قتله قتلوه, ولم يكن لهم غير ذلك, وإن أحب أحد الأولياء القود, واختار أولياء الباقين الدية كانت الدية لمن اختارها, والقود لمن اختاره. فإن قطع يد رجل, وقتل آخر, لم يقتل حتى يندمل الجرح, فإن اندمل اقتص منه للمقطوعة يده إذا اختار, ثم قتل بالآخر. ولو قتل رجل رجلا عمدا, فعدا عليه بعض الأولياء فقتله, لم يكن عليه شيء, لأنه قتل من قد استحق دمه. هذا إذا لم يكن قد عفا بعض الأولياء عن القود. فإن قطع يد رجل من مفصل الكوع, فلم تندمل حتى قطعها آخر من المرفق ثم مات المجني عليه من السراية, كان القود على الجانيين جميعا في النفس, ولا يقطعان. فإن اندمل الجرحان كان للمجني عليه قطع يد الجاني الأول من الكوع, ولم يكن بينه وبين الجاني الثاني قصاص, وكان له حكومة في إحدى الروايتين, والرواية الأخرى: له عليه ثلث دية يد؛ لأنه قطع ذراعا لا يد فيها. ولو قتل رجل رجلا فاختار الأولياء القود, وتشاحوا فيه, فقال كل واحد منهم: أنا أتولى استيفاءه بيدي. كان ذلك إلى الإمام يأمر من يشاء باستيفائه للأولياء. ولو قطع بعض أعضائه, ثم شدخ رأسه فقتله, أو خنقه بحبل وما في معنى ذلك, فعلى روايتين: قال في إحداهما: القتل يأتي على ذلك كله فيقتل ولا يفعل به كما فعل. وقال في الرواية الأخرى: إنه يفعل به مثل ما فعل ثم يقل. فإن طرحه في النار فقتله, لم يطرح فيها, وقتل بالسيف.

ولو قطع أصبعه فسرت إلى كفه قطعت كف الجاني. ولو اختار المجني عليه القصاص قبل الاندمال, فاقتص من الجاني فقطع إصبعه, ثم سرت الجناية الأولى إلى نفس المجني عليه أو كفه, لم يكن فيها قصاص؛ لأن رضاه بالقصاص قبل الاندمال إسقاط لما يحدث من السراية. ولو جرحه موضحة فذهب منها شعره وعيناه, كان عليه القصاص في الموضحة, وكانت دية الشعر والعين على عاقلة الجاني. قال ذلك بعض أصحابنا. ويتوجه فيها: أن تكون الدية في مال الجاني, لأن ذهاب الشعر والبصر كان من السراية, والجنابة عمد. وقال بعض أصحابنا أيضا: إنه يجب القصاص في العين أيضا إذا ذهبت من السراية, وهو أن يطرح فيها الكافور, أو تحمى له المرآة وتُدنى منها ليذهب البصر, ولا تقلع الجارحة. ولو قطع يد رجل فيها إصبعان شلَّاوان, فلا قصاص بينهما, ويكون له دية اليد, يضع منها ثلثي دية إصبعين. فإن كان فيها أصبعان مقطوعتين, فلا قصاص أيضا, ويكون عليه دية اليد يضع منها دية أصبعين. فإن ضرب يده فأشلها فعليه دية اليد كاملة, كما لو ضرب عينه فذهب نظرها وهي قائمة: أن عليه ديتها. فإن قطع يدا فيها ست أصابع, أو كان للقاطع ست أصابع لم يكن بينهما قصاص عند بعض أصحابنا. قال: وكذلك لو قطع أنملة لها طرفان, فإن كان للقاطع مثل ذلك اقتص منه, وإلا كان له دية الأنملة, وحكومة للطرف الزائد. فإن قطع أذنه فألصقها فالتحمت, فلا قصاص, وعلى الجاني حكومة. فإن سقطت في أي حال علم أنها كانت ميتة, وكان القصاص فيها ثابتا, ويلزم المجني عليه إعادة كل صلاة صلاها من حين ألزقها إلى وقت سقوطها. فإن قطع يده وقال الجاني: كان شلاء, وقال المجني عليه: بل كانت

صحيحة, فالقول قول المجني عليه, إلا أن يأتي الجاني ببينة على ما ادعاه. ومن جُني عليه جناية عمد, فقال المجني عليه: عفوت عن جراحتي وما يحدث منها, فمات منها صح عفوه, ولم يكن للورثة قصاص, لما عفا صار لا حكم للجراحة, فلا حكم لما يحدث منها أيضا. ولو كانت الجراحة خطأ, فقال: عفوت عن جراحتي وما يحدث منها, كان ذلك في ثلثه؛ وذلك أن المستحق بجراحة الخطأ هو المال, وليس له عند العفو على نفسه التصرف في أكثر من ثلثه, وجراحة العمد لا يستحق بها إلا القصاص, وهو حق له, فإذا عفا عنه سقط, ولأن الحد عندنا لا يورث مع عدم المطالبة به, فكيف يورث بعد العفو عنه؟ ولو جرح عبد حرا فمات, فابتاعه ولي الدم بأرش الجناية أو بغيرها, كان ذلك عفوا منه عن القود. ولو شجه موضحة فاقتص منها, أو أخذ ديتها, فشجه آخر عليها بعد الاندمال فأوضحها, فلا قصاص, ولا دية, وفيها حكومة. فإن قطع لسانه فأخذ ديته فنبت وعاد صحيحا, لزمه أن يرد الدية, وكان له أرش القطع. فإن قطعه قاطع ثان, كان فيه القصاص أو الدية, ولا يشبه ذلك ما قلناه في الموضحة؛ لأن الجلد فيها لا يعود إلى ما كان عليه, واللسان يعود كما كان, فإن نبت لسانه ونقص بعض حروف الكلام رد الدية, واحتسب بقدر ما نقص من حروف المعجم. فإن قطع قاطع لسانه ثانية, فلا قصاص فيها للنقصان, وله من الدية بحساب ما يكلم به من حروف المعجم. ولو ضربه على سنه فاسودت, كان فيها حكومة, ولا قصاص؛ لأن منفعتها قائمة, كما لو ضربه على عينه فاسود بياض عينه, كان فيها حكومة ولا قصاص؛ لأن منفعة النظر باقية. وقد قيل عنه: إذا شرب سنه فاسودت, كان فيها ثلث ديتها. فإن قطع يد رجل من مرفقه أو من كفه أو كوعه, لم يكن فيها إلا دية واحدة,

فإن قطع أصابع إحدى يديه, كان فيها نصف الدية. فإن قطع الكف بعد ذلك, كان فيها حكومة. ولو صاح برجل فمات, كانت ديته على عاقلة الصائح. ولو استعدى بالشرط على رجل فمات, كانت ديته على عاقلة المستعدي. وعلى كل واحد من الصائح والمستعدي عتق رقبة مؤمنة في ماله. فإن أمر رجل عبده بقتل رجل, فقتله, فعلى روايتين: قال في إحداهما: يقتل السيد ويخلد العبد في السجن. قال: لأن العبد بمنزلة سوط السيد وسيفه. وقال في الرواية الأخرى: يقتل العبد القاتل, ويؤدب السيد. قال بعض أصحابنا: إن كان العبد أعجميا لا يعرف تحريم القتل قتل المولى, وإن كان العبد فصيحا يعرف تحريم القتل, فعلى روايتين. فإن أمر حرا بقتل رجل ففعل, قتل القاتل دون الآمر, وأدب الآمر. وقد يتوجه في الحر المأمور أيضا إن كان أعجميا لا يعرف تحريم القتل أن يُقتل الآمر, ويؤدب المأمور. قال: فإن قتل عبد حرا خطأ, فعتقه السيد بعد علمه بجنايته نفذ عتقه, ولزم السيد دية المقتول في ماله. وإن كان عتقه غير عالم بجنايته نفذ عتقه, ولم يكن عليه إلا قيمة العبد. ومن أمر عبده أن يجرح رجلا ففعل, كان على السيد أرش الجناية, وإن كانت أكثر من قيمة العبد. وإذا جنى العبد المأذون له في التجارة جناية, وادَّان دينا, ولحق بدار الحرب, لزم السيد ما ادان دون الجناية, إلا أن يكون أمره بالجناية, فيلزمه حكمها أيضا. وجناية أم الولد في رقبتها, وعلى السيد أن يفديها بقدر قيمتها ليس عليه أكثر من ذلك, ولا يسلمها, فإن جنت جناية ثانية, فهل عليه أن يفديها أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: عليه أن يفديها كلما جنت. وقال في الأخرى: ليس عليه أن يفديها ثانية, وجنايتها في رقبتها تُتبع بها إذا عتقت.

فإن حفر عبد بئرا في طريق المسلمين بغير أمر سيده, فوقع فيها آدمي فالجناية في رقبة العبد يفديه السيد أو يسلمه. وإن كان حفرها بأمره, فما أصيب بتلك البئر فعلى السيد, كان ذلك بقدر قيمة العبد أو أكثر. ومن استعان بعبد غيره بغير إذن سيده ضمنه. وإن جنى العبد في حال اشتغاله بخدمته كانت جنايته على مستخدمه دون سيده, وعلى مستخدمه لسيده أجرة ما عمل. ومن جرح عبدا جراحة قد وقتت ديتها من الحر, كان لسيده بحساب ذلك من قيمة العبد على الجاني, وما لم توقت ديته من الحر, كان في ذلك ما نقص من قيمة العبد. ولا قصاص بين حر وعبد في نفس, ولا جراح, ولا بين مسلم وكافر. وجراح أهل الذمة في دياتهم بحساب جراح المسلمين في دياتهم. وإذا فقأ أعور عين صحيح عمدا, فلا قصاص بينهما, وعليه دية كاملة, وهو قول عمر بن الخطاب, وعثمان بن عفان رضي الله عنهما. وإذا كان فقأها خطأ لم يكن فيها إلا نصف الدية على عاقلة الجاني. فإن فقأ عين أعور عمدا كان المجني عليه بالخيار, إن شاء أخذ دية كاملة, ولا قصاص, كذلك يروى عن عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم, وإن شاء اقتص منه وأخذ منه بعد القصاص نصف الدية. واختلف قوله في رجل قطعت إحدى يديه في سبيل الله عز وجل, أو في غير ذلك, ثم عدا عليه من قطع يده الأخرى على روايتين: قال في إحداهما: المقطوعة

يده بالخيار بين أن يأخذ من القاطع دية كاملة ولا قصاص, وبين أن يقتص منه, فيقطع إحدى يديه ويأخذ نصف الدية. قياسا على ما قاله في عين الأعور. وقال في الرواية الأخرى: ليس له إلا نصف الدية أو القصاص, ولا يكون ذلك إلا في العين دون غيرها, لأنه يدرك بالعين الواحدة ما يدركه بالعينين, وليس كذلك في غيرها, لأنه لا تقوم إحدى يديه مقام اليدين, وهذا هو الصحيح, وبه أقول. ومن قتل عبده أدب ولم يقتل. ولو قال حر لعبد: شجني. ففعل, لم يكن عليه شيء. وكذلك لو أمر حر حرا أن يشجه فشجه, لم يكن عليه شيء. وقد قيل عنه: بل يضمن أرش الجناية في ماله, ولا يقاد منه قولا واحدا. فإن قال عبد لحر: شجني. ففعل, ضمن أرش الجناية لمولاه قولا واحدا. ولو أرسل صبيا في حاجة فما جنى في تلك الحال, فعلى عاقلته في الأنفس, وما بلغ ثلث الدية من الجراح, وفي ماله ما أتلف من الأموال, وما لم يبلغ أرشه ثلث الدية من الجراح. وإن جُني عليه فالذي أرسله ضامن. والقائد والراكب ضامنون ما وطئت الدابة بيدها دون ما نفحت برجلها, لأنه يقدر على ضبطها من بين يديه, ولا يقدر على ضبطها من ورائه, ولا ضمان على الردف, إذ لا قدرة له على ضبط ولا غيره. فإن نخسها إنسان, أو هيجها فجنت على آدمي, لم يضمن راكبها. ولو ربطها في الطريق لزمه ما جنت. وما كان منها بغير فعلهم أو في حال الإفلات, فهو جُبَار. فإن كان راكبا فكبح الدابة أو حنكها باللجام, فأصابت شيئا بيدها أو برجلها ضمنه. وإن أرسل فِلْوَ الدابة وراءها, فجنى على آدمي ذمن, لأنه يقدر على ضبطه بالشد. وما مات في بئر أو معدن, فهو جبار.

ولو استأجر صانعا يحفر له بئرا فوقع عليه فتلف, فلا ضمان على مستأجره. ومن حفر بئرا في ملكه, فوقع فيه إنسان فمات, فهو هدر. فإن حفرها في غير ملكه ضمن ما هلك بها. وكذلك لو ألقى حجرا في الطريق ضمن ما أصيب به. وكذلك لو صب ماء في الطريق فزلق فيه بعير أو غيره فهلك, أو أصابه كسر, ضمنه في ماله. فإن أصيب بذلك آدمي, فديته على عاقلته. ولو حفر رجل من بئر أذرعا في غير حقه, ثم جاء آخر فحفرها إلى القرار, فأصيب بها إنسان أو مال, ضمناه جميعا, فما كان من مال, ففي أموالهما, وما كان من نفس فعلى عواقلهما. وكذلك ما كان من جرح حتى يبلغ عقله ثلث الدية, كان على عواقلهما. وإن نقص عقله عن ثلث الدية, ففي أموالهما. وكذلك لو حفر رجل بئرا في غير حقه, وألقى فيها آخر سكينا, فسقط فيها إنسان, فإن أصيب بالبئر والسكين, ضمناه جميعا, وكانت ديته على عواقلهما. ولو حفر بئرا لماء المطر ينتفع المسلمون بها, لم يضمن ما أصيب بها. ولو حفر بئرا في أرض موات ملكها, ولم يضمن ما أصيب بها. ومن بنى حائطا في غير ملكه فسقط ضمن البنَّاء والآمر ما أصيب, وينظر, فإن كان البناء يعلم أن الآمر أمره بالبناء في غير حقه, لم يرجع عليه بما يغرم. وإن كان لم يعلم ذلك, فله أن يرجع عليه بما يغرم, لأنه قد غره. وإذا مال الحائط واستهدم لزم نقضه ويأمره بنقضه, فإن فعل وإلا أشهد عليه. فإن سقط بعد الإشهاد فأتلف مالا ضمنه مالكه, وإن أتلف إنسانا, فعلى عاقلة مالكه. وإن لم يكن أشهد عليه, لم يضمن ما أصيب به. ولو سقط رجل على رجل فمات الأسفل, كان على عاقلة الأعلى ديته, وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله. وإن مات الأعلى لم تضمن عاقلة الأسفل شيئا من ديته.

وإذا اصطدم الفارسان فماتا, ومات الفرسان, فدية كل واحد منهما على عاقلة الآخر, وقيمة الفرسين في أموالهما. فإن صدم فارس يركض فارسا واقفا, فمات الفارسان والدابتان, ضمن السائر قيمة دابة الواقف في ماله, وكان على عاقلته دية الفارس الواقف, وليس على عاقلة الواقف ضمان دية السائر, ولا في ماله ضمان قيمة فرسه. وصاحب السفينة المنحدرة ضامن لما أصاب السفينة الصاعدة, إلا أن تكون ريح عظيمة غلبته لا يمكنه معها ضبطها, فلا يضمن. وإذا رمى قوم بالمنجنيق فأصاب الحجر مسلما فقتله, فديته في بيت المال. فإن لم يده الإمام فديته على عواقل الذين مدوا المنجنيق. وعلى كل واحد منهم عتق رقبة مؤمنة في ماله. فإن رجع الحجر فقتل واحدا منهم, فعلى روايتين: قال في إحداهما: ديته على عواقلهم؛ لأنها جناية واحدة, كما قال فيمن ضرب حاملا فتلفت والجنين: إنها جناية واحدة على العاقلة. وقال في الرواية الأخرى: الدية عليهم في أموالهم, إن كان ما يصيب كل واحد منهم أقل من ثلث الدية, فإن كان أكثر, كانت على عواقلهم. ولو اقتتل قوم فتلف بعضهم, وجرح بعضهم, كانت دية من قُتل على من جرح يرفع عنه منها بمقدار ديات الجراح. والديات موروثة على الفرائض. وفي جنين الحرة غرة: عبد أو وليدة قيمتها خمسون دينارا, أو ست مئة درهم, ويورث على كتاب الله عز وجل. ولو ضربتها فألقت جنينين أو أكثر كان في كل واحد غرة: عبد أو وليدة, قيمتها عشر دية الأم. وهل عليه عتق رقبة واحدة للجميع, أو لكل واحد عتق رقبة مؤمنة؟ فيه وجهان.

فإن ضربها فألقت جنينا حيا ثم مات, ففيه دية كاملة على عاقلة الضارب. وسواء استهل أو لم يستهل. وعليه عتق رقبة مؤمنة في ماله. ومن شربت دواء فألقت جنينا حيا ثم مات, فديته على عاقلتها لا ترث هي منها شيئا. وإن ألقته ميتا فالغرة عليها في مالها, وعليها عتق رقبة مؤمنة في مالها في الوجهين جميعا. ولا يرث قاتل عمد ولا خطأ من دية المقتول ولا غيرها. وفي جنين الأمة من سيدها ما في جنين الحرة. وإن كان من غيره, ففيه عشر قيمة أمه في إحدى الروايتين, وفي الأخرى: فيه نصف عشر قيمة أمه. والأول عنه أظهر. وفي جنين اليهودية والنصرانية عشر دية أمه, وكذلك جنين المجوسية. ومن قتل عبدا, فعليه قيمته بالغة ما بلغت. وكفارة قتل الخطأ واجبة في مال القاتل, عتق رقبة مؤمنة, فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله عز وجل. وإن عفي عنه في قتل العمد فأعتق إن وجد, أو صام إن لم يجد كان أفضل, وليس ذلك بواجب عليه. ويقتل الزنديق ولا يستتاب في الأظهر من القول عنه. والزنديق هو: الذي يُظهر الإيمان ويستر الكفر. ويقتل الساحر إلا أن يتوب, وكذلك الكاهن والعراف. ويقتل المرتد إلا أن يتوب, ويؤجل للتوبة ثلاثة أيام, رجلا كان أو امرأة, وكذلك كل من وجبت استتابته أجل ثلاثا.

ومن جحد وجوب الصلاة, أو خصلة من دعائم الإسلام الخمس, كان مرتدا لا أعلم فيه خلافا, ويقتل إلا أن يتوب. ومن ترك الصلاة غير جاحد لها توانيا وكسلا, دُعي إليها في وقت كل صلاة ثلاثة أيام؛ فإن صلى, وإلا قتل. وهل يكفر بترك فعل الصلاة مع الإقرار بها واعتقاد وجوبها أم لا؟ الظاهر من قوله المنصوص عنه: أنه يكفر بترك الصلاة جاحدا أو غير جاحد إذا تركها تعمدا حتى يخرج وقتها ويدخل وقت غيرها لغير عذر. فعلى هذا من قوله, إذا قتل لأجل تركها بعد الثلاثة أيام, كان ماله فيئا. واختلف في قدر الترك الذي يكون به كافرا على ثلاث روايات, إحداها: ما ذكرته, والأخرى: إذا ترك صلاتين. والرواية الثالثة: إذا ترك ثلاث صلوات فصاعدا حتى تخرج أوقاتها كلها. وقال بعض أصحابنا: إنه لا يكفر بالترك مع الإقرار بها, واعتقاد وجوبها, والعزم على قضائها. وقد نص أحمد رضي الله عنه على ذلك في موضع, فقال: الكفر لا يوقف عليه أحد, ولكن يستتاب, فإن تاب وإلا قتل. وهل تبين منه زوجته أم لا؟ المنصوص عنه أنه قال: تختلع منه, ولم يقل: إنها تبين منه. ويتوجه إذا حكمنا بردته, أن تبين منه الزوجة. فإن تاب وهي في العدة فهي زوجته, وإن لم يتب حتى انقضت عدتها بانت. وإذا قلنا: إنه لا يكون كافرا, فإن تاب, فلا مسألة, ويقضي ما ترك من الصلوات. وإن لم يتب وقتل لأجل تركها, لم تبن منه الزوجة, وكان ماله لورثته من المسلمين. ولا يكفر بمنع الزكاة مع الإقرار بها واعتقاد وجوبها, في الأظهر من قوله؛ لأن الإمام يأخذها منه قهرا وتجزئه. فإن منع الزكاة عصبة ذوو منعة جحودا لها, قاتلهم الإمام, ولم يسب ذراريهم, ولم يسترقهم. وإن منعوها بخلا من غير جحود لها, فهل يقاتلون عليها أم لا؟ على روايتين. ومن ترك فعل الحج مع الإقرار به, واعتقاد وجوبه, وقدرته على فعله, لم يكفر

قولا واحدا. قال: ولكن لا تقبل له شهادة ما لم يحج. فإن مات ولم يحج حجة الفرض حج عنه وليه من صلب ماله, قبل الوصية والميراث إذا كان في ماله فضل. ومن ترك صوم شهر رمضان, مقرا به, معتقدا لوجوبه, أجبر على الصيام ولم يقتل. وقيل عنه: يستتاب من ذلك ثلاثا, فإن تاب, وإلا قتل. ولا يكفر بذلك في الصحيح عنه. ومن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب. ومن سبه صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة قتل وإن أسلم. ومن ادعى النبوة, ومن سب الباري تعالى من مسلم وكافر قتل. ومال المرتد لبيت مال المسلمين دون ورثته. والمحارب القاطع الطريق, المخيف السبيل, الذي يعترض الناس خارج المصر, فيأخذ مالهم مجاهرة, إذا أُخذ على محاربته, وظُفر به, قتل إن كان قد قتل ولم يأخذ مالا, ولم يُصلب. فإن كان قد قتل, وأخذ المال, قتل ثم صلب, وإن كان لم يقتل بل أخذ من المال ما يجب القطع في مثله قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف في مقام واحد وحُسِمَتا. وإن كان لم يقتل ولا أخذ مالا, حبس ولم يقم عليه شيء من الحدود. والحبس: النفي من الأرض. وقيل عنه: بل نفيه: أن يشرد من بلد إلى بلد. ولا عفو فيه إذا أخذ على محاربته وقد قتل. وإن تاب من قبل أن يُقدر عليه وجاء تائبا, وضع عنه كل حق لله تعالى كان أتاه في حال المحاربة, وأخذ بحقوق الآدميين من الأنفس والأموال, إلا أن يُعفى له عنها. وقد روي عن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى: أن آية المحاربة

منسوخة, وأنها نزلت في العرنيين الذين استاقوا الإبل وقتلوا الراعي, وكانوا ارتدوا, فأنزل الله تعالى فيهم الآية, وأن ذلك قبل نزول الحدود. قال: فأما اليوم فحكم من خرج لقطع الطريق مرتب على ما نزل في آية الحدود. ولولا قيام الدليل على وجوب قطع الرجل مع اليد للمحارب إذا أخذ المال لكنّا نقول: لا تقطع إلا يده اليمنى كما نقول في السارق. وعلى هذا من قوله, يجيء أن يصح عفو ولي الدم عن المحارب القاتل إذا أُخذ على المحاربة ولا يكون الإمام مخيرا فيه. واللصوص ضامنون لما أخذوه من الأموال وإن قُطعوا. ومن قاتل منهم وقتل ثم ظفر بهم قتل القاتل منهم دون من لم يقتل. ومن زنى من حر محصن رجم حتى يموت, ولا يكون محصنا إلا أن يكون الزوجان حرين, بالغين, عاقلين, مسلمين, أو كتابيين, أو الزوج مسلم والزوجة كتابية, ويطؤها في الفرج وطئا صحيحا في نكاح صحيح. وحد البلوغ الذي تجب به الحدود: الإنزال من الرجال, والحيض من النساء, أو بلوغ خمس عشرة سنة من كل واحد منهما, أو الإنبات. والحرة الصغيرة تحصن الحر البالغ إذا وطئها, ولا يحصنها هو حتى تبلغ المحيض. والحر المراهق يحصن الزوجة الحرة البالغة إذا وطئها ووصل إليها في النكاح الصحيح على ما بينت, ولا تحصنه حتى يبلغ. ومن زنى من بكر لم يُحصن جلد مئة جلدة, وغرب إلى بلد آخر, وحُبس فيه سنة.

وقد روي عنه رواية أخرى: أن المحصن يجلد مئة ثم يرجم. وذهب في ذلك إلى حديث عبادة بن الصامت أنه لما نزلت آية الجلد رقي النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: "خذوا عني, قد جعل الله لهن سبيلا, البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام, والثيب بالثيب جلد مئة والرجم". وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه جلد شُراحة ثم رجمها, وقال: جلدتها بكتاب الله, ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا رجم على عبد ولا أمة إذا زنيا, وحدهما الجلد, فيجلد كل واحد منهما خمسون جلدة, ولا تغريب عليهما. والبكر الحرة إذا زنت غربت, كما يغرب الرجل, فإن لم يكن لها محرم, غربت إلى بلد لا يكون بينه وبين بلدها ما تقصر في مثله الصلاة. والعبد لا يحصن الحرة, والأمة لا تحصن الحر, وإن كان وطئها بنكاح. ولا يجلد أحد في زنى إلا أن يقر أربع مرات طوعا, ويرد, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بماعز, ولا يرجع عن الإقرار, أو يشهد عليه أربعة رجال أحرار عقلاء, بالغين, مسلمين, عدول مرضيين, يرون فرجه في فرجها, كالمرود في المكحلة, ويشهدون في مقام واحد, فإن جاؤوا متفرقين واحدا بعد واحد, والحاكم جالس لم يقم من مجلسه حتى تمت الشهادة, قبلت شهادتهم, وأقيم الحد على المشهود عليه. وإن جاء بعضهم والحاكم جالس فشهد, ثم جاء من بقي منهم بعد قيام الحاكم من مجلسه فشهد, لم تقبل شهادتهم قولا واحدا, والأظهر عنه أنهم قذفة. ولو شهد منهم ثلاثة, فوصفوا الزنى ولم يتم الرابع الصفة في شهادتهم, جلد

الثلاثة حد القذف. وإن شهد أربعة عميان بالزنى لم تقبل شهادتهم قولا واحدا. وهل يجلدون أم لا؟ على روايتين, قال في إحداهما: هم أربعة قد أحرزوا ظهورهم, وقال في الأخرى: هم قذفة, لأن الشهادة بالزنى تفتقر إلى المعاينة, وعليهم حد القذف. ولو شهد أربعة على رجل بالزنى, فرجم, ثم رجعوا عن الشهادة, وقالوا: تعمدنا الشهادة عليه بالزور حتى قتل, قتلوا به. وإن قالوا: أخطأنا أغرموا الدية في أموالهم. فإن رجع بعضهم ألزم حصته من الدية, ولا شيء على من لم يرجع. وإن رجع منهم واحد قبل أن يقام الحد على المشهود عليه, جلد الثلاثة حد القذف. ولا حد على من لم يبلغ الحلم. فإن زنى بالغ بصبية, ووصل إليها حُدَّ وحده. وإن أمكنت امرأة من نفسها غلاما لم يبلغ الحلم ووصل إليها حُدَّت وحدها. ومن زنى بأمة والده حد, وقيل: يعزر, ولا يبلغ به الحد, وتحرم الأمة على الأب أبدا, فلا يحل له وطؤها, وله استخدامها وبيعها. ولا يحرم على الابن وطؤها إن ملكها بعد ذلك, إلا أن يكون الأب قد كان وطئها قبل وطء الابن لها, فيحرم وطؤها عليهما أبدا. وكذلك لو أقدم الأب على وطئها بعد وطء الابن لها جاهلا بالتحريم, أو متأولا حرم وطؤها عليهما أبدا. فإن أتت بولد من وطء الابن لم يلحق نسبه به, وكان حرا. ولا حد على من وطئ أمة ولده, فإن كان الأب قبضها قبضا نوى به التملك لها ثم وطئها, ولم يكن الابن وطئها قبل ذلك بحال, فقد ملكها الأب. وإن أتت بولد منه لحق به, وصارت أم ولد له. ويؤدب الشريك في وطء الأمة التي بينه وبين شريكه, ولا يبلغ به الحد, وعليه حصة شريكه من عقرها إن لم تحمل. وإن حملت منه كان عليه مع العقر قيمة حق شريكه فيها, والولد حر, وصارت الأمة أم ولد للواطئ.

ولو وقع الشريكان عليها في طهر واحد, فأتت بولد وادعياه, نظر إليه القافة, فإن ألحقوه بأحدهما كان الحكم فيه كما لو كان وطئها واحد إلا في العقر, فلا يلزمه. وإن ألحقوه بهما كان ابنهما والأمة أم ولدهما, ولا يحل لأحدهما وطؤها بعد ذلك بالملك. فإن أعتقاها, تزوجها من شاء منهما بإذنها وأمر الآخر. وإن أعتقها أحدهما بعد الاستيلاد منهما, وهو موسر, سرت الحرية إلى جميعها, ولم يضمن لشريكه شيئا, لأن القيمة تلفت بالاستيلاد, ويحتمل أن لا تسري الحرية إليها موسرا كان المعتق أو معسرا, ولا يعتق منها إلا حصته دون حصة شريكه, ثم لا طريق لأحدهما إلى وطئها في هذا الموضع بملك ولا نكاح. وإن قالت امرأة بها حمل ولا بعل لها: استُكرهت. صدقت. والذمي إذا غصب مسلمة فوطئها, قتل أسلم أو لم يسلم؛ لأن القتل قد وجب عليه قبل الإسلام بالفعل. وإن رجع من أقر بالزنى عن إقراره قُبل رجوعه وأقيل وترك ولم يجلد. ويقيم المولى حد الزنى على عبده وأمته إذا ثبت ذلك عنده بما يثبت به الزنى من بينة أو إقرار. وقيل عنه: لا يقيم الحدود بحال على حر ولا عبد إلا السلطان. ومن عمل عمل قوم لوط ببالغ رجما أحصنا أو لم يحصنا في إحدى الروايتين, وهو قول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. وفي الأخرى: حكمهما حكم الزاني, إن كانا محصنين رجما, وإن كانا بكرين حُدا مئة مئة وغربا, وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وإن فعل ذلك بالغ بصبي كان الحد على البالغ خاصة على ما بينا من الاختلاف عنه فيه. وإن فعل ذلك دون الدبر لم يحد واحد منهما, وأدبا, ولا يجاوز بهما عشر جلدات. وإذا أتت المرأة المرأة أدبتا ولم يبلغ بهما الحد. ولا حد على من أتى ميتة ويعزر.

ومن أحلت فرج جاريتها لزوجها فوطئها جلد مئة. فإن وطئها بغير إذنها رجم إن كان محصنا. فإن أتت بولد في هذا الموضع لم يلحقه. فإن وطئ جارية زوجته بعد وفاتها لم يحد, ولحق به الولد إن أتت به؛ لشبهة ملكه فيها, ويغرم لشركائه فيها قيمة حقوقهم منها. ومن تزوج ذات محرم ووطئها مستحلا لذلك قتل. وروي عنه أنه يقتل ويؤخذ ماله إلا أن يكون يرى ذلك مباحا, أي: يظن أنه مباح بالعقد, فيُدرأ عنه القتل ويجلد الحد, وكذلك المرأة. فإن أتاها زنى, فعلى روايتين, قال في إحداهما: يقتل ويؤخذ ماله فجر بها أو تزوج. وقال في الرواية الأخرى: عليه حد الزاني ولا يقتل. والذمي إذا زنى بذمية ثم أسلم أقيم عليه الحد, ولم يدرأه عنه الإسلام. وعلى القاذف الحر ثمانون جلدة إذا طلب ذلك المقذوف ولم يكن للقاذف بينة, فإن كان القاذف عبدا جُلد أربعين جلدة. فإن قذف رجلا فجُلد له, ثم عاد فقذفه ثانية فهل يجلد له حدا ثانيا أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لا يعاد الجلد عليه وإن عاد إلى قذفه. وقال في الأخرى: إن عاد إلى قذفه بعد ما جُلد له يُعاد الجلد عليه. فأما إذا قذفه مرارا ولم يجلد, فليس عليه إلا حد واحد قولا واحدا. والكافر إذا قذف كافرا, ورفع إلينا حددناه ثمانين. فإن قذف كافر مسلما فقد برئت منه الذمة. فإن أسلم جلد له إذا طلب المقذوف ذلك. وإن أبى أن يُسلم قتل. وروي عنه رواية أخرى: أنه يضرب الحد ولا يقتل, وإن لم يسلم. فإن قذف ذمي عبدا مسلما نكل به. وضرب حسب ما يراه الحاكم, ولم يبلغ به الحد. ولا حد على قاذف الكافر ويعنف. وقيل عنه: يؤدب. والأول اختياري. فإن قذف مسلم ذمية ولها ولد مسلم, أو هي تحت مسلم, فهل يجلد قاذفها الحد أم لا؟ على روايتين: إحداهما: عليه الحد لحرمة الولد المسلم أو الزوج

المسلم. والأخرى: لا حد عليه ويؤدب. ولا حد على من قذف غلاما, له أقل من عشر سنين. فإن كان له عشر فصاعدا جلد قاذفه, قال: لأنه يضرب على ترك الصلاة إذا تمت له عشر سنين. ولا حد على قاذف جارية, لها دون تسع سنين. فإذا كان لها تسع فصاعدا, أو مثلها تحمل الرجال حُد قاذفها. ولا حد على من لم يبلغ الحلم في قذف ولا وطء. ويتوجه إذا أسقطنا عنه الحدود قبل البلوغ أن لا يحد قاذفه. ومن نفى رجلا من نسبه فعليه الحد ثمانون جلدة. وفي التعريض بالقذف الحد في إحدى الروايتين, وفي الرواية الأخرى: لا حد إلا بالتصريح بالقذف. ومن قذف مسلما بما أتاه في حال الكفر حد لحرمة الإسلام. ومن ادعى على رجل أنه قذفه وأنكر المدعى عليه, فهل عليه اليمين عند عدم بينة المدعي أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: يحلف له, فإن نكل عن اليمين أقيم عليه الحد. وقال في الأخرى: لا يمين عليه في ذلك. وهو الأظهر من قوله. ولا يختلف قوله: أن اليمين لا تجب في دعوى القتل. وكل موضع لم تجب فيه اليمين لا يحكم فيه بالنكول. ومن قال لرجل: يا لوطي, كان قاذفا, وحد له, إلا أن يقول: أردت أنه من قوم لوط. وقد قيل عنه: إنه يجلد ولا يسأل ما أراد. ومن قذف مجنونا حد له. ومن قال لرجل: يا ناكح أمه. والأم حية جلد حدين. وكذلك لو قال: يا بن الزانيين, وروي عنه رواية أخرى فيمن قال لرجل: يا بن الزانيين. أنه ليس عليه إلا

حد واحد. فإن قال له: يا زاني ابن الزاني. جلد حدين في الأظهر عنه. فإن قال له: يا معفوج جلد له الحد. ومن قذف ولد زنى, أو ولد ملاعنة, أو ذات رحم محرم حد. فإن قذف الأب ابنه لم يجلد, وإن قذف الابن أباه جلد الحد. ومن قذف زانية قد جلدت لم يحد. ومن قال لابنه: يا ابن الفاعلة, والأم حية, فإنما قذف زوجته, يلاعنها إن طالبته ويفارقها. وإن أكذب نفسه حد لها ثمانين, وهي زوجته. فإن قذف حر عبدا لم يحد وأدب. ومن قال لرجل: لست لأبيك. حد. فإن قال له: لست لأمك. لم يكن قاذفا ولم يحد. ومن قذف زوجته الصغيرة, أو المجنونة, أو الخرساء, لم يحد لها, لأن المطالبة لا تصح منها, ولعلها تعفو أو تترك. ومن قذف جماعة بكلمة واحدة فحد واحد يلزمه لمن قام به منهم, ثم لا شيء عليه. وقيل عنه: إن قدموه جميعا إلى الحاكم وطالبوه, ضربه لهم حدا واحدا, وإن قدموه إلى الحاكم واحدا بعد واحد, ضربه لكل رجل منهم حدا كاملا. فإن قذفهم متفرقين جلد لكل واحد حدا كاملا قولا واحدا. فإن قال لرجل: يا حروري, يا كافر, يا ديوث, يا مرابي, يا كشخان, يا شارب خمر, يا عدو الله, يا جائر, يا ظالم, يا كذاب, يا خبيث الفرج, فعليه في ذلك كله أدب, ما بين ثلاث جلدات إلى عشر جلدات. فإن قال له: يا مخنث. فلا

شيء عليه فيه. فإن قال لغير سوادي: يا نبطي. أدب. فإن كان سواديا فلا شيء. ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب. ومن كرر شرب الخمر, أو كرر الزنى فحد واحد ما لم يكن قد حد. فإن حد لذلك ثم عاد إلى فعله حد أيضا. ومن لزمه حد وقتل, فالقتل يأتي على ذلك كله, إلا في القذف, فليحد حد القذف, إذا طلب المقذوف ذلك, ثم يقتل. ومن شرب خمرا أو مسكرا جلد ثمانين جلدة, سكر أو لم يسكر, في إحدى الروايتين. والرواية الأخرى: قال: حد الشارب أربعون جلدة. ولا يحد السكران حتى يفيق. ومن احتقن بالخمر, أو استعطَ الخمر وليس بسكران, هل يحد أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: إذا علم أن ما شربه يسكر حد بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال في الرواية الأخرى: أرى عليه الأدب. والأول عنه أظهر. قال: ومن شرب مسكرا في شهر رمضان غلظت عليه الحدود, كمن يأتي الحد في الحرم. ومن شرب مسكرا غير الخمر على تأويل, ولم يسكر, قبلت شهادته في إحدى الروايتين, وصلي خلفه, وحد ثمانين. وفي الرواية الأخرى: لا تقبل شهادته, ولا تجوز إمامته وعليه الحد, وبهذا أقول. وعلامة السكر عنده: إذا وضع الشارب ثوبه مع ثياب غيره, فلم يعرفه, أو

وضع نعله مع نعال, فلم يعرفها, فهو سكران. وكذلك إذا كان قبل الشرب معروفا بقلة الكلام والتماسك فهذى بعد أن شرب, وأكثر كلامه, وخلط, فهو سكران. ولا يجرد المحدود في القذف, وينزع عنه رداؤه, ويضرب على قميصه سوطا بين السوطين, وضرب الزنى أشد من ضرب القذف, ويضرب الزاني على سائر جسمه؛ ليعطى كل عضو من الضرب حقه. ويتوقى الوجه والرأس والمذاكير, فلا يضربه على ذلك. ولا يقام الحد في القذف إلا بمشهد من المقذوف, لكيلا يكون قد عفا. وتجلد المرأة جالسة, وهذا من قوله, دليل على أن الرجل يجلد قائما. ويجلد المريض إذا وجب عليه الحد؛ فقد أقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد على قدامة وهو مريض. وقال بعض أصحابنا: فإن كان مُدْنَفًا ضرب بأثكال النخل. وقال بعضهم: لا فرق بين أن يكون مدنفا, أو أن يكون المرض خفيفا, ويضرب الحد في الحالين. ولا حد على حامل حتى تضع. ولا يقتل واطئ البهيمة ولا البهيمة. وقيل: بل تقتل البهيمة, ويعاقب واطئها, ولا يبلغ به الحد. وقيل عنه: عليه حد الزاني. ومن أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم, فهل يقام عليه الحد في الحرم أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: لا تقام الحدود عليه في الحرم, ولكن لا يبايع, ولا يشارى, ولا يعامل, ولا يكلم, حتى يضيق به الأمر, فيخرج من الحرم فتقام عليه الحدود. وقال في الأخرى: تقام الحدود كلها عليه في الحرم إلا القتل, فلا يقتل في

الحرم. فأما إذا أتى حدا في الحرم, فإنه يقام عليه في الحرم, ما كان من حد وقتل وغيره, قولا واحدا.

باب القطع في السرقة

باب القطع في السرقة قال الله جل وعز: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} [المائدة: 38]. فمن سرق ربع دينار ذهبا عينا فصاعدا, أو ورقا ثلاثة دراهم فضة, أو ما قيمته يوم السرقة ربع دينار فأكثر, أو ثلاثة دراهم فضة من العروض, قطع إذا سرق ذلك, وهتك الحرز, فأخرج ذلك منه. وتقطع في السرقة اليد اليمين من السارق, رجلا كان أو امرأة, حرا أو عبدا, من الزند ثم تحسم. فإن عاد فسرق ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب وحسمت. فإن عاد فسرق ثالثة, فهل تقطع يده اليسرى أم لا؟ على روايتين. وكذلك لو سرق رابعة قطعت رجله اليمنى, في إحدى الروايتين. وإذا قلنا بقطع اليد اليسرى والرجل اليمنى, احتججنا له بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع بعد يد ورجل يدا. قال أحمد: إليه أذهب. والرواية الأخرى قال: لا يقطع منه أكثر من يد ورجل, ويدع له ما يأكل به ويتوضأ به للصلاة. وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فإن سرق بعذ ذلك أدب, وحبس, ولو سرق ألف مرة

ولم يقطع, ثم قدر عليه بعد ذلك لم يقطع منه إلا يده اليمنى فحسب. ومن أقر بسرقة ما يوجب القطع قطع ما لم يرجع عن الإقرار. ولا يقطع حتى يقر مرتين. فإن رجع عن الإقرار قبل القطع لم يقطع, وأغرم ما أقر بسرقته, إذا طلب ذلك المسروق منه. فإن قامت البينة عليه بسرقة ما يوجب القطع وجحد, لم يلتفت إلى جحوده وقطع. فإن أقر عند شهود بسرقة أو بزنى, ثم جحد عند الحاكم, فقامت البينة على إقراره, فهل يقطع أو يقام الحد عليه أم لا؟ على روايتين إحداهما: تقام الحدود عليه من القطع والحد, ولا يُلتفت إلى جحوده بعد قيام البينة على إقراره. والرواية الأخرى: لا تقام الحدود عليه وإن شهد الشهود على إقراره, كما لو أقر ثم رجع أو جحد. ومن جمع المتاع في الحرز ولم يخرجه منه, ثم قدر عليه, لم يقطع. ومن أخرج المتاع من البيت إلى الدار, والدار حرز لمثله, لم يقطع. وإن لم تكن الدار حرزا عند ربها, فهل يقطع أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: يقطع, وقال في الأخرى: لا يقطع, ما لم يخرج المتاع من الدار. والنباش إذا أخذ في القبر قبل إخراج الكفن منه لم يقطع, فإن أخذ بعد إخراجه من القبر قطع, كما لو جمع اللص المتاع في الحرز, ثم أخذ قبل إخراجه لم يقطع, وإن أخذ بعد إخراج المتاع من البيت قطع. وإذا اشترك جماعة في إخراج نصاب من الحرز قطعوا. وكذلك لو دخل بعضهم الحرز, وقام بعضهم خارج الحرز, فأخرج إليهم ما قيمته ربع دينار فأكثر, فكلهم سراق, وعلى جماعتهم القطع, من دخل الحرز ومن لم يدخله. وقد روي عنه رواية أخرى في رجل سرق من شريكين أو من رجلين ليسا مشتركين خمسة دراهم أو ما قيمتة خمسة دراهم من حرز أنه قال: لا يقطع حتى يسرق من كل واحد منهما قيمة ربع دينار. فعلى هذه الرواية: إذا اشترك جماعة في

سرقة لم يقطعوا حتى يحصل لكل واحد منهم قيمة ربع دينار فأكثر. ومن سرق من بيت أذن له في دخوله لم يقطع. ولا قطع على من سرق من بيت المال. ولا قطع على مختلس, ولا على منتهب, ولا خائن, ولا غاصب. ولا قطع في ثمر معلق في رؤوس النخل, ولا في كثر, وهم الجمار في النخل, ويؤدب ويغرم القيمة تضعف عليه, إن أخذ ما قيمته درهم ألزم درهمين, فإن آوى ذلك الجرين, وهو الحرز, فأخرج منه ما قيمته ربع دينار قطع, روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما تقول في الثمر المعلق؟ قال: "غرامته, ومثله معه وجلدات نكال". قال: "فإذا آواه الجرين فما بلغ ثمن المجن فعليه القطع". ولا قطع في الغنم الراعية تسرق من السرح حتى تسرق من مراحها. ولا قطع على من سرق من المغنم, بل يؤدب ويحرق جميع رحله إلا المصحف وذوات الأرواح. ولا قطع على من سرق من ذي رحم محرم. ولا قطع على الزوج يسرق من زوجته, ولا عليها إذا سرقت منه. وقيل عنه: إن كان لكل واحد منهما حرز لماله, منفرد به دون صاحبه, ففتح أحدهما حرز صاحبه, وسرق منه ربع دينار فأكثر قطع. وقيل عنه: لا يقطع أحدهما ما سرق من صاحبه على كل حال. ولا قطع في محرم, ولا قطع على العبد يسرق من سيده. ويقطع المستعير إذا جحد العارية ثم أقر بها, وكان ذلك متكررا من فعله, معروفا من حاله؛ بحديث المدلجية.

ولا يشفع الإمام في حد الزنى والسرقة إذا رفع ذلك إليه؛ لأن ذلك من حقوق الله تعالى, فأما حد القذف, فهو حق للمقذوف, فله إسقاطه إن كان قد رفع إلى الإمام. ويتبع السارق بمثل ما فات من السرقة إن كان له مثل, أو بقيمته عند عدم المثل. ولا قطع على من سرق أقل من ربع دينار, أو أقل من ثلاثة دراهم, أو من المتاع ما قيمته أقل من ثلاثة دراهم من حرز, أو من غير حرز, ولا على من سرق ربع دينار فأكثر من غير حرز. ولا قطع على السارق من الحمام إلا أن يكون قد جعل على المتاع حافظا. ولا قطع على من سرق من خان مشترك له يد فيه, ولا من موضع مستطرق عليه حافظ؛ لأنه ليس بحرز. ولا قطع على سارق السارق. بيانه: أن يسرق رجل متاعا من حرز يجب في مثله القطع, ويضعه في حرزه, فيفتح حرز السارق سارق آخر ويأخذ منه المتاع المسروق, ثم يُقدر عليه, والمتاع معه, فلا قطع عليه؛ لأنه سرق من غير مالك, ويرد المتاع إلى ربه. ولا يجب القطع إلا باجتماع أشياء: أن يكون السارق بالغا, عاقلا, ويسرق من حرز ربع دينار فأكثر, من مالك صحيح الملك, ويحضر المالك ويدعي المسروق, فإن عدم شيء من ذلك, فلا قطع. ولو سرق أقل من ربع دينار ذهبا وقيمته أكثر من ثلاثة دراهم ورقا لم يقطع. قال: ولو قال رجل لرجل: قد سرقت منك عشرين درهما, لم يقطع, وضمن العشرين درهما. ولو وجد رجل مع عبد كيسا فيه دراهم, فقال: سرقتها مني؟ فقال العبد: نعم, هذه دراهمك سرقتها منك, فحضر سيد العبد, فأكذب عبده, وقال: بل هذه

دراهمي, كان القول قول السيد, والدراهم له, ولا قطع على العبد. قال: ويقطع الطرار إذا كان يطر سرا, ويأخذ المال. وقد روي عنه رواية أخرى: أنه سئل عن الذي يأخذ من كم الرجل وجيبه ويطر؟ فقال: لا يقطع. هذا بمنزلة المختلس, وليس هذا بحرز. ومن سرق عبدا صغيرا من حرز قطع. فإن سرق حرا صغيرا من حرز وغير حرز لم يقطع. وإذا قطعت يد السارق علقت في عنقه. كذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد: أنه علق اليد في عنق السارق, وهو قول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه. وإن لم يفعل فلا بأس. ولو كانت يمين السارق شلاء قطعت في إحدى الروايتين. وسواء كان يحركها, أو لا يحركها. والرواية الأخرى, قال: الأشل بمنزلة الأقطع اليد, فلا تقطع يمينه الشلاء, وتقطع رجله اليسرى. وقد روي عنه في السارق يسرق المتاع, ثم يتوب لنفسه من قبل أن يقدر عليه, أنه قال: لا يقطع, ويرد ما سرق إلى ربه.

باب القضاء

باب القضاء كره أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه القضاء وشدد فيه؛ للحديث الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين". ولما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليأتين على القاضي العدل ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة". وروي أيضا عن مكحول أنه قال: لأن أُقام فتضرب عنقي أحب إلي من أن أكون قاضيا. فإن افتقر أهل بلد إلى رجل منهم ليس في بلدهم أعلم منه, ولا من يقوم في الحكم مقامه لديانته وعلمه ومعرفته وصناعته, ودعت الحاجة إليه, فقد رخص فيه في هذا الموضع, وقال: لا بد للمسلمين من حاكم, أتذهب حقوق الناس؟! وذكر أحمد معاذ بن معاذ العنبري, فقال: كان قرة عين مع ما يلي به من القضاء. وكره أن يسأل الإنسان القضاء وإن كان من أهله, فإن أجبر عليه عند الحاجة إليه كان أسهل, للحديث الذي يرويه أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل القضاء وكل إلى نفسه, ومن جبر عليه نزل عليه ملك يسدده".

ويجب على كل من ولي القضاء أن يقدم كتاب الله عز وجل أمامه, ويجعله نصب عينيه, ولا يقضي في نازلة بما يخالفه مع وجود الحكم فيه. فإن لم يجد ذلك, فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم عند عدمهما بما أجمع المسلمون عليه, فإن الأمة لا تجتمع على ضلالة. فإن لم يجد شيئا من ذلك اجتهد رأيه, فحكم بما تقوم الدلالة عنده أن الحق فيه, فإن أصاب فله أجران, وإن أخطأ فله أجر. كذلك روى محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع سول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم أحدكم فاجتهد فأصاب, فله أجران, وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر". وكذلك روى أبو سلمة عن أبي هريرة. وليحذر العدول عن ذلك, فقد روى سعيد بن عبدالعزيز عن إسماعيل بن عبدالله, قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ويل لديان من في الأرض من ديان من في السماء, يوم يأتونه إلا من أمَّ بالعدل, ولم يقض على رغبة ولا رهبة, وجعل كتاب الله عز وجل مرآة بين عينيه. وروى الحسن بن عرفة قال: حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة, رجل عرف الحق فقضى به, فهو في الجنة, ورجل قضى

على جهالة, فهو في النار, ورجل عرف الحق فقضى بغيره, فهو في النار". ولا يحل لمن ليس من أهل الاجتهاد والعلم أن يتقلد الحكم, لذلك قال أحمد: لا يجوز الاختيار, إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة مميز. فإن أراد أن يختار نظر إلى أقرب الأمور وأشبهها بالكتاب والسنة, فيعمل به. قال: وينبغي أن يكون عالما بوجوه القرآن, عالما بالأسانيد الصحيحة, عالما بالسنن. والنوازل على ضربين: منصوص ومدلول, فما كان منها منصوصا لا يجوز خلافه. ومن حكم بما يخالف النص نقض حكمه. وسواء كان النص من كتاب أو سنة أو إجماع. والمدلول على ضربين: ضرب متفق على تأويله, فهو كالمنصوص, لا يسوغ خلافه. وضرب اختلف في تأويله السلف رضوان الله عليهم على مذهبين, والناس فيه إلى اليوم قائلان. فيجب على الحاكم اعتبار النوازل المتحاكم إليه فيها, فما كان منها منصوصا, فقد كفي مؤنة الاجتهاد فيه. وكذلك ما كان منها مدلولا متفقا على تأويله. وما كان منها مختلفا في تأويله لزم العمل فيه بما دلته الدلالة على صحته, وادان لله تعالى بأن الحق فيه, فلم يسعه العدول عنه إلى غيره, ولا أن يحكم بخلافه وإن كان مذهبا لغيره, لأنه يرى أنه غير صحيح, ويعتقد أن الحق في سواه, ومتى فعل ذلك كان عاصيا عادلا عن الحق, آثما مستحقا للوعيد. وإن كنا لا ننقض حكمه, كما ننقضه إذا خالف المنصوصات, لوجود الخلاف في المدلولات, غير أن الله تعالى يعلم منه أنه اتبع الهوى, وحكم بما يرى أن الحق في غيره.

وقد قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه في كتاب المتأولين, في من صلى في جلود الثعالب المدبوغة وهو يرى أن الدباغ يطهر أهب الميتة: إن صلاته صحيحة. قال: ولا بأس أن يأتم به من يرى خلاف رأيه ممن يذهب إلى أن الدباغ لا يطهر أهب الميتة. قيل له فإن صلى في جلود الثعالب المدبوغة من يرى أن الدباغ لا يطهر أهب الميتة يجوز الائتمام به؟ فقال: سبحان الله؛ يصلي فيما يعتقد أنه ميتة, صلاته باطلة, وصلاة من ائتم به غير جائزة. وكذلك مذهبه في جميع المتأولين. وإنما عينت هذه المسألة تنبيها على مذهبه في غيرها, وقد بينت مذهبه في المتأولين في كتاب الصلاة من كتابي هذا بما أغنى عن إعادته. فيجب على الحاكم النظر لنفسه, والاحتياط لدينه, والاجتهاد في فكاك رقبته, وإعطاء الجهد من نفسه في طلب الحق والعمل به, اتباعا لقول الله عز وجل: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} الآية [المائدة: 49]. وحذرا من قوله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] , وقال تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: 26]. وقد روى ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس القاضي في مكانه هبط عليه ملكان يسددانه, ويوفقانه, ويرشدانه ما لم يجُر, فإذا جار عرجا وتركاه".

باب الأقضية والشهادات والدعوى والبينات

باب الأقضية والشهادات والدعوى والبينات "البينة على المدعي واليمين على من أنكر". كذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويحكم بالنكول في كل موضع يجب فيه اليمين, قضى بذلك عثمان بن عفان على عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. واختلف أصحابنا: هل يحكم بالنكول في دعوى الكفالة أم لا؟ على وجهين: أوجههما عندي: أن يحكم به. وإذا تداعى نفسان شيئا في أيديهما تحالفا, وكان بينهما نصفين عند عدم بينتهما. فإن أقام أحدهما بينة على دعواه, فهو له. وإن أقام كل واحد منهما بينة على دعواه, قضي بأعدلهما, فإن تساويا اطرحتا, وكانا كمن لا بينة له. وإن كان ذلك في يد أحدهما كان له مع يمينه عند عدم بينة من لا يد له. فإن أقام كل واحد منهما بينة على ما يدعيه من الملك, فالبينة بينة الخارج منهما. وكذلك في دعوى البهيمة, القول قول صاحب اليد, والبينة بينة من لا يد له. فإن كانت بهيمة في يد رجل ادعاها آخر, فأقام صاحب اليد البينة أنها له, وفي يده, نتجت في ملكه, وأقام الخارج البينة أنها له, ولم تذكر بينة الخارج أنها

نُتجت في ملكه, فعلى روايتين: أظهرهما: أنه لا تأثير لذكر النتاج, والبينة بينة الخارج. والرواية الأخرى: أن البينة بينة من ثبت له النتاج وإن كانت في يده. فإن أقام من لا يد له البينة أنها له نُتجت في ملكه, وأقام صاحب اليد البينة أنها له نُتجت في ملكه, فالبينة بينة الخارج قولا واحدا. وإن كان المدعي في يد غيرهما ولا بينة لهما أقرع بينهما, فكان لمن قرع صاحبه منها مع يمينه. واليمين بالله الذي لا إله إلا هو. ويحلف حيث كان, فإن كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أحلف عند منبره صلى الله عليه وسلم, وإن كان بمكة أحلف عند الكعبة تعظيما وتغليظا, وليس ذلك بواجب, وحيث أحلف جاز. وأما الكافر فيحلفه الحاكم حيث يعظم؛ فإن كان يهوديا أحلف بالله الذي لا إله إلا هو, منزل التوراة على موسى بن عمران. وإن كان نصرانيا أحلف بالله الذي لا إله إلا هو, منزل الإنجيل على عيسى بن مريم. وإن كان مجوسيا أحلف بالله وبالأنوار وبما يعظم. وإذا قال الطالب: لا أعلم لي بينة أم لا. وسأل الحاكم إحلاف المطلوب ساغ له إحلافه. فإن أحضر الطالب بعد ذلك بينة قضي له بها. وكذلك لو قال: لي بينة غائبة عن البلد وسأل إحلاف المطلوب جاز إحلافه, ويحكم له بالبينة متى حضرت. فإن قال الطالب: لا بينة لي. وسأل إحلاف المطلوب فحلف, ثم أحضر بينة بعد ذلك لم تُسمع ولم يُحكم له بها؛ لأنه صار مكذبا بالبينة. وكذلك لو ادعى شيئا فشهدت له البينة بغير ما ادعاه, لم يحكم له بها. ويقضى بالشاهد الواحد مع يمين الطالب في الأموال خاصة, عند عدم الشاهدين والرجل والمرأتين, مسلما كان الطالب أو كافرا, رجلا أو امرأة.

وهل يقضى بذلك في الجراح الموجبة للمال دون القصاص, وفي قتل الخطأ أم لا؟ على وجهين. واختلف هل يقضى بشهادة امرأتين ويمين الطالب عند عدم الشاهد من الرجال؟ على مذهبين: منهم من أجاز ذلك, ومنهم من منع منه. وبالمنع أقول. ولا تقبل في الوصايا إلا شهادة رجلين, ولا تقبل فيها شهادة النساء مع الرجال ولا شهادة رجل واحد ويمين الطالب, لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: 106]. ولا يحكم بالشاهد واليمين, ولا بشهادات النساء في حد ولا قصاص ولا نكاح ولا طلاق قولا واحدا. وهل يحكم بالشاهد واليمين في العتق أم لا؟ على روايتين. ولا يمين في حد ولا نكاح, ولا طلاق, ولا ولاء, ولا رق, ولا نسب, ولا رجعة, ولا فيئة, في إيلاء. ولا ينقض الحاكم حكم من تقدمه وإن خالف رأيه ومذهبه, إلا ما خالف فيه النص من كتاب, أو سنة, أو إجماع. ولا يحكم بقول صحابي في حادثة فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف قول الصحابي, لحديث القاسم عن عائشة رضي الله عنها, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا, فهو رد". ولا يحكم بقول تابعي فيما يخالف فيه قول الصحابي. وما اختلف فيه الصحابة من الحوادث التي لا نصوص فيها على مذهبين, ساغ الحكم بأحد المذهبين إذا أدى اجتهاد الحاكم إليه, وساغ الحكم بالمذهب

الآخر لمن أداه اجتهاده إليه, ومن حكم بأحد المذهبين نفذ حكمه, ولم يكن لغيره ممن ذهب إلى المذهب الآخر نقض حكمه. وكذلك ما اختلف التابعون فيه من الحوادث التي لا نص فيها, ولا قول لصحابي, على مذهبين. ولا يُحكم بالحديث الضعيف السند مع وجود الحديث الصحيح السند إذا كان موجبهما يختلف, وليحكم بالحديث الصحيح. ولا يُنقض التأويل بالتأويل, وينقض التأويل بالنص, وبقول النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يحكم بين اثنين وهو غضبان, لما رواه عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان". وإذا حكم في نازلة باجتهاد, ثم حدث مثلها ثانية, فاجتهد فيها فأداه اجتهاده إلى خلاف ما حكم فيه فيما مضى, قضى في الثانية بما أداه اجتهاده الثاني إليه, ولم ينقض حكمه الأول, كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المشركة, أنه لم يشرك بين الإخوة للأبوين والإخوة للأم في عام, وشرك بينهم في عام ثان, فقيل له: إنك لم تشرك بينهم في العام الماضي, فقال: تلك على ما قضينا, وهذه على ما قضينا. وكذلك روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قضى بشيء ثم رجع إلى غيره ولم يرد القضاء الأول. وينبغي للقاضي أن يقضي في موضع بارز للناس, لا يكون دونه حجاب, ولا يقضي إلا وهو شبعان ريان, كما جاء الحديث. وإذا عزم على الجلوس للحكم

لم يدع شيئا تتبعه نفسه إلا وأتاه قبل ذلك, ليحصل له سكون النفس والطبع, واجتماع الهمة, وحضور الفهم والعقل, لما يأتيه في الحكم, لكيلا يتعلق همه بغير ما هو بسبيله. وليصل ركعتين, ويفزع إلى الله عز وجل بالمسألة والافتقار والرغبة إليه في تسديده وتوفيقه للصواب. ثم ينظر, فإن حدث به في خلال النظر مرض, أو جوع, أو نعاس, أو ضجر, أو ملالة, ترك النظر. قال: وله عيادة المرض, وتشييع الجنائز, وقضاء الحقوق في التهاني والتعازي. قال: ولا بأس أن يقضي القاضي في المساجد, فما زال الناس يقضون فيها, ولكن لا تقام فيها الحدود, وليكن جلوسه مستقبل القبلة. وينبغي للقاضي أن يشاور أهل العلم وذوي الفهم والدين فيما ينزل به؛ قد كان محارب بن دثار مع فضله وعلمه إذا جلس للحكم كان الحكم عن يمينه, وحماد عن شماله, فكان ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة. ومتى التبس عليه أمر أخر الحكم فيه إلى أن يتضح له الحق فيمضيه. وليتق الله تعالى, ولا يحكم بجور مع العلم به ولا بجهل. ولا يجوز قضاء جهمي, ولا قدري, ولا معتزلي, ولا ساب السلف من الروافض, ولا مرجئ, ولا أهل البدع المتظاهرين بأهوائهم المضلة وبدعهم, الدعاة إليها, ولا التقدم إليهم, ولا الشهادة عندهم. ولا تجوز ولا يتهم في إنكاح من لا ولي لها من الأيامى. ولا يأخذ القاضي أجرا على القضاء إلا عند الحاجة إليه بقدر شغله من بيت المال, وقد روي عنه: أنه كره أن يأخذ القاضي أجرا على القضاء على حال. ولا يقبل الهدية ممن لم تجر العادة منه بمهاداته قبل ولايته.

ولا يحكم الحاكم بعلمه في الأظهر عنه. وقيل: يحكم بعلمه في الحقوق. ولا خلاف عنه أنه لا يحكم بعلمه في الحدود. واختلف قوله في الحكم على الغائب على روايتين. أجازه في إحداهما, ومنع منه في الأخرى, إلا أن يحضر أو وكيله, وبهذا أقول. قال: والقاضي مخير في الحكم بين أهل الذمة فيما يدعيه بعضهم على بعض إذا ارتفعوا إليه, فإن لم يختر النظر بينهم لم يحرج, وإن حكم بينهم فليحكم بحكم الإسلام. قال الله عز وجل: {فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] يريد: بالعدل. ولو استعدى إليه بعضهم على بعض لم يلزمه استدعاء من لم يحضر منهم إلا أن يشاء النظر بينهم. قال: فإن اختصموا إلينا في أعيان المحرمات, كالميتة والدم ولحم الخنزير والخمر, وما في معنى ذلك لم يعجبني أن أحكم بينهم في ذلك. قيل له فإن اختصموا في أثمانها؟ قال: يُحكم بينهم فيها. فإذا اختصم إلى القاضي مسلم وذمي لزمه النظر بينهم. ولا فرق بين أن يكون الحق للمسلم أو للذمي. ولو مات رجل وخلف ابنين مسلما ونصرانيا, وكل واحد منهما معترف بأخوة الآخر, فادعى المسلم أن أباه مات مسلما, وادعى الذمي أنه مات نصرانيا, ولا بينة على إسلامه, كان ميراثه لابنه النصراني مع يمينه, دون ابنه المسلم, لأن المسلم معترف بكفر أبيه مدَّع لإسلامه, فلا يقبل منه إلا ببينة. وقد روي عنه رواية أخرى: أنهما في الدعوى سواء, فالميراث بينهما نصفين عند عدم بينة كل واحد منهما. وكذلك لو أقام المسلم بينة أنه مات مسلما, وأقام الكافر بينة أنه مات كافرا

كانا كمن لا بينة له. ولو لم يعترف المسلم بأخوة النصراني وأيديهما جميعا على التركة, ولا بينة لواحد منهما, وادعى كل واحد منهما جميع التركة, كان الميراث بينهما نصفين, لتساويهما في الدعوى. فإن شهد شاهدان أنهما يعرفانه مسلما, وشهد شاهدان أنهما يعرفانه نصرانيا ولم يؤرخ الشهود الشهادة, قضي بإسلامه؛ لأنه طارئ على الكفر, وكان الميراث للمسلم دون الابن الكافر. ومن ثبت عليه حق فطولب به, فتوارى في منزله, لم يدمر عليه, ولم يهجم على منزله, بل يضيق عليه, ويختم الحاكم بابه بعد الإعذار بالنداء على بابه ثلاثة أيام, فإن امتنع من الحضور بعد الإعذار, فهل يُقضى عليه وهو غائب بما يثبت لخصمه من الحق عليه أم لا؟ على روايتين. ومن ادعى دينا على ميت, فصدقه بعض الورثة, ولا بينة, لزم الوارث المقر من الدين بقدر نصيبه من الإرث. ومن مات وخلف ابنين, فأقر أحدهما بأخوة ثالث, وأنكر الابن الآخر, دفع المقِر للمقَر له ثلث نصيبه من الميراث, ولم يثبت بذلك نسبه من الميت. فإن خلف ثلاثة بنين, فأقر اثنان منهم بأخوة رابع, وأنكر الثالث, ثبت نسب المقر له, وشاركهم في الميراث. ومن ادعى زوجية امرأة وأنكرته, ولا بينة له, فرق الحاكم بينهما, ولم تحلف المرأة. قال بعض أصحابنا: وأرى للحاكم أن يفسخ النكاح بينهما, فإن كان الزوج كاذبا لم يضر ذلك, وإن كان صادقا انفسخ العقد بذلك, وجاز للمرأة أن تتزوج بعد انقضاء العدة. وهذا وجه صحيح, وقد لوح أحمد رضي الله عنه في موضع بأن لحكم الحاكم تأثيرا في فسخ عقد النكاح.

وكذلك لو ادعت امرأة زوجية رجل وأنكرها, ولا بينة لها, كان القول قوله, ولا يمين عليه. ولو ادعى رجل زوجية امرأة ميتة, وأحضر معه ولدا, فقال: هذه زوجتي, وهذا ابني منها, لم يقبل منه إلا أن يأتي ببينة تشهد بأصل النكاح, وأنه تزوجها بولي عصبة وشهود, ويكون الولد يولد لمثله, فيثبت حينئذ النكاح, ويستحق الميراث, ويثبت نسب الولد منه. هذه المسألة منقولة عنه على ما بينت, وليس عنه بيان هل يثبت نسب الولد من الميتة أم لا؟ والذي يقتضيه الحكم عندي: أن البينة إن شهدت بأصل النكاح, وأن هذا الولد ولده منها, ثبت نسب الولد منها واستحق الزوج والولد ميراثها. وإن شهد الشهود بأصل النكاح فقط, وللمرأة ورثة معروفون ينكرون نسب الولد منها افتقر الزوج إلى إقامة بينة تشهد أن الولد منها, فإن عدم ذلك ثبت نسب الولد منه بإقراره به, وكان للزوج الربع من الميراث, لأن قوله مقبول على نفسه, ولم يثبت نسب الولد من المرأة ولم يرثها. وكذلك لو ادعت امرأة زوجية ميت, وأقامت البينة على أصل النكاح على ما بينا, ورثته. ولو ادعى رجلان زوجية امرأة, فأقرت لأحدهما, وأنكرت الآخر, لم يُلتفت إلى إقرارها, ولم تسلم إلى المقرة له إلا أن يحضر البينة على أصل النكاح, والولي العاقد له, فإن عدم ذلك فرق بينهما جميعا. وإن أقام كل واحد منهما بينة على دعواه, كان الحكم لأعدلهما. فإن تساويا في العدالة على دعواهما حكم بأقدمهما. فإن جهل الأقدم منهما روي عنه: أنه يرجع في ذلك إلى قول الولي. فإن جهل الولي الأقدم من النكاحين فسخ النكاحان جميعا. فإن أقام أحدهما

البينة على عقد الولي النكاح له عليها على شروط النكاح الصحيح ولا ولي لها من عصباتها غيره, وأقام الآخر بينة بالعقد عليها بولاية أجنبي, ثبت النكاح الذي عقده الولي إن كان متقادما على الآخر, قولا واحدا. وإن كان النكاح الآخر هو المتقادم, فسخا جميعا, وتزوجت من اختارته منهما, إن كان قبل الدخول, في الحال, وإن كان بعد الدخول فبعد انقضاء العدة. ومن ادعت طلاق زوجها وأنكر, ولا بينة لها, فهي زوجته في الحكم, ولا يمين عليه. فإن ادعت أن الطلاق كان ثلاثا, لزمها الهرب منه, ولم يسعها تمكينه من نفسها بعد سماعها طلاقه لها ثلاثا. قال: وتفتدي نفسها منه بما أمكنها, ولا تمكنه من نفسها على حال. واليمين تلزم من ادعي عليه حق وأنكره على البتات, وتلزمه فيما يدعى على ميته على العلم. واختلف قوله فيمن باع سلعة, وظهر المشتري على عيب بها, وأنكره البائع, هل عليه اليمين على علمه أم على البتات؟ على روايتين. واختلف قوله فيمن باع عبدا فأبق عند المشتري, روي عنه أنه يحلف على علمه, وروي عنه أنه يحلف أنه لم يأبق عنده منذ اشتراه. قال: إلا أن يكون العبد ولد عنده, فيلزمه أن يحلف بالله على البتات أنه لم يأبق قط. وقد روي عنه أنه قال: على كل حال, واليمين على علمه فيما يدعي عليه في نفسه, أو فيما يدعى على ميته. وبالأول أقول. ولا يحكم الحاكم برد اليمين في الصحيح من قوله. قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة على المدعي, واليمين على المدعى عليه, فلا

تحول عن الموضع الذي جعلها فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قال: والقسامة ليست أصلا في رد اليمين؛ لأن حكم الأيمان في القسامة يخالف حكم الأيمان في الحقوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اليمين في القسامة على المدعين, وأقامها مقام بيناتهم, فلما نكلوا قال للمدعى عليهم: "تحلفون وتبرؤن". فلا يجوز اعتبار أحد الحكمين بالآخر. ومن ادعى على رجل دعوى فأنكر, ولا بينة للمدعي لم تجب ملازمته قبل ثبوت الحق عليه, ولا مطالبته بكفيل. فإن ذكر المدعي أن له بينة يحضرها في المجلس, فله ملازمته إلا أن يحضر بينته. فإن لم يحضرها حتى قام الحاكم من مجلسه صرفه. وإن قال المدعي: إن بينته بالبعد منه, كان له مطالبته بكفيل بنفسه إلى وقت حضور بينته. ويضرب لذلك أجلا متى جاء بطلت الكفالة. ومن ادعى عليه ما يعلم أنه لا يستحق عليه, وسعه أن يحلف على ذلك بالله تعالى: أنه لا يستحق عليه ليدفع الظلم عن نفسه. ومن أحلف رجلا على دعوى لم يسعه أن يدعيها عليه ثانيا, ولا أن يحلفه عليها يمينا ثانية, إلا أن يجد بينة تشهد له بها. ومن ادعى على رجل ورقا, فأقر له بذهب أو بغيره وقبل المدعي إقراره, لم يكن ذلك جوابا عن الدعوى, ولزمه رد الجواب والخروج إليه مما أقر له به. ومن ادعي عليه حق وهو معسر به لزمه الإقرار, ولم يجز له أن يجحده, ولا يسعه أن يحلف عليه, ويورِّي في نفسه أن يقضيه متى قدر, وإن فعل ذلك عامدا

وحلف استوجب النار إلا أن يتوب. وإذا علم صاحب الحق أنه معسر لم تحل له مطالبته في حال عسرته, ولزمه إنظاره إلى ميسرته. ولا يسع من عليه الحق منعه, ولا المطل به إذا كان قادرا على أدائه, والتمسه منه صاحبه, فإن منعه منه كان آثما وحل حبسه والتضييق عليه حتى يخرج منه. قد روى عمرو بن الشريد عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته". قال وكيع بن الجراح: عرضه شكايته, وعقوبته بحبسه. وقال ابن مسعود: كفى بالمعك ظلما. قال أحمد: المعك: المطل. ومن كان له حق على رجل بشهود فقبض بعضه, وأشهد الشهود على ما قبضه منه ثم جحد الباقي, فقدمه إلى القاضي شهد الشهود له بدينه, وعليه بما قبضه منه. وإن لم يعلم الشهود أنه قبض من حقه شيئا لزمهم أن يشهدوا بجميع الحق, ولزم صاحب الحق الإقرار بما قبضه من حقه, ويأخذ بقيته. ومن كان عليه دين مؤجل فأراد سفرا بعيدا, الغالب من حاله أنه لا يعود إلا بعد حلول الدين, كان لصاحب الحق منعه منه إلا أن يوثقه, أو يعطيه كفيلا بحقه يؤديه إليه عند محله. فإن أراد سفرا قريبا, فهل له مطالبته بكفيل أم لا؟ قيل عنه: له ذلك؛ لأنه لا يأمن ما يحدث عليه. وقيل عنه: ليس له ذلك, لأن الكفيل لا يلزم إلا بعد حلول الحق وتوجه المطالبة به, وها هنا لم يجب بعد, فلا يلزمه. ولا يمين واجبة مع ثبوت البينة الكاملة إلا في دعوى البراءة من الحق, وفيما يدعى على ميت وارثه غائب, والحاكم يرى الحكم على الغائب, فيحلفه بالله على ما يراه من بقاء الحق واستحقاقه إياه في تركه المتوفى, وأنه لم يقبضه, ولا

قبض له, ولا أبرأه من شيء منه, ولا أحاله له, ولا بشيء منه, ولا حلله منه, ولا من شيء منه, وإنه لمستحق له في تركته وقته ذلك, ثم يحكم له به. وكذلك لو خلف المتوفى ورثة صغارا. ولو أقام رجل شهودا بحق له, فقال المشهود عليه: يحلف ويأخذ. لم يلزم المشهود له اليمين, وحكم له ببينته. واليمين الكاذبة لا تسقط الحق, وإنما تقطع الخصومة في الظاهر, فمن حلف يمينا كاذبة على حق لرجل ثم راجع الحق وجاء بما عليه, وسع المحلوف له أخذه. ولو كانت دار في يدي رجلين, فادعى أحدهما نصفها وادعى الآخر جميعها, ولا بينة لواحد منهما كانت الدار بينهما نصفين مع أيمانهما لتساوي أيديهما عليها. ولو كانت الدار في يد غيرهما وادعى كل واحد منهما جميعها, فأقر بها صاحب اليد لأحدهما, وقال: لا أعرفه عينا. أقرع بينهما, فمن قرع منهما صاحبه كانت له مع يمينه. فإن ادعى أحدهما نصفها, وادعى الآخر جميعها, فأقر بها صاحب اليد لهما, فقد سلم النصف لمدعي الكل, ويقرعان على النصف الآخر, فمن قرع صاحبه منهما كان له مع يمينه. فإن كانت دار في يد رجل, فادعاها آخر, فأقر بها صاحب اليد لغائب, كان الخصم فيها الغائب دون صاحب اليد, ولا يقضى بها للحاضر على الغائب ببينة ولا غيرها, إلا أن يحضر أو وكيله في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى, قال: يقضى على الغائب إذا أقام الحاضر البينة العادلة على ملك الدار, ويجعل الغائب على حجته متى حضر. ولو كانت دار في يد رجل, فادعى رجل نصفها, وادعى آخر جميعها وأقام كل واحد منهما بينة على دعواه, كان لمدعي الكل ثلاثة أرباع الدار, ولمدعي النصف

ربعها, ولكل واحد منهما اليمين على صاحبه فيما يحكم به له من ذلك. وحكى بعض أصحابنا: أن أحمد رضي الله عنه سوَّى بين كون الدار في أيديهما, وكونها في يد غيرهما إذا ادعى أحدهما جميعها, وادعى الآخر نصفها في أنها بينهما نصفين. والمنصوص عنه ما ذكرته, ولم يقع إلي عنه بما ذكره, ولا رأيت عنه إلا التفريق بين الموضعين, فإن كان الأمر, كما قال, فالمسألة على روايتين. ولو كانت الدار في يد أحدهما فادعاها كل واحد منهما, وأقام الخارج البينة أنها له, وأقام صاحب اليد البينة أنها له وفي يده, فالبينة بينة الخارج, ولا حكم لبينة صاحب اليد؛ لأنه مدعى عليه, والخارج هو المدعي, والنبي صلى الله عليه وسلم جعل البينة بينة المدعي دون المدعى عليه. فإن كان عبد في يد رجل فادعاه آخر, وأقام صاحب اليد بينة أنه له وُلد في ملكه, وأقام المدعي بينة أنه له, فالبينة بينة من لا يد له في إحدى الروايتين. وفي الرواية الأخرى: البينة بينة صاحب اليد الذي يثبت أن العبد ولد في ملكه, كما قلنا في النتاج في إحدى الروايتين. فإن أقام كل واحد منهما البينة أن العبد له ولد في ملكه, كانت البينة بينة من لا يد له قولا واحدا. وكذلك اختلف قوله في رجل ادعى دارا في يد غيره, وأقام بينة أنها له, وأقام صاحب اليد بينة أنها قطيعة له, فروي عنه أن البينة بينة الخارج, وروي عنه أن الدار لصاحب اليد الذي ثبت أنها قطيعة. ولو أقامت امرأة بينة على زوجها أنه أصدقها هذه الدار وقبضتها, وأقام رجل بينة أنه ابتاعها من الزوج, ونقده الثمن وقبضها, وجهل أولهما ابتياعا, ولم يوقت الشهود الشهادة, أقرع بينهما, فإن خرجت القرعة للرجل قضي بالدار له, وكان للمرأة على زوجها قيمة الدار, وإن خرجت القرعة للمرأة كانت الدار لها, ولزم الزوج أن يرد على المشتري الثمن الذي قبضه منه.

ولو مات رجل وترك زوجة مسلمة, وأخا مسلما, وولدا كافرا, فادعى الأخ والزوجة أنه مات مسلما, وادعى الولد أنه مات كافرا, كان فيها وجهان: أحدهما: أن الميراث للولد الكافر إلا أن يقيم الأخ والزوجة البينة على إسلامه, والوجه الآخر: أن للزوجة الثمن, والباقي بين الأخ والولد نصفين لتكافئهما في الدعوى. فإن توفيت امرأة رجل وابنها منه, وتركت أخاها وزوجها, فقال الأخ: مات ابنها قبلها فورثته, ثم ماتت, فورثتها أنا وزوجها. وقال الزوج: بل ماتت هي, فورثتها أنا وابني منها, ثم مات ابني فورثته. ولا بينة على أسبقهما موتا أقرع على ما تداعياه من الوفاة, فإن وقعت القرعة للأخ كان ميراث الزوجة بينه وبين الزوج نصفين. وإن وقعت للزوج كان ميراثها له دون الأخ, ولكل واحد منهما اليمين على صاحبه فيما يقضى به له في معنى قوله. قال: ولو كان لرجل ثوب, فأقام رجل البينة أنه ابتاعه منه بمئة, وأقام آخر البينة أنه اشتراه منه بمئتين, والبائع يقول: بعته بمئتين, والثوب في يد البائع, فإن كان ذلك قبل الافتراق بالأبدان, كان للبائع أن يفسخ العقدين أو أيهما شاء. وإن كان الافتراق قد وقع, فالمشتريان بالخيار, إن شاءا فسخا البيع, ويرجع كل واحد منهما بما قدمه من الثمن. وإن كانا لم يختارا الفسخ كان الثوب بينهما نصفين لكل واحد منهما نصفه بنصف الثمن الذي ثبت أنه ابتاعه به. قيل لأحمد رضي الله عنه: فإن كان الثوب في يد أحدهما ولا يُدرى أيهما ابتاعه أولا؟ قال: لا ينفعه كونه في يده إذا كان مقرا أنه اشتراه من فلان. وروي عنه أنه فرق بين كون الثوب في يد البائع, أو في يد أحد المشتريين, فقال: إذا كان في يد أحدهما, وهما جميعا يقران به للبائع, ويدعي كل واحد منهما أنه ابتاعه منه قبل الآخر, وأقام كل واحد منهما البينة أنه الأول, أقرع بينهما, فمن قرع منهما صاحبه كان الثوب له.

ولو كان لرجل عبد فأقام رجل البينة أنه ابتاع العبد من سيده بألف, والعبد في يد السيد, وأقام العبد بينة أنه سيده أعتقه, فالحكم لأقدمهما, فإن جهل ذلك ولم يوقت الشهود الشهادة, فعلى روايتين: قال في إحداهما: يقرع بينهما, فإن وقعت القرعة للعبد كان حرا, ورجع المشتري على السيد بالثمن, الذي ساقه إليه. وإن وقعت القرعة للمشتري بطل العتق, وكان العبد له. وقال في الرواية الأخرى: إذا أقام العبد البينة على العتق كان حرا, ورجع المشتري بالثمن على السيد. قيل له: وإن لم يوقت الشهود متى أعتقه؟ قال: وإن لم يوقتوا, فجعل العتق ها هنا مقدما على الابتياع, وجعل الحكم له ما لم يثبت أن الابتياع متقدم عليه. والأول أظهر عنه وأتبع لأصوله. قال: ولو شهد شاهدان على رجل أنه أعتق عبده هذا, فأنكر السيد والعبد جميعا العتق, لم يلتفت إلى إنكارهما, وكان العبد حرا. ولو ادعى ثلاثة أنفس عبدا, فأقام أحدهم البينة أن فلانا باعه هذا العبد بكذا, وهو يملكه, وأقام آخر البينة أن فلانا وهب له هذا العبد, وهو يملكه, وأقام الثالث البينة أن فلانا تصدق عليه بهذا العبد, وهو يملكه, ولم يوقت الشهود الشهادة, أقرع بينهم, فمن قرع منهم صاحبه كان العبد له. قال: ولو ابتاع رجل من رجلين ثوبين: أحدهما بعشرين, والآخر بعشرة, فادعى كل واحد منهما الثوب الذي بعشرين ولا بينة, أقع بينهما, فمن قرع منهما صاحبه كان الثوب له مع يمينه, والثوب الآخر للآخر. ولو كان عبدا بين رجلين, فشهد كل واحد منهما على صاحبه أنه أعتق حصته منه, لم يقبل قوله, ولم يعتق العبد من واحد منهما. قال بعض أصحابنا: إن كان كل واحد من الشريكين موسرا يملك قيمة حصة شريكه من العبد, لم يجز له بيع حصته من العبد, وإن كنت لم أحكم بعتقه؛ لأن

الحرية تسري إلى جميع العبد, فلا يجوز له بيع حصته منه. وإن كانا معسرين جاز لكل واحد منهما بيع حصته من العبد متى أحب؛ لأن الحرية لم تسر إلى جميعه, ولا يشتريه الشريك, وهذا صحيح؛ لأن الشريك عالم بالعتق, فلا يحل له الابتياع, وأحمد رضي الله عنه نص على أن العتق لم يقع من طريق الحكم, ولم يفرق بين اليسار والإعسار, ولم يجعل ها هنا للعبد أن يحلف مع شاهده ويصير حرا قولا واحدا, لأن كل واحد من الشريكين خصم للآخر, فلا تقبل شهادته عليه. ولو أعتق رجل عبده, فقال له الورثة: أعتقك في مرض موته. وقال العبد: بل أعتقني في صحته. كان القول قول الورثة, إلا أن يقيم العبد بينة على أنه أعتقه في صحته. هذا صحيح إذا كان المعتق لا ملك له سوى العبد, أو كان العبد لا يخرج من الثلث, فأما إذا كان يحمله الثلث, والورثة مقرون بالعتق, فقد صار العبد حرا, ولا فرق بين أن يكون أعتقه صحيحا أو مريضا. وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت الذي في أيديهما, أو ورثتهما من بعدهما, ولا بينة لواحد منهما على ما يدعيه منه, قضي لما كان يصلح للنساء للمرأة, وبما كان يصلح للرجال للرجل, وما يصلح لكل واحد منهما بينهما نصفين, ولكل واحد اليمين على صاحبه فيما يحكم له به. ويقبل قول من أسلم بغير سبي في دعوى النسب إذا صدقه المدعي, ولا يقبل ذلك ممن أعتق من السبي إلا ببينة عادلة تشهد على ولادة معروفة قبل السبي. قال بعض أصحابنا: ولا تقبل البينة على ذلك ممن أسلم عندنا ممن حضر الولادة عندهم. ولا فرق عندي بين من أسلم عندنا, أو جاءنا مسلما من عندهم في قبول شهادته بذلك على ما بينت. ويقبل كتاب القاضي إلى القاضي فيما يثبت عنده من الحقوق إذا أوصل إليه شاهدان يقولان: قرأه علينا, أو قرئ عليه بحضرتنا, وقال: اشهدا أنه كتابي إلى فلان.

فإن مات القاضي الكاتب, أو عُزل قبل وصول الكتاب, لم يقبله المكتوب إليه, ولم يعمل به. وكذلك لو مات القاضي المكتوب إليه, أو عزل قبل وصول الكتاب, لم يعمل به من ولي مكانه. فإن حكم حاكم بشيء ثبت عنده, وكتب به إلى قاض آخر, فثبت حكمه عند المكتوب إليه عمل به وأمضاه. وسواء كان القاضي الكاتب حيا أو ميتا, ناظرا أو مصروفا. وقول القاضي فيما حكم به مع بقاء نظره مقبول قولا واحدا. وقوله بعد عزله: كنت حكمت في ولايتي بكذا وكذا. مقبول عنده أيضا, ويتوجه أن لا يقبل ذلك منه بعد عزله, إلا أن يشهد على حكمه شاهدان فيلزم الحاكم الثاني تنفيذ حكمه. والأول هو المنصوص عنه. ولو حكم رجلان ليحكم بينهما, وارتضيا بحكمه, فحكم بينهما, كان حكمه جائزا عليهما ولازما لهما. وينبغي له أن يشهد عليهما بالرضا بحكمه بينهما قبل الحكم, لكيلا يجحد المحكوم عليه منهما أنه حكمه, فلا يقبل قوله عليه إلا ببينة. ولو أقرض ذمي ذميا خمرا, ثم أسلم المقرض, لم يكن له مطالبة المستقرض بالخمر ولا بقيمتها, فإن ابتاع ذمي من ذمي خمرا إلى أجل وقبضا ثم أسلم البائع, فهل له أن يأخذ من المشتري ثمن الخمر أم لا؟ على روايتين: قال في إحداهما: الخمر لا قيمة لها, ولا يحل ثمنها, فلا يأخذ منه شيئا. وقال في الرواية الأخرى: قد وجب الثمن له يوم باعها, وله أخذه منه. ولو باع ذمي ذميا خمرا بألف, ثم مات البائع, وخلف ابنا, فأسلم الابن كان له أن يأخذ من المشتري الألف الذي ابتاع به الخمر من أبيه.

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات وشهادات النساء العدول جائزة فيما لا يطلع عليه الرجال مثل الولادة, والاستهلال, والحيض, وعيوب النساء الغامضة, والرضاع, وما أشبه ذلك. وأقل من يحكم بشهادته منهم في ذلك امرأة واحدة عادلة. وقيل عنه: امرأتان. ويقبل في الأموال شهادة رجلين, أو رجل وامرأتين, أو رجل واحد ويمين الطالب عند عدم الرجلين والرجل والمرأتين, مسلما كان الطالب أو ذميا, رجلا كان أو امرأة. وشهادة ذميين على وصية المسلم في السفر جائزة, عند عدم الشهود من المسلمين, لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت} الآية [المائدة: 106]. وما يقبل لهم في غير ذلك شهادة على مسلم بحال. وهل تقبل شهادات بعضهم على بعض أم لا؟ على روايتين: أظهرهما: لا تقبل, والأخرى: تقبل. ولا يقبل في الشهادة على الزنى أقل من أربعة رجال أحرار مسلمين عدول مرضيين, يصفون الزنى, ويشهدون أنهم عاينوا فرجه في فرجها, كالمرود في المكحلة. فإن شهد أربعة على امرأة بالزنى, أحدهم زوجها, فعلى روايتين: قال في إحداهما: هم أربعة قد أحرزوا ظهورهم, فلا حد عليهم ولا على المرأة. وقال في الأخرى: الرجل قاذف وليس بشاهد؛ لأنه خصم, وعليه جلد ثمانين, وعلى كل واحد من الشهود الثلاثة ثمانون جلدة.

فإن شهد أربعة على امرأة بالزنى, فقال اثنان: زنى بها في هذا البيت. وقال الاثنان الآخران: بل زنى بها في هذا البيت, لبيت آخر, قيل عنه: إن الشهادة صحيحة, وليس هذا اختلافا في الفعل, وإنما هو اختلاف في الصفة. وقيل عنه: إن هذه ليست بشهادة صحيحة. وهذا اختياري, وهو الصحيح؛ لأن العلم محيط أن ظاهر هذه الشهادة يعطي: أن الشهود الأربعة لم يعاينوه على فعلة واحدة, وإنما شهد اثنان على فعل, وشهد اثنان على فعل آخر, لأن الفعلة الواحدة لا يجوز أن تقع في بيتين مخصصين, فصاروا قذفة, وعليهم الحد. ولا يقبل فيما سوى الأموال والزنى إلا شهادة رجلين حرين مسلمين عدلين. وشهادة الطبيب العدل في الموضحة وما في معناها مقبولة إذا لم يقدر على طبيبين, لأنها حال ضرورة, وكذلك شهادة البيطار في داء الداية. ولا تقبل شهادات النساء في نكاح, ولا طلاق, ولا إيلاء, ولا ظهار, ولا في شيء من الحدود. ولا تقبل لهن شهادة إلا في الأموال, وفيما لا يطلع عليه الرجال على ما بينت. والعتق من الأموال يجوز فيه شهادات النساء مع الرجال. وشهادة العبد العدل جائزة في كل شيء سوى الحدود. كذلك روي عن علي ابن أبي طالب, وأنس بن مالك رضي الله عنهما. قال أحمد: من تزوج بشهادة عبدين أو مكفوفين صح نكاحه. ولا تجوز شهادة ظنين, ولا خصم, ولا جار إلى نفسه, ولا دافع عنها. ولا تقبل شهادة القاذف, حد أو لم يحد, إلا أن يتوب. ولا تجوز شهادة الابن للأبوين وإن علوا. وقيل عنه: تجوز. ولا تجوز شهادة الوالدين للولد وإن سفل قولا واحدا. وهل تقبل شهادة والد على ولده أو شهادة

ولد على والده أم لا؟ على روايتين. ولا تجوز شهادة زوج لزوجته, ولا شهادتها له, ولا شريك لشريكه, ولا وصي ليتيمه, ويجوز شهادة بعضهم على بعض. وشهادة الأخ العدل لأخيه وعليه, جائزة. ولا تجوز شهادة مجرب في كذبه, ولا مظهر لكبيرة؛ لأنها تجرح وتخرج من العدالة. ولا تقبل شهادات الصبيان في الجراح وإن لم يفترقوا, في الصحيح من المذهب. وهو قول عبدالله بن عباس رضي الله عنه, وقيل عنه: إنها تجوز. وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولا تجوز شهادة قدري؛ لأنه مجوسي, ولا شهادة جهمي, ولا معتزلي, ولا شهادة مرجئ, يعتقد أن الإيمان قول بلا عمل, ولا شهادة رافضي يسب السلف, لأنه مشرك, ولا شهادة مبتدع يعلن ببدعته, ولا شهادة شارب الخمر, إلا أن يتوبوا وتظهر توبتهم. ولا تقبل في شيء من الأحكام إلا شهادة العدول. واختلف قوله في صفة العدول, فقيل عنه: العدل في المسلمين من لم تظهر منه ريبة, رجل مستور. وروي عنه أنه قال: وينبغي للعدل أن يكون فيه ست خصال: يكون فقيها, عالما, ورعا, زاهدا, عفيفا, بصيرا بما يأتي, بصيرا بما يذر. قال: ولا يقبل القاضي قول من لا يعرفه حتى يسأل عنه أهل الخبرة. قال: وينبغي للقاضي أن يسأل عن الشهود كل قليل؛ لأن الرجل قد يتغير من حال إلى حال. والعدل مخير بين تحمل الشهادة وترك تحملها, ما لم تدع إليه ضرورة,

ويفتقر الناس إليه. فإذا تحمل الشهادة وتعينت عليه, لزمه إقامتها, ويأثم في كتمان ما يعلم منها كما يأثم في قول ما لا يعلم. وشهادة الزور من الشرك, قال الله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30] وقال: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72]. وروى شعبة بن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: "الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, وشهادة الزور". ومن شهد بشهادة ثم رجع عنها قبل الحكم بها لم يُعمل بها, ولم يكن على الشاهد شيء, ومن حكم بشهادته ثم رجع عنها لم ينقض الحكم, وأغرم الشاهد ما أتلف بشهادته إن كان مالا, وإن كان دما فقال الشهود: سهونا أو شبه علينا. أغرموا الدية في أموالهم دون عواقلهم. وإن قالوا: تعمدنا. اقتص منهم في النفس وفيما دونها, كذلك روى يحيى بن زكريا عن أشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم: أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل أنه سرق فقطعه, ثم أتي برجل آخر فقالا: ليس الأول, ولكنه هذا. فأبطل شهادته على الآخر وضمنهما دية الأول. قال أحمد: وذكر الشعبي عن علي في اللذين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده, ثم رجعا, أي: أخطآ, قال: فقال علي: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعتكما. ثم أغرمهما الدية وتركهما.

ولو كانا شهدا على رجل بمال ثم رجع أحدها بعد الحكم بالشهادة أغرم نصف المال, ولم يكن له أن يرجع به على المحكوم له. ولو شهدا على رجل أنه طلق زوجته قبل الدخول بها, ففرق الحاكم بينهما, ثم رجعا, لزمهما نصف المسمى, وإن كان بعد الدخول ألزما جميع المسمى. فإن لم يكن سمى لها مهرا كان عليهما ما يحكم به على الزوج من مهر مثلها. وقد قيل: إنهما إن شهدا بالطلاق بعد الدخول ثم رجعا بعد التفريق, لم يلزمهما المهر؛ لأنه قد استحق على الزوج بعد الدخول. فإن شهد اثنان على ميت أنه أعتق عبده هذا في وصيته, وهو الثلث, وشهد آخران أنه أعتق عبده هذا -لعبد آخر- في وصيته, وهو الثلث, ثبت العتق لهما, وتحاص العبدان العتق, ولا يقرع بينهما ها هنا, لأن العتق قد وجب لكل واحد منهما بقدر الثلث, وإنما القرعة تجب إذا كان العتق لأحدهما بغير عينه, وتشاح العبدان فيه. فإن شهد شاهدان لرجل بالثلث, وشهد آخران لآخر بالثلث, وشهد آخران أن الموصي رجع عن أحدهما ولم يعيناه, أقرع بينهما, فمن قرع منهما صاحبه كانت الوصية له. ولو ادعى رجل على رجل أنه فتح حرزه, وسرق منهما يجب القطع في مثله, وجاء بشاهد واحد يشهد له على ذلك, لم تثبت هذه الشهادة له حقا, ولم يجب بها حد ولا مال, وجلد الشاهد عشر جلدات. وقد روى حجاج بن أرطأة عن مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب في شاهد الزور أن يُضرب ظهره, ويحلق رأسه, ويسخم وجهه, ويطاف به, ويطال حبسه.

ولو أقام رجل شاهدي زور, فشهدا على رجل بطلاق زوجته, ففرق الحاكم بينهما, ثم ثبت أنهما شهدا بزور لم يقع التحريم بين الزوجين, ولم يحل للحاكم ولا لكل واحد من شهود الزور أن يتزوج بتلك المرأة, وهي باقية على حكم النكاح مع زوجها, لم تحرم عليه بذلك التفريق. وقد قيل عنه: إن لحكم الحاكم تأثيرا في التفريق. فعلى هذا من قوله, لا تعود إلى زوجها, ولا يحل للحاكم ولا لأحد شهود الزور أن يتزوجها قولا واحدا. والأول عنه أشهر, وفي مذهبه أظهر. وقد احتج أحمد رضي الله عنه لذلك بما رواه: أن يحيى بن سعيد حدثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تختصمو إلي, ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض, وإنما أقضي له بما يقول, فمن قضيت له من حق أخيه, فإنما أقطع له قطعة من النار, فلا يأخذها". قال: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا لم يكن له الحق, فإنما هو نار, فكيف يكون قول بعضنا أو حكم بعضنا يرد أمر الله عز وجل وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام؟!. وهذا هو الصحيح, غير أننا نكره له المراجعة ظاهرا, وإن كانت حلالا فيما بينه وبين الله تعالى, خوفا عليه من مكروه يناله ممن لا يعرف حقيقة الحال. ومن قال: رددت إليك أمانتك, أو ما وكلتني بيعه, أو: دفعت إليك ثمنه. فالقول قوله مع يمينه. فإن قال: رددت إليك إقراضك. لم يقبل منه إلا ببينة أو إقرار صاحب الحق بالقبض. ولو قال: دفعت إلى فلان ما أمرتني بدفعه إليه, فأنكر فلان, فالقول قوله. وعلى مدعي الدفع البينة وإلا ضمن, وله على المنكر اليمين. وقول ولي الأيتام الذي في كفالته وحضانته في الإنفاق عليهم مقبول فيما

يشبه وكذلك قول الوصي, إذ هو كالأب, وتصرفه فيما فيه الحظ لليتيم من بيع وابتياع جائز غير أن لا يبتاع له من نفسه, فإن فعل كان البيع في الوجهين باطلا. والقرض معروف إذا لم يجر منفعة. ومن سئل الإقراض فلم يفعل, لم يأثم. ومن كان عليه دين قدم قضاؤه على الصدقة. وإذا استقرض جاز له أن يرد خيرا مما أخذ إذا لم يكن شرط. وكذلك لو أقرضه دراهم فأعطاه بها طعاما أرخصه عليه, لم يكن به بأس. ولو أقرضه مكسرة فأعطاه عند القضاء صحاحا أقل منها على وجه الصرف, لم يجز. فإن دفع إليه صحاحا مثلها وكان على غير شرط جاز. فإن عاد يسأله أن يقرضه ثانية لم يفعل خوفا من أن يطمع منه في مثل ما مضى. فإن شرط ألا يأخذ إلا مثل ما يُعطي, جاز. وكل قرض جر منفعة ربا, وهو أن يقصد به الانتفاع حال الإقراض, فلا يجوز ذلك, وما ذكرناه إذا لم يكن على شرط ولا تشرف نفس, فموسع. ومن أقرض قرضا لم يقبل عليه هدية. ولا يكون القرض إلا حالا. وإن أجله فله الرجوع في الأجل. ولا يجوز أن يجعل القرض مضاربة إلا بعد قبضه. ويجوز أن يجعل الوديعة مضاربة مع من هي مودعة عنده قبل أن يقبضها. والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة, فلسيدها أخذها, فإن كانت ولدت من الزوج وثبت أنها أمة, كان لمستحقها بعد أخذها قيمة الولد يوم الحكم له بها, وهم أحرار. فإن لم يعلم أنها أمة إلا من إقرارها, فهل يقبل قولها, ولزم الزوج أن

يفدي ولده منها؟ أم لا يقبل ولا يلزمه أن يفديهم؟ على روايتين: أظهرهما: لا يقبل قولها. والأخرى: يقبل, وهم أحرار في كلا الوجهين. وإن كان غره منها غيرها, فما لزمه من فدى وغيره, رجع له على الغار, إلا عقرها, فلا يرجع به.

أحكام الجوار

أحكام الجوار وإصلاح السفل على صاحب السفل حتى يضع صاحب العلو خشبه, وتعليق الغرف عليه إذا وهي السفل فهدم حتى يصلحه, ويجبر على البناء, لأن في تركه إتلاف حق صاحب العلو, ولا ضرر ولا ضرار. وقد روي عنه رواية أخرى: إذا كان السفل لواحد والعلو لآخر, كان بناء السفل عليهما إذا وهى إلى أن يضع صاحب العلو خشبه, ثم البناء على صاحب العلو. وكذلك لو كان السفل لواحد والوسط لآخر, والعلو لثالث, كان على هذه الرواية بناء السفل على الثلاثة إلى أن يضع الأوسط خشبه, ثم على الأوسط وصاحب العلو البناء إلى أن يضع صاحب العلو خشبه, ثم ينفرد صاحب العلو ببناء ما بقي, وبذلك قضى أبو الدرداء رضي الله عنه. وعلى الرواية الأولى ينفرد صاحب السفل بالبناء إلى أن يضع صاحب الوسط خشبه, ثم ينفرد الأوسط بالبناء إلى أن يضع صاحب العلو خشبه, ثم ينفرد الأوسط بالبناء إلى أن يضع صاحب العلو خشبه, ثم ينفرد صاحب العلو ببناء ما بقي. ويمنع من فتح كوة قريبة ليستضيء بها ويشرف منها على جاره. وقيل: يمنع أيضا من فتح باب قبالة باب جاره, ويمنع من حفر بئر بإزاء بئر جاره, فإن فعل, فانقطع ماء بئر الجار أمر حافر البئر الثانية بسده, فإن عاد ماء بئر الجار فذاك, وإن لم يعد كلف صاحب البئر الأول حفر البئر التي سدت لأجله من ماله. وقد روي عنه رواية أخرى: أن الثاني إذا حفر في حقه لم يكلف سد بئره, وإن انقطع ماء بئر جاره.

قال: ويمنع من بناء حمام إلى جانب دار جاره, أو أن يحفر كنيفا إلى جانب حائط جاره إذا كان ذلك مضرا به, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". ويقضى بالحائط إذا تداعاه نفسان ولا بينة لأحدهما لمن إليه القمط والعقود في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: لا يحكم بمعاقيد القمط. ولا يحكم بالحائط لمن له عليه طروح خشب إذا نوزع فيه, ولم يكن له بينة؛ لأنه يجوز لمن لا ملك له في حائط أن يطرح خشبه عليه إذا لم يكن ذلك مضرا بمالكه, وليس لرب الحائط منعه منه إذا كان الحائط وثيقا, إلا أن يكون مضرا به فيمنع. وليس له البناء على حائط جاره بغير أمره, ولا على حائط مشترك بينه وبين غيره إلا بإذن شريكه. ولولا الحديث الوارد في طرح الخشب لمنعنا منه كما منعنا من البناء, ولكن اتباع السنة أولى. روى مال عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره". ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين؟ لأرمين بها بين أكتافكم. وإذا استهدم الحائط المشترك جبر على نقضه قولا واحدا, فمن امتنع من النقض أشهد عليه الشريك, فما تلف له بسقوط الحائط بعد الإشهاد ضمنه

الممتنع من النقض. وإن لم يشهد عليه, لم يضمن ما تلف بالحائط. وإذا نقضاه فأراد أحدهما البناء, وامتنع الآخر, أجبر الممتنع في إحدى الروايتين على المباناة, وفي الرواية الأخرى: لا يجبر, ويبنيه المختار للبناء, ويمنع الآخر من الانتفاع به حتى يعطي له حصته مما لزمه عليه. ولو كان بيتا سفله لرجل وعلوه لآخر فدفع صاحب العلو لصاحب السفل من ثمن الأرض بقيمة حقه من المتاع, ويحصل المتاع مع نقصان من الأرض لشريكه, جاز ذلك. وما كان من حيوان, أو سيف, أو جوهرة, أو فص, أو حجر, أو حمام, وما في معنى ذلك لا يقسم. وسواء كان الفساد في القسمة حاصلا فيه أو في قيمته. وإذا أقر جماعة عند حاكم أن بينهم أرضا هي ملكهم على سهام ذكروها وسألوه قسمتها بينهم, قسمها, وذكر في كتاب القسمة أنه قسمها بينهم بإقرارهم لا بثبوت بينة عنده على ملكهم. ولو ادعى أحد الشركاء غلطا في القسمة كلف البينة, فإن جاء بها, رد الغلط. ولو اقتسموا أرضا ثم استحق بعضهم المقسوم, ردت القسمة في الكل. وكذلك لو كانت الأرض ميراثا, فاقتسمها الورثة, ثم ثبت أن المتوفى كان أوصى بإخراج ثلثها, ردت القيمة, وكذلك لو كان المتوفى لا ملك له غيرها, ثم ثبت عليه دين فبيع بعضها في الدين بعد القسمة ردت القسمة, إلا أن يشاء جميع الورثة قضاء الدين من أموالهم وإقرار القسمة على حالها, فيكون ذلك لهم. فأما الوصية إذا قال الورثة بعد القسمة: نحن نخرج قمية ثلث الأرض بيننا بالحصص ونقر القسمة على حالها, فهل يجوز ذلك لهم أم لا؟ على وجيهن: أحدهما: يجوز, كما جاز في الدين. والوجه الثاني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن المستحق بالوصية بعض الأرض, فتبطل القسمة, ثم إن اختار الورثة ابتياع الثلث

بعد ذلك وإعادة القسمة, كان جائزا, إلا أن يكون الموصي وصى ببيع الثلث وإخراج ثمنه في الوجوه التي ذكرها في كتاب وصيته, فيجوز للورثة ابتياعه من الوصي على الإشاعة, ووزن ثمنه بالحصص, وإقرار القسمة على حالها وجها واحدا. ولا يقسم إلا على بالغ عاقل حاضر, أو على وكيل له ثابت الوكالة منه جعل إلى المقاسمة عنه. ولا يقسم على غائب لا وكيل له حاضر, ولا على يتيم إلا أن يقاسم عنه وليه أو وصيه, إذا كان في القسمة مصلحة له.

قتال أهل البغي

قتال أهل البغي قال الله عز وجل: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9]. فإذا خرجت فئة على الإمام العادل, وبغت عليه, ونصبت إماما, أو خرجت عن طاعته, وأظهرت مشاققته, اجتهد في استصلاحها وردها عن بغيها بأرفق الأمور, وسئلت: ماذا نقمت, وما دعاها إلى الخروج؟ فإن ذكرت ما يوجب مظلمة أزيلت, وإن لم تذكر شيئا من ذلك أمرت بالعود إلى طاعة الإمام, فإن أبت لم تقاتل حتى تؤذن بالقتال. فإن أقامت على البغي بعد ذلك حل قتالها. قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: السلطان ولي من حارب الدين كالخرمية ونحوهم. فإذا قوتل البغاة, فمن قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه ودفن في مقابر المسلمين. ولا تخمس أموالهم, ولا تسبى ذراريهم, ولا تباح أموالهم, ولا يجاز على جريحهم. ومن قعد من الفئة الباغية عن القتال لم يقاتل ولم يقتل. كذلك روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ألا لا يتبع مدبر, ولا يذفف على جريح.

وإن رجع البغاة عن البغي بعد القتال قبل منهم, كما لو رجعوا قبل القتال. وما أصابوه من دم أو مال في حال المعترك لم يطلبوا به, إلا أن يوجد المال بعينه. ومن قتل من أصحاب الإمام العادل كان شهيدا. وما جباه البغاة من خراج بلد تغلبوا عليه احتسب بذلك الإمام لأهل البلد إذا قدر عليه, ولم يعد عليهم به. ولا ينقض من أحكامهم ما لم يخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع. قال أحمد: وكذلك يقاتل الإمام الحرورية إذا دعت إلى دينها وما هي عليه. فأما إذا اجتمعت فئة ممتنعة غير متأولة لا تدعو إلى نفسها, ولا إلى الإمام, فأصابت مالا أو دما, فليس حكمها حكم الفئة الباغية, بل حكمها حكم قطاع الطريق على ما بينت من أمرهم, لا يسقط عنهم ما أصابوا من الأموال والأنفس. والخوارج كلاب أهل النار. كذلك قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه, لحديث فيهم من عشرة أوجه: "الخوارج كلاب أهل النار". والحكم فيهم ما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين سمع رجلا في ناحية المسجد يقول: لا حكم إلا لله, فقال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل. لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد الله تذكرون فيها اسم الله عز وجل, ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا, ولا نبدؤكم بقتال. ولو كان على البغاة وال من قبل الإمام العادل, فقتلوه من قبل أن ينصبوا إماما, كان عليهم في ذلك القصاص في معنى قوله. وهو قول علي عليه السلام.

ولو أسر بالغ من الرجال الأحرار من الفئة الباغية, وحبس إذا خشي منه, ليكف شره عن المسلمين, جاز. ولو خاف الإمام العادل الضعف كان له تأخير قتالهم حتى تمكنه القوة عليهم. ولو استعان أهل الفئة الباغية بأهل الحرب على قتال أهل العدل, قتل أهل الحرب وسبوا, ولا تكون استعانة البغاة بهم على قتال أهل العدل, أمانا لهم. قال أصحابنا: ولو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل, كان نقضا لأمانهم. فإن استعان أهل البغي بأهل الذمة على قتال أهل العدل, فقاتلوا معهم, فعلى وجهين: أحدهما ذلك نقض لعهدهم؛ لأن من قاتل المسلمين من أهل العهد فقد عاد حربيا. والوجه الآخر: لا يكون ذلك نقضا لعهدهم. والأول أظهر, إلا أن يدعوا الجهل, فيقولوا: كنا نرى إذا حملتنا طائفة من المسلمين على أخرى أن قتالها مباح, كما إذا حملنا المسلمون على قتال قطاع الطريق. أو قالوا: لم نعلم أن من حملونا على قتالهم مسلمون, فلا يكون هذا نقضا للعهد وجها واحدا. ويؤخذون بكل ما أصابوا من دم أو مال. وإن قتل رجل من أهل العدل ذا رحم محرم من أهل البغي, أو قتله الباغي في المعترك, قال بعض أصحابنا: إنهما يتوارثان. وحكاه عن أحمد ولم يسم ناقل المسألة عنه. والذي يقتضيه المذهب عندي: أن العادل إذا قتل الباغي في المعترك ورثه؛ لأن التأويل يسعه, كما لو أقاده بوليه لم يكن القود مانعا من الميراث. وكما قال أحمد فيمن شهد على ذي رحم محرم منه بالقتل أو الزنى فقتل بشهادته: إنه لا يكون بذلك قاتلا ويرثه. ومن أريد ماله أو دمه أو حريمه, فله أن يقاتل ويدفع عن نفسه, وإن أتى ذلك الدفع على نفس من أراده, وإن قتل هو كان شهيدا, قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم: "من قتل دون ماله, فهو شهيد".

قتال أهل الردة

قتال أهل الردة وإذا أسلم فريق من الكفار, ثم ارتدوا عن الإسلام إلى أي كفر كان في دار الإسلام أو دار الحرب وهم مقهورون, أو قاهرون في موضعهم الذي أريدوا فيه, أو في غيره, فعلى المسلمين أن يبدؤوا بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط, فإذا ظفروا بهم استتابوهم ثلاثا على ما بينت, فمن تاب منهم حقن دمه, ومن لم يتب قتل بالردة, وسواء في ذلك الرجل والمرأة والعبد. وما أصاب أهل الردة من المسلمين في حال الردة, أو بعد إظهار التوبة وهم ممتنعون في قتال أو غير قتال فسواء. والحكم عليهم كالحكم على المسلمين, لا يختلف في فعل ولا قود. وعليهم ضمان ما يصيبون من الأموال. وما أصاب منهم المسلمون في حال ردتهم من نفس ومال, فلا ضمان عليهم. فإن أسلموا وقد قتلوا منا مسلما خطأ, ودوه, وإن كان عمدا, كان عليهم القصاص.

صول الفحل

صَوْل الفحل وإذا صال الفحل على رجل وطلبه, فلم يقدر على دفعه عنه نفسه إلا بقتله, لم يكن عليه ضمان قيمته, ولا تكون حرمته أعظم من حرمة مالكه لو طلب نفس رجل أو ماله, أن له أن يدفعه عن نفسه, وإن أتى الدفع على نفسه بضرب أو غيره. فإن عض قفاه فلم تنله يداه, ولم يقدر على ضرب فيه لتخليص نفسه منه, فبعج بطنه بسكين. أو فقأ عينيه بيديه, ليتخلص منه, لم يكن عليه ضمان. قد رفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جارية كانت تحتطب, فاتبعها رجل, فراودها عن نفسها, فرمته بفهر أو حجر فقتلته, فقال عمر عليه السلام: هذا قتيل الله, والله لا يودى أبدا.

باب جمل من الفرائض والسنن المؤكدات والرغائب والآداب

باب جمل من الفرائض والسنن المؤكدات والرغائب والآداب الوضوء للصلاة عن حدث فريضة, وهو مشتق من الوضاءة, والمضمضة والاستنشاق فريضة في الأظهر من قوله. وقيل عنه: إنها سنة. والمبالغة في الاستنشاق لغير الصائم سنة. ومسح الأذنين بماء جديد سنة. والسواك سنة, مرغب فيها في سائر أوقات الصلوات, مكروه للصائم بعد الزوال. والمسح على الخفين رخصة وتخفيف. والغسل من الجنابة ودم الحيض والنفاس فريضة. وغسل الإسلام فريضة. وغسل الجمعة والعيدين سنة. وغسل الميت فريضة, يحمله من قام به, وكذلك حمله, والصلاة عليه, ودفنه. والصلوات الخمس في كل يوم وليلة فريضة, وتكبيرة الإحرام فريضة, لا يختلف قوله فيها, وباقي التكبير سنة في الأظهر من قوله. والدخول في الصلاة بنية الفرض فريضة. ولا يصح الأداء بنية القضاء, ولا القضاء بنية الأداء. ورفع اليدين في الصلاة إلى فروع الأذنين أو إلى حذو المنكبين سنة. ورفع اليدين في دعاء الاستسقاء في حالة التوجه مسنون.

وقراءة فاتحة الكتاب في الصلاة على الإمام والمنفرد فريضة, وما زاد عليها سنة. والقراءة على المأموم غير واجبة, مستحبة له في حال الإسرار وسكتات الإمام, مأمور بالإنصات في حال الجهر. والتوجه إلى الكعبة؛ والقيام في الصلاة, والركوع والرفع منه, والسجود, والجلسة بين السجدتين فريضة. والجلسة الأولى, والتشهد الأول مسنون. وقيل عنه: إن ذلك فريضة. والجلسة الثانية فريضة قولا واحدا, والتشهد الثاني فريضة, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه فريضة في إحدى الروايتين. والسلام فريضة. وترك الكلام في الصلاة فريضة. والقنوت في صلاة الصبح بغير سبب محدث. وصلاة الجمعة, والسعي إليها فريضة. والوتر سنة مؤكدة. وصلاة العيدين من فروض الكفايات. وقيل عنه: إنها وصلاة الخسوف والاستسقاء من السنن المؤكدات. وصلاة الخوف واجبة أمر الله تعالى بها, وهو مما يستدركون به فضل الجماعة. والجمع بين الصلاتين ليلة المطر تخفيف قد فعله الخلفاء. والجمع بعرفة ومزدلفة سنة مؤكدة, وجمع المسافر إذا جد به السير رخصة, وجمع المريض يخاف أن يغلب على عقله تخفيف. وجمع المستحاضة إذا اختارت الجمع بالغسل يجوز. وقصر الصلاة في السفر, والفطر فيه رخصة مستحبة عنده, وهي أفضل من الإتمام والصوم. والأمران جائزان. وركعتا الفجر من السنن المؤكدات. وكذلك الركعتان بعد الظهر وبعد

المغرب. وكذلك الركعتان بعد العشاء قبل الوتر. وركعة الوتر مفصولة مما قبلها. والقنوت فيها بعد الركوع. وصلاة التطوع بعد صلاة الفجر قبل طلوع الشمس, وبعد صلاة العصر قبل غروب الشمس منهي عنها, وسواء أكان لها سبب أو لا سبب لها. وقيام شهر رمضان سنة حسنة, فيها فضل كبير. ومن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن أوتر في قيام رمضان مع إمامه كتب له قيام ليلة. وقيام الليل من النوافل المرغب فيها. وأفضل الليل آخره. و "من أحيا ليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب". وفي قيام أول ليلة من رجب, وليلة النصف من شعبان, وليلة عاشوراء فضل عظيم. ومن صلى بعد صلاة المغرب ست ركعات حاز فضلا كبيرا. والصلاة على موتى المسلمين من فروض الكفايات. وطلب العلم فريضة يحملها من قام بها. وعلم أصول التوحيد فريضة على الأعيان, والأخذ فيه بما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما ثبت من قبول أئمة السلف عليهم السلام, وترك القول بما أحدثه المحدثون. والجهاد فريضة يحملها من قام بها, إلا أن يغشى العدو محلة قوم, فيجب على جماعتهم قتاله فرضا. والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها واجب يحمله من قام به. وصوم شهر رمضان فريضة على الأعيان. والاعتكاف سنة, والتنفل بالصوم مرغب فيه, وهو جنة. وروي: "إن للجنة بابا يقال له: الريان, لا يدخل منه إلا

الصائمون". وفي صوم رجب وشعبان فضل كبير. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في الجنة نهر يقال له: رجب, من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر". والاختيار عن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: أن يصوم بعضه ويفطر بعضه؛ لكيلا يشبَّه بالفرض. وصوم يوم عاشوراء كفارة سنة, وصوم يوم عرفة كفارة سنتين ماضية ومستقبلة, وصوم عرفة والتروية لغير الحاج أحسن منه للحاج. وزكاة العين والورق والحرث والماشية والثمار فريضة, وزكاة العروض المبتغى بها التجارة فريضة. وزكاة الفطر فريضة. والحج والعمرة فريضة مرة واحدة في العمر كله. والنية بالحج فريضة, والتلبية سنة, وطواف الإفاضة فريضة, والسعي بين الصفا والمروة فريضة, وقيل عنه: إنه سنة, والإهلال بالحج فريضة. وقيل عنه: سنة. وطواف الورود سنة, وكذلك طواف الوداع, والمبيت ليلة عرفة بمنى سنة, والجمع بعرفة واجب, وقيل: سنة مؤكدة, والوقوف بعرفة فريضة في يوم عرفة, أو ليلة مزدلفة إلى قبل طلوع الفجر الثاني, وبه إدراك الحج. ومن لم يدرك الوقوف بها أحد هذين الزمانين ولو أقل القليل وهو يعقلها, فقد فاته الحج. ومبيت مزدلفة سنة, ووقوف المشعر سنة, ورمي الجمار سنة. والحلاق سنة. وتقبيل الركن سنة, والغسل للإحرام سنة, والركوع عند الإحرام مستحب,

والغسل لدخول مكة مستحب, والطيب قبل الإحرام, وعند الإحلال مستحب. والصلاة في الجماعة واجبة على القادر على إتيانها, وهي تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة, وروي: بخمس وعشرين, والصلاة في المسجد الحرام بمكة بمئة ألف صلاة, والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسين ألف صلاة, والصلاة في بيت المقدس بخمس وعشرين ألف صلاة. وصلاة النوافل في البيوت أفضل منها في غيرها, لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم, ولا تتخذوها قبورا". وفضل الصلاة النافلة بمكة والمدينة وبيت المقدس على غيرها من المواضع كفضل صلاة الفرض فيها على غيرها, إن شاء الله. والصلاة في المقبرة, والمنحرة, والحمام, وأعطان الإبل والحُشِّ, وظهر الكعبة, وقوارع الطرق منهي عنها. والطواف بالبيت صلاة لا يجوز على غير وضوء.

ومن الفرائض: غض البصر عن المحارم, وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج, ولا في النظر إلى العجوز البرزة الهمة, ولا في النظر إلى الشابة لعذر عند الشهادة عليها للشيوخ المأمومين, وقد أرخص في ذلك للخاطب. ومن الفرائض: صون اللسان عن الكذب, والزور, والفحشاء, والغيبة, والنميمة, والباطل كله. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". وحرم الله سبحانه دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إلا بحقها. ولا يحل دم المسلم إلا أن يكفر بعد إيمانه, أو يزني بعد إحصانه, أو يقتل نفسا بغير نفس أو يمرق من الدين. وواجب على كل أحد كف يده عما لا يحل له من مال, أو جسد, أو دم, ولا يسعى بقدمه فيما لا يحل له, قال الله تعالى: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}. [المؤمنون: 1 - 7]. وحرم الله سبحانه وتعالى الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وأن تقرب النساء في دم حيضهن, أو دم نفاسهن, وأباح الاستمتاع في تلك الحال بهن فيما دون فروجهن, فيما فوق الإزار وتحته. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن

إتيانهن في أعجازهن. وأباح إتيانهن في حال الطهر في فروجهن من بين أيديهن ومن خلفهن. وحرم صلى الله عليه وسلم متعة النساء. وحرم من النساء ما تقدم ذكرنا له بما يغني عن إعادته. وأمر الله تعالى بأكل الطيب, وهو الحلال, فلا يحل لأحد أن يأكل إلا طيبا, ولا يشرب إلا طيبا, ولا يركب إلا طيبا, ولا يستعمل سائر ما ينتفع به إلا طيبا. ومن وراء ذلك أمور متشابهات من تركها سلم, ومن أخذها كان كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وحرم الله تعالى أكل المال بالباطل, ومن الباطل الغصب, والتعدي, والخيانة, والربا, والسحت, والقمار, والغرر, والغش, والخديعة والخلابة, وحرم الله سبحانه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير, وما أهل لغير الله به, وما ذبح على النصب, وما أعان على موته ترد من جبل, أو وقذة ببندقة, أو عصا أو حجر, وما في معنى ذلك. والمنخنقة بحبل أو غيره, إلا أن يضطر إلى ذلك, كالميتة. وذلك إذا صارت بذلك إلى حال لا حيلة بعده, فلا ذكاة فيها. ولا بأس للمضطر في السفر أن يأكل من الميتة بقدر ما يزيل الاضطرار ويأمن معه الموت. وقيل: بل له أن يأكل منها حتى يشبع. والأول عنه أظهر وأصح. والخنزير نجس العين حيا وميتا, وشعره وكل شيء منه حرام ونجس. وكذلك الكلب حرام نجس العين. والخمرة حرام نجسة العين, وحرم الله سبحانه شرب قليلها وكثيرها, وكان شرابهم يوم حرمت الفضيخ: التمر والبسر. وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم

أن ما أسكر كثيره من الأشربة فقليله حرام. وكا ما خامر العقل فأسكر من كل شراب فهو خمر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها". ونهى عن الخليطين من الأشربة. وذلك أن يخلط عند الانتباذ وعند الشرب. وقال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: من شرب خليطين فكأنه أكل لحم خنزير ميت؛ لأن المسكر حرام. ونهى صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الدباء والحنتم, والنقير والمزفت, وأرخص في الانتباذ في الأسقية غير المسكر. ثم روي عنه عليه السلام أنه أرخص في الانتباذ في سائر الأوعية, وقال: "ألا إن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه فانتبذوا في الظروف واجتنبوا كل مسكر". ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع, ومخلب من الطير, وعن أكل لحوم الحمر الأهلية. والبغال في معناها محرمة أيضا. ولا ذكاة في شيء منها. وكل ما لا تعمل الذكاة في إباحة لحمه لا تعمل في طهارة جلده. وتصح الذكاة في الحمر الوحشية وأكلها حلال. ومن الواجب بر الوالدين وإن كانا فاسقين. وطاعتهما في غير معصية الله عز وجل. فإن كانا كافرين فليصاحبهما في الدنيا معروفا, ولا يطعهما في كفر, ولا في

معصية الله عز وجل, فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق. وعلى الوالد أن يعلم ولده الكتاب, وما يقيم به دينه من فرائضه وسننه, والسباحة, والرمي, وأن يورثه طيبا. وعلى المؤمن أن يستغفر لأبويه المؤمنين, وأن يصل رحمه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن ينسأ في أثره, أو يزاد في رزقه, فليصل رحمه". وعليه موالاة المؤمنين والنصيحة لهم. وفرض عليه النصيحة لإمامه, وطاعته في غير معصية الله عز وجل, والذود عنه, والجهاد بين يديه إذا كان فيه فضل لذلك, واعتقاد إمامته, فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. وإن بات ليلة لا يعتقد فيها إمامته, فمات على ذلك, كانت ميتته ميتة جاهلية. ولا يبلغ أحد حقيقة الإيمان حتى يحب لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه. كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن حق المؤمن على المؤمن أن يسلم عليه إذا لقيه, ويعوده إذا مرض, ويشمته إذا عطس فحمد الله, ويشهد جنازته إذا مات, ويحفظه إذا غاب في السر والعلانية. ولا يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. والسلام عليه يخرجه من الهجرة. ولا ينبغي له أن يترك كلامه بعد السلام عليه. والهجران الجائز هجران ذي البدعة أو مجاهر بالكبائر, ولا يصل إلى عقوبته, ولا يقدر على موعظته أو لا يقبلها. ولا غيبة في هذين في ذكر حالهما, ولا فيما يشاور فيه من النكاح, أو مخالطته. ومن مكارم الأخلاق أن تعفو عمن ظلمك, وتعطي من حرمك, وتصل من قطعك.

وأفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح. يريد -والله أعلم- المعادي المباغض. وحسن الجوار مأمور به مرغب فيه. فإن للجار حقا وحرمة. وليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار, ولكن تحمل الأذى من الجار ما لم يعص الله عز وجل. ولا يحل لأحد أن يتعمد سماع الباطل كله, ولا أن يتلذذ بسماع كلام امرأة لا تحل له, ولا يسمع شيئا من الملاهي والغناء, ولا قراءة القرآن باللحون المرجعة, كترجيع الغناء, وليجل كتاب الله عز وجل العزيز أن يتلى إلا بسكينة ووقار, وترتيل, وحضور الهمة, وما يوقن أن الله سبحانه يرضى به, ويقرب منه, مع إحضار الفهم لذلك, وقراءة الإدارة, وتقطيع حروف القرآن مكروه عنده. ومن الفرائض الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, على كل من بسطت يده في الأرض, وعلى كل من تصل يده إلى ذلك, فمن عجز عن ذلك بيده فبقلبه, ولسانه, فإن لم يقدر, فبقلبه. وفرض على كل مؤمن أن يريد بكل قول وعمر وجه الله الكريم. ومن أراد بذلك غير الله لم يقبل عمله. والرياء: الشرك الأصغر. والتوبة فريضة من كل ذنب من غير إصرار. والإصرار: المقام على الذنب, واعتقاد العود إليه أو إلى مثله. ولا صغيرة مع إصرار, ولا كبيرة مع استغفار. وقد روي: "هلك المصرون قدما قدما إلى النار".

ومن التوبة: رد المظالم, واجتناب المحارم, والنية ألا يعود, ويستغفر ربه, ويرجو رحمته, ويخاف عذابه, ويتذكر نعمته, ويشكر فضله عليه بالأعمال بفرائضه, وترك ما يكره فعله, ويتقرب إليه بما يسره له من نوافل الخير. وكلما ضيع من فرائضه فليتب إلى الله عز وجل من ذلك, وليفعله الآن, ويرغب إلى الله عز وجل في تقبله, ويتوب إليه من تضييعه, وليلجأ إليه جل اسمه فيما عسر عليه من قياد نفسه ومحاولة أمره, موقنا أنه المالك لصلاح شأنه, وتوفيقه وتسديده, لا يفارق ذلك على ما فيه من حسن أو قبيح. ولا ييأس من رحمة الله والفكر في أن الله تعالى مفتاح العبادة, ويعلم أنه لا يقدر على شيء إلا ما قدره الله عليه ويسره له. واستعن بذكر الموت والفكرة فيما بعده, وفي نعمة الله عليك, وإمهاله لك, وأخذه لغيرك بذنبه, وفي سالف ذنبك وعاقبة أمرك والمبادرة بالتوبة فعسى أن يكون قد قرب أجلك.

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك ومن الفطرة عشر, خمس منها في الرأس, وخمس في الجسد. فأما التي في الرأس: فالمضمضة, والاستنشاق, والسواك, وقص الشارب, وهو طرف الشعر المستدير على الشفة. وإحفاؤه أحب إلينا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحفوا الشوارب", وفرق الرأس. وأما التي في الجسد: فقص الأظافر, وحلق العانة, ونتف الجناحين, والاستنجاء, والختان, وهو سنة للرجال, والخفاض, وهو مكرمة للمرأة. وأمر بإعفاء اللحى, فالأفضل أن توفر ولا تنقص إلا ما زاد منها على القبضة, فلا بأس بأخذ الزيادة لمن أحب ذلك. ويكره صباغ الشعر بالسواد, ولا بأس به بالحناء والكتم. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال عن لباس الحرير وتختم الذهب وعن التختم بالحديد. ولا بأس بالفضة في حلية خاتم الرجل,

وسيفه, ومنطقته, ولا يجعل ذلك في لجام, ولا سرج, ولا في سكين, ولا آنية, ولا في غير ما ذكرنا, فإنه من السرف والخيلاء. وقد جاء الحديث: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". فإن كان إناء عليه ضبة يسيرة من فضة على موضع كسر فيه, ولم يقع شربه على ذلك الموضع فموسع. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له قدح مضبب بفضة. وللنساء أن يتختمن بالذهب, ويلبسن الحلي والحرير, ولا يتختمن بالحديد. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه, وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حلال لنسائها". والاختيار: التختم في الشمال, إذ هو آخر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. ولأن تناول الشيء باليمين. ومن كان في يده خاتم عليه ذكر الله سبحانه, فليدره إلى يمينه عند دخوله لقضاء حاجته, وليجعل فصه في باطن راحته, فإذا خرج أداره إلى يسراه. ولو خلعه قبل دخول الخلاء إجلال لاسم الله تعالى وتوقيرا كان أحسن وأفضل. ويعود للبسه إذا خرج, والأول موسع. ولا بأس للرجال بلباس الخز, وإن كان عند بعضهم مكروها. وكذلك العلم في الثوب والطراز, ويكره إذا كان عريضا, ولا بأس بالدقيق منه. ولا يلبس النساء إذا خرجن من الرقيق ما يصفهن, ولا تبدي المرأة زينتها إلا لبعلها, أو من كان ذا رحم محرم منها. ولا يجر الرجل إزاره بطرا, ولا ثوبه من الخيلاء, وليكن إلى الكعبين, فهو

أنظف وأنقى لثوبه. ونهي عن اشتمال الصماء على غير ثوب؛ لأن عورته تبدو, وعن السدل في الصلاة؛ لأنها لبسة اليهود. وفرض على كل أحد ستر عورته, وهي ما بين السرة والركبة في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: العورة: القبل والدبر. والأول أصح. وأزرة الرجل إلى أنصاف ساقيه. والفخذ عورة, وليس كالعورة نفسها؛ للخلاف فيه. والمرأة الحرة عورة كلها إلا وجهها. ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر, ولا تدخله المرأة إلا من علة أو نفاس, والحيض من النفاس. ولتدخل بقميص خفيف لا يمنع وصول الماء إلى جسمها إذا أفاضته عليها من فوقع, ولا تتجرد في الحمام, ولا بأس أن تستعمل النخالة الخالية من الدقيق على جسمها في الحمام مكان الأشنان. ولا يتلاصق رجلان ولا امرأتان في لحاف واحد متجردين. ومن بلغ من الإخوة عشر سنين فرق بينه وبين أخته في المضجع. ولا تخرج امرأة من بيتها إلا مستترة فيما لا بد لها منه. ولا تتبع جنازة, ولا تشهد مقبرة, لقوله صلى الله عليه وسلم: "ارجعن مأزورات غير مأجورات, مفتِّنات الأحياء مؤذيات الأموات". وقيل: "مؤثمات الأحياء" أو كما قال. وقد أرخص بعضم لها في شهود موت أبيها وولدها وذي قرابتها على نحو ما ذكرنا في التخفر والستر. وحرام على الرجال والنساء حضور نياحة أو لطم خد في مصيبة وغيرها, أو

اتخاذ لهو من مزمار, أو طبل, أو عود, أو معزفة, أو طنبور, وما أشبه ذلك من الملاهي الملهية وما أُرخص في شيء من ذلك بحال, إلا في الدف في النكاح. ولا يخلون رجل بامرأة ليست له بمحرم. ولا بأس أن ينظر إليها لعذر من شهادة عليها إذا كان مأمونا, وإذا خطبها للنكاح. وأما العجوز الهمة الهرمة البرزة فمرخص في النظر إلى وجهها. وينهى النساء عن وصل الشعر, وعن الوشم. ومن لبس خفا أو نعلا بدأ بيمينه, وإذا خلع بدأ بشماله. ولا بأس بالانتعال قائما, ويكره المشي في نعل واحد. وتكره التماثيل والصور في الأسرة والقبا والجدران والبيوت, وهو في الرقم أيسر, وتركه أفضل وأحسن؛ لأن التماثيل والصور كلها مكروهة عنده.

باب في الطعام والشراب

باب في الطعام والشراب وإذا أكلت, أو شربت, فواجب عليك أن تقول: بسم الله, وتتناول بيمينك, وإذا فرغت فقل: الحمد لله, وحسن أن تلعق يدك قبل مسحها. ومن أدب الأكل أن تجعل بطنك: ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس. ولو أكل كثيرا لم يكن به بأس. قال الحسن: ليس في الطعام إسراف, والحديث المرفوع ورد بالأول تأديبا لا تحديدا. وإذا أكلت مع غيرك فكل مما يليك, ولا تأخذ لقمة حتى تفرغ من التي قبلها, ولا تتنفس في الإناء عند شربك منه, ولكن أبن القدح عن فيك عند التنفس, ثم عاود إن شئت. وقطع الماء ثلاثا, فإنه أهنأ, وأمرأ, وأبرأ, وسم الله عند كل ابتداء واحمده عند كل قطع. ولا تعب الماء عبا, بل مصه مصا, ولطف لقمك, وأجد مضغ طعامك حتى تنعمه قبل أن تبلعه, ففيه بركة, ونظف فاك بعد طعامك, وغسل اليدين من الغمر بتنظيف وأدب حسن. وخلل ما تعلق بأسنانك من طعامك, فإنه روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ترك الخلال يوهن الأسنان. وإياك والتخلل بالقصب؛ فإنه روي أنه يورث الأكلة في الفم. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب بالشمال. وناول

إذا شربت من عن يمينك, والنفخ في الطعام والشراب والكتاب منهي عنه, والشرب في آنية الذهب والفضة محرم. ومتخذ الآنية من ذلك عاص. ولا بأس بالشرب قائما. وقيل: إنه مكروه. ومن أكل الكراث أو البصل أو الثوم نيئا حتى وجد منه ريحه, فلا يدخل المسجد. ولا يأكل متكئا فقد نهي عنه. ويكره الأكل من رأس الثريد, ونهي عن القران في التمر, وقيل: ذلك مع الأصحاب الشركاء فيه, فلا بأس بذلك إذا كان الآكل وحده أو مع أهله أو مع قوم هو أطعمهم, وتركه مع كل أحد أولى وأفضل وأحسن. وغسل اليدين قبل الطعام تنظيف وبركة, وليغسل يده وفاه بعد الطعام من الغمر ويمضمض من اللبن, ولا يغسل اليد بشيء من الأطعمة, ولا يحب ذلك بالقطاني أيضا, مثل العدس ونحوه, فإنه مكروه. ولا بأس به بالنخالة الخالية من الدقيق. قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: لا بأس بغسل اليد بالنخالة, ونحن نفعله. ومن دعي إلى وليمة عرس ليس فيها لهو ولا منكر فليجب, وهو مخير بين أن يأكل أو لا يأكل, ولا يأكل من طعام يشرب عليه المسكر, ولا يأكل من حلال امتزج به محرم.

باب في السلام والاستئذان

باب في السلام والاستئذان, والتناجي, وفي ذكر القراءة, وفي الدعاء, وذكر الله عز وجل, والقول في السفر رد السلام واجب, والابتداء به سنة مرغب فيها. والسلام: أن يقول الرجل: السلام عليكم ورحمة الله. وإن اقتصر على قوله: السلام عليكم, جاز. ويقول الراد: وعليكم السلام ورحمة الله. أو يقول: وعليكم السلام, كما قيل له, وهو قوله تعالى: {أو ردوها} [النساء: 86]. وأكثر ما ينتهي السلام إليه من البركة أن تقول في ردك: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ولا تقل في ردك: سلام الله عليك. وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأهم, وكذلك إن رد واحد منهم, ويسلم الراكب على الماشي, والماشي على الجالس. والمصافحة سنة, روي فيها فضل كبير. والمعانقة عند القدوم من السفر حسنة أيضا. ولا يبدأ أهل الذمة بالسلام. وإذا سلم يهودي أو نصراني على مسلم فليقل: عليك. وإذا لقي المسلم يهوديا في طريق, فليضطره إلى أضيقها. وإن سلم الذمي على المسلم, فقال: عليك السلام, بكسر السين وهي الحجارة, فقل مثل ذلك. والاستئذان واجب, ولا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا, فإن أذن لك

وإلا رجعت. وإذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر خيرك. ويرغب في عيادة المرضى, لما فيه من الفضل. وأكثر من ذكر الله تعالى, فقد روي عن معاذ بن جبل أنه: صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل آدمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وأفضل من ذكر الله باللسان ذكره عند أمره ونهيه. ومن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح, وأمسى: "اللهم بك نصبح, وبك نمسي, وبك نحيا, وبك نموت". يقول في الصباح: "وإليك النشور". وفي المساء: "وإليك المصير". وروي مع ذلك: "اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك نصيبا في كل خير تقسمه في هذا اليوم وفيما بعده, في نور تهديني به, أو رحمة تنشرها, أو رزق تبسطه, أو ضر تكشفه, أو ذنب تغفره, أو شدة ترفعها, أو فتنة تصرفها, أو معافاة تمن بها برحمتك, إنك على كل شيء قدير". ومن دعائه صلى الله عليه وسلم عند النوم, يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن, والأخرى على خده الأيسر, ثم يقول: "اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه, إن أمسكت نفسي فاغفر لها, وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك". "اللهم إني أسلمت نفسي إليك, ووجهت وجهي إليك, رهبة منك ورغبة إليك, لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك, أستغفرك وأتوب

إليك, آمنت بكتابك الذي أنزلت, وبنبيك الذي أرسلت, فاغفر لي ما قدمت وأخرت, وأسررت وأعلنت, أنت إلهي لا إله إلا أنت, رب قني عذابك يوم تبعث عبادك". ومما روي في الدعاء عند الخروج من المنزل: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل, أو أُضل أو أزل, أو أزل, أو أظلم, أو أظلم, أو أجهل أو يجهل علي". وإذا أراد دخول مسجد قدم رجله اليمنى وأخر اليسرى, وقال: بسم الله, والسلام على رسول الله. "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, واغفر لي ذنبي, وافتح لي أبواب رحمتك". فإذا أراد الخروج منه قدم اليسرى وأخر اليمنى, وقال: بسم الله, والسلام على رسول الله, "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, واغفر لي ذنوبي, وافتح لي أبواب فضلك". وروي في دبر كل صلاة أن يسبح ثلاثا وثلاثين, ويحمد الله ثلاثا وثلاثين, ويكبر ثلاثا وثلاثين, ويختم المئة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وعند إرادة الدخول إلى الخلاء يقدر الرجل اليسرى, ويؤخر اليمنى ويقول: بسم الله, "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وإن قال: "اللهم إني

أعوذ بك من الخبيث النجس الرجس الشيطان الرجيم" كان حسنا. فإذا خرج منه قدم اليمنى وأخر اليسرى, وقال: "الحمد لله الذي أطعمني الطعام فبقّى علي حله, وأذهب عني غله". وإذا قال: "الحمد لله الذي رزقني لذته, وأخرج عني مشقته, وأبقى في جسمي قوته فحسن. وإن قال: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني", كان حسنا أيضا. وينبغي أن يكون اعتماده في حال جلوسه على الخلاء على رجله اليسرى, ولا يستقبل القبلة, ولا يستدبرها بغائط ولا بول في الصحارى قولا واحدا. وفي المنازل في إحدى الروايتين. ويتعوذ من كل شيء يخافه, وعندما يخلو بموضع, أو يجلس في مكان, أو ينام فيه, فيقول: "أعوذ بالله وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر, وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ, ومن شر ما ينزل من السماء, ومن شر ما يعرج فيها, ومن شر ما ذرأ في الأرض, ومن شر ما يخرج منها, ومن فتن الليل والنهار, ومن طارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير, يا أرحم الراحمين, ومن كل دابة ربي آخذ بناصيتها, إن ربي على صراط مستقيم". ويستحب لمن دخل منزله أن يقول: ما شاء الله, لا حول ولا قوة إلا بالله, ويسلم على أهل بيته إذا دخله يكثر خير بيته. قد روي عن أنس بن مالك أنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "دم على الطهور, يزيد في عمرك, وصل بالليل والنهار ما استطعت, يحبك الحفظة, وصل صلاة الضحى, فإنها صلاة الأوابين, وصلى على أهل بيتك إذا دخلت, يكثر خير بيتك, ووقر كبير المسلمين وارحم

صغيرهم, ترافقني في الجنة" أو نحو ذا, أو كما قال. ويكره العمل في المساجد من خياطة أو غيرها من الصنائع, لما روى عثمان ابن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "جنبوا مساجدكم صناعكم". ولا تقرأ في الحمام فإنه مكروه, لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: بئس البيت الحمام ينزع فيه الحياء, ولا يقرأ فيه آية من كتاب الله. ويقرأ الراكب والماشي, والجالس والمضطجع, والمتوضئ والمحدث, على كل حال, إلا الجنب والحائض والنفساء؛ فقد روى عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن. ومن قرأ القرآن في سبع فذلك حسن. وأقل ما ينبغي أن يقرأ في ثلاثة أيام؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأه في أقل من ثلاث. والتفهم فيه والاعتبار به مع قلة القراءة أفضل من إدراجه بغير تفهم. ويستحب للمسافر أن يقول عند ركوبه: "بسم الله, اللهم أنت الصاحب في السفر, والخليفة في الأهل والمال والولد, اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر, وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال" ويقول الراكب إن استوى على الدابة: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} [الزخرف: 13 - 14].

وتكره التجارة إلى أرض العدو, وبلاد الكفر. ولا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو, أريد بذلك المصاحف, مخافة أن يذله العدو. وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن عمر أنه نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب". ولا يجوز أن تسافر المرأة مع غير ذي محرم منها, سفر يوم وليلة فأكثر, وقيل: ثلاثة أيام فأكثر, لا في حج فريضة, ولا نافلة, ولا غير ذلك, إلا عند الضرورة وخوف على نفسها.

باب في التعالج وما ذكر في الرقى, والتعوذ, والطيرة, والنجوم, والخصاء, والوسم, وذكر الكلاب, والرفق بالمملوك

باب في التعالج وما ذكر في الرقى, والتعوذ, والطيرة, والنجوم, والخصاء, والوسم, وذكر الكلاب, والرفق بالمملوك ولا بأس بالاسترقاء من العين وغيرها بالقرآن, وبما وردت به الآثار, ورقية العقرب والضرس والصداع جائزة, وحل السحر عن المسحور جائز. والتعوذ حسن. ولا بأس بالتعالج وشرب الدواء. والفصد, والكي. والحجامة حسنة, والكحل للتداوي, وهو من زينة النساء. ولا يتداوى بالخمر, ولا بشيء نجس, ولا بما فيه ميتة, ولا سم, ولا بلبن الأتان الأهلية, ولا بشيء مما حرم الله سبحانه, فلا شفاء في محرم. ولا يتداوى بدواء يصفه له متطبب ذمي, إلا أن يقف على أخلاطه ويعرفها. ويكره له أن يستطب كافرا, والمسلم أفضل. ولا بأس بالاكتواء عند الضرورة والحاجة إليه. والحقنة مكروهة عنده إلا عند

الاضطرار إليها. ونهى عن قطع البواسير مخافة تلف النفس. ولا بأس بالبط إذا اضطر إليه, وقال أهل البصيرة بالطب: إن فيه صلاحا. وكذلك لا بأس بقطع العضو تقع فيه الآكلة, إذا خيف أن يتعدى إلى أكثر منه. وعلى هذا من قوله, يحتمل أن تكون البواسير إذا خاف على نفسه من تركها, وقال الطبيب: إن في قطعها صلاحا غالبا. يجوز أن تقطع. والنهي هو المنصوص عنه. ولا بأس بالرقيا بكتاب الله تعالى, وبما وردت به الأخبار من الكلام الطيب. ولا بأس بالقلادة يعلق فيها القرآن وكذلك التعاويذ. ولا بأس بالكتاب للحمى, قال أحمد ابن حنبل رضي الله عنه: حممت, فكتب لي من الحمى: بسم الله الرحمن الرحيم, بسم الله وبالله, ومحمد رسول الله, يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم, وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين, اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أسعف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إلى الحق آمين. قال: ويكتب للمرأة إذا عسر عليها ولدها في جام أو شيء نظيف: بسم الله الرحمن الرحيم, لا إله إلا الله الحليم الكريم, سبحان الله رب العرش العظيم, الحمد لله رب العالمين, {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} [النازعات: 46] , {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ

فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} [الأحقاف: 35]. ثم تسقى وينضح ما بقي على صدرها. ولا بأس بالرقيا من النملة, وكره التفل في الرقيا, ولا بأس بالنفخ. وإذا وقع الطاعون بأرض فلا يقدم عليه, ومن كان بها فلا يخرج عنها فرارا منه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الشؤم: "إن كان, ففي المسكن والمرأة والفرس". وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وقيل: "خير متاع الرجل المرأة الصالحة" أو كما قال. وكان صلى الله عليه وسلم يكره شين الأسماء, ويعجبه الفأل الحسن. والغسل للعين: أن يغسل العائن وجهه, ويديه, ومرفقيه, وركبتيه, وأطراف رجليه, وداخلة إزاره, في قدح ثم يصب ذلك على المعين. وقيل: بل يغتسل العائن غسلا كاملا يعم به جميع جسده ثم يصب ذلك على المعين. ولا ينظر في النجوم إلا بما يستدل به على القبلة عند الالتباس وآخر الليل,

ويترك ما سوى ذلك. ولا يتخذ كلبا في دار, ولا حصن, ولا بادية, إلا كلب زرع أو ماشية يصحبها إلى الصحراء, ويتروح معها, أو لصيد يصطاده لعيشه, لا للهو. ويقتل منها ما كان أسود بهيما, أو كلبا عقورا. وقد نهي عن خصاء الخيل. وقيل: لا بأس بخصاء الغنم؛ لما فيه من صلاح لحمها. وقد قال أحمد رضي الله عنه: لا يعجبني الرجل أن يخصي شاة. وإنما كره ذلك للنهي الوارد عن إيلام الحيوان. والشدخ في الخصاء أهون من الجب. ولا يسم في الوجه, ولا بأس به في غيره. والرفق بالمملوك واجب, ولا يكلف من العمل ما لا يطيق, وينفق عليه لطعامه وشرابه وكسوته قدر كفايته بالمعروف, ويحسن إليه, وإن سأل التزويج لم يمنع منه.

باب في الرؤيا, والتثاؤب, والعطاس, واللعب بالنرد والشطرنج, وغيرها, وسبق الخيل, والرمي, وغير ذلك

باب في الرؤيا, والتثاؤب, والعطاس, واللعب بالنرد والشطرنج, وغيرها, وسبق الخيل, والرمي, وغير ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة". "ومن رأى منكم ما يكره في منامه فإذا استيقظ, فليتفل على يساره ثلاثا, وليقل: اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت أن يضرني في ديني ودنياي". ومن تثاءب فليضع يده على فيه. وإن كان في الصلاة, فلا يقل فيه: آخ, ولا هاه, ولا ماله هجاء, فإنه يقطع. ولا ينحي يده في حال التثاؤب عن فيه, فإن الشيطان يدخل, كذا جاء الحديث. ومن عطس فليقل: الحمد لله, وعلى من سمعه يحمد الله أن يقول له: يرحمك الله, ويرد العاطس عليه, فيقول له: يهديكم الله ويصلح بالكم فإن عطس ثانية وثالثة شمته إذا حمد الله تعالى, فإن عطس رابعة أو أكثر لم يشمته؛ فإن ذلك ريح.

ولا يجوز اللعب بالنرد, ولا بالشطرنج, ولا بشيء من الأنصاب. ومن مر على من يلعب بذلك, فلا يسلم عليه ولا يجلس إليه. ولا بأس بالسبق والرمي, ولا يجوز ذلك إلا في الحافر والنصل والخف لا غير. فإذا عزما على ذلك أخرج أحدهما ولم يخرج الآخر, ثم استبقا, فإن سبق من أخرج؛ أحز سبقه, ولم يأخذ من المسبوق شيئا. وإن سبق الذي لم يخرج أحرز سبق صاحبه. ولا يخرجا جميعا إلا أن يجعلا بينهما محللا يكافئ فرسه فرسهما. وإن كان السابق أحدهما: أحرز سبقه, وأخذ سبق صاحبه, ولم يأخذ من المحلل شيئا. وإذا أرسلا الفرسين لم يجز أن يجعل مع أحدهما فرسا تحثه على العدو. ولا يصيح به وقت سباقه؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا جنب ولا جلب". وما ظهر من الحيات في الدور والمدن يؤذن ثلاثا, كما جاء الحديث, فإن لم يمض قتل. فأما في الصحاري, فليقتل ولا يؤذن. ولا يقتل القمل والبراغيث بالنار. ولا يقتل النمل, ويقتل الوزغ. ولا يقتل الضفدع. ولا ينبغي أن يفسر الرؤيا من لا علم له بها, ولا يعبرها على المكروه, وهي

عنده على الخير, ولا يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه. ولا بأس بإنشاد الشعر مما فيه مديح النبي صلى الله عليه وسلم, والمسلمين, والهجاء للكفار, والرد عليهم. وأولى القلوب وأفضلها وأقربها إلى الله سبحانه قلب وعى علم دينه وشرائعه مما أمر به, ونهى عنه, ودعا إليه, وحض عليه في كتابه, وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم, والفقه في ذلك, والفهم فيه, والتفهم برعايته, والعمل به, وحفظ كتاب الله سبحانه, والعمل بالقرآن. والعلم أفضل الأعمال. وأقرب العلماء إلى الله عز وجل, وأولاهم به, أكثرهم لله خشية ومراقبة, وفيما عنده رغبة. والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها. واللجوء إلى كتاب الله, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, واتباع سبيل السلف الصالح من المؤمنين, وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس, نجاة. ففي المفزع إلى الله تعالى, العصمة, وفي اتباع سبيل المؤمنين والسلف الصالح, النجاة, وهم القدوة في تأويل ما تأولوه, واستخراج ما استنبطوه, وإذا اختلفوا في الحوادث والفروع لم يخرج عن جماعتهم.

§1/1